رواية ظلام البدر كاملة جميع الفصول

رواية ظلام البدر هي رواية رومانسية والرواية من تأليف بتول طه في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية ظلام البدر لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية ظلام البدر هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية ظلام البدر تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية ظلام البدر كاملة جميع الفصول

رواية ظلام البدر من الفصل الاول للاخير بقلم بتول طه

بعد الكراهية والعناد تجاه بعضهما البعض جمعهما الحب وبدأت في إضاءة ذلك الظلام بداخله..
ولكن ماذا بعد اكتشافها الجزء المظلم منه؟ ماذا بعد اكتشافها ماضيه الذي لا يتقبله هو نفسه؟
ماذا بعد أن احب تلك البريئة وهو لا يريد أن يتلمسها ذلك الماضي المظلم؟
يعلم أنها ستعاني ولكنه لا يستطيع أن يبتعد عنها وتعلم أنها تحبه مهما كان ما يخفيه..

هل سينتصر حبهما أم سيكون الإنتصار للمنطق المطلق في عدم تقبل هذا الظلام؟!
مطلع شهر يونيو عام 1999

صف سيارته مثلما تعود كل صباح ووصد عيناه لثوان متذكراً العديد من الذكريات التي جمعتهما معاً ثم ابتسم بمرارة عنـ.ـد.ما تذكر ضحاكاتها وأسلوبها المرح في الحديث ثم تحولت ملامحه للإنزعاج عنـ.ـد.ما تذكر ما حدث لها فأطفأ محرك سيارته على عجل وهو يحاول جاهداً أن ينفض تلك الذكريات من مخيلته وهرول لداخل ذلك البيت الضخم وحاول التصرف طبيعياً حتى لا يبادر أحد ويـ.ـؤ.لمه مجدداً ما إن رآه حزيناً.

"صباح الخير" تحدث لوالدته بنبرته المقتضبة الجادة التي تبدو خالية من المشاعر تماماً

"صباح الخير يا حبيبي" تحدثت والدته بإبتسامة لطيفة فأقترب منها مقبلاً جبينها "هتفضل كده سايبني ومصمم تعيش لوحدك بردو؟ أنا مش عارفة ايه لازمتها تيجي كل يوم الصبح تفطر معانا وتطلع على الشركة.. ما تخليك هنا وخلاص"

"أمي أرجوكي.. سبيني براحتي"

"ما أنا سايباك براحتك يا بدر بقالي سنين.. امتى بقا هتريحني.. لا عايز يا ابنى تكون جنبنا ولا تعيش حياتك زي أي راجـ.ـل وتتجـ.."

"تاني؟! مفيش فايدة في الموضوع ده؟" صاح بدر الدين حانقاً بهدوء مقاطعاً اياها كاتماً غضبه بكل ما لديه من قدرة تحكم بالنفس

"تاني وتالت ورابع.. حـ.ـر.ام عليك نفسك تفضل عايش كده وحداني، حتى فرحتي بولاد ابني البكري حرمتني منها، هتفضل كده لغاية امتى"

"أنا الموضوع ده مش عايز كلام فيه تاني، و اعتبري اني هفضل كده لغاية ما أموت!! ارتاحي بقا" صاح بصوته الرخيم

"يا حبيبي بص حتى لإخواتك البنات، كل واحدة متجوزة وقاعدة معايا هي وجوزها وأنت قلقني عليك ببعدك ده"

"بردو مش هنخلص، كل يوم نفس الموضوع لما اتخانقت.. ارحميني أرجوكي" أخبرها بملل وحنقة

"فيه ايه يا جماعة صوتكوا عالي كده ليه"

"أنا زهقت"

"عاجبك كده يا شاهي؟! عاجبك اللي أخوكي بيعمله ده؟"

"فيه ايه بس يا ماما؟" تسائلت شاهندة بحسن نية

"فيه إنها مصممة تفكرني بكل حاجة، مصممة على موضوع الجواز تاني، مصممة إني آجي أعيش هنا في البيت.. أريحكوا خالص ومتشوفنيش؟ يكون أحسنلكم كلكم"

"شوفتي يا شاهي؟ عاجبك كلامه ده"

"معلش يا ماما حقك عليا أنا" حاولت تهدئة والدتها "تعالى يا بدر نروح نجيب حمزة يفطر معانا" أمسكت بذراعه ليسير معها متآففاً بينما هزت نجوى رأسها في إنكار على ما يفعلاه.

"خليكي كده مقوياه عليا وأنا كل اللي نفسي فيه إني أشوفه مبسوط وعايش حياة طبيعية"



❈-❈-❈



"مش هنخلص بقا من قرف أخوكي ده كل يوم على الصبح" تحدث صوت ذكوري بإنزعاج لما سمعه لتوه

"معلش يا كريم.. ما أنت عارف أكيد ماما فاتحته في الموضوع بتاع جوازه ده" أجابته زوجته بينما ناولته سترته

"أنا مش فاهم تفكيره، الدنيا خلاص وقفت بعد الست هانم ما مـ.ـا.تت؟ ما يتجوز وخلاص ويريحنا من الخناق بتاع كل يوم الصبح"

"كان بيحبها أوي وأنت عارف كده كويس.. وبعدين يعني لو جرالي حاجة هتتجوز بعدي بسهولة؟" أحاطت عنقه في دلال ليقبل يدها بإبتسامة مقتضبة

"حبيبتي انتي بسبع أرواح.. متخافيش مش هيجرالك حاجة" أنزل يدها بخفة ثم توجه ليقف أمام المرآة

"كده بردو؟ دي كلمة تقولهالي.. ده أنا حتى على وش ولادة"

"ما أحنا من يوم ما اتجوزنا وأنتي على وش ولادة.. كان جرالك ايه يعني؟" ابتسم متهكماً وهو يُكمل ارتداء ملابسه "بقا فيه واحدة في الزمن اللي احنا فيه ده تجيب خمس أطفال؟" صاح ساخراً لتعبس هديل لكلامه

"وفيها ايه يعني.. صحيح النعمة تقيلة.. بص كده على شاهندة وحمزة بقالهم سنين مش عارفين يجيبوا طفل واحد، وبعدين بكرة ولادي دول اللي هيشيلوا كل حاجة معاك.. اديك شايف بدر مش عايز يتجوز بعد مـ.ـر.اته ما مـ.ـا.تت، وشاهندة مبتخلفش، وزياد لعبي ومش بتاع التزام.. بكرة كل اللي شايلينه يبقا بتاعنا وولادنا هيساعدوك"

"مش ممكن تفكيرك اللي بتفكريه ده.. مت عـ.ـر.فيش بكرة هيحصل ايه" هز رأسه ساخراً

"خليك أنت بس ورا تفكيري وأنت تكسب" صاحت بإنتصار

"طيب يالا يا حبيبتي عشان نلحق طقوس الفطار من الأول" أخبرها متهكماً ليتوجها سوياً للخارج.

❈-❈-❈

"يا بدر ما هي بردو نفسها تفرح بيك وماما كبرت ومبقتش زي الأول"

"ربنا يديها الصحة وطولة العمر.. بس هو مش بالعافية وانتي عارفة ان مستحيل حد يجبرني على حاجة"

"ابقا قولها حاضر ولا طيب ولا سايسها شوية.. مش لازم كل شوية خناقات"

"ما أنا ياما عملت كده.. وهي مبتبطلش تفاتحني في الموضوع ده، وشوية والاقيها تقولي سلم على بنت طنط.. وروح وصل فلانة وشغل الخاطبة ده أنا زهقت من كل اللي بتعمله؛ انا مش صغير ولا مراهق للكلام الفارغ ده"

سكتت شاهندة وهي تنظر بشفقة لأخيها ولا تدري ماذا عليها أن تقول، لطالما تحدثت معه بذلك الأمر ولم تحصل منه على أي أمل في أن يغير وضعه هذا

"طب روق ومتزعلش.. تعالى بس نفطر سوا وكلها نص ساعة وهنمشي.. أنا هحاول أكلمها وأخليها تبطل كلامها ده"

"بتاخديني على قد عقلي.. ماشي يا شاهي"

"ما خلاص بقا" ابتسمت له ثم قبلت وجنه "روق كده بس يا حبيبي دلوقتي.. وليك عليا نتعشى سوا أنا وأنت وحمزة برا النهاردة ويبقا خلصتك من خناقة بليل.. ها ايه رأيك بقا في أختك؟"

"حايليني أوي.."

"اضحك بقا يا رخم"

"ماشي.. يالا بينا" ابتسم لها هاززاً رأسه بإنكار ليتوجها سوياً للجميع.


❈-❈-❈

"يا صباح الفل يا ست الكل، ايه الجمال ده بس كله" صاح حمزة ثم قبّل يد نجوى

"صباح الخير يا حبيبي" ابتسمت له ثم توجه لمقعده بجانب شاهندة

"شايف بيعاملها ازاي" همست هديل لزوجها كريم بصوت يكاد لا يسمع ليبتسم لها الآخر ابتسامة لم تلامس عيناه وشرع الجميع في تناول الطعام

"هو زياد راجع امتى؟" تسائل بدر الدين لتجيبه والدته

"راجع الأسبوع الجاي، ده لسه مكلمني امبـ.ـارح"

"مينفعش الدلع ده.. لازم يجي وينزل معانا الشغل، هيعتمد امتى ده على نفسه أنا مش عارف" صاح في صرامة

"وفيها ايه.. ماهو نجح السنادي ومـ.."

"يا أمي أنتي عارفة انه بقاله سنتين في سنة تالتة.. يعني نجاحه جي متأخر.. لازم يتشـ.ـد عليه وكفاية دلع فيه"

"سيبوه براحته" تحدثت هديل "الشغل مش هايروح في حتة.. بكرة هايتعلم" حاولت أن تثني أفكارهم لأنها لا تريد لأي أحد التدخل بطمحوها الذي خططت له

"كلام بدر صح" صاحت شاهندة "لازم زياد يبتدي يعرف كل حاجة يا دودو وكفاياه بقا دلع لغاية كده، أنا مش فاهمة بس طالع لمين كده، وعموماً كلمني بردو امبـ.ـارح واتفق معايا انه هيجي الشركة وهيبتدي ينزل طول الاجازة كلها"

"وأنت يا كريم شايف ايه؟!" تحدث بدر الدين لتتلاقى أعينهما وهو بالحقيقة لا يريد أن يستمع لرأيه ولكن لطالما شعر بالإنزعاج منه لا يدري لماذا!

"والله أنا مش عايز أتدخل يا جماعة بس هانت، ناقصله سنة وكده كده هينزل معانا وهيعرف كل حاجة.. الموضوع مسألة وقت" هز بدر رأسه متهكماً بينما لم يعجب ذلك كريم وأكمل تناول طعامه دون أن ينظر له حتى لا يظهر إنزعاجه

"طب يالا بقا يا جماعة عشان منتأخرش" صاح حمزة ليغير الموضوع لأن يعرف بدر الدين جيداً

"روحوا أنتو أنا مش قادرة أتحرك.. الحمل تاعبني خالص"

"حبيبتي ربنا يقومك بالسلامة.. معلش هانت كلها شهرين" صاحت والدتها

"والله يا ماما تعبانة جداً وطول الليل امبـ.ـارح مش عارفة أنام"

"معلش يا دودو.. هو كده الحمل في السابع بيبقا متعب شوية، هانت وإن شاء الله آخر شهرين يعدوا وتقوميلنا بالسلامة" صاحت شاهندة بإبتسامة

"ده متعب جدا يا شاهي.. لما بردو تجربي غير الكلام" صاحت بدلال وتصنع لتبتسم شاهندة في مرارة

"طيب يا جماعة.. اشوفكم بليل.. باي" توجهت للخارج مسرعة ليلاحظ بدر الدين تأثر شاهندة ولحقها بعد أن نظر لهديل في لوم وغضب جم ولحقهم حمزة في صمت هو الآخر

"مكانش ليه لزوم الكلام ده يا هديل"

"الله يا مامي.. أنا عملت ايه طيب.. مكنتش أقصد حاجة" تصنعت البراءة

"لازم لما تيجي تعتذريلها"

"ماشي يا مامي.. معلش بعد اذنك هريح في اوضتي شوية" صاحت بإقتضاب وغادرت مسرعة لتتمتم في خفوت حانقة "عاملالي بس فيها فاهمة كل حاجة وكلامها لازم يتسمع.. حشرية!!"



❈-❈-❈

"يا صباح الخير يا احلى كوكي في الدنيا كلها" صاحت نور وهي تدلف غرفة والدتها حاملة صينية الإفطار

"بردو تعبتي نفسك؟ أنا كده هتعود على الدلع ده كل يوم بقا ولا ايه" أخبرتها والدتها بإبتسامة حنونة

"وفيها ايه يعني ما انتي شايلاني أيام الدراسة، وبعدين اتعودي، كل يوم هاصحى واحضر لكوكي حبيبتي الفطار وبعدين هانزل اروح الشغل" وضعت الصينية أمامها وشرعت في تناول الطعام

"شغل!!" صاحت والدتها بدهشة "وانتي يا بنتي ناقصك ايه عشان تشتغلي، الخير كتير، انتي ناقصك حاجة يا نوري يا حبيبتي ومخبية عليا؟"

"يا ماما دايماً خيرك مكفيني وزيادة، الفكرة ان زياد زميلي اللي شوفتيه معايا كذا مرة أهله عندهم شركات خدمـ.ـا.ت كبيرة واهي فرصة اتدرب شهور الاجازة عشان بردو ابقى اخدت على جو الشغل واخدت خبرة التدريب"

"طيب يا حبيبتي، أنا بس مش عايزاكي تتبهدلي لكن إذا ده كان كويس لمستقبلك أنا معنديش مشكلة، بس يا نوري لازم تاخدي بالك من نفسك وإذا حسيتي ان الموضوع لعب وهزار متكمليش تدريب ومتخليش حد يحملك جمايل.. أنا فاهمة إن زياد زميلك بس بردو خدي بالك كويس انتي بتعملي ايه" حدثتها والدتها ناصحة اياها بخوف أم فطري

"متقلقيش يا كوكي، وأنا بردو لو حسيت إن الموضوع مالوش لازمة مش هاكمل.. أوعدك يا حبيبتي"

"ربنا يوقفلك يا بنتي ولاد الحلال ويارب اطمن عليكي دايماً وأشوفك في احسن حال.. وبعدين أنتي هتعملي ايه في شركة الخدمـ.ـا.ت دي وأنتي أصلاً بتدرسي إدارة أعمال؟" تعجبت والدتها

"أنا هحكيلك يا كوكي وهافهمك شغلهم" ابتسمت لها نورسين ثم عانقتها وأكملا تناول فطورهما ولم تلاحظ أياً منهما من يسترق السمع ولم يعجبه ما يسمعه.



❈-❈-❈

"مش كفاية بقا يا بدر؟!" تسائلت شاهندة في ارهاق وملل وهي تدلك مؤخرة عنقها

"يا حبيبتي انتي اللي تاعبة نفسك وأنا قولتلك روحي من بدري"

"برضو؟! يعني مش هاتتعشى معانا؟" صاحت في حزن

"معلش سبيني براحتي"

"ماشي يا سيدي وأنا هاخترع لماما حجة واقولها عندنا عقود بتتجدد وبتتراجع!! عد الجمايل" ابتسم بدرالدين لها ابتسامة لم تقابل عيناه وهو يهُز رأسه في انكار وبعدها خلل شعره الفحمي وأكمل مطالعة ما أمامه متظاهراً بالإنشغال بينما لمت أخته حاجيتها استعداداً للمغادرة "أشوفك بكرة بقا واعمل حسابك انك هتقضي الويك اند معانا.. باي"

"سلام يا حبيبتي" أطلق شهيقاً وهو لا يزال بعد كل تلك السنوات يحاول أن يتعامل مع فرط اهتمام عائلته به ولكن لم يجد حلاً بعد.

وما إن غادرت شاهندة وتركته حتى خلع بدر الدين ربطة عنقه بعد أن طوى اياها بعناية ثم تناول الهاتف ليجري مكالمة هاتفية وما إن انتهى منها حتى نهض ليرتب أشياءه وجمعها استعداداً للمغادرة ولكنه فكر أولاً بأن يحتسي كأساً قبل الشروع في تلك الليلة التي خطط لها منذ اسابيع فهو يريد أن يفعل ذلك الشيء الذي لطالما أزاح الكثير من الضغوط عن رأسه وألهمه بعض السلام النفسي حتى يُكمل ذلك الروتين الذي لازمه منذ سنوات!

❈-❈-❈

توجه زياد خارج ذلك البـ.ـار بعد أن شعر بالملل وتوجه لأحدى كبائن الهاتف خارجا من ذلك الملهى الليلي ثم اجرى اتصالا هاتفيًا بعد أن وضع بعض العملات بجهاز الهاتف

"آلو" اجبه صوت نسائي بنبرة هادئة

"نور.. حشـ.ـتـ.ـيني و "

"وانت أكتر يا زيزو.. أخبـ.ـار أمريكا على حسك ايه؟" تسائلت متحدثة له في هاتف منزلها

"أنا زهقت أصلاً وهانت أنا راجع السبت وهننزل الشركة سوا يوم لحد"

"ومين سمعك، أنا نفسي أنت أو مريم تكونوا معايا بس الندالة بقا واخدة حدها معاكوا، كل واحد سافر وسابني"

"هي راجعة امتى صحيح؟"

"لا دي بترجع آخر الأجازة.. ما أنا قولتلك أنها دايماً بتقضي كل اجازة مع اهلها في إسكندرية"

"اه صح أنا نسيت.." لاحظ زياد احدى الفتيات ترتدي ثوباً قصيراً عارياً تتوجه لتدلف الملهى الليلي بإبتسامة جلجل صداها امتلئت بالعهر والدلال المزيف ولكن كان جسدها مثيراً للغاية كما أن خصرها المتمايل بتلك الطريقة عبث بعقله كثيراً فلم يكترث سوى لتخيلاته بقضاء الليلة معها

"زياد أنت معايا؟!" صاحت نورسين من الطرف الآخر

"ايه؟! معاكي!!.." اجابها بعد أن فاق من شروده ولكنه لم يتوقف عن النظر لتلك الفتاة حتى غابت عن عينيه "معلش يا نور هكلمك تاني، باي" أنهى المكالمة ثم توجه ليلحق بالفتاة بإبتسامته التي لطالما سحرت الفتيات، فهي آخر ليلة له هنا ولا يريد أن يضيعها من يده دون الاستمتاع قليلاً.

❈-❈-❈

شعر بالنشاط والحيوية مجدداً بعد أن أنهى اجازته الأسبوعية بتلك الطريقة، يعلم أن هذا سيوقعه بالعديد من المشكلات مع عائلته ولكن سيتصنع اللامبالاة مرة أخرى وسيمر الجدال كواحد من تلك الجدلات العديدة معهم.

خرج من حمامه ملتفاً بمنشفة قصيرة وتوجه ليرتدي ملابسه حتى يبدأ نفس الروتين الذي أصبح دوامة لا نهائية بالنسبة له.

نظر في ساعته ثم توجه للخارج مستقلاً سيارته وهو يحاول أن يستجمع تلك لشخصية التي يواجه بها الجميع، الجدية، الصرامة، عدم الإكتراث وأخيراً العديد والعديد من المبررات اللانهائية لعائلته حتى يتركوه وشأنه.

"صباح الخير" صاح دالفاً لغرفة الطعام لتقابله والدته بنظرة مليئة باللوم

"أنت كنت فين جمعة وسبت؟ عارف قلقتني عليك ازاي؟"

"معلش يا أمي كنت بفصل يومين.. حضرتك عارفة إن قرار إننا نوسع الشركة والمشاريع الجديدة واخدة كل وقتي.. معلش، الاجازة الجاية هكون معاكوا"

"كل مرة بتقول كدة وفي الآخر بتفضل بردو لوحدك" صاحت ليتنهد بدر الدين في آسى ثم أوصد عينيه ليحاول السيطرة على غضبه "هتفضل لحد امتى كـ.."

"بدر!! وحـ.ـشـ.ـتني يا كبير" تكلم زياد ليقاطع حديثهما ثم توجه نحوه ليعانقه

"حمد الله على السلامة! أخيراً رجعت ونويت تنزل الشركة"

"شوف هابهرك!! هاخد الموظف المثالي.."

"اما نشوف!"

"بس سيبك أنت السفرية دي كانت محتجاك.. شوية بنات إنما ايه!!"

"أنت يا ولد!! ازاي تتكلم كده قدامي وقدام أخوك الكبير؟!" صاحت والدته زاجرة ايه

"معلش يا نوجا.. سيبيني أعبر عن اللي جوايا" هز بدر الدين رأسه في انكار

"صباح الخير" صاحت شاهندة بإبتسامتها مثلما تفعل كل صباح وتبعها حمزة زوجها "حمد الله على السلامة يا زيزو.. مصحتنيش ليه لما جيت امبـ.ـارح"

"قولت اسيبك نايمة وبلاش اقلقك" عانقها ثم عانق زوجها وبعدها توجه للمائدة "يالا بقا لحسن ميت من الجوع والنهاردة أول يوم شغل ليا ولزم أتغذى كويس، ولا عايزين البنات اللي عندنا يقولوا عليا مش حلو؟" ضحكت شاهندة ولم يعجب بدر الدين ما يفعله زياد كالعادة

"اتكلم كويس يا زياد ده مش اسلوب" تدخلت والدته بنبرة محذرة

"آسف يا نوجا.."

"خلاص هتيجي معانا النهاردة؟"

"طبعاً.. أنا وعدتك"

"حمد الله على سلامتك يا زياد.. هتروح فين كده؟" صاحت هديل التي انضمت لهم

"هبدأ شغل النهاردة.."

"يالا Good luck" أخبرته بإبتسامة مقتضبة فهي بالأساس لا تريد له الإنـ.ـد.ماج بالعمل

"صباح الخير يا جماعة" تحدث كريم ثم شرع الجميع في تناول الطعام ولم يغادر صباحهم تلك الأحاديث الجانبية وخطط نجوى والدتهم للعشاء اليوم وبالكاد تحمل بدر الدين كل هذا

"يالا أنا يادوبك ألحق أقوم علشان هعدي على بنت زميلتي هتيجي تتدرب النهاردة وهي متعرفش طريق الشركة كويس" صاح زياد وهو يجفف فمه باحدى محارم المائدة

"زميلتك دي ايه دي كمان!!" صاح بدر الدين حانقا

"معلش آسفة يا بدر هو قالي وأنا نسيت أقولك.. عموماً هي هتكون في الإدارة عندي متقلقش" حاولت شاهندة إنقاذ الموقف خوفاً من أن يبدأ غضب بدر الدين باكراً

"طب أنا هاسبقكم" اخبر الجميع بإقتضاب بعد عدم إقتناعه بحجة شاهندة الواهية ولم يعجبه تصرف زياد وعدم الرجوع إليه في أي قرار ثم غادر للخارج.





❈-❈-❈

 

"خدي بالك من نفسك وتطمنيني عليكي أول ما توصلي وتكلميني كل شوية وت عـ.ـر.فيني الناس معاكي أخبـ.ـارها ايه وبيعاملوكي كويس ولا لأ"

"حاضر يا كوكي، دي المرة المليون اللي بتقوليلي نفس الكلام على فكرة" صاحت على عجلة من امرها حتى لا تتأخر بيومها الأول

"يا حبيبتي مش خايفة عليكي؟ مش لازم اطمن على بنتي الوحيدة بردو؟" تعجبت والدتها في حزن فزفرت نورسين في سأم

"حقك عليا.. هكلمك كل لما الاقي فرصة.. وهاديكي رقم المكتب أول ما أعرفه.. أنا بس مش عايزة أتأخر أول يوم" توجهت نحوها وعانقتها وقبلتها "يالا سلام"

"ربنا معاكي يا حبيبتي" ابتسمت لها والدتها "معاكي مفاتيح عربيتك وفلوسك وموبايلك؟"

"ايوة يا حبيبتي متقلقيش.. باي يا كوكي عشان متأخرش" توجهت نورسين للخارج ولازالت أمها تتابعها

"مع السلامة يا حبيبتي وخدي بالك من نفسك ومتتأخريش وأنتي راجعة ومتنسيش تسوقي على مهلك الدنيا مش هتطيـ.." بالكاد اختفى صوت والدتها بعد أن غُلق باب المصعد لتتنفس نورسين أنفاس عميقة وهي بداخلها تشعر بالتـ.ـو.تر من يومها الأول.

توجهت للمرأب لتنطلق بسيارتها البيضاء الصغيرة مسرعة حتى لا تتأخر وبنفس الوقت تتفقد ملامحها وشعرها بالمرآة كلما سمحت الفرصة ورن هاتفها فتفقدته لتجده زياد

"ايه يا زيزو فينك.."

"أنا جايلك اهو في الطريق"

"لا جايلي ايه أنا قربت أوصل أصلاً"

"هو احنا مش كنا متفقين إني هعدي عليكي؟" تعجب زياد متحدثاً لها

"لا ملوش لزوم وأنا أصلاً معايا العربية ومكنتش عايزة أتأخر في أول يوم"

"طيب بقيتي فين دلوقتي؟" سألها حانقاً وهو الذي كان يظن أنهما سيقضيا بعض الوقت سوياً قبل الذهاب للشركة

"خلاص هركن أهو"

"لا أنتي تدخلي الجراج على طول وفهميهم إنك بتشتغلي معايا وأنا قولتلك اركني في الجراج"

"طيب أوكي، مع إني كنت لقيت ركنة خلاص"

"اسمعي بس اللي بقولك عليه وأنا مسافة السكة وهاكون عندك.. أطلعي على شاهندة على طول"

"حاضر.. باي"

"باي" أنهى المكالمة وهو منزعج من تصرفها بينما هي توجهت للمرأب مثلما أخبرها ولكنها توقفت عند البوابة لتضع هاتفها على الكرسي بجانبها ولم تلاحظ أن هناك سيارة مسرعة خلفها وفجأة شعرت بإرتطام سيارتها بسيارة أخرى.

توجهت خارج السيارة على الفور لتلاحظ سيارة أخرى عملاقة غلفها السواد تماماً قد ارتطمت بمؤخرة سيارتها وقد حطمت مصابيح سيارتها وبعضاً من هيكل السيارة الخلفي.

"ايه الغباء ده؟ فيه حد يدخل الجراج بالسرعة دي!!" صاحت في ارتباك ليتوجه بدر الدين خارج سيارته منزعجاً من كلمـ.ـا.تها

"أنتي ايه الأسلوب اللي بتتكلمي بيه ده، وبعدين حد يوقف كده في مدخل الجراج؟!" تحدث بهدوء لها لتنظر له في غضب ثم خلعت نظارتها الشمسية لتقع عيناه على أجمل زرقاوتان رآها بحياته

"أنا كنت بشيل الموبـ.." صمتت من تلقاء نفسها ثم عقدت حاجبيها "وبعدين أنت اللي غلطان!!" صاحت به وصر هو أسنانه في غضب

"أنتي في إدارة ايه؟!" تحدث كاتما غضبه ولم تفترق أسنانه بينما لاحظت هي مدى عجرفته الشـ.ـديدة

"مالكش دعوة، وبعدين أنا هاعمل إيه في العربية دي دلوقتي؟" ابتسم بإقتضاب ثم وضع يداه بجيوبه ولأول مرة تلاحظ كم هو طويلاً للغاية بالرغم من أنها تعتبر طويلة بين النساء كما أزعجها ذلك الشموخ العجيب به.

"لآخر مرة هسألك أنتي في إدارة ايه؟!" سألها بهدوء مجدداً

"مالكش دعوة واتفضل اتصرفلي في العربية، ولا هو تبهدل للناس عربياتهم وتسيبهم"

"تمام، حركي العربية عشان أدخل الجراج" تعجبت من أسلوبه الغريب وكأنه ليس هو من أفسد سيارتها منذ قليل لترفع حاجباها في دهشة

"مش هاتحرك من هنا غير لما تجيب حد يصلحها" وقفت عاقدة ذراعيها أمامه وبمنتهى العناد الطفولي أصرت على موقفها ليومأ هو لها ثم توجه نحو سيارتها دالفاً اياها "ايه ده أنت بتعمل ايه؟" صاحت سائلة وهي تتابعه بينما هو ادار محرك سيارتها دالفاً للمرأب ليزداد غضبها ثم هرولت خلفه ولكن لم تلحقه وبينما هي تسير في نفس الإتجاه الذي ذهب به وجدته عائداً

"أنت ازاي تسوق عربيتي من غير ما تستأذن؟!" صرخت به وهي في قمة غضبها ولكنه لم يجيبها "هات المفتاح لو سمحت!!" حدثته وملامحها تعتريها مشاعر مضطربة بينما لم يعيرها أي اهتمام وتوجه لسيارته وهي بالكاد تلاحق خطواته وهي ترتدي ذلك الكعب الذي أعاق من خطواتها "أنت مش سامعني وأنا بكلمك؟!" صرخت به ومجدداً لم يلق لها بالاً وكأنها شفافة كالهواء.

توجه دالفاً سيارته بينما هي تمنت لو هشمت رأسه بطريقته المتعجرفة تلك ومظهره المزعج للغاية ولكنها لن تستسلم!!

وقفت أمام سيارته حتى لا يستطيع المرور فسيكون عليه الإرتطام بها ولم تتوقع أنه قد يفعلها ولكنها وجدته يتوجه نحوها بسرعة وكأنها ليست موجودة على الإطـ.ـلا.ق.

لم تصدق ما أوشك على فعله، يبدو وكأنه لن يتراجع عن الإتجاه نحوها، هو يمزح، بالطبع يمزح، لربما يريد إخافتها لا أكثر، لن تتحرك، لن تسمح له بأن يفعلها، ستجبره على التوقف رغماً عن أنفه المتعجرف ولكنها لم تعلم من هو بدر الدين الخولي بعد!

ظلت واقفة مكانها وهو يتجه نحوها مسرعاً ولم يتوقف بينما هي ازدادت وتيرة تنفسها وقلقها بل ولأول مرة تشعر بالخوف الشـ.ـديد مثل الآن وبالفعل بات هناك أقل من متراً واحداً بينها وبين سيارته وكاد أن يرتطم بها ولكنها في لمح البصر صرخت لتجد من يزيح جسدها عن الطريق.

"نور انتي كويسة؟!" صاح زياد في لهفة الذي تعجب منذ قليل لماذا السيارات متجمعة أمام المرأب في هذا الشكل ولا تتحرك أياً منها "أنتي ايه اللي كان موقفك كده؟!" صاح زياد مرة أخرى بها ولكنها من الصدمة التي تعرضت لها للتو لم تجيبه وظلت صامته بينما أخذت السيارات في التتابع متوالية دخل المرأب وازداد قلق زياد "نورسين ردي عليا ايه اللي حصل عشان توقفي كده؟!"

"مش .. عارفـة.. واحد كان هنا وخبطني.." بالكاد نطقت بعض الحروف ولكن قاطعهما بدرالدين

"قولتيلي بقا في إدارة ايه؟!" صاح بدر الدين صارراً أسنانه

"أهو هو ده الغـ.ـبـ.ـي اللي خبطلي العربية.. وكان ناوي كمان يخبطني بالعربية لولا أنت لحقتني" أخبرته في اندهاش مصحوب بالمفاجأة ثم عاد لها انفعالها مرة أخرى بينما تفقده زياد ليجده بدر الدين أخيه ولن ينكر أنه شعر بالقلق مما أطلقته عليه فهو لن يتهاون معها بالتأكيد!

"أنتي قولتي ايه دلوقتي؟!" تحدث بمنتهى الهدوء عاقداً كلتا يداه لقبضتان

" خلاص يا بدر معلش هي مكانتش تعرف أنـ..."

"اسكت خالص يا زياد وخليك برا الموضوع ده" قاطعه خالعاً نظارته الشمسية لينظر لزياد بغضب ثم سلط نظرته الثاقبة عليها

"معلش يا بدر ديه نورسين زميلتي اللـ.."

"مش قولتلك تسكت؟!" قاطعه هذه المرة دون أن ينظر له وظل ناظراً لنورسين التي ابتلعت وجلاً من مظهره الذي طغى عليه غضبه الآن ولم يستطع السيطرة على نفسه نهائياً "لآخر مرة هسألك انتي إدارة ايه؟!"

"أنا.. أنا.." تلعثمت قليلا من تأثيره المُهيب عليها وتلك الهالة التي قد تُصيب أيا من كان بالإرتباك ولكنها استجمعت شجاعتها لتُكمل "أنت اللي خبطني وبعدين.. أنا.. أنا معرفش أنا إدارة ايه" أكملت حديثها بصعوبة بعد أن سيطر التـ.ـو.تر عليها

"طيب! تستاهلي بقا اللي هيجرالك" ابتسم بإقتضاب مستفزاً اياها ثم ارتدى نظارته مرة أخرى وتركهما متوجهاً للمصعد وكأن شيئاً لم يكن.

"زياد مين بدر ده اللي فاكر نفسه ملك الكون؟!" سألته في انزعاج لتراه يبتلع قبل أن يجيب.

"ده بدر الدين الخولي.. أخويا الكبير.. والكل هنا بيعامله إنه هو الوحيد صاحب الشركة!" اجابها لينفرغ فمها مما سمعته وغرقت في صمتها دون أن تدري ماذا تفعل.

يُتبع..
"يعني اللي شوفته ده كان..؟؟!" توقفت عن الكلام من تلقاء نفسها ليهُز زياد رأسه بموافقة على ما فهمه من ملامح الصدمة الواضحة على وجهها عند إدراكها بمن يكون ذلك الرجل الذي تشاجرت معه للتو "بس برضو هو.. هو يعني.. محدش بيسوق بالسرعة دي وهو داخل جراج.. هو غلط!!"

"خلاص يا نور وأنا هاخلي شاهندة تكلمه والموضوع هيعدي على خير"

"بس هو غلطان!" صاحت بإنفعال طفولي بملامحها البريئة

"محدش يقدر يطلع بدر أخويا غلطان أبداً!"

"طب هتشوف!! أنا بقى هاوريه.. أنا هاثبتله إنه غلطان وهاتكلم معاه" أخبرته بتحفز وإصرار ببراءة وطفولية وقررت داخلها بأن تذهب وتطيح بكتلة الكبرياء والشموخ تلك التي رآتها منذ قليل بالرغم من التـ.ـو.تر والإرتباك الذي اندلع بسائر حواسها عنـ.ـد.ما رآته

"يا ستي ده بدر.. متحطيهوش في دماغك عشان محدش هيقدر عليه"

"طب أنا هاوريك!!"

"ممم.. Good luck with that! بس اوعي لا تزعلي أنتي"

"هو فاكر نفسه ايه يعني" زفرت بحنق مما أدى لنفخ وجنتيها في طفولة

"سيبك منه، هنقضي اليوم كله كلام عن بدر ولا ايه.. وعلى فكرة شكلك زي القمر النهاردة.. غير ما بتبقي في الجامعة خالص" ابتسمت له بإقتضاب لمجاملته ثم تذكرت أنه ذلك المتعجرف معه مفاتيح سيارتها ولا تملك أياً من أشياءها كما تذكرت أن عليها مهاتفة والدتها وإلا ستشعر بقلق عليها لا نهائي.

"أنا عايزة مفاتيحي اللي معاه، هو مكتبه فين؟!" رمقته بزرقاويتين متسعتين في استفسار

"لا انسي انك تيجي جنبه النهاردة ويُستحسن طول ما انتي بتدربي هنا متجيش جنبه، كفاية انك قولتي عليه غـ.ـبـ.ـي وسمعها بودانه، حاولي تتحاشيه على قد ما تقدري"

"أنا مش فاهمة يعني بدر ده ايه، ملك الكون وأنا مش واخدة بالي؟!"

"هو شخصيته غريبة.. أحسنلنا نفتكره ملك الكون ونبعد عن طريقه" نفخت وجنتاها في براءة وهي تشعر بالغيظ من كل ما حدث

"سيبك منه وتعالي يالا نطلع زمان شاهي جت وهي هتحل كل حاجة، وخديها نصيحة مني لو عايزة تتقي شر بدر صاحبي شاهي، هي الوحيدة اللي بتقدر عليه، وكمان هتتدربي في الإدارة اللي ماسكاها وكده كده هي لذيذة وطيبة اوي وهتحبيها، انسي بقا اللي حصل ويالا بلاش زعل في اول يوم" ابتسم لها تلك الإبتسامة الساحرة التي تؤثر على جميع الفتيات عدا هي!

"يالا بينا"

❈-❈-❈

"خلاص بقا يا بدر اعتبرها عيلة وغلطت، دي من دور أخوك الصغير" تحدثت له شاهندة بينما لم يعيرها هو اي اهتمام يُذكر وتظاهر بالإنشغال أمام حاسوبه بينما بداخله يحترق غيظاً من تلك الفتاة "طب حقك عليا أنا واديني المفتاح عشان فعلاً كل حاجتها في العربية ومحتاجاها"

"تيجي تعتذر على اللي عملته وأنا اديها المفاتيح" أخبرها بعد أن نظر لها نظرته تلك التي لا تحتمل النقاش وقد عرفتها شاهندة جيداً

"أنت مكبر المواضيع كده ليه، كان ايه يعني اللي حصل لكل ده" زفرت في سأم لينظر لها بإنتصار

"هو ده اللي عندي! وسيبيني بقا عشان محتاج أخلص اللي ورايا، مبقاش ورانا حاجة من الصبح غير عيلة صغيرة جاية تتدرب وهتقرفنا بقا!"

"يا ساتر عليك يا بدر لما بتعند!"

"روحي على شغلك.. ومتنسيش النهاردة فيه اجتماع أنا وأنتي وكريم وحمزة عشان فيه لخبطة كده مش عجباني!" أخبرها وهو يوجهها دافعاً اياها نحو الباب وما إن أغلقه حتى هز رأسه في إنكار "زفتة اللي قفلتلي اليوم دي!"

توجهت شاهندة لمكتبها ثم عادت وملامح وجهها لا تدل على الخير أبداً لتلاحظها نورسين وكذلك لاحظها زياد الذي أدرك أنها لم تنتصر بحربها التي خاضتها للتو مع اخيه

"مداكيش المفاتيح؟!" سألتها نورسين لتومأ لها بالإنكار

"عايزك تعتذريله" أخبرتها في قلة حيلة

"مكتبه فين يا شاهي لو سمحتي؟!" سألتها في تحفز عاقدة ذراعيها

"آخر دور" اجابتها ليصيح زياد مندهشاً

"أنتي فعلاً هتعتذريله؟!"

"اعتذرله.. مش عارفة.. أنا هاتكلم معاه وخلاص علشان اخد المفاتيح" أجابته بتلعثم وتوجهت للخارج على الفور

"مـ.ـجـ.ـنو.نة!!" صاح زياد

"أنا مش عارفة هو مكبر المواضيع كده ليه وهو موضوع تافه وصغير"

"أنا لولا إن بدر أخويا كنت كسرتله عضمه على اللي بيعمله معاها ده"

"لا والله!! ده ايه بقا ده إن شاء الله؟! بتحبها وبتغير عليها ولا ايه؟!" اندهشت متعجبة لتجد زياد يحك مؤخرة رأسه تلقائياً وابتسم لها

"بصي يا شاهي، مش حب، بس حاسس إن دي الوحيدة اللي أقدر أتجوزها وأنا مطمن"

"جواز!!!" صاحت في إندهاش رافعة حاجبيها

"عارف إني لازم أخلص الجامعة الأول بس.."

"بس ايه، اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش الصبح وأنت بتتكلم على البنات" قاطعته شاهندة "اعقل يا زياد وأعرف كويس أنت عايز ايه بالظبط وأوعى تظلم بنات الناس معاك" تنهد زياد ناظراً لها في حيرة

"أنا عايزها.."

"أنت فاتحتها في حاجة؟!"

"لأ!"

"طيب اهدى كده واعقل وشوف هي كمان عايزة ايه ومتستعجلش على حاجة"

"اما نشوف" أخبرها باقتضاب شارداً بينما هي توجهت لتجلس على مكتبها وتبدأ في العمل.

❈-❈-❈

ازدردت وهي لا تدري ما الذي يؤخرها عن أن تطرق باب مكتبه وتدخل حتى تتحدث معه وتحصل على مفتاح سيارتها منه، أخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب ولم تنتظر رداً وولجت مكتبه وهي تتشبث بكل ذرة ثقة بداخلها.

لم تصدق تلك الفخامة التي يصـ.ـر.خ بها مكتبه الذي يبدو عصرياً لغاية، هي بالأصل لم تتوقف عن الإندهاش بمستوى الشركة ككل ولكن مكتبه كان شيئاً آخر.

حائطان بأكملهما زجاج، يرى مكتبه ذلك المنظر الخلاب الذي يتوسطه بحيرة صناعية وحولها مساحات خضراء شاسعة، حائط بأكمله خلف مقعده امتلئ بكتب شتى لا تظن أنه أنهاها قراءة، بينما خشب الأرض الرمادي وذلك الأثاث الأسود العصري المطعم بالإكسسوارات الفضية كان غاية في الأناقة.

نست ما آتت من أجله وهي تطلع تفاصيل مكتبه الضخم وزرقاوتاها تجوبان المكان بأكمله ولم يخرجها من شرودها غير صوته الذي آتى لتشعر وكأنما صعقة أصابتها

"لا كله هيوقف لغاية ما اجتماع بليل ده يخلص، بكرة هبقى اشوف، طيب سلام!" ابتلعت مجدداً ما إن أدركت أنه ينهي مكالمته وعليها أن تفاتحه بالحديث

"لو سمحت عايزة مفاتيحي" تحدثت إليه وهي تحاول ألا تنظر له مباشرة فهي لم تنسى تلك النظرة الغريبة الثاقبة التي تخللت روحها صباح اليوم ولكنه لم يجيبها وتظاهر بالإنشغال لتذهب هي بالقرب من مكتبه ووقفت أمامه "لو سمحت المفاتيح!" همست بنبرة مرتبكة لتجده يرفع رأسه وينظر لها بتلك العينان الثاقبتان لتبتلع مجدداً في تـ.ـو.تر ثم أخفضت رأسها ناظرة للأرض

"لما تتكلمي معايا تتكلمي بأدب!" أخبرها بهدوء لترفع هي حاجباها في إندهاش ثم نظرت له مباشرة

"لا مسمحلكش لوسمحت.. أنا بتكلم بأدب دايما، لو سمحت المفاتيح بعد اذنك" ارتفع صوتها دون شعورها بتلقائية تامة

"نبرة صوتك توطى وأنتي بتكلميني بدل ما أعلمك الأدب من أول وجديد" تحدث بهدوء مرة أخرى لتنفعل هي من تلك الكلمـ.ـا.ت الموجهة إليها

"لا لو سمحت!! أنا مغلطتش فيك من الصبح وأنـ.."

"كـ.ـد.ابة!" قاطعها بصوته الرخيم لتتسع تلك الزرقاوتان التي لم يرى مثلهما بحياته من قبل وظل محدقاً بعينيها بنظرته التي يعلم أنها تبعث الخوف في نفوس من أمامه لتتوسع مقلتيها وحلقا حاجباها في دهشة

"أنت ازاي تقولي كده وفاكر نفسـ.."

"الصبح قولتي ايه؟!" في لمح البصر توجه نحوها مقاطعاً اياها لتجده هي واقفاً أمامها مُجبراً رأسها على النظر للأعلى لفارق الطول بينهما

"قولت إنك غلطت، لأنك فعلاً غلطان" صاحت بإنفعال لا تعلم من أين واتتها الجرأة على ما تفعل

"وايه كمان؟" ظل ناظراً لها واقترب منها خطوة لتغضب هي منه ولكنها بنفس الوقت شعرت بالتـ.ـو.تر

"أنك.. كنت بتسوق بسرعة وغلطان وهتتصرفلي في العربية" تحدثت في غضب مصحوب بالإرتباك ليقترب منها أكثر

"ولما كنتي بتكلمي زياد قولتيله ايه عليا؟"أقترب هو منها ثانية لتشعر هي بتـ.ـو.ترها يزداد وازدادت وتيرة أنفاسها

"قولتله إنك خبطني" اجابته بتلقائية بينما لاحظت أقترابه منها مجدداً لتبدأ هي في أخذ خطوات للخلف

"انتي قولتي ايه بالحرف؟.. عيدي تاني عشان عايز أسمعك كويس" ظل يقترب منها بينما هي حاولت التذكر وبمنتهى التلقائية تذكرت واجابته

"قولتله إنك الغـ.ـبـ.ـي اللي خبطتني وده فعلا لأنك غـ.." توقفت من تلقاء نفسها وازدردت ريقها في تـ.ـو.تر وخوف من ملامحه عنـ.ـد.ما تأكدت الآن أنها أخطأت بحقه ولكن عيناه الثاقبتان لم يجعلا الأمر عليها هيناً، وكأنما هناك شيئاً بنظرته تلك تتغلغل بداخلها مسببة عاصفة ضارية فابتعدت للخلف عله يتوقف وأعادت نظرها للأرض ولكن هذا ليس ما خطط له هو، يريد أن يكتشف ما بتلك الزرقاوتان العجيبتان.

"اعتذري حالاً!" آمرها بين أسنانه المتلاحمة

"أنت غلطت!" همست هي في وجل من ملامحه ليتوجه هو نحوها أكثر لتستمر في أخذ خطوات للخلف حتى شعرت بإرتطام ظهرها بإحدى الحوائط الزجاجية وكادت أن تسقط لتجده بتلقائية يمسك بخصرها خشية من أن تسقط وهنا تلاقت أعينهما وكأنما توقف الزمن للحظات، لم يرى مثل تلك الأعين، كم كره تلك الخصلة التي سقطت لتعكر صفو استمتاعه بالنظر لتلك الزرقة وتخفيها خلفها، ولكنها هي سرعان ما لاحظت ذلك الوضع الغريب الذي جمعها معه وفي ثوانٍ استعادت توازنها حتى جذبت يده بعيداً عن جسدها

"اعتذري!!" آمرها بصوته الرخيم الخافت لتومأ له بالإنكار

"لأ أنت اللي كنت سايق بسرعة وخبـ.."

"مش هكررها تاني" نظر لها نظرة محذرة مقاطعاً اياها وهو لا يزال يسيطر على أعصابه

"لأ مش هعتذر أنا معملتش حاجة وأنت كمان غلطت وهتجيب المفاتيح وابعد عنـ.."

"اعتذري!!" صاح بها صارخا والغضب يتطاير من عينيه بعد أن أمسك بكلا ذراعيها بقوة لتتلاحق أنفاسها في تـ.ـو.تر وهي لأول مرة تواجه مثل هذه الشخصية.

"أنا آسفة" صاحت مسرعة وتمنت لو تتخلص من منظره المهيب هذا أمامها بأي طريقة حتى لو بالإعتذار له.

ابتسم نصف ابتسامة ونظر لها بإنتصار بعدما حقق مبتغاه ولكن هناك شيئاً بها أجبره على أن يكون قريباً منها فلم يبتعد واكتفى بإرخاء قبضتاه قليلاً بينما هي نظرت للأرض لتتحاشى تلك العينان الثاقبتان.

"اياكي تنسي أنا مين وممكن أعمل فيكي ايه، بدر الدين الخولي تتعاملي معاه بأدب وتاخدي بالك كويس بتتكلمي معاه ازاي!! أنتي عيلة صغيرة جاية تتدرب شهرين وهتمشي اخر الاجازة، فاكرة نفسك هتغلطيني في مكتبي وشركتي اللي أنتي جاية تتدربي فيهم، نصيحتي ليكي إنك تمشي على الصراط المستقيم وأحسنلك متشوفيش قلبتي عشان هيكون يوم أسود على دماغك يوم ما تفكري توقفي قدامي، أنا ممكن أنسفك في ثواني!! فاهمة ولا أعيد تاني؟!" عاد لهدوءه مرة أخرى بينما هي تعجبت لكل ما أخبرها به فهي لم تكن تتوقع كل تلك الكلمـ.ـا.ت اللاذعة منه

"لا وعلى ايه، مش عايزة تدريب ولا حاجة و.. ويعني شركتك ومكتبك وكل ده اشبع بيهم، وأنت.. أنت كمان تتعامل معايا بأدب، ملكش أي حق تلمسني كده بعد اذنك، حاسب لو سمحت.." صاحت به في انفعال بينما تلعثمت مرة أخرى ولكن هنا نظرت له ولم تفترق زرقاوتاها عن عيناه السودواتان المزعجتان ودفعته بعيداً بكلتا يداها ولكنه لم يتحرك ولو مقدار أنملة

"أشبع بيهم!!" رفع احدى حاجباه مكررا كلمـ.ـا.تها

"لو سمحت ابعد عني وهات مفاتيحي وأنا هامشي من هنا ومش هاتشوفني تاني أبداً" تحدثت في وهن وقلة حيلة بعد أن فكرت بأن ذلك هو الحل الوحيد حتى تتخلص من وجودها معه.

"فاكراني عيل هتضحكي عليه زي زياد، مش كده؟!" نظر لها تلك النظرة الثاقبة مجددا لتشعر وكأن الموت أهون لها من أن تتحمل النظر لذلك الرجل أمامها، هي فقط تريد أن تتخلص من ذلك الوضع وتلك النظرات الغريبة "فاكرة أنك زي ما دخلتي في دماغ زياد حركاتك هتخيل عليا أنا كمان، ده بعدك!" عقدت هي حاجبيها لما يقوله

"ابعد عني واديني المفاتيح" أخبرته بأنفاس متـ.ـو.ترة

"اياكي أشوفك بتهوبي بس جنب الشركة تاني، وزياد ده أحسنلك تنسيه خالص وتشيليه من دماغك" جذبها من احدى ذراعيها ليجبرها على السير وتوجه خارج مكتبه لتلاحظ سكرتيرته الشخصية ذلك وعيناها صرخت بالدهشة ولكن لن تتجرأ على التدخل في الأمر وأكتفت بمتابعتهما بعينيها.

"لو سمحت سبني، أنت ايـ..."

"اخرسي خالص واياكي اسمع حسك" آمرها مقاطعاً اياها لتتعجب هي مما يفعله معها ودلف معها للمصعد الذي ضغط به على الزر المؤدي للمرأب ثم دفعها لترتطم بأحدى جدران المصعد الداخلية وهي لا تدري ما الذي حدث لكل ذلك وكيف له أن يعاملها بتلك الطريقة ونـ.ـد.مت أشـ.ـد النـ.ـد.م أنها آتت هنا، ولكن كلمـ.ـا.ته تلك لا تستطيع نسيانها بسهولة ولن تدع الفرصة دون أن ترد عليه.

توقف المصعد ليجذبها مجدداً بقسوة وتوجه نحو سيارتها التي قادها بنفسه صباح اليوم ثم ألقى بمفتاح سيارتها أرضاً أمامها لتتعجب لسبب كل ذلك

"اياكي أعرف إنك جيتي هنا تاني" صاح محذراً لتلتقط هي المفتاح من على الأرض ثم واجهته بكل ما أمتلكت من شجاعة

"لعلمك أنا أصلاً مش هاطيق أهوب ناحية الشركة دي، ويكون في علمك أخوك فضل سنة يتحايل عليا عشان آجي أتدرب هنـ.."

"أخرسي.." قاطعها ولم يكترث لبراءة عينيها التي احتجبت خلف غيمة من الدمـ.ـو.ع "حركاتك دي مش هاتدخل عليا.. غوري في داهية من هنا واياكي أشوف وشك تاني" ترقرقت زرقاوتاها بالدمـ.ـو.ع لتنساب على كلا وجنتاها دون تريث

"أنت شخصية مش كويسة وإنسان قليل الذوق وقليل الأدب علشان تعاملني كده!! وأنا مبعملش حركات، وأشبع بشركتك كلها، وابقا أسأل أخوك بنفسك، ده يعني لو كنت تعرف حاجة عنه" ألقت بتلك الكلمـ.ـا.ت التي لا تعلم من أين آتت ودلفت بسيارتها وتوجهت مسرعة للخارج.

❈-❈-❈

خلل شعره الفحمي وهو يتذكر تلك الزرقاوتان وكأنه لا يزال يلمح تلك الزرقة الجلية حوله بكل مكان، تلك المقلتان المليئتان بالدمـ.ـو.ع، تلك اللحظة التي انسلتت دمـ.ـو.عها لترسم شلالات على كلتا وجنتاها، يعرف جيدا أنه لم يشعر بالشفقة من قبل على احد ولكن هناك شيئاً ما بداخله يخبره أنه كان قاسياً معها بلا داع!

ابتلع وهو يتذكر وصفها له بتلك الصفات ليعقد حاجباه منزعجاً فلم يخبره أحد بهذا من قبل، ولكن آتت هي في دقائق قليلة لتتجرأ وتفعلها دون خوف أو تردد.

ولكن هذا هو بدر الدين، لا يزال دائما وأبدا بداخله ذلك الجزء الذي لن يتوانى عن حماية عائلته، أخيه الصغير الذي ولابد أنها تتحكم بعقله، لربما سحرته بجمالها الذي لن ينكره ولكن لن يتركه ليقع فريسة سهلة لينفذ لها كل ما تتمناه، كما أن شاهندة كانت ولازالت أطيب إمرأة على وجه الأرض وبالطبع لن يتركها لتقع في مكيدة بنت صغيرة لم يتعدى عمرها عشرون عاماً.

قاطع أفكاره تلك الجلبة التي حدثت عنـ.ـد.ما رأى كلاً من شاهندة وزياد أمامه فنظر لكل منهما بعيناه الثاقبتان وعلم جيداً أنهما آتيا بسبب تلك اللعينة الذي ظن أنه تخلص منها لتوه.

"نورسين فين؟ من ساعتين كانت المفروض معاك، راحت فين يا بدر؟" سألته شاهندة في تحفز وهي لتوها علمت من سكرتيرته الشخصية كيف غادرت مكتبه.

"معرفش! اسألوها.." تصنع عدم المعرفة ليغضب زياد وابتسمت شاهندة في سخرية

"كل الشركة شافتك وانت نازل معاها الجراج، قولتلها ايه عشان تمشي يا بدر؟" نظرت له بأعين متسائلة

"كلموها أسألوها.." اجابها ببرود ليزداد غضب زياد

"مبتردش وبعدين موبايلها اتقفل، أنت أكيد زعلتها؛ قولتلها ايه؟" سأله في انفعال ليرفع بدر حاجباه مندهشاً من ردة فعل أخيه ثم أراح جسده في كرسيه واجاب بمنتهى البرود حتى يرى ما هي دوافع زياد تجاه تلك الفتاة

"تغور في ستين داهية ويجي عشرة بدالها"

"مينفعش كده يا بدر وهي معملتلكش حاجة وكان ده ممكن يحصل مع أي حد غيرها، أكيد أنت قولتلها حاجة خليتها تمشي" تحدث زياد له بعصبية ليرفع بدر الدين احدى حاجباه

"وأنت محموق عليها أوي كده ليه؟ عيلة صغيرة زي دي متعصب علشانها ليه كده؟" ابتسم نصف ابتسامة لم تلامس عينه وتحدث بتعجرف متسائلاً

"لو سمحت متقولش عليها كده، وآه اتحمق عشانها و.."

"محدش يجيب سيرتها قدامي تاني ومش هتعتب باب الشركة برجليها" قاطع أخيه بصوته الرخيم دون أن ينفعل مثله وأعاد نظره لحاسوبه

"بس أنا محتجاها" تحدثت شاهندة ليرفع نظره لها بنظرة فهمتها جيداً "أنا مش بتحداك يا بدر ولا بعاندك، بس البنت شاطرة، هتعرف تتعامل مع كل الموردين، وجايبة امتياز التلت سنين اللي فاتت، وأنت عارف إن الـ Assistant بتاعتي مشيت ومحتجاها معايا"

"لا بقا، ده أنتو زودتوها أوي، أنا مش عايز أسمع سيرتها تاني، وأنا قولت انها مش هتهوب هنا تاني يعني مش هتهوب هنا وابقوا وروني مين هيكسرلي كلمة" صرخ بهما بعد أن شعر وكأنهما يتحدياه

"وأنا بقول انها هتكمل تدريبها هنا، هي مش شركتك لوحدك" هنا تدخل زياد لينظر له بدر الدين في تحدي بينما نظرت له شاهندة في صدمة

"زياد.. عيب اللي أنـ.."

"لا مش عيب" قاطع زياد أخته التي كانت تحاول أن تزجره "العيب إن بدر الدين باشا متحكم في حياتنا، متحكم في كل حاجة بنعملها، بيعمل كل اللي على مزاجه وكأننا كلنا عيال صغيرين، الشركة دي بتاعتنا زي ما هي بتاعته.. وإذا كان زي ما بيقول انه عايزني انزل واعرف الشغل يبقى ليه بيتصرف معايا اني عيل، لأ ده مش معايا بس، مع الكل.. وأنا بقولك يا بدر لو نورسين مرجعتش أنا مش هعتب أنا كمان الشركة دي برجلي أبداً"

صاح منفعلاً ولم يدرك إلي من يتحدث وانصدمت شاهندة من كلامه الذي ألقاه بوجه بدر الدين وكاد أن يغادرولكن أوقفه صوت أخيه الرخيم

"وأنت ليه عاملها خاطر أوي كده؟ تهمك في ايه؟ فيه ايه ما بينكم؟!"

"ايوة عاملها خاطر، وتهمني أوي لأنها في يوم من الأيام هتكون مراتي!" اجابه بإصرار وتحدي بينما أوصدت شاهندة عيناها في خوف مما سيحدث لاحقاً بين كلاً من أخواتها

"لا والله وكبرت ورايح تجيبلنا واحدة لا نعرف أصلها ولا فصلها وعشان ضحكت عليك بكلمتين صدقتها وعاملها قيمة أوي.. لما تبقا راجـ.ـل وتعرف تتحمل مسئولية وتعرف تحكم على نوايا الناس ابقا تعالى قول دي هتبقا مراتي"

"راجـ.ـل غصب عنك.. وهو يعني مافيش راجـ.ـل غيرك، أنت زمان في نفس سني بين يوم وليلة أتجوزت اللي اخترتها ومحدش وقف قدامك، أنت ايه.. هتفضل تتحكم فينا لغاية امتى؟ مفيش كبير غيرك خلاص؟ تعمل كل اللي على مزاجك إنما احنا لأ؟! ولا هو يعني عشان ابونا مـ.ـا.ت هتبيع وتشتري فينا.. يا أخي أنا قرفت من وجودك في حياتنا، ياريتني ما كان ليا أخ زيك، كان يوم أسود يوم ما دخلت بيتنا، كفايـ.."

قاطعه بدر الدين بصفعة قوية انتهى معها كلامه بينما صُعقت شاهندة لما حدث لتحاول التدخل وكادت أن تتحدث ليشير لها بدر الدين بسبابته محذراً اياها

"امشي اطلع برا وحصلها، مش عايز أشوف وشك تاني" آمره بمنتهى الهدوء لينظر له تلك النظرة الثاقبة وهو يرى وجه أخيه الصغير محتقناً بالدماء وأسنانه كادت أن تتهشم من كثرة صره لها.

"هحصلها، ومش هتشوف وش حد فينا تاني، ومن دلوقتي أنت مالكش أخ اسمه زياد ولا أنا ليا أخ اسمه بدر الدين!"



❈-❈-❈

سمع طرقات على باب مكتبه لتدخل شاهندة وهي تنظر له على حذر وبنفس الوقت فاضت عيناها شفقة عليه وهو لا يكره أكثر من تلك النظرة بحياته فأشاح بنظره عنها بعيداً.

"بدر أنت لسه مـ.."

"لو سمحتي يا شاهندة سبيني لوحدي" أخبرها دون أن ينظر لها لتبتلع هي

"ما أنا سايباك بقالي كتير، وأنت عارف إن اللي حصل ده كان غصب عن زياد، ده عيل صغير و.."

"عيل صغير وغلط وعمره ما هيبقا راجـ.ـل أبداً بعمايله دي" قاطعها ولا يزال محتفظًا بهدوءه

"أنت بردو كنت ممكن تفهمه وجهة نظرك في البنت بهدوء"

"أفهمه ايه يا شاهي، ده خلاص كبر، أنا مكنتش زيه وأنا في السن ده، ناوي يعقل امتى!"

"بس ارجع وأقولك انت اتسرعت في حكمك على البنت، على فكرة إنسانة طيبة وكويسة وشاطرة وبنت ناس و.."

"أنا مش فارق معايا الزفتة دي.. أنا فارق معايا أخويا اللي مضحوك عليه.. عيلة صغيرة فرحانة بإنها هتتجوز زياد الخولي وطمعانة فيه وكان شكلها باين عليه اوي انها جاية تتمحك فيه" قاطعها مُصرا على وجهة نظره بنورسين

"تتجوزه ازاي بس وهو حتى مقلهاش حاجة ولا فاتحها في الموضوع، لسه بـ.."

"وهي اللي زي دي محتاجة يقولها ولا يفاتحها؟ ده شغل بنات مش تمام وعرفت تلعب عليه كويس اوي، ولعلمك يا شاهندة أنا متأكد بنسبة مليون في المية إنه نزل الشركة الأجازة دي عشان خاطرها هي وبس"

"طيب وفيها ايه لو هي انسانة كويسة وبتشجعه يكون انسان احسن!"

"بتشجعه!!" ابتسم متهكماً مكرراً لما قالته "البنت دي بتلعب على تقيل وطمعانة فيه وبكرة تشوفي.. وعموماً أنا مش هاتكلم في الموضوع ده تاني"

"أنا عارفة إنك مضايق وإن الكلام اللي قاله زياد كان مـ.." نظر لها نظرة مُحذرة لولا أنه أخيها الذي تعرفه لكانت ارتجفت خوفً من ملامحه

"اياكي تكرري كلمة واحدة.. ولو سمحتي سيبيني يا شاهي دلوقتي" أعطاها ظهره ثم أخبرها بتلك الكلمـ.ـا.ت لتلمس شبحاً من الحزن بنبرته لتتوجه نحوه ثم قبلت كتفه في ود أخوي

"هسيبك عشان تهدى.. بس عارف إني هافضل قلقانة عليك.. حاول تكلمني لما تكون أحسن.. تصبح على خير يا بدر" أخبرته ثم غادرت لأنها تعلم جيداً لن يكون في صالح أحد أن يقترب منه الآن ولطالما كان هذا طبعه يهدأ وحده دائماً.

❈-❈-❈

"نور أنتي فين؟ قافلة موبايلك ليه؟ أنا كنت هموت من القلق عليكي!" تحدث زياد بلهفة

"متقلقش أنا كويسة.. بس بعد اذنك يا زياد أنا مش هكمل التدريب"

"بدر قالك ايه؟" سألها بعد برهة من الصمت وهو يمتلئ غضباً من اخيه ليحصل هو الآخر على صمتها لدرجة أنه ظن أنها أنهت المكالمة "نور أنتي معايا؟" صاح سائلاً لتجيبه

"أنا معاك.. وبدر مقاليش حاجة واداني المفتاح ومشيت، وأنا غلطت فيه بصراحة.. عموماً حصل خير بس معلش انا قراري اني مش هاكمل" كانت تلك هي الكلمـ.ـا.ت التي ظنت أنها ستنهي الموضوع تماماً

"نور!! أنتي بتخبي عليا اللي قالهولك بدر؟!"

"زياد أنت عارف احنا أصحاب ازاي ولا يمكن أخبي عليك حاجة، بس معلش أنا حسيت إني قلبي أتقبض من ساعة ما دخلت الشركة دي، ويا سيدي أنا زي الفل أهو، وعلى فكرة موبايلي كان مقفول عشان فصل شحن، متقلقش كله تمام!" حاولت أن تطوي تلك اللحظات التي مرت عليها مع ذلك الرجل الغريب وشرعت في تناسيها بالفعل ووجدت أن هذه هي أول خطوة نحو ما تريده.

"طب لو احنا أصحاب وبقولك عشان خاطري تيجي معايا بكرة، هترفضيلي طلبي؟!" سألها بنبرة متوسلة ليسمع تنهدها من الطرف الآخر

"ربنا يسهل، ومعلش هاقفل معاك دلوقتي لأني طالعة البيت.. باي"

❈-❈-❈

"كان ينفع اللي أنت قولتهوله ده؟ مهماً كان ده أخوك الكبير، مكنش ينفع تكلمه بالطريقة دي، نسيت ده مين؟ نسيت وقف جنبنا ازاي بعد ما بابا ما مـ.ـا.ت ولولاه كانت كل حاجة هتتهد؟ نسيت يا زياد أنك طول عمرك بتبصله على إنه باباك مش أخوك الكبير وبس؟" صاحت شاهندة في انفعال

"يا شاهي أنا منستش بس بردو بدر بيزودها أوي! وأنا مكنتش متوقع أنه يعمل كده مع نور" تنهد في حزن

"أنت لازم تعتذرله بكرة، وأياً كان اللي ممكن يحصل ما بينكم مينفعش تقول لبدر بالذات كده"

"خلاص هعتذرله، بس أنتي كمان ساعديني وحاولي تقنعيه إن نور ترجع، مينفعش أطلع عيل قدامها!"

"أنت كلمتها؟" ضيقت عيناها وهي تنظر له

"ايوة كلمتها والغريب أنها مصممة أن بدر معملش حاجة وأنه اداها المفتاح عادي وسابها تمشي" تعجبت شاهندة لما تسمعه

"مممم.. طب سبلي بدر وأنا هتصرف.. بس أهم حاجة تعتذرله الصبح أول ما يجي"

"خلاص أتفقنا"

تعجبت هديل من ذلك الحديث بين كلاً من شاهندة وزياد ومن نور تلك وما الذي حدث؟ وماذا كانت تقصد شاهندة بتلك الكلمـ.ـا.ت عن بدر؟ ولماذا يجب على زياد أن يعتذر له؟

أخرجت هاتفها لتتصل بسكرتيرتها الشخصية التي تنقل لها كل ما يحدث ولكنها لم تجب لتبتسم في خبث وتحدث نفسها "يا خبر دلوقتي بفلوس بكرة يبقا ببلاش!"

توجهت لتغادر وهي مصممة بداخلها على أن تعرف كل ما حدث اليوم.

❈-❈-❈


تلاحقت أنفاسه بعد أن هشم كل ما وقعت عليه عيناه بغرفته، وقف ليلتقط أنفاسه ليلاحظ تلك الإبتسامة بالصورة المعلقة أمامه على الحائط لينظر للصورة وامتلئت عيناه بالدمـ.ـو.ع المكتومة التي تأبى أن تفر منها ليتحدث للصورة بصوته المتحشرج

"حشـ.ـتـ.ـيني و  أوي، كان نفسي تبقي معايا النهاردة، كان نفسي أفتح الباب وأجري عليكي أحكيلك كل اللي حصل، لسه كل حاجة زي ما هي، لسه محدش قابلني زي ما أنا، لغاية أمتى هفضل كده، أنا فكرت كتير أبعد عنهم بس مبقدرش، ليه كل الناس بتفهم خوفي عليهم غلط إلا انتي، ليه سيبتيني يومها ومشيتي؟ مكنتيش يعني عارفة إني من غيرك مش هاقدر أعيش؟!" سحق أسنانه وهو يبتلع في آلم ثم وصد عيناه يعتصرهما وهو يُفكر في أحداث اليوم بأكمله وأكثر ما آلمه هو كلمـ.ـا.ت زياد له.

توجه لمكتبه حيث البـ.ـار الخاص به وسكب كأساً ليتجرعه مسرعاً ثم أمسك بالكوب وأخذ يضغط عليها بقبضته حتى تهشمت وأختلطت شظايا الزجاج بدماءه وآخذ يسترجع العديد من الذكريات المؤلمة مراراً وتكراراً.

❈-❈-❈

للمرة الآلف تقلبت في فراشها وهي تعيد كل ما حدث اليوم، تذكرت كل ما فعله، هيئته التي أزعجتها، ربما وترتها، أهذا لأنها لم ترى رجل مثله من قبل؟ لماذا يبدو مُخيفًا هكذا؟ وكيف لها أن تعود لتلك الشركة وتخسر كرامتها بعد كل ما فعله بها؟ لماذا كل ذلك الكره والتحكم من ذلك الرجل؟ لا يشبه أخيه المرح في أي شيء وكأنهما ليسا بأخوة على الإطـ.ـلا.ق، تذكرت كيف كانت كلمـ.ـا.ته بغيضة لا تطاق وكأنه يكرهها بسبب شيء ما، لا تعرف ما الذي قصده بأنها قد خدعت زياد، وصدت عيناها لتحاول النوم ونفض كل تلك الأفكار بعيدا عن عقلها ولكنها رآت تلك السوداوتان تحدقا بها ففتحت عيناها على الفور وكذلك الضوء بجانب سريرها وهي تتعجب لماذا تتذكر نظراته الآن لتتنهد في سأم وهي لا تعلم ما قرارها بعد لتحاول مجدداً ترك كل هذا للصباح بينما كل ما أرادته فقط هو الحصول على قسط من الراحة..
فتح عيناه بصعوبة وهو يشعر بذلك الآلم اللعين من آثار تلك الخمر التي احتساها الليلة الماضية فنهض بصعوبة وآخذ بعض أقراص المُسكن ليبتلعها دون مياة وتوجه للحمام مستعداً لروتينه اليومي المرير الذي بات لا يتحمله أكثر من ذي قبل.

تنهد وهو يجذب تلك المكابح اليدوية لسيارته التي صفها مثلما تعود أمام منزل عائلته ثم توجه للخارج ولأول مرة يشعر بعدم رغبته لإكمال الطريق للداخل، لا يدري لماذا هو متريث تلك المرة أكثر من المرات السابقة، لا يزال لديه ذلك الشعور الدفين الذي لم يفارقه بأنه غريب عن الجميع.

كاد أن يلتفت ويعود لسيارته ولكن كان زياد ينتظره منذ الصباح الباكر أمام بوابة المنزل التي يدلف منها دائماً ليستمع لصوته منادياً اياه

"بدر" صاح منادياً ليلتفت بدر الدين تجاه الصوت ليرى زياد الذي بدا كالطفل الصغير أمامه مشتتاً فعقد حاجباه ولم يجيبه ونظر إليه فقط دون كلام "أنا آسف" همس بها دون مقدمـ.ـا.ت أخرى ليحدق بدر في عيناه دون حديث ثم أماء له بالموافقة "خلاص بقا يا عم عيل وغلط، هتعمل راسك براسه يعني؟" صاح مازحاً ليهُز بدر الدين رأسه في إنكار من أفعال ذلك الصغير الذي لن يكبر أبداً "سماح بقا المرادي.. حقك عليا وهات ايدك ابوسها" جذب يد أخيه

"بس يا زياد بطل تفاهة" أخبره حانقاً

"ما هو لو مكنتش طويل كنت قولتلك هات راسك أبوسها، بس أعملك ايه أنت اللي فِرع زيادة عن اللزوم" أخبره مازحاً مجدداً ليزيد بدر الدين من عقدة حاجباه ليستمع لصوت شاهندة التي كانت تراقب كل شيء على مقربة منهما

"ما تفك بقا يا بدور، مهما هزرنا معاك كده مفيش ضحكة حلوة تحن بيها علينا"

"ما قولتلك يا شاهي بلاش بدور دي بتنرفزني" التفت نحوها غاضباً

"طيب خلاص ايه رأيك أقولك يا بدوري ولا بدبد" حاوطت عنقه في دلال ليستمع لقهقهة زياد بينما نظر لها في غضب

"يا باي!! عاملنلك قرود على الصبح.. أضحك بقا وفك التكشيرة دي" نظرت له بتوسل ليومأ لها بالموافقة وبدأت ملامحه تلين شيئاً فشيئاً وللحظة انضمت لهم هديل التي كانت تراقب كل شيء دون ملاحظة أحد

"وأنا بقا ملياش نصيب في الهزار ده ولا يعني عشان منفوخة كده مش هعرف احـ.ـضـ.ـنك واتدلع عليك" تحدثت في دلال متصنعة الحزن

"بصراحة بقيتي شبه البطيخة" أخبرها زياد أمام الجميع ليضحكوا سوياً بينما ابتسم بدر الدين ابتسامة هادئة لم تظهر أسنانه ولكن غضبت هديل من كلمـ.ـا.ت أخيها الصغير

"أنا بطيخة!! ماشي يا زياد، والله أولد بس وأفوقلك!" توعدته ثم عقدت ذراعيها لتتعالى ضحكات شاهندة وزياد بينما هز بدر الدين رأسه في إنكار مبتسماً

"طب يالا بقا عشان نوجا هتزعلنا لو أتأخرنا" صاح زياد للجميع ليتوجهوا سوياً للداخل ولم يرى أحد نجوى التي كانت تراقبهم من نافذة غرفتها وابتسمت عنـ.ـد.ما رأتهم هكذا

"ربنا ما يحرمكوا من بعض أبداً ويخليكوا لبعض.. نفسي دايماً أطمن عليكوا وأشوفكوا مبسوطين قبل ما أموت" لانت ابتسامتها بعد أن تحدثت لنفسها وتوجهت للأسفل حتى تتناول معهم الإفطار.



❈-❈-❈





أمسكت بصينية الطعام ودلفت على والدتها مثلما تعودت كل صباح لتجد يُسري زوج والدتها بالداخل فنظرت له بإبتسامة بريئة وتوجهت نحوه "لو كنت أعرف إنك هنا كنت عملتلك الفطار بنفسي بس فكرتك نزلت الشغل بدري" ناولته الصينية التي وضعت عليها الطعام

"صباح الخير.. يالا أفطر انت والقمر الجميلة دي على ما أحضر لنفسي أكل وأجي الحقكوا"

"شكراً يا نور.. صباح الخير" ابتسم لها تلك الإبتسامة الخبيثة التي لطالما أزعجتها ولكن لم ترى والدتها غير لطفه الدائم معها ولم تعلم شيئاً عن نواياه السيئة القذرة تجاه ابنتها أبداً.

"ايه يا يُسري ايه أخبـ.ـار الشركة.. مبقتش تحكيلي حاجة خالص.." صاحت كوثر ويُسري يقترب منها واضعاً صينية الطعام أمامها وبدأ في تناوله وهو يبتسم لها

"مـ.ـا.تقلقيش يا حبيبتي كله ماشي تمام التمام والدنيا زي الفل واحتمال نفتح فرع تاني قريب كمان"

"بجد يا يُسري؟!" صاحت بلهفة سائلة

"طبعاً يا حبيبتي، وأنا من امتى كدبت عليكي؟!" نظر بعيناها العسليتان التي تشع فرحاً من سماعها تلك الأخبـ.ـار

"الحمد لله يارب.. أحسن بردو عشان من السنة الجاية نوري تبتدي تنزل معاك.. هي كمان ابتدت تدريب في شركة كبيرة بتاعت أهل واحد زميلها بس أنا كان نفسي تكون في شركتنا أحسن عشان تكون براحتها ومحدش يضايقها"

"أكيد طبعاً.. تتخرج بس وأنا تحت أمرها" ابتسم يُسري لها لتلين ابتسامته بينما شرد بعيداً بعد استماعه لتلك الكلمـ.ـا.ت من كوثر وأخذ يحدث نفسه "وأنا بقا مش ناقص غير البنت المتدلعة دي تيجي تبوظلي كل حاجة زيادة عن ما هي بايظة خلقة.. أنا مش ناقص قرف!!" تمتم لنفسه بينما أفاقه صوت كوثر

"ايه يا حبيبي روحت فين؟!"

"ايه.. أبداً.. بس آآ بفكر في موضوع كده لو تم هيبقى فتحة خير علينا وهينقلنا نقلة تانية"

"ربنا يوفقك يا حبيبي"

"يالا بقا عشان متأخرش.. سلام يا حبيبتي" انحنى ليقبل رأسها بإقتضاب ومن ثم توجه ليغادر فالتقى بنورسين في طريقه التي أمسكت بصينية الطعام لها

"ايه ده أنت ماشي؟" تسائلت في براءة وهي التي كانت تظن أنهم سيتناولون الطعام سوياً، فبالرغم من عدم الراحة التي تشعر بها تجاهه إلا أنها لطالما أفتقدت ذلك الجو الأسري وخاصة حنان الأب الذي لم تعرفه يوماً.

"اه عشان ألحق الشغل وعندي اجتماع بدري يادوبك ناقص عليه نص ساعة" نظر لها يتفحص عيناها ونظراته الغريبة تلك التي لم تستطع هي تفسيرها يوما أبدًا

"ممم.. أوك.. باي" كادت أن تغادره لتجده أقترب منها وقبل جبينها وأطال القبلة حتى شعرت بالريبة من تصرفه وحاولت الإبتعاد عنه

"مع السلامة" أخبرها ثم توجه للخارج وهو يتمتم في نفسه "امتى بقا هنفذ للي في دماغي!!"





❈-❈-❈



 

"بدر استنى" نادته شاهندة قبل أن يغادر ليلتفت لها بأعين متسائلة فحمحمت وهي تقترب منه "وحياة شاهي عندك وإن كنت بتحبني وبتعز أختك لا توافق إن نورسين ترجع" نظر لها بغضب وكز أسنانه في غيظ

"أنا قولت محدش يجيب سيرتها قدامـ.."

"علشان خاطري، إن كان ليا خاطر عندك.. البنت دي ممتازة والله وأنا محتجاها.. اديها فرصة تانية" قاطعته وهي تتوسله ليوصد عيناه في غضب حانقاً

"ماشي يا شاهندة عشان خاطرك.. بس ابعديها عني على قد ما تقدري" تحدث بين أسنانه الملتحمة لتقبله شاهندة على وجنه لزفر في حنق.

"ربنا ما يحرمني منك يارب.. كنت عارفة إن قلبك طيب ومش هاهون عليك"

"طيب.. متتأخريش عشان ملحقناش نعمل اجتماع امبـ.ـارح.. الساعة عشرة بالدقيقة تكوني عندي في مكتبي"

"عيوني يا بدور"

"يوووه" صاح في غضب ليغادرها وضحكت هي في خفوت من غضبه ذلك وفوراً أمسكت بهاتفها لتحدث نورسين.





❈-❈-❈



 

"ياما نفسي أشوفك يا نوري الدراع اليمين ليسري.. لسه كان بيقولي أنه قرب يفتح فرع تاني للشركة" همست كوثر إليها

"ايه ده بجد يا ماما؟" تعجبت في لهفة لتومأ لها والدتها

"تشتغلي في شركتنا أحسن ما تروحي للغريب"

"أكيد طبعاً يا كوكي بس هي الفكرة إن الشركة اللي أنا روحتها امبـ.ـارح عالمية وعندهم فروع كتير.. وأنا نفسي أعرف الشركات دي بقت كده ازاي عشان أكبر شركتنا"

"ربنا يوفقك يا حبيبتي.." ابتسمت لها والدتها ليرن هاتف نورسين الذي وجدت أن رقم المتصل ليس مسجلاً بهاتفها

"آلو"

"يا صباح النور" أجابتها شاهندة من الطرف الآخر

"صباح الخير، مين معايا؟!" تعجبت نورسين

"أنا شاهندة، ألبسي وتعاليلي حالاً على الشركة عشان عندنا اجتماع الساعة عشرة وبدر ممكن زرابينه تطلع علينا لو أتأخرنا"

"ازي حضرتك.. لا أنا كنت قولت لزيـ.." توقفت من تلقاء نفسها عنـ.ـد.ما رآت والدتها تنظر لها بأعين متسائلة بينما لم تعطها شاهندة فرصة

"ولا قولتي ولا مقولتيش.. وبعدين ايه حضرتك دي، طول ما احنا سوا تقوليلي يا شاهي، والنبي يا نور ما توقعيني في مشاكل مع بدر ما صدقت فك شوية.. يالا مستنياكي.. باي" تحدثت لها مسرعة ثم أنهت المكالمة لتشعر نورسين أنها بموقف صعب للغاية

"خير يا حبيبتي مين؟!" صاحت كوثر في قلق

"دي..دي.. مديرتي في الشغل" ابتلعت وهي تجيب بتلعثم وكأنما ضاعت منها الكلمـ.ـا.ت

"ومالك كده مخـ.ـطـ.ـوفة؟!"

"ها.. لا مفيش.. بس عندنا اجتماع مهم ويادوب ألحق ألبس.. سلام يا كوكي" فرت نورسين مسرعة لغرفتها قبل أن تتواتر أسئلة والدتها خاصة أنها لم تخبرها ما حدث أمس وأخذت تستعد وهي بالكاد ترى ما ترتديه والأفكار لا تتوقف عن الإنفجار بعقلها..

مائة سؤال ومائة تخمين دوى بعقلها وهي لا تدري ما الذي ستفعله عنـ.ـد.ما تراه اليوم وكيف ستنظر له من الأساس، لا تعلم لماذا لم تخبر والدتها البـ.ـارحة بما حدث وهي التي أوصتها بأن تغادر ما إن شعرت بعدم الراحة..

تذكرت تلك الأعين التي افترستها حية صباح أمس لتبتلع من تذكر تلك السوداوتان وهي تشعر بالتـ.ـو.تر يتآكلها داخلياً من مجرد فكرة الذهاب إلي الشركة مجدداً ورؤيته!! ماذا سيظن بها؟ أنها ليست لديها كرامة!

"أنا ليا بالكام شهر تدريب وبعدين مش هاشوف وشه تاني!!" تحدثت لنفسها وهي تمرر مرطب الشفاة الوردي ثم نثرت بعضاً من عطرها "كان لازم يعني شاهي تزنقني الزنقة ديه" تنهدت بينما جمعت أشياءها في حقيبة يدها وتوجهت على الفور للخارج.



❈-❈-❈



"كويس إنك جيتي قبل معادك" صاحت شاهندة وهي تنظر بحاسوبها ما إن لاحظت وصول نورسين لمكتبها "يووه Sorry، صباح الخير الأول" ابتسمت نورسين لها بإقتضاب

"صباح النور"

"بصي يا نور ده هيكون مكتبك وأنا عموماً بحب الـ Assistant بتاعتي تكون معايا دايماً.. الـ Laptop اللي على المكتب ده بتاعك وخليت الـ IT department تظبطلك كل حاجة الـ Email و الـ Programs اللي هتحتاجي تشتغلي عليها وشوية تعريفات عن الشركة وآه.. أي حاجة تحتاجيها ممكن تطلبيها من الـ Administration department.. بالحق صحيح زياد حكالك حاجة عن شركتنا أو.."

"متقلقيش أنا قريت عنها كتير" قاطعتها نورسين عنـ.ـد.ما شعرت بتـ.ـو.ترها الزائد وسرعتها في الحديث

"معلش ملحقناش نقعد سوا امبـ.ـارح بس أنا كده هقولك بإختصار بسرعة احنا بنعمل ايه، الإدارة اللي أنا مسكاها يعني وهديكي اختصار سريع لأن مقدمناش غير ساعة واحدة لغاية الإجتماع" تركت شاهندة حاسوبها ونظرت لنورسين ثم غمزت لها "لا لا بقا أنا مش هقدر على الحلاوة دي كلها، ايه الجمال ده بس.. محظوظة أنا عشان يبقى معايا أجمل وأحلى بنوتة في الشركة"

"ميرسي" توردت خجلاً وابتسمت لها

"تعالي اقعدي جنبي بدل شغل المكاتب ده أنا مبحبوش"

"أوك"



❈-❈-❈



"كريم بقولك كان فيه خناقة امبـ.ـارح والنهاردة الصبح زياد كان بيعتذر لبدر وشاهي هي اللي قالتله يعتذرله"

"يووه بقا يا هديل، وأنا مالي، أنتي عارفة إني مشغول في المشاريع الجديدة اللي أخوكي عمال يدخلها دي ومش فاضي أشوف مين بيعمل ايه"

"امال ايه لازمة إنك في الشركة وقاعد معاهم ليل نهار، أنا اللي اسمي في البيت بعرف دبة النملة"

"اه صح، واللي بيلف على المواقع واللي بيشوف البلاوي السودا اللي كل شوية بتحصل هيفضى للتفاهات دي"

"تصدق إني فعلاً مش هسألك على حاجة تانية.. خليك كده زي الطور في الساقية وأنت مش فاهم ايه اللي بيحصل حواليك.. هاولد بس وافوق لكل اللي أنت مش عارف تفوقله"

"طيب يا حبيبتي.. سيبيني بقا أفوق لساقيتي وروحي انتي اولدي سلام"

أنهى كريم المكالمة الغريبة التي تلقاها من هديل بينما هي كادت أن تهشم هاتفها بيدها، تود أن تعلم كل شيء، تريد أن تتحكم في كل شيء، دائماً تشعر وأن كريم غير مكترث لكل ما تخطط له على الإطـ.ـلا.ق.

"ماشي يا كريم.. إن مكنتش أنت هتفوق لمستقبلي ومستقبل ولادي أنا هاعرف أفوقله كويس" تمتمت لنفسها ثم جلست لتفكر كيف تستعيد كل شيء مرة أخرى ثانيةً.



❈-❈-❈




"تمام كده عرفتي هتعملي ايه؟!" صاحت شاهندة لتومأ لها نورسين بالموافقة

"متقلقيش.. كله تمام"

"معلش يا نور امبـ.ـارح أنا عارفة أكيد بدر ضايقك و.."

"مضايقنيش ولا حاجة" قاطعتها "أنا اعتذرتله عشان فعلاً أسلوبي مكانش كويس ومن العصبية غلطت فيه غصب عني" قاطعتها بإبتسامة هادئة "على العموم حصل خير" نظرت لها شاهندة في تعجب ثم ضيقت عيناها

"أنتي بتتكلمي عن بدر الدين أخويا مش كده؟!" تسائلت وهي تنظر لتلك الزرقاوتان تتفحصهما

"ايوة يعني امال عن مين!" ابتسمت لها لتسمع تنهيدة شاهندة

"ماشي يا نور هانم.. نخلص الـ meeting واجي أشوف الموضوع ده، يالا بينا"

"يالا" جمعتا أشياءهما استعداداً للإجتماع ثم توجهتا للدور الأخير حيث يقع مكتب بدر وغرف الإجتماعات فتوجهت شاهندة لأحدى الأبواب وليس مكتب بدر الدين الذي ذهبت إليه بالأمس فتبعتها في صمت وما إن دخلت حتى آخذت تعرفها على كل من بالغرفة، من تكون مساعدة من ومنصب كلاً من كريم وحمزة زوجها.

"كريم الدمنهوري Head of operations وجوز أختي" قدمته لها ليبدأ هو بمصافحتها

"نورسين الـ Assistant بتاعتي الجديدة" لا تدري لماذا لم يروقها ذلك الرجل منذ الوهلة الأولى بالرغم من تلك الإبتسامة التي لا تفارقه

"حمزة أبو الفضل CFO وزوجي الحبيب" صاحت بمزاح ودلال ليضحك كل من بغرفة الإجتماعات فيما بينهم نورسين وصافحته

"ايه يا جماعة مش من حقي أحب جوزي ولا ايه" تعالت ضحكات الجميع بنفس اللحظة التي دلف بها بدر الدين الغرفة ليتعجل الجميع لمقاعدهم بينما استمرت نورسين في الإبتسام لتقع عيناه السوداوتان عليها ولم يستطع أن يحرك عيناه إلي أي أحد أخر.

تصلب مكانه وهو يحدق بتلك الإبتسامة التي لم يلاحظها يوم أمس.. ظل ينظر لها لتدرك عيناه ما يرى، جسدها الممشوق في ذلك الرداء النبيذي الذي أعطاها مظهراً رسمياً ولكن لا يعبث بأنوثتها بل العكس تماماً هو يبرز أنوثتها بطريقة لم يرها بإمرأة قط، ذلك اللون الذي امتزج مع بشرتها الحليبية أفقده عقله بثوان، كيف لذلك الرداء أن يحتضن منحنياتها بشكل يزعجه للغاية، كيف لم يلاحظ ذلك الخصر المرسوم منذ البـ.ـارحة، كيف لم يرى ثديياها المثاليان وهما جليان كشمس الصباح، ظل ناظراً لها مُفكراً أنه لو كان يحلم بإمرأة لما وجدها بأحلامه بذلك الكمال الذي يراه الآن.

أقتربت بجانب شاهندة لتهمس بأذنها شيئاً ما فتمايل شعرها لينخفض معها لترفعه هي برقة متناهية تلقائية لتعبث بعقله أكثر، لماذا عليها أن تكون بمثل هذا الكمال وهي أصبحت أكثر ما يغضبه منذ الأمس؟

ابتلع وهو لا يزال يتفحصها عاقداً حاجباه، عقله بمكان آخر، لقد كان منذ يومان مع احدى النساء ولكن ما الذي يجذبه بتلك الفتاة، هو حقاً لا يعلم!

"بدر.. مش هنبتدي الاجتماع ولا ايه؟! هتفضل واقف كده كتير؟" صاحت شاهندة التي تعجبت لصمته طوال كل ذلك الوقت فحمحم بعد أن أدرك أنه لتوه فاق من شروده بتلك اللعينة ثم نظر لأخته

"لا كنت مستني تخلصوا ضحك الأول.." رد لها الصاع صاعين، فهو كما يظن نفسه لا يخطئ أبداً ولن يسمح لأحد بأن يتحدث عنه هكذا أمام الجميع حتى ولو كانت شاهندة نفسها. امتعضت ملامح نورسين من إجابته الجافة أما الباقين فنظروا لما أمامهم خوفاً من غضب بدر الدين!

"دلوقتي بقا نفسي أفهم ايه قصة الـ Materials (المواد) المتأخرة واللي مش موجودة في المخازن؟" توجه لشاهندة التي جلست بجانبها نورسين التي دونت شيئاً ما بالقلم الرصاص ثم حجبت خصلاتها خلف أذنها وعبثت بالقلم في شفتيها الكرزيتان ليصر بدر الدين أسنانه غاضباً من تأثير تلك الفتاة عليه وحاول التركيز في كلام شاهندة بكل ما أوتي من قدرة على التركيز.

"...... وبعدين أنا مبيتأخرش عندي حاجة وأنت فاهم وعارف شغلي كويس" توقفت شاهندة عن الكلام وقد لاحظت غضب بدر الدين وعدم تركيزه لتجده يحمحم ثم نظر أمامه

"التقارير الخاصة بالإستهلاك فين يا كريم؟" توجه لكريم الذي جلس أمام شاهندة على الطرف المقابل من الطاولة وهو يطـ.ـلق نفساً شاعراً بالراحة أنه لا ينظر نحوها بعد الآن بعد أن حاول إخفاءه أنه لم يستمع لما قالته أخته.

"سهيلة هتوريهالنا حالاً" وصلت سهيلة مساعدة كريم الشخصية حاسوبها الخاص لتستعرض تلك التقارير والتحليلات التي سأل عنها بدر منذ قليل ليبدأ كريم في شرحها وما إن انتهى حتى اعتدل بدر الدين في جلسته

"يعني كل يوم الكميات دي ليه، ماسكين بلد بحالها" صاح بغضب لتبتلع نورسين في تـ.ـو.تر من صوته

"يا بدر اديك شايف الـ.."

"كريم الكميات دي مش مظبوطة، استحالة يكون كل ده استهلاكنا في اليوم الواحد" قاطعه ليتوجه لشاهندة مرة أخرى "وأنتي ازاي سايباه يطلب كل ده من غير ما تبلغي؟" صاح بشاهندة لترتعب نورسين وعضت على شفتاها ليلاحظها بدر الدين الذي كسر ذلك القلم الممسك به دون أن يدري!

"يا بدر أنا.."

"ولا كلمة أسمعها تاني" ازداد غضبه بعد أن أدرك ما يحدث له من تأثير نورسين عليه

"وأنت يا حمزة.. ايه.. موقف ليه الموافقات المالية؟ عايز يبقى منظرنا زفت قدام الناس؟"

"بدر بعد اذنك أنا في الأول وفي الآخر ملتزم بميزانية، وقبل كده اشتكيت من كميات الاستهلاك الغير طبيعية حتى في المشاريع اللي المفروض انها ثابتة ومعروف كمياتها وكريم قالي ان كل التقارير صح على الـ system وانه مينفعش يسيب المخازن فاضية بس أنا فعلاً مش هاقدر أوفر السيولة دي كلها بالذات عندنا مشاريع جديدة محتاجة تجهيزات" انتهى حمزة ليوجه بدر الدين نظره لكريم

"فعلاً هي دي التقارير اللي بشوفها كل يوم، أنا كمان عندي طلبات مخازن مقدرش اقولها لأ" صدق كريم على كلام حمزة ليخلل شعره الفحمي في عصبية

"يعني نفترض شركة، احتياجها من يوم ما اتعاقدنا معاها X ونفس الربح اللي بيجلنا منها ثابت والشركة زي ما هي بنفس أعداد كل حاجة، ازاي فجأة يبقى احتياجها ضعفين الـ X؟" تحدث بعصبية زائدة بينما ساد الصمت لتقترب نورسين من شاهندة لتهمس لها شيئاً لينظر لها بدر نظرة قاتمة بمنتهى الغضب المستعر وهي التي جنت على نفسها، ستكون ملجئه الوحيد ليفرغ عليه كل ذلك الغضب

"جرى ايه يا هانم، مش شايفة أننا بنتكلم في كلام مهم، لو مش قد المسئولية والإلتزام تقدري تمشي، مش رحلة هي ولا فسحة، دي ملايين بتتصرف على الأرض، حاجة زي المصيبة اللي فيها دي لازم نكون مركزين عشان نعرف المشكلة فين.."

"يا بدر لو سمحت مـ.." قاطعته شاهندة ليقاطعها

"بعد اذنك متدخليش.. ما دام الإجتماع معايا أنا مش بسمح بالتهريج والهزار، مش في مدرسة احنا عشان شغل العيال بتاع المدارس ده يحصل، اللي عنده حاجة يضيفها واللي معندوش يقعد ساكت!" صرخ بكلمـ.ـا.ته ليحتقن وجه نورسين من تلك الإهانة التي كيلها لها دفعة واحدة ولكن لا، لن تسمح له تلك المرة بأن يٌفرض عليها هيمنته تلك خاصة أنها تعرف أن ما فكرت به قد يحتمل الصحة.

"حضرتك يا Mr بدر أنا مقدرة المسئولية وملتزمة وفاهمة كويس إن ده مش لعب عيال، بس في نفس الوقت مقدرش اتعدى مديرتي من غير ما استئذنها، وعموماً عندي حاجات أضيفها وحاجات مهمة" تريثت لثوان حتى جذبت انتباه الجميع بينما نظر لها كريم أكثرهم في دهشة خاصة عنـ.ـد.ما نهضت حتى تنظر ملياً للشاشة العملاقة التي أحتلت الغرفة، بينما عينا بدر الدين تتابعها كالنسر
"ليه منقولش إن التقارير دي فيها حاجة غلط وتكون مشكلة من الـ System نفسه؟"
"منقولش" ضحك بدر الدين بخفوت ساخراً على كلمـ.ـا.تها "اقعدي يا شاطرة مكانك وا عـ.ـر.في الشغل كويس الأول وأ عـ.ـر.في الـ System اللي احنا شاغلين بيه وبعدين ابقي تعالي اتكلمي" تعجب الجميع من تصرف بدر فهو عادة لا يتصرف هكذا بينما ألتفتت له نورسين رافعة احدى حاجبيها في تحدٍ

"الشركة شاغاله بأغلى ERP System في السوق، وعارفة انه المفروض معموله Upgrade لغاية أحدث نسخة منه واحدث إصدار، بس ايه رأي حضرتك لو جيبنا الـ IT Manager وسألناه على الـ Reports اللي قدامنا وطلبنا منه يطلعها من الـ System بنفسه، وياريت يعملها أكتر من مرة لو سمحت عشان نتأكد أنه مفيش خلل"

"وماله.." ابتسم متهكماً ليرسل مساعدته الشخصية في استدعاء مدير قسم الـ IT بينما لم تتحرك عينا بدر الدين من عليها وهو يشعر بكامل الثقة بأنها ستكون مخطئة أمام الجميع وينتظر فقط تلك اللحظة ليُسمعها ما لذ وطاب ويخرج عليها غضبه، فهي من بدأت بتحديه.

"ايه اللي أنتي عملتيه ده بس؟" همست لها شاهندة وهي تلعن حظها

"أكيد فيه غلط في الـ system" همست مجيبة وهي تتدعو بداخلها أن تكون على حق.

"سمير أنا عايز التقرير بتاع مخازن الموقع اللي قدامك ده من على الـ System direct، الاقيه 5 مرات مطبوع حالاً قدامي" آمره بهدوء وعيناه لازالتا مسلتطان على نورسين وابتسامة التهكم تتراقص على شفتاه وبدأ في التخيل كم سيكون صارماً وجافاً معها بعد أن تحدته بتلك الطريقة أمام الجميع، بينما تحاشته هي تماماً وهي تدعو من داخلها أن تكن على حق

"حاضر يا Mr بدر"

ترقب الجميع تلك الدقائق التي مرت على نورسين كالسنوات وشاهندة كذلك هي الأخرى بينما بدأ الباقون يتململون في مقاعدهم حتى آتى سمير واضعاً التقارير كما طلبها بدر ليطالعها في صمت ثم ازداد غضبه واشتدت ملامحه لينظر لسمير في منتهى العصبية

"أنت متـ.ـخـ.ـلف ولا غـ.ـبـ.ـي عشان كل تقرير الاقيه كميته زايدة، بتاخد مرتبك أصلاً ليه، لو مش قد الشغل نشوف غيرك" صرخ به ثم ألقى تلك التقارير بوجهه لتبتسم نورسين في انتصاروأطلقت زفيراً كانت تحبسه منذ الكثير بينما بدأ الجميع ينظرون إليها في دهشة بين حاقد وبين معجب بينما تاقبلت زرقاوتاها بتلك النظرة الكارهة منه فازدادت ابتسامتها بينما هو سحق أسنانه

"أنت بايت هنا في الشركة لغاية ما المشكلة دي تتحل.. سامع يا زفت أنت"

"سامع حضرتك.. بعد اذنك أروح أشتغل على المشكلة" أشار له بيده غاضباً وما إن وصد الباب خلفه حتى صب بدر الدين المتبقي من غضبه على كريم

"أنت Head of operations أنت؟! ده أنا أجيب عيل بقا بيعرف يسحب تقارير من الـ system وأشغله مكانك، أزاي مبتنزلش تشوف لمخازن بنفسك؟ ازاي ده يحصل رد عليا؟" صرخ به بمنتهى الغضب

"أنا... أنا.. بنزل وشوفت الـ.."

"أنت مش شايف شغلك يا بيه.. وأعتبروا كلكم ده انذار للكل، وأنتي يا شاهندة كان لازم ت عـ.ـر.في ان فيه مشكلة لما بتطلب منك كل الكميات دي" قاطعه ثم نظر لشاهندة

"أنا سألت كريم وهو قالـ.."

"بلا سألتي بلا زفت، كلكوا غلطانين، اتفضلوا دلوقتي الإجتماع خلص" قاطعها وصرخ في الجميع لتنهض شاهندة في غضب وتغادر على الفور بينما لحقها زوجها وفر كريم في لمح البصر هارباً، بينما فعلتا مساعدتيهما الشخصيتان تحاشياً لغضب بدر الدين الذي يعرفوه جيدا، بينما نورسين جمعت أشياءها ثم أشياء شاهندة وكادت أن تحملهما ليوقفها صوته

"ايه!! ساعة بتلمي الحاجة، اتفضلي برا"

"حضرتك كل واحد لم حاجته ومشي، أنا بلم لأتنين مش واحد، كمان مفيش واحدة اهتمت تقفل لشاشة وسابوا كل حاجة ومشيوا، وعموماً أنا عايزة امشي بسرعة أكتر ما أنت عايـ.."

"انجزي وامشي ومش عايز اسمع صوت" قاطعها غاضباً ثم وجه لها ظهره وهو يجوب الغرفة كالمـ.ـجـ.ـنو.ن، فهو لا يُصدق أنها تحدته وجعلته مخطئ أمام الجميع.

كادت أن تغادر بينما لمحت مكالمة من زوج والدتها فأنهت المكالمة حتى تخرج وقررت أنها ستحدثه لاحقاً لتفاجأ أنه هاتفها أكثر من ثلاثون مرة لتندهش وشعرت بالقلق الشـ.ـديد لتجده يتحدث مرة أخرى فلم تنتظر واجابته على الفور وهي تحمل الأوراق والملفات الخاصة بشاهندة

"آلو" لم تمر ثوان منذ أن أجابت حتى سقط كل ما بيديها محدثا جلبة لينظر لها بدر الدين غاضباً لذلك الصوت المزعج بينما صرخت هي "بتقول ايه!! ماما ماما.. أنت.. متـ.. استحالة.. ماما ما.." ودون مقدمـ.ـا.ت سقطت أرضاً مغشياً عليها.
توجه نحوها مهرولاً وهو ينظر لجسدها الملقى أرضاً وأمسك بالهاتف ليعلم ما الذي حدث حتى تقع أرضاً فاقدة الوعي بهذه الطريقة قبل أي شيء آخر بالرغم من غضبه منها ومما فعلته معه منذ قليل ولكنه عليه أن يعرف ماذا هناك

"آلو.." تحدث ليجيبه صوت ذكوري

"آلو.. نورسين فين، لازم تيجي بسرعة" تريث برهة ثم تحدث مجدداً "وبعدين أنت مين؟!" تعجب يسري من ذلك الشخص الذي يجيبه بينما ابتلع بدر قبل أن يتحدث بأي شيء وفكر جيداً قبل أن يجيبه

"أنا زميلها.. خير فيه ايه؟"

"والدتها اتوفت.." أخبره يسري ليشعر بدر الدين بالشلل التام وهو لا يدري ما عليه فعله "هي فين؟ كانت بتكلمني حالاً"

أخذ يفكر سريعاً بمنتهى الحصافة، أيخبره أنه فقدت وعيها أم ماذا عليه أن يفعل، وتأخر في الرد حتى تعجب يُسري من ذلك الصمت الذي دام لعدة لحظات

"آلو.." صاح ليدرك بدر الدين أنه قد آخذ وقت أكثر من اللازم ولأول مرة يشعر بعدم إجادته للتصرف

"ايوة.. معاك.. هي بس من الصدمة مش مصدقة.."

"طيب بلغها أنها لازم تيجي دلوقتي حالاً" أنهى يسري المكالمة ليتعجب بدر الدين من تصرفه وكاد أن يغادر ليذهب لشاهندة ولكن ما أن وصل لباب غرفة الاجتماعات توقف من تلقاء نفسه وكأنما شعر بشيء يناديه ليعاود أدراجه ولكنه وجد نفسه يوصد الباب ثم توجه نحوها مرة ثانية.

أنخفض بمستوى جسده ليقترب منها وهي مغشي عليها ليرفع خصلاتها الحريرية التي سقطت على عينيها التي لم يرى مثيلاً لها من قبل ليجد نفسه يحدق أكثر بملامحها.

كم كانت رائعة الجمال.. وجهها بريء للغاية.. تفاصيل ملامحها تجبر على ألا يتوقف للنظر لها.. شفتاها تلك التي شابهت حبتي الفراولة أجبرته على أن يتلمسها بأنامله.. أخذ يتلمس شفتاها بسبابته ثم مررظهر كفه على وجها الناعم وهو يتطلعها ثم تنهد ليلاحظ جسدها الراقد أمامه ليحملها ثم وضعها على احدى الارائك ثم ذهب ليُحضر بعض المياة من على الطاولة لتساعده في افاقتها وجلس بجانبها مرة أخرى ليجد نفسه يتطلعها في صمت مجدداً ولا يريد أن يفيقها.

"ايه مالها نور؟ ايه اللي حصلها؟" لم يشعر بالوقت وهو ينظر لها ليُفاجأ بصوت شاهندة بجانبه ليدرك أنه جلس ينظر لملامحها أكثر من اللازم!

"والدتها اتوفت واغم عليها لما عرفت الخبر" تحدث بهدوء بينما ناول شاهندة المياة ونهض مبتعداً ليفسح لأخته مكان للجلوس بجانبها ثم أعطاهما ظهره

"يا نهار أبيض!! الكلام ده من امتى؟" صاحت شاهندة في دهشة

"بعد ما مشيتو على طول" اجابها بإقتضاب وهو يحاول أن يخفي مدى تلهفه للذهاب والجلوس بجانبها مرة أخرى لتشعر شاهندة بالخوف على نورسين وبدأت في أن تفيقها بنثر بعض قطرات المياة على وجهها ولكن لم تستجب لها.

"البنت مش عايزة تفوق خالص يا بدر" صاحت بعد عدة محاولات منها بأن تفيقها

"ايوة يعني اعمل ايه أنا؟" تسائل في حنق ليلتفت ناظراً لها

"معلش ساعدني، ممكن تشيلها بس لغاية عيادة الشركة"

"نعم؟!" نظر لها ساخراً "ما نكلم الدكتور ولا زياد بيه يجي يشيلها!"

"زياد مشي من شوية راح فرع مدينة نصر، والدكتور على ما نكلمه ويجيب كرسي هياخد كتير.. لاحظ إنها داخلة في ساعة بالمنظر ده، معلش يا بدر عشان خاطري" توسلت له ليتآفف ثم توجه نحوها ليحملها لتبدو كالعصفور بين ذراعيه القويتان.

توجهت هي وأخيها مع نورسين لتتعجب رنا سكرتيرة بدر الشخصية لتتابعهما بأعينها وهما دالفان للمصعد ففرت خلفهما وهي تصيح

"فيه حاجة محتاجينها أو أقدر أساعد فيها؟"

"شكراً يا رنا احنا رايحين للدكتور خلاص" اجابت شاهندة وهي بطريقها بينما صر بدر الدين أسنانه حانقاً عنـ.ـد.ما أدرك أنه قد تمت رؤيته في هذا الوضع ولولا شاهندة معه لم يكن ليفعلها.

دلفا المصعد وشاهندة تحاول أن تمرر أناملها على وجه نورسين وتتفقدها في عناية بينما شعوره بجسدها الملامس لجسده جعله غاضباً لدرجة كبيرة ولكن لا يدري لماذا.

"البنت جـ.ـسمها كله ساقع" أخبرته ليزفر هو في ضيق

"ادينا اهو مودينها للدكتور وهو يتصرف بقا"

ترجلا من المصعد ليدلفا غرفة طبيبب الشركة الذي فوجأ ببدر الدين وأخته شاهندة وتلك الفتاة التي يحملها الذي تخلص بدر من حملها في ثوان وألقى جسدها على السرير بمنتهى السرعة

"براحة يا بدر مش كده" زجرته شاهندة لينظر لها في غضب ولكنه لم يغادر بالرغم من استطاعته فعلها ولكن شيء ما أجبره على الوقوف والإنتظار.

"هي ضغطها منخفض جداً وهعلقلها محاليل واديها حقنة بس لازم تروح المستشفى حالاً، واضح إنها في حالة صدمة شـ.ـديدة لدرجة انها مش بتستجيب لأي مؤثرات خارجية" صاح الطبيب بعد أن فحصها وبنفس الوقت رن هاتف شاهندة التي اجابته وتوجهت لخارج الغرفة ليقع بدر في حيرة من آمره وهو يراقب الطبيب وهو يكمل عمله

"كلم الإسعاف طيب ويجوا ياخدوها" تحدث للطبيب بينما آتت شاهندة مجدداً بنفس اللحظة

"لا إسعاف ايه، احنا نوديها" تحدثت معقبة على كلمـ.ـا.ته

"أنتي بقا هتسيبي شغلك عشان خاطر البت دي.. ما تيجي الإسعاف تاخدها"

"معلش يا بدر.. وبعدين أنا لسه هقولك إن فيه خامـ.ـا.ت ناقصة لازم أتصرف واجيبها حالاً لأن كل إدارة المشتريات مش عارفة تتصرف والمورد اللي بنتعامل معاه عنده حالة وفاة، لو بس أنت ينفع توديها عشـ.."

"يا سلام!! وأنا مالي" صاح في غضب

"معلش عشان خاطري، تخيل لو كنت أنا مكانـ.."

"ماشي يا شاهندة، مبقاش ورايا أنا غير زفتة هانم دي!! قولتلك ابعديني عنها وأنتي مصممة بردو، بس ماشي لولا الموقف كان هيبقالي تصرف تاني" تحدث مقاطعاً اياها ثم توجه نحوها في قمة غضبه حاملاً اياها هي والحقيبة البلاستيكية للمغذي الذي وضعه الطبيب منذ ثوان.

"أنا بس هخلص وأحصلك وبعدين ما أنت ممكن تحطها على الكـ.."

"شاهندة اتقي شري وابعدي عني الساعادي" قاطعها مجدداً بمنتهى العصبية ثم أنصرف خارجاً في لمح البصر ليتوقف بالمرأب واضعاً اياها بالمقعد الخلفي للسيارة ثم توجه مسرعاً للمشفى.



❈-❈-❈





ظل محدقاً بها وهو لا يدري لماذا لا يغادر؟ عقله يصـ.ـر.خ به كي يتركها ويذهب، ولكن هناك شيئاً وكأنما كبله في مكانه. سحق أسنانه للمرة الآلف وهو لا يستطيع إشاحة نظره من عليها، خلل شعره لأكثر من مرة وهو يسأل نفسه للمرة المليون ما الذي يبقيه إلي الآن؟ لقد آتى بها، لقد أخبره الأطباء أنها لن تستيقظ إلا بعد ساعات بسبب تلك المهدئات القوية التي حقنت بها، لماذا ينتظر؟ لماذا لم يتحدث مجدداً لذلك الرجل الذي أخبرها بأن والدتها قد توفت؟ ولماذا أغلق هاتفه؟ لماذا يريد أن يكون وحده بجانبها دون إزعاج؟

ثقلت أنفاسه غضباً ليقرر أن يعود بدر الدين الخولي الذي يلمح نوايا الجميع منذ الوهلة التي تقع سودوتاه عليهم، هذه مجرد فتاة صغيرة طماعة، تبحث عن المال ليس إلا، لذلك استحوذت على عقل زياد، هي مجرد طفلة من عمر أخيه، ليس لديه أي مبرر آخر سوى ذلك!

قرر تركها وهو يعاود فتح هاتفه ليلقي عليها نظرة أخيرة ثم توقف للحظة ناظراً لهاتفها ثم لها مجدداً ولا يدري لماذا امتدت يداه أخذاً هاتفها مُغلقاً اياه ووضعه بجيب سترته الداخلي ثم ترجل أخذا خطوات واسعة كما هي عادته وذهب لصالة الإستقبال وترك مبلغاً من المال في حسابها أكثر من المصاريف المطالب بها وكاد أن يغادر ليلتقي بشاهندة وزياد على بوابة المشفى ليسحق أسنانه وتزايد غضبه

"عاملة ايه يا بدر؟ بقت أحسن؟" صاحت شاهندة في لهفة

"ادوها مهدئات وقالوا مش هتفوق دلوقتي"اجابها بإقتضاب وكاد أن يغادر لتوقفه شاهندة

"ايه انت هتسبنا وهتمشي؟"

"يعني اعمل ايه اكتر من كده، مش من بقيت اهلنا هي عشان افضل معاها"

"طيب معلش استنى بس معانا هنطمن عليها ونمشي على طول"

"يووه بقا!! خليكو انتو وانا ماشي" صاح بغضب لتقترب منه شاهندة هامسة له بالقرب من أذنه حتى لا يسمعهما زياد الذي انشغل فجأة بمكالمة هاتفية

"بدر أنا محتجاك لغاية ما حد من أهلها يجي، معلش بس لو حصل حاجة أنت هتعرف تتصرف غير زياد" تآفف بدر الدين الذي تحدث بين أسنانه المُطبقة

"انجزي يا شاهندة ومتخلنيش مستني كتير" أخبرها ليدلف للمشفى مرة ثانية باحثاً عن أقرب كافيتيريا ليتناول فنجاناً من القهوة وتركهما وغادر.





❈-❈-❈





وضع كوب القهوة أعلى سقف سيارته ثم خلع سترته وأراح ربطة عنقه وتوجه داخل سيارته ليخرج من الصندوق الجانبي علبة سجائره الذهبية وقداحة تشبهها ليستند على مؤخرة السيارة ويشعل السيجارة آخذاً منها نفساً عميقاً ثم غرق مُفكراً في كل ما حدث منذ البـ.ـارحة.

لا يزال غاضباً حتى أنه لجأ لذلك النيكوتين الذي أقلع عنه منذ سنوات عديدة ولا يلجأ له إلا عند إنشغاله بالتفكير، كل ذلك بسبب تلك الفتاة، ولا يزال مصمماً على أن تلك الفتاة مجرد باحثة عن الثراء السريع ليس إلا، صمم أن يعرف عنها كل شيء ليرسل اسمها لأحد معارفه حتى يستطيع تبين كل شيء عنها.

فتح هاتفها مجدداً ثم تفقده ليرى أنه هاتف فتاة عادي ليس به شيء سوى عدة رسائل نصية عادية، وسجل مكالمـ.ـا.ت.. إذن لقد تحدث لها زياد وشاهندة ولكن لماذا؟! شعر أنه في منتهى الغباء ليظن أنه سيحصل من هاتفها على أية معلومـ.ـا.ت ولكنه كان مخطئاً.. مجدداً!.

زفر بغضب وهو لا يزال يتذكر كل مرة تحدثت له، كيف تحدته أمام الجميع واستطاعت أن تجعله مخطئ أمام الجميع مرة وأمام نفسه مرة أخرى، ثم تذكر كيف جلس بجانبها خائر القوى وكأنما تأسره وتجبره على ألا يبتعد عنها. لم يظن أن بإمكان إمرأة أن تلفت انتباهه بعد زوجته، ولكنه عرف جيداً كيف سيوقف هذا الهراء الذي وقع به لتوه!!

لم يلاحظ أنه قد فرغ من نصف علبة سجائره بأكملها وقد مر من الوقت ما يقارب الساعة فقرر أن يذهب ليتفقد أخته التي أخذت من الوقت أكثر من اللازم!



❈-❈-❈





"ايه ده؟ امال فين زياد؟" صاح متسائلاً عنـ.ـد.ما وجدها وحدها بالغرفة

"معرفش بيقول راح كان عنده معاد مع أصحابه" اجابته ليبتسم متهكماً عند علمه بمغادرتها بكل تلك السهولة بينما رأى إنشغال شاهندة بهاتفها

"طيب حضرتك ناوية تمشي امتى عشان زهقت.. مش كفاية اليوم كله ضاع بسبب ست زفتة هانم؟" سألها ساخراً

"لسه محدش من أهلها يعرف إنها هنا، بحاول أوصل لحد من لـ HR يجيبلي رقم أهلها، أنا بس مش عارفة موبايلها راح فين، مشوفتوش صحيح يا بدر؟" نظرت له بأعينها ليبتلع وهو يحاول أن يبدو طبيعياً

"لأ متزفتش.. انجزي بقا يا شاهندة.. مش هنفضل هنا كتير.. أنا ورايا بلاوي" أخبرها في حنق

"يووه عليك يا بدر، بص امشي وأنا هافضل معاها لغاية ما أوصل لجوز مامتها، كده كده هي مالهاش اخوات وهو بس اللي عايش معاها.. أنا هتصرف!!"

"أنتي بردو مصممة!! خليكي بقا قاعدة جنبها وأنا ماشي يا شاهندة، ولو حصلك حاجة كلميني، أنتي مش هي" صاح ناظراً لنورسين على سرير المشفى بكراهية ثم غادر مسرعاً لتتنهد شاهندة

"أنا مش فاهمه هو كاره البنت كده ليه.." تمتمت ثم أخيراً حصلت على رقم منزل هاتفها الذي ما إن اتصلت به حتى أجاب عليها صوت ذكوري

"آلو.."

"آلو.."

"مين معايا؟" صاح يُسري لتجيبه شاهندة على الفور

"أنا شاهندة الخولي.. مديرة نورسين في الشغل.. البقاء لله وربنا يجعلها آخر الأحزان"

"ونعم بالله.."

"هو حضرتك جوز والدتها الله يرحمها؟"

"ايوة معاكي يُسري ، بس هي فين نورسين لغاية دلوقتي؟ ازاي متجيش؟ هي متعرفش إن والـ.."

"نور وقعت من الصدمة أغم عليها وهي دلوقتي في المستشفى ولسه مفاقتش.. أنا آسفة إني مبلغتكش غير دلوقتي لأني مكانش معايا رقم البيت ولا رقم حضرتك.."

"طيب هي في مستشفى ايه؟"

"مستشفى .... "

"تمام.. هخلص دفنة واروحلها"

"أنا هاستنى جنبها متقلقش"

"متشكر جداً.. سلام" انهى المكالمة لتتعجب شاهندة من طريقة ذلك الرجل الفظة والجـ.ـا.مدة ليتمتم هو بخفوت بعد إنهاءه المكالمة

"كنت ناقص كمان!! هدفنها وابقا فوقـ.ـتـ.ـلك يا هانم، مبقاش فيه حاجة تمنعني عنك خلاص.. منجم الدهب بتاعك مـ.ـا.تت.. ده أنا همرمطك!" توعد لها وهو كل ما يريده أن يفرغ فقط من مراسم دفن كوثر زوجته ليذهب لها.



❈-❈-❈






في المساء بدأت في الإستفاقة بينما كانت بجانبها شاهندة التي تحدثت لها على الفور ما إن لاحظت حركة جفناها وامتعاض ملامحها
"نور أنتي كويسة؟" صاحت متفقدة اياها في لهفة لتفتح نورسين عيناها لتتساقط تلك الدمعات التي شابهت حبات اللؤلؤ من بحور عيناها الزرقاء الحزينة بينما شاهندة لا تدري ما الذي عليها فعله!

كيف ستقنع ذات العشرون ربيعاً بأن تتماسك وكل ما لديها من عائلة قد تركتها وذهبت؟!

عانقتها لتحاول مواساتها بينما لم تتفوه نورسين بشيء عدا الدمـ.ـو.ع التي تواترت من عيناها بلا إنقطاع أو تريث وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى.

"طب قوليلي انتي حاسة بإيه؟ فيه حاجة تعباكي؟ محتاجة حاجة اجيبهالك؟" سألتها في لين ولكن لم تجيبها ولم تتوقف عيناها عن ذرف الدمـ.ـو.ع "نور.. ممكن بس تردي عليا؟" نادتها بينما لم تحصل منها حتى على نظرة واحدة واكملت تحديقها بالفراغ وذرفت المزيد من دمـ.ـو.عها..

شعرت شاهندة بالقلق فذهبت للخارج مسرعة لتبلغ الأطباء بإستفاقتها وعدم تحدثها ذلك الذي تعجبت له.

دلف الأطباء وانتظرتهم بالخارج لتستطيع معرفة حالتها وراعت ألا تتعرض لجرح مشاعرها بكلمـ.ـا.ت الأطباء أمامها.

"هي بقت كويسة؟ طمني يا دكتور" صاحت شاهندة بعد أن ترقبت حوالي عشر دقائق

"هي اكيد احسن من الحالة اللي جت فيها، ما زال ضغطها مش مظبوط ومنخفض جداً.. بس عندها حالة إنكار لكل اللي حصل ورافضة تستجيب لأي مؤثرات خارجية تماماً، الصدمة واضح انها كانت شـ.ـديدة عليها.. ممكن تفضل كده فترة وممكن تتحسن.. مفيش حاجة مؤكدة"

"طب يا دكتور فيه حاجة نقدر نعملها عشان تساعدها؟" تسائلت شاهندة في حزن وهي لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله

"هي محتاجة اهتمام زيادة، تعمل الحاجات اللي بتحبها، تقعد مع الناس القريبة منها، طبعاً متتعرضش لأي حاجة تضايقها او تعصبها؛ والموضوع كله نفسي ملناش ايد فيه وممكن نستعين بأخصائي نفسي يمكن يسرع شوية من حالة الصدمة"

"تمام. متشكرة جداً"

"العفو"

وقعت شاهندة في حيرة وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل، فبالرغم من شعورها بالألفة بجانب نور إلا إنها ليست تعرف عنها الكثير بعد، فتوجهت للداخل لتهاتف زياد ربما هو من يستطيع المساعدة.

لاحظتها بعيناها لتراها شاردة تماماً في الفراغ تتساقط دمعاتها وأصبح وجهها شاحب للغاية ليست كمثل أول مرة رآتها كانت فتاة شابة مفعمة بالحيوية.

أخذت تهاتف زياد لأكثر من مرة بينما لم يجيبها لتتعجب أين عساه ذهب ولماذا لا يجيب خاصةً وأنه يعلم حالة نورسين التي من المفترض أنه يشعر بشيء تجاهها..

"ماشي يا زفت.. أنا هوريك" تمتمت بداخلها وتركت هاتفها على احدى الطاولات بالغرفة ثم توجهت بالقرب من نورسين لتجلس جانبها.

"حبيبتي لازم تكوني قوية، لازم تخرجي من الحزن ده وتدعيلها.. أنا عارفة إنك بتحبيها وهي كمان بتحبك ولازم يوصلها دعائك وعمرها أكيد ما كانت هتتبسط لو شافتك كده" حاولت أن تخرجها من تلك الحالة بينما لم تحصل على ردة فعل تُذكر لتزم شفتاها في حيرة ثم آخذت تمرر يدها على كتف نورسين دون التحدث لها.

"أدخل" صاحت بعد أن سمعت طرقات على الباب

"مدام شاهندة؟!" صاح يسري لتومأ له ليمد يده ليصافحها "يُسري راتب، جوز المرحومة، كنت أتمنى نتقابل في ظروف أحسن من كده" صاح والحزن الذي زيفه برع به.

"البقية في حياتك.."

"حياتك الباقية ومتشكر جداً إنك فضلتي جنب نور"

"العفو على ايه دي زي اختي الصغيرة" ابتسمت بإقتضاب مرير ثم نظرت لها واشارت له للخارج فتبعها "نور حالتها صعبة ورافضة الكلام تماماً الصدمة كانت شـ.ـديدة عليها والدكاترة حذروا من اي حاجة ممكن تضايقها او تثير اعصابها"

"اكيد.. هي والمرحومة كانوا قريبين جداً لبعض.." زيف حزنه مجدداً ثم أكمل "متقلقيش، نور دي بنتي وهاخد بالي منها، ومتشكر جداً ومش هاقدر اعطلك أكتر من كده، اكيد انتي معاها من الصبح"

"مفيش داعي للشكر.. ارجوك لو احتاجت حاجة كلمني"

"اكيد.. ومتشكر مرة تانية"

"العفو على ايه.. تصبح على خير وإن شاء الله هاعدي عليها بكرة.." أومأ لها يسري ثم توجهت هي لتُمسك بحقيبتها ثم عانقت نورسين دون أن تخبرها بأي شيء وغادرت موصدة الباب خلفها.

آخذت تُفكر في حالة نورسين وهي مليئة بالحزن لأجلها، كم أشفقت على حالتها وهي حقاً لا تدري ماذا عليها أن تفعل من أجلها!!
تنهدت ثم آخذت تبحث عن هاتفها لتحدث زوجها ولكنها لم تجده فتذكرت أنه لا زال بغرفة نورسين فأعادت أدراجها مرة أخرى حتى تحضره.

"لا بصيلي كده وفوقي للي هقولهولك كويس.. عـ.ـيا.طك وزعلك ده مش هيفيد.. اسمعي كلامي أحسنلك وفوقي من الهبل اللي أنتي فيه ده، هتقومي تلبسي وتروحي معايا.. أمك اللي كانت مدلعاكي مـ.ـا.تت وأنا معنديش دلع، مش هاصرف عليكي زمان ودلوقتي كمان ومستشفيات وقرف، فوقي كده وأ عـ.ـر.في إن يُسري اللي عيشتي معاه زمان واحد ويُسري اللي بيكلمك ده دلوقتي واحد تاني خالص" صرخ بها لتتوقف عن البكاء ما إن سمعت صوته ونظرت له في حزن وملامح مصدومة

"هتمثلي عليا تاني؟! طيب ما تيجي بقا أفوقك.. تعالي أقولك أنا نفسي في ايه من زمان، تعالي أوريكي حلاوتك دي عاملة فيا ايه من زمان.." أقترب منها وكاد أن يٌقبل شفتاها وأمسك بثدييها في جرأة يتحسسهما وما أن شعرت بلمساته الشهوانية القذرة تشنج جسدها وأخذ يرتجف بقوة وآخذت في الصراخ الهستيري والبكاء

"يخربيتك هتفضحيني" صاح بها ثم كمم فمها ليجد الباب يُفتح بقوة مُحدثاً صوتاً خلفه فنظر ليجدها شاهندة واعتلت ملامحه الصدمة التامة وابتعد عن نورسين في ثوان.

"دكتور.. حد يلحقنا بدكتور بسرعة" صرخت بكل ما أوتيت من قوة بينما اندلعت ملامح الإرتباك على وجه يُسري ثم ساوى من خصلات شعره

"أنا.. أنا.."

"دكتور يا جماعة" صرخت مجدداً وجرت نحو هاتفها "أنت لو ممشتش من هنا حالاً هافضحك.. أنا سمعت كل كلمة قولتهالها.. ولو قربت منها تاني أنا مش هاسيبك في حالك.. أعتبره أول وآخر تحذير.. ولو مش عارف أنا ابقى مين وبنت مين أفتكر كويس اسم شاهندة الخولي وأسأل بنفسك.."

دخلت الممرضات بالغرفة مهرولات ليتبعهم احدى الأطباء وتوجه جميعهم نحو نورسين بينما أقتربت شاهندة من يُسري لتهمس له وملامح الغضب تكسو وجهها

"امشي اطلع برا حالا واياك تهوب هنا تاني" ابتلع من تهديدها وتوجه للخارج بينما هي أمسكت بهاتفها لتحدث زوجها بينما تابعت الطبيب بعينها الذي أعطى لنورسين حقنة مهدئة ورآتها تهدأ من حالة التشنج تلك.

"حمزة حبيبي أنت فين؟" صاحت دون أن تشعره بالقلق بالرغم من احتياجها الشـ.ـديد له

"حبيبتي حشـ.ـتـ.ـيني و .. وبعدين ما أنتي عارفة إني في meeting مع صاحب مجموعة المستشفيات اللي قولتلك عليها، مش فاهم ليه قرر يعمله في اسكندرية، وبدر صمم اني أنا اللي اتناقش معاه في العرض المالي.. بس كويس أصلاً إن عرفت أرد، ده يا دوب لسه مستأذن عشان يرد على موبايله"

"وأنت كمان وحـ.ـشـ.ـتني.. تيجي بالسلامة يا حبيبي.. أنا بس حبيت اعرفك اني في المستشفى مع نورسين عشان تعبت شوية لما عرفت ان مامتها اتوفت واحتمال ارجع متأخر"

"طيب يا حبيبتي آلف سلامة عليها وياريت تكلمي حد من اخواتك يروحك أو السواق وأرجوكي يا شاهي متتأخريش لأني كده هافضل قلقان عليكي"

"لا متقلقش يا حبيبي.. أنا بس هطمن عليها وارجع على طول"

"طيب يا روحي.. لو فيه اي حاجة ابعتيلي رسالة وأنا هاكلمك على طول"

"متقلقش.."

"خدي بالك من نفسك.. سلام"

"سلام" أنهت المكالمة ثم توجهت للطبيب على الفور "دكتور هي كويسة"

"اديناها حقنة مهدئة وهتفضل نايمة للصبح.. هو فيه حد ضايقها ولا ده حصل كده فجأة"

"لا لا.." هزت رأسها وصاحت في تـ.ـو.تر "للوحدها كده.. فجأة واحدة"

"طيب حاولوا تتعاملوا معاها براحة.. ممكن تتعرض لإنهيار، خدوا بالكم منها كويس"

"أكيد، متقلقش يا دكتور" أماء لها

"بعد اذنك" استئذن منها وهم أن يغادر لتلحقه

"دكتور لو سمحت" صاحت لتلحقه ليلتفت لها

"اتفضلي"

"هو.." حمحمت بعد أن واتتها تلك الفكرة "هو ينفع لو وفرنالها دكتور وممرضة ننقلها البيت؟؟" صاحت سائلة وكل ما تريده أن تحميها من زوج والدتها الذي قد يأتي مجدداً بأي وقت "اقصد يعني.. أحسن من جو المستشفيات"

"أكيد طبعاً مفيش مشكلة، بس لازم اللي وصلها المستشفى يوافق بنفسه ويمضي على تحمل مسئولية خروجها"

"أكيد مفهوم.. طب ينفع التصريح ده نعمله دلوقتي ولا لازم نستنى للصبح؟!"

"لأ عادي أنا سهران النهاردة وأنا هوافق على الخروج والتصريح وتقدر تروح، بس لازم عناية في البيت وتاخد أدوية بإنتظام وكمان لازم دكتور يشوفها كل ست ساعات"

"أكيد يا دكتور.. متشكرة جداً"

"بعد اذنك" تركها وذهب لتشعر هي بالقلق ودلفت غرفة نورسين ووصدتها عليهما خوفاً من أن يأتي يسري مرة ثانية ثم نظرت لنورسين وهي نائمة في مريول المشفى الباهت ورغماً عنها فرت دمعة من عيناها وهي تشعر بالحزن الشـ.ـديد من أجلها وهي تتذكر كل كلمـ.ـا.ت زوج والدتها الحقير ولمساته لها بتلك الطريقة.

أمسكت بهاتفها وهي تبتلع ثم هاتفت أخيها وهي تشعر بالقلق من قرارها الذي أخذته لتوها وتعلم أن بدر الدين لن يتقبله بسهولة خاصةً وأنه يكرهها بشـ.ـدة

"بدر.. تعالالي المستشفى.. محتجالك اوي" همست ليشعر هو بالقلق

"فيه ايه يا شاهندة؟ انتي كويسة؟"

"أنا تمام.. مش هاعرف أكلمك واشرحلك في الموبيل"

"طيب..ربع ساعة وأكون قدامك"

أنهت المكالمة وهي بداخلها تتمنى ألا يبالغ بدر الدين في غضبه ويوافق على قرارها..
"على جثتي، أنا مش هوافق على الكلام ده أبداً" صاح بدر الدين في منتهى الغضب لتزم شاهندة شفتيها ثم اقتربت منه بأعين متوسلة

"اللي أنا سمعته من جوز مامتها مكنش سهل يا بدر، ده كان عايز يمضيها على أنها تتنازله على كل حاجة ورثتها وتخيل وهي في الظروف دي مفرقتش معاه، وكان كمان جايب حبر وهيخليها تبصم وهيزور كل حاجة، أنت لو أختك مكانها، لو أنا مكانها، هترضى ليها تعيش مع واحد زي ده"

"كفاية بقا لو أختي مكانها، احنا مش مكانها، واحنا مش عيلتها، تروح لأي حد تاني.. استحالة تيجي تعيش معانا" صرخ في غضب شـ.ـديد

"تعرف.. زياد حكالي انها متعرفش أهل باباها ومامتها وحدانية ملهاش اخوات ومن يوم ما اتجوزت يسري ده وأهل جوزها قاطعوها، يعني دلوقتي نورسين ملهاش حد"

"مش مشكلتي ولا مشكلتك، كفاية اوي اننا وقفنا جنبها كل ده، عملنا اكتر من الواجب، تروح تغور في اي حتة بعيد عننا" صمم على موقفه لتزدرد شاهندة في صمت ثم جلست على احدى المقاعد وبدأت الدمـ.ـو.ع تحتبس في عيناها

"لا مشكلتي يا بدر، مشكلتي ان حياتي فاضية، ولولا وجود حمزة وشغلي كنت اتجننت، مشكلتي إن ربنا حرمني من الخلفة، من ان حياتي تكون مليانة أولاد اديلهم حنان وحب واربيهم وآخد بالي منهم، لولا وجودكم جنبي كان زماني موت نفسي.. أنا من ساعـ.."

"شاهندة" قاطعها متنهداً ثم توجه بالقرب منها ولانت نبرته "احنا كلنا جنبك ومش هنسيبك وولاد هديل مالين علينـ.."

"ولاد هديل بكرة يكبروا وأنا بالنسبالهم هكون خالتهم وبس، زياد بكرة يشوف حياته، ماما ربنا يديها الصحة وطولة العمر بس مش هتعيش قد اللي عاشته، وأنت!! أنت إنسان غريب وقافل على نفسك وراضي بوحدتك، إنما أنا؛ أنا نفسي يكون جنبي حد تاني، كتير بحس حياتي فاضية، اه صحيح موجودين جنبي بس بمجرد ما حمزة يتشغل ولا يسافرله يومين ببقا حتجنن، يوم ما ماما بتتشغل ولا بتسافر لحد من قرايبها ببقا حاسة إني لوحدي، وهديل أنت عارفها كويس.." قاطعته ودمـ.ـو.عها تنهمر رغماً عنها

"تعرف يا بدر إني فكرت كتير الفترة اللي فاتت اتبنى بنت أو ولد؟! قولت يمكن حياتي تتغير شوية" بدأت في النحيب ليشعر بدر الدين بآلام أخته ثم أكملت

"فيها ايه لما أعتبر نورسين أختي الصغيرة وزي بنتي؟ فيها ايه لما أقف جنب بنت زيها على الأقل كام شهر ولا كام سنة لغاية ما أطمن عليها؟ هي مش نور دلوقتي يتيمة الأب والأم؟ بنت زي دي مش محتاجة رعاية وحد يوقف جنبها.. أنا فضلت أتخيل لو جوز مامتها كان عمل اللي كان عايز يعمله يا عالم كان مستقبلها هتغير ازاي، كان ممكن يبهدلها ويعمل فيها بلاوي، أنا زي ما يكون ربنا باعتني في الوقت المناسب عشان أعرف اللي بيحصل.." تريثت وهي تزيح دمـ.ـو.عها بعيداً عن عيناها ثم نظرت لبدر الذي لم يستطع أن يتفوه بحرف

"أرجوك وافق.. وافق إنها تيجي تعيش معايا وجنبي في البيت.. أنا هتكفل بكل حاجة تخصها.. هساعدها تخرج من اللي هي فيه وتكمل تعليمها، حـ.ـر.ام بنت زي دي وبالمستوى اللي عاشت فيه طول حياتها وبنت شاطرة زيها تتدمر وفجأة متلاقيش حد جنبها، عشان خاطري إن كنت بتحبني وافق" توسلت له ليوصد عيناه في غضب وصر أسنانه في عصبية

"اعملي اللي أنتي عايزاه.. بس خدي بالك إنها هتعيش في نفس البيت مع شاب عايز يتجوزها وسنهم همّ الاتنين صغير.. " بالكاد تحدث بين أسنانه المتلاحمة غضباً

"متقلقش يا حبيبي، وبعدين احنا في بيت طويل عريض، ماما وهديل وجوزي وجوزها وأنت والناس اللي بتساعدنا، يعني مش هيفضلوا لوحدهم أبداً.. وأنا هاخد بالي منها كويس"

"وتفتكري ماما وهديل هيوافقوا بسهولة؟"

"سيبك من هديل ما دام أنت وافقت وماما طبعا أنت فاهم هتتعاطف معاها ازاي، أنت بالذات عارف إنها مرت بحاجة شبه كده و..."

"أرجوكي متفكرنيش.. بلاش يا شاهندة" نهاها قاطعاً ناظراً لها في لوم امتزج بغضبه لتتدارك ما قاربت من قوله

"أنا آسفة يا بدر والله ما أقصد" صاحت في حزن وهي تتلمس ذراعه في ود أخوي

"أنا رايح أخلص الإجراءات.." أخبرها بإقتضاب ثم غادر في ثوان وملامحه يعتريها الآلم

"ياربي بقا.. أنا مكنتش أقصد حاجة.. ربنا يستر وميضايقش مني!" تمتمت لنفسها ثم توجهت داخل غرفة نورسين لتجمع ملابسها التي آتت بها وبدأت في الاستعداد للمغادرة.



❈-❈-❈


فتحت عيناها وهي تشعر بآلم يهشم رأسها لتتعجب من ذلك المكان الذي تواجدت به الذي كان مختلف عن المشفى أمس وشعرت بالخوف الشـ.ـديد ما أن تذكرت كل شيء حدث معها..

بنفس الوقت لمحت شاهندة على أريكة أمام السرير ليزداد تعجبها وودت لو أن تتحدث وتناديها لتستفسر عن ذلك المكان التي هي به ولكن وكأن الكلمـ.ـا.ت لا تريد الخروج من حلقها وكأنما عُقد لسانها أو شُل تماماً عن الحركة.

تذكرت موت والدتها وما فعله معها يُسري الذي صدمتها حقيقته الشنعاء لتتهاوى دمـ.ـو.عها في صمت ولم تستطع التحرك ولم يدل على الحياة بها سوى حركات جفنيها البطيئة ودمـ.ـو.عها التي تتساقط دون توقف.

لا تعلم متى دلفت تلك الممرضة التي يبدو وكأنها تفحصها وتتفقد ذلك الشيء الموضوع بيدها، ألهذا الحد هي مريـ.ـضة؟؟ أستفسر عقلها وهي لا تتوقف عن البكاء بينما لاحظت شاهندة تتوقف بالقرب منها وتحدث الممرضة

"طمنيني هي كويسة؟"

"بقت أحسن يا مدام بس لسه موضوع الضغط زي ما هو، منخفض جداً وضـ.ـر.بات قلبها ضعيفة.. لازم تبتدي تاكل وتتغذى كويس، مش كفاية المحلول والفيتامينات.. وكده كده الدكتور جاي كمان ساعة وهيطمنا أكتر.."

"متشكرة.."

"العفو.. بعد اذنك"

غادرت الممرضة لتتنهد شاهندة ثم جلست بالقرب من نورسين التي لازالت على نفس حالتها ولربما تشعر بأنها أسوأ خاصةً بعد ما حدث لها ليلة أمس.

"عارفة بقا انا مش هينفع الـ Assistant بتاعتي الشاطرة واحلى واحدة في الشركة تبعد عني كتير وتسبني بالذات بعد ما لحقتيني قدام بدر وكنتي سبب اننا نعرف إن فيه غلط في الـ System، اوعي تفتكري إني هفرط فيكي بسهولة.. وبعدين أنا استحالة اسيبك بقا خلاص على كده قفلت، فأنا قررت إنك هتفضلي معايا هنا في البيت طول اليوم ومعايا في الشغل كمان.. ويكون في علمك هتخلصي جامعة بسرعة بسرعة عشان تيجي تلحقيني بقا في الشغل.." نظرت لها بعد أن حاولت بكل ما استطاعت أن تحدثها بنبرة مازحة ومتفائلة بينما لم يتغير تعبير وجهها فشعرت شاهندة بالآسى تجاهها فاقتربت منها لتجلس وتعانق رأسها لصدرها وقررت أن تحاول مرة ثانية وهي تربت على شعرها

"أنا متأكدة إنك سامعاني وفهماني، عايزاكي تركزي معايا وتفكري في كلامي كويس، ت عـ.ـر.في يا نورسين أنا عندي واحد وتلاتين سنة، أنا وحمزة حبينا بعض من أيام الجامعة، واتجوزنا أول ما اتخرجنا على طول، وبعد سنتين أتأكدت إني استحالة أكون أم، مفيش أي حلول نفعت معايا.. أفتكرت إن دي نهاية الدنيا وإن لازم اسيب حمزة عشان مش ذنبه يتحرم من الأطفال وفي نفس الوقت بابا مـ.ـا.ت.. كنت متدمرة ساعتها واللي بهدل الدننيا خالص إن الشركة بتاعتنا وقعت وكان شغلنا كله هيضيع وشبه هنفلس، كان لازم ساعتها أفوق وسط كل ده وأتحمل المسئولية مع ماما وبدر..

أنا باحكيلك كل ده عشان ت عـ.ـر.في إن مش كل حاجة وحشة بتحصلنا نسيبها تأثر علينا، بالعكس، بتخلينا أقوى، وهو ده اللي أنا محتجاه منك، محتجاكي تفوقي، مش بقولك إن كل اللي حصلك كان سهل، لأ أنا حاسة اوي بيكي وعارفة إن الموضوع صعب، بس لازم تقومي تاني وتبقي اقوى، لازم تعلمي جوز مامتك الأدب، لازم يشوفك ناجحة في حياتك.. واوعي تخافي لأني هفضل جنبك، يسري مش هيقدر يلمس شعرة منك.. محدش هيقدر يقربلك طول ما أنا في ضهرك..

خدي كل الوقت اللي هتحتاجيه، اسكتي وعيطي وصرخي، بس مستنياكي تقومي تاني عشان تكوني اقوى وت عـ.ـر.في توقفي على رجليكي كويس.. اعتبريني أختك الكبيرة.. مامتك الصغيرة.. صاحبتك حتى بس اللي عايزاكي تتأكدي منه إني مش هاسيبك لوحدك أبداً" قبلت رأسها لتشعر بتنهيدتها لتلين شفتاها في شبح ابتسامة فلربما فهمت كل ما أخبرتها بها واستعابته جيداً.

ستعطيها كل الوقت الذي تريده، ستقف بجانبها مهما كان، لن تدعها أبداً لحالة اليأس تلك لتتغلب عليها وهي في مقتبل حياتها وستكون بجانبها طوال حياتها حتى لو احتاج الأمر لهذا.. فالشفقة التي تشعر بها عليها فاقت كل الحدود بقلب شاهندة الذي امتلئ بالطيبة منذ صغرها.. فكما قبلت بدر الدين في حياتها مرة بالسابق ستقبل تلك الصغيرة مرة أخرى!!





❈-❈-❈



"مين البنت دي يا شاهي؟ وايه اللي حصل وازاي تجبيها البيت من غير ما تفهميني اللي حصل؟" تسائلت والدتها مستفسرة ولكن دون إنفعال أو عصبية

"هحكيلك يا ماما كل حاجة بس حاولي تراعي أنا عملت كده ليه.." أخذت تقص عليها كل شيء حدث منذ أن قابلت نورسين بالشركة إلي ما حدث معها وأضطرت إلي أن تحضرها معها للمنزل حتى تحميها من يُسري ومما قد يفعله معها..

لم تخفي عنها الحقيقة مثلما فعلت مع بدر الدين، تأكدت أن والدتها ستسطيع فهمها ومراعاة هذا على عكس بدر الدين فربما قد تزداد ريبته تجاه نورسين إذا أخبرته بحقيقة ما حدث من زوج والدة نورسين وربما لن يتقبلها أبداً.

"يا عيني يا شاهي.. كل ده وكنتي لوحدك؟ طب ليه مكلمتنيش كنت قدرت أتصرف؟" زفرت والدتها في آسى

"وكمان يا ماما الأكبر إني غصب عني وأنا بحاول أقنع بدر امبـ.ـارح فكرته دخل بيتنا ازاي وعاملتيه ازاي! أنا خايفة يكون زعلان مني" هزت يدها في ارتباك ثم غلفت فمها في حُزن

"يا نهار أبيض، كده بردو؟ إزاي متخديش بالك.."

"غصب عني يا ماما"

"عموماً متقلقيش، بدر دماغه كبيرة وهو بيحبك اوي وانتي اقرب واحدة ليه في اخواته، الموضوع هيعدي متقلقيش.. بس إيه حكاية زياد ونور؟"

"مش عارفة.. أنا متأكدة بنسبة كبيرة إن زياد مش عارف هو عايز ايه ولا بيعمل ايه، ده حتى امبـ.ـارح سابها في المستشفى وراح لصحابه.. لسه طايش زي ما هو"

"ممممم.. بردو زياد عشان صغير ومتدلع ممكن يكون مجرد إعجاب إنما مش لدرجة الجواز"

"أنا كمان حاسة كده، ولو على الإعجاب أنا شخصياً أعجبت بيها.. دي زي القمر مش ممكن بجد فيه كده"

"لا ده أنا أقوم أشوف بقا بنفسي"

"اه يا ماما لازم تبتدي تتعرف على اللي في البيت ونحاول نخرجها من mood الزعل ده شوية"

"يا حبيبتي لسه بردو صُغيرة على كل ده.. بتفكرني بهديل لما صابر مـ.ـا.ت" أماءت شاهندة بالموافقة وشردت للحظة

"بس بردو هديل شخصية ونور حاجة تانية"

"طب يالا بينا نقوم نشوفها.."

"يالا"



❈-❈-❈



"صباح الخير يا أمي" تحدث بدر الدين بعد انتظاره لأن تحضر والدته وشاهندة مثلما تعود كل صباح بأن يأتي ويتناول الإفطار مع عائلته

"صباح النور يا حبيبي.." اجابته والدته

"صباح النور يا بدر" وكذلك فعلت شاهندة

"فينكو.. ملقتش غير كريم وهديل" تعجب فيه هدوء

"معلش كنا بنطمن على نور" اجابته شاهندة بينما نظرا هديل وكريم لبعضهما البعض في استغراب

"نور مين؟" صاحت هديل بينما سحق بدر الدين أسنانه غاضباً أما كريم فهو خمن من هي، تمنى أنها هي نفس الفتاة التي قابلها البـ.ـارحة، فهو منذ اجتماع أمس يحاول جاهداً أن يجد الطريقة ليبدأ معها بالكلام ولكن لم يجدها بالشركة أمس، فقرر الصمت حتى يتبين كل ما حدث لها.

"دي زميلة زياد والـ Assistant بتاعتي اللي جاية تدريب.. مامتها اتوفت امبـ.ـارح وجاتلها حالة صدمة.. وهي وحيدة فمحبتش اسيبها لوحدها.." اجابتها شاهندة وهي تحاول أن تختصر قدر لإمكان

"وكنتو بتطمنو عليها في المستشفى كده الصبح بدري؟" عقدت هديل حاجباها في تعجب

"لا لأ.. دي فوق في الأوضة اللي كانت فاضية جنب اوضتي أنا وحمزة.. حالتها صعبة اوي ومكانش ينفع اسيبها لوحدها"

"يا سلام يا شاهي.. وهي عشان صعبانة عليكي تدخليها بيتنا بالسهولة دي؟" تركت هديل الطعام لتنظر لأختها بغضب وتحفز

"خلاص يا هديل.. سيبي شاهي براحتها.. وعموماً البيت لسه بيتي وأنا معنديش مانع"

"بس يا مامي"

"قولت خلاص!!" صاحت والدتها بلهجة قاطعة لا تقبل النقاش لتغضب هديل وتنهض مغادرة بينم زمت شاهندة شفتاها في ملل فهي تعرف كيف هي أختها.

"حمزة فين؟!" سأل بدر لتجيبه أخته

"لسه نايم، هيروح الشغل بس متأخر شوية.. أنت عارف إنه رجع بعد الفجر من اجتماع اسكندرية وجه نام على طول"

"اه صح أنا نسيت.. وزياد؟" سأل مجدداً لتجيبه نجوى هذه المرة

"رجع متأخر ولسه نايم" تفقد ساعته ثم أماء ونهض من على المائدة

"هو ده اللي هيبقى راجـ.ـل وهيتدرب معانا.. متبقوش بس تزعلوا من عصبيتي عليه.. أنا ماشي.."

"بس يا بـ.."

"هتيجي يا شاهندة ولا عشان زفتة هانم ناوية على اجازة؟" قاطعها قبل أن تعطيه اعذار واهية

"أنا هشتغل من البيت وأنت عارف اني مبعملهاش غير للشـ.ـديد القوي" اماء في تهكم ثم غادر دون حديث لتنظر شاهندة لوالدتها نظرات حزينة وتتنهد هي الأخرى بآسى، أما عن كريم فأكمل طعامه بمنتهى التلقائية وهو يُفكر ما الذي جعل شاهندة تأتي بها للمنزل، لابد وأن هناك شيئاً ما تخبأه.



❈-❈-❈




كتمت نحيبها وهي لا تُصدق كل ما عانته طوال تلك الأيام المنصرمة.. وكأن موت والدتها كان هو الشيء الوحيد الذي كشف حقيقة زوجها.. وكأنها كانت لا تعرف أن بموت والدتها ستنكسر بتلك الطريقة.. لم تكن تتخيل بيوم ما أن والدتها ستتركها في ثوان دون أي مقدمـ.ـا.ت.

بالرغم من تلك الرعاية الشـ.ـديدة التي تتلقاها من شاهندة ونجوى وكل وسائل الراحة التي تتوفر لها بهذا المنزل إلا أنها لا تعرف إلي أين تذهب بعد أن تكون بخير؟ تأكدت أنها لن تستطيع العودة لمنزلها! لم تعرف يوماً ما معنى الأمان إلا أسفل سقف ذلك المنزل الذي منذ سنواتها الأولى قد عاشت به، كل ذكرياتها تملكها هناك، لا تعرف أي وصف للأمان غير ذاك المنزل.. لا تستطيع إدراك أن كل حياتها أنتهت للتو، كلما تتذكر كلمـ.ـا.ته التي بدت كتهديد واضح لها تدخل في نوبة بكاء مجدداً لمجرد أنها لن تستطيع العودة لذلك المنزل مرة أخرى.

"حـ.ـر.ام عليك أنت ليه بتعمل فيا كده" تمتمت داخل نفسها وشردت في ضعف وحزن.

بعد فترة من استرجاع كل أحداث تلك الأيام تعجبت بينها وبين نفسها لماذا لا تجد الإهتمام الذي توقعته من زياد؟ كان يأتى يومياً بالبداية ليطمئن على حالتها ربما لدقيقتان أو ثلاثة ثم يغادر، أما آخر ثلاثة أيام فهي لم تراه أبداً!! سألت أيضاً نفسها أين هي مريم صديقتها وهل يا تُرى عرفت أن والدتها توفت؟!

وقعت في حيرة من أمرها بينما في نفس اللحظة دخلت عليها شاهندة وهي تحدث جلبة وكالعادة بإبتسامتها الواسعة المفعمة بالحيوية توجهت نحوها وأمسكت بيدها لتنظر لها نورسين في تعجب لتتحدث شاهندة

"يالا يا نور اجازتك خلصت.. كفاية عليا اسبوعين بشتغل من غيرك.. ويكون في علمك احنا نازلين حالاً عشان نعمل Shopping ولازم اخد رأيك، وعلى فكرة بقا أنا أشطر مديرة مشتريات في الدنيا.. يعني مبقبلش الرفض أبداً!! يالا عشان نلبس وننزل وأوعدك إنه هيبقا من أحلى الأيام في حياتك!"

جذبت يدها لتنهض معها رغماً عنها وملامحها ليست مستاءة خاصةً وأنها بدأت في التحسن قليلاً، أحيانا تبتسم بخفة لشاهندة ونجوى ولكنها لا تستطيع الحديث بعد.

توجهتا سوياً لأحدى المحلات التجارية الشهيرة بعد أن أعارتها شاهندة احدى ملابسها لترتديها وقضتا اليوم بأكمله تجوبان بين المحلات التجارية العالمية ذائعة الصيت ولم تشتري شاهندة الكثير لنفسها بل كل تركيزها كان على نورسين ولم تتوقف عن المزاح معها وإطراءها بالكلمـ.ـا.ت كلما ارتدت ما يناسبها.

تناولا الغداء سوياً بأحدى المطاعم ولم تتوقف شاهندة عن التحدث بالكثير والكثير من الأمور عن زوجها وعملها وعائلتها وأخذت تقص عليها العديد من الطرفات التي تحدث لها لتجد نفسها تبتسم رغماً عنها بل وبدأت في أن تشير لها بعض الإشارات البسيطة ولم تضغط عليها شاهندة في أن تتحدث لها بل بالعكس تصرفت وكأنما ليس بها شيئاً على الإطـ.ـلا.ق.

عادتا للمنزل وقد أخبرت شاهندة احدى العاملين أن يحمل الحقائب الكثيرة من السيارة لغرفة نورسين ولغرفتها ثم توجهتا للأعلى فوراً حين لم تجدا أي أحد بالمنزل سوى العاملين به فقط.

دلفت غرفتها ولا زالت شاهندة بجانبها لتقع عينا كلتاهما على بدر الدين الذي كان يجوب غرفة نورسين كالأسد الهائج بعرينه وما إن تقابلت زرقاوتاها بسواد عيناه المخيفتان حتى أخفضت رأسها متحاشية النظر إليه..

"طبعاً.. حضرتك مش في البيت، وموبايلك أكلمك عليه مليون مرة مبترديش قولت اكيد مع زفتة هانم!!" رفعت نورسين نظرها له وهي تعلم جيداً أنه يقصدها بينما نظرت له أخته في دهشة

"أنا آسفة يا بدر.. أكيد مسمعتش غصب عني"

"أكيد، ماهو من ساعة ما البتاعة ديه ما دخلت حياتنا وأنتي مبقتيش شايفة غيرها.. حتى شغلك مبقتيش مركزة فيه" صرخ في غضب بينما شعرت نورسين بأنها على مشارف البكاء ونظرت للأرض

"لو سمحت.. مسمحلكش يا بدر تقولي إني مقصرة أبداً!! انا بقالي خمس ساعات برا!! خمس ساعات بس.. خمس ساعات من سنين كتيرة كنت صاحية نايمة في الشغل، ايه بقا المستعجل اوي ومش عارف تجيبه غير مني؟!"

"افتحي الـ Email بتاعك وانتي ت عـ.ـر.في.. عشان مش بدر الدين اللي يتكسف قدام عميل جديد بسبب إن مديرة المشتريات عندي مش فاضية!!" صرخ بها بينما عقدت حاجباها وغادرت لتتفحص حاسوبها.

وجد نفسه واقفاً معها بنفس الغرفة.. ينظر لها.. يحاول أن يبحث عن تلك الزرقة التي شابهت المحيط ويبحر فيهما إلي الأبد، ولكن غضبه أعماه.. غضبه من أخته وغضبه تجاه نفسه بسبب تلهفه ذلك على تلك الفتاة الصغيرة.. كره كم تحكمت في زياد وبعده شاهندة ثم والدته وبالنهاية يأتي هو ليظل الأسبوعان الماضيان بأكملهما لا يفكر غير بسواها ويحاول معرفة كل شيء عنها.

"وأنتي" صاح بغضب مقترباً منها قابضاً على كلتا ذراعيها لتوجل هي منه وتنظر له من المفاجأة ليعتريها الخوف من تلك النظرة الثاقبة بعيناه

"اوعي تكوني فاكرة ان شوية التمثيل اللي دخلو على أمي وأختي وزياد دخلوا عليا.. ولا جو الدراما اللي انتي عاملاه ده أنا مصدقه.. أنا لولا شاهندة كنت رميتك تاني مطرح ما جيتي.. ومتفتكريش إني قابل ده.. بكرة كل خططك القذرة واللعبة اللي بتلعبيها هتبان للكل.. صبرك عليا بس وأنا هوريكي وهكشفك قدامهم" صرخ بوجهها لتنهمر دمـ.ـو.عها وهو يحدثها بتلك الطريقة الفظة بينما لم تدري لماذا يفعل كل ذلك

"ايوة ايوة مثلي ونزلي الدمعتين عشان يشوفوكي وانتي بتعيطي وتصعبي عليهم اوي.. إنما أنا لأ، أنا فاهمك وفاهم كل اللي بتعمليه كويس.. وفي يوم من الأيام هرجعك تاني لجوز أمك اللي أخدتيه حجة عشان تدخلي بيتنا.. بس مش هتمشي من هنا إلا وكل اللي واقفين جنبك دول كارهينك ومش طايقين يبصوا في وشك" صرخ بها مجدداً لتتحول دمـ.ـو.عها لنحيب وشهقات متتالية

"لا غلبانة اوي وصعبتي عليا.. بس اوعي تفتكري إن بدر الدين الخولي بيضحك عليه من عيلة صغيرة لا راحت ولا جت.. ويكون في علمك العيشة اللي انتي عيشاها دي قريب هتختفي.. متتعوديش يا شاطرة على حاجة مش بتاعتك كلها يومين وهترجعيله تاني وتغوري في ستين داهيـ.."

"حـ.ـر.ام عليك أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كل ده؟!" صرخت بوجهه بين بكائها لتستمع شاهندة لصوتهما وتتعجب أنها بالنهاية وأخيراً نطقت و دلفت لتباعد بينهما وهي في قمة غضبها وبنفس الوقت مندهشة أن نورسين استطاعت التحدث.

"ايه يا بدر حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله.. البنت تعبانة مش كده"

"ايوة ايوة.. واضح انها عرفت تضحك عليكي.. إنما اهي زي القردة وبتتكلم! عرفتي انكم كلكم مضحوك عليكو؟ بكرة ت عـ.ـر.في إني صح.."

"لو سمحت يا بدر سيبنا لوحدنا شوية، وأنا رديت على اللي أنت عايزه في الـ email"

"بعد ايه؟! بعد ما خليتي شكلي زفت قدام الناس بسبب الزفتة دي؟!"

"قولتلك يا بدر اخرج وسبنا دلوقتي!" صرخت بوجهه وهي لا تعلم لماذا يتحفز ويغضب كلما كان بجانب نورسين بهذا الشكل المبالغ فيه لتسمع طرقات على الباب بنفس الوقت ليتضح أنها احد العاملين بالمنزل "خير يا زينب فيه ايه؟!" صاحت بإنفعال

"واحد تحت عايز حضرتك وبيقول إن اسمه يُسري راتب!" صُدمت شاهندة عنـ.ـد.ما سمعت اسمه بينما انكمشت نورسين خلفها في رعـ.ـب تام ليصيح بدر الدين بلكنة متهكمة

"اهو.. اتفضلي، بيتنا خلاص بقا مفتوح لكل من هب ودب.." ازدردت شاهندة وتـ.ـو.ترت للغاية وهي لا تدري كيف ستواجهه وما الذي ستخبره به خاصةً وأنها أخفت الحقيقة عن بدر الدين، وهل سيساعدها في الوقوف أمامه أم سيتركها وحدها لتواجهه؟!
"نور.. خليكي هنا ومتتحركيش!!" آمرتها خوفاً عليها من رؤية يُسري الآن فقد يحدث مالا يُحمد عقباه.. تنهدت بعد أن اتخذت قرارها بأنها ستفعل كل ما بوسعها حتى تتخلص من ذلك الرجل..

ارتدت وجه الشجاعة خاصتها ثم توجهت للأسفل دون حتى أن تطالب بدر الدين بأن يذهب معها لينظر بدر لنورسين في سخرية بينما قـ.ـتـ.ـلتها هي تلك النظرات التي لطالما شعرت بعدها وكأنما روحها أُختُرقت وأقترب منها بينما هي نظرت للأرضية حتى لا تحدق أكثر بعيناه مطأطأة رأسها

"خليكي هنا ومتتحركيش" همس بصوته الرخيم متهكماً مُكرراً كلمـ.ـا.ت شاهندة "بس بكرة هرميكي عنده بإيديا وارجعك مكان ما جيتي بنفسي" همس لها لتتجمع الدمـ.ـو.ع بعيناها دون أن تقابله بهما ولكنه كره تلك الدمـ.ـو.ع التي تستطيع ذرفها بسهولة وتخدع بها الجميع.

توجه خارج الغرفة ليتبع أخته بعدما رمقها بنظرات الحقد والكره، أكانت كراهية؟ أم انزعاج لملامحها الخائفة وبكائها الذي شعر منذ الوهلة لأولى أنها كلما بكت أمامه تصاعدت وتيرة ضـ.ـر.بات قلبه.. تريث للحظة حتى يعاود انضباطه وهو ممتلئ غضباً وتسائل بنفسه لماذا يحدث له ذلك كلما رآها؟! ولكنه ذكر نفسه سريعا بأنها نطقت بمنتهى السهولة ما إن تحدث لها بالطريقة الصالحة للتحدث مع النساء اللاتي شابهنها!

"نور مش هتخرج برا البيت ده.. مش هتروح معاك في حتة.. بعد اللي شوفته منك في المستشفى استحالة اخليك تقرب منها!" صاحت شاهندة بنبرة قاطعة ورافضة تماماً بينما سمعها بدر الدين الذي دلف لتوه وأصبح قادراً على رؤيتهما.

"نور دي بنتي وأنا اللي مربيها.. يعني ايه بتمنعيني تكون معـ.."

"متقولش بنتك.. واتفضل امشي اطلع برا" قاطعته بإنفعال

"وأنا هبلغ عنكو وهرفع قضية وهقول إنكوا خاطفينها.. وبكرة تشوفي أنا هاعمل فيكوا ايه، هو إجبـ.ـار ولا إيه؟" صاح هو الآخر بإنفعال مهدداً ليبتسم بدر الدين متهكماً ثم توجه نحوه ووقف أمامه بطوله الفارع وظل يتفحصه بعيناه الثاقبتان بينما شاهندة كاد قلبها أن يتوقف من كثرة الخوف.. تمنت ألا يحدث شيئاً يجعله يكتشف الحقيقة.

"أنت تحترم نفسك، وأنت بتتكلم جوا البيت ده تتكلم بإحترام ولغاية دلوقتي أنا سايبك ومش عايز اطردك برا، وأعرف كويس إنك حتى لو رفعت قضية مش هتاخد مننا لا حق ولا باطل.." حدثه بهدوء نافى غضبه العارم الذي تملكه منذ دقيقتان ولا يدري هل تدخل من أجل أخته أم من أجل نورسين!

"يا سلام!! ايه الإإفترا ده.. ليه تحرموني من بنتي، بأي حق تاخدوها مني" صاح وهو يزيف كل حرف نطق به

"وأنت بقا واللي عملته معاها كان ايه؟ مكنش افترا.." نظر له بدر الدين يتفحصه وهو يرى حقيقة ذلك الرجل واستطاع أن يتبين كذبه بسهولة، بينما شاهندة شعرت بالرعـ.ـب وهو كاد أن يقترب من معرفة الحقيقة

"أنتو فهمتوا غلط.. أنا مكنتش بعملها حاجة.. أنا بس كنت بحاول أخـ.."

"أطلع برا بيتي حالاً واياك تهوب من نور أو حد من ولادي" هنا دلفت نجوى بمنتهى التحفز "انصحك تبعد عن عيلة الخولي ونور.. واوعى تهوب من هنا مرة تانية.. زينب.. اندهي الحرس" تنفست شاهندة الصعداء بعد تدخل نجوى فهي الوحيدة من عرفت حقيقة الأمر.

"فاكرين نفسكو ايه.. أنا مش هاسكت على كل ده.. وهاعرف ازاي اخد نور منكم.. بكرة تشوفوا" صاح بينما توقف حارسان خلفه وكادا أن يُمسكوا به بينما صاح "سيبوني أنا هاخرج لوحدي زي ما جيت.. ويكون في علمكم هنتقابل تاني وساعتها هاعرف اخد نور منكم ازاي.."

"خدوه" صاح بدر الدين وهو واقفاً بشموخ واضعاً يداه بجيبي بنطاله بغرور وما ان غادر حتى توجه لشاهندة "عاجبك؟ جيلنا واحد منعرفش هو مين وبيهددنا في بيتنا وكله بسبب زفتة هانم.. يارب تكوني مبسوطة" كادت أخته أن تجيبه ولكن تدخلت نجوى

"بدر لو سمحت.. متكلمهاش بالطريقة دي قدامي.. شاهندة مغلطتش لما حبت تساعد بنت صغيرة، أنا فاهمة وعارفة إنك خايف علينا من اي ناس غريبة.. لكن كده الموضوع زاد عن حده معاك.. ومالكش دعوة بالموضوع ده خالص طول ما أنا عايشة ولسه فيا الروح أنا مسئولة عن البنت دي" أخبرته بحزم لينظر لها بدر الدين بآلم امتزج بغضبه

"أنا مش فاهم.. مش فاهم عملتلكوا ايه كلكوا عشان تدافعوا عنها اوي كده.. اعملوا اللي تعملوه وأنا غلطان" توجه للخارج مغادراً لتهرول شاهندة خلفه لتلحقه

"بدر استنى.. أنا مكنـ.."

"ابعدي عني الساعادي" صاح مقاطعاً اياها وهو بطريقه لتعاود هي ادراجها للداخل بينما أقتربت منها نجوى ونظرت لها ابنتها نظرة امتنان

"متخافيش.. محدش هيعرف حاجة عن اللي حصل في المستشفى.. وطول ما أنا جنبكم محدش هيقدر يأذيكم" عانقتها في حب بينما احتمت شاهندة بذلك الحـ.ـضـ.ـن الدافئ ولكن لم تلحظ أياً منهما كريم الذي استمع لكل شيء وابتسم بخبث دفين

"كنت حاسس بردو إن فيه حاجة!! بكرة هاعرف كل حاجة.." همس بخفوت متمتماً ثم وضع يداه بجيباه ومشى يدندن بشيء ما.

❈-❈-❈


"أنا أمي تكلمني كده عشان الزفتة دي؟!" صاح متحدثاً لنفسه "ماشي، أنا هوريكي" صاح ثم بعث برسالة نصية لأحد ما وأخذ يقود كالمـ.ـجـ.ـنو.ن تماماً عائداً لمنزله.

ترك سيارته بالباحة الأمامية ثم توجه دالفاً منزله بمنتهى الغضب وهو يخلع سترته ملقياً اياها أرضاً وخلع ربطة عنقه واضعاً اياها بجيب بنطاله الخلفي وتوجه لمكتبه..

أشعل حاسوبه وهو يعيد كل ما توصل له من معلومـ.ـا.ت على بريده الإلكتروني عن تلك الفتاة وعائلتها.. مستواها المعيشي ليس مثل عائلته ولكنه لا يستطيع أن يقول أنها فقيرة، بينما تلك الشركة التي يملكها يُسري تبدو وكأنها ستُفلس حتماً، فوضعها المادي ليس بجيد نهائياً!! إذن لماذا آتت من اللا شيء لتدخل حياتهم هكذا فجأة.

اخرج احدى سجائره مدخناً اياها وتوجه لبـ.ـار مكتبه ليسكب بعضاً من الويسكي بكأسه وتجرعه مرة واحدة ولم يتوقف عن التفكير في تلك المحتالة الصغيرة التي تحدثت فجأة هكذا أمامه بمنتهى السهولة وكأنها لم تكن مريـ.ـضة تحت تأثير صدمة شـ.ـديدة ليتمتم لنفسه

"هاعرف انتي وراكي ايه بالظبط.. ويوم ما توقعي تحت ايدي مش هارحمك" ابتسم متهكماً توجه لغرفته ومنها إلي ذلك الباب السري الذي لا يعلمه غيره ليهبط درجاً في الظلام الدامس ذلك ثم أشعل الأضواء الخافتة ليرى تلك العاهرة التي أرسل لها برسالة منذ ساعة.

نظر لجسدها العاري وجلستها وانتظارها له المليء بالخضوع ليبتسم وازداد سواد عيناه ثم تحدث بهدوء "كويس إنك متأخرتيش وإلا أنتي عارفة كان هيحصلك له" توسعت ابتسامته ثم توجه نحوها جاذباً اياه من شعرها لتنهض أمامه

"مدي ايدك" آمرها لتفعل فأخرج ربطة عنقه ليقيد يداها ودفعها حتى سقطت أرضاً وبدأ في خلع حزامه الجلدي ثم ثناه على يداه لتبدأ انفاسه في التثاقل وازداد لمعان سودواتاه في ظلام حتى بدا مُرعـ.ـبا للغاية.

❈-❈-❈



"أنا خايفة.. خايفة أوي يا شاهي.." همست وهي تبكي لتعانقها شاهندة

"متخافيش.. مش هيقدر يهوب ناحيتك" فرقا عناقهما لتنظر لها شاهندة مضيقة عيناها "ايه بقا! كان لازم خناقة مع بدر عشان اسمع صوتك الحلو ده تاني"

"أنا مش عارفة ازاي ده حصل" اجابت في ثوان وهي تتذكر ما حدث لها معه منذ قليل "زي ما يكون لساني نطق لوحده من غيرما اتحكم فيه" ابتلعت ثم عضت على شفتاها "هو ليه دايماً بيكرهني؟ ليه دايماً فاهمني غلط؟!"

"سيبك من بدر، ده مقتنع دايماً بنظرية المؤامرة.. متحطيهوش في دماغك.. بس هو والله طيب جداً" ابتسمت نورسين بإقتضاب على كلمـ.ـا.ت شاهندة

"اوي.. بالذات وهو عامل فيها ملك الكون!!" صاحت نورسين وبرقت زرقاواتها وهزت رأسها في تهكم لتضحك شاهندة على ملامح وجهها ولم تستطع التوقف عن الضحك

"ملك الـ إيه؟" تحدثت بين ضحكاتها "يالهوي لو سمعك بتقولي عليه كده.." ظلت تضحك لتنفجر فجأة نورسين بالكلام

"مش طبيعي أبداً بوقفته وبصاته دي.. إنتي في إدارة ايه!! اأنا مش بسمح بالتهريج والهزار.. مش في مدرسة احنا.." نهضت لتقف مثله ثم ضيقت عيناها لتبدو مثل عيناه المخيفتان تلك وصاحت وهي تحاول تقليد نبرته الذكورية لتستمر شاهندة في الضحك

"يخرب عقلك.. ده أنتي طلعتي مسخرة" هدأت ضحكاتها وهي تنظر لها في ود بينما نظرت لها نورسين بتلك الأبحر المتسائلة بعيناها

"هو ليه دايماً كده جـ.ـا.مد ومبيضحكش ولا يهزر"

"يااه دي قصص طويلة اوي بقا هاحكيلك بس تعالي الأول ناكل حاجة لحسن أنا واقعة من الجوع"

"أوك.."

توجهتا سوياً للمطبخ الذي وجدته نورسين عملاقاً للغاية، وبدا وكأنه احدى مطابخ مسابقات الطهي العالمية من كثرة تلك الأدوات المتواجدة به، بينما ذوق تلك المسطحات والجزيرة الضخمة به والأخشاب التي صنع منها كبائنه كان رفيعاً للغاية.

"ها بقا نفسك تاكلي ايه؟؟ أنا نفسي مش رايحة لغدا النهاردة اللي عملته زينب وعايزة آكل حاجة تانية.. ولعلمك أنا نيـ.ـلـ.ـة أساساً ومش بعرف أطبخ بس هحاول عشان خاطرك" أخبرتها شاهندة وهي تتفحص محتوى الثلاجة الضخمة "تاكلي اومليت وجبنة شيدر؟" التفتت لها بأعين متسائلة لتضحك نورسين

"لا بقا موضوع الطبخ ده سيبهولي.. وريني كده فيه ايه" نظرت لها شاهندة في دهشة وأفسحت لها المجال لتبدأ نورسين بالتحرك بحرية وتفقد محتويات المُبرد والثلاجة "بيكاتا فراخ بالمشروم والكريمة ورز بني!!" نظرت لشاهندة في تحفز

"لا ده أنتي الشيف نورسين واحنا مش واخدين بالنا بقا"

"ده أنا بعملها تحفة.. يالا بس ساعديني عشان مش عارفة مكان الحاجة طلعيلي الرز وقوليلي التوابل فين والحلل والطاسات وكده؟" أخبرتها بينما أمسكت بالمشروم بيدها وأخرجت الدجاج من المبرد وآخذتا تعدان الطعام سوياً بإشراف من نورسين وهما تضحكان وتتسامران سوياً

"ايه ده؟!" صاحت نجوى لتلتفتا كلتاهما على صوتها "بتعملوا ايه؟!" تصنعت الجدية

"حضرتك أنا كنت بـ.."

"لا متحاوليش.. كده انتي هتبوظيلي كل حاجة" قاطعتها في صرامة لتتـ.ـو.تر نورسين وهي تنظر لها بإحراج وكادت شاهندة أن تتحدث بينما سبقتها والدتها "الريحة حلوة اوي وهتخننوني بقا!! عاملين بزيادة؟" لمعت عينا نجوى وتوجهت نحوهما ليضحكن ثلاثتهما سوياً وآخذت ترص الأطباق معهما وأخرجت بعض العصير لتضعه على المائدة

"الله.. ايه الريحة الحلوة دي على بليل كده" انضم لهن حمزة الذي آتى بسبب تلك الرائحة الشهية "أنا كده مش هعرف أركز ولا أخلص شغل غير لما آكل من اللي بتعملوه ده"

"حمـ.ـا.تك بتحبك يا حبيبي" صاحت شاهندة

"بتموت فيه" أضافت نجوى بينما بدأت نورسين في توزيع الطعام في الأطباق وساعدهن حمزة بسكب العصير في الكؤوس وجلسوا معاً ليتناولوا الطعام.

❈-❈-❈


ازاح حبات العرق التي تدلت على عيناه ثم خلل شعره الفحمي وترك حزامه ليقع أرضاً بجانب حذاءه وهو ينظر لجسد تلك المرأة بعد أن أطلق العنان لكل ما بداخله من كبت عميق ينعكس راسماً تلك اللوحة البديعة كما رآها ثم خلع قميصه ملقياً اياه أرضاً بجانبها وابتسم بتشفي وانتصار ثم تركها وصعد لغرفته مرة أخرى ومنها لحمام الغرفة الملحق بها.

خرج ليرتدي ملابس غير رسمية فاختار قميصاً قطنياً رمادي اللون وبنطال جينز كحلي اللون وحذاء ضخماً أسود من احدى ارقى بيوت الأزياء العالمية وقتها وارتدى ملابسه ثم نثر عطره بمزاج مغايراً تماماً لمزاجه صباح اليوم وتناول مفاتيح احدى سياراته الرياضية وتوجه لمنزل عائلته.

ظل يفكر بهدوء طوال الطريق كيف سيكشف مخطط تلك الفتاة الصغيرة التي تظن أنها ستستطيع أن تخدعه مثلما تفعل مع الجميع ولكن لا.. ليس معه هو.. ليس هو ذلك الرجل الذي ينخدع بتلك الدمعات الزائفة، بل هو من يصنع الدمعات الحقيقية.

ليس هو ذلك المراهق الذي قد تستحوذ على عقله فتاة لمجرد جمالها، بل هو من يحول ملامح الجميلات وإنحناءتهن لفوضى عارمة.
لم يكن يوماً ذلك الرجل الذي يُفرض عليه شيئاً لتأتي تلك الصغيرة وتُفرض عليه وجودها بحياته وحياة عائلته بأكملها.

سيريها من هو حقاً.. إذا كانت لا تزال مصممة على لعبتها السخيفة تلك، حسناً، فليلهو معها قليلاً ولكن ليس بمثل تلك الطريقة التي دخلت بها لحياتهم جميعاً

"أنا هوريكي أنا غـ.ـبـ.ـي بقا ازاي" تمتم عنـ.ـد.ما تذكر ما قالته عند أول يوم رآها وهو يصف سيارته خارج منزل عائلته ثم توجه للداخل ليجد زينب بالبهو

"همَّ فين يا زينب؟"

"مدام هديل نايمة، وأستاذ كريم لسه مرجعش وأستاذ زياد لسه برا والباقي كله في المطبخ" عقد حاجباه في تعجب فهو لم يأتي يوماً ما ليجد عائلته بأكملها في المطبخ "حضرتك محتاج حاجة" اماء لها بالإنكاء لتومأ له هي في احترام بينما توجه حيث الجميع.

"بدر.. وبليل.. عندنا لأ أنا بحلم" صاحت نجوى بإبتسامة ليتسلل لأنفه رائحة الطعام الشهية وتذكر أنه لم يتناول سوى الإفطار

"ابن حلال.. تعالى الحقلك حبة احسن الأكل قرب يخلص" صاحت شاهندة بينما نهضت لتعد له صحناً ثم ناولته اياه ليجلس معهم وهو يتحاشى النظر لنورسين

"شوف الدلع.. خليكي كده دلعي فيه" تحدثت نجوي وهي تتناول الطعام

"مش أخويا حبيبي" صاحت شاهندة بإبتسامة ثم نظرت له ليبادلها بشبح ابتسامة ارتسمت على شفتاه وبدأ في تذوق الطعام الذي لم يتذوق مثله بحياته من قبل

"تسلم ايدك.. الأكل حلو اوي" أخبرها بدر الدين لتتعجب نورسين لإستطاعته أن يتفوه بكلمة جيدة دون غضب أو تفكيراً بمؤامرة ما!!

ظل الجميع يتناولون الطعام ولم تتوقف الأحاديث الجانبية والضحكات بين شاهندة ونورسين ونجوى ليحاول بدر الدين تحاشيها تماماً بالرغم من تحرقه ليعرف ما الذي تتحدثن به.

"ياااه.. تسلم ايدك يا نور.. تعمليلنا أكل كل يوم بقا وسيبكوا من زينب خالص" تحدث حمزة ثم أكمل "خلاص مش قادر اتنفس من كتر الأكل" أخبر الجميع بينما نهض ليضع صحنه بغسالة الأطباق بعد أن فرغ محتوياته ليتوقف بدر الدين عن مضغ الطعام وترك شوكته وابتلع ما في فمه مُحدثا جلبة في عنقه بتحرك تفاحة آدم بها ثم نهض ليغادر.

"ايه يا بدر.. مش هاتكمل؟!" تسائلت شاهندة وهو الذي لم يجلس سوى لدقيقتان فوجه ظهره مغادراً

"لا مش جعان" صاح مجيباً اياها بطريقه للخارج.

❈-❈-❈



"كريم الدمنهوري" مد يده ليصافحه وهو واقفاً على باب شقة كوثر والدة نورسين التي وصل لعنوانها بعد البحث بسجلات موظفين الشركة

"أنت تعرفني؟!" تعجب يسري ولم يبادله المصافحة

"هتعرفني حالاً.. أنا أكون جوز أخت شاهندة الخولي" ابتسم له في خبث وظل منتظراً مصافحته ودعوته للدخول "متقلقش أنا جي أساعدك إنك ترجع نور تاني وتكون معاك" صافحه يُسري بإقتضاب بينما دعاه للداخل

"اتفضل" ولج كريم المنزل لتجوب عيناه هنا وهناك بتفاصيله التي دلت على رُقي ذوق محتوياته

"أنا عارف إنهم رافضين إنها ترجع ليك.. بس لازم تحكيلي ايه اللي حصل عشان أقدر أساعدك.. أنا برضو أب وعارف يعني ايه أب يتحرم من بنته، لكن شاهندة وبدر عمرهم ما هيحسوا بالإحساس ده.." حاول أن يتظاهر بمساعدته اياه ولكن بالحقيقة هو أراد أن يعرف ما الذي حدث بالمشفى

"بدر مين؟" تسائل يُسري

"بدر الدين الخولي.. أخو شاهندة، اللي أنت قابلته النهاردة" اماء له يُسري في تفهم "ايه بقا اللي حصل عشان شاهندة تصمم انها متسيبش نور ترجع معاك؟" تسائل وهو ينظر له مضيقاً عيناه

"منها لله فهمت كل حاجة غلط.. كنت قاعد جنبها على سرير المستشفى و..." ظل يُحيك يُسري كذبة جديدة من نوعها وكم انهارت نورسين عنـ.ـد.ما ذكر والدتها أمامها، وحاول اقناعه أن كل ما اراده فقط هو احتضانها كابنته بينما تفهمت شاهندة الوضع بطريقة خاطئة تماماً.

❈-❈-❈



"الوقت اخدنا وادينا اهو مش هنلحق ننام ومش هنعرف نصحى للشغل بكرة" أخبرتها شاهندة

"طيب خلاص.. تصبحي على خير" تحدثت نورسين

"وانتي من أهله" قبلت جبينها ثم تركت غرفتها وتوجهت لخاصتها.

توجهت نورسين للشرفة لتستمتع بنسمة الهواء تلك في بداية أشهر الصيف الذي لطالما كرهته وتنهدت وهي تُفكر بكل ما حدث لها مؤخراً.

لولا وجود شاهندة بجانبها وعدم تركها اياها لما كانت لتتحسن أبداً، بل كانت لترى يُسري على حقيقته البشعة الذي هو عليها.

لبرهة تذكرت عدم وجود زياد الذي تعجبت له، ولكنها نفضت هذا الفكر من رأسها، فلماذا عليها أن تتعجب؟ هو دائماً ما يظهر فجأة ويختفي بالأيام فجأة، ولكن نوعاً ما هو السبب في إنقاذها من شر ذلك الكريه الذي أدعى حب والدتها وحبها كأبنته وهو بعيداً كل البعد عن هذا الإدعاء.

تذكرت أيضاً معاملة بدر الدين الجافة لها، كلمـ.ـا.ته واتهامه الدائم لها، لماذا عليه أن يظن دائماً أنها تخدع الجميع؟!! تعجبت لطريقته الجـ.ـا.مدة الخالية من الحياة وكأنه آلة للعمل والغضب ليس إلا، كما أنها تذكرت أنها سألت شاهندة لماذا هو كذلك دائماً ولكن لم يكملا حديثهما!!

"بس اتجنن لما عرف إن أنا اللي عملت الأكل" تمتمت مبتسمة ورفعت احدى حاجباها لتتذكر كيف بدا الليلة فتنهدت وقضمت على شفتاها وغرقت في تذكر صورته التي أختلفت تماماً عن تلك البزات الرسمية وربطات العنق خاصته اللانهائية وكأنما لديه مصنعاً ما لينتج له تلك الربطات.

لقد بدا شاباً بالرغم من تناثر تلك الشعرات البيضاء بمنتصف ذقنه، وجسده بدا رياضياً للغاية بذراعاه القويتان وعنقه العريضة التي ارتجفت عنـ.ـد.ما شاهدت تفاحة آدم تتحرك بها بتلك الطريقة عنـ.ـد.ما ابتلع طعامه ليبدو وكأنه صبي بنهاية العشرينات من عمره، أحبت ذلك المظهر كثيراً لتبتسم ثم أدركت ما تُفكر به لتهز رأسها فجأة لتنفض ذلك التفكير بعيداً واعترى ملامحها الإندهاش من تفكيرها ببدر الدين بمثل هذه الطريقة..

تناولت رداءاً طويلاً سماوي فهي لا تشعر بالراحة بالخروج خارج غرفتها بمثل تلك الملابس القصيرة التي ابتاعتها لها شاهندة ثم أحكمت ربطه حول خصرها وتوجهت للمطبخ لتسكب كوباً من اللبن ثم توجهت لحديقة المنزل للإستمتاع بذلك الجو في مثل هذه الساعة.

بدأت في السير وهي تحتسي من كوبها لتتوقف موصدة عيناها أسفل شجرة وأخذت في الإستمتاع بذلك النسيم العليل ليلاحظها بدر الدين من بعيد خلال نافذة المكتب، فأوصد حاسوبه ونهض متوجهاً نحوها دون إدراك منه لما يفعله ثم توقف أمامها بهدوء واضعاً يداه بجيباه وظل ناظراً لها في صمت يتفقد ملامح وجهها لتتناول هي مجدداً من الكوب وترك اللبن آثاره أعلى شفتها كرزية اللون ليضحك هو دون أن يدرك.

فتحت عيناها بصدمة على صوت ضحكته التي توقفت وتحولت لإبتسامة على شفتاه وعنـ.ـد.ما قابلت زرقاوتاها عيناه السوداوتان وشعرت بقصر قامتها أما طوله الفارع عقدت حاجبيها في دهشة

"أنت بتضحك على ايه؟" حدثته متعجبة ثم مررت ظهر يدها أعلى شفتيها بطفولة

"مالكيش دعوة واحد في بيته وبيضحك براحته"

"هه هه" أصدرت صوتاً لتقلده ليعبس وجهه ويتحول مجدداً للجمود الذي عهدته دائماً وظهرت عقدة حاجباه مرة أخرى

"امشي اطلعي فوق واياكي المحك في مكان أنا فيه.." آمرها بصوت هادئ لتحلق حاجباها في دهشة

"لا بقولك ايه بقا، أنا مش فاهمة انت بتكرهني كده ليه، بس شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون في البيت وهاعمل اللي أنا عايزاه ما دام مبضايقش حد"

"ماما نجوى!!" اقتبس كلمـ.ـا.تها في تهكم "طب منظرك بيضايقني، شكلك كله على بعضه بينرفزني!! امشي من وشي الساعادي"

"يا سلام!" عقبت على كلمـ.ـا.ته في تحفز ثم تجرعت باقي كوب اللبن ومسحت فوق شفاهها ليتابعها بدر بعيناه الثاقبتان ليرى تلك الطريقة التي تفرقت بها شفاهها عنـ.ـد.ما لامستها ليجدها تهبط لتضع الكوب أرضاً ثم عقدت ذراعيها في تحفز

"لما أنت مضايق مني ومتنرفز اوي بص بعيد عني.. متجيش تقف قدامي وتقولي امشي.. محبكتش الحتة اللي أنا فيها" تثاقلت أنفاسها وآخذ ثدييها المكتنزان في الصعود والهبوط بين ذراعيها ليسحق هو أسنانه لكتلة إشتعال الإثارة التي اندلعت به

"لا بقولك ايه.. ت عـ.ـر.في مقامك وأنتـ.."

"رأى الحوووووووب سوووكاااارى.. سوكااااارى زيي أنا" قاطع جدالهما ذلك الصوت لينظرا بنفس اللحظة لمصدره ليرى كلاً منهما زياد يترنح فتوجها نحوه على الفور

"سكااارى .. رأى .. الحوووب زيي أنا تيرا را را، ههههههه" تعالى صوت قهقهاته لينظر له بدر غاضباً بينما رفع زياد رأسه في صعوبة وما إن لاحظ بدر الدين أخيه حتى تمالك نفسه قليلا بين ثمالته

"هشششش" وضع سبابته على شفتاه "بدر أخويا هيتعصب وهيخلي ليلتي سودااا" تحدث هامساً ثم قهقه مجدداً ليدرك كلاهما أنه ثمل بشـ.ـدة.

أسنده بدر الدين وتوجه معه لغرفته بالأعلى بينما دفعه حتى حمام غرفته ومنها إلى حوض الإستحمام وفتح المياة لتنساب على رأسه وملابسه بعد أن أخرج ما بجيوبه ولكنه وبالرغم من مساعدته اياه غضب منه كثيراً.

غادر بدر الدين للغرفة وهو يسحق أسنانه بعد أن تأكد من استفاقته "بدر.. أنا.. غصب عني.. كنت.." تلعثم ليزداد غضب بدر الدين الذي رمقه بإحتقار ثم ذهب خارجاً.

عاد مرة أُخرى ليُكمل عمله وهو بالكاد يحاول أن يسيطر على غضبه ليرفع عيناه ناظرا من النافذة أمامه ليلاحظ كلاً من كريم ونورسين يتحدثان سوياً..

دقق النظر مرة أخرى ليرى كريم فجأة مد يده لوجه نورسين ثم بنفس اللحظة نظرت نورسين حولها لتلمح بدر الدين الذي كادت أن تُقسم أنها شعرت بعيناه الثاقبتان يتخللاها حتى بالرغم من تلك المسافة بينهما.

سحق أسنانه لذلك المنظر وتجدد ذلك الشك بداخله وازدادت ريبته من تلك الفتاة وظلا ناظران لبعضهما البعض حتى غادرها كريم وابتلعت هي بعد أن شعرت بالتـ.ـو.تر من الموقف فهي حقاً لم تعرف ما الذي أزاله كريم من على وجهها وماذا قال بعدها!

نهض هو يتوجه نحوها بعد أن ترك غرفة المكتب لتحمحم هي وفرت مسرعة بكل ما تمتلك من قوة للأعلى حيث غرفتها حتى لا تواجهه مجدداً.

دلفت غرفتها وهي توصد الباب خلفها وحاولت أن تهدأ من دقات قلبها المسرعة وابتلعت في خوف ووجل لا تدري لماذا، ما بين نظرات بدر الدين لها، وثمالة زياد، وحركة كريم التي لم تستطع تفسيرها تجولت أفكارها وما إن هدأت حتى خلعت رداءها وقررت الإستسلام للنوم..

حاولت الإستلقاء حتى تسقط في النعاس ولكن رغماً عنها تذكرت ضحكته التي رآتها لأول مرة ووجدت شفتاها تبتسم لمجرد تذكره بهذا المظهر لتنفض كل ما حدث من رأسها وتُجبر نفسها على ألا تُفكر في هذا الرجل الفظ الغريب وحاولت النوم..

لقد نامت منذ تلك الضحكة، هي متأكدة أنها فعلت، ولكن لم يلمسها سوى كريم بوجهها، إذن لماذا تشعر بشي ما يمر على ساقها؟؟ حاولت ازاحته ثم استغرقت في النوم مجدداً ولكن شعرت بنفس الشيء مرة أخرى لتنهض جالسة ونظرت لتفاجأ بمن أمامها وكادت أن تصرخ ولكنه وضع يده على فمها مسرعاً.
"مش عايز صوتك يطلع عشان لو حد عرف حاجة هنتفضح احنا الاتنين سوا، وفي الآخر أنا راجـ.ـل وأنتي ست والكل هيشك فيكي مش فيا أنا وهيفتكروا انك انتي اللي سمحتيلي ادخل اوضتك في ساعة زي دي وهمّ نايمين!" آمرها بنظرة محذرة

"هشيل ايدي واسمعيني للآخر وبعدين قرري" تحدث لها ليخفض كف يده في بطئ بينما نظرت هي له في تـ.ـو.تر وخوف من مفاجأته له بغرفتها في منتصف الليل وتثاقلت أنفاسها ليكمل هو

"وعموماً أنا جايلك في حاجتين.. الأولانية إن جوز امك بيخطط لحاجة مش سهلة وواضح عليه إنه انسان طماع ومادي جداً ومش بعيد يبيعك للي يدفع أكتر" نظرت له والدمـ.ـو.ع كادت أن تنهمر من زرقاوتاها عند سماع كل ذلك عن يُسري الذي لم تتوقع أن يكون بهذه الدناءة

"الحاجة التانية اني هقدر احميكي منه كويس بس لو طاوعتيني وعرفتي تنفذيلي اللي أنا عايزه" تحدث في خبث وهو يتطلع ملامحها التي شرد بها لثوان ثم مد إبهامه ليتحسس شفتاها الكرزيتان في جرأة ليفرقهما ليشعر بأنفاسها المرتعدة الرقيقة.

"أنت.. أنت.. عايز ايه بالظبط؟" سألته هامسة في خوف

"يعني عايز اللي جوز أمك كان عايزه.." نظر لها في وقاحة يتفحص جسدها وساقيها المكشوفتان أسفل ذلك الرداء القصير ثم ابتلع وهو يتفقد ثدييها الظاهر بعضا منهما من ملابس النوم خاصتها في شهوة ووقاحة

"بس في الحلال طبعاً.. ولو اتجوزتيني محدش هيقدر يقربلك.. لا بدر ولا يسري وهنتجوز على سنة الله ورسوله وقدام الناس كلها، بس محدش هيعرف حاجة عن كل ده في البيت هنا!" أكمل بعد أن حدق بزرقاويتيها

"أنت اتجننت! اكيد اتجننت! أنت راجـ.ـل متجوز ومراتك حامل وعندك أولاد، ازاي تفكر تفكير زي ده و..."

"هشششش.." قاطعها ليقترب منها لتشعر بالخوف وحاولت الابتعاد عنه حتى لامس ظهرها رأس السرير خلفها "أنا عارف إن شاهندة وحمـ.ـا.تي بس اللي يعرفوا حقيقة اللي حصل في المستشفى، لكن تخيلي لو بدر الدين عرف.. مش بعيد يفكر إنك أصلاً عاملة مسلسل وحوار عليه ومتفقة مع يسري إن شاهندة تشوفكم بالطريقة دي عشان تيجي تعيشي هنا وبعدها بسهولة تدخلي العيلة هنا عشان تلهفي مبلغ محترم!" ابتسم نصف ابتسامة في خبث لم تلانمس عيناه لتندهش هي في صدمة وتـ.ـو.تر بنفس الوقت

"متفقة ايه.. ده كلام فارغ.. أنا.. أنا.. استحالة أفكر فيـ.."

"لو اتجوزتيني هدفع لجوز أمك اللي هو عايزه، وهبعدك عن قرف بدر.. فكري كويس وقرري وإلا بدر هيكون عارف عنك كل حاجة ومش بعيد يرميكي في الشارع بالذات لما يتأكد إنك متفقة مع جوز امك.. وساعتها يا إما الرجوع ليسري يا إما الشارع" قاطعها وهو ينظر لها بإبتسامة

"أنا متأكد إنك شاطرة وذكية وهتختاري صح.. متخلنيش مستني كتير.." نظر لجسدها بأكمله ثم مرر سبابته على فخذها المكشوف لترتجف هي للمسته وتحشرجت الكلمـ.ـا.ت بحلقها "تصبحي على خير يا قمري" نهض مبتسماً لتنظر هي له في احتقار ثم تركها وتوجه للخارج لتتبعه هي موصدة الباب بالمفتاح.

مشى في ذلك الرواق الذي يجمع بين الغرف بالدور الثاني الذي يوجد به غرفتي شاهندة ونورسين كما كان يوجد به أيضاً غرفة هديل بالسابق ولكنها منذ حملها الأخير وهي تمكث بالطابق الأرضي ليقابله بدر الدين ثم نظر له ببرود وعيناه الثاقبتان تتفحصا كريم "كنت بتعمل ايه هنا يا كريم؟!" سأله بهدوء ليعقد كريم حاجباه

"جرى ايه يا بدر؟ أنت هتعملي تحقيق ولا ايه؟" تسائل بإبتسامة مريبة ليحاول بدر الدين التحكم في أعصابه وبرع في السيطرة عليها وتأكد أن هناك شيئاً ما مريباً قد فعله منذ قليل.

"لا أبداً، أنا بس مستغرب إن حد صاحي في البيت غيري والوقت أتأخر أوي" اجابه دون تعابير على وجهه ليبتسم كريم ابتسامة امتلئت بالثقة المُزيفة التي استطاع بدر الدين قرآتها

"كنت بدور على شوية اوراق في حاجاتي القديمة بس ملقتهومش، الظاهر كده هلقيهم في المكتب.. بكرة هبقا ادور تاني.. كفاية كده الوقت أتأخر.. تصبح على خير" أخبره تلك الفكرة التي آتت برأسه في ثوان ليومأ بدر الدين له في تفهم وتوجه لغرفته ساحقاً أسنانه ليعيد تذكر رؤيتهما سوياً بالحديقة والآن هو قادم بالقرب من غرفتها..

خلع سترته وبنطاله وارتدى سروالاً قطنياً قصيراً ثم أراح جسده على السرير وسند ساعده على رأسه وأغلق عيناه متنهداً ليُفكر بتلك التي دخلت حياتهم فجأة.

جميلة، صغيرة ويافعة، في مقتبل حياتها، مستوى عائلتها ليس بالفقير، ولكن زياد الخولي يبدو فكرة جيدة، شاب غني ووريث محتمل تلك هي أقصر الطرق للثراء دون عناء بالنسبة لفتاة مثلها، ولكن زياد ليس ذلك الرجل المسئول، ليس هو من تستطيع الإعتماد عليه، ليس هو ذلك الرجل ذو الشخصية القوية، ليس له منصباً كباقي أخوته، وهي أيضاً ليست بالشخصية المثابرة التي تستطيع أن تتحكم برجل ما وتعمل على أن تغير شخصيته وتجعله مسئولاً، ويبدو أنه ليس مولعاً بها، فهو لم يهتم بها كالمتوقع عنـ.ـد.ما أدعت مرضها بسبب موت والدتها.. ولم يأتِ تظاهرها بمرضها وعدم القدرة على الحديث بثماره..

فماذا عن آخر؟! ماذا عن رجل آخر يستطيع تـ.ـو.فير كل ما تتمناه ولكن بنفس الوقت دون تحمل تلك المسئوليات؟ لا يهم أكان أكبر منها، متزوج، صغير، المهم ما تريد تحقيقه لنفسها!!

حمزة أم كريم؟! كلاهما وسيمان، مناصب مرموقة، أسهم في مجموعة شركات ذائعة الصيت، ولكن حمزة يستحيل أن يفعلها بالرغم من أن ظروفه التي مر بها مع شاهندة تعطيه الأحقية لأن يتزوج مرة ثانية، ولكن لا، لن يبدر هذا منه، هو يعشق شاهندة وكان أكثر من عارضها عنـ.ـد.ما أرادت تركه بعد معرفتها بإستحالة إنجابها..

حمزة ذلك الشاب الثري الهادئ الطباع والمحب لزوجته الذي بالكاد يتركها لأمر طارئ.. هكذا هو منذ أن دخل حياتهم جميعاً ولا يزال بنفس تلك الشخصية التي تجذب الجميع من حوله وتُجبر الجميع على احترامه.. لا يزال يتذكر عنـ.ـد.ما كادت شركتهم أن تُفلس ليقف بجانبهم حمزة بكل نصيبه من أملاكه من والده بل وترك عمل عائلته وظل يعمل مع بدر الدين ونجوى وشاهندة حتى مرت تلك الأيام العصيبة..

كريم!! ذلك الوسيم الذي سحر أعين الجميع مثلما أخبرتهم هديل ولكنه بالنهاية وقع لها هي؟! وقع لها أم لأملاكها؟ نعم هو ذكي، كان يعمل وتدرج في سُلمه الوظيفي كمهندس بسرعة البرق ولكن أهذا لذكائه أم دهاءه وحيلته الواسعة؟ لم يثق أبداً به بالرغم من أنه حتى الآن لم يُرى عليه ما يثير الريبة..

شاهندة أم هديل!! الاثنتان اخواته، الاثنتان لديهما حياة، بالرغم من قرب شاهندة منه كثيراً ولكن كلتاهما أخواته، لم يختر ذلك، عليه حمايتهما، كل الإحتمالات تشير إلي أن كريم افتتن بتلك اللعينة الصغيرة، نظراته إليها وطريقته معها كلما صادف ورآهما ولكن لا، لربما هو متعاطف معها هي الأخرى مثلما انخدع الجميع بها..

سيتريث وسيراقبها ويراقب الجميع، لابد وأن كل شيء سيتضح قريباً، عليه فقط أن يحاذر ويحمي عائلته بكل ما استطاع من قوة، لن يضيع عناءه هو وأخوته ووالدته من قبل كالهباء المنثور.. هكذا اهتدى عقله، قرر أن يعطي الجميع المزيد من الوقت ويدعهم يتصرفون على سجاياهم وألا يتسرع لأنه يعلم جيداً إذا صحت ظنونه تجاه أحد منهما لن يرحم أحدا، سواء هي أو هو!!


❈-❈-❈



جلس الجميع على طاولة الطعام مكررين نفس الطقوس الصباحية بمحادثات جانبية وبعض الضحكات الخافتة ولكن بدر الدين هذا الصباح ليس غاضباً.. هو فقط هادئ أكثر من المعتاد، بالكاد ألقى الصباح على الجميع ولم يسأل أسئلته المعتادة، لم ينظر بغضب لنورسين مثلما يفعل، لم يُعلق على أي شيء..

لاحظ الجميع تجول عيناه الثاقبتان بينهم ونظراته المبهمة الخالية من التعابير والكلمـ.ـا.ت، كانت نظرات فارغة ولكنها كالعادة بعثت التـ.ـو.تر في نفس نورسين التي تـ.ـو.ترت أيضاً بنظرات كريم لها..

"يالا أنا ماشي.. سلام" نهض وتوجه للخارج ليفر خلفه زياد الذي لحقه قبل دخوله سيارته

"بدر.. أنا.. امبـ.ـارح كان غصب عني اصحابي قالـ.." تحدث متلعثماً ليقاطعه بدر الدين بهدوء

"أظن إنك راجـ.ـل كبير وعارف أنت بتعمل ايه كويس.. مالوش لزوم تبررلي حاجة أنت مقتنع أنها صح"

" انا مقولتش ان اللي بعمله صح بس أنـ.."

"خلاص يا زياد.. مالوش لازمة الكلام.. لو جايلي تعتذر على حاجة أنت شايفها غلط فعموماً الاعتذار مبيكونش بالكلام وبس وأنت ياما اعتذرت.. أنت عارف إني عايز أشوف أعتذارك ده في افعال وانت عارف إني مبحبش الكلام الكتير اللي مفيش منه فايدة" قاطعه بهدوء مجدداً ليتعجب زياد لذلك الهدوء الذي تحدث له به ليقع في حيرة من أمره وهو لا يدري ما الذي اعترى أخيه للتو.



❈-❈-❈



"ايه يا شاهي، مش هتروحي تشوفي مصنع الـ Uniform (زي موحد) اللي قولتلك عليه؟!" صاح كريم في هاتفه

"هاروح اهو بخلص حاجة بس"

"ماشي يا جميل.. على فكرة اضغطي عليه شوية هينخ.. كده كده أصلاً نفسه يتعامل معانا من زمان.. خدي وقتك بقا براحتك وقوليلنا الموضوع هيرسى على ايه"

"تمام.. هخلص وأكلمك أعرفك عملت ايه
"

"وأنا مستنيكي" أنهى كريم المكالمة معها وهو يبتسم بخبث ثم جلس ينظر بساعته ليعد الدقائق التي سيذهب بعد مغادرتها لينفرد بنورسين.

"معلش يا نور.. رنا سكرتيرة بدر اجازة وفيه Proposal (عرض) لمجموعة شركات كبيرة لازم يتقدم النهاردة، وأنا والله لولا الإجتماعات اللي عندي كنت عملت الحاجة بنفسي، ممكن بس تطبعي اللي على الـ CD أربع نسخ وتختميهم وتبعتيهم مع أي مندوب هنا من الإدارة؟" سألتها في توسل وناولتها القرص المدمج

"طبعاً يا شاهي.. من غير كل المقدمـ.ـا.ت دي هاعمل اللي أنتي عايزاه"

"ميرسي يا نور.. بالا يادوبك أنا الحق أنزل وعلى فكرة الـ Dead Line (الموعد النهائي) عشان نسلم الحاجة قبل 2 الضهر" جمعت أشياءها لتستعد للمغادرة "أشوفك بليل.. معلش ممكن أرجع متأخر شوية"

"تيجي بالسلامة ومتقلقيش كله هيبقا تمام" ابتسمت لها ثم نظرت في حاسوبها لتتفقد تلك الملفات على الذاكرة مثلما أخبرتها شاهندة

"باي"

"باي" ودعتها نورسين التي صبت كل تركيزها بتفقد ملحقات الملفات ليقاطع تركيزها صوت شاهندة

"آه على فكرة الختم عند بدر الدين" أخبرتها ثم فرت مسرعة فهي تعلم جيداً كيف هي علاقتهما سوياً!

الختم بمكتبه!! لماذا عليها أن ترى وجهه الآن؟! صرخ عقلها ثم تنهدت لتفر مسرعة حاملة القرص المدمج بعد أن رآت أن أعداد الأوراق ستكون كثيرة وستتعدى النسخة الواحدة فوق الآلف ورقة فرآت أن من الأفضل ألا تحملها كل تلك الطوابق لثقلها ولتطبعها بجانب مكتب بدر الدين الذي احتوى على الختم.

دندنت في عفوية بأحدى الأغنيات بهمس بعد أن أوصدت الباب حيث أن لديها الكثير والكثير من الوقت فلماذا لا تشغل وقتها ببعض الأغاني التي أحبتها كثيراً ثم أعطت آمر الطبع للنسخ ووقفت لترتب الأوراق التي استغرقت حوالي ساعة ونصف حتى ترتبها وتجلدها بشكل يليق بصورة الشركة ودون إدراك منها بدأ جسدها يتمايل على أنغام ما تدندنه..

شعر بصوت ما خارج مكتبه ليعقد حاجباه في تعجب فهو يعلم أن رنا مريـ.ـضة ولن تأتي اليوم ولكن يا تُرى من آتى وهو قد قام بإلغاء كل مواعيده لليوم حتى يستعرض الوضع المالي للشركات ويقارن أرباح السنوات السابقة بآخر ربح سنوي!

نظر بشاشة كاميرات المراقبة لتتصلب سوداوتاه على جسدها الذي يتمايل بمنتهى المرونة والأنوثة الناعمة في آن واحد في ذلك الثوب الأسود الذي فسر جسدها ببراعة.

آخذ يتأملها ولاحظ رشاقة قوامها المرسوم داخل ذلك الرداء اللعين الذي احتضن خصرها ليبتلع وأراح جسده بالكرسي خلفه وجفناه لم يتقابلا ثم ضغط بزر في حاسوبه لتمتلئ الشاشة بأكملها بذلك الجسد الفاتن أمامه.

تفقد ثدييها المثيران الذي لاحظهما كل مرة توقفت أو مرت من أمامه، خاصةً وأنهما يرتجان الآن ليدفعا تلك الإثارة بدمائه فمسك بكرسيه بكلتا قبضتاه وعيناه تذهبان مع جسدها يميناً ويساراً كلما تحرك.

أشعل احدى سجائره بعد أن اراح ربطة عنقه واستمر في مشاهدتها واضعاً قدماً فوق الأخرى وكأنها ترقص له هو وحده وتعطيه عرض خاص اقتصر عليه هو فقط.

خلل شعره الفحمي وهو يتآكل سجائره عنـ.ـد.ما حركت رأسها في تمايل ليتمايل شعرها الحريري كذلك هو الآخر.

عضت على شفتاها ثم ابتسمت وهي لا تزال تدندن بأغنية ما وجسدها لا يزال يتمايل ولا تزال تُكمل ترتيب الأوراق لتتثاقل أنفاسه وسحق أسنانه وكاد أن يهشمها من كل ما تفعل به وأوصد عيناه في غضب عارم ليضغط زر شاشة حاسوبه ليغلقها في عنف اهتزت على اثره الشاشة ثم توجه للحمام.

آخذ يلقي بالماء البـ.ـارد على وجهه وهو يحاول أن يفيق نفسه ويتناسى حركاتها المثيرة تلك ثم صفف شعره وأعاد إحكام ربطة عنقه وحاول العودة لهدوءه مرة أخرى ثم أعاد أدراجه للجلوس على مكتبه.

أشعل شاشة الحاسوب مرة ثانية ورغماً عنه كانت لازالت الشاشة مثبتة على مكتب رنا الذي تواجدت به ليرها قد توقفت عن عرضها المثير وجزء بداخله شعر بالراحة ليطـ.ـلق زفيراً حبسه طوال مشاهدته لها منذ البداية.. تلك الصغيرة قد كتمت أنفاسه! حقاً لا يُصدق.

وجدها تتوجه أمام باب مكتبه ليحمحم وأغلق الشاشة وأعاد فتح بريده الإلكتروني وحدق به ولكنه لا يستوعب شيئاً مما امامه حقاً وبنفس الوقت سمع طرقات على الباب.

"ادخل" صاح بصوته الرخيم وحمحم مجدداً وهو يتصنع النظر في حاسوبه لتدخل هي وتوقفت أمامه

"بعد اذنك محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة .... النهاردة" رفع نظره لها ليجدها لا تنظر له مباشرة وعيناها تنظران للأرضية فكرِه كثيراً منعها اياه بأن يرى تلك الزرقاوتان

"بتقولي ايه عشان مسمعتكيش" تظاهر بالإنشغال بينما هو سمع ما قالته جيداً

"محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة .... النهاردة" لا زالت ناظرة للأرضية فابتلع بعد أن توقفت عيناه على شفتيها الكرزيتان.

"احنا مش في البيت هنا عشان تقولي شاهي كده من غير ألقاب.. مدام أو Mrs. بعد كده" أخبرها بمنتهى الجمود ولكنه كان هادئا ليشعر بتنهدها سئماً ليبتسم في تهكم ثم قرر أنه سيدعها ترى الملل بعينه.

"فين الـ Proposal ده وريهوني؟" أراح جسده بكرسيه ثم سند ذراعه على يد الكرسي وعبث بسبابته على شفتيه ملامساً اياهما لتومأ له هي.

"حاضر.. ثواني" أخبرته ثم توجهت للخارج ودخلت مكتبه وهي تحمل العديد من النسخ التي بدت ثقيلة الحجم بين ذراعيها الضعيفتان وأقتربت من مكتبه لتضعها ولكن رغماً عنها تعثرت عنـ.ـد.ما تشابكت سلسلتها الرقيقة بملابسها ولاحظتها فحاولت ابعادها ونست تماماً ما تحمله لتتهاوى الملفات التي أعدتهم من بين يديها أرضاً لتسقط على قدمها اليسرى

"آه.." صرخت ثم حاولت التوازن على قدمها اليمنى بينما حاولت لمس الأخرى التي شعرت بآلمها بعد أن سقط عليها كل ذلك الثقل وبالطبع لم تستطع التوازن أكثر بسبب ذلك الكعب اللعين الذي ترتديه لتسقط بالنهاية أرضاً بعد أن التوت قدمها أسفلها.

تعالت هو ضحكته بعد أن شاهد تلك الحركات البهلوانية لتنظر له في غضب وخجل بآن واحد لجزء من الثانية ثم شعرت بالإهانة من تصرفه لتبدأ في الشعور بالإحراج ونظرت للأرض وكادت أن تجمع تلك الملفات ولكنها لاحظت لمعان حذاءه الشـ.ـديد بجانب الملفات.

ابتلعت وهي لا تدري لماذا توقف أمامها هكذا بهذا الشكل لترفع زرقاوتاها إليه لتراه واقفاً بشموخه أمامها واضعاً كلتا يداه بجيبي بنطاله ونظر بطرف عينه للأسفل دون أن يحني رأسه لتتقابل أعينهما سوياً وكأنما توقف الوقت من حولهما.

شعر بنشوة غريبة من نوعها وراحة وسلام داخلي ما أن رآها أسفل قدماه بتلك الطريقة التي لا تفعلها إلا خاضعة مخضرمة؛ أما عن نظرة التوسل التي صرخت بها عيناها الزرقاء ووجها المحتقن بدماء الخجل كادا أن يفقداه عقله.

ظلا يتبادلان النظرات الصامتة لتبدأ هي في الشعور بغرابة الموقف وقد قرأ عيناها ليخرج يده من جيبه ومدها لها لتستند عليها وأومأ لها بالإشارة فترددت هي لثوانٍ ولكنها وضعت يدها بيده في النهاية لتجده يجذبها بقوة ولكنها صرخت آلماً.

"آآه..رجلي بتوجعني اوي مش قادرة اقف عليها" صاحت في صراخ وانهمرت دمـ.ـو.عها وتآوهت ليسحق هو أسنانه وتمنى أنها لا تدعي كل ذلك الآلم والبكاء وحملها في لمح البصر لتشهق من مفاجأته اياها وتتوقف عن البكاء في صدمة تامة لفعلته ونظرت له في غير تصديق والتفت يدها حول عنقه في تلقائية تامة رغماً عنها.

نظرت لملامحه الجـ.ـا.مدة عن قرب وشردت بها لتتساقط حبات اللؤلؤ المتساقطة من أبحر عيناها المنسابة أعلى وجنتيها على ملابسه وآخذت تتفحص جفونه الثقيلة التي تحاوط تلك المقلتان الثاقبتان وخصلات شعره الفحمية وذقنه النامية التي اختلط فيها سواد شعره ببعض الشيب الذي جعله جذاباً للغاية من وجهة نظرها وأنفه الذي لطالما لعب دوراً في تشبيهه بالصقر خاصة عنـ.ـد.ما ينظر بغضب.

نظر لها بطرف عينه لتخجل وتتـ.ـو.تر من مقابلة أعين بعضهما البعض فأخفضت رأسها لتشتم عطره الذي تسلل لأنفاسها دون استئذان ليشل جسدها تماماً عن الحركة وأغلقت عيناها تستنشقه في استمتاع.

انحنى بجسديهما سوياً ليجلسها على احدى الارائك بمكتبه فاقترب منها دون قصد لثوان لتشعر بضـ.ـر.بات قلبه تكاد تهشم صدريهما معاً. ورفعت رأسها لتنظر إليه بتلك الزرقة بعينيها ليشرد هو بهما.

بدأت في استغراب قربهما الشـ.ـديد فاخفضت ذراعاها من حول عنقه بينما هو لا يزال ممسكاً بها لتخفض نظرها ربما يتركها ولكنه لم يفعل فأعادت النظر إليه في تعجب امتزج بشيء آخر لتتلاقى أعينهما وقد علم أنها ستعترض على اقترابه منها الآن فابتعد قبل أن تبدأ بالكلام وذهب ليوليها ظهره وغادر واختفى داخل حمامه.

حاول جاهداً السيطرة على تلك العاصفة بداخله وعمل على أن ينظم أنفاسه المتلاحقة من قربها الذي أضرم بجسده لهيباً فريداً من نوعه لم يشعر به قط، ثم ازاح آثار دمـ.ـو.عها من على سترته.

لن يغضب.. لا لن يفعلها هو يريد لها أن تتصرف بمنتهى التلقائية حتى يعرف ما وراءها، سيحاول السيطرة على أعصابه بكل ما أوتي من قوة وسيرى إن كانت تدعي ذلك أم لا!

بعد أن هدأ امسك بصندوق الإسعافات الأولية وخرج ليضغط بزر ما بجانب مكتبه لتتابعه زرقاوتاها ثم توقف أمام مبرد صغير بمكتبه أحضر منه شيئاً لم تتبينه بعد، وازداد تـ.ـو.ترها في صمت ثم جلس أسفل قدميها لتجذب قدماها لصدرها خوفاً من أن تلامسه لتجده يتحدث لها في هدوء تام

"انهي رجل اللي بتوجعك؟"

"اليمين" همست لينظر لها والتف بجسده وثنى قدمه اليسرى أسفل اليمنى التي تدلت أرضاً ليقابلها ونظر لها نظرته تلك التي لا تتحملها فابتعدت قليلاً للخلف مستندة بيديها جانب جسدها ولكنها شُلت تماماً عنـ.ـد.ما أمسك بكاحلها الأيمن وخلع حذاءها ووضعه أرضاً لتزيح هي خصلاتها الحريرية خلف أذنها ونظرت له في وَجس.

أخفض نظره لكاحلها المرمري الذي اختفى وراء ذلك الجورب الشفاف ليرى التورم به فهي حقاً كانت لا تدعي.. أنقذتها قدمها تلك المرة من غضبه فتنهد ثم رفع نظره لها وابتلع ثم تحدث

"حاولي تحركيها يمين أو شمال" حاولت ولكن لم تستطع من الآلم وهزت رأسها في إنكار

"مش عارفة، حاسة بوجع فظيع فيها" أخبرته بنبرة امتلئت بالآلم ليومأ لها في تفهم

"هتوجعك شوية"

"أنت هتعمـ.. آآآه.. " صرخت عالياً ولم تستطع أن تكمل كلمـ.ـا.تها عنـ.ـد.ما مسك كاحلها بيداه القويتان وأثناه بطريقة ما لتشعر هي بآلم أسوأ من ذي قبل "أنت عملت ايه حـ.."

"حركيها كده يمين أو شمال" قاطعها وهو ينظر لتلك الدمعات المتراكمة بعينيها فنظرت لكاحلها وحاولت لتستطيع أن تحركها على عكس المرة الأولى.

"أنت عملت كده ازاي؟!" سألته بتلقائية ولكنه لم يكترث لها

"لسه الوجع فيها زي ما هو؟" سألها لتهز كتفيها في عدم معرفة ليزفر هو ثم نهض واضعاً يداه بخصره "قومي كده وحاولي توقفي عليها" آمرها لتفعل بحذر شـ.ـديد لتتآوه ولكن ليس مثل المرات السابقة

"هو احسن بس لسه فيه وجع" أجابته ليشير بعينيه للأريكة خلفها فجلست بعد أن فهمت نظرته إليها وجلس أسفل قدميها مجدداً ليقابلها بجسده وأمسك بقدمها وبدون مقدمـ.ـا.ت مزق ذلك الجورب الأسود الشفاف الذي كانت ترتديه

"أنت ايه اللي عملته ده؟" صرخت به لينظر لها نظرته الثاقبة

"ما هو يا إما تقومي تقلعيه، يا أقطعه، يا اقلعهولك أنا!!" خفضت رأسها لتنظر بعيداً عن عيناه وهي تتخيل منظره وهو يساعدها لتخلعه خاصة وأنه امتد ليعانق كلتا ساقيها حتى انتهى عند خصرها فابتلعت في تـ.ـو.تر.

شعرت بيده تدلك كاحلها ليتثاقلا جفنيها رغماً عنها وأغلقتهما وعضت على شفتاها ليصر هو أسنانه من التهامها لتلك الكرزيتان بمثل هذه الطريقة ودون إدراك منه اشتدت حركة يده على كاحلها لتغادر شفتيها آهه جعلت الدماء تنفجر بعروقه وتوقف فيما بعد عن تدليكه لقدمها ثم شعرت بشيء مثلج يلامسها

"اح.. ايه ده" تحدثت بتلقائية ليجد هو كلمـ.ـا.تها تثيره رغماً عن محاولاته في إرغام نفسه على ألا يستجيب لها.

"خدي ده" ألقى بشريطاً من الدواء إليها ثم أحضر لها المياة لتتناوله بعد أن قرأت اسمه وعرفت أنه مُسكناً قوياً..

جلس هو مجدداً ولكن لم يواجهها وضغط ذلك الكيس المثلج على قدماها لتصيح هي في آلم

"كفاية ساقع اوي مش قادرة استحمله" نظر لها بطرف عينه ثم تنهد ليزيحه جانباً ثم آخذ الرباط الضاغط وأخذ يلفه حول التورم بكاحلها ثم فرغ ونهض وتركها وتوجه لمكتبه لتصيح هي في صدمة "الـ proposal لازم ابعته كمان ساعة.." حاولت النهوض ليآمرها ناهياً

"خليكي" أحضر تلك الملفات التي سقطت أرضاً والختم ثم توجه بجانبها واضعا الأوراق على منضدة أمام الأريكة

"تختمي ولا تقلبي الورق؟" نظرت له في شرود وهي حقاً لا تصدق أنه يساعدها "انجزي عشان الوقت" اخبرها في ضيق لتجيبه هي مسرعة

"هقلب الورق" جلس بجانبها وكذلك فعلت هي الأخرى وأخذت في تقليب الأوراق له بينما طبع هو بالختم على كل صفحة وآخذت تنظر بتركيز فيما تفعله لتتهاوى خصلاتها الحريرية على عيناها لتحاول رفع رأسها كل بضع ثوانٍ حتى تزيحها للأعلى فيداها شُغلتا بتقليب الأوراق له ليفاجأها بإزاحة خصلاتها خلف أذنها ببطئ فنظرت له في تعجب وتوقفت عن إكمال الأوراق

"خيلتيني.. عشان كده رفعتلك شعرك.. انجزي خلينا نخلص" صاح بإقتضاب كاذباً وهو منذ ذلك اليوم الذي فقدت به وعيها أراد أن يتلمس شعرها مرة أخرى.

أنهيا كل شيء بعد حوالي ساعة إلا ربع لتنظر بساعتها وكادت أن تنهض لينظر لها في تحذير ثم أخرج هاتفه ليتحدث به لأحدى الأشخاص وأخبره ما عليه فعله بالملفات ليوصلها للشركة ثم توجه لخارج المكتب واضعاً الأوراق على مكتب رنا وعاد مرة أخرى.

"مددي رجلك وخليكي رافعاها" آمرها ثم توجه لمكتبه وهو يحاول بكل ما لديه من قدرة أن يركز بعمله وألا ينظر لها ولكن دون جدوى، رغماً عنه وجد نفسه يسـ.ـر.ق بعض النظرات لها كل دقيقتان.

جلست وهي لا تدري هل ستُكمل باقي يومها هُنا أم ماذا، وماذا عن باقي أعمالها التي كلفتها بها شاهندة، لا تُحب أن تُقصر بعملها أبداً ولكنها بنفس الوقت لا تستطيع أن تخبره بالذهاب ليحضر لها أشياءها.. يكفي مساعدته وعدم غضبه عليها حتى الآن بل يكفي أنها استطاعت أن تتصرف معه منذ قليل بعد تقاربهما الشـ.ـديد الذي قـ.ـتـ.ـلها حيرة وتـ.ـو.تراً.

غرقت بالتفكير وفقط تنبهت عنـ.ـد.ما سمعت رنين هاتفها الذي سقط منها أمام مكتبه لينظر لها نظرة الصقر تلك وهز رأسه في انكار ثم نهض متآففاً ليمسك بهاتفها وأقترب ليلقيه على الأريكة بجانبها فتفقدت المتصل لتجده رقماً غريباً لا تعرفه فأجابت على الفور..

"آلو.."

"أنتي فين يا نور بقالك أكتر من تلت ساعات مش في مكتبك" صاح كريم من الطرف الآخر

"مين معايا؟" تعجبت نورسين

"لحقتي تنسيني؟!" صاح ساخراً "أنا كريم.. تعاليلي حالاً!" لقد نست تماماً ما حدث معها ليلة أمس لتشعر بالفزع عنـ.ـد.ما أنتعش عقلها بالتفاصيل

"أنا.. أأنا.. عندي شغل فـ.."

"اتصرفي وتعالي دلوقتي تكوني قدامي"

"أنا عند Mr بدر.. لما أخلص هاجي.. سلام دلوقتي" أوصدت هاتفها وكادت أن تموت خوفاً فهي لم تُفكر حتى كيف ستتصرف معه وكأنها تناست كل ما حدث ليلة أمس!!

لقد قررت مسبقاً بأن تخبر شاهندة ولكنها شعرت بالخوف مما قد يترتب على ذلك ومما قد يحدث مع زوجته، قد تخبرها شاهندة، وحينها ستواجه كريم وقد يذهب ويخبر بدر الدين بذلك المخطط الذي نسجه من محض خياله وقد يرغمها على العودة لزوج والدتها وهذا آخر ما قد تريده بحياتها.. فرأت أن الحل المناسب أن تلتصق بشاهندة دائماً وألا تتركها وبالمساء ستوصد بابها بالمفتاح حتى لا يستطيع أن يأتي لها مرة أخرى.

لم تلق بالاً لذلك الذي جلس أمامها وتابعها بثاقبتاه ولاحظ تغير نبرتها وتـ.ـو.ترها بسبب تلك المكالمة ليصيح سائلاً اياها بعد أن أقترب ووقف أمامها ناظراً لها في تمعن شـ.ـديد واضعاً يداه بجيبي بنطاله

"كنتي بتكلمي مين؟!"
"أأأنا؟" تلعثمت وهي تراه يتفرسها بنظرته المُزعجة تلك ليومأ لها بالموافقة "ده.. ككان..مممـ.. مممعرفش الرقم" ازداد تلعثمها وابتلعت بتـ.ـو.تر.

"انتي هتستعـ.ـبـ.ـطي؟!" نظر لها في غضب لتتدارك هي ما قالته

"مممكنتش أعرف الرقم" تريثت لثوان ثم استجمعت شجاعتها واجابت "وبعدين عرفت إنه كان Mr كريم!" سكتت لبرهة ليصر أسنانه في غضب وبدأ الشك يتآكل عقله من جديد

"كان بيسألني Mrs شاهندة رجعت ولا لأ عشان يسألها على حاجة لأنها مبتردش على موبايلها.. وكان عاوز حاجة في الشغل بس أنا قولتله إني هنا" نظرت للأرض ولم تتحمل أن تظل ناظرة لعيناه الثاقبتان تلك.

تلعثمها وشحوب وجهها المفاجئ جعله يرتاب أكثر.. يعرف جيداً أن هناك شيئاً ما تخفيه ولكن لربما تخبره الحقيقة، فلقد أخبرته منذ ثوان بمنتهى السهولة أنه كان كريم، ثم حقيقة ماذا الذي يظن أنها أخبرته بها؟! أتخدعه تلك الصغيرة هو الآخر؟ لا لن يصدق تلك التراهات التي تحدثت به! بالطبع هناك شيئاً ما تُخفيه وسيعرفه عاجلاً أم آجلاً.

لماذا يسألها عنه؟ أسمع شيئاً؟ أيعرف ما الذي حدث بينهما؟ نظراته تلك لا تبشر بالخير، ومتى كانت نظراته تبشر بالخير؟ ستتجاهله، نعم ستفعل، أهم شيئاً أن تبتعد عنه هو وكريم وكل شيء سيكون بخير..

"طب أنا هقوم عشـ.." صاحت وهي تنهض بينما أختل توازنها ليلحقها مسرعا وهو ويمسك بخصرها كي لا تسقط وتوقفت عن الحديث من تلقاء نفسها بعد أن أقترب منها وتلاقت أعينهما مجدداً في ذلك الصمت العجيب وتلك الأنفاس المتهدجة منها وأنفاسه هو المتثاقلة وتلك المرة ظلت تنظر له وتحدق بملامحه لترى الغضب يرتسم على وجهه مرة أخرى.

"أنتي مبتفهميش؟ قولتلك متتحركيش دلوقتي خالص!!" تحدث بعصبية حانقاً ليدفعها راغماً اياها على الجلوس مرة أخرى على الأريكة خلفها

"يعني أنا هافضل قاعدة كده طول اليوم؟ الساعة بقت اتنين ونص وأنا مخلصتش غير الـ proposal وبعدين أنا جوعت! سيبني بقا اروح آكل وأشوف شغلي" تحدثت هي الأخرى بإنفعال رافعة رأسها وهي تنظر إليه بتلك الزرقاوتان التي قـ.ـتـ.ـلته ليعقد حاجباه في غضب

"لا طبعاً مش هتفضلي قاعدة كده.." تحدث بين أسنانه المتلاحمة غضباً ثم توجه لمكتبه موليها ظهره وأمسك بهاتفه ليفعل به شيئاً لمدة دقيقتان وهي تتابعه بعينيها ثم آتى مُحضراً العديد من الملفات وأقلام ثم عاد ليجلس على مكتبه بعد أن ألقى بكل ما كان بيداه على المنضدة أمامهما

"مش عايزة تشتغلي.. اتفضلي" أخبرها دون أن ينظر لها وبدأ في اشعال حاسوبه وكأنما يبحث به عن شيء ما ثم أعطاه لها بطريقة فظة.. "مليني الأرقام اللي هسألك عليها من الـ Sheets (أوراق) اللي معاكي وأنا هارجعها من على الـ system" ظل لا ينظر لها عاقداً حاجباه لتتنهد هي في سأم وتـ.ـو.تر وبدأت في فعل ما أخبرها به.




❈-❈-❈




اتصلت بها أكثر من مرة ليتسلل الخوف لقلبها! أين هي إلي الآن؟! تستطيع أن ترى أن حقيبتها بنفس مكانها ولكن أين هي نورسين؟ بدأت في السؤال عنها ولم تحصل على إجابة من أحد لتفاجأ بكريم أمامها

"ايه عملتي ايه؟ نقول بقا عندنا supplier (مورد) جديد؟!" ابتسم تلك الإبتسامة الواسعة بأسنانه تلك ناصعة البياض ونظرته تلك الغير مريحة بعينيه الزرقاوتان

"جرا ايه يا كيمو.. جايلي مخصوص من الموقع عشان الـ supplier، كنت ممكن تكلمني على فكرة!! وعموماً اه الـ Collection (مجموعة) بتاعنا زاد واحد.. اطمن!!" نظرت له بإبتسامة مُضيقة عيناها ثم أعادت نظرا لحاسوبها

"وأنتي يعني شايفاني قلقان!" سألها ليجلس على مكتب نورسين

"لا مش قلقان.. اقصد اطمن ياللي واكلها والعة" غمزت له بعينيها ليرفع حاجباه في تعجب

"يعني مش هو ده شغل المشتريات.. أظن حقي.. وبعدين عدي الجمايل يا ستي" غمز لها هو الآخر ليبتسما سوياً

"قال يعني مش طالع بمصلحة!" صاحت بإبتسامة وهي تنظر له بدهشة

"والله كل واحد وشطارته" ابتسم لها وكلاهما يعلمان جيداً تلك العمولات التي يحصل عليها عند توقيع مثل هذه العقود

"ماشي يا سيدي.. انا مفوتالك بمزاجي على فكرة"

"متحرمش من حنيتك عليا أبداً" نظر لها في امتنان مزيف

"إلا قولي صحيح مشوفتش نور؟" نظرت له عاقدة حاجباها في استفسار بينما هو ابتسم داخلياً لأنها هي من بدأت بالسؤال عنها

"كنت كلمتها من شوية عشان أسأل عليكي قالت انها مع بدر" هز كتفاه وكأنه لا يعرف، هو فقط سيموت شوقاً ليراها ولكن لن يستطيع الدخول لمكتب بدر الدين بينما شاهندة فهو متأكد أنها ستذهب لهناك على الفور.

"بدر! دي موبايلها مقفول.. اما اروح اشوفها" تنفس براحة بعد علمه بأنها ستذهب لتتفقدها ولكنه سيتأكد الليلة جيداً أن يريها كيف لها أن ترفض المجيء إليه، وكيف توصد هاتفها بتلك الطريقة وسيعلمها ألا تُكررها مرة ثانية!



❈-❈-❈



تآففت وهي تنظر في تلك الأوراق التي تعج بالحسابات وقد قـ.ـتـ.ـلها الجوع، لقد أصبحت الرابعة ولم تتناول شيئاً منذ الإفطار، كما أن وجوده أمامها بنظراته وطريقته التي تـ.ـو.ترها لا تجعل عليها الأمر سهلاً.. لم تتوقف عن التفكير بكلمـ.ـا.ت كريم كما أنها لا تدري كيف ستتهرب منه الأيام القادمة وهل حقاً سيخبر بدر الدين بتلك الخطة التي نسجها من خياله أم كان يهددها ليصل لمبتغاه ليس إلا!

تعرف أنه ليس من حقها أن تمكث مع تلك العائلة ولا بذلك المنزل الضخم ولكن أين عساها أن تذهب؟ كيف ستتصرف وهي وحيدة تماماً؟ وجود شاهندة بجانبها مثّل لها الحياة وكأنها ولدت من جديد، لقد عوضها وجودها كثيراً عن الصديقة والأخت وبالطبع لم ولن تعوضها عن وجود والدتها كوثر التي لم تحب مثلها بحياتها ولكن شاهندة لم تترك لها الفرصة حتى تشعر بالوحدة أو الخوف من زوج والدتها!

أمّا الآن فهي لا تدري كيف تخبرها بتخوفاتها، كريم يبدو شخصاً حقير ومصمم على ما يريد!! لا تستطيع البوح لها بأن زوج أختها يريد أن يتزوجها، هي حتى لا تتقبله، ماذا عليها أن تفعل وهي لا تملك أحداً بجانبها غير شاهندة التي لربما تتطور الأمور وتتركها هي الأخرى؟

تهاوت دمـ.ـو.عها في صمت وكأنما الدنيا بأكملها تصمم على أن تنهال على رأسها بالمصائب المتتالية التي لم تواجها من قبل ولن تستطيع أن تواجهها وهي ذات الخبرة المعدومة في الحياة.

لاحظ بدر الدين بكائها الصامت ودمـ.ـو.عها التي انسابت على وجنتاها ليلقي القلم من يده في عصبية على الأوراق أمامه ثم تفحصها جيداً وهو لا يدري لماذا بداخله يشعر بالغضب وشعور آخر غير مفهوم لديه بأن بكائها ذلك يدفعه لفعل العديد من التصرفات غير المفهومة هو حتى لا يدري بمّ يُفكر وكأنما يحدث بداخله تعقيدات لا يستطيع تبينها أو فهمها كلما رآها تبكي
!

"بتعيطي ليه؟" سألها وهو يحاول أن يتحكم بعصبيته وانفعاله لتنظر له ولم تكن تظن أنه سيلاحظ بكائها

"جعانة" اجابته وهي بالطبع لن تستطيع البوح بما تُفكر به ليهز رأسه في تهكم ليطرق بابه فتركها لينهض وذهب ليتفقد الطارق ثم آتى وبيداه صندوقان علمت ما هما جيداً

تلهفت على ما يحمله كثيراً وابتلعت ثم بللت شفتاها أكثر من مرة وقبل أن يضع ما بيده على المنضدة جذبت احداهما منه بسرعة وتركت العمل جانباً لتفتح صندوق البيتزا الكرتوني ثم همهمت وهي تشتم رائحتها في شهية.

نظر لها هاززاً رأسه بسخرية وهو لا يُصدق ما تفعله، تبدو حقاً كطفلة صغيرة بتصرفاتها تلك ليجلس هو على كرسي أمامها وبدأ في أن يُرتب الأوراق أمامه بعناية شـ.ـديدة وكأنما نظم كل ما على المنضدة بأكملها وحتى جذب ما أمامها ليُرتبه واضعه جانباً وشرع في تنظيم طعامه أولاً لتلمحه نورسين وتتعجب بداخلها من يأكل بمثل تلك الطريقة التي يتناول طعامه بها ولكنها لم تهتم وتناولت طعامها في هرج تام لتسد ذلك الجوع بداخلها!

شعر بالإنفعال من طريقتها التي تفتقر للنظام ولآداب تناول الطعام وتلهفها الذي لم يُصدقه حقاً، ألهذا الحد كانت جائعة؟! سأل نفسه ليهُز رأسه في إنكار وفي ثوانٍ ودون أي مقدمـ.ـا.ت وجد بقعاً من الكاتشب تلتصق بقميصه الأبيض وربطة عنقه.

توقفت تماماً عن تناول البيتزا وجحظت عيناها عنـ.ـد.ما أدركت ما حدث للتو فهي قد ضغطت على حقيبة الكاتشب بطريقة خاطئة ولسوء حظها كان اتجاهها ناحية بدر الدين.

وضعت كف يدها تغطي به عيناها ثم رفعت رأسها ببطئ شـ.ـديد لتنظر له بين أصابعها لتجد نظرة أرعـ.ـبتها وجعلتها لا تريد أن تأكل مجدداً طوال حياتها لتبتلع في وجل من نظرته.

"أنا آسفـ.."

"أخرسي!!" قاطعها زاجراً اياها بين أسنانه المتطابقة ونبرته لا تقبل النقاش مطلقاً وغضبه ازداد للغاية ونهض خالعاً سترته ثم ربطة عنقه وهي تنظر له في وجل ومن ثم بدأ في خلع قميصه لتنفرغ شفاهها وشهقت في خفوت

"أنننت.. أنت.. بتعمل ايه؟" تلعثمت وهي تراه يفك أزرار قميصه

"مش عايز اسمعلك صوت" صاح بها في عصبية وهو يسحق أسنانه ثم خلع قميصه في غضب لتطلع هي جسده وضـ.ـر.بت تلك الحمرة في وجهها وهي تراه بذلك المنظر!

تلك االتقسيمـ.ـا.ت بمعدته وعضلاته القوية ثم نهاية خصره، لا تصدق أنه مجرد رجل عادي، لابد وأنه بطل رياضي ويخفي الأمر عن الجميع، لم تقع من قبل بمثل ذلك الموقف ووجدت نفسها تحدق بجسده في إعجاب وبلاهة تامة فهي لأول مرة تنظر لرجل هكذا وهو نصف عاري أمامها ثم بلت شفتاها وآخذت زرقاوتاها تنظر لعنقه ومنكبيه الرجوليان وتفاصيل جسده لتجد نفسها تشعر بشيء لم يسبق لها اختبـ.ـاره من قبل!

لاحظ نظراتها له ليبتسم بداخله ثم تلاقت أعينهما فخفضت نظرها في ارتباك والتـ.ـو.تر سيطر على حركاتها ليرى هو حُمرة الخجل تلك بوجهها ليتنهد وبالكاد استطاع أن يتوقف عن النظر لها وولاها ظهره متجهاً لمكتبه لتشاهد هي ظهره المثيرالرجولي المليء بتلك التقسيمـ.ـا.ت والعضلات التي رُسمت بطول ظهره بداية من أسفل شعر رأسه حتى خصره.

رآته يتوقف أمام مكتبته الضخمة ثم مد يده ليجذب مقبضاً لتفاجأ أن هناك دولاب كامل للملابس أمامه، كانت تظن أنها ستحتوي على المزيد من الكتب ولكنها كانت مخطئة.

تناول قميصاً أبيضاً ثم ارتداه دون أن يغلق ازراره ثم فتح درجاً بالأسفل آخذاً منه ربطة عنق جديدة ووضعها حول عنقه وأغلق الدرفة ليجد خبطات على الباب ليذهب في غضب يفتح الباب بمضض ليجدها شاهندة التي امتلئت عيناها بالتساؤل لمظهر أخيها فدلفت مكتبه بعد أن تركها وتوجه للداخل مُغلقاً ازرار قميصه بينما نظرت لتجد وجه نورسين يصـ.ـر.خ بالحمرة فتعجبت خاصةً بعد أن رآت ملابس أخيها ملقاة على الأرض بينما نورسين جوربها ممزق وقدمها يبدو وكأن بها شيء ما واتجهت نحو بدر الدين حتى وقفت أمامه ثم نظرت له بأعين مستفسرة

"ايه ده؟" وأومأت لقميصه ثم نظرت للملابس الملقاة أرضاً لتجده يجذب يدها ثم امسك بقميصه الملقى ليريها بقعة الكاتشب

"وقعت كاتشب من غير ما اخد بالي"

"وانت من امتى بتاكله؟" تعجبت لأنها تعرف ان بدر الدين لا يحبه

"هو تحقيق ولا ايه؟" تآفف بدر الدين وهو يعيد عقد ربطة عنقه بينما اتجهت لنورسين

"وانتي يا نور فينك؟ عارفة قلقت عليكي قد ايه؟ قافلة موبايلك ليه؟" صاحت في لهفة ثم عقدت ذراعاها ووقفت أمامها منتظرة ردها بينما سمع بدر جيداً وانتظر اجابتها ولكن دون أن يبدي اهتماماً ملحوظ

"ده.. ده فصل شحن" اجابت بإقتضاب فاقتربت شاهندة جالسة بجانبها

"ايه اللي على رجلك ده؟ مالك انتي كويسة؟" أشارت للرباط الضاغط

"أنا.. كنت.. ممم" تلعثمت ليزفر بدر الدين حانقاً من تلعثمها الممل

"اتكعبلت ووقعت ورجليها اتلوت" اجاب بدلاً من نورسين لتتعجب شاهندة بداخلها، منذ متى وبدر الدين يتحدث هكذا؟ لتراه يأخذ سترته يرتديها وجلس ليكمل عمله وازاح الطعام جانباً

"طب انتي كويسة، تحبي نروح لدكتور عشـ.."

"متقلقيش بقيت احسن" ابتسمت لها بإقتضاب لتقاطع لهفتها

"اعملي حسابك إنك هتشتغلي معايا الفترة الجاية!" تحدث بدر الدين دون أن يزيح نظره من الأوراق أمامه إلا عنـ.ـد.ما أومأ لنورسين لتجحظ عيناها الزرقاوتان

"يا سلام!! وأنا مش عاجباك مثلاً ولا مش واخد بالك انها الـ Assistant بتاعتي ولا ايه؟!" صاحت شاهندة في انفعال

"مش هاكرر الكلمة تاني.. رنا واخدة اجازة مرضي والفترة الجاية عندي اجتماعات كتيرة"

"لا يا بدر ده ظلم بقا، أنا مش هاسيب نور و.."

"مترغيش كتير يا شاهندة.. كلمتي تتنفذ من غير نقاش" تحدث بلهجة لا تحتمل المزيد من الجدال لتنهض شاهندة في انفعال

"وأنا قولت إن.."

"ميهمنيش قولتي ايه، اللي يهمني إن شغلي محتاجها" قاطعها مجدداً دون أن ينظر لأي منهما

"طب وشغلي؟" تسائلت بغضب

"اتصرفي.. أنتي عندك في الإدارة ناس كتير.. لكن انتي عارفة ان شغلي هيوقف عليها"

"ماشي يا بدر، براحتك، اعمل اللي أنت عايزه!!" صاحت في انفعال وتوجهت للخارج في حنق

"بس أنا مش عايزه أشتغل معاك" تحدثت في هدوء ليرفع رأسه وتتلاقى أعينهما

"وأنتي ايه أصلاً عشان تعوزي أو متعوزيش" اهانها بتلك الكلمـ.ـا.ت لترفع حاجبها في تحفز

"أنا جاية هنا اتدرب في إدارة معينة عشان اخد خبرة أنا عايزاها، لكن شغلي معاك مش هايديني أي خبرة"

"ومين بقا اللي قالك كده؟" اراح جسده في الكرسي ووضع قدماً على أخرى وعبث بسبابته في شفاهه وهو ينظر لها نظرة الصقر خاصته يتفحصها بها

"من غير ما حد يقول.. أنت عايزني اشتغل Reminder  واستقبلك ضيوف وأناولك ورق.. استحالة أنا اعمل كده! عمري ما فكرت إني ابقى سكرتيرة!!" تحدثت في تحفز لتعقد ذراعيها ولأول مرة تنظر له مباشرة دون خوف ورأى الاعتراض يغلف نظرة تلك الزقاوتان

"كويس"

"هو ايه ده اللي كويس!!" عقبت على كلمته التى قالها بعد أن ابتسم بسخرية

"قدامك حل من الاتنين.. يا تشتغلي معايا يا تتفضلي برا الشركة كلها واتفضلي اتدربي مكان ما يعجبك" نظرت له في دهشة وهو يتحدث هكذا بمنتهى الهدوء بينما اشتعلت هي غضباً ونهضت ليعتري ملامح وجهها الآلم بينما اقترب هو ليساعدها ولكن لم تعطه الفرصة

"لا هتفضل برا الشركة يا Mr. بدر، مفيش شغل بالعافية"

"عندك حق" قلب شفتاه متهكماً لتنظر هي في حزن امتزج بإنفعالها ثم توجهت بخطوات بطيئة وتعرج واضح للباب حتى تغادر وكادت أن تُمسك بمقبض الباب بينما أوقفها كف يده الذي منع به أن يُفتح فالتفتت له لتحاصر بينه وبين الباب الذي أصبح خلفها

"سيبني اعدي"

"اتكلمي بأدب وبأسلوب كويس وبعدين ماشية حافية ورايحة فين بمنظرك ده"

"أولاً أنا مؤدبة وأسلوبي كويس، ثانياً مش هاقدر البس حاجة بكعب دلوقتي علشان رجلي لسه بتوجعني، ثالثاً مالكش دعوة بيا وسيبني امشي"

"خليني اوضحلك حاجة انتي مش قادرة تشوفيها من يوم ما دخلتي الشركة دي بس لآخر مرة الفت نظرك ليها، أنا بدر الدين الخولي، اللي من غيري الشركة دي كانت هتقع في يوم من الأيام، يعني كل اللي فيها بيرجعلي قبل ما ياخد خطوة، والكل عارف حدوده كويس معايا عشان مأذيهوش.. فأنتي باللي بتعمليه ده بتجني على نفسك، بس ارجع وأقول إنك عيلة صغيرة مش عارفة الصح من الغلط، وعشان كده هاسيبك لغاية بكرة الصبح عشان تقرري، يا تيجي بكرة وتبدأي شغلك معايا يا هأذيكي.. وأعتبري إن اللي قولتهولك ده فرصة وفي نفس الوقت تحذير!" نظر لها بعينيه الثاقبتان لتشعر هي بالإرتباك الشـ.ـديد ثم أقترب منها وبنفس الوقت أجرى مكالمة هاتفيه ليسألها "مقاس رجلك كام؟!"

"38" اجابته ثم عقدت حاجباها متعجبة لسؤاله

"هاتلي جزمة flat سودا مقاس 39" رفعت حاجباها في دهشة بينما هو اعاد هاتفه لسترته ونظر لها ملياً لتنفجر هي بالكلام

"تأذيني بتاع ايه؟ أنت أصلاً مالكش عندي حاجة، واسمع بقا أما أقولك يا Mr بدر عشان كده اللي بتعمله ده كتير اوي، أنا جيت هنا عشان اتدرب مع شاهي، والبيت شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون معاهم، سواء هنا أو هناك تبعد عني وملكش دعوة بيا تاني ابداً.. كفاية عصبيتك وكلامك السم اللي كل شوية بسمعه وبصاتك الغريبة دي" صاحت بجرأة لينظر لها نظرة ارعـ.ـبتها بالرغم من تحاملها على نفسها ومحاولاتها اللانهائية في التغلب على تـ.ـو.ترها وخوفها منه.

"أفتكري كل كلمة قولتيها وأنا أوعدك إنك هتتحاسبي عليها، وحسابها هيكون غالي اوي عليكي" ابتسم متهكماً لتنظر له هي بإنفعال وعيناها تصرخ غضباً في طفولية

"هافتكر.. وهتشوف إنك مش هتقدر تعملي حاجة" تحفزت كالأطفال تماما بمنتهى البراءة التي رفض عقله أن يُصدقها

"أما نشوف" اخبرها بتهكم لتلتفت وتغادر ولكنه استند على الباب بيده لتلتفت له مرة أخرى لتجده قريب للغاية منها حتى شعرت بأنفاسه الساخنة على وجهها فنظرت له في ارتباك وابتلعت متـ.ـو.ترة

"لما تبقي تلبسي حاجة في رجلك هبقى اسيبك تمشي، مش هستنى حد يقول كلمة على بدر الدين الخولي، ادخلي الحمام وغيري الشراب اللي انتي لابساه وبعد كده ممكن تغوري حتى في ستين داهية عشان ارتاح من وشك!"

همس لها بكراهية تنهال من عيناه ولكن قربه منها وترها للغاية ليمكثا لدقائق على هذا الوضع يحدقان بعينا بعضهم البعض في صمت تام ليبتلع هو ثم انتقلت عيناه لشفتاها الكرزيتان في تلقائية عنـ.ـد.ما تآكلتهما في ارتباك وبدأت أنفاسه في التثاقل ليقترب منها أكثر وآخذ يُفكر ماذا لو أطاع ذلك الشعور الداخلي بأن يقبلها، مرة واحدة فقط ليرى كيف مذاق تلك الشفتان، لن يحدث شيئاً، هي تبدو مستسلمة للغاية، لن تمانعه، وحتى لو مانعته، سيبرر لها فيما بعد، أهم شيء هو أن يتذوقها الآن ويريح ذلك الإلحاح بداخله بأي شكل.

رائحة أنفاسه الرجولية تشتتها داخلياً، لماذا يقترب منها بهذا الشكل بعد أن تلفظ لها بأبشع الأقوال؟ لماذا لسانها عُقد ولا يستطيع الحديث؟ تود أن تصرخ، أن تقول له ابتعد ولكن صوتها لا يغادر حلقها، قوتها انعدمت، لا تستطيع التحرك، لا تستطيع السيطرة على أنفاسها المتهدجة، تشعر بالخجل الشـ.ـديد من اقترابه، لا تستطيع أن تنظر لملامحه أكثر بعد الآن لتنظر للأرض لتجده فجأة يلامس أسفل ذقنها بسبابته مُرغماً اياها على أن تنظر لعينتيه الثاقبتين مرة أخرى بينما ابتلع لترى بعنقه تفاحة آدم تحدث زوبعة بتحركها ذلك ليزداد ارتباكها وأقترب لها أكثر حتى لفحت شفتاها سخونة أنفاسه وكاد أن يقبلها ولكن أفاقهما تلك الطرقات على الباب ليحمحم بدر الدين وتفر هي هاربة لحمام مكتبه وبداخلها عاصفة من المشاعر الغريبة عليها لا تستطيع التحكم بها خاصةً وأنها لأول مرة تواجه كل ذلك مع رجل.



❈-❈-❈


لا يدري لماذا هذه الأيام عاد لتلك العادة السيئة ولا يستطيع التوقف عن التدخين طالما هو وحده، وقف في شرفته وهو يُفكر بتلك اللحظة التي جمعتهما وكاد أن يقبلها، تلك اللعينة لم تعترض اقترابه كما لم تعترض اقتراب كريم منها تلك الليلة بالحديقة عنـ.ـد.ما رآهما، تلك اللعينة تريد أن تخدعه هو الآخر.. لا.. لن يحدث ولو بعد مائة سنة!!

إن لم تأتِ بنفسها وتقر بأنها قبلت أن تعمل معه سيجعل أيامها بلون الليل الحالك، هذا هو الحل الوحيد ليبعدها تماماً عن كريم ويعرف ما الذي يجمعهما، يعرف أن شاهندة طيبة للغاية، قد تستغلها فتاة مثل نورسين بمنتهى السهولة، كذلك نجوى والدته تلك المرأة التي لطالما وقفت لأبيه ودافعت عنه دائماً واحتمى بها منه قد تستغل طيبة قلبها هي الأخرى، إنما هو فلا.. لن يحدث هذا معه.. لن تستغله فتاة مثلها، فلقد حاولت من قبل تلك الشيطانة التي انجبته ولم تستطع فعلها أبدا!

وقف يحدق بالفراغ في شرفته لا يرتدى سوى بنطالاً قطنياً اسود اللون واضعاً يد بجيبه والأخرى امسكت بالسجائر التي لا يستطيع تركها ليتنهد مجدداً وهو يُفكر بها مرة ثانية وبتلك الطريقة التي يخفق قلبه بها عنـ.ـد.ما يقترب منها.

لمح كريم يدلف للمنزل بعد أن ترجل من سيارته ليعقد حاجباه وكاد أن يرتدي قميصاً ويذهب ليتفقد إلي أين سيذهب كريم فلربما سيذهب لنورسين مرة ثانية ولكنه فوجأ بطرقات على باب غرفته ففتح ليجد أن الطارق هي من لم يبـ.ـارح عقله التفكير بها

"عايزة ايه؟!" سألها بهدوء خالف الغضب الذي بداخله لترفع رأسها ناظرة إليه بزرقاويتين مرتعدتان

"أنا هاشتغل معاك.. مش.. مش.." تلعثمت وهي تهز رأسها في انكار ثم أكملت بصعوبة "مش هاكمل مع شاهي ولا هاسيب الشركة" عقد حاجباه لمظهرها الذي يثير التساؤلات العديدة بعقله ولم تعطه الفرصة للتحدث معها وغادرته على الفور مسرعة وكأنما تهرب من شيء ما.



❈-❈-❈



قبل قليل بغرفة نورسين..

لماذا تشعر بكل ذلك الإرتباك أمامه هو؟ ليس مثل زياد ولا كريم ولا حتى زوج والدتها، لماذا كل شيء معه مُربك ويوترها قربه للغاية، نظراته تلك، لماذا اعتنى بها عنـ.ـد.ما التوى كاحلها اليوم؟ ولماذا اقترب منها بتلك الطريقة عنـ.ـد.ما أخبرته أنها ستذهب ولا تريد العمل معه؟ وبعد كل ذلك يأتي ليخبرها بتلك الكلمـ.ـا.ت اللاذعة وترى الكراهية تفيض من عينيه ودائماً هو غاضب!!

"ملك الكون!!" تمتمت وهي تهز رأسها في سخرية ثم فتحت هاتفها الذي اصدر صوت وصول رسالة

"طيب واضح إنك مبتسمعيش الكلام.. بس أنا بردو لسه عايزك زي ما انتي عاوزاني ومحتاجاني.. عايز ردك عليا يكون النهاردة بليل، هطلعلك زي امبـ.ـارح في نفس الوقت.."

تصلبت زرقاوتاها بشاشة هاتفها وهي لا تدري ما الذي عليها فعله، تلك الرسالة منه بتلك الطريقة لا توضح أنه يبتزها ولكن هي تعرف جيداً ما يقصده، هي حتى لا تستطيع مواجهة شاهندة بها فكلمـ.ـا.ته بدت وكأن بينهما علاقة.

آخذت تجوب غرفتها في رعـ.ـب تام، لن تستطيع إخبـ.ـار شاهندة، هي حتى لم ترها منذ عودتها في وقت متأخر من الشركة حيث أرهقها بدر الدين بمراجعة كل تلك الأرقام اللعينة ولم يسمح لها بالمغادرة، لن تستطيع الرفض فإنه سيخبره بالخطة تلك التي سيصدقها بالطبع وهو الذي لم يكف عن إخبـ.ـارها بأنها تلاعبت برأس زياد وأنها مُستغلة وطماعة ولا تريد شيئاً غير الأموال ليس إلا..

حسناً.. كيف عليها الإبتعاد عن كريم؟ آخذت تفكر مراراً حتى وجدت الحل الوحيد أن تُثبت لبدر الدين براءتها، ستكون بجانبه طوال اليوم، أمام عيناه، ستعمل معه حتى عودة مساعدته الشخصية وسترى بعدها كيف ستتصرف مع كريم!

غادرت غرفتها مُسرعة بعد أن أوصدت هاتفها مرة أخرى خوفاً من أن يتحدث معها أو يرسل لها برسالة لتخبر بدر الدين ذلك وبداخلها تدعو ألا ترى وجه كريم بطريقها..
جلست ودمـ.ـو.عها تنهمر في صمت.. خائفة من أن تخرج من باب غرفتها؛ ودت لو فقط ذهبت لشاهندة وبكت بين ذراعيها في عناق حنون. لماذا كل ذلك يحدث لها؟ لماذا عليها أن تتحمل حقارة كريم وكراهية بدر وعناده؟ لماذا عليها كلما أشتاقت لمنزلها التي قضت به أحلى أيام عمرها الصغير تتذكر دناءة زوج والدتها؟

ماذا تفعل الآن وأين تذهب وهي حرفيا لا تملك أحد بالحياة؟ أستظل بذلك المنزل؟ أستظل تحتمي بسراب؟ ماذا لو كريم فعلها حقاً وأقنع بدر الدين والجميع بأن كل ما حدث قد خططت له مُسبقاً مع زوج والدتها لتأتي لذلك المنزل حتى تستفيد منهم مادياً؟ أحقاً سيصدقون؟ أيملك دليلاً على كلامه؟ ربما ذهب ليُسري وأتفق معه على كل شيء.. ولكن يبقى السؤال، لماذا يريدان أن يفعلا بها كل ذلك؟

تكورت بسريرها تبكي وحدها وهي تشعر بإشتياق لا نهائي لوالدتها كوثر، ودت لو أنها هنا الآن، لو فقط تستطيع أن تزور قبرها لتُخبرها بالكثير مما حدث لها، ودت لو أنها فقط حصلت على عناق أخير يجمعها بها قبل أن تذهب، لم تكن تتصور أنها ستذهب وستتركها بكل هذه السهولة، دون وداع، دون عناق، دون أي شيء ليبقى الذكرى الأخيرة بينهما لتتذكرها بها.

ظلت تنتحب وتبكي والأفكار تدوي بعقلها وهي مرتعدة وتراقب الساعة، تعلم جيدا أنه لم يتبقى على مجيء كريم الكثير من الوقت، تحاول أن تهدأ نفسها وستتظاهر بالنوم وسيمر كل شيء على خير.. أو هكذا تتمنى!




❈-❈-❈




ماذا بها لتأتي له في تلك الساعة المتأخرة من الليل وتخبره بهذا الآن؟ لماذا بدت بذلك الخوف الذي كان جليا على وجهها ونظراتها كالشمس في وضح النهار؟ أيُعقل أنها تخفي شيئا ما مجددا لا يعلم عنه شيء؟

ظل يتجول بغرفته إلي أن شعر بالإختناق فجذب قميصاً قطنياً قصير الكم ثم ارتداه وتوجه للخارج حتى يتمشى قليلاً بالحديقة وهو يُفكر ليشعر بحركة على الدرج فتريث وهو يحاول أن يعلم من الذي يصعد او يهبط الدرج.

تخفى جيداً وهو يحاول النظر ليجده كريم ليضغط أسنانه وأخذ يكزها في حنق وهو يراقبه ليجده يتوقف عند غرفة نورسين ومد يده ليفتح الباب فوجده موصد..

طرق كريم الباب أكثر من مرة وفي النهاية ابتسم في غضب ممزوج بالغيظ من فعلتها ثم توجه ليهبط الدرج مرة أخرى ولم يرى عينا الصقر تلك التي تتابعه ورآت كل ما فعله..

شعر وكأنما الغضب يجري بعروقه بدلاً من الدماء، حسناً، هو الآن تأكد أن هناك شيئاً بينهما، لا يوجد أي عذر أو سبب أو مبرر لذهاب رجل لفتاة بعد الساعة الثانية صباحا غير أمر لا يستطيع أياً منهما أن يواجهها به الجميع.

فارت دماءه بعد أن غلت بعروقه ليتوجه للأسفل وأخذ يجوب الحديقة في نفاذ صبر وبالكاد منع نفسه من الذهاب وجذب كريم من جانب أخته وإبراحه ضـ.ـر.باً إلي أن يموت أسفل يداه، أما تلك اللعينة الأخرى فهو تمنى لو جذبها من شعرها وألقاها خارج منزلهم للأبد ليطردها من حياتهم كمنزلهم ولكن لا.. سيكشفهما أمام الجميع، عاجلاً أم آجلاً سيفعلها ويومها لن يرحم أياً منهما.



❈-❈-❈



مرت الليلة على الجميع، منهم من يشعر بالحزن الشـ.ـديد، ومنهم من يشعر بالغيظ ويُخطط للكثير من الأفعال المشنية التي سيتخذها ضد هذا الرفض، وأحدهم كاد أن يحترق غضباً، وأما شاهندة فهي لا تطيق ما فعله بدر الدين منذ أمس.

جلس جميعهم حول طاولة الإفطار وبدر الدين يوزع نظراته الثاقبة العميقة ويحاول أن يتمسك بهدوءه قدر الإمكان ولمح تلك النظرة من كريم لنورسين ليصر أسنانه في غضب شـ.ـديد بينما لاحظ أن شاهندة يظهر على وجهها الحزن وليست مبتسمة ببشاشة مثل كل صباح.

"ايه يا ولاد خير.. مالكم ساكتين كده" تحدثت نجوى وهي تنظر لأولادها، فحتى زياد الصغير المشاكس لم يتكلم مثل كل صباح.

"معلش يا ماما أنا ماشي عشان ورايا شغل كتير.. سلام" قبل زياد رأس نجوى ثم غادر ليتعجب الجميع من طريقته

"يا ما شاء الله.. من امتى وزياد عنده شغل كتير؟" صاحت هديل وهي تُجبر شفتاها على الإبتسام ثم همست لزوجها "وده من امتى بيحصل وأنا نايمة على وداني؟" سألته لينظر لها بإبتسامة ثم اجابها بهز كتفاه بأنه لا يعلم

"ربنا يهديه" تمتمت نجوى معقبة على كلمـ.ـا.ت هديل ثم نظرت لنورسين

"مالك يا حبيبتي؟ أنتي كويسة؟ ولا لسه رجلك من امبـ.ـارح بتوجعك؟" تسائلت نجوى بإهتمام بعد أن لاحظت شرودها لتتلمس شاهندة كتفها في حنان ولاحظت أنها لم تأكل شيئاً وكانت تعبث في طعامها ليس إلا

"نور؟ أنتي فيه حاجة مضايقاكي؟" حركت يدها في ود على ذراع نورسين التي كانت شاردة تماماً

"هه.. بتقولي ايه؟!" رفعت نظرها لها

"احنا بنكلمك من الصبح.. مخدتيش بالك ولا ايه؟"

"أنا آسفة يا شاهي.. معلش"

"من غير آسف يا حبيبتي.." أخبرتها نجوى بإبتسامة بينما بدر الدين يحترق بداخله غيظا على تلك الطريقة التي يعاملوا بها تلك اللعينة المُخادعة "مال وشك كده مخـ.ـطـ.ـوف؟ أنتي تعبانة؟" تسائلت نجوى في قلق

"لا لا يا ماما.. أنا كويسة.. بس معرفتش أنام كويس امبـ.ـارح.." اجابت بأي كلمـ.ـا.ت وجدتها منطقية لينظر لها كريم بإبتسامة متهكمة بينما لاحظه بدر جيداً.

"يالا عشان نمشي" تدخلت نبرة بدر الدين الرخيمة ليلتفت له الجميع بينما تعجبت نجوى

"تمشوا؟! مين دول اللي يمشوا؟"

"ياااه.. واضح انها مقالتلكوش انها هتشتغل معايا لغاية ما سكرتيرتي ترجع من اجازتها" أخبرهم بدر الدين ليشرق كريم أثناء احتساءه للمياة وسعل لتناوله هديل احدى المحارم وتفحصه ليبتسم بدر الدين نصف ابتسامة جانبية لم تقابل عيناه لتنظر شاهندة لنورسين في دهشة

"يالا عشان منتأخرش!!" تحدث مرة أخرى ليُنهي ذلك العرض السخيف

"استنى يا بدر أنا عاوزة أتكلم معاك شوية" أخبرته نجوى ثم نهضت "تعالى نتكلم في المكتب" أخبرته ليتبعها في صمت تام.

"كده.. وكنتي ناوية تقوليلي امتى؟" صاحت شاهندة في انفعال

"ممكن نتكلم في الجنينة؟" استئذنت منها لتنهضا سوياً ويتوجها للخارج.

"طيب يا جماعة.. أنا هقوم عشان متأخرش وعندي اجتماع بدري.. اشوفك يا كريم في الشركة.. سلام" استئذن حمزة من الجميع بلباقة ثم تركهم وغادر.

"حلو اوي اللي بيحصل ده، أسرار في البيت وبلاوي بتحصل في الشركة وأنت نايم على ودانك! وأنا معرفش حاجة" صاحت هديل ليلتفت لها كريم متآففاً

"يعني عاوزاني أعمل ايه؟ ادخل جوا دماغ بدر الدين ولا أعرف أنا منين إن نور دي بقت بتشتغل معاه، أشم على ضهر ايدي مثلاً ولا اعمل ايه عشان ابسطك.. ما أنتي شوفتي اهو بعينك شاهي نفسها مكانتش تعرف.."

"عايزاك تفوق.. تفهم اللي بيحصل حواليك.. عايزاك متضيعش سنين تعبنا هدر.. تعرف البنت اللي دخلت حياتنا دي أصلها وفصلها ايه، الأول زميلة زياد وبعدين حبيبة شاهي وفجأة بقت مع بدر الدين غير مدح ماما ليها طول الوقت، مش شايف إن فيه حاجة غلط بتحصل؟"

"ولا شايف ولا مش شايف.. أنا ماشي، سلام!" غادر كريم قبل أن يتحول هذا الجدال لخصام جديد بينهما.

"ماشي.. أولد بس وأفوقلكم.. هانت، هانت أوي.." تمتمت لنفسها ثم تركت الطعام هي الأخرى بعد أن انعدمت شهيتها.



❈-❈-❈


"مالك يا بدر فيه ايه يا حبيبي؟ شايفاك متضايق اليومين دول، فيه حاجة مضايقاك؟" تحدثت له نجوى في لين وهدوء وسألته ونظرت له ملياً تتفحصه بإهتمام وهي منتظرة اجابته

"مفيش يا أمي.. أنا تمام"

"طب مش عيب، لما تيجي تخبي على حد متنساش إن هو اللي مربيك.. أحكيلي بقا يا سيدي مضايق ليه من نور؟" سألته ليعقد حاجباه وتسائل بداخله كيف عرفت

"لا مش متضـ
.."

"بلاش تكدب عليا أنا.. احكيلي وفهمني فيه ايه!" قاطعته ليزفر هو

"أنا مش مطمنلها.. فيها حاجة مش طبيعية، مش قابل دخولها وسطنا كده"

"طيب بنت مكانها تعمل ايه؟ اديك شايف جوز امها، شكله راجـ.ـل نصاب وطماع"

"يا أمي بس مينـ.."

"اديها فُرصة تانية يا بدر، احنا اللي بنعمله معاها ده لوجه الله، عمر ما ربنا هيضيع حاجة كده لوجه الله من غير ثواب، حتى لو هي انسانة مش كويسة ربنا هيكشفهالنا" نظرت له وابتسمت بعذوبة ثم ربتت على كتفه

"حاول يا بدر عشان خاطري، أنا فاهمه انك خايف علينا دايما وبتحبنا وخايف اي حاجة وحشة تحصلنا، وأنا أوعدك لو اي حاجة ثبتت إن البنت دي مش تمام أنا بنفسي مش هاسكت"

"حاضر يا أمي.. بعد اذنك عشان امشي"

"روح يا حبيبي.. ربنا يوفقك" نظرت له بينما يغادر لتتمتم في حرقة هامسة "امتى يا بدر هاحس انك انسان طبيعي؟ لا وأنت صغير ولا وأنت كبير.. ربنا يريح بالك يا ابني ويسعدك"



❈-❈-❈


"شاهي معلش.. أنتي عارفة أخوكي كويس.. أنا بس عايزة أخلص من كرهه ليا، يمكن موضوع شغلي معاه ده يخلصني شوية من عصبيته، وكلها شهر ورنا ترجع"

"بس كنتي ت عـ.ـر.فيني، متسبنيش كده زي الأطرش في الزفة"

"معلش حقك عليا.. أنا مش متظبطه من امبـ.ـارح، رجليا اتلوت وبعدين قعدت اشتغل كتير مع Mr بدر ولما رجعت حسيت إن ماما وحشاني.." تريثت للحظة لتنظر لها شاهندة في آسى "وحـ.ـشـ.ـتني اوي يا شاهي.. نفسي اروح ازورها" تساقطت دمـ.ـو.عها لتحتضنها شاهي وربتت على ظهرها في ود وحنان

"ربنا يرحمها.. ادعيلها يا نور"

"كان نفسي احـ.ـضـ.ـنها قبل ما تمشي.. كان نفسي اخر يوم معاها يبقا يوم مختلف وافضل معاها طول اليوم.. ليه معرفتش اللي هيحصل، ليه كده تمشي وتسبني فجأة واحدة" نحبت وتعالى صوت بُكائها لتستمر شاهندة في معانقتها والربت على ظهرها لتحاول أن تهدئها.

استمع بدر الدين لكل ما قالته وجزء منه قد شعر بالشفقة لأجلها ونحيبها عاد ليقـ.ـتـ.ـله داخلياً، ولكن لم يظهر ذلك على ملامحه وعقدة حاجباه ثم ابتلع وتوجه نحوهما وهو يُذكر نفسه أنها مخادعة تحاول خداع الجميع، تارة تتظاهر بالمرض، وتارة تتحدث بكلمـ.ـا.ت معسولة وتدعي الحزن، وتارة تتلصص في جنح الليل بمصاحبتها لكريم.. لن يخدع أبدا بمثل تلك الألاعيب التافهة!

"يالا عشان منتأخرش" صاح لها لتبتعد عن شاهندة التي نظرت لبدر الدين في لوم "اعملي حسابك هتروحي وتيجي معايا" املى كلمـ.ـا.ته عليها لتندهش شاهندة التي اختارت ألا تتحدث له لأنها لازالت غاضبة منه أما نورسين فقد سكتت عن الكلام وأومأت بالموافقة ليتعجب بداخله وأخذ يُفكر أي خطة تُحيكها الآن بعقلها.

دلفا السيارة وشرع بدر الدين في القيادة وجو الصمت يخيم عليهما معاً لا يتخلله سوى أنفاسهما ليكسره بدر الدين في النهاية بسؤاله إليها

"كنتي بتعيطي ليه؟" نظرت له بطرف عيناها الزرقاوتان لتنهمر دمـ.ـو.عها وهي تجيب

"ماما وحـ.ـشـ.ـتني اوي.. كان نفسي تكون معايا.. كان زمان كل حاجة أحسن"

"ربنا يرحمها" اخبرها بإقتضاب ولعن داخل نفسه على بكائها هذا الذي يُحدث عاصفة داخله ثم أخذ يقود السيارة في صمت حتى دلفا المرأب ومنها للمصعد.



❈-❈-❈


"مبحبش الكلام الكتير والفركشة والهرجلة، النظام عندي مهم جداً والنضافة، أنتي مسئولة تتابعي ده مع المسئوليين عن المكتب.. مواعيدي كل يوم تتبعتلي الساعة خمسة ونص الصبح وهبقى اجيبلك كومبيوتر في اوضتك، أي مكالمة تجيلي بيتبعتلي بيها email أول بأول بكل الـ Data (معلومـ.ـا.ت) بتاعت اللي اتصل ورقمه عشان لو عايز أكلمه تاني.. القرارات أنا اللي باخدها يعني مفيش حاجة تعمليها غير لما ترجعيلي.. لأي سبب كان استحالة تسيبي المكتب وتمشي أو آجي مالاقيكيش، ساعات هتحضري معايا Meetings (اجتماعات) برا، وقليل لما هنسافر إذا كان فيه حاجة تستدعي حضورك هتيجي معايا.. الحجوزات أنتي اللي بتعمليها بعد ما اديكي (confirmation) على المعاد المناسب ليا..

فيه list (قائمة) فواتير هبعتهالك بتدفع كل يوم 1 في الشهر.. وفيه Visa تلاقيها في مكتب رنا، دي بتكون لأي حاجة أطلبها وكل يوم 30 في الشهر بتوريني كشف مصروفات باللي أنتي عملتيه، ده غير طبعاً إنك مسئولة عن كل الأوراق والملفات اللي بستخدمها وترتيبها.. فيه حاجات هبعتهالك ببقا عايزك تدوري عليها وتجبيلي عنها معلومـ.ـا.ت وتبعتيهالي منظمة في Email .. الغدا كل يوم الساعة اتنين ونص بالدقيقة يكون قدامي، القهوة الساعة تسعة وواحدة ونص وأربعة، قهوتي سادة.. شغلك معايا ممكن يستمر لبعد الساعة خمسة وده بيكون على حسب كل يوم تيجي ت عـ.ـر.فيني أو تكلميني قبل ما تمشي، موبايلك دايماً معاكي لأنك هتشتغلي في الشركة وبرا كمان..

ساعات بيكون فيه Personal tasks (مهام شخصية) ليا هتخلصيهالي.. أول شهر ملكيش اجازات خالص.. الـ breaks (مواعيد الراحة) بتاعتك ساعة، نص ساعة من 11 ونص لـ 12 ونص ساعة من 2 ونص لغاية 3.. والرسمية اهم حاجة عندي.. وكل اللي قولتهولك ده حاجة والسرية عندي حاجة تانية، اي حاجة بتحصل في مكتبي أو أي حاجة بكلفك بيها متطلعش برا حتى لو قولتلك صباح الخير.. مفهوم؟!"

أخذ يملي عليها واجباتها ومسئولياتها وهي تكتب أمامها في مُذكرتها وبعد أن توقف شعرت هي الإنزعاج وتمتمت في خفوت كي لا يستمع

"أنا قولت ملك الكون!!" همست في سخرية وهي تتلقى كل تلك الأوامر دفعة واحدة ليعقد هو حاجباه في تعجب محاولا أن يتبين ما همست به

"بتقولي حاجة؟!"

"مفهوم يا Mr بدر" نظرت له بتلك الزرقاوتان وهي تتصنع الجدية لينظر لها في غضب مضيقاً عيناه ثم أشار لها لتخرج ففعلت بسرعة وتوجهت لمكتب رنا الذي سيصبح مكتبها من اليوم.

"ده ايه الشغل المعفن ده.. ناقص يقولي قبل ما تدخلي الحمام تستأذني مني.. وايه قهوته وأكله دول اللي انا المفروض مسئولة عنهم؟ كنت خلفته ونسيته أنا؟! يارب اليومين دول يعدوا على خير ومن غير مشاكل" تمتمت ثم بدأت في اشعال الحاسوب الموضوع على المكتب ونقلت كل ما أملاه عليها ثم فتحت موبايلها وآخذت تضع كل تلك المواعيد التي أخبرها عنها كمنبهات حتى لا تنسى ثم توجهت لتكتشف مكتب رنا وما يحتويه من أوراق وملفات حتى لا يسألها عن شيء وتكون على عدم معرفة به.

آخذ يراقب ما تفعله خلال الكاميرات الموصولة بمكتبها وهو غارق في تفكيره بتلك الفتاة التي استحوذت على عقل الجميع وهو لا يدري كيف سيكشف خطتها وعلاقتها هي وكريم أمام الجميع. ولكنه لم يلاحظ أنها استحوذت على عقله هو الآخر!

أقسم بداخله أنه لن ينخدع بهذا الوجه البريء وتلك الدمـ.ـو.ع المُزيفة وسيبرهن لعائلته أنها مجرد محتالة صغيرة لا تريد سوى الأموال السريعة التي ظنت أنها ستملكها بمجرد معرفتها بزياد.


❈-❈-❈


رن هاتفها مُعلناً عن اقتراب موعد قهوته ولم تصدق أن الساعة أقتربت من الواحدة والنصف فتوجهت لتصنع له القهوة بملحق صغير بمكتبها يحتوي على كل ما تحتاجه لصنعها فصنعت له قهوته ثم طرقت الباب لتسمع صوته صادحاً بالسماح لها بالدخول ففعلت ووضعت القهوة على مكتبه وكادت أن تخرج ولكن أوقفها صوته

"هبعتلك كل حساباتي في البنوك، عايز أعرف كل حساب فيه قد ايه، عندك أسامي الموظفين والمعلومـ.ـا.ت اللي هتحتاجيها في مكتب رنا.. ت عـ.ـر.في اللي أنا عايزه بسرعة والحاجات دي تخلص قبل الغدا وتتبعتلي في ايميل" التفت لتومأ له في تفهم

"حاضر، حضرتك محتاج حاجة تانية؟" سألته ليومأ لها بالنفي فخرجت وهو بداخله يبتسم وسينتظر أن يرى كيف سيكون رد فعلها بعد أن ترى كل تلك الأموال.

ظل يراقبها ولكنه لم يرى شيء يثير ريبته، وما أدهشه حقاً هو إرسالها لكل ما طلبه منها في خلال نصف ساعة، لاحظ حيوتها وطريقة عملها المتسمة بالنشاط والإلتزام ليتعجب من كل ما تفعله ولكنه صمم ألا ينخدع بكل ذلك..

أعدت له غداءه بعد أن طلبته ثم نظمته على صينية وطرقت الباب في تمام الثانية والنصف لتدخله إليه ثم أقتربت لتضعه على مكتبه بينما أشار لها أن تضعه أمام الأريكة ففعلت ثم توجهت للخارج دون أي كلام.

جذب طعامه ووضعه على المكتب بنفسه لينظر بحاسوبه الذي يعكي كاميرات المراقبة وتوجه ليراقب ماذا ستفعل في وقت الراحة الخاص بها ليجدها تدلك عنقها في تعب ثم سندت يدها على مكتبها وأراحت رأسها عليه لتبدو مُرهقة وتعجب أنها لم تتناول شيء طوال اليوم بل هي حتى لم تترك المكتب ولم تتحرك ليزداد تعجبه من كل ما تفعله تلك الفتاة. وجد بابها يُفتح ويدخل زياد لترفع هي رأسها وبدأت معه بحوار فأخذ يراقبهما ليرى ما الذي ستفعله مع أخيه..

"ايه.. فجأة كده أعرف إنك بقيتي مع بدر وسيبتي شاهي؟"

"زيزو.. عامل ايه؟" ابتسمت له بإقتضاب

"أنا تمام.. نفسي أخرج اوي واغير جو.. تيجي نخرج النهاردة بليل؟"

"مش عارفة أخوك هيديني شغل تاني ولا لأ.. سيبها بظروفها، لو خلصت بدري ممكن نخرج" اجابته بينما صدح هاتفها بالرنين ولكنها أطفأته ووضعته جانباً

"يااه.. بقيتي سكرتيرة بدر الدين أوي في نفسك كده من أول يوم.. بس بردو أنتي مش عجباني بقالك كام يوم، أنتي كويسة يا نور؟" سألها وهو ينظر لزرقة عيناها لتهز رأسها

"أنا تمام.. متقلقش عليا"

"طيب تيجي نروح ناكل اي حاجة في التلت ساعة اللي باقيالك دي؟"

"لا أنا تمام.. مليش نفس" أجابته بعد أن تعجبت أنه يعرف مواعيد راحتها "أنت عرفت منين ان باقيلي تلت ساعة؟"

"الشركة كلها تعرف.. ده نظام بدر من زمان" اجابها بإبتسامة لتومأ له

"حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي يا نور" أخبرها ثم بجرأة مد يده ليزيح خصلاتها الحريرية خلف أذنها لتبتعد هي عنه

"ايه يا زياد فيه ايه.. لو سمحت متعملش كده تاني" صاحت بإنفعال بينما بدر الدين تآكله الغضب مما يفعلاه وقطب زياد جبينه

"عادي يعني أنا مقصدش حاجة، وبعدين شكلك كده بيكون أحلى"

"لو سمحت بقولك متعملش كده تاني!!" صاحت في عصبية ثم نهضت وولته ظهرها وكاد بدر الدين أن ينهض ويصب غضبه عليهما ولكن دخلت شاهندة مكتبها بإبتسامتها البشوشة دائماً

"حشـ.ـتـ.ـيني و  يا نور هانم" أخبرتها لتلتفت لها نور مبتسمة

"وأنتي أكتر"

"خلاص عاجبك الشغل مع بدر وهـ.."

"أول ما رنا ترجع هرجعلك أنا كمان متقلقيش" قاطعتها بإبتسامة

"ماشي أما نشوف.. صحيح فيه فيلم هموت وأشوفه وحمزة مش فاضي، تيجي نروح نتفرج عليه سوا بليل؟"

"لا أنا حاجز قبل منك.. لو خلصت قالت هتخرج معايا أنا" صاح زياد ليخلل بدر الدين شعره غاضبا من تجمعهم وأغلق حاسوبه وتوجه للخارج

"ايه الدوشة دي.. اتفضلوا كل واحد على مكتبه.. وأنتي تعالي عايزك" صاح بالجميع ليبتلع زياد ثم توجه للخارج بينما نظرت له شاهندة في غضب وعتاب شـ.ـديد وتوجهت هي الأخرى للخارج بينما فعلت نورسين ما آمر به.

"هو ده النظام اللي قولتلك عليه؟!" صاح بها لتنظر له في آسى

"أنا آسفة" همست ليعقد حاجباه فذلك لم يتوقعه منها، لقد توقع أن تصرخ به، أن تخبره بأن الصوت لم يكن عالياً، أنها في وقت راحتها ولكن أن تعتذر!! حسناً لقد فاقت توقعاته..

"شيلي الأكل ده واندهي حد يجي ينضف" آمرها ثم وضع يداه بجيبي بنطاله

"حاضر" توجهت تحت عيناه الثاقبتان لتنحني ثم حملت الصينية وخرجت ثم فعلت ما آمرها به واستدعت مختصي النظافة ثم جلست على مكتبها وأكملت عملها.



❈-❈-❈


مرت ثلاثة أسابيع على هذا الوضع، هو يراقبها ويتعجب لأنها لم تثير قلقه بأي شيء، لا يراها مع كريم أبداً، تصد زياد بكل مرة يحاول أن يتقرب منها، لا تتحدث سوى لشاهندة ولا تقوم بأية نشاطات إلا معها هي فقط، كاد عقله أن يُجن من كل تلك التصرفات، لقد ظن بالبداية أنها مُستغلة وتبحث عن الثراء السريع لتُثبت له كل يوم أنها ليست كذلك.

أثقل كاهلها بكثرة الأعمال لأوقات متأخرة وحتى أيام أجازتها ولم تبدي هي أي أعتراض يُذكر، يتذكر كلما عادا متأخران وغفت أحياناً بالسيارة لكثرة ارهاقها ولكنها لم تشتكِ أبداً من أي شيء..

لقد رآى كريم أكثر من مرة يهاتفها وينظر لها تلك النظرات المُريبة ولكنها لا تستجيب لأي مما يفعله، حتى عنـ.ـد.ما يذهب لغرفتها دائماً ما تكون موصدة بينما رآى انفعال كريم الذي يزداد مرة مع مرة ليزداد غضب بدر الدين من كل ذلك..

لا يعرف ماذا يفعل! لا يعرف كيف يُفكر! لابد من أن خلفها شيئاً ما! لابد أنها تُخفي كل شيء ببراعة تامة حتى لا يلاحظه، سيعرف عاجلاً أم آجلاً..

كره تحكمها الدائم به وهو الذي تعود السيطرة على كل شيء، يجد نفسه دائماً يحدق بها وبتفاصيلها رغماً عنه، لن يُنكر أنها تثيره بل وبشـ.ـدة، كلما اشتد عليه ما تفعله يذهب لمنزله حتى يُفرغ ذلك الإحساس بأن يتملك إمرأة ما ويمارس عليه ساديته وأبشع طرق التعذيب حتى يشعر بالكفاء ثم يعاود أدراجه لمنزل عائلته مرة أخرى.. ولكنه سأم كل هذا ولم يعد يحتمل.

"بدر.. يالا بسرعة.. هديل بتولد في المستشفى ولازم كلنا نكون معاها" قاطع شروده دخول شاهندة عليه بهرجلة ليوقفها قبل أن تغادر

"شاهي.. أنتي لسه زعلانة مني؟!"

"مش وقته يا بدر" نظرت له في عتاب "نشوف البطيخة دي هتجيبلنا ايه وبعدين نبقا نشوف أنا زعلانة منك ولا لأ!" أخبرته لترتسم على شفتاه ابتسامة بسيطة

"طيب روحي يالا وأنا هحصلكوا" أخبرها لتومأ له

"متتأخرش بس"

توجه لدولاب ملابسه وأخرج زياً غير رسمي ليرتديه متعجلاً ثم أمسك بمفاتيح سيارته وتوجه للأسفل حتى يلحق بالجميع ولكن المنزل بدا خالياً تماماً خاصة أن الساعة تعدت الثانية عشرة صباحاً.

أخذ يُكمل طريقه وخرج من المنزل لينسى أن هاتفه كان بغرفة المكتب منذ أن أنهى أعماله فتوجه إلي هناك حتى يأخذه فدلف بهدوء ودون أن يشعل الأنوار أقترب من المكتب ليبحث عن هاتفه ولكنه سمع أصواتاً تصدر من الحديقة فتوجه إلي هناك على الفور

"... برضو.. هتقولي كده تاني..أنتي ليه مش عايزة تقدري إنك عايزك وبحبك.. أنا مبقتش بحب هديل، زهقت منها ومن حياتي معاها، إنسانة استغلالية وطماعة، أنا بحبك أنتي يا نور، كفاية بُعد عني.." شعر بالصدمة عنـ.ـد.ما سمع ذلك

"يبقا تسيبها، تسيبها وتبعد عنها، متفضلش معاها وتظلمها.. كل اللي بتقوله أصلاً مش مبرر إنك بتحب حد.. مينفعـ.." توقفت من تلقاء نفسها عنـ.ـد.ما رآت بدر الدين يحدق بعينيها بنظرة مرعـ.ـبة جعلتها ترتجف وأقشعر جسدها بأكمله وتعالت نبضات قلبها وابتلعت بخوف تام!
سحق أسنانه وهو ينظر بعينيها الزرقاويتين بينما لاحظ كريم توقفها المفاجئ عن الكلام ليترك يدها ثم التفت ليجد بدر الدين يباغته بلكمه موقعاً اياه أرضاً..

"ببدر.. متفهمش غلط.. أنـ.. أنا" تحدث كريم متلعثماً وهو مرتمي بجسده على الأرض

"إخرس واخفى بسرعة وعلله مالقيكش جنب مراتك في المستشفى يا وسـ.ـخ.. وأنتي بقا! جنيتي على نفسك"

قاطعه بدر الدين ليفر كريم هاربا بسرعة ليجذب بدر الدين يد نورسين وهو في قمة غضبه وتوجه لسيارته ليلقيها بها دافعاً اياها بالكرسي الأمامي ثم توجه لكرسي السائق وانطلق ليقود مُسرعاً بعصبية.

"أرجوك متفهمش غلط ده كريم هو اللـ.." صاحت في خوف ليقاطعها بصفعة قوية لتندهش هي ثم سمعت زئير مكابح سيارته التي أوقفها فجأة

"أنتي واحدة قذرة.. مش عايز اسمعلك صوت.." صاح بها بين أسنانه الملتحمة غضباً لتنظر له هي بزرقاويتين مصدومتان

"فكراني نايم على وداني ولا طيب وغلبان زي أمي وأختي؟ لا يا هانم أنا شايف وساختك من أول يوم، عارف إنك شايفة زياد عيل وصغير ففكرتي توقعي كريم عشان يتجوزك لأنك أصلاً كـ.ـلـ.ـبة فلوس.. أنا عارف كل حاجة من بدري وشايفها كويس بس كنت مستني أواجهك، نسيتي اللي حذرتك منه، نسيتي إن بدر الدين الخولي حذرك بنفسه منه بس إنتي لعبتي لعبة مش قدها، أنا اديتك فرصة قولت يمكن أختى وأمي عندهم حق، إنما أنتي أقذر واحدة شوفتها في حياتي.. أنا بقا هرميكي زي ما دخلتي ما بيننا.. هوريكي يعني ايه تلعبي معايا!! فكرك أهلي هسيبهم لبت صغيرة زيك تلعب بيهم الكورة؟ ولا فاكرة هسيبك تدمري حياة أختي اللي عندها خمس ولاد؟ ده بعدك!!"

صرخ بها ثم أكمل طريقه بسرعة جنونية لتتهاوى دمـ.ـو.ع نورسين في صمت وهي لا تصدق كل ما حدث ولا تدري كيف ستُقنع متصلب الرأس هذا بحقيقة الأمر.

لقد كانت خائفة مما قد يفعله كريم هو ويُسري، إنما أن يكتشف بدر الدين بنفسه ويصدق أن يجمعهما شيئاً، هذا لم يخطر على بالها من قبل، والأسوأ أنه لم يعرف الحقيقة بأكملها، لابد وأنه أستمع لجزء من حديثهما فقط، ماذا ستفعل الآن وخاصةً أنه لن يتقبل أن يستمع لها أبداً؟!

أوقف السيارة بعنف مجدداً ثم نظر لها بإحتقار وكراهية شـ.ـديدة وتحدث والتمعت ثاقبتاه السودوتان ببريق مخيف ثم تحدث إليها في تقزز

"لمي نفسك وإياكي تحسسي حد بحاجة لغاية ما الليلة دي تعدي على خير.. سمعاني يا قذرة" صرخ بها بغضب لتومأ هي له دون أن تنظر إليه ليترك السيارة ويغادرها وفعلت هي على الفور لتتبعه في صمت وهي تجفف دمـ.ـو.عها.

دلفا الغرفة على هديل لتقع عينا بدر الدين الثاقبتان على كريم الذي جلس بجانبها وبمنتهى الحقارة يبتسم لها ويحمل طفلتهم الصغيرة بينما امتلئت الغرفة حولهما بإبتسامة الجميع والنظر لتلك الصغيرة

"بدر.. عقبالك يا حبيبي" همست هديل بإرهاق بينما نظرت إليه بإبتسامة "تعالى شوف زينة" اومأت له ثم قدمتها إليه ليبتسم بإقتضاب وتوجه نحوها

"حمد الله على سلامتك يا هديل"

"الله يسلمك.. شوفت كريم جابلي ايه؟" أشارت بإصبعها الذي التف حوله خاتماً مرصعاً بالألماس ليومأ لها بدر الدين ولمح كريم بنظرة مُسرعة

"يعيش ويجبلك يا حبيبتي" أجاب بإقتضاب وتصنع الهدوء وهو بداخله بركان ثائر وصل أشـ.ـد درجات غليانه لتتحدث نجوى بإبتسامة

"يا سيدي على الحب.. طول النهار ناقر ونقير.. إنما فجأة كده بتقلبوا"

"ربنا ما يحرمكم من بعض أبداً ويخليكوا لبعض" تحدثت شاهندة بإبتسامة بينما توجهت لتحمل تلك الصغيرة وتوجهت نحو نورسين التي وقفت بركن بالغرفة وهي تتحامل على نفسها أن تبدو طبيعية غير متأثرة بما تفكر به

"عقبالك يا نور يا حبيبتي.." تقدمت نحوها لتحمل زينة لينظر لها بدر الدين وهي تحملها عاقداً حاجباه لتلاحظ نظرته إليها وتقابلت عيناها بعينيه الثاقبتان لثوانٍ ثم أرغمت نفسها على الإبتسام في محاولة للتخلص من ارتباكها ونظرت للصغيرة..

"أنا بقا ماليش فيه.. تخلصي جامعتك وتجبيلي نونو صُغير يقولي يا تيتا.. مستنياكي بقا تسمعيني الكلمة دي" صاحت شاهندة لها بإبتسامة لتقابلها بإبتسامة مُجبرة مجدداً ثم أعطتها الصغيرة

"مبروك يا هديل.. تتربى في عزك إن شاء الله"

"عزي وعز باباها الحلو ده اللي هيجنني" اخبرتها هديل وهي تتلمس وجه كريم مبتسمة له

"طب راعوا يا جماعة إن معاكم سناجل في الأوضة مش كده" صاح زياد ليضحك الجميع "مش كده ولا ايه يا نور؟" نظر لها بعد أن سألها ولاحظ أخيه بدر الدين نظراته لها ليغضب أكثر.

"هه.. نعم؟!" لم تستمع لما قاله ليتدخل بدر الدين

"طيب يا جماعة أنا لازم أمشي عشان عندي سفر كمان شوية" تحدث بنبرته الرخيمة لتتعجب والدته

"ايه ده.. ازاي هتسافر والسبوع خلاص كمان كام يوم.. أنت مسافر فين أصلاً وراجع امتى؟!"

"متقلقيش يا أمي، هرجع يومها، كام يوم في لندن هخلص واجي على طول"

"طيب يا حبيبي تروح وتيجي بالسلامة" ابتسمت له نجوى في حب

"يالا.." نظر بدر الدين لنورسين التي أومأت له بإقتضاب لتندهش شاهندة

"ايه ده انتي مسافرة معاه؟
!"

"ايوة.. فيه اجتماعات كتيرة وعايزها معايا" اجاب بدر بدلاً منها لتبتلع نورسين في وجل مما سمعته لتوها وبداخلها ازداد الرعـ.ـب مما قد يفعله بها.

"يووه يا بدر.. حبكت يعني وأنا محتجاها معايا في تحضيرات السبوع؟!" اخبرته بسأم ليزفر بدر الدين في غضب وصر أسنانه

"خلاص خلاص متتعصبش.. أهم حاجة تيجوا يوم السبوع.. ثواني يا نور تعالي عاوزاكي" تكلمت ثم جذبت يد نورسين لتتبعها للخارج بينما تابعهما بدر الدين بعينيه فهو لن يسمح لها بأن تغيب عن نظره خاصة بعد أن أكتشف فعلتها الشنيعة

"حبيبتي أنا عارفة إن مصاريف كليتك ممكن ندفعها الأسبوع ده.. عايزة أسمك بالكامل ابعتيهولي في رسالة ورقم بطاقتك كمان عشان أروح أخلص ولما ترجعي تلاقي كل حاجة تمام.."

"مالوش لزوم أنا هابقـ.."

"لا ازاي.. اعملي بس اللي قولتلك عليه وبالمرة عشان اجيبلك الكتب" قاطعتها لتومأ لها ولم تستطع أن تفعل أكثر من ذلك.

"مش يالا ولا ايه!" صاح بدر الدين في عصبية

"خلاص بقا الدنيا مش هتطير" اخبرتها شاهندة بعد أن نظرت نحو أخيها في انزعاج ثم احتضنت نورسين لتودعها ورغماً عنها تهاوت دمـ.ـو.عها من ذلك المصير المجهول الذي ينتظرها فهي ترتعد بداخلها مما قاله وأدركت انها ستكون معه بمفردها ربما لأيام!

"يا بنتي متقلقيش.. هما كام يوم وهنشوف بعض تاني" أخبرتها شاهندة التي ظنت أنها تبكي لفراقها ولكن لم تعرف الحقيقة لتومأ نورسين بينما تهكم بدر الدين بداخله "كلميني لو احتاجتي حاجة وبطلي عـ.ـيا.ط" أومأت لها نورسين مرة أخرى "باي يا حبيبتي"

"باي" همست مودعة اياها ثم تبعت بدر الدين في صمت وهي لا تدري ماذا سيفعل بها.


❈-❈-❈



فتح باب الجناح الذي وقع بأحدى الفنادق في المدن الساحلية بآخر دور ليلقيها أرضاً لتلاحظ هي هذا الأثاث العملاق الغريب الذي يبدو وكأنه خرج للتو من أحد القصور وتهاوت دمـ.ـو.عها في حسرة ورعـ.ـب من كل ما يفعله؛ هو بالطبع لم يخبرها بأن هناك سفر من الأساس، لربما فعل كل ذلك لأجل ما رآه وليس هناك داعياً للسفر، لماذا يريد أن ينفرد بها وحدها؟! رواية بقلم : بتول طه

تذكرت آلم فكها بسبب صفعته الثانية بالسيارة عنـ.ـد.ما حاولت أن تسأله إلي أين هو ذاهب!! تعلم جيداً أن الحرف الزائد معه الآن بمثابة مقابلة الموت فتابعته بعينيها ليجلس على أحدى الكراسي بمنتهى الغضب ثم تناول هاتفه ليتصل برقمٍ ما

"كريم الدمنهوري.. علمهولي الأدب كويس.. بس متكسرلوش حاجة.. عايز وشه متبهدل!" أنهى مكالمته بعدما القى بتلك الأوامر ثم نظر لنورسين التي تكورت على الأرض في وهن ونظرت هي للأرضية ودمـ.ـو.عها لا تتوقف ليجد نفسه بتلقائية يجذبها من شعرها ليجبرها أن تنظر له

"إنتي بقى هاخد منك حق كل اللي عملتيه في أهلي الكام يوم إللي فاتوا دول.. رايحة تضحكي على أختي وأمي وتستغليهم!!" تحدث لها في هدوء مُخيف وهي تشعر بشعر رأسها يُقـ.ـتـ.ـلع بسبب يده التي تجذب شعرها ثم أومأت بالإنكار وتعالت شهقاتها من البكاء الذي سيطر عليها دون أن تشعر

"ده أنا هفرجك وبعدين هرميكي في الشارع زي ما انتي كده" أومأ لجسدها بعد أن نظر لها بإحتقار ثم ابتسم نصف ابتسامة لترتعد من ملامحه التي بدت غريبة للغاية وبدأت في الإرتجاف لا إرادياً من مظهره المرعـ.ـب لتخرج الكلمـ.ـا.ت من فمها تلقائياً

"أنا معملتش حـ.."

"اخرسي" صفعها مجدداً لتشعر بمذاق الدماء في فمها وحالة من الهلع سيطرت عليها "مش عايز اسمعك بتنطقي بحرف.." دفع يده الممسكة بشعرها لترتطم رأسها بالجدار خلفها لتبكي مجدداً وازدادت رجفة جسدها رعـ.ـباً ليلقي عليها نظرة أخيرة بإحتقار مرة ثانية ثم تركها وتوجه للغرفة بالداخل وصفع الباب خلفه.



❈-❈-❈


فاقت على رائحة دخان غريبة لتفتح عيناها لترى أنها لازالت على جلستها وبدر الدين جالساً أمامها مباعداً بين ساقيه وظهره مفرود بعناية يدخن ولا يرتدي غير بنطال جينز ولا شيء غير ذلك.

نظرته القاتمة المُسلطة عليها بهذه الطريقة تبعث الرعـ.ـب بنفسها، لم تستطع إطالة النظر له وخفضت عيناها للأرضية لتعصف العديد من التخيلات برأسها، ماذا سيفعل بها؟ هل ستعود معه؟ هل سيتركها فقط لتذهب لزوج والدتها؟

أقترب منها ليقف أمامها بقدماه الحافيتان ثم هبط بجسده ليجذبها من شعرها بعنف لتصرخ متآوهة

"كريم يوم ما كان نازل عندك من الأوضة بليل كان بيعمل معاكي ايه؟" همس سائلاً بصوت أخافها للغاية

"كريم ده قذر.. أنا مـ.."

"إجابتك تكون على قد السؤال" تحدث بهدوء ليصفعها وتنساب الدماء بجانب شفتها أثر صفعته القوية "كان بيعمل معاكي ايه؟"

"كان بيهددني" همست مجيبة بين دمـ.ـو.عها التي تواترت دون توقف وهي تسابق شهقات بكاءها

"بصيلي" آمرها فتريثت قليلاً خوفاً من أن تنظر لعيناه المرعـ.ـبتان فأزاد من حدة قبضته الممتلئة بشعرها حتى تآوهت لما فعله ونظرت له فالآلم قد فاق تحملها

"كان بيهددك بإيه؟"

"عايز يتجوزني غصب عني وأنا رفضت" همست في آلم لتجده يضحك ويقهقه عالياً لتعتريها الغرابة مما يفعله وتصلب جسدها وهي تنظر إليه بخوف صرخت به مقلتيها الزرقاء ثم نهض وهو لا يزال جاذباً اياها من شعر رأسها لتحبو أرضاً لمواكبة خطواته السريعة ودلف الغرفة ثم جذب شعرها عالياً ليجبرها على النهوض وتوقف خلفها أمام المرآة يتفحص وجهها المتورم من آثار صفعاته والدماء المنسابة أسفل شفتها ليشعر بنشوة غريبة لم يشعر بها منذ سنوات، فهو لا يعذبها لأنها عاهرة أو تحب الآلم أو من أجل مال ستتقاضاه بعد أن تتعذب بجلسة سادية، بل لأنها تستحق هذا العذاب، لانها أخطأت بحق عائلته وتستحق كل ما سيفعله بها.

"بصي.. شايفة منظرك عامل ازاي وانتي متبهدلة؟ ده مش هيجي ذرة من اللي هاعمله فيكي قدام.. بس يعدي الأسبوع الجاي على خير" همس بجانب أذنها لترتجف من كلمـ.ـا.ته وتركها ثم أخذ خطوات بطيئة وهو يدور حولها مثل الأسد الجائع يفترسها بنظراته القاتمة المظلمة

"فكراني يا بت هصدق الهبل ده.. قال كان بيغصبك قال! فاكراني شاهندة ولا ايه؟"

"والله العظـ.. "

"تؤ تؤ تؤ.. لا لا.. انسي الحلفان ده خالص لأنه ميطلعش من واحدة قذرة زيك ولا لايق على اللسان الزبـ.ـا.لة ده.. وفوقيلي كده وجاوبي عليا!" قاطعها متهكماً وهو يبتسم لها بسخرية وأخذ يمسح على شفتاه بإبهامه وسبابته في تفكير بما سيقول

"نمتي معاه كام مرة؟" انعقد لسانها مما أخبرها به وحلقت عيناها في صدمة مما وقع على مسامعها وتقابلت عيناها المصدومتان بعينيه المرعـ.ـبتان ليصفعها بقوة شـ.ـديدة لتسقط أرضاً "انطقي يا بت" صرخ آمراً لتجهش هي في بكاء هستيري لينهال عليها بالصفعات "كام مرة؟"

صرخ سائلاً مرة أخرى بينما هي لا تستطيع التوقف عن البكاء وشهقاتها المتلاحقة لا تدع مجالاً لتنفسها حتى وبالطبع الكلام، ولا زالت لا تستطع تصديق ما يقوله لتقع في حالة من الهلع الهائل

"بقا مش هتردي.. ماشي.. أنا هدفعك تمن اللي عملتيه غالي.. وغالي اوي.. لدرجة أنك تتمني الموت ومتلاقيهوش!"

جذبها من شعرها أمام دولاب الملابس ثم جلس هابطاً على ساقاه ثم دنا منها وهو يستطيع رؤية جسدها يرتجف بشـ.ـدة لتلمع عيناه في شر خالص وكراهية شـ.ـديدة لتلك الفتاة أمامه ولوهلة تناسى تماماً تلك المشاعر التي سيطرت عليه طوال الفترة الماضية تجاهها ولم يكترث لبكائها ونحيبها وشهقاتها المتواصة وتذكر ذلك الرجل الذي لم يعد يظهر كثيراً بالآونة الأخيرة، تذكر كيف كان بدر الدين الخولي، الرجل الذي يعذب النساء فقط ليرى آلامهن، لا يعاشرهن، لا يريد منهن شيئاً سوى رؤية خوفهن وأجسادهن المتضررة ليس إلا.

"عارفة يا بت" همس لها بنبرة مهيبة وإبتسامة مرعـ.ـبة "أنا حاجز آخر أربع ادوار، وعارفة احنا فين؟!" نظر لها لتنظر له هي الأخرى برعـ.ـب "احنا في الدور الأخير.. قولتلهم ميبعتوش الـ Room Service (خدمة الغرف) وإني مش عايز إزعاج.. يعني لو صوتي من هنا لسنة جاية ولا حد هيسمعك.. عايزك بقا تتعلمي من اللي هيحصلك ده كويس اوي، وتفتكري إني لما أسألك على حاجة تاني تجاوبي عليا بصراحة!"

نظر لها نظرة أخيرة ثم فتح درفة الدولاب ليجذبها من شعرها رغماً عنها ويضعها بداخل الدولاب ويوصد عليها الدرفة بالمفتاح.

جعل الغرفة كلها مظلمة ثم أغلق النور وتوجه للخارج بمنتهى الهدوء وأوصد الباب كذلك ليمنع أي هواء قد يتسلل بالغرفة، وكأنما ذهب غضبه بعيداً، استعاد سيطرته مجدداً على نفسه بعد كل ما فعله معها وكأن ما يفعله بتلك الطريقة يُمثل له مُسكناً وعلاج لغضبه اللعين!

جلس على احدى الكراسي ليتناول هاتفه ثم اتصل بنفس الشخص الذي اتصل به منذ مدة ليتابع ما تم تنفيذه مع كريم وبدأت ملامحه في التحول تماماً ولم يعد ذاك الرجل الجذاب الرسمي بكل شيء، ربما من نظر له الآن سيظنه قـ.ـا.تل متسلسل ما أو رئيس لإحدى عصابات المافيا الشهيرة.

"نفذت اللي قولتلك عليه؟.. تمام، خليه يبص في المراية واديهوني!!" ابتسم بتشفي وراحة عجيبة تخللت صدره

"ايه رأيك كده في نفسك وأنت شبه المرا.. حلو ولايق على وساختك مش كده؟ أظن بردو اللي عملته ميطلعش من راجـ.ـل، عشان كده أنا وصيتهم كويس عليك وخليتهم يخلوا شكلك يبقى لايق على اللي عملته.. شايف اللي قدامك في المراية ده افتكره كويس اوي لأن سبوع بنته خلاص قرب.. حاول تعمله كمدات كويسة كل شوية عشان الاثار دي تروح.. أما بقا بالنسبة للوساخة اللي جواك فعشان آثارها تروح دي بقا صعبة.. بس مش مستحيلة، نلم بقا نفسنا كده لغاية ما اليومين دول يعدوا على خير وإلا ورحمة أبويا لا أكون مخليك مرا بجد، وساعتها هاكون بتفرج عليك.. أنت عارف أنا أقدر أعمل ايه كويس وهاجيبك لو في قمقم!! سامعني ولا تحب اعيد كل حاجة من الأول وتاخد جرعة محترمة كمان؟!" حدثه بنبرته الرخيمة التي اتضح بها هدوء مهيب ليجيبه كريم في رعـ.ـب

"سامع" اجاب في وهن

"اعتبر ده أول وآخر تحذير ليك.. كله في البيت يعرف إنك طلع عليك بلطجية وقلبوك وآخدوا منك العربية وفلوسك وموبايلك.. واياك اعرف انك بتفكر في وساخة تاني.. وإلا هاكسرك صح واخليك مرا وبمزاجك كمان" أنهى المكالمة ليزفر في راحة ثم توجه للشرفة وعيناه تطالع زرقة البحر وشرع في التدخين.

وصد عيناه متنعماً بذلك الهدوء من حوله ونسمـ.ـا.ت الهواء الممتزجة برائحة البحر المنعشة ليملئ رئتيه مستمتعاً وعلى شفتاه ابتسامة سعيدة للغاية.

سيعد تلك الدقائق والثوانٍ حتى تسوء حالتها ويراها بنفسه، يريد أن يراها في أسوأ حال، يريدها أن تنطق بلسانها ثانية كم هو غـ.ـبـ.ـي مثل ما نعتته بالسابق.. وأن لا شأن له بها، يود حقاً أن يرى من ستخدع الآن وهي لا تملك سوى وجهه اللعين الذي يكرهه هو نفسه، يريد أن يستمع لذلك الصوت العالي وهو يترجاه ويتوسله أن يكف عما يفعله بها، سيتمتع برعـ.ـبها وخوفها ذلك ولكن كل شيء سيأتي بالتدريج!

لا زال موصداً عيناه والتوت شفتاه تلك المرة بإبتسامة مقتضبة، إبتسامة لا تعبر عن السعادة ولا السخرية ولا حتى التهكم بل كانت تعبر عن المعاناة الخالصة.

تذكر ذلك الطفل الذي بلغ التاسعة من عمره لتوه، ذاك الطفل الذي لم يكن له يداً بأي شيء، لقد كانت كراهية والده لأمه هي السبب، لقد كان العنف معه هو المنفس الوحيد لوالده وكأنه يعوض ما فعلته أمه به وبإبنها ولكن لم يستمع أبداً لكل من أخبره بأن ذلك ليس ذنب بدر الدين!!

لقد كان يحبسه أياماً بلا طعام، في الشتاء يأسره في شرفة عالية أما في الصيف ففي أكثر مكان امتلئ بالحر الذي لا يُحتمل وفقط قبل أن يفقد وعيه كان يقدم له الطعام.

تذكر يوماً ما بالشتاء في تلك الشرفة التي تواجدت بآخر دور في منزل عائلته، بعد بقاءه ما يقارب من يومٍ كامل بلا غطاء ولا طعام، كان لا يدرك ولا يعي ما يحدث معه بأول مرة، فتصرف ببراءة الأطفال المتناهية، وجد والده يقدم له الكثير والكثير من الطعام الشهي الساخن التي تتصاعد أبخرته فجلس يأكل حتى امتلئت معدته وشعر بأنه لا يريد أن يأكل لمدة سنوات بعد تلك المرة، ليفاجأ بعدها بمشروب الشوكولا الساخن الذي يعشقه فلم يستطع منع نفسه عن تناوله ثم جلس بذلك الركن بالشرفة الصغيرة ليجد والده يصطحبه معه على سطح المنزل، ثم أدخله بغرفة معتمة صغيرة أسمنتية غير مجهزة لأي شيء لا تكاد تتعدى متران ورآى والده يبتسم له وأخبره أن عليه أن ينتظره هنا فإن الغرفة أفضل حالاً من الشرفة وأنه سيأتي ليصطحبه لوالدته بعد قليل ..

يتذكر جيداً وكأن كل ما حدث له كان بالأمس، يتذكر أنه انتظر، ساعة وساعة وساعة أخرى، لقد غالبه النوم فنام، نام كثيراً لعله يستيقظ ليجد والده ولكن دون جدوى.. لقد استيقظ مجدداً بعد أن نام ثانيةً وهو لا يدري أهو بالصباح أم المساء، لقد نادى على الجميع، على والده.. على شاهندة أخته الصغيرة التي يُحبها أكثر من أي شيء بحياته، هو يعرف أنها تُحبه ولكن أين هي، نادى نجوى والدته الحنونة، يعرف أنها تُحبه كثيراً أكثر من والدته السابقة، ولكن أين هي؟ ألا تسمعه أياً منهما؟ يريدها فقط أن تطمأنه وتخبره لماذا تأخر والده، يريد بعض الغطاء وسينتظر والده مهما غاب عنه، ولكن أين الجميع..

اعترى جسده نفس الرجفة التي شعر بها يومها، لم يستطع التحمل أكثر من ذلك، لم يستطع التحكم في نفسه، شعر وكأنما هناك شيئاً سينفجر أسفل معدته لا محالة، الآلم لا يتوقف، لا يقل، بل يزداد ويزداد حتى خارت قواه ووقع أرضاً مرتجفاً بفعل ذلك البرد القارص ليقضي حاجته دون تحكم أو وعي.

لقد كره تلك الرائحة كثيراً، تقزز من نفسه ومن ملامسته تلك الأوساخ للكثير من الوقت، لا يعرف هل نسيه والده أم ماذا يحدث معه، تلك الرائحة تشعره بالغثيان المستمر، لم يستطع التحكم أكثر من هذا ورغماً عنه الح عليه شعور القيء ولم تكن لديه القدرة على منعه بعد الآن..

يتذكر أن تلك كانت أول مرة يفعلها والده معه، لقد أثر به ذلك اليوم كثيراً، إلي اليوم يتذكر كل تلك التفاصيل لذلك أحياناً يستحم حوالي خمس مرات باليوم ليبتعد عن تلك الرائحة التي عرف بعدها أنها لازمته يومان كاملان! ذلك اليوم جعله يُقسم لوالده أكثر من مائة مرة أنه لن يعصي له أمر أبداً، لقد وعد والده أنه لن يطالب برؤية والدته مجدداً فقط أمام ألا يعاني تلك المعاناة مرة أخرى.

فتح عيناه القاتمتان ليطالع قرص الشمس الذي بدأ في عناق البحر الأزرق وظل يتابعه حتى امتزجا سوياً وكانت تلك اللحظة هي أعظم ما يراه كل يوم، يعرف أن بعد ذلك الوقت يأتي الظلام، بكل ما فيه، هو يعشقه، لا يستطيع أن يحيا بدونه، لن يكن بدر الدين ولن يستطع التعرف على نفسه دون هذا الظلام..

يشتاق له، دائماً ما يتعرف على نفسه في الظلام ويكتشف ما يقدر على فعله، ولهذا ينتظره كل يوم.. ينتظره اليوم ليرى هل لا زال بداخله ذلك الرجل؟ هل سيتواجد مع تلك الفتاة؟ أم أن ليلى غيرت ذلك الرجل للأبد!!
مرت اثنتا عشرة ساعة منذ تلك الدقيقة التي وضعها بالدولاب، كلما تذكر كم كانت المساحة الداخية به ضيقة يبتسم من فرط السعادة لمجرد علمه بأنها تعاني في كل ثانية تمر عليها، كان يتخيلها بهذا الوجه المتورم والدماء المنسابة أسفل شفتيها ليشعر بالنشوة التامة لقسوة تلك الآلام عليها وكأنه مـ.ـجـ.ـنو.ن فقد عقله ولا هناك متعة قد تضاهي متعة إيذاء النساء بداخله..

نهض من سريره الذي تواجد بجناح مختلف تماماً بنفس الدور حيث تركها وحدها في جناح آخر وشعر براحة نفسية فريدة من نوعها ليستحم ثم توجه للخارج ليعدو مُطلقاً هذا الهواء المنعش أن يتسلل رئتيه في حرية ثم مارس بعض التمارين الرياضية وتوجه مرة أخرى لغرفته ثم استحم مجدداً وجلس ليتناول وجبة إفطاره في تأني وتريث تام ثم خرج للشرفة ليحدق بتلك المياة الزرقاء..

فكر كثيراً ماذا سيفعل بعد عودتهما من هنا، هل سيتركها بكل تلك السهولة وهي تستحق العقاب؟ هل يعيدها لزوج والدتها بعد العودة مباشرة وبعد الإنتهاء من الإحتفال بمولد ابنة أخته؟ وهل كريم قد تعلم درسه جيداً أم إنه يُساير ذلك الوضع حتى ينفذ ما برأسه فقط؟

سأل نفسه العديد من الأسئلة التي لم يجد لها إجابات ولكنه ان واثقاً أنه دائماً ما يجد الحل المناسب لكل شيء، فبالنهاية بدر الدين الخولي قد تعلم الكثير خلال سنوات عمره الثلاثة وثلاثين ولم ينس أبدا كيف واجه الأصعب من تلك الفتاة الصغيرة التي ظنت أنها ستحتال على الجميع!!



❈-❈-❈



تساقطت حبات العرق على وجهها لتسيل على ذلك الجرح أسفل شفتها لتشعر بالآلم وتمنت لو أنها فقط تناولت بعض المياة، بللت شفتاها وشعرت بالعطش وجفاف حلقها تماماً.. لا تدري لماذا يفعل بها كل ذلك، كان له أن يطردها خارج منزلهم، أن يعيدها لزوج والدتها، أن يكشفها أمام الجميع.. لكن ما يفعله بها فاق كل الحدود.

كم الساعة؟ كم يوم مر منذ أن أدخلها تلك اللعنة؟ لماذا تشعر بتلك السخونة حولها وكأن أسفلها موقد مشتعل..؟ لماذا يأسرها هنا؟ ومتى سينتهي هذا الكابوس الذي تحيا به منذ أن وجدها مع هذا القذر كريم!! تقسم أنها لم تفعل شيئا وصدت كل محاولاته معها!! لا تدري إلي متى سيظل محتجزاً اياها هنا، اسيحتجزها حقاً حتى موعد عودتهم مرة أخرى؟

أيصدق أيضاً تلك الإدعاءات بأن كريم قد أقام معها علاقة بمثل تلك الطريقة التي سألها بها عنه؟ تقسم أنها لطالما كانت فتاة جيدة ولم يقترب منها رجل من قبل! هي حتى لا تعرف ما معنى أن تنام مع رجل مثل ما ادعى بدر الدين!

دمعت عيناها في صمت ولم تشعر بنفسها بعد ذلك لتتثاقل جفونها من الإرهاق او ربما قد فقدت وعيها.. هي حقاً لا تعرف ولا تعي ما الذي يحدث لها!



❈-❈-❈



ثلاث ساعات سفر وثماني عشر حبيسة بذلك الدولاب.. واحد وعشرون ساعة.. لقد صفعها كثيراً.. بالطبع ستكون مستعدة الآن.. حسناً.. سيجعلهم اربع وعشرون ساعة..

"وحـ.ـشـ.ـتني يا حبيبي.. وصلتوا بالسلامة؟"

"اه تمام.. انتي عاملة ايه يا شاهي؟"

"كله تمام.. هي نور فين وموبايلها مقفول ليه؟"

"معرفش.. هي في اوضتها"

"طيب ابقا خليها تكلمني.. كان نفسي تبقا معانا اوي واحنا بناخد ورادي.. اصل زينة مش بتنيم البيت كله.. صحيح عايزة اقولك على حاجة بس متتعصبش.."

"انجزي وقولي؛ انتي عارفه مبحبش الكلمتين دول"

"يا ساتر عليك يا اخي.." تنهدت في حنق ثم اكملت "كريم طلع عليه بلطجية واتبهدل يا عيني وهديل قلباها مناحة"

" ازاي ده يحصل.. اقفلي وانا هتصرف واشوف مين عمل كده"

" بس يا بد.."

حسناً.. كريم لا يزال ملتزم بإتفاقه معه؛ أو هو ينفذ أوامره، لا يهم أياً كانت تلك الكلمة التي تقصد ما اراده ولكنه شعر بالراحة ثم أجرى اتصالاً هاتفياً آخر

"كريم الدمنهوري.. عايزك تراقبه وكل مكالمـ.ـا.ته تجيلي.. ازاي بقا معرفش!، كل يوم اي حاجة يعملها تكون عندي.. حتى لو دخل الحمام"

أوصد هاتفه ثم ابتسم براحة وهو يستمتع بتلك الهيمنة التي عاد ليمارسها مجدداً، ولكنها ليست على احدى النساء التي تتناولن المال، بل على من أخطأ بحقه وبحق اخته وبحق عائلته بأكملها ليشعر أن كل ما يفعله مشروع للغاية بل وأقل مما يستحق زوج اخته وتلك العاهرة الصغيرة!

ذهب واراح جسده في ذلك الكرسي الوثير ثم سند رأسه موصداً عيناه ليتذكر ما حدث له منذ سنوات عديدة واختلف تماما عن ذلك الرجل الذي حاوطته الهيبة وتلك الهالة التي تبعث الإرتباك في النفوس ليكون شخصا آخر مختلفا بملامح متألمة!..

كان قد آتى ذلك المنرل لتوه وقد تعرف على شاهندة أخته التي أحبها منذ أن تعرف عليها بالرغم من عمل والدته على جعله يكرهها وإخبـ.ـاره العديد من الكذبات عن أخواته وزوجة أبيه ولكن تلك المعاملة التي رآها عنـ.ـد.ما ترك والدته وذهب مع أبيه ذلك المنزل جعلته يحب كل من فيه، لقد كان يتمنى دائماً أن يكن لديه أخ أو أخت.. لقد قـ.ـتـ.ـلته وحدته كثيراً بمنزل والدته التي بالكاد جلست معه، دائما ما تركته وحيداً دون أن تراه لأيام.. رواية بقلم : بتول طه

تذكر كلمـ.ـا.تها القاسية له أمام اصدقائها ومعارفها، كان لديها وقتاً للمرح، لأصدقائها، للشجار مع والده، لعائلتها، لكل شيء سواه هو.. تذكر كيف كانت تتركه بالأيام لا تعرف عنه شيء، نعم لقد كان بالرابعة من عمره ولكن يتذكر كل ما فعلته به.

"يوووه كفاياك كلام بقا، غور من وشي وادخل اوضتك"

"بابا فين.. كان واعدني يجي ياخدني"

"هو انت مبقاش وراك سيرة غيره، أبوك راح لمـ.ـر.اته وبناته اللي بيحبهم وسايبك هنا عشان بيكرهك، وأنا كمان مش بحبك، ولو ما مروحتش اوضتك دلوقتي هاجي أضـ.ـر.بك، سامع ولا لأ؟!"

ارتسمت ابتسامة على شفتاه عنـ.ـد.ما تذكر أن كان لديه تلك القدرة على أن يبكي من مجرد كلمـ.ـا.ت تخرج من عاهرة مثلها.. ازدادت ابتسامته لتتحول لضحكة ساخرة عنـ.ـد.ما فكّر قليلاً، فهو لا يدري ولا يتذكر متى آخر مرة بكى، لم يعد لديه تلك القدرة على أن يبكي أو أن يشعر بشيء يـ.ـؤ.لمه. حدث له اكتفاء حتى أصبحت الدمـ.ـو.ع والشفقة لا تعرفا مكانا بين طيات قلبه المظلم!

فتح عيناه ثم توجه للشرفة وهو يتطلع السماء بعينيه المظلمتان، يتذكر الماضي بكل ما فيه، حُلوه القليل ومُره الكثير، يتذكر الكراهية والتعذيب، الشجارات، المشاحنات الدائمة بين والده ووالدته، استغلالها الدائم له؛ معرفة خيانتها له مع أعز أصدقائه، أكتشافه لسرقة أموال أبيه بمساعدة من أمه، لا يزال إلي الآن يسأل نفسه، أين لها بكل ذلك الجبروت لتفعل كل تلك الفجائع بل وتكره ابنها الذي هو قطعة منها؟ كيف لها أن تنظر لإنعكاس وجهها بالمرآة وتتحمل أنها بتلك الحقارة والقسوة بل وتستطيع النوم كل ليلة بمنتهى الراحة؟

غرق في أفكاره التي عصفت برأسه وتذكر العديد والعديد من الأوقات الصعبة التي جعلته الرجل الذي هو عليه الآن.. لقد نسي تلك المُحتجزة التي جنت على نفسها بذلك العذاب. تفقد الوقت ليرى أنه جلس غارقا في ظُلمـ.ـا.ت بحور الآلم السوداء أكثر من اللازم فلقد مر أكثر من تلك الثلاث ساعات بساعتان أخريتان، ابتسم متهكماً على حالتها، تمنى لو أنها عرفت من تعبث معه لكانت ابتعدت عن طريقه منذ البدية ولكن سوء حظها كان وفيراً جداً.

ارتدى قميصاً رياضياً قطني ثم توجه ليُحضر البيتزا، أكبر حجم وجده، هو لا يعرف ماذا تُحب وماذا تكره، ولكنه تذكر كيف آكلتها عنـ.ـد.ما كانت معه بالشركة، لقد بدت وكأنها تُحبها للغاية.

توجه للأعلى دالفاً للجناح المُلقاة هي به وأحضر مياة وطعامها ثم دلف للغرفة وأشعل جميع الأضواء ووضع الطعام على منضدة صغيرة أمام أريكة للجلوس ثم أخرجها من مكانها وما أن استطاعت تحمل هذا الضوء الهائل بعد الظلمة التي لازمتها كل ذلك الوقت تقابلت عيناه الثاقبتان بعينيها ليجد الذعر يرتسم على ملامح وجهها وهي تنظر له نظرة جعلته يظن أنه الشيطان بنفسه.

تفقد ملامحها ووجها الذي يحمل آثار صفعاته وتلك الدماء المتجلطة بجانب شفتيها بل وبعض الدماء أيضاً أعلى جانب رأسها وشحوب وجهها وبشرتها التي كانت يوماً ما مفعمة بالحيوية ليبتسم لها ابتسامة لم تلامس عيناه.

"أنا.. أنا معملتش حاجة.. متقربش مني أرجوك تاني.. أنا بكره كريم والله ما سـ..." تحدثت في سرعة وهلع وعادت الدمـ.ـو.ع لتتكون بعينيها

"هشششش" قاطعها ثم أمسك بوجهها بين يداه الكبيراتان معانقاً بهما وجنتاها ونظر بتلك العينتان الزرقاوتان التي شابهت لون السماء الصافية ثم آخذ يتلمس تلك الأجزاء المتورمة بوجهها لتأن بإرتجافة رعـ.ـب عند كل لمسة يتلمسها بها ثم جذبها فجأة من ذراعيها لتنهض معه بينما صرخت فجأة

"آآه رجليا مش قادرة أقف عليها.." صاحت بعد أن احست بآثار احتباس الدماء بساقيها المثنيتان أسفلها بذلك الدولاب الصغير

"معلش.." ابتسم نصف ابتسامة مليئة بالتشفي لتنظر له هي في رعـ.ـب وخوف منه وبنفس الوقت في تعجب من تصرفه ومن قوله.

أجلسها بعد أن دفع جسدها رغماً عنها وهي تكاد أن تسقط، فهي حقاً لا تشعر بقدميها أثر الدماء التي لم تتحرك بساقيها للكثير من الوقت، ثم ناولها بعض المياة التي آخذتها منه في تردد وحذر وبأيدٍ مرتجفة تناولتها منه ثم أخذت تشرب منها حتى كادت أن تنهي الزجاجة بأكملها ثم وضعتها جانباً ليبتسم لها ابتسامة ظهرت معها أسنانه لتبتلع هي في وجل وحاولت الابتعاد عنه وعن عينيه المخيفتان بقدر الإمكان خوفاً من أن يلمسها أو يضـ.ـر.بها ثانية.

أومأ لها مُشيراً لصندوق البيتزا فنظرت له بإستفسار وخشية من رد فعله إذا تلمسته ليومأ لها بالموافقة فتسارعت عليه لتفتحه وأخذت تأكل وتتناول محتوى الصندوق الكرتوني بنهم شـ.ـديد..

ظل ينظر لها وهي تأكل بمثل هذا النهم وبداخله فرحة عارمة وهو يتذكر كل ما فعله به والده يومها، هي تشبهه كثيراً، نفس الشعور الذي شعر به يومها يتكرر أمامه مرة أخرى فنهض فجأة لتتكوم هي على نفسها في حذر وارتجف جسدها تلقائيا ليبتسم ساخراً ثم توجه للخارج وأحضر بعض العصير ليضعه أمامها في صمت تام لتتناوله هي بأكمله وظل يتابعها بعينيه الثاقبتان وهو يمرر كلاً من ابهامه وسبابته على شفتاه وهو يراقبها حتى شعر بأنها لا تستطيع حتى أن تتنفس بعد أن تناولت هذا المقدار من الطعام.

أحضر كرسي ثم وضعه أمامها ليجلس عليه بجسده الفارع وباعد بين أقدامه متكئاً على فخذاه بساعديه وشابك أصابعه في النهاية وحدق بعينيها المرتعدتان التي تتابع حركته ليسألها من جديد نفس السؤال

"نام معاكي كام مرة؟!" آتى صوته هادئاً للغاية لتنظر له هي في صدمة من نفس ذلك السؤال الذي سأله من قبل وحزنت ملامحها من فجيعة تلك الفكرة التي تُسيطر عليه

"صدقني والله ما حصل حاجة بيننا.. هو كان بـ.."

"هشششش.." قاطعها بهدوء أجفل قلبها

"بس لو تسمعـ.." توقفت عن الكلام عنـ.ـد.ما نظر لها نظرة أرعـ.ـبتها وشعرت وكأنما شعيرات جسدها تتوقف من الخوف لتبتلع وحاولت ألا تنظر له وابتعدت بجسدها للوراء لتجده ينهض ويقترب منها "لا بلاش تضـ.ـر.بني.. أنا معملـ.."

"اخرسي" قاطعها ثم جذبها من يدها وأعادها لذلك الدولاب وأوصده عليها مجددًا ليتركها ولكن هذه المرة لثلاثة أيام.



❈-❈-❈


ألقى المنشفة على الأرض في غضب بعد أن نظر لوجهه ملياً بتلك الآثار والكدمـ.ـا.ت التي بدأت في الضمور والشفاء وهو يُفكر في الإنتقام من بدر الدين.

لن يدع ما فعله به ليمر مر السلام، هو لا يعرف حقاً ماذا يستطيع أن يفعل به؛ سيرد له الصاع صاعين، سيفسد عليه حياته بأكملها بشكل لن يتخيله.

سيجعل المصائب تنهال على رأسه ولن يعلم من يفعل به كل ذلك؛ سيحاذر مثلما فعل دائماً؛ هو لا يعرف كريم الدمنهوري بعد..

يملك من الذكاء والحيلة الكثير ولحسن حظه وسوء حظ بدر الدين لا يعرف أحد عن حقيقة ذلك الذكاء شيئاً.

أما تلك الفتاة التي سلبت عقله سيآتي بها وسيتملكها عاجلاً أم آجلاً، وحتى لو سيخوض حرباً مميتة، سينتقم من أجل كبرياءه ومن أجل تلك الملامح التي ينظر لها بالمرآة.

لن يدع تلك الكلمـ.ـا.ت التي أخبره بها بدر الدين دون رد فعل؛ ويعرف جيداً كيف يرد عليها.

"حبيبي أنت كويس؟" تسائلت هديل بعد أن شعرت بغيابه لتدلف عليه حمام غرفتهما

"أنا تمام" ابتسم لها بإقتضاب لتتوجه هي نحوه

"معلش يا حبيبي؛ ربنا ياخدهم اللي عملوا فيك كده؛ وفي داهية كل اللي اخدوه اهم حاجة انك بخير." أخبرته وهي تلف يداها حول عنقه ليعقد حاجباه في غضب ثم شرد متذكراً ما حدث له.

"مالك يا كريم؟ سرحان في ايه؟"

"هه.. مفيش"

"عليا أنا بردو؟" نظرت له مضيقة عيناها في تحفز ليقابل نظرتها

"هديل يا حبيبتي، ما بلاش دور الحنية ده، مش لايق عليكي"

"اخص عليك! كده بردو بتقول عليا كده؟" غضبت ملامحها "كريم أنت عارف إني بحبك وبموت فيك ومقدرش استحمل حاجة تحصلك؛ لما شوفتك وأنت داخل عليا بمنظرك ده كنت مرعوبة، وأنا عارفة اني الفترة الأخيرة كنت مشغولة عنك جـ.ـا.مد بالشغل والولاد بس من غير كلام كتير أنت عارف ومتأكد إنك عندي بالدنيا وما فيها.. واي حاجة بعملها أو بتشغل بيها عنك بيكون عشان مستقبلنا وحياتنا الجاية، لكن اوعى شوية الخناقات الصغيرة اللي ما بينا تحسسك إني مبقتش احبك زي زمان أو مبخافش عليك" ابتسم لها في سخرية لتعقد هي حاجباها وتقترب منه أكثر وزادت من حدة تعلق يداها به

"طب وحياتك عندي أنا لسه بحبك زي زمان واكتر كمان، وممكن اثبتلك ده بأي حاجة أنت عايزها، وممكن تجربني" أخبرته في دلال وأقتربت لتقبله وأخفضت يداها لتحاوط بها خصره ليشعر باحدى يداها تعبث في جيبه الخلفي أثناء قبلتهم وكأنما تضع به شيئاً ما ليبتعد عنها ونظر لها في ترقب وتعجب ومد يده في جيبه يتحسس ما وضعته ليخرجه ثم نظر لها في دهشة.

"فداك يا سيدي العربية، ومبروك الجديدة" ابتسمت له ليبادلها الابتسامة "كده كده كان بقالها معاك سنتين وموديلها قدم.." توسعت ابتسامته وهو ينظر لمفتاح سيارته الجديدة "عشان تعرف انا بحبك قد ايه.. بلاش بقا يا كريم كل ما اجي اقرب منك تصدني كده.. أنا في حياتي كلها مبحبش قدك"

" ربنا ما يحرمني منك يا حبيبتي" قبل يدها وتصنع اللين عكس ما يبطنه بداخله ونظر لها بأعين امتزجت خبثاً وفرحة ولكنها لم ترى ذلك

"حقك عليا.. انا عارفة اني كنت مقصرة معاك وده مش هيحصل تاني."

"ولا يهمك يا حبيبتي.. أنا عارف انه كان غصب عنك وانك كنتي مشغولة"

"ولا عمري هاتشغل تاني عنك" احتضنته ثم نظرت له "يالا بقا عشان ننزل نتغدى معاهم، هاستناك تحت، ماشي؟"

"حاضر يا حبيبتي هاغير هدومي واحصلك" ابتسم لها لتبادله الإبتسامة ثم توجهت للخارج لتتركه ليضحك هو في خفوت ثم آخذ يتمتم

"ابقى بقا وريني يا بدر الدين باشا هتعمل ايه مع أختك اللي لسه واقعة زي زمان.. جاتلي على الطبطاب ولغاية عندي.. غبائك هو اللي هيوقعك في شر أعمالك.. بكرة تشوف!!" فكر كريم في خطواته القادمة وآخذ يتخيل ما سيحدث لبدر الدين على يده.



❈-❈-❈



توجهت شاهندة خارج بوابة الجامعة وهي تشعر بالقلق الشـ.ـديد، أربعة أيام لم تحدثها نورسين، وعنـ.ـد.ما احتضنتها بالمشفى لتودعها شعرت بأن هناك شيئاً ما، بكائها ذلك وصمتها الغير مألوف بتلك الطريقة!! هي حتى لم ترسل لها أسمها مثلما اتفقتا وهاتفها وكل برامج التواصل لديها لا تستقبل أية رسائل أو مكالمـ.ـا.ت..

صفت سيارتها بجانب الطريق وحاولت الإتصال بأخيها حتى تطمئن على نورسين ولكن وجدت تلك الرسالة المسجلة من شركة الهاتف بأنه لا يزال مغلقا ليتفاقم قلقها عليها..

"أكيد مشغولين أو عندهم اجتماعات.. هي كده كده هانت وقربت تيجي وأكيد يعني بدر حتى لو ايه مش هايسيب حاجة تجرالها" تمتمت وهي تحاول أن تنفض شعور القلق والخوف من عقلها ثم تنهدت وشرعت في القيادة مجدداً.



❈-❈-❈



"كده تمام، كل حاجة خلصت وتقدر تروح البنك وتتعامل عادي"

"يعني كل حاجة بقت بإسمي؟!" تسائل يُسري والفرحة بادية على وجهه ونظر للمحامي في غير تصديق

"حضرتك كده كده كان عندك توكيلات ودلوقتي بعد ما خلصت الإجراءات بتاعت الورث والوصية بقت كل حاجة ملكك رسمياً، الودايع والحسابات والبيت والشركة، كله بقا تحت تصرفك" أجابه المحامي ليتهلل وجه يُسري

"متشكر جداً ليك.. معلش هستأذن عشان عندي اجتماع مهم ومتقلقش فواتير أتعابك ابعتهالي الشركة وهطلع الشيك بإسمك وتقدر تيجي تستلمه أو تبعتلي حد بتفويض عشان يستلمه" صافحه يُسري ليصافحه المحامي مرة أخرى

"لا العفو على ايه يا يُسري بيه.. تحت أمرك في أي وقت"

توجه يُسري للخارج بفرحة كبيرة وهو يشعر بالسعادة، الآن فقط كل شيء أصبح ملكه رسمياً، لم يعد زوج الهانم، لم يعد تابعاً لها.

"يااه بس لو كنت عملت كده من زمان كان زماني ارتحت.. بس يالا أهو كله بأوانه" تمتم متنهداً ثم ابتسم لتلمع عيناه في خبث "الدور بقا عليكي يا حيلة أمك.. الكام مليون مش هيضيعوا من ايديا.. هتتجوزيه غصب عن عينك.. وإلا هابهدلك معايا" هز رأسه في سعادة وتوجه خارج المصعد ليحاول الإتصال بكريم.



❈-❈-❈



توجه داخل ذلك الجناح الذي تركها به وهو يشعر بالراحة التامة ويستعد لما سيفعله بعد ثوانٍ من الآن.. عقله يتخيلها ويتخيل منظرها وملامحها وهي تواجه كل ما خطط له وكل ما انتظر كل تلك الأيام من أجله.. مجرد فكرة أن يصيب سواه بنفس العذاب الذي تلقاه لسنوات أثلجت صدره وجعلته يشعر بالمتعة الشـ.ـديدة..

أقترب من الدولاب ليفتحه ثم ابتعد عاقداً حاجباه لثوان وها هو يشعر بالتقزز مما سيراه ولكنه استعاد هدوءه وتحكمه وسيطرته على ملامح وجهه وهو يحاول أن يقنع نفسه بأن كل ذلك حدث له يوما ما فلماذا لا يرى مخطئة مثلها تتلقى نفس العذاب ثم جذب الدرفة بعد أن فتحها بالمفتاح ليجد جسدها يرتمي أسفل قدماه واشتم تلك الرائحة العفنة!!

لم تستطع أن ترفع رأسها له وشعرت بالإحراج والرعـ.ـب في آن واحد، لم تفعلها من قبل في حياتها وحتى عنـ.ـد.ما كانت طفلة صغيرة لم تتذكر أنها وقعت بموقف مشابه لتتساقط دمـ.ـو.عها في وهن وهي لا تدري لماذا كل ذلك يحدث لها.

جذب شعرها لتشعر هي بإقـ.ـتـ.ـلاعه وجسدها يُسحب خلف خطواته ورغماً عنها صاحت في قلة حيلة وضعف بين بكائها الحاد "حـ.ـر.ام عليك بقا، أنت ليه بتعمل كل ده فيا، أنا معملتش حاجة، كريم هو اللـ.."

"اخرسي يا بت!!" قاطعها ولم يكترث لتشنجات جسدها وبكائها الذي لا يتوقف ثم ألقاها بأرض الحمام ليُمسك بالمياة الساخنة للغاية ثم القاها على جسدها في تمتع تام بعذابها لتصرخ هي.

"يالا يا قذرة يا معفنة عايز كل ده بيبرق في ثواني، تخلي الدولاب والأرض زي الفل، مش ناقص كمان عفانتك اللي زي الحـ.ـيو.انات دي" صرخ بها ونظر لها بإحتقار ليتوجه للخارج وتتهاوى هي أرضاً تبكي على ما يحدث لها بينما هو تركها وتوجه للشرفة وهو يحاول السيطرة على أنفاسه المتلاحقة وقاوم شعور التقزز من ذلك المنظر الذي رآه.



❈-❈-❈


آخذت تحك جسدها بعنف وهي تبكي أسفل المياة وتُفكر ماذا فعلت لكل ذلك؟ هي لم تقترب من كريم، هي لم تكن فتاة قذرة لتفعل ما يتخيله، كيف لها أن توضح له ما حدث وكل مرة يصدها ولا يستمع لها!!

ماذا عليها أن تفعل الآن؟ كيف تصل لشاهندة وتقص عليها كل ما حدث؟ كيف تجعل بدر الدين يستمع لها؟ كيف سيصدقها وهي لا تملك أي دليل على ما فعله كريم؟ هل سيعودا أم سيحتجزها للأبد هنا؟ لماذا تركتها والدتها لتعاني كل هذا وحدها؟ فقط لو كانت هنا لما كان حدث أيا من هذا!!

عصفت الأفكار برأسها وهي تبكي بشـ.ـدة وظلت أسفل المياة دون شعور بأي شيء آخر ولسوء حظها أخذت وقتا وغابت أكثر من اللازم لتجد باب الحمام يُكسر عليها!!

"جرا ايه يا روح امك!! فاكراني هستنى الهانم على ما تخلص ولا إيه؟" نظر لها بمنتهى الغضب لتشعر هي بالإرتعاد وهي تحاول أن تخبأ جسدها العاري بيداها وهي تنظر له في رعـ.ـب وترى نصفه العلوي العاري بلا ملابس لتتواتر العديد من الأفكار في رعـ.ـب وارتعاد من منظره على رأسها وعقلها الذي بالكاد يواكب ما يحدث وشعرت بالخوف بم قد يفعله معها بمنظره هذا وهو دون ملابس لتتعالى أنفاسها في فزع.

"خايفة اوي لا اشوف جـ.ـسم واحدة قذرة زيك؟" ابتسم متهكماً ثم توجه نحوها جاذباً اياها من شعرها بينما ألقت على نفسها منشفة بسرعة استطاعت تناولها من خلف الباب

"قدامي يا كـ.ـلـ.ـبة" صاح بها ثم توجه أمام الدولاب والقاها أرضاً وهو يسمع بكائها ويرى محاولاتها بإخفاء جسدها عنه.

"القرف بتاعك ده ينضف" قرب رأسها لداخل الدولاب لتشعر هي بالتقزز ورغماً عنها تقيئت فالرائحة تلك فجرت بمعدتها الغثيان!

"يا معفنة يا قذرة! ده انا هطلع روحك!" صرخ بها ثم خلع حزامه وهي أسفل قدماه وجسدها يرتجف

"ارجوك البس أي حاجة بس وهاعمل اللي أنت عايزه" تحدثت بوهن ونبرتها مليئة بالتوسل والإرهاق في آن واحد وجسدها يرتجف في هلع وهي تنظر له في رعـ.ـب سيطر على قيد كل أنملة بها ولا تصدق أنه قد يضـ.ـر.بها بحزامه الممسك به

"تلبسي! قال يعني هتفرق عن الحـ.ـيو.انات حاجة.. يالا نضفي يا بت القرف ده" اجابها ثم وبدون مقدمـ.ـا.ت انهال على جسدها بجلدة من حزامه لتصرخ هي ثم بكت بشـ.ـدة وأنفاسه تتلاحق وبداخله يجبر نفسه ألا يدع ذلك الشعور الذي آتاه من قبل كلما رآها تبكي ليتسلله وكأنما أوقف مشاعره عن العمل والإستجابة..

"ربع ساعة وكل حاجة تكون بتبرق!" أخبرها في تحذير لتهز هي رأسها بالموافقة ونهضت وهي تتحامل على نفسها وتوجهت للحمام شبه عارية وهي ترتدي المنشفة بمنتهى السرعة وتحاول إغلاقها على جسدها وكأنها بلا عقل تماماً وكأن جسدها يستجيب لآوامره دون وعي منها لتحضر أي أدوات قد تجدها لتنظف بها بينما تابعتها عيناه الثاقبتان حتى اختفت داخل الحمام ليبتلع ثم توجه ليحضر كرسي ويجلس ليكون خلفها وهي تقوم بالتنظيف وحاول أن يهدأ من احساسه بالإثارة المرضية لرؤية جسدها شبه العاري الذي لم يرى مثله من قبل وانتظر مجيئها وأقسم بداخله أن يريها قسوته التي لم تعرف عنها شيئاً بعد.
لماذا ينتظرها؟ أيشعر بالشفقة على تلك الحثالة؟ تلك المستغلة لن تذهب من تحت يداه إلا بعد أن تتعلم جيداً كيف تعبث مع عائلته!

"بقوا اربعتاشر دقيقة"

صاح بصوته محذراً اياها لتأتي بخطوات خائفة وأسدلت شعرها بجانب عيناها كي لا تراه ليجدها تحمل ملابسها التي كانت ترتديها المبتلة وملتفة بمنشفة صغيرة

 

"ملقتش اي حاجة انضف بيها"

 

همست وهي تنظر للأرض

 

"هنضفها بهدومي"

 

تحدثت في همس ورعـ.ـب لتستمع لأنفاسه الغاضبة وهو يتوجه نحوها بغضب عارم ليُكلمها متوعدًا بغلٍ شـ.ـديد

 

"بت!! انتي هنا زيك زي الكلاب، غوري قدامي نضفي اللي هببتيه"

جذبها من شعرها لتقع أرضاً على ركبتيها وهي تصرخ وتبكي من كل تلك الإهانة التي لا تعلم متى ستتوقف وبدأت في تنضيف الدولاب والأرضية بسرعة خوفاً مما قد يفعله معها مجدداً.

 

هذا هو ما تستحقه كل إمرأة شابهت والدته المستغلة الحقيرة، هذا كل ما تستحقه من تتلاعب بالرجال من أجل الأموال، لا لن يعاملها سوى بما تستحق، أيا كان ما ستقوله وحتى ولو بكت بدل الدمـ.ـو.ع دماءا لن يرأف بها ولن تملك الشفقة على قلبه من سلطان تجاه إمرأة مثلها دلفت بين عائلته لتزعزع استقرارها، لن يسمح أبدا لتلك العائلة بأن تتذوق طعم المرارة التي تذوقتها منذ سنوات بسبب العاهرة التي انجبته.. لن يسمح لتلك الفتاة الصغيرة بأن تفعل مثل ما فعلته والدته يوما ما..

 

بالأمس كان صغيرا مرتعدا من والده ولم يستطع الدفاع عنهم جميعا من بطش والدته أما الآن فهو رجل يستطيع فعل الكثير ليصد عن هؤلاء الذين لا يملك سواهم مكانا بقلبه أي ضرر أو شر قد يتعرضوا له!

 

جلس خلفها يشاهدها وهي تقوم بالتنظيف بمنتهى الغضب وهو يسحق أسنانه في انفعال وعصبية ملتقطا أنفاسه المتسارعة بعد أن ومض بعقله ذكريات مريرة لا تتصف سوى بالسواد ولا يزال ممسكاً بحزامه الجلدي ثم للحظة ذهب عقله بمكان آخر تماما ليتذكر منظرا مماثلا لها وحاول بصعوبة أن يتحكم بتلك بما يشعر به كلما تفقد وتمعن بمنحنياتها التي تظهر بعفوية دون أن تقصدها..

 

"اعمل اللي انت عايزه، أنا قابلاه كله، بحبك زي ما أنت واستحالة أبداً أقولك لأ على حاجة"

 

"ليلي!! بطلي اللي أنتي بتعمليه ده، مش هيوصلك لحاجة أبداً وقوليلي يا بدر وانسي انك تكوني زيهم" 

 

تحدث في انفعال وهو يشيح بنظره عنها ليجدها تقترب أسفله وتتوسل له

 

"أرجوك.. أنا حابة ده معاك، حابة أكون ليك زي ما بتحب، أنا بحبك أوي، لو موتني مش هاشتكي"

 

"ابعدي عني وانسي الكلام اللي بتفكري فيه ده"

 

نفض يدها من على قدميه ليشعر بصوت نحيبها

 

"طيب ليه؟ ليه مش عايز تديني الحق ده؟ هو أنا مستاهلش إنك تعمل معايا زي ما بتعمل مع الستات التانية، أنا موافقة على أي حاجة أنت عايزها، حتى لو هعيش تحت رجليك طول عمري، بلاش تبعد عني أكتر من كده، أنت قولتلي إنك متعلق بيا ومش هاتبعد عني و.."

 

"قولت.."

 

قاطعها بقسوة وأنفاسه تتثاقل بغضبٍ مما تدفعه لفعله

 

"قولت إني مش هابعد لكن استحالة أعمل معاكي زي ما بعمل معاهم، هم حاجة وأنتي حاجة تانية"

 

تحدث بعصبية وهو يسحق أسنانه محاولًا كظم غضبه الذي لو لحق بها لن يكون الأمر عليها هينًا

 

"أنا عايزاك وقابلاك بكل اللي بتعمله، عايزاك تديني الفرصة اني أكون تحت رجليك مش بس حبيبتك ومراتك.. سيبلي الفرصة دي، جربها معايا ولو لمرة واحدة بس"

 

توسلت له ليخلل شعره الفحمي الطويل بإنزعاج

 

"ماشي يا ليلي.. أنتي مصممة بردو مع اننا اتكلمنا في الكلام ده كتير بس حاضر أنا هوريكي أنا بعمل فيهم ايه، مرة واحدة بس، ولو اشتكيتي عمرها ما هتتكرر تاني"

 

كلمها مستسلمًا لما تريده هي على مضض ليلتفت لها وهي تنظر له بأعين متوسلة امتلئت بالسعادة من قراره ثم صفعها بقوة ليرى الدماء تتطاير من فمها وتسقط هي أرضاً لتحاول بعدها التقرب من حذاءه لتقبله في امتنان

 

"شكراً يا سيدي"

 

شكرته لتتثاقل أنفاسه وهو ينظر إلي كل تفاصيلها التي عشقها وأمسك بحزامه 

 

"لفي واركعي على الأرض"

 

آمرها لتمتثل أوامره بينما هو يحاول أن يهدأ من نفسه ويسيطر على ذلك الجموح بداخله وهو لا يدري كيف له أن يكون رقيقاً معها فهي زوجته التي يعشقها والوحيدة التي وجد بعناقها ما يريح آلام سنوات.

 

لم يشعر بنفسه وهو يجلدها لتصرخ نورسين آلماً وتبكي وهي لا زالت تقوم بتنظيف ذلك الدولاب ولم تتوقف شهقاتها للحظة وآثارها تنعكس عليها في ارتجافات متتالية.

 

لماذا يتذكر ليلي الآن؟ ما الذي يحدث له؟ لماذا يشعر بذلك الإلحاح بأن يقوم بإدماء نورسين؟ يريد أن يرى بشرتها الحليبية الناعمة للغاية وآثار غضبه مرتسمة عليها، يريد أن يصنع منها لوحة بديعة بألوان دماءها الحمراء ويستمع لصراخها المتتالي ولكن لا، هو لا يريدها له، هو يعاقبها على استغلالها لعائلته. هي ليست بليلى، ولن تكون ولن يُصبح هناك إمرأة بحياته بعد ليلى أبدا!

 

"ناقص تمن دقايق يا كـ.ـلـ.ـبة"

 

تكلم مُحذرًا بعد أن نفض ذلك التفكير من رأسه وهو يراقب تحركاتها بأنفس متثاقلة غاضبة للغاية.

 

حاولت هي أن تجفف دمـ.ـو.عها التي لا تستطيع الرؤية من خلالها بمسح وجهها بذراعها وهي تُسرع خوفاً من أن يضـ.ـر.بها ثانيةً أو أن يفعل بها شيء آخر والهلع التام يُسيطر عليها ولا تصدق كل ما يحدث حولها وشعرت وكأنها بكابوس حتما وستستيقظ منه عما قريب.

 

نهضت مسرعة للحمام حتى تنظف تلك الملابس التي امتلئت بالقاذورات ثم عادت مرة ثانيةً أسفل نظره لتقوم بتنظيف المتبقي وهو لا يزال يراقبها بنظراته المتفحصة الثاقبة وكادت أن تنهض مجدداً ولكنه أوقفها

 

"بت أنتي نسيتي انك حـ.ـيو.انة هنا ولا ايه؟ تروحي اي حتة وأنتي ماشية على ايديكي ورجليكي زي الكلاب"

لم تتصور أن اهانته قد تصل لهذا الحد ورفعت عيناها الزرقاوتان لتقابل عيناه المعتمتان وتهاوت المزيد من دمـ.ـو.عها ليتوجه نحوها غاضباً

 

"كمان يا بت بتبصيلي؟ ايه هتربيني يا روح امك"

 

صرخ بها ثم تهاوى بضـ.ـر.بة شـ.ـديدة عليها لتصرخ هي بشـ.ـدة حتى شعرت بجرح حلقها

 

"قدامي على الحمام"

 

آمرها ليبالغ معها بالمزيد من الجلدات على ظهرها لتفر هي على أربع لتنظف قطع الثياب وهو خلفها لازال يكيل لها المزيد من الجلدات وصراخها وبكائها لا يتوقف.

 

"ناقصلك اربع دقايق يا وا.طـ.ـية"

 

لا زال يجلدها وهي تصرخ وتبكي حتى وصلت إلي الدولاب مرة ثانية

 

"كفاية.. ضـ.ـر.ب.. أرجوك.."

 

توسلت له وصوتها يكاد ألا يُسمع في هلع وصدمة شـ.ـديدة لم يستطع عقلها الصغير أن يواكبها وذعر منها بسبب ملامحه ليقهقه في تمرد وشر

 

"ده أنا هنسيكي اسمك واعرفك يعني ايه تلعبي بقذارة مع عيلة الخولي، نضفي يا بت" 

 

صرخ بها وكرر فعلته بقسوة وشهقاتها وخوفها لا تتركها كي تُركز في اي شيء فهي لم تُضـ.ـر.ب من قبل بحياتها، لم تُعامل بشـ.ـدة، لم يزجرها حتى أحد وتأتي فجأة لتُقابل كل هذا العذاب فهي لم تعد تحتمل وودت لو مـ.ـا.تت الآن بدلا مما يحدث لها.

 

تذكرت والدتها لتتوقف يدها عن العمل بل وتوقف بُكائها، كم كانت لينة معها، كم كانت عطوفة وتعاملها بحنان وطيبة ولين حتى عنـ.ـد.ما كانت تُخطأ لم تعنفها أبداً..

 

"ما تخلصي يا روح أمك ولا عايزاني أعرفك مقامك أكتر من كده؟" 

 

صرخ بها عنـ.ـد.ما رآها تتوقف عن التنظيف وجلدها مجدداً لتلتفتت له متحاملة على نفسها وعلى آلامها التي فتكت بها

 

"آه.. عايزاك تموتني عشان اروح لماما، أنا معملتش حاجة لكل اللي بتعمله فيا ده، حـ.ـر.ام علـ.."

 

تعالي صوتها وعيناها تحولت للحمرة الشـ.ـديدة من كثرة البُكاء الذي لا تستطيع أن توقفه وهي في حياتها لم تكن تتوقع أنه تُصاب بمثل هذا الكابوس الذي يستمر بحياتها دون توقف

 

"وكمان بتعلي صوتك" 

 

صرخ بها ليترك حزامه وأنهال عليها بالصفعات المتتالية حتى سقطت أرضاً

"حرمت عليكي عيشتك"

 

أكمل صفعاته وهي شهقاتها تتعالى وتحاول التحدث بكلمـ.ـا.ت لا تُسمع ولا تُفهم من كثرة بكائها وهي تزحف أرضاً لتحتمي بأي شيء من ذلك البطش والقسوة التي لم تظن أنهما متواجدان في واقع هذه الحياة ولكن دون جدوى ولم تجد من يحميها منه بينما هو تحول لشيطان هائج لا يرى ما يفعله ولا يعلم أين تقع يداه بتلك الصفعات ثم أمسك بشعرها وآخذ يصفع رأسها أرضاً مرة ثم مرة وفي المرة الثالثة توقفت تماماً عن البكاء وتحولت بين يداه لتُصبح جثة هامدة لينظر لها بين يداه وهو يحاول أن يتنفس بروية وابتلع على مضض!!

❈-❈-❈

 

مسح جبينه من كثرة تعرقه ثم ترك العصاة أرضاً بعد أن تمزق حزامه لشـ.ـدة الضـ.ـر.بات ونظر لتضررها الدامي من شـ.ـدة ما فعله بل وانسابت بعض الدماء منها ليبتلع في كراهية تجاه نفسه وهو يلهث من كثرة ما فعله ثم أجبرها أن تلتفت له لينظر بتلك العسليتين في خوف من ردة فعلها وأنفاسه متثاقلة وتقابلت قتامة عيناه بعينيها في تردد ليتلمس أسفل ذقنها على وجل

 

"مبسوطة باللي عملته فيكي؟ مبسوطة بكل ده!! إياكي اسمعك بتقـ.." 

 

تحدث بأنفاس متلاحقة لاهثاً قاطعته لتخفض يده ممسكة بها فتعجب وتابع ما تفعله ليجدها توجهها نحو الدليل على عدم شعورها سوى بالرغبة ليُدرك ما تعنيه ونظر لها في دهشة مُقطبًا جبينه بنظراتٍ متسائلة بتعجبٍ منها بينما هي تقابله بنظراتٍ مؤكدة على قبولها وابتسامة مُنهكة!

 

"قولتلك إني بحبك.. واللي عملته فيا مضايقنيش بالعكس ده.. أنت عارف قصدي ايه!!" 

 

ابتسمت واخفضت رأسها ثم أمسكت بيديه لتقبل كل واحدة منهما على حِدَةٍ ليجذب يده ثم نظر لها ملياً وهو مندهش وتزايد ثقل أنفاسه

 

"بصيلي" 

 

آمرها ففعلت ليصفعها على وجهها ليتهاوى وجهها وشعرها الطويل ثم استعادت توازنها مرة ثانية لتعود وتنظر له مثلما آمرها منذ ثوان ليفعلها مرة ثانية!!

 

صفعها مراراً وتكرارا وبدأت قوة تحملها في التناقص لتآخذ خطوات للخلف بينما تبعها هو للأمام حتى وصلت لتقابل الجدار بظهرها المجروح آلماً لتنظر له بينما هو حاوط عنقها بيده وتحدث بين أسنانه المتلاحمة هامساً بجانب أذنها

 

"مبسوطة يا بت؟!"

 

سألها لتومأ له بالموافقة 

 

"ردي يا ليلى!!"

 

همس بأذنها ثم لثمها بين أسنانه ليفترسها بعنف بينما صرخت هي

 

"أوي.. أرجوك بلـ.."

 

"هشششش.."

قاطعها بينما رفعها لأعلى ليحصل عليها وهو لا يُصدق ما يفعله ولكن هذه المرحلة التي اوصلته إليها كان يصعب عليه التراجع بعدها .. ثبتها وهو لا يزال محاوطاً عنقها ولم تتوقف هي عن الصراخ في آلم تقبلته كي لا يذهب لإمرأة أخرى وتمنت لو تخلى هو عن كل ولكنها تعشق زوجها ولن تستطيع أن تتركه ليحصل على ما يريده بين يدي إمرأة أخرى!

 

أراحها أمامه وهو يتفقد أين بداية خط الدماء هذا الذي انساب على عنقها ليتفحص رأسها ثم تنهد في هدوء بعد أن وجده مجرد خدش ليس إلا، وهو يسعى جاهداً أن يتوقف على تذكر ليلى وذكرياتهما معاً وهو يتعجب من نفسه بشـ.ـدة، لا يدري لماذا تذكر الآن أول مرة اختبر ساديته معها!

 

أزاح شعرها الحريري الناعم بعيداً عن جبينها ثم تفحصها أمامه وبدأ في تمرير أنامله على وجهها المتورم بسبب صفعاته ومجريان دمـ.ـو.عها التي وكأنها لن تتوقف أبداً ثم تمتم في نفسه متسائلاً 

 

"لما أنتي صغيرة ومش قد اللعبة الزفت دي عملتي كده ليه؟! بس يالا.. جيتيلي على الطبطاب وتستاهلي كل البهدلة دي"

 

أنخفضت أنامله بصحبة انظاره لحذعها بنا يحتويه من انوثة مهلكة فهو لم ير مثلهما بحياته، حتى ليلى لم تمتلك هذا القدر من الفتنة!! لُعنت تلك الصغيرة، لماذا يقارن بينها وبين ليلى، لا يليق له حتى أن يقارن بينها وبين حذاء زوجته الراحلة!

 

لم يدر بنفسه وعقله يُخيل له معانقة ما سقطت عليه عينيه في لين وازدرد بوجل وهو لا يدري لماذا يفعل ذلك ويحثه عقله على هذا التفكير لينهض مسرعاً ويخلل شعره الذي اكتسب طولاً ملحوظ وحاول الهدوء والسيطرة على عقله.

 

توجه للخارج ليحضر مياة وثلج من المبرد ثم مرر الثلج على وجهها ليقل هذا التورم ثم بعد أن انتهى امسك بالزجاجة ونثر المياة عليها لتستيقظ شاهقة.

 

نظرت له في رعـ.ـب وبدأ الشعور في العودة إليها مرة أخرى لتشعر بصداع لعين وجسدها يكاد تحترق من كل تلك الجلدات وتذكرت عنفه معها منذ قليل لتزحف للوراء في ذلك السرير وتجمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها الزرقاء ونظرت له خوفاً في توسل.

 

"ارجوك بلاش ضـ.ـر.ب كفاية.. كفاية أنا عمر ما حد ضـ.ـر.بني.. أنا معملتش حاجة لكل ده"

 

 توسلت له وهي تبكي وترتجف من شـ.ـدة البُكاء والرعـ.ـب ثم أخذت احدى الشراشف تحاوط بها نفسها ليقترب هو منها مستنداً بركبة ساقه لتتكور هي على نفسها دافنة وجهها في الغطاء وتصرخ في توسل

 


"بلاش ضـ.ـر.ب تاني والنبي.. هاعمل كل اللي تقول عليه بس من غير ضـ.ـر.ب.. اللي انت عايزه هنفذه.. ضـ.ـر.ب تاني لأ.. بلاش"

 

 اجهشت بالبكاء وهي تموت بداخلها رعـ.ـباً ليبتسم هو لمظهرها الخائف

 

"بقا هتعملي اي حاجة انا اقول عليها" صدحت ضحكته عالياً في شر 

 

"ماشي.. مش هضـ.ـر.بك.. بس بكرة ترجعي تتحايلي عليا اني اضـ.ـر.بك.. انا هعلمك ان الضـ.ـر.ب اهون حاجة.. قومي كملي تنضيف" 

 

همس بالقرب من وجهها ثم نهض ليلقي عليها اوامره

 

"طول ما انتي معايا هتفضلي كده بالبشكير ده، تمشي زي الكـ.ـلـ.ـبة على ايدك ورجلك، مسمعلكيش نفس، انسي انك تتكلمي غير لما اسمحلك.. متبصليش غير لم اسمحلك.. وكل اللي اقولك عليه يتنفذ بالحرف، ويومك اسود لو اعترضتي على حاجة!" 

مد يده ليصفعها بعنف 

 

"مكانك على الأرض يا حـ.ـيو.انة.. سامعة ولا اقول تاني؟!" 

 

صرخ بها لتهز رأسها وفرت بسرعة للأرض فهي تظن أنها إذا امتثلت آوامره سيكف عن ذلك التعذيب ولكن هي لم تعرف من هو بدر الدين الخولي بعد!

 

"تمشي زي الكـ.ـلـ.ـبة تنضفي القرف ده لغاية ما اقولك كفاية" 

 

أومأت بالقبول ودمـ.ـو.عها تتهاوى في صمت وآخذت تفعل ما آمر به حتى انتهت بعد حوالي نصف ساعة.

 

كان جالساً يشاهدها كلما تحركت وخوفها الذي جعله يحلق في السماء منتشياً للغاية وارتجافة جسدها خوفًا ورعـ.ـبًا اسفل عيناه الثاقبتان جعلته يشعر بسعادة عارمة لإصابتها بهذه الحالة التي اصبحت عليها.

 

نهض ليتجول وهي تحاول أن تلاحظه ثم اقترب بخطواته منها لترتجف في رعـ.ـب مما قد يفعله معها وآخذ تفكيرها يصـ.ـر.خ أسيضـ.ـر.بها مجدداً أم ماذا!

 

جعلها أسفل قدماه المتباعدتان لتلاحظ كلا منهما على يمينها ويسارها فابتلعت وجلاً وتهاوت دمـ.ـو.عها في صمت.

 

نظر ملياً بعد أن شعر بالرضاء عما فعلته ليهدر صوته الرخيم 

 

"كفاية كده" أخبرها ثم ابتعد ليعود للجلوس على الأريكة بالغرفة ليآمرها منادياً 

 

"تعالي هنا تحت رجلي!"

توجهت له على يداها وقدماها بذلٍ ثم انتظرت ماذا يريد منها وهي خائفة وشهقاتها لازالت تتابع بين الفينة والأخرى من آثار بكائها الحاد.

 

"بصيلي!" آمرها ففعلت في خوف وتردد ليبتسم نصف ابتسامة في تشفي وراحة

 

 "احنا راجعين بكرة.. هتقولي بقا كنا فين؟!" تريث للحظة لتتحدث هي

 

"معرفش" همست مُجيبة بتلقائية ليضحك في تهكم

 

"يا غـ.ـبـ.ـية يا متـ.ـخـ.ـلفة أنا قولتلك تردي ولا تفتحي بوقك؟!" مرر سبابته وإبهامة على شفتاه وآثار ضحكته لازالت ترتسم عليهما لتشعر هي بالرعـ.ـب وتوقعت صفعة مجدداً من صفعاته التي لا تنتهي فتقهقرت للوراء ليُكمل هو 

 

"هوريكي حاضر!! بس انتي قولتي مش عايزة ضـ.ـر.ب مش كده؟!" نظر لها في خبث مُضيقاً عيناه ثم امتدت يده لجيبه ليخرج عملة معدنية ونهض آمراً اياها 

 

"تعالي ورايا"

 

توجه ليتوقف أمام احدى الجدران وألقى نظرة عليها ثم ابتسم بتهكم "قومي" آمرها ففعلت ثم وضع القطعة المعدنية على الجدار في مستوى وجهها ليدفعها أمامها تماماً لتقابل أنفها وترك العملة المعدنية لتتثبت بفعل أنفها

 

"خليكي بقا ماسكالي دي زي ما انتي كده، واياكي تقع أو تتحرك.. وطبعاً لا هتتحركي ولا هتلمسيها بإيدك.. قدامك ساعة ونص!!"

 

 آمرها ثم تركها وتوجه للأريكة بينما هي اندهشت مما سمعته وتهاوت دمـ.ـو.عها في صمت 

 

"متنسيش انك قولتي مش عايزة ضـ.ـر.ب، ولو كلامي متنفذش هابهدلك!!" 

صاح بصوته الذي بدا كالرعد الهادر لتتهاوى دمـ.ـو.عها أكثر وبدأت في الشعور بوجع عنقها وقدماها لا تستطيعان أن تحملاها بعد كل ذلك..

 

آخذ يستمع لتلك المكالمـ.ـا.ت التي ذهبت للبريد الصوتي الذي وصله على هاتفه وهو يلعن نورسين بداخله، لديه طناً من الأعمال ولا يستطيع فعل العديد من الأمور بسببها هي فقط..

 

مرت حوالي نصف ساعة وهو يُفكر بما عليه فعله من أعمال كما عليه أن يتفقد بريده الإلكتروني من أي حاسوب قد يجده بهذا الفندق وهو لا ينفك يتابعها بعينيه الثاقبتان ويلاحظ تأثر قدمها وعنقها من تثبيت العملة المعدنية بتلك الطريقة ليبتسم في تشفي وانتصار وترك هاتفه وأراح جسده في الأريكة مستنداً بذراعيه يميناً ويساراً مباعداً بين قدماه وظل يتابع شقاءها بمنتهى التلذذ والإستمتاع!

 

قام بعد عشرة دقائق أخرى متوجهاً نحوها لتشعر هي بإقترابه وتعالت أنفاسها المرتبكة في رعـ.ـب من مجرد اقترابه منها وبدأ في الهمس بجانب أذنها

 

"قولتلك بقا كنا فين؟!! كنا في لندن!!" سكت للحظة ثم أكمل 

 

"موبايلك فين؟! ردي المرادي على قد السؤال!!" سألها وسمح لها بالحديث

 

"نسيته في البيت!" همست ليهز رأسه في تفهم

 

"هاكلم شاهندة دلوقتي وهديهالك تكلميها، اياكي تحسسيها بحاجة، فاهمة؟!" 

همس مجدداً وهي ترتعد من أنفاسه الساخنة التي تلفح عنقها 

 

"ما تردي يا روح أمك!" صاح بصوته الرخيم ليرتجفا كتفاها في خوف هائل

 

"فاهمة" رددت مُجيبة

 

"شاهي عاملة ايه يا حبيبتي؟!"

 

"ده ايه الجمال والحلاوة والمزاج الرايق ده كله؟!" 

 

ردت شاهندة متعجبة عنـ.ـد.ما أجابت مكالمته التي فعل بها مكبر الصوت لتستمع نورسين لكل ما يدور بالمكالمة

 

"شوفتي بقا، أخبـ.ـاركم ايه؟!"

 

"كله تمام، كريم بقا أحسن شوية، وهديل كمان، انتو راجعين امتى؟!"

 

"بكرة على بليل كده يمكن نوصل على اتناشر ولا واحدة.. خدي كلمي" 

 

أومأ لها وهي لازالت ممسكة بأنفها تلك القطعة المعدنية وأعصابها بأكملها تصرخ آلماً ولم تعد قادرة على التحمل ولكنها أجبرت نفسها خوفاً من ضـ.ـر.به اياها الذي لم تستطع تحمله ولن تستطيع أن تواجهه مرة أخرى

 

"شاهي.." 

 

همست وشارفت على البكاء ولكنها ابتلعت تلك الغصة المُرة بحلقها وحاولت التحكم في مشاعرها وبأي صوت قد يصدر من بين شفتيها قدر الإمكان!

 

"حبيبة شاهي.. صوتك بعيد ليه.. حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي! كده يا جبانة موبايلك مقفول ومش عارفة أوصلك من يوم ما سافرتي؟!" 

صاحت شاهندة في لهفة

 

"أنا.. نسيته.. أنا آسفة" 

تلعثمت وهي تجيبها لينظر لها بدر الدين نظرة محذرة مرعـ.ـبة بالكاد رآتها فهي لو تحركت ستسقط القطعة المعدنية لتشعر بالذعر

 

"حبيبتي متتآسفيش أهم حاجة إنك بخير!! أنتي كويسة يا نور؟ ناقصك حاجة عايزاها؟ بدر بيعاملك كويس؟!"

 

"كله تمام.. متقلقيش"

 

 اجابت في وهن ومنعت نفسها أن تبكي وهي تنظر له في قهر من مجرد سؤال شاهندة الذي جرحها أكثر حتى مما فعله بها وبنفس الوقت لا تزال تحافظ على عدم تحرك تلك القطعة المعدنية لتلاحظ شاهندة نبرتها الغريبة ولكنها لم تود أن تفاتحها في الأمر الآن وهي بداخلها تدعوا أن يكون هذا من الإشتياق لها ليس إلا

 

"بكرة بقا أول ما تيجي صحيني حتى لو كنت نايمة.. اتفقنا؟"

 

"حاضر يا شاهي.."

 

"يالا تصبحي على خير يا حبيبتي.."

 

"وانتي من أهلـ.." أنهى بدر الدين المكالمة ليقهقه ساخراً بينما تهاوت دمـ.ـو.ع نورسين في وهن وتعالى نحيبها

 

"بت أنا بعاملك ازاي؟ ردي عليا" 



صاح ساخراً وبنبرة امتلئت جنوناً وتشفي من تعذيبها

 

"كويس.."

 

"كنتي مبسوطة بسفرية لندن مش كده؟!" سألها ليعلو صوت بكائها

 

"ايوة مبسوطة"

 

"ورحمة ابويا لو شوفتك جنب كريم هخلي عيشتك سودة ومش بعيد أموتك!! سامعاني يا بت؟"

 

"سامعة"

 

"يالا خليكي واقفة زي الكـ.ـلـ.ـبة كده واياكي تتحركي سنتي واحد وإلا هاموتك من الضـ.ـر.ب!!" 

 

صاح بصوته الهادر ثم تركها وتوجه خلفها وهي لا تدري إلي أين هو ذاهب وتاركها وهل سيعلم إن تحركت أم لا!!

 

شعرت بالرعـ.ـب الكامل وقررت أن تظل واقفة كما هي خوفاً من أن يعلم بتحركها، تشعر وكأنها أقتربت من التهاوي والسقوط بأي ثانية الآن، أما عنقها فهي لا تشعر بها، لقد تخدرت تماماً عن الإحساس.. ولكنها ستُكمل فلربما هو وراءها وهي لا تعلم، وربما دخل الغرفة ثانيةً دون أن تدري وربما هو بالشرفة ولكن الذي تتأكد منه أنه سيـ.ـؤ.لمها إذا عصت ما آمرها به!

❈-❈-❈


توجه لجناحه بعد أن علم أنه يُعذبها الآن نفسيا وبداخله ثقة أنها لن تتحرك وارتدى ثياباً نظيفة بعد أن استحم ثم توجه مرة بالغرفة التي يحتجزها بها ليصور لعقلها أنه لا يزال يراقبها، وكذلك سيفاجئها ما إن تحركت حقا سيريها أشـ.ـد العذاب، ودلف بهرجلة ليصنع ضجيجا خلفها بخطواته ولكن ما أدهشه هو عدم تحركها وامتثالها ما آمر به ليمتلئ بالثقة أنه بات يُرعـ.ـب أوصرها الآن فتركها وتوجه للأسفل ليحضر بعض الطعام لهما سوياً فهو لا يريدها أن تموت ولا تفقد وعيها، عذابها معه لم ينتهي بعد، هو مستمتع بكل ما يحدث للغاية خاصة وأنه يرى بها نفس استغلال تلك العاهرة التي ولدته!!

 

ابتاع الطعام وبعض الملابس النظيفة لها وبعض العلاج لوجهها وعيناها اللتان تحولتا للحمرة الشـ.ـديدة، فهو لا يريد أحد أن يعلم ما حدث لها، ليس قبل أن يشعر بأنه آخذ كفايته من عذابها وعقابها على ما فعلت!!

 

شعرت بحركة خلفها مرة أخرى لتبتلع في وجل وهي لا تعرف ما الذي خطط له ولا يفعله وتسللت رائحة الطعام الشهية لأنفها بينما توجه بالقرب منها لتحس به ثم فجأة شعرت بشيء ما يمر على كتفها من الخلف حركه هو في تلقائية وهي لا تدري ما ذلك الشيء ليهمس هو

 

"تؤ تؤ تؤ.. متتحركيش لا تتعوري"

 

امرها هامسا بسخرية وكأنه يشفق عليها مدعيا الإكتراث ما أن أذاها لتقرع طبول قلبها في ذعر شـ.ـديد، مم ستُجرح؟ ماذا سيفعل بها؟ لماذا ينتقل هذا الشيء لظهرها؟ بم يفعلها؟ لماذا يريد أن يجبرها على التحرك؟

 

تعالت أنفاسها في رعـ.ـب تام مما يفعله وهي تحاول ألا تُسقط العملة، ترتعد موتاً لوجوده خلفها وهي بتلك الهيئة، لا يسترها سوى تلك المنشفة وهي تجاهد ألا تتحرك وقلبها كاد أن يخرج من صدرها..

 

"لا عجبتيني يا بت" 



ضحك بصخب ولهجته المتهكمة قـ.ـتـ.ـلت أعصابها

 

"كفاية كده عليكي.. انزلي زي الكـ.ـلـ.ـبة يالا وتعالي ورايا" 

 

آمرها وهو يتمشى متباهياً ليجلس على الأريكة وشرع في تناول الطعام بنظام شـ.ـديد ثم بدأ في التحدث

 

"هتنزلي الشغل عادي، ومفيش كلمة هتخرج من بوقك على اللي حصل، طبعاً مش محتاج أقولك هاعمل ايه فيكي!!" 

 

توقف عن تناول الطعام ثم لامس أسفل ذقنها ليتطلع وجهها الذي بدا متورماً لتتلاقى عيناها الزرقاوتان المحاطتان بالحُمرة لكثرة بكائها والتي عكست حطام إنسان وانعدمت الروح بهما قهرا وذلا

 

"كمادات بقا وقطرة وكريم عشان منظرك المقرف ده"

 

 اهانها بتلك الكلمـ.ـا.ت لتبتلع غصة حلقها في قلة حيلة 

 

"هتلاقي الحاجة مرمية عندك برا.." صاح لها ثم نظر لها بطرف عينه وألقى لها بعض الطعام بجانب قدمه تماماً

 

"اطفحي" تهاوت دمـ.ـو.عها في صمت وتوقفت لبرهة في سخط وهي تشعر بالإهانة المؤذية فهي بشر في النهاية، أيُمكن أن يُعاملها هكذا مثل الحـ.ـيو.انات؟

 

"ها.. نرجع للضـ.ـر.ب؟!"

 

 تسائل بلهجة محذرة ليتعالى نحيبها وخفضت رأسها لتفعل ما يآمرها به ونحيبها يتعالى ليجد نفسه يضحك عالياً!!

 

 "لما تحبي ارجع للضـ.ـر.ب ابقي قولي" همس بتهكم ثم اكمل طعامه وكذلك هي!

 

انتهى من تناول الطعام ثم نظر لها ملياً وهي تجد صعوبة في التقاط الطعام بشفتاها ليبتسم في تشفي 

 

"لأ.. ده بيتلحس.. عارفة الكلاب بتاكل ازاي؟!" تعالى نحيبها وتجمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها وهي لا تستطيع الرؤية 

 

"اطفحي يا كـ.ـلـ.ـبة" آمرها ففعلت في تقزز حتى أنهت الطعام بأكمله الذي اختلط بدمـ.ـو.عها المتساقطة..

 

"هتنضفي الجناح وتظبطي كل حاجة فيه واياكي الاقي غلطة.. وهتلاقي عندك لبس برا، ده لبسك لبكرة، والدوا تاخديه ولو حسيت انك بتستعـ.ـبـ.ـطي انسي انك ترجعي بكرة.."

 

نظر لها رافعاً رأسه بينما أخفض نظرته بطرف عينه إليها وهو ينظر لها بعنجهية وتعالي وغطرسة لتتلاقي أعينهما وهو يرى الذل الخالص بعينيها وهو يُلقي عليها أوامره بتلك الطريقة اللاذعة ثم شعر بالتقزز من الشعور الذي اعتراه لتوه، شعر وكأنه يريد النظر لذلك الوجه وألا يغمض له جفناً أبداً فأشاح بنظره مُسرعاً ليزجر ذلك الشعور بداخله ويتخلص منه وعقد حاجباه غضباً ثم نظر بساعته وهو يحاول بأعجوبة طرد تلك الشفقة التي مست قلبه من ملامحها وعاد ليُذكر نفسه أنها من بدأت بالخطأ ولم يكن ليؤذيها أبدا لولا ما فعلته..

 

"قدامك لبكرة، الساعة خمسة العصر بالدقيقة اجي أشوف الكلام اللي قولت عليه متنفذ بالحرف والاقيكي جاهزة.. الجناح مقفول بالمفتاح والتليفونات أنا فصلتها.. اياكي أحس بس بحاجة عملتيها احسن أموتك" رمى بكلمـ.ـا.ته ثم توجه للخارج مسرعاً وغادرها.
أين ذهب صاحب تلك العيون التي تستطيع أن تتغلغل بداخل من أمامه حتى يستطع التعرف على نوايا صاحبها؟؟ أين ذهبت ساديته بتعذيب أجساد النساء وعنـ.ـد.ما توسلته أعرض عن فكرة ضـ.ـر.بها؟؟ أين ذهب بدر الدين الخولي الذي لم تغيره إمرأة فقط سوى ليلى حبيبته وزوجته؟



هو متأكد أنها مجرد فتاة مستغلة تريد الأموال.. هو يعرف منذ أن وقعت عيناه وتمعن بتلك الزرقاوتان أن بها شيء ما، ليست فتاة طبيعية، وراءها شيئاً هو يعرف جيداً .. لقد اكتشف كل ذلك عنـ.ـد.ما استمع لها مع كريم ولن يترك لها الفرصة لتدمر اخته!



لن يلتفت لتأثيرها عليه بملامحها بعد الآن، لن يلتفت لتلك البراءة المُزيفة بعينيها، هي تلك الفتاة التي أرادت أن تُفرق بين أخته وزوجها فقط لأجل حفنة أموال ليس إلا..



جاب جناحه ذهاباً واياباً وهو لا يُصدق أنه تركها هكذا بمنتهى السهولة، لا، لم تكن إلا لجعلها تستعيد عافيتها قليلاً حتى لا يشك أحد أفراد عائلته في أي شيء، هذا ما نواه، ليس لليناً تجاهها!!



استند بساعده على رأسه بعد أن استلقى على السرير وحاول أن يوصد عيناه ليرى بدر لدين الصغير الخائف المرتعد مرة أخرى..



"أنتي قذرة.. مش عايزة غير الفلوس وبس.. لو صابر مش موجود تدوري على غيره قوام، أنا عرفت إنك كنتي نايمة معاه من يومين و.."



"ولو نمت معاه أنت مالك، أنت مخليني زي البيت الوقف وابنك سايبهولي ومش فارق معاك حاجة" قاطعته ليصفعها بقوة



"ده أنا مشوفتش حد في وساختك!! جاية تكلميني عن ابني وبتقولي انك نايمة مع واحد تاني!! أنتي أم أنتي؟ يا شيخة ملعون أبو اليوم اللي عرفتك فيه"



"فعلاً كان يوم أسود، يوم ما روحت واتجوزت عليا!!"



"وأنا اتجوزت عليكي ليه؟ نسيتي ولا أفكرك؟"



"عشان واحدة وا.طـ.ـية ضحكت عليك وآآآه..." قاطعها ممسكاً بشعرها ليلفه على يده جاذباً اياه بعنف ليتهاوى جسدها أرضاً



"نجوى دي ضافرها برقابتك يا خاينة يا بتاعة الرجـ.ـا.لة يا حـ.ـر.امية، على الأقل مباعتنيش لصاحبي عشان الفلوس بالعكس وقفت جانبي يوم ما سرقتي تعبي وشقايا، وابني اللي بتتكلمي عليه أنا هاريحك منه خالص، مش هت عـ.ـر.في تطولي ضافره"



"يا أخي غور أنت وهو وطلقني وخليني أشوف حياتي بقا بعيد عنك وعن فقرك ده"



"بعينك خليكي كده زي البيت الوقف، بدر.." صاح منادياً اياه بينما كان بدر الدين ذلك الطفل يستمع لجدالهم ليجد المياة تنساب على بنطاله دون إرادة منه إلي أن لامست حذاءه!



فتح عينه وهو يشعر بالإختناق وتوجه للشرفة بعد أن خلع قميصه وتثاقلت أنفاسه والغضب ارتسم على جميع ملامحه وقتمتا عيناه السودواتان ليتجدد بداخله الكره الخالص لوالدته..



شرع في تدخين سجائره بلا توقف وهو يحاول أن يثني تفكيره عن تلك الذكريات السوداء التي كرهها، لا يمر يوماً إلا وهو يتذكر كل ما حدث بين والده ووالدته وكل ذلك العذاب البدني والنفسي الذي لاقاه منهما.. لم يتوقف عن التذكر إلا فقط عنـ.ـد.ما كانت ليلى بجانبه..



"مشيتي ليه بس.. ليه أنا سيبتك تمشي يومها!!" تحدث داخلى نفسه متمتماً بآسى ثم ألقى سجارته من الشرفة وأغلق عيناه ليُفكر بليلى مجدداً.



تذكر تلك العينتان التي لم يرى مثلها أبداً، عينتان عسليتان اللون تبتسم وكأنها تُجبر من أمامها على الشعور بالسعادة، لم ينسَ يومها أنه ابتسم تلقائياً عنـ.ـد.ما تقابلت أعينهما ولكنه مُسرعاً أعاد لمظهره الجاد وعقد حاجباه وتوجه لداخل مقر كليته..



❈-❈-❈



يتذكرها وهي تبتسم مع الجميع وشعرها الطويل يتراقص مع الهواء وكأنما تحول كل شيء حوله ليصبح بالتصوير البطيء وكأنه بأحد تلك الأفلام الرومانسية التي لا يطيق مشاهدتها، وكأنما طُبعت بذاكرته، هو حتى لم يستطع أن يُركز فيما يُمليه عليه أستاذه.. لقد أقترب كثيراً من تقديم رسالته ولن يدع لحظة عابرة ونظرة سريعة لفتاة أن تثنيه عن التركيز فيما يقوله أستاذه!!

بعد محاولات كثيرة للتركيز والتي فشل في أغلبها انتهى وقته ليتوجه للخارج على مضض ليجدها منتظراه عاقدة ذراعيها مستندة على جدار بجانب باب الكُلية ولكنه لا لن يلتفت لها وأكمل طريقه..

"بدر الدين الخولي!!" نادته ليلتفت ناظراً لها في تعجب ثم حاول تصنع الجدية ولكن الدهشة الشـ.ـديدة هي الشيء الذي اعترى ملامحه

"أنتي ت عـ.ـر.فيني؟!" تسائل بصوته الرخيم

"وهو مين ميعرفش بدر الدين الخولي الأول في كل حاجة.. الأول على الدفعة.. الدكتور المنتظر.. الأول في فريق الكورة.. الأول في الأبحاث.." أخبرته وهي تنظر له بعينيها المبتسمتين لتجده يرفع حاجباه وكاد أن يُغادرها لتوقفه هي "قولي بقا لما بصيتلك ضحكت ليه؟!"

"أنا مضحكتش!!" تكلم منكراً وهو حقاً يتعجب كيف استطاعت رؤيته فمروره لم يتعد ثانيتان



"يا راجـ.ـل!!" ضيقت عيناها لتنظر له في تساؤل



"لا لو سمحتي الزمي حدودك عشان احنا مفيش ما بينا أي علاقة ومتعرفنيش.. بعد اذنك.." 



حدثها في غضب ثم كاد أن يغادر لتوقفه هي وتلمست ذراعه في جرأة



"طب ايه رأيك أعرفك؟!" عقدت ذراعيها ثم نظرت له في تحدي "قهوتك ايه؟!"



"سادة!" اجابها بمنتهى التلقائية



"طب تعالى بقا فيه مكان أعرفه بيعمل القهوة تحفة!"



لم يُصدق أن في خلال ساعات قليلة ولأول مرة بحياته ضحك كل هذا الضحك، شيئاً ما بها مختلف عن الجميع، كل شيء معها سهل وسلس للغاية، هو حقاً لم يشعر بالوقت يومها، تحدثا بموضوعات شتى، وشخصيتها المرحة التي لم يرى مثلها من قبل جعلته يود أن يتحدث لها أكثر وأكثر



"الساعة بقت حداشر!! ده أنا سيادة السفير هيعلقني!" صاحت ليلى في تعجب وهي تلم حاجيتها من على طاولة المقهى



"استني بس.. أنا هاوصلك"



"لا كده كده السواق هيجيلي.."



"خلاص براحتك" تنهد ثم شعر بالغضب



"بدر.. أنا هاشوفك تاني مش كده؟!" سألته وعيناها تعلقت بتلك القاتمتان لتجده يُزيد من عقدة حاجبيه لتتلمسها هي في جرأة "هاشوفك يا بدر" اجابت على سؤالها بنفسها وهو يتعجب من تلك الحيوية الشـ.ـديدة وتأكدها من كل شيء هكذا بتلك الثقة ودون أن يدرك أعطته رقم هاتف منزلها "ابقى كلمني.. باي" ابتسمت له مودعة اياه وهو لا يدري ما كل ذلك الذي يحدث له وهو يريد أن يصـ.ـر.خ ويوقفها عن المغادرة ولكنها كانت سريعة للغاية وغادرت.. مثلما كانت تفعل دائماً.. سريعة بكل شيء..



فتح عيناه ثم ابتسم بمرارة على تلك الذكريات التي جمعتهما معاً وشرد في تلك الإبتسامة التي إلى الآن لم يرى مثلها.



"ليلى.. أنا.. أنا اتسرعت معاكي ومش عايز أعلقك بسراب.. احنا لازم نبعد عن بعض!!"



"ليه؟! ليه!! جاي تقولي ده دلوقتي بعد ما حبيتك يا بدر، أنت عارف إني ممكن أموت من غيرك" صرخت به وهي تبكي بحرقة



"أرجوكي يا ليلى متصعبيش عليا الأمر أكتر من كده.."



"لأ، أنت اللي مصعب كل حاجة على نفسك، عايش في الماضي واللي حصل زمان، انسى بقا، انسى اللي عمله باباك فيك زمان، انسى أمك، افتكر شاهندة وماما نجوى والناس اللي بتحبك، افتكرني أنا يا بدر.. أنا بحبك.. بحبك وعايزاك بكل اللي فيك، بكل عقدك وكلاكيعك اللي بنقعد نعيط عليها سوا، عايزاك تحكيلي عشان آخدك في حـ.ـضـ.ـني، أطبطب عليك وأنت جنبي وجوزي وحبيبي.. نصحى كل يوم سوا وننام سوا ونضحك سوا وناكل سوا وحتى خناقنا يكون سوا"



"كفاية.. أنا شايف إن احنا مش هننفع.."



"لأ أنت مش شايف حاجة، احنا أكتر اتنين ينفعوا لبعض، بس أنت مصمم تعذب نفسك وتعذبني معاك.. أنـ.."



"هتتبهدلي معايا وفهمتك أنا ازاي حياتي ماشية، أنا مقدرش أعيش من غير باللي بعمله.. هتقبلي تتجوزي واحد سادي؟ هتقبلي واحدة غيرك تقلع قدامي عشان ابهدلها وأضـ.ـر.بها وأشوفها وهي بتتعذب؟!! ابعدي عني عشـ.." قاطعها صارخاً وهو ينظر لها في غضب لتقاطعه هي الأخرى



"هاقبل يا بدر ولو عايز حتى اجيبهملك بنفسي هاعملها عشان خاطرك" نظر لها في دهشة وغير تصديق لما تقوله "لو قولتلي ارمي نفسي في النار هاعملها عشانك يا بدر!!"





لا يزال يتذكر تلك الكلمـ.ـا.ت منها إلي الآن، لم ينسها أبداً، بتلك الدمـ.ـو.ع التي انهالت على وجهها الرائع بسببه هو، كم كره نفسه مثيراً ذلك اليوم لجعلها تبكي بتلك الطريقة وتمنى لو قـ.ـتـ.ـل نفسه!!



"أنا مش مصدقة نفسي.. احنا متجوزين بجد.. يعني أنا خلاص بقيت مراتك؟!" صاحت في سعادة وهي تحتضنه



"ايوة يا بنت سيادة السفير!! بقيتي مرات بدر الدين الخولي" نظر بعسليتيها وشعر وكأنما تاه بهما ثم أقترب منها ليقبلها ليتحول وجهها للحمرة الشـ.ـديدة "واضح إننا نسينا الجرأة خالص، تعالي بقا عشان أطلعها بمعرفتي" أخبرها ثم حملها ليتوجه لذلك الجناح الخاص بهما لتبتسم هي في خجل وأخبأت رأسها بجانب عنقه.



"خايفة؟" نظر لها مرتعدا وهو لا يدري من أين له القدرة بأن يكن رقيقاً ليناً معها فهي أول مرة لها ولن يخاطر برسم ذكرى سيئة في عقلها بسبب عنفه الأهوج وساديته الضارية!



أحاطت هي وجهه بيديها ثم اومأت له في إنكار



"أنا واثقة فيك وبحبك ومتأكدة إنك عمرك ما هتجرحني" لا يدري من أين لها بكل تلك الثقة فهو حتى لا يثق بنفسه..



دفن رأسه بعنقها يلثمها ليشعر بزيادة أنفاسها ثم هبط ليحاول تخفيف وطأة عنفه بالبداية لتأن هي في لذة ونظرت له لتتقابل أعينهما ثم آخذت تتمسك بالشراشف حولها وهي لا تستطيع تحمل ما يفعله.



" بدر.. أرجوك متخافش.. لو حصل اي حاجة أنا مش هازعل منك" همست وهي تحاول أن تتحدث بين لهاثها الشـ.ـديد ليعتليها ونظر لها ووجهه يعتريه الوجل والرعـ.ـب ثم امتدت يده لتوسع بين ساقيها لتشعر به بداخلها في هدوء.



"ليلي انتي كويسة؟ ردي عليا؟ أنتـ.. "



"انا كويسة متخافش.. أنا بس.." قاطعته متلعثمة



"انطقي متسبنيش كده" صاح بين أسنانه المتلاحمة ثم هبط ليقبل ثدييها وتلالهما العاليتان.



"بسرعـ.. بدر" همست في خجل لينظر لها وبدأ يزيد من سرعته ودون أن تدري علا صوتها وبدأت في جذب شعر رأسه الفحمي بين أصابعها في رغبة جامحة.



لم يدري بنفسه وهو يجمع كلتا يداها ليثبتهما فوق رأسها فهو كلما استمع لها تصرخ أسفله بتلك الطريقة شعر بالجنون الشـ.ـديد وازداد عنفه بتلقائية شـ.ـديدة بسبب مرضه الخبيث..



دفع داخلها وهو يُسلب عقله بصراخها وحدق في ملامحها المنتشية بجموح ثم أمسك بخصرها وهو لا يزال مثبت يداها فوق رأسها ليشعر بصراخها يتزايد لتتزايد وتيرة تحركاته بتلقائية حتى لم يعد يدرك ما يفعله ووجد جسدها يرتجف أسفله 



"بدر قرب مني" صاحت صارخة له ليفعل وهو لا يُبطأ أبداً



"بحبك.. بحبك اوي.. اياك تبعد عني"



همست بأذنه لاهثة ليسحق هو أسنانه بعدما شعر بها تتقلص حوله ليزداد الضغط عليه وأسرع وتيرته للغاية لتصرخ هي صرخة عالية ليبتلعها بدر الدين في قبلة محمومة وترك نفسه ليشعر بالخلاص ثم لانت قبضته حول يداها لتلتق ذراعيها حوله وابتسمت بين قبلتهما لينظر لوجهها ملياً ثم بادلها الإبتسامة ثم استندت على صدره وهو يحاوطها بذراعه وأنامله تتلمس كتفها لمسات محببة لقلبها.



"هو أنا زودتها معاكي شوية مش كده؟" سألها ليشعر بأومأتها بالرفض على صدره



"دي أحلى حاجة حصلتلي في حياتي" همست ثم احاطت صدره بذراعها "أنا بيني وبينك كان نفسي تزودها!"



"ليلى!" ناداها مُحذراً 



"انسي الموضوع ده" زجرها ثم نهض من جانبها لتنهض هي الأخرى



"وفيها ايه يعني لما اكون عايزة أجرب ده مع الراجـ.ـل اللي بحبه؟ مع جوزي؟ أنت ليه فاكرني هاتكسر تحت ايدك؟" صاحت متسائلة في اعتراض لينظر لها في غضب



"لأن ده اللي بيحصل.. بكسرهم تحت مني.. لأنك غيرهم وأنتي مش شايفة اني بحبك ومش شايف أمي القذرة فيكي" صرخ بوجهها غاضباً ليجدها تبتسم وكذلك عيناها التي يعشقها تبتسم فرحا وسعادة



"بتضحكي يا ليلى وأنا بتكلم جد" أومأت له بالإيجاب ليزداد غضبه وكاد أن يذهب لتوقفه متلمسه ذراعه العريض



"عشان أول مرة تقولي إنك بتحبني" همست له وتوسعت ابتسامتها لتنهمر الدمـ.ـو.ع من عسليتاها واحتضنته ليزفر في حنق ثم همس لها وهو يبادلها العناق



"إن كنتي بتحبيني بلاش تتكلمي في الموضوع ده تاني"



تجمعت الدمـ.ـو.ع واحتبست بعينيه لينهض واقفاً بالشرفة وهو يتذكر تلك اللحظات معها وترك هواء الفجر ليجفف دمعاته المتراكمة ورغماً عنه تذكر المزيد..



"كانت بتكرهني اوي.. دايماً تزعقلي وتقولي انها مبتحبنيش واني سبب تأخيرها في كل حاجة؛ أنا كنت بسمع صوتها وهي! وهي نايمة مع واحد في الأوضة وأنا كنت صغير ومش فاهم هي ليه بتصوت ومن غبائي كنت ببقا خايف وفاكر حد هيجي يضـ.ـر.بني زي ما بيضـ.ـر.بها.." ابتلع في تقزز ثم أكمل



"وبابا.. بابا كان بيشوفني فيها.. كان كل ما بيلاقي شعري طول شوية يحلقهولي عشان شعري الأسود بيفكره بيها.. كان دايماً يقولي متبصليش كده زي يا أمك؛ كان أغلب الوقت يقولي يا ابن أمك وكل ما يفتكرها يعذبني بأي طريقة ممكنة.. مكانش فيه غير أمي نجوى اللي بتدافع عني هي وشاهي ويفضلوا يتحايلوا عليه عشان ميحبسنيش أو يعاقبني.. كنت لازم كل يوم أخلي اوضتي متنظمة اوي ونضيفة وإلا كان ممكن يضـ.ـر.بني ويهزقني قدام الناس وبالذات الشغالين والسواق.. ومرة نقصت درجة واحدة في مادة آخر السنة وكان الامتحان صعب اوي، مع اني كنت طالع الأول على المدرسة بس هو كان شايفني فاشل، فضل حابسني طول الاجازة لوحدي ورابط ايديا ورجليا بالجنزير في الحيطة ومكنتش اقدر اتحرك غير نص متر وعشان أنام كان لازم أنام وأنا قاعد.. تلت شهور كان نفسي في مرة أفرد ضهري حتى لو على الأرض بس مكنتش بعرف؛ كان بيبعتلي الأكل مرة كل يومين ومرة كل اسبوعين يجي يدلق عليا جردل ماية لغاية ما كرهت نفسي وقرفت من نفسي.. كان دايماً بيخترعلي أخطاء عشان يعاقبني وخلاص.. مش قادر يا ليلى أنسى كل ده، ضـ.ـر.به ليا وكلامه الصعب وكان بيحبسني.. كان بيحبسني لغاية ما كنت بعمـ..." 



أجهش بالبكاء في صدرها وهي تربت على ظهره في حنان وازادت من عناقه وضمته أكثر لها وهي تشعر بجسده ينتفض بين يديها بينما يخبرها بكل ذلك الماضي.



"أنا جنبك وبحبك.. أنسى كل حاجة.. مفيش حاجة وحشة تاني هتحصل.." همست له في حنان ليحاول هو التوقف عن البكاء



"هما السبب يا ليلى.. أنا مش وحش.. هما خلوني وحش.. كل ما بفتكرهم بتضايق وببقا عايز اطلع كل الوجع اللي جوايا بأي طريقة؛ مش لاقي غير الطريقة دي.. ساعديني أرجوكي؛ أنا مش عايز أعذب حد تاني.. ساعات ببقا نفسي أنتحر بعد ما ببص لجـ.ـسمهم وبشوف أنا عملت فيهم ايه.."



فرت دمعة بغتةً دون أن يتحكم بها ليزيحها مُسرعاً ثم ابتلع تلك الغصة التي شعر بها في حلقه وهو يمنع نفسه عن البكاء بصعوبة ليحس بمكان يدها وهي لازالت تربت على ظهره في حنان.



"يعني ايه حامل؟ يعني ايه بتعانديني؟ أنتي طفلة صغيرة عشان تحملي ومش عارفة أنتي بتعملي ايه؟" صرخ في غضب وهو يجذب كتفيها في عنف لينظر إليها 



"الزفت ده ينزل!!" صاح بها آمراً اياها وأنفاسه المتثاقلة الغاضبة تلفح وجهها



"وفيها ايه يا بدر، احنا متجـ.."



"فيها إني مينفعش أكون أب، مينفعش ابقى أب بمنظري ده، أنا لسه زي ما أنا و.." 

قاطعها لتقاطعه هي الأخرى



"لا ينفع أنت بس خايف، زي ما كنت خايف تكون معايا وتمد ايدك عليا وفاكر نفسك هتموتني ولا هتكسرني، زي ما كنت خايف من الجواز، زي ما كنت خايف وفاكر نفسك مش هاتنسى كل اللي حصلك زمان، ليه مش بتثق إننا طول ما احنا مع بعض نقدر على أي حاجة؟ ليه دايماً شايف نفسك وحِش وأنك مش كويس.."



"كفاية يا ليلى اللي انتي عملتيه ولسه مصممة تعمليه، عايزة تغيري كل حاجة فيا في لمح البصر وتمحيني وتبدليني بشخصية جديدة!! خلتيني أكون سادي معاكي انتي بس، بعدت عن اللي كنت بعمله مع الستات زمان، بضحك وبحاول أنسى وبعمل حاجات جديدة عشان خاطرك.. بس لغاية هنا وكفاية.. وأ عـ.ـر.في إن مش أنا اللي ينفذ كلام واحدة ست!!"



 صرخ بها غاضباً لتنظر له في حزن وانهمرت دمـ.ـو.عها



"تنفذ كلام واحدة ست؟!" كررت كلمـ.ـا.ته في غير تصديق ليتعالى نحيبها "يعني عشان عايزاك تكون كويس وإنسان طبيعي بقيت بتنفذ كلام واحدة ست.. بس .. هو ده كل اللي أنت شايفه؟!" تسائلت وهي حقاً لا تدري كيف له أن يتفوه بتلك الكلمة



"أيوة يا ليلى!! وآخر كلمة هاقولهالك الطفل ده ينزل وانتي عارفة من الأول إني قايلك مش عايز أطفال.. أنا مكدبتش عليكي في حاجة.."



"حاضر يا بدر.. هنزله" همست وهي تجهش بالبكاء بعد صمت دام لقرابة الخمس دقائق وبعد أن تفحصته وهي لا تُصدق أن ذلك الرجل أمامها، زوجها، الذي تحبه أكثر من أي شيء قد قـ.ـتـ.ـلها آلف مرة بما أخبرها به.





ارتجف جسده وهو يتذكر ذلك الشجار الذي بدا وكأنه البـ.ـارحة ليحاول منع نفسه عن البكاء ولكن دون جدوى وكلما حاول كتم نحيبه كلما ازدادت حاجته في البكاء أكثر.



"معلش يا بدر.. هاقعد عند أختي في فرنسا يومين ومتقلقش هاعمل العملية.. ممكن تبقا تيجي تاخدني من عندها لو حابب.. بس أنا محتاجة أكون لوحدي شوية!"



 تحدثت له في هدوء وهي تنظر له بطريقة غريبة لأول مرة يراها تنظر له بتلك الطريقة



"بس يا ليلى مينفعـ.."



"أرجوك يا بدر سيبني براحتي.. إن كنت بتحبني وليا في قلبك معزّة سيبني اهدى يومين.." قاطعته ليحدق بعينيها ثم أقترب منها وقبّل جبينها بشفتان مرتعشتان



"حاضر، بس متتأخريش عليا!" أخبرها وهو يحاول التغلب على تلك الدمـ.ـو.ع البغيضة التي اقتحمت عيناه فجأة.



"متقلقش مش هتأخر.. مش هتلحق تحس إني مشيت" ابتسمت له في اقتضاب ثم عانقته بكل ما لديها من قوة ثم ابتعدت لتجفف عيناها "خد بالك من نفسك" همست له ليومأ لها



"وأنتي كمان لو احتاجتي حاجة كلميني!" أومأت له هي الأخرى ثم توجهت للخارج.



"ازاي كنت غـ.ـبـ.ـي كده!! ليه سيبتيني ومشيتي؟؟ مش عارفة إني من غيرك هاكون أسوأ إنسان في الدنيا؟ مش عارفة إني مش هاقدر أعيش بعدك؟ اشمعنى اليوم ده بالذات واشمعنى الطيارة دي اللي وقعت!! ليه عملتي فيا كده!  لو كنتي بس سمعتي كلامي ومحملتيش.. لو كنت أنا وافقت.. كان ممكن تكوني جنبي دلوقتي.. ليه كنت غـ.ـبـ.ـي كده؟! غـ.ـبـ.ـي!!" صرخ بداخل نفسه ليتجرع تلك الآلام وحده ثم أجهش بالبكاء وهو يشعر بالنـ.ـد.م وإلي الآن يعرف أنه السبب بكل ما حدث لها.




❈-❈-❈



تنهد في سأم وهو يعرف أنه سيذهب لها بالداخل وسيراها الآن.. عليه أن يستجمع رباطة جأشه، عليه أن يعود بدر الدين الخولي بتلك القسوة، بنفس الغضب والجدية، عليه أن يرى والدته في كل النساء وينتقم منهن لعل تلك الآلام تسكن بداخله قليلاً.



دلف الجناح التي تمكث به ليجد كل شيء كما هو، بقايا طعام البـ.ـارحة، ملابسها التي أحضرها، حقيبة العلاج الذي ابتاعه لها وكأنما تعصاه عن قصد فتوجه للسرير التي نامت عليه وهو يُقسم بداخله أنه سيقـ.ـتـ.ـلها تلك المرة فاقترب منها وكاد أن يجذب الغطاء ولكنه وجدها تهمس أثناء نومها



"ببلاش.. ضـ.ـر.ب.. ماما.. كفاية.. ضـ.ـر.ب لأ.. بببلااش" أقترب أكثر ليجد جسدها يرتجف بشـ.ـدة والعرق ينهمر على جبينها فاقترب يتلمس وجها ليجد حرارتها مرتفعة للغاية ليلعن داخل نفسه ثم توجه للخارج مسرعاً.



أستسلم جسدها لحمى شـ.ـديدة لم يجد بها عقلها الباطن سوى أنها ستكون الحل لكل ما يحدث لها، حيلة اخرى من الحيل الدفاعية لعقل الإنسان كي يتغلب على الصدمـ.ـا.ت التي لا يستطيع مواجهتها، استجابة جسدها نفسه لتلك الإشارات التي اجبرتها على الهروب من الواقع والعذاب الذي تلقته لأيام على يده كان الحل الوحيد..



في تكوين العقل الذي لا يعلم عنه شيئا سوى خالقه، هناك العديد مما قد يفعله ليواجه الصدمـ.ـا.ت.. قدرة رهيبة ومذهلة قد لا يعرف الإنسان عنها شيئا.. وهذا ما فعله عقلها.. استسلم لذعرها وخوفها وإضطراب قدرتها على مواكبة كل ما يحدث حولها ليدفعها للإستسلام الشـ.ـديد لحالة مرض كي ينعزل بها عن الواقع.. دفعها لحالة من الحمى بمصاحبة هروب من تلك الفجائع وذلك الآلم الذي لم بسائر جسدها وقدرتها على التفكير لترقد في حالة من الهذيان الرافض لكل ما يفعله..



عقلها يحميها من مواجهة هذا بالهروب الذي قد تستطيع استخدامه بتلك الحالة وهي كالمحتجزة.. لم تدرك هي ما الذي يحدث لها بعقلها الطفولي وطيبتها الساذجة وتفكيرها المحدود.. حياتها التي تقاسمتها بين مدرسة ثم جامعة والقليل من الأصدقاء أو إنعدامهم فزياد لم يكن بالصديق الحقيقي وكذلك مريم!.. والدتها التي لم تتعامل معها سوى بالطيبة والحنان.. وزوج والدتها لم يكن بالوالد ولا الأب.. كل خبراتها المحدودة القصيرة التي مرت عليها بالحياة لم تترك لها سوى مواجهة الصدمة الشـ.ـديدة التي تحيا بها منذ أيام بالهروب!! كان هذا الحل ما اقترحه عقلها عليها..
عاد بسرعة بعد أن أحضر كل العلاج اللازم للحمى! هو يعرف جيداً ما بها وقد واجهه من قبل عنـ.ـد.ما مرضت ليلى!
حملها ثم وضعها في المياة البـ.ـاردة حتى تقل حرارتها قدر المستطاع ليسمعها بين الحين والآخر تهذي بنفس الكلمة "بلاش ضـ.ـر.ب"
لقد واجه العديد من المواقف التي بكت بها النساء وتآثرن من عذابه؛ ربما كسرن، نزفن، لقد رأى كل شيء ولكن تلك الحالة من الهذيان جديدة عليه تماماً.
أخرجها من المغطس ثم جففها وألبسها تلك الملابس وأعطاها حقنة بسرعة لتخفض من حرارتها وآخذ في عمل الكمادات وأخذ يراقب حرارتها التي انخفضت بعد الكثير من الوقت.
لأول مرة يشك أنه فشل بشيء ما وكان سيتحدث للطبيب ولكن لماذا كل هذا العناد منها بل ومن جسدها تجاهه.
تنهد وهو ينظر لها وأكمل صنع الكمادات البـ.ـاردة لها لتستمر في الهذيان بين الحين والآخر ثم للحظة شعر بالكراهية تجاه نفسه.. إلي متى سيظل يعذب النساء، أين له بالخلاص من كل ذلك؟ هذه الفتاة أخطأت ولذلك هو يفعل كل هذا، يرى بها نفس المرأة المستغلة التي كرهته من قبل، ولكن ماذا بعد أن ينتهي منها؟ هل سيعود لعادته القديمة ويحضر نساءاً فقط ليعذبهن!!
منذ أن رحلت ليلى وتركته لم يعد الأمر بالنسبة له هو رؤية والدته بهن، بل أصبح يأتي بالمرأة ليعذبها إلى أن تطلب منه الرحيل وحينها لا يرى أمامه إلا ليلى متمثلة بهن وهي تخبره بأنها ستعود قريباً ويعود هو ليكتشف أنها ليست هناك ولم تعد ولن يراها مرة أخرى وأن كل ما يره هو مجرد وهم!
هنا يجن جنونه ويُطلق ذلك الوحش بداخله ليفترس من أمامه بمنتهى الحـ.ـيو.انية والهمجية، يتمنى فقط لو مرة وهو يعذب إحداهن أن تنطق وتخبره بأنها ستبقى، ستبقى بجانبه ولن تتركه أبداً.. ولكن لم يحدث ذلك ولو لمرة واحدة..
تطلع وجه نورسين ملياً وهو يرفع خصلاتها الحريرية ثم أطلق زفرة عميقة وهو يُفكر بكل شيء أوصلها لهذا الوضع بين يداه، لقد أذنبت كثيراً بحق عائلته، تلك العائلة التي لن يخسرها أبداً مهما حدث، لا يعرف أحد بحياته غيرهم، هم من مثلوا له الأسرة، الحب، العائلة، احتضنوه في وقت كان مُدمراً به، لن يترك أحد يُفكر في أذيتهم أو استغلالهم.. لن يحدث هذا ما دام لديه القدرة على التنفس..
لماذا أرادت أن تفعل ذلك؟ فتاة مثلها في مقتبل عمرها، تبدو ذكية، جميلة، متفوقة، طيبة، لماذا تأتي لتُفسد على رجل وإمرأة زواجهما بهذه الطريقة؟
نظر لها وهو يُفكر بما سيفعله معها الأيام القادمة، بالطبع لن يدعها لتستحوذ على عقل عائلته بطيبتها المُزيفة، ولن يستطيع أن يدعها بالقرب من كريم حتى يُظهر خيانته لهديل!!
وقع بالكثير من الحيرة وشرد ليفكر مجدداً وعلم أن الطريقة الوحيدة للإنتهاء من إلحاح الأفكار عليه هو أن يُكشَف كل من كريم ونورسين بسرعة حتى ينتهي من ذلك الكابوس.. مد يده ليبدل الكمادات على رأسها ليجدها تفتح عيناها ووجهها شاحب للغاية
"أنا حرانة أوي.. هو ليه الجو حر كده"
 همست وهي تغلق جفناها في تعب شـ.ـديد وشعرت بالسخونة الشـ.ـديدة تكاد تحرق عيناها ثم نظرت لتجد أن بدر بجانبها ويبدو وكأنه هو من يطببها 

"أنا مش قادرة أقوم عشان انضف.. أنا آسفة.. أنا.. " 
تحدثت في تلعثم واضح وبدأت في الخوف منه ونبرتها أهتزت رعـ.ـباً منه ليوقفها عن الكلام واضعاً سبابته على شفتاه ثم حدق بعينيها المتعبتين وتوجه ليحضر لها بعض المياة وهي تتابعه بزرقاوتيها في إرهاق شـ.ـديد لتجده يتوجه نحوها ويقترب منها لتخاف هي ولكنه ناولها المياة لتتعجب فآخذتها منه ولكنها لم تستطيع التحرك.

زفر في حنق ليقترب منها فشعرت بالرعـ.ـب من قربه لها هكذا ثم حاوط خصرها بذراعه حتى يساعدها لتجلس فتمسكت هي بذراعه في تلقائية لتستند عليه ونظر إليها لتتلاقى أعينهما لبرهة وتزايدت خفقات قلبها في خوف بينما هو عاد له نفس ذلك الإحساس كلما أقترب منها ليبتعد مسرعاً عاقداً حاجباه.
"اشربي.." 
صاح آمراً لتشرب هي بسرعة وما إن انتهت اقترب منها ليآخذ الكوب 

"حاسة بإيه دلوقتي؟" 

بالرغم من أن سؤاله هذا يٌعتبر اهتماماً ما من قِبله ولكن لهجته الحادة لم تدع لها الفرصة للشعور بذلك الإهتمام!

"حرانة ودايخة وزوري بيوجـ.ـعني اوي.." 

تحدثت في تلقائية ليزيد هو من عقدة حاجباه وعادت هي للشعور بالخوف.

"كان ناقص كمان قرفها ده" 

تمتم بعد أن توجه للخارج ليقوم بطلب بعض الحساء الساخن والدجاج لها واستدعى الطبيب.
❈-❈-❈


حاولت أن تفهم ما الذي يفعله معها، يعذبها ويهينها والآن يعتني بها!! تعجبت كثيراً من كل هذا ثم اندهشت وهي تعود بذاكرتها لليلة الأمس..
لقد جلست تبكي حتى شعرت بأن حبالها الصوتية قد تضررت من كثرة النحيب، أشتاقت لوالدتها كثيراً، تريد أن تذهب لها وتقص عليها كل شيء، هي حتى لم تقم بزيارة قبرها ولو لمرة واحدة، أجهشت بالبكاء ثانية عنـ.ـد.ما أدركت أن بدر الدين لن يدع لها الفرصة لتفعلها حتى ولو توسلت له!!
لقد نامت هنا، تبكي، لم تشعر بالوقت، لقد كانت بالكاد تخفي جسدها عنه، نعم هي تتذكر ذلك، إذن، هو الذي ساعدها لترتدي تلك الملابس، لقد فاقت لتجده بالقرب منها يضع لها الكمادات على جبينها، ماذا حدث له منذ البـ.ـارحة إلي الآن؟ أيمكن أنه قد أكتشف الحقيقة وعرف أنها لم يكن لديها يداً بكل ما حدث؟!
تنهدت في حيرة ثم تفقدت الوقت لتجدها التاسعة مساءاً وظلت تفكر، أحقاً بدر الدين الخولي لم يعود لعائلته فقط لأنها مريـ.ـضة؟ كان بإمكانه أن يدعها تجلس معه بالسيارة وعند عودتهما كان له أن يستدعي الطبيب أو شاهندة لتعتني بها ولكن ما أثار حيرتها أكثر أن مظهره ذلك وملامحه التي رآتها منذ دقائق تخبر بأن بداخله بعض الإكتراث والقابلية لمساعدة الغير!! أيمكن هذا معه أم أنها تتوهم لطيبتها الزائدة؟!

وجدت شخصاً يدلف عليها وبالقرب منه بدر الدين لترتبك وهي تحاول أن تعتدل في جلستها ثم همس بدر بشيئاً لم تستطع هي سماعه وتوجه للخارج بينما أقترب الشخص الآخر منها لتشعر بالخوف فهي لم تعد تثق بما قد يفعله بدر الدين حتى ولو هي مريـ.ـضة فكل ما فعله معها لا يترك لها مجالاً للإطمئنان.
أقترب منها حاملاً الطعام بعد أن فحصها الطبيب الذي أخبرهما بأنها حمى شـ.ـديدة وسوء تغذية وإرهاق لتفر دمعة ازاحتها سريعاً بأناملها عنـ.ـد.ما تذكرت أنه السبب في كل ذلك بينما بدر الدين وبمنتهى الإندهاش تجاه نفسه شعر بداخله بالذنب الشـ.ـديد لما فعله معها.
"خلصي الأكل ده.. أنا رايح أجيب الدوا وجاي" آمرها في اقتضاب بعد أن وضع الطعام أمامها وهي تطالعه بزرقاوتاها في تـ.ـو.تر ثم أشاحت بنظرها وسلطته على الطعام لكي لا ترتبك أكثر بفعل عيناه تلك القاتمتان.
أنهت الطعام بأكمله حتى شعرت بالإمتلاء ووصدت عيناها لبرهة ولم تشعر بنفسها بعد ذلك.
دلف الغرفة التي تمكث هي بها ليجدها نائمة وأمامها الصحون فارغة ليعقد حاجباه في حنق واستنكار من تصرفاتها، كيف لها حتى أن تسقط في النوم دون وعي بما أمامها.. لا يُصدق أنها بمثل تلك الطفولية الشـ.ـديدة.
أقترب ليزيح الأطباق جانباً ثم توقف ينظر لها في تحير شـ.ـديد ولكنه لن يضيع المزيد من الوقت عليها، أقترب بيده ليجعلها تستيقظ لتناول دواءها ولامس كتفها "اصحي" تحدث في هدوء ولكن على مضض.
"لا لأ متضـ.ـر.بنيش" صاحت في فزع عنـ.ـد.ما رآته بالقرب منها وعادت للوراء بجسدها بينما نظر لها هو في غضب شـ.ـديد وقدم يده لفمها ليجبرها أن تبتلع الدواء ثم ناولها المياة
"اطفحي الزفت.." تحدث بين أسنانه المطبقة غضباً ثم ابتعد عنها لتفعل هي على الفور ثم استمع لإرتطام الكوب بطاولة السرير الجانبية "اتخمدي عشان هنرجع بكرة" أخبرها وهو موجهاً ظهره لها وبعدها توجه للخارج.
تركها في حيرة من آمرها فهي لم تعد تعي ما الذي يفعله معها وما الذي أثناه هكذا فجأة عن طريقته معها بالأمس لتزفر في حيرة ثم وضعت رأسها على الوسادة ووصدت عيناها لتذهب في النوم سريعاً.
❈-❈-❈

"شاهي حبيبتي عاملة ايه؟"
"ايه يا بدر وصلتو لفين؟"
"لا احنا لسه في لندن.. حصل اجتماع مفاجئ تاني واضطرينا نأجل السفر شوية" تحجج بأي شيء حتى لا يُشعرها بالقل على نورسين
"يووه بقا، يعني لسه هتيجوا بكرة.."
"ايوة.. كده احنا خلصنا كل حاجة
.."
"ماشي يا بدر أما أشوف آخرتها ايه، نور وحـ.ـشـ.ـتني أوي.. هي جنبك؟"
"لأ في اوضتها" اجابها بإقتضاب وسحق أسنانه في غضب من تلك الأعذار الواهية التي يقدمها من أجل تلك الفتاة
"طيب سلملي عليها كتير.. أنتو طيارتكو امتى صحيح؟!" سألته في تلقائية بينما تريث هو وهو لا يدري بم يجيبها!
"طب شاهي هكلمك تاني.." أنهى المكالمة بسرعة ليتمتم غاضباً " فيه ايه بقا! ايه اللي أنا بهببه ده؟" هشم بمنفضة سجائره احدى المرايات بالغرفة وهو يتعجب على كل ما يفعله معها ولأجلها، إلي الأمس كان كل شيء بخير، ما الذي حدث بعدها؟ لماذا غير خططه بأن يدعها تستريح؟ أيشفق عليها؟ أيكترث لأمر تلك الحثالة؟ لماذا يُقدم الأعذار من أجلها؟ لا!! لن يحدث..
لن يكترث مجدداً لأمر إمرأة أياً كانت.. لن يفعلها أبداً! هن بأكملهن مجرد مستغلات.. احدهن تستغل الأموال وأخرى تستغل عشق الرجال لها..
عاد ليتذكر تلك اللحظات مع ليلى عنـ.ـد.ما طوعته لكل ما أرادت وكأنها تحلم وهو يترجم حلمها حتى يجعله حقيقة من أجلها، ابتلع في مرارة ثم تهاوى جسده جالساً على أحد المقاعد وتذكرها مجدداً..
"اتبسطتي؟" همس سائلاً اياها وهو يتلمس أسفل ذقنها وحدق بتلك العسليتان وهي جالسة على ركبتيها بين قدماه المتباعدتان
"اوي" اجابته بإبتسامة وهي تومأ له وبالرغم من وجهها الذي يبدو عليه الإرهاق وجسدها الذي يـ.ـؤ.لمها إلا أنها شعرت وكأنما تُحلق بالسماء السابعة فقبلت يداه الاثنتان ثم اراحن رأسها بجانب قدماه.
"أنتي عارفة ومتأكدة إنك مش لازم تعملي ده عشاني.. ملوش لازمة لو بيتعبك!" أخبرها بدر ثم أراح جسده بذلك الكرسي الوثير ليجذبها ويجلسها على ساقيه ثم أراح رأسها على صدره.
"حبيبي.. أنا حبيت كل ده معاك.. يمكن لو في ظروف تانية مكنتش بقيت كده.. بس تعرف! من ساعة ما قولتلي وأنا ابتديت أفكر في الموضوع، قريت كتير عنه، اتفرجت على حاجات كتير، اخدت الموضوع من وجهة نظر تانية خالص، لقيتني شوية بشوية حبيته، كان نفسي اجرب ده بجد عشان أتأكد وأقرر إذا كنت هاحبه اوي ولا مجرد الكلام اللي شوفته شـ.ـدني.. بس صدقني أنا خلاص بقيت مقدرش أعيش من غير الحاجات دي؛ كل لمسه بتلمسهاني وكل قسوتك معايا في الأوقات دي مقدرش خلاص اعيش من غيرها" 

أخبرته وهي تحاوط صدره بذراعها وتستمع لخفقات قلبه
"بس أنا مش عايزك تتعودي على الحاجات دي؛ أنا لولا إن أنتي اللي معايا ممكن الموضوع يخرج عن ايدي وأأذيكي وساعتهـ.."
"عمره ما هيخرج عن ايدك عشان بتحبني وأنا واثقة ومتأكدة إن عمرك ما هتأذيني أبداً" قاطعته ثم ازادت من حدة معانقتها له وهو يخلل يده بين خصلاتها الطويلة ثم نهض غاضباً من كثرة تلك الآلام التي تجددت بداخله بعد أن تذكر تلك اللحظات.
"بس أنتي آذتيني يا ليلى.. ادتيني كل حاجة وغيرتيني وحسستيني بالأمان وفجأة سيبتيني وخرجتي من حياتي" تمتم متآلما ثم حدق بصورتها على هاتفه للكثير والكثير من الوقت وآخذت ملامحه تتحول من التألم للغضب الشـ.ـديد لينهض مسرعاً بعد أن آخذ قراره.
لن يلين لإمرأة، لن يتهاون مع أي منهن حتى لا تظن أن هناك بعض الإكتراث بداخله.
لن يدع الفرصة لمثل تلك الفتاة بأن تعتقد ولو لثانية واحدة إنه يشفق عليها أو يكترث لأمرها، تلك المستغلة الصغيرة عليها أن تتذكر من هو مجدداً.. ستسافر والآن في حالتها تلك ولن يتغير شيئاً بمرضها.. إذا مرضت فتلك مشكلتها وليست مشكلته هو!
اصطحب غضبه وقراره لجناحها دالفاً اياه وتوجه لغرفتها وهو يتوجه نحو سريرها في غضب وكاد أن يتحدث ولكنه توقف من تلقاء نفسه.
رآها وهي متكورة على نفسها، متعرقة بغزارة شـ.ـديدة، تأن بين أنفاسها المنتطمة كالمرتعبة من شيء ما.
لا يدري لماذا تراجع مجدداً؟ لقد أقضى حَالي ساعتان يحاول أن يقنع نفسه أنه لن يصبح ليناً معها أبداً.. ما الذي يحدث له الآن؟!
سأل نفسه وهو يجلس في حيرة على كرسي قريب منها ونظر لها ملياً ليجدها تهمس بين نومها مرة أخرى

 "بلاش ضـ.ـر.ب.." سمع نبرتها النائمة الخائفة ليزفر في حيرة وهو لا يدري ماذا يفعل معها!
ظل جالساً يُفكر ويُفكر وهو ينظر لها يتفحص ذلك الوجه البريء الذي خدع الجميع ببراعة وحاول أن يستحث ذلك الغضب وتلك القسوة بداخله على أن يوقظها ولكن شيئاً ما يغلله وكأنما وقع أسيراً في براثن من لا يرحم!
توجه نحوها وهو يرفض تلك الشفقة التي تصرخ بداخله كي يدعها وشأنها ومد يده ليجذبها من شعرها ولكن خارت قواه تماماً ليعيد الغطاء عليها مرة أخرى وعاد لمقعده وهو يحاول مجدداً أن يستدعي قسوته وبدلاً من أن يوقظها سقط هو في النوم.

"صابر! كفاية بقا! حـ.ـر.ام عليك، ليه بتعمل فيه كده؟ ليه بتظلمه؟ ده مش ذنبه.. ده طفل مكملش عشر سنين، أنت كده بتربيله عقدة" 

صاحت نجوى في انفعال بينما استمع بدر الدين لكل ما قالته ولكنها لم تراه فلقد أختبأ جيداً أسفل الطاولة.
"نجوى.. ده ابني وملكيش دعوة أتصرف معاه زي ما أحب.." 

صاح صابر بنبرة قاطعة لا تحتمل النقاش
"وهو بردو ابني زي ما هو ابنك.. أنا مش هاقبل عنفك معاه ده" تحدثت له بعصبية ثم توجهت نجوى نحو زوجها وهي تنظر له في توسل "أنا بحبك.. حبيتك بكل ما فيك؛ مكنتش أتصور أبداً إن قلبك الحنين ممكن يعمل كده في طفل ملوش ايد في كل اللي بيحصل"
"لأ يا نجوى ليه ايد.. ذنبه انه ابنها.. بشوفها فيه كل لحظة.. بشوف خيانتها واستغلالها و..."
"لأ.. مش هو اللي عمل كل ده.. هي اللي عملت كده، فوق ارجوك وحاول تحس أنت بتعمل ايه.. لو أنا عملت كده في شاهندة لا قدر الله عشان حصل ما بينا مشاكل تفتكر هتسامحني؟ تفتكر هتحبني؟ هتشوفني ازاي وهتبوصلي ازاي؟" قاطعته في حزن لينظر لها متمعناً بها
"انتي حاجة وعلاقتي بيكي حاجة واللي حصل مع الوا.طـ.ـية التانية حاجة.. متقارنيش ما بين اللي بيني وبينك واللي حصل معاها وسيبيني أربي زي ما أنا شايف.. عارفة ده دمه بيجري فيه الوساخة والاستغلال زي أمه.. لو متكسرش مرة واتنين وتلاتة وعشرة واتربى صح هيتنمرد زيها!"
"يا صابر حـ.ـر.ام عليك اللي أنـ.."
"كلام دلوقتي مش عايز وسيبيني لوحدي عشان اهدى بدل ما امسكه اموته،" 

صرخ بها لتنظر له نجوى في حزن وآلم على ذلك الصغير ولم تتحرك من مكانها فنظر لها هو في غضب 

"يوووه! اديني ماشي وسايبهالكم عشان ترتاحوا!" 

صاح ثم توجه خارجاً صافعاً الباب خلفه لتبتلع نجوى لعابها في حزن ثم شعرت بحركة أسفل الطاولة لتتوجه وهبطت على ركبتيها وتفقدت ما تلك الحركة لتجد بدر الدين يرتجف رعـ.ـباً فابتسمت له في حنان ودلفت هي الأخرى أسفل الطاولة معه.
"قفشتك.. بتعمل ايه هنا بقا؟" 
همست له وهي تنظر بتلك العينتين البريئتين.
"بابا هيموتني.. أنا خايف اوي.. ماما نجوى ابعديه عني.. أنا خايف" 

همس برعـ.ـب لتعانقه هي وشعرت بإبتلال بنطاله وخجله في نفس الوقت فلم تشعره هي بإحراجه وكأن كل ما فعله طبيعي وربتت على شعره الأسود الفحمي في حنان وهي تضمه لصدرها وتحاول أن تقلل من ارتجافه
"متخفش.. طول ما أنا معاك مش هيقدر يعملك حاجة.. بابا كان متعصب بس شوية واكيد لما يرجع بليل هيهدى وينسى كل الكلام ده.. وعلى فكرة بابا بيحبك اوي يا بدر.. عارف! كان مبسوط جداً لما اخدك من عند مامتك عشان تقعد معانا هنا. هو بس عصبي شوية لكن حبه وهينسى"
"لأ.. هو قال هيموتني.. ممكن يا ماما نجوى تخبيني ومتقوليلهوش.. وأنا مش هاعمل صوت خالص"
"اخبيك فين بقا؟" نظرت له بأعين متوسعة مازحة
"هنا تحت الترابيزة.. هو مش هياخد باله"
" خلاص اتفقنا.. بس ايه رأيك قبل ما يجي تيجي تتفرج على الحاجات الحلوة اللي جبتهالك؟"
"بس كده بابا هيشوفني ويموتني"
" لا يا حبيبي متخفش.. طول ما أنت معايا متخافش يا بدر الدين.. محدش هيقدر يقرب منك أو يأذيك طول ما أنا عايشة.. مش عايزاك تقول الكلمة دي تاني أبداً.. اتفقنا؟" 

أومأ لها لتبتسم له ثم قبلت مقدمة رأسه وتوجها ليخرجا سوياً من الغرفة..
"هيموتني.. أننا.. خايف" 
تمتم هامساً أثناء نومه على ذلك الكرسي وفجأة تعجبت نورسين مما يقوله فهي قد سمعته جيداً فابتلعت في حيرة وهي لا تدري لماذا يقول ذلك! هي أيضاً مندهشة أن مثل هذا القاسي بجبروته ذاك الذي رآته مع الأيام الماضية قد يشعر حقاً بالخوف.
آخذت تتمعن في ملامحه التي تبدو متآلمه لتتعجب لماذا يبدو بتلك الهيئة التي لم تراها من قبل، هي أيضاً لم تنتهي بعد من تعجبها من نومه هنا بجانبها على ذلك الكرسي، أكان ينتظرها أن تستيقظ ليضـ.ـر.بها مجدداً أم ماذا أراد منها؟
حلقت تلك الزرقاوتان في فزع ثم أجفل قلبها ما إن نظرت لها تلك السوداوتان القاتمتان في قسوة لتبتلع لعابها في رعـ.ـب لتجده ينهض وولاها ظهره 

"قومي اغسلي وشك ويالا على العربية.. أنا مستني تحت!" ألقى بآوامره ثم توجه للخارج ليترك عقلها يصـ.ـر.خ من تلك الغرابة التي تتلقاها من معاملته!
دلف غرفته ليُمسك بالحقيبة التي تخصه بعد أن أحضر العديد من الملابس له ليعقد حاجباه ثم تذكر أنها آتت إلي هنا دون ملابس نهائياً ليُدرك أن هذا ربما سيثير تساؤل عائلته فقرر أنه عليه أن يبتاع حقيبة أخرى فارغة ليعتقد الجميع أنها لها..
توجه للأسفل ثم دلف بالسيارة وهو يتابع بعيناه قدومها ليراها تأتي نحو السيارة وتسير بخطوات مترددة ليتنهد هو لمظهرها الخائف الذي يتمنى زواله قبل أن تذهب لعائلته مرة أخرى..
دلفت السيارة بجانبه لينطلق هو في صمت وهو يحاول أن يلمحها بطرف عيناه ولكن وجدها شاردة تماماً متكورة على نفسها في بعض من أجزاء كرسي السيارة ليشعر بالغضب الغير مبرر يتملكه مجدداً.
ثلاث ساعات من الصمت كانت كفيلة أن تآخذ هي قرارها بينما كانت أكثر من كفاية له بأن يقرر أنه لابد أن يبعدها عن منزل العائلة في أقرب فرصة وإلا قد تقوم بالمزيد من الخداع للجميع..
ترجل من السيارة بعد أن توقف لتفيق هي من شرودها ثم نظرت حولها لتجد أنهما توقفا أمام محلات عديدة ثم فتح باب السيارة ونظر لها بثاقبتيه وأومأ لها بالخروج ففعلت في ارتباك خوفاً منه ثم توجها لأحدى المحلات لتجده يبتاع احدى حقائب السفر ثم أخرج بطاقته الإئتمانية ليدفع ثمنها وتوجه فوراً للخارج وهي تتابعه بزرقاوتيها وتتعجب لماذا فعلها!
"الشنطة دي هتبقى شنطتك عشان محدش يشك في حاجة.. واياكي تجيبي سيرة باللي حصل لحد! سواء معايا أو مع الكـ.ـلـ.ـب التاني كريم!! سامعاني؟!" 

صاح محذراً لتومأ هي على الفور بعد أن شعرت بالرعـ.ـب من نظرته تلك لتجده يُلقي بالحقيبة في السيارة ثم جذب تلك البطاقة من عليها حتى لا تظهر وكأنها جديدة..
فتح باب السيارة ثم دفعها للداخل في غضب وتوجه لينطلق مرة أخرى نحو المنزل.
ابتلعت هي لعابها وارتبكت كثيراً وآخذت تحمحم في تردد ثم نظرت له أكثر من مرة وهي تحاول التوصل لطريقة بأن تفاتحه فيما تريد ليشعر هو بها فأوقف سيارته في انفعال وارتجفت هي عنـ.ـد.ما سمعت صوت المكابح التي انطلقت في عنف.
"انطقي فيه ايه!!" 

صرخ بها آمراً لتتجمع الدمـ.ـو.ع في عينيها ونظرت له في توسل
"أنا عايزة اروح لماما.. ازورها مرة.. عمري ما زورتها.. والله ما هاطلب منك اي حاجة تاني.."
 توسلت وتهاوت دمـ.ـو.عها وهي تعرف أنه لن يوافق ولكنها فعلتها على كل حال بينما عقد هو حاجباه ناظراً لها وصر أسنانه في غيظ شـ.ـديد 
"فاكرة نفسك بتتفسحي يا بت ولا نسيتـ.."
"والله العظيم هاعملك كل اللي أنت عايزه.. هاسمع كلامك في كل حاجة.. بس خليني اروح ولو مرة، مش هاقول لحد حاجة ومش هاعمل اي حاجة غير لما اقولك بس خليني اروحلها مرة واحدة بس، هانفذ كل كلامك بالحرف"

 قاطعته لتنساب الكلمـ.ـا.ت منها دون تفكير وتعالى صوت بكائها وبدأت تشهق في شـ.ـدة وتساقطت دمـ.ـو.عها في تتالي حتى عاد له نفس الشعور عنـ.ـد.ما رآها تبكي لأول مرة.
"ماشي.. بس ورحمة أبويا لو اتعوجتي هخليكي تحصليها!" 
انطلق بسيارته لتنظر له هي في دهشة وتوقفت عن البكاء بينما آثار شهقاتها لازالت تنعكس عليها

 "طريق الزفت ازاي؟" سألها منفعلاً دون أن ينظر لها 

"كمل على طول.. وبعدين شمال في تاني يمين هنلاقي المدفن آخر الطريق على اليمين!!"

 همست مُجيبة ليُسرع هو في القيادة وبداخله قد قـ.ـتـ.ـله غضبه آلف مرة في الإنسياق والموافقة على كلامها.
توقف بالسيارة لتفر هي بسرعة خارج السيارة لتتوقف أمام البوابة ولعنت حظها أنها لم تستطيع الإقتراب أكثر فهي لا تملك المفتاح ونظرت لقبر والدتها ووالدها بالداخل وتراكمت الدمـ.ـو.ع بزرقاوتيها لتنسال على وجنتيها بلا إنقطاع.
جلس بسيارته وهو لا يُصدق أنه بمنتهى السهولة وأمام دمـ.ـو.عها التي بالتأكيد زيفتها ببراعة قد انصاع لآوامرها ليعقد قبضتاه في غضب شـ.ـديد وأقسم بداخله أنه سيذهب ليجذبها من شعرها ويعود بها الآن.
نزل ثم توجه إليها وهو يسحق أسنانه في غضب حتى كادا فكاه أن يتهشما وأقترب أكثر ليقف خلفها وكاد أن يجذبها ولكن عاد صوت بُكائها ليوقفه مرة أخرى
"..... والله يا ماما أنا ما عملت حاجة.. أنا اتبهدلت أوي من غيرك، أنا مكنتش أعرف إن كل ده هيحصلي.. يا ريتني سمعت كلامك ولا روحت تدريب ولا زفت، يا ريتني فضلت جنبك أكتر من كده، أنا مبقتش عارفة أعمل ايه، ويُسري يا ماما، يُسري طلع إنسان بشع مش زي ما كنتي فاكراه طيب.. مكنش يستاهل حبك ده أبداً.. لو بس يا ماما ت عـ.ـر.في كان عايز يعمل ايه في المستشفى!!" 

تعالى نحيبها لتجهش أكثر في البكاء واهتز جسدها بأكمله وهي تحاول أن تسيطر على نحيبها ثم أكملت

"لولا شاهندة مكنتش عرفت أتصرف.. الإنسانة دي طيبة اوي.. أنا بحبها، بحبها اوي يا كوكي، وفيه كمان ماما نجوى طيبة جداً، بس كريم ده السبب، زي ما قولتلك والله ما حاجة حصلت غير كده، أنا معملتش حاجة ولسه زي ما انتي مربياني محترمة وبسمع الكلام.." 

انفجرت بالبكاء ثانيةً ولم تلاحظ ذلك الذي وقف خلفها
"أنا غصب عني كان لازم أسمع كلام Mr بدر يا إما كان ممكن يضـ.ـر.بني تاني.. أنا بخاف منه اوي، خايفة يضـ.ـر.بني، خايفة يبصلي بصاته دي بترعـ.ـبني.. أنا مش عارفة هو ليه بيعمل كل ده من غير ما يسمعني، أنا عمري ما شوفت حد صعب زيه.." 
حاولت أن تتنفس بين شهقاتها وهي تُكمل
 "بس.. بس امبـ.ـارح أنا تعبت، وكنت سخنة اوي، جابلي أكل ودوا وآخد باله مني.. طب ليه كان بيضـ.ـر.بني يا ماما؟! أنا مبقتش عارفة حاجة ولا فاهمه حاجة ومعنديش حل تاني.. ما أنا يا إما هرجع ليُسري يا إما هترمي في الشارع!! أنا مش عارفة اعمل ايه" 

تعالى بُكائها بينما بدر الدين لم يتحمل أكثر من ذلك ليجذبها من ذراعها
"كفاية كده.. يالا على العربية!" 

تحدث لها في هدوء لتقابله هي بزرقاوتيها الممتلئتين بالدمـ.ـو.ع لتجده ينظر لها بطريقة مغايرة تماماً عن أي مرة نظر لها من قبل 
"والنبي تسيبني شوية كمان!!" 
توسلته وتساقطت المزيد من دمـ.ـو.عها
"قولت يالا يبقا يالا وإلا هـ.."
"وإلا ايه؟ هتضـ.ـر.بني؟ هتقولي اني بستعـ.ـبـ.ـط عليكم كلكم وبكدب؟ هتقولي نمتي معاه كام مرة تاني؟! أنت ايه!! حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله ده، أنا معملتش حاجة، أنا كنت بقوله يطـ.ـلق أختك عشـ.."
 قاطعته وهي تحدثه في صراخ ليجذب شعرها موقفاً اياها وأمسك به بين قبضته ويده الأخرى ممسكة بذراعها ليتعالى صراخها آلماً وحزناً بآن واحد.
"عشان واحدة استغلالية.. كدبك وحركاتك مش هاتدخل عليا أبداً.. مش أنا اللي حتة بت زيك تضحك عليه.. أنا عارفك وعارف الخامة الوسـ.ـخة دي كويس اوي.. واوعي تفتكري إن عـ.ـيا.طك والحركتين دول هيدخلوا عليا ولا شوية الدراما اللي عاملاها دي هتأثر فيا، أنا عارف انتي عايزة ايه كـ.."
"أنا عمري ما شوفت في قسوتك.. أنت مفتري.. منك لله.. بتعمل ليه كل ده.. أنا معملتش حاجة كريم السبب والله.. سيبني بقا في حالي.. أنا بقيت بكرهك وبخاف منك، ربنا ياخدني يا ياخدك.." 

صرخت في وجهه ودمـ.ـو.عها تنساب بغزارة لينظر لها بقاتمتيه الغاضبتين 
"اخرسي يا حبيبة أمك وأعرفـ..."
"متجيبش سيرتها على لسانك.. أنت لو عيشت فوق اللي عيشته ضافرها برقابتك" صرخت مقاطعة اياه ليجد نفسه يتركها وينظر لها بأنفاس متلاحقة غضباً يصفعها بمنتهى الغضب لترتمي أرضاً وتوقف نحيبها تماماً.
هبط بجسده يقترب منها وهو يتفقد وجهها خوفاً من ظهور اثار لصفعته عليها وزفر عاقداً حاجباه بعد أن وجدها بخير ثم حملها ووضعها بالكرسي الأمامي للسيارة وانطلق لمنزل عائلته.
"أنا عمري ما شوفت في قسوتك.. أنت مفتري.. منك لله.. بتعمل ليه كل ده.. أنا معملتش حاجة كريم السبب والله.. سيبني بقا في حالي.. أنا بقيت بكرهك وبخاف منك، ربنا ياخدني يا ياخدك.." دوت تلك الكلمـ.ـا.ت في رأسه وهو لا يستطيع نسيانها؛ كظهرها الذي يبدو مدمراً.. دمـ.ـو.عها التي لا تتوقف أبداً عن الإنهمار.. أيُعقل أن كل هذا مجرد تمثيل؟ أتريد أن تخدعه ليس إلا؟ ألهذا الحد تتظاهر بالبراءة؟ لابد وأن هناك شيئاً ما.. لابد وأنها تتدعي كل ذلك ولكن أكل ذلك من أجل المال؟
"جاية ليه يا وفاء؟ جاية ليه بعد السنين دي كلها؟" وقف بدر الدين بالجانب من غرفة الإستقبال يسترق السمع لكل ما يدور بينهما لتأتي نجوى وتلاحظه
"بدر.. أرجوك امـ.."
"أرجوكي يا أمي سيبيني براحتي" همس مقاطعاً همسها لتنظر له هي في حزن وقلة حيلة فهو لم يعد ذلك الطفل، لقد أصبح فتى بالغاً الآن ولن يقتنع بحججها الواهية
"عشان ابني.. وعشانك" صاحت وفاء مجيبة في حزن زائف
"ابنك.. أنا!" تحدث لها صابر بنبرة متهكمة "وافتكرتينا كده فجأة؟"
"أنا عمري ما نسيتكم.. عمري ما كـ.."
"امشي اطلعي برا ولو حاولتي تيجي هنا تاني هخلي الحراس يتصرفوا معاكي بطريقتهم"
"يا صابر اسمعني أنا كنت بـ.."
"جاية تبرري ايه؟ خيانتك؟ ولا إنك ساعدتي صحبي يسـ.ـر.قني ولا ابنك اللي مكنتيش بت عـ.ـر.في عنه حاجة بالأيام؟"
"أنا كنت غيرانة من إنك اتجوزت غيري.. عشان كده كنت بعمل كل ده.. كنت فاكراك هتغير عليا.. ولما كنت مع بدر كنت قاصدة أعمل كل ده عشان يشتكيلك وتيجي ترجع تعيش معانا، وصاحبك أنا مبعتكش ليه ولا حاجة.. أنت لازم تعرف الحقيقة ولو عايز تصدق صدق ولو مش عايز براحتك.. بس صاحبك هددني وقالي لو مساعدتهوش هيقولك إني كنت على علاقة معاه وبعـ.."
"اخرسي يا كـ.ـد.ابة وامشي اطلعي برا" قاطعها صارخاً ليتعالي نحيبها 
"حتى بعد العمر ده كله يا صابر.. منك لله" حملت دمـ.ـو.عها الزائفة وخرجت من منزله 
تذكر نفس الكلمة التي قالتها والدته لأبيه منذ سنوات، وهي نفس الكلمة التي قالتها نورسين.. تذكر أنها كانت تكذب وتتمادى في كذباتها فهو لن يُصدق تلك الفتاة أبداً مهما فعلت.. زفر في ضيق وصف سيارته أمام المنزل ثم التفت لها مقترباً منها وتلمس وجهها بأنامله ليفيقها وما أن فتحت عيناها حتى انكمشت على نفسها خوفاً منه
"احنا وصلنا.. تلمي نفسك وتتعدلي وتبطلي عوج لحسن هاخدك برا البيت ده ومحدش هيعرفلك طريق جُرة" اماءت له ليبتسم نصف ابتسامة لم تقابل عيناه "تمسكي شنطتك زي الشاطرة وتغوري على اوضتك متخرجيش منها لو ايه حصل واللي يكلمك تقوليله تعبانة وعايزة ترتاحي من السفر!! سامعاني؟!" صاح بها لتومأ في وجل ثم توجهت للخارج مسرعة وأمسكت بحقيبتها ودلفت المنزل.
"بقا كده!! مستكترها عليا وعينك منها.. قول كده بقا" تمتم كريم بعد أن لاحظ أقترابه منها بالسيارة وعنـ.ـد.ما تلمس وجهها "بس مش هسيبهالك عشان مش كريم اللي يخسر!! أنا هطربقها على دماغك يا بدر الدين!!" ابتسم في خبث ثم أخرج هاتفه الآخر الذي لا يعلم عنه أحد وهاتف يُسري بعدما خطرت على رأسه فكرة جديدة..
❈-❈-❈



"بنوتي رجعت يا ناااااس" صاحت شاهندة في فرحة شـ.ـديدة ثم هرولت نحو نورسين تحتضنها في حب لتدمع عيناها وهي تود أن تصرخ بذلك العناق وتخبرها عن كل ما حدث لها تلك الأيام الماضية.
"شاهي" همست وهي تحتضنها
"حمد الله على السلامة يا حبيبتي" أنضمت لهما نجوى ثم فرقت شاهندة العناق لتنظر لنورسين ملياً 
"مالك كده وشك مخـ.ـطـ.ـوف؟!" تسائلت شاهندة في قلق واهتمام ليدخل بدر الدين ونظر لها بثاقبتيه نظرة جعلت الدماء تهرب من عروقها.
"لا أبداً جالي دور برد جـ.ـا.مد ويادوب لسه بقوم منه أهو.. وتعبانة اوي من السفر وعايزة أنام" تحدثت لشاهندة لتشيح بنظرها بعيداً عن عينتيه المرعـ.ـبتين لتلتقي عيناها بهديل التى دلفت لتوها 
"أهلاً ازيك.." صاحت لها بلهجة ليست ودودة على الإطـ.ـلا.ق "حمد الله على السلامة يا بدر.. عامل ايه؟!" توجهت لبدر الدين بالحديث ليومأ لها 
"تمام.. انتي عاملة ايه دلوقتي؟"
"كله تمام وكنت مستنياك تيجي عشان السبوع.. بكرة بقا نعمله" 
"آآه يا ريت.. لازم نعزم بقا قرايبنا كلهم وأصحابنا.. تعالي يا نورسين اوريكي جهزت ايه" صاحت شاهندة في اهتمام وبهجة
"يالا" تمسكت بتلك الحقيبة التي ابتاعها لها وكأن بها كنز ثمين لتتعجب شاهندة من فعلتها 
"ايه يا نور مالك.. محدش هياخد شنطتك ويجري.. سيبيها واخلي زينب تطلعها" 
"ايه.. لا لأ.. أنا هطلعها" تحدثت بإرتباك وعينا بدر الدين لا تفارقها "هادخل بس أغير هدومي واجيلك.."
"حمد الله على السلامة يا حبيبي" توجهت نجوى لتحتضن بدر الدين 
"الله يسلمك يا أمي" أخبر نجوى ثم التف نحو نور "متنسيش تاخدي الدوا وتنامي عشان عندنا شغل بكرة" صاح لينبهها ونظر لها بطريقة استغربها الجميع بينما فهمتها هي جيداً
"جرا ايه يا بدر.. ما تسيبها معايا شوية يا اخي" أخبرته شاهندة في حنق "تعالي يا بنتي نطلع فوق!!" جذبت يد نورسين في لطف وتوجها للأعلى.
"ايه يا حبيبي السفرية كانت كويسة؟" تحدثت نجوى ليومأ لها بدر بالإيجاب
"اه كويسة" تحدث بإقتضاب 
"طيب يا حبيبي أنا هاروح أقول لزينب تحضرلكوا الغدا على ما تغير هدومك" ابتسمت له ثم غادرته ليجد هديل تبتسم له 
"عامل ايه يا بدر؟؟ أنت كويس؟" تعجب لسؤالها فهي للتو سألته نفس السؤال
"تمام.." اجاب بإقتضاب لتبتسم له مجدداً ليعقد حاجباه على تلك الطريقة التي لم يعهدها منها من قبل 
"تعرف يا بدر.. أنا أول مرة أحس إننا محتجالك اوي.. مع إني متجوزة وبحب كريم أوي أكتر من الدنيا باللي فيها، بس كان نفسي تكون موجود.. أنا عارفة إني مش قريبة منك زي شاهي بس كان نفسي أجري عليك بعد اللي حصل لكريم وأقولك الحقنا.. زي يوم اللي حصل في الشركة زمان.. أنا بردو عارفة كنت دايماً رخمة معاك بس احساس إن ليا حد كبير وميتعوضش ده مهم اوي.. شكراً يا بدر إنك في حياتنا وبتتحمل مسئوليتنا" فجأة وجدها تحتضنه ليبادلها العناق متنهداً "حاول متزعلش مني على كل اللي فات، أوعدك إن كل حاجة ما بينا هتتغير.." أماء لها بملامحه الجـ.ـا.مدة
"مش زعلان يا هديل وعمري ما زعلت منك.. وأتأكدي إنك لو احتاجتي اي حاجة في اي وقت هتلاقيني أول واحد جنبك" أخبرها لتدمع عيناها ولكنها لم تبكي
"عارف.. حسيت إن روحي بتتسحب مني لما كريم دخل عليا وشكله مبهدل كده.. أكيد شاهي قالتلك.. بس على قد ما احنا ناقر ونقير كنت حاسة إن قلبي هيخرج مني من كتر الخوف عليه، الحمد لله إنها جت على قد الماديات" ابتسمت بمرارة بينما سحق بدر الدين أسنانه غضباً "وزي ما يكون اللي حصله قربنا من بعض أكتر الفترة الأخيرة دي.. حسيت إن ببتدي معاه بداية جديدة، زي.. زي ما نكون بنحب بعض من أول وجديد.. وأنا بردو كنت مقصرة معاه.." أكملت ثم تنهدت ونظرت لأخيها "معلش دوشتك" توسعت ابتسامتها ليومأ لها بالإنكار
"لا دوشتيني ولا حاجة.. كويس إنه بخير"
"الحمد لله"
"هطلع أنا أغير هدومي وأنزل اتغدى معاكوا" أماءت له ليتركها ويصعد لغرفته وهو يحاول أن يُخفي غضبه الذي انفجر بدماءه مما سمعه منذ قليل..
❈-❈-❈


"حد بردو ينسى موبايلو؟؟ متعمليهاش تاني لأني كنت هموت من القلق عليكي.. لولا إن بدر كان معاكي كان زماني اتجننت" أخبرتها شاهندة لتزدرد نورسين وعقلها يصـ.ـر.خ ساخراً فهي فقط لو علمت ما حدث لها ستقـ.ـتـ.ـل بدر الدين بيداها المجردتان!
"معلش.. مخدتش بالي.." 
"احكيلي بقا المـ.ـجـ.ـنو.ن ده عمل معاكي ايه؟"
"مـ.ـجـ.ـنو.ن مين؟!" تصنعت نورسين أنها لا تفهم بينما هي كادت أن تبكي كلما تذكرت ما حدث
"بدر.. ملك الكون!!" نظرت لها شاهندة مازحة "مش انتي اللي مألفاله الإسم ده؟!" ابتسمت نورسين في اقتضاب ووهن
"كان كويس.. شغل واجتماعات يعني مكنش فاضي يبقا ملك الكون المرادي" كذبت عليها وهي تحاول أن تخفي مشاعرها
"أنا عارفة إنه صعب والله وبيتجنن ساعات بس اللي شافه بدر مشافهوش بني آدم طبيعي أبداً.."
"ليه يعني؟!"
"ياااه يا نور.. ده اتبهدل في حياته كتير.. من وهو صغير يا عيني وحتى بعد ما اتجوز مـ.ـر.اته مـ.ـا.تت، بابا كمان كان صعب أوي معاه وهو صغير وكان بيضـ.ـر.به وبيعاقبه وبيطلع عينه"
"ليه كل ده؟" تسائلت نورسين في تعجب
"شوفي يا ستي.. مامته كانت ست ربنا يسامحها بقا استغلالية أوي ودايماً تتخانق مع باباه وخسرته فلوس كتيرة اوي وخانته مع صاحبه وكأنها مش أم، زي ما يكون معندهاش رحمة ومكانتش بتاخد بالها من بدر خالص.. بعد كده زادت المشاكل بينهم وبابا جاب بدر عندنا وعاش معانا.. أنا فاكرة والله زي ما يكون امبـ.ـارح، كان غلبان أوي وهادي كده وبيخاف ينطق.. وبابا كمان كان بيبهدله.. عارفة في مرة كان لسه جاي البيت مسكه حبسه كذا يوم.. كل ما بفتكر قلبي بيتقطع عليه.. وأنا فضلت اتحايل على بابا يسيبه وماما كمان اتخانقت مع بابا عشان بدر" سكتت شاهندة قليلاً بعد أن امتلئت نبرتها بالآسى "أنا عمري ما هنسى اليوم ده.. ولا لما كان غصب عنه بعد ما هديل تستفزه يضايق.. بابا كان بيمسكه يضـ.ـر.به و.." قاطع صوتها طرقات على الباب بينما نورسين مندهشة من كل ما تسمعه وكأنها تسمع قصص عن شخص آخر تماماً 
"ادخل" صاحت شاهندة بينما غرقت نورسين في تفكير عميق "حاضر يا زينب هنيجي اهو" تحدثت ولكن نور لم تسمع ما قالته "ايه يا نور روحتي فين.. يالا ننزل نتغدا" 
"هه.. حاضر هغير وهاجي اهو" فاقت من تفكيرها لتجيب شاهندة
"لا أنتي مش طبيعية خالص النهاردة.. أنا هاسبقك.. متتأخريش" اماءت لها نورسين ثم لاحظت الباب يوصد لتغرق في حيرة من آمرها 
"يعني حبسني زي ما باباه عمل معاه؟!" تمتمت سائلة لنفسها ثم هزت رأسها في إنكار وتوجهت لتغيير ملابسها.
❈-❈-❈



ود لو هدم تلك الغرفة بأكملها، ود لو ذهب ليهشم رأس تلك الفتاة!! تلك المُستغلة تريد أن تحرم هديل من زوجها بمنتهى الحقارة، لم يكن يدري من قبل كم هديل متعلقة بكريم!!
ولم لا، هو زوجها بالنهاية، زوجها الذي تحتاجه وهي لم يعد بجانبها الأب، لم تكن علاقتها بأخيها جيدة، لم تكن قريبة يوماً ما لأختها، أولادها الخمسة الذي هو أب لهم!! بالطبع هي تحبه، بل تهيم به عشقاً بعد أن تحدثت له عنه بتلك الطريقة..
آخذ يتذكر تلك الأوقات عنـ.ـد.ما أخبرته هديل أن كريم ابتاع لها هذا، وذهبا سوياً لعطلة ما، وأهداها ذاك، وأختارها هي عن جميع الفتيات في جامعتها، تذكر كم كانت تُثني على ذكاءه ومهارته بالعمل.. ألهذا الحد هو غـ.ـبـ.ـي ولا يرى أن إذا كريم ابتعد عنها ستتدمر كلياً!! 
ماذا له أن يفعل الآن؟! ماذا لو أكتشفت هديل خيانته لها؟ أتستطيع الحياة دونه هي وأولادها؟ بالطبع تحتاجه، لربما إذا أكتشفت ذلك ستنقلب حياتها رأساً على عقب..
ارتدى ملابس منزلية مريحة ثم توجه للأسفل ليرى أن الجميع قد حضر على طاولة الطعام ليلاحظ من بعيد نظرات كريم لنورسين ليشتعل من الغضب مجدداً..
توجه ليجلس وهو ينظر لكريم نظرة امتلئت تحذيراً واحتقاراً بآن واحد ثم نظر لنورسين ليجد نظرها لا يبـ.ـارح الصحن أمامها ليبتسم ابتسامة لم يلاحظها أحد بتهكم وبداخله هو يعي جيداً أن كل ذلك مجرد تمثيل ليس إلا!!
"حمد الله على سلامتك يا بدر" صاح كريم ليومأ له بدر الدين في اقتضاب "أخبـ.ـار سفرية لندن ايه، مش كنت في لندن بردو؟" ابتسم له في خبث لينظر له بدر بثاقبتيه متفحصاً اياه 
"اه لندن.. كله تمام" بالكاد أجابه وبداخله يريد أن يقـ.ـتـ.ـلع رأسه 
"حمد الله على سلامتك يا نور.. اتبسطتي في السفر مع بدر؟" وجه نظره لها لتتعجب نورسين التي كادت أن تجيب ولكن بدر سبقها
"اتبسطت أكيد اتعلمت حاجات جديدة هتنفعها كويس قدام!! ولسه هتتعلم أكتر" سلط نظرته المرعـ.ـبة على كريم لتلاحظ شاهندة احتاد نبرته ولكنا لا تريد التدخل فهي تعرف أن كريم وبدر الدين علاقتهما ليست بالقريبة ودائماً ما شعرت أن بدر لا يُحبه مثلما يحب حمزة زوجها.
"أكيد!! بردو الخبرة اللي عندك مش زي أي حد" تهكم كريم "هتستفيد بردو.. مش كده يا نور؟!" كان قصد كريم مُغايراً تماماً لكل ما استعابه الجميع أمّا بدر فشعر وكأنما يفصله ثوانٍ قليلة عن لكمه حتى يفقد وعيه وبالنسبة لنورسين لم تستطع أن تتحمل أكثر
"أكيد.. Mr.  بدر رجل أعمال مشهور وخبرته كبيرة" اجابت بإقتضاب "معلش يا جماعة بعد اذنكو هطلع اريح شوية لأني تعبانة من سفر امبـ.ـارح" استأذنت من الجميع لتبتسم لها نجوى وأومأت لها بينما شعرت شاهندة بأن هناك شيئاً غريباً وقررت أنها ستذهب لتتفقدها بعد أن تنتهي من تناول الطعام.
بالكاد أستطاع بدر الدين أن يتحكم في انفعاله ونظر للطبق أمامه وهو يعبث في الطعام لتلاحظ شاهندة مجدداً طريقته الغريبة وتعجبت ما سبب رده ذلك على كريم..
"بدر.." صاحت هديل بإبتسامة "بكرة بقا متتأخرش في الشغل عشان الناس هتيجي من الساعة ستة.. حاول تكون موجود من قبليها" أومأ لها بدر وملامحه الفارغة والخالية من التعابير لم تترك لها المجال بأن تخبره بأكثر من ذلك "ومعلش أنا محتاجة شاهي.. بلاش تروحي الشغل بكرة"
"يا سلام تحت أمرك يا هدولة.. عندنا كام زينة يعني" ابتسمت لها شاهندة في طيبة 
"كيمو عشان خاطري حاول أنت كمان تيجي بدري.."
"عيون كيمو يا حبيبة قلبي" قبّل يدها لتبتسم هي في خجل مما فعله معها أمام الجميع أمّا بدر فلم يحتمل ذلك الكاذب والمخادع الذي سمعه بأذنيه يعترف بحبه لإمرأة أخرى..
توجه للأعلى تاركاً الجميع لتلاحظ شاهندة ما يفعله وقررت أيضاً أنها ستحدثه مثلما ستحدث نورسين، لابد وأن هناك شيئاً ما حدث ولا يعلمه سواهما.
كاد أن يدلف غرفته ممسكاً بمقبض الباب ليجد كريم يتحدث إليه "حلوة لندن مش كده؟" 
"عايز ايه يا حـ.ـيو.ان أنت؟" التفت إليه وهو يسحق أسنانه غضباً 
"أبداً واحد صاحبي في المطار قالي انك مسافرتش.. بس حلوة بردو لندن.. وحلوة نور مش كده؟!" لم يدري ما الذي حدث له وهو ينطق بإسمها فلكمه ليُمسك كريم بذقنه متألماً وجذبه بدر الدين من مقدمة قميصه 
"متعلمتش من اللي حصلك ولا تحب تتعلم تاني!!" صاح بدر الدين بين أسنانه الملتحمة
"لا بردو ودي تيجي.. كلنا بنتعلم.. وكلنا بنتغير وبنحب مش كده؟!" تحدث له متبسماً في سخرية ثم همس له "بس أقولك حاجة.. مش أنت يا بدر اللي هتقولي أعمل ايه ومعملش ايه، والشرع حللي أربعة.. وأبوك نفسه كان متجوز اتـ.."
"ايه يا جماعة فيه ايه؟!" صاحت شاهندة لترى بدر وكريم في هذا الوضع لينظرا لها سوياً في صمت!
❈-❈-❈



"يعني باباه كان بيحبسه، وأنا فاكرة كويس إنه كان بيتكلم وهو نايم وبيقول ان حد هيموته وهو خايف!! فيه حاجة مش مظبوطة!! منين بيعاملني كده ومنين هو اللي جابلي الدكتور والدوا، ومنين يبهدلني واقوله اروح لماما فيوديني، ليه مصمم ان انا استغلالية وكل شوية يقولهالي، ليه مش قابل يسمعني كل ما أحاول أشرحله اللي حصل مع كريم؟!" ظلت تتواتر الأسئلة العديدة وتحاول ربط الكلمـ.ـا.ت بما قالته شاهندة "يكونش شايف إني استغلالية زي مامته؟! طب أنا ذنبي ايه؟ ليه بيطلع عقده عليا؟ ليه القسوة دي كلها؟ أنا فعلاً معملتش حاجة.." صرخت بنفسها وهي لا تعرف ما الذي يحدث معها ولماذا بدر الدين يعاملها هكذا ولماذا هي بالأخص التي يفعل معها كل هذا!!
"طب هو يعني آخرتها ايه؟ هيعذبني كده لغاية امتى؟ ولما اروح معاه بكرة هيعمل فيا ايه تاني؟ أنا مش عارفة أتصرف!!" فكرت في قلة حيلة ثم خطر على بالها أن تُخبر شاهندة ولكنها تذكرت مجدداً تهديده لها بألا تخبر أحداً بعائلته
"يارب أسترها معايا.. أنا ماليش حد وفعلاً معرفش أعمل ايه.." تمتمت ثم جففت دمعة تهاوت على وجهها ثم نهضت لتتفقد جسدها بالمرآة وتلك العلامـ.ـا.ت التي لا زالت تتواجد عليه مما فعله بها بدر الدين لتتهاوى دمـ.ـو.عها في صمت بينما تلك الطرقات على الباب جعلها ترتدي ملابسها بسرعة ثم جففت دمـ.ـو.عها لتتفقد من الطارق.
❈-❈-❈


"أبداً.. عمل حاجة غلط في الشغل!" صاح بدر الدين ثم ترك قميصه
"مينفعش اللي أنت بتعمله ده يا بدر" زجرت أخيها ثم باعدت بينهما "أنا أصلاً كنت جيالك عشان عايزاك! تعالى نتكلم شوية، عن إذنك يا كريم" جذبت يد بدر ليدلفا غرفته وهي تشعر بأنفاسه الغاضبة "جرا ايه مالك؟! أنا ملاحظة من وأنت قاعد على الأكل كان فيك حاجة مش طبيعية!!" صاحت له في تعجب ليزفر هو في ضيق
"ضغوط شغل وكريم جه زود عليا، متشغليش بالك"
"يا سلام!! طب ونور كان مالها وقامت فجأة واحدة كده ليه؟!"
"وأنا بقا المسئول عنها؟! ما تروحي تسأليها، وبقولك يا شاهي خدي الباب وراكي عشان أنا مش ناقص وعايز اريح شوية"
"بقا كده.. ماشي! بس افتكر اللي بتعمله ده.." أخبرته في حنق ثم توجهت للخارج لتصفع الباب خلفها ليتمدد هو على سريره في ضيق ووصد عيناه ليسترجع العديد من الآلام!
"لأ يا مدحت براحة.. آآه .. لأ مش كده!!" صاحت وفاء بينما شعر بدر الدين بالرعـ.ـب مما يسمعه "حراام عليك.. مش قادرة استحمل" أخذ صراخها يتعالى لتتعالى خفقات قلب بدر ليتبول وهو يحاول أن يتكور على نفسه بأبعد مكان عن ذلك الصوت ووضع يداه على أذنيه ليحاول ألا يستمع للمزيد!
فتح عيناه لينهض قائماً وهو يشعر بتلك الآلام تفتك به ويريدها أن تتوقف بأي شكل ولكن بلا جدوى!!
"ههههه.. جرا ايه يا مدحت مالك النهاردة.. ما تمسك نفسك شوية"
"هو ايه اللي مالي، لما تبقي زي القمر كده عايزاني أمسك نفسي ازاي؟!" سمع ذلك الصوت الرجولي الذي تخللته الموسيقى الراقصة ليقترب ويدلف الغرفة في براءة وهو يريد أن يستكشف ما الذي يحدث.
"يوووه، ايه اللي جاب الواد ده هنا!! ايه العكننة دي بقا؟!" صاح مدحت في ضيق لتتوجه وفاء نحو بدر الدين في غضب 
"أنت يا زفت مش قولتلك متطلعش من أوضتك؟!" صرخت بوجهه بينما عيناه اللامعتان تفقدتها 
"انتي لابسه كده ليه؟" سأل بعفوية وحب استطلاع الأطفال عنـ.ـد.ما رآى ملابسها المكشوفة وذلك الحزام الغريب الذي حاوط خصرها ومؤخرتها
"وأنت مالك.. غور في داهية من وشي، ولو شوفتك تاني الليلادي هامسكك امدك على رجليك زي امبـ.ـارح، سامعني ولا لأ؟!" صرخت به لتتهاوى دمعاته ثم دفعته بقوة ليسقط أرضاً خارج الغرفة ثم صفعت الباب بوجهه..
"وسـ.ـخة!!" تمتم بدر الدين في غضب ثم توجه ليشرع بالتدخين وهو يُفكر ما الذي يفعله مع كريم خاصةً أن أخته لن تستطيع الابتعاد عنه، وإذا ذهب ليخبرها بأنه رآى كلاً من زوجها وتلك الفتاة لن تصدقه حتماً!! كما أن تلك الطريقة التي يعامل كريم بها أخته تغيرت كثيراً، لابد وأن هناك شيئاً ما يُعد له.. سيعرف عاجلاً أم آجلاً ولكن وجوده هو وتلك الفتاة بنفس المنزل لن يساعد أحد بل سيجعل الأمور أسوأ. عليه أن يبعدهما عن بعضهما البعض!
آخذ يدلك جبينه بعصبية وهو لا يتوقف عن التدخين ثم لمعت عيناه لثانية واحدة لتعود مجدداً للقسوة والآسى في آن واحد بعد أن عرف جيداً ما عليه فعله ليحل هذا الأمر بل وسيجعل كريم يفكر آلف مرة قبل أن يقترب منها.
❈-❈-❈



"فيه ايه يا نور مالك؟" صاحت شاهندة بإنفعال وعصبيه لتتعجب نورسين
"أنا كويسة.. مرهقة بس شوية"
"نور.. أنتي من ساعة ما جيتي وأنتي مش طبيعية.. فيه حاجة أنتي مخبياها عليا ومش عايزة تقوليهالي؟"
"اايه.. مخبيه.. حاجة زي ايه.. أأنا مش مخبية حاجة!" تحدثت بنبرة مهتزة
"فيه حاجة حصلت وحاسة إن بدر وكريم بس اللي يعرفوها.." هنا ابتلعت نورسين لعابها وتعالت خفقات قلبها ثم نظرت لها بزرقاوتين مرتعدتين وهي لا تدري كيف عرفت شاهندة بكل شيء وهل هي عرفت حقاً أم أن بدر الدين كذب عليها!
❈-❈-❈



"اسمع.. نور كانت مع بدر ومكانوش مسافرين وكان بيحسس عليها قدامي في العربية.. "
"نعم يا اخويا؟ دي اللي أنت عايز تتجوزها؟ جاي تقولي أنا الكلام ده.. أنا ماليش دعوة.. اتفاقنا زي ما هو.. انا سبتهالك وقولتلي لما تتجوزها هتديني ٢ مليون جنيه.. لو هو بقا لهفها منك فـ دي مش مشكلتي.. أنا ماسك نفسي عشان ماجيش اخدها واجرجرها من شعرها بالعافية. اتفاقنا زي ما هو"
"اكيد اتفاقنا زي ما هو.. واكيد أنا هاعرف اجيبها.. بس محتاج مساعدتك.."
"لا أنا مليش دعوة بـ.. "
"متقلقش.. حاجة بسيطة اوي بس هتساعدنا احنا الاتنين، قولي تعرف حد من أهل أبوها؟" قاطع كريم يُسري
" آه أعرف بس هما مكانوش قابلينها هي وامها من زمان!"
"حلو اوي.. أنا بقا هقولك هتعمل ايه معاهم!"
ابتسم كريم عنـ.ـد.ما تذكر مكالمته مع يُسري ثم وصد عيناه متنهداً في راحة
"اما نشوف بقا هتاخدها مني ازاي!" تمتم بخفوت وهو موصداً عيناه ليفتحهما في صدمة بعد أن سمع هديل
"مين اللي هياخد ايه منك يا كريم؟"
أييه.. يعرفوا ايه؟!" تلعثمت وشاهندة تنظر لها مُضيقة عيناها في تعجب

"أنتو مخبين عليا ايه؟!" تسائلت شاهندة في انفعال

"ده ده.. مفيش يا شاهي.. هو بس.. الـ.. الشغل!! مش أكتر" تلك هي الحجة الوحيدة التي رآتها نورسين مناسبة فهي لا يربطها ببدر الدين وكريم سوى العمل

"الشغل!! والله؟! وايه اللي حصل بقا في الشغل؟!" شاهندة بتهكم

"أصل.. كريم كلم Mr بدر.. وبدر اتعصب!!" هذا ما يفعله بدر الدين على كل حال فلربما ستصدق شاهندة وستخرج هي من ذلك الإستجواب

"وأنتي بقا قومتي كده من على الأكل عشا ن بدر اتعصب؟!"

"أصل.. لما كريم اتكلم بدر اتعصب عليا أنا كمان وكنت تعبانة فشـ.ـدينا مع بعض.. لكن عدت على خير!"حاولت نورسين التظاهر بأن كل شيء على ما يرام!

"مممم.. شـ.ـديتوا، كنتي مش طايقة تاكلي يعني مع بدر على سُفرة واحدة عشان كده مشيتي؟!"

"بصراحة يا شاهي أنا لسه بحاول اتعامل مع ملك الكون ده" حاولت التحدث بثقة

"شايف إن الكل مش فاهم الشغل وإننا مش بنشتغل.. وانا اضايقت ولما كريم اتكلم عن الخبرة ومش عارف ايه افتكرت واتضايقت وكمان Mr بدر مصمم بكرة نروح الشغل وأنا كان نفسي أحضر معاكوا للسبوع.. مش ممكن، مبيبطلش شغل.. كمية طاقة رهيبة، أنا خايفة أصلاً يأخرني بكرة وملحقش اجي قبل ما تبدأوا" كتمت أنفاسها وهي تنتظر بفارغ الصبر اقتناع شاهندة

"يووه بقا يا نور.. هو ده يعني الموضوع.. يا شيخة أنا قلقت" هنا زفرت نورسين في راحة بعد اقتناع شاهندة

"بصي يا ستي أنا هاحكيلك كام حاجة كده عشان ت عـ.ـر.في تتعاملي مع بدر، تعالي" جذبتها ليجلسا سويا على السرير

"بصي أول حاجة وأنتي بتتعاملي مع بدر لازم تفهمي أنه مر عليه أيام صعبة جداً، سواء من باباه أو من مامته، احنا كلنا بنعذره علشان كده، كلنا هنا عشنا واتولدنا واتربينا في حـ.ـضـ.ـن أب وأم طبيعين إلا هو، أنتي عارفة اليتيم يمكن حاله يكون أحسن منه، إنما هو.." زفرت بآسى ثم أكملت

"هو كانت طفولته صعبة أوي، أمه كانت بتقوله في وشه إنها مش عايزاه وبابا الله يرحمه على قد ما كان حنين معانا بس مجرد بصته لبدر كانت بتفكره بمـ.ـر.اته الأولانية الست دي مش عارفة أقول عليها ايه ولا ايه، المهم .. بدر عانى كتير أوي ولما كبر بابا شايله المسئولية بدري.. خلى كل حاجة عليه، احنا والشركات وحتى تعبه بدر اللي كان بياخد باله منه وكان رافض تماماً أي حد مننا يعمله حاجة.. وبعدها بابا مـ.ـا.ت" هنا دمعت عينا شاهندة لتواسيها نورسين

"ربنا يرحمه"

"يارب.." تنهدت بآسى وأكملت "ساعتها مـ.ـر.اته الأولانية اخدت مؤخر كبير ومكانش معانا سيولة، وطلبنا منها تصبر علينا شوية مرضيتش.. كان ليها طبعاً حق في الشركة معانا لكن اديناهولها فلوس لأن بدر رفض اننا نتعامل معاها قدام، وده زنقنا أكتر.. بس ساعتها بدر هو اللي اتعامل معاها وكانت أيام صعبة اوي عليه، كنت ببصله بس ابقى عايزة اعيط من كتر ما كان صعبان عليا.. لولا وجود ليلى مـ.ـر.اته الله يرحمها جنبه بدر كان ممكن يتجنن" تريثت لبرهة لتضيق نورسين حاجباها

"ليلى دي كانت جميلة.. ضحكتها مكانتش بتفارقها، أنا بجد عمري ما شوفت في حياتي واحدة زيها، بدر أول مرة يتصرف زي الناس الطبيعية لما هي دخلت حياته، كان بيضحك ويهزر، كانت روحه فيها.. مكنوش بيقدروا يبعدوا عن بعض.. عارفة الناس اللي مت عـ.ـر.فيهومش أصلاً وتيجي كده تبصيلهم تحسيهم بيموتوا في بعض!! بدر وليلى كانوا كده.. دي الحاجة الوحيدة اللي عوضت بدر عن الأيام السودة اللي شافها، كان متعلق بيها جداً لغاية بقا اللي حصل ما حصل ومـ.ـا.تت.. الله يرحمها"

"هو ايه اللي حصل بالظبط؟" تعجب نورسين

"كانت رايحة لأختها فرنسا والطيارة وقعت بيها.. بدر لما جاله الخبر محدش شافه لمدة تلت شهور.. قفل على نفسه ومكنش لا بيكلم حد ولا بيشوف حد.. حتى أنا وماما" زفرت شاهندة في حزن

"عرفتي بقا يا نور ليه بدر كده؟ بدر مش عايز غلطة في الشغل عشان لما مامته اخدت السيولة كلها اللي كانت معانا وكمان كان فيه موظفين عندنا بيستهبلوا فاكرين اننا مش هنمسك عليهم غلطة وبيسـ.ـر.قوا المخازن والعهد، كانت فعلاً كل حاجة هتروح، احنا الأيام دي مكناش بننام، أنا وماما وحمزة وطبعاً بدر وليلى.. ومع الوقت بدر كبر الشركات وبقينا شركات عالمية ووضعنا الحمد لله اتحسن كتير.. فهمتي ليه بدر مبيسمحش بغلطة في الشغل ولما حد بيغلط بيتعصب اوي؟" اومأت لها نورسين في تفهم بينما لم تتقبل الأمر خاصة بعد ما فعله معها

"وكمان والنبي حاولي تراعي كل اللي مر بيه.. ده شاف العذاب ألوان والله من مامته لبابا ضـ.ـر.ب وحبس وبهدلة وبعدين كمان موضوع ليلى ده دمر بدر خالص.. تحسيه بقا Machine (آلة) أو كمبيوتر كده مش إنسان طبيعي.. فمعلش إن كنتي بتحبيني لما يبقا يتعصب ابقي تعالي على نفسك شوية واستحمليه.. أنا عارفة إن مالكيش ذنب بس بدر ده بالنسبالي أهم حد في حياتي.."

"حاضر يا شاهي عشان خاطرك"

"بالا بقا يا بنوتي تصبحي على خير عشان تصحي بدري بدل ما ملك الكون يعكنن عليكي على الصبح" ابتسمتا سوياً ثم تعانقتا لتتركها شاهندة وتغادر بينما نورسين وقعت في حيرة شـ.ـديدة من آمرها عنـ.ـد.ما علمت بكل ذلك عنه!

"يا شاهي أنتي مت عـ.ـر.فيش عمل فيا ايه!" تمتمت لنفسها ثم تهاوت دمـ.ـو.عها وهي تحاول أن تنام وتلك الذكريات البغيضة التي عايشتها معه لا تغيب عن عقلها أبداً.

❈-❈-❈


"ده.. ده.. اتفاق مع شركة chemicals (كيماويات) جديدة" أجاب كريم هديل مبتلعاً

"مممم... وأنت مالك ومال المواضيع دي؟! مش المفروض الحاجات دي تخص شاهي؟!"

"أولاً أنا اللي ماسك المواقع ومهندس وافهم احسن من شاهندة الموردين بيبعولنا ايه بالظبط، غير بقا أنتي عارفة جوزك ناصح أوي ومبيحبش يسيب الخير للغير.. ولا ايه؟!"

"طول عُمرك ناصح يا كيمو" ابتسمت هديل وهى تداعب وجنه "بس ابقا افتكر مراتك حبيبتك"

"وهو أنا خارب بيتي غير مراتي حبيبتي.. وبعدين مالك كده؟!" نظر لها يتفحصها لتنظر له هديل في تعجب عاقدة حاجبيها

"مالي ازاي؟!"

"احلويتي اوي بعد زينة" غمز لها لتبتسم له هي

"ما أنا زي ما أنا اهو.. فيه ايه يا كريم؟" ضيقت عيناها له ليقترب هو منها وأصبح يتحدث بالقرب من شفتاها

"أنا مستني الكام يوم دول يخلصوا وبفكر في السادس!!"

"نص دستة يا كريم!!" توسعت عيناها في دهشة من كلامه

"نص دستة يا روح كريم" كرر كلمـ.ـا.تها ثم أخذ يُقبلها بلا توقف.

❈-❈-❈

لقد شرب كثيراً ليلة أمس.. دلك جبينه وهو يشعر بالصداع ثم نهض لحمامه، تمنى لو كان بمنزله ولكن لا يستطيع ترك تلك الفتاة هنا وحدها دون أن يراقبها، يريد أيضاً أن يعرف لماذا كانت شاهندة معها كل ذلك الوقت ليلة أمس وبم تحدثتا!! يشعر بالخوف على عائلته كثيراً منها.. هم مسئوليته ولن يفشل أبداً بدر الدين الخولي في شيء!!

"اقعد يا بدر"

"خير؟!" جلس بدر الدين على ذلك الكرسي بجانب سرير المشفى

"أنا قسيت عليك كتير عشان تطلع راجـ.ـل، عشان كان لازم أخلصك من الإستغلال والوساخة اللي أمك ربيتك عليهم، أخواتك البنات ونجوى خلاص مبقالهومش غيرك وزياد صغير.. حافظ عليهم! خد بالك منهم لأني خلاص حاسس إني مش هاطلع من رقدتي دي" تنهد بدر ولكن دون أن تبدو المشاعر عليه

"ولا مستني أموت عشان تفشل براحتك؟ ساعتها مش هتلاقيني وراك، مش هتلاقي اللي يعاقبك على اللي فشلت فيه!" سحق بدر أسنانه وعقد قبضتاه ولكنه ظل صامتاً ليتفحصه والده "ايه عايز تضـ.ـر.بني؟ ولا خلاص عشان مبقتش قادر عليك هتـ.."

"أنت ليه شايفني دايماً فاشل؟ عايزني أعمل ايه تاني؟ أنا عمري ما فشلت في حاجة، لا دراسة ولا جواز ولا شغل.. ليه كنت قاسي عليا وكمان دلوقتي مصمم تكون قاسي تاني، أنا ذنبي ايه في إني بفكرك بيها؟"

"ذنبك إنك ابنها، شبهها، حتة منها، لو مكنتش عملت اللي عملته معاك كان زمانها قلبتك عليا او بقيت نسخة منها!!"

"مفكرتش في يوم تحبني؟ تحـ.ـضـ.ـني؟ ابنك الراجـ.ـل الكبير مفكرتش تصاحبه؟" تحدث بدر في حُرقة بينما لم يجد إجابة من والده الذي أشاح بنظره بعيداً

"متقلقش يا صابر بيه.. بدر ابنك مبيفشلش في حاجة، لا هو زياد المتدلع، ولا هديل اللي طلباتها أوامر، ولا هو أمه الإستغلالية.. لو جايبني هنا توصيني على أكتر ناس بحبهم رغم عيوبهم، فمتقلقش تقدر تطمن.. وأعرف إني عمري ما أكون ناكر جميل للإنسانة اللي حاولت تربيني زي ابنها ومفرقتش بيني وبين ولادها.. هي مش زيك، وأنا عمري ما هفرط في حقها ولا حق اخواتي"

انسابت المياة على عيناه الموصدتان وهو يتذكر تلك المرة التي تحدث أبيه له بآخر أيامه وفتح عيناه التي تساقط منها الدمـ.ـو.ع المخفية وسط المياة ثم استعاد رباطة جأشه على نفسه ثم انتهى من حمامه الصباحي وتوجه للخارج.

يعرف أن ما سيفعله اليوم هو القرار الأمثل، فهو لم يعد يبقى على شيء سوى عائلته.. حياته قد دُمرت منذ سنوات، تلك الفتاة أم غيرها لن تُغير به إمرأة شيئاً ولن يفرق الأمر كثيراً معه، ليتزوج إذن وليمنح أمه قليلاً من الراحة ولنفسه أيضاً لبعض الوقت دون أن تفاتحه بهذا الأمر مجدداً، لتعيش هديل في سلام مع ذلك الحقير، ولتطمئن شاهندة على تلك الفتاة التي أحبتها بشـ.ـدة، فهي لن تعود لزوج أمها الإستغلالي على الأقل الآن!..

عليه فقط أن يساومها ليس إلا وحتى إن لم تقبل فسيجبرها، عليها أن تكون بعيدة عنهم، وعلى ذلك الحقير أن يعلم إذا أقترب منها أنه سيتصدى له بنفسه، وقتها سيعبث مع زوجة بدر الدين الخولي ولن يرحمه إذا أقترب منها!!

ارتدى ملابسه ثم توجه ليتناول الإفطار مع عائلته بعد أن تناول بعض المُسكن لصداع رأسه وتفقد الجميع على طاولة الطعام بلمحة سريعة ليبدأ روتينه اليومي

"صباح الخير" اجابه الجميع عدا شاهندة التي لازالت مستاءة من حديثها معه منذ الأمس ثم نظر له كريم بنظرة انتصار تعجب لها وأكمل طعامه في صمت وآخذ يلاحظ نظراته لنورسين وهو يشتعل غيظاً منه..

"يالا عشان عندنا اجتماعات برا ومش عايز أتأخر" صاح بعد أن وقف ناهضاً لتُمسك نورسين بحقيبتها

"باي" ودعت الجميع لينظر لها كريم بإبتسامة

"باي.. Good luck (حظ سعيد) في اجتماعتكوا" تحدث كريم ساخراً ليسحق هو أسنانه في غضب ثم توجه بصحبتها لسيارته

"شاهندة كانت بتعمل ايه عندك امبـ.ـارح؟"لمحها بطرف عيناه الثاقبتان وهو ينظر لها أثناء قيادته

"أبداً.. سألتني اني مخبية حاجة عليها وانت وكريم بس اللي تعرفوها.." هنا توقف فجأة وكادت رأس نورسين أن ترتطم بالزجاج ليلتفت إليها بعد أن رفع المكابح اليدوية وجذب ذراعها

"انطقي.. قولتيلها ايه؟" هنا انتعشت ذاكرته بعدم اجابة شاهندة له صباح اليوم

"قولتلها أنت اتعصبت عليه وعليا بسبب غلطة في الشغل.." تحدثت مسرعة وهي تشعر بالخوف من ملامحه الغاضبة المرعـ.ـبة وأنفاسه المتلاحقة وعادت رأسها لتتذكر كيف كان معها بالأيام الماضية.

"أنتي هتستعـ.ـبـ.ـطي يا بت" صرخ بها وهو يزيد من حدة قبضته على ذراعها

"والله ده بالحرف اللي قولته"

"لو عرفت إنك بتكدبي هيكون آخر يوم في عمرك.. سامعة!!" صاح محذراً وهو يترك ذراعها بعنف لتومأ له وشرع في القيادة مجدداً ليشعر بدمـ.ـو.عها تتهاوى في صمت.

ظلت تبكي دون أن تُصدر صوتاً حتى وصلا لمرأب الشركة وشعر هو بذلك الإحساس المُزعج كلما بكت هي ليتمنى قـ.ـتـ.ـلها وقـ.ـتـ.ـل نفسه معها!!

"بطلي زفت" صاح آمراً وهو يترجل من السيارة لتتبعه هي الأخرى وهي تجفف دمـ.ـو.عها ونظر لها ولكنها تحاشت النظر له تماماَ.

صعدا ووصلا لمكتبه ليدخل هو وصفع الباب خلفه وأخذت هي تعد القهوة في صمت وقلة حيلة!

❈-❈-❈


"يعني ايه بيتكلم من رقم تاني متعرفهوش؟!"

"حضرتك بنحاول نوصل لرقمه وقريب اوي هيكون معانا"

"أنا قولتلك الكـ.ـلـ.ـب ده تعرفلي بيعمل ايه بالحرف وتبلغني بيه.. جاي تقولي بيشتغل بس ومعاه رقم تاني.. لو مش قد الشغل أشوف غيرك"

"لا يا بدر باشا متقلقش.. دبة النملة هتوصلك.." أنهى بدر الدين المكالمة ما إن رآى نورسين تدلف بقهوته ثم نظر لها بطرف عيناه وأوقفها قبل أن تغادر

"اقفلي الباب ده بالمفتاح وهاتيه وتعالي" آمرها بهدوء لتهرب الدماء من عروقها وشعرت بالرعـ.ـب الشـ.ـديد مما قد يفعله.

فعلت ما آمرها به ثم التفتت ولم تنظر له خوفاً من تلك النظرة الثاقبة التي لطالما قـ.ـتـ.ـلتها رعـ.ـباً ثم وضعت المفتاح بالقرب منه وكادت أن تبتعد لتفاجأ بقبضته القوية على معصمها لتتلاقى زرقاوتها المرتعدتان بعينيه الثاقبتان

"أوقفي هناك" أشار لها أمام مكتبه "واقلعي!" تهاوت دمـ.ـو.عها وهي لا تُصدق ما قاله للتو ليشعر مجدداً بنفس الشعور كلما رآها تبكي ولكنه لن يتراجع أبداً.. صفعها ليستحث قسوته بدلاً من ذاك الشعور المزعج بداخله..

"جرا ايه يا بت.. نسيتي نفسك ولا ايه؟!" صرخ بها ونظر لها نظرة جعلت الدماء تجف بعروقها على إثرها وفرت مهرولة لتفعل ما آمر به.

اتكأ بكرسيه وهو يرتشف قهوته ويتابع ما تفعله هي بعينيه وينظر لها في تشفي ودمـ.ـو.عها تتساقط وتخلع ما عليها.. للحظة شرد بمنحنيات جسدها المثير وأخذ يتخيل العديد من الأشياء التي قد يفعلها بجسد مثل هذا ولكنه طرد هذا التخيل من عقله بسرعة.

"لفي" آمرها لتفعل وتعالى نحيبها وهي تشعر بالإهانة الشـ.ـديدة جراء ما يفعله وظلت واقفة تنتظر آمره التالي لها ولم تستطع أن تسمع شيئاً آخر سوى نحيبها وصوت خفقات قلبها التي تعالت في رعـ.ـب وفجأة شعرت بيداه تقبضا عليها لتشعر بالآلم من قبضتاه وهمس

"العلامـ.ـا.ت ابتدت تروح.. تحبي أفكرك شكلها كان عامل ازاي؟"

"لأ.. أرجوك بلاش ضـ.ـر.ب.. بلاش" التفتت وهي تتوسله وعيناها توسعت في رعـ.ـب "هاعمل كل اللي أنت عايزه بس بلاش ضـ.ـر.ب"

"تمام" ابتسم نصف ابتسامة ثم توجه ليجلس على الأريكة وباعد بين قدماه مستنداً بذراعاه يميناً ويساراً بجانب رأسه أعلى الأريكة..

"تعالي" آمرها فهرولت نحوه على الفور ليقهقه هو "انزلي على ركبتك" خارت بجسدها للأسفل وهي تفعل ما يآمرها به وتتحاشى النظر لعيناه تماماً لتفاجأ بصفعه اياها ثم أمسك بشعرها "بت.. نسيتي إنك حـ.ـيو.انة، فاكرة نفسك بني آدمة ولا لازم يتلطشلك كل شوية عشان ت عـ.ـر.في مقامك.. غوري ارجعي لغاية المكتب وتعالى على ايدك ورجليكي يا حـ.ـيو.انة عند جزمتي" تحدث بهدوء وتشفي لإهانتها بتلك الطريقة لتبكي هي وفعلت ما آمرها به وآخذ هو يشاهدها عاداً حاجباه وينظر لمنحنياتها ليشرد بها مجدداً.

لاحظ وصولها أمام حذاءه ليبتلع وجذب رأسها ليضعها أسفل حذاءه

"مبسوطة وأنا ببهدلك كده!! ما أنتي لو كنتي محترمة مكنتيش عملتي اللي عملتيه!"

"والله ما عملت حـ.."

"اخرسي يا كـ.ـلـ.ـبة ومتفتحيش بوقك غير لما أقولك" قاطعها ليشعر بنحيبها يتعالى "واضح إن أمثالك لازم يعرفوا مقامهم كل شوية.." ظل يحرك قدمه على رأسها بينما هي شعرت بالذل الشـ.ـديد ولم تعرف كيف لهذا الشخص الذي تحدثت عنه شاهندة بالأمس أن يكن هو نفس ذلك الشخص القاسي الذي هو معها الآن!!

"قومي يا بت على ركبتك!!" صاح بعد أن أزاح رأسها بحذاءه في تقزز ففعلت وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدمـ.ـو.ع "بصيلي يا روح أمك" آمرها ففعلت ليرى تلك الزرقاوتان وهو لا يصدق كيف تتصنع تلك البراءة وقد كان كريم الحقير منذ ساعتان يحاول إثبات أنه لا يزال يحبها!! سيريه وسيريها!

"ايه رأيك يا بت بدل ما تنامي مع كريم أجيبلك رجـ.ـا.لة وياخدوكي بالدور.. وأهو كله بحسابه" ابتسم لها في كراهية لتتوسع عيناها في رعـ.ـب وتعالى بكائها

"لأ لأ أبوس ايدك.. أرجـ.."

"بوسيها" آمرها بمنتهى الهيمنة بعد أن قاطعها لتختلف نظرة عيناه وأسرعت هي لتُقبل يده على الفور خوفاً مما تفوه به منذ قليل ليشعر بخفقات قلبه تتزايد وعقد حاجباه في خوف من ذلك الشعور الذي سيطر عليه بغتةً ثم أفلت يده فجأة

"أرجوك بلاش.. والله هاعمل كل اللي تقول عليه.. بس بلاش الموضوع ده.. أنا ممكن أ.. ممكن أموت.. أرجوك بلاش" تساقطت دمـ.ـو.عها ونظرت له في توسل

"يبقى تتجوزيني.. على الورق.. لمدة سنة! تخلصي جامعتك، وعارف إن انتي كـ.ـلـ.ـبة فلوس.. هاجبلك شقة وشغل بعد ما تخلصي وماشوفش وشك تاني وتخرجي من حياة أهلي كلهم!!" توقفت عن البُكاء وتوسعت عيناها في اندهاش ووجل مما ألقاه على مسامعها للتو!

❈-❈-❈

"عايزة تجيبلنا العار بنت كامل.. أنا لو شفتها قدامي دلوقتي مش بعيد أموتها بإيديا"

"اهدى يا كمال.. مش لما تروح الأول وتتأكد من كلام جوز أمها!!"

"من غير ما أتأكد.. مش كفاية اللي عمله ابوها فينا زمان وراح أتجوز أمها اللي لا نعرفلها أصل ولا فصل وساب بنات أعمامنا"

" طب هتعمل ايه؟!"

"أنا لو شوفتها قدامي هموتها بإيديا!!" تعالت أنفاس عمها في غضب وهو يتخيل ما سيفعله معها "أنا لو مسكتها مش هاتمسكها عافيه.. الحل إن فارس لما يرجع هو اللي يجيبها لغاية عندي"

"الله!! طب وابني ذنبه ايه باللي عملته بنت كامل" صاحت زوجته في انفعال

"ذنبه إنه ابن عمها، واللي معملوش أبوها زمان هتعمله هي دلوقتي.. فارس وبنت كامل لازم يتجوزوا"

"حـ.ـر.ام عليك.. أنت هاتجبر ابني يتـ.."

"اسكتي يا شادية وإياكي تفاتحيه في الموضوع غير لما يرجع من سفره" قاطعها زاجراً اياها "واياكي أعرف إنك لمحتيله هو أو أي حد من أخواته بحاجة.. أنا هاعرف أتصرف معاه لما يجي!"

❈-❈-❈

"امضي.." صاح آمراً اياها لتفعل ووقعت على عقد الزواج ثم فرت لخارج مكتب ذلك المأذون وهي لا تكترث بما سيفعله لها وأخذت تبقي بحرقة على ما يحدث لها وتمنت لو تقـ.ـتـ.ـل نفسها.. نعم لربما هذا هو الحل الوحيد..

"بتسبيني وتمشي قدام الناس!! ماشي.. أنا هربيكي.. قدامي" تحدث بين أسنانه المتطابقة ليجذب ذراعها في عنف ويتوجها للخارج.
"ادخلي يا بت" دفعها لداخل منزله لتسقط هي أرضاً ورفعت نظرها لتنظر له هي في قلة حيلة

"أنت هتفضل تعمل كده فيا لغاية امتى؟ أنا بنفذ كل اللي بتقول عليه بالحرف، أنا بين يوم وليلة لقيت نفسي بتبهدل وبتعذب من غير ما يبقالي ذنب في حاجة.. أما معملتش حاجة لكل ده كريم هو اللـ.." همست بين بكائها الشـ.ـديد

"اخرسي" قاطعها وهو ينظر لها في غضب "ده أنا هطلع روحك.. هافضل أعمل كده فيكي لغاية ما تخرجي من حياتنا كلنا" نظر لتلك الزرقاوتان ليتجدد بداخله ذلك الشعور المزعج عنـ.ـد.ما تبكي هي

"اوعي يا بت تكوني فاكراني كريم الوسـ.ـخ ولا زياد الأهبل.. لا أنا بدر الدين، عارفة يعني ايه" جذبها من شعرها وهو يهز رأسها في عنف "يعني مش هاسيب بت زيك تضحك عليا، كـ.ـلـ.ـبة فلوس زيك هاطلع في عينها لغاية ما تتربي صح.. وإن بس في يوم فكرتي إنك تهوبي لأهلي تاني بعد ما تغوري من هنا أنا ممكن أموتك!! سامعة يا بت؟!" صرخ بها لتبكي هي آلماً وحزناً وقهرا

"قومي يا حتة حـ.ـيو.انة" صرخ بها آمراً لتنهض هي في ضعف ولكنه فاجئها بتمزيقه ثيابها في وحشية تامة لتصرخ هي من فعلته

"حـ.ـر.ام عليك .. كفاية بقا اللي بتعمله فيا ده" تحدث بين نحيبها

"حرمت عليكي عيشتك.. فاكرة انك هتعمليهم عليا.. انتي ايه.. كل ده تمثيل.. هو يعني مكانش حـ.ـر.ام عليكي وأنتي بتلعبي على زياد، ومكانش حـ.ـر.ام عليكي وأنتي بتاخدي راجـ.ـل من مـ.ـر.اته وعياله.. بس أنا هاعلمك ازاي تمثلي حلو اوي بقا!!" ألقى بملابسها الممزقة أرضاً ثم أمسك بشعرها مرة أخرى

"الكلام اللي هتسمعيه ده هيكون قصاد إني اسيبك كمان سنة.. فاحفظيه زي اسمك لحسن هاخلي عيشتك سودا وهاعرفك إن كل اللي شوفتيه كوم واللي هايجي ده كوم تاني خالص!!"

"أنتي هنا خدامة، حـ.ـيو.انة، مالكيش تقولي ولا تطلبي حاجة إلا بإذني، واللي أقولك عليه يتنفذ من غير نقاش ولا جدال، إذا حصل وسمعت كلمة بس منك همسخر بكرامتك الأرض، سامعاني كويس؟!" اومأت له في وهن وذعر من ملامحه المخيفة

"البيت الاقيه متنظم ومتنضف، مفيش هدوم ولا موبايل ولا تليفزيون ولا كل الأبهة اللي معيشاكي فيها شاهندة دي تنسيها خالص، أكلي وهدومي وحاجتي تكون جاهزة دايماً ومتنظمة ونضيفة.. البيت ده مش هتخطي براه خطوة واحدة، والحراس كلهم متبلغين إنك متخرجيش من هنا، الحاجة الوحيدة اللي مسموحلك بيها هي مذاكرتك ومش قدامي كمان، أنا بكون برا البيت تسع ساعات كل يوم ابقي اتنيلي اعملي فيهم اللي تعوزيه مادام مبيخالفش كلامي.. عرفتي هتعملي ايه؟!" صاح بها بنبرته الرخيمة لتومأ هي في وهن ولم تتوقف دمـ.ـو.عها عن التهاوي

"حسك عينك تخالفيني في كلمة.. هاعرف كل حاجة وساعتها مش هارحمك" القاها أرضاً لتجهش بالبكاء في وهن "النهاردة أهلي هاقلهم ان احنا اتجوزنا، اياك أشوف بس نظرة اعتراض واحدة.. زي ما عاملة فيها بريئة وبتمثلي ابقي مثلي عليهم اننا مبسوطين وقوليلهم إننا في لندن ارتاحنا لبعض" نظر لها في تقزز واحتقار بعد أن تريث لبرهة

"هدومك كلها تاخديها من اوضتك وتجبيها هنا واياكي تلمـ ــسي حاجة منها غير بإذني وإلا هوريكي يعني ايه سواد!! وخاللي سنتك السودة دي تعدي على خير عشان أخلص من وشك المقرف وأنتي كمان تطلعيلك بقرشين يا كـ.ـلـ.ـبة الفلوس!!" بصق عليها متقززاً ثم توجه لغرفته بعد أن أزاح قدمها من الطريق بحذاءه لتجهش بالمزيد من البكاء مرة ثانية.

دلف هو غرفته ثم أوصد بابه ونظر لصورة ليلى بجوار سريره ليُمسك بالإطار وهو ينظر لها في آسف ثم آخذ يتحدث لها

"غصب عني.. أنا مقدرش اتجوز بعدك ولا أشوف ست غيرك.. أنا لسه بحبك يا ليلى، لسه أنتي الوحيدة اللي بقول عليها مراتي، لسه كل حاجة زي ما هي بس سامحيني.. مش هاقدر اسيبها تخرب على أختي ولا تستغل شاهي وأمي وزياد.. هي سنة وأوعدك مقربلهاش.. سنة وهتطلع من حياتي خالص.. متزعليش مني يا حبيبتي"

آسر الدمـ.ـو.ع بعينيه ثم أعاد الإطار لمكانه وتوجه لحمامه وهو يُفكر بالذي سيواجه به الجميع في المساء ثم تذكر أنه مزّق ملابس نورسين للتو ليسحق أسنانه غضباً ويقرر العودة للخارج ليبتاع لها ملابس جديدة.

❈-❈-❈

"يااااه أخيراً جيتو" صاحت شاهندة وهي تتوجه نحو نورسين وتعانقها "سيبهالي بقا يا بدر احسن محتاجاها تساعدني في حاجات" تحدثت شاهندة ثم لفجأة توقفت "ايه يا نور الفستان ده.. أنتي مكنتيش لابسة كده الصبح" ابتلعت نورسين في وجل ثم نظرت لبدر الدين

"شاهي.. تعالي محتاج أتكلم معاكي شوية" هنا تدخل لتتعجب أخته ثم توجها سوياً لغرفة المكتب

"ايه يا بدر فيه ايه؟!" سألته بقلق

"أنا اتجوزت أنا ونورسين" اجابها بهدوء لتتوسع عينا شاهندة في هلع من مفاجأة ما اخبرها به

"ايه!! أنت ومين؟! أنت بتهزر مش كده؟" صاحت به في صدمة ليومأ لها في إنكار "ازاي يا بدر تعمل كده؟ طب ارجع لحد مننا، ده أنا بعاملها زي بنتي.. ارجعلي أنا على الأقل" هوى جـ ــسدها لتجلس على الكرسي وهي لا تصدق ما أخبرها به للتو

"بصي يا شاهي أنا حسبتها.. هي بنت غلبانة وكلامك كان صح عنها واحنا في لندن حسيت إني مرتاحلها.. انتي وماما بتحبوها وهي ملهاش حد.. لما كلمتها النهاردة في الشركة حسيت بقبول منها واتجوزتها"

"أنت عارف يا بدر انها عندها عشرين سنة!! يعني أنت أكبر منها بتلتاشر سنة.. دي عيلة بالنسبالك.. وحتى لو كده أكيد نفسها في فرح زي باقي البنات وتتبسط و.."

"هي قالتلي إنه مالوش لازمة" قاطعها في ضيق

"بدر أنا مش شايفاك فرحان وأنت بتتكلم عنها، مش حاسة إنك سعيد باللي أنت عملته.. يعني مثلاً زياد لما!!" هنا توسعت عيناها في صدمة "زيااد!! زياد هتعمل معاه ايه وأنت أخوه وعارف إنه كان عايز يتجوزها؟!" قلبت كفيها ليزفر بدر الدين في حنق

"زياد صغير ومش عارف هو عايز ايه.. ده بيفضل بالأيام ميسألش عليها"

"وأنت بقا اللي عارف أنت عايز ايه وبتسأل عليها اوي؟!"

"يوووه يا شاهي.. أنا أخدت القرار وهي موافقة وخلصنا"

"يا بدر مينفعش اللي أنت بتعمله ده"

"خلاص بقا.. أنا قولت أقولك وخلاص قبل الكل عشان يكون عندك علم.. " ألقى بكلمـ.ـا.ته بملامح فارغة المشاعر ثم غادرها لتقع هي بالحيرة من أمرها..

❈-❈-❈

"عامل ايه يا فارس يا ابني.. ناوي تيجي امتى؟!" صاح كمال متحدثاً لأبنه

"وحشني يا بابا أنا تمام.. بس احتمال منزلش قبل أول السنة الجاية.. ما أنت عارف إني قعدت معاكو شهر أول السنة واسبوعين العيد ويادوب لسه راجع"

"يعني مينفعش تتصرف في اسبوعين اجازة كده ولا حاجة؟"

"لا والله يا بابا الموضوع هيكون صعب بالذات أنت عارف إن المهندسين هنا بيطلع عينهم.. وبعدين هو فيه حاجة ولا ايه؟ أنت كويس يا بابا أنت وماما واخواتي البنات؟" تعجب فارس في قلق شـ.ـديد

"متقلقش يا ابني.. كلنا بخير، وحشتنا بس مش أكتر"

"وانتو يا بابا دايماً واحشني ونفسي أكون معاكو.. كلها سنتين تلاتة واجي استقر في مصر.. هانت يا حبيبي"

"ربنا يوفقك يا ابني.. ترجع بالسلامة إن شاء الله"

"يارب.. لو احتاجتو اي حاجة في اي وقت كلموني"

"ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي انت مش مخلينا محتاجين لحاجة.. خد بالك من نفسك يا فارس"

"حاضر يا بابا وسلملي على ماما كتير واخواتي.. هكلمهم لما اروح"

"طيب يا حبيبي.. لا إله إلا الله"

"محمد رسول الله" أنهى كمال المكالمة بينما صاحت به شادية زوجته التي لم تستمع للمكالمة بأكملها

"قولتله!! قالك ايه؟!"

"مقولتلوش ومحدش يجيبله سيرة.. أنا لما يجي هاعرف اتصرف معاه وأقوله بمعرفتي" أخبرها زوجها بلهجة لا تحتمل النقاش بينما شعر فارس بالتعجب من تلك المكالمة فأجرى مكالمة هاتفية لأحد الأشخاص حتى يُخبره بما يٌقلقه.

❈-❈-❈

"افردي وشك قدام الناس بدل ما ابهدلك قدامهم" همس لها ليقشعر بدنها من صوته واشتمت رائحة عطره القوية لتُجبر ابتسامة على شفتاها بينما لمحهم كريم بطرف عينه ونظر لهم في غل شـ.ـديد.

اجتمعت العائلة وأولاد هديل والأقارب وتعالت أصوات الضحك والأغاني وانـ.ـد.مج الجميع في الغناء مواكبيين الأطفال أيضاً وكالعادة كان بدر الدين يرتعب من الأطفال فابتعد لأحدى الزوايا ولكن عيناه الثاقبتان لم تفارق مراقبة نورسين.

شاهندة تحاول أن تبدو طبيعية ولكن ما أخبرها به بدر الدين منذ دقائق قد عبث بعقلها، أخذت تراقب نورسين ونظرت لها في صمت وتعجب وهي تريد أن تتحدث لها عما حدث بين أخيها وبينها، لابد من أن هناك شيئاً ما حدث ليتزوجا هكذا فجأة ولابد لها من توضيح عقلاني لتسرعهما هكذا، قررت أن تتحدث إليها ولكن لينتظر حديثهما لآخر الأمسية.

أمّا عن نورسين فقد تآكلها الإرتباك والخوف، نظرها لا يبـ.ـارح الأرض، شاردة في عذابها الذي ينتظرها، تريد أن تصرخ، أن تعانق شاهندة وتخبرها بكل شيء، تخبرها أن كريم هو السبب وأنها لم تفعل شيئاً، تخبرها بما فعله بدر الدين عنـ.ـد.ما سافرا، تريد أن تحتمي بها من كل ما يحدث حولها، تود أن تعلم لماذا يحدث لها كل ذلك، ولماذا انقلبت حياتها رأساً على عقب بين ليلة وضحاها!!

"خلاص الشغل واخدك أوي كده ونسيتي زيزو" اقترب زياد منها لتُجبر هي ابتسامة على شفتيها ونظرت له

"بقا أنا برضو الشغل اللي واخدني ولا أنت اللي مش بتسأل عليا!!"

"لا في دي عندك حق.. بس ت عـ.ـر.في كان لازم اثبت لبدر إني راجـ.ـل وأقدر اتحمل المسئولية واخليه ينسى كلمة إن أنا الصغير اللي ماسكهالي كل شوية.. فكان لازم اركز في الشغل.. وبردو كان لازم اعمل كل ده عشان أنا داخل على قرار مهم اوي في حياتي.."

"قرار؟!" ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب "قرار ايه.."

"طيب ما تيجي نتمشى برا شوية في الجنينة واحكيلك.."

"يالا" اخبرته بإقتضاب وهي تشعر أن عينا بدر الدين لا تتركها وكأنه حولها دائما في كل مكان بالرغم من أنها لا تعرف أين هو

توجها سوياً للخارج بينما تابعهما بدر الدين بنظرة الصقر خاصته وآخذ يراقبهما دون أن يلاحظ أياً منهما بل وأقترب حتى يستمع لما يتحدثان به..

"فيه ايه بقا يا زيزو قلقتني" صاحت له نورسين في تعجب

"بصراحة.. أنا عارف إن الكلام ده سابق لآوانه.. بس.. بس أنا بحبك يا نور وعايز اتجوزك" هنا توسعت عيناها وتوقفت حتى عن التنفس وآخذت تهز رأسها في انكار

"طبعاً بعد ما نخلص الجامعة" ازاد على ما اخبرها به بعد أن قرأ ملامحها ثم ابتسم لها ابتسامته تلك التي لا تقاومها الفتيات ونورسين تحاول التحكم في انفعلاتها ودهشتها

"بس.. بس.. أنا.." تلعثمت وهي لا تستطيع التحدث ليبتسم بدر الدين في انتصار

"مفاجأة مش كده؟!" تنهدت هي وهي لا تدري بم تخبره ولكنها استجمعت شجاعتها وتحدثت في النهاية

"زياد.. أنا طول عمري شايفاك صاحبي وأخويا.. أنت أحلى واحدة في الدنيا تتمناك.. أنا آسفة بس.." زفرت في قلة حيلة بينما عقد بدر الدين حاجباه وآخذ يتابع حديثها فهو توقع أن تُخبره أنها تزوجت للتو ولكن إجابتها على أخيه أدهشته تماماً "أنا آسفة لو حسستك بحاجة في يوم من الأيام غير اننا اصحاب واخوات!"

لم يتوقع زياد تلك الإجابة ولا تلك الكلمـ.ـا.ت التي تفوهت بها للتو واكفهرت ملامحه ثم شعر بالغضب وكل ما كان يُفكر به لسنتان بأكملهما قد ذهبا هكذا بمنتهى السهولة..

"فيه حد تاني يا نور مش كده؟!" نظر لها في حُزن

"لأ يا زياد ولا تاني ولا تالت" اجابته بمنتهى التلقائية "الفكرة إني.." تنهدت ثم ازاحت خصلاتها خلف أذنها

"أنا يا زياد شايفاك أخويا.. كان نفسي دايماً يكون ليا أخ زيك، أيام الجامعة كنت دايماً بحس بكده بس لما بناخد الأجازة كنت دايماً بتبعد عني ويا مسافر يا مشغول، ولما قولتلي الصيف ده اني هتدرب في شركتكم كنت مبسوطة عشان هكون جنبك، أنت عارف إن حياتي كانت فاضية ازاي، وكان نفسي اكون جنبك أنت ومريم، وحتى استنيت منكم انكو تكونوا جنبي بعد موت ماما الله يرحمها بس زعلت أوي منكم لأنكو مكنتوش موجودين!! أنا بعتذرلك مرة تانية بس والله عمري ما قصدت حاجة أكتر من كده" أومأ لها زياد ثم نظر لها نظرة عتاب وتركها ليتمتم بدر الدين لنفسه

"يا كـ.ـد.ابة!! حرباية بتتلون بمليون لون!! بس لأ.. لو عملتي ايه كلامك ده كله مش هيأثر فيا!"

اتجه نحوها وشعور الغضب يتملكه وود لو اقـ.ـتـ.ـلع رأسها بيـ ــده، تلك الطريقة التي تتظاهر بها، تلك الكلمـ.ـا.ت التي قد يتعاطف معها أي أحد، كم بدت بريئة ولكنها مجرد أفعى!!

"كنتي بتقولي ايه لزياد؟" سألها بهدوء ليرتجف جــ ــسدها من صوته ثم التفتت لتجد بدر واقفاً خلفها واضعاً يداه بجيوب بنطاله وينظر لها تلك النظرة التي لطالما ارتعدت منها

"ده.. هو اللي كان عايزني" همست لينظر لها في غضب وقرأت من ملامحه أن تلك لم تكن اجابة سؤاله فتحدثت مسرعة خوفاً من غضبه "قاللي انه عايز يتجوزني بعد ما نخلص السنادي وأنا قولتله اننا اصحاب واخوات ومفيش حاجة ما بينا غير كده"

"وكدبتي عليه ليه؟! فجأة كده اتنازلتي عنه؟ مش ده اللي كنتي بترسمي عليه من زمان؟!" أخبرها بتهكم وسـ.ـخرية لاذعتان

"برسم على ايه واتنازلت عن ايه؟!" ضيقت ما بين حاجباها في عدم فهم

"بردو تمثيل تاني!!" تجهمت ملامحه وهو ينظر لها بإحتقار "مقولتيلوش انك اتجوزتي ليه؟" ابتلعت عنـ.ـد.ما سمعت سؤاله وأخذت تُفكر وهي تحاول أن تجد إجابة داخل عقلها لا تعرضها لغضبه وتكون منطقية بنفس الوقت

"أأنت.. االلي قولت إننك.." تلعثمت لتراه يسحق أسنانه في غضب وارتبكت من ملامحه المُرعـ.ـبة ليقترب منها ممسكاً بذراعيها

"انطقي يا قذرة" همس لها بين أسنانه الملتحمة وأنفاسه الممتزجة بعطره انهالت على وجهها وشعرت بالآلم من قبضتاه على ذراعها لتنظر له بأعين زرقاء خائفة

"أنت اللي قولت إنك هتقول لعيلتك الأول.. مرضتش اقول أنا قبلك، خوفت تتعصب عليا تاني" ظل ناظراً لها يخترق تلك الزرقاوتان بظلمة عيناه الثاقبتان وهو ينظر لها مُدركاً أنه قد أخبرها بذلك وأنها لم تُخطأ ليبتلع وآخذ يتفحصها في عدم تصديق لتآخذ نظرته مجرى آخر وود أن يعرف ما ذاك الشيء بعينيها الذي يجبره على إرادة النظر لها بلا توقف..

"ايـ ــدي أرجوك.. بتو جعني" همست له وهي مرتعدة من ملامحه المتجهمة وأنفاسه تلك تُربكها للغاية وتخيفها بآن واحد ثم لاحظت لين قبضته على ذراعيها ولكنه لم يبتعد من أمامها بعد..

لم يرى مثل تلك العينان أبداً بحياته، أحياناً تبدو عينان لطفلة وأحياناً تبدو كعينا أفعى مستغلة لا تكترث إلا بنفسها، ذاك الخوف الذي تصرخ بهما زرقة عيناها يُرضي الغضب بداخله، ولكن نظرة اللوم عنـ.ـد.ما تجتمع مع دمـ.ـو.عها تقـ.ـتـ.ـله ألف مرة بداخله ويحارب كثيراً حتى ينتهي من ذلك الشعور..

أمسك بيـ ــدها، لامـ ـسها في لطف ولأول مرة تشعر بكم يـ ــده كبيرة واحتوت كف يـ ـدها الصغير ولن تُنكر أن هناك رعشة سرت بجـ ــسدها ولكن لا تدري ألمـ ـسته نفسها تؤثر بها أم مجرد الخوف منه كان كفيلاً بإفتعال تلك الرعشة، لربما هي خائفة، نعم هي تشعر بالرعـ.ـب منه، أنفاسه تلك تُربكها وتخيفها أكثر من أي شيء فعله معها، لا تدري لماذا ولكن هذه هي الحقيقة، كلما أقترب للغاية منها شعرت بخفقات قلبها تتعالى دون أدنى تحكم منها..

"قدامي" آمرها بخفوت ثم ظل ممُسكاً بيـ ــدها بعد أن شعر أنه حدق بتلك الزرقاوتان أكثر من اللازم ودلف حيث الجميع ورآى نجوى والدته قد شارفت على إنهاء خطبة ما..

".. عشان خاطر بنوتي الدلوعة اللي بتمنى دايماً اشوفها مبسوطه مع ولادها وجوزها، تتربى في عزكم إن شاء الله يا حبايبي، مبروك ما جالكم" صفق الجميع ثم حـ.ـضـ.ـنت هديل زوجها وجففت الدمـ.ـو.ع بعينيها دون أن تُفسد زينتها

"بعد إذنك يا أُمي.." هنا تدخل بدر الدين ووقف أمام الجميع وهو يُمسك بيد نورسين التي لم تتوقف خفقات قلبها عن الإزدياد بفعل لمـ ــسته اياها

"أنا عايز أقولكوا كلكوا على حاجة وكويس إننا متجمعين النهاردة في مناسبة زي دي.. أولاً مبروك يا هديل وتتربى في عزكوا" اندهش الجميع لتدخله وبدأوا في ملاحظة تلك الطريقة التي يحتضن بها يـ ــدها بيـ ــده "ثانياً، أنا مش بعرف أتكلم اوي بس أحب أعرفكوا إني اتجوزت النهاردة"

ابتلع وهو يتمنى قـ.ـتـ.ـل نفسه على ألا ينطق تلك الكلمة بعد ليلى وبدأ الجميع في الفهم ونظر لهما كريم في صدمة تامة وغضب شـ.ـديد بينما صاح زياد الذي لاحظ نورسين بجانبه وهو للتو قد رُفض منها

"اتجوزت مين؟! أنت.. أنت اتجوزتها هي؟!" صاح في غير تصديق وهو يشير لها "أتجوزت نور، نور اللي بحبها، اللي قولتلك انها هتكون مراتي في يوم!" هنا توجهت شاهندة نحوه وهي تشعر بالخوف وحاولت أن تمنعه أن يتحدث أكثر من ذلك أمام أنظار الجميع بينما نظر له بدر يتفحصه ثم ابتسم بإقتضاب وتحدث

"خد بالك كويس إنك بتتكلم عن مراتي واياك أسمع اي حد بيجيب سيرتها او خد يفكر يقربلها" توقف للحظة ونظر لكريم في تحذير ثم أعاد نظره لزياد "أنا وهي بنحب بعض ومفيش حاجة تمنعنا عن الجواز!" تريث لبرهة ثم أضاف "حبيت أبلغكوا بس.." أخبر الجميع ثم جذبها بخفة لتسير معه وكادا أن يغادرا تحت أنظار الجميع لتوقفهما نجوى وهي تُصيح

"نور!!" التفتت لها وهي تنظر لها في خوف "استني متمشيش.. أنا عايزاكي"
"خلاص يا بدر باشا كله تمام، كل حاجة جاهزة، الكاميرات اتركبت في كل الفيلا في قلب ديكورات السقف ومش ظاهرة خالص ونظام الحماية الجديد شغال ناقص بس تعمل كلمة السر بتاعته علشان تسجيلات الكاميرات تتخزن، على فكرة دي اجدد حاجة نزلت بيستخدموها في البنوك"



"تمام.. نبه على كل اللي عندك إنها ممنوع تخرج غير معايا، أي حد يدخل الفيلا أو يخرج منها اتبلغ فورا.. وأي حاجة تانية تحصل تبلغوني بيها أول بأول"



"حاضر يا باشا"



أنهى المكالمة وهو بالكاد ركز فيما قاله، يريد أن يتحرى ماذا تفعل نورسين مع والدته الآن، ليس أمامه حل آخر سوى أن يتجسس عليهما من باب المكتب المطل على الحديقة مباشرة فتوجه ذاهباً لهناك.



"... أنا عارفة ولادي كويس، زياد مش عارف هو عايز ايه، وكلها يومين والموضوع ده هيعدي وهيبقى بالنسباله ولا حاجة، وشاهندة عمرها ما هتزعل منك أبداً لأنها في الأول وفي الآخر عايزة تشوف بدر سعيد ومبسوط وأنا متأكدة إنك هتقدري تسعديه.." ارتسمت ابتسامة أجبرتها نورسين على شفتيها



"بصي يا نور، أنا اللي مربية بدر، عارفة انه أكتر واحد في ولادي تصرفاته محدش يتوقعها، بس غالباً كل اللي بيعمله بيكون صح في الآخر، ومش عايزاكي تزعلي من تسرعه ده.. عارفة إنك بنت صغيرة ومن حقك تفرحي وتعملي فرح وتتبسطي بس معلش اعذريه عشان اللي شافه في حياته مكنش شوية.. من قسوة مامته لصابر الله يرحمه لموت ليلى للمسئوليات اللي تقلت عليه، أنا كنت حاسة بيه إنه دايماً مخـ.ـنـ.ـوق بس أنا واثقة إنك هتغيريله حياته تاني وهتقدري تنسيه كل اللي عاناه" 

ابتسمت لها عنـ.ـد.ما سمعت طرقات على الباب فتوجهت بنفسها لتفتحه



"شكراً يا زينب" 



تحدثت نجوى ثم أوصدت الباب مرة أخرى وتوجهت لتجلس أمام نورسين التي لا تُصدق حقاً ما تفعله والدته والذي قلل كثيراً من ارتباكها فقط بإبتعادها عن تلك الثاقبتان المخيفتان كان كدخول الجنة بالنسبة إليها، لقد ظنت لوهلة أن والدته ستعارض ما يفعله ولكن يبدو أنها كانت مخطئة تماماً



"خدي يا حبيبتي" ناولتها صندوق كحلي اللون مخملي لتأخذه نورسين على تردد



"ايه ده يا ماما؟"



"أنا ملاحظة إن لا فيه معاكي دبلة ولا خاتم ولا حتى شبكة.. ده طقم صابر الله يرحمه كان جايبهولي وبحبه أوي إن شاء الله يعجبك" ابتلعت نورسين وهي تهز رأسها في إنكار



"مالوش لازمـ.."



"اتفرجي بس عليه" قاطعتها بإبتسامة ونبرتها الواثقة لم تدع لها مجالاً لتعارضها ففعلت لينفرغ ثغرها في دهشة من كل تلك الأحجار الماسية اللامعة 



"حضرتك.. أنا.. مش.." تلعثمت وهي تتجول بزقاوتاها بين محتوى الصندوق وعينا نجوى



"مبروك عليكي يا نور يا بنتي وعقبال ما يجبلك الأحسن منه"

 ابتسمت لها ثم خلعت دبلتها 



"أنا مبحبش بصراحة جو الخواتم الجديدة بتاع اليومين دول والدبلة دي عمرها ما فارقت ايدي غير النهاردة" 

ابتسمت بمرارة ويبدو وكأنها تتذكر الآن العديد من الذكريات 



"جربيها كده عليكي" ناولتها اياها وأخذتها ولكنها لا تدري كيف تتصرف في مثل هذا الموقف



"كفاية يا ماما الطقم ده وإن شاء الله بدر هيبقى يجبـ.."



"أنا عايزاكي تخديها.. شوفي بس مقاسك زيي ولا لأ" 



ابتسمت لها مشجعة اياها لتتنهد نورسين وحاولت أن ترتديها لتجدها ضيقة عليها قليلاً فحاولت مجدداً أن تخلعها ولكن لم تستطع فزفرت في حيرة وحاولت مجدداً أن تخلعها ولكن دون جدوى



"زي ما تكون مش عايزة تطلع من ايدك.. خليها بقا معاكي ولما بدر يجيبلك غيرها ابقي رجعيهالي" ضحكت نجوى بخفوت وهي تنظر لها ملياً في حب وسعادة



"بصي يا بنتي، بدر ابني راجـ.ـل صعب، مش هاقولك إنه سهل أبداً، بس أنتي تقدري عليه، عارفة ليه؟! عشان أنتي طيبة وقلبك أبيض وهو على قد ما و عصبي بس حنين أوي.. عارفة إن ما بينكم فرق سن كبير، وعارفة إنه شكله أحياناً بيكون مخيف ويرعـ.ـب بس هو خلاص بقا جوزك ودي بقت حياتكو.. بدر لما حد بيعامله بحنية بيحبه أوي، واللي بيستحمله في الأول بيلاقي إنه غلبان أوي وساعتها بدر بيمسك فيه بإيديه وسنانه" ابتسمت نجوى في آسى وشردت بالفراغ ثم أكملت حديثها



"أنا لسه فاكرة أول يوم شوفته فيه، كانت تصرفاته عدائية جداً، مكنش عايز حد يقرب منه، فضل يكسر في اوضته لغاية ما قربت منه وفضلت أكسر معاه كل حاجة.. استغربني في الأول، كان فاكرني هزعقله، كان رافض يتعامل معايا خالص، بس بعد ما خلصنا تكسير ورمينا كل حاجة على الأرض قعد جنبي وهو بينهج وقالي أنا عايز ارجع لماما.. قولتله وأنا كمان!!"



"ليه أنتي مامتك فين؟!" نظر لها ذلك الطفل بتلك المقلتان اللامعتان

"مامتي بعيد اوي في بلد تانية"

"بس انتي كبيرة وتقدري تروحيلها، لكن أنا بابا مش هيخليني امشي" ارتسم الحزن على ملامحه

"مين قالك إني مقدرش.. أنا لازم أكون موجودة هنا عشان بحب باباك، وبحب اخواتك شاهي وهديل وكمان عشان بحبك.. مش معنى إننا نقدر نعمل حاجة يبقا نعملها، يعني مثلاً أنا ممكن أكسر معاك كل اللعب دي وممكن نفركش السرير مع بعض، لكن ده مش المفروض نعمله تاني.." أقتربت منه على حذر وجلست بجانبه ليطالعها ويتفقد ما تفعله "تفتكر بابا جابك ليه؟
"

"عشان هو مبيحبش ماما وعايزني ابعد عنها" اجاب بتلقائية شـ.ـديدة

"لا يا حبيبي.. هو جابك هنا عشان الناس اللي بتحبك، أنا وشاهي وهديل وهو كمان بيحبك.. أنت كنت عند مامتك بقالك فترة كبيرة، والدور علينا بقا ولا عايز الناس اللي بتحبك متقعدش معاك؟!" توسعت عيناها وهي تنظر له في براءة ثم أكملت "كلنا طلبنا من بابا إنه يجيبك هنا عشان نلعب سوا وعشان تقعد مع شاهي وهديل شوية وعشان أنا بحبك اوي ونفسي كان يبقا عندي ولد جميل اوي زيك كده.. وأنا أوعدك إنك هتشوف مامتك تاني بس بعد ما تقعد معانا شوية"

"بجد يا طنط؟!" تعجب وتوسعت عيناه في دهشة

"بجد يا حبيبي، بس على شرط.. تقولي يا ماما نجوى وأنا أعملك كل اللي أنت عايزه" ابتسمت له لتجده يهرع نحوها يعانقها

"أنتي طلعتي طيبة أوي يا ماما نجوى وأنا هاسمع كلامك عشان أشوف ماما تاني"

"وأنا بحبك أوي يا حبيبي.. وهخليك تشوف مامتك وكتير كمان، بس يالا بقا بسرعة نوضب الأوضة الجميلة دي لحسن شاهي وهديل هيجوا كمان شوية ولازم اوضتك تبقا حلوة زي اوضتهم.. هتساعدني؟!" أومأ في صدرها لتربت هي على ظهره وتنهدت في حزن على ذلك الصغير.

سحق أسنانه غضباً عنـ.ـد.ما أدرك أن تلك الفتاة بدأت في معرفة كل شيء عنه وكاد أن يدخل لتوقفه شاهندة "استنى يا بدر أنا عايزاك" التفت لها وارتسم الغضب على ملامحه وهو ينظر لها نظرات مبهمة لتجذبه من ذراعه لليتوجه معها لأحى المقاعد القريبة بالحديقة.

"ده بدر يا نور يا بنتي في كل حاجة.. بيتعصب ويكون عدائي بس أول ما بيشوف الحنية مبيقدرش يبعد عن الشخص الحنين تاني.. هو كمان عنده مشكلة، بيخاف يبعد عن اللي يعرفه وبيحبه، وبيخاف من أي حاجة جديدة أو أي شخص جديد يدخل حياته ولما كبر بقا بيخاف من دخول اي حد جديد وسطنا" أطلقت ضحكة خافتة

"عارفة لما حمزة اتجوز شاهي!! بدر ده مكنش بينام.. كنت حاساه هيتجنن، فضل يعترض عليه ويختبره لغاية ما سبحان الله بقوا حبايب، ونفس الكلام مع كريم بس كريم مش زي حمزة، كريم مش صبور كده وهادي وراسي زيه خالص، عشان كده لغاية دلوقتي تحسي إن فيه ما بينهم اختلافات حتى بعد العمر ده كله.. بدر دايماً كده في الأول مع أي حد بس يوم ما بيحبه بقا استحالة يفرط فيه"

"اوعي تفكري إني مآخدتش بالي من بصاته ليكي، وعصبيته الزيادة عليكي، أنا كنت متأكدة إنك لفتي نظره وفضلت اتفرج من بعيد وكنت واثقة انه هياخد الخطوة ويتجوزك.." ابتسمت لها في حنان وطيبة

"بس بقا خلاص شكلك كده وقعتيه، ومن هنا ورايح عايزاكي يوم ما تحتاجي حاجة ولا لو ضايقك قوليلي وسيبيها عليا وأنا هاتصرف، بس أهم حاجة اصبري عليه وخليه يكون واثق فيكي، ساعتها هيبقا عامل زي البيبي الصغير معاكي" ابتسمت لها في حب شـ.ـديد وهي تعانق وجهها بكفيها "اتفقنا يا حبيبتي؟!" لا تدري ماذا تفعل نورسين بعد كل ما سمعته وهي بداخلها تود أن تحتمي بها من بطشه وقسوته ولم تصدق أياً مما قالته نجوى ولكنها أومأت لها بالنهاية خوفا ما إن علم شيئا سوف يعذبها من جديد

"اتفقنا يا ماما"

❈-❈-❈

"أنت لازم تتصرف معاه، أنا فعلا مش عارفة أعمله ايه" تحدثت شاهندة في انفعال

"العيل الصغير ده كمان عايزاني اتصرف معاه!! زياد مبيحبهاش، ومش عارف هو عايز ايه، وبكرة اثبتلك وهتشوفيه رجع طبيعي خالص بيسكر وبيسهر ولا كأن حصل حاجة"

"يا بدر متجننيش، يعني أنت اللي بتحبها؟!" نظرت له تتفحصه لينهض هو وولاها ظهره وقلبه يخفق بشـ.ـدة ليوصد عيناه وتذكر ضحكة ليلى الرنانة وعسليتاها الحيوتان المبتسمتان دائما

"ايوة بحبها يا شاهي.. بحبها اوي.. مش عايزها تبعد عني أكتر من كده" هدأت نبرته ولم تصدق شاهندة نبرته المتألمة تلك لتتعجب كثيراً بينما هو لم يقصد سوى ليلى التي عشقها منذ أن وقعت عليها عيناه

"ماشي يا بدر.. اياك تأذيها أو تزعلها في يوم وساعتها أنا اللي هازعل منك ومش هكلمك تاني" تركته شاهندة ودلفت لحجرة المكتب ولكن بدر الدين لا يزال على هيئته وأخذ يتذكر المزيد من الذكريات التي جمعته بليلى

"أأذيها؟! ده أنا ممكن أموت قبل ما بس أفكر أأذيها.. عندي استعداد أعيش مشلول بس عشان أشوف ضحكتها قدامي تاني واسمعها.. لو بس رجعتلي هاوافق نخلف عشر مرات علشان خاطرها.. أنا بقيت مستني اليوم اللي هاموت فيه عشان متأكد إني هاقبلها تاني، هاحكيلها على كل اللي حصلي بعدها، هعيط في حـ.ـضـ.ـنها تاني علشان تطبطب عليا وتقولي إنها جنبي.. وحـ.ـشـ.ـتني اوي.. حشـ.ـتـ.ـيني و  أوي يا ليلى!"

أدرك فداحة ما تفوه به للتو ثم فتح عيناه في فزع والتفت لينظر لشاهندة التي قد غادرت منذ قليل ليحمحم ثم زفر بحرقة واطمئنان أنها لم تستمع لشيء وتوجه لداخل غرفة المكتب في هدوء شـ.ـديد ليعرف ما تتحدث به نجوى ولكن فوجئ بشاهندة تتحدث معها.

"ليه اتجوزتيه؟ ليه مقولتليش إنكو حبيتوا بعض؟ ليه اتسرعتي كده من غير ما ترجعيلي؟"

عقدت شاهندة ذراعيها وهي تتحرى الصدق بتلك الزرقاوتان لتتنهد نورسين ووقفت ظهرها مواجهاً نفس الباب الذي دلف هو منه وسمع ما قالته شاهندة بينما هي لا تدري لماذا اعترتها تلك القشعريرة بجسدها وكأنما توقفت شعيرات جسدها بالكامل، أهذا هو عطره؟! أتلك هي أنفاسه التي تُربكها؟ هل آتى ليذيقها المزيد من غضبه ويأخذها لمنزله ليعذبها مرة ثانية؟ أم يريد أن يكتشف من هي وما هي نواياها مثلما أخبرتها والدته.

"اتجوزته ليه!! مش عارفة أرد على سؤالك يا شاهي ازاي.. كلامي عايزله كتب عشان يكفي.. بس هحاول أجاوبك.." ابتسمت وشردت كأنها تتذكر ذكريات عدة وابتلعت ثم تنهدت بعمق وهي تتخيل كل ما ستجيبها به

"اتجوزته علشان بدر الوحيد اللي حسسني إن أبويا ممـ.ـا.تش وعوضني عن وجود الأب بحنيته وحمايته وخوفه، علشان شوفت إن في كل مرة اتعصب عليا فيها كان خايف عليكوا أوي وكان نفسي في حد يخاف عليا ولو ربع الخوف ده ويحبني كده، أنتي أو زياد أو حتى ماما نجوى وهديل كان بيخاف عليكم مني عشان لسه داخلة بيتكم ولسه مش عارفني.. فاكرة يوم ما جوز ماما الله يرحمها جه هنا هو اللي وقفله معاكي ودافع عني وحماني وخلاه يمشي وميجيش تاني.. لو بس تشوفيه وهو قاعد جنبي في لندن يوم ما تعبت وسهران جنبي لغاية ما اطمن إني كويسة هت عـ.ـر.في أنا اتجوزته ليه، حبه اللي بيبان جوا قسوته وعصبيته حسيت إني عمري ما هلاقيه أبداً في أي راجـ.ـل تاني.. على قد ما كان شاكله كارهني في الأول بس لما عرفت إنه اللي شالني وساعدنا يوم وفاة ماما ابتديت أعرف قد ايه هو حنين وعمري ما هلاقي في حنيته..

ت عـ.ـر.في يا شاهي واحنا في لندن، دي كانت أول مرة اروح الملاهي من يجي ست سنين، يمكن ماما مكانتش واخدة بالها إن لسه جوايا طفلة وعيلة صغيرة بس بدر طلع الطفلة اللي جوايا تاني وعرف ازاي يحببها فيه"

تهاوت الدمـ.ـو.ع من عيناها وهي تتذكر كل ما فعله معها تلك الأيام الماضية وخاصة عنـ.ـد.ما احتجزها بذلك الدولاب لتوصد عيناها في آسى وحزن بينما تجمعت الدمـ.ـو.ع بعينا شاهندة لتجد نفسها تنفعل هي الأخرى مع كلمـ.ـا.تها بينما هي كانت تتمنى بعد استماعه لتلك الكلمـ.ـا.ت أن يرأف بها قليلا، فلقد فعلت كل ما أراده ولم تخالف أيا من أوامره ولعله سينتهي عن بطشه وقسوته معها فهي لم تعد تتحمل كل ما يفعله وفكرت أن تنطب بالمزيد عله يملك ولو القليل من الشفقة بين طيات قلبه..

"الفرحة اللي عيشتها معاه اليومين دول كانت أحلى أيام في حياتي.. خلاني نسيت إني يتيمة الأب والأم، خلاني انسى قذارة يُسري، خلاني أشوف مين بدر الدين بجد مش الراجـ.ـل اللي بيزعق وبيتعصب.." حاولت أن تتذكر أي ذكرى جيدة جمعتهما لتتذكر كل ما حدث منذ قليل بعد أن تحدثت لزياد وآتى هو فحاولت أن تصنع منها قصة قد تُقنع بها شاهندة

"عارفة لما بيلمس ايديا بإيده الكبيرة دي بحس إني مش على بعضي بس في نفس الوقت فرحانة ومش خايفة وبحس إن مجرد وجوده جنبي بيحميني، لما وقف قدام الناس وقال إني مـ.ـر.اته وبيحبني حسيت إني عمري ما هخاف وهو جنبي وإن محدش يقدر يقربلي تاني طول ما هو موجود.. كلامك عنه، وكلام ماما نجوى عنه أكدلي إني اخترت صح وإن عمري ما كنت ممكن ألاقي راجـ.ـل زيه.. عرفتي يا شاهي اتجوزته ليه أول ما عرض عليا الجواز؟!" فتحت عيناها لتجفف تلك الدمعات التي تهاوت على وجهها في خوف وتمني بأن تنتهي من قسوته لتومأ لها شاهندة في حب وتوجهت نحوها تحتضنها

"ربنا يسعدكوا يا حبيبتي وأتأكدي دايماً إني جنبك مهما حصل ومش عايزاكي تخافي من أي حاجة.. وأي حاجة تحتاجيها اطلبيها مني وعمري ما هتأخر عليكي.."

❈-❈-❈


"فين أهلها.. ماجوش ليه عشان ياخدوها.. كده مفيش اتفاق ما بينا وكل حاجة هلغيها.." صاح كريم بعصبية

"نعم يا اخويا!! أنت عايزني أكلم الناس امبـ.ـارح يجوا النهاردة.. أنت عارف الناس دي مبيسألوش عليها هي وأمها بقالهم كام سنة؟! ده زي ما يكونوا ارتاحوا انها مـ.ـا.تت لما عرفوا.."

"أنت أتأخرت عليا، واهي الزفتة دي اتجوزت النهاردة!!"

"ايه؟!! اتجوزت!!" صاح يُسري في صدمة والغضب يتآكله "أنا ماليش دعوة بيك تاني واعتبر إن كل حاجة ما بينا اتلغت.. وأنا هاعرف اتصرف معاها كويس ما دام أنت مش عارف تتصرف.. وابقى اقعد بقا اتفرج على اللي لهفها منك.. سلـ"

"استنى بس.." أوقفه عن الكلام عنـ.ـد.ما شعر بأنه سيخسر كل ما خطط له "الكلام اخد وعطا مش كده.. احنا اتفاقنا زي ما هو.." تحدث كريم له بهدوء "واعتبر اتفاقنا زي ما هو وأنا لسه عند كلمتي والاتنين مليون هتاخد فوقيهم بوسة كمان.. بس قولي انت قولت لأهلها ايه؟!"

"قولتلهم إن بنتهم ماشية على حل شعرها وقاعدة في بيت ناس غريبة"

"حلو اوي.. عايزك بقا تزود حاجة بسيطة جداً مش هتاخد منك حاجة.."

"لا لأ الكلام ده مينفعنيش.. ولا ازود ولا انقص وأنا هاجي اخدها واجرجرها من شعرها واجوزها للي يدفع أكتر منك.. وحتة عملية هبلة تحل كل مشاكلي وترجعها صاغ سليم بدل ما أنا في وجع القلب ده.. انسى بقا اتفاقنا خالص و.."

"طب يا سيدي عشان خاطرك هتلاقي بكرة الصبح تلتمية آلف جنيه في حسابك كعربون محبة بينا واهو حق المكالمـ.ـا.ت اللي بتكلمها لأهلها وحق المشوار الجاي اللي هتعمله عشان بردو فلوس البنزين" قاطعه كريم في خبث ليرى تريث يُسري "ها قولت ايه؟!"

"عايز تقولهم ايه؟!" صاح يُسري على مضض متسائلا ليبتسم كريم في خبث وآخذ يتحدث ويخبره بخطته القادمة بينما لم يلاحظ تلك الإبتسامة على وجه من يراه ومن استمع لكل مكالمته بل وقد كان على علم بكل ما يفعله من قبل!

❈-❈-❈

"خدوا بالكم من بعض يا ولاد ومش هاوصيكم على بعض" أخبرتهما نجوى في حب بعد أن عانقت نورسين وهي توزع نظراتها الحنونة بينهما ثم توجهت لتقف أمام بدر الدين

"أخيراً اتنازلت عن نشفان دماغك ده واتجوزت.. ده أنا كنت فاكرة إني مش هاعيش لغاية ما اليوم ده ييجي" عبثت في شعره وهو يكره تلك الحركة كثيراً وكأنه يتذكر عنـ.ـد.ما كان طفلا صغيرا "مبروك يا حبيبي" ابتسمت له في حب ليومأ لها وأجبر شفتاه على الإبتسام في اقتضاب

"زي ما قولتلك يا نور.. سيبك من بدر ولو احتاجتي اي حاجة قوليلي.." تحدثت شاهندة التي عانقتها هي الأخرى ثم توجهت لبدر الدين "وأنت ابقى والنبي اشركني في قراراتك العجيبة التي بتطلع فجأة كده قبل ما أموت.. مرة من نفسي يعني!!" زفر في ضيق وهز رأسه في إنكار على كلمـ.ـا.ت أخته له

"بعد إذنك يا أمي.." استأذن والدته وجذب يد نورسين ليغادرا

"اتفضل يا حبيبي.. وابقا طمني عليكو لما توصلوا.. وفكر تيجي تعيش هنا معانا أنت ونور زي ما قولتلكوا.." أطلق زفرة اعتراض وكاد أن يتحدث لتوقفه والدته "بقولك فكر.. يعني ممكن ترفض وممكن توافق.. بطل عصبية بقا يا بدور"

"دايماً بدورتي كده بيتعصب بسرعة" صاحت شاهندة في تحفز لأنها تعلم جيداً كم يكره أن يُناديه أحد بهذا الأسم

"يوووه يا شاهي.. أنا ماشي.. سلام!!" توجه للخارج مع نورسين التي عاد شعور الفزع لها مرة أخرى وكالعادة خفق قلبها في جنون وهي تُفكر بما ينتظرها بعد قليل

"بترخمي عليه ليه؟!" حدثتها نجوى في خفوت

"زي ما رخم عليا ومقاليش.. كان لازم بردو يعرفني انه عايز يتجوزها" عقدت ذراعيها في تحفز مجيبة

"خليكي كده عمالة تفكريني بأيام ما كنتو صغيرين وبتكبريني" حاوطت نجوى كتفيها بذراعها

"يا نوجا ده أنتي جميلة وصغنونة اهو وزي القمر.. أكبرك ايه بس!!"

"مممم.. يا بكاشة أنتي.. بس ت عـ.ـر.في.. أنا فرحانة اوي انهم اتجوزوا.. ربنا يسعدهم ويارب تعوضه عن كل اللي شافه"

"يارب يا ماما.." همست شاهندة متنهدة ثم توجها سوياً للخارج.

❈-❈-❈


اقترب منها للغاية بعد أن داهمها بين ذراعاه وبين سيارته التي استندت نورسين بظهرها عليها ونظرت له في وجل وهلع اثر تلك النظرة المخيفة التي بعينيه الثاقبتان وملامحه المريعة التي بالكاد ظهرت بسبب انعكاس ضوء القمر عليها، وابتلعت في ارتباك شـ.ـديد من أنفاسه الساخنة التي انهالت على وجهها لتنظر له بتلك الزرقاوتان المرتعتدان.

"اوعي تفكري إن كل الفيلم اللي حصل النهاردة ده إن فيه حاجة اتغيرت وإنك زي ما قدرتي تمثلي عليهم وتخدعيهم هت عـ.ـر.في تعملي كده معايا!! انسي!! أنت لسه معرفتيش مين بدر الدين الخولي!! هاتي.." 



امتدت يده لذلك الصندوق بيدها التي أعطته لها نجوى لتفزع هي وتركته في استسلام ليتناوله منها جاذبا اياه بقسوة



"والله أنا كنت بنفذ اللي قولتلي عليه.. أنا مكنتش بكـ.."



"أخرسي!! مش عايز اسمعلك صوت!" قاطعها بينما تحدث بين أسنانه المطبقة 



"وهاتي دي كمان!" همس لها بكراهية وامتدت يده ليحاول أن يخلع من إصبعها دبلة والدته التي أعطتها لها ولكن وكأنها التصقت بإصبعها للأبد!



"آه.. براحة" 

تألمت وهو يحاول بعنف أن ينزع تلك الدبلة من حول اصبعها وأخذ يضغط كثيراً عليها وهو يحاول أن يخرجها من اصبعها بأي طريقة ولكن لم يستطع وحاول مرة أخرى حتى جُرحت وانسابت الدماء بين يديهما لينظر لها في تقزز شـ.ـديد واحتقار لاذع ثم جفف يده بملابسها ليبعد تلك الدماء عن يده..



"قدامي يا بت" 



أشار للسيارة بأومأة من رأسه بعد أن ابتعد عنها لتهرع هي للداخل في رعـ.ـب مما يفعله وأخذت تلف إصبعها الذي آلمها بأحدى المحارم الورقية بينما تعجبت له وهو يتناول احدى زجاجات المياة من سيارته في سرعة مبالغ بها وكأنما لامس أقذر شيء بحياته وسكبها بالكامل على يده التي لامست دمائها وبعدها أخرج زجاجة عطره ليضع منها على يداه بل وبالغ فى وضع العطر حتى امتلئت السيارة بأكملها برائحته لينظر لها نظرة اشمئزاز شـ.ـديدة امتزجت بالغضب والكراهية الخالصة وكأن دمائها تلك أخبث ما أضطر لملامسته ثم شرع في القيادة مسرعاً لتشعر هي بالمزيد من الخوف منه وهي لا تعلم ما الذي سيفعله معها الآن بعد أن أدركت أنها ستكون بمفردها من جديد معه وانساب إلي عقلها عدم تحمل بشاعة منظره بالأيام السابقة حتى أحست أنها ستفقد عقلها خوفا وهلعا لا محالة.
دلف منزله ثم تفقد بهو الفيلا فلم يلاحظ أن الكاميرات ليست ظاهرة للأعين ليبتسم بداخله على ما فعله فمن الآن سيعرف كل ما تخطط له وتوجه نحو غرفته مُصيحاً

" غيري وطبقي هدومك واستنيني قدام بابي زي الكـ.ـلـ.ـبة وأنتي ماسكة الهدوم بإيـ ــديكي الاتنين" 

نظرت للطريق الذي ذهب به وزرقاوتاها لا تكف عن متابعته حتى اختفى تماما وهي تحت تأثير الصدمة مما أخبرها به.. ألم يقل أن زواجهما كان صوريا ليس إلا؟!

تفقدت المنزل حولها لتجد كل شيء يبرق كالماس، كل شيء مُرتب بعناية.. تذكرت عنـ.ـد.ما تناولا الطعام بمكتبه وكم كان منظماً بشـ.ـدة حتى وهو يتناول طعامه وعنـ.ـد.ما وقع على قميصه الكاتشب تركه تماماً واستبدله بآخر نظيف.. وعنـ.ـد.ما لمس دمائها أخذ ينظف يداه كمن لامسه أبشع الأوساخ!! ماذا به هذا الرجل ليفعل كل ذلك؟!

توجهت لتفعل ما آمرها به في إنصياع وهي تتجرع بداخلها الذل والإهانة البالغتان وهي لا تدري إلي متى سيفعل بها ذلك؟ لماذا يُعذبها بتلك الطريقة؟ إهانات مستمرة وصفعات لا نهائية وغضب دائم!! متى سيصدق أنها لم تفعل أيا مما يدور برأسه وما صدقه عليها؟!

تنهدت وهي تطوي ملابسها بعناية ثم أنتظرت أمام الغرفة التي عرفت أنها له وأنتظرت وهي تُعيد كل ما حدث بينها وبين الجميع من محادثات ومواقف لا نهائية..

لف حول خصره منشفة قصيرة ثم توجه ليدلف غرفته وهو يجفف شعره الفحمي الذي قد نما ليدرك أنه عليه أن يُقصره قريباً ولعن داخل نفسه فتلك الفتاة قد استحوذت على وقته بالكامل وجعلته يغرق بدوامة لا يعرف كيف ينجو منها!

"أما نشوف وراكي ايه" تمتم متحدثاً وهو يتفقد بريده الإلكتروني على حاسوبا موضوع بغرفته ليجد أنه قد وصله منذ ساعة بعض المُرفقات ليجد أنها تسجيلات مكالمـ.ـا.ت كريم الهاتفية قد وصلته بعد أستطاعة أحد من كلفهم الولوج لشركة الهاتف والحصول على تلك المكالمـ.ـا.ت..

ابتلع وهو يشعر بالتردد ولكنه طرد هذا الفكر بعيداً عن عقله تماماً ثم كبس بإصبعه ليستمع للمُرفقات التي لم تكن كثيرة على رقمه الذي لم يعرفه بالسابق ليندهش للغاية مما يسمعه..

❈-❈-❈


"اسمع.. نور كانت مع بدر ومكانوش مسافرين وكان بيحسس عليها قدامي في العربية.. "

"نعم يا اخويا؟ دي اللي أنت عايز تتجوزها؟ جاي تقولي أنا الكلام ده.. أنا ماليش دعوة.. اتفاقنا زي ما هو.. انا سبتهالك وقولتلي لما تتجوزها هتديني ٢ مليون جنيه.. لو هو بقا لهفها منك فـ دي مش مشكلتي.. أنا ماسك نفسي عشان ماجيش اخدها واجرجرها من شعرها بالعافية. اتفاقنا زي ما هو"

"اكيد اتفاقنا زي ما هو.. واكيد أنا هاعرف اجيبها.. بس محتاج مساعدتك.."

"لا أنا مليش دعوة بـ.. "

"متقلقش.. حاجة بسيطة اوي بس هتساعدنا احنا الاتنين، قولي تعرف حد من أهل أبوها؟" قاطع كريم يُسري

" آه أعرف بس هما مكانوش قابلينها هي وامها من زمان!"

"حلو اوي.. أنا بقا هقولك هتعمل ايه معاهم!.. كلمهم وعرفهم إن من ساعة ما أمها مـ.ـا.تت وهي رايحة تعيش في بيت ناس غريبة وفيه شابين مش متجوزيين وبتلف على حل شعرها مع واحد فيهم وهتجبلهم العار، أكيد بقا لو عندهم ذرة رجولة هيتحركوا!!"

"يا ابن الكـ.ـلـ.ـب!!" تمتم بدر في غضب "للدرجادي عايز تتجوزها.. رايح تتفق مع الكـ.ـلـ.ـب التاني ده.. ده أنت وقعتك سودا معايا" تحدث في غضب لنفسه ثم تفقد المُرفق الثاني ليستمع لآخر مكالمة بينهما

"فين أهلها.. ماجوش ليه عشان ياخدوها.. كده مفيش اتفاق ما بينا وكل حاجة هلغيها.." صاح كريم بعصبية

"نعم يا اخويا!! أنت عايزني أكلم الناس امبـ.ـارح يجوا النهاردة.. أنت عارف الناس دي مبيسألوش عليها هي وأمها بقالهم كام سنة؟! ده زي ما يكونوا ارتاحوا انها مـ.ـا.تت لما عرفوا.."

"أنت أتأخرت عليا، واهي الزفتة دي اتجوزت النهاردة!!"

"ايه؟!! اتجوزت!!" صاح يُسري في صدمة والغضب يتآكله "أنا ماليش دعوة بيك تاني واعتبر إن كل حاجة ما بينا اتلغت.. وأنا هاعرف اتصرف معاها كويس ما دام أنت مش عارف تتصرف.. وابقى اقعد بقا اتفرج على اللي لهفها منك.. سلـ"

"استنى بس.." أوقفه عن الكلام عنـ.ـد.ما شعر بأنه سيخسر كل ما خطط له "الكلام اخد وعطا مش كده.. احنا اتفاقنا زي ما هو.." تحدث كريم له بهدوء "واعتبر اتفاقنا زي ما هو وأنا لسه عند كلمتي والاتنين مليون هتاخد فوقيهم بوسة كمان.. بس قولي انت قولت لأهلها ايه؟!"

"قولتلهم إن بنتهم ماشية على حل شعرها وقاعدة في بيت ناس غريبة"

"حلو اوي.. عايزك بقا تزود حاجة بسيطة جداً مش هتاخد منك حاجة.."

"لا لأ الكلام ده مينفعنيش.. ولا ازود ولا انقص وأنا هاجي اخدها واجرجرها من شعرها واجوزها للي يدفع أكتر منك.. وحتة عملية هبلة تحل كل مشاكلي وترجعها صاغ سليم بدل ما أنا في وجع القلب ده.. انسى بقا اتفاقنا خالص و.."

"طب يا سيدي عشان خاطرك هتلاقي بكرة الصبح تلتمية آلف جنيه في حسابك كعربون محبة بينا واهو حق المكالمـ.ـا.ت اللي بتكلمها لأهلها وحق المشوار الجاي اللي هتعمله عشان بردو فلوس البنزين" قاطعه كريم في خبث ليرى تريث يُسري "ها قولت ايه؟
!"

"عايز تقولهم ايه؟!" صاح يُسري على مضض متسائلا ليبتسم كريم في خبث

"أبداً، هتزود حتة صغيرة أوي.. هتقولهم إن بدر الدين بيستر عليها بعد ما نامت مع أخوه.. لغاية ما تولد وهيرميها بعد ما ياخد منها ابنه"

"بس كده ممكن ميجوش خالص.." صاح يُسري في قلق

"مش أنت قولت صعايدة وبيتجوزوا من بعض.. أبسط ما فيها هيبقوا عايزين يغسلوا عارهم ويموتوها وساعتها أنا هتصدر وهتجوزها.. وكل حاجة هتمشي زي ما اتفاقنا.."

"ولو كلامك ده محصلش.."

"هتبقى طلعت بمبلغ كويس.. بس أهم حاجة أشوف أهلها وهم عندها وبيتخانقوا مع بدر" تنهد كريم براحة وهو يتصور ذلك المشهد يحدث أمام عيناه

"بس لأ.. مش هقدر أقولهم كده بعديها بيوم.. لازم أصبر شوية وبعدين ابقا اروحلهم عشان يصدقوا"

"ماشي يا سيدي.. شوية قد ايه؟!"

"لو معملوش حاجة لشهر كده ولا شهر ونص هبقا اروحلهم"

"وأنا هستنا الشهر ولا الشهر ونص!!"

"ما أنا لو كلمتهم كده بسرعة هيعرفوا إن ليا حد من جوا بيعرفني كل اللي بيحصل.."

"طيب ماشي.." زفر كريم بضيق "اما نشوف"

"لا أنا اللي لما ابقى اشوف التلتمية آلف بكرة ساعتها هنقدر ناخد وندي مع بعض.."

"تمام، اقصاها على نص اليوم هيكونوا عندك.."

❈-❈-❈


"يا ابن ميتين الكـ.ـلـ.ـب.. ده أنا هابهدلك بهدلة.. افوقلك بس بعد ما اخلص من الوسـ.ـخة التانية" تمتم متحدثاً ثم أجرى اتصالاً هاتفي

"يسري راتب.. تجبلي كل مكالمـ.ـا.ته وتراقبهولي وكل حاجة توصلني بالحرف.." أوصد مكالمته في غلٍ شـ.ـديد ليفكر بكل ما سمعه.

ألهذا الحد يستميت ليتزوجها؟! يا تُرى ماذا أخبرته ليفعل كل ذلك؟ ومتى أخبرته وهو معه هاتفها ولم يغادرها منذ أن رآهما معاً؟ وبماذا قصد زوج والدتها عنـ.ـد.ما قال

"حتة عملية هبلة تحل كل مشاكلي وترجعها صاغ سليم بدل ما أنا في وجع القلب ده"

أحقاً هي ليست عذراء؟ أحقاً عاشرها كريم؟ أنسيّ زوجته وأولاده ليركض خلف فتاة لم تُكمل عامها الواحد وعشرون بعد فقط لمجرد رغبة في جـ ــسد مستغلة مثلها؟

وتلك المخادعة البـ.ـارعة التي قد تتلقى جائزة نوبل كأفضل كاذبة، ألهذا الحد هي ممثلة محترفة استطاعت أن تخدع الجميع ببرائتها وجعلتهم يصدقون كل ما تفوهت به بتلك السهولة؟ لقد وصفت تماماً ما حدث عنـ.ـد.ما لامــس يـ ــديها وشعر به ولكن كيف لها أن تترجم ذلك الشعور بمنتهى السلاسة كما شرحته هي لشاهندة أخته؟ كيف لها أن تتصنع الكذب بتلك الإحترافية عنـ.ـد.ما صدت زياد وأخبرته أنه مجرد صديق لها وهي من كانت تخطط حتى تحصل عليه وما إن وجدت كريم فرت لمن هو أكثر منه مالاً وذكاءاً ومركزاً؟

هي أفعى.. تلتف حول فريستها بكل إتقان وتمكن دون أن يشعر بها لتلدغه ويخر هاوياً بفعل سُمها الذي يستحيل لأحد أن يُشفى منه، لقد وقع لها أمه، أخته، زوج أخته، أخيه، وبعد كل هذا لا يستطيع أن يُثبت عليها كل ذلك الخداع والكذب.

إذا فكر بيوم ما أن يواجه كريم بما فعله فلديه مكالمـ.ـا.ته، لديه إثبات أنه خائن ولكن ماذا عنها هي وهو لا يملك أي دليل ضدها وقد يظن الجميع بعد ذرف دمـ.ـو.ع التماسيح خاصتها أنها صادقة وأن كريم هو من تعرض لها وليس لها بالأمر يداً.

ولكن سيكتشف كل مكائدها الماكرة، يعرف جيداً كيف يتعامل معها، وحتى ولو لم تعترف سيطوعها، سيخضع ذلك اللسان المراوغ على الإعتراف بكل شيء..

ود لو قطع ذلك اللسان الذي يبخ بسمه وشره إلي الأبد حتى لا يستمع لصوتها ثانية، ود لو اقـ.ـتـ.ـلع تلك العينتان اللعينتان اللتان تجبرا الجميع على الخضوع التام لها، هكذا وبمنتهى السهولة تفعلها وتمكر بالجميع ولكن هو فلا!!

لن ينخدع بالبراءة الزائفة والزرقاوتان المُغريتان، لن يقع أسيراً لها ولا لذلك الكلام الذي تستعطف به الجميع، لا جـ ــسدها ولا رقتها ولا ذلك اليُتم الذي تلجأ له بين الحين والآخر سيجبرونه على الإشفاق عليها..

سيعلمها ماذا يعني أن تعبث معه، مع عائلته، سيعيد برمجة ذلك العقل، سيريها ماذا يعني أن تقع في ظلامه إلي أن ينتهكها روحاً وعقلاً.. لم ترى ظلام بدر الدين بعد..

لم يخطر بباله أنها قد تكون بريئة حقا.. أن روحها الطيبة لم يمسها شر الإستغلال مثل وفاء الإستغلالية.. لقد تم صُنع عقله على يد ابيه الخبيرتان بالعذاب الشـ.ـديد حتى اصبح مدمرا لا يُفكر إلا بكل الشر ولا يثق بنوايا أحد أبدًا

أرتدى بنطاله الجينز الأسود ثم أخرج من احدى الأدراج عصابة للعينان ووضعها بجيبه الخلفي ثم أمسك بعصا رفيعة للغاية من الخشب ثم توجه ليوصد الأنوار وبعدها فتح الباب لتفاجأ هي بالظلام لم ترى سوى يداه التي امتدت لتجذب شعرها لتحاول ملاحقة خطواته وهي مجبرة تابعة اياه في ظلام حالك لا تعرف متى سينتهي.

لم تعد تراه ولا تشعر أين هو، لا تعرف هل توقف عن أخذ الخطوات أم لا يزال يتجول حولها، صوت أنفاسها المتهدجة المرتعدة لم تعد تسمع غيرها، ماذا يريد أن يفعل بها الآن؟

أتناديه أم سيغضب؟ سيجلدها ثانية أم سيصفعها؟ لماذا هذه المرة لا تراه؟ أهي حقاً تشعر أفضل لأنها لا ترى قتامة عيناه الثاقبتان، أم أن الحُلكَة التي هي بها أفضل؟

لم تكن يوماً بمثل هذا الموقف.. لم تكن هي تلك الفتاة التي تعشق الظلام أبداً بل كانت تكرهه، كانت تشعر بالخوف من الظلام دائما.. لم يدري أنها نورسين، اسمها يعني نور القمر، كانت دائماً تلك التي تضيء حول الجميع بإبتسامتها، لقد وقع الجميع لها، ولكن ذلك الظلام التي هي به ليس لها، لا تستحقه، لا يناسبها تماماً، لم يكن لها يداً حتى تعذب هكذا وبتلك الطريقة.. ألا ترى مُهلكك في ظلامٍ دامس اشتدت ظُلمته وعتمته أشـ.ـد العقوبات التي قد تقع لك يوماً.. أن تقع ببراثن الظُلمـ.ـا.ت دون أن تستطيع رؤية ما يحدث لك ولا حتى تشعر بما حولك ويتملكك الذعر قد يفتك بعقلك حتى قد يتوقف تماما عن العمل!

لقد تركها لعقلها في ذلك الظلام علها تُجن، علها تبكي أو تصرخ، يريدها أن تُناديه حتى يبدأ عذابه، يريدها أن تبكي حتى يشمئز من صوتها ويعاقبها على فعلتها، يريدها أن تفعل أي شيء ولكن بلا جدوى.

ماذا يحدث له؟ أبدر الدين فقد صبره؟ أفقد قوة تحكمه بأعصابه من تلك الفتاة المخادعة؟ ألهذا الحد يريد لساديته الضارية أن تنعكس على شكل دمـ.ـو.ع وصرخات ويريد أن يُخرجها معها وعليها؟!

هو فقط لن يشعر باللذة أو المتعة لما يريد أن يفعله، هو يعاقبها، نعم يعاقب تلك التي نبثت سمومها بعائلة مُحبة هادئة ولسوء حظها كان هو المسئول عن تلك العائلة..

بمنتهى السلاسة أقترب منها في الظلام الذي اجتمع فيه بكل نساءه المُشوهات على يده ليهمس بأذنها بنبرة مخيفة قد يرتعد لها الرجال

"نمتي معاه كام مرة؟!"

لم تدري من أين آتى صوته، هو بالتأكيد خلفها طالما همس بأذنها، ارتجفت وسرت القشعريرة بجــ ــسدها لتلتف وأخذت تستشعر بيداها اي شيء ولكنها لا تلامس غير ذلك الفراغ الموحش، ودت فقط لو لمست قدماه، يده، أي شيء في تلك الظُلمة حتى لو عدوها وقـ.ـا.تلها ولكن لم تستطع أن تجده ووجدت فراغ مجددا..

"محصلش.. ولا مرة" همست بأنفاس متقطعة وانعكس الخوف على نبرتها المُهتزة في ارتباك من كثرة الذعر الذي يُحيط بها وأخذت تتحسس المزيد من الفراغ وبدأ الفزع في التملك منها بالكامل

"كـ.ـد.ابة" همس لها مجدداً لتجهش هي بالبكاء لا تدري لماذا؟ هل لخوفها من وجودها معه بتلك الظلمة أم لإتهامها الباطل بتلك الفجيعة التي لا ينفك عن توجيهها لها..

"هشششش.. مش عايز اسمعلك نفس" شعرت بأنفاسه الساخنة وبعدها شعرت بالفراغ مجدداً بعد أن همس بأذنها لتجلس بتلقائية على ركبتيها في انهيار تام وهي تحاول أن تكتم أنفاسها وبكائها الذي تحول لشهقات لا نهائية ارتجف لها كيانها بالكامل.

سمعت صوت غريب فجأة يلوح بالهواء لتُفزع من ذلك الصوت وفجأة شعرت بيدها تؤلمها من قوة وصلابة العصاة لتصرخ في الظلام وأجهشت بالبكاء لتستمع لصوته الرخيم ولكن دون همس

"أنا قولتلك تتحركي.." حدثها بنبرة جـ.ـا.مدة طغت ظُلمتها على ذلك الظلام المحيط بها "بس ما دام نزلتي بقى على الأرض تبقى ايدك كمان تنزل عليها زي الكـ.ـلـ.ـبة"

أنزلت يدها في انصياع لتلك النبرة المرعـ.ـبة منه بمنتهى القهر وهي تبكي وتشعر بالفزع من كل ما يحدث معها ولو سمعها أعتى العتاة وهي تبكي بتلك الطريقة التي كادت أن تُقـ.ـتـ.ـلها لأشفق عليها ولكن ليس بدر الدين من سيفعلها!! ليس ذلك الرجل والطفل الذي طُعن بقسوة لسنوات عدة، ليس ذلك الذي قهره عذاب مرير منذ نعومة أظافره.. ظلام قلبه وعتمته الحالكة لم يعد بين طياتها أي شعاع من نور قد يدفعه للشفقة على حالها!

وضع حول عيناها عصابة العينان ليزداد الوجل بداخلها وخفقات قلبها تزايدت بشـ.ـدة حتى كاد أن يتوقف وعقلها لا يتوقف عن السؤال، يا تُرى ماذا سيفعل بها أكثر من ذلك وهل ستتحمل أم لا؟

ذهب ليضيء احدى المصابيح الصغيرة بجانب سريره ولمح سكين الجيش السويسري الذي لا يدري لماذا لا ينفك أن يجمع منها أشكالاً وألواناً فحملها ثم توجه ليجذبها من شعرها لتحبو هي مُجبرة حتى توقف بها أمام الأريكة التي جلس هو عليها وأخذ ينظر لتلك الشـ ــفتان اللاتي دائماً تنطق بالكذب والخداع لتنبث بسمومها بمنتهى السهولة والإستغلال الذي بدمائها لا يتوقف أبدا!!

لا، لن يشعر بالرغبة بسبب تلك الكرزيتان، لن يتذكر تلك الإبتسامة التي تتفارق بهما شـ ــفتاها لتكشف عن أسنانها ناصعة البياض، لن تخدعه بتلك الرعشة التي ترتعش بها تلك الشفاة التي تُجبر الزاهد على تقبليها، هي أمامه وهو يملكها الآن لفعل كلما أراده ولكنه لن يتأثر بكل هذا!

"نمتي معاه كام مرة؟!" سألها بهدوء وهو يفتح تلك السكين ويختار منها الشفرة الحادة التي لطالما مكث ساعات ليجعلها حادة بمثل تلك الطريقة ليرى أومأتها بالنفي

"ولا مرة واللـ.. آه" شعرت وكأنما سكين تشق شـ ــفتها السفلى لتبكي بمرار على كل ما يحدث لها على يده

"كام مرة؟" أعاد سؤاله لتبكي مجدداً بحرقة على ما يفعل بها

"عمري ما نمت معااه" صرخت وهي تشعر مجدداً بنفس الآلم ولكن بمكان مختلف للجرح الأول وشعرت بالرعـ.ـب ما ان تحركت قد يـ.ـؤ.لمها أكثر

"لآخر مرة هسألك.. عشان معايا الدليل.. نمتي معاه كام مرة؟!" تعالت شهقاتها وعصابة العينان التي وضعت على عيناها كادت أن تقطر دمـ.ـو.عاً

"أرجوك صدقني.. عمري ما...آه.." صرخت مرة أخرى بعد أن فاجئها بجرح آخر في شـ ــفتيها لينهض تاركاً اياها تبكي وجـ ــسدها يهتز في ارتجافة آلم وأخذ يطهر السكين ثم وضعها مكانها وأحضر احدى سجائره وقداحه ثم عاد ليجلس أمامها وهو يشاهدها في استمتاع..

تلك الدماء التي تقطر من الشـ ــفتين المخادعتين التي يظن الجميع أنهما تقطران عسلاً وليس سُماً مميتاً كما هي الحقيقة التي تُخفيها وراء مظهرها البريء بمنتهى الإحتقار..

ابتسم ابتسامة رضاء وهو يرى جـ ــسدها يهتز اثر بكاءها الشـ.ـديد وانسياب الدماء على ذقنها جعل عيناه تلمعان بشـ.ـدة، هي تتآلم، مثلما فعلت به، كما تآلم هو لظنه بأنه قد يفقد عائلته ولكن قد ربح هو وخسرت هي!!

انتقلت عيناه بسائر قوامها الذي يرتجف من شـ.ـدة البكاء ليشرد بفتنتها التي لم ير مثلها من قبل وأنو ثة جـ ــسدها التي لم ير في لونه ولا تفاصيله قط ولم يتمن بشـ.ـدة في حياته أن يتلمس إمرأة كما يتمنى الآن!!

طرد هذا التفكير من رأسه زاجرا لنفسه وأعاد نظره لقطرات الدماء التي تساقطت على ذقنها وامتزجت بدمـ.ـو.عها التي تهاوت دون توقف ليبتسم نصف ابتسامة خبيثة والقى سيجارته بالمنفضة ثم توجه نحوها مُخرجاً احدى المحارم من جيبه ثم جفف به شفاهها وجذبها من شعرها يرفعها للأعلى حتى أُجبرت أن تجلس على ركبتيها لتشعر بأنفاسه المُحملة برائحة دخانه قريبة منها للغاية.

أقترب بشـ.ـدة منها ثم توقف أمام شـ ــفتيها ليلتقمها بين أسنانه بقسوة ليذيقها المزيد من العقوبة وكادت هي أن تبتعد خوفاً وآلماً ولكن استطاع أن يُثبت رأسها جيداً بين يـ ــديه القويتين.

افترس تلك الشفاة بأسنانه وهي تصرخ متوجعة ولم تعد تحتمل كل ما يفعله بها، تريد أن تبتعد عنه بأي طريقة، تشعر بالتقزز والغثيان مما يفعله، لم يقترب منها أي رجل من قبل مثل ما يفعل هو الآن.. ليلقيها بالشوارع حتى سيكون أهون مما يفعله بها، لقد شعر بدمـ.ـو.عها تلامس كفاه ولكن لم يكترث لأي من آلامها.. هو المهيمن عليها، ستتعلم هذا عاجلاً أم آجلاً.. أحقاً يظن ذلك؟! لقد كان حُلماً جميلاً تبدد برياح يوم عاصف..

لم يدري بنفسه وهو يوصد عيناه ويستنشق تلك الرائحة التي آتت من بستان ورود قد خُلق منذ زمان بعيد لم يُسمح لأحد قبله سواه أن يتلذذ بعطوره وكان من حسن حظه أن يتلذذ بتلك الرائحة وحده..

هو يكره الدماء، يتقزز منها، ولكن مذاق شـ ــفتاها الممتزج بتلك الدماء سلباه القدرة على أن يُكمل افتراسه لها، لقد نسى ما يفعل، نسى من هي، ما فعلته، نسى أنه يعذبها، وتذكر أنه سيعذب نفسه إن لم يرتوِ من رحيق تلك الكرزيتين لينضم لسانه فجأة وآخذت تلك القُبلة المفترسة لوناً أخر تماما من هدوء واستمتاع بما يفعل..

لا يدري كيف مر لسانه على تلك الدماء، ولا يعرف متى سمح لنفسه بفعلها، ذلك الشعور الذي يشعر به كلما لمسها وتناغم برفق بقبلتهما وكأنه يذهب لعنان السماء..

عمّق من قُبلته أكثر وجذبها نحوه، يستنشق عبير ورودها وكأنه لآخر مرة يتنفس، أقبلة ما قبل الموت تلك أم ماذا يحدث له؟ لماذا لا يستطيع أن يُنهي تلك القبلة؟ لماذا عيناه موصدتان؟ لماذا لم يجد تلك الرغبة الجامحة بداخله من قبل ليقبل سوى تلك الفتاة؟ لما اجتمعت كل إرادته في أن يُقربها نحوه في عنف بيـ ــديه ليزيد من تلثيمه لتلك الشفاة المجروحة؟ أين ذهب بدر الدين؟ ماذا يحدث له؟ أنسيَ من هو ومن هي وما فعلته بأخته وزوجها؟ فليستيقظ.. قُم وانظر لمن أمامك.. هي تلك المخادعة التي تخدع الجميع، من أوقعت كل من قابلته ببراثن كذبها.. تحكم بنفسك أيها اللعين!! ما الذي تفعله؟ صرخ عقله ليدفعها فجأة لتسقط أرضاً وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها التي ظنت أنه لن يُعطيها الفرصة لتفعلها..

"غوري امشي اطلعي برا" همس بأنفاس لاهثة وهو لا يعرف ما الذي حدث منذ قليل كالمخمور تماماً ليراها تحاول أن تحبو لتتحسس الطريق وصوت بكائها جعل غضبه يتزايد لينهض نحوها بمزيد من لهيب الغضب الذي انفجر بعروقه ثم جذبها من شعرها ليلقيها خارج غرفته وهي تصيح متأوههة أسفل يده التي تقـ.ـتـ.ـلع شعرها بعنف

"اتخمدي ومش عايز أشوف وشك للصبح!" صرخ بها وهو يحاول أن يُسيطر على أنفاسه التي لا يدري أكانت بسبب غضبه أم من تأثير تلك الكرزيتان عليه!
"ايه اللي أنا هببته ده؟" تمتم بغيظ متسائلاً وهو يتذكر تلك القبلة التي جمعتهما، كل ما اراده هو أن يـ.ـؤ.لمها ولكن في حقيقة الأمر قد سبب الآلم لنفسه أكثر منها.

أسيترك نفسه لتلك المشاعر التي تستحوذ عليه؟ تلك اللمسات التي تجعل خفقات قلبه سريعة، تلك النظرات التي تنظر له بها ويجد نفسه مجبراً ألا يشيح بعينيه بعيداً عنها! وأما ذلك الشعور الذي لا ينفك يتملكه عنـ.ـد.ما يراها تبكي فهو حتى لا يستطيع وصفه بالكلمـ.ـا.ت.. أسيقع فريسة خداعها؟ لا، لن يحدث ذلك أبداً.. هو يعرف جيداً كيف يوقف كل هذا! أو هكذا ظن وفكر أنه يستطيع!

جلس على تلك الأريكة بغرفته ثم أرسل برسالة لأحدى نساءه العاشقات للآلم ربما إذا أخرج كل الغضب الذي بداخله الآن قد يصفى ذهنه قليلاً ليعود بدر الدين الذي يعرفه.

❈-❈-❈

"هو ليه بيعمل معايا كده؟ ليه مصمم يصدق نفسه ويكـ.ـدبني؟ أنا هاصبر لغاية امتى على كده؟ سنة من العذاب ده كل يوم! أنا ممكن أموت من كتر الرعـ.ـب اللي بشوفه كل شوية معاه، أنا لازم الاقي حل يخرجني من اللي أنا فيه ده.. أنا معملتش حاجة مع كريم.. والله ما سبته يقرب مني" تحدثت لنفسها وتهاوت دمـ.ـو.عها في صمت ثم نهضت وهي تحاول أن تجد مرآة في هذا البيت الذي لم تتعود عليه بعد لترى ما الذي حدث لها بعد تلك الجروح.

نظرت لتلك الجروح على شفتها لتبكي في وهن شـ.ـديد وذعر وهلع من ذلك المنظر الذي ارتسم على وجهها وهي لا تدري كيف لها أن تجعله يتوقف عن عذابها..

أتعود لمنزلها؟ ذلك البيت الذي تربت وكبرت به؟ ماذا سيفعل يُسري معها؟ هل سيتحرش بها ثانية بعدما فعله معها عنـ.ـد.ما كانت بالمشفى؟

ليس تعرف اي أحد آخر سوى زوج والدتها ذلك الحقير، هل حقاً تُفكر في الخروج من جحيم بدر الدين لتدخل بقدمها لجحيم من نوع آخر؟ أهذا كل ما اهتدى إليه عقلها؟

هل تخبر شاهندة؟ وهل ستصدقها بعد كل ما قالته؟ لقد مكثت منذ سويعات تقنعها بكم تُحب أخيها ولذلك تزوجا! ألهذا الحد قد تآكلها رعـ.ـبها وخوفها منه؟ لقد أصبح يتحكم بكل شيء حتى ما تقول وما تفعل بل وكيف تُفكر أيضاً! إذن ما نهاية كل ذلك؟

وماذا لو أخبرت شاهندة أو حتى والدته.. بالطبع هو يمتلك دليل زائف يصدقه وسيصدقه الجميع.. لقد رآت كيف والدته تتحدث عنه وكيف تعتقد أخته أنه رجل جيد وحتى أخيه الصغير يقف كمن لا يملك اي حُجة أمامه..

وذلك الحقير الآخر لن يتوانى عن فعل أي شيء حتى يبعدها عن منزل زوجته وعائلتها ليكون لديه الفرصة حتى يتفرد بها وحدها.

لماذا لم تعد والدتها معها؟ لماذا تركتها مع كل تلك الذئاب ورحلت؟ لماذا لم تخبرها ما عليها فعله في مثل هذا الموقف؟ بين ليلة وضحاها غادرت.. دون أن تُنبئها.. دون أن تترك لها بضع كلمـ.ـا.ت لتواسيها، كانت فقط تتمنى لو عناق أخير يجمعهما سوياً حتى يظل معها كذكرى أخيرة تظل متعلقة بها طوال حياتها..

تهاوت أرضاً وأخذت تبكي وهي متكورة على نفسها، لم تعد تلك الفتاة التي لم تمتلك هموماً مثلما عهدت نفسها، لم تعد لديها غير طموح واحد وهو أن ينتهي ذلك الكابوس الذي تتعايش به، أصبح كل ما يُشغلها هو بعض ملابس لترتديها، أو لربما باب موصد عليها تحتمي به من كل من حولها.

لماذا لا يدعوها وشأنها؟ لماذا يفعلوا معها كل ذلك؟ هي لم تؤذي أحد، ولم تطمع بشيء على الإطـ.ـلا.ق، لماذا كل تلك الإتهامـ.ـا.ت الباطلة توجه إليها..

لم يكن بعقلها محدود التفكير أن هناك مثل تلك البشاعة والكراهية والعذاب بهذه الدنيا.. حياتها كانت عبـ.ـارة عن مشاركة والدتها بالمنزل لبعض الأعمال المنزلية البسيطة، ضحكات مستمتعة.. حنان.. ذهاب للجامعة والمداومة على المحافظة على دروسها ليس إلا.. لم يكن هناك أحدا ليُخبرها كم أن حياتها البسيطة التي ظنت أن الجميع يملك مثلها تختلف كثيرا عن حياة الجميع!!

ما الذي كانت تفعله بيومها سوى الجلوس أمام التلفاز لتشاهد فيلما أو مسلسل درامي لمجرد التسلية وقضاء الوقت مع والدتها، والدتها لماذا لم تخبرها عن كل ما تحتويه هذه الحياة الظالمة! لماذا تركتها وذهبت دون أن تفتح عيناها على ذلك الظلم؟! لماذا لم تحذرها؟ لماذا تركتها لتكون فتاة طيبة مثالية لا تضمر الشر لأحد؟ لماذا جعلتها تُصدق أن الجميع مثلها؟! لماذا فقط فعلت بها كل ما فعلته؟!!!

لماذا وقعت بكل ذلك؟ ما الذي حدث حتى تستيقظ بين يوم وليلة لتجد والدتها متوفاة، زوج والدتها متحرش، ذلك الحقير كريم مثله تماما، وذلك الجلاد الآخر يعذبها ليلا نهارا على كل ما لم تفعله ولم تظن ليوم بأنه موجود بمثل ذلك الشر والقهر بالحياة!!

لم تدر أثناء نحيبها ذلا وقهرا أن هناك من يشاهد شقاءها بنظرة الإنتصار تلك حتى لمعت عيناه من الفرحة الشـ.ـديدة، ذلك القهر والذل اللذان تعايشهما كان بمثابة التنفس له بعد اختناق شـ.ـديد عاش به الفترة الماضية وأخيراً وجد بعض الهواء ليتنفسه..

لم تدر أن ما فعله معها لم يكن شيئاً يُذكر، لم تر من هو بدر الدين حتى الآن.. لم تتغلغل داخله لترى ما يريد فعله حقاً بتلك النساء ليعوض جزءاً صغيراً مما فعلته به والدته وليعوض غياب ليلى بمعاقبة آخريات عنـ.ـد.ما يريدن المغادرة.

أما فتاة جميلة مُستغلة تريد أن تعبث مع عائلته، لقد جنت على نفسها، لا تدري كيف يراها بعد ولكنه سيعمل الأيام المُقبلة على أن تعرف كيف يراها بل وسيعذبها بشـ.ـدة بعد أن مثلت له نُسخة جديدة من تلك الفاجرة التي ولدته لحياة الشفاء تلك.

ترك شاشة حاسوبه الذي كان يشاهدها عن خلاله ثم توجه لملاذه الوحيد حتى يُفرغ عن غضبه منها ومن والدته ومن أبيه ومن مغادرة ليلى له ومن كل ما حدث له ليصبح ذلك الرجل المُشوه الذي هو عليه!

لم تعد تستطيع التنفس بعد كل تلك الشهقات المتلاحقة وذلك الصداع الذي يُهتك رأسها في عنف.. تريد النوم بشـ.ـدة ولكن إلي أين تذهب، لقد أوصد جميع الغرف سوى غرفته والمكتب. لقد تفقدت جميع الغرف منذ قليل ولكن لم تجد اي منها مفتوحاً.

عدم الأمان والذعر يفتكا بها، الإرهاق الذي لم تعان منه أبدا كان كثيرا عليها.. تلك الطفلة الصغيرة، الفتاة الطيبة، المدللة لدى والدتها لم تعلم كيف عليها الإستمرار في ذلك العرين المُخيف بصحبة هذا الوحش الضاري.. لا تدري ما الذي عليها فعله.. كيف تستطيع التصرف الآن؟! يا ليتها تموت وتتخلص من كل ذلك!

وما هذا الآلم اللعين الذي تشعر به أسفل معدتها.. هو لم يـ.ـؤ.لمها بأي شكل في تلك المنطقة! ولكن؛ هل من الممكن أن ذلك يحدث الآن؟!

"يارب أنا ليه بيحصلي كده.. أنا تعبت من كل حاجة" تمتمت وهي تحاول أن تُهدأ من بكائها وابتلعت في مرارة عنـ.ـد.ما تأكدت مما يحدث لها، لم يكن هذا الوقت المناسب نهائياً لعادتها الشهرية اللعينة التي تؤلمها كل مرة وكأنما تآمر عليها القدر بأن تعاني بلا نهاية.

ماذا تفعل الآن؟ لا تملك ملابس، لا تملك مُسكناً لتلك الأوجاع، ولا تملك ما تحتاجه النساء عادة في مثل هذه الأوقات.

تتذكر أنه قد ترك جميع حقائبها بالسيارة ولكن ما الذي سيفعله بها إن خرجت دون أن تُخبره؟ واللعنة هل أحضرت معها بعض الفوط النسائية؟ بالطبع لا.. لم تفكر بهذا، لأنها وببساطة لم تتوقع أن تواجه كل ذلك حتى بأسوأ كوابيسها!

توجهت لأحدى الحمامـ.ـا.ت بفيلته لتستعين بأحدى المحارم الورقية لتجفف تلك الدماء التي تهاوت بلا إنقطاع.. لا تدري ماذا تفعله حقاً.. ليس هناك حلاً آخر سوى مهاتفة شاهندة ولكن كيف وليس هناك اية هواتف بالمنزل ويملك هاتفها معه؟ أحقاً عليها أن تتوسله لمثل هذا الأمر؟

توجهت لغرفته ثم طرقت على باب غرفته بينما لم يجيبها! تريثت قليلاً وهي تدعو بداخلها ألا ينفضح أمرها أمامه ثم طرقت مرة ثانية ولكن لم يجيبها مجدداً. شعرت بأن طيات عقلها الساذج تتمزق من تحمل كل ما مر ولم تعد تعرف ما الذي عليها فعله!

لربما هو نائم، سيستيقظ الآن بأي وقت لتجد تلك الثاقبتان تحدق بها في غضب مخيف، عليها فقط أن تحاول مرة أخرى.

تناولت شهيقاً عميقاً بأنفاس تمزقت بكاءا ثم كررت فعلتها ولكن طرقاتها كانت أقوى تلك المرة ثم أقتربت بأذنها لتلامس بها الباب علها تعرف إلي أين ذهب فلم تستمع لأي شيء قد يدل على حركته وكأن الغرفة خالية تماماً.

شعرت بالآلم يزداد ونظرت أسفلها لتجد قطرة دماء انسابت بين ساقيها لتتجمع الدمـ.ـو.ع بزرقاويتيها لتهرع للحمام مجدداً في خجل قهرها وهي تغتسل وتجفف نفسها بالمحارم وتحاملت على ذلك الآلم اللعين لتذهب لغرفة مكتبه التي لم تكترث لأي من تفاصيلها وبحثت عن ورقة وقلم لتكتب بها

"أرجوك.. محتاجة حاجة من شاهندة.. خليني أكلمها ضروري" نظرت للورقة ثم هزت رأسها في إنكار بين إنهيارها، فهو بالطبع لن يقتنع. كورت الورقة لتُلقيها بصندوق القمامة ثم تناولت أخرى لتكتب مجدداً غيرها

"أرجوك.. محتاجة شاهي في حاجة ضروري، مش هاقولها على حاجة، ٣٠ ثانية وهاقفل معاها على طول.. ممكن التليفون؟" نظرت لما كتبته وابتلعت في وجل وتوجهت لغرفته مرة أخرى وطرقت الباب ولكنه لم يجب.

أدخلت الورقة أسفل الباب وجلست بالقرب من الباب تنتظر وتنتظر وذهبت للحمام مرة ثم مرة أخرى لتأتي وتجلس عله يخرج بأي وقت قريب ورغماً عنها شعرت بإزدياد الآلم لتتكور على نفسها كما الجنين ببطن أمه واستندت بجانبها أمام الباب وتحسست ذلك الوجع ببطنها لتغرق في النوم من شـ.ـدة الآلم وبدفع عقلها إليها لتهرب من تلك الأحداث الشنيعة التي مرت عليها في غضون أيام فقط من عمرها الربيعي وسقطت في ثُبات دون أن تشعر.

❈-❈-❈


تنفس في اريحية شـ.ـديدة وتلك الفتاة تُلملم ملابسها وتهرول لتفر من ذلك العذاب الذي بدا وكأنه لن ينتهي أبداً، لم تكترث للآلام التي توجع بها جسدها ولا الدماء التي انسابت منها وكل ما تمنته فقط هو أن تُغادر دون رجعة..

توجه ليصعد الدرج الذي يصله لغرفته وهو كل ما يُفكر بفعله أن يستحم ويخلد للنوم بعد ذلك اليوم الطويل الذي أنهاه بأفضل الطرق، أو هكذا ظن..

دلف الغرفة وهو يتفقد بقتامة عيناه اللامعتان كل محتوياتها فلربما تلك الفتاة قد عبثت بأشياءه ولكن وجد كل شيء كما هو عدا ورقة بيضاء أمام الباب فتوجه نحوها ليتفقدها ووجد ما بها ليبتسم في سخرية من كل تلك التخيلات التي انهالت على رأسه مما سيفعله معها.

أتظن أنه من السهل أن تطالب بشيء ما؟ أتظن أنه رحيم لتلك الدرجة؟ حسناً هي لم يتسنى لها معرفة بدر الدين بعد.. لن تتحايل تلك الماكرة عليه بأي سبب من الأسباب حتى تستجير بشاهندة!!

فتح الباب وكادت قدماه أن تخطو على جسدها المُلقى على الأرضية ليلاحظها فانخفضت نظرته للأسفل ليجدها نائمة ليبتسم في خبث لإهانتها وانخفض بجسده ليقترب منها يتفقدها ليلاحظ تلك العلامـ.ـا.ت على شفتيها مما فعله معها منذ ساعات وشحوب وجهها وآثار البكاء البادية عليها ليبتسم في تشفي شـ.ـديد ويشعر بالرضاء.. رضاء مرضي سببه التلذذ بإيلام البشر، وخاصة النساء!

ومجدداً تفقدها!! ملامحها بها شيء عجيب يجبره على أن يُحدق بها طويلاً.. تنهد وهو يتخيل للحظة إن لم تكن فتاة جشعة بمثل هذا الإستغلال الذي يجري بعروقها مجرى الدماء لكان كل شيء أختلف.. ماذا بها يجعله مشتتاً ويأجج صراع بداخله هكذا؟ أهذا لأنها تُشابه طريقة والدته في تزييف براءتها أم هذا لشيء بها هي نفسها لم يتوصل إليه بعد؟!

اقترب يده منها ليرفع احدى خصلاتها التي تهاوت على وجهها النائم وقد بدت كالملائكة بنظره ليشيح ذلك التفكير بعيداً عن عقله وحاول أن يصده في ثوانٍ ووجد تلك الزرقاوتان خاصتها تحدق به في فزع لتتصلب ملامحه وعقد حاجباه ناظراً لها بمنتهى القسوة..

"أنا.. أنا آسفة.. نمت من غير ما آخد بالي والله.. ما قصدتش إني.." تلعثمت وهي تحاول النهوض لتجده يقترب منها بنظرته المُفزعة تلك لتحاول هي الحبو على يديها للخلف "أنا بس محتاجة شاهي تجبلي حاجة.. ثواني وهاقفل معاها" همست في رعـ.ـب وهي تبتلع من مظهره الذي أخافها للغاية وهو لا ينفك يقترب منها..

"وأنتي فاكرة إن طلباتك مجابة مش كده؟" تحدث بتهكم

"أرجوك خليني أكلمها.. محتاجاها ضروري أنا بس.. كنت محتاجة.. يعني.." تلعثمت خوفاً وخجلاً بآن واحد ولم تستطع إكمال حديثها ليضحك ساخراً ظنا منه أنها تُحيك خطة جديدة لترتجف لتلك الضحكة في فزع وتوقف هو عن الإقتراب منها ليتفحصها بهاتان المعتمتان بينما شعرت هي بالجدار خلفها ثم خفضت نظرها للأرضية حتى لا تقابل عيناه المرعـ.ـبتان

"هتقوليلها ايه؟" تهكم سائلاً

"هقولها.. إني.. كنت محتاجة حاجة من دولابي.. و.." تقطعت كلمـ.ـا.تها وهي لا زالت تنظر للأرضية في وجل وتزايدت خفقات قلبها وهي تشعر بأنفاسه ورائحته الغريبة التي باتت تميزها ليرتجف جسدها لأنامله التي لامست أسفل ذقنها لتتلاقى أعينهما

"يا كـ.ـد.ابة يا حـ.ـيو.انة.." تحدث بمنتهى الهدوء وهي تشعر بتلك الثاقبتان تتغلغل روحها وتعالت خفقات قلبها مما تفوه به "أنتي فاكرة انك ممكن تستغفليني مش كده؟!" همس ليراها تومأ بالنفي

"والله أبداً أنا فعلاً محتاجة إنها تجيـ.."

"هشش.." قاطع فزعها الواضح ثم تنهد ونهض ليدفعها بقدمه أرضاً في عنف ليتلاقى ظهرها بالأرضية لتجهش بالبكاء في رعـ.ـب منه ومن تلك الدفعة القوية التي آلمت ظهرها ثم نظر للأسفل وكاد أن يضع قدمه على وجهها ويذيقها وابلاً من الذل والإهانة لتلمح عيناه بعض الحُمرة التي ظهرت بين أعلى فخذيها ليتفقد مساحة أكبر بعينيه ليجد قطرة من الدماء قد طُبعت على البساط ليزيد من عقدة حاجباه ويسحق أسنانه في غضب ليقترب منها وأمسك بشعرها في قوة لتصرخ آلماً..

"كنتي هتقوليلها ايه انطقي؟" تحدث بين أسنانه وهي يتأجج غضباً لقربه من ظهورها بريئة حقاً أمام عيناه لأول مرة.

"آآه.. كفاية ضـ.ـر.ب أرجوك.. أنا كنت محتجاها تجيبلي هدوم وحاجة تانية.. هي هتفهمني.. أرجـ.." تحدثت بين شهقاتها التي انعكست اثراً لكل تلك المهانة

"حاجة ايه انطقي؟" جذب شعرها أكثر لتبدو شهقاتها لا نهائية

"مش هينفع.. هي.. هتعرف.. تجيبلي.." لم تترك تلك الشهقات الفرصة لها لتكمل جملة واحدة لتشعر بإقـ.ـتـ.ـلاع شعرها عنـ.ـد.ما أزاد تلك المرة من جذبه لتصرخ متحدثة "حاجة بنات.. مش هاقدر.. أقولك أكتر من كده" تركها لتنتحب هي ثم نهض مغادراً بعيداً عنها ولم تدري حتى إلي أين ذهب!

لقد أهانها وعذبها وأرعـ.ـبها وفعل الكثير والكثير بها لكن لا تدري لماذا تلك المرة كانت الأصعب عليها من بين كل المرات السابقة لتنتحب أكثر في وهن وهي تتمنى أن ينتهي ذلك الكابوس قريباً..

لم تكن تفهم ما قارب عليه جسدها من شـ.ـدة الإنهيار، الجهاز العصبي لديها قارب من الإنهيار من كثرة الخوف الذي تتلقاه، عقلها نفسه لا يستطيع مواجهة المزيد وكان الحل أمامه منذ أيام أن تتعرض لحمى.. أمّا الآن فقد قارب على أن يتدمر كليا إن لم يتوقف كل ما يحدث لها!

ارتجفت عنـ.ـد.ما رآت بعض الملابس قد أُلقت أمام عيناها وصوت ارتطامها بالأرضية فزعها ثم لاحظته بعينيها الباكية التي ارتفعت لتتفقده فوجدته كما هو بنفس الغضب وطريقته المعهودة

"قومي" آمرها ثم تبعته وهي تحمل الملابس وهو يسير متوجهاً لأحدى الغرف التي قد فتحها باحدى المفاتيح

"كام يوم؟!" سألها باقتضاب وبداخله لا يُصدق أنه يفعل كل ذلك أما هي فلم تفهم ما تقصده وآخذت تُفكر لثوان بينما هو فقد قدرته على الصبر ليلتفت لها لتفزع هي وتتراجع للوراء في خوف "بتجيلك كام يوم؟! انطقي!!" تحدث بغيظ بين أسنانه المُلتحمة وهو يقترب منها بأنفاس لاهثة لتبتلع هي في خوف

"تتتلاتة" تلعثمت مجيبة

"التلت ايام مشوفش وشك فيهم" أخبرها بنبرته الساخطة ثم جذبها من ذراعها ليدفعها داخل الغرفة موصداً بابها صافعاً اياه ثم توجه لهاتفه ليجري مكالمة هاتفية وبعد أن انتهى منا توجه ليحضر أدوات تنظيف لينظف تلك القطرة من الدماء أمام غرفته.

اقترب من الأرض وارتدى قفازات مطاطية ثم بدأ في سكب بعض المنظف على قطرة الدماء وآخذ يحكها في شـ.ـدة بمنتهى التقزز والآلم في آن واحد..

"مش أنا فهمتك إن البيت ده غير بيت الوا.طـ.ـية اللي كنت عايش معاها"

"يا بابا أنا.. أنا مقصدتش"

"لما تبقى مش محترم ومش عارف تحترم اللي في البيت ده أنا أعلمك الأدب كويس"

"كان غصب عني هي اللي اتكعبلت في رجلي ووقعت" تحدث في انفعال وهو يحاول أن يُظهر براءته أمام أبيه فهو لم يقصد أن يوقع هديل عنـ.ـد.ما كان بالحديقة صباح اليوم

"تعالى بقا أعملك ازاي توقعها تعورها في ايديها.. وازاي تاني مرة تاخد بالك كويس"

ابتلع بدر الدين في وجل وهو يعرف جيداً أن والده لن يكن متهاوناً معه خاصة بتلك المنضدة التي رُصت عليها أدوات قد حفظ عن ظهر قلب آلامها بعد أن عُذب بها لأيام.. فهذه المرة عقابه له سيكون مليئاً بالدماء..

"تعالى.." صاح والده وتقدم نحوه في رعـ.ـب وهو يتمنى لو يمت الآن.. ذلك الآلم قد أختبره من قبل ولن ينساه أبداً بحياته "مد ايدك ولو اتحركت هموتك" آمره والده ليمد يداه أمامه على المنضدة وهو يقترب بتلك الكُلاَّبَةُ من أظافره ليخلع احداهما ولم يُشفق على صراخ ذلك الفتى الذي لم يتعد الثالثة عشر بعد!!

❈-❈-❈


دلفت الحمام وهي تتفقد الغرفة التي رُتبت بعناية وكذلك الحمام الذي طويت به المناشف بنظامية شـ.ـديدة ورُصت به أدوات الإستحمام وسوائل النظافة بمنتهى المنهجية التي لم تُصدق أنها موجودة حقاً وكأن هناك فريق كامل يعمل على أن يُرتب ذلك المنزل كل ثانية..

أوصدت الباب عليها في خوف وتحركت في خطوات بطيئة نحو المغطس ووقفت لتترك المياة تنساب عليها ثم أجهشت ببكاء مرير لم تعرف وقتها كيف توقفه..

تشعر بالخوف والفزع في كل لحظة، تتلاعب الأفكار برأسها وكأنما قاربت على الجنون من كثرة التفكير، هي لا تعرف كيف تكون قوية، ليست لديها الخبرات الكافية بالحياة ولم تتعلم كيف تتصرف من أحد..

لماذا لم تخبرها والدتها؟ لماذا عاملتها بمنتهى الطيبة والحنان لتأتي الآن ليتحول يومها للرعـ.ـب والذعر مما قد يفعله معها بعد طُرق تلك العذاب التي لا تتوقف ودائماً ما يُفاجئها بالجديد.. كيف ستعيش مع ذلك الوحش لسنة بأكملها، سيقـ.ـتـ.ـلها حتماً.. لماذا لا يريد أن يُصدقها؟؟ لماذا يصمم على أنها خدعت الجميع؟ هي لا تريد أموالاً فهي لديها كل شيء و.. !!

امتنعت عن البكاء وهي تُفكر بأموالها!! أليست هي وريثة والدتها الوحيدة؟ أليس لها حق بتلك الشركة التي يديرها يُسري؟ لطالما أخبرتها والدتها عن ودائع قد وضعتها لها بالبنك من ورث أبيها ومن أرباح الشركة، هي لديها الحق في كل ذلك..

ألهذا الحد قد جعلها خائفة وتناست تماماً أنها لا تحتاج لأي شيء من أي أحد، أحقا قد ولج بداخل عقلها ليدمره هكذا.. أتخرج الآن وتواجهه وتخبره بأنها تريد المغادرة.. لا بالطبع لن يُصدقها بتلك السهولة.. إذن بأقرب فرصة ستخبر شاهندة بما تريد حتى تساعدها أمام يسري.. ولكن إلي متى ستظل محتجزة بمنزله..

أخذت تفكر وتفكر وهي لا تدري ما الذي عليها فعله وعقلها لا يستطيع مواجهة تلك الأفكار التي لم تدخل به من قبل، لم تواجه مثل تلك المواقف.. شاهندة هي الوحيدة من تستطيع مساعدتها.. عليها فقط أن تنتظر أكثر ليس إلا، وعنـ.ـد.ما تتأكد من أن أموالها ستكون معها ستتركه ولا تريد من أحد أي شيء.. ستعيش بمفردها وستشكر شاهندة على كل ما فعلته معها ومساعدتها إياها وستحصل منه على الطـ.ـلا.ق..

أوصدت المياة ثم التفت بأحدى المناشف وتوجهت للخارج في نفس الوقت الذي وجدته يفتح الباب بعنف ثم نظر نحوها في كراهية واحتقار وألقى احدى الأكياس على سريرها لتلمح ما به وتوجه ليغادر.

"شكراً" قالتها بتلقائية شـ.ـديدة ليلتفت هو نحوها وأخذ خطوات سريعة تجاهها لتعود هي للخلف خوفاً ليختل توازنها عنـ.ـد.ما لامست ساقها السرير وسقطت عليه بينما هو أقترب منها غير مدركاً ما يفعله حتى اعتلاها مستنداً بأحدى ركبه ولامس الأرضية بساقه الأخرى ونظر لها بكراهية وأنفاسه الساخنة تنهال عليها

"اوعي يا بت تكوني فاكرة إني حنين.. لا يبقا كده انتي غـ.ـبـ.ـية.. عايزة ت عـ.ـر.في انا عملت معاكي كل ده ليه مش كده؟" ابتسم في تهكم ثم نظر لها بإحتقار شـ.ـديد وأكمل

"عشان أنا قرفت من منظرك وحتى القرف اللي انتي فيه التلت أيام الجاية مش هيخليني عايزك تعدي حتى من جنبي.." رمقها في تقزز لتتهاوى دمـ.ـو.عها مما وقع على مسامعها منه في قهر شـ.ـديد لتلك الإهانات التي لا تتوقف عن مغادرة شفاهه ليشعر بذلك الشعور الذي ينفجر بداخله كلما رآها تبكي وتوجه للخارج مسرعاً صافقاً الباب خلفه ليهتز كتفاها مع صوت الباب بنفس اللحظة.

لماذا كل ذلك العذاب؟ لماذا تتحمله وهي صامته؟ لماذا كل تلك الكراهية؟ أكل ذلك حدث لأنها شكرته على شيء؟! هي أيضاً لم تطالبه بمبرر لما فعله.. لماذا أخبرها تلك الكلمـ.ـا.ت اللاذعة وأهانها بمثل تلك الطريقة؟ عليها أن تبتعد بأي طريقة.. عليها أن تفكر بأي وسيلة قد تساعدها فهي لن تتحمل هذا الشقاء لأكثر من هذا..

ولكن كيف تفعلها؟ كيف وكل ما بها وكل ما هي عليه من طيبة ساذجة أدى بها لتقع في علاقة مشبوهة تقسم أنها بريئة منها؟ كيف لها أن تتصرف الآن وهي لا تملك أي حيلة بيداها مع هذا الكائن المخيف الذي لا يملك ولو ذرة شفقة بين طيات قلبه؟!

❈-❈-❈

لقد فر كالهارب تماماً وهو يشعر من تأثير تلك النظرة بعينيها وتلك الدمـ.ـو.ع التي تفجر بداخله ذلك الشعور الغريب الذي يبدو وكأنه لم يعد يمتلك أدنى سيطرة عليه!

ماذا يحدث له؟ أيشفق عليها أم يتعاطف معها؟ تلك المستغلة المخادعة تجعله يلين نحوها! ما تلك اللعنة التي تملكها على الجميع؟ ولماذا تحدث لها منذ قليل من الأصل ليفسر لها ما يفعله؟

تلك الأيام اللعينة الثلاثة ستمر.. نعم هو يتقزز من الدماء ويكره رؤيتها.. هو لم ولن يلين نحوها.. هو فقط نظف تلك الأرضية لأنه يحب كل شيء نظيفاً كما أنه يكره الدماء ليس إلا..

سيعذبها إلى أن تبتعد عن حياتهم جميعاً وسيحمي عائلته بكل ما أوتي من قوة ولن تآخذ تلك الفتاة من تفكيره أكثر من هذا، لن يتأثر بتلك الدمـ.ـو.ع المخادعة ولا ذلك الوجه الماكر..

هو بدر الدين، الرجل الذي كره النساء وسيظل يكرههن إلي أن يموت.. لن يخاطر بأن يُصدق خداع تلك الأفعى؛ سوى والدته نجوى وأخته شاهندة لا توجد على الأرض إمرأة يستطيع أن يثق بنواياها..

سيجعلها تنـ.ـد.م وتركع متوسلة له بأن يدعها وشأنها بعد أن يريها ماذا يعني أن تعبث معه، سيريها تلك الظُلمة بأم عينيها إلى أن تدرك مع من تتعامل.. تحكم به مرضه الذي ترسخ بداخله منذ نعومة أظافره، أدى كل عذابه ليتحول لعقد مُكتلة من الظلم والقهر الذي لم تكن السبب به سوى والدته!!

فقط ثلاثة أيام كي تستعد لما ستواجهه كما تمنى لو أن هناك من كان يفعل كل ذلك بوالدته بدلا من تحمله هو ذلك العذاب لسنوات عدة!..
لم يظن أنها ستحتوذ على كل وقته بهذا الشكل، تلك الثلاثة أيام وكأنه ليس لديه شيء لفعله سوي معرفة المزيد عنها وعن يسري وبماذا يتحدث ذلك الحقير الآخر الذي قلما يستخدم هاتفه الذي لا يعرف رقمه أحد؟!

أوصد حاسوبه في ضيق بعد أن أنهى بعض الأعمال القليلة ورأسه قد أنهكت من كثرة التفكير، لا يدري ما بها تلك الفتاة.. حتى والدتها قد منعتها من كل أموالها وأوصت بها لزوج والدتها، هذا ما توصل له من معلومـ.ـا.ت عن يُسري.. ألهذا الحد هي إنسانة مستغلة حتى تحرم ابنتها الوحيدة من ميراثها بل وتتركه لزوجها؟

ولكن لقد أخبرته شاهندة من قبل أن زوج والدتها كان يُجبرها على أن تُوقع على ميراثها وتتنازل له عنه عنـ.ـد.ما كانت بالمشفى!! كيف يُمكن هذا؟! لابد وأن هناك كذبة ما، لابد وأن هناك شيئاً.. إما زوج والدتها قد زور تلك الأوراق وإما أن شاهندة قد أخبرته بشيء غير الحقيقة.. ولكنه يستبعد هذا لأنه لم يعهد الكذب من شاهندة أبداً.. أما عن تلك الأفعى ذات الزرقة المهلكة بين جفنيها قد تخدعها بأي شيء!

"اللي اسمه يسري راتب، عايزك تعرفلي ايه قصة الورث اللي اخده من مـ.ـر.اته ده في اقرب وقت"

"حاضر يا باشا.. بس خير يعني هو فيه حـ.."

"أنت هتسأل أنت كمان يا روح أمك.. نفذ اللي بقولك عليه وأنت ساكت!" صاح بالطرف الآخر ليقاطعه ثم انهى المكالمة في غيظ وضيق شـ.ـديدان وأخذ يُفكر مجدداً عله يهتدي للتفسير واضح لكل ما يحدث حوله..

زوج والدتها يبدو مادي للغاية ومن حديثه لكريم قد بدا وكأنه يريد يزوجها لمن يعطي له أموال وعلى هذا كريم الحقير يساومه، تلك الأفعى نبثت سُمها بكريم حتى خدعته بحب زائف لأنها تريد الأموال، فعلت كل هذا بعد موت والدتها عنـ.ـد.ما علمت بطريقة أو بأخرى أن والدتها لم تترك لها أية أموال، إذن هي لم تستأمنها لأنها تعرف بحقيقة استغلالها جيداً وأن ابنتها تلك الأنانية لا تستحق تلك الأموال.. لابد وأن تلك القذرة قد خططت لكل ذلك عنـ.ـد.ما أدعت أنها بصدمة شـ.ـديدة بسبب وفاة والدتها!! ولكنها فقدت الوعي أمامه، لقد حملها يومها بيداه الإثنتان!! كيف لها أن تتدعي كل ذلك؟!

لابد أنها فعلت شيء ما حتى تقنع شاهندة بتلك الترهات.. وهو يعرف كم أن أخته طيبة وحنونة وستصدق مثل تلك الماكرة التي تستطيع أن تخدع الجميع بمنتهى الإتقان والبراعة!! يا للسخرية، لقد قاربت وأوشكت على خداعه أكثر من مرة!

لن ينتظر أكثر من ذلك على تلك الفتاة، لقد أخذت من وقته أكثر من اللازم، هي لا تريد الإعتراف ولا الإذعان أبداً بما فعلته، هناك شيئاً ما لا يعلمه يجعلها لا تريد الذهاب ليُسري.. سيعرف كل شيء ولكن ربما عليه أن ينتظر قليلاً بعد، سيدعها ترتعب بهدوءه هذا الذي يسبق العاصفة التي ستدمرها بين ليلة وضحاها..

لو وجدها أمامه بعد كل ذلك التفكير بها والبحث ورائها سيقـ.ـتـ.ـلها حتماً، لا لن يفعل هذا الآن، ربما لاحقاً ثم أرسل رسالة لأحدى نساءه ربما يستطيع تفريغ جزء من غضبه عليها..

❈-❈-❈


ماذا به الآن؟ أتوقف عن عذابها لمدة تلك الأيام لأنه حقاً يشعر بالتقزز منها أم يشعر بالشفقة تجاهها؟ هل يعد لعذاب من نوع آخر لها أم أنه قد توقف هكذا فجأة؟ هل عرف الحقيقة؟ ماذا حدث بتلك الأيام؟! لقد قارب عقلها على الجنون!

تتذكر بتلك الثلاث أيام أنها كلما تذكرت كلمـ.ـا.ته وفتحت الباب لتذهب لتعد الطعام وجدت أنه قد أحضر لها شيئاً لتتناوله وتركه أمام الباب.. تتذكر أنها ذهبت لغرفته لتستأذنه أن تخرج للحديقة قليلاً فأومأ لها بغضب وسمح لها بالخروج قليلا لعدة دقائق..

كما أنها تتذكر عنـ.ـد.ما طرقت بابه وأرادت أن تتحدث لشاهندة وتوسلته أن تُطمئنها عليها فقط وحتى لا ترتاب بإنقطاع اتصالها عنها هكذا فجأة، تركها أيضا تتحدث إليها..

لابد وأنه قد هدأ قليلاً وبدأ أن يشعر أنها لم تفعل شيء، هذا هو الوقت التي تستطيع أن تخبره بكل شيء حدث لها، لربما تلك المرة سيُصدقها وسيدعها تذهب وشأنها، ستقسم له أنها لا تريد أي شيء من عائلته وستفعل كل ما يريد فقط حتى تحصل على إرثها من والدتها وستبتعد عنه هو وعائلته تماماً.

تمنت بداخلها أن يستمع لها تلك المرة وآخذت شهيقاً عميقاً ثم أطلقته زافرة واستجمعت كل ما امتلكت من شجاعة وتوجهت لغرفته حتى تحاول معه مرة أخرى وظلت تدعوا ألا يكون غاضباً هذه المرة..

أتعلم الطيبة والسذاجة والإفتقار للصدمـ.ـا.ت بالحياة كيف يجعل الإنسان؟ أتدري أن هناك أشخاص في مثل سذاجة تلك الفتاة؟ أتعلم أن المرور بتلك المواقف الصعبة هي من تغير الشخص وتجعله صلدا قويا.. كانت تحيا حياة هادئة لا تعرف سوى والدتها وزياد ومريم وزوج والدتها وهذه حي الحياة بالنسبة إليها، لم تتعلم يوما الخداع، لم تكن ذكية ذلك الذكاء الذي تستطيع بمساعدته أن يُنجيها من ذلك العذاب وعِناد شخص معقد مثله!

دفعتها طيبتها على التفكير بأن التحدث له وإخبـ.ـاره الحقيقة والصدق قد ينجيها منه ومن بطشه وقسوته وعنفه الضاري!! يا ليتها تعلم أن الطيبة لم تكن يوما الحل الأمثل لمواجهة كل شيء.. ليت عقلها واجه ولو موقف صعبا بحياتها كي تتعلم منه كيفية التصرف، ولكن سوء حظها وافتقارها للخبرات بالحياة صرعها لتقع بما أوشكت على اختبـ.ـاره مع ذلك الرجل ذو الماضي المظلم!

تنهدت ثم طرقت بابه وتريثت لثوان ولكنها لم تجد إجابة فكررت فعلتها وانتظرت مجدداً ولكنه لم يجيب فاقتربت لتستمع أي حركة في الغرفة فلم تستمع لأي شيء فتعجبت لماذا أحياناً يجيبها مسرعاً وعنـ.ـد.ما تريد شيء ضروري لطالما لم تجده بغرفته..

"يمكن في مكتبه.." تمتمت لنفسها ثم توجهت لتتفقد الغرفة ولكنه لم يكن متواجداً بها لتتعجب فذهبت مجدداً لغرفته وطرقت الباب بشـ.ـدة لعله نائم ولا يستطيع سماعها ولكن بلا جدوى!!

دعت بداخلها ألا يغضب مما ستفعله الآن وامتدت يدها بإرتجافه لتفتح باب الغرفة في هدوء وحرص وخطت بمنتهى السكون وكانت حذرة ألا تفعل صوتاً لتبدأ بالدخول للغرفة ولكنها لم تجده..

سريره يبدو كما هو.. كل شيء مرتب ولا يدل على وجوده، أتلك هي ليلى زوجته التي قد تـ.ـو.فيت.. أقتربت من الصورة الموضوعة بإطار بالقرب من السرير على المنضدة الصغيرة بجانبه لتحدق بها في عفوية وشعرت بالآسى للحظة، لقد بدت جميلة للغاية وضحكتها رائعة، لابد وأنها عانت مع شخص قاسي مثله..

فكرت لبرهة ثم لاحظت أن دولاب ملابسه العملاق احدى درفه لم تكن موصدة بعناية فتعجبت وهي ترمقها

"أكيد خرج!" تحدثت لنفسها ثم توجهت نحو الدولاب لتوصده فربما قد يظن أنها هي من فعلتها وسيغضب مجدداً..

أقتربت لتغلق باب الدولاب ولكنها فجأة سمعت صوت صراخ أنثوي لتتعجب ووقفت مكانها لحظة وهي تحاول معرفة من أين يأتي هذا الصوت.. تريثت لتستمع لنفس الصوت مجدداً فشعرت بالخوف.. أحست أن ذلك الصوت يأتي من داخل الدولاب نفسه.. هي لم تتخيل ذلك.. هذا هو اتجاه الصوت..

فتحت الدولاب لتجده خالي تماماً ولم يوضع به أي ملابس ولا مناشف ولا حتى بعض الأرفف لتتعجب لماذا هو فارغ من الأعلى إلي الأسفل.. هذا هو الصوت مجدداً، نعم يأتي من ذلك الحائط خلف الدولاب، دلفت بحذر وازدادت أنفاسها في خوف وأستندت بأذنها لتحاول سماع ذلك الصراخ، لربما هناك أحد يحتاج مساعدة ما مثل ما كانت هي تفتقر للمساعدة من هذا القاسي، أيمكن أنه يترك فتيات خلف هذا الحائط في الظلام؟!

وضعت يدها على ذلك الحائط وازادت من ثقل جسدها مستندة به لتتأكد من الأصوات التي تفلتت لأذنها لتجد الحائط يتحرك وأوشكت على السقوط لتستعيد وزن جسدها وأدركت أن هذا مجرد باب يوصل لمكان ما..

استمعت للصرخات بوضوح أكثر بعد أن دخلت برعـ.ـب وجسدها يرتجف وابتلعت لتنظر أسفل قدمها لتجد حوالي مساحة لم تتعدى متراً مربعاً اسمنتي دون أرضية، وبعدها درج يتوجه للأسفل صنع من الأسمنت لتبدو الدرجات غير ممهدة ولكنها لم تتبينه بأكمله من كثرة الظلام التي تواجدت بالمكان..

تحركت بخطوات حذرة وبطيئة خوفاً من ذلك المكان المظلم وأخذت تنزل الدرج بخطوات حذرة للغاية، هناك برودة غريبة تحاوط هذا المكان بالرغم من أنها بمنتصف فصل الصيف.. لا.. ستتوقف، ستعود وكأنها لم تسمع شيئاً.. ولكن هناك أحد يصـ.ـر.خ.. نعم صوت فتاة تصرخ كمن تتعذب أو تطلب المساعدة.. ماذا لو أنها هي الشخص الوحيد الذي يستطيع إنقاذها؟ لن تستطيع التراجع الآن والتخلي عن تلك الفتاة!..

صاح عقلها الساذج لتُكمل طريقها بحذر ورعـ.ـب في آن واحد لتبدأ رؤيتها في الإنعدام ولم تدري إلي أين هي ذاهبة وإلي أين يمتد هذا الدرج..

"لا أرجوك كفاية.. ابوس ايدك كفاية كده" صاح ذلك الصوت الأنثوي بنحيب شـ.ـديد لترتجف الدماء بعروق نورسين وتعالت أنفاسها في رعـ.ـب ولكن صوت الفتاة التي تُعذب يعذبها هي نفسها.. ربما تستطيع مساعدتها..

توجهت لتصل لآخر درجة بعد أن كانت حذرة للغاية لتطأ بقدمها على أرض غير ممهدة ثم لمحت بصيص نوراً من آخر تلك الغرفة لتجد أن الجدار خلف المصباح قد بُني من الطوب فقط وكأنما لم يكتمل البناء..

"وكفاية ليه؟ مش انتي جاية عشان الفلوس اللي هتاخديها؟ لما أخد اللي أنا عايزه هاسيبك تغوري" هنا تصلبت مكانها وتعالى لهاثها في رعـ.ـب، هي تعرف صاحب ذلك الصوت، ليس هناك غيره!! بدر الدين!!

"يا سيدي أنا جاية عشان أرضيك و.."

"أخرسي!" قاطعها لتضع نورسين يدها على فمها وشهقت مما استمعت له، ما ذلك الصوت الذي دوى بالهواء.. لماذا تبكي تلك الفتاة بشـ.ـدة بعدها؟ ماذا يفعل بها؟ أقتربت على وجل شـ.ـديد وقلبها كاد يُهشم صدرها من كثرة الخوف والخفقات السريعة المتتالية التي اندفعت بداخله وكأنه سيقـ.ـتـ.ـلع حتماً من كثرتها ولكنها حقاً تريد إنقاذ تلك الفتاة فماذا يفعل بها؟!

"عشان الفلوس جاية تبعيلي نفسك، جاية عشان أنتي مجرد كـ.ـلـ.ـبة وبتستغلي جـ.ـسمك عشان الفلوس" دوى ذلك الصوت وبعدها صوت ارتطام غريب لتصرخ الفتاة

"أيوة.. أيوة عشان الفلوس" صاحت الفتاة ببكاء لتقترب نورسين على حذر وهي ترتجف من الأصوات حتى بدأت الرؤية في الوضوح قليلاً لترى فتاة واقفة ورفعت يداها بشيء للسقف لم تتبينه من شـ.ـدة الظلام وفجأة لمحت شيء أسود يلمع يرتطم على جسد تلك الفتاة التي كانت عارية تماماً! اللعنة على تلقائيتها وسذاجتها التي ستهلكها!

"أيوة كده يا إستغلالية!!" صاح بعد أن كرر جلدها، لربما تلك هي الجلدة الخمسون، أم المائة، لا يدري ولا يكترث، لقد قارب جسدها على نزف الدماء.. هذا كل ما يريده وكل ما يتلذذ به ويسبب له المتعة المرضية..

أحست نورسين وكأنما قلبها سيغادر قفصها الصدري، شعرت بالفزع، كيف ستساعد تلك الفتاة الآن، بل كيف ستساعد نفسها بالمغادرة من هنا وأين هو بدر الدين هي لا تراه نهائياً.

"لما.. أنتي.. جاية.. عشان.. الفلوس.. ليه.. بتكدبي.. يا قذرة" صاح بها بأنفاس لاهثة وبين كل كلمة والأخرى جلدها بسوطه الذي قد تركه بالزيت المغلي للكثير من الوقت ولم يقلل من قسوته بل العكس، في مثل هذا الظلام وهو خلفها لا يرى منها أية ملامح تخيلها والدته بالكامل وأخذ يجلدها بقسوة شـ.ـديدة وبقوة إلي أن رآى انسلاخ جلد ظهرها لتصرخ الفتاة بشـ.ـدة

"آه.. كفاية أرجوك سيبني.. مش عايزة الفلوس.. أبوس ايدك سيبني أمشي" توسلته بين بكائها وانسابت دمائها على جسدها وخارت قدماها لتشعر الفتاة وكأنما ذراعيها ستتمزقا حتماً فهي لا تستطيع الوقوف بعد الآن..

"عايزة تمشي!!" صاح لها بتهكم سائلاً بينما نورسين كادت أن تفقد وعيها من قسوته التي تراها وتهاوت دمـ.ـو.عها وكادت أن يتعالى بكائها ولكنها كتمت أنفاسها بيديها الاثنتان حتى لا يُلاحظها..

"أرجوك.. حاسة إني هيغم عليا.. هاجيلك تاني صدقني.. أنا تحت أمرك في أي وقت.. بس ابوس ايديك ورجليك سيبني أمشي خلاص مش قادرة استحمل" توسلته ببكاء ليرتجف جسد نورسين عنـ.ـد.ما سمعت ارتطام شيئاً بالأرضية ولم يكن سوى سوطه الذي ألقاه بينما هي لا تدري ولا تعرف ماهية تلك الأشياء التي تصدر تلك الأصوات..

سمعت صوت سلاسل أخافتها بشـ.ـدة وتعالى صوت لهاثها لتحاول ألا يلاحظ بدر الدين صوت أنفاسها لتزيد من ضغط يداها على فمها وأنفها وفجأة لمحت ظهره اللامع بقطرات العرق يواجهها وهو يضع بجسد تلك الفتاة شيئاً ما ثم ابتعد ليختفي بالظلام مجدداً لترى نورسين وكأنما رُبطت الفتاة ببداية جذعها بشيئان يوصل بينهما سلسلة تدلى منها كرات حديدية تبدو ثقيلة لتبكي الفتاة وتشهق في وهن وآلم.

"عايزة تمشي مش كده؟" 

تحدث بهدوء لتذرف نورسين الدمـ.ـو.ع على كل ما يحدث أمامها لتجده قد آتى وبيده عصا رفيعة للغاية لتدرك أن تلك العصا قد تكون هي تلك التي استخدمها معها بالسابق وتعجبت لماذا يدور حول الفتاة بذلك الشكل، يمشي بخطواته الكبيرة حولها في دائرة ليظهر ثم يختفي في الظلام ثم توقف فجأة أمام الفتاة وأخذ يجذب تلك السلسلة بأحدى أصابعة لتتعالى صرخات الفتاة وتوسلاتها لتبكي نورسين أيضاً وهي لا تدري لماذا كل ذلك العذاب ولماذا يفعل بها ذلك؟

"شايفة دي؟" أومأ للسلسة بيده ثم رفعها ليضعها بين أسنان الفتاة "لو فكتيها ورمتيها على الأرض هاسيبك تمشي.." ابتسم لها في شر لتبدو ملامحه مُرعـ.ـبة وصاحت الفتاة بعويل لإدراكها ذلك الآلم الذي عليها تحمله حتى تستطيع المغادرة.

توقف خلف الفتاة ليختفي عن تلك الزرقاوتان التي تشاهدهما في فزع تام وأخذت الفتاة تجذب السلسلة بأسنانها وتحاول بصعوبة حتى تتخلص مما يفعله وهي تأن بشـ.ـدة ودمـ.ـو.عها تتساقط بلا توقف لتنظر نورسين ملياً تشاهد معاناة تلك الفتاة وتهز رأسها في إنكار وآسى بل ورعـ.ـب على ما يحدث أمامها وما يحدث لتلك الفتاة..

ارتفعت يده التي تحمل العصا لتتهاوى على ساقيها لتصرخ الفتاة بكل ما أوتيت من قوة لتسقط السلسلة من فمها

" لا لا أرجوك كفاية" توسلته ولكن سمعا كل من الفتاتان صوت ضحكته المخيفة التي دوت بالغرفة بصحبة نبرته الرخيمة ليتوقف أمام الفتاة

"فكرك إنك عشان لسه محدش لمسك ولسه بنت بنوت هارحمك يا كـ.ـلـ.ـبة الفلوس.. أنتي جاية هنا عشان مزاجي.. ومزاجي إني امرمطك واعذبك.. لو عايزة تمشي شيلي السلسلة واياكي توقع منك وإلا هتقضي معايا يومين!" ضحك مجدداً وهو يضع السلسلة بفمها ثانيةً

"يالا اسمعي الكلام عشان تمشي"



 بكت الفتاة أمّا نورسين فللحظة ومضت بذاكرتها العديد من الأشياء ودفعها عقلها كي تقارن بنفس الكلمـ.ـا.ت التي سمعتها للتو منه

"فكراني نايم على وداني ولا طيب وغلبان زي أمي وأختي؟ لا يا هانم أنا شايف وساختك من أول يوم، عارف إنك شايفة زياد عيل وصغير ففكرتي توقعي كريم عشان يتجوزك لأنك أصلاً كـ.ـلـ.ـبة فلوس.. "

"عشان واحدة استغلالية.. كدبك وحركاتك مش هاتدخل عليا أبداً.. مش أنا اللي حتة بت زيك تضحك عليه.. أنا عارفك وعارف الخامة الإنتهازية دي كويس اوي.. واوعي تفتكري إن عـ.ـيا.طك والحركتين دول هيدخلوا عليا ولا شوية الدراما اللي عاملاها دي هتأثر فيا، أنا عارف انتي عايزة ايه.."

"يبقى تتجوزيني.. على الورق.. لمدة سنة! تخلصي جامعتك، وعارف إن انتي كـ.ـلـ.ـبة فلوس.. هاجبلك شقة وشغل بعد ما تخلصي وماشوفش وشك تاني وتخرجي من حياة أهلي كلهم!!"

"شوفي يا ستي.. مامته كانت ست ربنا يسامحها بقا استغلالية أوي ودايماً تتخانق مع باباه وخسرته فلوس كتيرة اوي وخانته مع صاحبه وكأنها مش أم، زي ما يكون معندهاش رحمة ومكانتش بتاخد بالها من بدر خالص.."

فاقت من كل الذي تذكرته للتو على صوت ارتطام تلك السلسلة بالأرضية لترتجف نورسين ثم نظرت لهما لتجده يحل وثاقها ثم تحدث بصوته الذي تشعر وكأنما كلما تحدث ارتجف جسدها

"فلوسك هتاخديها بكرة الصبح.. يالا امشي"

هرولت الفتاة بتلك الدماء التي انبعثت من جسدها وشهقاتها المتلاحقة لا تتركها وكأن تصرفاتها لا تنم سوى عن حالة هيستيرية شـ.ـديدة ثم اقتربت من الأرض لتحمل ملابسها وعينا نورسين تتابعها في حزن وفزع بآن واحد لترتدي الفتاة ملابسها في عجل ورعـ.ـب ثم توجهت مسرعة بإتجاه ذلك النور البعيد ثم اختفت من نظر تلك الزرقاوتان لتسمع فجأة ارتطام احد الأبواب لتبتلع نورسين بوجل ثم حاولت أن تلمح إلي أين ذهب بدر الدين ولكنها لم تجده..


❈-❈-❈


حبست أنفاسها وعملت على ألا تتحرك من مكانها حتى تتأكد من مغادرته وحذرت ألا يلاحظها وودت لو تقـ.ـتـ.ـل نفسها خوفاً من أن يستمع لخفقات قلبها التي تعالت في فزع من خوف أن يجدها..

"عجبك اللي شوفتيه؟" 

همس بأذنها لتلتفت ورائها برجفة تلقائية انبعثت بجسدها لتجد عيناه تلتمع بشـ.ـدة في هذا الظلام ثم لمعت ابتسامته وتأثرت بها عيناه أكثر لتنظر له نورسين في خوف وتراجعت للوراء والدمـ.ـو.ع تتجمع لتحجب زرقاوتاها

"ايه؟! خوفتي؟" تسائل في تهكم لتحاول هي الابتعاد عنه وظلت تأخذ خطوات مرتجفة للخلف وهو يقترب منها لتبدأ في النحيب وكادت تموت فزعاً منه



 "شوفتي بعمل ايه في اللي عايزين فلوس"



رفع حاجباه مدعياً المزاح وظل يقترب منها وهي تحاول الابتعاد ولكنها شعرت بإرتطام ظهرها بشيء حديدي لتنظر خلفها في خوف وصدمة وذعر هائل وتحسست ما هذا الشيء الذي بدا كقفص حديدي به مربعات حديدية صغيرة بالكاد تسمح بمرور اصابعها

"فاكراني مش عارف انك بتتفرجي.. بس كويس بردو عشان متبقيش متفاجأة لما ده يحصلك"



 ابتسم في سخرية لتنظر هي له في رعـ.ـب تام وهي لا تُصدق أنه سيفعل بها ذلك وتحولت ملامحه وتقاسيم وجهه بشكل مخيف أجفل ثنايا قلبها..

"لا لأ.. ابعد عني.. أنت مش هاتعمل فيا كده"



 تهدجت أنفاسها في فزع وتعالت أنفاسها الخائفة لتجده يحاوط عنقها بيده والأخرى تجذبها من شعرها لتقترب من صدره التعرق بغزارة

"وليه معملش في واحدة استغلالية وكـ.ـلـ.ـبة فلوس زيك نفس اللي عملته في اللي مشيت"



 همس بأذنها لتتآلم هي وتشعر بأن أنفاسه تلك تحرقها

"لأ.. مش هاسمحلك.. أنا مش استغلالية ولا كـ.ـلـ.ـبة فلوس" 



تحدثت مسرعة في خوف ليتركها ثم ابتعد لينظر لوجهها في غير تصديق وملامح السخرية تظهر على وجهه



"مش هتسمحيلي!! لا حلوة دي.. بس اقولك واضح أن العلامـ.ـا.ت دي راحت" 



لمس شفتها بإبهامه وضغط عليها في عنف 



"ما تيجي بقا توريني مش هتسمحيلي ازاي"



 ابتسم في شر لتبتلع هي وهي تلهث في رعـ.ـب منه

"لأ أنا مش زي البنت اللي مشيت، ولا زي مامتك.. أنا فاهمة انت شايفني ازاي.. أنا عارفة كل حاجة و.." 



صفعها بشـ.ـدة لترتمي أرضاً بعدما أحترقت دماءه غضباً وشعر بداخله بعاصفة قد انفجرت بعروقه ليجد نفسه يجذب شعرها هامساً بأذنها

"أنتي نسخة منها.. زيها في كل حاجة.. هاوريكي ازاي" 



ارتفع بجسده قليلاً ليلقيها على ظهرها ثم اعتلاها



"ابعد عني.. أنا ماليش ذنب في كل ده.. أنا معملتش حـ.."

"اخرسي يا قذرة" 



قاطعها بصفعة ومزق ملابسها لتصرخ هي أسفله ثم غرس أصابعه بخصرها لتتآلم بقهر



"حـ.ـر.ام عليك كفاية.. أنا مش عايزة منك ولا من حد حاجة.. حـ.ـر.ام عليك بقا"



"يالا يا كـ.ـد.ابة، فكراني نسيت كلامك اللي سمعته بوداني" 



تحدث من بين أسنانه لاهثاً من كثرة غضبه وهي تحاول أن تتفلت من أسفله وتبكي ولم يكترث هو ونظر بعينيها وتحدث أمام شفتيها بهمس كفحيح الأفاعي ازادها خوفًا

"أنا لسه فاكر كل كلمة كويس أوي.. وهوريكي يعني ايه تفكري تأذي اختي" 

نهض ليجذبها من شعرها لتحاول هي التحرك من تلك القبضة وافلاتها وهي تبكي وقدماها تتحركان في عنف وفزع مما سيفعله بها لتجده يجذبها للأعلى مُرغماً اياها على الوقوف لتحاول أن تدفعه بعيداً عنها ولكنها تناست جسده ذلك الذي لن تستطيع أن تحركه ولو مقدار أنملة..

شعرت بشعرها يُجتذب أكثر للأعلى بينما هي تصرخ ولم تعد تملك أمامه أية كلمـ.ـا.ت قد تثنيه عما سيفعله بها ومن ثم ابتعد عنها لينظر لها في تشفي بأنفاس متعالية ولكنه لم يعد يلامس شعرها فماذا الذي قد جذب شعرها عالياً هكذا بل ويـ.ـؤ.لمها أيضاً؟

ابتعد عنها لتحاول هي الوصول بأناملها المرتجفة ذعرا لما يلامس شعرها لتجده حبلاً معقوداً حول شعرها ليظهر أمامها مرة ثانية ثم أقترب منها لتشعر هي بالرعـ.ـب

"ابعد عني.. أنت ليه مش عايز تسمعني ولا تديني فرصة اشرحلك اللي حصل"

"مش هاصدق بت قذرة زيك، فاكرة بحركاتك دي هتقدري تخليني اصدقك؟!" 



اقترب من يديها ليعقد حولها الحبال وكذلك فعل باليد الأخرى وأخذ يثبت كل يد بطرفي الجدار حتى شعرت بالآلم يفتك بذراعيها يميناً ويساراً وكأنهما أقتربا من البتر لتصرخ



"كفاية.. أنا مش عايزة فلوسك.. انا مش استغلالية والله ابعد عني" 



تعالى بكائها في حرقة ليضحك هو



"لكن عايزة كريم يطـ.ـلق أختي مش كده"



"حـ.ـر.ام عليك أنا بكـ.." صفعها مقاطعاً اياها



"لو سمعت نفسك هطلعك ميتة من هنا"



 همس بجانب أذنها ثم اختفى من أمامها لتبكي هي على ما يحدث لها وأخذ جسدها في الإرتجاف من مجرد تخيل ما قد يفعله معها.



عاد بالمزيد من الحبال ممسكاً بها في يداه ليجلس على ركبتاه أسفلها ليقرب ساقيها بالقرب من بعضهما البعض في قسوة ثم ثناهما للخلف وأخذ يحاوط قدميها بفخذيها ويعقد الحبال حولهما بعنف حتى شعرت نورسين وكأنما الدماء توقفت بقدماها..



نهض لينظر لها في تشفي شـ.ـديد ثم تنفس في غضب وهو يخلع حزام بنطاله بينما هي شعرت بشعرها يتقطع فلم يعد يحمل وزن جسدها غيره، وبدون مقدمـ.ـا.ت أنهال عليها بالجلدات اللانهائية وهو يتذكر كل ما فعلته وكل ما توصل هو له من قسوة والدان، مرورا بعنف وعذاب، ونهاية بإفتراق حبيبته وبدأ في إخراج كل غضبه المتأجج الذي لا يخمد بداخله بجسدها.. بمنتهى المرض البشع!!



صرخت وصرخت إلي أن جُرح حلقها، لم تكن تدري أنه قد يفعل بها شيء كهذا، هذا الوحش الذي نُزع من قلبه الرحمة، ضحكاته التي تدوي لتمتزج بصراخاتها، تكراره لتلك الكلمـ.ـا.ت التي تهينها وتؤلمها أكثر من ضـ.ـر.باته، ستمت اليوم على يداه بالتأكيد.



لم تعد تدرك ماذا يفعل بها! أهذه هي دماء التي سمعتها تُقطر من جسدها؟ لم تعد تراه، لا تستطيع أن تصرخ مثل أول جلدة تلقتها منه، ربما تخدر جسدها أو خارت قواها بالكامل، نعم هي تشعر بالآلم ولكن لم تعد لديها القدرة على أن تصرخ أو تبكي، رؤيتها حتى أصبحت مشوشة رأسها ثقلت رغماً عنها وهي لم تعد تشعر بأي شيء على الإطـ.ـلا.ق..

وجدت مياة ترتمي عليها لتشهق في فزع ووجدت نفسها مرتمية على الأرضية بنفس تلك الحبال حول ساقيها ولكن لم تكن مُعلقة من شعرها وذراعاها كالسابق ليبتسم لها بتهكم شـ.ـديد

"اتعلمتي؟" سألها ونظرة عيناه ارعـ.ـبتها لتبكي هي ولم تستطع الإجابة



 "انطقي يا كـ.ـلـ.ـبة" صرخ بها لتومأ له بالإيجاب في وهن وتساقطت دمـ.ـو.عها وجذبها من شعرها ليتخبط جسدها خلفه على الأرضية غير الممهدة حتى توقف ثم نظر لها بإبتسامة انتصار وازدادت لمعة عيناه القاتمتان

"بوسي رجلي!" 



آمرها لترفع نظرها له في ذل مدقع ونظرت له بتوسل ألا تفعلها بالرغم من كل تلك الآلام التي لمت بسائر جسدها



 "جرا ايه يا بت!! هاتبوسيها ولا أقوم ابهدلك تاني؟" صاح بنبرة مرعـ.ـبة لتصيح هي في بكاء وقهر

"لأ لأ متضـ.ـر.بنيش تاني أرجوك" 



صاحت بين شهقاتها وأنفاسها المتلاحقة وأقتربت بصعوبة من قدماه العاريتان لتقبلهما وهي تكاد تتقيء وانفجرت بالمزيد من البكاء ليهتز جسدها على اثره ليريح هو جسده بالكرسي في رضاء تام وه يشعر بقبلاتها ودمـ.ـو.عها التي بللت قدمه

"وايدي!" 



آمرها لتبكي بقهر وحاولت أن تتلمس يده وساقيها المقيدتان لا يساعداها على الإطـ.ـلا.ق ليوصد هو عينه في راحة عنـ.ـد.ما شعر بشفتاها تلامس يداه..

ظلت تقبل يده برعـ.ـب مشمئزة وهي لا تريد أن تختبر تلك الآلام مجدداً، هي حتى لا تزال تشعر بالآلام التي يصـ.ـر.خ بها جسدها، فربما إذا توقفت عما تفعله سيذيقها وابلاً جديداً من العذاب وهي ستفعل أي شيء حتى لا تتعرض لهذا مجدداً..

لا هي تدري ما الذي تفعله، تشعر بغياب عقلها من كثرة ذلك العذاب الذي تلقته، وكأن عقلها قد تخدر هو الآخر من كثرة ما مر عليها معه وشعرت وكأن جسدها وعقلها توقفا عن العمل والإستجابة وشعرت أنها ستفقد وعيها من جديد!

تلك الدمـ.ـو.ع التي تنساب على يده.. شفتاها الكرزيتان الآن تقبل يده بمهانة، لقد عرف كيف يُطوع تلك المستغلة بل وجعلها تتوسله، لقد قبلت قدماه للتو..



تعالت أنفاسه في رغبة ومتعة فقط مما تفعله بتلك القبلات وتلك الدمـ.ـو.ع، لم يشعر بذلك سوى مع ليلى، يشعر بتلك النبضات التي توقظ كيانه، أحقاً سينهض ليأخذها أسفله كما كان يفعل مع ليلى؟!





"كفاية" 



آمرها مقاطعاً ما شعر به للتو وزجر نفسه التي تحثه على التفكير بمثل تلك الطريقة التي لم يسبق وأن فكر بها مع أي من النساء اللاتي يعذبهن لتتوقف هي ولا تزال تبكي ليلمس أسفل ذقنها بعد أن دنى منها بجذعه وتلاقت ظُلمة عيناه بزرقة تلك السماء الصافية بعد أمطارا ذُرفت بأكملها ولم تقدر على البكاء بالمزيد

"أنا قرفت منك ومن منظرك.. أنا أروح أرميكي لجوز أمك واياكي تفكري تقربي من أهلي تاني وإلا المرة الجاية موتك هيكون على ايدي"

"ايه.. لأ أرجوك.. أرجوك بلاش تعمل كده.. وديني أي حتة بعيد عنه.. وديني الشارع بلاش يسري" 



صاحت في توسل لا نهائي وهي تبكي في فزع فهو بعذابه لها لا يريدها مثلما أرادها زوج والدتها..

"اخرسي يا قذرة" 



نهض ليجذبها خلفه من شعرها لتتجرح قدماها على تلك الأرضية القاسية ودرجات السُلم غير الممهد وهي تبكي بحرقة من التخيلات التي عصفت بعقلها للتو..
"لأ أرجوك بلاش يُسري.. اعمل اي حاجة تانية.. بس بلاش يُسري" صاحت ببكاء وهي تتوسله بينما هو ظل جاذباً اياها من شعرها خلفه لتتبعه وجسدها يُجر أرضاً وألقاها بغرفته واستمع لشهقاتها التي أزعجته كثيراً

"طب أنا بس عملت ايه؟؟ غلطت في ايه؟ مش قولت سنة وهنتطلق؟ أنا والله سمعت كل كلامك، أنا ماليش علاقة بكريم أقسم بالله.. اسمعني أرجوك" تحدثت ببكاء وبمنتهى الضعف والتوسل حاولت أن تثنيه عن قراره لتجده يقترب منها

"هو كده بقا.. قرفت منك ومن منظرك ومش مصدق حرف واحد منك" تحدث بين أسنانه الملتحمة غضباً ثم حل وثاق قدميها وارتدى أحدى القمصان القطنية غير الرسمية وأخذ احدى قمصانه ليجبرها على ارتداءه وهي لا تتوقف عن النحيب حتى أنها لم تعد تستطيع التنفس بإنتظام وشهقاتها تتفلت من شفتاها بدلا من الكلمـ.ـا.ت

"قدامي.." آمرها و أمسك بمفاتيح احدى سياراته وهاتفه وارتدى حذاءًا لتنظر له وعيناها صُبغتا بلون الدماء

"أرجوك بلاش.. هههاعمل كل اللي أنت عايزه.. بلاش يُسري" توسلته بين شهقاتها مجدداً

"هتمشي من سكات ولا تحبي تتجرجري من شعرك لغاية برا" أخبرها ليزداد بكاءها ومشت خوفاً منه مرغمة ليتابعها هو بعينيه القاتمتان وقد طُبع على قميصه بعضاً من قطرات دماء ظهرها..

ألقاها بالمقعد الخلفي للسيارة وتوجه هو لكرسي السائق ثم انطلق بالسيارة مسرعاً وهو لا يُصدق أنه سينتهي منها أخيراً ثم أوصد أبواب السيارة من الداخل..

لاحظ بكاءها المرير الذي لم تتوقف عنه، للحظة اهتدى عقله أن ربما هناك سبباً لكل رفضها هذا، لُينهي نفسه في زجر عن التفكير بالعدول عن قراره وأكمل طريقه ولم يتوقف عن النظر إليها بين الحين والآخر بالمرآة الأمامية للسيارة وأخذ ذلك الشعور الذي يسيطر عليه كلما رآها تبكي بالإنفجار داخله مُحدثاً زوبعة مجدداً..

قاد بسرعة جنونية عله ينتهي من ذلك الشعور الذي يبغضه كثيراً والتضارب بالأفكار الذي يشن على عقله دون هوادة ليجدها تصرخ وهي تحاول أن تفتح باب السيارة وهو بنفس الوقت يقود بسرعة جامحة

"نزلني هنا بقولك.. أنا مش هروح ليسري ولا هافضل معاك.. سامعني ولا لأ.. حـ.ـر.ام عليك أنت إيه الإفترا اللي انت فيه ده.. أنا معملتش حاجة لكل ده! أنت ليه مصمم متصدقنيش، أنا عملتلك إيه؟ أنا مش عايزة فلوس من حد ولا بستغل حد حـ.ـر.ام علـ" أوقف سيارته بعنف لتزئر مكابحها ثم خرج من السيارة بمنتهى الغضب وفتح بابها قبل أن تغادر هي ليجذبها ثم صفعها بعنف

"لو سمعتلك صوت تاني قبل ما نوصل هموتك.. سامعة ولا لأ؟!" قاطعها ثم نظر لها محذراً بعينيه الثاقبتان لتتهاوى دمـ.ـو.عها وهي تنظر له بكراهية

"أنت مفتري.. منك لله.. أنا بكرهك.. أنت ليه بتعمل كل ده فيا.. ليه كل جبروتك ده"

"اخرسي يا قذرة" زجرها ثم صفع الباب وتوجه ليدلف السيارة مجدداً وأكمل طريقه..

❈-❈-❈

دلف سيارته بعد أن غادرهما، لا يستطيع نسيان كيف جرها إلي باب منزلها وألقاها أرضاً بتلك الطريقة، لا زال يتذكر بكائها، يتذكر ذلك الرعـ.ـب الذي كسا ملامحها وكأنما يُسري يفعل لها شيئاً ما يُخيفها أكثر مما يفعله معها، يا تُرى ما ذلك الشيء؟! لقد عذبها كأحدى الفتيات اللاتي يحضرهن، أهانها بقسوة.. ذلها، كذبها، لم يستمع لها، عاملها بطريقة لا يُعامل بها إلا الحـ.ـيو.انات ولكن لماذا توسلته بتلك الطريقة أن تعود معه أو يلقها بأي لعنة سوى أن تبقى بصحبة زوج والدتها؟ أتتحول تلك الفتاة لأحدى الخاضعات؟ أبدأت في الإعجاب بمثل هذا العذاب الذي يكيله لها؟ لا يدري ولا يعلم!!

أُنهك من كثرة التفكير، لقد آلمته رأسه حقاً.. لقد قرر أن يتوقف عن التفكير؛ نعم سيفعل، سيتوقف تماماً عن تذكرها وتذكر كلمـ.ـا.تها وخوفها ودمـ.ـو.عها تلك التي تصيبه لا يدري بالخوف أم بالذنب أم بماذا!!!

تلك اللعينة لن تأخذ من وقته ومجهوده سوى تلك الأيام الماضية.. يكفي أنها دخلت حياته هو وعائلته التي يحميها بكل ما أوتي من قوة لكل ذلك الوقت والآن بعد كل ما فعله معها لن تعود أبدا لهم..

ليزوجها زوج والدتها لمن يعطيه الأموال، ليتشاجر هو وذلك الحقير الآخر، ليُعلم أهل أبيها، ليفعل بها ما شاء، سواء يسـ.ـر.ق أموالها أم يعيد تربية تلك المُستغلة، لا يكترث لآمرها ولن يفعل، عليه فقط أن يبحث بالمزيد عن كريم ويحاول معه للمرة الأخيرة أن يحافظ على زوجته وأطفاله، وإلا سيجعله يطـ.ـلقها، لن يستطيع أن يرى أخته تُخان وتتألم ويتركها، هذا ليس هو بدر الدين، لن يتحمل أن يرى أحداً منهم بسوء، لربما ستتألم هديل قليلاً لمفارقتها زوجها ولكن يعلم أن شخصيتها قوية وسيمر الأمر.. الوقت يمر أسرع من الرياح، سيساعدها وسيكون بجانبها هو وشاهندة ووالدتهما..

تنهد ثم أدار محرك سيارته وهو يشرع بالقيادة ليعود لمنزله فأعلن هاتفه عن إتصال فتفقده ليجدها شاهندة وقد علم أنه منذ وقت ليس بقليل لم يتحدث لها

"بدر أنت فين؟!" صاحت بلهفة وقلق

"خير يا شاهي فيه حاجة؟" سألها بإقتضاب

"بدر أنا عندك في الفيلا وبيقولوا إنك لسه ماشي.. أنا عايزة أشوف نور.. حالاً.. أنا قلقانة عليها من الصبح ومش فاهمه ليه مجبتلهاش موبايل غير اللي باظ.." تحدثت في ارتباك ليبتلع ثم تحدث في هدوء مبالغ به وهو قد قرر أن يُنهي كل تلك السخافة التي دلفت لحياة جميع من يكترث لآمرهم!

"لو سمحتي يا شاهندة.. البنت دي كانت غلطة إنها دخلت حياتنا، أنا كنت فاكر إني بحبها بس طلعت غير ما كنت متصورها، أرجوكي متسألنيش ايه اللي حصل، أنا رجعتها لبيتها وهاطلقها وكل واحد يروح لحاله"

"يا نهار اسود يا بدر أنت بتقول ايه؟!! بيتها ايه اللي رجعتهولها؟! أنت وديتها ليُسري الكـ.ـلـ.ـب ده" صرخت شاهندة بالهاتف بخوف وفزع عنـ.ـد.ما تذكرت ما رآته بالمشفى

"ايوة!! ده بيتها، تبعد بقا عننا وعن طريقنا كلنا" اجابها بنبرة لا تحتمل النقاش

"بس أنت متعرفش.. الحـ.ـيو.ان ده.."اندفعت الدمـ.ـو.ع لتتكوم على عينا شاهندة وهي تحاول أن تبتلع تلك الغصة بحلقها بينما عقد بدر الدين حاجباه وصف السيارة لسماعه بكائها بتلك الطريقة وتوقفها المفاجئ عن الكلام

"لو سمحتي يا شاهي أنا.."

"أنا كدبت عليك" قاطعته بتلك الكلمة لتحصل على كامل تركيزه وإنتباهه

"لما كنا في المستشفى.. مكانش بيحاول يمضيها على حاجة.. أنا شوفته وهو بيحاول يتحرش بيها وخوفت أقولك، كنت فاكرة إنك هتفكر فيها بطريقة مش كويسة.. الوحيدة اللي قولتلها كانت ماما.. عشان كده كدبت وقولتلك أنه عايزها تتنازل عن حقها أرجوك يا بدر أرجعلها لو أنت لسه قريب من بيتها على ما آجي.. البنت ملهاش ذنب والله، البنت دي كويسة.. لو حصل ما بينكم أي مشاكل هتتحل.. بس أرجوك متسيبهاش دلوقتي.. دي مراتك في الأول وفي الآخر، هتسيب راجـ.ـل قذر زيه يلمسها، أنت متخيل ممكن يكون بيعمل فيها ايـ..."

سكتت شاهندة عن الكلام بعد أن انهمرت دمـ.ـو.عها لتجد أن المكالمة قد أنتهت، لابد وأنه هو من أنهاها.. أحقاً سيتركها لزوج والدتها أم أنه سيعود؟! لا لن تضيع وقتها بمحاولة تخمين ما الذي سيفعله أو معاودة الإتصال به.. هي تعرف أخيها جيداً الذي لا يستمع لأحد، تعرف جيداً أنه يُصاب بالعمى عند غضبه الشـ.ـديد ولكنها لن تخاطر بترك نورسين مع زوج والدتها بمفردهما..

"حمزة.. هبعتلك عنوان في رسالة تعلالي بسرعة" صاحت متحدثة لزوجها وغادرت على عجلة من آمرها

"فيه ايه بس يا شاهندة انتي كويسة؟"

"أنا كويسة.. بس نور.." تريثت لبرهة وهي تحاول أن تتماسك من كثرة الخوف الذي وقعت به وجففت دمـ.ـو.عها التي انهمرت "لما تيجي هفهمك كل حاجة" أنهت المكالمة وهي تترك هاتفها جانبا وانطلقت بسيارتها لبيت زوج والدتها فهي قد عرفت أين يقع بيت نورسين مُسبقاً من بيانتها بالشركة..

❈-❈-❈


"ليك عندي خبر بمليون جنيه!!" تحدث يُسري بخبث في هاتفه بعد أن أوصد أحدى الأبواب بالمفتاح على نورسين

"قول يا سيدي.."

"طب والمليون؟!"

"ما أنت لسه واخد تلتمية آلف جنيه ومعملتليش بيهم أي حاجة.."

"طيب نوصلهم لمليون وأنا أقولك اللي عندي.." ابتسم يُسري في ثقة بينما تردد كريم لبرهة "ولا أقولك خلاص.. أنا أشوف غيرك يديني أكتر.. سلـ.."

"استنى بس.. واحدة واحدة عليا.. فلوسك هتوصلك بس قولي فيه ايه؟!" قاطعه كريم

"عارف مين عندي.. حبيبة القلب.."

"ايه!!" صاح كريم في صدمة "ايه اللي جابها عندك؟"

"جوزها.. بدر بيه.. بس شكله اداها العلقة التمام وجابهالي مرمية تحت رجلي.. وقالي انه هيطـ.ـلقها ومش عايز يعرفها ولا يعرفني تاني.. اهى.. جاتلي لغاية عندي على طبق من دهب" ابتسم في سخرية بينما شعر كريم بالقلق من كل ما يسمعه

"تجيلي بقا وتجبلي مليون كاش واديهالك"

"بس ازاي.. احنا بليل وكل البنوك قافلة.. بكرة الصبح هـ.."

"اتصرف بقا.. ومتنساش.. أنا مش هاسيبها كتير كده.. لو مجيتش أنا هاشوفلها صرفة تانية بمعرفتي" أنهى يُسري المكالمة ليتوجه للغرفة التي تمكث بها نورسين ثم فتح الباب عليها ليجدها جالسة متكورة على نفسها على السرير ورفعت نظرها لتتلاقى أعينهما ورآى الرعـ.ـب بزرقاويتيها

"ايه يا نور.. خايفة مني؟!" همس لها وتوجه ناحيتها لتنهض هي في فزع منه ومما فعله بدر الدين ومن كل ما يحدث لها في تواتر لأحداث مرعـ.ـبة جعلتها في حالة من الهلع التام

"أبعد عني احسن هصوت والم الناس علينا" نهضت وهي تبتعد عنه وتلملم قميص بدر الدين عليها في رعـ.ـب مما قد يفعله هذا الحقير فيكفي عذابها على يد بدر الدين، هي لن تتقبل أن يقترب منها هذا الآخر بمنتهى الوقاحة، هي ليست كالدمية ليفعل بها الجميع ما يشاؤون

"استني بس.. أنتي لسه زعلانة مني من يومها؟!" ابتسم لها في خبث

"أنت انسان قذر، أنا فاكرة كويس أنت كنت هتعمل ايه في المستشفى، ابعد عني لحـ.."

"تؤ تؤ.. بردو بتقوليلي أنا كده وأنا اللي كنت خايف عليكي وعايز أضمنلك مستقبلك.. ده أنا كنت جايلك اساعدك بدل البهدلة اللي اتبهديلتيها على ايد جوزك.. لأ ملكيش حق تخافي وأنا جايلك عشان صعبانة عليا.."

"صعبانة عليك يا كـ.ـد.اب.. أنا شايفة الفرحة في عينك وعارفة كويس أنت عايز مني ايه، امشي اطلع برا اوضتي" صرخت به في فزع خاصة عنـ.ـد.ما ذكرها بما فعله بها بدر الدين منذ قليل وتحكمت بجسدها إرتجافة لا تلقائية

"وهكون عايز ايه يعني" اقترب منها لتحاول هي أن تبتعد عنه وأمسكت بالمصباح الجانبي الموضوع على منضدة سريرها "ايه ده هتضـ.ـر.بيني ولا ايه؟!" لاحظ ما بيديها وأقترب منها "كده بردو.. ده أنا معنديش أغلى منك.." وقف أمامها وهو يحاول آخذ ما بيدها لترتعب هي من اقترابه

"ابعد عني وسيبني.. متجيش جنبي واياك تلمسني" صاحت في خوف ليجذب ما بيديها بعنف ثم ألقاها على السرير واعتلاها

"جرا ايه يا نور يا حبيبتي.. بقا رايحة تتجوزي واحد يبهدلك بالمنظر ده بعد ما ادتيله كل حاجة ومستخسرة في جوز أمك حبيبك أنه يقربلك.. طب حتى راعي العشرة"

"ابعد عني.. الحقوووني يا ناس.. حد يلحقـ.. " صرخت بكل ما أوتيت من قوة ليضع كفه على شفتاها

"هتفضحينا يخربيتك" أخبرها هامساً وهو يحاول أن يكمم فمها ولكنها لم تتوقف عن الحركة أسفله وهي تحاول دفعه بعيداً "يا بت بقا متتعبنيش.. مش على مرة نفسي فيها، وبعدين دلوقتي انتي متجوزة.. يعني متخافيش من حاجة.. محدش هيعرف" ابتسم لها في خبث لتتوسع زرقاوتاها في هلع وازادت من حركة ساقيها اسفله ويداها التي تدفعه بينما هو يحاول التحكم بها ليجدها تعض يداه "آآه يا بنت الكـ.ـلـ.ـب" ابعد يده متألماً

"الحقوووني.. ابعد عني" ظلت تصرخ بشـ.ـدة عل هناك من يُنقذها من الجيران

"بقا كده!! بتمنعيني، أنا هوريكي" ارتمى عليها بكل ما أوتي من قوة وهو يُمزق ذلك القميص الذي ترتديه "ده مبهدلك يا حيلة أمك.. جت عليا أنا" أخبرها وهو ينظر لها بتشفي ويده تحاول الوصول لمناطقها الحساسة والأخرى تحاوط فمها "كنت هابقا حنين معاكي إنما أنتي اللي اضطرتيني لكده"

آخذت تحاول المعافرة أسفله وهي تبكي لتجده يمد يده أعلى فخذيها لتزداد بُكائاً بمرارة وتحاول مجدداً دفعه خاصةَ عنـ.ـد.ما وجدته يحاول أن يُخفض بنطاله لتتحرك هي في عنف

"الحقووووني" صرخت بكل ما استطاعت من قوة لربما يستمع إليها أحد لينهال هو عليها صافعاً اياها بعنف عدة صفعات متتالية وهي تحاول التنفس بينها والصراخ ليستمر في صفعها وضـ.ـر.ب رأسها حتى فقدت الوعي أسفله ليبتسم في شر آتى بوسادة ليضعها أسفل رأسها واستند بذراعه على الوسادة بيده الأخرى كادت أن تخفض بنطاله ولكنه وجد من يجذبه من ملابسه ليلتفت في مفاجأة متفقداً من ذلك الشخص ولم يُكمل ثوان ليجد من يلكمه في عنف بلا تريث أو هوادة.

❈-❈-❈

"أجيب أنا مليون جنيه ازاي دلوقتي؟!!" تمتم بداخله ثم زفر في حيرة ليتوجه أخذاً احدى الحقائب من دولابه لتراه هديل

"ايه يا كريم.. رايح فين كده في وقت متأخر زي ده؟!" سألته ليلتفت لها

"اصل.. أصل فيه موقع حصل فيه مشكلة.. مش عايز بدر يلاحظ حاجة فهسافرلهم حالاً" تلعثم بالبداية ثم استطاع أن يستجمع سيطرته على ملامحه

"طيب يا حبيبي.. خد بالك من نفسك ومتقلقش ولو احتجت حاجة قولي"

"شكراً يا حبيبتي" أمسك بمفاتيح سيارته ثم توجه مغادراً بينما هديل ضيقت عيناها وهي تتنهد لتنظر له متابعة اياه حتى اختفى من نظرها تماماً..

لقد مر على جميع ماكينات الصراف الآلي التي وجدها وسحب الحد الأقصى من جميع حساباته لدى البنوك ليجد أن ما حصله بالكاد يصل إلي ثلاثمائة آلف جنيهاً..

شعر بالغضب وهو يُفكر أن يذهب إلي يُسري ذلك المادي القذر ويعطيه الأموال والبقية سيحضرها بالصباح.. زفر ثم فكر قليلاً، لا.. لن يجعل يُسري يأخذها ويبقيها لديه و لن يستطيع أن يتركها عنده.. عليه أن يتصرف سريعاً ولكن كيف؟!

لمعت عيناه بعد أن تذكر خزينة الشركة التي يملك مفتاحاً لها وتوجه بسرعة ليحضر الأموال وهو يُفكر مبتسماً بإنتصار كيف سيقضي ليلته مع نورسين..

❈-❈-❈


حاوط جسدها بأحدى الأغطية الموضوعة على السرير بجانبها بعد أن أفرغ كل غضبه على يُسري الملقى أرضاً ووجهه قد كسته الدماء ثم حملها وهو يجاهد نفسه ألا ينظر لها الآن خوفاً أن يشعر بالذنب أو النـ.ـد.م على ما فعله معها..

جسدها هامدا بين يداه، تبكي بمرارة وحرقة على ما حدث لها، يشعر إنعكاس تلك الرجفات على صدره وذراعاه، يشعر بخفقات قلبه المتسارعة في صخب كلما ارتعشت بين يداه بتلك الطريقة..

هبط بها الدرج وهو لا يدري لماذا لم يستقل المصعد وهو غارق تماماً بصراع لعين بين أفكاره وبين صرخاتها التي استمع لها عنـ.ـد.ما حاول كسر ذلك الباب.. لا يستطيع نسيان أياً منها، لماذا يشعر هكذا وهو جعلها تصرخ من قبل؟ ما الذي أختلف تلك المرة؟

وضعها بالمقعد الخلفي ليلمح عيناها الباكية ليلعن نفسه على ما يحدث له عنـ.ـد.ما يراها تبكي كل مرة ثم توجه مسرعاً لكرسي السائق وشرع في قيادة السيارة..

يشعر بالخوف من لمحه اياها بالمرآة، يكفي صوت بكائها الذي لا يتوقف، يكفي شعوره بذلك الصراع الذي لا ينتهي.. لماذا دائماً ما يفجعه القدر بالمصائب التي لا تتوانى ولا تتوقف أبداً..

والدته.. والده.. عذابه.. ليلى.. تلك الفتاة.. عائلته.. مصائب لا تنتهي ينهال بها القدر على رأسه وكأنما صنع من فولاذ لا ينكسر؛ أين النهاية من كل ذلك؟ مسئوليات العمل، ذلك الذل والقهر الذي عايشه حتى موت أبيه، فقدانه لليلى؛ خوفه الشـ.ـديد على عائلته وكأنهم عُلقا بسلسلة حديدية في عنقه حتى يوم ممـ.ـا.ته..

لقد أحب الجميع وأحب ليلى، لقد عمل بجد ألا يفشل بشيء في حياته فقط ليرى والده فخوراً به ولو لمرة واحدة ولكن لم يرى ذلك بعينيه ولو لمرة واحدة فقط بل كان ينهال عليه بالمزيد من الإهانات وتحطيم الذات..

منذ صغره وهو يحاول أن يعيش بسعادة، أن يشعر بها ولو لمرة، لا والدته ساعدته، ولا والده، وحتى ليلى فقدها، لماذا تلك الفتاة تريد أن تحرمه من حفنة اللحظات مع عائلته التي يتظاهر خلالها أنه سعيد؟

تجمعه حول المائدة كل صباح معهم، ملاطفة أولاد أخته، مزاح شاهندة معه، حب وحنان نجوى له، وقت زياد الذي بالكاد يرى به هذا الصغير قد كرسه لها فقط كلما فرغ من تلك الأفعال الصبيانية.. لماذا آتت هي لتمنعه من كل ذلك؟

تخبره بمنتهى الجرأة أنه مخطئ مرة واثنتان وثلاثة، بالمرآب وبالاجتماع والآن.. لقد اصابت هي.. ولكن أحقاً هي صادقة؟ لقد سمعها بأذنيه ورآها بعينيه وهي تخبر كريم أن يُطلق أخته! كيف لها أن تكون صادقة بما تدعي؟

شرد مُفكراً وهو لا يعرف ما الذي يفعله وما الذي قد حدث لتلك الفتاة وهل هي تدعي الصدق أم كاذبة بشأن أخته.. لا يعرف شيئاً ولم يعد يدري هل خطأ بحقها أم لا..

فاق من شروده على صوت هاتفه الذي اجابه دون أن يتحقق من هوية المتصل

"بدر.. نور معاك مش كده؟" صاحت شاهندة في لهفة

"ايوة" اجابها لينظر بالمرآة ليرها لا تزال نائمة أو ربما فاقدة لوعيها وتبدو مُرهقة للغاية..

"طب أنا جايلكم و..."

"معلش يا شاهندة سيبينا لوحدنا" قاطعها ثم أوصد هاتفه تماماً بعد أن أنهى المكالمة ونظر بالطريق ليتعجب فهو حقاً قد قطع مسافة كبيرة دون وجهة محددة فتنهد وهو يعاود الطريق لمنزله.

صف سيارته أمام باب الفيلا الخاصة به وخرج من السيارة ثم توجه لها وفتح الباب بهدوء ثم رغماً عنه ظل يُحدق بها وصراعه الداخلي لا ينتهي ما بين أفكار وخوف ومشاعر متضاربة وكلمـ.ـا.تها التي لا يستطيع نسيانها وصرخاتها منذ قليل ليتنهد وهو لا يدري ما الذي عليه فعله معها.

توجه نحوها بهدوء ليحملها بينما لم تشعر نورسين به فشعر بالقلق قليلا وحاول أن يفيقها فلم يستطع معرفة ما إذا كان غاضب أم يشعر بالشفقة عليها أم بم يشعر حقاً.. ولماذا لم تستيقظ إلي الآن!

دلفا فيلته ليصعد الدرج وهو لا يزال حاملاً اياها وارتفعت خفقات قلبه ليشعر بالإنزعاج بداخله.. أخوف كانت تلك الخفقات؟ أم تآلم وشفقة؟ لا يدري أي منهما ما الذي يحدث له.. مجرد أنه كان مُخطئا بحقها لا يستطيع تحملها

دلف الغرفة التي مكثت بها نورسين من قبل ليجلسها بهوادة على الأريكة لينظر له وهي غير مصدق أنها إلي الآن لا تزال فاقدة للوعي ثم حاول أن يُفيقها فلم تستجب حتى بعد إحضاره لبعض العطر ومحاولات عدة منه أن تستنشقها..

نهض مسرعا ليحضر هاتفه كي يهاتف احدى الأطباء وبعد أن فعل حملها لسريرها وهو يلقي عليها الغطاء وانتظر في ترقب شـ.ـديد ما ان أصدرت حركة ولكن دون جدوى!!

ظل منتظرا إلي أن آتى الطبيب وتفحصها وهو يراقبه بسوداويتيه متحفزًا لما سيدلي به بينما انتهى الطبيب من فحصها ثم تحدث إليه

"هي شكلها اتعرضت لصدمة، أو عنف شـ.ـديد خلاها تفقد وعيها زي ما واضح على جـ.ـسمها، هي محتاجة ترتاح وأول ما تفوق لازم تكلمني تاني علشان أقدر أفحصها.." أخبره الطبيب ليرمقه في استغراب

"يعني هي هتفوق امتى؟ ساعتين مثلا؟" همس مستفسرا ليهز الطبيب كتفاه في عدم معرفة وهو يرمق بدر الدين بريبة فلقد علم أن تلك الفتاة قد تعرضت لعنف شـ.ـديد

"مش عارف.. أنا اديتها مهدئ وإن شاء الله خير.. يا ريت بس حد يتابع معاها على طول أول ما تفوق أو حضرتك ممكن تكلمني" أخبره الطبيب ليتوجه معه مغادرا للخارج..

عاد ليجلس بالقرب منها وهو لا يدري حقا ما يفعله بتلك الفتاة، لقد استمع لها تنطق بشفتاها لزوج اخته بأن يُطلقها، لقد أستمع للحقير كريم بأنه يريد أن يتزوجها.. من يُصدق إذن!!

شعر بأنه سيفقد عقله لا محالة من كثرة تلك الأفكار التي لم تشفق على عقله حتى الصباح الباكر وهو بالقرب منها منتظرا لأي حركة قد تُخبره بأنها استيقظت!

لم تغادر سودويتاه الغاضبتان تارة والمحترقتان بتلك الأفكار التي يستمع لها برأسه بأنها مستغلة وتارة بقليل من الشفقة ما إن كان ظلمها، تفاصيل وجهها رائع الجمال وأخذ يتذكر كل ما مر عليه بصحبة تلك الفتاة منذ أول يوم رآها به إلي ما حدث مع زوج والدتها منذ ساعات ليسترجع كل التفاصيل وهو يحاول التوصل لتفكير منطقي قد يخلصه من هذا الشلل الفكري الذي يُعذبه!

وأخيرا تململت بفراشها مصدرة لهمهمـ.ـا.ت وهي تشعر بإرهاق شـ.ـديد يلم بسائر جسدها لتحمحم وهي تشعر بالعطش الشـ.ـديد ثم زمت شفتيها ببراءة وهي تحاول التحدث

"كوكي.. هاتيلي مياة أنا عطشانة أوي" همست وهي تحاول أن تفتح عيناها وحاولت النهوض لينظر لها بصدمة مما استمع له وما إن تلاقت أعينهما حتى نظرت إليه في غير تصديق وخوف

"أنت مين؟ وإيه المكان اللي أنا فيه ده؟" صاحت به في ذعر وهي تنظر حولها ليرفع حاجباه بإندهاش إليها وحاول الإقتراب منها لتبتعد هي بالسرير

"ماما فين لو سمحت اندهالي" همست وهي تتفقد ذلك الرجل الذي لا تعرفه لينظر لها مليا وهو يستشعر الصدق بينما ذهب ليهاتف الطبيب ثم أخبرها بطريقه

"ادخلي استحمي على ما اجيلك" آمرها بنبرة هادئة لترفع هي حاحباها في دهشة ولكنه غادرها مُسرعاً..

من هذا الرجل الغريب؟ وأين هي؟ وأين والدتها؟ هي تشعر وكأنها تعرف هذا الرجل وتشعر بالخوف منه ولكنها لا تدري لماذا!! شعرت بالهوان والضعف ولم تتذكر كيف آتت لهذا المكان الغريب ثم نهضت وهي تشعر بأن قدماها لا يستطيعان حملها وشعرت بالعديد من الآلام بجسدها وتوجهت ببطئ شـ.ـديد حتى الحمام..

دلفت أسفل المياة وما أن لمست جسدها حتى صرخت آلماً وابتعدت عن المياة بسرعة ولا تعلم لماذا حتى استجابت له بأن تدخل إلي الحمام لتجد ذلك الرجل الذي لا تعرفه يدلف الحمام فنظرت له في خوف وخجل وحاولت إغلاق كابينة الاستحمام عليها لا تدري من ذلك الرجل الذي يستطيع أن يدلف عليها هكذا ولكنه منعها ثم جذبها من ذراعها وتوجه بها للمغطس دافعاً اياها برفق..

"لو سمحت اطلع برا مينفعش تشوفني كده.. بعد اذنك أنا معرفكش.. وأرجوك فهمني أنا جيت هنا ازاي؟" همست إليه في استغراب لكل ما يحدث لها لينظر إليها عاقدا حاجباه ولم يستجب لسؤالها الذي ظن أنها تُزيفه

"مش عارفة أنا مين؟" ابتسم نصف ابتسامة جانبية بسخرية.. "أنا بدر الدين الخولي.. جوزك.. اهدي بقى واسمعي الكلام لغاية ما الدكتور يجي" أخبرها بجمود وهو لا يظن أنها صادقة..

اجلسها على حافة المغطس لترتجف هي خوفاً من وجوده خلفها وابتلعت وهي لا تدري ما الذي يقوله هذا الرجل! أتزوجت؟! متى؟! لتجده يمرر سائل الاستحمام على ذراعيها ثم رفع شعرها بشيئاً لا تدري ما هو ليمرر السائل على عنقها وأجبرها على النهوض ولكن في رفق ليمرر سائل الاستحمام بيداه على ساقيها من الأمام لتوصد هي عيناها في وجل من تلك المناطق التي أخذت يده في لمسها ولم تستطع أن تواكب حقيقة ما يحدث لها فهي لا تتذكر أنها تزوجت.. وإذا حدث.. أين هي والدتها؟!

مرر يده على بطنها ثم تثاقلت أنفاسه وضغط على أسنانه في غضب وهو يجاهد نفسه ألا يتأثر لملامستها بهذا الشكل.. تعالت يداه ليمررها على مفاتنها لترتجف يداه ولكنه حاول السيطرة على نفسه وأكمل ما يفعله ثم فجأة شعر وكأنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك..

توجه ليحضر منشفة مبتلة وآخذ يمررها على سائل الاستحمام ليزيله ثم يبلل المنشفة ليغسلها ويعاود فعلته حتى انتهى تمامًا وحاذر جيداً ألا يلامس تلك العلامـ.ـا.ت بجسدها، أحقاً قد أفسدها بذلك الشكل؟ لا يُصدق كيف تحملت هي كل ذلك..

أحاط جسدها بمنشفة أخرى ثم حل وثاق شعرها ثم وقف أمامها وأومأ لها بأن تغادر لتنظر له بإرتباك ففعلت وتبعها هو للغرفة ليصيح آمراً اياها

"نامي على بطنك" التفتت له وعيناها متسعتان خوفاً ودهشة بآن واحد

"لأ.. ارجوك كفاية.. بلاش اللي انت بتعمله ده.. أنا معرفكش والله.. أنا جيت هنا ازاي وأنت ازاي جوزي.. أنا مش كبيرة علشان اتجوز!! وجـ.ـسمي ليه زي ما يكون متعور وبيوجـ.ـعني؟ أنا إيه اللي بيحصلي بالظبط؟" تجمعت الدمـ.ـو.ع لتكون طبقة على زرقاوتيها ثم انهمرت بضعف ليتوجه نحوها بملامح مبهمة ثم جعلها تلتفت رغماً عنها ودفعها بخفة على السرير لتواجهه بظهرها.

حل المنشفة من حولها ونحيبها لا يتوقف وآخذت تعصف الأفكار برأسها، من هذا الرجل؟ ولماذا جسدها يعج بتلك الجروح هكذا؟ ماذا فعلت له حتى يفعل بها كل ذلك.. أهو من فعل هذا أم من الذي فعل بها كل ذلك؟! هي تشعر وكأنها لا تعلم شيء!

شعرت بأنامله تمتد على ظهرها وكأنما هناك شيئاً آخر يلامسها غير أنامله.. شهقت آلماً عنـ.ـد.ما لمس احدى آثار جلداته التي لا تعرف بأي منها وارتجف جسدها وبعدها شعرت وكأنما الآلم يختفي تماماً..

انتهى من ظهرها ليتنهد وهو يشرع في وضع بعض المرهم الملطف لتلك الجلدات على جسدها وهو يحاول مقاومة الشعور بالإثارة مما يتلمسه بتلك الطريقة..

لقد شعرت بالخوف والخجل ولكن بنفس الوقت شعرت بالراحة تستبدل تلك الآلام بجسدها فأوصدت عيناها في تـ.ـو.تر وابتلعت بإرتباك وودت لو أخبرته بأن يبتعد عنها ولكنها تشعر بالخوف والإرتباك منه لا تدري لماذا.. ولكنه هو من يقوم بوضع ذلك الدواء.. ولكن ما الذي أدى لكل ذلك؟

انتقل لساقيها وأسرع قدر الإمكان فهو لا يستطيع أن يسيطر على نفسه اكثر من ذلك لينتهي من وضع الدواء على جسدها وعقله لا يستطيع قبول كل ما يستمعه منها ثم أخبرها بهدوء

"متتغطيش دلوقتي.. استني ربع ساعة لغاية ما الدوا ينشف!" توجه مسرعاً للخارج ثم أغلق النور وتبعه بتوصيد باب غرقتها ليتركها في حيرة من آمرها.. وشعر هو بمشاعر متضاربة بداخله بعد أن رآى فزعها وعدم معرفتها به الصادقتان ولكنه انتظر حتى يحضر الطبيب!
جلس بغرفة مكتبه وهو يحتسي من زجاجة الفودكا مباشرة دون أن يُلاحظ مقدار ما يتناوله وهو يُفكر بكل ما مر عليه معها.. أحقاً ظلمها لذلك الحد؟ ألم يلاحظ توسلاتها بألا يتركها مع زوج والدتها؟ أحقاً كان أعمى لتلك الدرجة؟ .. با له من مختل، فعلته دفعتها لتفقد الذاكرة لأحداث سنتان بأكملهما!!..

لا.. لم يكن أعمى.. لقد عرف أن والدتها قد تركت كل أموالها لزوجها لأنها تعرف كم أن ابنتها استغلالية ومادية.. لقد سمعها بأذنيه وهي تخبر كريم بأن يترك أخته.. كل الدلائل التي ملكها وتوصل إليها تُجبره على تصديق أن تلك الفتاة ماكرة مستغلة.. ليس إلا!!

ولكن شاهندة لن تكذب عليه.. حسناً لقد فعلت مرة.. ولكن لتحمي نورسين من غضبه وظنه بها.. فلو علم منذ البداية أن زوج والدتها كان يتحرش بها لكان ظن أن كل ذلك مجرد تمثيلية رخيصة حتى يتآمرا على زياد أو كريم وتأتي له بالأموال..

أيضاً يسري لا ينفك يطالب كريم بالأموال وأخبره أنه يريد أن يزوجها لمن يعطيه أموالاً.. إذن زوج والدتها هو الآخر مستغل مثلها..

دمـ.ـو.عها وصراخها، تذللها له بعد أن أهانها وأذاقها وابل من العذاب، لا يزال يشعر بإرتجافة جسدها بين ذراعاه عنـ.ـد.ما حملها، لا يزال يتذكر صراخها آلماً، ماذا كان ليحدث إن لم يذهب عائداً لها في ذلك الوقت؟!

في النهاية هي لا زالت على اسمه، أمام الجميع هي زوجته، ماذا لو كان تركها ولم يستمع لأخته؟ أكانت ستصبح زوجته مُغتصبة بتلك الدناءة ومن مَن.. من زوج أمها؟!!

ألقى الزجاجة أرضاً ليهشمها بغضب جم والذنب والنـ.ـد.م يبددان سائر حواسه، يشعر بالغضب تجاه نفسه أولاً وثانياً تجاه كل ما يحدث، لا يدري أيُصدقها أم يُصدق الأطباء الذين أكدوا بفقدها لذاكرتها بسبب تلك الصدمـ.ـا.ت التي تعرضت لها أم يُصدق نفسه وكل ما لديه من براهين على أنها مُستغلة!! وما تلك البراهين التي يمتلكها سوى حفنة مشاعر بالخوف على عائلته من أي أحد قد يستغلهم أو قد يُخرب حياتهم؟!

رأسه تتهشم من كثرة التفكير، لا يدري ولا يعلم أين الحقيقة.. هو أذنب بحقها ويشعر بالنـ.ـد.م جراء كل ما فعله معها.. لقد عذبها بأبشع الطرق التي يكرهها هو نفسه، لقد أجبرها على الزواج منه بتلك السن الصغيرة، هناك صراع من نوع جديد قد نما منذ تلك اللحظة التي رآها بها أسفل يُسري، ولكنه حتى الآن لا يستطيع نسيان ما سمعته أذنيه

"يبقا تسيبها، تسيبها وتبعد عنها، متفضلش معاها وتظلمها.. كل اللي بتقوله أصلاً مش مبرر إنك بتحب حد"

شعر وكأنه سيجن حتماً من تلك الإنفجارات بعقله ثم تجرع ما تبقى في الزجاجة الثانية بأكملها التي لم يدرك متى بدأ في احتسائها ليتذكر فجأة العديد من الذكريات المؤلمة التي جمعتهما سوياً وهو لا يدري أهو يظلمها أم هو على حق أم ماذا يفعل وكيف يتصرف مع كل ذلك الذي يحدث من حوله..

لقد هذت عنـ.ـد.ما جاءتها الحمى بمنتهى الخوف.. لقد بكت وتوسلته كثيراً بألا يعاود ضـ.ـر.بها ثانية وهو لا ينفك يفعلها، لقد تذكر ملامحها عنـ.ـد.ما أخبرته أنها ليست استغلالية مثل والدته، كيف علمت هذا على كل حال؟ لقد تذكر تلك الكلمـ.ـا.ت جيداً عنـ.ـد.ما كانت أمام قبر والدتها، تذكر كيف نامت على الأرضية عنـ.ـد.ما واتتها عادتها الشهرية، وهنها وتحرجها عنـ.ـد.ما أخرجها من ذلك الدولاب الذي اغلقه عليها.. وتلك العلامـ.ـا.ت التي طبعها دون رحمة على جسدها حتى انسابت دمائها.. صفعاته لها، عنفه معها، فزعها منه..
أيُمكن أنه بكل ذلك الوقت كان يظلمها؟!!

لا بالتأكيد لم يظلمها.. هو حتى لا يستطيع أن يتخيل أنه قد فعل كل ذلك مع فتاة بريئة.. لابد وأن يرى كل ما قد تفعله تلك الفتاة ويتأكد بنفسه، كل ذلك العذاب الذي يعذبها به لم يجعلها تنبث ولو بحرف واحد، لازالت مصممة على أنها لم تفعل شيء، لازالت تبكي بتلك الدمـ.ـو.ع التي تبدو بريئة بها وتتحكم حتى به هو نفسه عنـ.ـد.ما يراها.. عليه أن يجدطريقة أخرى.. حسناً سيراقبها بينما يسمح لها بالمزيد من الحرية قليلاً وسيرى ما الذي ستفعله حينها!!

سيترك المنزل لها كل يوم وسيذهب للشركة ولن يتوانى عن مُراقبتها في صمت شـ.ـديد وسيشاهد تسجيلات أجهزة المراقبة وهو حتى لن يبالغ معها بالعنف مثل السابق خاصة بسبب حالتها النفسية، سيدعها لتفعل كل شيء ولكن تحت عيناه حتى يستطيع التأكد من حقيقة إنكارها للأمر، ومن حقيقة فقدانها للذاكرة.. وسيعرف المزيد عن زوج أمها هذا القذر.. حتى لو قـ.ـتـ.ـله بيداه ولكن سيعرف كل شيء عاجلاً أم آجلاً..

هكذا قرر ثم نهض وقد شعر بعدم تركيزه ليذهب بخطوات متباطئة وأعين نصف مغلقة ليتوجه لغرفته وبالكاد قد حدد الوقت الذي سيستيقظ به بمنبه هاتفه ثم وصد عيناه ليذهب في ثبات تام..

❈-❈-❈

"يعني إيه جوزي؟ يعني أنا في سنتين بس اتجوزت.. وماما.. ماما راحت فين!! هي فعلا مـ.ـا.تت زي ما هو ما بيقول؟! أنا مش مصدقة.. ازاي أنا ناسية كل حاجة كده؟!" تحدثت إلي نفسها ببراءة وإنكار تام ثم تساقطت دمـ.ـو.عها في وهن شـ.ـديد وهي بالكاد تصدق كل ما تتعرض له اليوم!

خللت شعرها الحريري بيدها ترفعه وهي جالسة بغرفتها في خوف، هي لا تعرف ذلك الرجل، تيتسلل إليها شعور هائل بالخوف منه، لا تعرف لماذا ولكن هناك بداخلها شيئا يخبرها بأن ذلك الرجل لا يجب أن تتعامل معه..

هيئته ونظرات عيناه مرعـ.ـبتان.. طريقة تحدثه.. قليل الكلام معها للغاية.. حتى ولو كان زوجها مثل ما يدعي، لا هو لا يدعي لقد رآت عقد زواجهما بنفسها.. هل من الممكن أنه صادقا؟!

لم يعد عقلها يستطيع أن يواكب ما يحدث، بين يوم وليلة استيقظت لتجد أنها متزوجة، والدتها قد مـ.ـا.تت.. فقط هذا كل ما عرفته منه، ولكن كيف يتعاملا هكذا وهما المفترض أنهما متزوجان حديثا من عدة أيام قاربت على تكوين اسبوعان؟! هي لا تستطيع التفكير بالأمر أكثر من ذلك أبدا..

"لأ.. ده مش إنسان طبيعي بجد.. شكله وشعره وعينيه.. لو كان جوزي بجد كنت افتكرته.. وهو ليه بيعاملني بالأسلوب ده" تحدثت ثم أخذت تتجول بالغرفة وهي تحاول فرك رأسها ومنعت نفسها عن البكاء فالبكاء الآن لن يُفيدها بشيء وأثناء تجولها وجدت بعض الملابس التي تخصها على الأريكة لتدرك أنه قد وضعها لها دون أن تلاحظ..

اقتربت من الباب لتتأكد من أنه موصد جيداً وهي لا تدري لماذا شعور الخوف يسيطر عليها من ذلك الرجل المسمى ببدر الدين وبعد مجهود كبير منها وضعت الأريكة خلف الباب ثم ارتدت تلك الملابس وذهبت لسريرها لتحاول أن تنال قسطاً من الراحة..

❈-❈-❈


انتهى من غسل وجهه ربما للمرة المائة وهو يحاول أن يستيقظ فهو لم ينم جيداً ليلة أمس بعد كل ما حدث وذلك الشراب اللعين الذي احتساه لم يتركه إلا وهو يشعر بالصداع الشـ.ـديد وتركه عكر المزاج وحاد للغاية..

ظل يراقبها بعد أن جعل مختص يرسل له بالتسجيلات الخاصة اول بأول على بريده الإلكتروني وأنتظرها لتستيقظ ولكنه يراها نائمة ولم تحرك ساكنًا وظل يعمل في إنتظار وبين الحين والآخر يراقب ما ستفعله عنـ.ـد.ما ستدرك أنها وحدها ولسوء حظه وجد شاهندة أمامه..

"ليه يا بدر تعمل فيها كده؟ ليه باعدها عني ومش عايزني اطمن عليها؟!" سألته أخته التي وجدها أمامه فجأة وهي تنظر له بلوم ليحترق هو غضباً ويوصد شاشة حاسوبه وهو بحالة مضطربة من المشاعر المتعارضة.. هل له أن يثق بنورسين، هل تتدعي، أم هو من أذاها!! لا ينقصه سوى حديث شاهندة هي الأخرى

"شاهندة مش وقته.. سيبيني أكمل شغلي لو سمحتي" اخبرها بضيق وهو يحاول أن يتحاشى نظراتها لأنه لن يستطيع الشعور بالذنب تجاه نورسين مجدداً

"وامتى وقته، وأنت مش مخليني أشوفها ولا اطمن عليها؟ لما أسمع منك فجأة انك رجعتها لجوز أمها الحقير ده وبعدين اروح الاقيه سايح في دمه.. متخيل اني هاسكت"

"لو مكونتيش خبيتي عليا من الأول مكانتش الأمور وصلت لكده"

"كنت عايزني أقولك ايه؟ اقولك اني شوفته وهو بيتحرش بيها وهي عندها انهيار ومامتها مكملتش كام ساعة ميتة؟ مكنتش هتقولي انها بتمثل؟ كنت عايزني اقولك ايه يعني؟!" نظر لها في غضب جم وهو لا يدري أهذا بسبب الشراب ومزاجه العكر أم هو غاضب من أخته أم من نفسه لأنه يشعر بالنـ.ـد.م تجاه ما فعله بنورسين..

"تقدر تقولي ايه اللي حصل ما بين اتنين يادوبك اتجوزوا من كام يوم يخليك ترجعها لجوز أمها؟" سألته بإنفعال ليصدح رنين هاتف بدر الدين

"لو سمحتي يا شاهندة سيبيني اكمل شغلي" تظاهر بالإنشغال لينظر لهاتفه في اهتمام

"ماشي يا بدر!! بس كلامنا لسه مخلصش.." أخبرته ثم توجهت للخارج في عصبية وأوصدت الباب خلفها

"معلش يا بدر بيه اعذرني.. آخر مرة أنا مخدتش بالي من كلامي.. بس بجد اللي هقولهولك ده غريب اوي"

"انطق.. عرفت ايه؟!" صاح للطرف الآخر بنفاذ صبر

"المحامي اللي بيتعامل معاه يُسري من زمان طلع صاحبي وحبيبي.. بيقول إنه كـ.ـلـ.ـب فلوس، ودايماً مكنش بيسب مـ.ـر.اته اللي مـ.ـا.تت وهي اللي فاتحاله الشركة دي.. بس الغريبة إن دايماً وصية الست دي كان فيها ودايع لبنتها وأسهم في الشركة ليها ولبنتها.. فجأة كده قبل ما تموت بيجي اسبوع راحله واداله وصية مـ.ـر.اته الجديدة عشان يسجلها ويخلص إجراءاتها، بس المرادي مكنش فيها أي حاجة تخص بنتها ولا ليها، وصت انها كل اللي بإسمها يبقا ليسري وحتى ودايع بنتها نقلتها بإسمه" تريث الرجل لحظة ليعقد هو حاجباه في تعجب مما سمعه

"بس المحامي يعني هيعمل ايه.. هو بيتعامل معاه من زمان وعارف إنه راجـ.ـل مش سهل وسـ.ـخيف.. قام ساعده يخلص الإجراءات واخد اتعابه وزيادة كمان"

"بدر باشا.. أنت معايا؟!"

"آه معاك.." ازدرد وهو يُفكر في ذلك الكلام الذي استمع له للتو

"بس حبيت أعرف سيادتك وكمان كريم الدمنهوري.. امبـ.ـارح طلع من البيت وفضل يلف على كذا ATM (ماكينة صراف آلي)، وكان بياخد الفلوس ويحطها في شنطة.. وفجأة راح الشركة عند سيادتك وبيعدين راح ليُسري، وحالاً هابعتلك مكالمتهم بتاعت امبـ.ـارح.. والنبي يا باشا حقك عليا يعني مكنتش اقصد امبـ.ـارح الـ.."

"تمام تمام.. ابعتلي المكالمة.. حصل خير.. سلام دلوقتي"

أنهى بدر الدين المكالمة ثم تهاوى بجسده على كرسيه وهو يشعر بالتشتت مما سمعه!! أحقاً هناك أحد ما يفعل ذلك بفتاة صغيرة؟! هز رأسه بإنكار ليتذكر والدته التي صممت على أخذ جميع مستحقاتها عنـ.ـد.ما تـ.ـو.في والده ووضعتهم بمأزق ولم تنتظر حتى ولو يوماً واحداً في المطالبة بإرثها من والده ليسحق أسنانه في غل شـ.ـديد وآخذ يفكر كيف تغيرت وصية تلك المرأة بين يوم وليلة هكذا.. وتوجه ليستطلع كاميرات مراقبة الشركة والتسجيلات الخاصة بها ليعرف ماذا فعل كريم!!

❈-❈-❈

"ايه ده.. ايه اللي عمل فيك كده!!" صاح كريم عنـ.ـد.ما وقعت عيناه على يُسري الذي اختفت ملامحه بالدماء

"ابن الكـ.ـلـ.ـب جوزها.." اجابه يسري بصعوبة فهو لا يستطيع التحدث فتوجه كريم نحوه على مضض ليساعده من القيام من على الأرض

"ونور.. نور فين؟" سأله في لهفة

"اخدها معاه.. لما منعته مد ايده عليا..هسس آه" توجع يسري وهو يمرر يده على فكه

"وايه اللي رجعه ده؟"

"معرفش بس اخته جت ولقيتها بتسأل على نور قولتلها انها مع جوزها المفتري ده"

"وايه اللي جاب شاهندة كمان؟!" تعجب كريم

"معرفش.. كان معاها جوزها كمان!"

اخذ كريم يُفكر بحقد شـ.ـديد في كل ما حدث ليلة البـ.ـارحة وهو الآن لم يعد فقط يُفكر بنورسين بل ببدر الدين أيضاً!! ذلك الآمر الناهي الذي يتحكم بكل شيء، الذي يذعن له الجميع بكل آوامره، ماذا يظن نفسه؟! ماذا يعتقد أنه فاعل؟ أسينتصر عليه تلك المرة أيضاً؟ أسيأخذ منه تلك الفتاة.. حسناً.. إن لم يكن برضاه ليكن رغماً عن أنفه!!

"ماشي يا بدر الدين يا خولي.. مش هاسيبك تاخدها مني.. ولو بالعافية كمان.. مبقاش خلاص قدامي حل غير ده!! والذل اللي انت ذلتهوني هذلك زيه وأكتر كمان" تمتم متحدثاً ليبتسم بشر وغلٍ شـ.ـديد وهو يُفكر بخطته القادمة!

❈-❈-❈

"يااه يا شاهي، شايلة كل ده لوحدك ومحكتليش حاجة" تحدث حمزة لشاهندة

"اعمل ايه بس يا حمزة.. محبتش اضايقك بهمومي وأنت مشغول ومرهق والشغل واخد كل وقتك" تنهدت بحزن

"احنا بردو فيه ما بينا الكلام ده.." رفع يدها له في لطف ثم قبلها "اياكي تخبي عليا حاجة تاني!!" نظر لها بلوم وابتسم لها بهدوء

"أنا بحب البنت دي أوي، صعبان عليا بجد كل اللي حصلها، واللي عمله بدر ده معاها زمانه بهدلها أوي يا حمزة، أنا عارفة بدر أخويا كويس، لما بيتعصب مبيشوفش قدامه، حنيته دي بس لو تبان للناس أكتر كلهم هيفهموه زيي، لو يعرفوا اتعذب قد ايه هيعذروه، بس نور لسه صغيرة، لسه متعرفش من الدنيا حاجة، أنا خايفة عليها، وخايفة عليه، بجد بدر مينفعش يضيعها من ايديه"

"متقلقيش.. المتجوزين ياما بيحصل ما بينهم واكيد زمانهم اتصالحوا"

"اشمعنى احنا عمرنا ما حصل ما بينا كده؟!" نظرت له بأعين توسعت في استفسار

"عشان محدش في الدنيا زينا ولا حد في الدنيا هيحبك ويخاف على زعلك قدي" اقترب ليقبل مقدمة رأسها لتبتسم هي وتنظر له

"وأنا كمان عمري ما اقدر ازعلك ولا حد هيحبك قدي"

"كفاية بقا زعل، العيون الحلوة دي عايز اشوفها بتضحك على طول.."

"مش هرتاح غير لما اطمن على نور.. عايزة أتأكد انها وبدر كويسين!"

"طب يا ستي تحبي تطمني ازاي وأنا اعملك كل اللي نفسك فيه"

"مش عارفة.. بس يا حمزة لو بتحبني حاول تقرب من نور، اعتبرها بنتك أو أختك الصغيرة.. لازم نكون جنبها الفترة الجاية دي ولازم نطلعها من المود شوية، يا عيني البنت من موت أمها لقذارة جوزها وبعدين عصبية بدر اللي مبتنتهيش دي.. لازم فعلاً نفرحها ونبسطها شوية"

"عيوني.. آوامر يا حبيبة قلبي.. تعالي نفسحها الأجازة الجاية.." نظرت له شاهندة مضيقة عيناها

"تصدق فكرة!!" ابتسمت له "أنت والله بتقول كلام هايل" أمسكت بيده في فرحة

"فكرة ايه؟" تعجب حمزة وهز كتفاه في تعجب

"ايه رأيك بقا في اللي هقولك عليه ده...." آخذت شاهندة تقص على زوجها خطتها ليبتسم لها موافقاً على كل ما سمعه منها..

❈-❈-❈


تنهد وهو ينظر بشاشة حاسوبه التي يراقبها عليها كل يوم، لأسبوع كامل لا تفعل شيئاً سوى القيام بالنظافة وبترتيب المنزل وبطهي الطعام هذا فقط ما تفعله..

هو لا يستطيع بعد التعامل مع فقدانها للذاكرة ذلك الذي يتابعه مع الأطباء، لا يدري كيف عليه أن يتحدث لها، بأي طريقة؟ بظنها أنها مستغلة لزوج أخته وتريد تدمير زواجهما أم أنها فتاة بريئة من كل ما يُفكر به وبكل ما عذبها به وهي بالفعل قد فقدت الذاكرة مثل ما يخبره الأطباء؟!

لا يرى ولا يلاحظ عليها أي شيء.. تذكر كيف ارتاب عنـ.ـد.ما دلفت مكتبه منذ يومان ولكنه لم يكن يعرف أنها رسامة بـ.ـارعة، فهي قد توجهت لتحضر قلماً واوراق ليس إلا.. لقد رآى كيف ملئت العديد من الأوراق بالرسومـ.ـا.ت لجميع الأشخاص الذين يعرفهم وقد وجدت صورهم مُعلقة بمنزله كأخته شاهندة ووالدته نجوى والذين لم يعلم عنهم شيئاً ولكنه قد توقع أنه احد الأشخاص هي أمها وآخر هو أبيها الذي لا ترسمه إلا بطريقة واحدة وكأنها تتذكره فقط بتلك الملامح..

أما تلك الطريقة التي ترسمه بها تبدو مريعة!! يبدو مُخيفاً للغاية بلوحاتها تلك، بالرغم من أنها لم تستخدم سوى القلم الرصاص ولكنها تستطيع التعبير عن مشاعرها بنقلها خلال تلك الرسمـ.ـا.ت..

وأكثر ما تعجب له هو نقلها لصورة ليلى الموضوعة بجانب سريره حتى جعلتها تبدو أجمل مما رآها يوماً بحياته..

لا يستطيع إنكار تلك الطريقة التي تعامله بها، تبدو دائماً خائفة دائماً منه، يتذكر عنـ.ـد.ما أقترب منها بالمطبخ ليلة أمس ليضع صحنه بالمغسلة لترتجف وابتعدت للخلف على الفور لتهرب منه وكأنه سيأتي ليعذبها مجدداً، ثم تحولت وقتها نظراته لنظرات مبهمة تجاهها وتركها وغادر..هل يُمكن أنها تتدعي فقدان الذاكرة وحتى اقنعت الأطباء بذلك؟ ..

لقد توقف عن إلقاء الآوامر لها، أعاد إليها ملابسها، لم يعد يعذبها ولم يعد يقسوا عليها مثل السابق ولكن لابد وأنها لازالت غير مطمئنة له، بالطبع وكيف ستفعل!! هي حتى لا تتذكره، وحتى ولو تذكرت هو يعرف جيداً أنه قد بالغ كثيراً معها وتأثير ما فعله معها على الأقل كان سيسبب لها حالة نفسية لولا صغر سنها وبرائتها، أو ربما لخطة ما تخطط لها، أو يمكن أنها تعذبت من قبل ذلك.. لا يدري، لا يدري كيف تحملت هي كل ذلك دون أن تسوء حالتها أكثر؟! ربما فقدان الذاكرة كان رحمة من الله إليها بعد محاولة اغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب ذلك الحقير لها وبعد كل ما فعله هو بها!!

"ادخل.." صاح سامحاً للطارق بالدخول ليجدها رنا سكرتيرته التي قد عادت من اجازتهاالمرضية

"اسفة لو حضرتك مشغول بس Mrs. شاهندة محتاجة باسبور حضرتك وباسبور المدام عشان Update (تحديث) بيانات الموظفين وأسرهم.. أومأ لها وأعطاها جواز السفر الخاص به الذي أخرجه من درج مكتبه ثم دون أن يتمادى في الحديث مع رنا أعاد النظر لشاشة حاسوبه بتلهف..

"والمدام؟!"

"مالها.. هي كويسة اهى وكانت بتعمل الأكل من شوية.." اجاب بتلقائية ثم أومأ لشاشة حاسوبه بعفوية ليدرك للحظة ما أخبرها ليعقد حاجباه ثم نظر لها في قسوة ورسمية شـ.ـديدة لتنظر له هي بإندهاش وخجل ليحمحم مستدعيا ملامح الجدية

"في البيت هابقى اجبهولك.. اتفضلي على مكتبك" أخبرها بلهجة لا تحتمل النقاش لتتوجه هي مسرعة للخارج وهي تتعجب مما سمعته منه فلم يكن هذا رئيسها أبداً لتبتسم في تعجب وهي تتمتم

"شكلنا اتغيرنا خالص.. يالا اهو اتبهدل كتير بردو لما مـ.ـر.اته مـ.ـا.تت"

لا يدري كيف يتحدث هكذا أمام احدى موظفيه.. لا يعرف كيف قد أصبح يتابع تحركاتها البسيطة مثلاً عنـ.ـد.ما تتحرك بخفة بين أرجاء منزله لتعد الطعام أو لتنظفه، وعنـ.ـد.ما ترسم.. لا يُصدق أنه لم تعد تغيب عيناه عن حاسوبه إلا في أضيق الحدود.. حتى ولو كانت نائمة يظل يتابعها بعينيه إلي أن تستيقظ.. لعن داخل نفسه وهو لا يُصدق كيف أصبح يضيع وقته بأكمله عليها هي فقط ليزجر نفسه وحاول التركيز ليجرى مكالمة هاتفية

"هبعتلك اسم بالكامل.. عايزك تطلعلي باسبور ليها في خلال يومين أو تلاتة بالكتير.." تنهد ثم ارسل اسمها بالرسالة لمن حدثه منذ قليل ثم توجه مرة أخرى ليراقبها ثم خطر على باله أن يعود مبكراً للمنزل اليوم حتى يرى كيف ستكون ردة فعلتها عنـ.ـد.ما تراه؟..
دلف الفيلا في هدوء بينما عرف أنها بغرفة مكتبه ولكنه لم يُصدر صوتاً وانتظر ليعلم ردة فعلها عنـ.ـد.ما تراه قد عاد مبكراً عن موعده بأربع ساعات. لقد سأم تهربه منها كلما أرادت أن تعرف كيف تقابلا وتزوجا وهو يحاول التوصل لطريقة منطقية كي يخبرها بالأمر!!
توجه إلي غرفة المكتب لتلاحظه هي وفوراً أخفت ما بيديها خلف ظهرها وشعرت بالخوف منه فهو قد يغضب منها لو رأى ما تفعله وخاصةً أنها بمكتبه..
نهضت وهي تُخفي الأوراق وتعالت أنفاسها وهي تبتلع بوجل منه وأخذت خفقات قلبها في الازدياد عنـ.ـد.ما رآته يتوجه نحوها ولم تستطع أن تنظر له فأشاحت بنظرها للأرضية لتتقهقر آخذة خطوات للخلف وهي لازالت ترى حذاءه اللامع يتقدم منها لترتطم بالجدار وتمنت بداخلها ألا يستمر بالنظر لها تلك النظرات المخيفة ثانية..
شعرت بأنفاسه القريبة منه ليضطرب صدرها متنفسة في تسارع وقبضت على الأوراق في خوف وكأنها تحاول أن تستمد القوة منها لتنظر له ولكنها لم تستطع..
"مخبية ايه ورا ضهرك؟!" سألها في هدوء وهو يتفحص وجهها البريء الخائف
"ممفيش" همست متلعثمة ليبتسم هو بإقتضاب على خوفها ولكن ليس بإستهزاء أو تهكم مثلما كان يفعل كل مرة ثم تحكم في ملامحه لتعود مجدداً للجدية وزفر ثم أمتدت يده خلفها ليآخذ الأوراق منها وكادت أن تفر هاربة ولكنه ثبت خصرها بالحائط بينما أمسك بالأوراق منها
"سيبيها بدل ما تتقطع" آمرها ولكن بلين دون غضب لتتفلت أصابعها حول الأوراق لتشعر هي بالخوف ما إن رآى ما فعلته وكان فزعها أكبر ما لو فعل أي شيء لها فهي لا تزال تشعر بالخوف منه وقد يفعل لها ما يؤذيها لأنها رفضت تريه الأوراق.
ظلت هي تنظر للأرضية وتتنفس بسرعة برعـ.ـب من قربه ومن ردة فعله لإكتشافه ما بالأوراق وعطره هذا يُربكها كثيراً، كما أنها تشعر أنها تتذكر رائحة هذا العطر ولكن لا تدري متى استنشقته، وخاصةً يده التي ثبتت خصرها لتحاصرها بهذا الشكل، العديد من المشاعر غير المفهومة تجمعت داخلها وتمنت لو يتركها تذهب وشأنها ولكنه بالطبع لن يفعلها..
نظر للأوراق ليرى نفسه، كل شيء به مثلما هو، ينقص فقط أن تنطق تلك الرسمة بالروح، كيف لها أن تنقل كل التفاصيل هكذا بمنتهى البراعة، كيف لها أن ترسم فقط من ذاكرتها بمثل هذا الإتقان او حتى من احدى صوره ولكنه لم يكن عاريا بأي من الصور الموضوعة بفيلته..
لقد رسمته عاري الصدر بنفس عضلاته وذراعاه القويتان، شعره يبدو أطول قليلاً، ذقنه المشذبة تحمل نفس الشعيرات البيضاء بالمنتصف، ينظر لمن أمامه نظرة ثاقبة ومُخيفة، دون ابتسامة، ولكن ما آثار دهشته هو ذلك الوشاح الذي وضع حول منكباه ويصل للأرض وممسكاً بيده صولجان يبدو غريباً ليرتكز على أعلاه كرة.. فهم أنها الكرة الأرضية ربما، فتفاصيلها متناهية الصغر، وتفقد باقي الرسمة ليجد قبضة يده اليُسرى حوله وعلى رأسه وضع تاج مرصعاً بجواهر ثم كتبت فوق الرسمة "ملك الكون"
تفحصها ليلاحظ دمـ.ـو.عها لترتفع يده التي ثبتت خصرها ليلامس أسفل ذقنها مُجبراً اياها على النظر إليه فتلاقت تلك الزرقاوتان الباكيتان بسواد عيناه ولم يستطع منع نفسه عن تجفيف دمـ.ـو.عها بأنامله بمنتهى اللطف لتتوقف هي عن البُكاء في مفاجئة مما يفعله فهي قد توقعت صراخ أو إجبـ.ـار على أألا تفعلها مجددا بكلمـ.ـا.ته المقتضبة تلك ولكن أن يتلمس وجنتاها بتلك الطريقة وبدون ملامح غاضبة كان جديداً عليها تماماً..
"تعالي يا نورسين اقعدي متخافيش" تنهد وهو يخبرها وقد قرر أنه بالنهاية عليه خوض ذلك الحديث معها لتتحرك هي وجلست على احدى الارائك ليجلس أمامها
"بصي.. أنتي زميلة زياد في الجامعة، وجيتي تدربي في الشركة، ولما اتعرفنا على بعض ارتاحنا لبعض واتجوزنا.. ومامتك لسه متـ.ـو.فية من حوالي شهر وكام يوم.. وفي يوم روحتي تزوري جوز مامتك ضـ.ـر.بك وانتي فقدتي الذاكرة.. انتي قادرة تفتكري حاجة من كل اللي بحكيهولك ده؟" بحث بعينيها عن الصدق لتومأ هي له بالإنكار
"أنا مش قادرة أفتكر حاجة.. أنا زياد شوفته حوالي تلت مرات في الجامعة.. احنا مكناش اصحاب اوي" نظرت له بحزن ليزفر هو في ضيق "وبعدين ليه بابا يُسري هيضـ.ـر.بني؟ وازاي أنا مش قادرة افتكر حاجة كده.. أنا مش مصدقة إن ماما مـ.ـا.تت" أخبرته وتكومت الدمـ.ـو.ع لتحجب تلك السماء الزرقاء بين جفنيها
"طيب اهدي وهتفتكري قريب" أخبرها وقدم يده ليجفف دمـ.ـو.عها بينما هي عادت للخلف بحركة تلقائية لينظر لها بتمعن علها تذكرت شيئا
"انتي خايفة مني ليه؟" سألها لتنظر هي له بإرتياب
"معرفش.. أنا معرفكش ومتعودتش اكون معاك.. ودايما بحس إني خايفة منك" همست له بصدق بينما تفاقمت صعوبة الأمر عليه ليومأ لها
"متقلقيش هتفتكري كل حاجة قريب" زم شفتاه ثم حاول أن يُغير الموضوع "طيب عملتي الأكل النهاردة؟!" سألها في هدوء بعد أن قامت هي بتجفيف دمـ.ـو.عها لتعود هي للخوف مجدداً
"أنت.. أنت رجعت بدري و... ملحقتش.."تلعثمت ليفهم هو من اجابتها الهامسة أنها لم تقم بإعداد الطعام
"طب روحي اعمليه عشان أنا جعان" قاطعها ثم تركها وتوجه ليغادرها وهو لا زال ممُسكاً بتلك الورقات التي رسمت بها لتتسع عيناها في دهشة من طريقته الهادئة وفرت بمنتهى الخوف للمطبخ بسرعة..
❈-❈-❈
"ملك الكون!!" 


تمتم ليقهقه ضاحكاً بغرفته وهو لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الضحك كلما تذكر ما كتبته واستمر في خلع ملابسه وترتيبها مرة ثانية ثم أقترب من الأوراق ليتفقد باقيتها ولكنه لم يجد بها شيئاً فوضعهم بالدرج بجانب سريره وتوجه للحمام ليستحم وأخذ يُفكر بما أخبره به الأطباء من تعريضها لمواقف مشابهة مرت عليها بالسابق لربما ستتذكر جزء من ماضيها ولكنه بنفس الوقت بم سيُذكرها؟ تعذيبه لها؟! أم تحرش زوج والدتها؟ أو حتى فقدانها لوادتها؟!..
غادر للخارج وعلى وجهه ابتسامة على ما شاهده منذ قليل واختفت ابتسامته فجأة عنـ.ـد.ما تذكر دمـ.ـو.عها وعيناها الباكيتان الذي لم يعد يستطيع أن يراها عنـ.ـد.ما ظنت أنه سيغضب عليها.. هل يمكن أنها تتذكر أيا مما فعله بها؟
هو تأكد الآن أنه يتألم لبكاءها، الآلم الذي ينفجر بداخله كلما رآها تبكي يفتك به، آلم غريب من نوعه أشـ.ـد من تلك الآلام التي واجهها على يد والده..
تنهد في حيرة من آمره وهو يرتدي ملابسه ثم جفف شعره بأحدى المناشف لينظر بالمرآه ليراه أكتسب طولاً ليزفر في سأم، لقد آخذت وقته بالكامل حتى أبسط الأشياء لم يعد يجد لها وقتاً..
فكر لبرهة بخوفها منه الذي لا ينتهي، عرف أن عليه أن يطمئنها بأي طريقة حتى تعود لطبيعتها ويكتشف ما تخطط له أو ما قد تفعله، ولكنه هو لا يستطيع التحدث لها بذلك، لا يستطيع أن يُخبرها بألا تخاف أو مثلاً يعتذر لها عما فعله ويحدثها بأنه لن يعود لفعل تلك الأشياء معها.. أو أنه كان مخطئا بأمرها.. فهو حتى إلي الآن لا يعرف حقيقة ما بينها وما بين كريم!
كما أنه لا يعرف الإعتذار والتذلل لأحد، لم يعهده بمعجم حياته، ولماذا سيعتذر لها بالأساس وهو حتى لم يتبين بعد علاقتها بكريم وهل أخطأت حقاً أم هو من أجبرها على ذلك؟! تشتت عقله كثيراً ليخلل شعره الفحمي وزفر في حيرة ثم توجه للخارج ليرى ما تفعله..
أقترب في هدوء وصمت حتى جلس على احدى الكراسي المرتفعة حول تلك الجزيرة الرخامية بمطبخه وظل يتابعها بتلك القاتمتان وهي تتحرك بسرعة وهمجية شـ.ـديدة لتنهي الطعام..
ظل يتابعها حتى غرق بتفاصيلها ليجد نفسه يشرد بمنحنياتها بتلك الملابس، لقد رآها عارية كثيراً ولكن ما الذي يحدث له؟ لماذا يتفقد ذلك الخصر المنحوت وتلك الفتنة التي تبدو بها في سروالها القصير بتلك الطريقة؟ لماذا يتطلع ذلك الإنحناء بمنتصف ظهرها الذي لم يكن به خطأ أو إعوجاج مزعج حتى قابل مؤخرة عنقها وفوقه شعرها الحريري الذي رُفع على شكل ذيل حصان وآخذ يتمايل كلما تحركت؟
بشرتها الحليبية الناعمة التي لمسها أكثر من مرة ود لو يتلمسها الآن، ود أم تمنى؟!! لا يعرف ولكن لا يستطيع أن يشيح بنظره بعيداً عن ذلك الجسد الذي يتحرك أمامه بتلقائية ثم فجأة فاق من شروده على صوت ارتطام احدى الأشياء بالأرضية ووجدها تنظر له في فزع وأنفاس مرتعدة..
"أنا.. أنا.. لسه مخلصتش" همست بخوف لينظر لها بملامح لم تستطع أن تُدرك من خلالها ما الذي يشعر به
"مسألتكيش خلصتي ولا لأ!!" تحدث في هدوء ورغماً عنه انخفضت عيناه الثاقبتان لمفاتنها أسفل ما ترتديه ليبتلع للحظة ثم أعاد نظره لتلك الزرقاوتان
"امال.. قاعد.. كده.. أنا اتخضيت!!" تحدثت في خوف ليتفقد عيناها الخائفتان
"مستني الأكل.." اجابها ثم نهض ليتصرف بتلقائية وذهب ليتفقد المبرد وآخذ احدى زجاجات المياة الصغيرة وتفاحة ليستند بخصره على الجزيرة خلفه وعاكس قدماه الطويلتان وبدأ في أكل التفاحة بيده اليمنى ليستند ساعده على ذراعه الأيسر الذي حاوط جذعه وأخذ يتفقدها وهي تنخفض بجسدها لترفع ما على الأرض وتنظف الأرضية لتتابع عيناه تلك الطريقة التي أثارته فوراً ليحمحم وحاول أن يُركز بشيء آخر..
"أنتي بتعملي أكل ايه؟!" سألها لتلتفت له في تعجب وارتباك
" لازانيا بالسبانخ والريكوتا.. ووفراخ في الفرن" اجابته بوجل واضح ليرفع هو حاجباه في دهشة متعجباً من تلك الأصناف التي تقوم بإعدادها لتحاول هي رفع خصلة انخفضت على وجهها وهي تنظر له بخوف بينما تصلبت ملامحه وتفقدها ثم قهقه بصوت عالي بنبرته الرجولية الرخيمة..
اندهشت هي لماذا يضحك بتلك الطريقة؟ أيسخر منها أو مما تفعله؟ هل يكره اللازنيا! السبانخ ربما! ولكن هذا ليس سبب لأن يضحك بمثل هذه الطريقة.. ظلت تنظر له ولتحرك تفاحة آدم بعنقه وهو يضحك هكذا لتضيق ما بين حاجبيها وقد شعرت بالسخرية اللاذعة من طريقته.
"أنت بتضحك ليه بقا؟" توقف عن الضحك وتوجه نحوها بإبتسامة ليشير لوجهها الذي قد حمل بعض بقايا الجبن التي لامست وجهها عنـ.ـد.ما رفعت تلك الخصلة فلمست وجهها أكمله تتفقده في ارتباك ليتلطخ بالمزيد من الجبن التي في يديها حتى انفجر ضاحكاً مرة أخرى لتنفعل هي فتوقف بصعوبة ثم جذبها من يديها ليقف أمام الحوض وفتح المياة وأخذ يزيل بيده بعد أن بللها بقايا الجبن بعد أن ارتجفت عنـ.ـد.ما رفع يداه لوجهها وخافت وحاولت الإبتعاد ليجد نفسه يتحدث بتلقائية شـ.ـديدة..
"متخافيش!!"
تلمس وجهها لأكثر من مرة وهو شارداً تماماً بتفاصيله التي بدأ في حفظها عن ظهر قلب.. وجنتاها المكتنزتان وشفتاها الكرزيتان وتلك السماء التي تخفيها بين جفنيها وأهدابها الطويلة، لم يعد يريد بيومه أن ينظر سوى لتلك الملامح الرائعة..
ستجن!! حتماً ستفعل!! لماذا يفعل معها كل ذلك؟ ما ذلك الهدوء الغريب؟ أيضحك؟ أحقاً يفعل؟ مثل كل الأشخاص الطبيعين أيستطيع الضحك بتلك الطريقة؟ فهي منذ أن استيقظت بذلك اليوم الغريب وهي لم تره يضحك هكذا.. واللعنة لماذا يتلمسها بتلك الطريقة؟ أليس هو من ينظر لها تلك النظرات المريبة؟ أيأتي الآن ليتحدث معها عن الطعام ويقهقه عالياً بل ويساعدها لإزالة ذلك الشيء من وجهها؟!
لماذا لم يغضب منها عنـ.ـد.ما شاهد ما رسمته؟ لقد توقعت أن يثور غضبه كما ثار غضبه من قبل مرة عنـ.ـد.ما ودت أن تتحدث معه وكان لديه الكثير من الأعمال، هي لا تنسى ذلك اليوم، لقد أنتظرته حتى يأتي ويصـ.ـر.خ عليها بوابل من الكلمـ.ـا.ت اللاذعة، ماذا يفعل معها؟ ماذا حدث له؟ على ماذا ينوي؟!!
أخذت في التفكير وتشتت عقلها لتخمن العديد والعديد من تصرفاته القادمة لتلاحظ فجأة أنفاسه الساخنة التي تنهال على وجهها وهو يحدق بعينيها التي توسعت وهي تنظر له بعد أن خفض يده التي جففت وجهها باحدى المحارم الورقية التي لم تلاحظ متى آتى بها.. ظلت تبادله النظرات، ارتباكها يُسيطر عليها، أتصرخ به؟ أتخبره بأن يبتعد عنها؟ هي تشعر بالتـ.ـو.تر من قربه ذلك، تشعر بالخوف منه، لا تستطيع أن تقترب منه لا تدري لماذا الخوف منه بداخلها لا ينتهي أبدا، والأسوأ أن هدوءه ذلك الذي استمر لأيام يجعلها ترتجف كلما فكرت بسبب ذلك الهدوء غير المنطقي.. وكيف تزوجته بعد وفاة والدتها بعدة أيام فقط؟!..
تلك النعومة التي لامسها يتمنى أن يحصل على المزيد منها ولكن تحت أي مسمى؟ تلك العينتان الذي لم يرى مثلهما بحياته يريد أن يشرد بها دائماً، لا يدري ما الذي يحدث له؟
ماذا لو قبل تلك الكرزيتان؟ لقد فعلها مرة ولكنه كان يكرهها حينها، أتوقف عن كرهها الآن؟ أيشعر بأنها بريئة تماماً؟ هل تأكد؟! لا هو لم يُصدقها ولكن لا يريد أن يبتعد عنها، فقط قبلة واحدة ليس إلا.. قبلة هادئة ليقـ.ـتـ.ـل ذلك الفضول بداخله، هي لا تبكي ولا يعذبها، إذا قبلها الآن سيكون مذاق تلك القبلة مختلف..
سيحتوي تلك الوجنتان بين كفاه وهو يقبلها بشغف.. سيتذوق تلك الكرزيتان بهدوء، سيستنشق رحيق تلك الوردة الحمراء التي تعتلي ثغرها البديع الذي لم يجده بإمرأة أخرى، سيداعب لسانها ملتهماً اياه بفمه حتى يتوقف الزمن بتلك القبلة.. ستكون الأولى والأخيرة لهما، لن يكررها، فقط مرة واحدة..
تشجع ليحاوط وجنتاها بكفيه وهو يزيح احدى الخصلات خلف أذنها وسلط نظره على شفتيها وتعالت أنفاسه التي نفذ صبرها وودت لو امتزجت بأنفاسها لتتسع عيناها برعـ.ـب من طريقته تلك وأقترب منها ليصدح جرس الفرن وتصيح هي مبتعدة عنه
"الأكل.. هيتحرق.. جاهز.. خلاص" تحدثت في ارتباك وشعرت وكأنما وجهها يحترق بشـ.ـدة وهي لا تدري لماذا!! بينما هو نظر لها في غل شـ.ـديد فلقد ابتعدت عنه بعد أن كاد يفعل ما يتخيله..
توجهت نحو الفرن مسرعة وهي تفتحه ومدت يدها لتُمسك بالأطباق الزجاجية لتتوسع عينا بدر الدين في اندهاش وتوجه نحوها مسرعاً ليجذبها من خصرها وألتفتت له هي في اندهاش وأعين متسعة وأنفاسها المتلاحقة من أثر كل ما يفعله معها لم تتركها بعد
"لأ كفاية بقا.. أرجوك ابعد عني" توسلت له وكادت عيناها أن تُدمع لينظر لها في تعجب وإعجاب في نفس الوقت بتلك الحُمرة التي كست وجهها بأكمله
"فيه حد يجيب الحاجة من الفرن بإيديه؟!" نظر ليداها العاريتان دون أن ترتدي قفاز ثم نظر لها مُضيقاً تلك السودواتان لتدرك هي أن ما أخبرها به صحيح ثم شعرت به يترك خصرها وشعر هو بإرتباكها الشـ.ـديد "يالا حطي الأكل عشان جعان" أخبرها لينهي تلك المشقة التي غرقت بها وحاول أن يشغلها بشيء آخر ولكنه لم يُفلح في إيقاف جزء بسيط من كل الأفكار التي تواترت على عقلها.
❈-❈-❈
"مش عارف يا بسنت.. بابا قالقني عليه أوي"
"اهدى بس يا فارس خير إن شاء الله.. معلش كلها اربع شهور وتنزل في نص واحد الجاي وهتعرف ايه الموضوع إن شاء الله"
"ربنا يستر، كل شوية يسألني أنا هاجي امتى.. عمره ما كان كده"
"يا حبيبي متقلقش.. اطمن وأكيد مفيش حاجة وحشة" ابتسمت له لتطمئنه ثم تلمست يده في حب ليتنهد هو وحاول أن يبتسم لها
"إن شاء الله.. على فكرة أنا هفاتحه في موضوع جوازنا.. وممكن نتجوز على نص السنة الجاية.." اتسعت ابتسامته لتعقد بسنت حاجباها
"مش قولت هتأجل الجواز كمان سنتين.. ايه اللي حصل كده فجأة؟!" سألته بتعجب
"بصراحة مبقتش قادر اصحى كل يوم ومشوفش الوش الجميل ده جنبي ولا الضحكة الحلوة دي لما ارجع من شغلي.. مبقتش قادر استنى أكتر من كده" ضحكت هي لكلمـ.ـا.ته
"آه.. يعني من الآخر كله استغلال.. لكن مش عشان بتحبني مثلاً"
"بردو.. أمال أنا لو مش بحبك كنت هاقول كده.." أخبرها في لوم وتصنع الحزن لتلامس هي وجنه في رقة
"بهزر معاك يا حبيبي.. خلاص نص السنة الجاية وماله.. قولي بقا هتقول لباباك ايه علينا.."
"بصي يا حبيبتي.." أخبرها بكل ما سيقوله لوالد ولأسرته لتستمع هي له في ابتسامة وهي تحدق بتلك الرماديتان اللاتي آسرتا قلبها منذ سنوات..
❈-❈-❈
"أنت بردو لسه مقولتش لأهلها؟!" تحدث كريم في غضب
"ده أنا لسه قايلهم من مفيش شهر.. اصبر شوية.."
"وأنا بقا هافضل اديك في فلوس واستنى.. أنا عايز نتيجة لكل ده" ازداد انفعاله ليشعر يُسري بطريقته التي تغيرت للغاية
"أكيد طبعاً في نتيجة.. بس ازاي هاقولهم إني عرفت كل ده بالسرعة دي.. لازم نستنى شوية يا إما ممكن يشكوا في إني أعرف حد بيقولي على كل اللي بيحصل.."
"ما تقولهم إنك بتدي اي حد من الشغالين فلوس عشان يعرفك، اتصرف ولا اعمل اي حاجة!"
"لا طبعاً استحالة.. مش عايز احسسهم إني ممكن أعمل كده.."
"يعني هتقولهم امتى أنا عايز أفهم؟"
"اديني تلت أسابيع لو متحركوش هكلمهم على طول"
"ماشي ولو محصلش.. هاخد منك كل فلوسي دي وكمان بأثر رجعي.."
"بس اسـ.." لم يستطع يسري أن يُكمل ما ود قوله عنـ.ـد.ما أنهى كريم المكالمة التي لم يكن يعرف أن كل ما تحدثا به سيصل لبدر الدين ليبتسم يُسري متهكماً وآخذ يُفكر
"هتموت اوي عليها.. تستاهل بصراحة.. البت ايه عليها جـ.ـسم يشيب، يالا أهي كلها يومين وهترجع للمرمطة تاني.. وتبقا توريني بقا مين هيوقفلها، ده أنا ما صدقت خلصت من أمها.. هيطلعلي جوزها ده كمان، بكرة يجيلي برجليه ويرميها عندي وساعتها مش هارحمها" ابتسم بخبث وهو يُفكر فيما سيفعله وآخذ يخطط له..
❈-❈-❈
لا يستطيع التركيز بعمله، لقد أصبحت كل ما يُفكر به بل ويتخيلها حتى وهو بإجتمعاته، لا يريد أن يبتعد عنها ويهرول عائداً لمنزله كل يوم فقط ليحظى بالمزيد من الوقت معها ويرها تتحرك أمام عيناه، تطهو أم ترسم أم تفعل أي لعنة ولكن لا يريد الإبتعاد، لم يعد يستطيع فعلها.. ولكنه كذلك خائفا ما إن تذكرت كل الأحداث التي مرت بينهما.. يشعر بالخوف من مشاعره التي باتت تنهمر من قلبه تجاهها منذ تلك الليلة المشؤومة التي تركها بها بمنزل ذلك الحقير، كما أنه يشعر بالخوف ما أن تذكرت عذابه لها..
لقد أصبح متيماً بذلك الطعام الذي تعده له، بتلك الأشياء البسيطة التي تتلمسها يدها ليأتي هو بعدها ليتلمس تلك الأشياء، لا يعرف من أين له بكل ذلك وهو إلي الآن لم يكتشف أي شيء عما فعلته مع كريم، لا زال يستمع لمكالمـ.ـا.ته التي تؤكد له أنه لا زال يريدها ويُفكر بها، لماذا إذن يشعر بكل تلك المشاعر لها؟
ماذا لو ظلمها بكل شيء؟! أيستطيع أن ينظر لها بعينيها وقتها؟ أيستطيع أن يواجهها؟ أهو يشعر بالخوف من الآن لمجرد تخمين؟!
وكأنه يريد أن يستمتع بتلك اللحظات قبل أن يكتشف الحقيقة، يُكسب نفسه وقتاً ويشعر بتقاعصه عن إكتشاف الحقيقة حتى لا تذهب بعيداً عنه، ماذا سيفعل بها إن كانت قد اتفقت مع كريم بطريقة أو بأخرى، هل سيعذبها؟ هل سيطـ.ـلقها بعد شهور كما أخبرها؟ أيود حقاً أن يتركها ويبتعد عنها؟
عقله قد جُن من كثرة التفكير ويشعر بأنه لا يريد أن يواجه نفسه بالعديد من الحقائق التي يراها أمام عيناه والتي يشعر بها من طريقتها التي تبدو دائماً مسالمة وبريئة وعفوية ولا تحمل أي ضغائن أو مخططات.. لو فقط لم يستمع لها وهي تنطق بذلك الكلام لكريم واكتشف بأي طريقة أخرى لكان الوضع مختلف..
ابتسم شارداً وهو يتذكر وجهها أمس عنـ.ـد.ما فاجئها بأدوات للرسم وهي تنظر له في غير تصديق وبنفس الوقت بخوف أن تقترب منه ليشجعها هو ثم أشار لما أحضره وتركه على الأريكة بغرفتها وغادرها ثم نظر بكاميرات المراقبة ليراها تبتسم في فرحة وهي تتفقد ما أحضر لها وشرعت في الرسم وظلت جالسة حتى ساعة متأخرة من الليل وهي ترسم ونهضت بعدها لتتوجه لسريرها ونامت في ثوانٍ.. لا يُصدق أن شيئاً مثل هذا قد أسعدها بتلك الطريقة..
"سرحان في ايه يا بدور؟" قاطعت شاهندة شروده ليوصد شاشة حاسوبه مسرعاً الذي يراقبها عليها
"إيه.. شغل مش أكتر" اجابها عاقداً حاجباه وتصنع الجدية على ملامحه
"وبقيت بتسرح خلاص في الشغل وأنت مبسوط كده وبتضحك، على شاهي بردو؟" عقدت ذراعيها ثم غمزت له
"يووه بقا.. عايزة ايه يا شاهندة دلوقتي؟"
"على فكرة لسه زعلانة منك عشان محكتليش ايه حصل بينك وبين نور.. وبردو عشان مبتجيبهاش وتيجي تقعد معانا"
"أنتي عارفة إني مش هاحكيلك.. مش كده؟" نظر لها بثاقبتيه تلك لتتنهد هي في غلٍ ولكن دون إضماره حقاً
"عارفة.. عارفة.. هو أنا هتوه عنك.. يالا ما علينا.." جلست على الكرسي أمام مكتبه ثم ناولته جوازان السفر الخاصان به هو ونورسين "اعمل حسابك بقا إننا مسافرين بكرة، وهنرجع آخر الأسبوع الجاي؟!"
"نعم!! سفر ايه؟" اندهش وهو يتفقدها في تعجب
"سفر، تغيير جو، واحدة وجوزها هيسافروا هما وأخوها ومـ.ـر.اته الصغنونة اللي اتنكد عليها في اول جوازها"
"لا يا شاهي مفيش سفر"
"لا يا بدر بقا حـ.ـر.ام عليك.. أنا حجزت والتذاكر جاهزة وهنسافر أنا وأنت ونور وحمزة.."
"يوو بقـ.."
"لا بص مش هسمع منك رفض" قاطعته ثم نظرت له بإنفعال وتوسل بآن واحد "يعني يا بدر أنت اتجوزتها وسكتنا، روحت وديتها لجوز أمها وأنا معملتش حاجة وقاعدة بكلمك أهو وعلى قد ما أنا متغاظة منك ونفسي فعلاً مكلمكش بس قلبي مش هيطاوعني.. البنت يا بدر لسه صغيرة.. من حقها تفرح وتتبسط، وكلها اسبوعين ودراستها هتتبتدي.. والنبي توافق عشان خاطري.. أنت عارف أنا بحبها ازي وبالنسبالي نور تبقا ايه.. أرجوك مترفضش" زفر بحنق وضيق بالغان وسلط نظرته عليها لتبتسم شاهندة بعدما شعرت بموافقته فهي تعرف أنه لن يرفض طلبها
"ابقى خد هدوم بحر لأننا مسافرين المكسيك" غمزت له ثم فرت مسرعة خارج مكتبه قبل أن يغير رأيه..
❈-❈-❈
ابتسم وهو يشعر بالإمتنان الشـ.ـديد لتلك الزجاجة التي جعلته ثملاً بهذا الشكل ولا يستطيع التحرك وإلا سيذهب ليقبل تلك الشفتان بمنتهى النهم ولن يستطيع أن يمنع نفسه عنها..
احتسى المزيد ثم أوصد عيناه وهو يتذكر ابتسامـ.ـا.تها البريئة وشعر بالترنح وعدم تركيزه غير بتلك الإبتسامة أما عن ابتسامة اليوم عنـ.ـد.ما أخبرها بأنهما سيسافران مع شاهندة وزوجها التي اضطر أن يخبرها بأنها كانت صديقتها وكانت تمكث معها بعد موت والدتها لن يستطيع وصفها بالكلمـ.ـا.ت..
من أين لها بتلك البراءة؟ إذا كانت حقا لا تتذكر شيئا.. كيف لها أن تفرح لمجرد خبر كهذا؟! أهي حقا بهذه الطفولة؟ أم ذلك يحدث بسبب فقدانها لذاكرتها وما حدث إليها؟
مد يده ليضع الزجاجة على المنضدة المقابلة للأريكة بغرفة مكتبه لتسقط متهشمة ودوى صوت الزجاج الذي ارتطم على الأرضية الرخامية ليعقد حاجباه في سأم بعد أن فتح عينه لينظر لما فعل ولكنه لم يكترث وأراح جسده بالأريكة خلفه ليبتسم موصداً عيناه مجدداً وشرد في تفاصيلها..
"أنت كويس.. ايه اللي حصل؟" صاحت نورسين لتنظر له ثم لبقايا الزجاج التي تناثرت على الأرض ثم تفحصته في ارتباك لقميصه المُهمل بتلك الطريقة التي كشف بها صدره العاري ووجدته ينظر لها بأعين تبدو عليها التعب ثم تفقدها وملابسها التي ارتدتها تبدو مثيرة للغاية على جسدها ليحاول النهوض بصعوبة ولكن لم يستطع من شـ.ـدة ثمالته فتوجهت نحوه على خوف وهي تتفقد ما إن استطاعت مساعدته لتشهق في فزع عنـ.ـد.ما جذبها سريعاً لتجد نفسها مرتمية بجانبه على الأريكة فعدلت من جلستها وهي تحاول النهوض
"متقوميش استني" تحدث بصعوبة ثم ابتلع محدثاً جلبه في عنقه وجذب خصرها لتقترب منه رغماً عنها لتتعالى أنفاسها في خوف وبرأسها قد عصف الكثير والكثير مما قد يفعله معها في تلك الحالة التي ظهرت عليه..
"لو سمحت سيبـ.."
"هشش.." قاطعها ثم وجدته يستند برأسه على كتفها الأيسر وذراعه الأيمن حاوط خصرها بقوة "أنا عايز أنام.. متقوميش" همس وهو بالكاد استطاع ان يتحدث وانهالت جفونه لتحتوي تلك الظلمة بعينيه وذهب في النوم..
"ايه ده.. هو بيعمل كده ليه؟" تحدثت بداخلها وهي تتعجب من طريقته التي كانت جديدة عليها تماماً فهو لا زال يفاجئها بالعديد من تصرفاته الغريبة التي لم تستطع تفسيرها.. ومن أين لها بذلك وقد فقدت أحداث آخر سنتين تماما، هي حتى لا تذكر أنها تعاملت مع رجل غريب عنها من قبل

نظرت للأرضية وأخذت تتمعن في الزجاج المهشم الذي تبينت أنه يخص احدى زجاجات الخمر ثم نظرت له تتفقده لتدرك أنه ثملا وقد هشم تلك الزجاجة..

تفحصت ملامحه التي لم تكن جادة وصارمة مثلما عهدته.. لقد أصبح هادئاً معها كثيراً بتلك الأيام السابقة، ولكنها لن تأمنه أبداً فقد يغضب مرة ثانية. فيكفيها غضبه أمامها بذلك اليوم الذي طلبت منه الحديث إليه أثناء عمله..

تنهدت وهي تطالع تفاصيل ملامحه الرجولية بشعره الفحمي الذي لم يحمل غير سواد الليل لتقارن بينه وبين ذقنه التي تجمع بها الشعيرات البيضاء فضيقت ما بين حاجبها وهي تستغربه للغاية.

ملامحه هكذا مسالمة، لا يبدو مثل ذلك الرجل الذي يخيفها.. لن تنكر أن إقترابه منها بذلك التلاصق الشـ.ـديد يُشعرها بإرتباك لم تشعر بمثله يوماً، هو فقط كلما أقترب منها تزايدت خفقات قلبها وأخذت تنبض بجنون ولكن هذه المرة تشعر بالإختلاف.. فهو ليس مستقيظاً وفي حالة ثمالة!!

" هو ممكن لو سـ.ـكـ.ـر.ان يتعصب عليا زي اليوم التاني ده؟" سألت نفسها ثم ارتابت لتعض على شفتيها بحيرة "أنا احسن حاجة اعملها ابعد واروح اوضتي" تحدثت داخل نفسها وحاولت التحرك بهدوء ولكنه لم يدعها..

"متقوميش" همس بنبرة ناعسة لتتـ.ـو.تر هي فلماذا يريدها ألا تغادره..

"أنا.." حمحمت ثم لم تدري بم عليها إخبـ.ـاره ليدعها وشأنها "أنا هلم الأزاز اللي اتكسر بس" همست له وهي تحاول أن تقنعه كي تبتعد عنه لتسمعه يهمهم بإنزعاج فتفدته وهو عاقداً حاجباه

"سيبيه.." همس بإرهاق "بس.. بابا.. هيضـ.ـر.بنـ.." همس مجدداً لتتحول ملامحه للضيق الشـ.ـديد أو لربما الخوف، هي لا تدري.. أحقاً يشعر بالخوف من أبيه الميت؟!

لمس قلبها القليل من الشفقة عنـ.ـد.ما رآته بعينيها ليبدو كالطفل الصغير وشعرت بالحزن لآجله.. ولكن فجأة ومض بعقلها بعنف آلم رأسها صورة له وكأنهما بمفردهما وهي تعاني من الحمى أو مريـ.ـضة على سرير ما، وقد كان نائماً يهلوس أمامها ربما أو يتحدث وهو نائم قائلاً "هيموتني.. أنا.. خايف"

أقتربت منه وهي تتفحصه، هناك ذكريات تحملها حقا معه.. بالرغم من أن مظهره مخيف وأي احد قد يهاب تلك الملامح ولكنها تتذكر الآن نطقه لها بتلك الكلمـ.ـا.ت، ولكن أين كانا وقتها؟ لا تدري ماذا حدث له بالسابق ولا ما حدث لها معه، لا تعرف شيئاً غير ما أخبرها هو به والذي لم يكن كثيرا وكان في غاية الإقتضاب.. تنهدت في حيرة وهي لا تعرف كيف لها أن تحدد ماهية مشاعرها تجاهه خوف أم شفقة أم ارتباك لوجود هذا الغريب بجانبها.

لاحظت جبينه يلمع من قطرات العرق الواضحة عليه التي انسالت أسفل احدى خصلاته الفحمية التي جذبتها بشـ.ـدة خاصة وأنها تعشق الشعر الطويل الفحمي، تمنت لو أنه لا يقصره أبدا وكما بتلك الصور العديدة المُعلقة بالمنزل.. فهي تراه هكذا أفضل، لماذا تُفكر كيف يبدو على كل حال؟!

تضاربت مشاعرها وجالت زرقاوتاها بملامحه وهي لا تستطيع التحرك وبدأ كتفها بالشعور بالإرهاق من ثقل رأسه لتحاول التحرك من جانبه مرة أخرى ليهمهم بإنزعاج لتتنهد هي في قلة حيلة فهي لا تعرف ماذا تفعل!!

"ممكن طيب تقوم تنام في أوضتك؟" همست له وهي تتطلع ملامحه في براءة

"مش قادر.." همس بتعب مجيباً اياها وشـ.ـدد من محاوطة خصرها بذراعه

"طيب أنا هساعدك" أخبرته ونهضت بأعجوبة لتجده يعود لتلك الهمهمـ.ـا.ت المنزعجة مرة أخرى وحاولت جذب يده ولكن بلا جدوى..

بالكاد استطاع أن يرى بين جفناه المغلقان ليلاحظها أمامه في ذلك السروال القصير الوردي الذي شابه قميصها أيضاً ثم ابتسم في بلاهة وابتسامته تعالت لتصبح قهقهة تعجبت لها نورسين

"فاكرة هتقوميني.. مش هتقدري اصلاً" أكمل ضحكاته لتدرك أنه لا يعي ما يقول لتتآفف من ضحكاته الساخرة لتجده ينهض بصعوبة فتوجهت هي نحوه عنـ.ـد.ما رآت جسده يترنح لتسانده على الفور ليتكأ هو على كتفيها بتلقائية مستنداً بذراعه الأيمن وألقى بثقل جسده بأكمله عليها لتشعر هي وكأنها ستسقط لا محالة ولكنها تماسكت قدر الإمكان..

"أنا عايز أنام.." همس بنبرة ناعسة بينما هي حاولت التوجه معه لغرفته

"هتنام اهو.. اوصل بس لغاية الأوضة" أخبرته وهي تعمل على ألا يسقطا سوياً وبصعوبة وصلت للغرفة وهو يترنح ناعساً ثم دلفت الغرفة لتضيء الأنوار ثم توجهت معه بالقرب من السرير ليرتمي هو بجسده عليه وبمنتهى المشقة رفعت ساقاه وخلعت حذاءه ثم توجهت لتغادره بعد أن لمحته سريعاً وهو لا يزال في حالة الثمالة تلك..

"استني.." اوقفها صوته لتبتلع لا تدري خوفاً أم تـ.ـو.تراً والتفتت إليه "تعالي.." همس بنبرته الناعسة التي لم تآلف غيرها في الدقائق المنصرمة الماضية والتفتت لتراه يستند على ساعداه ويحاول أن ينظر لها بين تلك الخصلات التي تدلت على عيناه لتجد ملامحه تلك تزيد من خفقات قلبها لتتلاقى أعينهما لبرهة "قلعيني"

صُدمت مما أخبرها به، ماذا يريد منها الآن؟ ألا يستطيع هو أن يخلع ملابسه.. نظرت له بتمعن لتراه ثملاً للغاية وجفناه لا يتوقفا عن الإغلاق ثم ارتمى بجسده على السرير لتفكر هي ماذا لو تركته ولم تستمع لكلمـ.ـا.ته؟ أسيغضب عليها؟! أم هي.. هي زوجته بالنهاية أليس كذلك؟!

"ثواني هقلعوا وامشي" تحدثت لنفسها وتوجهت نحوه دون أن تنظر له وخلعت قميصه بصعوبة بالغة وأنفاسها تتلاحق لا تدري خوفاً أم ارتباكاً من اقترابها من صدره العالي بتلك الطريقة ثم وضعت القميص على سريره وتوجهت لتغادر ولكنه عقد قبضته حول يدها

"والبنطلون.." همس لها لتنظر له في دهشة واتسعت زرقاوتاها وهي تنظر له ليهمهم بإنزعاج ونبرة ناعسة "يالا عايز أنام!"

تصلبت في مكانها وهي حقاً لا تعرف ماذا تفعل فهي لم تكن مع رجل قد طلب منها هذا من قبل، كل شيء معه كان جديد عليها، طريقته وغضبه هدوءه لأيام بملامحه الجـ.ـا.مدة، كلمـ.ـا.ته المقتضبة ثم حنانه وهدوءه بشكل لائق، تصرفاته غير المفهومة تجاهها، كل هذا يُحدث زوبعة جديدة عليها لم تختبرها أبداً.. كيف تزوجت من هذا الرجل على كل حال؟

ترك يدها ثم توجه وجهه يميناً ويساراً وعقد حاجباه وزفر بعدم راحة ليرق قلبها تجاهه فهي لم تتعود أن ترى من يعاني أمامها ولا تساعده.. لم يكن هذا متواجداً بقاموس مشاعرها تجاه أياً كان، بالرغم من طريقته الغريبة معها وعدم اطمئنانها معه ولكنها وجدت نفسها تشفق عليه..

توجهت وهي تُفكر كيف ستساعده بخلعه بنطاله فاقتربت بأيد مرتجفة لتحل ذلك الزر الأعلى لسرواله وكذلك سحابه بأطراف أناملها ولكنها حاولت السيطرة على تلك الأنفاس المتلاحقة التي واتتها عنـ.ـد.ما تلمست عضلاته الصلبة اسفل معدته وهرولت لنهاية السرير حتى جذبت البنطال من أسفل قدماه حتى لمحته وهو يستقر أمامها بسرواله الداخلي فقط فتركت البنطال بسرعة وهرولت للخارج وأطفأت الأنوار ليوقفها مرة ثانية

"استني.." صاح لها ونبرته الناعسة تبدو منهكة بشـ.ـدة..

"نعم.." ارتجف صوتها وهي لا تدري ما هي تلك النهاية لتلك الليلة الغريبة

"تعالي.." اقتربت منه وهي تتمنى أن يكون ما سيقوله هو النهاية حتى تستطيع النوم بينما هو مد يده لها وما أن لمسها حتى جذبها بكل ما امتلك من قوة حتى ارتمت بجانبه على السرير لتشهق في صدمة ومفاجأة لتجده ينام محتضناً اياها وكأنه يخاف أن يفقدها في زحام شـ.ـديد بينما هي ارتجف جسدها وتعالت أنفاسها في خوف..

"أنت.. بتعمل.. ايـ.."

"هشش" قاطع تلعثمها

"طب.. طب سيبني.. أشيل الهدوم" تكلمت بإرتباك لتشعر بساقه تزيح الملابس على الأرض

"لأ سيبيني أنام يا نوري.." أراح رأسه على صدرها وحاوط خصرها مطبقاً عليه بذراعاه القويتان ليغمض عيناه ليزفر منزعجاً "بابا هيضـ.ـر.بني على الهدوم.." تحدث بنبرة خائفة وبعدها بدأت أنفاسه في الإنتظام بينما تركها هي في حيرة وارتباك وهي لا تدري ما كل تلك التصرفات الذي يفعلها..

حاولت أن تلمحه في تلك الظلمة على ضوء القمر المتسلل من الشباك لتتهاوى دمعة من عيناها وهو تتذكر ذلك الأسم الذي ناداها به لم يناديها به غير والدتها من قبل..

لأول مرة تكون بهذا القرب من رجل، يحتضنها بتلك الطريقة، ذراعاه يأسرانها وكأنها ستبقى باقي حياتها بينهما، هدأت خفقات قلبها قليلاً لتشعر بخاصته المنتظمة ولأول مرة تشعر بخفقات قلب أحد غير والدتها..

تفقدت ملامحه التي قد اختلفت كثيراً وبخجل وخوف شـ.ـديد مدت كفها لتزيح احدى خصلاته التي انسابت على جبينه وهي تُفكر

"هو يعني عشان سـ.ـكـ.ـر.ان بيعمل كل ده فجأة؟!" وقعت في الحيرة ثم قررت بداخلها

"ما هو مفيش غير الحل ده.. بس أنا هنام ازاي دلوقتي كده جنبه؟!" وقعت بالمزيد من الحيرة والخجل أيضاً عنـ.ـد.ما تفقدت صدره العاري وذراعاه وشعرت بساقاه العاريتان يلتفان بين ساقيها لتتنهد في قلة حيلة لتدرك أنها لن تستطيع النوم أبداً طالما هو بجانبها ولكنها أوصدت عيناها لتستنشق تلك الرائحة الغريبة التي تلاحظها كلما أقتربت منه لتتذكر فجأة متى اشتمت تلك الرائحة وومض عقلها وهي تشعر بآلم كالصداع لتتذكر احدى الأحاديث من اخته ووالدته التي أخبرها عنهما اليوم من خلال الصور ورائحته تسللت بداخلها بقوة شـ.ـديدة..

كانت تقف بمكان ما كمكتب بمنزل هي لا تدري وكان وجهها يبدو حزينا، ولكنه لا تزال تشتم رائحته وتذكرت والدته وهي تُحدثها وكذلك أخته وآلم رأسها يزداد بعنف شـ.ـديد

"بصي يا بنتي، بدر ابني راجـ.ـل صعب، مش هاقولك إنه سهل أبداً، بس أنتي تقدري عليه، عارفة ليه؟! عشان أنتي طيبة وقلبك أبيض وهو على قد ما و عصبي بس حنين أوي.. عارفة إن ما بينكم فرق سن كبير، وعارفة إنه شكله أحياناً بيكون مخيف ويرعـ.ـب بس هو خلاص بقا جوزك ودي بقت حياتكو.. بدر لما حد بيعامله بحنية بيحبه أوي، واللي بيستحمله في الأول بيلاقي إنه غلبان أوي وساعتها بدر بيمسك فيه بإيديه وسنانه"

"أنا لسه فاكرة أول يوم شوفته فيه، كانت تصرفاته عدائية جداً، مكنش عايز حد يقرب منه، فضل يكسر في اوضته لغاية ما قربت منه وفضلت أكسر معاه كل حاجة.. استغربني في الأول، كان فاكرني هزعقله، كان رافض يتعامل معايا خالص، بس بعد ما خلصنا تكسير ورمينا كل حاجة على الأرض قعد جنبي وهو بينهج وقالي أنا عايز ارجع لماما.. قولتله وأنا كمان!!"

"ليه أنتي مامتك فين؟!" نظر لها ذلك الطفل بتلك المقلتان اللامعتان

"مامتي بعيد اوي في بلد تانية"

"بس انتي كبيرة وتقدري تروحيلها، لكن أنا بابا مش هيخليني امشي" ارتسم الحزن على ملامحه

"مين قالك إني مقدرش.. أنا لازم أكون موجودة هنا عشان بحب باباك، وبحب اخواتك شاهي وهديل وكمان عشان بحبك.. مش معنى إننا نقدر نعمل حاجة يبقا نعملها، يعني مثلاً أنا ممكن أكسر معاك كل اللعب دي وممكن نفركش السرير مع بعض، لكن ده مش المفروض نعمله تاني.." أقتربت منه على حذر وجلست بجانبه ليطالعها ويتفقد ما تفعله "تفتكر بابا جابك ليه؟"

"عشان هو مبيحبش ماما وعايزني ابعد عنها" اجاب بتلقائية شـ.ـديدة

"لا يا حبيبي.. هو جابك هنا عشان الناس اللي بتحبك، أنا وشاهي وهديل وهو كمان بيحبك.. أنت كنت عند مامتك بقالك فترة كبيرة، والدور علينا بقا ولا عايز الناس اللي بتحبك متقعدش معاك؟!" توسعت عيناها وهي تنظر له في براءة ثم أكملت "كلنا طلبنا من بابا إنه يجيبك هنا عشان نلعب سوا وعشان تقعد مع شاهي وهديل شوية وعشان أنا بحبك اوي ونفسي كان يبقا عندي ولد جميل اوي زيك كده.. وأنا أوعدك إنك هتشوف مامتك تاني بس بعد ما تقعد معانا شوية
"

"بجد يا طنط؟!" تعجب وتوسعت عيناه في دهشة

"بجد يا حبيبي، بس على شرط.. تقولي يا ماما نجوى وأنا أعملك كل اللي أنت عايزه" ابتسمت له لتجده يهرع نحوها يعانقها

"أنتي طلعتي طيبة أوي يا ماما نجوى وأنا هاسمع كلامك عشان أشوف ماما تاني"

"وأنا بحبك أوي يا حبيبي.. وهخليك تشوف مامتك وكتير كمان، بس يالا بقا بسرعة نوضب الأوضة الجميلة دي لحسن شاهي وهديل هيجوا كمان شوية ولازم اوضتك تبقا حلوة زي اوضتهم.. هتساعدني؟!" أومأ في صدرها لتربت هي على ظهره وتنهدت في حزن على ذلك الصغير.

عاد عقلها ليـ.ـؤ.لمها بعنف وهي بجواره تنظر له في صدمة اعترتها بتذكر حديث والدته عنه وهو طفل صغير لتتذكر المزيد من ذلك اليوم

"ليه اتجوزتيه؟ ليه مقولتليش إنكو حبيتوا بعض؟ ليه اتسرعتي كده من غير ما ترجعيلي؟"

عقدت شاهندة ذراعيها وهي تتحرى الصدق بتلك الزرقاوتان لتتنهد نورسين ووقفت ظهرها مواجهاً نفس الباب الذي دلف هو منه وسمع ما قالته شاهندة بينما هي لا تدري لماذا اعترتها تلك القشعريرة بجسدها وكأنما توقفت شعيرات جسدها بالكامل، أهذا هو عطره؟! أتلك هي أنفاسه التي تُربكها؟

"اتجوزته ليه!! مش عارفة أرد على سؤالك يا شاهي ازاي.. كلامي عايزله كتب عشان يكفي.. بس هحاول أجاوبك.."

"اتجوزته علشان بدر الوحيد اللي حسسني إن أبويا ممـ.ـا.تش وعوضني عن وجود الأب بحنيته وحمايته وخوفه، علشان شوفت إن في كل مرة اتعصب عليا فيها كان خايف عليكوا أوي وكان نفسي في حد يخاف عليا ولو ربع الخوف ده ويحبني كده، أنتي أو زياد أو حتى ماما نجوى وهديل كان بيخاف عليكم مني عشان لسه داخلة بيتكم ولسه مش عارفني.. فاكرة يوم ما جوز ماما الله يرحمها جه هنا هو اللي وقفله معاكي ودافع عني وحماني وخلاه يمشي وميجيش تاني.. لو بس تشوفيه وهو قاعد جنبي في لندن يوم ما تعبت وسهران جنبي لغاية ما اطمن إني كويسة هت عـ.ـر.في أنا اتجوزته ليه، حبه اللي بيبان جوا قسوته وعصبيته حسيت إني عمري ما هلاقيه أبداً في أي راجـ.ـل تاني.. على قد ما كان شاكله كارهني في الأول بس لما عرفت إنه اللي شالني وساعدنا يوم وفاة ماما ابتديت أعرف قد ايه هو حنين وعمري ما هلاقي في حنيته..

ت عـ.ـر.في يا شاهي واحنا في لندن، دي كانت أول مرة اروح الملاهي من يجي ست سنين، يمكن ماما مكانتش واخدة بالها إن لسه جوايا طفلة وعيلة صغيرة بس بدر طلع الطفلة اللي جوايا تاني وعرف ازاي يحببها فيه"

"الفرحة اللي عيشتها معاه اليومين دول كانت أحلى أيام في حياتي.. خلاني نسيت إني يتيمة الأب والأم، خلاني انسى قذارة يُسري، خلاني أشوف مين بدر الدين بجد مش الراجـ.ـل اللي بيزعق وبيتعصب.."

"عارفة لما بيلمس ايديا بإيده الكبيرة دي بحس إني مش على بعضي بس في نفس الوقت فرحانة ومش خايفة وبحس إن مجرد وجوده جنبي بيحميني، لما وقف قدام الناس وقال إني مـ.ـر.اته وبيحبني حسيت إني عمري ما هخاف وهو جنبي وإن محدش يقدر يقربلي تاني طول ما هو موجود.. كلامك عنه، وكلام ماما نجوى عنه أكدلي إني اخترت صح وإن عمري ما كنت ممكن ألاقي راجـ.ـل زيه.. عرفتي يا شاهي اتجوزته ليه أول ما عرض عليا الجواز؟!" فتحت عيناها لتجفف تلك الدمعات التي تهاوت على وجهها لتومأ لها شاهندة في حب وتوجهت نحوها تحتضنها

"ربنا يسعدكوا يا حبيبتي وأتأكدي دايماً إني جنبك مهما حصل ومش عايزاكي تخافي من أي حاجة.. وأي حاجة تحتاجيها اطلبيها مني وعمري ما هتأخر عليكي.."

توقف ذلك الآلم برأسها بأعجوبة.. هي تتذكر الحديث بينها وبين والدته وأخته، تشعر حقا أنها تعرفهما، تبدوان طيبتان وحنونتان للغاية، ولكن لماذا ازداد خوفها منه هكذا؟! لماذا تشعر بأنه قاسي للغاية ومخيف؟ رمقته في الضوء الخافت بالغرفة وابتلعت في حُزن وهي حقا لا تتذكر المزيد من ذلك اليوم.. هل حقا سافرا بمفردهما؟ هل ذهبا سويا لمدينة الألعاب كما أخبرت اخته؟ هل تُحبه فعلا مثل ما قصت لأخته؟

هي تتذكر الحديث ولكن الأحداث لا تستطيع تذكرها!! مهلا.. كلمـ.ـا.تها تدل على أن يُسري فعل شيئا ما، ولكن لماذا بداخلها مشاعر متضاربة بين الخوف منه والشفقة عليه؟!

أخذت تحاول بصعوبة أن تتذكر المزيد ولكنها لم تستطع وكذلك حاولت الإفلات منه ومن ذراعه الثقيلة للغاية كي تتركه وتذهب فهي ليست بمعتادة على النوم بجانب رجل ولكنها فشلت تماما ولم تنجح بالأمر فظلت تنظر إليه إلي أن سقطت في النوم

❈-❈-❈


فتح عيناه بصعوبة شاعراً بصداع يهتك رأسه ليدرك أنه يرى نهدان لم يرى مثلهما من قبل.. أهو يحلم؟! رفع حاجباه وحاول الابتعاد برأسه للوراء قليلاً ليستطيع تفحص المزيد منهما ثم عقد حاجباه ليدرك أنه قد رآى تلك البشرة الحليبية من قبل فرفع رأسه ليرى نورسين نائمة وخصلاتها الحريرية قد تبعثرت حولها ووجنتاها تلك يغريانه بشـ.ـدة على أن يلتهمهما قُبلاً إلى أن يتضاعف حجمهما..

نظر للأسفل ليجد ذراعاه تحاوطها ووجد نفسه عارياً بجانبها.. أهي حقاً من تخلصت من ملابسه؟ لا يتذكر.. ما الذي حدث ليلة أمس؟! نهض قاعداً وهو يدلك رأسه ثم آخذ مسكناً من الدرج جانبه ليزيل ذلك الصداع اللعين ثم نظر لها مرة أخرى ليشرد بملامحها وشعر بالضياع تماماً فهو لا يدري ما الذي يفعله بها..

أعليه البداية معها من جديد وخير له ولها أن تناست كل شيء وعليه هو الآخر أن يتناسى أم أنها تخدع الجميع؟ هو لا يدري ولا يعلم!!

وجهها ذلك البريء لم يعد يستطيع الإبتعاد عنه، لا يمر يومه من دونه، ماذا لو قد اكتشف شيئاً ما عنها؟ أسيفقد تلك اللحظات التي ينظر لها بها؟ أسيغضب عليها مجدداً؟ حسناً، هي لا تبدو مثل والدته، كل ما تفعله يشير إلي أنها بريئة تماماً، أما ذلك الجمال الرائع الذي لم يراه بإمرأة أخرى فهو يجعله مشتتاً، كم يتمنى لو أنه فقط قضى معها ليلة واحدة.. ليلة واحدة سيجعلها تستمر إلى أن تغادر روحه جسده!

أقترب منها لتلامس شفتاه وجنتها التي تشربت بالحُمرة ولكنه حاذر أن يوقظها ثم توقف فوق تلك الكرزيتان الذي يتمنى أن يتذوقهما بكل مرة ينظر إليها..

أتنظر له السماء أم هو يحلم؟! أيُمكن أن يخفي إنسان السماء بين جفناه؟ مم صنعت تلك الفتاة؟ لماذا ألقى القدر بطريقه كتلة الجمال تلك؟ أحقاً تبدو السماء خائفة أم هو يتخيل؟

"لو.. سمحـ.." تلعثمت وأنفاسها تلاحقت في ارتباك من قربه المفاجئ فهي لم تتوقع أنه سيكون بذلك القرب منها عنـ.ـد.ما تستيقظ.. لقد ظنت أنه سيكون غاضباً وسيتركها، لقد كان ثمل ليس إلا!!

"صباح الخير.. ممكن تعملي فطار قبل ما نسافر؟" سألها بهدوء وتلك الثاقبتان تصرخ حزناً وآلماً كي لا تترك تلك الزرقاوتان لتضيق هي ما بين حاجبيها في تعجب واستغراب لطريقته الهادئة وملامحه الجديدة عليها التي تتغير كل يوم عن ذي قبل لتومأ له وهي تحاول أن تنظر بعينيها بعيداً عن تلك الظلمة التي تـ.ـو.ترها للغاية بينما هو عقد ما بين حاجباه في انزعاج لتهرب تلك السماء من أمامه ونهض مغادراً لحمامه لتتفقد هي جسده بعينيها وهي تشعر بالخجل الشـ.ـديد ولا تدري لماذا ابتسمت رغماً عنها وتوجهت مسرعة لتعد الإفطار ولن تنكر أنها شعرت بالحماس والسعادة لأنها سترى شاهندة اخته التي اخبرها عنها وتذكرت بعضا من حديثها معها ليلة أمس وكل ذلك فقط سيكون بعد ساعتان من الآن..

"يا نهار أسود!" تمتم بعد أن تذكر ما حدث.. كيف لها فقط بنصف زجاجة فودكا ووجه بريء تحصل عليه بمثل تلك السهولة، لقد تذكر احتياجه لها، لقد طالبها بأن تبقى معه، لقد هلوس بشيء ما عن أبيه.. ماذا بها تلك الفتاة لتسيطر عليه؟ أتخدعه مثل الآخرين لأنها تبدو جميلة للغاية؟! حسناً!! ملامحها تلك أصبح لا يستطيع الحياة دون أن ينظر لها، أهو مدرك أنه إذا أكتشف حقيقة علاقتها بكريم سيبتعد عنها بالنهاية؟ أهو مستعد لذلك؟

فكر وهو يشعر بالغضب الشـ.ـديد تجاه نفسه قبل أن يغضب عليها هي! لم يبغض بحياته من قبل مثل هذا الشعور بالضياع الشـ.ـديد والضلال، لقد بدأت تلك الفتاة في الاستحواذ على عقله ووقته بل وبمشاعره أيضاً وتستطيع التحكم به بمنتهى السهولة! لا لن يكن ذلك الخاضع المذعن لها!!

توجه لغرفته واستعد بعد أن ارتدى ملابسه ونثر عطره وتنهد في تصميم على أن يمنع نفسه من التأثر بتلك الفتاة التي عبثت بعقله وأحدثت عاصفة داخله لابد له من أن يوقفها بكل ما أوتي من قوة..

توجه للمطبخ بملامح متجهمة ليتفقدها وهي تقوم بإعداد الإفطار ولم يستطع أن يتوقف عن تطلعها في وله تام، أحقاً ما تفعله؟! سأل نفسه واتسعت عيناه وهو يتفقدها بمنتهى الدهشة..

"..حبيبي يا نور العين.. يا ساكن خيالي.. عاشق بقالي سنين.. ولا غيرك في بالي.. ايه ده أنت! أنت هنا من امتى" شهقت بعد أن توقفت عن الغناء وملاحظة أنه كان خلفها والتمايل بجسدها ولكن ليس بإثارة، لقد حقاً بدت كالطفلة الصغيرة، لتشعرهي بالإرتباك والإحراج الشـ.ـديد بينما هو أعاد تلك الكلمـ.ـا.ت برأسه لينفجر ضاحكاً وتذكر يوم أن وقفت تدندن بمكتبه ولم يتوقف عن الضحك وهو يتذكر نبرتها وهي تُغني مذعناً وخاضعاً لتلك الفتاة لتتملك روحه!!

"أنت بتضحك عليا ليه بقى؟" صاحت به في طفولية بينما هدأت ضحكاته

"تعالي تعالي.. عايز أقولك على حاجة" أخبرها وهو يتوجه نحوها "بصي يا نورسين علشان مش عايز مشاكل.. اياكي حد يعرف بموضوع إنك ناسية كل حاجة ده.. فهماني ولا بلاش نسافر أصلا معاهم؟!" نظر لها بتحذير وعيناه بدتا مخيفة وكأنما تتغلغل داخلها وهي تنظر له في تـ.ـو.تر

"ليه يعني هو مش هـ.."

"نورسين!!" شـ.ـدد على نطقه لحروف اسمها لتبتلع في خوف من مظهره "لو كلمة واحدة وصلت لشاهندة او لجوزها انتي مش هاتخرجي برا البيت ده تاني.. واستحالة اخليكي تروحي لشاهي أبدا.. وكمان مش هاخليكي تكملي جامعة!" أخبرها بنظرة هو يعلم جيدا أنها تربك أيا كان من أمامه لتومأ بإقتضاب

"يالا حضريلنا باقي الفطار" حدثها بهدوء بنبرته الرخيمة لتومأ بإقتضاب وتزايد شعورها بالخوف منه فهي لم تعد تعلم كيف ستتصرف مع ذلك الرجل الغريب!!

❈-❈-❈

"حشـ.ـتـ.ـيني و  أوي.." صاحت شاهندة وهي تعانق نورسين بشـ.ـدة

"وأنتي اوي يا شاهي.." بادلتها العناق ثم نظرت لها في اشتياق بعد أن شعرت أنها تعرفها بل وشعرت بالراحة لمجرد رؤيتها وودت لو تحدثت معها بالكثير ولكن تحذيرات بدر الدين لها ونظراته المرعـ.ـبة كي لا تخبر أحد بفقدانها لذاكرتها جعلتها تشعر بالخوف منها

"اخدتها مني خلاص!! ماشي يا بدور!" نظرت شاهندة لبدر الدين لتغضبه بتلك الكلمة لتراه يسحق أسنانه غضباً لتنفجر هي بالضحك بينما تعجبت نورسين على ما تناديه به!

"يالا بقا عشان وحشاني جداً وعايزة أعرف كل حاجة حصلت اليومين اللي فاتوا دول" غمزت لها لتتلاقى أعين بدر الدين المحذرة ونورسين المتـ.ـو.ترة، لقد شعرت بالخوف من مجرد تلك الكلمة التي قالتها شاهندة بتلقائية وعفوية شـ.ـديدة أما هو فلقد نظر لها بطريقة لم تعلم منها ماذا يريد سوى أنه يحذرها كما حذرها صباح اليوم؟

"ايه يا بدر.. الجواز خدك مننا ولا ايه" صاح حمزة بإبتسامة "تعالى تعالى أحكيلك على حتة موضوع بقا بس الأخبـ.ـار الجديدة عندي شوفت شركة..." لم يستمع حقاً لما قاله زوج أخته وشعر بأنه يسير فقط بسبب يد حمزة التي تدفعه برفق على ذراعه وعيناه تعلقت بتلك التي سلبت عقله..

"يا سلام.. يعني بدر أخويا عمل كل ده؟!!" رفعت حاجباها في دهشة مما سمعته وهي تجلس بجانبها في مقاعد الدرجة الأولى بالطائرة

"آه.. هو كان بيبسطني على قد ما يقدر.." ابتسمت نورسين بإقتضاب وهي تحاول أن تتظاهر بحفنة كلمـ.ـا.ت قد تُلاقي التصديق من شاهندة اخته بالرغم من أنها لا تتذكر العديد من الأشياء والمواقف التي جمعتها بها ولكنها كانت تبدو شخصية مرحة وحنونة ثم نظرت لإتجاه كرسيه الذي تقدم مقعديهما بجانب حمزة ثم غرقت بشرود تام

"ماشي يا ستي ربنا يسعدكوا.. وعايزاكي بقا تتبسطي الاجازة دي على قد ما تقدري علشان خلاص الدراسة قربت تبتدي وأنا مش هاقبل بأقل من امتياز السنادي.."

"إن شاء الله يا شاهي.. ماما نجوى عاملة ايه؟!" سألتها عن تلك المرأة التي تذكرت بعضا من حديثهما ليلة أمس

"الحمد لله، على قد ما هي مبسوطة بجوازكم بس بردو مضايقة انها مش بتشوفكوا"

"هنيجي.. هو بس كان مشغول شوية وهنيجي إن شاء الله" ابتسمت لها وشاهندة تكاد تجن من تلك الفتاة، هي رآت أخيها تلك الأيام الماضية بالشركة كل يوم وبدا دائماً شارداً، فكرت قليلاً.. إما هما الإثنان قد غرقا ببعض عشقاً وإما هناك شيئاً هي لا تعلمه!! عشق ماذا؟! لقد تركها لدى يُسري.. لكن نظراتهما لبعضهما البعض تستطيع رؤية مشاعرهما من خلالها!! ستجن!! حقاً ستفعل، لا تستطيع معرفة أي شيء من كلمـ.ـا.ت نور المقتضبة تلك.. ستحاول مع أخيها إذن..

"ماشي هنستناكوا.." ابتسمت لها وهي تشعر بالغيظ وكأنها كالـ أطرش بالزفة!!

"ممكن تندهيلي أخويا شوية بقا.. هتروحي كده هناك" أشارت لها على مقعدي بدر وحمزة "هتلاقي راجـ.ـل بقا مقولكيش.. زي القمر.. اقعدي معاه واندهيلي أخويا شوية عشان وحشني" ابتسمت لكلمـ.ـا.تها وأومأت لها بإقتضاب لتتابعها شاهندة مضيقة عيناها وهي تكاد تنفجر غيظاً..

نهض بدر الدين عاقداً حاجباه وتوجه على مضض نحو أخته ثم جلس بجانبها وعيناه الثاقبتان بنظرة الصقر تلك لا تفارق كلاً من نورسين وحمزة، لا يدري لماذا يشعر بالغضب تجاه جلوسها جانبه؟!

"تصدق.. أنت متستاهلش أن واحدة زي دي تحبك" أخبرته شاهندة له ولكنه لم يتبين حقاً ما قالته وانشغل تركيزه بنورسين "يا بدر بيه!!" نادته وهي حقاً لا تُصدق أنه يتابع نورسين بتلك الطريقة "ما تركز معايا والنبي شوية يا أخويا مش هتطير متخافش.. حجزتلكوا أوضة مع بعض.."

"أوضة ايه؟!" نظر لها وهو لم يستمع ما قالته

"لا ده بجد.. للدرجادي خلاص مش قادر تسيبها تبعد عنك شوية؟!" تعجبت بتهكم

"مش قادر اسيب مين.. فيه ايه يا شاهي؟!" نظر لها في ضيق وعقد حاجباه وهو يحاول فهم ما تقوله أخته

"يا ابني انت من ساعة ما شوفتك وانت عينك مـ.ـا.تشاليتش من عليها.. دي مراتك يا حبيبي.. متخافش هتروح معاك والله مش هاخطفها منك" زفر هاززاً رأسه في حنق من كلمـ.ـا.تها "لا ركزلي بقا كده شوية!"

"عايزة ايه طيب؟!" نظر لها بتركيز

"أنا جبت مراتك من هنا لهنا مقالتليش حرف عن اللي حصل مع يُسري!! أنا مش فاهمة فيه ايه!"

"هي حرة.. تتكلم ولا متتكلمش حاجة ترجعلها"

"لا والنبي ايه!! تصدق انها خسارة فيك.. بقا بدل ما تشوف هي قد ايه بتحبك وعايزة تخليك كبير في عيني تقولي حاجة ترجعلها.. يا اخي بطل حركاتك دي بقا.." هل تشعر تجاهه بمشاعر حقاً؟ عقد حاجباه في تفكير بكلمـ.ـا.ت أخته ليلتفت فجأة على ضحكتها التي تصاعدت فجأة وصاحبها ضحكة حمزة ليشعر بغليان الدماء بداخله

"شاهي بقولك ايه، أنا تعبان وعايز أنام على ما نوصل.. روحي ارغي مع جوزك بقا وسيبيني أنام"

"تصدق.. إنت خنيق والله.. أنا اروح لحمزة فعلاً.. ربنا يصبرك يا بنتي على ما بلاكي" تمتمت شاهندة وهي تغادره وتذهب نحو كلاً من حمزة ونورسين وتطلعت لها بحزن "روحي يا اختي شوفي جوزك الرخم ده وسيبيلي الفرفوش ده شوية" ضحك حمزة وابتسمت لها نورسين وهي تعود لمقعدها بجانب بدر الدين لتجده يتفحصها بعينيه الثاقبتين لتشعر هي بالتـ.ـو.تر الشـ.ـديد من تلك النظرة التي تغللتها!

"بقولك ايه.. لما تقعدي مع حد تقعدي بإحترامك.. ضحكتك وصلت لكل اللي في الطيارة" تمتم لها هامساً وهو يحاول أن يُسيطر على غضبه لتنظر له في براءة ولكن لا لن ينخدع بمثل تلك النظرة

"أنا بس كنت بـ.."

"مش عايز اسمع كلمة!" قاطعها لتدرك أنه عاد لغضبه الآن وخفضت نظرها وأخذت تفكر فيما سيفعله معها ورغما عنها شعرت ببعض آلام برأسها وتشويش وتذكرت عدة أوجه غاضبه له وانتعشت الذكريات السوداء بعقلها لملامحه المخيفة ولكن الأحداث تبدو مشوشة فتحاملت على ما تشعر به في صمت لتتهاوى دمـ.ـو.عها في قلة حيلة من تلك الآلام التي تعصف برأسها بينما هو ارتفع غضبه ليرى تلك الدمـ.ـو.ع منها وهو لا يدري أيريد أن يصـ.ـر.خ بها لتتوقف أم يصـ.ـر.خ بنفسه لسيطرة ذلك الآلم الذي ينبعث به كلما رآها تبكي

"طيب خلاص متعيطيش.." توقفت في دهشة وهي لا تُصدق أنه يكترث لبكائها ونظرت له بزرقاوتين متسعتين ليدرك تلك النظرة بعينيها وهو لا يقدر على التفوه بالمزيد من الكلمـ.ـا.ت التي قد يواسيها بها، لا هو لا يريدها أن تتوقع أنه أصبح ليناً تجاهها أم ربما هي لا تتذكر كيف كان!! لم يعد يعلم ما الذي عليه فعله!

"عشان في وسط الناس.." حاول أن ينظر لها تلك النظرة التي ترعـ.ـب من أمامه ولكنها كانت نظرة مشتتة لم تفهم هي منها شيء بينما تشتته هو داخلياً كان أكثر من تشتتها..

تصنع النوم وهو يشعر بتلك الزرقاوتين تتفقده على استحياء وكأنما تلك الزرقة بأبحر عيناها تداعب ملامحه بخجل، يستمع لتلك التنهيدات التي عكست حيرتها وارتباكها تجاهه ثم شعر بها تذهب في النوم ليحاول لمحها بطرف عيناه وما أن تأكد أنها ذهبت في النوم وانتظمت أنفاسها اراح يده بمنتهى الحذر كي لا تستيقظ وأغمض عيناه لينم هو الآخر..

❈-❈-❈


"عصافير الحب.. الطيارة خلاص هتنزل.." فتح بدر الدين عيناه قبل نورسين وابعد يده عنها مسرعاً وأومأ لشاهندة بينما توجهت هي لمقعدها لتهمس لزوجها "بص شوف دي.." ناولة زوجها صورة التقطتها بكاميرا حملتها معها ليلتقطا الصور بتلك الرحلة ليتمعن حمزة بصورة تجمع كلا من بدر الدين ونورسين وايديهما تتلامس بتلك الطريقة ليبتسم لها حمزة

"ربنا يسعدهم يا حبيبتي"

لم تدري نور كيف تضع الحزام وشعرت بالارتباك فهي أول مرة لها أن تركب طائرة وعنـ.ـد.ما أقلعت الطائرة شاهندة هي من ساعدتها بوضعه ليلاحظها بدر الدين وأقترب منها ليضعه لها لترتبك هي من تلك الرائحة التي أصبحت تشتتها وتدفع العديد من الذكريات لعقلها وأوصدت عيناها في تـ.ـو.تر أمّا هو فبالكاد استطاع أن يبتعد عن تلك الكرزيتان..

ابتسمت وهي تشاهد تلك البلد الغريبة التي لم ترها من قبل غير ربما بحفنة مسلسلات وأفلام بالتلفاز ليس إلا، تراقصت عيناها فرحاً وهي تتفقد كل ما وقعت عليها عيناها ليبتسم بدر تلقائياً عنـ.ـد.ما رآها بتلك السعادة ثم تصنع الجدية ما إن تلاقت عيناه بعينا أخته التي ابتسمت ثم غمزت له ليعقد هو حاجباه بضيق من تصرفاتها..

"أنا هغير بسرعة الصاروخ وهتلاقوني على البحر.. انجزوا وتعالوا بقا.. هستناكوا" صاحت شاهندة وهي تدلف غرفتها التي وقعت بالقرب من غرفة بدر الدين ونورسين.. "ابقا قابلني لو شفناهم غير بليل.." همست وابتسمت لزوجها الذي هز رأسه في غير تصديق ثم همس لها هو الآخر

"طب ما تيجي نقابلهم بليل احنا كمان" نظر لها بعينيها وهو يحاوط خصرها دافعاً اياها برفق للجدار خلف الباب

" نفسي اوي انزل البحر عشان بقالي كتير منزلتوش.. وأوعدك بليل كله لينا ومش هنروح في حتة" قبلته بشغف مسرعة ثم فرت من قبضته على خصرها وهي تتوجه نحو حقائبها لتبدل ملابسها.. بينما تنهد هو بعشق تام ولم يرد أن يزعجها وظل يشاهد كتلة الحيوية تلك بعينيه، هي دون الجميع التي أسرت قلبه ولا زالت تفعل!!

❈-❈-❈

دلفا الغرفة ليتصلب كلاً من جسديهما ليندهش هو للحظة ثم تحولت اندهاشته للغضب عنـ.ـد.ما رآى الغرفة مهيأة بالورود والشراب وكأنها ليلة عُرس أحد ما بينما شعرت هي بالتـ.ـو.تر من تلك الإعدادات الغريبة فتحرك مسرعاً نحو ما ظن أنه الحمام وقرر التظاهر بعد الإكتراث لتلك السخافات التي فعلتها أخته وهو يقرر بداخله أنه سيتجادل معها بالتأكيد على فعلتها

"هاغير واروحلهم، خلصي وتعالي" أخبرها وتحاشى النظر لها فتابعته بزرقاوتيها وتعالت خفقات قلبها بتلقائية..

لا تدري ما الذي يحدث لها بجانبه!! أستنام بالقرب منه على ذلك السرير.. مجدداً أستواجه نفس ما واجهته ليلة أمس، لم تنم بسهولة فقط من رائحته تلك التي تسللت لأنفاسها ودفعت بعض الذكريات لعقلها!! أوصدت عيناها في تمني أن تجد حلاً لهذا المأزق.. هذا الغرفة لا تحتوي حتى على أريكة تستطيع النوم عليها!!

فتحت عيناها لتجده أمامها، مرتدياً رداء السباحة لتتفقده وهو عاري الصدر وتلك العضلات البـ.ـارزة التي يمتلئ بها جسده تجعلها مرتبكة، أم خائفة؟ هي لا تدري ولكن تعرف أن هناك شيئاً ما يحدث بداخلها عنـ.ـد.ما تراه بهذا الشكل كما رآته بالأمس ونجح هذا الشيء في بعثرتها لأشلاء.. ثم عادت لتتذكره وهو يصـ.ـر.خ بها بشيئا لتضع يدها على رأسها وهي تطأطأها للأسفل ليزفر هو بحنق عاقدا حاجباه ولم يعد يدري ما الذي عليه أن يفعله مع تلك الفتاة

"متتأخريش.." أخبرها ثم توجه للخارج لتتعالى هي أنفاسها وازداد التشويش برأسها وصوت صراخه صاحب صوت الباب الذي يُعلن عن توصيده ولكنها لم تُفسر أيا من كلمـ.ـا.ت صراخه عليها..

توجهت لترتب ملابسها بالدولاب ثم فعلت بملابسه هو الآخر وأخذت رداء سباحة أزرق يلائم تلك الزرقة بعينيها وذهبت لترتديه حتى تذهب لهم..

❈-❈-❈

"وفيها ايه يعني.. يا ابني انتو لسه عرسان" ابتسمت له لتلاحظ غضبه منها "يووه بقا يا بدور.. ما خلاص يعني أنا عملت ايه، عايزة بس اطمن إن أخويا مبسوط" حدثته وهي تضحك ليشعر هو بالغضب من تلك الطريقة التي تعامله بها

"ما قولنا خلاص" أخبرته متصنعة الجدية ثم أومأ هو لها "تعالى بقا أضايقك بجد" تحدثت في خبث ثم توجت نحوه لتدفعه بكل ما لديها من قوة ليسقط بالقاع فهو لم يتوقع فعلتها ثم نهض على قدماه مجدداً بينما ابتسم لها في اقتضاب

"عارفة أنا ممكن أعمل فيكي ايه مش كده.. يالا بلاش برضو الناس تتفرج عليكي" هز رأسه بإنكار ثم نظر للشاطيء ليتفقد لماذا أخذت نورسين كل ذلك الوقت للحضور!

"نهار أبوكي أسود!" تمتم بداخله وهو يتوجه مسرعاً للخارج بينما تعجبت شاهندة من مغادرته هكذا فجأة ونادته ولكنه لم يجبها..

كيف لها أن تمشي هكذا بين الناس؟ ألا ترى هذان النهدان الصارخان بالإثارة بتلك الرجفات العنيفة التي حدثت كلما خطت خطوة، تلك المنحنيات التي التصق بها تلك اللعنة التي ترتديها لتهتز مُحدثة إضطراباً في عقل كل من سقطت عينه عليها، أيرى كل هؤلاء الرجال إنحنائتها المُفصلة بوضوح في هذا الرداء السخيف؟ كيف لها أن تفعلها؟ كيف أستطاعت الظهور هكذا؟ ألم تدرك بعد من هو زوجها؟ حسناً لن يحرمها تلك الفرصة لتتعرف عليه إذن من جديد.. حتى ولو سيذكرها بأبشع ما فعل بها!

توجه نحوها لتشعر بالرعـ.ـب من ذلك الغضب الجلي بعينيه وأنفاسه المتلاحقة التي لاحظت أنها ستفجر صدره الذي علا وهبط في صخب ولكنه دون مقدمـ.ـا.ت جذب يدها بعنف لتشعر وكأنما عظامها ستتهشم أسفل تلك القبضة لتهرول خلفه لتحاول ملاحقة خطواته السريعة لتجده يتجه لغرفتهما دالفاً اياها في نفاذ صبر وصفع الباب خلفه لترتجف هي على ذلك الصوت ثم دفعها على السرير أمامه الذي لا زال مُزيناً بتلك الورود ليعتليها وهي تشعر بالفزع من تلك النظرات المُظلمة المُسلطة عليها وأزاد من حدة قبضته على يدها لتبدأ الدمـ.ـو.ع بالتراكم في عيناها ومن ثم تعالت لنحيب عنـ.ـد.ما شعرت بيده الأخرى تمزق رداءها..

"لا أرجوك بلاش اللي بتعمله ده.. أنا معملتش حاجة!!" توسلته في رعـ.ـب وهي تحاول أن تحتمي فهي لا تدري لماذا يتصرف معها هكذا..

توقف بعد أن مزق رداءها بالكامل ثم تفقدها وهي تغطي وجهها بيدها الصغيرة ليسحق أسنانه في غضب عارم ثم أمسك بكلتا يداها عاقداً قبضتاه حولهما بقسوة صارخاً بها

"ايه اللي أنتي لابساه ده!! انطقي.." ليتعالى نحيبها وهي لا تستطيع أن تجيبه من شـ.ـدة ذلك الغضب الذي لم تره به من قبل!
ردي عليا.. ايه الزفت ده" تحدث بين أسنانه التي التحمت في غيظ شـ.ـديد وهو ينظر لها بملامح ارتعشت غضباً، لم ترى منه هذه الملامح من قبل، أو هذا ما تتذكره وكأن به شيئاً مختلفاً هذه المرة، لماذا اشتدت غلظته من سبب كهذا؟ هي لم تفعل شيء، لم تظن أنها ستغضبه فقط لأنها ذهبت للشاطىء! لقد أخبرها بنفسه ألا تتأخر، لماذا يغضب الآن؟!
"سمعتيني بقولك ايه؟! ايه الزفت اللي انتي لبستيه ده؟!"
"ده.. ده مايوه" همست وهي تنظر له بزرقاوتين متسعتين وقد فُزعت من ملامحه المُخيفة وبدأ التشويش يعصف بعقلها وهي تتذكره ينظر لها نظرات مخيفة وكأنها مرتمية أسفل قدماه ولكنها لا تدري ما طبيعة تلك الأحداث ولا أين حدثت!
"جبتيه منين؟!" صاح بها غاضباً ولا زال مثبتاً كلتا يداها بقبضتاه
"معرفش.. أنا.. أنا لقيته في وسط هدومي.. والله ما أعرف" ارتجف جسدها وهي تُجيبه وشعرت أنها ستموت رعـ.ـبا لا محالة من ملامحه تلك وبمصاحبة ملامحه التي انتعشت بذاكرتها باتت في حالة من الذعر لتتلاحق أنفاسه هو غضباً وهي أسفله ترتجف ولكنه لا! لم يكترث لهذا!
"جرا ايه فاكرة نفسك مع كريم!! أنتي حتى لو هطلقك لسه اسمك مرات بدر الدين الخولي.. لو لبستي كده تاني رجلك مش هتعتب باب الفيلا! سامعة ولا لأ؟!"
صرخ بها لتتهاوى دمـ.ـو.عها من ذلك المنظر المُرعـ.ـب أمامها وأومأت بالإنكار في خوف لينظر لها يتطلعها وهي ترتجف وتبكي أسفله ثم همست بنبرة بالكاد صاحبت صوت
"كريم مين؟" همست له والذعر يتضح على ملامحها ليترك كلتا يداها ثم عقد احدى قبضتاه ليضـ.ـر.بها بالسرير جانب رأسها لتشهق هي رُعباً ظناً منها أنه سيضـ.ـر.بها هي ولكن كانت تلك هي الطريقة الوحيدة أمامه الآن ليفرغ عن غضبه الشـ.ـديد ولكنه حاذر ألا يلمسها..
ماذا يحدث له كلما رآها تبكي؟ لماذا يشعر بذلك الآلم بداخله؟ لماذا بتألم من أجلها؟!! لماذا لا يستطيع التحكم بمثل ذلك الشيء؟! وكيف نطق هكذا بإسم هذا الحقير أمامها؟!
تركها وجلس جانبها على السرير وهو يحاول ملاحقة تلك الأنفاس لينتهي منها بينما هي تكورت على نفسها لتداري جسدها وقربت ساقيها دافنة رأسها على كلتا ركبتيها وانتحبت في وهن!!
لمحها بطرف عينيه ليزداد غضبه وخلل شعره بيديه حتى كاد أن يقـ.ـتـ.ـلعه ثم أقترب منها فجأة وحاول تلمس ذراعها لتصيح هي في رعـ.ـب
"لا لأ.. بلاش تقرب مني أرجوك.. هاعمل كل اللي هتقول عليه" تحدثت مسرعة وارتجف جسدها وهي تتحاشى النظر له ليزفر في غضب وهو يحاول السيطرة على غضبه لترتعب هي من أنفاسه ولكنها لم تعلم بعد أنه غاضباً تجاه نفسه!
"اسمعي.." تحدث بين أسنانه الملتحمة بينما هي حاولت الإبتعاد بجسدها للخلف ليجن هو من طريقتها تلك وأقترب منها رغماً عنها ليلمس ذراعها الذي ارتجف ليلعن بداخله وتذكر فقدانها للذاكرة
"بصيلي!" تحدث آمراً بغضب يحاول أن يكتمه بكل ما أمتلك من قوة لتحاول هي رفع عيناها الباكيتان له بخوف.
"مينفعش تلبسي كده قدام الناس.. جـ.ـسمك كله باين.. لو لأي سبب دلوقتي حد صورك ولا شافك هيتقال عليكي ايه؟!" نظرت له وهي لم تتوقف عن البكاء بعد ولم تدري بم تجيب ليصر أسنانه أكثر مغتاظاً من نفسه عنـ.ـد.ما رأى تلك الدمـ.ـو.ع التي لا تتوقف ليجذبها بعنف حتى استقرت رأسها على صـ دره العـا ري وهو يعانقها بذراعيه
"متعيطيش!" صاح آمراً وهو يشعر بذلك الآلم بداخله يتزايد، كل مرة يرى تلك الأعين الزرقاء الباكية يتهشم هو داخلياً لها، يريدها أن تتوقف، بأي طريقة، سيفعل أي شيء حتى يُوقف ذلك الآلم اللعين داخله..
ازداد نحيبها ليزفر هو في انزعاج وآخذ يحتضنها أكثر لصـ ـدره وحاول أن يربت على خصرها وهو حقاً لا يُصدق نفسه!! أيفعل ذلك معها فقط لأنها تبكي؟!
"بس خلاص.. قولت متعيطيش!" تحدث ولكنه لم يعلم ولا يدرك أن تلك الطريقة الخشنة التي يتحدث بها لا تُساعدها بل النقيض، تجعلها تشعر بالخوف..
"أنت.. كل مرة بتخوفني.. أنا.. أنـ.." همست بين شهقاتها ولم تستطع إكمال ما أرادت أن تقول، وازداد نحيبها ليشعر بتلك الدمـ.ـو.ع تبلل صـ ـدره ليبعدها قليلاً ناظراً لتلك الزرقاوتان وهو يحاول أن يجفف وجنتاها بأنامله
"مش هخوفك تاني بس تسمعي الكلام!" أخبرها بكل مقدرته على تحويل نبرته لنبرة هادئة ونظر لها وهي تومأ له بالموافقة بينما تحاشت النظر لعيناه اللاتي يرعـ.ـباها ليطـ.ـلق هو زفرة في غضب مجدداً وأقترب منها
"بصيلي!" نظرت له فوراً خوفاً من غضبه الذي أختبرته منذ لحظات بمصاحبة تلك الذكريات البشعة الذي لمحت بها أوجه له مهيبة للغاية ليحاوط هو كلتا وجنتاها بيديه
"أنتي حلوة أوي.. مش عايز الناس تشوفك بالمنظر ده.. مينفعش تمشي كده قدام الناس.." تحدث بصدق وهي لا تُصدق ما قاله ولكنها لا تدري ماذا تفعل!
هذه هي المرة الأولى التي يغضب عليها بهذه الطريقة، أو هذا ما تتذكره، ولكنه لم يجفف دمـ.ـو.عها من قبل بتلك الطريقة الحنونة الهادئة أيضا، لم يحاول من قبل أن يتحدث لها بشيء سوى هذه المرة، ماذا يحدث له؟! لقد أخبرها للتو أنها جميلة؟ أحقاً ما سمعته؟!
"بس.. أنت قولتلي أغير.. ومتأخرش.. وخوفت منك و.." ظنت أنها تدافع عن نفسها بتلك الكلمـ.ـا.ت التي لم تكن حقاً تدافع بها عن نفسها، بل كانت فقط تسترضيه!!
"تغيري بس متلبسيش الزفت ده.." قاطعها وحاول التحدث بهدوء أكثر دون انفعال
"والله ما عندي غير اتنين، ولبست ده منهم.. أنا حتى ماعرفش هدومي شكلها إيه" تحدثت بصدق وهي تنظر له بتلك الزرقاوتان اللاتي تحملان آثار بكائها فشعر بالنـ.ـد.م على كل ما فعله معها وهو لا يدري بمّ يخبرها!!
لا يعرف التحدث بلين ولا كيف يتعامل معها، لماذا كل شيء يبدو بتلك الصعوبة عنـ.ـد.ما يجلس أمامها؟ لماذا لم تكن ليلى هكذا؟ واللعنة لماذا يقارن بينها وبين ليلى؟!
زفر في ضيق وهو يشعر بذلك الضياع مجدداً وتلك الصراعات اللانهائية لا تنتهي بداخله، أمعن النظر لها وهو لا يزال محاوطاً لوجنتاها بيديه، يشعر بقرب أنفاسها الرقيقة منه، هاتان السماوين تخفيهما بين جفناها وفي ثوان تتحول لبحران شـ.ـديدا الزرقة..
كيف له أن يقاوم تلك البراءة بها؟ كيف له أن يوقف ذلك الشعور بداخله لأن يقبل ذلك الوجه الذي لم يرى من مثله من قبل؟ ماذا تفعل به تلك الفتاة؟
يعلم أنه عنـ.ـد.ما رآها وغضب هكذا كان يظنها له وحده، تخصه، رآها كزوجته، شعر بتلك الغيرة التي انفجرت بعروقه وأدرك أن الرجال لن تدع فتاة بمثل ذلك الجمال دون أن ينظرون إليها.
بالطبع سينظرون إليها، ونظروا من قبل، وسيفعلوها مجدداً.. ولكنها له وحده، لن يسمح بهذا أبداً.. سيدعها تشعر بهذا، لن يتحمله وحده بعد الآن، لن يستطيع الصمود أمامها وأمام جمالها الآخاذ الذي يسـ.ـر.ق أنفاسه ويتحكم به كلما نظر إليها..
نظر لكرزيتيها وأنفاسه بدأت في التعالي وهو يريد أن يُقبل تلك الشفتان، لن ينتظر أكثر فلقد عانى كثيراً بسبب تلك اللعنة، وجودها أمامه بذلك الخضوع والهدوء يجبره على ألا يدعها تفلت من يديه..

انخفض بتلك الثاقبتين ليلمح قوامها الذي لم يحجبه عنه أي شيء، تلك المفاتن ترتفع وتنخفض بتلك الأنفاس المتلاحقة أتشعر مثله هي الأخرى؟ هل هذا يُعد بمثابة تشجيع له على ألا يدعها تذهب من بين يداه؟!
لماذا هو هادئ؟ لقد كان غاضباً منذ قليل؟ لماذا يحدق بعينيها بتلك الطريقة؟ صـ ـدره العريض الذي يهبط ويصعد بتلك الأنفاس المتسارعة يصيبها بالإرتباك!! إقترابه الشـ.ـديد منها ولمسته لها بيديه الساخنتين تشعرها بالتـ.ـو.تر الشـ.ـديد؟ ماذا به؟ لماذا تتجول عيناه على كل ما بها بتلك الطريقة.. تشعر بالخوف الشـ.ـديد منه!!
تلاقت أعينهما لتحاول هي تحاشي تلك النظرة الغريبة بعينيه ولكنها قبل أن تخفض بصرها وجدته يقترب بل ويجذب وجهها له بآن واحد ثم هشم شفتاه بشفاهها وهو يزفر في راحة تحولت بلحظة لشغف بالمزيد من تلك الكرزيتان!!
التهم شفتها السفلى ودون إدراك منه بدأت أسنانه في الإنـ.ـد.ماج مع تلك الشفتان التي تثير جنونه ولم يكترث لمدى عنف تلك القبلة وابتلع تآوهاتها بفمه وازداد عنفه دون أن يدرك..
لا يريد أن يتركها بعد، قبلتهما تلك ستستمر إلي أن يتوقف عن التنفس، ليغادر الحياة حتى، ولكنه لا يريد لكرزيتيها أن تغادرا فمه أبداً..
لم يعي كيف اعتـ ـلاها بتلك الطريقة ومتى بدأت أنامله في مداعبتها، ولكن ما لاحظه أنها لا تبادله!! لماذا لا تفعل؟ أهي خائفة؟ أهي تكرهه؟! بالطبع ستفعل.. وماذا رآت منه سوى كل الكراهية والعذاب! بالطبع ستشعر أنها خائفة، حتى ولو فقدت ذاكرتها كل ما فعله معها لن يترك بداخلها سوى شعور الفزع منه..
شعر بيديها الصغيراتان تدفعه ففرق قبلتهما أخيراً ليتطلع وجهها الذي كُسي بالحمرة لا يدري خجلاً أم اختناقاً.. فهي للتو شهقت بعنف وتقطعت أنفاسها وهي تنظر له بأعين متسعة مندهشة ثم أشاحت بنظرها عنه وهي تحاول ملاحقة أنفاسها ولأول مرة بحياتها تختبر شعور كهذا!
ظل ناظراً لها ولكنه لن يستطيع أن يقاوم ما تمناه كثيرًا لأوقاتٍ بدت كسنوات من عذاب لا ينتهي، تلك الرغبة التي انبعثت بدماءه لن يستطيع أن يصمد أمامها، سيخضع لهذا الشعور بداخله كي يتملكها ويجعلها زوجته حقاً..


دفن وجهه بعنقها مقبلاً اياها بنعومة شـ.ـديد وناثراً أنفاسه المحمومة على ذلك العنق المرمري ثم ارتفع بشفتيه ليقبل وجنتها ومن ثم التهم شحمة اذنها لتتفلت آنة من شفــ تيها لم تدرك حقاً كيف ومن أين آتت!!
تعالت أنفاسها ليُدرك هو أنها تستجيب له، ولكنه كان مخطئا تماما، هو لا يعلم ما ذلك الذي يؤثر عليها وعلى رأسها وبم تتذكره من أشياء جعلها ترتبك وتتـ.ـو.تر هكذا!!
انخفض مقبلاً اياها بجنون وهو ينهل من تلك النعومة ولم يصدق أن تلك الفتاة الصغيرة وكأنها أمتلكت أنوثة نساء العالمين بأكملهن هنا بالقرب من قلبها الصغير..
مرر وجهه على جسدها ليشعر بذلك الدفء الذي لأول مرة يشعر به في حياته، وأوصد عيناه بمتعة وهو ينهل من تلك الأنوثة ليجد نفسه يعانقها بكلتا ذراعيه حول خصرها ولم يريد أن يغادر ذلك العناق أبداً..
لقد كان مثاراً من لحظات، ما الذي يحدث له الآن؟ أهكذا فجأة ود فقط أن يقترب منها ويعانقها دون فعل أي شيء آخر؟ أتلك هي اللحظة المناسبة لما يفعله؟ لا يدري هو فقط يريده ألا تبـ.ـارح ذرعاه طوال الوقت..
لا تدري لماذا لا تستطيع الصراخ وهي تشعر بآلام رأسها تؤلمها وكأنها ستُفجر عقلها، تريد أن تدفعه ولكن تلك الومضات بعقلها أخذت في التواتر برأسها دون انقطاع، ومضات تحمل أحداث وكلمـ.ـا.ت بشعة
❈-❈-❈

"ايه يا نور.. خايفة مني؟!" همس لها وتوجه ناحيتها لتنهض هي في فزع منه


"أبعد عني لحسن هصوت والم الناس علينا" 


نهضت وهي تبتعد عنه وتلملم القميص عليها في رعـ.ـب مما قد يفعله هذا الحقير، هي لن تتقبل أن يقترب منها هكذا بمنتهى الوقاحة


"استني بس.. أنتي لسه زعلانة مني من يومها؟!" ابتسم لها في خبث


"أنت انسان قذر، أنا فاكرة كويس أنت كنت هتعمل ايه في المستشفى، ابعد عني لحـ.."


"تؤ تؤ تؤ.. بردو بتقوليلي أنا كده وأنا اللي كنت خايف عليكي وعايز أضمنلك مستقبلك.. ده أنا كنت جايلك اساعدك بدل الرمية والبهدلة اللي اتبهديلتيها على ايد جوزك.. لأ ملكيش حق تخافي كده وأنا جايلك عشان صعبانة عليا.."


"صعبانة عليك يا كـ.ـد.اب.. أنا شايفة الفرحة في عينك وعا رفة كويس أنت عايز مني ايه.. امشي اطلع برا اوضتي" صرخت به في فزع 
"وهكون عايز ايه يعني" 


اقترب منها لتحاول هي أن تبتعد عنه وأمسكت بالمصباح الجانبي الموضوع على منضدة سريرها 


"ايه ده هتضـ.ـر.بيني ولا ايه؟!" لاحظ ما بيديها وأقترب منها "كده بردو.. ده أنا معنديش أغلى منك.." وقف أمامها وهو يحاول آخذ ما بيدها لترتعب هي من اقترابه


"ابعد عني وسيبني.. متجيش جنبي واياك تلمسني" 


صاحت في خوف ليجذب ما بيديها بعنف ثم ألقاها على السرير واعتـ لاها


"جرا ايه يا نور يا حبيبتي.. بقا رايحة تتجوزي واحد يبهدلك بالمنظر ده بعد ما ادتيله كل حاجة ومستخسرة في جوز أمك حبيبك أنه يقربلك.. طب حتى راعي العشرة"


"ابعد عني.. الحقوووني يا ناس.. حد يلحقـ.. " صرخت بكل ما أوتيت من قوة ليضع كفه على شفتـ يها


"هتفضحينا يخربيتك" أخبرها هامساً وهو يحاول أن يكمم فمها ولكنها لم تتوقف عن الحركة أسفله وهي تحاول دفعه بعيداً 


"يا بت بقا متتعبنيش.. مش على مرة نفسي فيها، وبعدين دلوقتي انتي متجوزة.. يعني متخافيش من حاجة.. محدش هيعرف" 


ابتسم لها في خبث لتتوسع زرقاوتاها في هلع وازادت من حركة ساقيها اسفله ويداها التي تدفعه بينما هو يحاول التحكم بها ليجدها تعض يداه 


"آآه يا بـ ـنت الكـ ـلب" ابعد يده متألماً


"الحقوووني.. ابعد عني.. آآآه" ظلت تصرخ


"بقا كده!! بتمنعيني، أنا هوريكي" ارتمى عليها بكل ما أوتي من قوة وهو يُمزق ذلك القميص الذي ترتديه "ده مبهدلك يا حيلة أمك.. جت عليا أنا" أخبرها وهو ينظر لها بتشفي ويده تحاول الوصول لمناطقها الحساسة والأخرى تحاوط فمها "كنت هابقا حنين معاكي إنما أنتي اللي اضطرتيني لكده.."


آخذت تحاول المعافرة أسفله وهي تبكي لتجده يمد يده أعلى فخذيها لتزداد بُكائاً بمرارة وتحاول مجدداً دفعه خاصةَ عنـ.ـد.ما وجدته يحاول أن يُخفض بنطاله لتتحرك هي في عنف
"الحقووووني"
❈-❈-❈
ما الذي يفعله؟ ألم تواجه مثل هذا مع يُسري عنـ.ـد.ما أعتـ ـلاها؟ لماذا كل شيء مختلف معه؟ أليس هو نفسه من كان يُخيفها ويعذبها مثل ما أخبرها زوج والدتها بهذا اليوم؟ إذن لماذا هي مستسلمة له؟ لماذا تشعر بالسخونة بجميع أجزاء جسدها؟ لماذا اقترابه منها الآن يجعلها هادئة؟ أم هي في صدمة تذكر الأحداث مثلما أخبرها الأطباء تلك الأعراض؟
جالت العديد من الأفكار برأسها وهي تسأل نفسها المزيد من الأسئلة التي لم تجد لها إجابة واحدة.. فقط تتعجب وتندهش لجسدها المستسلم له تماماً ولا تستطيع فعل أكثر من ذلك.. ولكن أحقا هو من أذاها مثل ما أخبرها يُسري؟
شعرت به يداعبها لتجد نفسها تُصـ ـدر آنات غريبة لم تُطلقها قبلًا.. ولا تدري ما الذي يفعله؟ وشعرت بالإرتباك والخجل الشـ.ـديد.. بل وتيبس جسدها ورأسها تؤلمها!
أهكذا يقيم الرجل والمرأة علاقة سوياً؟ لماذا لم تستمع لمريم عنـ.ـد.ما حدثتها مرة بالأمر من قبل بل ونهت الموضوع تماماً لتتركها وتغادرها! مريم!! من هي مريم.. صديقتها ربما؟!
لماذا لم تتحدث مع والدتها بالمزيد من تلك الأمور.. تتذكر عنـ.ـد.ما سألتها مرة ولكن والدتها لم تعطها تفاصيل وأخبرتها أنها عنـ.ـد.ما يُقارب زواجها ستخبرها بكل شيء.. ولماذا لا تستطيع الخروج من حالة الصمت تلك لتصرخ به كي ينتهي؟
هي لا تريده أن يتوقف عما يفعل.. لمساته بتلك الطريقة تجعلها تشعر بأشياء لم تختبرها من قبل، إحساس جديد قد سرى بعروقها، ولكن لماذا تشعر بالخوف؟ لا بل بالرعـ.ـب والذعر!! هل هو من ضـ.ـر.بها ذلك اليوم؟ عنـ.ـد.ما كانت أسفل يُسري أخبرها بأن زوجها من فعل بها ذلك، وهو معها، أيقصد أن بدر الدين من فعل بها هذا؟!
انخفض يُقبل جسدها قبلات بطيئة لتجد هي نفسها توصد عيناها ووتيرة أنفاسها تتزايد لا تدري كيف ستواجهه أنها ترتاب بأمر أنه قد قام بضـ.ـر.بها وما إن وجدته أمام منطقتها لم تستطع السيطرة على تلك الأصوات التي غادرت شفـ تيها..
لقد رآى العديد من النساء والكثير من الفتيات ولكن لم تمتلك أياً منهن مثل تلك الأنوثة من قبل!! لماذا انتظر كل ذلك الوقت؟ لو فقط كان ترك نفسه ينعم بها لما كان تركها ولو للحظة واحدة..
انهالت أنفاسه الساخنة على منطقتها من تلك الرغبة التي تدفعه على أن يعتليها ويتغللها ولكن يريدها أن تستمتع أولاً.. تآوهاتها التي تتفلت منها لم تدعه يٌفكر كثيراً بالأمر بل دفن أنفه مستنشقاً تلك الأنوثة الطاغية وبلا توانٍ تذوقها بإستمتاع..
لا تدري ما ذلك الذي يفعله، لكن لا تريده أن يتوقف.. لا بل تريده أن ينتهي، استندت بكفيها الصغيرين وهي تحاول أن تنظر لما يفعله وحاولت بصعوبة أن تفتح عيناها فبالكاد رآت شعره الفحمي بين ملتقى ساقيها لتجد ظهرها بتلقائية يعود للخلف ليرتمي على السرير وانهالا جفناها في متعة لم يسبق لها تجربتها.. ولكن ذلك الرجل غريب عنها تماما وقد يكون هو من عذبها بتلك العلامـ.ـا.ت التي رآتها على جسدها من قبل.. أسيفعل ذلك مجددا؟
أهي فتاة؟! لا يُصدق.. لقد وجد ما يُثبت برائتها إذن لم تكن تكذب!! لم يسبق لها وكانت مع رجل.. أكان يظلمها كل ذلك بإعتقادها أنها قد أغوت كريم بتلك الطريقة التي فكر هو بها؟!! ستكون مرتها الأولى، معه.. ستكون له هو فقط ولن يدع رجلاً أن يلمسها أبداً!
لا.. ليس عليه أن يتوقف الآن، لماذا تصرخ، ما الذي يفعله بها واللعنة لماذا جسدها يرتجف ولكن ليس خوفاً، أم خوفا!! لا تعرف.. فقط تريده أن يكف على العبث بمشاعرها وعقلها وآلام رأسها لا ترأف بها.. أهذا ما تشعر به المرأة مع الرجل دوماً؟ جسدها بأكمله يرتعش وهي ليست تشعر بالبرد، كيف يفعل بها ذلك؟؟
اعتـ ـلاها بعد أن تذو قها لتشعر هي به وفتحت عيناها بخجل لتنظر له ليلـ تهم شفتـ يها مجدداً بقـ ـبلة أختلفت عن سابقتها تماماً..
لماذا احتوت تلك القبلة أكثر من رغبة مفرطة فقط؟ ما الذي تفعله به تلك الفتاة؟ ما الذي يميزها بشـ.ـدة عن باقي النساء، لقد عشق ليلى ولكن لمّ كل شيء أفضل مع تلك الصغيرة؟ أهو مُدرك لما يفعله؟ هو لم يتأكد بعد مما أخبرت به كريم أمام عيناه، هو يتذكر كل كلمة سمعها منها!!
لتصمت تلك اللعنة التي يُفكر بها، هو يريدها، يريدها أكثر من أي شيء، ولتكن حتى خائنة، تلك الفتاة لن يدعها تذهب من أسفله أبداً، ستصبح الآن ملكه وانتهى الأمر.. وحتى إن لم تتذكر أي شيء فهذا من حسن حظه
أنهى صراع عقله الداخلي ومد يده ليحرر نفسه وهو يقبلها بشغف بينما هي لم تتذكر غير يُسري عنـ.ـد.ما اعتـ ـلاها وفعل مثلما يفعل بدر الدين الآن فدفعته بعيداً بكل ما أوتيت من قوة وأخيرا استطاعت التحكم في جسـ ـدها بعد أن امتلك كامل هيمنته عليها منذ لحظات ليتعجب هو وهو ينظر لها في تعجب لتتحدث هي مُسرعة
"أنت.. أنت عايز تعمل فيا زي يُسري.. أرجوك بلاش.. ابعد عني أرجوك.." تحدثت في خوف وهي تتوسله لينظر لها غاضباً
"يُسري!!" تمتم متهكماً وبنفس الوقت في استغراب وكاد أن يُجبرها على إنهاء ما بدأه معها ولكنه رغماً عنه توقف وهو يحاول ألتقاط أنفاسه والسيطرة على تلك الشهـ ـوة التي تسير بدماءه لينهض مبتعداً عنها وتوجه للحمام وهو يُفكر أنها عادت لها ذاكرتها!..
سحبت تلك الأغطية التي وجدتها على السرير لتداري بها جسـ ـدها وهي تتذكر كل ما مر عليها معه منذ قليل وهي تشعر بالإرتباك والخجل من كل ما فعله بها.. كيف ستستطيع النظر له الآن بعد كل ما حدث..
حاول أن يتخلص من تلك الرغبة الجامحة في أن يتملكها تحت أي مسمى وبأي ثمن كان، حتى لو كان الثمن أنه سيغفر لها خيانتها مع كريم!

أيُعقل أن فتاة مثلها قد تسرق رجل من زوجته وأُسرته؟ أيُعقل أنها استغلالية؟ لا يبدو عليها ذلك، لقد رآها أمامه بمنزله طوال النهار، لقد درس تصرفاتها الطفولية، لقد كانت أسفله منذ دقائق وأكتشف براءتها بيديه وعيناه اللتان لن يكذبهما، لقد رآى جيداً ما يُثبت بكارتها، لقد شعر حتى بعُذرية قبلتها.. هي لم تبادله، نعم تشعر بالرغبة وقد رآها تتضح عليها وأستسلمت له ولكن لم تفعل شيئاً واحداً يدل على أن تلك الفتاة كانت مع رجل قبله!!

لمساتها لم تكن تدل على لمسات إمرأة تمتلك خبرة، لقد كانت مشتتة أسفله بمنتهى الشبق الشـ.ـديد ولكن بطفولية.. هي حتى لم تلمسه ولم تعانقه، حتى نظراتها كانت مرتبكة وخائفة وخجولة ليس إلا..

تذكر كل كلمـ.ـا.ته لها واتهمـ.ـا.ته الباطلة بمعاشرتها لكريم!! أظلمها كل ذلك الحد؟ أحقاً افترى عليها لمجرد ظن خاطئ؟ خلل شعره الفحمي ومسح على وجهه وهو يحاول أن يجيب على تلك الأسئلة التي وجهها لنفسه.. ماذا سيفعل إن وجد نفسه مخطئاً؟! كيف حتى سينظر لتلك الزرقاوتان؟ لم يظلم أحد بحياته، لم يقع بموقف مشابه، واللعنة تلك الفتاة أصبحت تجري مجرى الدماء بعروقه!! لا يدري كيف يمرر يوماً دون أن يرى وجهها البريء!

زفر في آلم وتشتت، لقد سمعها وهي تُخبر كريم بأن يترك أخته.. ماذا كانت تعني وقتها إذن؟! كيف كان عليه التصرف؟ أكان عليه أن يجلس ويستمع لها فقط؟ ماذا لو كانت تدعي أو تكذب!!

وماذا عن تشبيهها له بيُسري؟ أيمكن أنها عادت إليها ذاكرتها وأكتشفت الآن ما فعله بها؟ كيف سيتحدث معها الآن؟ كيف حتى سينظر إليها لو أكتشفت حقيقته الشنيعة وعذابه الذي عذبها به؟

"كفاية بقا!! حـ.ـر.ام اللي بيحصلي ده!" تمتم في آلم من كل تلك الأفكار التي لا تتوقف عن العصف بعقله ثم دلف أسفل المياة البـ.ـاردة وهو يتذكر ملامحها وخجلها وإنعدام خبرتها منذ قليل لتلين شفتاه في ابتسامة عذبة ولكنه لم يكن يرى نفسه.. فتلك الإبتسامة لم يبتسم من قبل مثلها إلا عنـ.ـد.ما يُفكر بنورسين!

لقد كانت تتقبل كل ما يفعله إلي أن اعتلاها بتلك الطريقة واقترب من إتمام علاقة كاملة معها، لماذا تذكرت يُسري؟ ألهذا الحد هي بريئة للغاية؟ ألهذا الحد هي لا تعرف ولا تعلم شيئاً عن علاقة الرجل مع المرأة؟ أم اندفعت الذكريات السوداء بهذا العقل البريء؟

أغـ.ـبـ.ـي هو أم ماذا؟! أيُمكن أن تكون فتاة بمثل تلك السذاجة والبراءة بعالمنا الحالي؟! لا لا، فقط عقله يصور له ذلك لحفنة المشاعر التي واجهها منذ قليل! بالطبع تعرف كل شيء بين الرجل والمرأة وهذا فقط فعلته لأنها أول مرة لها مع رجل، ولكنه يتخيل ذلك ليس إلا.. زفر في حيرة وسأم وهو لا يعرف كيف يسيطر على عقله وماذا عليه أن يُصدق.. عقله الرافض لتلك الفتاة أم مشاعره التي تجعله منصاعاً لسحرها الذي لا يستطيع مقاومته!

هو يُريدها ويُصدقها ولكن شيء ما، شيء ما لعين داخله يجعله يتوقف، وكأنما هناك بداخله شيء يجذبه بعيداً عنها وهو يتجاوب معه، أسيدع شيئاً سخيفاً يبعده عنها؟!

لن يستسلم لنفسه ولن يستسلم لذلك الصراع بداخله، هو يتأكد أنه يريدها، وليذهب كل شيء آخر للجحيم، لن يكترث لأي شيء سوى وجودها بجانبه حتى لو كان عليه أن يخفيها بعيداً عن أعين الجميع، سيبدأ معها كل شيء من جديد وسيزيل شعور الإرتباك والخوف منها للأبد.. سيزيل حاجز الخوف ومن حظه أنها تناست كل ما حدث بينهما.. سيجعلها له حتى لو كلفه ذلك أيامه القادمة بأكملها وسيتأكد بكل الطرق الممكنة من خيانتها بأي شكل كان وأكمل تفكيره بصراعه ذلك الذي لا يستطيع التخلص منه..

❈-❈-❈

"حجزتيلهم وسافروا!! وكمان شاهندة وجوزها؟!" ردد بغلٍ شـ.ـديد وغضب

"في حاجة يا Mr. كريم؟!" تسائلت رنا بتعجب وهي تعلم بمدى قرابتهم، فلماذا يسألها بذلك الشكل عنهم؟! ليلتفت لها وهو لم يلاحظ حقاً أن نطق ذلك بصوت مسموع لينظر لها في غضب ملحوظ

"ازاي يسافر دلوقتي.. ده الـ Audit (فحص يعني ومراجعة) الإسبوع ده.. ازاي ينسى" لم يدرك كيف آتى له هذا الفكر فجأة هكذا

"طيب تحب أبلغه؟"

"آه بلغيه.. وأنا هاحضر الباقي مع هديل وزياد" أخبرها بإقتضاب ثم توجه للخارج وهو يتمنى بداخله أن صديقه بتلك اللجنة لا يزال موجوداً حتى يأتي..

لن يدع تلك الفتاة تنتصر عليه، هو يريدها بأي ثمن، سيكون رغماً عن آنفه وآنفها وآنف الجميع، سيتصرف بكل شيء فهو لطالما فعلها

"حبيبي عامل ايه؟ نسيتونا ولا ايه؟!" تحدث بهاتفه بنبرة مغايرة تماماً لنبرته منذ قليل

"لا بردو يا كريم باشا ننساكم ازاي"

"عايزة أقولك الدنيا معكوكة وحاسس إن المشاريع مش تمام.. ما تيجي تلقي نظرة كده.. مش عايز تاخد بطارك من بدر الخولي ولا ايه؟ ده كل الناس فاكرة كويس لما طلع قدامكم زي الشعرة من العجينة"

"يا عم أنت مش جوز أخته؟ أنت بتعمل في الراجـ.ـل كده ليه؟" ضحك الطرف الآخر على الهاتف

"ما أنت عارف أنا مبحبش العك.. وهو فاكر إنه بقا خلاص أحسن حد في الدنيا ومفيش زيه، وبيبني وبينك كل ما أقوله على حاجة يرفضها.. يمكن لو جت منكم ينخ شوية بدل ما هو متفرعن كده!"

"ماشي يا سيدي.. عنيا.. يومين كده ونبقا عندكم!"

"تمام واحنا هنستناك"

أنهى مكالمته وهو يتنهد في حقد وفكر بأن يتحدث ليُسري ولكن تلك المرة لن يكون هيناً معه أبداً!!

❈-❈-❈


لف المنشفة حول خصره بعد أن تناسى ذلك الشعور وتوجه دالفاً للغرفة ليرها لازالت على نفس حالتها وما إن سمعته حتى قربت تلك الأغطية منها وحاولت ألا تنظر له ليقترب هو منها جالساً على السرير لتشعر هي بالإرتباك والتـ.ـو.تر بل والخوف لتذكرها العديد من تلك الكلمـ.ـا.ت التي لا تنفك تنفجر برأسها وابتعدت قليلاً بجسدها ولكنه تلمس يدها في لطف وهي لا تزال تنظر بعيداً عن عيناه التي تموت خجلاً بمجرد فكرة أن عيناها ستلاقي خاصته!

"ايه.. قاعدة كده ليه؟!" همس وهو يتفحص وجهها الذي تحول للحمرة من مجرد كلمـ.ـا.ت بسيطة ولكنها لم تجبه وابتلعت بتـ.ـو.تر"بصيلي" آمرها لتفعل بعد ثوان بصعوبة

"مكسوفة من اللي حصل؟" حدق بعينيها لتزداد حمرة وجهها وأشاحت بنظرها بعيداً عن عتمة عينيه الثاقبتين وتعالت أنفاسها وهي لا تدري بما تُجيبه ليبتسم هو لملامحها البريئة..

"أنا.. أنا مش عارفة.. أنا بحاول أفتكر وزي ملامح بتيجي في راسي.. وبعدين اللي عملته معايا ده.. ده يعني حضرتك.." حمحمت وهي تتلعثم وتحدثه بمنتهى الصدق "أنت مش فاهم أنا صحيت رجعت براسي سنتين ورا ومش فاكرة حاجة و.. وأنا ساعات بحس إني مرتاحة معاك وساعات بخاف منك.. ومنين احنا متجوزين ويعني.. يعني.. مبننامش في سرير واحد وليه اتجوزنا بسرعة بعد موت ماما.. أنا مش فاهمة حاجة ومش متعودة إن راجـ.ـل غريب يكون معايا وراسي بتوجعني دايمًا" انهمرت الكلمـ.ـا.ت في تأتأة من بين شفتيها وهي تنظر له في حالة انهيار شـ.ـديدة ليتنهد هو وحاول أن يُطمئنها

"اهدي يا نورسين.. بكرة هتفتكري كل حاجة واحدة واحدة زي ما الدكاترة قالوا، انتي بس لازم توظبي على الأدوية والجلسات اللي بتروحيها.. وبالنسبة لإنك مش متعودة على وجودي، أي راجـ.ـل ومـ.ـر.اته بيحصل ما بينهم كده، وأكتر من كده كمان بس أنتي اللي مخلتنيش أكـ.."

"لأ لو سمحت!!" قاطعته ونهضت جالسه على ركبتيها وتساقطت الأغطية ليرى تلك الفتنة تهتز بعنف لحركتها تلك وابتلع وهو ينظر لتلك الصغيرة التي أشارت له بسبابتها في تحذير "أنا مش عايزة أسمع حاجة عن اللي حصل.. ومش هاتعمل قلة الأدب دي معايا تاني.. كفاية بقى قلة أدب! لو سمحت حضرتك أنا مبحبش كده" صاحت هي في طفولية وملامحها جادة بطريقة جعلته يندهش ويبتسم بآن واحد

"قلة أدب.. فين دي؟!" سألها بين ابتسامته وهو يتفقد ملامحها التي لم يرى أجمل منها من قبل

"ايوة.. كل شوية تعمل حركات غريبة، ومرة تدخل الحمام معايا وتخليني استحمى قدامك وتلعب في جـ.ـسمي.. وبتفضل قاعد من غير T-shirt قدامي.. ومن شوية عملت معايا حاجات قليلة الأدب.. أنا زهقت وبحذرك!! أنا مش بعمل الحاجات دي علشان أنا محترمة.. لو مبطلتش هـ.." تسارعت أنفاسها في انفعال وهي تنظر له ببراءة

"ايوة!! هتعملي ايه بقا؟!" عقد ذراعاه وهو يشاهدها بإبتسامة

"هـ.. هـ.. هاعمل كتير.. أنا ممكن أ.. اوف" صاحت بحنق وهي لا تدري ماذا حقاً تستطيع فعله معه وهو دائماً ما يخيفها بغضبه لتتحول ملامحها للحزن ليقترب هو لها لتصيح في رعـ.ـب

"لأ لو قربت مني أنا هـ.." توقفت عنـ.ـد.ما وجدته يُقبلها من رأسها ويُربت على شعرها

"قومي استحمي والبسي عشان هنخرج نجيب حاجات" قاطعها لتندهش لمعاملته "وابقي البسي حاجة دايماً" أومأ لمفاتنها التي تناست أنه يشاهدهما يوضوح لتتسع زرقاوتيها في صدمة ثم وضعت كفيها الصغيران على وجهها لتُخفي إحراجها لتتعالى هو ضحكته مما تفعله تلك الصغيرة!

"بطلي قلة أدب بقا" همس بقرب أذنها ثم قبل احدى كفيها بغتة لتشهق هي في إحراج ونهضت تلم الشراشف حول جسدها لتخفيه من عيناه وانتقلت للحمام على الفور دون أن تنظر له..

أمسك بيدها التي ارتجفت بين يده ليلمحها بطرف عينه وهو يرى الإرتباك والخجل جليان عليها.. توجه بطريقه معها وهو يشعر بالسعادة وهو يسير معها هكذا بمنتهى البساطة.. هكذا هي، دائماً بسيطة ثم تأتي بنظرة من عيناها الساحرتان حتى تُصعب كل شيء عليه

لم ينس أياً من كلمـ.ـا.تها، سترتدي الآن ما يراه لائقاً ومناسب، لن يُخاطر أبداً بإطـ.ـلا.ق وحش غيرته العمياء، فهو قد يقـ.ـتـ.ـلها يوماً ما إذا وجد رجلاً ينظر لها بأي شكل من الأشكال..

توجها لأحدى المحلات التجارية وأخذ يختار لها العديد من الملابس وثياب البحر التي أقتنع أنها لا تكشف الكثير من جسدها الذي يأجج شهوته بعنف..

تنهد بينما أنتظرها لترتدي كل تلك الملابس حتى يراها عليها وتحصل على رضاءه، شرد في تلك الإبتسامة التي لمحها عنـ.ـد.ما قاما بالتجول واختيار تلك الملابس وعيناها التي جالت هنا وهناك في حماس لإكتشاف تلك الأماكن التي كانت جديدة عليها تماماً لتواجدها ببلد آخر..

شعر بالنـ.ـد.م داخله وهو يُفكر كيف له أن يفعل بها كل ما فعله!! لو لم تكن تلك هي الفتاة البريئة لكانت فعلت الكثير!! فكر كيف له أن يُسامح نفسه لو أخطأ بحقها ولم تكن بعلاقة مع كريم؟! لربما أقنعها هو بحبه لها وهي أحبته؟! أي أنه لم تحدث بينهما علاقة ولكن تُحبه وأرادته أن يُطلق أخته ويتركها؟!

يتمنى لو يتوقف عن التفكير.. لا يستطيع أن يجيب تلك الأسئلة التي تنهال على عقله!! لقد سأم هذا حقاً.. إلي متى سيظل بهذا الصراع المرير؟! وهل حقا استعادت بعضا من الذكريات بعقلها؟!

"Oh dios, mio que chica"

فاق من شروده على تلك الكلمة التي خرجت من احدى الرجال ليسحق أسنانه في غضب عارم وتوجه نحوه ليدعه يعرف أن تلك "الفتاة" التي أُعجب بها للتو لديها زوج!

"eh, soy el marido de la chica, ¿hay algo que necesites"

تحدث له بالإسبانية ليدعه يرتدع وهو ينظر له في غضب شـ.ـديد عاقداً حاجباه وعينا المُحذرتان قد أشعرت الرجل بالخوف ليتعجب الرجل لغضب بدر الدين الواضح

".perdón, pensé que ella está aquí sola"

أعتذر الرجل بلباقة وهو ينظر لبدر الدين في خوف وأخبره أنه ظن أنها وحدها هنا بينما حمحمت نورسين وهي لا تريد أن تتحدث له وهو غاضباً ليومأ لها عاقداً حاجباه لتتعجب هي لماذا حدث الرجل بذلك الشكل؟

"يالا هاتي كل الهدوم عشان نمشي.." صاح بحنق لها لتومأ هي بإقتضاب وهي تطلعه بزرقاويتيها في ارتباك وفعلت ما آمرها به حتى توجها ليخرج بطاقته ويحاسب على تلك الملابس وأمسك بيدها وتوجها مغادران المحل..

جلسا بأحدى المطاعم التي طلت على البحر مباشرة وبدر الدين لا يزال يشعر بالغضب من ذلك الرجل، لماذا لم يلكمه؟ لماذا لم يُخرج ذلك الغضب عليه؟ ظل مُحدقاً بزرقة تلك البحر أمامه وهو يحاول أن يسيطر على غضبه مما حدث!

فكرت هي كثيراً بأن تبدأ الحديث معه، ولكنها تخاف من أن يغضب عليها هي.. لا تدري ماذا به؟ لم تفعل له شيئاً.. ولكن عليها أن تعرف.. لقد سأمت غضبه ذلك ولن تنتظر أكثر من هذا!

"هو.. هو أنت مضايق ليه؟!" همست سائلة وهي تدعو بداخلها ألا يغضب عليها

"مسمعتيش الزفت ده قال ايه؟!" تحدث في غضب صارراً أسنانه بعد أن نظر لها بتلك الثاقبتان عاقداً حاجباه

"أنا.. معرفش أسباني خالص" زفر في حنق وضيق "أنا بحب الفرنساوي، وأعرف إنجليزي طبعاً.. لكن أسباني لأ!" استمع لما تقول وهو ينظر لها ولا يدري ما عليه فعله بتلك الفتاة التي أصبحت أكبر مشاكله

"ماما.." توقفت عن الحديث لبرهة عنـ.ـد.ما تذكرت إخبـ.ـاره لها بأنها مـ.ـا.تت ثم تابعت "ماما الله يرحمها كانت دايماً شايفة الألماني مهم عشان كده اتعلمته عشان خاطرها.." شردت بإبتسامة وبدا أنها تتذكر أمها وذكرياتهما سوياً "وهي اللي علمتني فرنساوي.. وحـ.ـشـ.ـتني أوي ونفسي أشوفها.." تجمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها لتجده يُمسك بيدها

"لما نرجع هخليكي تزوريها" همس لها وقد تناسى غضبه تماماً

"بجد؟!" توسعت زرقاوتاها في حماس وتناست تماماً لمسته ليدها بتلك الطريقة فأومأ لها بالموافقة وهو سعيداً بردة فعلها وتلك الإبتسامة التي لأول مرة ترتسم على ثغرها بسبب شيء ما يقوله لها وظل ينظر لملامحها المتهللة وهو يسأل نفسه ماذا فعلت به تلك الفتاة!! "شكراً اوي بجد مش عارفة أقول لحضرتك إيه!" ابتسمت له لتتحول ابتسامته ليضحك هو في تهكم

"مش هتبطلي تقولي حضرتك وتكلميني برسمية ؟!" ارتبكت هي ثم أشاحت بنظرها للأسفل لترى ملامسته اياها ويدها تستقر بيده فجذبتها بخجل

"امال أقولك ايه يعني؟" تسائلت وهي تشعر بالإحراج ليبتسم هو لخجلها

"هي اللي متجوزة بتنده جوزها بألقاب ولا بتناديه بإسمه؟"

"بتناديه بإسمه.. بس.. بس أنا معرفكش وشكلك كبير و.. مش عارفة أعمل ايه وأنا مش عارفة يعني الجواز ده ازاي جه فجأة زي ما حضرتك بتقول" تحدثت بمنتهى العفوية ليغضب هو لما سمعه منها ونوعاً ما جُملتها أنعشت العديد من الذكريات المؤلمة برأسه ليعود لعقد حاجباه وترك يدها ثم مسح على وجهه وهو لا يدري أسيطـ.ـلقها فعلاً وسيتركها بعد سنة، أم إنه لن يستطيع فعلها!

❈-❈-❈


شعر بإنتظام أنفاسها بعدما أقنعها بأنهما عليهما النوم بجانب بعضهما البعض وأخذت الكثير من الوقت حتى تخلصت من ارتباكها الزائد وذهبت في النوم.

نظر لجسدها الذي كاد أن يسقط من على السرير وهي مبتعدة عنه ليبتسم على تلك البراءة التي لم يرها بفتاة مثلها.. فحتى ليلى لم تكن هكذا..

تنهد في حزن وآلم وأغلق عيناه متذكراً ليلى فنهض وتوجه للخارج ليتمشى قليلاً عله يستطيع التحدث معها مرة أخرى مثلما أعتاد دائماً..

"أنا منستكيش يا ليلى ولا أقدر أنساكي.. بس مش عارف البنت دي بتعمل فيا ايه؟ عنيها وضحكتها والطاقة الرهيبة اللي جواها ببقا واقف مبلم قدامها ومبقتش عارف اتحكم في نفسي لما بشوفها قدام عيني.. مش عارف إذا كنت اللي بعمله معاها ده صح ولا غلط؟ ومش عارف إذا كانت فعلاً معملتش حاجة ولا بتخدعني؟ أنا حاسس إني تايه أوي ومحتاجك.. محتاج أحكيلك على حاجات كتير.. تفتكري يا ليلى لو أنا كنت ظالمها طول الوقت ده ممكن تسامحني؟ يمكن علشان نسيت اللي حصل الأمور ما بيني وبينها هادية اوي؟ ممكن أنا أسامح نفسي أصلاً؟ ده أنا اللي عملته فيها معملتوش مع أي حد، وهي مش فاهمها، يمكن عشان صغيرة ولا هي نفسها مش فاهمة.. أنا تعبت أوي وطول الوقت حاسس إني مش عارف حاجة ولا عارف ابتدي بإيه ولا مين اللي غلطان، أنا ولا هي ولا كريم الكـ.ـلـ.ـب ده.. نفسي بس ارتاح لو مرة واحدة في حياتي.. ليه يا ليلى سيبتيني لكل ده؟!"

تمتم هامساً بآلم ثم أشعل احدى سجائره وجلس يتذكر تلك الأوقات التي كان يلجأ لها بها وذلك النسيم يعبث بشعره الفحمى لينظر لتلك السماء القاتمة التي شابهت روحه..

لقد كانت دائماً تستمع له، تناقشه بكل شيء، وحتى لو لم تستطع المساعدة كانت تحتضنه ليشعر هو بالخلاص من كل ما يعاني وكأن بمجرد ملامستها له تمتص كل تلك الآلام منه وفجأة يشعر بأنه أفضل.

دمعت عيناه في حزن وهو يتذكرها بينما شعر بتشتت شـ.ـديد لينهي سيجارته التي ألقاها بمنفضة جانبه ثم آخذ يسير مجدداً وهو يخلل شعره في تفكير ليشعر بعدم القدرة على التصرف في كل ما يواجهه..

تفقد هاتفه بجيبه فهو لم يعرف أي شيء عن العمل الذي تناساه طوال اليوم ليرى احدى الرسائل من رنا بل وتذكر أنه لم يتفحص بريده الإلكتروني، ووجد الرسالة تخبره بحضور المراجعين لفرع الشركة الرئيسي ليتمتم في ملل متآففاً

"أهو ده كمان اللي كان ناقص.."

توجه لغرفته بعدما أرسل لرنا حتى تغير تاريخ العودة لأقرب موعد ممكن لهم جميعاً فهو بالطبع سيحتاج وجود حمزة بجانبه وشاهندة كذلك وبالتأكيد لن يترك نورسين وحدها هنا.

أعد حقائبهما سوياً ليبتسم في غير تصديق وهو يرى أنه من يعد لها أشياءها ثم تفقد تلك الملامح الملائكية النائمة ليقترب منها يتفقدها في شغف والعديد من الإستفهامـ.ـا.ت تتردد بداخله ليشعر بالضياع والتشتت مجدداً..

أفاقه من شروده بها ما وصله على هاتفه لتأكيد حجز المواعيد غداً صباحاً في العاشرة ليتوجه خارج الغرفة ليخبر كلاً من شاهندة وحمزة وطرق الباب عليهما لأكثر من مرة حتى فتحت شاهندة التي بدا عليها آثار النوم..

"ايه يا بدر خير.." همست بصوت ناعس

"معلش صحيتكوا.. فيه Audit الاسبوع ده.. لازم نرجع بكرة الصبح"

"ايه؟! Audit؟ ده مش معاده خالص.." تعجبت شاهندة التي بدأت نبرتها في العودة لطبيعتها

"انتي عارفة ملهومش مواعيد.. عموماً أنا غيرت التذاكر والطيارة بكرة الساعة عشرة.. يعني نكون في المطار على تمانية ونص كده" أومأت له في حزن لأنها كانت تنتظر تلك الإجازة بفارغ الصبر ولكن لم يمهلها القدر!

"يالا تصبحي على خير.."

"وأنت من أهله"

❈-❈-❈

جلس الجميع بغرفة الإجتماعات وتـ.ـو.تروا وكل شيء كان على قدمٍ وساق، لم يستطع بدر الدين التركيز بكل شيء، تلك التي خلبت عقله يشاهدها على شاشة هاتفه بينما العديد من الأعمال المتراكمة سمعهم يتحدثون بها ويهمهمون حوله وهو بعالم آخر تماماً..

لا يستطيع إلا أن يُفكر بإبتسامتها، ملامحها، خوفها، براءتها المتناهية، ذلك الطعام الذي تبرع به، رسمـ.ـا.تها المُتقنة، لم يعد عقله يُفكر بسواها..

شعر بخوفا مميتا ما إن تذكرت وخسر كل ما يحيا به وتلك المشاعر الذي تيقظت بداخله وقد ظن أنه لم يعد يشعر بمثل تلك الأحاسيس ولكن آتت تلك الفتاة لتبرهن له أن مخطئ تماما

"بدر.. أنت معانا؟!" صاحت شاهندة في تعجب لعدم تركيزه معهم ورفضه لترك مكتبه بينما جلس الجميع على طاولة الإجتماعات وزاد كثرة تحديقه بشاشة حاسوبه على مكتبه بينما تآففت هديل ليومأ لها بإقتضاب ولكنه لم يلاحظ ذلك الذي خطط بمنتهى الدناءة لكل شيء وهو يتناول مفاتيحه المتروكة على طاولة الإجتماعات وأخذها بخِفة ليخفيها بأحدى جيوبه ثم استأذن فجأة من الجميع متحججاً بإتصال وصله من احدى المواقع.

قرر بدر أن يدع هاتفه جانباً وآخذ يستمع لحمزة الذي يؤكد له أن كل شيء بخير وأنه ليس عليه أن يقلق فالحسابات مطابقة وكل شيء يبدو منضبطاً فقط يتبقى العهد البسيطة بخزينات المواقع الشركات ولن تأخذ مراجعتها وقت يُذكر.

أكدت له هديل أنها لن تدع الزوار المختصين بالمراجعة دون التجول معهم بنفسها حتى ولو أرادوا التجول بكل المواقع فهي مستعدة تماماً لذلك كما أنها ستتأكد من حركة المخازن بنفسها.

"خد دول تطلعلي عليهم نُسخ في ثواني وتكون قدامي.." همس كريم لأحدى العاملين بالشركة الذي أومأ له في تفهم واحترام وتوجه على الفور ممتثلاً آمره بينما كريم ابتسم في تهكم وهو يقترب مما أراده منذ شهور.. "أما نشوف بقا يا عيلة.. أنا ولا بدر بتاعك" تمتم بداخله وظل منتظراً لمن أرسله ليصنع له نسخة على مفاتيح بدر الدين.

❈-❈-❈


زفر في إرهاق وخلل شعره الطويل في ضيق.. لم يمر سوى ساعة وها هو يشعر بالسأم من كل ذلك، يشعر نوعاً ما بالإمتنان لمغادرة كريم المفاجأة لأحدى المواقع.. لقد أصبح لا يريد النظر بوجهه ويتمنى لو يتخلص منه، لولا فقط أنه زوج أخته وأباً لهؤلاء الأطفال لما تركه للحظة بجانبهم!!

توجه ممُسكاً بهاتفه عنـ.ـد.ما نهض الجميع لإستراحة بسيطة وكأنه ود لو يفر ليتواجد معها، تلك التي أججته بالإشتياق لها، لم يعد يريد أكثر من رؤيتها طوال الوقت حتى لو كلفه هذا كل ما يملك سيفعلها ليبقى بجانبها دائماً.. فكر بأن يتحدث إليها ولكنه تذكر أنه يتم إرسال كل ساعة من التسجيلات إلي بريده الإلكتروني فذهب ليتفقده..

فتح شاشة حاسوبه وهو يتفقد آخر التسجيلات المُرسلة إليه ليُمتع نظره من تحركاتها العفوية في له شـ.ـديد وابتسامه لم تغادر ثغره بينما وصله مكالمة من احدى الحراس ليُجبها في ثوان

"بدر بيه.. جوز اخت حضرتك جه وقال إنه هيوصل حاجة وماشي على طول" جحظت عيناه عنـ.ـد.ما استمع لذلك ليوصد حاسوبه قاطعا التيار عنه ثم هرول للخارج بسرعة..

دلف بسيارته ثم انطلق بسرعة ذاهباً لكليهما، فهو الآن سيكتشف كل شيء، إمّا براءتها وإمّا خداعها!!! ولكن أليس عليه أن يُبلغ الحراس بضرورة تواجدهم بسرعة مع نورسين.. أيشعر بالخوف عليها أم أنه يتمنى أن يكتشف ما إن كانت تخدعه طوال تلك الفترة الماضية؟!

يشعر بالخوف الشـ.ـديد، لا يدري هل خوفه هذا لأجلها من أن يؤذيها كريم، أم منها ومم سيكتشفه وسيعرفه عن براءتها، أم خائف من نفسه ومما سيفعله؟! ماذا إذا كانت تخدعه كل هذا الوقت هو أيضاً؟ أوقع بحب تلك الفتاة؟

لا يدري ما الذي يُفكر به بمثل تلك اللحظة وشعر بالتشتت الشـ.ـديد ولكن عرف أنه يجب عليه الوصول الآن وإلا قد يحدث مالا يُحمد عقباه!!

"حد بسرعة يروح يوقف تحت الأوضة ولا المكان اللي فيه نورسين وكريم وتسمعلي كل كلمة بالحرف بتتقال وأعرفها على ما أجيلك!! بسرعة" صاح في هاتفه بعد أن واتته تلك الفكرة فالتسجيلات مرئية فقط ولا يستمع لأي أصوات بها!!

"أنت مين!!" صاحت في تعجب بعد أن التفتت بسبب استماعها لتلك الضحكة الغريبة التي اختلفت عن ضحكة بدر الدين

"ايه يا حلوة.. فكرتي لما تتجوزي بدر الدين بيه هسيبك ولا هيحميكي مني؟" ابتسم نصف ابتسامة في خبث ثم بدأ في الإقتراب منها

"أنت.. أنت دخلت هنا ازاي؟! انت مين أصلا؟" صاحت في خوف وحاولت الإبتعاد عنه آخذة خطوات للخلف وأنفاسها بدأت في التعالي في وجل

"مش مهم دخلت ازاي.. المهم انتي عملتي كل ده ازاي.. مش كان ما بيننا اتفاق؟! وبعدين كده يا نور عاملة نفسك متعرفنيش.. للدرجادي بدر نساكي أنا مين؟" ضيق عيناه في ابتسامة وهو ينظر لها بخبث فشعرت بالإرتياب منه

"أنا.. أنا.. أنا والله ما أعرف أنت مين؟ وازاي دخلت هنا!! أرجوك لو سمحت متقربش أكتر من كده، أنا معرفش حضرتك" حدثته في ارتباك وهو يقترب نحوها

"ده أنتي طلعتي شاطرة أهو وبت عـ.ـر.في تكدبي.. بقى متعرفنيش؟!" حدثها في غير تصديق ضاحكاً في سخرية

"صحيح.. خطة ذكية.. تتجوزي بدر الدين، تطلعيلي بقرشين حلوين، وتبعدي عن جوز أمك الوسـ.ـخ.. وفي نفس الوقت تفضلي قريبة من شاهندة ونجوى!! واهو راجـ.ـل مش متجوز ومش هتقابلي مشاكل معاه.. لا بصراحة برافو عليكي، عرفتي تلعبي على الكل!!" صفق بيديه لتشعر نورسين بالوجل الشـ.ـديد من طريقته الغريبة وهي لا تدري ما الذي يتحدث عنه ذلك الرجل

"ما قولتلك اني هديكي اللي نفسك فيه وهعيشك مش ناقصك حاجة بشرط محدش يعرف.. قولتلك إني بحبك.. قولتلك إني عايزك في الحلال.. كنتي عايزة ايه تاني أكتر من كده؟ بدر احسن مني في ايه عشان تختاريه هو وتسيبيني أنا.." تحدث في غل وحقد شـ.ـديدان بينما نظرت له مشـ.ـدوهة بما تسمعه منه

"أنا مختارتش حاجة.. ومعرفش والله أنت مين ولا بتتكلم عن إيه، أنا مش عارفة أتجوزت ازاي، أنا بجد مش فاكرة" صاحت بصدق وتـ.ـو.ترت بشـ.ـدة وهو يقترب منها بينما تحاول هي الإبتعاد عنه وتذكرت كل ما حدث منذ استيقاظها ذلك اليوم الذي وجدت نفسها به مع رجل غريب يدعي أنها زوجته

"لو سمحت امشي أطلع برا، أنا، أنا معرفكش ومعرفش أنت بتقول إيه، يا إما هندهلك الـ Security يطلعوك برا!!" تعالت أنفاسها وهي تصرخ بوجهه

"لا تصدقي خوفت" ضحك بكل ما أوتي من قوة وأقترب منها لتشعر هي بالخوف وحاولت الجري لغرفتها حتى توصدها عليها ولكنه تابعها حتى لحقها ودفع الباب حتى سقطت هي أرضاً ونجح في فتح الباب لينظر لجسدها المستقر على الأرض بوقاحة

"ودلوقتي بقى وريني هيطلعوني برا ازاي" انخفض ليقترب منها ليعتليها وهي مستقرة أرضاً

"ابعد عني.. أرجوك كفاية كل اللي بتعمله وتقوله، أنا معرفكش" صرخت وهي تبكي ولكنه لن يتوقف لأي سبب كان..

"أنتي لسه هايحصلك.. لما بدر بيه يشوفك في حـ.ـضـ.ـني ويعرف إني نمت مع مـ.ـر.اته" تحدث بأنفاسه المتلاحقة وهو يحاول أن يُقبلها رغماً عنها لتحاول هي تحريك رأسها يميناً ويساراً لتتفادى قبلاته القذرة وتدفعه بكل وا أوتيت من قوة لتبكي رغماً عنها.. وفجأة عادت آلام رأسها وشعرت بتشويش عنـ.ـد.ما أقترب منها وبدأت الذكريات المشوشة لتعود إليها لتتذكر من هو كريم

"مش عايز صوتك يطلع عشان لو حد عرف حاجة هنتفضح احنا الاتنين سوا، وفي الآخر أنا راجـ.ـل وأنتي ست والكل هيشك فيكي مش فيا أنا وهيفتكروا انك انتي اللي سمحتيلي ادخل اوضتك في ساعة زي دي وهمّ نايمين!" آمرها بنظرة محذرة

"هشيل ايدي واسمعيني للآخر وبعدين قرري" تحدث لها ليخفض كف يده في بطئ بينما نظرت هي له في تـ.ـو.تر وخوف من مفاجأته له بغرفتها في منتصف الليل وتثاقلت أنفاسها ليكمل هو

"وعموماً أنا جايلك في حاجتين.. الأولانية إن جوز امك بيخطط لحاجة مش سهلة وواضح عليه إنه انسان طماع ومادي جداً ومش بعيد يبيعك للي يدفع أكتر" نظرت له والدمـ.ـو.ع كادت أن تنهمر من زرقاوتاها عند سماع كل ذلك عن يُسري الذي لم تتوقع أن يكون بهذه الدناءة

"الحاجة التانية اني هقدر احميكي منه كويس بس لو طاوعتيني وعرفتي تنفذيلي اللي أنا عايزه" تحدث في خبث وهو يتطلع ملامحها التي شرد بها لثوان ثم مد إبهامه ليتحسس شفتاها الكرزيتان في جرأة ليفرقهما ليشعر بأنفاسها المرتعدة الرقيقة.

"أنت.. أنت.. عايز ايه بالظبط؟" سألته هامسة في خوف

"يعني عايز اللي جوز أمك كان عايزه.." نظر لها في وقاحة يتفحص جسدها وساقيها المكشوفتان أسفل ذلك الرداء القصير ثم ابتلع وهو يتفقد ثدييها الظاهر بعضا منهما من ملابس النوم خاصتها في شهوة ووقاحة

"بس في الحلال طبعاً.. ولو اتجوزتيني محدش هيقدر يقربلك.. لا بدر ولا يسري وهنتجوز على سنة الله ورسوله وقدام الناس كلها، بس محدش هيعرف حاجة عن كل ده في البيت هنا!" أكمل بعد أن حدق بزرقاويتيها

"أنت اتجننت! اكيد اتجننت! أنت راجـ.ـل متجوز ومراتك حامل وعندك أولاد، ازاي تفكر تفكير زي ده و..."

"هشششش.." قاطعها ليقترب منها لتشعر بالخوف وحاولت الابتعاد عنه حتى لامس ظهرها رأس السرير خلفها "أنا عارف إن شاهندة وحمـ.ـا.تي بس اللي يعرفوا حقيقة اللي حصل في المستشفى، لكن تخيلي لو بدر الدين عرف.. مش بعيد يفكر إنك أصلاً عاملة مسلسل وحوار عليه ومتفقة مع يسري إن شاهندة تشوفكم بالطريقة دي عشان تيجي تعيشي هنا وبعدها بسهولة تدخلي العيلة هنا عشان تلهفي مبلغ محترم!" ابتسم نصف ابتسامة في خبث لم تلانمس عيناه لتندهش هي في صدمة وتـ.ـو.تر بنفس الوقت

"متفقة ايه.. ده كلام فارغ.. أنا.. أنا.. استحالة أفكر فيـ.."

"لو اتجوزتيني هدفع لجوز أمك اللي هو عايزه، وهبعدك عن قرف بدر.. فكري كويس وقرري وإلا بدر هيكون عارف عنك كل حاجة ومش بعيد يرميكي في الشارع بالذات لما يتأكد إنك متفقة مع جوز امك.. وساعتها يا إما الرجوع ليسري يا إما الشارع" قاطعها وهو ينظر لها بإبتسامة

"أنا متأكد إنك شاطرة وذكية وهتختاري صح.. متخلنيش مستني كتير.." نظر لجسدها بأكمله ثم مرر سبابته على فخذها المكشوف لترتجف هي للمسته وتحشرجت الكلمـ.ـا.ت بحلقها "تصبحي على خير يا قمري" نهض مبتسماً لتنظر هي له في احتقار ثم تركها وتوجه للخارج لتتبعه هي موصدة الباب بالمفتاح.

"حـ.ـر.ام عليك.. ابعد عني.. أرجوك كفاية بقا اللي أنت بتعمله ده" صرخت به وبدأت قدرتها في التباطئ وهي لا تستطيع مقاومته خاصةً أنها تخيلت للحظة أن بدر الدين قد يرتاب بأمرها ما إن رآها معه.. فتلك الأحاديث التي اندفعت لرأسها في آلم مبرح وضحت كثيرا معنى تلك الملامح المخيفة التي لطالما تذكرتها على وجه بدر الدين وكانت تعصف برأسها من حين للآخر دون أحداث.. ثم عادت لتتذكر المزيد..

"... برضو.. هتقولي كده تاني..أنتي ليه مش عايزة تقدري إنك عايزك وبحبك.. أنا مبقتش بحب هديل، زهقت منها ومن حياتي معاها، إنسانة استغلالية وطماعة، أنا بحبك أنتي يا نور، كفاية بُعد عني.." شعر بالصدمة عنـ.ـد.ما سمع ذلك

"يبقا تسيبها، تسيبها وتبعد عنها، متفضلش معاها وتظلمها.. كل اللي بتقوله أصلاً مش مبرر إنك بتحب حد.. مينفعـ.." توقفت من تلقاء نفسها عنـ.ـد.ما رآت بدر الدين يحدق بعينيها بنظرة مرعـ.ـبة جعلتها ترتجف وأقشعر جسدها بأكمله وتعالت نبضات قلبها وابتلعت بخوف تام!

شعرت برأسها تتهشم والآن أدركت لماذا تشعر بالخوف من بدر الدين، هو يظنها أنها كانت على علاقة بكريم إذن!! ولكن لا هي لم تفعل أي من ذلك!!

"بدر بيه، حضرتك لازم حد يجي يتدخل بسرعة.. هي بتصوت فيه وشكله كده هيتهجم عليها" استمع بدر الدين لواحد من رجال الحراسة الذي هاتفه

"خلاص أنا جاي.. ثواني وأكون عندك" أخبره وهو يشعر بالغضب الشـ.ـديد مما سمعه وأنهى المكالمة

"يا وسـ.ـخ يا حـ.ـيو.ان!!" صاح بين أسنانه المتلاحمة وهو يقود بجنون.. لقد تبقى ثواني فقط حتى يصل منزله، تمنى ألا يعتدي عليها، تمنى أن يستطيع اللحاق بهما قبل أن يفعل بها شيئاً.. لو حدث لن يسامح نفسه أبداً..

ظل يتخيل صراخها وبكائها الذي هشمه آلماً هو الآخر، يشعر بالغضب.. لو فقط وصل سيقـ.ـتـ.ـل كريم بكلتا يداه ولن يدعه ليتنفس مجدداً..

أخيراً استطاع في الوصول ليدلف بسرعة ولكنه توقف من تلقاء نفسه قبل أن يتوجه نحو غرفتها وكأنما شُلت قدمه!! للحظة تذكر كل ما فعله بها وبكل ما اتهمه بها.. عرف أنه لن يستطيع النظر بتلك العينان ما إن واجهته بظلمه لها..

"نورسين.. نورسين" صاح بصوتٍ عالي النبرة وهو يتوجه نحو غرفتها وآخذ يتأنى قدر المستطاع حتى يغادر كريم وأخرج هاتفه

"نورسين أنتي فين؟!" صر أسنانه وهو يعلم أن ذلك الحقير على وشك المغادرة وسُيفلت دون أن يقـ.ـتـ.ـله بيديه "نورسين!" صاح مرة أخرى ليستمع كليهما له لتشعر هي بالفزع بينما توقف كريم وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه المتلاحقة وتفقد الغرفة بسرعة بعينيه ليجد احدى النوافذ بها

"أنا هامشي دلوقتي.. بس في يوم من الأيام هخليه يشوفك وأنتي في حـ.ـضـ.ـني.. وبرضاكي يا نور!!" ابتسم لها ثم فر مذعوراً من صوت بدر الدين الذي سمعه يقترب منهما ولكنه لم يعلم أنه على علم بكل ما حدث لتنهض نورسين في خوف شـ.ـديد من صوته الذي لأول مرة تسمعه يناديها بإسمها بهذه الطريقة، وهي تبكي وتحاول التوقف وتجفيف دمـ.ـو.عها حتى لا يُلاحظ هو ولا تدري هل علم بدر الدين عما حدث وسمعهما أم ماذا سيفعل معها لو عرف أنها قد رآت كريم مجدداً..

"راقبوا الشباك من غير ما الكـ.ـلـ.ـب ده ياخد باله واوعوا يشوفكوا.. بيخرج منه ولا لأ؟" حدث بدر الدين احدى الحراس هامسا بهاتفه ليجيبه الطرف الآخر

"آه يا بدر بيه بيخرج أهو" أنهى المكالمة ثم عاد ليناديها

"نورسين.." ناداها مجدداً وهو كاد أن يبكي من فرط خوفه من مواجهتها فهو يعلم أنه لطالما كان جبانا ولكنه تحكم في سيطرته على نفسه وخاصةً بعد معرفته بمغادرة ذلك الحقير كاللص تماماً وآخذ يتوجه بخطوات يحاول ألا يُسرع بها لغرفتها أمّا عن شعوره بالخوف من النظر لعيناها ومواجهتها بعد كل ما عرفه فقد بعثره داخلياً لأشلاء وهو يُفكر ماذا سيفعل معها الآن!!..
"انا بنادي عليكي.. مش سامعاني؟" توقف أمامها وهو يحاول أن يتحكم بنفسه ألا ينهار أمامها لتنظر له في وجل ولازال يلاحظ ارتجافها فهي لا تعرف ما الذي يظنه عنها ولا ما الذي اعتقده وخاصة أنها تذكرت وقتها أنهما لم يكونا متزوجان وإلا لما كان كريم عرض عليها الزواج في السر وشعرت بتخبطها أمام بدر الدين ما إن علم أن كريم كان هنا للتو

"ايه.. شوفتي عفريت ولا ايه؟" تحدث عاقداً حاجباه وهو يتصنع التعجب بإبتسامة مقتضبة أجبرها لترتسم على شفتاه ثم أقترب منها يتلمس ذراعيها ويتفقد ملامحها التي بدت مذعورة لتنفجر هي بالبكاء..

لم يستطع سوى أن يجذبها له لتستقر رأسها بصدره، هو يدري جيداً لماذا تبكي، يعرف تمام المعرفة ما بها، يشعر وكأنه يتهشم بداخله لرؤيتها تبكي بتلك الطريقة، وعلى الرغم من عذابه بتلك الدمـ.ـو.ع التي بللت صدره وذلك النحيب الذي يُضعفه تركها تلك المرة لتبكي مثلما تُريد..

ربت على ظهرها في حنان ثم همس بأذنها ليحاول أن يُطمئنها بعض الشيء بالرغم من معرفته أنها تعاني من مداهمة هذا الحقير إليها ولكنه لم يعرف بعد أن بدأ يعود إليها بعض المقتطفات من ذاكرتها

"هششش.. متعيطيش أرجوكي" توقفت هي ليتحول بُكائها لشهقات متقطعة لتدفعه بعيداً ثم نظرت له في انفعال ولكنها بدت كالطفلة الصغيرة..

"أنت كنت فين وسيبتني لوحدي؟ مش قولتلي إن فيه حراس بره؟ كانوا فين وليه مجوش، اشمعنى بيدخلوا ناس.." صرخت به في لوم

"أنا كنت في الشغل، وبعدين ناس ايه اللي بيدخلوا؟ أنا مش فاهم تقصدي ايه!!" تصنع عدم المعرفة وبداخله يسُب نفسه لتلك الحالة التي رآها بها

"أنت.. أنت لازم.. تفضل هنا.. معايا.. متمشيش وتسبني تاني" تحدثت بعصبية ليقترب هو منها وهو يجفف دمـ.ـو.عها بأنامله

"طيب حاضر هاعملك اللي انتي عايزاه وهاسيب شغلي علشان خاطرك.. مبسوطة كده؟" نظرت له بوجه عابس جعلها حقاً كطفلة في الخامسة من عمرها وعينتاها الزرقاء تنظر له في غضب طفولي

"لا متسيبوش.. ابقى تعالى كل شوية.. او اشتغل من البيت.. او اتصرف بقا.." أخبرته وهي لا تدري ما ذلك الهراء الذي تتفوه به بينما هو ود لو يسألها لماذا عليه أن يبقى؟ أهي تشعر بالأمان معه؟ ألهذا الحد كانت تحتمي بالتواجد بقربه من ذلك الحقير؟ ولهذا الحد كان أعمى حتى لا يلاحظ كل ذلك؟!

"بصي.. غيري هدومك والبسي وتعالي نروح نتغدى برا عشان أنا رجعت بدري النهاردة وأكيد معملتيش أكل!" تحدث بخفوت وهو يحاول كتم تلك الدمـ.ـو.ع ليبتلعها شاعراً بغصة في حلقه وتوجه لمغادرتها ليوقفه صوتها

"بجد هنخرج؟!" صاحت متسائلة في حماس ليلتفت وهو يومأ لها بإبتسامة ثم ولاها ظهره مجدداً ليصيح وحاول بصعوبة ألا يبدو آلمه على نبرته

"هاستحمى وأغير وهاجيلك.." أخبرها وغادر مسرعاً ليهرول لغرفته ليدلف إليها موصداً بابه عليه ثم هرول لصورة ليلى لتتساقط دمـ.ـو.عه رغماً عنه وهو لا يدري من أين له بأن يبدأ بالكلام..

❈-❈-❈

"اسمع لما أقولك.. أنت لو مجيبتش أهل البت دي في خلال يومين أنا هاهد الدنيا على دماغك، سامع ولا لأ؟!" صرخ كريم بهاتفه متحدثاً ليُسري

"جرا ايه مالك.. وبعدين اسمعني كويس.. أنا ممكن اخد البت دي واجوزها للي يدفع أكتر منك، أو ممكن اروح لجوزها وأخد منه اللي أنا عايزه، أنا مخلصتش من أمها عشان تقرفني هي، ولا تغور خالص ومش عايز حاجة، إنما كل شوية هتقرفني أنا مش عايز وجع الدماغ ده!!" صاح يُسري مجيباً ايه في غضب بينما لاحظ كريم كل ما أخبره به وتلك الكلمة التي قالها بخصوص كوثر والدة نورسين

"معلش اعذرني بس الموضوع طول.. وأنا بقا بصراحة هموت عليها وعايز أخلص من بدر ده بأي طريقة.." لانت نبرته ثم تنهد "متعرفش كده طريقة تخلصنا منه ولا نضطر نقول لأهلها ولا حاجة؟!" فكر كريم قليلاً لربما يُخبره أي شيء يستطيع أن يُدينه به يوماً ما حتى يُنفذ كل ما خطط له!

"مممم.. يمكن أعرف.. بس كله بحسابه!" ابتسم يُسري في خبث

"وأنا كريم.. وكريم أوي كمان معاك أنت بالذات.. تحب نتقابل النهاردة نتكلم في الموضوع ده؟!"

"تمام اتفقنا.. تعالالي البيت النهاردة على تسعة او تسعة ونص كده بليل"

أوصد كريم هاتفه وهو يُفكر الآن التلاعب بيسري مثلما تلاعب به هو الآخر وعرف جيداً كيف سيجعله رهن إشارة واحدة من سبابته ليبتسم في انتصار ثم توجه لمكتبه وهو يدندن بشيء ما..

❈-❈-❈

"انتي متخيلة يا ليلى أنا عملت فيها ايه؟! متخيله أنا بهدلتها ازاي؟" همس لصورة ليلى أمامه ودمـ.ـو.عه تتساقط في ضعف وإنكسار "هي مش بس عرفت حقيقتي ولا اتعصبت عليها ولا حتى عملت زيك وكانت عايزة ده، لأ أنا كنت شايف فيها وفاء.. عارفة يعني ايه وفاء؟ أكتر ست بكرهها في حياتي.. أنا طيب هاعمل معاها ايه دلوقتي؟" مسح دمـ.ـو.عة بحرقة وهو يحاول أن يتنفس بين بكاءه

"طب هبدأ منين؟ أنا.. أنا مبعرفش أعتذر ولا أكون حنين.. ايه فجأة كده هاجي أقولها أنا مسامحك ومفيش جواز؟ لأ يا ليلى أنا مش هاقدر أبعد عنها.. كفاية أنتي بعدتي عني.. هتيجي هي كمان تبعد عني؟!! لأ استحالة.. أنا عارف إني أناني بس مش هاقدر ابعد عنها، مش هاقدر أسيبها تضيع من ايدي بعد ما لاقيتها.. أنا بحبها أوي يا ليلى.. أنا مش عارف هاعمل ايه!!"

"ابن الكـ.ـلـ.ـب الوسـ.ـخ ده خلاني أشك فيها.. أنا مش بعيد أموته، ده أنا هاعذبه بالبطيء.. أنا هخليه يمشي يتلفت حواليه على كل اللي عمله فيا وفيها وهديل!! أنا هاعمل فيه أضعاف اللي عملته في نورسين زي ما خلاني ابهدلها" اعتصر عيناه في آلم عنـ.ـد.ما تذكر أخته

"ذنبها ايه تقع في واحد قذر زي ده؟ ذنب ولادها ايه؟" صاح صارراً أسنانه بعنف ثم وضع صورة ليلى بمكانها ثم توجه بخطوات بطيئة للحمام وهو يشعر بالتشتت وكاد أن ينهار بأي وقت..

عقله فارغ، فارغ من كل شيء، ذلك الرجل الذي لطالما عرف ما يفعله جيداً لم يعرف ما الذي عليه فعله الآن!! كبير العائلة والقدوة لم يعد مُدركاً كيف ستمر تلك الأيام القادمة عليه وعليها.. متشتت وخائف، منكسر ومهزوم.. يشعر بمدى ظلمه وافترائه عليها، لقد ظلم طفلة، طفلة وقع في حبها وبشـ.ـدة وقاوم بكل جوارحه، لولا فقط ذلك الفكر الذي سيطر عليه بأنها كانت تخدعه لكان يحيى أسعد أيامه معها ولكن كل ما حدث كان غلطته هو.. بمنتهى الغباء.. لقد كانت محقة عنـ.ـد.ما أخبرته أنه غـ.ـبـ.ـي!

لقد فهم ما نطقت به بمنتهى الخطأ، لقد كانت تدافع حقاً عن أخته، لم تكن تريد لأخته أن تنخدع بمثل ذلك الحقير الذي تزوجته، لقد كانت تدافع عن أطفالها، تحثه على أن يكون على وعي بما يرتكب.. ولكن غباءه لم يدعه ليُصدق الحقيقة التي كانت واضحة وضوح الشمس بمنتصف نهار صيف لم تغيب شمسه ولو للحظة واحدة..

"دي غلبانة وطيبة اوي.. هاعمل أنا ايه دلوقتي معاها؟!" تمتم وهو أسفل المياة ليشعر بتلك الآلام التي قد فتكت به تخبطه يميناً ويساراً وإدراك أنه ظالم ظلماً شـ.ـديداً جعله للحظة يتخيل نفسه كأبيه لتتساقط دمـ.ـو.عه رغماً عنه وهو يتذكر كل تلك الأشياء التي فعلها بها مثل والده..

عنـ.ـد.ما حبسها أول مرة لقد فعل به والده ذلك، عنـ.ـد.ما أهانها بتلك الكلمـ.ـا.ت كان قد سمعها من أبيه لأمه، عنـ.ـد.ما عذبها وهو يجلدها لقد تعرض لتلك الجلدات من قبل، لقد كان كنسخة طبق الأصل من أبيه!! لقد شابه أكثر من كره من الرجال بحياته.. أو لربما الجزء الذي كرهه به، فلولا أنه أعطى حياته فرصة ثانية بإحضاره له من منزل والدته كان ليضيع تماماً بتلك الحياة.. ويا للهول لو تذكرت فجأة كل ما فعله بها!! ستتدمر علاقتهما بالتأكيد!

❈-❈-❈


شعرت بالخوف ما إن آتى كريم هنا مرة أخرى؟ ماذا لو أخبره الحراس بأنه قد آتى؟ ألاحظ عليها خوفها؟ ألاحظ أنها كانت في حالة الذعر تلك؟! لقد تذكرت أن بدر الدين استمع لهما يومها ولكن ما الذي فعله بعد ذلك؟!

أحيانا يأتي بعقلها ومضات مؤلمة تجعلها تشعر بأنها عاشت مواقف واحداث مرعـ.ـبة مع بدر الدين ولكنها لا تتذكرها بأكملها ورأسها تأخذ في إيلامها بشـ.ـدة.. ولكن ربما هذا منطقي، لأنه فكر وظن أنها على علاقة بكريم.. ولكن تقسم أنها لم تفعلها!!

وما الذي يفعله معها تلك الأيام؟ يُقبلها على رأسها، يبتاع لها ملابس جديدة، يدعوها لتناول الطعام بالخارج، لم يعد يغضب ولا يصـ.ـر.خ بها، يبتسم لها دائماً ويضحك كثيراً أمامها!!! إذن هل علم الحقيقة بأنها لم تكن على علاقة بكريم حينها؟

أيُمكن أنه قد عرف الحقيقة كاملة؟ لماذا لم يُخبرها إذن؟ ولماذا يتقرب لها بذلك الشكل؟ وما الذي فعلته هي معه عنـ.ـد.ما رآته؟ لقد بكت بصدره اليوم، وعنـ.ـد.ما كانا بتلك الرحلة لقد بكت بصدره أيضاً!! أيُمكن أنها لم تعد خائفة منه مثل قبل؟ لماذا لا يتبدد شعورها منه بالخوف؟ أحيانا تخاف وأحيانا تشعر معه بالأمان.. شعرت بتشتت هائل.. ما الذي فعله معها لتشعر بكل ذلك؟!

أستطاعت أن تآمن بجانبه بمثل تلك السهولة؟ لماذا تشعر وكأنها دائماً تحتمي به وهو قد يكون فعل أي شيء بها بعد ادراكه بمنتهى الخطأ أنها على علاقة بزوج اخته؟ لقد آتى بالوقت المناسب حتى ابتعد كريم عنها تماماً.. ولكن ماذا لو غضب عليها وقتها؟ لماذا يتشتت عقلها هكذا كلما فكرت به؟ لا تعرف هي تكرهه أم تحتمي به، هو يُعذبها أم يحاول إسعادها؟ وماذا لو لم يأت بمثل هذا الوقت.. أكان ليتهجم عليها كريم ويفعل معها شيئا حقيرا بنظراته تلك التي انهالت من عينيه من قليل؟!

احترق عقلها مُفكراً وهي ليست سوى فتاة بالعشرون من عمرها لا تدري ولا تعي أياً مما يحدث معها ولم تعد قادرة على تحمل كل تلك التصرفات الغريبة التي يقوم بها، ولا تتحمل حقيقة فقدانها لذاكرتها وموت والدتها الذي لا تعلم عنه شيء وحقيقة قذارة زوج والدتها وزواجها من ذلك الرجل الذي يجعلها تشعر بالخوف والآمان!! عقلها لم يعد يستطيع التحمل أبدا!

تذكرته عنـ.ـد.ما أقترب منها بتلك الطريقة منذ يومان لتخجل مجدداً ورغماً عنها وجدت نفسها تضم قدميها وتعتصر يداها في خجل، كلما تذكرت ما فعله وصرخاتها تلك تشعر بالإحراج الشـ.ـديد وعدم الراحة، وعنـ.ـد.ما تتذكر شعورها بتلامس جسديهما العاريان ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها حية!!

"هو ازاي بيعرف يعمل كده؟" تمتم عقلها سائلاً لتبتسم وهي شاردة تماماً فيما فعله وطريقته "يمكن عشان شايفني حلوة؟ هو قالي كده بنفسه" تذكرت عنـ.ـد.ما أخبرها بتلك الكلمة لتتوسع ابتسامتها وأخذت تزيح شعرها بيدها للخلف وآخذت تتخيل لو فقط لها أن تقترب منه مجدداً!

تعجبت لتفكيرها الذي نهت نفسها عنه زاجرة عقلها ورأسها التي عادت لتتذكر تلك الأفعال المُخلة لتصيح بنفسها في تأديب

"ايه بقا قلة الأدب اللي أنا بفكر فيها دي!!" فكرت جيدا بأنها لا يجب عليها ألا تُفكر في مثل تلك الأشياء مرة أخرى وستتناسى تلك الأفكار تماماً.. عليها فقط أن تُفكر بخوفها وذاكرتها تلك يجب أن تستعيدها حتى تتفهم كل شيء بوضوح وتعلم ما الذي حدث لها!

"جاهزة؟!" صاح بإبتسامة أجبر نفسه على تصنعها لتلتفت هي له وتومأ له ثم توجهت نحوه لتجده يمد يده لها فتنهدت في تعجب من تصرفاته الغريبة عليها اليوم ولكنها تشعر بالحماس للتوجه للخارج فوضعت يدها بيده وسارت معه حتى دلفا السيارة سوياً ..

"أنت.. موديني فين؟ أقصد يعني هنروح فين؟!" سألته بتردد وارتباك ولكن عيناها رآى بهما طيفا من حماس طفولي

"فيه اوتيل حلو اوي على الكورنيش وبيعمل أكل حلو" أخبرها ليلمحها بطرف عينه ليجد ملامحها تعبس ثم لاحظ الحُزن بادياً عليها

"طيب" اجابت بإقتضاب لتجده يصف السيارة على جانب الطريق ثم التفتت متوجهاً إليها متنهداً في حيرة وهو لا يستطيع أن يتفقد تلك الملامح البريئة دون الشعور بالنـ.ـد.م على كل ما فعله بها

"شكلك مش عاجبك الاوتيل من دلوقتي.. قوليلي طيب عايزة تروحي فين؟!"

"يعني ممكن نروح أي مكان فيه كذا حاجة جنب بعض، هناكل في اي حتة هناك وهنتمشى ونتفرج على حاجات كتيرة وهنتبسط أكتر.. لكن الاوتيل مش هنعمل حاجة وهنفضل قاعدين"

"بس كده.. المكان اللي يعجبك نروحه" ابتسم لها لتنظر له بإندهاش وسعادة

"طيب ممكن أوصفلك مكان حلو "

"طبعاً ممكن.." أخبرها لتبتسم إليه

"شكراً لحضرتك أنا مش عارفة أقولك إيه" أخبرته بإبتسامة وبالرغم من شعوره بالفرحة لأجلها إلا أنه يحتقر نفسه على كل ما فعله معها

"مش قولنا مفيش حضرتك والرسمية دي" ضيق عيناه ناظراً لها

"أنا آسفة.. المرة الجاية مش هاقولها" نظرت له بتلك الزرقاوتان ليومأ لها وشرع في القيادة متوجهاً حيث تخبره بالطريق ليفعل لها كل ما أرادته..

لقد كانت طفلة بالفعل.. تمشي مثل الأطفال وتتجول عيناها هنا وهناك، تشاهد كل شيء ولكن دون أن تطلبه، تتحرك بحيوية وطاقة شـ.ـديدتان، تبتسم للأطفال وتلاعبهم، لم يكف عن اللحاق بها حتى لا تغيب وسط الزحام عن عيناه..

أمسك بيدها مجدداً وهما يتمشيان سوياً ولم يكف هو عن الإبتسام بإقتضاب كلما نظر لها أما هي فقد كانت سعيدة بشـ.ـدة، يستطيع أن يرى تلك السعادة بادية على ملامحها، وأما عنـ.ـد.ما تلاقت أعينهما كان يرى ارتباكها وخجلها ليتنهد هو وهو لا يدري كيف عليه التصرف معها..

"تعالي نشتري حاجة من هنا" أخبرها لتومأ له وهي تتبعه ثم وقفا أمام احدى المعروضات التي كانت هواتف محمولة ذات علامة تجارية لم يكن يتواجد سواها وقتها "ايه اللون اللي عجبك؟"

"أنا طول عمري بحب السيلفر ده حلو اوي.. بس لو ليك أظن الأسود هيليق معاك أكتر.." تحدثت له وهي تتفقده بتلك الزرقاوتان

"اشمعنى بقا الأسود هيليق معايا؟" عقد ذراعاه وهو ينظر لها بتلك الثاقبتان لتبتلع هي مما أوشكت على قوله وبالنهاية قررت أن تقول شيئاً آخر

"مممم.. يعني.. هو Formal (رسمي) اوي.. وأنت بحسك Formal اوي في كل حاجة"

"مممم هو ده السبب يعني؟" سألها لتومأ له بإقتضاب وأشاحت بنظرها بعيداً عنه بينما هو عرف جيداً أنها تُخفي الحقيقة، فبالطبع الأسود هو أكثر ما يلائم تلك الظُلمة الحالكة بداخله!!

أمسك بيدها بعد أن حدث أحدى مسئولي المبيعات بالمحل ليومأ الرجل له ثم أعطاه بطاقته الإئتمانية وعاد ليحدق بعينتاها تلك اللاتي آسراه وأصبح لا يستطيع الحياة دونهما..

"اتفضل حضرتك.. شرفت" أعطاه الرجل حقيبة ليومأ له وآخذ الحقيبة منه وتناول بطاقته الإئتمانية ثم أعطى الحقيبة لنورسين

"عشان أنتي طول عمرك بتحبي السيلفر جبتهولك.." نظرت له بعينان متسعتان بمنتهى الدهشة ثم ابتسمت له في غير تصديق

"بجد؟ ده اجدد حاجة.. يعني خلاص هيبقالي موبايل بتاعي زيك؟" أومأ لها بالإيجاب وابتسم لها ليجدها تندفع فجأة نحوه وتعانقه أمام الجميع ليعقد هو حاجباه "متشكرة اوي.." ابتعدت عنه مسرعة ثم فتحت صندوق الهاتف لتتفقده "ممكن بس تديني الخط عشان أشغله"

"تعالي نجيب واحد جديد وسيبك من القديم" أخبرها فأومأت له بالموافقة وعيناها لم ترتفع عن تفقد الهاتف كالطفلة الصغيرة ليبتسم هو على ما يراه..

"الفيلم ده شكله حلو أوي.. ده شكله بيضحك وأنا بحب أوي الأفلام دي" شهقت عالياً وهي تنظر لأحدى اعلانات أفلام الكوميديا التي تُعرض على شاشات السينما "هو احنا ممكن ندخله.. أرجوك متقوليش لأ ومش هاطلب أي حاجة تانية منك" توسلته ليومأ لها بالموافقة

"واطلبي اللي أنتي عايزاه كمان" ابتسم لها وهو يتبعها حتى يحصلا على التذاكر

"لا لا استنى" صاحت به ليندهش هو وتوقف عما يفعله "ما احنا لو دخلنا السينما دلوقتي يبقى مش هناكل، وعلى ما نخلص هنلاقي محلات الأكل قفلت، ولو أكلنا دلوقتي يبقى لازم ندخل معاد الساعة عشرة وكده هنروح متأخر.. خاللي السينما يوم تاني بقا" صاحت بحزن

"هو انتي وراكي حاجة عشان مش عايزة تروحي متأخر؟" ضيق عيناه الثاقبتان لها وهو يتفحصها..

"اصل يعني.. أنا عمري ما روحت متأخر" همست له وهي تشعر بالغرابة ليضحك هو ولمس يدها في رقة ولطف

"لا عادي ممكن وأنتي معايا تروحي متأخر.. ولا مش شايفاني كبير كفاية؟" ابتسم لها ليرى اتساع زرقاوتاها

"لأ حضرتك كبير بس.. بس.. ماما كانت دايماً تقولي متأخرش" عادت عيناها لطبيعتها ثم أدرك أنه تتذكر والدتها ليرى لمسة من الحزن لمست عيناها

"مامتك كانت بتقولك كده عشان كانت بتخاف عليكي تروحي لوحدك، لكن أنتي متجوزة دلوقتي.. بقيتي كبيرة خلاص ومع جوزك، طول ما انتي معايا اعملي اللي أنتي عايزاه" ابتسم لها لتبتسم له وهي تنظر له في فرحة

"طيب ممكن ناكل الأول.. أنا جعانة اوي بصراحة.." عبس وجهها ليبتسم هو على طفولتها

"المكان اللي يعجبك شاوري عليه واحنا ناكل فيه"

"قولي بقا إنك بتحب الـ Burger، فيه محل بيعملوا أصلاً عنده.. من أول ما بيـ..."

لم يستمع حقاً وصفة البرجر تلك ولكنه شرد بعينيها التي انهال منها الحماس وهي تتحدث، ثغرها وهو ينطق بتلك الطريقة، أحقاً مثل تلك الأشياء البسيطة تُسعدها!! لو أرادت أن تفعل هذا كل يوم سيفعله من أجلها، بل وسيفعل المزيد من أجلها لو ودت ذلك، يريد أن يعوضها عن كل ما بدر منه تجاهها علها يوم تتذكر كل قسوته ستسامحه ويتخلص وقتها من ذلك الشعور بالنـ.ـد.م ولكن لن يكون هذا هيناً أبداً..

❈-❈-❈


حملها ليصعد بها لفيلته بعد أن نامت مثل الأطفال فلقد فعلا اليوم العديد من الأشياء حتى نامت وقد تأخر الوقت كثيراً فهو يعلم أنها تستيقظ مبكراً..

لم تدرك أنا حاوطت عنقه بذراعيها وهو يحملها وأكملت نومها ليبتسم وهو يسـ.ـر.ق تلك النظرات لملامحها الملائكية النائمة بتلك الطريقة ثم دلف غرفتها ليضعها بالسرير وخلع حذائها وبدأ في محاولة أن يبدل لها ملابسها ولكن للحظة توقف..

لم يعد يريد أن يشعرها بعدم الراحة وذلك الخجل الذي يعتريها بشـ.ـدة، لا يريد لها أن تتذكره يوما بتلك المرات التي رآها بها عارية لأكثر من مرة وهو يُجبرها بأن تتعرى ليُشعرها بالإهانة.. هو يدرك الآن أنها لم تستحق منه ذلك منذ البداية وتمنى لو أن تصرفه الذي سيفعله قد يغير ولو جزءاً ضئيلاً مما فعله من قبل..

"نوري.. اصحي" ناداها لتهمهم هي بنعاس "نوري.. قومي غيري هدومك" فتحت عيناها لتنظر له بتلك الزرقاوتان الصافيتان

"حاضر" همست له ثم نهضت ليرها تغادر للباب

"رايحة فين؟!" سألها لتلتفت له ولا زال وجهها يحمل أثر النعاس ليرها تدلك عينها

"عطشانة اوي وعايزة أشرب"

"طيب غيري هدومك وأنا هاجبلك مياة" أخبرها بهدوء لتومأ له ليتوجه هو مُحضراً لها المياة وما إن دلف غرفتها حتى رأها بأحدى الثياب القصيرة التي بدت مثيرة عليها حد اللعنة!!

حسناً، عليه أن يبتاع لها بعض الملابس التي لا تكشف جسدها بتلك الطريقة للنوم أيضاً، وإلا إذا رآها هكذا أمامه لن يستطيع التحكم في نفسه..

"نوري.. المياة" همهمت له ثم نهضت جالسة في نُعاس لتآخذ الكوب منه ثم انتهت لتعيده إليه ووجدها تنظر له ببراءة

"أنا اتبسطت اوي النهاردة.. شكراً يا Mr بدر" أخبرته ثم قبلته على وجنه وعادت للنوم ليتعجب هو من كل ما تفعله تلك الصغيرة به ثم ارتسمت ابتسامة على شفتاه.. ثم لوهلة شهر بالإستغراب، فهي قبل أن تفقد ذاكرتها بتلك الليلة المشؤومة كانت دائما تناديه بـ "Mr بدر" هل هذا كان تلقائيا منها أم أنها تذكرت كل شيء؟!

توجه للخارج بعد أو أوصد باباها في هدوء ليندلع بداخله بركاناً من الأفكار التي لا تملك شفقة على رأسه وكذلك بركان من شـ.ـدة النـ.ـد.م والذنب الشـ.ـديد على كل ما فعله معها.. حتى الآن يرى أنه يستغل طفولتها الشـ.ـديدة.. فقط بمجرد ساعات معها تتغير معه بتلك الطريقة! أليس هو المُستغل الآن لبراءتها المتناهية؟! تتناسى ما حدث لها مع كريم ثم تذهب معه لتبتسم وتضحك وتشعر بالسعادة!

دلف غرفة مكتبه ليُشعل حاسوبه وهو يستمع لذلك الحقير ومكالمـ.ـا.ته التي قام بها التي تُرسل إليه على بريده الإلكتروني.. عرف أنه قد اتفق مع المراجعين وهو السبب في كل ما حدث، هذا الوغد لن يُفلت أبداً بفعلته معه!! سيفـ.ـضـ.ـحه أمام الجميع ولكن عليه أن يتلاعب به أولاً..

سمع أول مكالمـ.ـا.ته مع يُسري وهو يريد بأي طريقة أن يصل لأهل نورسين وكذلك مكالمته الثانية ولكن أكثر ما آثار حفيظته هي تلك المُكالمة الأخيرة التي كان يهدده بها

"بص بقا.. أنا شغل العوج اللي بتعمله معايا ده مش عاجبني.. يا تجيبلي أهل نور في خلال يومين يا إما..."

"أنت هتهددني ولا ايه؟!" صاح يُسري مقاطعاً اياه "لا بقا وريني هتعمل ايه؟"

"أنا أقولك.. فاكر كل الكلام اللي بعبعتلي بيه وقولتلي خلصك من حد قبل كده.. أنا بقا بفهمها وهي طايرة، أنت خلصت من مراتك بنفس الطريقة عشان تكحوش (تلم يعني أو تسرق) على القرشين اللي حيلة مراتك.. مراتك لسه مكملتش كتير في تربتها، والمفاجأة بقا إن كل كلامك متسجل في قعدتنا الحلوة.. فأنت قدامك حل من اتنين.. يا تجيبلي أهلها زي ما قولتلك يا إما هعترف عليك.. وقدامك يومين بالظبط، لو متصرفتش زي ما اتفقنا فكر بقا توكلك محامي شاطر.." ابتسم كريم بإنتصار

"ايه اللي أنت بتقوله ده أنا.. أنا معملتش كده.. أنا كنـ.."

"لا لا.. مش عليا الحبتين دول، الحبتين دول تعملهم على واحدة زي شاهي.. نور.. إنما أنا عارف صنفك الوسـ.ـخ ده كويس.. ابقى بقى كلمني بعد يومين وقوللي عملت ايه"

نهض بدر الدين غاضباً بعد أن استمع لتلك الحقارة الشـ.ـديدة التي تقاسمها كلاهما وهو يتناول هاتفه ليتصل بأحد ما من حراسه

"يسري راتب تجبهولي زي ما هو باللي عليه من بيته وترميه في أي حتة بعيدة لغاية ما أفوقله، بس عايزله حتة تجننه، وكريم الدمنهوري، أول ما يطلع بكرة الصبح من بيته تجيبه وترميه معاه.. الاتنين عايز موبايلاتهم عندي!! وسيبهملي بقا أنا هاعرف اتصرف معاهم كويس"

أوصد بدر الدين هاتفه في غضب شـ.ـديد بأنفاس متسارعة ليجلس على كرسي مكتبه وآخذ يحتسي لفودكا ولم يتوقف عن تدخين سجائره المتوالية وهو يقسم بداخله أن يذيق هؤلاء الأوغاد أضعاف ذلك العذاب الذي ذاقته نورسين على يده!!
أهذا صوتها يناديه أم أنه يحلم بشيء ما؟ لماذا لا يستطيع النهوض والنظر لها؟ لقد شرب كثيراً الليلة الماضية واحتسى الكثير ويشعر بتهشم رأسه، متى سيتوقف عن كل ذلك؟

"اصحى.. هو.. حضرتك.. انت سامعني؟"

همهم لها ولكنه لا يستطيع التحدث، يشعر بإرهاق شـ.ـديد، أحقاً ظل بغرفة مكتبه إلي الآن؟ كيف له أن يُنهي ذلك الصداع اللعين وذلك الذنب الذي كان السبب في ثمالته أكثر من تلك الخمر؛ تفكيره بكريم ويُسري وبم سيفعل معهما، احتياجه لليلى، تفكيره بمواجهة تلك البريئة التي لم يكن لها ذنب بأي شيء، خوفها منه الذي لا يزال جلياً في طريقتها معه، لقد لجأ للخمر علها تساعده في النسيان ولكنه تذكر كل التفاصيل!!

"أنت كويس؟" همست بجانب أذنه ليشعر بالقلق في نبرتها ليلتفت لها بصعوبة وهو يفتح عيناه في إرهاق ثم تطلع هذا الوجه الملائكي القريب منه وهو يتمنى بداخله أن يستيقظ كل يوم على وجه تلك الجميلة التي لا يستطيع التوقف عن النظر لها..

لم يكن عليها الإقتراب منه لهذا الحد.. لقد ارتبكت الآن وبدأت خفقات قلبها في التزايد والعصف بها داخلياً فخاولت آخذ خطوات للخلف حتى تبتعد عنه ولكنه أمسك يدها ليوقفها وهو يحاول أن يطرد هذا النعاس عن عيناه.

"هي الساعة كام؟" همس بعد أن حمحم بصوته الرخيم لتتـ.ـو.تر هي من نبرته تلك التي لازالت تحمل آثار النعاس ولمسته له بتلك الطريقة

"تتمانية وربع" همست في ارتباك ثم شهقت عنـ.ـد.ما وجدته يجذبها بغتة لتسقط هي جالسة رغماً عنها على ساقاه ووجدته يحاوط خصرها ويدفن رأسه بعنقها وتعجبت من كل ما يفعله وشعرت وكأنه سيعيد معها كل ما فعله عنـ.ـد.ما سافرا سوياً منذ أيام فارتفعت أنفاسها في تـ.ـو.تر وازداد ارتباكها

"عايزة تروحي فين النهاردة؟" همس بالقرب من أذنها ثم شعرت به يستنشقها بطريقة غريبة للغاية وأنفاسه الدافئة تلك بعثرتها ولم تستطع فهم كل ما يحدث بداخلها بسبب اقترابه الشـ.ـديد هذا "ها.. مش هتردي؟" همس مجدداً ثم اشتم تلك الرائحة بالقرب من شعرها التي تُميزها عن الجميع

"ممم.. ككنت.. كنت وعدتني، إنك هتوديني ازور ماما، يوم ما كنا مسافرين مع شاهي" لا تعلم لم عيناها توصدت تلقائياً وشعرت بالسخونة في سائر جسدها وتسارعت أنفاسها لتتحول للهاث

"طيب.. هوديكي.. بس بشرط!" همس في أذنها ثم مرر أنفه على عنقها المرمري وهمهم مجدداً وهو يستنشقها "تقومي تعمليلي الفطار.."

"حاضر.." همست مجيبة لتبتلع لتجده يقربها له أكثر.. لم يعد يريد الابتعاد عنها ولولا أنها لازالت فتاة لكان آخذها أسفله على تلك الأريكة ولم يتركها أبداً ولكنه لا يريد أول مرة لها معه أن تكون بمثل هذه الطريقة.. كما أنه لا يعلم ما الذي تعرفه عن علاقة المرأة والرجل، فقدان الذاكرة ذلك يبدو أنه سيُصعب العديد من الأمور بينهما ولكن لربما هذا من حسن حظه! ربما لن تتذكر أبدا ما حدث بينهما بالسابق!

لماذا لا تغادره وتنهض لتفر من ملامسته اياها؟ لماذا لا تريد الإبتعاد عن ذلك الدفء الذي ينبعث من جسده؟ لماذا هي مستسلمة ومستكينة هكذا؟ عليه أن تصرخ، أن ترفض ولكن هناك شيئاً ما يُجبرها على ألا تتركه!

"يالا قومي" همس بأذنها لتزدرد هي وتحدثت بين أنفاسها اللاهثة

"طب.. طب.. سيبني.." تحدثت له بخفوت شـ.ـديد لينظر لوجهها الذي رآى حُمرته الخجولة ليبتسم وبمنتهى الخبث أراح يده بعيداً عن خصرها رويدا رويدا وظل ينظر لها ويبتسم على تلك الطريقة التي بدت إثارتها جلية على وجهها وشتتها دون أن تترك لها الإختيار.

"نوري.." همس بأذنها لتحمحم هي مجيبة "أنا مش ماسكك.. أنتي اللي قاعدة على حجري، عايزة تفضلي قاعدة كده؟!" تحدث بصوته الرخيم بأذنها وابتسامته لا تغادر شفتاه

"ايه؟!" اتسعت زرقاوتاها في دهشة ثم نظرت ليداه لتجدهما بعيدان عنها ثم رفعهما في استسلام لتنهض هي في ذعر وخجل "أنا.. أنا هاروح احضرلك الفطار!" تحدثت مسرعة ثم فرت مهرولة خارج المكتب ليضحك هو على مظهرها الطفولي وخجلها الذي بات يعشقه..

❈-❈-❈

"ايوة يا شاهي.."

"صباح الخير يا بدور.. فينك كده؟!"

"لا أنا النهاردة مش جاي"

"ايه؟! طب والـ Audit هنعمل فيه ايه؟!" صاحت سائلة في لهفة لتشعر بتنهيدته التي دفعتها للقلق على أخيها

"اتصرفوا أنتو بقا المرادي، أنا كام يوم كده واخدهم اجازة"

"بدر أنت كويس؟" همست سائلة لتسمعه يتنهد مجدداً

"تمام"

"طب ونور كويسة؟"

"آه هي كويسة.. على فكرة هابقا ابعتلك رقمها الجديد.."

"ياااه أخيراً.. مجتش متأخر دي شوية؟"

"متأخر فعلاً.." همس بعد أن ذكرته تلك الكلمة العفوية بكل ما فعله مع نورسين ليرى أن كل ما يعوضها به الآن قد آتى في غير وقته بل آتى متأخراً كثيراً

"أنت قلقتني عليك.. صوتك مش مطمني.. فيه ايه بجد؟" تأكدت شاهندة بوجود خطب ما فتلك ليست طبيعة أخيها بل تريثه هذا وعدم إجابته لها تكاد تجن له

"فيه حاجات كتيرة اوي يا شاهي.. بعدين هابقى احكيلك بس ارجوكي متضغطيش عليا دلوقتي لأن اللي فيا مكفيني" اجابها بنبرة امتلئت حُزناً لتشعر هي الأخرى بالحزن لأجله

"ماشي يا بدر.. براحتك يا حبيبي.. لو احتاجت اي حاجة كلمني.."

"حاضر.. بصي.. عايزك تاخدي بالك من كل حاجة، اعتبري نفسك بدالى وحاولي تتعاملي انتي.. أنا بجد مش قادر المرادي ولا فايق لحاجة"

"متقلقش.. بس أرجوك ابقا طمني عليك.. وحاول تيجي أنت ونور تقعدوا معانا كام يوم"

"هنيجي قريب.."

"ماشي يا حبيبي.. أنا هاقوم أروح دلوقتي أنا وحمزة اهو.. لو احتاجت حاجة كلمني"

"تمام"

أنهى مكالمته مع شاهندة وهو لا يدري لماذا أخبرها بكل ذلكّ كاذا لو عرفت حقيقة كل ما حدث؟ هل ستسامحه؟ هل ستتفهم لما فعل كل هذا أم ستكرهه للأبد؟

شرع في إجراء مكالمة أخرى ليطمئن أن كل ما خطط له يسير على وجه الصواب فهو لن يخاطر بالمزيد من الأمور الغير متوقعة التي قد تحدث من كلاً من يُسري وكريم ليبتسم في انتصار مُتخيلاً ما أوشك على فعله معهما..

"ايه الأخبـ.ـار؟"

"تمام يا بدر باشا يُسري اهو مرمي من امبـ.ـارح بليل.. وكريم يادوب لسه طالع بعربيته وهنقطع عليه الطريق وهنجيبه يترمي معاه"

"متنسوش موبايلاتهم، تجبهالي وتسيبهالي مع أي حد من حرس الفيلا.. وعايزك تركز في اللي هقولهولك ده كويس وتنفذهولي بالحرف، بس بعد ما تكلم المحامي بتاعنا وتفهمه كل اللي حصل ده وتاخد رأيه إذا كان ده يلبسهم تأبيدة ولا لأ!!"

"تحت أمرك.. كل اللي أنت عايزه هيتم.."

"أول حاجة يُسري..." ظل يُخبره بما يريد فعله معه ثم تلك الخُطة التي رسمها لكريم وهو يشعر بالقليل من الراحة لمجرد تخيله لما سيفعل بهما.

❈-❈-❈


شعرت بوجوده خلفها بعد أن استنشقت رائحة عطره التي باتت تعلمها وحتى ولو من بُعد ستعرف بقدومه بمجرد شم تلك الرائحة.. التفتت لتراه يرتدي ملابس غير رسمية حتى بدا مختلفاً تماماً وذراعاه تلك المفتولتان بالعضلات جعلتاها ترتبك ولكنها لا تدري لماذا. أما شعره الفحمي هذا الذي لا يزال يحمل آثار استحمامه وانعكست رطوبة المياة عليه ودت لو ذهبت وداعبته بأصابعها فهي لا تستطيع إنكار كم يبدو وسيماً به بتلك الطريقة.

أشاحت بنظرها بعيداً عنه وهي تُعد الطعام في الأطباق أمامه لتجده يتلمس يدها فرفعت تلك الزرقاوتان لتقابل ثاقبتاه في تـ.ـو.تر شـ.ـديد وتعجبت من كثرة ملامسته لها تلك الأيام ولكنه لم يعد مخيفا مثل السابق فاقنعت نفسها أنها لم تكن تتعرف عليه بسبب فقدانها لذاكرتها وبما أنهما متزوجان ربما قد كانت تُحبه بيوما ما لذلك تزوجا!

"هنروح فين بعد ما تزوري مامتك؟" نظر لها ولا زال يلامس يدها بينما بدأ في تناول الطعام وشعرت بنظرته الجديدة عليها تماماً فهو لم يعد يخيفها بتلك النظرة المُرعـ.ـبة مثلما كان يفعل دائماً

"مش عارفة.." جذبت يدها وحاولت أن تنظر في غير اتجاه عيناه وتظاهرت بالإنشغال بتناول طعامها هي الأخرى ثم ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب ونظرت له مجدداً "هو احنا هنخرج تاني النهاردة؟"

أومأ لها بالإيجاب وهو ينظر لتلك السماوين المتسعتان في براءة وإندهاش لترتسم ابتسامة على شفتيه ثم ترك الطعام واستند بذقنه على كفه وهو يُحدق بها وبروعة تلك الفتاة التي قد آسرته دون أن يدري متى فعلتها!!

"هو.. هو ممكن أقولك حاجة؟!" سألته ولكنه لاحظ الخجل جلياً على وجهها فأومأ لها في هدوء وابتسامة هادئة لها لتبل هي شفتيها ونظرت له "خليك كده على طول.. لبسك كده أحلى، وشعرك كمان متقصروش زي الصور المتعلقة في كل حتة دي!" لا تدري لماذا أرادت أن تخبره بذلك، لربما يظنها غـ.ـبـ.ـية الآن ولكنها أرادت أن تخبره على كل حال.

"اشمعنى بقا؟!" أطلق ضحكة خافتة بصحبة نبرته الرخيمة العميقة لتهز هي كتفاها

"معرفش.. أنت كده أحلى وخلاص"

"ماشي.. هو ممكن أقولك حاجة أنا كمان؟"

"ايوة طبعاً ممكن"

"شعرك مترفعيهوش كده ونزليه.. شكلك بيبقا أحلى.." أخبرها ليجدها تتصرف بمنتهى التلقائية لتحل رباط شعرها الحريري ثم هزت رأسها لينسدل شعرها حول وجهها البريء ليبتسم هو لها وظل مُحدقاً بها وهو لا يدري ما الذي تفعله به تلك الصغيرة.

"وآدي شعري.. يالا بقا كمل أكلك عشان نلحق ننزل" هز رأسه لها بالموافقة له ثم تناول طعامه وهو لا يستطيع أن يُشيح بنظره عنها وتلك الإبتسامة على شفتي كلا منهما لم تتوقف عن الإرتسام.

❈-❈-❈

"..بس عارفة يا ماما.. أنا مستغربة اوي كل حاجة بتحصل معايا، أنا مش عارفة ليه هو فجأة كده مبقاش بيتعصب عليا بعد ما فوقت وعرفت إني نسيت كل حاجة، كنت بحس إني خايفة منه أوي، أنا لسه بخاف منه شوية، بس في نفس الوقت مش خايفة، أنا حاسة إني متلخبطة اوي.. وساعات برضو بكون عايزاه يكون جنبي.. كريم الحـ.ـيو.ان الغـ.ـبـ.ـي ده جالي امبـ.ـارح وحاول يعمل معايا حاجات قلة أدب، بس لولا إن هو.. يعني مش عارفة أقول عليه Mr. بدر ولا عمو.. بس هو قالي اننا اتجوزنا.. المهم لما جه البيت وكريم ده معايا مكنش هيسبني.. بردو يُسري كان هيعمل زي كريم بس Mr. بدر جه ضـ.ـر.ب يسري وخدني ومشينا.." تهاوت احدى دمـ.ـو.عها ولم تكن تلاحظ ذلك الذي استمع لك ما تتحدث هي به

"أنا حاسة إني مش عارفة أعمل ايه، أنا محتجاكي اوي يا كوكي جنبي.. أنا مش عارفة أفتكر أي حاجة ولا فاكرة يوم ما سبتيني وجيتي هنا من غيري.. وآه صح نسيت أقولك.. معلش أنا امبـ.ـارح روحت متأخر شوية بس Mr. بدر كان معايا وقالي انك كنتي بتخافي عليا وإني دلوقتي بقيت متجوزة يعني ينفع ارجع متأخر طول ما هو معايا.. وكمان جابلي موبيل جديد الغالي ده احدث واحد النوكيا ده ولونه سيلفر ووداني السينما وأكنا burger سوا وكان طعمه حلو اوي.. أنا كنت مبسوطة أوي امبـ.ـارح.. بس.. بس في نفس الوقت بحس كده إني خايفة" تنهدت في حيرة ثم جلست بالقرب من قبر والدتها وتحدثت مجدداً في همس

"أنا وعدتك يا كوكي إني عمري ما هاعمل قلة أدب مع حد.. بس.. بس.. Mr. بدر عمل معايا حاجات من دي.. وأنا.. أنا.." تلعثمت وهي لا تدري بما تُخبر والدتها "هو المفروض جوزي بس في نفس الوقت مش عارفة اتجوزنا ازاي.. يعني هو قالي اننا اتجوزنا بس شكلنا اتجوزنا من شوية صغيرين.. وانتي يا كوكي قولتيلي اني ينفع اعمل الحاجات دي مع جوزي وساعتها مش هيبقا اسمها قلة أدب ووعدتيني إنك هتقوليلي على كل حاجة لما آجي اتجوز.. بس.." وضعت أظافرها في فمها وهي لا تدري ماذا تقول

"أنا بكون متلخبطة أوي لما بيقرب مني.. مش عارفة اللي بعمله ده صح ولا غلط.. يعني هو جوزي بس في نفس الوقت حاسه إنه مش جوزي كتير.. يعني متجوزناش بقالنا كتير ومش عارفة أنا زمان كنت بعمل معاه الحاجات دي ولا لأ.. يا كوكي أنا الموضوع ده زهقت منه اوي وخايفة أكون بعمل حاجة غلط" تساقطت دمـ.ـو.عها رغماً عنها

"بس مش عارفة ليه مبحسش إنه غلط مع Mr. بدر، يعني لما كريم قرب مني هو ويُسري لما افتكرت إنه قرب مني بطريقة قليلة الأدب كنت بحس إن ده غلط وكنت عايزة ابعدهم عني.. لكن Mr. بدر لأ.. مش عارفة ليه مش بعرف أمنعه وابعده عني.."

"عارفة كمان يا كوكي" توقفت عن البكاء وهي تجفف دمـ.ـو.عها وعيناها اتسعت في حماس "هو الوحيد اللي بيقولي يا نوري زي ما أنتي كنتي بتقوليلي.. بيفكرني بيكي، أنا أصلاً اتبسطت اوي لما لقيته فجأة بيقولي كده.." تنهدت بإبتسامة "بصي أنا هاحكيلك على كل حاجة بعد كده.. هو بيوافق إني آجيلك.. المرة الجاية أكيد مش هيرفض.. أنا بس مش عايزة أتأخر عشان ميضايقش، بس المرة الجاية أوعدك إننا هنقعد سوا كتير.. وهاجيلك تاني قريب" قبلت قبر والدتها بينما غادر بدر الدين مُسرعاً للسيارة وهو حقاً لا يُصدق أن براءة تلك الفتاة قد وصلت لهذا الحد..

دلف السيارة وتظاهر بأنه يفعل شيئاً ما على هاتفه حتى لا تعلم أنه كان يستمع لكل ما قالته بينما كانت آلام النـ.ـد.م الشـ.ـديدة لكل ما فعله بها تعصف بداخله دون هوادة أو تأني!

"أنا ممكن أطلب حاجة؟ حاجة واحدة بس ومش هاطلب منك حاجة تاني!" نظر لها وهي تدلف السيارة بجانبه

"اطلبي براحتك يا نوري.." ابتسم لها لتتعجب هي من أنه الشخص الوحيد بعد والدتها من يناديها بهذا الأسم

"ممكن تبقا تجبني هنا مرة كل اسبوع.. او حتى كل اسبوعين" أومأ لها بالموافقة في إبتسامة

"ممكن اجيبك هنا زي ما تحبي.. بس اشمعنى؟" حدق بملامحها التي باتت تسرق خفقات قلبه وكأن قلبه بات ينبض لها هي فقط دون الجميع.

"أصل فيه حاجات كتيرة بتحصل وأنا مكنتش بحكي حاجة غير لماما.. ده كل اللي فاكراه ومش عارفة كان عندي اصحاب في السنتين اللي فاتوا دول ولا لأ.. لما سافرنا مع شاهي حسيت إنها صاحبتي.. بس أنت مش عايز توديني عند شاهي وقولتلي محكيش لحد حاجة بس كوكي أصلاً مش هاتحكي لحد حاجة علشان هي مش بتروح لحد.. وأنا ببقا محتاجة أتكلم معاها!" أخبرته ليرى الحزن بادياً على ملامحها فمد يده ليقترب منها لتبتعد هي في تلقائية ليشعر هو بالكراهية تجاه نفسه

"طيب هاوديكي لمامتك ولشاهي وهخليكي تعملي كل اللي نفسك فيه، بس على شرط" أخبرها لتنظر له ببراءة

"ايه هو؟"

"لما آجي أقرب منك مش عايزك تخافي مني.. أتفقنا؟!" حدق بزرقاوتيها ليجدها تبتعد عنه ثم أشاحت بهما بعيداً عن عيناه "نوري.." همس منادياً اياها ومد يده ليرفع خصلاتها التي انسدلت بسبابته خلف اذنها حتى لا تحول بينه وبين وجهها الملائكي

"ما هو بصراحة أنت اللي خوفتني.. لما فوقت لقيتك كده بتبصلي بطريقة غريبة، ولما حاولت أفهم منك انت مين واتقابلنا ازاي وكنت مشغول زعقـ.ـتـ.ـلي واتعصبت عليا.. ولمـ.."

"هشش" قاطعها ثم لامس أسفل ذقنها ليجبرها على النظر له "أنا أوعدك إن الحاجات دي اللي حصلت مش هتحصل تاني" نظر لها وعيناه ينهمرا منها النـ.ـد.م والآلم الشـ.ـديد وهي لم تدرك لماذا نظرته تلك قد تغيرت كثيراً عن السابق لتجد نفسها تبكي رغماً عنها

"أنا مش عارفة أنا ليه دايما بخاف منك، ومش عارفة اللي أنت عملته معايا وأنا يمكن أكون ناسياه وساعات بفتكرك وأنت بتبصلي وبخاف منك بس مش فاكرة أي حاجة من اللي حصلت" أخبرته بين بكاءها ليسحق هو أسنانه وهو يرها تبكي هكذا بسببه ليجذبها معانقاً اياها

"مش قولتلك متعيطيش تاني.. ومتخافيش أنا مش هاخوفك وأكيد انتي بتفتكري حاجات تانية علشان لما صحيتي مكنتيش عرفاني" أخذ يُربت على ظهرها في حنان وهو يكاد يقـ.ـتـ.ـل نفسه على كل ما فعله وتلك الحالة التي أصبحت بها بسببه ولكنه شعر بالعجز الشـ.ـديد تجاه كل ذلك

"اهدي يا نوري وقوليلي.. أنا دلوقتي كويس معاكي ولا بعمل حاجة تخوفك؟" سألها وهو يبحث بعينيها عن الصدق لتنظر هي له بين دمـ.ـو.عها التي تباطئت قليلا

"أنت كويس وبتفرحني وبتجبلي حاجات وبتخرجني.. بس أنـ.."

"وأنا هافضل على طول كده وهافضل دايما كويس معاكي" قاطعها ثم حاول أن يُشتت انتباهها عن ذلك البكاء وحالة الحزن "بطلي بقا عـ.ـيا.ط عشان عاملك مفاجأة"

"مفاجأة ايه؟" ابتعدت عنه لتتوقف عن البكاء وهي تتطلع وجهه في براءة وعفوية لما أخبرها به للتو

"وتبقا مفاجأة ازاي بس لو قولتلك" لمس وجهها بأنامله ليجفف آثار دمـ.ـو.عها "بطلي انتي بس عـ.ـيا.ط وكلها ساعة وهنوصل" ابتسم لها لتومأ له هي وبالرغم من شعورها بالحماس ورغبتها بمعرفة إلي أين هما ذاهبان شعرت بالخوف ما إن سألته مجدداً عن أي شيء فهي لا تدري متى سينتهي شعورها بالخوف منه وما الذي حدث ولا تعلمه هي يدفعا للشعور بمثل تلك المشاعر!

❈-❈-❈

نظر لها وهو لا يكاد يُصدق عيناه، أليست هذه الطفلة أمامه الآن هي من تثيره وتؤجج شهوته؟ كيف لها أن تفعلها؟ تبدو وكأنها بالعاشرة من عمرها، لم يُصدق أنها حقاً ستسعد هكذا بمجرد إحضارها لمدينة الملاهٍ تحولت لتكون طفلة مجدداً، تجري أمام عيناه بحيوية وطاقة كالأطفال تماماً..

تذهب هنا وهناك، تتسلق تلك اللعبة وهي تُمسك بيده، تبتسم وتضحك أمام عيناه ليتشتت هو أكثر بتلك الطفلة ويشعر بضياعه ووله التام أمام تلك الزرقاوتان، تجعله يختبر أشياء لم يختبرها مع سواها من قبل، هو حتى لا يتذكر أنه فعل ذلك بطفولته، تجعله يتشبث بأشياء جديدة لم يكن يعرف عنها شيء من قبل، لم يظن أنها موجودة بالحياة حوله ويتمتع الجميع بها.

شعر بالثناء قليلاً لحديثها مع أخته شاهندة عنـ.ـد.ما حدثتها يوم إعلانه لزواجهما، تذكر أنها أخبرتها بأنه قد ذهب معها لمدينة ألعاب بلندن، لا يعرف عنها الكثير ولربما لا يريد أن يعرف.. فقط البساطة التي تُسعدها لا تحتاج سوى القليل، لا تحتاج سوى العفوية والتلقائية..

"تعالى نركب اللعبة دي.. شكلها حلو اوي.." صاحت في حماس وهي تشير بيدها ليومأ لها بإبتسامة لتذهب هي مهرولة أمامه وهو يتبعها في غير تصديق لكل ما يفعله بسببها..

ظلت تضحك منذ أن بدأت تلك الأفعوانية بالتحرك وهي تضع كفيها الصغيران تغطي بهما تلك الملامح التي لا يريد التوقف عن التحديق بها وشعرها الحريري يلمحه وهي جالسة بالقرب منه ليتطاير حول وجهها وهو لم يتوقع كل تلك السعادة التي أصبحت بها، لقد ظن أن عليه طريقاً شاقاً وعراً بإصلاح كل ما بدر منه ولكن أحقاً تلك الأمور البسيطة قد غيرتها تماماً؟!

"ياااه.. أنا حاسة إني ممكن آكل عشرة بيتزا لوحدي" أخبرته وهي تنظر له في براءة ويبدو عليها الإرهاق الشـ.ـديد بعد هذا اليوم الذي بدت أنها استمتعت به كثيراً والذي فاجئه أنه أستمتع هو الآخر بكل ما فعلاه.

"ولو جيبتلك عشرة بيتزا هتخلصيهم.." ابتسم لها مُضيقاً عيناه ثم عقد ذراعاه لتتوسع زرقاوتاها في دهشة

"أنا بحب البيتزا أوي.. بس مش لدرجة عشرة.. ممكن تلاتة كفاية" ضحك لتشرد هي بضحكته وذلك البروز بعنقه يتحرك وعنـ.ـد.ما رآت أن عيناه تلمع بشكل جديد لم تعهده من قبل، لمعان عيناه ليس مُخيفاً كما كانت تراه، بل يبدو وكأن هناك شيئاً جديداً بعينيه، يبدو وكأنه سعيداً..

"تعرف إن شكلك حلو أوي وأنت بتضحك.. أنا لازم أرسملك صورة جديدة بقا وأنت بتضحك كده.." حدثته بعفوية ليضيق عيناه مجدداً

"لا مش مهم.. أنا عندي واحدة.. فاكراها؟" نظر لها ليلاحظ ارتباكها وازدرادها ونظرتها تحولت للتوسل فجأة

"أنا مقصدتش.. أنا بس كنت.. بس.."

"بلا بس بلا مبسش.. قوليلي هتاكلي بيتزا بإيه" قاطعها ثم أمسك بيدها ليراها تنظر له في تعجب

"بيبروني.. Extra Cheese"

"طيب يالا بينا"

❈-❈-❈

<

ظل يلمحها بين الحين والآخر وهي نائمة بالكرسي جانبه بينما هو يقود سيارته شارداً بكل ما جمعهما اليوم.. لا يستطيع نسيان تلك النسمـ.ـا.ت التي أجبرت شعرها الحريري على التطاير لتتآفف هي بطفولة شـ.ـديدة ولم تستطع تناول البيتزا ليجد نفسه يضحك ثم مد يده وهو يحاول جمع خصلاتها خلف أذنها حتى تستطيع أن تتناول الطعام..

أفقط تلك الأشياء البسيطة التي فعلها ليومان استطاع أن يرى ابتسامتها وسعادتها؟ أهناك أحد بتلك الحياة لا زال بتلك السذاجة والطيبة؟ أحقاً تلك الصغيرة استطاعت إسعاده دون فعل شيء يُذكر وبمنتهى العفوية والتلقائية استطاعت جعله يضحك ويبتسم ويتجول معها وكأنه عاد صبياً مرة أخرى؟

لماذا لم تكن بدايته معها مختلفة؟ لماذا لا يُمهله القدر أن يبدأ بأي شيء بطريقة صحيحة ولو لمرة بحياته؟ حتى ليلى لقد حكم عليه القدر بمنتهى القسوة أن يفقدها! لماذا يحدث له كل ذلك؟ لم يظلم أحد بحياته سوى تلك الفتاة بجانبه، لم يأذي أحد من قبل، لم يكن يتمنى الكثير ولكن لماذا يتعنت القدر معه بتلك الطريقة؟!

مجرد التفكير بأنها قد تستعيد كل قسوته معها وعذابه إليها جعله يشعر بالإحباط والرعـ.ـب من فقد تلك الحياة التي ينعما بها سويا منذ أيام ليتنهد في حيرة وآسى شـ.ـديدان ثم نظر لجسدها المتكور بذلك الكُرسي ليبتسم لبراءتها الزائدة ثم ترجل من السيارة ذاهباً في اتجاه المقعد الآخر ليفتح وحملها لتهمهم هي

"أنا ممكن أصحى.. نزلني" صاحت له ليومأ لها بإنكار

"لأ خليكي نايمة" همس لها ولم يستطع منع نفسه عن تقبليها من مُقدمة رأسها لتومأ بالموافقة وحاوطت عنقه في نُعاس وتوجه ليدلف منزل عائلته وهو يحملها بتلك الطريقة وبعد أن رن الجرس فتحت له زينب التي تعجبت لما تراه فأشار لها أن تفسح له الممر حتى يدخل وما أن فعلها وجد أنظار الجميع تتحول نحوه ليهمس لشاهندة بشفتاه

"هنيمها وأجيلكوا"

لم يستطع هو أو أي أحد منع تلك الإبتسامة التي ارتسمت على ثغرهم جميعاً ولكن شعر زياد بالضيق مما رآه فتوجه مغادراً للخارج، بينما توجه بدر الدين معها للأعلى حتى يضعها بسريره ودثرها بالغطاء وقبل رأسها مُجدداً وتوجه للخارج.
هبط الدرج الداخلي للمنزل وهو ينظر للجميع بينما لاحظ اختفاء زياد لتهرول شاهندة نحوه في لهفة كي تتفقد حاله فنبرته صباح اليوم لم تنبأ بالخير أبداً "بدر أنت كويس؟"

"أنا تمام اهو مالي.." ابتسم لها ثم توجه حيث الجميع لتتعجب شاهندة لتلك الإبتسامة بل ولاحظت أن نظرة عيناه أيضاً قد تغيرت ليبدو سعيدا بطريقة جديدة لم تعهدها عليه من قبل

"يا خبر دلوقتي بفلوس.." تمتمت وهي تتبعه بينما جلس بين الجميع لتنظر له نجوى بإبتسامة ولكنها تحدثت له بلوم

"بقا كده كل الفترة دي متجيلناش ولو مرة؟!"

"معلش يا أمي.. ادينا جينا أهو.."

"ماشي يا حبيبي.. عذرك بس إنك عريس.." لم يُصدق بدرالدين تلك المناقشة التي سيبدأها لتوه مع والدته بسبب نظرات عينيها ونبرتها التي يحفظهما عن ظهر قلب وكلتاهما تُنبأ بمناقشة لا يحبذ أن يخوضها أبدا

"زينب لو سمحتي اعمليلي قهوة.." حاول أن يُغير الموضوع

"حاضر يا بدر بيه"

"وأنا يا زينب كمان وهاتيهوملنا المكتب" صاحت والدته هي الأخرى ليعلم أنها ستنفرد به الآن

"حاضر يا نجوى هانم"

"الله يا ماما!! ده لسه جي.. ما تسيبيه قاعد معانا شوية.." تحدثت شاهندة وعبست ملامحها

"لأ أنا الكبيرة يبقا أنا الأول.. يالا يا بدر تعالى عايزة أكلمك شوية" ابتسمت نجوى لتشعر شاهندة بالضيق بينما زفر بدر لينهض تابعا اياها

"متقلقيش يا شاهي هنقعد سوا.. وهديل أنا عايزك، متناميش غير لما أكلمك" أخبرهما لتومأ كلاً منهما له بالموافقة ثم توجه تابعاً نجوى لغرفة المكتب.

"عامل ايه يا حبيبي؟"

"أنا تمام"

"ممم.. شكلك كده مبسوط!" ضيقت عيناها وهي تتفحصه

"آه تمام.. مبسوط.." اجابها بإقتضاب وهو يحاول أن يبتسم

"ممممم.. بس شكل الإنبساط كده مش كامل، شكل فيه حاجة ناقصة ومعكننة عليك.. فيه ايه بقا، احكيلي.." عقد حاجباه وهو ينظر لها بإستغراب.. كيف عرفت هكذا بمنتهى السهولة؟ ربما شاهندة أخبرتها بمكالمته لها هذا الصباح أمّا أنها لا تزال تستطيع أن تفهمه وتدرك ما به كما هي العادة؟!

"يالا انطق.. العضلات دي أنا اللي كبرتها وربيتها شبر شبر" ضـ.ـر.بته بأحدى كفيها على احدى اذرعه برفق وهي تبتسم له ليطـ.ـلق ضحكة خافته وللحظة شعر بالخجل منها "فاكرني مش هاعرف من أول بصة، ومتخافش شاهندة مكلمتنيش في حرف" نظر لها بأعين متوسعة لنطقها بما يُفكر به في ثوان هكذا "أنا عارفة كويس ابني بيفكر ازاي، يالا بقا احكيلي"

لا يدري دون وجود نجوى طوال تلك السنوات بجانبه ماذا كان ليفعل؟! حياته بأكملها لولا تلك المرأة لكانت أصبحت حياة رجل عصابات أو ربما رجل مريـ.ـض نفسي بشـ.ـدة أكثر مما هو فيه! كيف تفهمه هكذا وبإبتسامتها وحنانها معه يُصبح كالطفل الصغير أمامها! زفر بعمق وهو لا يدري من أين يبدأ، لن يستطيع إخبـ.ـارها بكل شيء قبل التحدث لهديل أولاً..

"أبداً يا أُمي.. أنا مبسوط بس هي صغيرة أوي، حتى تفكيرها وعقلها محدودين، وأنا ساعات مبعرفش أتعامل معاها، يعني بحس كده إني بـ.."

"بتتعامل مع بنوتة صغيرة مش فاهمه ولا عارفة أي حاجة في الدنيا مش كده؟ وطبعاً ابني حبيبي قاسي بطبعه وعصبي ومـ.ـجـ.ـنو.ن.. ولما حنيتك بتبان بتكون عكيت أصلاً وبتصعب عليك وبتكون عامل زي المتكتف اللي مش عارف يعمل ايه.. صح ولا أنا غلطانة؟!" توسعت عيناه في دهشة بعد أن قاطعته بتلك الكلمـ.ـا.ت التي وجدها غاية في الصدق وتصف تماماً كل ما يمر به معها

"متبصليش البصات دي.. مش نجوى اللي مش هتاخد بالها من التفاصيل الصغيرة دي.. بس أنا هاقولك تتعامل معاها ازاي.." ابتسمت له بينما دلفت زينب لتضع فنجاني القهوة أمامهما ثم غادرت

"أوعى تفتكر إني ملاحظتش بصاتك ليها ولا لما كان زياد بيقرب منها كنت بشوفك متنرفز اوي ولا لما كانت بتغيب عن عينك كنت بتبقى هتتجنن، ولا لما فجأة رجعت تقعد معانا في البيت أول ما هي جت.. وموضوع بقا شغلها معاك ده كنت عايزة مبطلش ضحك عليك بس عملت نفسي عبـ.ـيـ.ـطة عشان كنت متأكدة إنك حبيتها وعايزها تكون قدام عينك في الشغل والبيت وبقيت تاخدها بعربيتك وتجيبها بعربيتك.. وكله بقا كوم وموضوع لندن اللي أنا شاكة فيه ده لغاية دلوقتي كوم تاني.. بس هاقولك بقا بعد الحب ده كله نور دي ايه.."

"نور دي عاملة زي حتة القطنة البيضا اللي لسه متشكلتش، قلبها أبيض اوي، طيبة بزيادة، اللي حصلها في حياتها مكنش سهل أبداً، تعيش يتيمة الأب وبعدين يتيمة الأم وجوز أمها ده شكله راجـ.ـل مش كويس.. لازم تكون حنين معاها، زي ما تكون بتربي بيبي صغيرة من أول وجديد.. مينفعش شخصية زي دي تتعصب عليها كل شوية، عرفها الصح من الغلط، عرفها يعني ايه حياة راجـ.ـل وست مع بعض، وريها حنيتك بزيادة الفترة دي عشان لو لا قدر الله حاجة حصلت في حياتكوا قدام يكون ليك رصيد عندها.. سيبك من أي حاجة حصلت وأي عصبية طلعتها عليها، أنتو لسه في الأول ومعداش عليكوا كتير سوا ولسه معاك وقت تصلح فيه كل اللي حصل لو كان ايه.." ابتسمت ثم ربتت على كتفه في حنان وهي تنظر له بحب وأمومة لم يجدهما سوى بها هي وحدها دونا عن سائر نساء العالمين

"أنا مش هافضل عايشة يا بدر الدين قد اللي عيشته.. لازم يا حبيبي تطمني عليك، أوعى تكون فاكر إن أنا مستهونة اللي حصلك بعد ليلى.. بس الدنيا دلوقتي جيالك وفاتحالك دراعاتها، لازم لمرة بقا في حياتك تتبسط وتعيش وتنسى كل الوحش اللي عدا وتركز في اللي جاي.. مراتك جواها عاملة زي الدهب الخام، عليها شوية تراب بس عشان لسه مظهرتش ولمعتها بانت، بينها أنت واظهرها وشكلها زي ما تحب، في الأول وفي الآخر هتفضل دهب ومعدنها أصيل وعمره ما هيتغير.. عايزة أشوفك سعيد يا بدر.. اوعدني يا حبيبي إنك هتعيش مبسوط معاها.. اوعدني انك هتفضل جنبها طول عمرك"

"اوعدك يا أمي حاضر.." ابتسم لها ثم شرد بحديث والدته الذي أدرك من خلاله كيفية التعامل مع تلك الصغيرة، فبالرغم من أنه رجل بالثالثة والثلاثون من عمره إلا أنه لا زال يجد تلك الحلول لدى نجوى دائماً التي لطالما فتحت عيناه على الكثير وأيقظته ليرى حقيقة الجميع والآن هي تُفيقه أيضاً من شروده

"مش عايزاك كمان تحط زياد في دماغك.. لو كان بجد بيحبها كان زمانه متدمر، إنما اهو قدامنا بياكل ويضحك وبيخرج وعايش حياته ولا كأن حاجة حصلت.. حاول تفهمه وتاخده براحة، ومتحاولش تتعصب عليه عشان متحصلش مشاكل في البيت ونور لسه أول مرة تيجي هنا وهي مرات ابني مش مجرد بنوتة صغيرة جاية تعيش معانا" أومأ لها في تفهم لتبتسم هي له "الدور على مين؟ هديل ولا شاهندة؟!" ضحكت بخفوت وتهللت ملامحها وهي تخبره سائلة ليهُز رأسه في انكار ثم اجابها

"هديل.."

"هو كده قاعدة الستات مبتخلصش أبداً ولازم تدي لكل واحدة دورها وتسمعها وتكلمها.. يالا هندهالك وتصبح بقا على خير"

"وأنتي من أهله" ابتسم لها بإقتضاب ثم حاول أن يستجمع شجاعته فيما سيفعله بعد لحظات
.

دلفت هديل لينظر لها وشعر بالخوف للحظة، فهو لا يتوقع ردة فعلها، قد تنهار، قد تُكذبه وتُكذب عيناها بعد ما ترى كل ما لديه من دلائل على حقارة ذلك الوضيع الذي لا يستحق حتى نظرة شفقة منها.

"ازيك يا هديل عاملة ايه.."

"تمام يا بدر.. مبروك.. معلش الوقت اخدنا واديك شايف الشغل والبيت والولاد مش مخليني مركزة في حاجة"

"الله يبـ.ـارك فيكي.. ولادك كويسين؟"

"آه الحمد لله تمام" ابتسمت بإقتضاب لتتلاقى أعينهما وكان كل واحد منهما عقله يصور له الكثير..

يشعر بدر الدين بالخوف على أخته، مهما كانت فهي بالنهاية إمرأة قد خُدعت من قبل شخص حقير، وهو زوجها واالد أطفالها الخمس بالنهاية!..

أمّا هي فلقد شعرت بأن النهاية بينها وبين كريم قد أقتربت، لا تدري لماذا تُفكر هكذا ولكن غيابه منذ صباح اليوم لا يبشرها بالخير!! تشعر بأن أخيها هو من وراء كل ذلك! لا ندري أحيانا يكون احساسنا وشعورنا بحدوث المصائب أبلغ وأوثق من كل ما يحدث حولنا حتى ولو لم نملك أية إثباتات بين ايدينا..

"هديل معلش عايزك تمسكي نفسك وتسمعيني لغاية الآخر" تحدث في هدوء لتومأ له هي بإبتسامة مُنكسرة

"متقلقش يا بدر.. أنا عارفة كل حاجة.. بس قولي أنت الأول فيه ايه وأنا هاعرفك أنا عارفة ايه متقلقش" ابتلعت في آسى وهي تنتظر تلك اللحظة الفارقة بحياتها مع الرجل الذي أحبته ولطالما أعطته العديد من الأعذار والحجج ولكنه دائماً ما سقط من نظرها ولم يكن عند حُسن ظنها به ولم يُقدر تلك الفرص اللانهائية التي أعطتها له!

❈-❈-❈


"أنتوا بتعملوا فينا كده ليه؟ احنا معملناش لحد حاجة" صاح يُسري في ذعر وهو لا يستطيع تحمل كل ذلك الضـ.ـر.ب المُبرح الذي لا يزال يتلقاه منذ الليلة الماضية

"هو بدر الكـ.ـلـ.ـب مفيش غيره" صاح كريم بلهاث وهو يبثق بعض الدماء من فمه بينما تعلق كلاً منهما بسلاسل حديدية عاريان وغابت ملامحهما وسط الدماء وما إن نطق بتلك الجُملة حتى لكمه احدى الرجال الذين لم يتوجهوا لهما بكلمة واحدة وتركوهما لتلك الكلمـ.ـا.ت الواهية التي يتحدثان بها

"أنا.. أنا ماليش دعوة.. أنا عايز أمشي.. أنا هانفذله كل اللي يقول عليه" آتى احد الرجال لينهال على ظهره بأحدى الهراوات الضخمة ليصـ.ـر.خ هو ثم تحدث في وهن "أنا معملتش حاجة"

"ورحمة أمي لأخليه ينـ.ـد.م" تحدث كريم بين أسنانه المتلاحمة لتنهال الهراوة أيضا على ظهره ليصيح كاتما صراخه وهو يشعر وكأنما شيئاً بداخله قد تكسر..

ظلا يتجرعان ذلك العذاب في ظُلمة شـ.ـديدة، لا يران أي شيء أمامهما، فقط صوت السلاسل التي لا يستطيعان التحرك بها تبعث الفزع بأنفس أعتى الرجال، يشعران برهبة من كل ما يحدث لهما بفعل تلك الدماء التي تنهمر على وجه كلا منهما كالشلال وكأنها لن تتوقف أبدا.. وأجسادهما العارية لا تنفك عن تلقي الضـ.ـر.بات التي لا يتبينا من أين آتت! يصـ.ـر.خان بشـ.ـدة، لا تستطيع قدماهما على حملهما، أصوات أدوات العذاب التي يتعذبان بها بدأت تُشعرهما بخوف وذعر ولكنهما لا يزالان صامدان..

سويعات قليلة لن تستطيع فعل ما أراده بدر الدين بكليهما، لا يزال الطريق أمامهما وعراً شاقاً مليئاً بالأشواك التي تلوثت بدمائهما القذرة بسبب أفعالهما، سيكسرهما جيدا حتى لا يستطيعان القيام ولا الوقوف على قدماهما مجددا..

سيستمر في عذابه لهما، لربما عشرة أيام كما أخبر هؤلاء الرجال وبعدها سيرى إن كان هذا كافيا لهما أم عليه أن يُريهما ظُلمته التي حولت روحه من قبل لعتمة حالكة لم يستطع أحد في إنارتها أبداً..

سيذيقهما تلك الظُلمة التي لمست تلك البريئة التي لم يكن لها ذنبا بأي من تلك القذارة التي لواثاها بها.. وحتى لو لم ترهما ولو لم تعرف ما يحدث لهما، يكفيه فقط أنه ينتقم من تلك الأيدي التي فكرت في أن تمسها بسوء..

❈-❈-❈

"يااه يا بدر فكرك مكنتش عارفة.." ابتسمت في تهكم لتتهاوى دمـ.ـو.عها في حزن "ومن قبل نور ومن قبل الجواز ومن قبل الخلفة ومن قبل الخطوبة، وبعد الجواز وبعد الخطوبة وبعد الخلفة، كل مرة كنت بحاول اديله في مبررات، كنت بقول إن أنا بضغط عليه ومخلياه يركز في مستقبلنا زيادة عن اللزوم، طب يمكن عشان مسئولية الأولاد، طب يمكن الجواز خانقه وحتة الجواز بتخـ.ـنـ.ـق رجـ.ـا.لة كتير، يمكن عشان هيخسر لمة البنات حواليه بعد الخطوبة، طب لما يحس بالولاد بيكبروا حواليه هيعقل!!" تآثرت ملامحها وهي تحاول أن تتريث لتجفف دمـ.ـو.عها وصمدت قدر المستطاع من هول ما رآته على ذلك القرص المُدمج الذي سجل حقارة كريم!!

"مش أنا اللي هتفضل تتكلم كتير" استعادت رباطة جأشها ثم نهضت في غرور أنثوي يتأبى تقبل الرفض وخسارة رجلها بتلك الطريقة وهي تحاول أن تتماسك

"أنا عندي شغلي وأنا ست ناجحة، عندي ولادي اللي ربنا ما يحرمنيش منهم، شوف عايز تعمل فيه ايه وأعمله" تحدثت بقوة شـ.ـديدة لينظر لها بدر الدين في تعجب لتبتسم هي له

"أنا كنت ملاحظة كل حاجة ومستنية اللي يفتح عينيا أكتر .. أو يمكن مش عارفة أنا كنت مستنية ايه.." همست بقليل من الإنكسار ثم سرعان ما استعادت قوة شخصيتها

"أنت يا بدر ضهرنا اللي دايماً بنتسند عليه.. سيبك من مشاكل الأخوات.. بس أنا وأخويا على ابن عمي.. أنا عارفة إنك كنت أنت أول واحد هيكون في ضهري.." نهض بدر الدين ليعانقها ويُربت على رأسها في حنان

"متخافيش يا هديل.. دايماً هتلاقيني في ضهركوا كلكوا.. وولادك عمرهم ما هينقصهم حاجة، ولو حد فكر يقربلكوا أنا هموته" ا تسمت له بإقتضاب وهي تهز رأسها علامة على الموافقة على كلامه بينما تأثرت ملامحه في حزن على ما آلت إليه حياة أخته التي لا زالت صغيرة.

"ناوي تعمل فيه ايه؟!" سألته لينظر لها وحاول ألا يُفصح لها عن الكثير

"هبهدله وبعدين هرميه في السجن.."

"بهدله، موته، ولع فيه، مش عايزة أعرف حاجة عن الكـ.ـلـ.ـب ده تاني.. بس بلاش السجن.. يرضيك ولاد أختك يبقا أبوهم مسجون؟ تخيل كده واحدة من بناتي جاي يتقدملها واحد يسأل عن أبوها ولا علينا يلاقيه مسجون؟ ولا ابني وهو بيتقدم لبنت يسألوه فين أبوك يقولهم مسجون.. ده حتى بابا الله يرحمه مسجنش وفاء مع إنه كان سهل اوي عليه يعملها.." أومأ لها في تفهم وهو عاقداً حاجباه متنهدا

"ولادي يا بدر آخر حاجة بقيالي عشان اتسند عليها.. بعدك طبعاً.. مش عايزاهم يعيشوا مكسورين.. كفاية اللي هافكر فيه عشان اداري بيه حقيقة ابوهم القذرة.."

"خلاص يا هديل مش هاسجنه.. واوعدك متشوفيش وشه تاني.. وعايزك يوم ما تحتاجي حاجة تقوليلي" نظر لها بخوف وآسى على حال أخته لتومأ له في تفهم

"شكراً يا بدر.." تركته وهي تتوجه لخارج غرفة المكتب وهو يتابعها بعينيه ويشعر بالشفقة لأجلها ليُقسم بداخله أن يعذب كريم بأشـ.ـد وأعنف الطرق التي عرفها يوماً ما..

لم تمر ثوان حتى رآى شاهندة تدلف الغرفة بعد هديل لتنظر له في قلق ثم صاحت في لهفة لمظهره الذي يبدو حزيناً ولمظهر أختها الذي أخافها كثيراً "ايه يا بدر مالها هديل طالعة شكلها عامل كده ليه؟!"

"شاهي.." همس لها لتقترب هي منه وتلمست ذراعه في رفق وملامحها مذعورة من تلك الطريقة التي ترى بها أخيها "أنا محتاج أفضفضلك عن حاجات كتيرة أوي.. أنا محتاجك يا شاهي"

❈-❈-❈


"يا نهار أسود.. كل ده حصل وأنا معرفش يا بدر؟!" صاحت شاهندة في غير تصديق ومفاجأة

"أنا بهدلتها.. مش هاقدر أنطق وأقولك أنا عملت فيها ايه، مش عارف يا شاهندة ابتدي معاها ازاي وبعد ما نسيت كل حاجة حاسس إني مرعوب.. بس كنت خايف على هديل وولادها لو حياتهم اتدمرت، كنت خايف عليكي من بنت منعرفهاش، كنت فاكر إن جوز أختي راجـ.ـل محترم وهي اللي شـ.ـدته ليها، أنا كنت شايف فيها وفاء، فاكرها إستغلالية زيها.. بس.. بس أنا كنت بحبها اوي..

من أول ما شوفتها وأنا كنت حاسس بحاجة ناحيتها، كنت عامل زي اللي في دوامة مبتنتهيش ويوم ما طلعت منها لقيت اللي بيجبني يمين ويوديني شمال ومكنتش عارف أعمل معاها ايه.. كنت لما بشوفها بتعيط ببقا زي المـ.ـجـ.ـنو.ن وجوايا حاجة بتولع فيا كل ما دمـ.ـو.عها بتنزل قدامي وببقا مستعد أعملها أي حاجة عشان تبطل عـ.ـيا.ط.. عشان كده وديتها لجوز أمها، مكنتش عارف اسمع لعقلي ولا اللي سمعته وداني وشافته عنيا ولا اسمع لقلبي!! كنت عايز أخلص من العذاب اللي أنا فيه ده بأي طريقة، لا كنت قادر ابهدلها أكتر من كده ولا قادر أقربها ليا وأنا شايف أنها بتسرق جوز أختي من ولاده ومـ.ـر.اته.. بس بعد ما شوفت بعيني اللي كان هيحصلها من يسري الكـ.ـلـ.ـب وأنا فيه حاجة جوايا صحيت والله حتى من قبل ما تنسى كل حاجة كنت قررت إني مش هامد ايديا عليها تاني..

ومن ساعة اليوم ده بقيت بحاول أعاملها أحسن.. حتى من غير ما أعرف حقيقة اللي سمعته بينها وبين كريم.. بقيت أحاول أكون كويس عشانها وأنا أصلاً عمري ما كنت راجـ.ـل سوي ولا انسان طبيعي، حاجة جوايا كانت بتخليني استنى عليها وأفضل أشوف هي بتعمل ايه طول النهار عشان أتأكد من علاقتها مع الوسـ.ـخ ده، بس غصب عني كنت بسرح فيها وبحبها أكتر.. لغاية.. لغاية آخر اجتماع لما.. لما وريتك اللي عمله.. والكاميرات صورته" تساقطت دمـ.ـو.عه وهو يشعر بالإنكسار

"ت عـ.ـر.في إني مقدرتش أدخل وأشيل كريم عنها وأمسكه أموته بإيدي، تخيلي إني مكنتش راجـ.ـل كفاية إني أعمل كده وأواجهها وأبص في عينها وأعترفلها إني غلطت في حقها؟" ابتلع دمـ.ـو.عه وهو يشعر كم كان حقيرا وجبانا مرتعدا بتصرفه هذا

"كنت عامل زي العيل اللي خايف لا يبص في عين أبوه وهو عامل حاجة غلط.. كنت هقولها ايه؟ هقولها إن ظلمتها ولا أبوس رجليها وأقولها سامحيني؟ مش هاقدر أعمل كده، عمري ما عملت كده يا شاهندة، أنا أبويا كان بيبهدلني وعمري حتى ما تذللت تحت رجليه عشان يبطل اللي بيعمله فيا، مش قادر أواجهها وأقولها على الحقيقة، مش عارف ممكن يكون رد فعلها ايه بعد ما تفتكر كل حاجة.. دي، دي حتى عرفت عني حاجات كتيرة وشافت مني بلاوي محدش فيكو يتخيل إني ممكن أعملها.. أنا تعبان أوي وحاسس إني بموت بالبطيء.." شهق بين دمـ.ـو.عه وأكمل بصعوبة

"أنا بحبها وعايزها بس.. بس مش قادر أ.. مش عارف حتى أ.."

"كفاية.." قاطعته أخته لتعانقه وهي تمرر يدها على ذراعه ولا تستطيع تحمل ذلك الآلم الذي اندفع بداخلها عنـ.ـد.ما رأته بذلك الإنكسار "بس يا بدر متعملش كده.. كل حاجة هتكون كويسة إن شاء الله.. اهدى بس عشان نعرف نفكر.."

"نفكر في ايه.. أنا حاسس إني تايه أوي ومش لاقي حل" همس بصعوبة وإنكسار جليان عليه

"استنى بس يا بدر.. براحة يا حبيبي كل حاجة هتتحل.. مش أنت بتحبها؟" أومأ لها بالموافقة وهو ينظر لها كالطفل الصغير الخائف "وهي بتحبك؟!" سألته بعفوية ليبتسم هو في تهكم

"ده أنا لو حد عمل فيا ربع اللي عملته فيها هموته بإيدي.. قال أحبه قال.. ده لسه ساعات لغاية دلوقتي بتتخض مني وبشوف الخوف في عنيها"

"استنى بس.. أنت كل اللي بتحكي عليه ده كان قبل ما نسافر سوا وقبل ما تنسى كل اللي حصلها مش كده؟" أومأ لها بالموافقة على كلمـ.ـا.تها من جديد لتُكمل هي "بس كل بصاتها ليك وكل تصرفاتها بتقول إنها بتحبك يا بدر!" زفر هو في ضيق غير موافقاً على ما يسمعه

"يا شاهي انتي مش فاهمه، استحالة بعد كل ده تكون بتحبني.. يمكن بس علشان شافت مني وش تاني بعد ما نسيت اللي حصل.. بس يوم ما تعرف استحالة هتحبني.. انا ساعات بحس إن خوفها مني لسه جواها وعمره ما هينتهي أبدا"

"لا يا حبيبي أنت اللي مش فاهم.." ابتسمت له بلين ثم أكملت "نور عامله زي البيبي، عارف الأطفال اللي قلبهم أبيض اوي وحتى ساعات لو زعقـ.ـتـ.ـلهم أو ضـ.ـر.بتهم وبعدين جيبتلهم حاجة حلوة بينسوا أنت عملت معاهم ايه؟!" شابهت كلمـ.ـا.تها ما فعله أبيه معه منذ سنوات عديدة عنـ.ـد.ما تركه بالعراء حتى كاد أن يتجمد ثم آتى له بالطعام الساخن ومشروب الشوكولاته الذي يُحبه فأومأ لها في حزن

"عارف.. عارف يا شاهي كويس اوي.."

"اهي يا سيدي هي دي نور، لسه قلب أبيض.. لسه بعد كل ده مشالتش منك.. على قد ما أنت جرحتها وبهدلتها بس هي طيبة، وابقا مفهمش حاجة لو مكانتش هتحبك وهتموت فيك.. بس أنت لازم تسعدها وتنسيها كل اللي عملته فيها! وحتى يوم ما تفتكر حاول تكون اتغيرت في كل حاجة معاها علشان تقبلك ولما تقارن تلاقيك اتغيرت" نظر لها وهو لا يكاد يُصدق ما تقوله ويشعر بداخله أنها مجرد حفنة كلمـ.ـا.ت فقط من أخته لتواسيه

"صدقني كل حاجة هتكون كويسة.. عارف لو كانت بتكرهك مكنتش قعدت معاك ثانية بعد موضوع يُسري اللي أنت قولتلي انها افتكرت شوية منه، كانت أول ما شافتني جريت عليا وحكتلي على كل حاجة هي فكراها أو حتى كانت طلبت تعرف مني حاجات كتيرة، طب استنى كده اوريك حاجة" ابتسمت له بينما ذهبت لتُحضر شيئا من حقيبتها وأخرجت تلك الصورة التي التقطتها لهما بالطائرة أثناء سفرهما

"بقى بذمتك ده منظر واحدة كارهة واحد ولا واحدة بتتحامى في واحد وماسكين ومتبتين في بعض؟!" أعطته الصورة ليشرد هو بها وهي نائمة على ذراعه ومتمسكة به

"شوفت بقا؟ عرفت إن كلامي صح؟!" نظر لها بينما تناولت الصورة منه وتنهدت هي بإبتسامة

"أنا عارفة إن حياتك كانت صعبة، وعارفة إن نور ملهاش ذنب بس هي طيبة وهتسامحك.. ابتدي معاها يا بدر بداية جديدة، حتى لما ترجع تفتكر خليك هادي معاها ونسيها كل حاجة حصلت وحببها فيك أكتر.. أنا عارفة إنك حنين وبتخاف على اللي بتحبهم اوي خليها تشوف ده فيك، بس إياك تزعلها تاني ولا تتعصب عليها.. احسن المرة الجاية أنا اللي هقاطعك ومش هاكلمك تاني.." نظر لها بإنكسار وهو يتنهد في حزن

"يالا أطلع نام جنب مراتك.. وبطل تحمل نفسك فوق طاقتك.. احنا مش ملايكة يا بدر، كلنا بشر وبنغلط وربنا بيسامح.. ومتقلقش أنا هافضل جنبك وجنبها وإن شاء الله كل حاجة هتتصلح وهتكون كويسة.. تصبح على خير" عانقته ثم تركته وتوجهت للخارج ليتمتم هو داخل نفسه

"بس هي كانت ملاك قدامي وأنا ظلمتها" شعر بالنـ.ـد.م يتآكل دماءه ليترك الآلام بدلا منها كي تجري بعروقه وتوجه بخطوات بطيئة ليصعد غرفته التي نامت بها منذ قليل..

خلع ملابسه في إرهاق وتوسد السرير بظهره ثم التفت لينهل من تلك الملامح البريئة بقتامة عيناه واستند على جانبه وهو لا يزال يتذكر كلمـ.ـا.ت نجوى وشاهندة له!! كما أنه أدرك أنه عليه أن يعرفها على جميع أفراد الأسرة ويقنعها بالتظاهر أنها تعرفهم كي لا يرتاب أحد بفقدانها لذاكرتها حيث أنه لم يُخبر سوى شاهندة بالأمر!

أحقاً يُمكن أن تسامحه؟ أيُمكن أن تكون طيبة للغاية هكذا؟ أستتوقف يوماً ما عن خوفها منه؟ متى ستفعلها؟ هل سيستطيع أن يبدأ بأخذ خطوات نحوها ليقترب منها وهل ستسمح له بذلك؟!

أقترب منها ليستنشق أنفاسها التي ماثلت عبير ورود الربيع ليوصد عيناه وهو يتذكر ابتسامتهما وضحكهم الذي لم يتوقف سويا وذلك الوقت الذي مرحا به كثيراً ليقرر بداخله أنه سيفعل لها كل شيء حتى تسامحه حتى ولو تذكرت ما حدث لها سيبدد تلك الذكريات السوداء بكل ما أوتي من قوة، تلك الطيبة البريئة لن تُخيب خفقات قلبه التي باتت تخفق من أجلها هي فقط دون غيرها، سيُبدل خوفها ذلك اشتياقا له، ستفعلها عاجلا أم آجلا ولن يتوانى في أخذ تلك الخطوات نحوها مهما طال الطريق إليها حتى يجعلها تذوب في عشقه وتتمنى كل يوم ألا تبتعد عنه ولو لثانية واحدة..
استيقظ ليشعر بتحركاتها أسفل ذراعاه ولكنه لم يفتح عيناه بعد، ألهذا الحد تريد الابتعاد عنه؟ حسناً.. هو لا يريد الإبتعاد عنها بمثل هذه السرعة ولن يسمح لها بفعل ذلك كي تبتعد وتحرمه ذلك الشعور الذي لا يجده سوى بقربها هي فقط..

"صباح الخير.." همس لها وهو يجذبها من خصرها ليقربها له أكثر

"لو.. لو سمحت سيبني أقوم" شعرت بالإرتباك من أقترابه الشـ.ـديد منها وصدره العاري الذي يلامسها

"لأ مش هتقومي" همس لها ثم تنهد ودفن رأسه بعنقها

"طب.. طب هاروح الحمام" فكرت بأي سبب يجعله يتركها حتى تستطيع التخلص من اقترابه الذي يوترها هكذا بشـ.ـدة

"أول ما بتقولي طب بتاعتك دي بعرف إنك بتكدبي" ضحك بخفوت وأخذ يستنشق رائحتها لتتعجب هي كيف عرف أنها تكذب

"لو قولتي بجد عايزة تقومي ليه هسيبك تقومي" همس بأذنها ثم اعتلاها ليفتح عيناه وهو لا يُصدق أنه يبدأ يومه برؤية كل تلك الملامح البريئة ليبتسم لها ثم أقترب منها ليُقبل رأسها وضحك لرؤية خجلها بينما هي تتلاحق أنفاسها لا تدري في خوف منه أم في ارتباك أم في خجل، هي لا تعرف ما الذي يحدث لها كلما أقترب منها بهذا الشكل..

"لأ لو سمحت كفاية، أنت تاني هتعمل الحاجات دي.. أرجوك سيبني أقوم.." توسلته وهي على مشارف البُكاء ولكن أحقاً ستبكي من الخجل؟

"قولتلك قوليلي عايزة تقومي ليه من غير ما تكدبي وأنا اسيبك تقومي" همس لها ثم أقترب وكأنه سيقبلها لتصيح هي في خوف مسرعة

"هقولك هقولك.. بس متقربش أكتر من كده" توقف هو عما كاد أن يفعله وحدق برزقاويتيها التي حاولت أن تبعدهما عن ثاقبتيه ولكنه أجبرها أن تنظر له بعد أن تلمس أسفل ذقنها وأشار لها برأسه أن تبدأ بالحديث فابتلعت هي في خجل وبالكاد استطاعت أن تُخبره بما يشعرها بالإرتباك

"أصل.. لما بتقرب مني بخاف.. وبتلخبط وببقا عايزة ابعد عنك.. وبخاف تعمل معايا قلة أدب تاني زي يوم ما سافرنا.. وأنا.. أنا عمري ما عملت كده.. و.. وبتكسف منك و.." لم يستطع هو التحكم في ضحكاته أكثر من ذلك ليجد نفسه يرتمي على السرير ضاحكا بشـ.ـدة لتنظر له هي بعبوس وكادت أن تنهض وتتركه ولكنه جذب يدها وحاول أن يتوقف عن الضحك بصعوبة.

"قلة أدب ايه بس" أخبرها مُعقبا على كلمـ.ـا.تها ونبرته لا زالت تحمل بعضاً من أثار ضحكته

"ايوة قلة أدب.. أنت.. أنت كل شوية بتعمل الحاجات دي.. ومش هاسيبك تقرب مني تاني.. سامع ولا لأ؟!" اشارت محذرة بإصبعها ليهُز هو رأسه في انكار وجذبها ليجلسها رغما عنها واحتضن ظهرها بعد أن حاوط خصرها بذراعاه ولم تستطع هي أن تفلت من ذلك العناق

"سيبني بقا يا Mr بدر.. أنا والله مش هنام مع حضرتك في اوضة واحدة تاني.. أنت قليل الأدب" تحدثت هي وهي تحاول أن تدفع جسدها لتفر من ذراعاه

"أنا قليل الأدب؟! ماشي يا نوري.." ابتسم وهو لا يُصدق براءة تلك الفتاة "بس أنا عايز كده أقولك على كام حاجة وبعدين ابقي قوليلي أنا قليل الأدب ولا لأ.. وهاسيبك تقومي متخافيش"

"لا أنت بتضحك عليا عشان تفضل تعمل الحاجات دي" زفرت في قلة حيلة بعد أن خارت قواها بالإفلات منه

"لا مش بضحك عليكي.. اسمعيني بقا.." تنهد وهو لا يدري كيف سيبدأ حديثه معها بمثل تلك الأمور "اللي أنتي بتقولي عليه صح، دي فعلاً قلة أدب بس لما يكون مع أي حد غير جوزك، لكن لما بقرب منك عشان أنتي حلوة اوي وببقا عايز احـ.ـضـ.ـنك وأبوسك ده مسموش قلة أدب" التفتت هي لتنظر له بعينان متسعتان

"ايه اللي بتقوله ده.. متقولش كده تاني" صرخت به لترتسم على شفتاه ابتسامة ثم تنهد وهو يشعر بالعجز أمامها ولكنه لن يتركها دون أن تبدأ في فهم كل ذلك..

"ليه؟ مش أنتي مراتي؟ حقي إني أعمل ده معاكي زي ما حقك انتي كمان تعملي ده معايا" وضعت كفيها على وجهها في خجل ودفنت وجهها بصدره

"ارجوك كفاية كلام في الحاجات دي.. أنا مبحبش أتكلم فيها.. ومعرفش الحاجات دي خالص"

"بصي يا نور" زفر في إرهاق من تلك الفتاة "المتجوزين بيعملوا كده مع بعض وأكتر من كده كمان، لازم تبطلي تتكسفي.. وبعدين مش لما بوستك واحنا مسافرين كنتي مبسوطة؟!" سألها لترفع زرقاوتاها المندهشتان بعينيه

"لأ طبعاً مكنتش مبسوطة.. أنا كنت خايفة منك زي ما افتكرت اللي يُسري عمله فيا.. وبعدين أنت بوستني بوسة قليلة الأدب.." تحدثت بتلقائية وملامحها منفعلة من كل ما يُخبرها به

"وهو فيه بوسة محترمة وبوسة قليلة الأدب؟" اندهش رافعا حاجباه

"اه طبعاً"

"طب ما ت عـ.ـر.فيني كده الفرق بينهم عشان أنا مش فاهم.. ممكن تفهميني؟"

"البوسة المحترمة زي ما ببوس شاهي مثلا وببوسك" قبلته على خده مثل الأطفال بتلقائية ليتعجب هو من فعلتها "إنما بقا بوستك اللي بوستهاني في الـ Hotel كانت قليلة الأدب" أشاحت بكفيها الصغيراتان وكذلك عيناها لتنظر بعيدا عن عينيه ليبتسم هو على طفوليتها الشـ.ـديدة

"اللي كانت ازاي دي علشان مش فاكر"

"يا سلام!!" نظرت له ببراءة ليومأ لها وتصنع الصدق بكل ما أوتي من قوة تحكم وسيطرة على ملامحه بينما وقعت هي في حيرة من أمرها "زي دي" أقتربت لتلامس شفاهه في قبلة بريئة لم تتعد جزء من الثانية الواحدة لتتسع ابتسامته

"اه صح عندك حق.. بوسة قليلة الأدب فعلاً" صاح ساخرا

"شوفت بقا.. سيبني أقوم دلوقتي"

"هاسيبك.. بس هسألك سؤال واحد ولو جاوبتيه هسيبك تقومي.. اتفقنا؟!"

"ماشي.." أومأت له لتنهال خصلاتها الحريرية حول وجهها

"هو أنا دلوقتي وأنتي متجوزين، لو عايزين نجيب بيبي هنعمل ايه؟!" اتسعت زرقاوتاها وكست الحمرة وجهها مجدداً ثم نظرت للأسفل

"بيـ.. لو.." تلعثمت ثم حمحمت وهي لا تدري كيف لها أن تنطق بذلك وأغلقت عيناها في خجل "لو جاوبتك هتسيبني أقوم صح؟"

"احنا اتفقنا خلاص.. جاوبيني وأنا اسيبك" أخبرها وهو لا يستطيع التوقف على النظر لتلك الملامح التي ود لو أخفاها بداخله للأبد وأومأت هي له في براءة

"لو .. لو عايزين يعني نجيب بيبي.. هنـ.. هنقلع هدومنا كلها، وهتفضل تـ..، هتبقا جنبي على السرير و.. وتلمسني شوية.. وبعدها جـ.ـسمنا احنا الاتنين بعد ما يقرب من بعض عشان أنا بنت وأنت ولد هيبقى فيه بيبي في بطني" تلاحقت أنفاسها في خجل شـ.ـديد وهي موصدة لعيناها بينما أنفجر هو ضاحكاً

"سيبني بقا أقوم.. أنا جاوبت على سؤالك وهو ده اللي كوكي قالتلي عليه لما سألتها"

"ده كتير عليا بجد.. قومي قومي" أخبرها بين ضحكاته لتفر هي لحمام غرفته في ثوان بينما تابعها بعينيه لتهدأ ضحكته وعرف أن أمامه طريقا شاقا وعرا معها. ولكنه تذكر أن عليه أن يُريها عدة صور للجميع أولا كي تتعرف على من ستراهم!

❈-❈-❈


"صباح الخير يا أمي" تحدث بدر الدين الذي نزل لتوه ليتناول الإفطار مع عائلته بعد أن فرغ من استحمامه وتجولت عيناه باحثة عن نورسين التي لم تنتظره بغرفته ولم يجدها بها!

"صباح الخير يا حبيبي.." ابتسمت له نجوى

"صباح الخير يا جماعة" ألقى الصباح على الجميع الذين أجابوه سوى زياد الذي نهض ليغادر فنظرت له نجوى واشارت له بيديها على أن يتركه فأومأ لها بالموافقة ولا زالت عيناه تبحثان عن نورسين.

"ايه بتدور على مراتك؟" غمزت له شاهندة ليزفر هو في ضيق لملاحظة الجميع لكل تصرفاته ثم أومأ لها

"بتفطر مع الولاد برا في الجنينة" ابتسمت ثم أكملت تناول طعامها لينهض هو ذاهباً إليهما ليسمع قهقهة الجميع خلفه ليهُز هو رأسه في إنكار..

يبدو وكأنما تلك الفتاة لن تكف عن تصرفاتها الطفولية أبدا، تتحدث بخجل، تطلب الأشياء البسيطة، والآن تذهب لتجلس مع الأطفال، عليها حقاً أن تتوقف عن كل ما تفعله حتى لو أجبرها على ذلك!

فكر وهو متوجهاً لحديقة منزل عائلته وبدأ في سماع صوت أولاد أخته وضحكاتهم المتعالية التي لم تأتي من مكان واحد ثم تقدم ليجد نورسين مُعصبة العينان بأحدى الشرائط فتوقف للحظة وهو لا يُصدق ما تفعله وتوجه نحوها في غضب لتباغته هي بقبضتها اسفل خصره ليسحق أسنانه بعنف

"مسكتك.. أنت بقا اللي فيها" صاحت في حماس وخلعت تلك العصابة من حول عيناها لتنظر تتفقد من وقع عليه الدور لتنظر في دهشة بعد أن وجدت نفسها أمسكت ببدر الدين "Mr. بدر!! أنا.. أنا معرفش إن حضرتك هنا" همست في تـ.ـو.تر!

لم يعد يتحمل مسكتها له بتلك الطريقة لينظر لها في انفعال وقد بدأ يتأثر بينما ارتبكت هي وتركته على الفور واجتمع أولاد هديل حولهما بعد أن تعالت ضحكاتهم جميعاً

"انكل بدر أنت اللي فيها.."

"فيها ايه.." نظر لهم وهو لا يُدرك ما يفعلوه لتبتسم نورسين في انتصار

"ايوة أنا مسكتك.. يبقا هتلعب معانا" صاحت له نورسين لينظر لها في غير تصديق

"ايوة يا انكل بدر أنت مش بتلعب معانا زي شاهي ونور.." صاح اياد أكبر أبناء هديل في تعجب

"العب معانا بقا شوية المرادي" بينما توسلته أروى في طفولية

"بابا مش موجود علشان يلعب معانا.. العب أنت معانا" أخبره إياد من جديد ليشعر بالذنب تجاههم ونظر لجميعهم ثم رفع نظره لتلك من أوقعته بتلك الورطة ليجدها تمد يدها له بعصابة العينان ليتناولها منها في غضب

"مرة واحدة بس وبعدين همشي" أخبر الجميع ليبتسموا

"ماشي الأُمة على الشجرة الكبيرة اللي هناك دي" أشارت له نورسين التي توجهت لتختبأ بينما تمتم هو في حنق شـ.ـديد

"أُمة قال"

عصب عيناه مثلما رآى نورسين تفعل من قليل ووقف كالأبله تماماً لتأتي نورسين وتهمس بأذنه "يالا قول خلاويص عشان نستخبى!" حاول امساكها بيديه التي حركها حوله بالهواء ولكنه لم ينجح!!

"خلاويص ايه بس وزفت ايه.." تمتم في ضيق ثم زفر في غضب ليتعالى صوته مُجبراً "خلاويص.."

لم تستطع شاهندة تصديق عيناها عنـ.ـد.ما كادت أن تُغادر للشركة ثم فرت للداخل وهي تضحك بشـ.ـدة على ما رأت بدر الدين يفعله

"الحقوا بدر بيلعب استغماية برا.. تعالوا اتفرجوا.. شكله مسخرة" لم يصدق الجميع ليتوجهوا جميعاً للخارج ليشاهدوا ما يحدث..

"أمة.." صاح أحدهم "أمة" صاحت الأخرى بينما هو بدأ يشعر بالغضب وهو لا يريد أن يُكمل تلك السخافة لتصيح نورسين

"يالا اجري عشان تدور علينا" لاحظ من أين آتى صوتها ليمشي في اتجاه الصوت ولكنها ظلت تهرول مبتعدة عنه بينما بدأ الجميع في الضحك لما يروون

"مش عارف تمسكني" صاحت لتستفزه "معقول Mr. بدر مش عارف يمسك حد فينا" ظلت تُخبره لتتعالى ضحكات الجميع ولكنه يدري أنها قريبة فظل يمشي في اتجاه الصوت حتى مد يده ليُمسك بها

"هههه.. معرفتش تمسكني" صاحت ليغتاظ وخلع هو تلك العصابة السخيفة من حول عيناه ليرى بمن هو ممسك إذن إن لم تكن هي.. نظر ليجد أنه أمسك بنجوى التي ما إن تلاقت عيناها معه انفجرت ضاحكة وكذلك فعل الجميع الذين يشاهدوه وهو ممسكا بها!!

"يااه يا بدر.. أول مرة أشوفك بتلعب.." حدثته نجوى بإبتسامة بينما ضحكت شاهندة

"بس والله غلبان.. كان واقف ومش عارف يدور عليهم.."

"لو سمحت يا حمزة خد مراتك وروح الشغل.. وانتي يا هديل متخليش ولادك يلعبوا معايا تاني" أخبرهما بملامح غاضبة ليتصنع الجميع الجدية على وجوههم بعد أن لاحظوا ملامحه الغاضبة المُهيبة

"نورسين!!" صاح من بين أسنانه مُنادياً عليها لتأتي هي لتقترب منه في وجل لملامحه الغاضبة وهي تنظر له في خوف "تعالي" أمسك بيدها ليجذبها بعنف ثم توجه صاعداً لغرفته ليضحك الجميع مجدداً خلفه.

❈-❈-❈

"عارفة لو عملتي كده تاني قدامهم؟!" صاح بغضب لتتوسع هي زرقاوتاها

"وفيها ايه يعني لما تلعب معانا.. مش احسن ما أنت قاعد مبوز في وشنا.. وبعدين أنت اللي جيت ولعبت معانا محدش ناداك من جوا.."

"بصي.. شغل الأطفال بتاعك ده تبطليه!! سامعة ولا لأ؟!" صرخ بغضب في وجهها بعد أن شعر أنها أحرجته وجعلت منه مزحة أمام الجميع لتنظر له هي وتجمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها

"خلاص سيبني أنا بقا في شغل الأطفال ومتجيش جنبي" اجابته والتفتت لتغادره بينما هو شعر ببكائها فأوقفها ليرغمها على الالتفات له وتنهد بنـ.ـد.م عنـ.ـد.ما رآى دمـ.ـو.عها المتهاوية على وجهها ليجذبها رغماً عنها وعانقها لتعود رأسها لتؤلمها في شـ.ـدة بينما انهال سيل من الذكريات على رأسها في آلم بعد وجودها بالحديقة والمنزل وتلك الأجواء التي مكثت بها لأيام من قبل!

"أكيد، ماهو من ساعة ما البتاعة ديه ما دخلت حياتنا وأنتي مبقتيش شايفة غيرها.. حتى شغلك مبقتيش مركزة فيه" صرخ في غضب بينما شعرت نورسين بأنها على مشارف البكاء ونظرت للأرض

"لو سمحت.. مسمحلكش يا بدر تقولي إني مقصرة أبداً!! انا بقالي خمس ساعات برا!! خمس ساعات بس.. خمس ساعات من سنين كتيرة كنت صاحية نايمة في الشغل، ايه بقا المستعجل اوي ومش عارف تجيبه غير مني؟!"

"افتحي الـ Email بتاعك وانتي ت عـ.ـر.في.. عشان مش بدر الدين اللي يتكسف قدام عميل جديد بسبب إن مديرة المشتريات عندي مش فاضية!!" صرخ بها بينما عقدت حاجباها وغادرت لتتفحص حاسوبها.

"وأنتي" صاح بغضب مقترباً منها قابضاً على كلتا ذراعيها لتوجل هي منه وتنظر له من المفاجأة ليعتريها الخوف من تلك النظرة الثاقبة بعينيه

"اوعي تكوني فاكرة ان شوية التمثيل اللي دخلو على أمي وأختي وزياد دخلوا عليا.. ولا جو الدراما اللي انتي عاملاه ده أنا مصدقه.. أنا لولا شاهندة كنت رميتك تاني مطرح ما جيتي.. ومتفتكريش إني قابل ده.. بكرة كل خططك القذرة واللعبة اللي بتلعبيها هتبان للكل.. صبرك عليا بس وأنا هوريكي وهكشفك قدامهم" صرخ بوجهها لتنهمر دمـ.ـو.عها وهو يحدثها بتلك الطريقة الفظة بينما لم تدري لماذا يفعل كل ذلك

"ايوة ايوة مثلي ونزلي الدمعتين عشان يشوفوكي وانتي بتعيطي وتصعبي عليهم اوي.. إنما أنا لأ، أنا فاهمك وفاهم كل اللي بتعمليه كويس.. وفي يوم من الأيام هرجعك تاني لجوز أمك اللي أخدتيه حجة عشان تدخلي بيتنا.. بس مش هتمشي من هنا إلا وكل اللي واقفين جنبك دول كارهينك ومش طايقين يبصوا في وشك" صرخ بها مجدداً لتتحول دمـ.ـو.عها لنحيب وشهقات متتالية

"لا غلبانة اوي وصعبتي عليا.. بس اوعي تفتكري إن بدر الدين الخولي بيضحك عليه من عيلة صغيرة لا راحت ولا جت.. ويكون في علمك العيشة اللي انتي عيشاها دي قريب هتختفي.. متتعوديش يا شاطرة على حاجة مش بتاعتك كلها يومين وهترجعيله تاني وتغوري في ستين داهيـ.."

"حـ.ـر.ام عليك أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كل ده؟!" صرخت بوجهه بين بكائها

"ايه يا بدر حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله.. البنت تعبانة مش كده"

"ايوة ايوة.. واضح انها عرفت تضحك عليكي.. إنما اهي زي القردة وبتتكلم! عرفتي انكم كلكم مضحوك عليكو؟ بكرة ت عـ.ـر.في إني صح.."

لماذا كان يصـ.ـر.خ بها هكذا؟ ما الذي فعلته؟ خطط ماذا! ما الذي كان يقصده بقوله؟ هي الآن تتذكر.. لقد امتنعت عن الكلام لأيام بسبب موت والدتها.. لماذا كان يعاملها بتلك الطريقة وقتها؟ وهل هو من تركها عند يُسري؟!

"أنا خايفة.. خايفة أوي يا شاهي.." همست وهي تبكي لتعانقها شاهندة

"متخافيش.. مش هيقدر يهوب ناحيتك" فرقا عناقهما لتنظر لها شاهندة مضيقة عيناها "ايه بقا! كان لازم خناقة مع بدر عشان اسمع صوتك الحلو ده تاني"

"أنا مش عارفة ازاي ده حصل" اجابت في ثوان وهي تتذكر ما حدث لها معه منذ قليل "زي ما يكون لساني نطق لوحده من غيرما اتحكم فيه" ابتلعت ثم عضت على شفتاها "هو ليه دايماً بيكرهني؟ ليه دايماً فاهمني غلط؟!"

"سيبك من بدر، ده مقتنع دايماً بنظرية المؤامرة.. متحطيهوش في دماغك.. بس هو والله طيب جداً" ابتسمت نورسين بإقتضاب على كلمـ.ـا.ت شاهندة

"اوي.. بالذات وهو عامل فيها ملك الكون!!" صاحت نورسين وبرقت زرقاواتها وهزت رأسها في تهكم لتضحك شاهندة على ملامح وجهها ولم تستطع التوقف عن الضحك

ألهذا هي دائما تشعر بالخوف منه؟ هل كان يُسري حقا يحاول التهجم عليها بالمشفى وبذلك اليوم الآخر؟ الآن فقط تعرف لماذا كتبت على تلك الرسمة له "ملك الكون" هي الآن تجد الأمر منطقيا ولكن كيف تزوجته؟! لم تحتمل رأسها تلك الآلام ولكنها استعادت المزيد من الذكريات

فتحت عيناها بصدمة على صوت ضحكته التي توقفت وتحولت لإبتسامة على شفتاه وعنـ.ـد.ما قابلت زرقاوتاها عيناه السوداوتان وشعرت بقصر قامتها أما طوله الفارع عقدت حاجبيها في دهشة

"أنت بتضحك على ايه؟" حدثته متعجبة ثم مررت ظهر يدها أعلى شفتيها بطفولة

"مالكيش دعوة واحد في بيته وبيضحك براحته"

"هه هه" أصدرت صوتاً لتقلده ليعبس وجهه ويتحول مجدداً للجمود الذي عهدته دائماً وظهرت عقدة حاجباه مرة أخرى

"امشي اطلعي فوق واياكي المحك في مكان أنا فيه.." آمرها بصوت هادئ لتحلق حاجباها في دهشة

"لا بقولك ايه بقا، أنا مش فاهمة انت بتكرهني كده ليه، بس شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون في البيت وهاعمل اللي أنا عايزاه ما دام مبضايقش حد"

"ماما نجوى!!" اقتبس كلمـ.ـا.تها في تهكم "طب منظرك بيضايقني، شكلك كله على بعضه بينرفزني!! امشي من وشي الساعادي"

"يا سلام!" عقبت على كلمـ.ـا.ته في تحفز ثم تجرعت باقي كوب اللبن ومسحت فوق شفاهها ليتابعها بدر بعينيه الثاقبتان ثم هبطت لتضع الكوب أرضاً ثم عقدت ذراعيها في تحفز

"لما أنت مضايق مني ومتنرفز اوي بص بعيد عني.. متجيش تقف قدامي وتقولي امشي.. محبكتش الحتة اللي أنا فيها"

هل وقتها انجذبت إليه؟ هل عنـ.ـد.ما رآته بمثل تلك الهيئة وقعت في حبه مثلا؟ ولكنهما كانا يتشاجران وهو لم يكن سوى يعاملها بطريقة فظة!! كيف حدث وتزوجا؟!

"متعيطيش خلاص.." أخبرها وهو يُربت على رأسها ليزداد بُكائها بطريقة هيستيرية خاصة بعد أن تذكرت المزيد من المواقف التي جمعتهما

"أنت كل شوية تزعقلي.. وكل شوية تتعصب مني.. وترجع تقولي متخافيش.. وتضايق بسبب حاجات عادية.. وأنا كل ما بفتكر حاجة بتعب أوي.. أنا مش عارفة أنا اتجوزتك ازاي وأنت ساعات تتعامل كويس بس لما بفتكر أنت كنت دايما بتزعقلي.. أنا.. أنا.. مش عارفة أنا حاسة بإيه من ناحيتك.. يعني أنت كويس ولا لأ ولا إيه!" أخبرته هامسة بين شهقاتها ليشعر بذلك الآلم يندلع بداخله مجدداً بسبب بُكائها

"طب حقك عليا معلش.. بصي يا نوري أنا.. أنا وانتي زمان محبناش بعض على طول.. أنا مكنتش عارف اتعامل معاكي.. وأوعدك إني مش هازعق كده تاني أبدا ولا هاعمل زي زمان خالص، ولو من شوية زعقت فده كان علشان أضايقت لأني مبعرفش ألعب ومكنتش عايز أخسر" أخبرها وهو يُربت على ظهرها علها تهدأ ليجدها توقفت عن البُكاء وابتعدت عن صدره لتنظر له في براءة

"وليه مقولتليش، أنا ممكن اعلمك وتلعب معانا كلنا.. وبعدين ليه محكتليش على كل حاجة حصلت ما بيننا زمان؟" تحدثت ليرى تلك البراءة بها وتهوينها للأمر ومنتهى الجدية التي أخذت بها ما قاله لها ليتنهد وهو لا يدري ماذا عليه أن يفعل مع تلك الصغيرة!!

"هاحكيلك على كل حاجة.. بس قوليلي اللعبة الأول دي بتلعبوها ازاي؟!" لم يُصدق ما تفوه به وهو يخضع لتلك الصغيرة التي بدأت في إرغامه على أشياء لم يعرف كيف يفعلها من قبل ولكن علّ حُجته تُنسيها حديثها عن معرفة ذكرياتهما سويا التي كانت سيئة لأبعد حد..

"أنا هقولك بنلعبها ازاي بس تحكيلي برضو احنا عرفنا بعض ازاي وتحكيلي على كل حاجة حصلت من يوم ما عرفتني!.. اتفقنا؟!" أومأ لها وأقترب في هدوء ليجفف دمـ.ـو.عها فابتسمت له في اقتضاب وأخذت في الشرح له ولم تتوقف عن الحديث وهي تتحرك أمامه بمنتهى الحيوية ليشرد هو بتفكيره في الهروب من أسألتها له وبدلا من يُدقق التفكير، تمعن بتفاصيلها وهو لم يعد يُدرك أنه قد جُن بسببها!

❈-❈-❈


جلس شارداً بكل تفاصيل تلك الأيام الماضية التي مكث بها بمنزل عائلته، لم يعد يُصدق ما هو به، لقد وقع في حب تلك الفتاة وعشقها، تجعله يفعل أشياء جديدة، من كان يُصدق أنه يلعب مع الأطفال ويذهب لمدينة الألعاب بل ويقص قصصا للأطفال قبل النوم!!

تلك الفتاة غيرت بداخله العديد من الأشياء، لا يستطيع شرحها ولا التحدث عنها ولكنه عرف أنه بات عاشقاً لها ولكل بساطتها وطيبتها التي لم يرى مثلها أبداً.. ضحكتها وتحركاتها وأفعالها الطفولية، خجلها وارتباكها كلما أقترب منها، مزاحها مع الجميع وحتى هديل، تحاول أن تكون طيبة معهم جميعاً، تلك المرات التي يجلسون بها لينتظروا ما تعده من طعام، تذكر عنـ.ـد.ما رسمت لهم رسمة عائلية ليبتسم دون شعور!!

كل مرة توجهوا بها للخارج، ذلك المرح الذي يجده كلما ترك لها الاختيار فيما سيفعلاه وإلي أين سيذهبا، تلك السعادة التي لم يجد مثلها أبدا بحياته.. تعجب لنفسه بعد أن أدرك كيف أعادت له تلك الفتاة ضحكته، لقد أصبح حتى لا يتوقف عن الإبتسام لسببا وبدون سبب.. وكأنها هي شعاع النور الذي أضاء تلك الظُلمة بداخله.. تنهد مُفكراً وهو لم يعد يعرف ما الذي عليه فعله سوى أنه يُريد أن يكون معها طوال الوقت وألا تغيب عن عيناه ولو للحظة واحدة.. ولكن ما الذي قد يحدث لو أنها استعادت تفاصيل ما فعله بها؟ هل يُمكن أنها ستسامحه؟!

"ايه ده.. قاعد لوحدك ليه؟" تحدثت نورسين لتخرجه من شروده ليرى تلك الزرقاوتان اللتان لم تعودا حزينتان كالسابق

"كنت مستنيكي"

"بجد؟" اتسعت عيناها في براءة ليومأ هو لها بإبتسامة "ليه بقا؟!" تعجبت لتجده يتنهد وتحولت ملامحه للجدية

"جامعتك هتبتدي خلاص بعد بكرة.. لازم بقا نرجع البيت وتركزي الفترة الجاية دي في مذاكرتك"

"حاضر" أومأت له في قليل من الحزن "يعني مش هنيجي عند شاهي وماما نجوى تاني؟!"

"لا يا نوري هنيجي في اجازتك، وأنا كمان لازم ارجع الشغل" ابتسم لها لتبادله الإبتسامة لتتلاقى أعينهما ولم يستطع هو أن يتوقف عن النظر لها بينما توردت وجنتاها في خجل وازدادت ابتسامتها وهي لم تعد تدري ما الذي يحدث لها معه، هي لم تعد تشعر بالخوف منه، أصبحت تُحب أن تقضي معه الوقت وتتوجه معه في أي مكان يذهب إليه، نعم لا زالت تتـ.ـو.تر من اقترابه منها ومن عدم معرفة تلك التفاصيل بماضيها ولكنها تشعر بشيء لا تعرفه تجاهه.. كلما حاولت أن تعرف ماهية هذا الشيء لم تجد إجابة ولكنها تتأكد أنه شيء جيد وليس سيء مثل السابق.. ربما بدأت في تقبله كزوجها!!

❈-❈-❈

"صباح الخير يا رنا" ابتسم لها بإقتضاب ورسمية وهو يدلف مكتبه لتجن رنا من تلك الطريقة التي أصبح بها مؤخرا، فمن كان يظن أن بدر الدين الخولي يبتسم ويُلقي الصباح هكذا!

جلس على كرسي مكتبه ثم أوصد عيناه متذكراً تلك الذكريات التي مرت عليهما سوياً، عنـ.ـد.ما يراقبها دون أن تشعر وهي تستذكر دروسها بينما جلس هو بهدوء يعمل بجانبها، عنـ.ـد.ما يقلها للجامعة ويطحبها من هناك كلما سنحت له الفُرصة، تلهفها على قضاء الوقت بمنزل عائلته، مزاحها مع أولاد هديل، مزاحها معه هو نفسه، لا يدري كيف يتعامل مع كل ذلك؟ لا يدري كيف يقترب منها! لا تتوقف عن إثارته للحظة بينما تصرفاتها الطفولية تلك لا تدعه إلا مُقيدا بإنصياع لكل ما أرادته هي.. تذكر أيضاً ليلة أمس، لقد كانت تبكي حقاً لأنها تشعر بالخوف من الإمتحان، إلى متى ستظل بتلك البراءة؟

"فيه ايه بتعيطي ليه؟"

"أنا خايفة من المادة مليانة theories (نظريات) وحاسة إني مش فاكرة ولا كلمة فيها من السنين اللي قبل كده.. بس والله أنا بذاكرها من أول الترم بس .. بس مش عارفة ليه كل ما اجي اراجع احس اني مش فاكرة حاجة.."

"طب اهدي كده" اقترب منها ليجلس بجانبها ثم تناول الكتاب من يدها "ممكن تعملي Hot chocolate لينا احنا الاتنين وتيجي" ابتسم لها لتومأ هي له بينما بدأ في تصفح الكتاب ناظراً لمحتوياته ومواضيعه التي وجده تتحدث عن نظريات الإدارة التي أعد بها درساته العليا، لا يُصدق أنها تخاف بتلك الطريقة وهي التي لا تتغيب يوماً عن محاضراتها ولم تضيع أي وقتاً وكلما تفقدها وجدها تذاكر بمنتهى الحرص والتركيز..

آتت لتضع كوبا الشيكولاتة الساخنة أمامه وجلست وملامحها يبدو عليها التـ.ـو.تر والخوف ليبتسم هو لها "متخافيش.. أنا عارف إنك شاطرة وبتذاكري والمادة سهلة بس محتاجة تراجعيها بتركيز"

"أنا حاسة إني ناسية كل حاجة.. مش عارفة.. يمكن عشان آخر امتحان في الترم"

"تعالي.. قربي كده وركزي معايا وأنا هقولك على طريقة سهلة تجمعي بيها كل ده.."

لم يُصدق أنها بدت كالطفلة الصغيرة أمامه ليلة أمس، ولكنه لاحظ مدى براعتها في ترتيب النقاط بداخل رأسها، تركيزها عالٍ للغاية، قدرتها في استيعاب المعلومـ.ـا.ت والتكيف والتعود على طريقة جديدة كان سهلا وسلسا للغاية بالنسبة لها!! ربما لأن طريقتها بسيطة للغاية ولا تُشغل بالها بالكثير تستطيع تجميع المعلومـ.ـا.ت بسهولة ويسر، بل هل لا تُفكر بشيء على الإطـ.ـلا.ق! هل هي دائما هكذا؟ طيبة وبريئة فحسب!!

فتح عيناه عنـ.ـد.ما وجد هاتفه يرن ليجدها أنها هي التي تهاتفه.. ابتسم ولم يُصدق أنه قضى ساعتان بأكملهما يُفكر بها وبما مر عليهما سوياً طوال الشهر والنصف الماضيان

"الامتحان جه سهل اوي.. أنا خلصت" صاحت عبر الهاتف ليبتسم هو لنبرتها السعيدة

"شاطرة يا نوري.. يالا روحي بسرعة.. وأول ما السواق يوصلك طمنيني عليكي"

"حاضر.. باي"

اطمئن عليها ليهُز رأسه بإبتسامة وتذكر كلاً من كريم ويُسري الذي يعرف بأنهما يتعذبان كل ذلك الوقت ولكنه خائف من رؤيتهما، يعرف جيداً أنه إذا رآى أيا منهما سيستيقظ ذلك الرجل السادي بداخله ولن يرحم أياً منهما وخاصةً يُسري الذي تأكد من أنه هو السبب في قـ.ـتـ.ـل والدتها عنـ.ـد.ما استمع لما سجله له كريم بل وظل وراء الأمر حتى تشرحت جثة والدتها وتأكد الأطباء بأن موتها لم يكن طبيعي، يعلم أنه عاجلا أم آجلا سيلقيه بالسجن ولكنه تشبث بكل يختبره مع نورسين الآن ولم يرد أن يُفرط به ولو للحظة واحدة.

نظر بالساعة ليجدها التاسعة مساءا وهو حقا لم يعي كيف مر كل ذلك الوقت عليه دون أن يشعر، لابد وأنه قد انشغل بالعمل كثيرا، عليه التوجه لنورسين الآن، ماذا تفعل على كل حال ولم تهاتفه لكل ذلك الوقت؟!

تفقد تسجيلات تلك الكاميرات التي وضعت بفيلته وترسل إليه على مدار الساعة على بريده الإلكتروني لتتسع عيناه لما كانت تفعله بغرفة مكتبه ليُمسك مفاتيح سيارته وتوجه للخارج مسرعاً وهو لا يعرف لماذا هكذا فجأة تفعل ما تفعله الآن.!
اتسعت عيناه ما إن دلف مكتبه ووجد تلك السكين بجانبها وزجاجة الفودكا بيديها وتبدو ثملة فحاول الإقتراب منها بحذر ولكنها لاحظته لتصيح بصوتٍ عالٍ "ملك الكون جيه... هييه.. هـ" نظر لها في إندهاش وهي تعاني من ذلك الفُوَاق حتى أدرك بسرعة أنه من أثر كثرة ما شربته.

"لا لا يا Mr. ملك الكون مش هسيبك تقرب مني تاني.. هئه!!" تحدثت له وهي تحذره وتمتد يدها لتلمس السكين فتوقف مكانه وهو لا يدري ما الذي تفعله ليرها تشرب من الزجاجة مرة أخرى وهو يشعر بالغضب تجاه كل ما تفعله "احح!!! طعمها وحش اوي، أنت بتستحملها ازاي" صاحت بنبرة ثملة ليتقدم منها على حذر

"نورسين!! سيبي اللي في ايـ.."

"لا لا لأ!! أنا مش هاسيبك تقرب مني تاني، أنت .. أنت استحالة تيجي جنبي بعد كل اللي عملته فيا ده!!" قاطعته ثم تحولت نبرتها للحزن ليتوقف بعد أن رآها حزينة وتحدثه بتلك الطريقة ولا زالت يدها ممسكة بتلك السكين

"طيب أنتي مضايقة من ايه احكيلي؟" تحامل على ذلك الغضب بداخله وهو يزفر في خوف من أن تفعل شيئاً بتلك السكين وشعر بالرعـ.ـب ما إن كانت تتحدث هكذا بسبب أن ذاكرتها عادت إليها واختار أن يتحدث لها بهدوء وقرر أنه سيقترب منها بحذر حتى يستطيع الحصول على السكين وكذلك زجاجة الفودكا تلك.. وبعدها سيعرف ما إن تذكرت شيئا!

"أنا مضايقة؟!" صدحت ضحكتها التي يعشقها لتهز ارجاء مكتبه لينظر لها هو في تعجب فهي لا زالت تلك البريئة الصغيرة ولكن طريقتها تلك بدأت في أن تثير حفيظته

"أنا مش مضايقة خااالص! أن مبسوووطة جداااً" تحدثت بثمالة واضحة ليسحق هو أسنانه في غضب "أنا مبسوووطة عشان Mr. ملك الكون جيه.. والإمتحانات خلصت و هئ.." آتاها الفواق مجددا ولكنها أكملت "وأنت بتجبلي حاجات حلوة وبتفسحني وبتوديني لشاهي وبطلت تضـ.ـر.بني وتخوفني.." تناولت الزجاجة مجدداً لتشرب منها ليزفر هو في رعـ.ـب على ما سمعه منها، أتتذكر أنه قام بضـ.ـر.بها الآن؟!

"وحشة اوي يا Mr. بدر.. أنا شوفتك بتشرب منها كتير وكنت عايزة أعرف طعمها" همست بصوتها الثمل ثم نهضت بصعوبة وهي مُمسكة بالسكين وكادت أن تسقط ليهرول هو نحوها ولكنها أشارت له بالسكين في تحذير

"لأ.. اوعى تقرب مني.. أنا تعبت خلاص.. وأنا.. أنا افتكرت كل اللي عملته فيا.. إياك تقرب مني تاني وإلا هموتك"

"نور تعالي وهاتي السكينة دي وهنقعد نتكلم في كل حاجة"

"آه.. أنت عايزني أقرب منك تاني عشان.. هئ.. عشان تعمل معايا قلة أدب، أنا منستش على فكرة.. حاجة إيه اللي هنتكلم فيها؟" أخبرته في ثمالة "وأنا عارفة دلوقتي هتقلع عشان أنا افضل ابص لعضلاتك الكبيرة دي واخاف منك.. بس أنا مش هخاف تاني وهاعرف منك كل حاجة.. كل اللي حصل هتحكهولي.. ازاي فضلت تعذب فيا وتضـ.ـر.بني وتعمل فيا كل ده وتوديني عند يُسري وبعدين اتحولت معايا وبقيت كويس.. أنا افتكرت كل حاجة وعرفت الأوضة اللي أنت مخبيها ورا دولابك"

"عايزة ت عـ.ـر.في ايه يا نورسن؟" سألها بعد أن ابتلع في رعـ.ـب وذعر هائل مما استمع إليه، هل يمكن أنها تذكرت حقا كل شيء بعد أن وجدت تلك الغرفة؟ هو يتعجب من كل كلمـ.ـا.تها التي غادرت المنطق في تواليها وتتابعها الغريب ولكنه يعلم أنها في غير وعيها ليمتن أنها لا تراه الآن ولن تتذكر أيا من هذا وحاول أن يتمالك نفسه وهو لا يدري كيف سيتصرف معها الآن

"أنت ليه ضـ.ـر.بتني كتير وبعدين بقيت بتحبني وبتعملي حاجات حلوة؟ ليه حبستني وبعدين بقيت بتسبني أعمل كل حاجة براحتي؟ ليه من الأول ظلمتني وفكرت إن فيه بيني وبين كريم حاجة وأنا فضلت اقولك الحقيقة ومسمعتنيش؟" عقد حاجباه وهو ينظر لها في انكسار وآلم عنـ.ـد.ما عرف ما تقصده جيداً

"انت بتعملي كل حاجة حلوة عشان في الآخر تبعد عني ونتطلق زي ما قولت مش كده؟ ولا علشان أنا نسيت اللي حصل بقيت بتعاملني إني صغيرة ومش فاهمة حاجة؟ أنت عايز تشوفني بعيط وخلاص مش كده، عايز تأذيني دايما!" تهاوت دمـ.ـو.عها ولكنها أقتربت منه آخذه خطوات مترنحة

"انت.. انت عايز تعمل معايا حاجات قليلة الأدب مش كده؟ .. زي كريم ويسري.. وعايز تضـ.ـر.بني تاني وأكيد هتضـ.ـر.بني علشان أنا افتكرت كل حاجة.. بس أنا بحب اعمل قلة أدب معاك.. بس بخاف منك.. بس برضو بحبك" ازداد بكاءها وهي تقترب منه

"بس لأ.. أنا لازم اموتك واضـ.ـر.بك زي ما عملت فيا.. أنا فضلت أقولك الحقيقة وانت كنت مفتري.. وأنا فكرت كتير اني اروح لشاهي واقولها تخليني معاها هي وماما نجوى.. بس حسيت انك هتوحشني اوي.. بس أنا زهقت بقا ومش عارفة هئ.. اعمل ايه"

"مانا لو روحت عند شاهي أنت مش هتذاكرلي.. ومش هتقربلي غير لما تنام جنبي.. وأنا بتكسف منك.. بس بردو بحب أكون جنبك.. وبحب اقعد معاك لوحدنا.. وبستناك كل يوم ترجع من الشغل.. أنا مش عارفة بيحصلي ايه وكوكي مش بترد عليا ومش بتقولي اعمل ايه.. هي ليه مـ.ـا.تت وسابتني؟ وأنت ليه عذبتني كتير وأنا والله ما عملت حاجة.. أنا بكره كريم والله بكرهه اوي" ارتفعت شهقاتها ليشعر هو بتشتتها ذلك ولم يُصدق أنها حقاً تحبه بتلك الطريقة

"أنا خايفة منك.. لا ترجع معايا زي الأول.. بس أنت بقيت كويس.. وأنا خايفة تبعد عني وتسيبني ونتطلق زي ما قولتلي.. بس أنت عذبتني وأنا بكرهك" صرخت وهي تبكي ليتوجه مقترباً منها بغتة وأخذ السكين منها ليلقيها بعيداً ولم يشعر بنفسه متى جذبها واحتضنها لصدره بينما يشعر هو بالرعـ.ـب مما سيحدث معها عنـ.ـد.ما تذهب آثار ثمالتها

"متعيطيش.. متخافيش مفيش حاجة هتحصل تاني.. أنا كنت فاهم كل حاجة غلط.. أنا آسف" همس إليها بنـ.ـد.م حقيقي

"لأ أنت كدااب!!" دفعته بكل ما أوتيت من قوة ليبتعد عنها لينظر لها بدهشة "أنا عشان سـ.ـكـ.ـر.انة بتضحك عليا.. لكن لو أنت سـ.ـكـ.ـر.ان بتقول كل حاجة أنت حاسس بيها" هرولت مبتعدة بخطوات مترنحة حتى تجذب الزجاجة وأعطتها لها

"اشرب منه زيي عشان تبقا سـ.ـكـ.ـر.ان وتقولي كل حاجة بصراحة" ظلت تمد له الزجاجة ليومأ لها بالإنكار "شوفت إنك بتكدب ومش عايز تكون سـ.ـكـ.ـر.ان عشان تقولي كل حاجة بصراحة.. أنا بكرهك يا Mr. بدر.. أنا بكرهك وهضـ.ـر.بك" أقتربت منه لتلكمه بصدره وتناست تلك الزجاجة التي بيدها تماماً ليُمسك هو بها بحركة سريعة قبل أن تسقط أرضاً ونظر لنورسين بدهشة وهي تلكمه بكفيها الصغيرتان بصدره وهو لا يدري ما الذي يحدث لتلك الفتاة ومتى ستنتهي عما تفعله!

"أنا بكرهك، أنت بتخوفني.. أنا عايزة ابعد عنك ومش عارفة" ظلت تبكي وتلكمه إلي أن خارت قواها بينما هو خفض نظره وهو ينظر لها ثم احتضنها لصدره وهوى أرضاً ليجلس وهي تبكي بصدره ولا يدري كيف يتصرف معها

"متخافيش.. قوليلي بس عايزة اعملك ايه وانا اعمله.."

"اشرب البتاع اللي طعمه وحش ده الأول وأنا اقولك" رفعت نظرها بزرقاويتيها الدامعتان وهي تنظر له لتجده يتنهد ويهز رأسه في غير تصديق

"حاضر" أخبرها ثم تناول الزجاجة ليتناول منها جرعة صغيرة ثم نظر لها "قوليلي بقا عايزة ايه؟"

"لأ انت اخدت شوية صغيرة.. اشرب تاني كتير"

"نورسين أنـ.."

"لأ أنت بتقولي يا نوري زي ما ماما كانت بتقولي.." قاطعته في انفعال "اشرب زيي كتير" دفعت الزجاجة حتى لامست شفتاه ورفعتها ليتناول الكثير من الشراب رغما عنه ثم اخفضها بعد أن شعر بأنه تناول كمية كبيرة

"كفاية كده" نهاها عما تفعله لأنه يعي أن لابد أن يكون واعياً لكل ما ستفعله ولن يُخاطر بتركها بتلك الحالة "قوليلي عايزة ايه؟"

"أنت ليه بطلت تخوفني وتضـ.ـر.بني؟ علشان صعبت عليك بعد اللي عمله يُسري فيا ولا علشان نسيت كل حاجة؟" سألته بمنتهى البساطة لينظر هو لتلك الزرقاوتان ثم زفر بعمق وتمنى بداخله أنها لن تتذكر كل ذلك عنـ.ـد.ما تستفيق

"عشان أنا عرفت إنك مكنش ليكي ذنب في حاجة.. وعشان انتي حلوة ومبتعمليش حاجة غلط وبتسمعي كلامي"

"ما أنا قولتلك كتير إني معملتش حاجة.. بس أنت بتكرهني ومش بتحبني زي ما بحبك" نظرت له ببراءة وهي مستندة بكفيها الصغيرتان على صدره

"أنتي بتحبيني يا نوري؟" لا يدري لماذا يسألها ذلك الآن ولكنه أراد لها أن تكرر ما قالته منذ قليل وتخبره بأنها تُحبه

"ايوة بحبك اوي.. بس بخاف منك.. مش عارفة أسامحك على اللي أنت عملته فيا.. أنت كنت وحش معايا اوي.. ظلمتني ليه كل ده؟ ازاي عملت كل ده فيا؟" اومأت له بالموافقة ثم بالإنكار وعادت لتبكي ثم احتضنته ليتعجب من كل ما تفعله تلك الصغيرة

"طب بتحبيني ليه؟" سألها وهو يربت على كتفها

"عشان أنت بتدافع عني وضـ.ـر.بت يُسري وجيت لما كريم جالي الفيلا وأنا لوحدي، أنا خوفت أقولك عشان متضـ.ـر.بنيش لو عرفت إن شوفته، بس بحبك عشان بتفسحني وبتجبلي حاجات كتير وبتقولي معيطش.. بس أنا افتكرت لما دخلت الأوضة البنت اللي كنت بتضـ.ـر.بها، وافتكرت ضـ.ـر.بك ليا، افتكرت كل حاجة.. أنا بكرهك .. أنا عايزة أنام يا Mr. بدر" اراحت رأسها على صدره في إرهاق وشعر بتوقف بكائها لتعانقه هي بذراعيها دون وعي لما تفعله ليحاول هو النهوض بصعوبة وحملها ليتوجه لغرفتها

"أنت بتحبني بردو ولا بتكرهني وهتضـ.ـر.بني تاني؟" سألته بعد أن تمسكت بعنقه واضعة ذراعيها حولها وهي تنظر له بتلك الزرقاوتين ببراءة وكيف لأحد ألا يُحب تلك الملاك التي بين يداه! أومأ لها بإبتسامة منكسرة لتدفن وجهها بعنقه ثم همست

"ريحة الـ perfume بتاعتك أنا بحبها اوي.. شعرك حلو اوي.. وبحبك لما بتحـ.ـضـ.ـني وتشيلني.. بس لما افتكرت اللي عملته معايا بحس إني بكرهك" شعر فجأة بإنتظام أنفاسها وهو يُنزلها على السرير ليقف واضعاً يداه بخصره وظل يتفقدها بعينيه ويبتسم نحوها بمرارة وإنكسار وهو لا يدري ما الذي عليه فعله معها بعد كل ما أخبرته به..

"ممم.. Mr. بدر.." تململت بالسرير وهي تهمهم ليقترب هو منها جالساً بجانبها وهو يزيح خصلاتها الحريرية بعيداً عن وجهها

"نعم يا نوري.."

"احـ.ـضـ.ـني تاني ومتسبنيش وبطل تضـ.ـر.بني ارجوك.. أنت بقيت كويس بعد ما كنت وحش.. أنا مش عايزة اكرهك ومبحبش اكره حد زي ما كوكي قالتلي مكرهش حد" همست هي بصوت نعس ليبتسم هو

"حاضر" اجابها ثم توجه ليخلع ملابسه ثم تمدد جانبها وحاوط خصرها بذراعه بعد أن قربها منه وأوصد عيناه في خوف وكأنه هو من يحتمي بها من نفسه ومن بشاعة ما فعله بها وهو لا يدري كيف سيواجهها بالصباح..

❈-❈-❈


لا يصدق أنه لا زال يحدق بها منذ أن أستيقظ، تارة يبتسم، وتارة يشعر بالنـ.ـد.م والإنكسار والرعـ.ـب ما إن استيقظت وواجهته بمعرفتها للحقيقة ولكن بعد كل ما حدث ليلة أمس لم يعد يريد إلا أن يتملك تلك البريئة روحا وعقلا وقلبا، يريدها أن تعشقه ولكنه مذعور مما قد تفعله عنـ.ـد.ما تستيقظ.. ولكن من أين له بهذا العشق وهو يعرف جيدا شناعة أفعاله معها بالسابق؟!..

كان يعلم منذ الخفقة الأولى عنـ.ـد.ما رآها أن تلك الفتاة ستحتوذ عليه بكل جوارحه، عرف أنه لن يستطيع مماطلة قلبه، عرف أنه سيقع لها وها قد فعل!! لم يعد يستطيع الإبتعاد، ينظر لها وهو قد حاول بكل ما أوتي من قوة أن يُنسيها كل ما مر، يُدرك أن بعد كل ما سمعه منها لن يدعها تُفلت من تحت يده حتى تُصبح إمرأته وله هو وحده.. ليس ببضعة نقاط حبر على ورقة وليس أمام الجميع ولكن هنا بين ذراعيه ستُصبح إمرأته..

لم يكن يعلم من قبل أنها تود أن تكون بالقرب منه، لم يكن يدري أنها تُحبه هي الأخرى بعد اعترافتها التي تواترت من شفتاها ليلة أمس، لماذا لم تتناول تلك اللعنة منذ الكثير من الوقت حتى تريحه من ذلك الصراع بداخله؟ ولكن كيف سيصل لأن يصبح كلاهما بخير بعد تلك البشاعة التي قام بها معها؟ كيف ستتقبل كل ذلك منه؟

ألا تدري ما تستطيع فعله تلك الصغيرة؟ ألا تعرف كم هو صعباً أن يُحاول ألا يقترب منها؟ ألا تعي ماهية ما تفعل به؟ كم هي مثيرة، بريئة، طفلة تملك جسد إمرأة.. تؤجج كل مشاعره بعنف كلما نظر إليها، مشاعر العشق، النـ.ـد.م، الخوف، بل هي تزلزل كيانه بأمورا لم يختبرها سوى معها وحدها!!

لم يظن أن تلك الصغيرة سوف تجعل بداخله نورا لم يعهده من قبل يوما ما ولم يستطع غيرها فعل ذلك.. لقد حاولت ليلى ومن قبلها نجوى وشاهندة ولكنها بطيبتها تلك تستطيع إنارة تلك الظلمة الحالكة بداخله.. هو لأول مرة يريد أن يُذعن أمام أحد بفداحة أفعاله، يشعر بنـ.ـد.م هائل لا يظن أنه سيتخلص منه طوال حياته!!

يتذكر أنه مع ليلى لطالما أحتاج تلك الممارسات السادية، في البداية كان يأتي بالنساء فقط ليعذب أجسادهن، وبعد أن علم بميولها الخاضعة كان يتمتع معها بتلك الممارسات.. أما تلك الطفلة التي أمامه فوجودها فقط بالقرب منه يُبدد كل ذلك الظلام بداخله وتجعله لا يُريد إلا البقاء بجانبها هي فقط.. كيف له أن يشرح كل ما حدث؟ كيف سيواجهها؟ كيف حتى سيتعامل معها؟

ولكنه قد سأم.. قد أرهقه الإنتظار.. لن ينتظر أكثر فهو يريد المزيد من ذلك النور الذي تبعثه بداخله لينتهي من تلك القتامة والظلام الحالك الذي يفتك به، يريد أن يعانقها كل ليلة حتى ينهل من تلك البراءة علها تنقل له بعضاً مما حُرم منه منذ نعومة أظافره؛ أراد أن يفقد نفسه ويشعر بالضياع على صدرها وهي تداعب شعره في حنان وتخبره أنه شخص أفضل، يريدها أن تخبره بأنها لن تتركه أبداً مهما حدث..

ولكنه عليه أولا أن يُصحح كل ما حدث بينهما، عليه أن يعترف بمدى فداحة أفعاله القذرة، عليه أن يُبرر لها كل شيء ويواجهها بمنتهى الصراحة بما فعله.. عليه أن يدعها تختار.. أن ينظر لها كإنسان له حق الإختيار والوقوع بالعشق.. هذا ما يجب عليه فعله.. بعد كل ما مر بينهما فهذا من أقل حقوقها عليه!! حتى ولو لم تقم بإختيار الإستمرار معه.. ولكنه يريدها.. يرتعد من ابتعادها عنه.. كيف سيفعل كل ذلك؟!

مرر أنامله بحنان على خصلاتها الحريرية ثم على وجنتاها ليلاحظ بدأ استفاقتها ليبتسم بإقتضاب بين مشاعره التي تقـ.ـتـ.ـله نـ.ـد.ما عنـ.ـد.ما فتحت تلك الزرقاوتان ولكنها كانت تبدو مُنزعجة..

بالطبع آثار الخمر لن تكون هينة عليها فاقترب هو منها وأحاط خصرها بذراعه ليُجلسها لتنظر له هي في تعجب وشعرت بآلم شـ.ـديد يهشم رأسها..

"راسي بتوجعني اوي" همست ليطـ.ـلق هو ضحكة متهكمة بخفوت

"ما هو مفيش حد عاقل يعمل اللي أنتي عملتيه امبـ.ـارح" مد يده لها بأقراص دواء وأومأ لها لتتناولهم منه "عشان الصداع" ثم ناولها كوباً من المياة فشربت منها لتبتلع تلك الأقراص ثم مسحت شفتاها الكرزيتان من بقايا المياة بظهر يديها ليتفرقا محدثان اهتزازاً عفوياً ليشعر هو بالرغبة تندلع به!!

"هو ايه اللي حصل امبـ.ـارح.. أنا مش فاكرة حاجة" تحدثت وهي مُضيقة ما بين حاجبيها ولم تستطع تحمل الآلم أكثر لتجد نفسها تبكي من شـ.ـدة الآلم

"شربتي تقريباً ازازة فودكا بحالها"

"يعني ايه فودكا أنا مش فاهمه حاجة وراسي بتوجعني اوي" صاحت بين بكائها ليقترب هو منها وهو يعانقها ويربت على كتفها وحاول تهدئتها

"المسكن اللي أخدتيه شوية وهيعمل مفعول، قومي ادخلى الحمام وأوقفي تحت المياة السخنة شوية هتلاقي نفسك احسن وأنا هاعملك قهوة.."

"بس أنا مبحبش القهوة.." همست بين بكائها ليتنهد هو

"اسبريسو طيب؟"

"لأ مر اوي.. أنا عايزة كابتشينو.."

بعدها برفق عن عناقهما ثم أومأ لها وذهب ليعد لها ما أرادت وبداخله يتفاقم الخوف من ردة فعلها فهي إلي الآن لم تواجهه بشيء فأتخذ هو من الهروب بعيدا عن وجهها ملجئا له أمّا هي فحاولت تذكر ما حدث ولكنها لم تستطيع تذكر سوى أنها دلفت حجرة المكتب وأقتربت من تلك المنضدة الجانبية التي رُص عليها زجاجات وتناولت زجاجة مثل التي رآتها تهشمت من قبل وتذوقتها لتجد أن طعمها لاذع للغاية وبعدها لم تتذكر أي شيء..

توجهت للحمام لتفعل ما أخبرها به ودلفت أسفل المياة الساخنة ولم تلاحظ حتى أنها لم تخلع ثيابها وحاولت أن تدلك رأسها ولكن لا يريد للآلم التوقف..

لا.. لحظة واحدة.. هي تتذكر، تتذكر الآن كل شيء.. عنـ.ـد.ما أخذت تتجول بالمنزل يوم أمس وسقطت بأرض تلك الغرفة الغريبة المختفية بداخل دولاب ملابسه.. لقد تذكرت قسوته معها، عذابه لها، ذلك الفندق وهذه الغرفة المشؤومة وتركها يومها بصحبة يُسري وبعدها نست كل شيء..

أهو كان يبتسم لها الآن؟ ويعاملها وكأنها لا تعلم شيء عن ظلمه لها؟ كيف له أن يكون بمثل هذه الطريقة معها وهو من ظلمها وكان السبب بكل ما حدث لها؟

فوجئت به يدلف الحمام لتشعر بالإرتباك ولكنها تذكرت أنها ترتدي ملابسها لتتلاقى أعينهما لتنظر له بغضب وإنزعاج كمن تريد أن تقـ.ـتـ.ـله بينما ابتلع هو وهو يتجه نحوها مد يده على الصنبور وفجأة تراجعت هي لتبتعد عنه في تقزز ولكن شعرت بالمياة البـ.ـاردة بدلاً من الساخنة تتهاوى على رأسها

"هههئ بتتعمل ايه.. أنا.." شهقت وآخذ جسدها في الإرتجاف وحاولت الإبتعاد عنه بالمغطس وهو لا يزال ينظر لها في صمت ثم مد يده للصنبور مجدداً لتشعر بسخونة المياة لتنظر له في تعجب بأنه يتعامل معها بتلك الطريقة وظلت نظراتها المصدومة تتابعه حتى لاحظت أن نظرته لها مليئة بالإستغراب

"ابعد عني.. أنا افتكرت كل اللي أنت عملته فيا.. ابعد لو سمحت" استمع إليها وهو يرمقها متحكما ومسيطرا على ملامحه ولم يتوقف عما يفعله

"إيه مسمعتنيش! بقولك ابعد!!" صاحت به بينما لم يأتيها رد منه "هتفضل ساكت.. لا.. يعني أنت اللي زعلان مثلا ومش هاتكلمني وأنا اللي المفروض أكون مضايقة منك؟" حدثته بإنزعاج وحاولت أن تبتعد قدر المستطاع عنه بداخل المغطس الذي تتواجد هي به

"سمعتك، وبكلمك أهو عادي" أخبرها ثم حول المياة لتُصبح ساخنة مرة أخري ولكنه لم يعد ينظر لها وعنـ.ـد.ما شعر قليلاً أنها أصبحت بخير أوصد المياة وجذب يدها في رفق لتغادر مغطس الإستحمام ودون أي مقدمـ.ـا.ت بدأ في خلع تلك الملابس التي ابتلت على جسدها لتشعر هي بالخجل والإرتباك والغضب تجاهه لتنظر له في إندهاش وهي ترمقه في كراهية وابتعدت عنه أخذة خطوة للخلف وكادت أن تتحدث ولكنه سبقها

"نورسين.. لازم تتعودي متتكسفيش مني.. وبما إنك افتكرتي كل اللي حصل فأنتي عارفة إني شوفت جـ.ـسمك قبل كده وأنا جوزك خلاص!!"

لا يدري أظهر على نبرته نفاذ صبره أم خوفه ورعـ.ـبه مما يشعر به أم ماذا فهمت هي ولكنه بالكاد يتحمل تلك الدقائق التي تفرقه عن كل تلك التخيلات التي جلس يفكر بها منذ الصباح بطريقة لا يدري من أين له بها، كيف وهو خائف من مواجهتها ولكنه بنفس الوقت يود الحصول عليها هكذا؟!

ابتعدت هي عنه وهي تحاول أن تجعل عقلها يواكب ما يحدث منذ ليلة أمس لتنظر له في لوم وغضب شـ.ـديد ولكنها لا تزال تقاسيم وجهها الممتلئة بالبراءة تمزق قلبه بداخله حتى أصبح لا يدري ما الذي عليه فعله..

"أنت ازاي بتتعامل عادي بعد كل ده؟ بعد ما خبيت عليا كل اللي حصل؟ استغليت إني نسيت لا وبتتعامل كويس وبنخرج وبنتفسح والدنيا حلوة ولا كأنك بهدلتني!!" صرخت به ليذهب هو مقتربا منها من جديد وهو لا يحاول النظر لخوفها ولا ملاحظته وإلا سينهار أمامها في ثوان!

ألقى ملابسها المبتلة أرضا بعد أن طأطأ برأسه للأسفل ثم وقف خلفها وأجبر جسدها بيديه على عدم التحرك بالرغم من حاولاتها في الابتعاد عنه

"متتحركيش.. مظنش إننا هنتكلم في كل حاجة وانتي لبسك مبلول وهتاخدي برد وراسك مصدعة بعد كل الشرب بتاع امبـ.ـارح ده.. غيري وهنقعد نتكلم" حدثها بنبرة امتلئت نـ.ـد.م وإنكسارا ولكنها صرخت بالمنطق لتشعر بتيبس جسدها أمامه ليتبادلا النظرات سويا لوهلة

زفر وهي يرى رفضها الشـ.ـديد له فقرر ألا يبالغ معها ثم أحضر احدى المناشف وتركها بالقرب منها كي تلف بها جسدها ثم وقف أمامها ليرى وجهها يعتريه الخجل ونظرها مسلط على الأرضية وهي في حالة من الإنزعاج والغضب وهي تقف أمامه بملابسها المبتلة وأنفاسها المرتبكة قد تعالت مما قد يفعله فحاول ألا يخيفها أكثر!!

"لو.. لو سمحت اخرج وسيبني" همست متلعثمة ورفعت رأسها لتجده ينظر إليها بطريقة غريبة لم تجده عليها يوما ما

"مينفعش تفضلي بالهدوم المبلولة دي هيجيلك برد.. غيري بسرعة وتعالي" أخبرها لترمقه في تردد بينما تركها هو وغادر..


❈-❈-❈



تفقدت حولها المكان فلم تجد سوى تلك المنشفة فخلعت كامل ملابسها ثم تبعته لتجده منتظرا اياها بجانب الباب فقدم يده لها في تشجيع لترمقه بتقزز وخوف ليزفر هو في ضيق ثم أشار نحو الأريكة الموجودة بالغرفة برأسه..

أتجهت لتجلس على الأريكة لتجد شطيرة وضعت بصحن على المنضدة وكوباً يحتوي على القهوة باللبن ثم وجدته يجلس بجانبها وجذب خصرها قليلاً لتواجهه بظهرها فشهقت هي وكادت أن تصرخ به ولكنه بادر

"كلي الساندويتش واشربي الكابتشينو قبل ما يبرد ومتقلقيش هنتكلم في كل حاجة" ابتلعت وهي تنظر له في حين أنها ابتعدت عنه قليلا على تلك الأريكة فبالطبع كيف ستتقبله الآن بعد معرفة كل شيء..

شعرت بالتـ.ـو.تر وخصوصا عنـ.ـد.ما تستمع لصوته الرخيم يهمس بتلك الطريقة وملامحه التي لا تُصدق تحولها فهو كان قاسيا معها كثيرا والآن يأتي ليفعل معها كل ذلك!!.. لا تُصدق أبدا!

"كلي علشان الصداع" حدثها بهدوء ولكن نبرته آتت آمرة فشرعت في تناول فطورها الذي كان بسيطاً على مضض لتشعر به فجأة يجفف شعرها بأحدى المناشف لتتعجب فهي لم تختبر هذا معه من قبل وبالرغم من أنها تحاول السيطرة على كل ما ينفجر برأسها من رفض له إلا أن خفقات قلبها دوت داخلها بعنف وأنفاسها تعالت..

"ابعد عني أرجوك" همست وأنتهت من تناول فطورها ليلاحظ بدر الدين أنها أوشكت على النهوض فجذبها مسرعاً من خصرها ليتوسد الأريكة بظهره واحتوى جسدها بين ساقاه لتجد ظهرها يلامس صدره وشعرت بالمزيد من الإرتباك..

"لو.. سمحت.. Mr. بدر، أنا.. سيبني.. أنا مش قابلة أي حاجة من اللي عملتها فيا.." تلعثمت وهي لا تدري كيف تُفلت ذراعاه القويتان حول جسدها وظل نهديها يرتفعا وينخفضا في صخب جراء تلك الأنفاس المتلاحقة تـ.ـو.تراً من كل ما يفعله بها ومن اقترابه ومن خوفها منه بعد أن تذكرت ما فعله وشعرت بالرعـ.ـب من إن تعرض لها بقسوته من جديد..

"نورسين" دفع جسدها بعيدا بعد أن حاول التمسك بسيطرته على أعصابه وجلس في مقابلتها ولتبدأ تلك المواجهة إذن التي يحاول الهروب منه منذ الكثير

"انتي عرفتيني من امتى؟"

"من.. من ساعة يوم التدريب" اجابته وهي تشعر بالإرتياب من نظراته وملامحه ليزفر هو في خوف ولكنه تابع "كنا في بداية شهر ستة اللي فات مش كده؟" سألها لتومأ له بإقتضاب

"من الأول كنت بعاملك بطريقة مش كويسة وفاكر إنك عرفتي اهلي علشان أسباب تانية، صح؟" تحدث لتومأ له من جديد بملامح اعتراها القلق والتقزز وعدم تقبلها له "فاكرة لما اشتغلنا مع بعض في المكتب ووقعتي؟" أومأت له ليتركها علها تتذكر مشاعرهما سويا

"أنا كنت بتشـ.ـد ليكي بس برضو كنت مقتنع إن وراكي حاجة، وشوفت قبلها كريم كان جنب اوضتك، وبعدين المكالمة يوم ما كنتي معايا في المكتب.. فاكرة يا نورسين؟" غابت هي في شرود وهي بالفعل تذكرت كل ذلك ليرمقها بثاقبتاه ثم تابع

"بعد ما بقيتي تشتغلي معايا فضلت بحاول محتكش بيكي غير في الشغل وبراقبك.. كنا عدينا اول اسبوع في شهر سبعة.. فاكرة؟" أومأت له بإقتضاب "كنت ساعتها بتعامل معاكي بنفس طريقتي الشـ.ـديدة.. بس كان عمري مديت ايدي عليكي ولا ضـ.ـر.بتك؟" سألها لتومأ له بإنكار

"ليلة ولادة هديل.. فاكرة أنا سمعت ايه؟" أومأت بإقتضاب ثم زفرت في حُرقة

"بس أنا حاولت افهمك كتير اللي كان بيحصل.. انت مرضتش تسمعني.." نظرت له بلوم

"نورسين، أنا اللي بيجي ناحية اهلي وبحس من ناحيته بإستغلال مبشوفهوش غير في صورة الست اللي ولدتني.. وأنا مبكرهش في حياتي اكتر منها" ابتلع بصعوبة شـ.ـديدة وهو ينظر إليها وحاول التغلب على الآلم الذي شعر به ولكنه لم يستطع أن يخبرها

"أنا قعدت عشر ايام بعذب فيكي.. من يوم الأوتيل لغاية ما وديتك ليُسري، أنا فاكر كل حاجة بس.. بس مقدرتش أسيبك يومها عنده.. مش عارف رجعت ليه.. علشان عرفت حقيقته من شاهندة ولا علشان كنت عايز ارجعلك انتي.." ابتلع تلك الغصة بحلقه واشتدت ملامح في نـ.ـد.م ليهمس بإنكسار بعدها سائلا

"من ساعة اليوم ده.. أنا عمري عملت معاكي حاجة زي زمان؟!" نظر لها بتوسل شـ.ـديد واغرورقت عيناه بغيمة من الدمـ.ـو.ع لترمقه هي لثوانٍ في لوم ودمعت عينيها هي الأخرى ولكن لم يبك أيا منهما "مش علشان انتي نسيتي.. أنا والله كنت ناوي اني من يومها معاملكيش كده تاني.. مقدرتش يا نورسين!"

ارتبكت وجذبت تلك المنشفة عليها أكثر، بين تلك الملامح البادية على وجهه التي لأول مرة تراه بها وبين ما لا تستطيع تقبله من كل ما فعله معها ثم عادت لتتذكر طريقته معها بعد ذلك لتقع في حالة من الحيرة بين مشاعر مختلطة بالكراهية والشعور بالظلم وكذلك تلك الأيام الأخيرة التي عاشتها معه كانت جيدة بأكملها فلم تعرف كيف لها أن تتصرف في التخبط الشـ.ـديد الذي يحدث لها!!

"أنا عارف إني كنت مفتري وقاسي وظلمتك.. بس من ساعة ما صحيتي ناسية كل حاجة، لغاية النهاردة.. احنا بقالنا اكتر من ست شهور متجوزين.. من اليوم ده يا نورسين كنت بعاملك وحش؟" انسابت احدى دمـ.ـو.عه وهو يتوسلها لتبتلع هي ولم تستطع الإجابة ولكنه ظل منتظرا حديثها لتحمحم بغصة في حلقها ثم أومأت له بالإنكار

"بتعاملني كويس بس.. بس أنا مش قادرة انسى اللي حصل.." همست في آسى ليومأ هو لها بالموافقة

"حقك.." ابتلع بمرارة وجفف تلك الدمعة التي سقطت بغتة أمامها "أنا لسه عند اتفاقي.. لو عايزة نتطلق ماشي، ولو عايزة نبتدي بداية جديدة أنا هاكون مبسوط معاكي اوي.. زي ما كنا مبسوطين الأيام اللي فاتت.. فكري براحتك وقرري.. وخدي كل الوقت اللي نفسك فيه أنا مش هاجبرك على حاجة" همس إليها ثم نهض ليغادرها ورغما عنه لم يستطع منع دمـ.ـو.عه التي تواترت بلا توقف..
شهر مارس عام 2000...
تلك الأيام البغيضة تمر، ويمر معها تشتتها وحيرتها، خوفها الذي يتضائل وعشقها الذي يزداد.. كل يوم معه بمثابة يوم أصعب من الذي سبقه، تغيره الشـ.ـديد وهدوءه وتريثه وعدم معاودته للتحدث في الأمر، لا يلح عليها بشيء، فقط تركها لتفعل ما تشاء وما تريده دون أن يجبرها على شيء لتقارب على الجنون، هل يُمكن أن هذا الرجل هو نفسه الرجل الذي عذبها؟!
كل يوم، كل يوم يهاتفها، يطمئن عليها، يسألها إذا تحتاج شيئا وهي بجامعتها، يتناولان الطعام خارجا ويُخبرها ألا تذهب لتعد له الطعام وأن تستذكر دروسها.. كل عطلة نهاية أسبوع يقضياها بصحبة عائلته، لا يجبرها على شيء.. يبتسم، يكون حنونا، هدايا لا تتوقف، محاولات ليُثبت لها أنه قد تغير كليا!! كيف لهذا الرجل وذلك الرجل الآخر أن يجتمعا ببشر واحد.. كيف؟!!
نهضت من على سريرها ولأول مرة تهمل أن عليها الإستيقاظ مبكرا للذهاب لجامعتها وتوجهت بخطوات مسرعة نحو غرفته ولم تكترث لتأخر الوقت وعبور الساعة منتصف الليل..
"اصحى.. أنت حضرتك لو سمحت اصحى وكلمني" صرخت به بعد أن أضاءت الأنوار ليستيقظ وهو يفرك وجهه ليزيل من عليه آثار النعاس وهو يرمقها بصعوبة ومفاجأة بين جفنيه
"إيه يا نورسين فيه إيه؟" همس بنبرة ناعسة ثم نظر إليها ليجدها غاضبة ذلك الغضب الطفولي الذي يعلمه جيدا..
"أنت بتعمل معايا كل ده ليه؟ بتعاملني حلو ليه؟" صرخت به سائلة ليحاول النهوض والتركيز
"ما أنا قولتلك يا نورسين إني زمان كنت فاهم الموضوع غلط و.."
"يعني أنت بتحبني ولا مبتحبنيش؟" توسعت عينيها وهي تنظر له في ارتقاب بعد أن قاطعت حديثه ليحمحم هو ووجد صعوبة في نطق تلك الكلمـ.ـا.ت
"اه" بالكاد اجابها بطريقة مقتضبة
"إيه هو اللي آه.. جاوبني بتحبني ولا لأ؟ قولي إنك بتحبني أو مبتحبنيش" صاحت به وهي ترمقه لينهض هو وهو يتجه نحوها لتبتعد هي عنه ولقد رآى الإصرار بعينيها ولكنها لا تعلم ما بداخله من ظلمة حالكة لن تتركه لينطق بتلك الحروف مثلها بمنتهى السهولة.. هو فقط لم يتعلم أن يكون بمثل تلك الصراحة والبراءة والبساطة التي هي عليها..
"تعالي بس اقعـ.."
"مش هاقعد غير لما تجاوبني.. انت بتحبني إني مراتك بجد وعايز تكمل حياتك معايا ولا لأ؟ ولو بتحبني هنكمل حياتنا ازاي؟ واعمل إيه أنا لو وافقت ورجعت معاك كويسة وبعدين عملت فيا كل اللي كنت بتعمله زمان و.." 
قاطعته في انهيار هيستيري وبكت بحرقة وهي تبتعد عنه وتنظر له ليقاطعها قبل أن تُكمل
"عمري ما هارجع أبدا بتاع زمان.. صدقيني يا نوري أنا مبقتش عايز حاجة في الدُنيا غير إني أعيش معاكي ونكمل حياتنا مع بعض.." همس لها مقاطعا بمنتهى الصدق 
"أنا والله نـ.ـد.مان على كل اللي عملته، أنا كنت غـ.ـبـ.ـي ومصدقتكيش.. سامحيني" همس بتوسل لها لترمقه هي
"ولو عملت حاجة وحشة فيا تاني؟" نظرت له بزرقاويتين باكيتين
"عمري ما هاعمل كده.." همس لها مجيبا
"والله يا ملك الكون أنت لو عملت فيا حاجة تاني أنا هابعد عنك ومش هاعرفك! سامع؟" صاحت به بين بكاءها لينظر لها بإبتسامة وحاول الإقتراب منها لتوقفه 
"لا ابعد أنا لسه مضايقة"
"ولو عايزاني ابعد جيتي صحتيني ليه" همس وهو يجبرها على معانقته بينما حاولت هي أن تدفعه كي يبتعد 
"بقى قدرتي تستحملي كل ده يا مفترية بعيد عني.. حـ.ـر.ام عليكي ده أنا هتجنن كل يوم وأنا نفسي اسمع بس منك إنك سامحتيني" ازاد من قوته كي لا تبتعد وأخذ يُربت على رأسها في هدوء
"لأ أنا مسامحتكش اوي.. أنا سامحتك نص نص.. ابعد عني علشان اروح أنام لو سمحت" حاولت أن تدفعه بكل ما أوتيت من قوة بينما لم تستطع 
"ابعد بقى عندي كلية بكرة الصبح"
"طب ما تاخدي اجازة وانا مستعد اذاكرلك كل كلمة .. بكرة بس علشان خاطري" 
همس إليها بعد أن فرق عناقهما لتنظر له بزرقاويتين متسعتان ولكنه يا يزال محاوطا لخصرها
"ماشي.. وهنخرج؟" سألته ليومأ لها بالموافقة 
" وهناكل من بره تاني؟" سألته ليومأ لها مرة أخرى وظل ينظر إليها وهي لتوها توقفت عن البكاء وآثار ابتلال زرقاويتيها بهذه الطريقة جعلتها تبدو رائعة الجمال في عينيه التي لم تعرف يوما سوى الظلمة المهلكة وكأنما دمـ.ـو.عها تزيدها نورا فوق نور..
"طيب.. تصبح على خير" أخبرته ثم كادت أن تتوجه لغرفتها ليوقفها ممسكا بذراعها في خفة
"لأ لأ.. اصبح على خير فين!!" نظرت له بإستغراب وزرقاوتان متسائلتان "مش بعد ما صحتيني"
"يعني أعمل إيه يعني؟" نظرت له بتلك الملامح البريئة الشهية التي لا يستطيع تحمل أكثر من هذا والتماسك أمامها
"انتي هتنامي جنبي النهاردة" توسعت عينيها في صدمة
"لأ .. لو سمحت سيب ايدي وسيبني امشي"
"مش سامحتيني نص نص.. يبقى استاهل تنامي جنبي" أخبرها بإبتسامة تتلاعب على شفتاه
"لا طبعا مينفعش.. وبعدين أنت قليل الأدب وأنا فاكرة لما كنت بتنام جنبي واحنا في بيت ماما نجوى كنت بتعمل إيه!! مش هاسمحلك تاني أبدا" 
حاولت الإبتعاد عنه بينما وقف ليحول بينها وبين الطريق المؤدي لباب الغرفة
"مش قولنا ماسمهاش قلة أدب؟" نظر لها بإبتسامة ماكرة 
"نوري.. انتي مراتي وحبيبتي.. ونفسي تسامحيني على كل اللي فات ونبقى زي أي راجـ.ـل ومـ.ـر.اته عايشين مبسوطين مع بعض.. نجرب مش هنخسر حاجة.. ومن غير قلة أدب خالص.. إيه رأيك؟!" نظر لها ليشعر هو بترددها منه
"طب هنام جنبك ومن غير قلة ادب.. اتفقنا؟!" نظرت إليه وهي تُشير بسبابتها تجاهه ليومأ هو لها
"اتفقنا"
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام..
لقد مزقه الإنتظار طيلة تلك الأيام الماضية، ظل لأسبوعان يتشارك معها السرير وهو يكبح تلك الرغبة التي تزلزل كيانه بأكمله على أن يتوقف..
لقد سأم التظاهر بأنه لا يتحرق شوقا ليتملكها، يكفي كل هذا العذاب.. يكفي رؤيتها بين ذراعيه كل مساء وكل صباح وهو كل ما يفعله تقبيل جبينها فقط خوفا من أن ترفضه.. متى سيُكلل تلك العلاقة التي غرق فيها في أعماق عشق إمرأة دون أن تشعر بكل لهفته وحبه لها.. متى سيُصبحا رجلا وإمرأة بحق ليتشاركا تلك الرغبة المحمومة التي تجري بعروقه كلما نظر إليها؟!
لقد كافح كثيرا من أجل أن يكون إنسان أفضل، يبتعد بنفسه عن كل ما قد يُعكر صفو علاقتهما، يهرب من الظلام الحالك الذي لو لمسه لن يكون ذلك الرجل الذي باتت تطمئن هي له.. ولكن أستسمح له اليوم.. أسيتمكن من جعلها إمرأته؟!
"صباح الخير" همست بعد أن مطت شفتيها بطريقة طفولية زادتها براءة وإثارة في آن واحد
"صباح النور يا نوري ونور الدنيا كلها" همس إليها وهو متكئا على ساعده مثل ما اعتاد كل صباح بأن يشاهدها أثناء نومها
"احضرلك الفطار؟" همست إليه وهي تنظر له بنعاس يتلاشى شيئا فشيء بينما أومأ لها بالإنكار
"لأ.. حضريلي الحمام" أخبرها لتستغرب كلمـ.ـا.ته فهذه أول مرة يطلب منها ذلك ثم نهض وتركها لتنهض هي الأخرى
"هو بعد ما تخلص هنروح لشاهي وماما نجوى"
"لأ" اجابها بإقتضاب بينما توجه نحو هاتفه ليغلقه تماما
"ليه مش النهاردة اجازة واحنا متعودين نـ.."
"نوري.. نفسي اقعد معاكي لوحدنا النهاردة.. ممكن؟!" قاطعها وهو يلتفت لها بإبتسامة لتومأ له بالموافقة
"طيب عايزني أحضرلك إيه في الحمام يعني؟" سألته وهو قد أُرهق من كثرة براءتها
"ادخلي وأنا هقولك" أومأت له بتفهم ثم ذهبت بعفوية ليتبعها مسرعا ثم دلف وأوصد الباب خلفه
"أنت بتقفل الباب ليه؟!" سألته وهي تشعر بالقليل من التـ.ـو.تر ونظراتها آتت مشتتة مرتبكة للغاية
"علشان هنستحمى سوا" توسعت عيناها بسبب ما نطق به بينما توجه نحوها
"لا لا.. لو سمحت.. أنت وعدتني إنك مش هتعمل قلة أدب و.."
"أنا مبخلفش وعدي معاكي.. احنا هنستحمى بس.. ولا مش من حقي اطلب ده من مراتي؟" قاطعها بصوته الرخيم وهو يحدثها بهدوء
"لا.. لا بس ده معناه إنك هتشوفني من غير هدوم.. Mr. بدر أرجوك بلاش كده"
"برضو رجعنا لـ Mr. بدر؟! مش قولنا مفيش ست بتقول لجوزها Mr. دي؟" أقترب نحوها ليزداد هي ارتباكها وأخذت تخطو للخلف ليقبل هو نحوها بمنتهى الهدوء
"بس.. بس متقربش أرجوك ومش هاقول Mr.
ابتلعت في تـ.ـو.تر ليقترب هو منها أكثر إلي أن وجدت جسدها يلامس الحائط بينما هو اقترب منها للغاية لتتوسع عينيها وهي تنظر له فهمس أمام شفتيها بنبرة جعلت جسدها يستسلم أمامه
"بتحبيني؟" سألها لتومأ هي له وحاولت ألا تنظر لعينيه مباشرة بينما تلمس هو أسفل ذقنها لتتلاقى عينيها المرتبكتان وعينيه الثاقبتين التي تحلك بالرغبة الشـ.ـديدة 
"وأنا كمان.. أوي" همس أمام شفتيها وقبل أن يجد المزيد من الإعتراض قبل شفتيها قبلة ناعمة أخذ فيها كامل وقته بألا يتسرع بها
ابتعد قليلا عنها وبدأت يده تخلع عنها ملابسها شيئا فشيئا ليرى ارتباكها الجلي ولسانها يبدو أنه لا يستطيع التحرك ليعود ليُقبلها من جديد حتى وجد عينيها مزمومتان ليبتسم بين قبلتيهما وأخذ يُكمل خلعه لملابسها..
فرق قبلتيهما ثم توجه ليُصبح خلفها بعد أن شعر بإستجابتها إليه كي يخلع صدريتها وقصد أن يكون خلفها حتى لا يراهما فهو يعرف إن نظر لهما الآن سيآخذها على تلك الأرضية ولم يريد أن يفعلها هنا معها فهي ستكون مرتها الأولى..
انتهى ليتخلص هو الآخر من بنطاله المنزلي ثم اتجه وهو ممسكاً بيدها برفق لتتبعه هي الأخرى وهي تنظر لظهره الرجولي المكتظ بتلك العضلات التي لا تدري ما ذلك الشعور الذي ينفجر بداحلها كلما رآته، شيء ما دائماً يحدث لها ولم تنجح بتفسيره..
ابتسم هو على ذلك الخجل الذي حول وجهها للحُمرة وهو يرمقها بطرف عينيه ودفعها قليلا لتصبح أمامه بالمغطس ثم تحدث لها هامساً بأذنيها
"انتي احلى بنت أنا شوفتها في حياتي يا نوري" 
كلمـ.ـا.ته تلك بتلك الطريقة وهما لا يحجبهما عن بعضهما البعض شيئًا لا تساعدها بتاتا وخفقات قلبها لا تود الهدوء هي ليست خائفة ولكن، ولكن هناك عاصفة بداخلها لم تعد تُدرك كيف تتصرف معها
"انتي حلوة اوي، انا بقيت عايزك تفضلي في حـ.ـضـ.ـني على طول" همس بأذنها وهو يشعر بحركة نهديها فوق ساعده الذي التف حول خصرها "غمضي عينك يا نوري.." همس بصوته الذي غلفته الرغبة لتجد هي جفناها ينسدلان رغماً عنها بينما بدأت المياة الدافئة في الإنهمار عليهما
"لسه بتخافي مني؟" سألها وبدأ في توزيع قبلات على أذنها لتومأ هي بالإنكار لترتسم ابتسامة على شفتاه وآخذ شحمة أذنها بين أسنانه ولكن برفق ليداعبها ويده بدأت تتعالى لتتلمسها بمنتهى الرفق وهو يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يكون لطيفاً معها قدر المستطاع..
"نوري.." همس بأذنها لتهمهم هي له ولكنها لم تعي حقاً أكان يناديها أم لا فقد شعرت وكأنها بعالم آخر تماماً ولم تعد تريده أن يتوقف
"بتحبيني؟!" سألها وقلبه ينبض في صخب وهو حقاً يريد أن يسمع تلك الإجابة منها مرارا وتكرارا وانخفض يلثم عنقها في تريث فهمهمت هي له وأومأت بالموافقة ولكنه اراد أن يرى تلك الزرقاوتان وهي تُخبره بها..
أرغمها على الإلتفات له فتعجبت لفعلته ونظرت له في دهشة وارتباك جليان ليتفحص عيناها البريئتان بنظرته الثاقبة التي باتت تآلفها ثم ازدرد ومد احدى كفيه لأحدى وجنتاها
"بتحبيني يا نورسين؟!" سألها لتومأ له بالموافقة ولا تدري من أين آتتها الجرأة أن تحاوط عنقه بذراعيها هكذا لتجده ينظر لها بطريقة غريبة لم تُدرك بعد أنها نظرة توسل "انطقيها.." همس أمام شفتيها لتشعر هي بالخجل
"بحبك.." همست بالنهاية بعد أن شعرت بالإرتباك الشـ.ـديد لمدى تقاربهما لتشعر به يوصد تلك المياة ثم انخفض حاملاً اياها واجبر ساقيها أن تحاوطا خصره ثم أنزلها على السرير برفق واعتلاها ليُقبلها في نعومة شـ.ـديدة جعلتها تنسى كل ذلك الخجل وحتى جعلتها تنسى ما اسمها..
تلك الشفتان لن يستطيع بعد الآن أن يتوقف عن تقبيلهما حتى ممـ.ـا.ته، لماذا تركها لتحرمه من تلك البراءة التي ينهل منها الآن؟ لماذا عذبته بخجلها وتـ.ـو.ترها وخوفها، ألم تكن تدري أن بقبلتها تلك الخلاص من كل تلك الظلمة التي تفتك به!!
فرق قبلتهما ثم نظر إليها لتفتح هي عيناها وتطلعته في براءة لتمتزج أنفاسهما اللاهثة بعد تلك القُبلة وظلا يحدقا بأعين بعضهما البعض لوقت لم يدري به احدهما..
قبلها مجدداً ولكن تلك القُبلة أكتشف بها المزيد من معالم ثغرها كرزي اللون وهو موصداً عيناه في متعة وهو ينهل من عذرية تلك الشفتان وذلك الثغر البريء الذي لطالما وجد نفسه يحدق به كالأبله دون أن يعي ما يفعل..
انخفض بقبلاته وتلثيمـ.ـا.ته ليُقبل ذقنها تابعاً طريقه لعنقها ممراً تلك الأنفاس المحمومة على بشرتها الحليبية ليشعر بدمائها تنتفض في عروقها اسفل لسانه لتخلب عقله بإستجابتها له بتلك الطريقة..
اخذت يداه تتلمسها وآخذ يتناوب في التنقل لهما ليداعب تلك الورديتان البـ.ـارزتان بأنامله ولكنه لم يعد يستطيع مقاومة ذلك العنف الذي يندفع بدماءه لتتحول المداعبات لعضات وحاول سرق بعض النظرات لوجهها الذي انفجر به اللون الأحمر ولكن غابت تلك الزرقاوتان لتختبأ بين جفنيها الموصدان ليدفن هو أنفه بين مجرى النعيم الدافئ الذي لم ير مثله بحياته بأي إمرأة من قبل..
تسللت يده لتطلق هي آنة لم تدري من أين آتت ولماذا يحدث لها ذلك ولكنها تلك المرة لا تريده أن يبتعد عنها فضمت ساقيها وكأنها تريد التمسك بتلك اللذة التي لم تختبرها من قبل..
تلك القبلات التي يوزعها على سائر جسدها تجعل جسدها يرتجف، لا تدري لماذا! لم تعد تعي شيئاً وتشعر بأنها كالضائعة بين ذراعاه ولكنها تُحب كل ما يفعله بها..
انخفض أكثر ليوزع المزيد من القُبلات وانطلقت صرخاتها بين شفتيها ما إن داعبها وعصفت برجولته دون هوادة، يداها على شعره الفحمي وهي تتلمسه بتلك الطريقة المُفتقرة للخبرة لم تعد ترحمه ولا ترفق به.. عُذريتها التي صرخت بكل ملامحها وتصرفاتها ولمساتها الرقيقة تُجبره على أن يجعلها إمرأته، تُرغمه على عدم التواني ولا التريث ليعتليها وهو يزدرد في خوف، فمهما كان مقدار ذلك العشق هو يشعر بالخوف من أن آلمها..
"نوري.." همس بشفتيها لتهمهم هي له 
"بُصيلي" فعلت بصعوبة وتلك الحُمرة قد كست وجهها بالكامل فآخذ شفتها السُفلى برفق بين شفتاه ليتذوقهما ثم حدق بتلك الزرقاوتان برغبة امتزجت بكلاً من شغفه وعشقه لتلك الصغيرة ليخترق تلك الزرقاوتان بمزيداً من سودوتاه ليحصل على براءتهما وكذلك بنفس اللحظة اخترق تلك البراءة بها لتصرخ هي عنـ.ـد.ما شعرت بشيئاً داخلها وتمسكت بذراعيه في خوف ولكن لا تدري لماذا تتآلم من ذلك الشيء هكذا..
".. Mr. بدر، فيه حاجة بتوجعني اوي و.."
"هشش.. كل الوجع هيروح متخافيش" قاطعها ثم عانقها لصدره وظل داخلها دون أن يتحرك وهو يسحق أسنانه شاعراً بذلك الدفء الذي لم يرفق به ومحاوطتها له بحميمية أنوثتها تجعله يُجن فهو لم يعد يستطيع الإنتظار أكثر ولكنه سيفعلها فقط من أجلها..
ظل يُقبلها قبلات ناعمة ويلثمها وهو يهمس لها بأذنها 
"نوري.. أنا.. أنا مبقتش اقدر اعيش من غيرك.. متبعديش عني" انهالا جفنيها وهي لا تُصدق تلك الكلمـ.ـا.ت التي تسمعها منه
"انتي دلوقتي بقيتي مراتي بجد، بقيتي ست مش بنوتة صغيرة.. بقيتي بتاعتي وليا يا نورسين" لم تعي هي ماذا يقصده ولكن أنفاسه تلك أنستها كل شيء بل وكل الآلم بداخلها الذي شعرت به منذ دقائق ولمساته لنهديها شتتتها فلم تعد إدراك ما الذي يحدث لها وما أن تحرك بداخلها حتى تآوهت في متعة..
تحرك بمنتهى الهدوء وهو يشعر بالخوف الشـ.ـديد من أن يـ.ـؤ.لمها وحدق بملامحها ليرى رغبتها التي تظهر على ملامحها لأول مرة تعكس متعتها وليس آلمها.. بدأ في أن يُسرع قليلاً من وتيرته لتصرخ هي وبالكاد استطاعت مجاراة تلك الأنفاس اللاهثة ليزيد من وتيرته أكثر ليتعالى صراخها في متعة وازداد تشبثها بذراعيه ليبتلع صرخاتها الأولى بين شفتاه..
لو فقط يستطيع إخفاءها بداخله سيفعل كما أخفى تلك الصرخات بفمه، يريدها، يريد المزيد منها، تصاعدت سرعته ولكن على حذر وحاول تفقد ملامحها ليجدها لازالت بخير فأوصد عيناه بعد أن شعر بإتفاق ذروة كلاً منهما وتلاقيها دون أن يـ.ـؤ.لمها وارتمى عليها ليتشبث بذلك الجسد ثم فرق قبلتيهما ليستمع لتلك الصرخات جعلته يفقد عقله تماماً..
لا يزال يدفع بها دافناً وجهه بعنقها ثم بحث عن كلتا يداها ليحتويها بين يداه في عشق وصرخاتها لم تعد ترأف به لتدفعه دون إدراكاً منه على أن يُسرع لتتعالى صرخاتها أكثر ليفقد هو عقله وأسرع قليلاً حتى استمع لتلك الشهقة التي اخترقت صراخها ثم تبعتها رجفاتها التي امتزجت بكلاً من أنفاسهما اللاهثة ليجد رجولته تنهار ليتشبث بكلتا يداها أكثر وهو يُطلق العنان لنفسه بداخلها ليحصل على خلاصه من ذلك العذاب الذي أنهكه لسنوات..
هدأت أنفاسهما بعد عدة دقائق ولكن بدر الدين لازال يريد عدم الفرار من هذه المشاعر التي لم يشعر بها حتى بصحبة ليلي وألا يبتعد عن تلك الحميمية التي لم يشعر بها منذ سنوات؛ وبالرغم من كرهه الشـ.ـديد للإبتعاد عنها ولكنه لم يرد لها أن تعاني بسبب ثقل جسده فانسلت منها بمنتهى البطئ ثم استند على جانبه ليتفقد تلك الزرقاوتان وهو يبتسم لها لتقابله بإبتسامة خجولة..
"حلوة قلة الأدب مش كده؟!" ضيق عيناه ليسألها هكذا بمنتهى الخبث ليجدها تضع كفيها على وجهها في خجل شـ.ـديد لتصدح قهقهاته عالياً وهو لا يستطيع أنها لا زالت بمثل خجلها..
"ما خلاص بقا.. مش هنبطل كسوف ولا ايه؟" همس بجانب أذنها ثم جذبها لتتوسد صدره بينما أراح هو ظهره على السرير ليجدها لا زالت تغطي وجهها
"طب كفاية بقا عشان عايز أسألك سؤال مهم!!" استرعى انتباهها ليجد تلك الزرقاوتان تحدق به بتأني 
"قوليلي بقا الكسوف راح ولا لسه موجود.. عشان يعني لو موجود ممكن أعمل حاجات تانية قليلة الأدب بس هتخليه يروح خالص!!"
"بس بقا يا Mr. بدر كفاية كلام في الحاجات دي" عبست هي بوجهه ثم لكمته على صدره ولم يستطع التوقف عن الضحك
"بقا.. بقا.. فيه واحدة تقول لجوزها يا Mr.. امال لو مش Mr. كنت عملت فيكي ايه؟!"
"متتكلمش في قلة الأدب بقا.." قلبت شفتاها في حُزن وتوسلته بتلك النظرة ليشعر وكأنه يود في آكلها حتى يُخفيها بداخله
"لأ لأ.. انتي متعمليليش ببوقك كده لحسن مش هابطل قلة أدب لسنتين قدام" مد يده ليجذب وجهها له ليُقبلها لتفلت هي منه مبتعدة للخلف
"طيب أنا مش هاعمل كده وأنت تبطل قلة أدب.. اتفقنا؟!" نظرت له ببراءة وأعين متوسعة
"ممـ.. اتفقنا لمدة ساعة؟ كفاية كده؟!" رفع حاجباه وهو يتفقد تلك الصغيرة التي انفعلت ملامحها ونهضت على ركبتيها لتضع يداها بخصرها ولم تلاحظ أنها باتت جلية أمامه بالكامل لينظر لها وهو لا يمانع بداخله أن يقضي ساعات قادمة في تذوقها مرة أخرى
"لا بص بقا.. أنت.. أنت زودتها.. وأنا غلطانة عشان طاوعتك في قلة الأدب بتاعتك.. لو كنت .. لو كنت بعدت عنك.. مكنتش هتعرف تعمل حاجة" صاحت به في عصبية ولكنها بدت شهية للغاية بنظره
"طب جربي تبعدي كده"
"يا سلام!!" توسعت زرقاوتاها في غيظ "ماشي.. أنا هاوريك!! هابعد عنك عادي!" صاحت وحاولت الفرار من السرير ليجذبها من خصرها وفي ثوانٍ اعتلاها وحدق بعينيها ولا تدري لماذا شعرت بالخوف منه مجدداً مثل تلك الأيام التي لا تكره أكثر منها ووجدته يُمسك بيديها الاثنتان ليُثبتهما بجانبها بقوة ثم رفع حاجباه وأنزلهما بإنتصار وأومأ لها
"تقدري تعملي حاجة دلوقتي" اختلفت نبرته كثيراً عن تلك النبرة المازحة الحنونة التي كان يتحدث بها منذ قليل لتبتلع هي في وجل وأومأت له بإنكار وفجأة ارتعبت من ملامحه وهو رافعاً احدى حاجباه هكذا وعادت تلك النظرة المُخيفة لعيناه الثاقبتان مرة أخرى لتشعر بسودوتاه تُظلما بشكل غريب
"خدي بالك من كلامك معايا يا نورسين" أقترب منها ليُهشم شفتاها في قسوة وظل آخذا شفتيها ملتهمها في غيظ بين أسنانه حتى شعر بآناتها المتألمة وأنفاسها التي قاربت على الإنقطاع حتى ابتعد عنها لتلهث هي في عنف وهي تحاول التقاط أنفاسها
"لما تكلميني يا نورسين متكلمنيش تاني كده تاني.. مش بدر الدين اللي تكلميه بالنبرة دي" ظل محدقاً بعينيها ولمح شفتاها التي تآثرت بفعل قُبلته القاسية ثم أعاد نظره لعينتاها التي بدأت دمـ.ـو.عها في التراكم لتخفي تلك الزرقاوتان خلفها.
لم يستطع تحمل تلك الملامح ليجد نفسه يرتمي بجسده على السرير مرة أخرى ويجذبها بقسوة لصدره ليشعر بدمـ.ـو.عها تتساقط ولكنه أزاد من حدة ضمها إليه وعقد حاجباه
"نوري.. متعيطيش" أخبرها بإقتضاب لتجهش هي بالبُكاء "بطلي عـ.ـيا.ط عشان أقولك أنا عملت كده ليه!" تحدث لها بنبرة قاتمة شابهت روحه المُظلمة لتحاول هي السيطرة على بُكائها بصعوبة..
"بصي يا نوري.. أنا.." حمحم وازاد من عقدة حاجباه ثم زفر بحُرقة "أنا لما بتعود على حد مبحبش يبعد عني.. وأنا اتعودت عليكي خلاص ومبقتش قادر اعيش من غيرك" أخبرها بصعوبة بالغة على أن ينفتح لها بتلك الطريقة ويُخبرها على واحدة من أكثر تلك الأشياء التي تؤلمه!
توقفت تماماً عن البُكاء فجأة لتتذكر فقط شيئاً واحداً كان يُماثل تلك الكلمـ.ـا.ت
"ده بدر يا نور يا بنتي في كل حاجة.. بيتعصب ويكون عدائي بس أول ما بيشوف الحنية مبيقدرش يبعد عن الشخص الحنين تاني.. هو كمان عنده مشكلة، بيخاف يبعد عن اللي يعرفه وبيحبه،" ، "بصي يا بنتي، بدر ابني راجـ.ـل صعب، مش هاقولك إنه سهل أبداً، بس أنتي تقدري عليه، عارفة ليه؟! عشان أنتي طيبة وقلبك أبيض وهو على قد ما و عصبي بس حنين أوي.. عارفة إن ما بينكم فرق سن كبير، وعارفة إنه شكله أحياناً بيكون مخيف ويرعـ.ـب بس هو خلاص بقا جوزك ودي بقت حياتكو.. بدر لما حد بيعامله بحنية بيحبه أوي، واللي بيستحمله في الأول بيلاقي إنه غلبان أوي وساعتها بدر بيمسك فيه بإيديه وسنانه"
نعم.. لقد أخبرتها نجوى كل هذا.. أهذا يعني أنه يُحبها؟ هو لم يُخبرها بعد!! هو فقط اجابها ونطقها بطريقة ملتوية ولكنه لم ينطق تلك الأربعة أحرف مثل ما فعلت هي
تنهدت وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل، بلحظة كان يُمازحها وفي ثوانٍ تحول ليبدو بتلك القسوة وذاك الغضب.. لا تدري لماذا وجدت ذراعها يحاوطا صدره وكيف استطاعت أن تتغلب على خجلها ولكنها فعلتها على كل حال..
"تفتكر أقدر بجد ابعد عنك.. أنا خلاص مبقتش أحب حد قدك.. حتى بقيت بحبك أكتر من شاهي.. وبخاف وبزعل لما بتسبني لوحدي، وحتى بقيت بتوحشني أكتر من كوكي.. أنا كنت أقصد ابعد عنك يعني.. يعني استخبى هنا في البيت أو اروح الحمام او اي حتة.. متزعلش مني!" أخفض سودوتاه لتلك التي تتوسد صدره وهو لم يعد يستطيع تحمل تلك الصغيرة وكل ما تفعله به.. كيف لها التفوه بكل تلك المشاعر بمنتهى السهولة وجعلته يلين تجاهها بلحظة واحدة.
"انتي كمان متزعليش! أنا آسف" اخبرها باقتضاب ليحتضنها بكلتا ذراعاه وبالرغم من شعورها بقمة الأمان بهذا العناق إلا أنها شعرت بالخوف أيضاً من ذلك الرجل الذي ستتعامل معه بطريقة مُختلفة تماماً الفترة القادمة.. 
❈-❈-❈
أين ذلك الدفء الذي ينعم به؟ لقد كانت معه أليس كذلك؟ لقد عاشرها ذلك لم يكن حُلم ما!! هو متأكد أنه لم يكن يحلم، لماذا إذن لا يجدها بجانبه؟!
نهض جالساً على السرير لينير ضوء الغُرفة ليجد أنه لا يزال بغرفته ولا يزال كما هو بنفس هيئته.. إلي الآن كل شيء يبدو منطقي.. دلف الحمام ليجد ملابسها التي خلعها لها.. أين هي إذن؟!
ذهب ليبحث عنها بعد أن ارتدى بنطالاً من دولابه على عجل، لا يدري لماذا يشعر بالقلق هكذا من عدم وجودها بجانبه!!
تفقدها وهو يهبط الدرج مهرولاً ثم تنفس الصعداء عنـ.ـد.ما رآها تفعل شيئاً ما بالمطبخ وهناك موسيقى لأغنية ما تستمع إليها فأقترب منها وهو لا يزال يأخذ خطوات سريعة ليحتضنها من خصرها ودفن رأسه بعنقها لتشهق هي في مفاجأة من وجوده خلفها فهي ظنت أنه لا يزال نائماً.
"خضتني.." همست وهي تشعر بالخجل من عناقه لها هكذا بينما شعرت هي بإبتسامته التي ارتسمت على شفتاه التي تُقبل عنقها
"بتعملي ايه؟!" همس سائلاً
"بعمل أكل عشان مكلناش حاجة"
"ممــ.. مش حاسة بوجع دلوقتي؟" همهم وهو يستنشق عنقها ثم همس سائلاً
"لأ مش زي الأول.. خف شوية.. بس هو أنا ليه أصلاً حسيت بوجع كده؟" التفتت له واتسمت البراءة على عينتاها لتجده يتنهد وينظر لها في تعجب وحيرة
"طيب تعالي نحضر الأكل وأنا احكيلك ليه حصلك كده.." اومأت له ثم قبلها على جبينها "قوليلي بقا أساعدك في ايه؟"
"ممـ!!" توسعت عيناها في براءة 
"ممكن ترص الأطباق والسلطات والمعالق والشوك.. كده يعني" ابتسم لها لتُكمل هي تحضير الطعام وأخذا يُعدا كل شيء سوياً ولم يستطع هو التوقف عن النظر لتلك الصغيرة المفعمة بالحيوية التي سرقت عقله وقلبه معاً..
جلسا سوياً وشرعا في تناول الطعام الذي كالعادة وجده بدر شهياً ورائعا بينما شغل عقلها هي العديد من التساؤلات بخصوص ما حدث بينهما وشردت بالطعام وتوقفت عن تناوله..
"سرحانة في ايه؟!" أخرجها من شرودها صوته
"هه؟! مفيش.." نظرت له ببراءة ولكنه شعر أنها تُخفي شيئاً خاصة عنـ.ـد.ما تورد وجهها
"عايزة ت عـ.ـر.في حاجات كتير شكلك كده.. أسأليني وأنا هقولك"
"هو.. هو أنا فعلاً عايزة أعرف بس.. بس مكسوفة بصراحة" أخبرته في براءة مجدداً ثم أشاحت بنظرها بعيداً عنه ليتنهد هو وهو لا يدري كيف لتلك البراءة أن تعي ما سيقول
"أولاً لا تبطلي كسوف شوية.. ثانياً الوجع ده عشان أي بنت محصلهاش اللي حصلك من شوية بيبقا عندها حاجة، جزء جلد كده اسمه غشاء بـ كارة وعشان تحصل علاقة كاملة بين الراجـ.ـل ومـ.ـر.اته لازم يتقطع الأول وعشان كده حسيتي بوجع لما دخلـ..."
"بس بس كفاية أرجوك.. أنا .. أنا مش عايزة أعرف خلاص" قاطعته لتوقفه ولم تُصدق كل الذي استمعت له ونهضت في ارتباك وهرجلة وهي تجمع الأطباق ليوقفها هو جاذباً يدها بعد أن لاحظ تلك الحُمرة التي انفجرت بوجهها
"نوري.. سيبي كل حاجة زي ما هي وتعالي عشان فيه حاجات كتيرة لازم ت عـ.ـر.فيها!" نظرت له في خجل وبراءة بزرقاويتين قلقتان لتجد أن نظرته المُصممة لن تستطيع أن تناقشها ولا تتهرب منها..
❈-❈-❈
"عرفتي بقا وفهمتي كل حاجة؟!" همس سائلاً وهو يحتويها بين ذراعاه في المغطس ليشعر بإمائتها ولا زال خجلها لم يزول بعد ولكنه لم يعد مثل السابق
"هي ليه كوكي مقالتليش كل ده؟!" تسائلت بنبرة حزينة
"أكيد كانت هتقولك لما تقربي تتجوزي.. وبعدين أنا عرفتك اهو كل حاجة" قبل رأسها ثم أزاد من عناقه لخصرها بين يداه ودفن وجهه بملتقى عنقها وكتفها
"لا بس أنا زعلانة منها عشان هي المفروض كانت تعرفني مش اللي هتجوزه" تحدثت في حُزن مجدداً
"لا متزعليش منها" همس بأذنها ثم بدأ في تقبيل عُنقها ليجدها تسترخي بين ذراعاه ليزيد هو من تلثيمـ.ـا.ته لها وضمها أكثر بين ذراعاه لتتوسد صدره بظهرها وآخذ يداعبها بتأني شـ.ـديد بأنامله لترتمي برأسها للخلف أكثر بين ذراعاه إشارة على شـ.ـدة تلك الإثارة التي تشعر بها ليبتسم لإستجابة تلك الصغيرة التي تغللت قلبه بعنف..
انتقل ليُقبل الناحية الأخرى من عنقها ويلثمها مثلما فعل بالناحية اليُمنى وامتدت احدى يداه لملتقى ساقيها ليجدها تباعد بين ساقيها لتسمح له بالمرور بسهولة لتزداد ابتسامته على تلك الصغيرة التي بدأت في أن تكبر ويتضح أنها لن ترأف به بعد الآن..
تآوهت من تلك المُداعبات التي لم ترحمها لينهض جاذباً اياها لتنهض هي الأخرى ثم قبلها بشغف بينما وجد أن تلك الصغيرة لا زالت لا تعرف كيف تبادله تلك القُبلات ليبتعد قليلاً عنها بأنفاس متلاحقة ونظر لها نظرة لم تستطيع هي تبينها بعينيها النصف غامضتان، لم تكن تعرف أن تلك الثاقبتان تتوسلاها
"بوسـ يني يا نوري.. أعملي زي ما بعمل" همس لها لتنظر هي في خجل ثم أشاحت بوجهها للأسفل وأومأت له بالموافقة..
قابل شفتاها مرة أخرى بشفتيه ليشعر أنها تستجيب بين أنفاسه لما أخبرها به، وأوصد عيناه ليدع تلك المتعة تسيطر عليه بينما أمسك بهما يُلاطفهما ولم تشعر متى اعتلاها على حافة المغطس الرخامية فهي تشعر كأنما كل شيء اختلف عن المرتان السابقتان، ربما لأنه جعلها تتفهم كل شيء كانت تجهله وجعل خوفها يزول مع تلك الكلمـ.ـا.ت التي أخبرها بها لساعات..
تناغما لسانهما في صنع معزوفة قُبل لا نهائية، أنفاسهما لم تعد تلاحق تبادلهما سوياً وكأنما قد انتهى الهواء من الحياة بأكملها، لا يدري لماذا ذلك الثغر عنـ.ـد.ما يلامسه تتبدد رجولته داخله، لم يعد يعرف ما ذلك السحر التي تمتلكه بتلك الشفتان الكرزيتين، بريئة وفاتنة، ساذجة ولكن لها القدرة على أن تعصف باعتي الرجال، قُبلتها تلك لا يريد أن يُحرم منها أبداً وسيخضع لكل ما تريده فقط ليحصل عليها..
ابتعد عنها ليتفقد ملامحها الشهية التي توردت ولكن ليس خجلاً بل إرادةً للمزيد.. وهو لا يمانع بالمزيد.. لقد جُن بتلك الكرزيتين وسلبتا عقله تماماً، يريدها ألا تتوقف عن العبث معه، أراد أكثر من تلك الشفتين!!
جذبها من أسفله ثم جعلها تنهض لتنظر له هي في استفسار امتزج بلهفتها الجلية بداخل زرقاويتيها ونظر لها هو بثاقبتيه لا يدري أخائف أم قلقاً من ردة فعلها ولكنه لن يدع تلك الكرزيتين تعذبه أكثر..
"نوري.. بتحبيني مش كده؟" اومأت هي له في براءة وأقتربت منه لتقبله ولكنه أوقفها 
"لسه خايفة مني؟" سألها هامساً لتومأ هي بالإنكار وودت لو قبلته فأقتربت ليبتعد هو عنها
"انتي بقيتي بتحبي كل حاجة بنعملها سوا، صح؟!" 
همس لها سائلاً بأنفاس متلاحقة وهو يمرر أنامله على وجهها لتومأ له هي بالموافقة ليعقد هو حاجباه ثم امسك بيدها في إحكام وعينتاه تثقب تلك الزرقاوتين ووضعها على نفسه وهو منتشي لتتوسع عينيها ثم كادت أن تشيح بنظرها بعيداً عن عينيه ولكنه أمسك بوجهها ليجبرها على أن تبادله النظرات
"ممكن اطلب منك طلب؟" تلاحقت هي أنفاسها ثم وصدت عيناها وأومأت بين كفه الدافئ الذى تلمس وجهها
"انزلي على ركبك" فتحت هي عيناها في دهشة وهي لا تدري لماذا يطلب منها هذا الطلب، أغضب هو مثل السابق، لا ليس يبدو غاضباً.. ماذا يريد إذن منها؟
ابتلعت في وجل ثم فعلت بتأني وتشتت ما اراده منها لتجد نفسها تنظر لجسده مباشرة وهذا الذي كانت تحاول أن تتحاشى النظر له فوجدت نفسها لا تستطيع تحمل الشعور بالتـ.ـو.تر والإرتباك وكادت أن تذهب ولكن اقترابه منها بدفع نفسه إليها جعلها تتسمر مكانها
انخفض نظره لها وهو يشعر بأنفاسها المرتبكة عليه لتنظر لعينيه في استفسار ووجل لا تدري لماذا يريد منها أن تفعل ذلك ولكنها فعلتها على كل حال..
ارتخت أعصابه وفقد السيطرة على نفسه ما إن احتوته تلك الكرزيتين بتلك اللمسة البريئة عديمة الخبرة وهو ينظر لها غير مُصدق عيناه وربت على رأسها في استمتاع محاولاً أن يلاحق أنفاسه التي تسارعت في رغبة ضارية بينما هي لم تدر ماذا تفعل!!
شعرت به يدفع المزيد منه لتتعجب كيف له أن يختفي هكذا بداخل ثغرها ثم وجدته يبتعد للخارج ولكن دون أن يغادر شفتيها ثم أعاد الكرة وأعاد التحرك للخارج ثم شعرت بعدها بكلتا يداه تُمسك برأسها في إحكام وأسرع من حركته لتجده يُصدر همهمـ.ـا.ت وآنات غريبة لم تسمعها منه من قبل..
لن تنكر أنها تشعر بالإختناق عنـ.ـد.ما يدخله لنهاية حلقها ولكن آناته تلك تجعلها تُدرك أنه يستمتع فتحملت قدر ما استطاعت ولا تدري لماذا أخذت تستجيب له بتلقائية شـ.ـديدة ليتعالى صوته بينما لم يتوقف عن فعلته وأوصد عيناه في استمتاع فتشجعت هي لا تدري من أين لها بتلك الجرأة ولكنها وجدت نفسها هي التي تسرع ذهاباً ومجيئاً ثم وجدته يقبض على شعرها في عنف
"نورسين أنتي.. أنتي بتعملي فيا كده ازاي؟!!" تحدث بين أسنانه الملتحمة وأنفاسه اللاهثة وهو يئن ثم جذبها من شعرها وهو لا يزال بين شفتيها ولكنه ابتعد قليلاً حتى تستطيع التنفس وظل جاذباً اياها حتى قابلت بظهرها احدى الجدران خلفها..
انخفض أكثر بجسده ثم حاوط وجهها بكفاه وهو ينظر لها عاقداً حاجباه وأخترق ذلك الثغر الذي عذبه منذ قليل ويبدو وكأنه سيعذبه كلما نظر لذلك الوجه وتلك الملامح حتى يتعذب بكتلة الجمال تلك دون رحمة أو هوادة ليجدها تصيح ليشعر بذبذبات صوتها على رجولته ولكن لا لن يدعها إلا بعد أن تُنهي ما بدأه معها..
ظل بفمها لأقصى ما استطاع وشعر بأنفاسها المسلوبة والمتحشرجة لتتسارع هو أنفاسه وهو ينظر لتلك الزرقاوتين التي تجمع بها الدمـ.ـو.ع ليسحق أسنانه في غضب وارادة بها بآن واحد وظل يُسرع من حركته لتضيق هي ما بين حاجبيها ونظرت له في توسل ووجه احترق خجلاً بل وعذاباً من انعدام الهواء برئتيها ولكنه نظر لملامحها تلك التي أرضت تلك السادية المرضية بداخله لتألمها الظاهر عليها ثم أسرع أكثر ليجد نفسه يتآوه بين أسنانه المُطبقة وخفقات قلبه تسارعت في جنون ليتآوه أكثر مُطلقًا بالنهاية خلاصه وهو يحاول أن يستجمع بعض الهواء برئتيه لتخور قواه واستند بيده على الجدار خلفها ثم انفلت منها ليستمع لشهقاتها التي تبحث عن الهواء..
انخفض قليلاً ليُنهضها ليراها تنظر له في استغراب وربما قليل من الخوف ليبتسم هو لها ثم قبل شفتيها في نعومة شـ.ـديدة آخذاً تلك الكرزيتين بين شفتاه بإمتنان بينما تذوق نفسه على لسانها ثم تنفس تلك الأنفاس التي تسلبه عقله ليهمس بأذنها
"عارفة إن عمري في حياتي ما اتبسطت كده زي ما اتبسطت معاكي دلوقتي؟!" سألها ثم تفقد تلك الزرقاوتين البريئتان لتنظر له هي في عدم تفهم بينما تعجبت بعد ما حدث، لا تستطيع تحديد ما إن كان جيداً أم سيئاً ولكنه غريب
"هو.. هو دي من الحاجات اللي قولتلي إنك بتحبها؟!" 


توسعت عيناها في براءة شـ.ـديدة ليبتسم لها وأومأ بالموافقة لتجده بلحظة يُرغم جسدها على الالتفات لتصطدم بجسده الذي سينهل من تلك الأنوثة بعد قليل مرة ثانية ثم دفع خصرها للأمام برفق لتسير وتابعها هو أخذاً خطوات خلفها لداخل غرفتها ثم القاها على السرير حتى واجهته بخلفيتها التي لم يُعطيها حقها من قبل ليجدها هي تلتفت بوجهها له الذي استطاع أن يرى تلك التساؤلات والاستفسارات الجلية به وبعينيها ليبتسم لها ثم همس
"تعالي بقا اوريكي أنا بحب ايه كمان"
❈-❈-❈
اخفض نظره عاقداً حاجباه لتلك التي شابهت الملائكة وهي متشبثة بصدره وكأنها خائفة من شيء ما، لا يدري ما الذي سيفعله معها، برائتها تقـ.ـتـ.ـله، عيناها المتوسلتان يوقظا العديد من تلك الظُلمة بداخله، لا يريد لها أن تُصبح مثل ليلى، مسالمتها بتلك الطريقة وخضوعها وخجلها بين يداه يشتت عقله، للحظات يتذكرها عنـ.ـد.ما كانت تركع أسفل قدماه، عنـ.ـد.ما كانت تقبل يداه، عنـ.ـد.ما يراها ترتجف وتبكي، يريد كل هذا ولكن لا يريد خوفها منه..
لا تدري كيف يريد أن يتملكها كلما نادته بمنتهى البراءة ونطقت بـ "Mr. بدر" تلك.. لا تعلم كيف هو الرجل السادي بعد!! وكيف لها أن تعلم على كل حال وهي للتو قد عرفت ما الفرق بين الفتاة والمرأة وماذا تعني ممارسة الحب والجنس.. سترهقه تلك الفتاة كثيراً وستبعثره لأشلاء حتى تصبح على دراية بكل شيء بين الرجل والمرأة!!
شرد بكل ما عليه فعله بالأيام القادمة، لقد تأخر كثيراً في اتخاذ خطوة مع كلاً من الوغدان يُسري وكريم!! من أين له بأن يقنع تلك الطفلة بكل ما فعله يُسري؟ كيف له أن يجلس أمامها ليخبرها أنه من قـ.ـتـ.ـل والدتها وأنه من سرق أموالها؟!
يخاف عليها كثيراً عنـ.ـد.ما تُدرك كل ما كان يخُطط له ذلك الحقير بمنتهى القذارة.. ولكنه يعلم أن كل شيء يقع على عاتقه وحده.. عليه أن يُخبرها وأن يُعيد لها أموالها..
لانت شفتاه بإبتسامة عنـ.ـد.ما تذكر حديثهما معاً وخجلها أمامه وهي تحاول أن تختبأ بعيداً عن عيناه، لقد بدت كطفلة حقاً، أنّى لها أن تُصبح إمرأة؟! لو فقط تدرك ما تمتلكه من فتنة لفتكت به أسفلها.. ولكن أممكن أن يدعها تفعلها بيوم ما؟ بدر الدين الخولي الرجل السادي بقتامة روحه الذي ودعها منذ سنوات وتركها ترقد بالظلام، هل له أن يعيش مع فتاة بمثل تلك البراءة والحيوية ويستسلم لذلك النور الذي تبعثه به؟
تفقدها مجدداً ثم انخفض قليلاً بجسده حتى أصبح وجهه مقابلاً لها وأغلق عيناه ليدع أنفاسهما تمتزج سوياً وهو يُخبر نفسه أن كل ما يُريده أن تبقى بجانبه، لا يستطيع الإبتعاد عنها، عنـ.ـد.ما مزحت صباح اليوم شعر بالآلم وتملكها بقسوته.. لتنتظر تلك السادية بداخله الآن.. ولو فقط لمرة واحدة بحياته لينتظر كل شيء وليبقى هو معها، بالقرب من ذلك الصفاء، يريد أن ينهل من تلك الروح النقية التي تنير ظلامه، عله يهتدي بنورها المضيء وسط ظُلمته الحالكة التي لم يتسلل لها بصيص ضوءاً من قبل.. 
بعد مرور شهران.. مطلع يونيو عام 2000..

جلس شارداً بملامحها التي حُفرت بقلبه قبل عقله، لقد كان أسعد شهران بحياته، لماذا لم يجد تلك الفتاة منذ سنوات؟ ابتسامتها الخجولة، تلهفها على المزيد من متع الحياة، ضحكتها البريئة التي عند سماعها فقط تشعره بالفرحة، ارتباكها وجنونها الطفولي، ذلك النور الذي تبعثه بداخله، كل شيء معها يجعله يتأكد أنه ولد من جديد..

كل يوم يختلف عن ذي قبل، تكبر تلك الصغيرة على يداه وتصبح إمرأة بالغة يوماً بعد يوم، يُعجب كثيراً بطموحها وتخطيطها لكل شيء وإقبالها على الحياة، وأكثر ما أدهشه حقاً أنها لا تُجبره ولا ترغمه على شيئاً، لم تسأله قط عما حدث لكريم وكيف فجأة هكذا صدقها، لا تسأله لماذا لا يريد الإنجاب بالرغم من أنها سألته عن تلك الوسائل التي تمنع الحمل واجابها بأنه لا يريد أن يُنجب الآن ولكنها تُدهشه بعدم ضغطها عليه في أي أمر..

حتى زواجه من ليلى وبالرغم من صورتها الموضوعة بجانب سريره لم تشتكِ له من أن يُزيلها أو يبعدها عن نظرها، لم يعد يعرف كيف لتلك الصغيرة أن تتحمله بكل تلك الظُلمة التي بداخله دون أن تشكو أو تتحدث؟ كيف لها أن تكون بمثل تلك السلمية والخضوع معه؟

يعرف أنه عليه أن يواجهها بكل شيء بيوم ما ولكن لا يستطيع أن يصارحها الآن، يريد فقط أن يأخذ وقته معها حتى تعرف من هو بدر الدين، يريد أن يُريها جانبه الجيد قبل أن ترى ساديته.. أصبح كل ما يتمناه فقط هو التحكم في جانبه السادي هذه الأيام الذي رغماً عنه كاد أن يظهر بأوقات عديدة ولكن برائتها تلك توقفه وتخمد براكينه..

يدري أنه قد قام بتأجيل كل شيء في روتينه اليومي فقط من أجلها، ولكن كان هذا كافياً، لديه اليوم العديد ليفعله، اجتماعات ومراجعات وكذلك عليه اليوم أن يذهب لكريم ويسري حتى ينتهي منهما ويُمزق صفحتهما من حياته وحياة من حوله للأبد، يكفي تأجيله لهذا الأمر كل هذا الوقت، يعرف أنه كان يتجنب تلك المواجهة خوفاً من اندلاع ذلك البركان السادي الخامد بداخله ولكنه يتشبث بنورسين وتلك البراءة التي تبدد ظُلمته شيئاً فشيئاً..

زفر بعمق وبدأ في عمله وهو يجاهد نفسه ألا يشرد بها مجدداً، هو يعرف أنها اليوم بعد الجامعة ستذهب للتنزه مع شاهندة فليس عليه القلق، واطمئن أن كل شيء أصبح بخير علّ هذا يُعطيه المقدرة لأن يُركز وينجز تلك الأعمال المتراكمة..

❈-❈-❈

"حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي يا نور.."

"وانتي يا شاهي اوي.."

"خلاص بدور واخدك مننا ولا انتي بقا اللي مكتفاه في البيت.. بتعملوا ايه هه؟!" غمزت لها مازحة لترتبك نورسين وتورد وجهها

"لا ده أنا بس علشان عندي امتحانات اليومين دول.. وبعدين احنا.. احنا.. مبنعملش حاجة يعني.. هنكون بنعمل ايه؟" اجابتها بتـ.ـو.تر

"يا بنوتي.. عليا أنا؟!" نظرت لها مُضيقة عيناها "بس سماح خلاص مش عايزة أعرف حاجة عشان بدر شكله مبسوط وأنتي كمان شكلك مبسوط" أخبرتها لتشرد نورسين بإبتسامة "لا ده واضح إن الحب ولع في الدرة.. ايوة يا سيدي.."

"يووه بقا يا شاهي.. ايوة الحمد لله مبسوطين" حاولت أن توقفها ولكن بداخلها تعرف أن قلبها تعالت خفقاته فقط لأنها تتحدث عنه مع أحد آخر كما أنها وقعت بالحيرة جراء العديد من الأشياء التي يفعلها معها وبها!

"مين كان يصدق!! صحيح ما محبة إلا بعد عداوة.." حاولت شاهندة أن تعدل عما يدور في رأسها ولكنها لم تستطيع بالنهاية وقـ.ـتـ.ـلها الفضول الشـ.ـديد "بس بردواحكيلي عامل معاكي ايه؟"

"يعني هيكون عامل ايه هو كويس.. وبصراحة أنا بقيت بحبه اوي.. بس.." توقفت عن الكلام لتبتسم في خجل ثم تذكرت مناقشتهما سوياً حول الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة.

"مممـ.. السرحان ده والضحكة الغريبة المكسوفة دي وراهم حاجة.. انطقي بقا متنشفيش ريقي"

"أصل.. يعني.. هو.. " تلعثمت ثم حمحمت بإرتباك "أنا بحبه ومبسوطة معاه بس دايماً بيكسفني وأنا بجد مش عارفة اخلص من الموضوع ده، هو حاول كتير معايا بس أنا لسه بخاف من الحاجات دي وبتكسف"

"نعم يا حبيبتي!! كام شهر جواز ولسه بتتكسفي؟!" تعجبت شاهندة وهي حقاً لا تُصدق خجلها

"أعمل ايه يعني.. أنا مكنتش اعرف حاجة عن المواضيع دي وفجأة كده كل حاجة جت بسرعة واللي بيخليني كده مش على بعضي إن هو اللي بيفهمني كل حاجة وأنا بردو لسه بتكسف!"

"تعملي ايه؟! تكلميني.. تدوري في الكتب، تتصرفي بس متفضليش كده.."

"لأ يا شاهي أنا مش بثق في الكلام بتاع الكتب ده، وحتى لما كنت باجي أتفرج على فيلم وبيجي فيه مشهد قليل الأدب كنت بعدي الحاجات دي أو بحول على قناة تانية" أخبرتها ببراءة لتتنهد شاهندة وهزت رأسها في إنكار وآسى على ما تسمعه

"مشهد قليل الأدب!!" صاحت شاهندة في تهكم ثم أكملت "يا عيني عليك يا بدر يا اخويا يا غلبان ياللي وقعت وقعة بيضا!.. احكيلي طيب كل حاجة وأنا أقولك تتصرفي ازاي في موضوع الكسوف ده!"

"طيب هاحكيلك!!"

❈-❈-❈


مشى بخطوات متريثة داخل ذلك السرداب الذي يصل لمخزن احد المصانع القديمة المهجورة وهو يُشمر أكمامه وبداخله قلبه يخفق في جنون من ردة فعل تلك السادية بداخله بعدما يفعل بهما كل ما خطط له خاصةً وهو يعلم أن كل ما أراده قد أعده هؤلاء الرجال الذي دفع لهم الكثير من الأموال مسبقاً..

دلف احدى الغرف ذات الأبواب الحديدية بعد أن سمع أصوات عذابهما الذي يعرف أنه قد استمر و تواصل لقرابة شهران ما بين الضـ.ـر.ب المبرح في جميع أنحاء الجـ.ـسم بالأيدي والعصي، وسط نعتهم بالألفاظ النابية بعد أن استمرا لأول شهر لا يستمعان أي أصوات غير صوت صرخات بعضهما البعض.

سيبدأ بيسري وسيدع كريم للنهاية.. بالرغم من بشاعة ما فعلاه ولكن كريم هو السبب بكل شيء، هو من جعله يُعذب تلك التي خفق قلبه بعد سنوات لها ومن أجلها دون نساء الأرض أجمعهن.. لا يزال يتذكر دناءته عنـ.ـد.ما أخبرها بأنه يُحبها، ابتسم لتلك الكلمة التي نطقت من ذاك الفم الحقير ليُدرك أن بكل تلك المشاعر التي يحملها لها لم يجرأ بعد على إخبـ.ـارها بأنه يُحبها فابتسم بتهكم ثم تذكر عنـ.ـد.ما حاول أن يغتصبها ليسحق أسنانه بإنفعال وآخذ يُقسم داخله أنه سينسيه اسمه!!

دفع ذلك الباب الحديدي في بطأ ليطـ.ـلق صوتاً مخيفاً بعد أن امتزج بصوت صُراخ يُسري ودلف بهدوء بتلك الظُلمة ليشعر هؤلاء الرجال بوجوده فغادروا وتركوه وأغلقوا الباب خلفهم..

جلس على احدى الكراسي الموضوعة بالغرفة وبدأ في أن يُدخن سجائره بينما يُسري لم يعد يدري أهناك أحداً أم لا، لا يعرف لماذا نقلوه هنا لوحده منذ بعض الوقت الذي شابه الأبدية، لا يرى كف يده في ذلك الظلام، تمنى بداخله لو فقط يعود لتلك الغرفة التي يتواجد بها مع كريم، ذلك الصمت وتلك الأنفاس المرعـ.ـبة التي يستمع لها عنـ.ـد.ما يعذبونه تُفزعه، يشعر بوجود أحد ما بالغرفة ولكن ما الذي يخبأونه له بعد؟ لقد أبرحوه ضـ.ـر.باً ولقد بات يشعر بالذعر من أقل حركة تحدث جانبه، ما الذي يريدون فعله بعد كل هذا؟!

تنهد بين دخان سجائره وكأنما وجد ملاذه، لم يكن يعي منذ ساعات كم أن ذلك الظلام الذي لا يرى به شيئاً قد أشتاق له، أشتاق لمجاورة أكثر ما شابه روحه القاتمة، يدلف به، يتناسى من أصبح الآن، يتذكر كيف كان، ثم يُطلق العنان لتلك الغرائز الإنتقامية به لتقع على جسد أياً من كان أمامه دون شفقة أورحمة..

لقد كان خائفاً صباح هذا اليوم أن عنـ.ـد.ما يرى يُسري أو كريم وبعد الذي سيفعله بهما سيعود لذلك الرجل السادي، أمّا الآن فقط بجلوسه هنا في تلك العتمة أيقظ بدماءه سجيته السادية، رغبته في أن يعذب أي أحد تزايدت، يريد أن يستمع لتلك الصرخات والتوسلات، يرد أن يستنشق رائحة الدماء التي تُسكن تلك الجروح بداخله، يريد أن يستمع لتوسلات عدة.. سيفعلها بعد أن توقف لشهور.. لن يكن هيناً ولا ليناً..

داس بغلٍ شـ.ـديد ما تبقى من سيجارته التي قرر أنها الأخيرة وهو يقنع نفسه للمرة الأخيرة أن كل هذا لم يكن ذنبه، سيعاقب من أخطأ، العقاب ليس ككل مرة، بل كلاً منهما أخطأ، خطئهما أن كليهما عبثا مع من أحبها قلبه..

نهض بتلك العتمة مُمسكاً بعصوان كل واحدة بيد ودون أن يرى ولا يعلم أين ستقع ضـ.ـر.باته أطلق كل ما حمل من ضغائن تجاه والده ووالدته، وذلك العذاب الذي تحمله بسنواتٍ وحده دون وجود أحد بجانبه، أيصـ.ـر.خ هذا الوغد؟ لماذا تُشبه تلك الصرخات صرخات تلك الرجال بغرفة والدته عنـ.ـد.ما كانوا يُطلقون مائهم بداخل العاهرة التي أنجبته؟ ربما تُشبه صرخاته تلك الصرخات التي تفلتت عنـ.ـد.ما عذبه بها والده منذ زمن بعيد؟ لا ربما تُشبه صرخات نورسين التي صرخت بها من محاولة إغتصاب ذلك الحقير لها!!

"أنا .. أنا توبت.. أنا مش عايز حاجة.. هنفذ كل اللي تقوله عليه بس سيبوني" صرخ يُسري متوسلاً ليبتسم بدر الدين في مُتعة وهو يستمع لآثر تحركات العصوان بالهواء وارتطامها بجسده العاري وهو لا يُريد أن يتوقف بعد..

أيظن أن بحفنة توسلات سيتركه؟! لقد توسل من قبل ذلك، توسل مرات لا نهائية، لقد نادى مستنجداً، ولكن لم يستمع له أحد، لم يُشفق عليه والده ولو لمرة واحدة، لماذا عليه هو أن يستمع الآن لتلك التوسلات؟!

توجه لخارج الغرفة ثم ترك العصوان ليرتجف يُسري على واقع ارتطامهما بالأرضية وهو يبكي في رُعب تام وهو لم يعد لديه القُدرة على احتمال كل ما يحدث له..

أمسك بعدة أسلاك ودلواً من الماء وشعلة نار موضوعه على أحدى الجدران مثلما آمر سابقاً فهو يمنع عنهما تماماً أي ضوء ثم توجه للداخل ليبتسم حتى لمعت أسنانه بعد إنعكاس ضي من اللهب على وجهه وبدا سعيداً للغاية بملامح يُسري وتلك الدماء التي لوثت الأرضية أسفله..

"لا.. أبوس ايدك متعملش فيا حاجة تاني.. اللي أنت عايزه هنفذه.. ارحمني ابوس رجلك.. كفاية ضـ.ـر.ب وبهدلة أنا مبقتش قادر"

توسل يُسري بعد أن لمح بدر الدين بصعوبة من بين تلك الدماء التي انسابت على عيناه ووجهه بينما ارتعد وهو يلمح بدر الدين يذهب للجدار ليثبت عليه تلك الشعلة ويوصل بعض أسلاك لجهاز ما لم يستطع تبين ما هو ثم ارتجف عنـ.ـد.ما رآه يعود ليقف على مقربة منه وهو ينظر له بتشفي شـ.ـديد ورضاء بينما الأول شعر بأنسياب بوله من تلك النظرة المُرعـ.ـبة التي جعلته يُصدق أنه يرى الشيطان متجسداً في جسد بشري..

"أنا.. أننا توبت.. أنا هاعملك اللي أنت عايزه.. بس.. بس سيبني امشي.. ابوس ايدك كفاية"

تلعثم في فزع لتصدح ضحكة بدر الدين التي امتزجت بالشر والكراهية ثم أقترب منه وهو يوصل تلك الأسلاك بجسده ليثبتها بكلاً من حلمتاه وخصيتيه ثم أحضر الدلو ليسكبه عليه ليرتجف رعـ.ـباً مما تأكد ما هو مقبل عليه..

توجه بدر الدين ليشعل احدى الازرار بذلك الجهاز الغريب الذي لم يستطع معرفة ما هو ثم أدار احدى المؤشرات بسبابته ليرتجف جسد يُسري بشـ.ـدة من تلك الكهرباء التي سرت بجسده ودوى صراخه حتى مزق حلقه ثم خر فاقداً الوعي وهو لا يزال مُثبتاً من كلتا يداه ورأسه وقدماه على ذلك المُجسد الخشبي الذي رُبطت أطرافه عليها بإحكام حتى ادميت أسفل الحبال وسقط رأسه من تلك الفوهه بمنتصفه إثر فقدانه لوعيه!

تنفس بدر الدين برضاء بعد أن ملأ رئيتيه بذلك الهواء الذي حمل رائحة العذاب والدمار لجسد ذلك الحقير ثم ابتسم في زهو وإعجاب بما فعله عنـ.ـد.ما رآى سيلان الدماء من خصيتاه ثم توجه للخارج بخطوات متهادية وغلق الباب خلفه وهو ذاهباً بطريقه لكريم ليآمر احد الرجال بإفاقة يُسري بعد نصف ساعة..

توقف بالرواق الذي شعر أنه مبتعداً عن الجميع ثم أخرج هاتفه ليجري مكالمة فهو قد عرف أن هذه الليلة لن تنتهي حتى بعد ساعات عدة كما أنه تأكد أن بركان السادية الضارية بداخله قد اهتاج مرة أخرى وبالطبع سيحتاج لإمرأة بالنهاية حتى يُنهي تلك البراكين المتأججة بداخله ولن يخاطر بأن يؤذي نورسين بها!!

"ايه يا بدر عامل ايه؟"

"تمام يا شاهي.. بقولك عشان بس مشغول ومعرفش هاخلص امتى، روحي أنتي ونورسين سوا عشان مش عايزها تبات لوحدها وأنا لما أخلص هبقا اجي اخدها من عندكم"

"ليه فيه ايه كده؟ أنا صُدفة عرفت إنك مش في الشركة.." تعجبت شاهندة لتسأله

"ده اجتماع في الغردقة وشكلنا مطولين.."

"طيب يا حبيبي.. خد نور هاتـ.." أنهى المكالمة بعد أن تأكد مما أوشكت أخته على فعله فهو متأكد تماماً أنه لن يستطيع أن يستمع لصوت نورسين بتلك الحالة التي هو بها!

أغلق هاتفه تماماً واضعاً اياه بأحدى جيوبه ثم أكمل طريقه بذلك الرواق المظلم الذي لم ينيره إلا جذوة من اللهب فتناولها من على احد الجدران ليدلف احدى الأبواب التي وقعت بنهاية ذلك الرواق وصفع الباب خلفه بإبتسامة واسعة انهالت منها الظُلمة الخالصة والتشفي عنـ.ـد.ما تفقد ووجد جسد ذلك العاهر الآخر أمامه عاري بعد أن استطاع رؤيته في إنعكاس نيران تلك الجذوة عليه وهو مُعلقاً من قدماه المتبعدتان ويداه ثُبتا في الأرضية بالتوازي مع قدماه وجسده لم يوجد به شبر واحد إلا وقد ارتسمت علامـ.ـا.ت السوط عليه..

"ازيك يا مرا.. عاملة ايه؟" تسائل متهكماً بمنتهى الهدوء اللاذع الذي لم يماثل تلك السعادة الشـ.ـديدة التي حملتها نبرته المُتشفية بمظهره ولكن بدر الدين لم يشعر بالرضاء التام بعد!!

"أنا.. أنا كنت عارف إنك أنت السبب في كل ده.. أنا مش هاسيبك.. أنا.. هانتقم من كل اللي عملتـه"

صاح كريم بأنفس لاهثة وهو مُعلق هكذا ليضحك بدر الدين بهيستيرية شـ.ـديدة وهو لا يُصدق أن ما بداخل ذلك الوغد لم يتغير ولو مقدار أُنملة

"شكلك نسيت كلامي ليك.. بس أفكرك وماله.. فاكر لما قولتلك إن اعتبر اللي حصلك قبل كده أول وآخر تحذير ليك يا إما هخليك مرا وبكيفك؟!" تريث ليبتسم بخفوت ثم أكمل

"اهو بقا كيفك الوسـ.ـخ وقذارتك هتعمل فيك بلاوي.. فكرك سهل خـ** زيك يلمس مرات بدر الدين الخولي، ولا فكرك إن بلاويك الوسـ.ـخة أنا مش عارفها.. أنا بقا هوريك يعني ايه تأذي أختي ومراتي.. يا .. يا مرا!!"

ابتسم ثم تحولت ابتسامته لضحكات عالية عنـ.ـد.ما صرخ كريم بسبب أقتراب النار من قضيبه المُرتخي

"إن ما نمتش مع مراتك قدامك وعرفتك مين بجد اللي مرا مبقاش أنا كريم الدمنهوري!!" تحدث بحرقة متوعداً ودمـ.ـو.عه تتهاوى آلماً لتصدح ضحكة بدر الدين مرة آخرى

"هو أنا مقولتلكش!!" تحدث بدر الدين متهكماً ثم أكمل "أنت خلاص هتبقى مرا.. يعني حتى لو قدامك نسوان الدنيا كلها مش هاتعرف تعمل فيهم حاجة"

ضحك مجدداً ليزدرد كريم ثم اتجه نحو الباب مُلقياً تلك الجذوة بيده بعيداً ليفتح الباب ثم صدح آمراً وهو ينير الأضواء

"ادخلوا!!"

ارتعب كريم مما سمعه ولأول مرة يرى ضوءاً منذ أشهر ليفتح عيناه بصعوبة وهو لا يستطيع تبين من هؤلاء الذين عجت بهم الغُرفة

"اننتوا.. انتوا هتعملوا فيا ايه؟!!"

صاح سائلاً في فزع بعد أن وجد رجلان يقومان بتثبيت قضيبه بثلاث خشبات احداهما قائمتان تلامس الأرض والثالثة بها فوهة دائرية ثُبتت أفقياً بالخشبتان السابقتان ثم تقدم رجل منه ليغرز احدى الحقن بقضيبه ثم آخريات وزعن بالمناطق القريبة لخصيتاه واعلى فخذاه حتى أصبح لا يشعر بأي من لمسات هؤلاء الرجال له!

"هيخلوك مرا.. يا مرا" اجابه بدر الدين ثم جلس على احدى الكراسي لينظر له متشفياً وهو يُشعل احدى سجائره واستمتع ببكاءه وهو الآن يتوسل ألا يفعلوا به ذلك!!

لم يستطع إلا أن يبتسم وهو يرى كريم الذي خُدر موضعياً يُبتر قضيبه وهو مقيداً هكذا ثم شعر بالرضاء التام عنـ.ـد.ما تخيل ما سيفعله به بعد قليل؛ سينتظر فقط بعد أن يذهب هذا الطبيب ومن معه ثم سيقوم بعذابه بشتى ألوان العذاب..

انتظر حتى قام الجميع بعملهم ثم تركوه وتريث هو بعد حتى يتأكد من زوال مفعول المُخدر وهو يراقب ملامح الإنكسار والحُرقة تظهر على وجهه ونحيبه المكتوم ليقارنها بمثل تلك الملامح التي ظهرت ظُلماً وجورا من قبل على وجه نورسين وبالرغم من أن بدر الدين قد انتشى بما حدث له ولكنه لم يكن ليتركه هكذا دون أن يفعل به العديد مما خطط له فتلك الدمـ.ـو.ع التي هُدرت من عيناها لن تتضيع سُدى..

نهض ليجهز العديد من الأشياء على منضدة جانبية حديدية الصُنع ثم أمسك بشيئاً يشبه ثمرة الإجاصة ولكنه مصنوع من معدن ما ذو سن مدبب من النهاية، لم يُرى بعد أنها تتكوّن من أربعة "أجنحة" حديدية كأجنحة الفراشة لأنها لازالت مطوية فهو لم يقم بستخدامها بعد..

أقترب من كريم بتأني شـ.ـديد وهو لم يقم بإغلاق الأنوار بعد، يريد أن يتشفى بكل ما سيحدث له، لقد وضع منذ البداية كاميرا قد قامت بتصوير كل ما حدث وستقوم بتسجيل ما سيحدث أيضاً حتى يذكره بكل ما حدث له يومياً.. فكريم له وضع آخر مُغاير عن يُسري تماماً..

ظل يقترب وهو ينظر لتلك الدماء التي انسابت من بين مُلتقى ساقاه حتى وجهه فهو لا يزال مُعلقاً من ساقاه المقيدتان وكذلك يداه المُثبتتان بالأرضية فابتسم ببرود بينما الآخر لا يدري ما الذي سيفعل به بعد ما جردوه من رجولته!

دون أي مقدمـ.ـا.ت هوى لاكماً اياه على عضوه، لا بل مكان عضوه الذي لم يعد متواجداً ليصـ.ـر.خ الآخر في آلم شـ.ـديد بينما ضحك بدر الدين على صراخه ذلك ثم تحدث له في تهكم

"ايه؟! حاسس بإختلاف؟!" ابتسم ثم توقف خلفه ليضع تلك الإجاصة من جهة سنها المُدبب بفتحة شرجه ليصـ.ـر.خ كريم

"لأ.. بلاش كده.. هاعملك اللي أنت عايزه إلا اللي بتعمله فيا ده" صرخ بكل ما أوتي من قوة بينما ابتسم الآخر

"ما هو ده اللي أنا عايزه، إني أشوفك وأنت مرا!!" أخبره بمنتهى الهدوء وظلمته أصبحت من تتحكم به الآن بعد أن تأكد من تثبيت تلك الآلة التي تُشبه حبة الكمثرى التي حُشرت بداخله ثم أدارها حتى فُتحت أجنحتها المطوية الحادة ليأخذ هو في الصراخ إلي أن تمزق حلقه وكذلك تمزق بداخله!..

ظل يستمع له في رضاء واستمتاع وهو يتذكر كل ما حدث بسببه لنورسين وتتوسع ابتسامته في كراهية خالصة لهذا الحقير وبنفس الوقت لنفسه على ما فعله معها من قبل ثم فجأة ضحك وتعالت قهقهاته وهو يتخيل ما سيفعله به بعد قليل!!

❈-❈-❈


لا يستطيع التوقف عن الضحك بهيستيرية حتى بدا كالمـ.ـجـ.ـنو.ن تماماً وعيناه الثاقبتان لا تتوقفا عن اللمعان بشـ.ـدة عنـ.ـد.ما تذكر كريم بعد أن أجبره على أن يرتدى احدى أثواب النوم الخاصة بالنساء وهو يُجلده بأحدى الأسواط وأُرغم على أن يُغني ناعتاً نفسه بألفاظ نابية لا تمت للرجولة بأي صلة..

صرخاته وملامح الإنكسار عنـ.ـد.ما آتى له بأحدى الرجال وهو لا زال يجلده مجبراً اياه على أن يُثير ذلك الرجل ليمارس معه الشذوذ بالنهاية وفي تلك الأثناء كان يُهتك جلد خلفيته بمطواة حادة وهو مُقيد بعد أن هُتك بتلك الطريقة التي يحتاج لشهور من العلاج حتى يتحسن بمقدار ضئيل.. لازال يتذكر دمـ.ـو.عه التي أختلطت ببول ذلك الرجل بعد أن فرغ منه وهو يُجبر على ابتلاعه.. حقاً أراد أن يُثنى على نفسه بمنتهى الإمتنان لأن حصيلة اليوم مُرضية بالنسبة له إرضاءاً لا بأس به!!

هدأت ضحكاته لشعوره بالإنتصار بعد مشاهدة عذابهما، تلك الملامح والعلامـ.ـا.ت على أجسادهما وما فعله بهما كان حقاً يليق بتلك الظُلمة المعتمة بداخله، وأخيراً انتهى من يُسري بعد أن حصل على توقيعه على كل ما يملك ليتنازل عنه لنورسين ولكن هذا كان بعد أن سالت الدماء من خصياتاه دون توقف عنـ.ـد.ما ازاد من صعقه بالكهرباء، ابتسم للحظة متهكماً عنـ.ـد.ما تذكر ملامحه وهو يظن حقاً أنه سيدعه يغادر، لم يكن يعرف أنه قد أعد له سجن مؤبد بإمساكه متلبساً في نقل كمية وفيرة من مسحوق الهيروين بالسيارة التي تركها بدر الدين له وهو من بلغ عنه، لا يدري أنه ينتظره قضايا عدة بخصوص مقـ.ـتـ.ـل والدة نورسين وبخصوص تزويره لوصيتها ولكن ليستمتع بذلك لاحقاً..

لقد أجبر كريم هو الآخر على تطليق أخته ولكنه لا، لن يتركه هكذا بعد أن كان السبب بكل ذلك العذاب الذي عذبه لتلك الفتاة التي سلبت عقله، ذلك الظلام بداخله لن يرضى عن بضع ساعات قد عُذب بها ذلك الحقير.. لهذا قد آمر هؤلاء الرجال الذين عينهم وأغدق عليهم بالكثير من الأموال بدءاً من الغد أن يُطلقون النار على أطرافه إصبعاً إصبعاً حتى يفقدهم واحداً يلي الآخر..

بالرغم من أن كل شيء قد انتهى مثلما خطط له ولكن حدث ما خاف منه، لازال يريد إخراج المزيد من وحش ساديته على احدى النساء، يُريد المزيد من الصرخات والمزيد من العناء لعاهرة أمامه، لم يفرغ بعد من تلك السادية ولم يعد يظن أنه سيفرغ منها أبداً فلقد أصبحت مرضه الذي لن يُعالج أبداً..

لمعت عيناه القاتمتان بطريقة مُرعـ.ـبة وابتسم نصف ابتسامة عنـ.ـد.ما أقترب من فيلته وهو يعلم أن احدى العاهرات قد انتظرته منذ ساعتان بأكملهما وآخذ يتخيل ما سيفعله معها ولكنه لاحظ احدى السيارات تتوقف أمام البوابة الخارجية حيث منعته من إكمال طريقه للداخل..

صف سياراته بغضب شـ.ـديد وهو يُفكر من عساه يفعل ذلك ثم توجه خارجاً للسيارة الأخرى ليرى من ذلك القائد المجهول الذي توقف هنا.. أياً كان ما هو وأياً كان ما يريده فهو قد آخره على ما ينتظره ويشتاق له ولربما سيطوله بعضاً من غضبه هو الآخر!

تفقد من بها طارقاً على الزجاج بعنف وهو حتى لم يُفكر أن يسأل الحراس فلقد نفذ صبره مسبقاً ليجد الزجاج يهبط للأسفل ليزداد غضب تلك القاتمتان بوجه من رآها وسحق أسنانه في شـ.ـدة وهو لا يدري بعد ما الذي آتى بها لهنا!!
دلفت السيارة بجانبه لتجده ينطلق على الفور حتى قبل أن توصد الباب بالكامل فتعجبت ولمحته بزرقاويتيها البريئتان ولكنها ابتسمت في خجل فهي اشتاقت له حقاً..
بالرغم استمتاعها بالتنزه مع شاهندة ورؤية نجوى والمرح مع أبناء هديل بل وتغير هديل معها أيضاً للأفضل وتناول الطعام وتلك البهجة التي أدخلوها عليها جميعاً والجو الأسري الذي لطالما ما كانت تبحث عنه إلا أنها شعرت بالفراغ الشـ.ـديد دون وجوده بجانبها..
عضت على شفتيها قبل أن تآخذ تلك الخطوة وهي تستجمع كل نصائح شاهندة بداخل رأسها ثم امتدت يدها في بطئ لتتلمس يده ونظرت له بتلك الزرقاوتان التي يُفيض منها الإشتياق
"وحـ.ـشـ.ـتني" 
همست له ليشعر وكأنما عاصفة هبت بداخل عروقه لتمرمغه يميناً ويساراً وهو لا يستطيع التجاوب مع تلك الرقة التي تطالبه بها من تلك النبرة..
ابتسم لها بعد أن نظر لها بثاقبتيه لثانية ربما أو ثانيتان ولكنه لم يكن يدري كيف بدا مُريباً بل ومخيفاً بتلك النظرة التي انطلقت من عيناه كالسهم لشفتيها لتستغرب هي معاملته وصمته الزائد عن المألوف.. هي تعرف جيداً أنه ليس ذاك الشخص الذي يتحدث بالكثير ولكن صمته اليوم أكثر من اللازم..
فكرت بداخلها أن تكسر ذلك الصمت ثم قبضت على يده أكثر بجرأة لم يعهدها هو وبمنتهى الصعوبة يتحمل تلك اللمسة فهو لا يريد إلا أن يترك تلك اللعنة التي يقودها ليُفجر ولو جزء من أثر يوم أمس الذي حملته أحداثه على تفجير تلك البراكين الخامدة بداخله ويآخذها أسفله بمنتهى العنف..
"أنت مالك؟ ساكت اوي كده ليه؟" سألته وهي تنظر له بمصدر عذابه الأبدي الذي كلما تلاقى مع سواد عيناه أجج بداخله الذنب والنـ.ـد.م والعشق بآن واحد
"هقولك" 
اجابها بإقتضاب وهو يُسرع كثيراً ولا يتحمل تلك الدقائق التي تفصله عن منزله
"طب ممكن تسوق براحة شوية؟!" همست برقة وهي تُضيق ما بين حاجبيها ليلتفت هو لها بنظرة لم تفهم معناها ولكنه لم يبطأ من سرعته لتبتسم هي ابتسامة مقتضبة ثم تنهدت وهي لا تستطيع فهمه ثم تركت يده في هدوء ولم يبدو عليه أية مشاعر تُذكر..
أوقف السيارة في هرجلة شـ.ـديدة لتزأر مكابحها لينطلق بنفاذ صبر خارج السيارة كالرصاصة المندفعة ولكنها لم تكن طائشة فهو عرف ما يُريده جيداً..
❈-❈-❈
ظلت تتابعه بعينيها في تعجب واستغراب شـ.ـديدان لتجده يفتح بابها ثم يجذبها من السيارة لتبتلع في خوف مما سيفعله وللحظة تذكرت كيف كان معها ولكنها حاولت ألا تتذكر تلك الأيام برمتها وبأحداثها!!
دلفا لتجده يصفع الباب في عنف لتتعالى هي أنفاسها وهي تنظر له بأعين متسعة وبنفس الوقت الذي وافق ارتطام الباب ليغلقه كان جسدها يرتطم بالجدار وكذلك شفتاه ارتطمت بخاصتها في عنفٍ شـ.ـديد لم تختبره معه قبلًا..
أحقاً اشتاق لها بعد يوم فقط لم يرها به، أتلك هي الكرزيتان التي أوقفته بضحكة منها عما أراد يفعله؟ لماذا الآن يستطيع أن يُخرج بعضاً من غضبه وعنفه وقسوته بتقبليها.. 
فرق قبلتهما ليتفقد ملامحها بينما اعطاها القليل من الوقت لتلتقط أنفاسها المتسارعة من تلك القبلة القاسية.. حسناً تلك الثانيتان كانتا كفيلتان بأن يرفع جسدها ليحاوط خصره وحاوطها هو بيديه ليجدها تتشبث بعنقه وعيناها المتسائلتان تلك لن يستطيع التجاوب مع أسئلتهما الآن!
التهمها مرة أخرى وهو يدفع بجسدها للجدار دون شفقة حتى شعرت نورسين بآلم ظهرها وكذلك بإختلافه الشـ.ـديد معها وهي لا تدري ما السبب.. تتذكر عنـ.ـد.ما قبلها بقسوة من قبل عنـ.ـد.ما أخبرته بأنها ستتركه وستبتعد عنه ولكنها لم تخبره بذلك الآن، أيُمكن أنه كره أنها قد أقضت اليوم بمنزل عائلته ومع شاهندة؟! 
لا.. لقد أخبرها هو نفسه بموافقته وبأن تذهب معها.. لذا ما السبب لغضبه وعنفه الذي تشعر به الآن بين قبلتهما!!
يريد أن يقـ.ـتـ.ـلع تلك الشفتان بين أسنانه، لا يستطيع أن يكون هادئاً ليناً ولا رقيقاً معها بعد كل ما عاناه بذلك اليوم، يشعر في نفس الوقت بالذنب مما يفعله معها ولكن لم يعد يقدر، يريد أن يُخرج ما بداخله بأي شكل كان..
صعد وهو لا يزال يلتهم تلك الشفتان حتى شعر بطعم الدماء بين قبلتهما ليلقيها على السرير في عنف بالغ وآخذ يتفقد ملامحها المُحببة لقلبه ووجهها الذي انفجر به اللون البنفسجي من قلة التنفس وآخذ ينظر لتلك الشفتان وهي تلتقط أنفاسها ولكن تمزيقه لهما بتلك الطريقة سلب عقله وأجبره أن يفعل المزيد..
اعتلاها مُلقياً جسده عليها في صخبٍ تام وقرر أن يُطلق ذلك البُركان الثائر بدمائه حتى ينفجر عليها هي وحدها.. فبعد ما حدث له مع تلك العا. هرة جعله يدرك أنه الآن لن يستطيع التجاوب والشعور بكل تلك المشاعر غير معها هي فقط دون سواها!
شعرت هي بالخوف من طريقته، هي لم تفعل شيئاً خاطئاً هي متأكدة، وتتذكر أنه كلما غضب لم يكن يفعل مثل تلك الأشياء معها بهذه الطريقة، لا تعلم ما الذي يحدث له الآن..
"حشـ.ـتـ.ـيني و  يا نوري اوي.." 
هسهس بلوعة ثم التهم احدى تلك التلال الوردية على مفاتنها بين أسنانه لتصرخ هي ولكنها هذه المرة صرخت من شـ.ـدة الآلم وليس المتعة ليسمعها هو ليشعر وكأنه يفيق على ما يفعله، شعر بأنه تمادى أكثر من اللازم فتوقف ثم تطلع زرقاوتاها الخائفتان وبنفس الوقت متعجبتان لكل ما يفعله بها..
ابتلع وهو ينظر لها ليُقبل رأسها بكل ما أوتي من قدرة على أن يكن ليناً معها ثم نظر بعينيها الزرقاويتين التي لم يعد لديه القدرة على الابتعاد عنهما ولم تستطع هي فهم تلك النظرة المُبهمة بعينيه، الآن هي ليست خائفة منه، هي فقط لم تفهم بعد ولا تدرك أنها نظرة احتياج شـ.ـديد لها..
"أنت كويس؟ فيه حاجة مضيقاك؟!" 
همست سائلة بعد أن فكرت كثيراً ليطيل هو صمته بنفس تلك النظرة ثم هبط ليقبلها على شفتيها مرة أخرى ولكن لم تكن قاسية كالسابق.
تذوق شفتاها وأخذ يخلع ملابسها وهو يحاول السيطرة على غضبه الذي يأجج تلك البراكين بداخله ولكنها تُجبره على أن يكن عنيفاً معها عنـ.ـد.ما يسمع تأوهاتها بتلك الطريقة ولمساتها له بعنقه وشعره الفحمي ولأول مرة يشعر بأنه مع إمرأة وليست فتاة صغيرة!!
لا يدري لماذا أختلفت لمساتها، يشعر بأنه يرد أن يُمزقها لأشلاء أسفله، تعالى عنفه وازداد مجدداً رغماً عنها وهو يُقبلها مجددا ولكنه شعر أنه بدأت في التجاوب معه، هو يحتاجها أشـ.ـد الإحتياج، يحتاج لطيبتها وبرائتها وبنفس الوقت يريد أن يُخرج ذلك الكبت الذي بداخله بأي طريقة، لقد أدرك الآن أنها ستكون الوحيدة التي تستطيع أن تجعله بتلك الحالة، فهو لم يستطع فعلها مع إمرأة أخرى سواها..
ظل يُقبلها بشغف واحتياج، تلاحقت أنفسهما بعنف ولهثا بين قبلاتهما المحمومة بينما يداه جابت فوقها بكل ما تلمسته ليقبض عليها بعنف، يشعر وكأن أصابعه تتغلغل بداخلها ويُدرك أن يـ.ـؤ.لمها ولكنه لا يستطيع منع نفسه، يريد المزيد منها، يريد المزيد من تلك الصرخات التي تجعله يشعر ببعض الراحة..
هبط ليوزع عضات قاسية للغاية على طول عنقها المرمري لتتعالى هي صرخاتها ولكنه لاحظ أنه صراخها الآن قد امتزج بالمتعة وليس بالخوف أو الآلم مثل السابق فأكمل ما يفعله وظل يُلثم عنقها في عنف وبهمجية شـ.ـديدة ويلتهم جلد بشرتها الحليبي ليبتسم بداخله على تلك العلامـ.ـا.ت والآثار التي ستتركها قسوته عليها لاحقاً..
توقف أمام مفا تنها بوجهه ثم نظر لها لتتلاقى أعينهما ودفن وجهه ملتهمًا بين أسنانه كل ما اقترب من وجهه ثم تزايد عنفه ليجدها تقبض على شعره وقد شعر بنشوتها وشبقـها من تلك الطريقة الجديدة التي لا يدري من أين آتت، يجدها تجذبه أكثر إليها ليتشجع هو ويلتهمها في نهمٍ بساديته المُفرطة التي تدفعه أن يـ.ـؤ.لمها وغضبه الجم الذي لم يهدأ سوى بفعل تلك الصرخات ومعانتها أسفله!
تشجع أكثر ليداعبها بيده بعد أن تخلص من ملابسها بصعوبة وأخذ يمرر يده وكفه بكل ما استطاع التوصل له لتُصيح هي في نشوة تامة وأزادت من اجتذابها لشعره الفحمي بيدها وكأنها تُريد المزيد ليخلب عقله طريقتها معه فاخترقها لتصرخ هي في شغف بالمزيد..
حرك أصابعه وهو يعض على وردتها الأخرى في قسوة بالغة وكأن ملمس تلك الوردة بين أسنانه يعمل كمسكن سريع المفعول لذلك الوحش الضاري بداخله وصراخها ذلك يلملم من جروحه المبعثرة!!
اعتلاها لينظر لملامحها الغارقة باللذة ولكنه كان يدرك أنها امتزجت بالألم، ثقبها بتلك السوداويتين بطريقة لم ينظر لها بها من قبل، تأوهها هكذا يرسم الابتسامة على شفتيه ولكنه يُريد المزيد، تأثرت ملامحها وهي مضيقة ما بين حاجبيها وانفاسها اللاهثة المرتعدة من حركته القادمة يُرضيه للغاية، تشبثها بذراعيه بتلك الطريقة وهي تريد المزيد منه وأن تشعر بنشو تها يرضي تلك السادية بداخله لأن يراها تتعذب..
أخرج أصابعه ليشعر بزفرة الحنق التي أطلقتها وانزعاجها الذي انفجر بملامحها ثم نهض واقفاً لينظر لها في إشتهاء وبمنتهى الهيمنة شعر بأنه يُسيطر على كل ما تشعر هي به، يريد المزيد من ذلك الجسد، لن يستطيع فقط أن يكون عنيفاً معها بالعلاقة وبمجرد ممارسة، ذلك الكبت الذي بداخله لم يتبدد بعد..
يريد أن يُقيدها، أن يتحكم بها أكثر، يريد إيلامها وصراخها وهي متوجعه أمامه وأسفله، يريدها أن تتوسل له بأن يتوقف.. بالرغم من أنه يعشقها ولكن قدرها كان سيئاً للغاية بإيقاعها برجل سادي لا يمتلك شفقة ولا رحمة على أجساد النساء..
مد يده لها لتأخذها هي وهي تراه أمامها بكامل ملابسه بينما كانت هي مُجردة تماماً من الملابس لتحاول أن تشيح بنظرها بعيداً عن عينيه الثاقبتين التي وجدتهما ينظرا لها بطريقة غريبة منذ أن رأته..
شهقت في اندهاش عنـ.ـد.ما حملها بين ذراعاه وتلاقت أعينهما رغماً عنها لتحاوط هي عنقه وهي تنظر لذلك الرجل الذي بدد عقلها لأشلاء، لقد أُرهقت من محاولة فهمه وفهم ما الذي يريده.. 
نعم هي تعشقه، لا تريد الابتعاد عنه ولكنها تشعر بأنه يُخفي عليها العديد من الأشياء التي لا تعرفها عنه إلي الآن..
❈-❈-❈
"أنتي بتثقي فيا يا نوري؟!" 
سألها وهو متوجهاً للخارج حاملاً اياها بين ذراعاه لتومأ له بالموافقة وتناست أن تسأله إلي أين هو ذاهب 
"أنتي عارفة إني عمري ما هأذيكي تاني، صح؟!" سألها وهو يشعر بالخوف والذنب بآن واحد مما يُفكر به ولكنه لم يعد يستطيع مواجهة تلك السادية بداخله..
أنزلها لتقف أمام احدى الغُرف التي لطالما وجدتها مغلقة منذ مجيئها لمنزله وتـ.ـو.ترت كثيراً من ملامحه التي اختلفت بشـ.ـدة عنـ.ـد.ما نظر لها بتلك الطريقة
"نوري.. عايزك تكوني متأكدة إن مفيش حاجة هتتغير ما بيننا بعد ما نخرج من الأوضة دي.. كل حاجة ما بيننا هتفضل زي ما هي" 
ها هو يتحدث الآن وبوفرة ولكنه يُخبرها بألغاز لا تستطيع فهم أي شيء منها، شعرت بالفضول ولكن بنفس الوقت ارتبكت من غرابة الموقف، هو يتفوه بكلمـ.ـا.ت لا تفهم منها شيء، نظرته وملامحه اختلفا كثيراً، هي تقف عارية برواق المنزل الداخلي ولا تدري ما تلك الغُرفة ولماذا قد آتى بها لهنا!!
ازدرد في خوف ولكنه لم يتناسى غضبه بعد، لا زال بداخله ذلك الكبت الذي يتمنى إفراغه على جسدها بأقرب وقت، لم يعد يقدر أن ينتظر، لربما ستكون ردة فعلها مُخيفة، ربما ستعود لتخاف منه، سيحاول هو ألا يقسو عليها مثلما يفعل بالأخريات، ولكنه لن يتركها من أسفله حتى يشعر بالرضاء التام والانتهاء من ذلك الشيء الذي يلتهمه بداخله ويحثه على العنف بأي طريقة كانت!
دفع الباب ثم أومأ لها بالدخول لتضيق هي ما بين حاجبيها في تعجب لينير هو أضواء الغرفة الخافتة وحلقت زرقاوتاها في تعجب وهي ترى جدران الغرفة تبدو غريبة فلقد كُسيت بقماش غريب شابه لون السماء المعتمة!
ليس فقط الجدران بل العديد من الأدوات المُعلقة بمنتهى النظام والترتيب الشـ.ـديد ولكنها لم تعرف ماهيتها، هناك أشياء تتدلى من السقف وتبدو كالأصفاد، وما ذلك الجزء المعدني المتدلي من السقف مستطيل الشكل الذي امتلئ بفتحات كثيرة ليبدو مُفرغاً ليحتوي أشكالا هندسية مُفرغة وعُلق بها أصفاد جلدية لم ترها من قبل، ما تلك الأحزمة العديدة المُعلقة بتلك الجزئية، أيرتدى ملابسه هنا؟! أهذا سوط؟ لمعته تبدو مُرعـ.ـبة!! أهذا الجُزء مُخصص للحبال؟ لماذا يستخدمها؟ ماذا يفعل بذلك السرير الذي وضع بمنتصف الغرفة؟ يبدو غريب وكأنه من احدى أسرة المماليك بعهد قديم!! ما تلك الأشياء، أهي مجسدات خشبية، نعم لقد رأت مثلها بفيلم من أفلام الرعـ.ـب ربما أو فيلماً تاريخياً، لا تسعفها ذاكرتها الآن!! ما تلك الغرفة ومن الذي يمكث بها على كل حال؟
قاطع تفكيرها وعقلها الذي أخذ يترجم ما تراه وكل ما وقعت عيناها عليه بطريقتها الخاصة المُفتقرة للخبرة عنـ.ـد.ما حاوط خصرها وأقترب ليهمس بأذنها بعد أن فكر ملياً بما سيفعله
"نوري.. أنا محتاج أكون معاكي هنا.. متخافيش.. أنا عمري ما هأذيكي!"
نبرته الخافتة بتلك الطريقة أفزعتها وحاولت الإلتفات له ولكنه لم يستطيع أن يواجهها فدفع جسدها أمامه برفق ليجبرها على السير أمامه وهو لازال متمسكاً بخصرها فمشت لتجده يتوقف أسفل ذلك المستطيل المعدني لتتوقف هي رغماً عنها لتشعر بالإرتباك بغرسه لأصابعه بخصرها هكذا ثم تنقلت لتعتلي مفاتنها وشعرت بجسده يلتصق بظهرها لتتعالى أنفاسها لا تدري في إثا رة أم في ارتباك من طريقته الغريبة..
وجدته يدفعها أكثر نحوه لتشعر وكأنها تختفي تماماً بين ذراعاه المفتولتان وقوة لمساته لها بتلك الطريقة لا تدري أتشعرها بالرعـ.ـب أم بالرغبة..
"هي ايه الأوضة د.."
"هشش" قاطعها فهو ليس مستعداً لتلك التساؤلات الآن.. 
"متتكلميش غير لما أقولك يا نوري.. طول ما احنا هنا في الأوضة دي حاولي تسمعي كلامي عشان متعصبنيش وازعل منك"
همس بأذنها وأنفاسه الساخنة ونبرته الخافتة أشعرتها بالرعـ.ـب لا تدري لماذا وخاصة عنـ.ـد.ما وجدته يرفع يدها رغماً عنها ولكنها لا تدري لما يفعل ذلك!! لماذا بدأ في تثبيت يدها الآن بتلك الأصفاد؟ أسيحبسها أم ماذا سيفعل؟ لقد أخبرها منذ قليل أنه لن يؤذيها.. إذن لماذا يفعل ما يفعله الآن؟ وماذا عنى بألا تُغضبه؟!
ازدادت أنفاسها في ارتباك خاصة عنـ.ـد.ما شعرت أنه ابتعد عنها بينما هو آخذ ينظر لجسدها ليخترقه بتلك الثاقبتين وهو يرسم في خياله تلك العلامـ.ـا.ت التي ستبدو رائعة للغاية على ذلك الجسد وتلك البشرة الحليبية!! هكذا فكر هو!!
خلع قميصه القطني تابعاً اياه ببنطاله وهو يتطلع تلك الفريسة أمامه، ابتسم وهو يُطلق زفرة براحة لإقترابه مما أرادت منذ أن رأى يُسري وكريم وبالنهاية تلك العاهر* تان!!
هو يدري أنها ليست مثل أي منهن، لم تخطأ بحقه ولم تكن فتاة تريد بعض الأموال، لم يسألها على موافقتها على كل ذلك، براءتها لن تستطيع مواكبة ما سيحدث لها، نعم يشعر بالذنب تجاهها وهو نادم مقدماً على ما سيرتكبه بحقها ولكن غضبه ولوعة شعور الإنتقام بداخله كانا أكبر من كل ذلك!
أقترب منها لتشهق هي بخفوت عنـ.ـد.ما ارتطمت بصدره وسرواله القطني الذي شعرت من خلاله بجسده الذي لامس آخر خصرها ليبدأ جسدها في آخذ حركات غريبة لا تدري أهذا بسبب عدم راحتها بذلك الوضع أم لملامسته اياها بتلك الطريقة الجديدة!!
لامس مفا تنها بإحدى يداه وهو يوزع العديد من القبلات على عنقها تاركاً أنفاسه المحمومة لتجد خلاصها على جسدها الذي لم يعشق مثله من قبل بينما يده الأخرى جمعت شعرها للناحية الأخرى حتى يُتيح له مساحة أكبر ليقبلها..
انخفض بقبلاته على وادمج البعض من العضات الخفيفة التي لم تكن قاسية بقبلاته لتجد هي نفسها توصد عيناها في استمتاع بكل ما يحدث، نعم كل ذلك جديد ولا تدري لماذا آتى بها لهنا ولكن حتى الآن كل ما تشعر به يفوق وصفها ويفوق تخيلها..
ابتعد عنها فجأة لتشعر هي بالفراغ والإنزعاج لتركها هكذا وفتحت زرقاوتاها لتتلفت باحثة عنه في تساؤل ولكنه أوقفها بصوته الرخيم
"متتحركيش يا نوري.." 
نهاها وإلي الآن لازالت نبرته لينة معها فهو لن يخاطر بإهانتها أو التحدث لها بقسوة.. يكفي ما سيفعله بجسدها، يكفي أنها ليست كمثل تلك العا* هرات وبالطبع لم تكن ليلى!!
أقترب ليقف أمامها وأخذ ينظر لها نظرات مفترسة ضارية لم تفهم هي معناها، ازدردت من تلك النظرات التي أخافتها وعيناها امتلئتا تساؤلات له ليشعر بالمزيد من النـ.ـد.م داخله والذنب ولكنه لم يعد قادر على التوقف أمامها هكذا، تلك الزرقاوتان تقـ.ـتـ.ـله وتلتهم كل ذرة شعور بداخله ليُدرك أنه سيظلمها مجدداً ولكن تلك المرة شعر بقلة حيلته أمامها وحتمية فعل ذلك معها هي وحدها..
لاحظت تحرك يده لتخفض بصرها لتتفقد ما الذي سيفعله لتلاحظ قطعة من القماش تبدو حريرية أو مصنعة من الستان سوداء اللون، لا تدري، وارتفع بها حتى أمسكها بيديه الاثنتان واضعاً اياها على عيناها وربطها خلف رأسها ليرى ارتباكها الواضح وأنفاسها التي تعالت في ارتباك شـ.ـديد فأقترب من شفتاها ليهمس أمامهما
"متخافيش.." 
أخذ يتنفس أنفاسها بينما أنفاسه ورائحته جعلاها تفقد القدرة على تحديد ما تشعر به، هي تشعر بالإرتباك ولكن لا تريده أن يبتعد..
مرر احدى أنامله على شفتيها ليفرق بين تلك الكرزيتان اللاتي سلبتا لبه منذ أن وقعت عيناه عليهما لينخفض بأنملة سبابته لذقنها ومنها لعنقها، تلك التحركات بذلك البطئ تجعلها تشعر وكأنها تُعذب، تريد المزيد منه، تريد أن تضمه إليها وتقبله ولكن لم تستطيع بتقيدها هكذا وكلما أقتربت من شفتيه التي تتبعها خلال أنفاسه المحمومة المنهالة عليها تجده يبتعد للخلف..
أخذ يمرر سبابته ببطئ شـ.ـديد حول هضابها الوردية وهو يبتسم في راحة بما يراه، كان ذلك الحل الوحيد لأن تتقبل ما سيفعله بها، عليه أن يمزج الآلام بالمتعة حتى لا يفقدها بعدما ينتهي، هو لا زال غير مُدركاً ما قد تفعله معه وماذا ستشعر بعدها ولكنه لن يتراجع الآن!
أنخفض بأنملته ليتبعها بأنفاسه الساخنة التي زفرها على جسدها وهو يشعر بتلك القشعريرة التي تسري على جسدها ليتأكد من استجابتها ثم أكمل ما يفعله حتى وصل للمزيد منها وتحديدًا اكثر ما سيجعلها متجاوبة معه ليجلس على ركبتيه وأخذ يُلاطف أنوثتها ليتيقن من تقبلها لما سيفعله بمرضية هائلة فيما بعد..
آناتها الخافتة، تحركها العفوي أسفل سبابته، تلك المشقة التي ظهرت عليها عنـ.ـد.ما حاولت أن تقترب منه ولكنها لم تستطيع، كل ما تفعله تلك الصغيرة به لطالما أرضاه بشكل ما..
لا ترى شيئاً، لا تشعر سوى بإلتهامه لها في نهم شـ.ـديد ويداه اللاتي يُمسكان بخصرها بشـ.ـدة بعد أن حاوطها بذراعيه بإحكام لينتهي الأمر بقدميها مثبتتين فوق كتفيه، تشعر وكأنها تُحلق، لم تعد تستطيع التحكم بصرخاتها من كثرة االنشوة التي تشعر بها!! بينما كان هو يُعد لساديته التي تنتظر إشارة البدء!
نعم.. هي تصرخ الآن، هذا ما أراد سماعه منذ أن رآها بالسيارة، جسدها ذلك الذي يطالبه بأن يخلصه من عناءه، يشعر بتورد وجهها وارتفاع حرارة جسدها بين يداه وسالت استجابتها ولكن لا لن يكون اليوم بتلك الرحمة!
تركها فجأة لتزفر هي في إنزعاج، لقد قاربت على الخلاص، لماذا فعل بها ذلك؟! سمعته يتجول خلفها، ماذا سيفعل الآن؟ لماذا وضع عصابة العينان السخيفة تلك على عينيها؟ تريد أن تراه وترى تلك الملامح التي تُربكها، بالرغم من نظراته الغريبة ولكنها أصبحت عاشقة لتلك الملامح بكل ما تحمله من غرابة!!
أقترب منها لتشعر لملامسته لظهرها وشعرت بشيء ما وكأنه يُدلكها به، لا تدري ما هو ولكن شعور لمساته الدافئة تلك أصبحت لا تعشق سواها، تلويها أسفل يداه اللاتي مرا عليها، لو فقط يأتي الآن ليُقبلها ستكتمل متعتها ولكنه لماذا يُصمم على الوقوف خلفها اليوم؟!
كان ذلك الحل الوحيد أمامه حتى لا يشعر بالذنب أكثر، ذهب ليُحضر أقل ما شعر أنه سيسبب ضرراً لها وهو الحزام الجلدي فهي لن تستطيع التعامل مع كل تلك الأدوات بعد..
 أحضر أيضاً مخدراً حتى يخدر جسدها موضعياً وهو يتمنى بداخله ألا تشعر بشـ.ـدة الضـ.ـر.بات، سيحاول أن يقنع نفسه أن صراخها ليس صراخ متعة وشبق، سيحاول أن يوصد عيناه وسيدع نفسه يظن أنها صرخات آلم ليس إلا..
ألقى بالحزام أرضاً ليجدها ترتجف بجسدها على اثر صوت ارتطام الحزام ليعقد هو حاجباه في غضب تجاه نفسه ثم أقترب منها ليوزع المخدر على جسدها..
أنتهى من توزيع ذلك المخدر الموضعي على تلك المناطق التي ستنال من ساديته الضارية ثم توجه ليقف أمامها وهو يقبلها بنعومة ليشعر بإحتياجها الشـ.ـديد لتلك القُبلة فابتعد ليهمس أمام شفتيها
"متكرهنيش يا نوري.. أنا لسه زي ما أنا.. أنا محتاجك اوي النهاردة.. استحمليني" 
شعر بالإمتنان لعينيها اللاتي لا تراه، لا يستطيع أن يكون أمام من سيعذبها بهذا الضعف، لم تحدث له من قبل، لماذا كل شيء معها مختلف؟!
ما ذلك الذي تحدث به؟ ولماذا يطالبها بأن تتحمله؟ ما الذي سيفعله معها اليوم؟! شعرت بالارتباك والتـ.ـو.تر وهي لا تراه هكذا وتعالت أنفاسها بوجل من القادم..
التهم شفتيها بين شفتاه بمنتهى القسوة ليوصد عيناه لأنه قد قرر أنها آخر قُبلاتهما ليطيل بها قدر ما استطاع، لن يستطيع التحكم بقسوته بعد كل ذلك التريث، لن يهدأ إلا عنـ.ـد.ما يستمع لصراخها، يريد أن يبدأ معها، لن يستطع التحكم بنفسه ونفاذ صبره أكثر،  كل ما يراه ويلمحه منها يأجج براكينه حتى وجب أن تندلع عليه، تلك البراءة بعينيها المتوسلتين يُعذبانه وهو لم يعد قادراً على النظر لها دون أن يُظهر القليل من حقيقته المُعقدة والمُختلة أمامها!!
لا تستحق هي كل ذلك ولكن لسوء حظها قد أحبها، لقد أصبحت شعاع النور الذي يتشبث به في عتمته الحالكة، ذلك المزيج من البراءة والطيبة قد تملكه، ولكنها لم تدرك أن عليها تحمل ما لا تتحمله امرأة أخرى..
ابتعد عنها ليجدها تشهق بعنف وقد تغير لون وجهها من اختناقها بقبلتهما، رأى احدى الجروح بشفتها السفلى ليبتسم بانتصار وتلذذ ثم أمسك بذلك الحزام الجلدي الذ ألقاه منذ قليل ليتوجه خلفها ورفع يده ليبدأ بما تمناه طوال الشهور الماضية!
تردد بداخله لبُرهة وارتبكت أنفاسه للحظة وهو يُقبل على أول جلدة ولكنه أزاح هذا الفكر بعيداً محاولاً أن يتخلص من ذلك الخوف الذي بداخله وشعوره بالذنب ونفضهما عن عقله لينهال على جسدها بأولى جلداته ولكنه لم يشعر بنفسه حينها..

لو فقط رآى نظرة الخوف والرعـ.ـب بعينيه، لو يلاحظ تلك الإرتجافة بيده التي تجرأت على أذيتها؛ لو يلمح جبينه المتعرق فزعاً مما يفعله، لو يستمع للهاثه وجلاً، لو نظر لملامحه التي شابهت ملامح طفل مرتعب من عقاب والده له، من عذاب هؤلاء الرجال الذين يصاحبون والدته، من تلك القسوة المريرة بعيني والدته التي تُبدد بها براءة ذلك الطفل الصغير الخائف الذي ليس له ذنب بتلك الصراعات والمشاحنات بين والديه، لو يرى ذلك الطفل الذي قد مـ.ـا.ت منذ سنوات عدة ودفنه بداخله لم يكن ليفعلها أبداً.

صرخت هي في خوف وآلم من تلك الجلدة التي تهاوت عليها ولكن ما سببها؟ ما الذي فعلته حتى يفعل بها ذلك؟ لا تدري بعد ولا تفهم ما الذي دفعه للقيام بضـ.ـر.بها؟ هي متأكدة أنها لم تخطأ، متأكدة أنها لم تغضبه، لماذا إذن عاد ليعاملها بتلك القسوة التي ظنت أنها انتهت للأبد؟ أكانت مُخطئة بحقه؟ أحقاً تركت نفسها لتقع بالحب مع رجل لا يحبها؟ أحنث بوعده لها؟ أتخلى عن وعوده وعاد ليصبح فظا غليظا مثل تلك الأيام التي آلمها بها؟

ولكن هذا خطئها.. لقد قررت بداخلها ودمعتها تنساب على خدها في صمت.. هذا ذنبها، لقد تتبعت مجرد سراب طوال نهارٍ اشتد لهيبه لأشهر وعنـ.ـد.ما توقفت أخيراً لتلمس وتصل تلك المياة التي ظنت أنها ستروي عطشها وجدته مجرد بقعة من ظلامٍ فارغٍ خاليًا من كل ما تمنت أن تجده عنده..

"اتكلمي يا نورسين وجاوبيني.. حاسة بإيه؟!" 

همس بين أسنانه المتلاحمة وهو يرتجف لا يدري خوفا أم غضبا بينما شعر بتلك الحُرقة بثاقبتيه التي انهال عليها قطرات تعرق جبينه ولكنه لم يكترث وامتلئ وجلا من ردة فعلها

"مش عارفة" 

همست مُجيبة وهي تحاول أن تداري بكائها وتكتمه، هي لا تدري أتشعر بالآلم فقط أم بالخوف أم بخيبة أملها به، أم بالنـ.ـد.م لأنها قد أحبت هذا الرجل بل هي زوجته!!

"اتوجعتي؟!" صاح بنفاذ صبر محاولاً أن يلتقط أنفاسه

"ايوة.. ايوة اتوجعت.. أنا مش عارفـ.. أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا معملتش حاجة غلط تاني.. احنا كنا اتفقنا، أنت عايز ليه تفكرني باللـ.."

"هشش"

قاطع تلك الكلمـ.ـا.ت التي هشمته وهي تنطقها بتلك الطريقة التي جعلته يُدرك كم هو ظالما بحقها وفداحة ما فعله وألقى بذلك الحزام بيده على الأرضية ثم هرول نحوها وهو يشعر بالنـ.ـد.م الشـ.ـديد، لم يستطع أن يُكمل، يدري أنها ليس لها ذنب بكل ذلك، ليس لها ذنب بأن تقع بالحب مع شخص مثله، لم يكن لها يداً بكل تلك الظُلمة بداخله، نورها البريء الساطع ليس مسئولا عن إنارة تلك العتمة الحالكة التي حولت البدر لظلامٍ دامس.

حل ذلك الوثاق من على عينيها لينظر لها في ارتباك وما إن رآى تلك الأعين الدامعة اهتز بداخله وشعر بزلزالٍ مرعـ.ـب لم يستطع الصمود خلاله لينهار أمام حبات اللؤلؤ التي تتناثر على وجهها بلا إنقطاع!

أقترب منها وهو يحرر يداها من تلك الأصفاد الجلدية ليشعر بشهقاتها التي تعافر حتى تكتمها ومن قبل لم يسمع بكائها بتلك الطريقة التي تبكي بها الآن.



لقد امتلئت إنكساراً، قلة حيلة، وهنا، ضعفا شـ.ـديدا، وهيبة أمل ورجاء، ولكن ما كان يرتعد منه هو ذلك الشعور الذي سيطر على ملامحها بأنها تشعر بالخيانة والغدر، نحيبها الخافت يصـ.ـر.خ بأنها قد أُذيت من أكثر من كانت تطمئن معه وتشعر معه بالأمان، تلك الصدمة البادية على وجهها وخيبة الظن التي كست عيناها لم تكن مثل المرات السابقة!! هو يُدرك الآن أنه لن يستطيع تعويضها أبدا عن كل ذلك..

"ليه؟؟ ليه بتعمل فيا كده؟! أنت رجعت زي الأول ليه؟"

همست لينهار هو من داخله من تلك النبرة المهتزة التي عكست كم تحطمت هي بداخلها عنـ.ـد.ما فعل بها ذلك ليقف هو كالمشلول تماماً ولا يدري من أين له أن يتحدث لها ويبدأ معها بالكلام!!

"أنا.. أنا بس كنت محتاج أعمل كده عشـ.." تلعثم ثم ابتلع في خوف وهو يزجر نفسه، أحقاً فكر أنه كاد أن يُبرر لها فعلته؟

"أنا آسف!" أخبرها هامسا ولأول مرة يفعلها مع إمرأة يعذبها، بين قسوته تخللت عبـ.ـارة اعتذاره لها ثم جذبها لتستقر رآسها على صدره لتجهش بالبكاء ولأول مرة لم تبادله العناق ليشعر بتلك الفجوة التي عكست جرحها الشـ.ـديد بما فعله بها وهو لا يدري كيف سيعمل على أن يداوي ذلك الجرح حتى يلتئم!!

"أنا بحبك اوي، حبيتك بجد، ليه عملت فيا كده؟!" صرخت بين بكائها المرير وتلك النبرة عبرت عن مدى آلامها، ليست الجسدية بل خيبة ظنها الشـ.ـديدة به..

"مش هاعمل كده تاني.. اهدي"

ربت على ظهرها وهو لا يدري كيف له أن يتصرف ثم حملها بين ذراعاه وهو لا يزال يشعر بإرتجافاتها على صدره ولاحظ أن تشبثها الذي اعتاده لم يكن مثل السابق ليلعن نفسه ويلعن كيف هو ليُعرضها لكل ذلك!

❈-❈-❈


توجه لغرفتهما ليريح جسدها على السرير ثم اسدل الغطاء على جسدها ليراها تتضم ركبتيها لصدرها في وضع الجنين كمن تريد العودة لأحشاء أمها، الإنكسار التي بدت عليه كان يفوق احتماله، لم تنظر له نهائيا ليشعر بالمزيد من الغضب تجاه نفسه ثم دلف بجانبها أسفل الغطاء ليحتضنها لصدره وهي حتى لم تمنعه ولم تستطع منع بكاءها كذلك!!

أيظن أنه ببضع لمسات واعتذار سيعوضها؟ ألا يدري أنه ذكرها مجدداً بكل شيء؟ بمّ كان يُفكر عنـ.ـد.ما أقدم على ما فعله؟ لماذا يُحملها ذنب ليس بذنبها؟ هو يعرف أنها ليست ليلى، يُدرك أن ليلى أحبت كل ذلك من أجله، أصبحت خاضعة له وأجبرت نفسها على تحمل هذا فقط من أجل أنها تُحبه بشـ.ـدة، يدري أيضاً أن نورسين تُحبه هي الأخرى ولكن بدايته وعلاقته بليلى مختلفة كثيراً عما هو به مع تلك البريئة..

ليلى كانت ناضجة للغاية، تُحبه بجنون، لم يُعاملها مثلما عامل نورسين، لم يخطأ بحقها أبدا، أما تلك الفتاة التي تحملت قسوته وعنفه ما ذنبها أن يُخرج عليها ذلك الكبت الذي تزايد بداخله؟

قربها لصدره أكثر وكأنه هو من يحتمي بشعاع نورها المُضيء من تلك الظلمة بداخله التي تُعذبه عذابا لا نهائيا طوال حياته ثم أوصد عيناه لتعم الظُلمة الحالكة مجدداً بعقله وهو يتذكر أشـ.ـد وأعنف تلك المرات التي تعرض بها للعذاب من كلا والديه..

"طلقها، حـ.ـر.ام عليك أُمي وأخواتي ذنبهم ايه إنها تيجي كل شوية البيت وتعملنا مشاكل" صاح بدر الدين بحُرقة بعد أن غادرت وفاء لتوها وهي كالعادة قد خاضت بمجادلة كلامية عن حصولها على الطـ.ـلا.ق.

"أنت فاكر بقا عشان رجليك شالتك هتيجي تقولي أعمل ايه ومعملش ايه؟! بس تمام أنا هحللك المشكلة دي ومش هاتشتكي منها تاني أبدا" تسائل صابر بتهكم ليبتسم ابتسامة ساخرة ثم توجه للخارج وهو يدلف سيارته ليتبعه بدر الدين في غضب شـ.ـديد ثم دلف بجانبه

"أرجوك كفاية المعاناة اللي أمي واخواتي عايشين فيها بسببها، طلق الإنسانة دي بدل المشاكل اللي كل شوية بتيجي تعملها هنا"

"تمام!! أنا هاعمل حاجة كويسة اوي عشان أخلصك وأخلصها" ابتسم بإقتضاب ثم توقف ليهاتف وفاء من احدى الهواتف بالسنترالات العامة

"هاعدي عليكي كمان ربع ساعة تنزليلي.. مش عايزة تطلقي بردو؟"

انطلقوا ليكملا الطريق بعد أن أنهى مكالمته بهدوء وبدر الدين لا يُصدق حقاً ما سمعه للتو بأذنيه؟ أسيطـ.ـلقها؟ بمنتهى السهولة هكذا؟ بعد سنوات من الجدال والصراع أكان كل ما عليه فعله أن يتحدث معه بذلك؟

أخذ يُفكر وهو بجانب والده، مرت تلك الدقائق بسرعة ولكن بنفس الوقت سأل نفسه لماذا أستجاب له هذه المرة؟ أهذا لأنه أصبح بالواحدة والعشرون من عمره؟ لربما يُدرك أباه الآن أنه أصبح رجلاً ويستطيع أن يعتمد عليه؟ حقاً لا يدري ما الذي يحدث له حتى يوافق بهذه السهولة!

دلفت وفاء السيارة بالمقعد الخلفي بمنتهى الزهو والخيلاء وهي تضيق عيناها وتحاول النظر لصابر خلال المرآة الأمامية وابتسمت تلك الإبتسامة الجانبية ثم صدع صوتها

"وأنت ايه اللي غيرك فجأة كده.. الحنية دي كلها منين؟!"

"ابنك يا هانم خلاص بقا راجـ.ـل وعايز يخلصك من الهم اللي أنتي فيه، رجليه شالته خلاص.." تحدث صابر بسخرية لتعقد هي حاجباها ثم أطلقت ضحكة خافتة متهكمة

"لا بجد.. من امتى أنت بتربي رجـ.ـا.لة يا صابر يا ابو البنات؟!" تعالت ضحكتها بنبرة مستفزة "ولا عشان حتة العيل اللي خلفته على آخر الزمن فاكر نفسك عندك راجـ.ـل.. أنت طول عمرك شورة نسوان ولا نسيت"

"
بقا أنا شورة نسوان!! أنا هوريكي بقا شورة النسوان"

لم يُصدق بدر الدين أنهما يتجادلا مجدداً، لا يدري لماذا يفعلا به ذلك؟ إلي متى سيظل يستمع لتلك الجدالات؟ وإلي أين يتجه والده؟ هذا ليس طريق مأذوون ولا محكمة، إلي أين هو ذاهب على كل حال؟

صف السيارة أمام مبنى غريب، لم يأت هنا يوماً بعمره، يبدو وأنه من تلك المباني التي تخص الدولة بدا كسجن ما أو يخص احدى المراكز الأمنية ولكن بنفس الوقت يبدو قديماً وكأنه فارغ من الجميع، ما الذي يدفع أباه أن يأتي هنا؟

ترجل جميعهم من السيارة ليلاحظ إنتشاء غريب يظهر على ملامح وجه والده بينما زفرت وفاء في تآفف ثم صدحت بصوتها

"ده طـ.ـلا.ق ولا زيارة مسجون.. ما تخلصني بقا!!"

"هخلصك يا وفاء أنتي وابنك حالاً" ابتسم بتهكم ثم وقف على البوابة ليتحدث مع احدى الحرس هامساً وبالكاد استطاع بدر الدين تمييز الحديث

"محمد بيه.. كنت مكلمه على الموضوع... آه.. صابر الخولي.. تمام" هذا كان كل ما استطاع بدر الدين سماعه من كلمـ.ـا.ت والده الهامسة بينما وفاء وقفت على مضض تضـ.ـر.ب الأرض بذلك الحذاء ذو الكعب المبالغ به وذلك المظهر الذي لا يليق إلا بعاهرة!!

أومأ لهم ليتبعاه ثم دلفا خلفه ليمرا من البوابة الرئيسية وسمح لهم الحرس بالمرور بعد إجراء التفتيش المعتاد ولكن لم يستطع بدر الدين معرفة ما هذا المبنى!! لم يجد لافتة واحدة، هناك أسلاك شائكة حاوطت تلك الأسوار الشاهقة، العديد من البوابات الموصدة، منظر ذلك المبنى الداخلي الذي لم يتعدى طابقان ولكنه يبدو غريباً وكبير المساحة أيضاً..

دلفوا جميعا من احدى البوابات الأمامية التي بدت وكأنها البوابة الرئيسية لينظر لهم الجميع يتفحصونهم بغرابة بينما لاحظ أن والده يدرك إلي أين يذهب جيدا، فمن الواضح أنه أتى هنا من قبل..

دلف احد الأبواب التي لم يوضع بجانبها لافتات ليصافحه احدى الرجال الذي جلس خلف مكتب يبدو فخماً وتلك الغرفة بدت مُرتبة وكأنها تُستخدم كل يوم عكس ذلك المبنى الغريب!!

"صابر ازيك.." ابتسم بإقتضاب له ليومأ صابر أومأة من الواضح أن ذلك الرجل فهمها ليُنادي على الفور "حامد.." دلف رجل يبدو وأنه مساعد أو حارس لذلك الرجل الأول الذي صافح والده

"نعم يا باشا"

"وصل المدام وابنها وهنحصلك"

"تحت أمرك يا باشا" وقف الرجل ذاك المُسمى بحامد أمام كلاً من بدر الدين ووفاء الذي ظهرت ملامح الإنتظار عليه ولكن لم يشعر بدر الدين بالراحة لذلك الرجل وتوجس بنفسه لا يدري لماذا ولكن تبعه في صمت وهو يحاول ألا ينظر لوفاء قدر ما استطاع!

"وأنت بقا يا نُغة تعرف أبوك مودينا فين؟!" صاحت وفاء بتهكم ليسحق هو أسنانه غضباً وأومأ لها بالإنكار "صحيح حتة عيل مش عارف حاجة.. يالا ادينا هنشوف!"

سارا بأحدى الأروقة التي بدت وكأنها بلا نهاية ليهبطا درجا طويلاً ليسيرا برواق آخر ولكنه كان أقصر من ذي قبل ثم دلفا بغرفة لم تحتوي سوى على منضدة وكرسيان مقابلان لبعضهما البعض حولها ومصباح متواضع بالسقف بالكاد أنار الغرفة فجلسا وهناك بابا مُغلق بأحدى الأركان للغرفة وبدأ هو بالشعور بالغرابة عنـ.ـد.ما تركهما ذلك المدعو حامد وصفق الباب خلفه ليسمع صوت المفتاح به..

لم يستمع سوى طرقات حذاء وفاء التي لم يكره أكثر من صوتها التي امتزجت بأنفاسه الغاضبة ولم يواكب عقله الصراخ به بآمران اولهما أن هناك شيئاً ليس على ما يُرام، وثانيهما تلك الذكريات المريرة عنـ.ـد.ما كان يبكي لوالدته أن يذهب معها وألا تتركه بمفرده ولكنها كالعادة لم تكن تكترث له!!

زفر في آلم وحيرة بآن واحد، لم يكن عليه تصديق والده، لابد وأن هناك شيئا ما كي يقوم بإحضاره إياهما لذلك المكان الغريب!

بعد عدة دقائق دلف صابر وهو يبتسم بطريقة جعلته يزدرد بينما أقتربت وفاء منه على الفور في نفاذ صبر وهي متحفزة لأحدى الجدالات التي يبدو وأنها لن تنتهي على خير

"ايه.. جايبنا هنا عشان تحكي مع واحد صاحبك!! ما تخلصني بقا من العيشة المقرفة ووشوشكم اللي كرهتها دي بقا" صاحت له بجبروت

"ماشي يا وفاء.. أنا هخلصك حاضر وهخليكي أنتي بنفسك تتمني مـ.ـا.تشوفيش وش حد فينا!!"

اخبرها وهو يتوجه لذلك الباب الذي انزوى بأحدى الأركان لتتبعه هي في تحفز بينما صدح صوت والده ولا يدري بدر الدين لماذا شعر بالوجل والغرابة

"بدر الدين!" صاح والده ليبتلع وتوجه هو ناهضا نحوه ليقف خلفه وهو يفتح الباب الذي لم يستطع بدر الدين تبين الغرفة التي تقبع خلفه من شـ.ـدة الظلام بها..

دلف والده ليتبعاه كلاً منهما ولم يتبينا إلي أين هما ذاهبان من شـ.ـدة الظلام لتصدح وفاء في تآفف

"ما تخلصني بقا.. فين المأذوون ولا ايه المكان المُقرف ده؟.."

"هخلصك حالاً" اجابها بسخرية ليوصد الباب باحدى المفاتيح ثم أنار الغرفة لتتسع عينا بدر الدين في وجل مما رآه..

تلك المُجـ.ـسمـ.ـا.ت المعدنية التي تدلت منها الأصفاد هو يعلمها جيداً عنـ.ـد.ما عذبه من قبل على احداها، ولكن ما ذلك الجهاز الغريب الذي وضع باحدى الأركان وامتدت منه العديد من التوصيلات والأسلاك الغريبة التي بنهايتها ما يُشابه المساكات الغريبة!!

"أنا جاي هنا عشان اوريكي الفاشل اللي فكرتي إنك هتقدري تزقيه عليا وتخليه يطـ.ـلقك ويساعدك في وساختك زي ما انتي عايزة.. وعشان اكسره قدامك وأعلمه ازاي ميبقاش وسـ.ـخ ولا استغلالي زيك أبداً!"

تحدث بنبرته القاسية التي يعلمها بدر الدين جيدا لينظرا له وهو يُخرج احدى الأسلحة النارية ليهدد كلا منهما مشيراً لهما

"أنت أقلع قميصك وانت عارف هتقف فين كويس.. وأنتي بقا اتفرجي كويس عليه وا عـ.ـر.في إنك هتفضلي مذلولاي العمر كله، واللي هينطق فيكم بحرف ممكن اموته هنا عادي ومحدش هيعرفله طريق جرة!"

ابتسم بشر بينما ازدرد بدر الدين بخوف من تلك النظرة بعينا والده! فلقد حفظها عن ظهر قلب في كل مرة عذبه بها

"أنا مزقتش حد وماليش دعوة.. سيبني أمشي.. أنا مطلبتش حاجة منـ.."

ولم تُكمل ليصفعها صابر بشـ.ـدة حتى سقطت أرضا بينما توجه لبد الدين وهو يشير له بأن يوضع يداه بأحدى الأصفاد بنفسه ووجه ذلك السلاح عليه بعد أن لقم الزناد!!

❈-❈-❈


لم يدر متى تهاوت دمـ.ـو.عه وهو يحاول أن يكتم نحيبه بصعوبة وهو يتذكر كيف صعقه والده يومها، لقد عذبه ببطأ، لقد أهانه أمام والدته التي لم تكترث له ولم يلمح ولو نظرة شفقة واحدة بعينيها التي شابهت خاصته..

إلي الآن لا يزال يشعر بآلم ذلك اليوم، يرتجف بداخله ويحاول ألا يظهر عيله ذلك كلما تذكر تلك الصعقات الكهربائية المتوالية، صوت والدته وهي تخبر والده أنها لا تكترث وكل ما تريده هو المغادرة وسواء هو تدخل أو لا ستحصل على طـ.ـلا.قها منه رغما عن أنف الجميع، صدى صراخه بتلك الغرفة لا يزال يستمع إلي صداه، عنـ.ـد.ما غادر ذلك المكان الذي عرف بعدها أنه كان يُستخدم لتعذيب الخارجين عن الدولة أمنيا، يتذكر كم كانت حالته متدهورة وبالكاد أستطاع أن يأخذ خطوات حتى السيارة وبدا مدمراً..

لا زال يتذكر صرخات نجوى وشاهندة عنـ.ـد.ما شاهداه مترنحا غير قادرا على الوقوف، يتذكر كيف تحدثا لوالده يومها، يتذكر أيضاً أن كل ما أجاب به أن بدر الدين مجرد مستغل مثلها ويريد أن يعاونها حتى يأخذا منه الأموال ليس إلا..

كانت تلك المرة هي الأبشع على الإطـ.ـلا.ق ومن آخر المرات التي عذبه بها، شعر بالإهانة الشـ.ـديدة لأنها كانت تراه بعينيها ولم تكترث له على الإطـ.ـلا.ق، رآى أنه مهما فعل ومهما تقدم في حياته ومهما بلغ من العمر سيرى والده أنه يشابهها تماما، لم يدرِ إلي متى كان سيراه بمثل تلك الطريقة؟

الآن هو يدري جيدا ما الذي حدث له عنـ.ـد.ما شاهد كل من يُسري وكريم يتعرضان لتلك الصعقات.. يدرك ما الذي ماذا حدث له عنـ.ـد.ما رآى وفاء.. لا زال يشعر بإنكساره الشـ.ـديد منذ ذلك اليوم بتلك الغرفة، ولازالت وفاء تنظر له كطفل ولن تراه كرجل أبداً..

"أأنت.. أنت بتعيط ليه؟!"

همست نورسين ووجهها يبدو حزينا من أجله عنـ.ـد.ما رآته يبكي وكذلك من خذلانه لها ليندهش أنها بين حُزنها على نفسها تشعر بالحزن من أجله هكذا لتلامس هي وجهه بأناملها في رفق، ليفتح هو تلك الثاقبتان ولأول مرة ترى مثل ذلك الحُزن بعينيه وذلك الإنكسار الشـ.ـديد بهما.. فكما خذلها هو قد خذلته الحياة بقسوتها وعلقمها مرارا وتكرارا دون هوادة..

"سامحيني.."

همس بين بكاءه المرير على رجولته التي دُمرت على يد كلا من أبويه وفي لمح البصر اعتلاها ليُقبلها في رفق ولكنه لم يرد أن يبتعد عنها، يشعر بأنه يحتاج لكل ذلك الضياء والنور الذي يشع منها، لا يريد الابتعاد عنها، يشعر بالنـ.ـد.م لما فعله ولكن لا يستطيع أن يتعايش بكل ذلك الكبت والغضب بداخله! وترك مرضه بإيلام غيره والإستمتاع بالأذى الجسدي لمن أمامه يتحكم به؛ وبها!!

اعتلاها وبدأت يداه في العبث على جميع أنحناءاتها الأنثوية أسفله ولكن لمساته كانت عنيفة، ضارية كالوحش المفترس الأهوج، أصابعه تتغلغل داخل تلك الإنحناءات وعلم جيدا أنها ستترك علامـ.ـا.ت ستكرهها هي لاحقا.. ليس فقط الآلم الجسدي ما يبتغيه ولكن الآلم النفسي.. مثل ما عانى هو يريد أن تُعاني هي مثله..

لم يستطع أن يتوقف عن افتراس تلك الشفتين بهذه الطريقة المتوحشة، لم يستطع أن يكون ليناً بتلثيم عنقها، زادت حدة لمساته وقسوته وطريقته في مداعبتها لتتزايد صرخاتها أسفله ليُصبح هو كالأعمى وزادته تلك الصرخات رغبة مريـ.ـضة.. بينما زادتها هي رعـ.ـبا وخوفا منه ومن طريقته الهمجية..

قبض على نهديـ* ها في عنف شـ.ـديد حتى ظنت هي أنه سيخلعهما من كثرة اجتذابه لهما في قسوة لتصيح هي أسفله وهي لا تدري كيف توقفه وكادت أن تتحدث ولكنه قد غاب بين ملتقى سا قيها وأخذ يداعبها بمنتهى العنف والهمجية الشرسة التي لن تستطيع تلك البريئة أن تواجهها لتغيب هي في حالة  من الآلم لم تعرفها من قبل.. كان خبيثا معها هذه المرة، يريدها أن تغيب في حالة من النشوة كي تتقبل لاحقا ما سيوقعه بها من انتقام من كل ما واجه مع والدته ويسري وكريم كي تظن أنها مجرد ممارسة لا غير!

لعقها وهي تصرخ أسفله وجسدها يتلوى لا يدري في آلم أو في المطالبة بالمزيد مما يفعله وهي تظن أنه زوجها الذي مارست معه الحب من قبل ليُسلب عقله وهو يشعر بمدى سيطرته وهيمنته عليها فباعد بين ساقيها بحدة ليقبض على كل ساق بخشونة وقوة لا نهائية ودفن وجهه أكثر ليتعالى صراخها بصخبٍ وهمهمت هي بكلمـ.ـا.ت لم يستطع هو تبين ماهيتها!

أعتلاها ليُقبلها بشغف مرضي ولكن بقسوة حتى شعر بصرختها المتآلمة بين بفمه ليبتلعها ثم جذب رأسها للخلف لتصيح هي أسفله في آلم حتى فرق قبلتهما..

"أنت بـ.."

"سامحيني.. أنتي مالكيش ذنب" قاطع همسها ليهمس هو 

"استحمليني أرجوكي.. أنا عارف إنك مالكيش دعوة بكل ده بس أنا مش قادر.. أنا محتاجك.. مش محتاج غيرك يا نورسين.. أنا مبقتش شايف غيرك في حياتي"

همس ثم انهمرت الدمـ.ـو.ع من عينيه وهي لا تدري لماذا كل ذلك الحزن بعينيه ونبرة الآلم تلك تُغلف صوته وبنفس الوقت لا يتوقف عن ممارسة الحب معها بتلك الطريقة..

شعرت به يُخرج أصابعه وهي تائهة في حالة من النشوة والتعجب والآلم من ذلك العنف الغريب وتصرفاته السريعة التي كانت تتوالى في لمح البصر وقسوته التي يُعاملها به وفي نفس الوقت اخترقها بعنف بالغ حتى شهقت من ذلك الآلم الذي شعرت به يهتك أحشائها!

"أنتي مش عارفة أنا لو معملتش كده.. مش هاقدر أ.." 

تلعثم ولم يستطع إكمال ما ود أن يقوله ليدفع بها بسرعة شـ.ـديدة ليشعر هو برجولته تلامس أعماقها لتشهق هي في آلم وتصرخ مما يفعله بها

"براحة، أرجوك أنت بتـ.."

"مش هاعرف.. مش هاقدر.. أنا آسف" 

تحدث بلهاث بين شهقاته وهو يدفع بها بجنون ولم تتوقف هي عن الصراخ لتبكي هي الأخرى وهو لا يدري كيف يوقفها عن بكاءها الذي يُمزق فؤاده لأشلاء ليدفن وجهه بعنقها وقبض على كلتا ساقيها بمنتهى القوة واستمر فيما يفعله دون توقف..

ظلت دمـ.ـو.عه تتهاوى وهو يعاشـ ـرها بتلك الطريقة المُهينة بينما هي لا تستطيع أن تفعل شيئا، لا تدري ماذا به ولا تدري لماذا يفعل بها ما يفعله، هي تتذكر كل تلك المرات السابقة لم تكن بهذا العنف!

أوصدت عيناها وهي تبكي بتهاون وفي نفس الوقت شعرت بالحزن لأجله ولم تتبين لماذا يبكي بتلك الحرقة ورغما عن الآلم الذي تشعر به حاوطته بذراعيها لتهمس بأذنه

"متعيطش طيب.. أنا هاستحملك بس متعيطش. بالراحة أرجوك وكل حاجة هتكون كويسة" 

همست بنحيب وهي تشعر بقلبها يتألم من أجله وجسدها يتألم من قسوته المُفرطة ليجهش هو بالبكاء

"أنا مستاهلكيش.. مستاهلش حد بالطيبة دي.. أنا عارف إني غلطان بس.. بس مش عارف ابطل اللي أنا فيه"

همس بصعوبة بين بكاءه ليرغم جسدها على الإلتفات أسفله حتى أصبح ظهرها يقابل صدره وانسلت منها ليجبرها على الإتكاء على يديها وركبتيها وأمسك بها لتتغلغل أصابع يده بخصرها بعنف شـ.ـديد صرخت هي على أثره وأخترقها بقسوة لتصرخ هي حتى شعر بتألم حلقها..

أمسك بشعرها وظل يدفع دون رحمة، لم تستطع هي إلا الصراخ من عنفه الهائل، لا تشعر بالمتعة اليوم مثل ما عهدت كلما أقترب منها، آلمها كان أكبر مما يفوق تصورها، تعرف أنها تُحبه، تعرف أنها حزينة من أجله، ولكن ما يفعله معها قد فاق كل الحدود، لم تظن أبداً أن هناك ممارسة بتلك الوحشية والشراسة الشـ.ـديدة..

أقترب من أذنها وهو لا يزال متشبثًا بخصرها وزاد من حدة جذبه لشعرها الحريري حتى كاد أن يقـ.ـتـ.ـلعه ليجبر رأسها على الإنصياع للوراء بفعل جذبته لها وأصبحت أذنها أمام شفتاه

"حقك عليا.. أنا آسف.. مش هاعملها تاني.. بس المرادي أنا تعبان أوي، حاسس بحمل الدنيا كله عليا.. أنا لما بحس بكده ببقا عايز أعمل اللي بعمله ده.. استحمليني يا نورسين أرجوكي"

همس بين دفعاته التي أجبرت زرقاويتيها على الزوغ في تشتت شـ.ـديد وشعرت بنفسها ترتجف بشـ.ـدة وهو لا يزال مستمرًا ولم تستطع التحمل أكثر لترتخي يديها وسقطت على السرير ولكنه لن يتقبل هذا!

جذبها من خصرها محيطا اياه بذراعه ليجلسها مجددا راكعة ولكن جعل مفاتنها مقابلان لظهر الأريكة ودفع بها دون تهاون دفعات سريعة وبدأ هو الآخر في إطـ.ـلا.ق تآوهات امتزجت بتآوهاتها الذي لم يدرك هو أهي من النشوة الشـ.ـديدة أم من الآلم البشع الذي يُسببه لها..

دون أي إكتراث أو رحمه ترك لوحش ساديته زمام الأمور لتسيطر على كلاهما كي تُزيد من ظلام روحه، وتبدد ذلك النور الذي لطالما اتصفت هي به..

"أنا.. أنا.. خلاص.." 

أقترب من أذنها وهو يهمس بلهاث شـ.ـديد ولكن لا هو يريد أن يرى تلك الزرقاوتان وهي تهمس بأسمه..

نهض عنها ثم جذبها لتنهض هي الأخرى وأرغم جسدها على الدوران لينظر لوجهها الذي كسته الحُمرة الشـ.ـديدة والإرهاق الواضح عليه من كثرة آلام ما فعله بها ببشاعة ثم حملها وأجبرها على محاوطة خصره ورفع ذراعيها مجبرا اياها على معانقة عنقه لترتخي يدها  في إنهاك ليسحق هو أسنانه على ما فعله بها ولكنه لا يستطيع التوقف بعد أن انتصبت رجولته هكذا ولابد له من الشعور بالخلاص..

دفع جسدها واياه لأحدى الحوائط لتتآوه هي آلما من ذلك الإرتطام العنيف الموجع ونظرت له بأعين شارفت على فقد وعيهما ليحاوط هو وجهها ونظر لها في آسى لتتهاوى دمـ.ـو.عه ولكنه دفع بها مجددا بعنف..

"كفاية.. أرجوك" 

صرخت في إنهاك ولكن نبرتها لم تكن مثل قبل فهي لم تعد تتحمل أيا مما يحدث

"صرخي يا نورسين.. قوليلي إنك بتحبيني.. قوليلي إنك مش هاتبعدي عني.. أنا خايف تبعدي عني أوي" 

همس بمزيج من الخوف والرغبة بإيلامها ودفع بها بكل ما أوتي من قوة

"مش هابعد، أنا بحبك.. بس كفاية كده.. أرجوك.. مبقتش قادرة" 

همست في إرهاق وانهال جفنيها على عينيها في حالة شابهت الإغماء

"أنا كمان بحبك اوي، بحبك يا نوري.. بحبك ومقدرش أعيش من غيرك، أنا ظلمتك، أنا آسف.. آسف على كل حاجة عملتها معاكي وعلى كل مرة زعلتك فيها.. أنا مستحقش حبك ولا أستحقك.. أنا.. "

أخبرها هامسا وأوصد عيناه ليقترب من شفتيها مقبلًا اياها لتشعر هي بدمـ.ـو.عه بين قبلتهما لتبكي هي الأخرى من أجله حتى اختلطت دمـ.ـو.عهما ثم شعرت بإرتجافة جسده لتحاول التمسك بعنقه تقربه لها أكثر كي لا تسقط مستعينة بآخر ما يملك جسدها من قوة تحمل بينما دفع لمرة أخيرة ولكنها كانت أقوى مما سبقها لترتجف هي الأخرى ثم خارت قواها تماما ولم تشعر بعدها بأي شيء لتقع في حالة إغماء..
يا من على الحب ينسانا ونذكرهُ

لسوف تذكرنا يومًا وننْساكا

إن الظلام الذي يجلوك يا قمر

له صباح متى تُدركُهُ أخفاكا

- مصطفى صادق الرافعي

❈-❈-❈

مطلع يناير عام 2001...

أجهشت بالبكاء وهي وحدها بذلك المنزل الذي ابتاعه لها قبل سفره المزعوم!! تنظر بتلك الأماكن التي تشاركا بها ذكريات لا تُعد على إصبع اليد الواحدة قبل أن يتركها وذهب!! لماذا فعل ذلك؟ رآته بجبروته وقسوته ثم لينه وضعفه، أحبته في جميع أحواله، حتى بعد فقدانها للذاكرة ورعـ.ـبها منه عشقته بكل جوارحها، وبالرغم من تلك الليلة التي رآت منه ما لم تتخيله تقبلته، تتذكر أنها سألته مرارا لماذا بكى؟ لماذا أخبرها بأنه يحتاج لها؟ لماذا أعتذر مرارا وتكرارا على ما فعله ثم بالنهاية لم يُخبرها، ما كان السبب على كل حال؟ لماذا لم يُخبرها بشيء؟ لماذا لم تكن هناك لحظة وداع بينهما؟

ألهذا الحد طيبتها وعشقها لرجل أهانتها؟ أكان من الخطأ أن تُسامحه؟ أن تتقبل ذلك الوحش بأفعاله وبكل ما فعله بها كان نتيجتها أن يتركها ويذهب؟ لماذا التسامح خطأ؟ لماذا الطيبة بشعة إلي ذلك الحد المؤلم؟ لماذا حدث لها كل ذلك؟ فقط لأنها أرادت زوجا وقعت في عشقه لا تدري كيف ومتى كانت هذه هي النتيجة التي عليها تقبلها!!

سبعة أشهر من الإشتياق له، سبعة أشهر من ذلك العذاب الذي تحياه، لم تسمع منه ولو حرف واحد، لم يُحدثها، لم يطرق بابها، لم يحاول الوصول إليها، بل حتى لم يترك لها سبباً واحداً حتى تُشفق عليه بعد كل ما فعله بها ومعها!

ما تلك الأشهر التي مرت عليها؟ وما تلك الحياة التي تحياها؟ ما ذلك الرجل الذي وقعت بحبه؟ لم يكن سوى بدر في ليلة شتاء مُلبدة بالغيوم، أستتر وراء سحبها المكدسة، لم تراه ساطعاً ولو مرة، لم يتجل لها رؤيته بوضوح.. لطالما أختفى وأستتر بتلك الظلمة التي لم تستطع هي ولا غيرها بإنارتها..

ماذا كان يظنها؟ مجرد فتاة صغيرة قليلة الحيلة؟ ألهذا الحد هو الآمر الناهي حتى فيما يتعلق بمشاعرها؟! لم تُخطأعنـ.ـد.ما نادته بملك الكون!!

أنتي خائنة وإستغلالية، لم أكن ولكن لم يستمع!!

ستتعذبين، حسناً..

سأتزوجك وستكونين لي خادمة، سمعاً وطاعة..

طفلتي البريئة كل ما تريده أوامر لي، تبتسم تلك الطفلة وتفرح كالبلهاء..

هيا تناسي وتناسي وأرحِ بتلك الدمية ولا تحاولي التذكر.. آوامرك مُجابة زوجي العزيز..

فلتتحمليني قليلاً، أحبك وسأفعل..

أحبك ولا أريد الإبتعاد عنك، وأنا أيضاً..

لقد قـ.ـتـ.ـل يُسري والدتك وها هو حقك وأموالك وإرثك، يا مآمني يا ملاذي ماذا كنت لأفعل لولاك..

منزل جديد صغيرتي، شكراً حبيبي..

أتتذكر تلك الليلة عنـ.ـد.ما فعلت ما فعلته، لمّ كان ذلك؟ لماذا قسوت علي؟!، سأخبرك لاحقاً..

أستتركيني يوماً ما؟، لن أستطيع فعلها..

أستتركني أنت؟!! هل تستطيع فعلها؟!! نعم.. لقد فعلها.. بكل سهولة، دون سبب، دون وداع، فقط رحل، غادر، دون كلمة واحدة!!

فكرت بكل ما مر عليها معه، كل ما عاشاه سوياً، سبعة أشهر من الآلم والجراح، لم تجد مُسكنا سوى لدى شاهندة التي لطالما أعطت أخيها الأعذار الواهية وأنه سيأتي يوما ما بالنهاية..

لم تجد سوى الإنكسار بعيني نجوى وهي لا تدري كيف لها أن تخبرها بأن ابنها، قرة عينها، من تُحبه أكثر من أي شخص على وجه الأرض قد فعل ما لم يتوقعه أحد أبدا..

جففت دمـ.ـو.عها وابتلعت شهقاتها عنـ.ـد.ما سمعت رنين هاتفها لتجد المتصل فارس.. هذا الذي بدأ في أن يعوضها عن جزء لطالما بحثت عنه ولم تجده.. كان أخيها التي لم تمتلكه يوماً..

"ازيك يا فارس؟" اجابت بصوتها الحزين

"ايه يا ست البنات عاملة ايه؟ حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي بقا"

"وأنت كمان"

"كده بردو يا بت انتي متسأليش في أخوكي، لو متكلمتش متسأليش أنتي؟"

"معلش،حقك عليا، أنا مشغولة اليومين دول بمواضيع الشغل"

"ماشي يا نور!! ربنا يوفقك يا حبيبتي.. عاملة ايه بجد يا نور؟ بدر مكلمـ.."

"لأ مكلمنيش.. وأنا كويسة أهو، وأنا مش عايزة حد يجبلي سيرة الموضوع ده تاني.. ممكن بقا؟!" صاحت بنبرة هجومية شـ.ـديدة ليتعجب فارس

"طيب طيب خلاص اهدي.. حقك عليا يا ستي" تنهد فارس في قلة حيلة ثم أكمل "عايز أقولك إني جاي الشهر الجاي"

"طب وعملت ايه مع عمي؟"

"هاعمل ايه يعني.. مقداميش حل غير إني احطه قدام الأمر الواقع"

"طب وبسنت؟ لسه مضايقة؟!"

"هي مضايقة بس عرفت إننا مقدمناش غير الحل ده، أنا قعدت مع أهلها وطلعوا عيني وهي بصراحة وقفت جنبي وفي الآخر وافقوا.. هنعمل فرحنا بقا بعد لما اجي بإسبوعين.. طبعاً مش محتاجة عزومة انتي وكل اللي عندك"

"مبروك يا فارس.. أنا فرحتلك أوي والله"

"عارفة يا نور نفسي اخواتي وماما وبابا كانوا يبقوا معايا.."

"سيبها لوقتها وإن شاء الله الموضوع هيعدي على خير.. أهم حاجة متقولهومش غير قبلها بيومين تلاتة عشان باباك بس ميضايقش
"

"يضايق!!" صاح متهكماً "ده يا بنتي يوم ما عرف إنك متجوزة وبتحبي جوزك مقبلش وصمم أنه هيطـ.ـلقكوا بالإكراه ويجوزني أنا وانتي غصب"

أخبرها بعفوية لتدمع عيناها على ما قاله.. فهي تتذكر جيداً عنـ.ـد.ما ذهب فارس لمنزل عائلة بدر الدين أخبرته أنها تُحب زوجها وعنـ.ـد.ما سألها عنه أخبرته بأنه قد سافر لتوه وسيعود قريبا، كم شعرت بالآسى على نفسها لحظتها عنـ.ـد.ما تذكرت حقيقة سذاجتها بتلك الطريقة!!

"معلش يا فارس" أجابت بعد برهة من التفكير " ما أنت اللي حاكيلي بنفسك احنا عندنا جواز القرايب مقدس في العيلة.."

"يالا.. اهى كلها عادات منيـ.ـلـ.ـة.." اخبرها متنهداً "نور أنتي محتاجة حاجة بجد؟"

"لا والله يا فارس متحرمش منك كله تمام"

"بس والنبي يا نور لو احتاجتي حاجة تقوليلي.. أنا حاسس بصوتك اللي لسه زعلان بس علشان خاطري حاولي بقا تنسي.. بقا فيه بنوتة زي القمر زيك كده تزعل الزعل ده كله؟ وبعدين اطمني اني معاكي في اي قرار تاخديه وهتلاقيني اول واحد جنبك"

"من غير ما تقول أنا عارفة.." رن جرس الباب لتتعجب نورسين "معلش هاروح اشوف مين على الباب.. سلام دلوقتي.. وسلملي على بسنت كتير"

"يوصل.. خدي بالك من نفسك وكلميني في اي وقت"

"حاضر وأنت كمان.. باي.."

أنهت المكالمة وهي تشعر بالحزن، فحتى ذلك الشخص الوحيد الذي اعتبرته أخيها كان بعيدا هو الآخر.. توجهت نحو الباب لتتفقد الطارق التي كانت شاهندة ففتحت الباب..

"بنوتي الحلوة.. عاملة ايه؟!" تسائلت شاهندة بنبرتها التي تبعث السعادة في الجميع

"تمام" اجابتها بإقتضاب بعد أن بادلتها العناق.

"بصي بقا.. جو الكآبة اللي أنتي فيه ده مش هاسمحلك تستمري فيه أكتر من كده.. الأسبوع ده Shopping (تسوق) وبعد كده ننزل على الشغل، وخروج وفُسح و.."

"انتي بتاخديني على قد عقلي تاني يا شاهي مش كده؟ بتعامليني بنفس الطريقة اللي بدر عاملني بيها زمان!! عيلة صغيرة وطيبة تجيبلها حاجة حلوة وتقولها بص العصفورة تنسى الحاجة اللي مضايقاها" قاطعتها وهي تنظر لها بآسى وحزن جلي بتلك الزرقاوتان التي لم يبـ.ـارحها الهم منذ تلك الأشهر السبعة المنصرمة..

"أنا مقصدش أنا.." لم تدري شاهندة ماذا عليها أن تقول أو بمّ تُجيبها ثم تحولت ملامحها للحزن لتشرد نورسين بالفراغ فتنهدت الأولى وهي قررت بداخلها أنها لن تتراجع الآن

"بصي يا نور.. أنا من يوم ما شوفتك وأنا اعتبرتك بنتي أو أختي الصغيرة.. وكونك مرات أخويا فده مش هيخليني في صفه.. أنا لغاية دلوقتي والله العظيم ما أعرف عمل كده ليه، ومحدش عارف هو بيعمل ايه غير موضوع الشركة اللي فتحها في امريكا، ولولا أنك رافضة أنا كنت هـ.."

"خلاص يا شاهي.." قاطعتها وهي تنهض لتداري تلك الدمـ.ـو.ع التي انهمرت منها دون إرادتها

"متتكلميش كتير ولا تبرريلي اللي عمله ولا عايزة أعرف.. سيبيه وخليه براحته" ابتلعت غُصة ومرارة تلك الدمـ.ـو.ع بصعوبة لتحاول أن تُسيطر على نفسها قدر المًستطاع وبكل ما أوتيت من قوة فتشت عن رباطة جأشها بداخلها حتى وجدتها فحمحمت ثم أكملت

"هنعمل Shopping.. وأنتي هتساعديني في شركتي لغاية ما أفهم الدنيا.. أنا واثقة إني هاكون كويسة.. بس أنا محتاجة الزقة الأولانية لغاية ما أعرف اتصرف لوحدي" حاولت الإبتسام لها ولكن رغم عنها لم تقابل الإبتسامة عيناها لتنهض شاهندة نحوها وعانقتها في حب

"زقة أولانية.. ده أنا أزقك العمر كله كمان لو عايزة.. كل اللي أنتي عايزاه هاعملهولك.. وإن شاء الله هتكوني أنجح Business Woman (سيدة أعمال) في الدنيا"

"إن شاء الله"

"طيب خشي يالا خدي shower كده والبسي ويالا بينا"

"حاضر يا شاهي" ابتسمت لها ثم غادرتها لغرفتها حتى تستعد للخروج!

❈-❈-❈


"لو سمحتي يا شاهندة قولتلك إني مش عايز اتكلم في الموضوع ده" صرخ بدر الدين بهاتفه بمنتهى الغضب

"مش عايز تتكلم.. هاحكيلك بعدين.. سيبيني اخد وقتي.. لغاية امتى؟ هتفضل سايبها كده لغاية امتى؟ كانت عملتلك ايه؟ عملتلك ايه يا بدر عشان تعمل فيها كده؟ بنت في سنها ده حـ.ـر.ام اللي بيحصلها، ذنبها ايه؟ فهمتها غلط واتجوزتها غصب واتعرضت لإنهيار عصبي وسامحتك وفي الآخر تسيبها! ذنبها إيه فهمني؟"

"مش ذنبها، ذنبي أنا.. ارتحتي؟ مبسوطة دلوقتي؟ ذنبها إنها حبت إنسان مش سوي، إنسان معقد.. مكنش قدامي حل غير إني ابعد عنها" صرخ مرة أخرى بحُرقة وهو يتذكر كل ما مر عليه مع نورسين

"ليه مش سوي.. ما أنت كنت عايش مع ليلى ومبسوط.. وشوفتك بعيني وأنت مبسوط معاها.. ليه جي دلوقتي تقول كده؟ ده أنت يا أخى مقعدتش معاها قد ما سيبتها.. حـ.ـر.ام عليك تـ.."

"ارحميني بقا!! ارحميني! ليه شايفني كلكوا إني وحش، ليه محدش فاهمني" صرخ مقاطعاً اياها "أنا فعلاً حـ.ـر.ام عليا إني أكمل معاها، حـ.ـر.ام أظلمها أكتر من كده.. دي.. دي ملهاش ذنب في اي حاجة" لانت نبرته لتتحول لنبرة مليئة بالإنكسار

"بدر هو ايه اللي حصل بينكم بالظبط؟!" تراجعت شاهندة عن حدتها ولانت نبرتها عنـ.ـد.ما شعرت بإنكساره "بدر أنت بتعيط؟!" شعرت ببكاءه ليتمالك هو نفسه بصعوبة

"هكلمك تاني.."

أنهى المكالمة لتنهمر دمـ.ـو.عه مجدداً رغماً عنه، سبعة أشهر وخمسة أيام وثلاثة ساعات وست دقائق وهو لم يرى تلك الزرقاوتان، لقد ظن أن عيناها هي عذابه الأبدي، لم يكن يدري أن بالبعد عنها سيجد أنهما جنتاه..

أشتاق لها، لعبيرها وضحكتها البريئة، أشتاق لتلك الطفولة التي لم يحياها سوى معها، تلك العفوية والطيبة، سهولة وبساطة كل شيء معها، حيوتها وخجلها الذي خلبا عقله، عناقها الذي كان ينتظره طوال اليوم بفارغ الصبر، تمنى لو عانقها مرة واحدة فقط.. لو يمر بجانبها دون أن تراه، لو فقط يستطيع دفن وجهه بصدرها ويجهش بالبكاء ليشتكي لها لوعة ذلك العذاب الذي يحياه منذ أن ابتعد عنها!!

لقد كان غـ.ـبـ.ـياً بقراره، لماذا تركها؟ يبعثره الإشتياق كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة، اشتاق لذلك النور الذي تبعثه به وتبدد به ظلمته، أين له به الآن؟!

تؤلمه وحدته، وحشته بتلك الليالي الحالكة التي غاب بها نور قمره الذي يهديه لطريق الصواب تجعله يتمنى الموت كل يوم، لم تعد تسطع شمس ضحكتها البريئة لتخلصه من كل تلك المشقة التي يعانيها بكل ثانية تمر عليه دون تواجدها بجانبه..

ماذا كان عليه أن يفعل؟ كان ذلك الحل الوحيد منذ أن أدرك ما فعله معها.. منذ تلك الليلة وهو لا يستطيع أن ينظر لها دون أن يشعر بالخوف والذنب في آن واحد، علم جيداً أن ظُلمته وقسوته لن تليق بتلك البريئة الصغيرة.. هي تستحق من هو أفضل منه، لن يستطيع أن يُدنس تلك البراءة والشفافية بتلك التلطخات السوداء القبيحة التي إذا واجهتها بأكملها ستدمر حتماً لا محالة..

لقد مثلت له الحب وهو من روي من الكراهية طوال حياته، لقد كانت كضوء قمر ساطع وهو عاش بالظلام طوال حياته حتى أصبح ونيسه الوحيد، لم يرى في طيبتها ونقائها بينما عاش هو قاسياً طوال عمره يُعذب النساء ويتلذذ بعقاب من أخطأ بحقه، هي تستطيع أن تُسامح بسهولة ولقد فعلتها معه، بينما هو لا يُسامح ولا يغفر أبداً.. كيف للظلام أن يحيا بذلك النور الساطع؟! كيف للطيبة مجاورة القسوة؟ كيف للحب أن يجتمع بالكراهية أسفل سقف واحد؟!

تنهد وهو يوصد عيناه وآخذ يدخن سجائره في صمت مرير حوله بينما تلك الصرخات التي عذبته بداخله لا زالت مستمرة، عذاب والداه، فقدان ليلي، ابتعاده عنها وعن كل ما أحبهم يوماً ما، كيف لكل ذلك الدمار أن يعمر مرة أخرى؟؟

للحظة اطمئن أن ابن عمها قد غادر منذ شهور دون أن تحدث أية مشاكل، ابتسم بإقتضاب عنـ.ـد.ما أخبرته شاهندة عن كل ما حدث وكيف أخبرته نورسين أنها تعشق زوجها ولم يُغصبها أحد على شيء.. شعر بالأمان أنها لازالت تذهب مع السائق والحرس الذين عينهم لها قبل مغادرته بأيام، لايزال يعلم متى دلفت منزلها ومتى غادرت، لقد فعل ذلك من أجلها لأنه لا يأمن مكر وفاء، كما أنه لا يزال يتألم لأنه يعلم أنه سبب دمـ.ـو.عها التي لا تتوقف، كم يتعذب بمعرفة حزنها، لو فقط يُخبره أحد أنها بخير واستطاعت أن تنساه لربما أصبح حاله أفضل!! لماذا عليها أن تحبه بتلك الطريقة؟ متى ستنساه وستعيش حياتها؟

لا هو فقط يكذب على نفسه، لن يكن بخير أبداً، هذا هو قدره وليس له يد بذلك، ربما هو حظه الذي شابه ظلمته قد أوقعه بحب فتاة لا تستحق وغد مثله، كان عليه أن يبتعد هو، كان عليه أن يبعد تلك الظُلمة، لقد ابتعد وها هو ينتظر سطوعها مرة أخرى..

صدح هاتفه بالرنين ليذكره بموعدا هاما قد ظل مداوما عليه منذ سفره، لربما سينتهي في النهاية من جزء من ذلك السواد، مجرد محاولة لن تضره بشيء أكثر من ذلك الضرر الذي تجرعه طوال حياته!!

نهض ثم ارتدى سترته وحمل هاتفه ومفاتيحه ثم ذهب ليكن بالموعد المحدد وحتى لا يتأخر لربما يجد حلاً لكل تلك الصراعات بداخله.. فمكوثه بمصر لم يكن ليحل تلك الأزمة التي عانى منها منذ صباه!

❈-❈-❈


دلفت تلك الغرفة التي امتلئت بالرسومـ.ـا.ت له، نظرت ودمـ.ـو.عها تتهاوى وهي لا تزال غير مُصدقه أنه تركها وذهب، تشعر بأن هناك جرح بداخلها لن يلتئم أبدا، لماذا كان عليه المغادرة؟ لماذا؟ ألم يعلم أنه مثل لها كل شيء بتلك الحياة، ألم يُدرك أنه كان يناديها مثل والدتها، يعانقها كأبيها الذي لم تعرفه يوما ولم تتشارك معه ولو عناق وحيد، يضاحكها كأخيها الذي غاب عن حياتها ولم تجده غير مؤخرا..

"خليكي كده عمالة ترسيميلي في بدر وسايباني.. طب افتكري شاهي حبيبتك برسماية صغنونة هي وجوزها اللي زي القمر ده" قاطعت شاهندة شرود نورسين لتلتفتت لها بإبتسامة مقتضبة

"أنا كنت جاية هنا عشان أقطعهم.. خلاص مش هايبقا فيد بدر تاني!!" همست ثم زفرت بعمق ثم توجهت لتلمس احدى الرسومـ.ـا.ت التي رسمتها له ثم امتدت يدها لتُمزقها ولكنها لم تستطع وأجهشت بالبكاء بمنتهى الحُرقة..

توجهت شاهندة مهرولة نحوها لتعانقها وتُمسك الرسمة من يدها وأخذت تُربت على ظهرها في حنان وودت فقط لو استطاعت أن تُساعدها

"خلاص يا نور يا حبيبتي اهدي.. اهدي ومتعيطيش كده.. لو بس أعرف ايه اللي حصل بينكم كنت حاولت أحل المشكلة" أخبرتها وهي تحاول أن تُهدئها

"والله يا شاهي ما أعرف.. كنا كويسين.. كان يادوب لسه جايبلي البيت عشان نجحت وخلصت دراسة.. وفجأة اختفى.. سابني يا شاهي.. عمره ما كلمني.. والله أنا ما عملت حاجة.. وحشني اوي.. وحشني.. نفسي أحـ.ـضـ.ـنه.. نفسي اسمع صوته.. حتى لو هيزعقلي.. بس.. بس أنا زعلانة منه اوي.. أنا تعبت اوي يا شاهي مبقتش عارفة أعمل ايه.. ليه عمل فيا كده"

صرخت بين شهقاتها المتواصلة بإنكسار وجسدها لا يتوقف عن الإرتجاف بين يدي شاهندة التي لم تدري بما عليها أن تفعل أو تُخبرها ثم فجأة وجدتها تتوقف من نفسها وابتعدت عنها.

"بس لأ" حاولت منع شهقاتها "أنا.. أنا هاعرف أخلي نفسي أكرهه.. أنا مش هاحبه تاني.. أنا هنساه يا شاهي"

صاحت بنبرة لم تحتمل النقاش ثمأآخذت كل تلك الرسومـ.ـا.ت بالإطارات التي عُلقت على الجدار واستمرت في رميها أرضا بهستيرية شـ.ـديدة وشاهندة لا تُصدق عيناها نهائيا

"طب تعالي بس نطلع برا و.."

"بطلي تعامليني كده.." صرخت مقاطعة اياها "بطلي تبقي زيه، أنا محدش هيضحك عليا تاني بكلمتين حلوين.. أنا مبقتش صغيرة خلاص!!" صاحت بإصرار وهي تلهث ثم تركتها وتوجهت للخارج لتهز شاهندة رأسها في آسى على حالها!

تبعتها شاهندة فمهما فعلت لن تستطيع تركها وحدها بتلك الحالة، تعرف أنها تشتاق له، تعرف أنها لازالت تُحبه بشـ.ـدة، ولكن عليها أن تقف على قدميها وتحاول العيش بدونه..

"نور يا حبيبتي تـ.."

"بصي يا شاهي.. متحاوليش تكلميني كلام قولناه مليون مرة.. أنا خلاص اخدت قراري.. زي ما أنا مش لازماه هو كمان مش هيلزمني في حاجة.. هو فاكر نفسه ايه يعني؟ حتى دي هيعملي فيها ملك الكون.." توقفت لتلتقط أنفاسها بعد أن تلاحقت في عصبية

"ملك الكون!! ياااه يا نور.. أنتي لسه فاكرة؟!" ابتسمت شاهندة بإقتضاب لتقابلها تلك الزرقاوتان الدامعتان "انتي لسه بتحبيه يا نور"

"ايوة بحبه.. بس مش ضعف مني.. وهافضل احب صورة بدر الدين اللي اتجوزته وسامحته وقبلته كجوزي وحبيبي، بس اوعدك يا شاهي إن يوم ما اشوفه تاني هاكرهه.. هافتكر كل اللي عمله فيا وهاكرهه.. بدر عمل فيا كتير أوي، أنتي مت عـ.ـر.فيش حاجة عننا، كل اللي قولتهولك زمان معرفتكيش التفاصيل، ولا ممكن تتخيلي عمل معايا ايه، وارتاحي مش هقولك حرف.. أنا متأكدة إنك هتحاولي ت عـ.ـر.في كل حاجة بس أنا استحالة أنطق بحرف.. لو هو حابب يقولك يبقا يقول لكن أنا لأ.. بس اوعدك إني عمري ما هاكون الطفلة الصغيرة بتاعت زمان تاني!!" تحدثت بإصرار ولأول مرة ترى شاهندة تلك النظرة بعينيها

"أنا عندي أنتي وماما نجوى وفارس وهديل وولادها وعندي شركة ماما الله يرحمها، أنا حتى لو موت نفسي في الشغل هاعرف ازاي أكره نفسي فيه.. بكرة تشوفي يا شاهي" زفرت لتنظر لها شاهندة مُضيقة عيناها

"طيب خلاص وأنا معاكي في كل حاجة انتي عايزاها"

"طيب.."

"اخبـ.ـار فارس صحيح ايه؟"

"تمام.. هيتجوز اهو كمان شهر ونص"

"يالا ربنا يوفقه.. ما تيجي نتعشى سوا بقا.. والنبي وحشني أكلك!! تعبت والله من أكل زينب"

"ماشي يا ستي.. يالا بينا على المطبخ" توجها سويا وشاهندة بداخلها تعي جيداً أنها مجرد كلمـ.ـا.ت بينما نورسين تحاول التظاهر أنها بخير وأنها ستصبح قوية دونه

"بقولك يا نور.. ما تيجي تقعدي معانا شوية، بدل ما أنا يوم هنا ويوم هناك"

"يوووه يا شاهي! لا مش هاجي"

"ليه يا نور؟" تظاهرت شاهندة بالبراءة

"هو كده وخلاص!!"

"يا سلام.."

"ما خلصنا بقا يا شاهي"

"عشان هو اللي جايبلك البيت مش كده؟! لسه ماسكة في كل حاجة جابهالك ومش عايزة تنسيه، ده أنتي حتى بقيتي بتتكلمي زيه، محدش في الدنيا كان بيقولي يوووه يا شاهي دي غيره"

"أرجوكـ.."

"بتحبيه وبتموتي فيه.. صح ولا لأ؟!" قاطعتها لترفع حاجبيها ثم اخفضتهما وضيقت عيناها بإبتسامة متحفزة على ثغرها لتنظر لها نورسين بقلة حيلة

"ايوة بحبه.. بس عمري ما هارجع نور بتاعت زمـ.."

"واللي يجبهولك يجري لغاية عندك" قاطعتها بنظرة خبث

"ايه؟! ازاي؟!" صاحت سائلة في لهفة "لأ ميجيش.. أنا مش عايـ.."

"يا بنوتي.. عايزاه ولا مش عايزاه! ده أخويا وعشرة العمر بردو وعارفه مفاتيحه فين! تردي عليا بقا يا عايزاه يا مش عايزاه" قاطعتها وابتسامتها تتوسع على تلك الصغيرة التي ارتبكت للغاية وتاهت بحيرتها

"عايزاه.." همست مجيبة بعد مدة من التفكير "بس لازم اعلمه الأدب الأول عشان ميعملهاش تاني.." صاحت في تصميم وبنبرة حازمة

"وأنا معاكي.. بصي بقا واسمعي كلامي بالحرف الواحد.. بس خدي بالك احنا كده هنلعب بالنار ولازم نكون مصحصحين ومن دلوقتي أهو أنا مش مسئولة عن رد فعله!!" تنهدت لتترك نورسين ما بيديها وانتبهت لما ستخبرها به شاهندة جيدا
"عرفتي بقا هتعملي ايه؟" سألتها شاهندة لتومأ نورسين ثم تنهدت وشردت بالفراغ وظلت تُفكر بكل ما أخبرتها به شاهندة "ده ايه السكوت ده كله؟" تعجبت شاهندة

"أبدا .. بفكر"

"بتفكري في ايه قوليلي"

"ليه نجيب حد من برا وأحنا قدامنا فارس؟" توسعت زرقاوتاها بلمعة

"ممممـ.. مش انتي قولتي انه بيحب بنت و.."

"ايوة بس ده هيكون كمان في صالح أن اهله ينسوا الموضوع ولو سمعوا اننا مخطوبين يمكن يهدوا" قاطعتها "ده عمي كان عايزني اطلق واتجوز فارس كمان" أخبرتها في حُزن وقلبت شفتاها لتصدح شاهندة ضاحكة

"ده بدر كان أكلهم بسنانه! قال تتجوزي قال!"

"ما احنا هنفهمه كده"

"ايوة وبكرة تشوفي بيغير عليكي ازاي.. انتي يا بنتي نسيتي لما شافك يومها بالمايوة.. ده كان هيفرقع جنبي وطلع جري عليكي.. أنا خدت بالي بس عملت نفسي عبـ.ـيـ.ـطة" غمزت لها بإبتسامة

"بس خدي بالك، انتي عارفة طبع بدر، تستحملي اللي هيجرالك بس انتي اللي قولتي انك عايزاه وده الحل الوحيد قدامي" أخبرتها بجدية لتتنهد نورسين

"عارفة يا شاهي.. أكتر حاجة وجعاني ايه؟ مش عصبيته ولا قراراته ولا حتى ظلمه ليا، مش موقف ولا اتنين، لأ أنا استحملته مرة واتنين وعشرة، لكن انه بعد كل ده يسيبني ويبعد، مش قادرة اسامحه عليها ابدا، كمان أنا عمري ما ضغطت عليه ولا طلبت منه يتغير، كنت فاكرة لما أكون هادية كان هيبتدي يقولي كل حاجة بس اللي عمله ده حاسة إن دي أكبر غلطة غلطها في حقي"

"نور.. أنا عارفة موضوع كريم" همست بعد أن تنهدت لتتسع عينا نورسين في صدمة لتومأ لها شاهندة بالموافقة "بدر حكالي كل حاجة، وقالي على كل اللي حصل، أنا عارفة إنه ظلمك كتير أوي"

"ظلمني!!" ابتسمت بتهكم وحزن "ده وراني العذاب ألوان، وأنا عشان طيبة وهبلة نسيت وسامحت" تريثت لبرهة ثم تعجبت "هو فين كريم صحيح وعمل فيه ايه؟!"

"معرفش.. محدش يعرف.. حتى هديل بتقول لولادها إنه سافر في شغل" تنهدت ثم أكملت "هو ايه اللي حصل بالظبط يا نور ما بينكم بسبب الموضوع ده؟"

"مش هاقدر احكيلك.. كان أولى احكيلك وقتها.. بس دلوقتي خلاص مبقاش ليها لازمة"

"سفرية لندن دي كانت فشنك مش كده؟" أومأت لها نورسين بالموافقة ثم تهاوت احدى دمـ.ـو.عها عنـ.ـد.ما تذكرت كل ما حدث لها على يده وكيف كان يعاملها، هي لا تبكي مما حدث بل تبكي لأنها سامحته بالنهاية

"أنتي بتحبيه أوي كده يا نور؟!" سألتها لتومأ لها مجددا وتناثرت حبات اللؤلؤ على وجههيا من تلك الأبحر بين جفنيها

"بحبه!! بدر ده بالنسبالي كل حاجة في حياتي.." ابتسمت في وهن وشردت وهي تتذكر كل ما جمعها به "الوحيد اللي كنت بحس إني متلخبطة قدامه، اول حب في حياتي، عرفني يعني ايه حب بين راجـ.ـل وست، حنيته عليا وغيرته وخوفه اللي كنت بشوفه في عينيه، أنا ادمنته، كل حاجة فيه بحبها، من اول بصاته المخيفة دي وريحته وشعره وضحتكه وصوته.. مش عارفة أقولك ايه، أنا عمري ما حبيت يا شاهي.. وعمري ما اتعاملت مع راجـ.ـل غيره"

"ده أنتي ناقص تقويلي عنده حسنة في قفاه" صاحت شاهندة مازحة كي توقفها عن البُكاء بينما نظرت لها نورسين بزرقاويتين متسعتان وقد نجحت شاهندة فيما أرادت أن تفعله

"لأ عنده حسنة في مكان تاني" أخبرتها هي الأخرى مازحة

"لا لغاية هنا وفعلاً مش عايزة أعرف" توسعت عيناها في تعجب لتضحك نورسين "أيوة كده أضحكي يا نور.. كل حاجة هتكون كويسة إن شاء الله" ابتسمت لها "وعلى فكرة بقا لو دخلنا نوجا في لعبتنا هتفرق جـ.ـا.مد.. احنا لازم نحكيلها على كل حاجة"

"نقولها.. بس أنا خايفة تكون في صفه ومتوافقش دي بتحبه اوي يا شاهي"

"طبعاً بتحبه.. بدر ده في حتة تانية بالنسبالها عشان كده هي أكتر واحدة هتساعدنا، هي بتحبك كمان ونفسها أكيد تشوفكوا مبسوطين"

"هي ليه بتحب بدر اوي كده؟!"

"بدر يا نور مامته كانت ست مش كويسة، وكان مش فارق معاها أبدا، كان بيصعب على ماما أوي، وكان متعلق بيها جدا، بالذات أنها كانت بتدافع عنه من اللي بابا بيعمله فيه، أنا ساعات لما بفتكر بعيط أصلا.. معرفش بدر أساسا قدر يكون كده ازاي، يمكن عشان أنا وماما كنا دايماً جنبه"

"هو ايه اللي حصله بالظبط؟"

"لا دي بقا بتاعته يبقا يحكيلك هو.. بس خليكي واثقة في كلامي.." لم ترد أن تخبرها عن تلك الأشياء لتومأ لها نورسين بتفهم "فين بقا الأكل اللي أنا معشمة نفسي بيه؟.."

"حالا اهو.. تعالي ساعديني بس"

"أوك"

❈-❈-❈


"ماشي أنا معاكو.. بس أنا فعلاً خايفة من رد فعله" أخبرتهما نجوى

"آه ما أنا قولت كده بردو.." تحدثت شاهندة

"متخافوش.. مش هيحصل يعني أسوأ من اللي حصل" شردت نور متنهدة ليجدن زينب تأتي وملامحها ليست تبدو بخير فتعجبن جميعا

"خير يا زينب فيه ايه؟!" تسائلت نجوى في تعجب

"وفاء يا هانم مستنياكي في الصالون!" اجابتها في تـ.ـو.تر فزينب تعلم من هي جيداً لتصيحا كلاً من نجوى وشاهندة في آن واحد

"وفاء!!" اعترت الدهشة أعينهما بينما تعجبت نورسين التي لا تعلم من هي "عايزة ايه دي بس" تمتمت نجوى

"ربنا يُستر يا ماما" اختلفت ملامح شاهندة وارتبكت لتهمس نورسين سائلة وهن يتوجهن جميعاً لغرفة الإستقبال ويغادرن الحديقة

"مين وفاء دي؟"

"دي مامة بدر" زمت شاهندة شفتيها مجيبة اياها بينما رفعت نورسين حاجبيها في تعجب ولكنها أرادت أن ترى تلك المرأة التي لطالما أخبرها الجميع أنها كانت استغلالية، لتُدرك أيضاً بداخلها أنها هي وتلك الفتاة في القبو الغريب ذلك قد آخذتا بسببها حتى يفعل بدر الدين كل ما فعله معهما..

دلفن غرفة الإستقبال وتلك الزرقاوتان لا تُصدق كم شابه بدر الدين تلك المرأة، نفس الشعر الفحمي ونفس الأعين وحتى تلك النظرة الثاقبة، يبدو حقاً كقطعة منها، ولكنها تعجبت لما ترتديه، فهي تبدو في عمر بدر لا تُصدق أنها حقاً والدته!!

"خير يا وفاء.. جاية ليه؟" تحدثت نجوى بملامح جـ.ـا.مدة

"ما هو لو كنتي ربيتي راجـ.ـل بصحيح مكنتش جيتلك" اتسعت أعين كلا من شاهندة ونورسين لما سمعتاه ولم تُصدق الأخيرة تلك الطريقة التي تتحدث بها والدته عنه وبنفس الوقت تتعجب كثيراً، فحتى طريقتها تبدو كبد الدين تماماً

"افتكري يا وفاء إنك في بيتي.. اتكلمي بإحترام عني وعن ابني"

"احترام آه.. وماله.." ابتسمت بتهكم ونورسين تكاد تجن من تلك الإبتسامة التي رآتها على وجهه من قبل كثيراً "أصلكوا أنتوا اللي محترمين اوي.. رميتولي شوية فكة وطلعتوني منها وبعدين كبرتوا كل حاجة من ورايا. أنا ليا حق في كل ده، أنا جاية عشان حقي.. وإذا كنتوا فاكرين إن اللي ادتهوني بعد ما صابر مـ.ـا.ت كان حاجة فخدوه تاني بس ابقا شريكة معاكو!"

"امشي اطلعي برا يا ست أنتي" هنا تدخلت هديل التي آتت لتوها

"جرا ايه يا نجوى.. مش عاملالي فيها كبيرة واحترام ومش احترام.. ما تلمي بنتك"

"هديل!!" صاحت نجوى بتحذير بينما لم تكترث هديل

"أنتي فاكرة إنك ممكن تاخدي تعبنا وشقانا بعد العمر ده كله.. امشي اطلعي برا.. أنا لولا بس الفضايح كنت خليت الأمن يجرجرك من شعرك ويرميـ.."

"هديل!!" هنا صاحت نجوى لتقاطعها وتنهيها عما تفعله "أنتي يا وفاء اخدتي حقك من زمان، اتفضلي من غير مطرود"

"حق!! حق ايه؟! شوية الفكة دول بتسموهم حق، ما هو صحيح طول عمرك حـ.ـر.امية، سرقتي صابر وبعدها بدر وفي الآخر فلوسه" تحدثت وفاء لتهينها لتغضب جميعهن من تلك الإهانة التي وجهت لنجوى بينما ابتسمت نجوى بإقتضاب

"حـ.ـر.امية؟! وسرقتهم؟! منك أنتي؟!" تسائلت في تهكم "لآخر مرة بقولك اتفضلي من غير مطرود"

"بقولك ايه يا ست أنتي.. كلمة واحدة كمان وهكلملك الشرطة.. امشي من هنا" صاحت هديل بإنفعال

"شرطة؟! جرا ايه يا عيلة يا صغيرة أنتي، هو كلكوا عياركوا فالت.. نجوى معرفتش تربيكوا ولا ايه؟"

"زينب!!" هنا تدخل حمزة الذي سمع صوتهم المرتفع "اندهيلي حد من الأمن يجي ياخد الست دي" دلف حمزة بغرفة الإستقبال ليواجه وفاء "كلمة واحدة كمان في حق مراتي وأمي وحد هنا في البيت ده وأنا هابهدلك.. امشي اطلعي برا ومش عايزين نشوف وشك تاني"

"وأنت بقا ايه؟ طالع في دور السنيد، بدر سايبك وراه كـ.ـلـ.ـب حراسة؟"

"ما تحترمي نفسك يا ست أنتي" صاحت شاهندة وهي لا تتقبل تلك الإهانة على زوجها

"أنا لولا وجود اللي حواليا كنت عرفتك مقامك كويس.. اياكي تهوبي ناحية البيت ده تاني وإلا أنا مش هاسيبك"

"يالا يا شوية حـ.ـر.امية يا نسوان في قلب بعض، فاكرين هتاخدوا وتاكلوا حقي واسكتلكوا" صاحت بصوت عالٍ بينما أقترب منها احدى الحراس الذي أمسك بذراعها

"بس لأ أنا مش هاسيبكوا، وأنتي يا نجوى ياللي مربتيش راجـ.ـل وبتتحامي في شوية نسوان هاعرف آخد حقي منك تالت ومتلت.. مش هاسيبلك زمان ابني وجوزي ودلوقتي كمان الفلوس والشركات.. أنا هاعرف كويس اخد حقي ازاي أنـ.." صرخت بينما دفعها للخارج حتى أختفى صوتها.

تهاوت نجوى على أحدى المقاعد في حزن من كل ما سمعته وكذلك تهاوت احدى دمعاتها ليهرول الجميع نحوها عدا هديل التي شعرت بالغضب الشـ.ـديد وعلمت ما عليها فعله جيداً!!

❈-❈-❈

خلل بدر الدين شعره الفحمي وهو يهز رأسه في إنكار ثم أكمل كلمـ.ـا.ته باللغة الإنجليزية للأخصائي النفسي الجالس أمامه وهو لم يعد يدري أحقا كان قراره صحيحا بأن يحاول أن يُجرب العلاج أم لا؟

"لا أدري.. كان ذلك الحل الوحيد أمامي بأن ابتعد عنها" تحدث باللغة الإنجليزية ثم لوى شفتاه في حزن "لربما كنت خائف من أن تراني بشكل أسوأ من هذا"

"أنت لا تثق بنفسك إذن، لا تثق بأنك لن تستطع أن تتحكم في كل ما بداخلك أمامها؟!" أومأ له بدر الدين

"لا أريد أن أظلمها أكثر من ذلك.. كما أنني خائف من أن تراني بهذا الشكل مجددا، كما أنني لا أستطيع أن أصارحها بأكثر من ذلك، لا أظن أنها ستتقبل أبدا شخص مثلي.. لذا تراجعت، لا أدري هل أنا أبحث عن علاج لكل ذلك من أجلها هي أم من أجل نفسي!"

"سيد بدر.. أظـ.."

"عفوا.. علي الإجابة على هاتفي.. اعتذر ولكن يبدو أن هناك أمراً لا يحتمل الإنتظار" أخبر بدر الدين من أمامه ثم نهض ليجيب على هاتفه

"ايه يا هديل خير.. أنا كنت في اجتماع" تحدث بحنق

"وفاء جت.. هزئتنا كلنا بما فيه الكفاية.. أنت لازم تشوف حل يا بدر في الموضوع ده"

"عايزة ايه؟ وقالت ايه؟ احكيلي كل اللي حصل بالحرف.."

❈-❈-❈


"خير يا نوجا.. زينب قالتلي إنك عايزاني" جلس زياد بجانبها وهو ممسكا بأحدى أكواب القهوة

"زياد.. أنت ابني زي ما اخواتك ولادي، بس اللي أنت فيه ده مبقاش عاجبني" تحدثت نجوى بإنفعال

"فيه ايه بس يا ماما؟" توسعت عيناه ثم ترك الكوب على المنضدة أمامهما

"فيه إنك خلاص كبرت.. اتدلعت بما فيه الكفاية.. سفر وخروجات وفسح وشُرب" تريثت لبرهة لترى ارتباكه الواضح

"فاكرني نايمة على وداني مش كده؟ لأ أنا لعلمك عارفة كل حاجة بتحصل وكويس اوي" تنهد زياد وهو لا يدري لماذا تُخبره نجوى بتلك الكلمـ.ـا.ت

"أنا استنيت اخواتك يسافروا هما وحمزة ونور تروح شغلها عشان محدش يسمعنا في اللي بنقوله.. أنت بقا ناوي على ايه؟"

"ناوي على ايه في ايه؟"

"ناوي تكمل بقا في دور الإستعباط ده لغاية امتى؟"

"استعباط ايه بس يا ماما"

"أنا أقولك.. شغل المراهق اللي أنت عايشه ده مش هينفع تكمل فيه كتير، وأنا لغاية دلوقتي مش عايزة اخد منك موقف وسيبتك لغاية ما تخلص براحتك عشان متتحججش بالجامعة، أنا ممكن اخد عربيتك والفلوس ومصروفك والموبايل وابقا قابيلني بقا ووريني هتقدر تعيش ازاي"

"هو ايه بس اللي حصل لكل ده؟" تعجب زياد وهو يشعر بالغضب تجاه كل ما أخبرته به والدته

"اللي حصل إنك بقيت راجـ.ـل.. هتفضل مكمل في شغل الأطفال ده لغاية امتى؟ أنت عارف بدر الدين وهو في سنك كـ.."

"آه قولي بقا بدر!!" قاطعها مبتسماً بتهكم "كل حاجة بدر بدر لما زهقت!"

"اياك بس تقول عليه كلمة.. ياريت تبقى زيه في يوم من الأيام! نفسي أشوفك ناجح زيه"

"هابقا احسن منه كمان!" صاح بحرقة وانفعال

"زياد.. أنتو الاتنين ولادي ونفسي اشوفكوا في احسن حال.. أنا عارفة أنت بتحب بدر قد ايه، بس أنت اللي لما حد بيكلمك عن مصلحتك بتضايق، بس أنا مش هاسيبك"

"بحبه ولا بكرهه.. مش هاتفرق خلاص من ساعة ما اتجـ.."

"مش هاتضحك عليا وتفهمني إن نور فرقت معاك..، من يوم ما كانت تعبانة أنا شوفتك وأنت مش بتسأل فيها على عكس بدر، لما حتى بقت كويسة ولا كانت بتفرق معاك في حاجة لكن بدر مكنش بيشيل عينه من عليها.. أنا عارفة ولادي، أنت بصيت لنور بصة البنت الطيبة الحنينة المحترمة الأمورة اللي تتجوزها وتآمنها على بيتك ومن وراها تروح تعمل اللي أنت عايزه، لكن بدر حبها!"

"ملهاش علاقة، أنا قولت هاتجوزها قبله" انكر زياد وهو يعي جيداً أن ما تتحدث به نجوى صحيحاً

"يا ابني أكبر بقا، هو الجواز باللي يلحق؟!" صاحت نجوى متهكمة "اعقل بقا يا زياد! أنا الفترة الجاية دي هديك فرصة، عايزة أشوفك انسان مسئول وكبير"

"طبعاً وزي بدر مش كده؟" نظر لوالدته بغضب

"ماله بدر؟ ماله يا زياد؟ مش ده أخوك اللي بتبصله دايماً على أساس إنه أب ليك؟ أنت عارف بدر ده كان بيتعمل فيه ايه؟ وبالرغم من كل ده وقف على رجله.. تعالى بقا أنا احكيلك حاجة واحدة بس من اللي أتعرض ليه وأنت ابقا أحكم بنفسك.." تنهدت نجوى ثم آخذت تتذكر منذ أن حدث من سنوات عدة

"في يوم وفاء جاتلنا وبردو كانت عايزة تطلق من صابر الله يرحمه وعايزة تاخد فلوسها اللي في الشركة ومؤخرها، وفي الآخر كالعادة مشيت بخناقة.. ساعتها بدر كان عنده واحد وعشرين سنة، يعني أصغر منك مفيش بسنتين" تنهدت بحُرقة ثم أكملت

"بدر دخل يكلمه، كان عايزه يطـ.ـلقها عشان نخلص من مجيتها كل ساعة والتانية ومكنش حابب يشوفني مضايقة ولا عايز المشاكل تكبر أكتر من كده في البيت، فجأة لقيت صابر مشي هو وأخوك بالعربية.. فين بقا آخر الليل سمعنا صوت عربيته جريت أنا وشاهندة نشوف ايه اللي حصل لقينا صابر داخل عادي جداً ولا كأن فيه حاجة ولقينا بدر داخل وراه واتنين من الأمن مسندينه وشكله تعبان جداً ومش قادر يقف على حيله، طلع اوضته بالعافية واترمى على السرير وعلى قد ما كان بيخاف من صابر بس فعلاً يومها كان متدمر لدرجة انه مقدرش يغير هدومه.."

تريثت نجوى وهي تحاول أن تجفف دمـ.ـو.عها وتلك الذكريات الشنيعة لا زالت تتذكرها وكأنها البـ.ـارحة لتقص تلك اللحظة التي لا تبـ.ـارح ذاكرتها

"تعرف أنا يومها مسبتش صابر، كنت خلاص جبت آخري، قولتله لو عملت كده فيه تاني أنا هاسيبك ونتطلق وكل واحد يروح لحاله"

"أنت ايه؟ مفيش في قلبك رحمة؟ تقدر تقولي؟ أنت بتعمل فيه كل ده ليه؟ ليه مش بتعاملو زي شاهي وهديل وزياد هو مش ابنك زيه زيهم؟" صرخت نجوى بإنفعال شـ.ـديد وهي تبكي من كل ما حدث

"فكراني ايه؟ مبحسش.. أنا في الآخر أب" صاح صابر بغضب ثم جلس على السرير بإنكسار "بس.. أنا كل ما بشوفه قدامي بفتكرها، شبهها اوي ومفيهوش اي حاجة مني، ضحكتها وشعرها وعنيها وكل حاجة فيه نسخة منها، خايف يطلع زيها في يوم، هايبقى استغلالي، خايف ياكل حق اخواته، خايف عليكي، خايف منه ومش لاقي حل غير اللي بعمله معاه"

"أنت بطريقتك دي هتحوله لوحش، هتحوله لآلة تدمرنا كلنا، بدر ده أنا اللي ربيته وأنا متأكدة إنه مش زي ما أنت ما بتقول، اشمعنى أنت حنين مع كل ولادك إلا هو؟!" تريثت ولكن لم يُجيبها لتتنفس هي بعمق وجففت دمـ.ـو.عها "خلاص يا صابر أنت حر، بس لو بدر الدين عملتله حاجة تاني اعتبر انه آخر يوم بيني وبينك، ومش هسيبلك بدر و.."

"ماما الحقي بدر جـ.ـسمه بيتنفض بطريقة مش طبيعية وسـ.ـخن أوي" دلفت شاهندة الغرفة وهي تُصيح في رعـ.ـب لتنظر نجوى بلوم وعتاب شـ.ـديدان لصابر

"تعالي يا شاهي.. رقم الدكتور كان هنا جنب التليفون.."

أخذا يتحدثا للطبيب حتى يستطيعا أن يعلما ما الذي يحدث لبدر الدين بينما نهض صابر في غضب شـ.ـديد وترك الغرفة وتوجه للخارج لتبتلع نجوى خوفا من أن يذهب إليه ويفعل معه شيئاً آخر.

"شاهي كلمي الدكتور وتابعيه وأنا هاعمله كمدات.." تحدثت نجوى لإبنتها لتومأ لها بلموافقة بينما توجهت نجوى لتعرف ما الذي يفعله صابر.

".. عارف إني قاسي عليك، عارف إني وريتك كتير، بس أنت شبهها، حتة منها، بتفكرني بيها كل ما بشوفك، بتفكرني اني اضحك عليا، بتفكرني قد ايه حبيتها ووثقت فيها وهي خانتني مع أقرب الناس ليا، بتفكرني بكل مرة قالتلي انها نامت مع واحد ولا بقت تكرهني، أنا يا ابني خايف منك وخايف عليك، نفسي أكسر جواك كل حاجة ممكن تكون واخدها منها، خايف تكون استغلالي زيها، أنت عارف وأنت صغير كنت حتى بتعيط زيها، بنفس طريقتها؟! أنا بس لو اقدر أقولك كل ده وأنت صاحي كنت فهمتني.. بس أنا مش قادر أعمل كده، أنا لازم أكون قاسي عليك عشان يوم ما تعيش بعدي تبقا قوي وجـ.ـا.مد وميهزكش حاجة، سامحني يا ابني.. سامحني بس أنت لازم تكون السند والضهر من ورايا لنجوى وأخواتك، أنا عارف هي بتحبك قد ايه وعمري ما منعتها من اي حاجة كويسة تعملهالك وعمري ما منعت اخواتك انهم يحبوك، بس أنا استحالة ابطل اشوفها فيك، أنا اتقهرت منها كتير، كسرتني ونزلتني من نظر نفسي كراجـ.ـل، اللي شوفته منها مكنش قليل.. سامحني على قسوتي يا ابني.. بس طول عمرك هتفضل الحاجة اللي رابطاني بيها ومش هاقدر اسامحها ولا هابطل اشوفها فيك" كتمت نجوى نحيبها وهي لا تدري ما الذي تفعله عنـ.ـد.ما وجدت صابر يبكي بجانب بدر الدين هكذا..

"متخيل يا زياد واحد مشافش حنية أم ولا رحمة أب؟ متخيل كمان إن بدر طول عمره فاضل شايل لصابر إنه جابه يعيش هنا وسطنا؟ حاول يكون إنسان أحسن وكان شاطر دايماً وشالنا بعد ما صابر ما مـ.ـا.ت.. أنت يا حبيبي ظروفك احسن وكلنا بنحبك، عايزة أشوفك أحسن يا زياد، وبدر أخوك الكبير يا حبيبي.. لازم تحبه زي ما هو ما بيحبك وبيخاف عليك وعلينا كلنا.. متخيبش ظني فيك يا حبيبي" بكت نجوى لتجد زياد يبكي هو الآخر ثم نهض ليُعانقها وهو يحاول أن يوقف نفسه عن البُكاء

"أوعدك يا ماما إني هاتغير حاضر.."

❈-❈-❈


"أنتي يا شاهي تخليها تشتري خامـ.ـا.ت كتير وتقنعيها أن لازم الكميات تكون كبيرة عشان المشروع الجديد.. وأنتي يا هديل أنا فهمتك هتوديها فين كويس.. ويا حمزة متنساش موضوع المحامي عليك والميزانية عايزك تخربهالها.. وهنشوف بقا ساعتها هتبقا تعمل ايه!!"

صاح بدر الدين في حُرقة وهو يمر على عقله كل ما مر عليه مع وفاء وخاصة ما أخبرت به نجوى الذي عرفه من هديل ولكنه قد صمم تلك المرة من داخله أن يُدمرها تماما حتى تبتعد عن حياتهم جميعا..

"تمام يا بدر متقلقش" أخبرته هديل ليومأ لها ثم شرد بالفراغ "طب.. أنا هنزل لحسن جعانة أوي.. حد هايجي معايا؟!" سألت هديل ولكن لم يجيبها أحد لتومأ شاهندة لحمزة في أن يتبعها حتى تنفرد ببدر الدين

"آه يا هديل أنا كمان جعان خديني معاكي.."

"ماشي.. معلش بس ممكن تجيب شنطة زينة معاك"

"حاضر" توجها للخارج وهديل تحمل زينة التي لم تستطع تركها لأنها ذات سنة واحدة من العمر ولا تستطيع تركها بعد وتركا شاهندة بصحبة بدر الدين لتفيقه من شروده

"مالك ساكت ليه؟"

"لا مفيش أنا تمام" اجابها بإقتضاب "يالا أنا هاقوم اروح.. مش فاهم ليه مجتوش تقعدوا معايا في البيت" زفر في ضيق لتبتسم شاهندة

"عادي حبينا نسيبك براحتك وقولنا نخلينا في الأوتيل هنا"

"طيب يالا سـ.."

"هاتفضل سايبها كده؟!" قاطعته قبل أن يذهب

"لو سمحتي أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده"

"لغاية امتى يا بدر؟ تقدر تفهمني؟"

"معرفش بقا.. بس خليكي واثقة أن ده الأحسن ليها، ده كان الحل الوحيد قدامي" صاح بحنق لتنهض شاهندة ووقفت أمامه لتنظر بعينيه

"مين قالك إن ده الأحسن ليها؟ تعرف ايه عنها دلوقتي ولا هي كويسة ولا لأ؟ مين قالك إن ده الحل الوحيد؟ ليه تعمل فيها كده وتسيبها وهي بتحبك؟ ليه تبهدلها معاك كده من غير حتى ما تديها سبب إنـ.."

"عشان أنا انسان معقد، إنسان بيستلذ بعذاب اللي قدامه، ليه هي تستحمل كل ده" صرخ مقاطعا اياها وهو يلهث بعنف فهو قد شعر بالإنكسار مجددا وانفجرت بداخله الآلام عنـ.ـد.ما شعر من حديث أخته أنها ليست بخير ثم ارتجفت أطرافه غضباً

"شاهندة سيبيني دلوقتي وامشي"

"لأ مش هامـ.."

"سيبيني بقولك!!" صرخ بها في غضب ونبرة لم تحتمل النقاش ولكنها ابتسمت بداخلها لرؤية تلك النظرة بعينيه وتأكدت من أنه لا زال يُحبها ثم تظاهرت بالتأثر وتوجهت للخارج حتى تلحق بهديل وحمزة.

خرجت من المصعد لتتوجه لمطعم الفندق الذي يقيمون به وبعد أن أشارت لها هديل توجهت نحوهما بينما ناداها صوت أنثوي تعرف صاحبته جيداً

"شاهي.. حشـ.ـتـ.ـيني و .." التفتت شاهندة بأعين متسعة وهي غير مُصدقة لمن وقعت عليها عينها!
"سهيلة.. بجد مش مصدقة الدنيا صغيرة" صاحت شاهندة وهى تعانقها 

"فعلاً بجد الدنيا صغيرة.. عاملة ايه انتي وحمزة ومامتك وهديل؟.."

"تمام الحمد لله.. ازيك يا سيف عامل ايه؟" صافحت شاهندة أخوها "عامل ايه يا علي؟" وكذلك زوجها ليصافحها الاثنان بإبتسامة "ما شاء الله مين القمامير دول" اقتربت شاهندة وهي تقبل رأسي طفلتان

"لارا ولورين، بناتي" اجابتها

"ربنا ما يحرمك منهم يارب ويبـ.ـاركلك فيهم"

"ايه يا بنتي بتعملي ايه في امريكا؟"

"اخويا بيأسس فرع للشركة هنا وكنا محتاجينه في شوية حاجات فجيت انا وحمزة وهديل.. دول قاعدين هناك اهو.. ما تيجو نتغدا سوا لحسن انتي وحشاني اوي"

نظرت سهيلة لكلاً من اخيها وزوجها اللذان لم يمانعا وتوجه الجميع لتلك المائدة التي يجلس عليها حمزة وهديل ليتصافح الجميع وجلس حمزة وعلي يتبادلان أطراف الحديث لأنهما كانا على سابق معرفة منذ سنوات الجامعة وكذلك شاهندة وسهيلة بينما شعر كلا من هديل وسيف الدين بالغرابة!

"ياااه.. بجد كنتي وحشاني اوي يا شاهي، سبحان الله أشوفك هنا واحنا بقالنا سنين متقابلناش.. احكيلي عاملة ايه؟!"

"أبداً.. كله زي ما هو بالنسبالي أنا وحمزة، بس بقا بابا مـ.ـا.ت بعد ما اتجوزنا بشوية وكمان بدر بعد ما اتجوز مـ.ـر.اته مـ.ـا.تت.. يعني شوية لعبكة كده بس ماشية الحمد لله"

"طب وولادك؟!" تسائلت سهيلة بعفوية لتبتسم شاهندة في آسى

"ربنا مأرادش.. الحمد لله"

"أنا آسفة يا شاهي مقصدش" هزت سهيلة رأسها في إحراج "بس ايه السبب؟ يعني آسفة لو بسأل بس.."

"من غير آسف" قاطعتها ثم أكملت "المشكلة مني.. يعني أنا حاولت كتير وروحت لكذا دكتور وسافرت حتى ألمانيا وملقتش حل" تنهدت في حزن

"استني بس.. أنتي الكلام ده عملتيه من كام سنة؟"

"يعني قبل ما بابا يتوفى.. من حوالي 10 سنين"

"حاولتي بعدها تاني طيب؟" أومأت لها شاهندة بالإنكار "طيب بصي.. أنا كان عندي مشكلة كبيرة والحمد لله ربنا رزقني بلارا ولورين، هو الموضوع صناعي بس مفيهاش حاجة لما تحاولي تاني.. وأنتي لسه سنك يسمح يا شاهي"

"بلاش احسن.. أنا مش عايزة أتعلق بأمل تاني في الموضوع ده وحمزة بردو مش عايزة اعشمه بحاجة ويطلع الموضوع مالوش لازمة في الآخر لأني حاولت كتير قبل كده وفي الآخر مبيحصلش حمل.. الحمد لله على كده" تحدثت لها في حزن

"طب بصي أنا هاحكيلك اللي حصل معايا والموضوع كله محتاج عشر شهور مش أكتر.."

ظلتا يتحدثا وشاهندة تستمع ولكن جزء بداخلها قد أبى تماماً الفكرة لأنها لم تعد تريد أن تُعلق حمزة مجددا بأمل زائف ولكن سهيلة لم تدعها دون أن تخبرها بكل ما عليها فعله..

"بس بقا يا زينة يا حبيبتي تعبتيني، واكلة ومغيرة وواخدة دواكي، عايزة ايه تاني بس؟!.." صاحت هديل في إرهاق وهي لا تدري كيف تستطيع إسكاتها

"ممكن؟!" تدخل سيف الذي مد كلتا يداه لها لتهز رأسها في عدم تصديق ثم أعطت زينة له

" يالا Good Luck" تمتمت له ثم نظرت لزينة بين يداه لتجده يخلع عنها حذائها وأخذ يُلاعبها حتى سكتت تماما بين يداه لتتعجب هديل ثم قطبت جبينها

"دي اللمسة السحرية مش كده؟!" تحدثت متعجبة ليضحك سيف الدين مقهقها لتشرد لثوانٍ بتلك الضحكة الرجولية

"لا أبدا.. لسه معدي بالخبرة مع لارا ولورين مش أكتر.." أجابها ونبرته لازالت تحمل أثر ضحكته

"ما أنا عندي اربعة غيرها.. بس مش عارفة بتدلع دي ولا ايه، اخواتها مكانوش زيها كده خالص"

"ما شاء الله، ربنا يبـ.ـاركلك فيهم"

"شكرا.. وأنت معندكش أولاد ولا لسه متجوزتش؟" سألته بعفوية ولم تكترث أنها تدخل في أموره الشخصية هكذا دون سابق معرفة ليحمحم هو وتريث لثوانٍ قبل أن يُجيب

"للأسف أنا مش.." حمحم مجدداً ليُكمل بعد زفرة "أنا مبخلفش.. وطلقت مراتي عشان مظلمهاش معايا وهي كانت عايزة أولاد" أندهشت هديل ثم شعرت بالإحراج منه

"أنا آسفة يعني لو اتكلمت بالطريقة دي أنا مكـ.."

"لا ولا يهمك.." قاطعها بإبتسامة مقتضبة

"لا دي اللمسة السحرية بجد بقا!!" صاحت هديل التي رأت زينة قد غفت بين ذراعاه لتومأ له ليخفض سيف الدين نظره لتلك الصغيرة

"ده أنت أعجوبة والله.. كنت فين من زمان.. دي مجننانا كلنا، أنت تيجي معانا مصر بقا" ابتسم هو وهو ينظر لزينة ثم أعاد نظره لهديل التي لا يدري من أين آتت هكذا لتُخرجه من ذلك الحال الذي كان يمر به منذ أشهر!

"لا مصر ايه.. أنا خلاص حياتي بقت هنا، شغلي وكمان سهيلة وعلي والبنات" أخبرها بإبتسامة

"أنت بتشتغل ايه؟!"

"مهندس مواقع"

"مهندسين everywhere (في كل مكان)" تمتمت وهو لم يستمع بوضوح لما قالته

"بتقولي حاجة؟!" تعجب لتمتمتها التي لم يستطيع سماعها

"لا مفيش" اجابته وهي تهُز رأسها في إنكار بينما عقد هو حاجباه بغرابة ولا زال محافظا على ابتسامته التي تحولت للإستغراب من شرودها المفاجئ ليقاطع صمتهما رنين هاتفها

"نعم!! يعني ايه Meeting (اجتماع) من غير ما اتبلغ!!.. اتفضلي الغيه! لأ مش هيحصل وأول وآخر مرة حاجة زي دي تتم من غير ما تبلغيني!.. واحنا من امتى بنحضر لحاجة من غير ما نبقا متأكدين؟.. أنا الـ GM .. كريم بقا هيجي بكرة ولا بعده ولا كمان مية سنة مش موضوعك، ولعلمك كريم آجل سفره ومش جاي غير كمان تلت شهور.. ولا كمان شهر ولا سبعة.. اتفضلي الغي الإجتماع لغاية ما اجيلك"

أنهت المكالمة في انفعال ولاحظ سيف الدين تلاحق انفاسها في غضب

"ايه خير؟! شكلك اضايقتي" حاول الإستفسار لتنفجر هديل بالكلام

"الـ Personal Assistant (المساعدة الشخصية) مش فاهماها، حتة غـ.ـبـ.ـية، رايحة تأكد على الناس اجتماع وفاكرة إن كريم راجع الشهر الجاي وهو أصلا مش هيـ.." توقفت من تلقاء نفسها في غضب ثم وصدت عيناها لتتنفس بعمق

"اهدي بس.. مين كريم؟!" حاول أن يُهدئها ويستفسر أكثر

"جوزي.." اجابت بتلقائية لتزفر في ارتباك ثم فتحت عيناها "مممـ.. أقصد طليقي" أومأ هو لها في تفهم بينما هي نظرت في غير اتجاه عيناه "يعني.. هو.. هو.. Head of operations (رئيس قسم العمليات) ومسئول عن المواقع في الشركة و.." تنهدت مجدداً وهي لا تدري ماذا عليها أن تُخبره "هو مسافر و.. ومش عارفين هيرجع امتى ويعني.." تنهدت مجدداً ليلاحظ سيف الدين ذلك الإرتباك الذي امتزج بالحزن قد تحكم في ملامحها

"ممكن متتكلميش في الموضوع لو حابة.." أخبرها بإبتسامة بعد أن شعر بتلك المعاناة التي تصارعها ولكنه أدرك أن هناك أمرا ما يتعلق بزوجها ولم يرد إحراجها أكثر من ذلك

"الموضوع بسيط يعني" توسعت ابتسامته لتتلاقى أعينهما بعد أن نظرت هديل له وأومأت له في موافقة ثم تنهدت بإبتسامة مقتضبة وأكملت تحدثها معه وهي لا تُصدق تلك السلاسة التي تجاذبا بها أطراف الحوار..

❈-❈-❈


"بس لأ يا حمزة أنا حاسة إن الموضوع مالوش لازمة، وبعدين أنا مش عايزة نتعلق بأمل تاني على الفاضي" تحدثت شاهندة في ارتباك ليمسك حمزة يداها في رفق ونظر بعينتاها بإبتسامة

"بصي يا شاهي.. أنا حافظك وعارف مين اللي قدامي كويس.. أول ما حكتيلي اللي قالتلك عليه سهيلة عينك كانت بتلمع وكأنك لقيتي كنز.. وبعدين حسيتي إنك ممكن تظلميني مش كده؟!"

حدق بتلك النظرة التي دائما تجعلها تشعر بأن ليس هناك إنسان على وجه الأرض يستطيع فهمها سواه فأومأت له بالموافقة على سؤاله!

"حبيبتي.. أنا راضي بكل اللي يجيبه ربنا.. وأنا واثق في حبنا وواثق إنك عمرك ما هتظلميني أبدا" ابتسم لها لتومأ هي بالرفض

"لأ.. أنا كده هظلمك، هنفضل نفكر ونروح ونيجي ونعمل زي كل اللي عملناه زمان وفي الآخر هـ.."

"استني بس.." قاطعها ثم جفف تلك الدمعة التي تهاوت على وجنها

"أولا لو عيطتي بسبب الموضوع ده ساعتها هتبقي بتظلميني فعلا وهتحسيسيني إني عاجز عن إني اكون فاهم الإنسانة اللي مبحبش في الدنيا حد زيها" تريث لبرهة ثم أكمل

"ثانيا، أنا مش هتعلق بأمل، أنا هتعلق بيكي أنتي وبثقتي فيكي، هتعلق بحبيبتي اللي أخترتها زمان وباختارها دلوقتي وهختارها مليون مرة لغاية ما أموت" تهاوت دمـ.ـو.عها في صمت وهي لا تُصدق أنه ينطق بتلك الكلمـ.ـا.ت التي جعلتها تشعر وكأنها تحلق بالسماء

"شاهندة أنا بحبك، ومش محتاج أقولك أنا بحبك من امتى وقد ايه عشان بجد مالوش لازمة بعد السنين دي كلها نفكر بعض بالكلام ده.. بس أنا بحبك زي ما أنتي، بأطفال أو من غير، أنا اخترتك وقابلك بكل ما فيكي زي ما أنتي قبلتيني وحبتيني زمان بكل اللي فيا، أنا المرادي عايزك تحاولي وأنتي واثقة إن ده مش هيغير ما بينا حاجة، ربنا رزقنا بعد اللي هتعمليه نقول الحمد لله، وإن محصلش نصيب لا قدر الله نقول بردو الحمد لله وكفاية إنك جنبي ومعايا.. أنا بس كل اللي هيفرق معايا هي فرحتك اللي لاحظتها وأنتي جاية تقوليلي على الموضوع وكأنك خلاص لقيتي حل، أنا عايز أشوفك سعيدة وفرحانة وأي حاجة ممكن تسعدك أنا مستعد أعملها عشان خاطرك" أقترب منها ليقبل جبينها بينما ازداد بكاءها

"حمزة أنا مش عارفة أقولك ايه، أنت حتى بعد السنين دي كلها.. يعني.."

"بس يا حبيبتي متعيطيش عشان خاطري" حاول أن يُهدئها بعد أن عانقها ليشعر بشهقاتها على صدره "اهدي بس عشان خاطري.. ولا اتضايقتي من كلامي؟"

"لأ.. لأ متضايقتش.. بس.. بس حسيت إن كلامك ده كتير عليا و.." تحدثت بين بكاءها وهي تحاول أن تتوقف عن البكاء

"أنا اللي قولته ده ميجيش نقطة في بحر يا شاهي، ولا أنتي مش عارفة أنا بحبك قد ايه؟" نظرت له بعد أن تراجعت للوراء قليلاً

"والله يا حمزة أنا محظوظة بيك.. مش عارفة لو مكنتش جنبي كنت عملت ايه"

"أنا اللي محظوظ إن حبيبتي ومراتي أطيب وأحسن واحدة في الدنيا" حاوط وجنها بكفه ليجفف المتبقي من دمـ.ـو.عها ثم ابتسم لها في حنان "اتفقنا؟ هنبدأ سوا من امتى بقا؟!"

"مش عارفة" اجابته بتـ.ـو.تر شـ.ـديد "مش عايزة أضيع وقت ونفسي ابتدي في اقرب فرصة بس الدكتور اللي تابعت معاه سهيلة هنا وفي نفس الوقت لازم نخلص من وفاء و.."

"استني بس.. مش نور اشتغلت معاكي كويس؟" قاطعها سائلاً لتومأ له بالموافقة "خلاص يا ستي تاهت ولاقيناها، أنتي تتابعي نور من هنا بالتليفونات وأنا هاروح واجيلك كل اسبوع و.."

"لا يا حمزة كتير عليك وهتتعب و.." قاطعته ليقاطعها

"مفيش حاجة تكتر على روح قلبي.. ومفيهاش تعب، أنا لسه معجزتش ولا عشان أكبر منك بكام شهر بقا؟!"

"لأ أكيد مقصدش يا حبيبي بس.. أنا مش عايزة اتعبك"

"لأ مفيهاش تعب، وأهو بالمرة تخليكي جنب بدر شوية، أنا حاسس إنه مش مظبوط خالص!" أخبرها لتتنهد هي في حُزن

"صعبان عليا اوي هو ونور.. أنا بجد مبقتش عارفة أعمل ايه، وملقتش قدامي غير حل واحد.."

"حل ايه؟!" عقد حاجباه ناظراً لها في استفسار

"تعالى احكيلك بس اياك تجيبله سيرة ولا يحس بحاجة"

❈-❈-❈

ألقت على نفسها نظرة أخيرة بالمرآة وهي تزفر في ارتباك مما ستفعله اليوم، لقد ظلت اسبوعان تُعد لهذا اليوم منذ أن أخبرتها شاهندة بأنها لن تستطيع الحضور وعليها أن تحل محلها وأنها لا تستطيع أن تثق بأي شخص في هذا سواها. ستواجهها، ستواجه تلك التي أفسدت ذلك الرجل الذي أحبه قلبها، تشعر بالخوف لأنها لم تواجهها من قبل وخاصةً بعد أن رأت كيف هي ولكن شعورها بالغضب كان أكبر من خوفها، أرادت أن تدمرها تماماً مثلما فعلت مع بدر الدين بل حتى لن تتوانى لحظة عن قـ.ـتـ.ـلها إذا سُمح لها بذلك..

"ادخل.." صاحت بعد أن سمعت طرقات على باب غرفتها بمنزل عائلة بدر الدين فهي لم تعود بعد لمنزلها الذي ابتاعه لها منذ أن سافرت شاهندة.

"ايه الحلاوة دي؟ لا كده كتير علينا!" تكلم زياد لترتبك، فهي التي لم تتحدث معه ولو مرة منذ أكثر من عام

"شكرا" همست ثم اشاحت بنظرها بعيداً عنه

"نور، أنا اخدت قرار مش صح وفعلا مكنتش عارف أنا عايز ايه، مش عايزك تفضلي مضايقة مني وياريت نرجع أصحاب زي الأول" حمحم وهو لا يدري هل كلمـ.ـا.ته كانت منطقية أم لا

"ماشي يا زياد خلاص حصل خير" اخبرته بإقتضاب ليحك هو مؤخرة رأسه في ارتباك

"لا يا نور أنا غلطت متزعليش مني، واللي عملته بعد ما عرفت إنك انتي وبدر اتجوزتوا مكنش ينفع بردو.."

"خلاص يا زياد والله أنا مش مضايقة منك"

"لا مضايقة عشان بتقوليلي يا زياد.. دايماً زمان كنتي بتقوليلي يا زيزو" ابتسم لها لتبتسم هي له

"خلاص يا زيزو مش زعلانة!"

"اووف!! أخيرا.. أنا كنت بصراحة عايز أكلمك من بدري بس كنت متردد شوية"

"لا لما تحب تقولي حاجة متترددش تاني"

"طيب بمناسبة إن أنا مترددش، أنتي كويسة؟! يعني بعد اللي حصـ.."

"زياد أرجوك بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي" قاطعته بإرتباك وهي تتمسك بداخلها ألا تبكي

"مش يالا نروح نشوف هانعمل ايه مع الحرباية" غير زياد الموضوع بعد أن رأى ملامحها المتأثرة بحزن

"أنا خايفة اوي وبالذات عشان شاهندة مش معايا"

"متخافيش يا نور.. أنا وحمزة وهديل كلنا معاكي ومتقلقيش كل حاجة هتمشي على خير"

"يارب.." ابتلعت في ارتباك ثم تنهدت "أنا بس مش عارفة هكون هادية ازاي مع واحدة زي دي بعد كل اللي عملاه في بدر؟!" تسائلت بمنتهى التلقائية لتتجهم ملامح زياد وعقد حاجباه في جدية

"ما هو علشان ناخد حقه منها لازم منبينش قدامها اي حاجة خالص لغاية ما ننفذ معاها اللي احنا عايزينه، متقلقيش، كلنا هنا بنحبه وكلنا ياما شوفنا منها كتير، وما صدقنا بدر سمحلنا اننا ننتقم منها ونخسرها كل حاجة"

"ربنا يُستر" تمتمت ثم أمسكت بحقيبة يداها لتتوجه للخارج حتى تذهب بصحبة كلاً من زياد وحمزة للشركة.

❈-❈-❈


"بس العقود دي بتحملنا احنا الخساير كلها؛ نبقا شركا ازاي؟" صاحت وفاء بإنفعال وكاد حمزة أن يتحدث بينما تدخل زياد

"مدام وفاء اسمحيلي.. احنا بقالنا أكتر من خمستاشر سنة مخسرناش ولا مشروع وسمعتنا معروفة كويس اوي.. وبالنسبة للـ mobilization (معاينة وإمداد المواقع بالخدمـ.ـا.ت اللازمة) نقدر نبتدي فيه في اي وقت وساعتها تقدري تتأكدي ان استحالة المشروع ده بالذات يخسر. فأكيد لو فيه حاجة unexpected (غير متوقعة) مش هتكون من الخولي Holding (القابضة) أبدا!

حضرتك ممكن تفكري براحتك وتستشيري المحامي بتاعك على مهلك ونأجل العقود ونوقف كل حاجة ونبدأ بعد ست شهور على حسب خطة الـ mobilization الجاي عشان احنا بنعمله على حسب الـ policy الخاصة بالشركة بتسمحلنا بيها مرة كل تلت شهور وممكن ميكنش الموقع ده في الـ Plan (الخطة) الجاية.." ابتسم لها برسمية واندهش كلا من حمزة وهديل اللذان لم يعرفا منذ متى وقد أصبح زياد يتحدث بتلك الطريقة

"ست شهور.. لأ هامضي" صاحت وفاء ثم تناولت احدى الأقلام لتوقع في غضب، فطمعها لم يترك لها ولو فُرصة بأن تُفكر بالتريث أو التفكير، فهي تعلم كيف أصبحت شركاتهم من كبرى الشركات.

"والختم.." صاح زياد لتنظر له وفاء بغضب

"مش لما يبقا يمضي بدر الأول؟" تسائلت في تهكم

"للأسف هو في أمريكا عشان فرع الشركة الجديد وبما إن نسبتنا أكبر هنمضي في الآخر، لازم كل حاجة تتبعتله تكون جاهزة" ابتسم مجدداً برسمية بينما لم يُصدق الجميع أنه من يُضيق الخناق عليها بل وأصبح يتحدث بطريقة مختلفة تماماً عما عهده الجميع ليتركهم في دهشة.

"وهنشوف الموقع امتى؟!"

"حضرتك ممكن تحددي مع مدام هديل.."

"لما نشوف" تمتمت بضيق وتركت محاميها يقوم بختم العقود التي كانت أولى الخطوات بطريق خسارتها!

لم تكن تعي وفاء أنها يتم التلاعب بها، لقد ظنت فقط أن بدر الدين لا زال يشعر بالخوف منها بعد كل ذلك العمر ولهذا قد سمح لها بمشاركتهم ولكنها لم تعلم أن تلك السنوات التي أصبح وأمسى وهو يُعاقب على إستغلالها قد جعلته صلداً للغاية إلي حد لم يُمكنها تخيله أبدا!

❈-❈-❈

"يااه لو كنتي عملتي كده من بدري، بس بردو أنا كنت عارف إنك هتقدري تدخليني شريك معاهم" صاح صوت ذكوري بينما أحتضن تلك استندت على ظهره العاري وكذلك كانت هي عارية مثله

"معلش.. بس بردو اديني بشارك ناس تُقلها في السوق بيزيد يوم بعد يوم، لكل وقت ادان، وبعدين كل شوية العيال اللي أنت شايفهم دول دلاديل لبدر، وبدر بقا استحالة يرفض المرادي اللي أنا عايزاه" صاحت وفاء وعيناها السودواتان ينهال منهما الكراهية الخالصة

"هو جه النهاردة صحيح؟"

"لا مجاش.. وبعدين أنت فكرك يقدر يقف قدامي ولا يبص في عيني حتى"

"ليه يعني؟!" تسائل متعجباً

"ده حتة عيل لا راح ولا جه، أنا شوفته وهو بيتبهدل قدامي كتير وكنت ببهدله ومكنش بيتهز فيا شعره، ده حتى وهو المفروض مخلص جامعة أبوه كان بيكهربه ومكنش بيقوله لأ ولا بيدافع عن نفسه.. هو عارف كويس إنه مش راجـ.ـل وميقدرش يرفع عينه في عيني، ده ياما اتكسر قدامي.. لغاية عندي وميقدرش يفتح بقه، عارف تمامه معايا كويس أوي يا إما ممكن اطلعله تاريخه الأسود كله واخلي اللي ما يشتري يتفرج وافضحه صح قدام كل اللي شاغلين معاه، ده بس لو عليت صوتي وعملتله بلبلة كل الناس هتتكلم عنه"

"لولا إني واثق فيكي مكنتش صدقتك.. أصل يعني مفيش واحدة بتكره ابنها أوي كده"

"أكرهه!! ده أنا أطيق العمى ولا أطيقه.. بدر ده جه بوظلي كل خططي مع صابر زمان، كنت واخداها جوازه عشان اعيش وأقب على وش الدنيا، إنما ده جه بوظلي كل حاجة، أطفال ومسئولية وقرف وحمل وولادة ورعاية، مكنش في دماغي خالص الكلام ده، حتى لما كنت ببقا مع راجـ.ـل كان بيبوظلي مزاجي"

"لا إذا كان على مزاجك أظبطهولك تاني.." ضحك بخبث لتلتفت هي له

"ده أنا شكلي هاخد حباية تاني ولا ايه؟ جرا ايه مالك يا اشرف النهاردة؟" حدثته بعهر ودلال مصطنع

"النهاردة بقا هاظبطلك مزاجك زي ما أنتي ظبطيلي الشراكة مع عيلة الخولي" همس بوقاحة وهو ينظر لجسدها العاري الذي لا يلائم جسد إمرآة بالسابعة والخمسون وهو يناولها احدى الأقراص التي تؤجج شهوتها!

❈-❈-❈


"خلاص يا بدر متقلقش كل حاجة بقت تمام، من بكرة هديل هتاخدها الموقع، ومضت على العقود ووافقت على كل البنود أنا حسيت إنها شاكة فينا في الأول ومترددة تمضي بس لولا زياد مكنتش مضت" تحدث حمزة بهاتفه ولم يكن يعرف أن شاهندة تستمع المكالمة مع بدر الدين وحقاً لم يُصدقا ما سمعاه للتو لينظرا لبعضهما البعض في دهشة متمتمان في همس وفي آن واحد

"زياد!!"

"تمام يا حمزة، ومين اللي هيخليها تشتري الخامـ.ـا.ت والعمالة مكان شاهندة؟!" سأله بدر الدين فقط ليطمئن، فهو ظن أن احد أفراد إدارة المشتريات سيأخذ مكانها فود أن يعرف من سيكون!

"نور" اجابه حمزة ليُصدم بدر الدين بينما شعر بالخوف الشـ.ـديد من مواجهة كلا منها ووفاء فهو إلي الآن لا يأمن مكرها وخاصة أنه ليس من البعيد أن تؤذيه فيها هي فابتلع وهو يشعر بالرعـ.ـب من مجرد الفكرة، يكفي كل ما عرضه لها من ظلم وأذى إلي الآن!

"لا لا لأ.. مش هينفع نور تعمل كده!! شوفلي حد تاني" تحدث بدر الدين في غضب ولكنه لم يعرف أن الجميع كانوا يستمعون إليه أيضاً على الطرف الآخر ليُصدم مما سمعه بعدها..

"متخافش يا Mr بدر.. أنا عارفة أنا هاعمل ايه معاها كويس" صاحت نورسين بينما توقفت أنفاسه هو وتجمدت الدماء بعروقه بعد أن استمع لذلك الصوت الذي اشتاق له وشعر وكأنما قدماه لا تستطيعا حمله، أما الجميع فأندهشوا من منادتها له بتلك الرسمية وهو زوجها

"وآه على فكرة، ياريت تبعتلي ورقتي وتطلقني!"
أحقاً ما تقوله؟ ستكون هذه هي النهاية بينهما إذن؟ ما يقارب من ثماني أشهر من الإبتعاد ليتم الطـ.ـلا.ق هكذا؟ أكانت تلك نورسين؟ هل هذه هي فتاته الصغيرة التي تُحدثه؟ لم يستمع أبدا لتلك النبرة منها من قبل ألهذا الحد أصبحت تكرهه؟!

بالرغم من ذلك الموقف ومن استماع الجميع لهما ود لو يُخبرها كم أشتاق لها، تمنى لو أن يبكي ويخبرها كام كان فراقها مريرا بالنسبة له، يريد أن يصـ.ـر.خ ليحدثها بأنه اختار أكثر ما يكرهه بحياته وابتعد عنها فقط لأن هذا الحل الوحيد الذي رآه مناسبا حتى يحميها من نفسه ومن قسوته، لو فقط كانت هنا لكان أحتضنها وصرخ بكل ما أوتي من قوة ليخرج ذلك الثقل الذي أرهق قلبه بداخله ليدعها تعرف كم تعذب بقراره الخاطئ في الابتعاد، يريد أن يشكو لها وأن يبكي بين ذراعيها كالطفل الصغير وكل ما ينتظره منها هو تلك الطيبة والبراءة التي عهدها منها.. يريد أن يُقر أنه وأخيرا بعد سنوات من العذاب اختار العلاج لأجله ولأجلها، كي يكون أفضل لنفسه ولها ولأسرته.. علها كانت هنا معه!!

أكثر من شيء يريد رؤية ابتسامتها وتلك الفرحة بزرقاويتيها البريئتان عنـ.ـد.ما تعرف أنه يتعالج الآن حتى يُصبح إنسان أفضل، يريد النطق أمام تلك الصغيرة بأنها من غيرته والوحيدة التي بدأت في تبديد الظلمة بداخله، يريد أن يبتسم ويخبرها أنها من استطاعت أن تريه أنه يجب عليه أن يُصبح أفضل وبسببها هي من جعلته يرى شعاع النور ذاك ليُقبل على تلك الخطوة، يريد الكثير والعديد من الأشياء ولكن أرغبتها حقا بأن يتطلقا، أسيكون ذلك إفتراق أبدي؟ ألن يدعوها زوجته مرة أخرى؟!

ابتلع بصعوبة وآلم عاقدا حاجباه وشعر بتلك الشفتان أنهما كادا أن يفترقا ليُخبراه بالمزيد وذلك النفس تلتقطه كي تتحدث وقد أشتاق له حتى بدده الإشتياق ولكنه يعي جيدا أنه لن يستطيع التمالك والتحمل بأن يستمع منها حرف آخر فأنهى المكالمة على الفور ليهرب من مواجهتها ولأنه يعلم بقرارة نفسه أنه ليس بتلك القوة التي يتظاهر بها أمام الجميع وأنه بالنهاية جبان لا يملك من تلك الشجاعة ما يعتقده كل من حوله!

رآت شاهندة تلك النظرة على وجهه وتلك الملامح التي جعلتها تتآلم من أجله، وبالرغم من اتفاقها مع نورسين على كل ما يحدث الآن ولكن أشفقت عليه وعلى ذلك الآلم الذي ظهر عليه.

"بدر أنت هـ.."

"بلاش دلوقتي يا شاهندة" قاطعها بنبرة لا تحتمل النقاش عنـ.ـد.ما أدرك أنها ستبدأ بالكلام

"لأ دلوقتي.. عشان مينفعش تستنى أكتر من كده" تحدثت بإنفعال وهي مصممة على أن تتحدث له تلك المرة

"يوووه!! أنا ماشي وسـ.."

"لا مش هاتمشي ومش هاتتهرب مني زي كل مرة آجي افاتحك في الموضوع، أي حاجة تانية وراك تستنى!" صاحت بتصميم وهرولت في عصبية حتى توقفت أمامه ونظرت له لتتلاقى أعينهما

"طلقها.. طلقها وخليها تشوف حياتها، بنت خلاص عندها واحد وعشرين سنة، مستني منها ايه؟ ولا أصلا عايزها تستناك قد ايه أكتر من كده؟ سايبها متعلقة ليه؟ متعملش زي بابا.. متسيبهاش كده واديها فُرصة تشوف حياتها وتبني مستقبلها.. هي مش زي وفـ..."

تحدثت له بإنفعال وغضب بينما توقفت من تلقاء نفسها عنـ.ـد.ما أدركت أن حديثها أصبح لاذعا أكثر من اللازم وتأكدت أنه يتألم الآن بعد تشبيهها بتلك المرأة التي ولدته لتراه يسحق أسنانه في غضب وتعالت أنفاسه بمزيج من الإنفعال والآلم

"أنا مقصدش.. أنا آسفة" لانت نبرتها لتعتذر له ولكنها لازالت ناظرة إليه وهو تائه بين دوامة من الآلم والغضب والحُزن

"كفاية أوي كده يا بدر، هي مالهاش ذنب في حاجة.. اديها حقها في إنها تعيش حياة طبيعية وكفاية أنها لسه هتعاني تاني على ما تنسى، وأظن أنت عارف كمان هي عانت قد ايه في الأول بسبب غلطة مش غلطتها وظلمك ليها.. أنت من الأول وأنت عارف نور بالنسبالي ايه، ولو بنتي ولا أختي في الموقف ده مش هاسيبها كده.. طلقها أرجوك واديها حقها كامل وأنا مستعدة إنـ.."

"حا.." حمحم عاقدا حاجباه بعد أن حاول التحدث ولكن نبرته خانته بتحشرجها وإمتلائها بالدمـ.ـو.ع وتلك الغُصة التي كان يحاول ابتلاعها منذ أن استمع لصوت نورسين بل وكذلك كانت نبرته ضعيفة مهزوزة مهزومة لم يستمع لنفسه حتى هكذا من قبل

"حاضر.. هطلقها يا شاهندة.."

❈-❈-❈


هرولت خارجة لتغادر الغرفة بعد أن استمعت لصوته وبعد أن انهمرت دمـ.ـو.عها رغما عنها، لقد اشتاقت له، لتلك النبرة بصوته الرخيم، لقد اشتاقت لنطقه اسمها بتلك الطريقة، ولكن ما شعرت به وكأنما سكين قد غُرس بقلبها بعد أن وصد المُكالمة بتلك الطريقة، وكأنه لا يريد أن يُحدثها أبدا..

لماذا يفعل بها ذلك؟ لماذا يُعاملها بتلك الطريقة؟ ما الذنب الذي ارتكبته ليفعل بها ما يفعله الآن؟ أحقاً أستطاع كل تلك الفترة ألا يتحدث لها ولو لمرة؟ فقط مرة واحدة؟ ألهذا الحد لا يريد أن يستمع لصوتها؟ بل يتحمل ذلك الإبتعاد وكأن شيئا لم يكن؟ أكثير عليها أن يُعطيها سبب، فقط سبب أو حتى حُجة واهية لذلك الإبتعاد الذي قرره وحده دونها؟ لقد ظلمها من قبل كثيرا والآن يأتي ليظلمها هكذا؟!

بكت بمرارة ليتعالى نحيبها وهي تتذكر كل لحظة مرت عليهما سوياً وكم كانت هي متساهلة معه وكم أحبته بعد كل ما رآته منه وحاولت البحث عن تفسير وحيد ظناً منها أنها لربما أخطأت دون أن تدري حتى يتركها بينما لم تجد أي حُجة له!

دلفت هديل مكتب نورسين بعد أن أخبرها زياد بأن تتفقدها وتحاول أن تهون عليها قليلاً مما حدث، لتحاول هي التوقف عن البُكاء ومنع نحيبها بصعوبة وتلاقت أعينهما فأنتظرت نورسين حتى تستمع لما تريده منها لتحمحم الأولى وأدركت الثانية محاولتها في بدأ الحوار الذي كان من الواضح على ملامحها أنه صعب عليها كثيرا..

"بصي أنا.. أنا.." حمحمت مجددا وضيقت ما بين حاجبيها وتنهدت بعمق ثم نظرت لها بجدية شـ.ـديدة

"أنا عارفة كل اللي حصل، وعارفة إن مالكيش ذنب ولا ايد في أي حاجة وإنك اتظلمتي بس.." زفرت وهي تحاول أن تجد الكلمـ.ـا.ت التي تريد إخبـ.ـارها بها "أنا عارفة إن أخويا.. يعني.. اللي أقصده إن الموقف صعب، أنا مش هاكدب عليكي في الأول كنت فاكرة إنك السبب وإنك بتحاولي توقعي كريم، وبعدين مع الوقت أتأكدت من خيانته ليا"

دمعت عيناها لثوان وابتسمت في آسى وكأنها تتذكر شيئا ما ولكنها أزاحت هذا الفكر بعيدا عن عقلها وتماسكت واستعادت رباطة جأشها بجسارة حتى بدأت عيناها في امتصاص تلك الدمـ.ـو.ع مرة أخرى وحولتها لشجاعة مُطلقة وكأنها لم تتذكر ولو للحظة ماضيها الآليم!

"بدر وراني كل حاجة، وراني إن القذر اللي كنت مـ.ـر.اته حاول يقرب منك ويعمل حاجات وسـ.ـخة زيه معاكي، اللي بدر وراهوني ده أنا كنت متأكدة إنه بيحصل مع ستات كتير مش معاكي أنتي وبس، وبالرغم من إني كنت عارفة بقذارته ووساخته مع الستات كنت بحاول اديله في اعذار واهية، بس اللي وراهوني بدر فوقني، خلاني احس بإن واحد زيه بقذارته ووساخته ميستاهلش إن اديله في فرص أكتر من كده.." تنفست وهي تملئ رئتيها بالهواء ثم أطلقته وعقدت ذراعيها

"أنتي مستغربة إني بتكلم معاكي وبقولك كل ده وطبعا أكيد بتسألي أنا ليه بكلمك مع إننا يعني عمرنا ما كنا قريبين، بس عموماً خديها نصيحة من واحدة أكبر منك وشافت أكتر منك بين خيانة وكدب وإستغلال من واحد ميسواش، وبردو أنا مشوفتش منك حاجة وحشة وكنت ظالماكي ما بيني وبين نفسي" ابتلعت ثم أقتربت منها قليلاً لتنظر لها في تصميم

"لو بدر طلقك فعلا بعد كل ده ومداكيش أي سبب لكل اللي عمله معاكي اياكي تضعفي قدامه وخليكي قوية ومتنخيش أبدا لأي راجـ.ـل لأنهم كلهم في الآخر ميستاهلوش" تعجبت نورسين ونظرت لها مضيقة ما بين حاجبيها في تعجب

"عارفة إنه أخويا وعارفة إنه حاجة كبيرة أوي بالنسبالنا كلنا وأنا بالذات بعد اللي عمله معايا مقدرش أقول عليه كلمة ولا افتكرله غير كل خير بس أنا بكلمك ليكي أنتي، لبنت صغيرة لسه قدامها الحياة بطولها وعرضها ومستقبلها قدامها، متضيعيش وقتك وأقفي على رجليكي وأهو درس وأتعلمتي منه.. اسمعي مني كويس وخاللي الكلام ده حلقة في ودنك، لو محستيش إن اللي قدامك نـ.ـد.مان وهيموت من غيرك متسامحيش، متديش لحد أكتر من فُرصتين.. بعد كده التالتة تابتة!! متعمليش زيي وتضيعي عمرك على حد!! حتى لو كان الحد ده يبقا أخويا" زفرت بالنهاية ولا زالت نورسين تنظر لها في تعجب

"متعيطيش وقومي.. ورانا تحضيرات كتيرة اوي عشان الحرباية اللي جاية بكرة، امسكي نفسك كده وخليكي جـ.ـا.مدة!! اتفقنا؟!" حاولت الإبتسام لها في اقتضاب لتجفف نورسين المتبقي من دمـ.ـو.عها ثم أومأت لها بالموافقة

"طيب.. قومي اغسلي وشك وتعالي عشان نشوف هنعمل ايه" أومأت لها مرة أخرى لتتركها هديل وتوجهت خارجا.

لم تدرِ ما الذي عليها أن تفعله بعد أن استمعت لهديل التي لم تكن لتتوقع أنها ستحدثها بمثل تلك الطريقة، نوعاً ما كان كلامها منطقي، بالرغم من حبها الشـ.ـديد لبدر الدين ولكن كلمـ.ـا.تها بدت صادقة
!!

زفرت بعمق وهي تعيد تلك الكلمـ.ـا.ت بداخل رأسها مرة أخرى لتتذكر ما قالته منذ قليل لها "متديش لحد أكتر من فُرصتين.. بعد كده التالتة تابتة!!"

أومأت وهي تفكر ملياً بتلك الكلمة لتُتمتم "آخر مرة يا بدر.. آخر مرة، لو محستش إنك إنسان جديد بعد كل اللي هاعمله ده عشان خاطرك أنا فعلا مش هاعرفك تاني، وخاللي الطـ.ـلا.ق بقا يكون بجد مش هزار"

نهضت ثم توجهت لتلحق بالجميع وبالرغم من أنها لم تكن مقربة يوماً ما من هديل ولكن كلمـ.ـا.تها تلك أعطتها الشجاعة وعززت ثقتها بنفسها، فهي لن تتهاون مجددا بأي تصرفات منه قد تُسيء لها مرة أخرى، ولن تكن ساذجة ثانيةً مهماً كان!

❈-❈-❈


"يا فارس ده كان الحل اللي قدامي.. أنا آسفة يا بسنت بس بردو الموضوع مكنش بإيدي، والله الموضوع بس لغاية جوازكو ومش هايبقا بجد.. حتى ماما نجوى وحمزة وشاهي يعرفوا كل اللي هنعمله" تحدثت نورسين في تردد وتوسل بآن واحد بتلك المكالمة التي تشاركتها مع فارس المتواجد بالقرب من بسنت

"شايفة ايه يا بسنت؟!" تحدث فارس سائلا وهو يشعر بالقلق من قرار بسنت

"خلاص يا جماعة أنا بثق في نور.. وإذا كانت دي حاجة هتساعدها مع جوزها مفيش مشكلة" اجابت بسنت

"وكمان بابا هيهدى شوية لغاية فرحنا ومش هايحس بحاجة، أنا شايف الموضوع في صالحنا كمان"

"أنا آسفة يا جماعة، هو بس دبلتين أي كلام وصورتين تلاتة.. بس كده"

"لا خلاص يا نور متتآسفيش.. ربنا يعدي الأيام الجاية على خير إن شاء الله" تحدثت بسنت

"يارب" تنهدت نورسين بينما وجدت من يطرق باب مكتبها "ادخل!" صاحت لتسمح بالمرور لمن طرق منذ ثوان فتقدم منها احد الموظفين ليقدم لها مُغلف أبيض اللون لتومأ هي له في امتنان ثم تركها وغادر لتتفقد هي الظرف الذي احتوى على ورقة واحدة لتقرأ أولى تلك الكلمـ.ـا.ت في صدمة التي توسطت الصفحة "إشهار طـ.ـلا.ق رجعي!"

"طيب.. هكلمكوا تاني" أنهت المكالمة ثم جففت تلك الدمعة المباغتة التي تهاوت على وجنتها وهي لا تعلم لماذا تبكي وهي من كانت تعرف أن كل ما يحدث قد خططت له وعرفته مُسبقاً..

كان لديها القليل من الأمل، ربما كانت تظن أنه لن يتنازل عنها بتلك السهولة الشـ.ـديدة، أو لربما كانت تتمنى أنه لا يزال يريدها!! ماذا لو لم يعد يرغب بها؟ أهذه هي نهاية كل شيء بينهما؟ لن تراه مجدداً إذن! أهذا كل شيء؟ أأنتهى كل ما جمعهما بتلك السهولة؟!

"شاهي.." صاحت في نحيب مؤلم بهاتفها بعد أن اجابت شاهندة مكالمتها

"ايه يا نور فيه ايه؟ أنتي كويسة؟!" تسائلت شاهندة في لهفة بعد أن استمعت لنبرتها الباكية

"طلقني يا شاهي.. أنا لسه الورقة وصلالي دلوقتي" تحدثت بنحيب مجددا

"طب اهدي بس.. مش احنا اتفقنا إن كـ.."

"لأ!! أنا حاسة إن كده خلاص.. أنا.. أنا حاسة إنه عمري ما هاشوفه ولا أكلمه تاني.. أنا بكرهه، ياريتني ما كنت عرفته.. أنـ.." قاطعتها ببكاء هيستيري لتهز شاهندة رأسها بإنكار وآسى في آن واحد

"اهدي يا نور وبطلي عـ.ـيا.ط عشان نعرف نتكلم" أخبرتها ثم تريثت وما أن سمعت نحيبها قد أُجبر ليتحول لشهقات أكملت كلامها

"بدر متجنن من يوم المكالمة دي، رجع لموضوع السجاير تاني ومبينامش ومقضيها قهوة ومش مركز خالص في اي حاجة حتى الشغل.. لو تشوفيه هت عـ.ـر.في إننا بنسويه على نار هادية، وعصبيته بقا ايه.. ماشي يشخط في كل اللي حواليه" همست لها ثم أردفت

"عارفة.. أنا لولا إني اتخانقت معاه مكنش هيطـ.ـلقك ولا هايعملها، ده يا بنتي مكنش على بعضه ساعة المكالمة وبعدها كان متدمر.. صحيح صعبان عليا بس يستاهل" لاحظت إختفاء شهقات نور

"نهدى بقا كده ونسبك الدور صح عليه، أصل مكنش فيه طريقة غير دي قدامنا.. بطلي عـ.ـيا.ط بقا وقومي كده اعملي ماسك واختاري فستان حلو وكلمي فارس وماما نجوى وظبطي الدنيا.. واياك يشك للحظة في إنك عروسة ومبسوطة.. سامعة؟!"

"طيب يا شاهي بس.. هو كويس؟" تسائلت بنبرة قلقة

"يالا يا مـ.ـجـ.ـنو.نة!! هو ده اللي بتكرهيه.. جتك نيـ.ـلـ.ـة.. اجمدي كده، هو متبهدل حبتين وقلبي بيتقطع عليه بس خليه يتعلم الأدب عشان ميعملهاش تاني، حالا تقومي تعملي اللي قولتلك عليه.. وبكرة الصور تكون موجودة عندي.. جننتوني!!" زفرت شاهندة وهي لا تصدق مقدار ذلك الحب العجيب الذي جمع بينهما وشعرت بالشفقة على كلا منهما..

❈-❈-❈


"تمام يا بدر باشا.. الورقة وصلت"

أنهى المكالمة لتنهار دمـ.ـو.عه ثم تحولت لنحيب وهو يشعر بالإنكسار والهوان تجاه نفسه، يتحمل أكثر ما يرتعد منه ويكرهه بحياته وتركها مثلما أرادت حتى لا يجعلها تحيا مع شخص مريـ.ـض مثله، لا يطيق فقد من يحبهم ولكنهم دائماً ما يتركوه بالنهاية، لم يعد يستطيع التحامل على نفسه أكثر من ذلك، يريد أن يصـ.ـر.خ، يريد أن يتعالى بكاءه إلي أن تجف عيناه وتغادر روحه جسده، تمنى فقط لو أن هناك أحدا ليُربت على كتفه ويعانقه ويكذب عليه ليخبره بأن كل شيء سيكون بخير.. بينما يدرك هو بقرارة نفسه أن لا شيء سيعود مجدداً كما كان ولن يجد الخير بحياته كلها وكأنما حُكم عليه للأبد بأن يُعاني ويفقد من أحبهم قلبه دائما..

"أنا مبقتش عارف أعمل ايه، أنا تايه، زي العيل الصغير، أنا مكنتش مفكر اني ممكن أعمل كده وأقدر أطلقها.. ليلى أنا محتاجك تكوني جنبي، محتاج أي حد يكون جنبي، حتى شاهي وأمي الأتنين شايفين إن غلطان، بس.. بس مكنش قدامي حل تاني، أنا كنت خايف عليها من نفسي" تحدث باكيا وهو ينظر لتلك الصورة بمحافظة نقوده التي لا تفارقه أبدا

"كنت عايز أحميها مني.. بس مكنتش عايزها تبعد عني.. كنت فاكر إني ممكن أتعالج وأكون إنسان كويس، بس أنا مش واثق في نفسي حتى، معنديش الشجاعة إني أكون معاها، مش عارف لو اتعصبت تاني في يوم ولا لو وفاء طلعت قدامي ممكن أعمل فيها ايه؟! أنا محتاجها أوي يا ليلى تكون جنبي.. محتاج إني أشوفها واخدها في حـ.ـضـ.ـني، تفتكري في يوم ممكن نرجع لبعض تاني؟!" تسائل ناحبا وهو يحاول إلتقاط أنفاسه لبرهة

"يعني لو عرفت إني بقيت إنسان كويس ولو صارحتها بكل حاجة ممكن تسامحني وتقبل إني أرجعلها؟ بس هي طيبة وأكيد هتقبلني تاني.. بس مش عارف علاجي ده هياخد قد ايه!! بس بردو هي من حقها تكون مبسوطة في حياتها!!! أنا اتجننت يا ليلى مش عارف أعمل ايه" تريث لبرهة ثم تابع

"عارفة إن من يومها وأنا مش عارف أكون مع ست غيرها، ولا حتى مديت ايدي على ست تاني، ولا حتى واحدة من الأوساخ اللي بجيبهم بالفلوس، أنا خايف لو شوفتها، مش عارف هابص في وشها ازاي.. حاسس إن مرعوب منها.. أنا.. مش عارف.. حاسس إني عمري ما هتغير، حاسس إن نصيبي دايماً كده، أنتي بعدتي عني وبعدين هي حتى شاهندة وأمي مبقوش زي الأول معايا، أنا ليه بيحصلي كل ده؟ هو أنا وحش أوي كده يا ليلى؟ مستاهلش أكون مبسوط؟ مستاهلش حد يحبني أبداً؟ طب ليه؟ أنا حبيتك وحبيتها وحبيت أمي واخواتي بس ليه محدش بيكون كويس معايا للآخر؟ ليه مش بيحبوني زي ما بحبهم؟ وليه دايما الكل بيكرهني في الآخر؟ كله اتغير معايا من ساعة ما سيبتها مع إني حاولت أفهمهم إن كده أحسنلها.. حتى هي كمان مقدرتش تصبر عليا شوية!!" تعالت شهقاته ثم أكمل

"كنت فاكر إنها ممكن تعوضني عن الحب إللي ملقتهوش زمان من وفاء ومن أبويا، كنت حاسس إنها الوحيدة اللي هتفضل جنبي لغاية ما أموت، مكنتش أعرف إن أنا مستاهلش الحب بالطريقة دي يا ليلى، طب ليه لما أنا وحش مخدتنيش معاكي يومها؟ كان أحسنلي وأحسنلكم كلكم"

لم يعد يملك غير تلك الكلمـ.ـا.ت التي لربما أخرجت قلة قليلة مما يشعر به، لا يدري كيف سينساها، لا يعرف من أين له أن يبدأ من جديد بعدها، لقد جنى عليها وظلمها كثيرا هو يعي ذلك، لا يملك سببا قد يجعلها تعود له مرة أخرى، يبدو وكأنه عليه أن يعذب نفسه بنفسه جراء كل ما فعله بها وعليه أن يتجرع تلك المرارة وحده دون وجود أحد بجانبه!

❈-❈-❈

"عملتي معاهم ايه؟!"

"كان لازم نشتري الخامـ.ـا.ت.. المواقع كبيرة اوي بجد، ده بكرة هيبقا من أكبر الـ compounds في البلد.. الفواتير كلها معايا بس تقريباً جيبنا بضاعة للمخازن بحوالي خمسة مليون!" اجابته وفاء

"ايه!! ليه خمسة مليون؟ وأنتي كتبتلهم الشيكات؟!" صرخ أشرف في غضب

"يعني كنت عايز الموضوع يضيع من ايدي؟ وبعدين لازم كنت أسبيتلهم إني داخلة بتقلي"

"ما هو بردو مش طبيعي تاخدي ربع المبلغ عشان شوية خامـ.ـا.ت.. كنتي حاولي ندفع بالآجل حتى"

"آجل!!" صاحت متهكمة "عايزني أطلع قدام شوية العيال دول شحاته ولا إيه؟! ولا عايزهم يشمتوا فيا؟! جرا إيه يا أشرف ولا أنت مش قد الشراكة؟!"

"مش قد إيه؟!" ابتسم بسخرية ثم تابع "بس لو حصل فعلا وطلع الموضوع على فاشوش مش هارحم حد يا وفاء.. سامعاني كويس؟" نظر لها نظرة تهديد "دي فلوسي بردو!! وأنا في الفلوس معرفش أبويا!"

"ما هي فلوسي أنا كمان يا أشرف.. وقولتلك متخافش، ما أنا حطيت كل اللي معايا في الشراكة"

"احنا مشاركين بعشرين مليون.. أنتي ليكي منهم خمسة، يعني لو حصل وخسرناهم أنا هاخسر تلت أضعاف خسارتك.. وأنا مبخسرش يا وفاء.. سمعاني كويس؟!"

"ما خلاص قولتلك، ولا أنت مش قد الـ Business"

"قال مش قده قال.. بطلي حركاتك دي أنا عارفها كويس.. أنا بالذات مش هت عـ.ـر.في تقلبي عليا الترابيزة!! أنا مش بدر الخولي"

"ما تهدى بقا يا أشرف.. نسيت إني أخدت الحباية ولا ايه؟" ابتسمت له وهي تحاول أن تتلمس صدره العاري وتنظر له بدلال مصطنع

"بلا حباية بلا زفت.. عكرتي مزاجي.. قال خمسة مليون قال!!" اجابها بضيق ثم نهض ليتركها على السرير دون أن يكترث لها بينما هي شعرت بالقلق، ماذا لو كان ما تحدث به صحيحا؟! لن تستطيع أن تعوض تلك الخسارة.. عرفت أن عليها أن تضمن حقها بأي طريقة مهما كانت وآخذت تفكر أنها عليها أن تخرج من تلك الشراكة بأي نسبة ربح وحتى لو نسبة ضئيلة..

❈-❈-❈

"اهو اهو جاي.." همست شاهندة بهاتفها بينما تصنعت عدم ملاحظته وهو يدلف الغرفة ثم صاحت وكأنها لا تراه وركزت بحاسوبها الذي عج بالصور العديدة لكلا من نورسين وفارس وأعطتها ظهره حتى يستطيع لمح تلك الصور لهما

"ياااه يا نور.. ما شاء الله ربنا يسعدكوا يا حبيبتي لايقين أوي على بعض.." انتظرت لثوان لتشعر بتوقف خطواته والصمت خيّم على الغرفة

"بس لأ بجد مقدرتيش يعني تستني إني آجي وأشوفك وأنتي عروسة.. ده أنا خلاص كان ناقصلي يومين وأخلص أول course، بجد زعلانة منك"

"ربنا يتمملك بخير وعقبال بقا الفرح الكبير بس اوعي تعمليه من غيري يا بنوتي"

تريثت مجددا لتستمع لأنفاسه اللاهثة غضبا وشعرت وكأنما شاشة الحاسوب التي آخذت تمرر بها صور نورسين وفارس كادت أن تحترق من نظراته، خاصةً وأنها لم تجعل الأمر عليه هيناً ليراها كذلك بفستانها الأحمر الذي كشف مفاتنها..

"اديني بقا فارس أبـ.ـاركله لغاية ما آجي وأبـ.ـاركله بنفسي" تصنعت الفرحة المُزيفة لتستمع باب الغُرفة يصطدم بالحائط حتى ظنت أنه قد تهشم وارتفعا كتفيها بتلقائية خوفاً من صوت الإرتطام "ده شكله ولع!! ربنا يُستر من اللي هيحصل!!" أخبرت شاهندة نور التي كانت تُحدثها هي ونجوى على الطرف الآخر لتقلقن ثلاثتهن من ردة فعله القادمة..
"تفتكري راح فين يا شاهي؟!" تحدثت نورسين في قلق بعدما عرفت أنه قد غادر للتو

"معرفش.. أصل ده مـ.ـجـ.ـنو.ن وشكله كده هيطلع جنونته.. بس بجد ربنا يُستر.. استني كده أبص عليه" هرولت شاهندة لأحدى النوافذ لتراه يشرع في قيادة سيارته في جنون وقد استمعت لذلك الإحتكاك العنيف لإطارات سيارته بالأسفلت

"لا فعلاً ربنا يُستر"

"شاهي أرجوكي متخوفنيش.." صاحت في ارتباك

"بصي أنتي خليكي هادية خالص، وخلينا نهدى كده، احنا يا بنتي الساعة عندنا تسعة ونص الصبح.. أنا لحقته قبل ما ينزل الشركة أصلا.. أنتي تدخلي تنامي كده والصباح رباح، تكون الدنيا ليلت عندنا وهاجبلك الخبر اليقين متقلقيش"

"يوووه بقا يا شاهي، أنام ازاي بس.. أنا هموت وأعرف رد فعله ايه، يعني هيرجع ولا متعصب ولا بيفكر في ايه"

"يووه بقا يا شاهي" صاحت مقلدة اياها "اتكلمي ياختي زيه اوي، اديكي واخدة على عينك اهو.. نور بقولك ايه، اتقلي كده واهدي ومتجنينينيش أنا أصلاً مش مطمنة.. فحاولي كده تصبري ساعتين تلاتة، تلاقيه راح اي حتى يهدى ولا يفكر هو هيعمل ايه لأنه زمانه مولع، نديله وقته وكلها شوية وهنعرف عمل ايه"

"مش قادرة استنى بصراحة، أنا كنت فاكرة انه ممكن ياخد منك الموبايل، يزعق، يعمل اي حاجة.. مش يمشي كده وخلاص"

"بقا ملك الكون الغامض الصامت القامت هت عـ.ـر.في هو ناوي على ايه؟ ده يوم ما دخلنا في موضوع وفاء أنا استغربته"

"يووووه بقا وفاء ايه بس، ده أنا نسيت خلص إني هفاتحها في موضوع عربيات الأمن بكرة"

"عرفتي بقا إنك محتاجة تنامي؟ اتفضلي بقا خدي بعضك ونامي.. أنتي عارفة إن فيه فرق ست ساعات ما بينا يعني الساعة بقت تلاتة ونص"

"يووه بقا!!" وضعت أظافرها بفمها وهي تحاول التفكير فيما قد يفعله وشعرت بالإرتباك "أنا عارفة إني مش هيجيلي نوم بس هحاول على قد ما أقدر"

"ماشي، وأنا حتى لو عرفت حاجة هبعتلك message ومتنسيش بكرة أول ما تخلصي مع وفاء تقوليلي بالحرف عملتي ايه، وزي ما فهمتك يا نور.. الست دي بقا احنا عايزين نخلص منها.. كفاية اللي عملته فينا وفي بدر"

"حاضر يا شاهي"

"يالا يا حبيبتي ادخلي نامي انتي دلوقتي ومتقلقيش" حاولت طمأنتها "تصبحي على خير"

"وأنتي من أهله.."

أنهت نورسين مكالمتها مع شاهندة وهي لا تستطيع النوم، تشعر وكأن عقلها سيجن، تشعر بالخوف كذلك، ما إن استمر في ابتعاده؟ هل يمكن أن يؤذي فارس؟ وماذا إن لم يعد؟ ماذا ستفعل معه إذن؟ لم يعد لدى فارس سوى اسبوعان على زواجه!!

يحترق عقلها من كثرة التفكير وهي قد جابت الغرفة ذهابا وإيابا.. حاولت النوم فلم تستطع، حاولت أن تتبين ردة فعله فلم تدرِ أيضا، تشتت بين أفكارها وهي تتململ بفراشها ولم يلمس النوم جفنيها حتى تستطيع بدأ يوم جديد..

❈-❈-❈


سيطر على وجهه الوجوم والغيظ الشـ.ـديد، ملامحه تُنبأ بالشر، يحاول منع نفسه عن التفكير بتلك الأفكار الشيطانية حتى لا يقـ.ـتـ.ـل ذلك المدعو بفارس، أما هي فلابد أنها نست من تزوجت، يبدو أنها بعد كل ما فعله معها لم تستطع معرفته بعد..

جلس بتلك الطيارة الخاصة التي كلفته ما يقارب ثروة باهظة فقط ليعود ليرى تلك الصغيرة التي لم يُكمل طـ.ـلا.قها منه ولو أسبوع واحد!! يحاول أن يكف عن سحق أسنانه ولكن لا يستطيع، يحاول أن يهدأ من أنفاسه المتثاقلة غضبا، تناسى كل شيء، علاجه وتلك العاهرة التي ولدته، عائلته، نسى كل شيء وفقط لا يريد إلا أن يرى وجهها وهو يعيدها إليه مرة أخرى!!

إن لم يكن برضاها فبالإجبـ.ـار، لقد تركها فقط لأنه كان خائفاً من نفسه أن يضرها، ولكن الآن أتريد هي أن تُصبح مع رجل آخر سواه؟ هذا لن يسمح به أبدا..

تفقد الوقت بساعة يده ليجد أنه أقلع منذ نصف ساعة فقط وتبقى من وقت الطائرة ما يقارب من تسع ساعات ليعقد قبضتاه في غضب وهو يحاول أن يُفتش بداخله عن تلك القدرة التي يستطيع أن يصمد بها إلي أن يراها مرة أخرى..

عليه أن يهاتف الحراس حتى يعلم أين هي، أبمنزل عائلته أم بمنزلها هي؟ أيُعقل أنها ستستكمل الأعمال مع وفاء؟ عليه أن يعيدها إليه تحت أي مسمى، لن يتركها لتلك العاهرة، لن يتقبل أيضا عناد تلك الصغيرة، هي لا تعرف بعد ذلك التملك بداخله لم تختبره من قبل وسيدعها تلك المرة لتراه بنفسها..

ضـ.ـر.ب الكرسي جانبه بقبضته وهو يتذكرها بذلك الفستان الأحمر الذي كشف أكثر مما ستر وهي جالسة بجانب فارس لتتثاقل أنفاسه الغاضبة في تهدج كالبخار المتصاعد من شـ.ـدة الغليان، ولم لا؟! فدماءه كانت تغلي بالفعل وهو على وشك الإنفجار بأي لحظة الآن!

ولكن كيف له أن يتحمل تلك الساعات؟ كيف له أن يصمد وهو غارق بمحاولة صد ذلك الإحتياج ليقـ.ـتـ.ـل ذلك العاهر، لماذا وثق بأنه لا يريد التزوج بها منذ البداية؟ لماذا كان ساذجا بتلك الطريقة؟!

لا لا، لن يفكر ولن يكترث بأنها قد ترفضه، أنّى لها هذا؟ إن لم تتعقل وتتقبله مجددا سينفجر بوجهها كالبركان الثائر ولتتحمل هي نتيجة أخطاءها إذن.. سذاجتها أدانتها أمامه، لتتحمل نتيجة أفعالها..

ولكن هو من ابتعد بالبداية، هو من تركها خلفه وحدها، حسنا.. لقد كان غـ.ـبـ.ـي للغاية، هو يعترف بذلك أمام نفسه، غـ.ـبـ.ـي مثلما نعتته بأول يوم وقعت به عينيه عليها بالمرأب، ولكن لن يحدث كل ما تحاول تلك الصغيرة أن تفعله، لن يتركها ولن يراها مع رجل آخر سواه حتى ممـ.ـا.ته..

شرد بين أفكاره التي مزقت عقله الذي غلت به الدماء وكاد من يراه القسم بأن ملامحه تحترق من حُمرة الغضب، أمّا عن هاتان الثاقبتان فلن يستطيع أحد الصمود أمامهما حفاظا على استمرارية حياته!!

❈-❈-❈


شعرت بالإرهاق وهي تدلف مكتبها فهي لم تستطع النوم منذ البـ.ـارحة.. لم تعرف هي ولا شاهندة إلي أين ذهب بدر الدين، لم تستطع التنبؤ بعد بما قد يفعله، لقد ظنت أن الأمر سيكون أسهل ولكنها لم تعلم شيء بعد!

نهضت وهي تُمسك بعض الأوراق الأخرى وبضع أقراص مدمجة عليها ما أعدته حتى تُقنع وفاء بضرورة شراءها تلك السيارات حتى تبدأ في خسارة جميع ما تملك كما خطط الجميع.

"وانتي بقا العيلة اللي بعتوهالي.. جرا ايه معندكوش رجـ.ـا.لة ولا ايه؟!" تسائلت وفاء بتهكم لتبتسم لها نورسين ابتسامة لم تلامس زرقاوتاها

"لأ.. سايبين الرجـ.ـا.لة للتقيل.. ده احنا حتى جايين نتكلم في شوية فكة!!" ازدادت ابتسامتها المتهكمة وهي تنظر لها بكراهية شـ.ـديدة فهي لا تزال تتذكر تلك النظرات منه وتلك الكلمـ.ـا.ت التي أهانها بها فقط لظنه أنها تُشبهه.. ولكن لا، لن تدعها تظن أن حفنة أموالها قد تساوي شيئاً يُذكر..

حاولت أن تسيطر على ذلك الشعور الذي يحدث لا كلما نظرت لتلك المرأة لارى بها نسخة أخرى من زوجها، لا تدري أتكرهها أم تتوسل لها لتبقى أكثر، فملامحهما طُبعت وكأنهما توأمان..

"الـ presentation اللي قدامنا بيوضح نبذة صغيرة عن دور الأمن في المواقع المتعاقدين معاها" نهضت وهي تتجول بذلك الزي العصري وحذاءها ذو الكعب العالي وأخذت تمشي بأنوثة لتنظر لها وفاء في غل وحقد

"مثلا بجانب الـ Guards و Managers و K-9 Units، عندنا بردو sentry apc ودي عبـ.ـارة عن عربيات خاصة للأمن، بتكون مُصفحة ومجهزة بوسائل كتير يقدر يستخدمها أفراد أمن الموقع علشان حماية الـ residents (السكان)، طبعا المواقع اللي حضرتك متعاقدة عليها هما خمسة، محتاجة على الأقل في كل موقع من عربيتين لتلاتة.. وسعرها بيبتدي من 600 ألف جنيه لغاية 800.."

"800 ألف عفريت لما ينططوكي!!" قاطعتها لتصدح نورسين ضاحكة

"دي شوية فكة يا مدام وفاء" رفعت حاجباها وهي تسخر منها

"ما نأجرهم.. نشتري ليه عربيات بملايين ليه.. أنا مش موافقة على الكلام ده" صاحت في انفعال

"في البند التاسع شروط الشراكة اننا نحافظ على الطرف التاني اللي هو حضرتك لازم يحافظ على صورة ومستوى الطرف الأول اللي هو الخولي Holding.. لو أجرنا العربيات سمعتنا هتضر جـ.ـا.مد.. أصلا السعر ده بالنسبة لإستفادتنا بالعربيات دي ولا حاجة.. فشوفي حضرتك تحبي تقرري ايه.. احنا مش هينفع نقل بمستوانا لموضوع الإيجار ده" نظرت لها بآسف مصطنع ليزداد غضب وفاء

"ممكن نجيبها بالقسط!"

"قسط؟!" ضحكت لتستفزها أكثر وحاولت التوقف بصعوبة "للأسف مش هينفع.." همست بين ضحاكتها وكأنها لا تستطيع التحدث

"ما تتلمي جرا ايه مالك؟! ولا اللي مشغلك مش معرفك مقامك.. قومي اندهيه وأنا اعرفه مقامه كويس!! ولا هو جبان ومش قادر يواجهني؟!" صرخت بها في عصبية لتشعر نورسين بالغضب الشـ.ـديد من حيثها وعلمت جيداً أنها تقصد بدر الدين

"اللي مشغلني لولا موافقته مكنتيش عتبتي الشركة دي برجلك.. اتكلمي بإحترام احسنلك!" أخبرتها بجدية

"وهو انتي محترمة؟ روحي غوري من وشي.."

"أنا بردو اللي أغور من وشك.. اللي مت عـ.ـر.فيهوش إنك في شركة جوزي!" رفعت احد حاجبيها مهددة اياها "لو حابة تغوري أنتي اتفضلي محدش هايمنعك.. ولعلمك يا.. يا وفاء، أنا عارفة كل حاجة عنـ.."

"ايه في ايه وايه الصوت اللي سمعته ده؟!" دلفت هديل لتقاطعهما وملامحها جـ.ـا.مدة

"حتة العيلة دي متتعاملش معايا تاني" صاحت وفاء بإنزعاج

"معلش بردو بس أنا شايفة إن الشراكة دي مش قد المقام، هتقلل من مستوانا جـ.ـا.مد، لو شايفة أن الموضوع مناسب القرار يرجعلك.. بعد اذنكم"

توجهت للخارج على الفور تحت أنظار كلا منهما وهي إلي الآن لا تُصدق أنها لم تستطع السيطرة على أعصابها أمام تلك المرأة، لقد حاولت التحلي بالقوة والرسمية، لقد حضرت اليوم بكامل أناقتها أمامها لتبين لتلك العجوز المتصابية أنها لم تعد بمثل ذلك الجمال وأن تلك الصغيرة ستنهيها ولكن لماذا لم تسطع مواجهتها كما يجب؟ أهذا لأنها لا تستطيع فعلها أم هذا لأن عقلها كان بمكان آخر تماما؟! لقد تمنت أن تقـ.ـتـ.ـلها بيديها ولكن أعصابها المتـ.ـو.ترة لا تتركها لتتخذ القرار والتصرف الصحيح!

تفقدت هاتفها في لهفة فلم تجد شيئا فحاولت الإتصال بشاهندة التي لم تجبها لتدرك أن لربما تأخر الوقت وقد ذهبت للنوم فتنهدت في حُزن وهي لا تدري ما الذي عليها فعله! تشعر وكأنها لا تقدر على مواجهة أحد، تريد أن تختفي عن أعين الجميع، لن تقدر على النظر بتلك الأعين المتسائلة عن وضعها هي وبدر الدين.. قررت أن تغادر لمنزلها حتى تبتعد عن الجميع ولربما تستطيع أن تُصبح أفضل..

❈-❈-❈


دلف داخل منزلها بعدما علم أنها ستعود لمنزلها وانتظرها لتمر عليه تلك الدقائق وكأنما سكين بـ.ـارد يُغرس بقلبه، أخذ يجوب ذهابا ومجيئا بصالة الاستقبال منتظرا عودتها ربما للمرة الآلف، يشعر وكأنما الغضب يفتك به، لا يريد أن يواجهها أمام أحد، لقد انتظر طوال اليوم بأكمله حتى يراها، لماذا تلك الدقائق هي الأصعب عليه؟!

حاول تنظيم أنفاسه المتهدجة غضبا ولكن دون فائدة! حاول أن يسيطر على ذلك البركان الثائر بداخله ولكن لم يستطع! غضبه لم يكن مثل قبل، يشعر وكأنه إن لم يتملكها ثانية سيخسر كل شيء بحياته، يدري بقرارة نفسه أنه ليس غاضبا فحسب، هو متأكد أنه خائف، يشعر بالرعـ.ـب من مواجهة تلك الزرقاوتان اللتان فضلتا احد الرجال عليه منذ ساعات!!

دلفت منزلها في تأني وهي شاردة تماما بكل ما مر عليها اليوم ثم التفتت لتوصد الباب لتجد زوج الثاقبتان التي قد اشتاقت لهما بتلك الثماني أشهر اللعينة تحدق بخاصتيها الزرقاوتان، شعرت وكأنما الوقت توقف حولها وكذلك أنفاسها، بل الدماء بعروقها، دمعت عيناها، هي لا تُصدق حقاً أنها نجحت.. هو أمامها، لقد آتى من أجلها، لا زال يُحبها وقد شعر بالغيرة من كل ما فعلته.. كادت أن تبتسم له بعدما تأثرت ملامحها ولكن تلك النظرة بعينيه كانت مُرعـ.ـبة، لم ينظر لها بتلك الطريقة من قبل، حتى بتلك المرات التي عذبها بها منذ الكثير من الوقت.. وبالرغم من كل ذلك الذعر الذي تبعثه تلك السوداوتان بالنفوس لم تكترث البتة.

ظل يقترب منها وهو يشعر بالخوف والغضب بآن واحد، ماذا سيخبرها؟ كيف سيمتلك الشجاعة لكي يتحدث لها؟ ابتلع في تردد وهدأت خطواته ولكن ملابسها تلك التي تظهر مفاتنها بل كل ما فعلته تلك الصغيرة أنساه خوفه وتذكر غضبه! يجب عليها أن تعود لرشـ.ـدها وتتذكر من هو بدر الدين!

"اياك تقرب مني"

صاحت بإنفعال لتمنع اقترابه منها عله يتوقف ولقد ظنت لبرهة أنه قد يتوقف بينما رآته يُسرع مجددا ولاحظت عدم إكتراثه أما هو وخاصةً بعد رؤية تلك النظرة بزرقاويتيها ولاول مرة تبدو غير خائفة منه.. حسنا.. ذلك لحسن حظها إذن، عليها فقط أن تُكمل للنهاية وتكون شجاعة بمثل تلك النظرة!

ضيق عيناه وظل يقترب منها بخطوات سريعة ثم أمسك بكلتا ذراعيها ونظر لها بمنتهى الغضب وتعالت أنفاسه في لهاث حتى شعرت هي بملامسة أنفاسه الساخنة على وجهها التي اشتاقت لرائحتها أكثر من أي شيء، تمنت لو فقط احتضنته لها مرة أخرى، لماذا لا تستطيع أن تهرول نحوه وتبكي بصدره من كل ما فعلها به؟ لا!! لن تخاف منه هذا المرة ولن تكون ساذجة مجددا لن يبعثرها ذلك الإشتياق لتفعل كل ما تمنته وستكون قوية!!

"أنت مبتفهمش.. متلمسنيش!! ابعد عني!" 

صرخت به ليزداد هو غضبه وهو لا يُصدق ملامحها التي تحولت تماماً لتبدو ملامح إمرأة بالغة الآن وليست طفلته التي أحبها

"أنت مش طلقتني.. جاي تاني ليه، أنا دلوقتي ست مخطوبة و... آآه" 

لم تُكمل بعد أن قاطعها بتلك الدفعة ليرتطم ظهرها بالحائط خلفها

"مخطوبة!! هو ده اللي كنتي عايزاه من الأول مش كده؟!" تحدث لاهثا بين أسنانه المُطبقة

"وأنت مالك أصلا بيا وأنت سايبني تمن شهور بحالهم.. اتفضل ابعد عني وأخرج برا أنا مش عايزة أشوفك تاني.."

"لكن عايزة تشوفيه هو مش كده؟!" صرخ بها وهو يزيد قبضتاه حول ذراعها 

"بس مش هانولهالك" ابتسم لتبتلع هي من تلك النظرة التي انهالت من عينيه وشعرت بالخوف وتهدجت أنفاسها في ارتباك!

"أنت بتعمل ايه؟ ابعد عني" صرخت به وهو يمزق تنورتها التي انتهت قبل ركبتيها دون أن يكترث بمحاولات فرارها من قبضته على ذراعها ثم أكمل ليمزق ذلك القميص الرقيق الذي لم يستطع حتى إخفاء نهديها

"مش عايز اسمعلك صوت" تحدث بغيظ بين أسنانه الملتحمة لتحاول هي ايقافه بيدها التي لا يُمسكها ولكن دون جدوى

"أنا اللي مش عايزة اسمعلك صوت وامشي اطلع برا!! أنا بكرهك، مش طايقة أشوف وشك" 

نظر لها مندهشا رافعا حاجباه بإبتسامة ساخرة مرعـ.ـبة بعثت الخوف لها ولكنها حاولت أن تبدو غير متأثرة

"طب استني بقا لما أخليكي تكرهيني صح" أخبرها ثم أخذت يده تحرر جسده من بنطاله لتتعالى أنفاسها أكثر

"أنت بتعمل ايه؟ أنت اتجننت؟!" توسعت عيناها في دهشة مما يفعله

"متجيش جنبي اياك تـ... امشي اطلع برا!!" صرخت به ولقد تلعثمت لثانية عنـ.ـد.ما أدركت وفهمت ما يحاول فعله ولكنها لم تكن تتصور ذلك أبدا، لقد ظنت أنه لربما سيأتي غاضبا وسيصـ.ـر.خ بها ولكن أن يمارس معها الجنس أول ما يراها، هذا ما لم يكن بحسبانها.

"عايزة ت عـ.ـر.في أنا بعمل ايه؟ أنا اعرفك كويس!" 

أقترب منها ليحمل جسدها مُجبرا ساقيها على الإبتعاد وفي لمح البصر ازاح سروالها التحتي وهو يسند جسدها للحائط بثقل جسده ثم رآته يقطع غلاف ذلك الواقي بأسنانه واتم الأمر في ثوان.. 

لم يكترث لأنفاسها التي بدت خائفة الآن، لم يكترث لصياحها الممانع والرافض، لم يكترث سوى لتملكها مرة أخرى وجعلها إمرأته مرة ثانية! ولكن بمنتهى العنف المرضي!

"هو ده اللي أنتي كنتي عايزاه مش كده؟! بتطلقي مني عشان العيل اللي رايحة تتخطبيله" 

دفع بها بقوة لاهثا بين أسنانه المُطبقة لتصرخ هي من شـ.ـدة دفعاته، لا هذه لم تكن ممارسة من أي نوع، هذا كان انتقام خالص.

"آه.. أنا عايزة اتجوزه.. ارتحت؟ أشوفلي راجـ.ـل بجد يحبني بدل اللي يسبني تمن شهور وحتى مسألش فيا" 

اختلفت نبرتها وهي لا تدري كيف له أن يتملكها دائماً بتلك الطريقة، كل مرة تفقد نفسها وتفقد القدرة على التركيز وهو يفعلها بها، ولكن لا، لن تستمع لقلبها تلك المرة، حتى ما يفعله بها لن يؤثر بها

"آآه.. ابعد.. عني.. أنا.. بكرهك!" 

صاحت بصعوبة بين أنفاسها المتهدجة التي توالت في سرعة شـ.ـديدة بينما لم يرحمها هو.

"وأنا مش شايفاني راجـ.ـل؟ عايزة غيري؟ عايزة واحد تاني؟ مش هاسمحلك يا نورسين، مفيش راجـ.ـل غيري هيلمسك، أنتي بتاعتي، مراتي، وهتفضلي طول عمرك مراتي، واحد غيري لأ.. مش هايحصل، على جثتي.. والكـ.ـلـ.ـب التاني ده أنا هموته بإيديا هو وأي راجـ.ـل تاني يفكر بس يبصلك ولو وصلت لأني احبسك هعملها، سمعاني ولا لأ؟!"

صرخ بجانب أذنها بكل ما أوتي من قوة وهو يلهث ليستمر بقسوة فوجدت نفسها تبكي ولكنه لا، لن يتخلى عن غضبه الآن! غيرته العمياء جعلته لا يرى سوى ضرورة الإنتقام منها بتلك الممارسة لا غير!

حمل جسدها ممسكا بخصرها وهو لازال بداخلها ليلقيها على أقرب أريكة ثم اعتلاها ليكمل ما بدأه ومزق ملابسها ليلتهم كل ما استطاع تلمسه بين أسنانه ليفترسها في شراسة ثم لعن نفسه على صرخات الآلم تلك التي أنهالت على أذنيه!

توقف لينظر لها ليجبر ساقيها على الارتفاع حتى شعر بقدميها تلامسان كتفه وأخذ ينظر لها ولتلك الدمـ.ـو.ع المنهمرة من زرقاويتيها اللتان لا يحب أكثر منهما بحياته ليشعر بغضبه يزداد تجاه كل ما يحدث!

"عايزة تسيبيني.. أنا مش هاسيبك أبداً" 

صاح متألما ليقترب من أذنها ولثم عنقها في همجية شـ.ـديدة وهي لا تدري أتحـ.ـضـ.ـنه أم تدفعه بعيدا!

"زي ما أنت ما سيبتني.. أنا بكرهك يا بدر.. ابعد عني.. مبقتش طايقاك" 

توقفت عن بكاءها ولكن نبرتها الحزينة تلك قد مزقت قلبه لينعكس عنفه بتلك التلثيمـ.ـا.ت الماكرة التي تملكت كيانها بأكمله

"متزعليش مني.. أنا كان لازم ابعد" 

اختلفت نبرته الهامسة تلك المرة كثيرا لتشعر بآلمه بعد أن تحولت طريقته واختلفت لتشعر به وكأنه يمارس الحب معها وأخذ يُقبل عنقها بنعومة وخفت حدة قبضتاه عليها ولكنها لا لن تستسلم له بهذه السهولة..

"ده أنتي مصممة بقا!!" 

نظر لوجهها بعد أن شعر بها تحاول دفعه ولكنه لا لن يتركها تذهب من أسفله

"أنتي اللي جنيتي على نفسك!"

أمسك بكلتا يداها ليرفعهما فوق رأسها وثبتهما بيد واحدة ثم أقترب من شفتيها وهو يقبلها رغما عنها في نهم ضاري تام بعد أن حاولت هي الإفلات من قبلته محركة رأسها يمينا ويسارا كي تُفلت منه وبعد أن صدته بكل ما استطاعت من قوة خارت قواها بالنهاية ليستطيع انهاء هذه الحرب بتراقص السنتهما سويًا وشعرت به يجوب بفمها وبعد أن أوشكت أنفاسها على الإنقطاع وجدته يبتعد ليمسك بشفتها السفلى بين أسنانه يعض عليها بعنف بينما هي التقطت أنفاسها وتركت الهواء الممتزج بأنفاسه يتخلل رئيتيها.

"آه.." كانت دفعته تلك بمنتهي القسوة، لا لن تستطيع أن تتحمله بهذه الطريقة أبدًا وحتى ولو كانت تشتاق له 

"بدر أنت بتوجعني.."

"ما أنتي وجعتيني" تحدث لاهثا أمام شفتيها ثم حاوط عنقها بيده الأخرى ودفع بها بقسوة مجددا ليتعالى صراخها

"حلو الوجع مش كده؟ حلو لما أشوف جـ.ـسمك باين وبتضحكي جنب واحد غيري وماسك ايدك.. حلو كل اللي عملتيه مش كده؟" 

صاح لاهثا لتبدأ هي في الشعور بالإختناق

"مش قادرة.. اتنــفس" همست وهي لا تُصدق ما يفعله بها وقاربت أنفاسها على الإنقطاع تماما

"ما أنا مكنتش قادر اتنفس من ساعة ما عرفت.. فرقت ايه يعني؟" 

ارخى قبضته حول عنقها ثم دفن وجهه بشعرها ليصبح فمه أمام أذنيها وهو لا يزال مثبتا ليداها فوق رأسها

"أنا كنت خايف عليكي.. كان لازم أعمل كل اللي أنا عملته ده، مكنتش عايز أوجعك تاني.. أنا بحبك.. بحبك أوي يا نوري.. كان لازم ابعد واتعالج وارجعلك إنسان احسن.. مفيش علاج للي بعاني منه هنا في البلد.. أنتي مكنتيش هتستحملي اللي أنا فيه، مش ذنبك إن إنسان قذر وسادي بالطريقة دي.. أنا آسف.. أنا كنت بتعذب وانتي بعيد عني.. أنا مقدرش اسيبك أبدا" 

أسرع من دفعاته بداخلها بينما شعرت هي بدمـ.ـو.عه تنساب على عنقها لتجد نفسها هي الأخرى تبكي

"أنت كـ.ـد.اب" همست بنبرة امتزجت بالحزن والشبق بآن واحد

"أنا استحالة اكدب عليكي.. متسبنيش يا نورسين.. أنا بس كنت محتاج وقت عشان أكون كويس.. عشانك. عشان مأذيكيش"

"بردو كداااب.." همست بصعوبة عنـ.ـد.ما أزاد من سرعته 

"لأ يا نورسين مش كـ.ـد.اب.. أنا بحبــك و.. مش هاسيبك.. هتفضلي مراتي" 

همس بصعوبة هو الآخر وتآوه بين أسنانه الملتحمة وشعر بأنه قد قارب على الإنتهاء ولكنه تحمل لثوان ولم يترك لرجولته العنان إلا عنـ.ـد.ما شعر برجفتها أسفله ليسمح لنفسه بالخلاص ليرتجف في النهاية هو الآخر..

"وأنا.. بكرهك.. يا بدر، طلقني!!" 

لهثت هامسة له ولكنه لم يرى تلك الإبتسامة التي ابتسمتها فهو لا يزال دافناً وجهه بعنقها وشعرت بالسعادة بداخلها وآخذت تتخيل ما ستفعل به بعد عودته..
نظر لها في غضب وتعالت أنفاسه في غيظ مما سمعه لينظر لها بتلك الثاقبتيننظرة امتلئت العديد من المشاعر، رآت غضبه، لومه ولكن لا تعلم على ماذا؟ شعرت وكأنها تنظر لطفل صغير مستاء، لأول مرة ترى الخوف بعينيه، ولكنها بعد كل ذلك تصنعت الجرأة والقوة ونظرت له بزرقاويتين مستفسرتان عما يريده بنظرته تلك ثم وجدته يدفن وجهه مرة اخرى بعنقها لتزفر هي في ملل ثم تحلت بالشجاعة وهي تنوي بداخلها أن تذيقه عذاب تلك الثماني أشهر!

"مسمعتنيش؟! بقولك طلقني.. واتفضل قوم وابعد عني" تحدثت بضيق ثم تآففت بعدها

"مش هطلقك، لو لسه صغيرة ومش فاهمه فاللي عملته ده معناه إنك رجعتي مراتي تاني ورديتك، ومش هابعد عنك لا دلوقتي ولا بعدين.." همس بأذنها ونبرته متألمة ثم شعرت به يحاول استنشاق شعرها

"ده أنا مشوفتش كده.. ايه؟ هتتجوزني بالعافية؟!"

"احنا أصلا متجوزين مش لسه هاتجوزك.. ولو عايزاها بالعافية معنديش مشكلة" تمتم بأذنها لتشعر هي بنبرته المُرهقة المتألمة وكل ما أرادته أن تحتضنه بذراعيها وتخبره أن كل شيء سيكون بخير ولكن ليس بتلك السرعة.. عليه أن يُعاني مثلها.

"لأ أنا مش عايزة حاجة منك خالص غير إنك تبعد عني.. لو سمحت اتفضل قوم وخليني أنا كمان أقوم" تحدثت متصنعة الضيق

"نورسين!!" صاح بتحذير ناظرا لها عاقدا حاجباه "اتكلمي كويس ولمي الدور بدل مـ.."

"بدل ما ايه؟!" صاحت لتقاطعه بإبتسامة باهتة

"هتحبسني ولا تضـ.ـر.بني ولا تسيبني وتبعد عني تمن شهور تانيين؟! ولا يمكن هتجبلي أنت ويُسري انهيار عصبي وتخليني انسى كل حاجة من تاني؟!" ترورقت عيناها بالدمـ.ـو.ع للحظة

"متقلقش أنا جربت كل حاجة، مبقتش خايفة خلاص من اللي ممكن تعمله!! مبقتش تفرق" لاحظت تغير ملامحه للحزن الشـ.ـديد واعترته الصدمة مما تفوهت هي به وتسمرت عيناه المتألمتان بزرقاويتيها الدامعتان

"ودلوقتي سيبني اقوم بعد اذنك!" أشاحت بنظرها بعيدا ثم أخبرته وهي تحاول أن تتناسى كل ما نطقت به فبالرغم من أن كل ما أخبرته به كان صحيحاً إلا نظرة الآلم تلك لا تستطيع تحملها دون أن تعانقه ولكنها عليها أن تأخذ بحقها منه على كل ما فعله بها.

نهض من عليها لتفر هي وهي لازالت تشعر بالآلم من تلك الكلمـ.ـا.ت التي كان واقعها على كلا منهما مؤلما وشـ.ـديدا وتوجهت هي مهرولة لغرفتها أو ما كانت غرفتهما سويا قبل سفره لتتركه وحده يعيد تلك الكلمـ.ـا.ت بعقله مرة أخرى.

"ايوة يا شاهي.. بدر عندي" همست في هاتفها في حذر من أن يستمع إليها

"شوفتي مش قولتلك؟ عملتو ايه؟!" تسائلت شاهندة بعفوية لتحمحم نورسين التي لم ترى وجهها الذي تشرب بالحُمرة لمجرد السؤال

"يعني.. بقينا متجوزين تاني.. بس أنا لسه مش بعامله حلو!"

"ده اللي هو ايه؟!" تعجبت شاهندة ثم توسعت عيناها "لأ متقوليش!! انتي بتهزري مش كده؟! امال فين أنا هعلمه الأدب وبتاع"

"مش بمزاجي يعني وانتي عارفة اخوكي محدش يقدر يوقف قدامه"

"انتي هتقوليلي؟!! طب وهتعملي ايه دلوقتي؟"

"هاعمل ايه يعني؟ أنا بحاول اكون بـ.ـاردة واديله في كلام سم.. هو تفتكري ممكن يعمل حاجة في فارس؟"

"آه.. ممكن يموته!"

"شاهي متهزريش" صاحت بجدية

"أنا مش بهزر فعلا ممكن يبهدله" تنهدت شاهندة في ضيق "بصي حاولي انهم ميتقابلوش خالص.. يا إما تحكي لبدر كل حاجة عملناها.. مقدامكيش غير الحلين دول"

"ربنا يستر بقا"

"يارب"

"آه صحيح قابلت وفاء النهاردة.. ست مفترية وجبروت مش عادي.. بعد ما اديتها كلمتين قالتلي كلام زفت وقالت على بدر كلام مش كويس وأنا فجأة جبت ورا كده وما صدقت هديل دخلت ولحقتني"

"افتكري حاجة عدلة.. بس ايه؟ هاتشتري العربيات ولا لأ؟!"

"مش عارفة.. أكيد هديل هي اللي كملت معاها، ممكن تكلميها"

"طيب تمام هاكلمها.. وانتي يا نور عارفة إنك مش قد الست دي، لو حابة زياد أو هديل أو حمزة يكملوا بدالك و.."

"لأ" قاطعتها نورسين في إصرار "أنا عايزة ابهدلها على كل اللي عملته، أنا مش قادرة انسى اللي عملته يومها في بيت ماما نجوى.. إنسانة مش محترمة"

"دي عملت اللي متتخيلهوش.." تريثت لبرهة "طب حمزة بيكلمني وهابقا اكلمك تاني.. باي"

"باي"

أنهت نورسين المكالمة ثم زفرت في حيرة من تلك المرأة التي يبدو وأنها لن تنكسر بسهولة، لم ترى شخصية صعبة مثلها أبدا، حتى يُسري بالرغم من خبثه إلا إنه كان يُظهر بعض المشاعر المزيفة، بينما تلك المرأة لديها جبروت غريب لم تراه بأحد أبدا ربما بدر الدين فقط!!

"يا نهار أبيض!! حتى شبه بعض كمان في دي؟!" تعجبت متمتمة لنفسها بعد أن أدركت مدى التشابه بينهما لتتنهد في آسى ثم حاولت عدم التفكير بها وأخذت تفكر مليا فيما ستفعله مع بدر الدين الأيام القادمة!

❈-❈-❈


"ليه كل الفلوس دي!!" صاح أشرف في عصبية بالغة

"ده الحل اللي قدامنا، ولا عايز اطلع قدامهم مش قد الشغل ولا الشراكة؟!" اجابت متسائلة بجبروتها المعهود

"يعني ايه في اسبوع واحد عايزين يخلصوا كل الفلوس دي على شوية مشتريات وأصلا المواقع لسه مشتغلتش ولسه قدامه مصاريف ياما ومرتبات بالهبل؟ أنا مش عيل صغير عشان يضحك عليه!! أنا ماليش دعوة تطلعي قدامهم قدها ولا مش قدها.. العيال دي تعرفك كويس كل كبيرة وصغيرة ناقصة، إنما ايه شغل اسحب اسحب ده" صرخ بوجهها غاضباً

"بص يا أشرف، إذا كانت مشاريعهم بتدخلهم ملايين أكتر من دي بكتير، تفتكر كنت أنا هوافق من الأول إني ادخل معاهم في شراكة؟! خليك ناصح، اللي هنصرفه دلوقتي هيجلنا أضعافه قدام"

"بيجلهم بقا ملايين مليارات مش بتاعتي.. لازم الأول نعرف هنشتري خامـ.ـا.ت بقد ايه وبعدين نبقا نشوف.. ومش معنى إنك معاكي التوكيل يبقا تبعزقي الفلوس يمين وشمال، لحسن ورحمة أمي اطربقها فوق دماغك ودماغهم!"

"جرا ايه يا اشرف ما تتكلم عدل، تتربقها فوق دماغ مين؟! أنت نسيت نفسك ولا عشان أنا نسبتي أقل من نسبتك هتكلمني بالطريقة دي؟" صاحت به بلهجة تهديد

"لو مش عاجبك خلاص.. أنا هاتصرف وأشوف غيرك يكمل المشروع معايا وكل اللي اتصرف نبقا نبيعه تاني وخد فلوسك وأنا اخد فلوسي وبلاها بقا شراكة، متنساش إن لولايا مكنتش عرفت تدخل شريك مع عيلة الخولي!"

"انتي بتهدديني يا وفاء.. جرا ايه انتي.. كنتي لاقيتي يعني اللي يديكي فلوسه غيري.. اسمعي اما اقولك، اخركوا عشرة مليون كمان في الليلة دي والخمسة الباقين هيفضلوا زي ما هما، وإلا أنا هاعرف اجيب حقي كويس اوي ازاي.. اعتبري ده اخر كلام عندي.. حاسبي من قدامي" صرخ غاضبا ثم تركها وتوجه للخارج في انفعال.

"بقا أنت يا حتة حـ.ـر.امي جي تزعق!! ماشي بكرة اديك استمارة ستة وابقا وريني بقا هتعمل ايه معايا" تمتمت بعقلها ثم ابتسمت بتهكم وأخذت تتخيل ما لو خرجت هي الرابح الوحيد من تلك الشراكة وفكرت برسم خطة جديدة!

❈-❈-❈


"طب أنتي كويسة بجد؟!" صاحت هديل في لهفة متحدثة بهاتفها

"آه والله كويسة، إرهاق بس عشان الجلسات"

"ربنا يرزقك يا شاهي إن شاء الله وتعبك كله يجي بفايدة، أجيلك طيب؟!"

"نفسي يا هديل بجد، بس لما فكرت قولت هنسيب وفاء لمين، وبردو أنا محتاجة حد معايا في الفرع هنا لأن للأسف الجلسات بتاخد وقت كبير ومش هاقدر اخلي حمزة هنا معايا على طول كفاية إنه بيجيلي كل اسبوع!"

"متقلقيش طيب.. بصي زياد أنا ابتديت اثق فيه، هو هيعرف يلاعب وفاء كويس، زياد كبر ومبقاش زي زمان وأي حاجة بردو لازم نتابعها معاه!"

"كانت حبكت وفاء دي يعني دلوقتي، ده أنا ما صدقت بدر ونور رجعوا لبعض، مكنش وقتها خالص" زفرت شاهندة في ضيق

"بجد؟! رجعوا لبعض فعلا؟" صاحت في إندهاش

"اه يادوب لسه النهاردة"

"ربنا يسعدهم.. بس ايه طـ.ـلا.ق التلت ايام ده؟!"

"القلب وما يريد بقا يا ستي"

"بصراحة أنا مكنتش طايقة نور في الأول خالص.. بس بعد ما هديت وفكرت كده وشوفتها بتتعامل مع الكل ازاي حسيتها طيبة ومحترمة"

"هي طيبة وغلبانة اوي والله، مش كفايا مستحملة بدر!!" أخبرتها لتضحكا سويا

"اه فعلاً على رأيك.. ربنا يسعدهم وميجبش بينهم حاجة وحشة تاني"

"يارب"

"خلاص أنا هاحجز على أول طيارة واجيلك وانتي يا ستي ابقي اقعدي بزينة ولا نشوف Nanny كويسة تقعد بيها لحسن دي عايزة حد لازقلها اربعة وعشرين ساعة، متعبة بشكل مش طبيعي" زفرت هديل في إرهاق

"يا ستي ربنا ما يحرمك منها، هي بس كده اكيد عشان لسه صغيرة، الأيام دي بتعدي هوا وبكرة تفتكريها وتضحكي عليها"

"يا مسهل.." تريثت لبرهة ثم أكملت "يالا بقا أنا هاروح احجز واظبط الشنط واقولك هاجي امتى"

"تمام.. باي يا حبيبتي"

"باي"

❈-❈-❈


"يعني ايه استخبى يعني؟ هياكلني ولا ايه؟" صاح فارس متعجبا

"يا فارس مقصدش.. هو بس عصبي شوية وغيور شويتين، يعني حاول متجيش خالص اليومين دول" أخبرته نورسين في ارتباك

"ما احنا ممكن نحكيله عملنا كده ليه و.."

"لا لا لأ!!" قاطعته مسرعة "أنا هابقا افهمه كل حاجة بس شوية كده"

"أنا بصراحة مش فاهم جوزك ده.. ويالا! كده كده أنا أصلا مشغول عشان حوارات الجواز.. عموما خير وأكيد أنتي بتبالغي بس مش أكتر" لم يُصدق فارس أن ما تقوله حقيقة ولكنه كان يجاريها بالكلام

"لا مش ببالغ.. أنت متعـ.." توقفت عنـ.ـد.ما سمعت خطواته "طب سلام دلوقتي هكلمك تاني" أنهت المكالمة بسرعة بعدما سمعت خطواته تقترب من المطبخ

"كنتي بتكلمي مين يا نورسين؟!" صاح سائلا عاقدا حاجباه في ترقب

"ده كان.." توقفت لبرهة ثم وقفت متصنعة الشجاعة لتعقد ذراعيها "وأنت مالك؟!"

"بقا أنا بيتقالي الكلمة دي!! ماشي!!" رفع حاجباه في دهشة وتحدث وهو يشعر بالغيظ من تلك الطريقة التي باتت تعامله بها منذ عودته

"بس بردو أنا جوزك ومن حقي أعرف كنتي بتكلمي مين، مش هـ.."

"وأنا كنت مراتك وكان من حقي اعرف انت كنت فين!!" قاطعته بصرامة

"ومع مين، وبتعمل ايه، ويومك ماشي ازاي!! متجيش أنت دلوقتي بالذات تتكلم عن الحق لأن أنت آخر واحد ممكن يتكلم عنه" نظرت له بتلك الزرقاوتان في لوم

"وأنا هقولك أنا كنت بكلم مين، مش علشان حقك، لأ عشان أنا معنديش حاجة اخبيها" تريثت لتأخذ نفس عميق ثم تحدثت ثانية

"كنت بكلم فارس!"

لقد جنت على نفسها لأنها هي من تسببت بتلك النيران التي اندلعت فجأة بثاقبتيه وملامحه التي كانت هادئة من ثوانٍ تحولت للغضب الشـ.ـديد حتى نـ.ـد.مت أنها عرفت فارس يوما ما وأخذت تنظر لحركة فكاه المُفزعة لتعلم أنها أغضبته بشـ.ـدة!

"ايه مضايق ولا غيران؟ عموماً لو كنت بتضايق اوي وغيران عليا مكنتش سيبتني كل ده" تحلت قدر المستطاع بالشجاعة

"ويكون في علمك لو بس فكرت ولا خطر على بالك إنك تأذي فارس بأي طريقة أنا المرادي اللي هخلعك يا بدر الدين!" أخبرته ثم توجهت لتغادر ليوقفها معارضا طريقها

"لو استفزتيني تاني ولا كلمتيه أنا مش بعيد اموته قدام عينك!!" تحدث لاهثا غضبا بين أسنانه المُطبقة

"ولا تحبي اخد منك الموبيل واحرمك تكلميه تاني؟!" ظل يلهث غضباً لتبتسم له في آسى ثم مدت يدها بهاتفها

"خده.. خده وماله، أنت عملتها قبل كده ومش بعيد تعمل أسوأ من اللي عملته" أخبرته في وهن ونبرتها امتلئت لوما شـ.ـديدا له لتزداد أنفاسه

"بطلي بقا بطلي!!" صرخ غاضباً

"هو يعني كنت رجعت اجري ليه وعشان مين؟ مش عشانك؟ مش عشان بتزفت بحبك وعايز ارجعلك ومش مستحمل اشوفك مع راجـ.ـل تاني وحسيت إني هتشل لو مرجعتليش؟.. بطلي بقا اللي بتعمليه ده.. حاولي تفهميني مرة صح في حياتك.. انا كنت بتعالج، علشان نكون احسن أنا وانتي!"

صرخ بها مجددا حتى تأثرت تلك العروق بعنقه واحمرت تقاسيم وجهه من شـ.ـدة الإنفعال وهو يعلم بقرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يؤذيها أبدا بعد الآن بأي طريقة كانت!

"فعلاً أنا فهمتك غلط.. اللي أنت عملته فيا زمان أنا فهمته غلط عشان كده حبيتك بعدها" تحدثت بهدوء وهي تنظر له في عتاب ليشعر هو بإنهيار تام داخله من تلك الكلمـ.ـا.ت

"وعلى فكرة لو بتحبني زي ما بتقول مكنتش سبتني.. أو على الأقل كنت شاركتيني في إنك بتتعالج.. سبني اعدي لو سمحت" همست بهدوء دون أن تنظر له وأشاحت بوجهها الذي تحولت ملامحه للحزن لتنظر للأرضية بينما شعرت بمحاولاته العديدة لأن يهدأ عن طريق سماعها لأنفاسه

"نورسين ارجوكي أنـ.."

"بعد إذنك مش عايزة أتكلم معاك في حاجة" قاطعته وهي لا زالت لا تنظر له ثم ضيقت ما بين حاجبيها

"سبني اعدي" اخبرته وبدأت في شعورها بالغضب

"لا هتسمعيني" صاح بإصرار مهيب لتنظر له بتلك الزرقاوتان في غضب شـ.ـديد

"لأ مش عايزة اسمعك ومش هاسمعك ومش هديك فرصة تاني لأي حاجة، أنت ايه؟ كل حاجة ما بيننا عايزها تكون بالعافية حتى إني اسمعك؟ عايزني أنا اللي استحمل وأنا اللي أسمع وأنا اللي اقبل بكل اللي تقول عليه؟!" حاولت التقاط أنفاسها التي تعالت غضباً ثم أكملت

"لمرة واحدة احترمني في حاجة، لمرة واحدة اتحمل غلطك، كفاية عليا اوي اللي استحملته زمان بسببك، وياريت حتى استحملت، لأ ده أنا كمان سامحتك على كل اللي عملته فيا، بس ياريتني استحملت وسامحت عشان خاطر حد يستاهل في الآخر.. أنت كل اللي عملته خلاني أنـ.ـد.م إني حبيتك، خلاني أنـ.ـد.م إني فرطت في نفسي وصدقت أنك ممكن تكون بتحبني.. بس أنا خلاص فوقت من كل اللي كنت فيه، وفوقت كويس اوي، مبقتش البنت الصغيرة الهبلة اللي حبتك وصدقتك في يوم، أنا بجد مبقتش عايزة حتى لساني يخاطب لسانك!! لآخر مرة بقولك بإحترام ابعد عني!"

أخبرته في تأثر لتدفعه بعيدا بكل ما لديها من قوة ونجحت في الفرار منه لتجد دمـ.ـو.عها تتهاوى على وجهها فتوجهت لغرفتها حتى تستطيع الإختفاء بعيداً عن عينيه!

تركها لتذهب بعد أن شعر بتلك الآلام التي اندلعت بداخله من كلمـ.ـا.تها التي أخبرته بها، لقد كانت محقة بكل كلمة، هو لا يستحق مثل ذلك الحب النقي الذي شعر به من قبل معها، ولكن ماذا كان عليه أن يفعل؟ يأتي بين ليلة وضحاها ليُخبرها بحقيقته التي لا يظن أنها ستتفهمها!! يُدرك جيدا أنه أخبرها أنه رجل سادي منذ ساعات ولكنها لم تُعقب حتى، أتستطيع فهم مثل تلك الأمور؟!

لقد أشتاق لها حقاً بكل ما فيها، ببرائتها وطيبة قلبها التي لم يرى مثلهما في إمرأة من قبل، اشتاق لرائحتها، لعناقها، لقبلتها الخجولة ولطفوليتها الزائدة، يعلم أنها تتصنع القوة ويعلم أنها ربما تتدلل عليه ليس إلا، ولكن كلمـ.ـا.تها تلك تهشم قلبه، نظراتها وتلك الدمـ.ـو.ع الحبيسة بزرقاويتيها تقـ.ـتـ.ـله ألف مرة وكأنما سكاكين تغرس بقلبه!!

لقد سأم كل هذا ويريد أن يهرول حتى يأخذها بين أحضانه في عناق لا نهاية له، يريد أن يعترف لها بكل شيء، يريد أن يُخبرها بكل ما دفعه لفعل ذلك ولكنه لا يستطيع التحدث بسهولة، هو بالكاد أستطاع أن يتحدث مع ذلك الطبيب النفسي، فقط مجرد إقدامه على الأمر أخذ منه شهرا ليفعلها، هو حتى لا يثق كيف سيُكمل علاجه، لم يستطع من قبل التحدث عما يـ.ـؤ.لمه بسهولة أبدا، لم يفعلها سوى مع ليلى التي ذهبت وتركته بين يوم وليلة، أستفعل نورسين هذا أيضا؟

لا، ربما هي تعاتبه وتفعل ذلك فقط لأنه ابتعد عنها فجأة دون أن يُعطيها سبب واضح، أو ربما لأنه لم يحدثها بتلك الأشهر المنصرمة، لقد رآها أسفله، لقد شعر بقبلتها واستجابتها له، لقد أحس خفقات قلبها المتـ.ـو.ترة عنـ.ـد.ما أقترب منها، تغيرت قليلا وازدادت قوة وشجاعة ولكنها لا تزال طفلته التي أحبها، لا يزال يرى البراءة بتلك الزقاوتان، ولكنها أيضا قد ذهبت ووافقت على أن تكون مع رجل آخر سواه!! لو فقط استطاع أن يقـ.ـتـ.ـله بيديه تلك دون أن يغضبها سيفعل!!

سحق أسنانه في عنف وهو لا يدري كيف عليه التصرف وإلي متى سيظل يُحارب هذا الصراع بداخله، يريد التحدث ولا يستطيع، يريد الصراخ ولكن شيء ما يمنعه بداخله، إلي متى سيظل يُحارب في تلك الحروب التي دائماً ما ينهزم بها!!

صعد وهو مصمم على أن يُجبرها رغما عنها بأن تعود مثل السابق، لن يتقبل كل ما تفعله تلك الصغيرة، لن يدع لها الفرصة لتتحكم به، سيخبرها للمرة الأخيرة أنه كان لابد من الابتعاد حتى لا يؤذيها، إذا تقبلت فحسنا وإن لم تتقبل فسيرغمها على ذلك، لم يعد يرى حلا آخر ولتفعل ما تشاء ولكنه لن يتحمل أن يكونمعها بتلك الطريقة أبدا..

مشى بخطوات سريعة في الرواق ليصل للغرفة التي مكثت بها ثم توقف للحظة ليدلف احدى الغرف وهو يتذكر فرحتها وابتسامتها وهذا العناق الذي جمعهما عنـ.ـد.ما آتى لها بهذا المنزل وأخبرها أن هذه الغرفة ستكون مرسما لها.

أشعل الضوء ولم يُصدق ما وقعت عليه عيناه عنـ.ـد.ما رآى الغرفة تعج بصوره، لا يُصدق أنها رسمت كل تلك الصور من اجله هو فقط، وكأنها مكثت طوال تلك الأشهر عاكفة على أن تنقل تلك الملامح التي يكرهها بتلك الأوراق أمامها مستخدمة فقط القلم الرصاص ليتنهد في حزن وقد تبدد غضبه في ثوان، ألهذا الحد هي تعشقه؟!

أطفأ الأضواء ثم توجه للخارج وهو لا يدري ماذا تريد هي، أتحبه أم لا؟ إذا كانت تُحبه حقاً لماذا إذن وافقت على خطبتها من رجل آخر بين يوم وليلة، وإن كانت لا تحبه فما الذي رآه هذا منذ دقائق؟

توجه لينم على تلك الأريكة بالأسفل فهو حتى لا يزال خائف من مواجهتها، خائف كذلك من أن يُسبب لها المزيد من الآلم، أخذ يفكر بكل ما مر عليهما وحاول إيجاد طريقة جديدة حتى يستطيع أن يعوضها عن كل ما فعله بها ولكن دون أن يدري سقط في النوم!

❈-❈-❈


استيقظت هي وتفقدت غرفتها لتدرك أنه لم يأتي لهنا فرائحته تحفظها عن ظهر قلب! توجهت لحمام غرفتها ثم استحمت لتلاحظ تلك العلامـ.ـا.ت التي تركها على جسدها لتشعر بالغضب تجاهه أكثر بعد ذلك الحديث معه الليلة الماضية وطريقته الهمجية اللاذعة فهو يبدو وكأنه لن يتغير أبدا فتوجهت في انفعال وهي تقسم بداخلها على أن توقفه عن ما يفعله وقررت بداخلها أنها ستعمل على تغييره مهما كان!!

تعالت أنفاسها الغاضبة وكادت أن توقظه ولكنها توقفت لتنظر لملامحه التي يبدو عليها الإرهاق الشـ.ـديد، لماذا لم تلاحظ أمس أنه فقد الكثير من الوزن هكذا؟ أكان حقاً مستاءا لأنه ابتعد عنها؟!

تنهدت في حيرة وأخذت تتذكر كل ما أخبرها به يوم أمس، تشعر أنه صادق ولكن مهما كان ذلك الذي يعانيه كان لابد له من إخبـ.ـارها، أياً كان ما يواجهه كانت ستقف بجانبه كيفما أراد!!

ما فعله بحقها لن تغفره له بسهولة، سترد له الصاع صاعين وستدعه يعلم جيدا ألا يعبث معها مرة ثانية، ستأججه غضبا، ستستفزه، ستقـ.ـتـ.ـله ألف مرة مثلما فعل معها وابتعد عنها تلك الأشهر، وسترى حينها ما إذا توقف عن تصرفاته تلك أم سيثور فقط ليعود ذلك الرجل مرة ثانية!!

رفعت احدى حاجبيها في تصميم على ما خططت له سترى ما الذي سيفعله حينها وكيف ستكون ردة فعله!!
أخذت تنتظر إستيقاظه على تلك الرائحة الشهية، لطالما عشق طعامها، تتذكر أنه كان يجلس بجانبها عنـ.ـد.ما تقوم بالطهي إلي أن تنتهي، أما هذه المرة فستقوم بالإنتقام منه كما لم يتخيل أبدا، عليه أن يتجرع من تلك الكأس التي تجرعته هي، وإن لم تكن تخطط لفعل كل شيء مثلما فعل هو معها ولكن لتريه أنها تستطيع فعلها بسهولة.

شعرت بخطواته تقترب منها لتبتسم هي بإقتضاب حتى لا يلاحظها وعلمت جيدا أن خُطتها قد شرعت بالنجاح، وتلك هي البداية فقط ليس إلا و البقية ستأتي حتما.

"صباح الخير" أخبرها بنبرة لا زالت تحمل أثار النعاس ولكنها لم تجيب لتسمعه يحمحم ثم شعرت بإقترابه منها وتظاهرت هي بعدم الإكتراث لكل ما يفعله ولكنه تحدث ثانيةً على كل حال

"وحشني أكلك اوي يا نوري" همس ثم ابتسم ليجذبها من ساعدها برفق ليرغمها على النظر إليه ولكنه لم تنظر له وتوجهت بنظرها للأرضية

"لو سمحت عايزة أكمل، بعد اذنك سيب ايدي" همست بهدوء وبرود مبالغ فيهما

"نوري" تنهد في سأم "هتفضلي لغاية امتى كده معايا؟ أنا قولتلك إني كان لازم ابعد عشـ.."

"مش عايزة اسمع أسباب، زي ما أنت مكنتش عايز تسمعني في الأول، ولا نسيت كده بسرعة؟!" قاطعته ثم نظرت له بتلك الزرقاوتان ليشعر بالآلم وقد اختلفت نظرته عنـ.ـد.ما تذكر تلك المرات التي حاولت أن تُخبره بها الحقيقة من قبل

"الأسباب اللي هتقولها كان ممكن تقولها زمان، ولا حتى بمكالمة!! إنما دلوقتي أيا كانت ملهاش لازمة!" حدثته ببرود وتبادلا النظرات لثوان لتجذب يدها من بين قبضته ثم توجهت لتُكمل ما بدأت به وهي الأخرى تتألم لتلك الملامح التي تحولت بوجهه وللحظة شعرت بالكراهية تجاه نفسها، فهي تدرك جيدا أنها لا تريد أن تراه حزيناً بتلك الطريقة ولكنها تماسكت وهي تتذكر ما أرادت أن تفعله معه لتسقيه من نفس الكأس المُرة!

❈-❈-❈


"حمد الله على السلامة" صاحت شاهندة وهي تعانق هديل التي ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب وابتسمت وفرغت من مبادلتها العناق وناولتها زينة "زنزونة حبيبتي" آخذت تقبلها في اشتياق

"الله يسلمك" نظرت لها في استفسار

"حمد الله على السلامة" اخبرها سيف ثم صافحها

"الله يسلمك" صافحته هي الأخري وتوسعت ابتسامتها وبالكاد استطاعت أن تنظر لشاهندة وتشيح نظرها عن تلك الإبتسامة الجذابة

"مقولتليش يعني إنه جاي" تمتمت لشاهندة هامسة حتى لا يسمعهما

"مفاجأة بقا، ولا فكرك مخدتش بالي من المرة اللي فاتت؟" غمزت لها هامسة لتهز هديل رأسها في انكار وتصنعت عدم معرفة ما تتحدث عنه أختها

"مخدتيش بالك من ايه؟ أنا مش فاهمة تقصدي ايه؟!" سألتها وهي تحاول السيطرة على تلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتيها دون تحكم منها خاصة كلما نظر إليها سيف

"مش على شاهي يا حبيبتي" غمزت لها مجددا لتزفر الأخرى في حيرة من تصرفات أختها

"لا لأ.. مالوش لازمة تتعب نفسك سيبها" صاحت هديل لتوقفه عن حمل حقائبها

"مفيهاش تعب ولا حاجة.." ابتسم لها لتدرك هي أن تلك الإبتسامة ستُصبح احدى نقاط ضعفها

"ايه رأيكو نتغدى قبل ما نروح؟!" صاحت شاهندة سائلة

"مممـ أنا فاضي النهاردة ومش ورايا حاجة" اجابها سيف الدين بإبتسامة

"بس انا راجعة من السفر و.."

"مفيش حد في البيت يعملنا أكل، وهترسى على delivery خلينا نتغدى بقا أكل كويس والنبي يا هدولة كفاية إني قاعدة لوحدي بقالي يومين، وبدر كان رخم اوي ساعة ما كان هنا ومكنش عايز يروح في حتة" قاطعتها متوسلة

"طيب يا شاهي.. نتغدى" نظرت لها مُحذرة اياها ولكن شاهندة لم تستجيب لتحذيرها ذلك ليذهبا ثلاثتهما بصحبة زينة لأحدى المطاعم سويا.

❈-❈-❈


زفرت كل ما برئيتيها من أنفاس بعد أن جذبته طوال تلك المسافة عنـ.ـد.ما شعر بالنعاس بسبب ذلك المنوم التي وضعته له في الطعام وسقط في ثبات تام على الأريكة فورا.

ستفعل به مثلما فعل بها تماما، فقط ينقصها الأدوات، من أين لها بها إذن.. أخذت تفكر كثيرا بزرقاويتين متسعتان لتجد أن بعض الأوشحة ستكون مناسبة لما تريد فعله.

ذهبت لتحضرها ثم توقفت بتلك الغرفة بالطابق الأرضي، لم تكن لتستطع أن تتوجه به للأعلى، جسده كان ثقيلا بالنسبة لها وأرهقها للغاية وهي تجذبه، ولكن ستتلذذ برؤية تلك النظرة على وجهه عنـ.ـد.ما يستيقظ ليجد نفسه مقيد اليدان بالحائط ووحده بالظلام!! تريد أن ترى ردة فعله حينها هل يتحمل مثلها وسيسامحها أم سيغضب ويثور كالبركان!

أنتهت من تقييده بعد صعوبة بالغة، لقد اخفت بعض الإطارات ثم مدت أوشحتها ببعضها البعض حتى قيدت كلتا يداه بكل حائط، ثم تنهدت ونظرت له بمنتهى الرضاء لما فعلته وأغلقت جميع الأضواء وتركته ثم ذهبت.

جلست لتُفكر كيف ستواجهه عنـ.ـد.ما يستيقظ، هي لا تريده أن يتألم، هي لن تعذبه مثلما فعل بها، إنما فقط أرادت أن تجعله يعلم أنها تستطيع فعلها هي الأخرى، لا يعني غفرانها له على كل ما فعل أن يتمادى بأفعاله حتى يتركها ويذهب، عليها أن ترى النـ.ـد.م بتلك الثاقبتينالتي باتت تعشقهما أكثر من أي شيء آخر!

❈-
❈-❈


"عارف لو كنت خيبت ظني فيك!! كنت هازعل اوي" تحدثت نجوى لزياد الذي ابتسم لها بإقتضاب

"ما هو أكيد كنت هاكبر وأعقل، ولا مش واثقة فيا يا نوجا؟!" صاح غامزا لها بمزاح لتبتسم هي له

"ما أنت شقاوتك مكنتش معقولة"

"لا يا ستي.. بقينا بنتشاقى بالمعقول اليومين دول" غمز لها مرة أخرى

"يا ولد!! ازاي تقول الكلام ده قدامي؟!" حاولت تصنع الجدية بين ابتسامتها

"يا نوجا أنتي عارفة كل حاجة عننا.. هيتوه يعني عليكي مين بيعمل ايه؟ ده أنت جـ.ـا.مد اوي بس احنا اللي مش واخدين بالنا" أخبرها مضيقا عيناه لتهز هي رأسها في إنكار

"احكيلي طيب وصلتوا لإيه مع وفاء؟"

"أبداً سحبنا نص المبلغ اللي معاها، والباقي هيجي مع الوقت، بس الست دي أنا مبطيقهاش"

"ومين يطيقها، يالا ربنا يسامحها.. أنا مكنتش أتخيل أبدا إنها ترسى على كده"

"هي اللي اضطريتنا لكده، أنا مش عارف ازاي دي أصلا أم ولا ست كبيرة.. فعلا واضح إن بدر كان مظلوم أوي بسببها"

"ياااه يا زياد!!" تنهدت نجوى في حزن "بدر كان ممكن يضيع بسببها أصلاً"

"ليه يا ماما؟ هي عملت فيه ايه؟!" تعجب زياد عاقدا حاجباه

"عملت فيه كتير اوي" شردت في حُزن وآخذت تتذكر كل ما عرفته وواجهته مع بدر بسبب تلك المرأة وهي تود أن تخبر زياد بكل شيء.

❈-❈-❈


"أنا معملتش حاجة.. فكني.. أنا معملتش حاجة غلط" صرخ بكل ما أوتي من قوة لتتوسع زرقاوتي نورسين عنـ.ـد.ما سمعت صوته "كفاية.. أنا مغلطتش في حاجة" سمعته مجددا يصـ.ـر.خ ويبدو وكأنه يبكي خوفا..

تناست كل ما تريد فعله به وجرت سريعاً نحو الغرفة التي مكث هو بها لتشعل الأضواء ونظرت له لتشعر وكأنما خفقات قلبها توقفت لرؤيته بتلك الملامح المذعورة والخائفة، دمـ.ـو.عه المنسابة على وجهه، ارتجافه بطريقة لا تبدو طبيعية أبداً..

"نورسين.. أنتي هنا.. قوليله إني معملتش حاجة.. هو موجود؟!" تهلل وجهه لرؤيتها وابتسم للحظة ثم تحولت ملامحه للخوف ولكنها لا تعي ما الذي يتحدث عنه ومن الذي عليها أن تخبره بأنه لم يفعل شيء، عن ماذا يتحدث؟!

"أنا.. أنت تقصد ايه أنا مش فاهمه حاجة!" همست وهي لا تدري ما الذي عليها قوله وتأثرت ملامحها في حزن لتتلاقى أعينهما وكادت هي أن تبكي من ملامحه وودت لو عانقته واعتذرت له على كل شيء، فهي لم تعد تستطع رؤيته متألما هكذا! الطيبة بداخلها لم تسمح لها بالنظر لشخص يتألم أبدا!

"أنا اتخضيت!" ابتلع في راحة عنـ.ـد.ما أدرك أين هو وتأكد أنه لا يوجد سوى نورسين! "أنا كنت خايف.." همس في وهن ثم أشاح بنظره للأرضية لتكره هي نفسها على ما فعلته به وتوجهت لتحل تلك الأربطة الغـ.ـبـ.ـية وتنهي كل ما أرادت فعله لتجده يوقفها

"لأ يا نورسين، متفوكنيش!" تعجبت لتنظر له تتفقده أليس هو من كان يصـ.ـر.خ وبدا متألما منذ ثوان؟

"أنا عمري ما كنت هاتكلم غير كده" تمتم ظناً منه أنها لا تسمعه ولكنها سمعت كل ما قاله

"اقعدي يا نوري.. خليني أكلمك.. خليني أعرفك كل حاجة" اخبرها لتضيق ما بين حاجبيها

"أنا محتاجك تسمعيني.. محتاجك ت عـ.ـر.في كل حاجة عني" همس بآلم لتشعر هي الأخرى بتألم قلبها لأجله فتوجهت وجلست على مقربة منه ولم تتحدث له نهائيا في انتظار أن يبدأ هو بالحديث!!

"أبويا صابر الله يرحمه كان بيحب وفاء.. الست اللي ولدتني.. كان بيحبها اوي" تنهد في حُرقة ثم أكمل

"أهله كانوا شايفينه فاشل وهيضيع ورثه عليها، ومن يوم ما اتجوزها قاطعوه، ومبقوش يكلموه، وهو مسمعلهومش وراح اتجوزها وعمل شركة مع واحد صاحبه.. وفاء حملت فيا" ابتسم بمرارة متهكما

"ومن الواضح إنها مكانتش عايزاني.." هز كتفاه للأعلى لتدرك نورسين أنها لا تنظر لبدر الدين ذلك الرجل الذي تزوجته بل مجرد طفل يتحدث عن والداه

"من يوم ما اتولدت وهي كانت مهملة فيا، او ده اللي عرفته مع الوقت، في الأول اتحججتله إنها مخـ.ـنـ.ـوقة من البيت، نزلت اشتغلت معاه في شركته وكانت بتسيبني في حضانة، أنا مش فاكر الكلام ده طبعا.. بس عرفت لما كبرت" امتلئت عيناه بالدمـ.ـو.ع ولكنه أكمل

"لما بقى عندي سنتين ونص هي كانت نصبت على ابويا وساعدت صاحبه واللي كان شريكه ساعتها مدحت في إنهم ياخدوا كل فلوسه، وفي نفس الوقت أبويا سابنا وعرف أمي.. نجوى.. وقفت جنبه وساعدته بكل طاقتها وفلوسها عشان يرجع تاني كويس، واتجوزوا، ووفاء كانت بتتحجج إنه يعرف أمي من زمان وعشان كده عملت اللي عملته مع شريكه.. بس كانت كـ.ـد.ابة"

تريث وهو يحاول استجماع شجاعته لمتابعة الحديث بينما تعجبت نورسين، هو لم يحدثها من قبل عن تلك المرأة التي ولدته، ألهذا الحد لا يستطيع حتى أن يدعوها بوالدته أو أمه!

"ابتديت أكبر وهي تهمل فيا أكتر وأكتر!! أنا لغاية دلوقتي بسمع في وداني صوت الرجـ.ـا.لة اللي كانت بتنام معاهم، كنت ببقا خايف لما بسمع صوتهم، كانت بتصرخ وأنا فاكرها بتضـ.ـر.ب، وكنت فاكر إن اللي معاها هيجي يضـ.ـر.بني أنا كمان، كنت ببقا خايف عليها.. أنا.. أنا كنت بحبها.. زي أي طفل بيحب الست اللي خلفته" تساقطت احدى دمـ.ـو.عه لتتجمع المزيد من الدمـ.ـو.ع بعينا نورسين ولكنه بالرغم من بكاءه أكمل

"لا أنا كنت بحبها اوي، كان نفسي تاخدني معاها مرة واحدة في أي حتة، او نفسي تاخدني في حـ.ـضـ.ـنها، أو تنام جنبي.. كنت بحبها، بحب شكلها، كنت بحب كل حاجة فيها وفاكر إن أبويا السبب وإنه سابنا.. بس كل ما كنت بكبر كنت بفهم أكتر.." تساقطت دمـ.ـو.عه بلا إنقطاع بينما هي لم تستطع رؤيته هكذا

"بدر.. خلاص مش لازم تحكي لو.."

"لا هاحكي.. أنا محتاج أحكيلك.. أنا تعبت من كل اللي شايله لوحدي" قاطعها بإصرار بنبرة باكية لتومأ هي له في تفهم

"كانت بتضـ.ـر.بني.. بتمدني على رجليا.. بتسبني بهدومي مش نضيفة بعد.. بعد ما.. بعد ما كنت ببقا خايف و.. أنا كنت طفل، مكنتش فاهم حاجة وغصب عني كنت ببل هدومي" همس بصعوبة باكيا

"كانت بتسبني لوحدي وبتخرج، افتكر إني كنت ببقا جعان وبدور في التلاجة ملقيش فيها حاجة.. ولما كانت بترجع بليل كان دايماًبيبقا معاها اللي اسمه مدحت.. كنت ببقا سامعهم طول الليل، في الأول كنت خايف منه عليها وعليا، ولما مرة روحت وخبطت عليهم.. طفا السيجارة في رجليا، وذنبوني.. كانت لابساله بدلة رقص.."

ابتسم في تهكم واحتقار لواحده من الصور التي لم تفارق خياله أبدا وهو لا يزال يبكي ولم تظن نورسين أن هناك أسوأ من كل الذي سمعته وتمنت أن توقفه فهي لا تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك ولكن ستستمع له، تريد أن تعرف ما الذي حل بذلك الرجل الذي يبدو أمامها كالعصفور الصغير الذي لا يستطيع حتى إيذاء ذبابة!

"عيشت ما بين وساخة، ضـ.ـر.ب وشتيمة، عشت لوحدي، كل شوية كان أبويا يجي يتخانق معاها، لو سابلها فلوس كانت بتاخدها، مروحتش مدرسة أبدا، مكنتش أعرف يعني ايه مدرسة" ابتلع بصعوبة وحاول إيقاف بكاءه ولكن لم يستطع لتجد نورسين نفسها تبكي هي الأخرى

"كانت بتصرف فلوس المدرسة، وفلوس الهدوم اللي بيسبها أبويا.. لغاية ما يجي تاني ويرميلي هدوم جديدة.. فضلت على الحال ده لغاية ما بقا عندي تسع سنين.. تسع سنين وبشوف إنسانة استغلالية، مش فارق معاها ابنها، مش فارق معاها غير الفلوس وبس.. كانت دايماً تقولي إن أبويا بيكرهني ومبيحبنيش وهي كمان مبتحبنيش، كانت بتخوفني بالضـ.ـر.ب، أنا فاكر كويس آخر خناقة ما بينهم في بيتها لما أبويا خلصني منها.. ضـ.ـر.بها يومها بالقلم، وقالها أنه عارف إنها بتنام مع رجـ.ـا.لة وإن كل همها الفلوس مش أكتر، وهي بردو مكنش فيه فايدة في جبروتها، وحاولت تشتم امي نجوى ساعتها أبويا بهدلها واخدني منها.. ده كان آخر يوم ليا معاها" زفر بُحرقة وهو يحاول أن يتوقف عن البكاء ولكن هي لم تستطع إلا أن تبكي وهي تشعر بالآلم مما عاناه هو!

"كنت خايف منه وفاكره بيكرهني.. كنت عايز ارجعلها.. مكنتش فاهم حاجة، فضلت أقوله يرجعني ليها بس هو حبسني!! كان عندي تسع سنين، كنا في الشتا.. فاكرة يا نورسين أنا عملت فيكي ايه؟!"

نظر لها وهو لا يستطيع تحمل بكاءها ليجهش هو بالبكاء في وجع لتذكره ما فعله بها يومها ولإيذاءها بنفس الطريقة القاسية

"حبسني في البلكونة وبعد ما آكلني دخلني أوضة صغيرة لغاية ما حصلي نفس اللي حصلك" انهمرت دمـ.ـو.عها في مرارة وهي لا تدري أتُشفق عليه أم تلومه على ما فعله بها

"أنا كل حاجة عملتها فيكي عشان أنا معقد.. عشان أنا مستاهلش اكون بني آدم طبيعي" همس بين نحيبه لتشعر بتبعثر قلبها لأشلاء من كل ما سمعته وكادت أن توقفه لتجده يسترسل بالحديث مجددا

"دي كانت أول مرة.. أول مرة يعمل فيا حاجة، ولما خرجت من الأوضة وعرفت أمي نجوى، هي اللي عرفت تحـ.ـضـ.ـني وتحن عليا، أنا بعد ما سيبت الأوضة واستحملت اللي عمله فيا رماني في الحمام عشان أنضف نفسي.. وبعدها طلعت كسرت في الأوضة بتاعتي.. بس لولا أمي.. مش بس اليوم ده، لأ لولا وجودها في حياتي أنا كان زماني بقيت أسوأ من اللي أنا فيه.. حببتني في شاهندة وهديل.. حببتني فيها.. خدتني في حـ.ـضـ.ـنها وكانت دي أول مرة في حياتي اتحـ.ـضـ.ـن أو أعرف يعني ايه حـ.ـضـ.ـن.. كان عندي تسع سنين.. أنا فاكر اليوم ده كويس"

اجهش بالبكاء ليتحول بكاءه لشهقات ونهضت نورسين وكادت أن تقترب منه لتعانقه ولكنه أوقفها هامسا بصعوبة بين شهقاته بنبرة متحشرجة آلما ومرارة

"لأ سيبيني أكمل.. أنتي لسه مت عـ.ـر.فيش حاجة" همس بآلم لتبتلع هي بين دمـ.ـو.عها لتقترب ثم جلست أمامه على الأرضية

"كنت بحب شاهي أوي.. أكتر من هديل.. كنت بحب هديل بردو.. بس، بس أبويا مكنش عايزني أأقرب منهم، كان بيبقا نفسي ألعب معاهم، كان عندهم حاجات حلوة اوي وأنا كان ممنوع عليا أقرب من حاجتهم، هديل مكنتش بتحب تقعد معايا بس شاهي كانت بتستخبى من بابا وبتيجي تلعب معايا.. بس بردو هديل كانت صغيرة جدا.. فاكرة لما لعبنا استغماية مع ولاد هديل وأنا اتعصبت عليكي" حاول التوقف عن البكاء ولكنه لم يستطع لينظر لها بسودواتاه الباكيتان لتومأ له وهي تحاول أن تجفف دمـ.ـو.عها التي لا تتوقف

"أنا مبعرفش ألعب الحاجات دي.. عمري ما كنت زي باقي الأطفال أبدا.. عمري ما جربت الحاجات دي" انهمرت دمـ.ـو.عه بين شهقاته لتفعل هي المثل ولكنه ابتلع ثم أكمل

"لما ابتديت اعيش معاهم لقيت شاهي بتذاكر وبترسم وكان نفسي أعمل زيها.. غصب عني شخبطت على واجبها، بس هي مضايقتش.. وحاولت تعلمني وأبويا عرف اللي حصل.. أنا فاكر يومها اخدني في شقة غريبة.. وقلعني، فضل يضـ.ـر.ب فيا كتير اوي بحزامه" اجهش ببكاء هستيري

"أنا لسه حاسس بالضـ.ـر.ب لغاية دلوقتي، أنا اتعورت من الحزام.. خفت منه اوي" أخذ يشهق بينما نورسين لم تعد تحتمل كل ما تسمعه لتبكي هي الأخرى ولا تدري كيف لها أن توقفه

"بعد ما ضـ.ـر.بني ابتدا يذاكرلي، فهمني كل حاجة، بس .. بس لما كنت بغلط كنت بتضـ.ـر.ب.. كان بيضـ.ـر.بني جـ.ـا.مد أوي يا نورسين، ومكنش فيه حد يحوش عني.." بكى في وهن لتضع نورسين كفها على فمها وهي لا تصدق أن طفل لم يُكمل العاشرة بعد قد حدث له كل ذلك

"أنا مقدر إن أنا لولا اللي عمله معايا كنت هافشل بس.. بس طريقته كانت صعبة اوي.. السنة اللي بعدها جابلي واسطة ودخلت مع كل الولاد اللي في سني.. مكنتش بعرف اتعامل مع حد خالص لغاية ما المدرسين اشتكوا مني وكملت طول دراستي في البيت" شرد باكيا وهو يتذكر ما فعله معه والده من قبل

"عارفة.. مرة وأنا في ثانوي حبسني شهور متكتف بسلاسل وبتضـ.ـر.ب وباكل يوم اه ويوم لأ وحتى مبقدرش استحمى وكل ده عشان عشان نقصت درجة واحدة، طول اجازة الصيف، كان لازم أنام وأنا قاعد.. أنا كنت طالع الأول على المدرسة.. بس هو كان بيتفنن في اللي بعمله فيا.. كنت بخاف منه أوي، عشان كده عمري ما نقصت درجة بعد اليوم ده!" تهاوت الدمـ.ـو.ع من عينيه لتنظر هي له في شفقة ودمـ.ـو.ع زرقاواتاها لا تتوقف

"كان بيعذبني.. بيخلعلي ضوافري لو بس غصب عني حد من اخواتي اضايق مني.. أنا كنت بخاف منه اوي، عرفتي ليه كنت خايف لما صحيت في الضلمة وحسيت إني متكتف؟!" نظر لها كالطفل الصغير لتجهش هي بالبكاء

"عرفتي ليه إني بخاف من الدم يوم ما عورتك وانا بحاول اقلعك الدبلة؟ عشان بكره لما كنت بشوف نفسي بنزف بسبب ضـ.ـر.به.. كان بيضـ.ـر.بني عشان أفضل نضيف اوي ومنظم، عرفتي ليه أنا عندي العقد دي كلها؟!"

"أنا آسفة.. والله ما كنت أعرف.." همست بين بكاءها

"مش ذنبك.. أنا اللي معقد وجبان" بكى متألما وهو يعترف بهذا مخبرا اياها

"أبويا فضل يعذب فيا، كان بيقول إنه بيفتكرها كل ما بيبصلي.. أنا فعلا شبهها، بس أنا ذنبي ايه؟ أنا ماليش ذنب في حاجة!! أنا كنت بكرهها زيه.. بس أنا عمري ما عملت حاجة غلط" تهاوت دمـ.ـو.عه في حسرة ثم تابع

"أنا فاكر آخر مرة عذبني فيها.. صعقني قدامها بالكهربا، عارفة ليه؟ عشان كانت كل شوية تيجي بيت أمي وقدام أخواتي وتتخانق معاه وعايزاه يطـ.ـلقها وتاخد منه فلوس.. بس هو كان بيذلها، مكنش راضي يطـ.ـلقها.. وأنا صعب عليا شاهي وهديل وزياد وأمي.. مكنش ليهم ذنب كل شوية يسمعوا الحاجات دي، غلطت في مرة وأفتكرت إني كبرت وروحت قولتله يطـ.ـلقها.. كان عندي واحد وعشرين سنة" نظر لها بآلم وهو يبكي في ضعف وإنكسار وهي لا تُصدق أن هذا الذي أخافها في يوم ما يبدو بهذا الوهن أمامها

"خدني انا وهي وكنت فاكره هيطـ.ـلقها بس صعقني قدامها، أنا تعبت اوي يومها، وأكتر حاجة تعبتني إن أول مرة تصعب عليا نفسي كده، وفاء متهزش فيها شعرة، حتى مقالتلوش سيبه أو كفاية أو ارحمه.. كان نفسي تحبني، أحس إنها أمي ولو مرة، حتى بس لو.. لو أصعب عليها" أجهش بالبكاء لتفعل هي الأخرى وأخذت تنظر لجسده الذي يرتجف بشـ.ـدة اثر بكاءه

"كانت أصعب مرة وآخر مرة.. يوم ما رجعت البيت محستش بنفسي بس لما فوقت عرفت إنهم جابولي دكتور وإن أمي اتخانقت مع أبويا وهددته تسيبه.. هي دي الحاجة الوحيدة اللي دايما اتخانقوا عشانها، كانت دايما بتدافع عني وبتحبني، أنا كمان بحبها أكتر من اي حد.. أنا مفيش حد في الدنيا وقف جنبي زيها.. أنا لولاها كنت بقيت إنسان تاني.. ده لو كنت إنسان أصلا" صاح متهكما بين بكاءه ووجدته يتوقف عن البكاء وعيناه تحولتا بشكل غريب ثم أكمل

"بعدها بشهرين أبويا خلاني أخلصله شغل في إيطاليا.. كنت عمري ما كنت مع ست قبل كده.." زفر في آلم وشرد كأنه يتذكر "عرفت إن ممكن بسهولة أنام مع ستات هناك.. فضلت تلت شهور في إيطاليا، وساعتها عرفت إني.." زفر وكأنما يُجاهد ليكمل لتتعجب نورسين لطريقته

"عرفت إني سادي.." نظر لها في خوف من ردة فعلها ولكنه لا يزال يرى تلك البراءة بزرقاويتيها وأدرك أنها لا تفهمه ليتنهد ثم تابع

"عرفت إني بحب أعذب الستات قدامي.. اللي بياخدوا فلوس، بشوف فيهم وفاء، بحسهم شبهها.. بفضل أضـ.ـر.ب فيهم لغاية ما يتبهدلوا قدامي.. لغاية ما يخافوا ويمشوا.. لأول مرة حسيت إني بطلع جزء من كل اللي شوفته بالطريقة دي.. ومن يوم السفرية دي وأنا رجعت راجـ.ـل تاني.. بقيت اجيب ستات أنام معاهم واضـ.ـر.بهم واديهم فلوس، عرفتي اللي شوفتيني بعمله في المخزن كان ليه؟" تنهد متألما وهو ينظر لها في خوف من ردة فعلها لتنظر هي له باكية ولا تعرف كيف عليها أن تحكم عليه ولا حتى بمّ عليها أن تنطق

"بس برضو كنت ببقا لسه خايف من أبويا.. كنت بعمل كل حاجة من وراه، مع إنه كان بطل يعذبني بس أنا لغاية النهاردة لسه بخاف منه.. عشان كده قولتلك تقوليله إني معملتش حاجة أول ما جيتي وفتحتي عليا النور" بكى مجددا كالطفل الصغير

"أنا فضلت سنتين كده.. مع الستات، بعذبهم وبشوف فيهم وفاء الإستغلالية، مكنش حد يقدر يصدق إن اللي بيعمل دراسات عليا ودراع أبوه اليمين في الشغل يكون بيعمل كده في الستات.. لغاية ما.. لغاية.." أجهش ببكاء هيستري لتنظر له نورسين في آلم وهي تشعر بالصعوبة التي يواجهها وتلك المعاناة التي ظهرت على ملامحه

"لغاية ما ايه اللي حصل؟!" همست لتسئله بملامح متأثرة وبقايا دمـ.ـو.ع انهالت على وجنتيها..

"لغاية ما قابلتها.. قابلت ليلى" ابتسم في وهن ثم شرد مجددا ليتذكر كل ما جمعهما ثم شعر بالخوف من ردة فعلها ولكنه قرر الحديث على كل حال.
"عمري ما هانسى أول يوم شوفتها فيه.. بنت سيادة السفير.. ضحكتها وعينيها اللي بتضحك مش قادر انساهم، كل حاجة كانت سهلة معاها، كنت أول مرة في حياتي كلها اضحك بالطريقة دي، دخلت قلبي في ثواني، عينيها اللي بتضحك بقت إدماني، مكنتش قادر مشوفهاش قدامي كل يوم، مكنتش عارف ايه بيحصلي معاها، عارف إن مش ذنبها تحب واحد زيي بس هي حسستني إني اهم حد في الدنيا دي كلها، حتى لما اعترفتلها إني سادي وبعمل اللي بعمله مبعدتش عني، فضلت جنبي وكنت فعلا هابعد عنها لكن هي قبلتني بكل عيوبي وعقدي.. كانت أول مرة في حياتي احس بالحب، أشوف الخوف في عين حد عشاني، عمري ما هانسى أبدا إنها فضلت تقرا عن السادية وجابت كتب من برا لأ ودي راحت كمان لدكتور وشوية بشوية حسيت إنها متقبلة الموضوع وفضلت تسألني أسئلة كتيرة جدا مفهمتش هي كانت بتعمل كل ده ليه غير بعد ما اتجوزنا" ابتسم بوهن وهو يتذكر كل ما مر عليه معها ثم أردف

"ليلى بقت كل حياتي، مكنتش قادر أبعد عنها، بقت حبيبتي وصاحبتي اللي بحكيلها على كل حاجة، بقيت عامل زي العريان قدامها، مفيش حاجة بخبيها عليها، كنت محتاجها متبعدش عني لحظة.. اتجوزتها، كان عندي اربعة وعشرين سنة، كانت أصغر مني بسنة واحدة بس.. من يوم ما عرفتها وأنا بطلت أنام مع الستات، كنت بس بعذبهم وبضـ.ـر.بهم لما وفاء تظهر في حياتي أو لما أبويا يفكرني قد ايه أنا شبهها، وبعد الجواز ليلى فاجئتني بأنها عايزة تجرب معايا نفس اللي بعمله في الستات.." ابتلع بصعوبة لتنظر له نورسين في تعجب ليكمل

"أنا رفضت في الأول بس، بس هي صممت.. واكتشفت إنها بتحب ده، أو هي حبت ده علشاني.. أنا متأكد إنها من الأول مكانتش كده بس عملت كل ده علشاني.. بين يوم وليلة بعد سنين لقيت حبيبة وزوجة وصاحبة وكمان خاضعة!! كنت حاسس إني لقيت كنز.. تحـ.ـضـ.ـني الصبح وتوقف جنبي وبليل كانت بتتبسط بالضـ.ـر.ب والعنف والقسوة!! حسيت إن حياتي كملت وإني مش عايز حاجة من الدنيا غير إنها تفضل جنبي، مبقتش بلمس ولا ببص لست غيرها وكمان حتى ساديتي كانت بتطلع عليها هي وبس، فاكرة الأوضة اللي دخلتهالك وربطتك فيها؟ دي احنا عملناها سوا عشان نكون فيها مع بعض!!" التوت شفاهه في حسرة وآلم ثم تابع متنهدا في مرارة

"بعد ما اتجوزت بشهرين تلاتة أبويا ابتدى يتعب، دخل المستشفى ومخرجش منها، ووقفت هي جنبي لغاية ما مـ.ـا.ت بعد سنة بالظبط من جوازي.." تنهد في آلم ونورسين متأثرة بكل ما تسمعه منه لتشعر للحظة بأنها لن تستطيع أبدا أن تعوضه عن حبه لليلى ولن تستطيع أن تكون مثلها ولا حتى بنسبة قريبة

"لما مـ.ـا.ت وقفت جنبي.. وفاء كانت عايزة كل ورثها، أنا مقبلتش إنها تشاركنا، كانت أصعب مرة في حياتي أقف قدامها، بيعنا اللي نقدر عليه وسحبنا كل سيولتنا عشان نديها حقها، والشركة ساعتها كان بيحصل فيها اختلاس وسرقة ومكناش فايقين للي بيحصل بس ليلي وأمي وشاهندة وحمزة كلهم ساعدوني، كانت من أصعب الأيام اللي مرت علينا بس خلاني أشوف ليلى بطريقة تانية، فكرتني بأمي نجوى لما وقفت جنب أبويا زمان.. وأنا كنت عصبي جدا في الأيام دي وفاكر كويس إني كنت كل ما كنت بشوف وفاء كنت برجع ليلي واضـ.ـر.بها بطريقة غريبة، كانت من أصعب الأيام اللي عدت علينا، كنت بخاف أأذيها أو اعملها عاهة أو.. أو.." تريث لبرهة وهو لا يستطيع التحدث لتتفلت الدمـ.ـو.ع من عينيه

"أنا كنت بفتري عليها الأيام دي زي ما أكون حـ.ـيو.ان وهي عمرها ما اشتكت مني.. أنا فاكر في يوم بعد ما خلصت كل حاجة مع وفاء أمي نجوى لقيتها بتديني ظرف فيه زي جواب.. أبويا كان موصي إني اخده بعد ما ورثنا كله يتقسم.. لما قريته انهارت.. أنا لسه فاكر كل كلمة فيه لغاية دلوقتي..


❈-❈-❈

أنا عارف إني قسيت عليك بس كان لازم أعمل كده عشان أطلع منك راجـ.ـل، كنت خايف منك وخايف على اخواتك ونجوى منك، كنت ممكن بسهولة تفتري عليهم وأنت شبهها في كل حاجة، أنت حتة منها يا بدر الدين، حتى ضحكتك وكلامك وشكلك زيها في كل حاجة، كل ما عيني تشوفك بتفكرني بيها وبخيبتي وفشلي.. كان لازم أعلمك وأشوفك شاطر، أطلعك راجـ.ـل مش فاشل، أكرهك في الإستغلال وفي الماديات وأخليك طول حياتك محتاج للحب والحنان واحتياجك للأهل والحنية واحرمك منهم عشان لما أموت وابعد عنك تدور عليهم متدورش على الفلوس زيها.. مكنتش عايزك تفشل زيي وتجري ورا حب واحدة ست في اول حياتك مالوش لازمة يهدك وينسيك كل حاجة تانية، مكنتش عايزك تتخدع زيي وتكون فاشل، كان لازم تكون الراجـ.ـل اللي أنا مقدرتش أكونه..

أنا خسرت كل اللي حيلتي بسبب حبي للست اللي ولدتك، خسرت أهلي كلهم وفلوسي بسبب واحدة جشعة واستغلالية، خسرت حتى فرحتي بابني الراجـ.ـل الكبير.. أوعى تكون فاكر إني مكنتش بموت من جوايا على كل مرة بضـ.ـر.بك فيها أو بعذبك.. ولا قسوتي عليك في إنك تكون احسن واحد في دراستك وكمان في الشغل ولا إني احرمك من كل حاجة حلوة كان نفسك فيها وأنت صغير دي كانت بتبقا سهلة عليا.. لأ أنا كنت بتعب أكتر منك، أنا كان قلبي بيتقطع عليك يا ابني، كنت بعيط كل لما امد ايدي عليك.. بس مكنتش قادر اسيبك تطلع زيها ولا زيي! لا كنت عايز اشوفك استغلالي ولا كنت عايز اشوفك فاشل..

أنا كنت بخاف منك أوي، كنت بخاف لا تكبر وتبهدل اخواتك ونجوى، اخواتك البنات كان نفسي أشوفهم فرحانين وعايشين حياة طبيعية وكنت خايف تطلع مفتري ولا مش محترم ولا تاكل حقهم عشان كده كنت لازم أكسرك واخليك تحتاجهم بدل ما تجور على حقهم ولا تظلمهم!

كنت خايف من اللي شوفته في بيت وفاء يكبر عندك وتتحول تبقا شبهها وتبقى بالوساخة دي، كنت مرعوب لا رجليك تشيلك وتبقى نسخة منها واصحى في يوم الاقيك سارق اخواتك ولا معتدي على نجوى ولا البنات.. كان لازم اقسى عليك واخليك تتمنى بس انك تحـ.ـضـ.ـنهم ولا تاكل معاهم ولا تلعب معاهم.. كان لازم أكرهك في وفاء وإنك تطلع في يوم زيها..

أنا متأكد دلوقتي وأنا ميت إنك أنت اللي بتحمي اخواتك البنات ونجوى وزياد، لو مكنتش قسيت عليك ومنعتك عنهم وعن حبهم كان زمانك كل همك الفلوس والورث وكنت هتنسى اخواتك ونجوى..

حافظ عليهم، خليك سندهم وضهرهم في الدنيا بعدي، شاهندة وجوزها خد بالك منهم بس بردو اوعا تخلي حمزة يزعلها ولا يكسرها عشان مبتخلفش.. يا يطـ.ـلقها يا يفضل معاها لكن متقبلش إنه يتجوز عليها، وهديل اوعا تجوزها لأي راجـ.ـل غير لما تتأكد إنه ابن اصول وبيحبها اوي واوعى يأذيها أو يطلع معاها مش كويس، اخواتك البنات وصيتك.. اوعى في يوم حد يجي على كرامتهم ولا يضحك عليهم ولا يأذيهم.. وزياد طلعه راجـ.ـل ومتدلعهوش بس متقساش عليه اوي، هو لسه صغير، حاول على قد ما تقدر متحرموش من حاجة بس في نفس الوقت طلعه راجـ.ـل واعتبره ابنك قبل ما تعتبره أخوك، ابعد عنه اي حاجة وحشة واوعى تخلي ست تضحك عليه او تستغله.. واوعى تنسى نجوى يا بدر الدين، الست دي بتحبك أكتر مني وأكتر من اي حد في الدنيا وبتعتبرك ابنها البكري.. أنا واثق إنك مبتحبش حد في الدنيا قدها حافظ عليها يا ابني واوعا في يوم تسيب حد يأذيها او يجي على كرامتها وعمري ما هرتاح في تربتي لو ده حصل.. ابعد عنهم وفاء واجمد وكون راجـ.ـل قدامها واوعا تسيبها تأذيهم بطمعها واستغلالها..

وحاول تسامحني، أنا بحبك أكتر منهم كلهم، أنت ابني الراجـ.ـل اللي هآمنه وأنا ميت على كل حاجة، أنت من النهاردة هتشيل المسئولية، هتبقا راجـ.ـل وهتبقا حنين وهتحبهم وتدافع عنهم.. ليلى مراتك بنت أصول وهتشيلك بس اوعى تبديها على أخواتك ونجوى..

أنا عمري ما هرتاح غير لما تسامحني، ابقا تعالى زورني يا بدر الدين، في يوم لو خلفت ابقا هات مراتك وولادك وتعالوا زوروني واترحموا عليا، أنا كان نفسي أكون ناجح في كل حاجة بس طلعت للأسف أب فاشل، طلعت كل خوفي من الفشل فيك، بس يارب كل تعبي وعذابي واللي عملته فيك تبقا نتيجته زي ما كان نفسي طول حياتي..

الجواب ده أنا موصي نجوى تديهولك بعد ما كل واحد ياخد حقه وبالذات بعد ما تبعد وفاء عنهم ووصيتها متديهوش ليك غير لما تطمن إن اخواتك وصلهم حقهم بما يُرضي الله..

نجوى معاها ورق فيلا بإسمك وشاليه بإسمك وحساب في البنك ليك أنت بس ووديعتين كل واحدة بعشرة مليون لو في يوم خلفت اديهم لأحفادي يمكن يفتكروني بيهم.. أنا آسف يا ابني انك مشوفتش حبي وخوفي عليك وعارف إني مهما ميزتك عن اخواتك في الورث مش هاقدر اكفيك ربع اللي عملته فيك.. سامحني يا ابني لو قدرت ولو مقدرتش فده حقك.. أنا بحبك يا بدر، بحبك أكتر من اي حد في الدنيا وأنا آسف يا حبيبي إنك مشوفتش حبي وحنيتي ليك.."


❈-❈-❈

انهى بدر الدين حديثه ليجهش بالبكاء وشهق بهيستيرية متألما ونورسين أمامه تبكي على بكاءه هي الأخرى، لا تعرف كيف عليها أن توقفه عن حزنه ولا عن بكاءه ونهضت لتحرره ولكنه أوقفها بين شهقاته المتوالية

"أوعي تفكيني.. أنا شخصية جبانة، عمري ما هاتكلم غير كده.. خليكي ت عـ.ـر.في كل حاجة عني" حاول التقاط أنفاسه بين نحيبه لتبتلع هي دمـ.ـو.عها ونظرت له في شفقة ليتابع هو حديثه

"أنا بعد اليوم ده كنت وحش اوي معاها وهي بردو قبلتني بكل ما فيا، كنت زي ما أكون بنتقم من كل حبه وحنيته اللي مشوفتهمش بس فيها هي.. أنا كنت حاسس إنه ظلمني وفي نفس الوقت مظلمنيش، كنت حاسس إنه عمل مني راجـ.ـل بس قسوته عليا عملتلي عقدة، مكنتش عارف احبه ولا اكرهه.. أنا جريت على ليلى وفضلت أسبوع بحاله بضـ.ـر.بها وأنام معاها زي الحـ.ـيو.انات، بهدلتها، جالها حتى نزيف من كتر ما نمت معاها بوحشية وراحت المستشفى.. والمصيبة إن عمرها ما رفضتني ولا اشتكت وكانت بتهون عليا.. وأنا من يومها بقيت مـ.ـجـ.ـنو.ن بيها وحبيتها أكتر، بقيت مبستحملش لحظة إنها تبعد عني، غيرتني في كل حاجة وخلتني أشوف الدنيا بعينها، كنت بموت لو بعدت عنها ساعة واحدة بس وبجري عليها كل يوم عشان بس أكون في حـ.ـضـ.ـنها، عمر ما كان بيني وبينها مشاكل، ما عدا حاجة واحدة بس.. حاجة مفيش غيرها.."

ازداد بكاءه في هيستيرية وشعرت نورسين بأنها لم تعد تتحمل ولهثت بين بكائها وهي تراه بذلك المنظر

"أنا مكنتش عايز اخلف وما زلت، مش هاقدر أكون أب، معرفش يعني ايه حنية وحب وتربية وخايف لا ولادي يكرهوني، معرفش يعني ايه العب مع طفل او اخده في حـ.ـضـ.ـني وكنت حتى لما هديل خلفت بتغاظ منها هي وكريم عشان بيعرفوا يتعاملوا مع الأطفال وأنا لأ.. حتى كنت بضايق لما أشوف شاهندة وحمزة وأمي بيعرفوا يلعبوا معاهم ويضحكوهم وينيموهم وأنا لأ.. ليلى كانت معرضاني إني مش عايز أولاد وفضلت تقولي إني هاكون أب كويس بس أنا عمري ما وافقت.. كانت هي دي مشكلتنا الوحيدة لغاية ما اكتشفت إنها حامل وطلب منها تنزله وياريتني ما قولتها.."

هنا تحول نحيبه لعويل وشهقاته لا تتوقف وكأنما كل ما كان يقصه كان أسهل ما مر عليه وأدركت أن القادم من حديثه سيكون أصعب ما مر عليه بحياته

"راحـت لأختها فرنسـا" تحدث بصعوبة وهي بالكاد تتبين الكلمـ.ـا.ت وتفهمها منه "وافقت إنها تنزله بس.. بس.. قالت هتريح أعصابها بعد.. بعد.. ما اتخانقنا.. وأنا.." حاول التحدث ولكن بكاءه منعه عن الإسترسال وكأنما شل لسانه وأصبح جسده يرتجف

"مـ.ـا.تت في الطيارة وقعت بيها.. أنا.. يومها.." اقشعر جسدها من ملامحه التي هشمت قلبها وأخذت تبكي لأجله وشعرت بعجزها الشـ.ـديد أمام انهياره بتلك الطريقة

"أنا مت بدالها.. أنا بموت لو بعدت عن اللي بحبه و.. و.. ومقدرتش اصدق و.." ازداد عويله واهتز جسده بعنف وشهقاته توالت في هيستيرية لتقرر هي أن تعانقه حتى توقفه

"لأ.. متقربيـش.. مني .. أنا.. أنا جبان.." همس بضعف لتنحب هي في آلم وبالكاد استطاع التحكم بأنفاسه ليُكمل

"مـ.ـا.تت.. سابتني ومـ.ـا.تت.. يا ريتني ما وافقت على سفرها.. ليه بعدت عني وهي عارفة كويس.. عارفة إنها صاحبتي وحبيبتي والوحيدة اللي بتقويني وبتخليني استحمل كل حاجة في الدنيا.. ليه سابتني يا نوري؟ هو أنا للدرجادي مستاهلش إني اتحب؟ أنا وحش اوي كده؟ ورحمة أبويا كنت بحبها.. كنت بحبها اوي.. ليه مرجعتليش؟ ليه سابتني؟"

نظر لها كالطفل الصغير التائه وسط زحام صراعات مريرة لا يستطيع التصدي لها وحده وحاول التحكم في بكاءه وشهقاته ليُكمل

"تلت شهور يا نورسين.. تلت شهور مبعملش حاجة غير باصص في صورتها وبكلمها وبشتكيلها.. فكرت أموت نفسي عشان ابقا معاها بس هسيب اهلي لمين؟ المسئولية التقيلة اللي عليا اللي وصاني عليها ابويا اسيبها لمين؟ هو أنا ليه لازم أفضل عايش متحمل مسئوليات؟ ليه دايماً بيوجـ.ـعوني من وأنا صغير؟ هو أنا فعلاً استحق أعيش مظلوم بالطريقة دي؟ طب من ساعة ما سمعتي اللي حصلي قوليلي أنا أذيت مين؟ أجبرت مين يستحملني؟ أنا حتى الستات اللي مارست ساديتي عليهم كانوا بيبقوا عارفين أنا بعمل معاهم كده وبديهم فلوس وكلهم بيحبوا ده.. قوليلي أنا ذنبي ايه؟!"

شُل لسانها وهي تتمزق بداخلها عنـ.ـد.ما سمعته ولم تستتطع الكلام وأخذت تنظر لملامحه التي عذبتها أكثر حتى من عذابه لها لتبكي في صمت لا يتخلله سوى أنفاسهما المتسارعة للصمود بذلك الحزن المهلك..

"عارفة.. بعد التلت شهور دول بطلت ابات مع أهلي وكنت برجع في الفيلا اللي جابهالي ابويا عشان كانت عايشة معايا فيها وكل مكان جوا الفيلا بيفكرني بيها.. عارفة كمان وفاء جاتلي بعد ما ليلى مـ.ـا.تت بأربع شهور وشمتت فيا.. أنا بكرهها اوي يا نورسين.. بكرهها وبخاف منها.. زي ما تكون نسخة كبيرة مني عارفة اللي بيدور في عقلي وجوايا وبتاخد كل اللي بحس بيه وتذلني بيه..


❈-❈-❈


ايه.. الوا.طـ.ـية اللي ربتك مش عارفة تطبطب عليك؟ ولا ابوك معلمكش ازاي تبقا راجـ.ـل وتستحمل.. عارف انا فرحانة اوي فيك، اديك دلوقتي زي زمان بالظبط، خايف ومرعوب ومستخبي من كل الناس.. زي زمان بالظبط..

النسوان اللي حواليك سابوك خلاص واللي كنت فاكرها بتقويك سابتك ومشيت ومفرقتش معاها، عارف ليه؟ عشان عمرك ما هتكون راجـ.ـل واستحالة حد يعتمد عليك.. لو كنت كبرت معايا كان زمانك جـ.ـا.مد ومفيش حاجة بتأثر فيك.. لو كنت طلقتني وعرفت تجيبلي حقي كنت هتبقا حاجة تانية. إنما أنت هتعيش وتموت جبان، هتفضل زي ما أنت يا بدر..

عايز اللي يضـ.ـر.بك ويخوفك عشان تلاقي نفسك، لازم تتعذب ويتداس عليك بالجزم عشان تعرف تعيش.. بس تعرف أنا هافضل فرحانة فيك وأنا شايفاك كده بتتبهدل زي ما أنا اتبهدلت بسببك زمان..

أنت السبب في كل اللي حاصلي وحقي اهو جالي تالت ومتلت، مكنتش عايزاك وكان يوم اسود يوم ما شوفت وشك وسمعت صوتك وأنت بتعيط.. آخرتني مع أبوك وكنت ممكن ابقا حاجة تانية وفي حتة تانية بس أنت السبب..

احسن.. أنا شفيت غليلي بمنظرك ده.. خليك بقا عيل كده وخايف ومرعوب وافضل استخبا كل ساعة والتانية، عرفت إن تربية نجوى منفعتكش؟ عرفت إن أبوك اللي ذلك وكان بيبهدلك منفعكش؟

هتعيش عيل خايف وهتموت بردو عيل خايف واستحالة تبقا راجـ.ـل.. افتكر ضحكتي وفرحتي فيك يا بدر الدين عشان كل ما تيجي تحاول تكون راجـ.ـل تخاف تاني..


❈-❈-❈

هي ليه يا نورسين بتكرهني اوي كده؟ ليه بتحب تشوفني مقهور ومتعذب؟ ليه مبتحبنيش؟ هو أنا فعلاً كده شبهها؟ طب.. طب.. هو أنا لو كنت وافقت ليلى وسيبتها تخلف كنت هابقا بردو زيها؟ كنت هاكره ابني او بنتي؟ ولا كنت هابقا قاسي زي ابويا واعذبهم عشان يطلعوا كويسين؟ ولا يمكن ليلى كانت هتساعدني إني أكون أب كويس؟ بس لأ أنا استحالة أخلف.. أنا خلاص مبقتش أنفع أحب أو اتحب.. عشان كده بعدت عنك.. حاولت اتعالج.. عملت أكتر حاجة بخاف منها في الدنيا، أنا بموت من جوايا لو اللي بحبه سابني وبعد عني.. بس أنا كنت مرعوب لأذيكي.. عارفة يا نورسين اليوم اللي اخدتك فيه من بيت أمي نجوى؟ فاكرة أنا عملت فيكي ايه يومها؟ بس أنا كان عندي سبب.. أنا مكنتش عايز أأذيكي.. أنا هاحكيلك كل اللي حصل يومها" حاول التنفس بصعوبة وتوقف عن البكاء وأكمل

"أنا اليوم ده عذبت يُسري وكريم.. يُسري عشان أذى مراتي اللي بحبها، وكريم عشان أذاني برضو في الست اللي بحبها وحاول يعتدي عليها وكمان أختي.." انهمرت دمـ.ـو.عه ثانيةً ونورسين أمامه تتعذب بملامحه وتبكي هي الأخرى

"ت عـ.ـر.في إني فعلا مكنتش راجـ.ـل، كنت ضعيف وجبان، مقدرتش اوجهك.. ت عـ.ـر.في إني يومها جالي مكالمة من الحراس وعرفت إنه بيحاول يعتدي عليكي ومن كتر ما أنا جبان وخايف مروحتش شيلته من عليكي وموته بإيدي وعملت زي العيال ودخلت البيت وفضلت انده عليكي عشان يمشي ويسيبك لا أشوفه!! كلام وفاء صح.. أنا عمري ما كنت راجـ.ـل ولا هاعرف اكون راجـ.ـل أبدا!!"

بكى في خشية من ردة فعلها ولكنه لا يريد أن يخبأ عنها المزيد، تآلم عنـ.ـد.ما نطق بتلك الكلمـ.ـا.ت وتحول بكاءه لعويل وارتج جسده من كثرة البكاء ولم يستطع أن ينظر لها وأكمل قص آلامه وحياته السوداء التي ظن أنها لن يتخللها شعاع نور أبدا

"أنا بهدلتهم، كهـ.ـر.بتهم، سجنت واحد والتاني لسه مرمي بيعذبوا فيه.. رجعت يومها بضحك وفرحان بس افتكرت لما عذبتهم عذاب أبويا ليا.. أنا.. كان لازم أطلع اللي جوايا على واحدة استغلالية عشان احس إني بعاقبها على إنها شبه القذرة اللي عملت فيا كده، وكمان مش بس عقابها على إنها بتاخد فلوس لأ!! أنا من ساعة ما ليلى سابتني ومشيت بقيت بفتري على الستات والبنات اللي قدامي.. أضـ.ـر.ب فيهم لغاية ما يقدروش يستحملوا ويتحايلوا عليا اسيبهم يمشوا، عارفة ليه، عشان اضـ.ـر.بهم اكتر وانتقم فيهم من خسارتي لليلى.." انهمرت دمـ.ـو.عه دون توقف وبدأت هي في عدم التحمل

"خلاص يا بدر كفاية أنا مش عايزة اسـ.." تحدثت بسرعة وهي تحاول أن توقفه ولكنه قاطعها

"لأ لازم تسمعي للآخر" حاول إيقاف بكاءه ثم اردف

"وأنا مروح وفاء جاتلي.. جاتلي تاني وفكرتني إني جبان.. جاتلي بإستغلاليتها وطمعها وقالتلي إنها عايزة تشاركني في اللي كبرته وبنيته أنا واخواتي وأمي وبمساعدة ليلى ووقفتها جنبي.. فكرتني وأنا صغير إني كنت بخاف منها ومن مدحت اللي بتنام معاه، فكرتني إني كل ما أحس إني بقيت بني آدم وافتكر إن حياتي هتبقا كويسة وإني بقيت راجـ.ـل شايل مسئولية وبيحمي اللي بيحبهم هرجع تاني وأكون جبان وعيل صغير.. بس مش ده السبب وبس..

غلطت ساعتها في نجوى أمي قدامي وبقيت زي الأعمى ومسكتها رميتها برا الفيلا عشان مكنتش قادر استحمل.. وجريت عشان كان فيه واحدة مستنياني أطلع عليها كل انتقامي وعصبيتي وكبتي بس ت عـ.ـر.في يا نورسين إني بردو كنت جبان ومقدرتش؟! ت عـ.ـر.في إني أول ما جيت أضـ.ـر.بها شوفتك قدامي، بس فكرت إن يمكن ده عشان من ساعة ما بقينا كويسين مجيتش ناحية واحدة ست.. حاولت تاني أضـ.ـر.بها بس حسيت إن ايدي اتشلت، على قد ما كنت حاسس إن فيه نار جوايا وعايزها تطلع بأي طريقة وأموت حد قدامي على قد ما كنت مشلول!!" تنهد في حرقة جرحت حلقه وأكمل

"شوفتك بضحتك وبرائتك.. شوفت السعادة اللي عمري ما عيشتها مع حد قبلك.. بس ت عـ.ـر.في؟!" ابتسم في وهن ثم نظر لها ليتلاقى سواد عينا ذلك المتآلم في عمق أبحر سحيقة من الظلمـ.ـا.ت الحالكة بزرقة سماءها الصافية التي تُمطر أنهارا من حُزن وأبحرها التي تعصف تلك الآلئ المنهمرة على وجنتيها

"أنا مش عارف حتى ابتدي معاكي منين ولا منين.." تنهد وابتسم لها بمرارة "أنا هحكيلك يا نورسين على اللي جرالي من يوم ما عيني وقعت عليكي.. هاحكيلك حبك عمل فيا ايه.. هقولك انتي ازاي حبك نورلي حياتي كلها وخلاني احس إني فوق السحاب بس جبني وخوفي عليكي من نفسب ورعـ.ـبي لأذيكي نزلوني سابع ارض.. عارفة أنا حبيتك من امتى؟!"


نظرت له بعينيها الباكيتين وأومأت له بالإنكار وصمتت تماما لتسمعه لأول مرة وهو يتحدث عنها بتلك الطريقة وتلك الملامح التي اذابت قلبها آلما وحزنا.
"فاكرة اول ما شوفتك يوم الجراج؟" ابتسم لها في وهن لتومأ هي له بأعين دامعة ليُكمل

"أنا حسيت إني مش قادر أتحرك، كنت عايز أفضل باصصلك ومشيلش عيني من عليكي، كنت أول مرة ابص لست من ساعة ما ليلى مـ.ـا.تت، حاولت أعمل إني جـ.ـا.مد قدامك بس مقدرتش.. عشان كده خوفت ابان قدامك مش على بعضي واخدت مفاتيح العربية قاصد عشان أشوفك تاني ونكون لوحدنا"

ابتسم وهو يتفقدها بسوداويتيه وعشقه لها ينهال من عينيه لتنظر هي له بتريث وهي لا تُصدق أنه أحبها منذ ذلك الوقت لتجده يبتسم لها ولكن ملامحه لا زالت تبدو متألمة

"لما قعدت في المكتب لوحدي فكرت فيكي، عنيكي دي خلتني مش على بعضي، زي ما تكون الدنيا كلها حواليا بقا لونها أزرق بلون عنيكي، عمري ما أتأثرت بحد كده.. لقيت نفسي غصب عني بقارن بينك وبين ليلى، طب ليلى لما شوفتها كان شكلها من الأول معجب بيا، إنما أنتي كنتي بتتخانقي معايا، ليلى كانت بتضحك وبتضحكني وبتحاول تصاحبني حتى قبل ما تحبني، لكن أنتي!! مش عارف ايه جرالي يومها، وكنت مستانيكي بفارغ الصبر تجيلي تاني.. لما شاهندة جاتلي وقالتلي اديها المفتاح أنا رفضت عشان اشوفك!" تريث لبرهة ثم أشاح بنظره بعيدا عن تلك الزرقاوتان

"كنت عارف إني خايف على زياد منك، كنت فاكرك جاية راسمة عليه، افتكرت وصية أبويا ليا، مكنتش عايزه يتخدع في بنت عشان حلوة، كنت خايف عليه اوي وحاسس بالذنب إني فجأة كده اتشـ.ـديتلك.. حاولت امسك نفسي لما لقيتك قدامي وأقولك كلام يضايقك عشان تكرهيني، حاولت إني اركز على إنك مجرد استغلالية، شبهتك باكتر واحدة بكرهها في حياتي بس في نفس الوقت اللي حاولت فيه كنت بلاقي رجلي رايحة ناحيتك وبقرب منك، قلبي كان بيدق بسرعة مش طبيعية لما بقرب منك، مكنتش قادر ابطل ابصلك، مشوفتش في حياتي واحدة بالجمال ده.. غصبت نفسي يومها إني اطردك برا واهددك عشان لا أنا ولا زياد نتأثر بيكي" تنهد وهو يهُز رأسه في انكار ثم أعاد نظره لها

"لما رجعت المكتب حسيت إني بتقطع كل ما افتكرت شكلك وانتي بتعيطي، مش عارف إيه اللي بيجرالي كل ما اشوفك بتعيطي، مش بس زمان لأ لغاية دلوقتي، فيه زي ما يكون حاجة جوايا في قلبي بتتعصر، وفضلت طول الوقت أفكر فيكي، أنا من يومها وأنا مش عارف اركز في شغلي.. حتى لغاية دلوقتي.. زي ما تكوني من يوم ما دخلتي حياتي وانتي بقيتي مسيطرة عليا بطريقة رهيبة! ت عـ.ـر.في إن أنا وزياد اتخانقنا عشانك، كان عايز يرجعك وأنا مش قادر أصلا مفكرش فيكي.. لما سمعته بيقول إنك هتكوني مـ.ـر.اته في يوم أنا حسيت إني ممكن اموته.. أنا يومها كانت اول مرة في حياتي امد ايدي على اخويا، ضـ.ـر.بته بالقلم من غير ما احس أنا بعمل ايه وحسيت إن بسببك أول مرة أنسى ابويا وصاني على ايه"

ابتلع في صعوبة وهي لا زالت تلاحقه بزرقاويتيها لتصحبه في تلك الدوامة من الآلام التي لا تعلم متى ستنتهي

"يوم الإجتماع بقا أنا فعلا كنت بتخانق مع نفسي وبحاول مبصلكيش، أنا مكنتش مركز في حرف.. حسيت إنك بتسحبيني من كل اللي حواليا، ولما غلطيني حسيت إنك بتتحديني وكنت مش قادر استحمل اللي بتعمليه فيا.. بس.. لما عرفتي إن والدتك اتوفت ودوختي كانت أول فرصة ليا المس وشك بإيدي، أشيلك، أقرب منك.. بعيد عن خناقنا وكرهنا ونظرة الخوف اللي في عنيكي مني.. حاجة كانت بتخليني أقرب منك، حاجة بتشـ.ـدني ليكي كان نفسي يومها افضل جنبك طول حياتي ومبعدش عنك ولحظي الهباب شاهندة جت ونقلناكي المستشفى، حاولت ابين قدامها إني متعصب منك واقول عليكي استغلالية يمكن أنا كمان مفكرش فيكي لما اسمع كلام نفسي واشيلك من دماغي بس مقدرتش.." ابتسم بمرارة ثم اردف

"عملت يومها زي العيال.. خبيت موبايلك عشان افتحه واشوف فيه ايه، رسالة كده ولا كده ما بينك وبينه، كنت بقنع نفسي انك اكيد وقعتي زياد، بس بصراحة كنت هاموت من الغيرة عشان أعرف فيه ايه بينك وبينه" توسعت ابتسامته لتتعجب نورسين من فعلته


❈-❈-❈

"لما شاهندة قررت تيجي تعيشي معانا في البيت وقالتلي إن الكـ.ـلـ.ـب اللي اسمه يُسري كان بيحاول يمضيكي على كل ورثك كنت هتجنن.. حسيت إنك هتدخلي ما بينهم وهيحبوكي اوي وينسوني، خوفت لا زياد يشوفك قدامه ويفكر يقرب منك، كنت حاسس إني هاتجنن.. وفضلت أقنع نفسي إنك استغلالية، على قد ما كنتي شـ.ـداني وهاموت عليكي لكن كابرت وعاندت وفضلت أقنع نفسي بكلام مش شايف منه اي حاجة صح عشان اطلعك من دماغي وابطل أفكر فيكي، أنا الفترة دي جبت واحدة وبهدلتها بس بردو مقدرتش ارتاح أبدا.. ولما حسيت إنك بقيتي أهم حد في حياة شاهندة كنت غيران منك وفي نفس الوقت غيران عليكي.." حدقت به في غير تصديق بينما هو التقط أنفاسه وعقد حاجباه

"لقيت أمي بتحبك، وشاهندة كمان!! حسيت إنك هتسرقي حبهم ليا، بس كنت مطمن إن زياد طلع عيل مش فاهم هو بيعمل ايه، وجيت قعدت معاكم في البيت عشان خاطر أشوفك وتفضلي قدامي طول الوقت.. عمري ما هنسى أول مرة شوفتك فيها في جنينة البيت وأنتي بتشربي اللبن وسايب حبة على شفايفك.. يومها ضحكت، كان بقالي كتير مبضحكش.. لقيتك بتطلعيني من كل اللي أنا فيه بنظرة واحدة من عنيكي.. في نفس اليوم شوفت كريم وهو بيلمس وشك.. ساعنها اتجننت من الغيرة وكمان من الخوف على أختي وراقبته لغاية ما حسيت إن فيه حاجة مش طبيعية ما بينكم.. ودماغي صممت على إنك استغلالية وأكيد وراكي حاجة"

ابتلع متألما كارها لنفسه ولتفكيره ولكيانه بأكمله ونظر لها وكأنما طفل ينظر لوالدته يبحث بعينيها عن الأمان والحب

"ت عـ.ـر.في إني أنا اللي اديت رنا أجازة شهر عشان اجيبك عافية وتنبقي تحت عيني، ت عـ.ـر.في إن أول مرة شوفتك بترقصي فيها نسيت اسمي أساسا وكنت بمنع نفسي أقوم اخدك وادخلك مكتبي، ولا يوم ما رجلك وجعتك كنت هموت وألمسك بس مسكت نفسي بالعافية كان فيه خناقة جوايا يا نورسين.. اصدق احساسي ولا اصدق اللي بفكر فيه.. لغاية يوم ولادة هديل، اللي سمعته منك خلاني أعمى صحى جوايا كل مرة سمعت فيها أمي نايمة مع راجـ.ـل، خلاني أفتكر طمعها وحبها للفلوس.. عشان كده محاولتش اسمعك ولا اديكي عذر.." انهمرت موعه لتعود نورسين لتتألم مجددا

"اللي عملته فيكي في الاوتيل كان بيموتني بس أنا كنت شايف إن ده الحل مع واحدة فكرت تخرب على أختي، عملت فيكي نفس اللي أبويا عمله فيا زمان عشان ده اللي تستاهله كل استغلالية زيها، أنا مكنتش استاهل عذابه ليا بالطريقة دي.. كان المفروض يعذبها هي مش أنا..

بس عارفة ايه أكتر حاجة موتتني إني لما شوفتك قدامي مكنتش كارهك، ولا مضايق منك، أنا كنت بحس بشهوة ورغبة فيكي ونفسي أعمل معاكي نفس كل اللي كنت بعمله مع ليلى، كأني بحبك مش بكرهك خالص.. فضلت في الحرب دي كتير وحصلت حاجات كتيرة اوي ما بينا أنا عارف ومتأكد إنك فاكراها، فاكرة لما بوستك وانتي اول مرة تدخلي اوضتي؟! مقدرتش أمنع نفسي..

كنت عايز أقرب منك بأي طريقة، كان نفسي بس ألمسك، ولما كنتي بتبوسي ايدي كنت بخاف من اللي بيحصلي.. مكنتش بقدر اسيطر على نفسي بسهولة، كان بيبقا فاضلي ثواني وأقوم اخدك تحت مني، كنت بتقطع بين إني عايز أقرب منك وإن شكلك بريء جدا وصغيرة واستحالة يكون بينك وبين كريم حاجة وبين اللي أنا سمعته وانتي بتنطقيه بلسانك!!

ساعتها مقدرتش استحمل أكتر من كده وكان لازم ابعدك عني بأي طريقة.. ويومها زي الغـ.ـبـ.ـي روحت وديتك ليُسري" زفر بحرقة لتتهاوى هي دمـ.ـو.عها وهو ينظر لها في خوف وخشية من أن تكرهه بعد كل ذلك

"شاهندة لحقتني.. وأنا طلعت أجري زي المـ.ـجـ.ـنو.ن، ولما سمعت صوتك بتصوتي أنا كنت حاسس إني بموت وسكاكين بتتغرس في قلبي، حسيت إني حقير، إني وديتك للقذر ده بإيدي وكمان بعد كل اللي عملته فيكي، بنفسي.. يا ريتني كنت مت قبل ما أعمل فيكي كل ده!! لما شيلتك بين ايديا ساعتها قررت بيني وبين نفسي ان عمرك ما هتبعدي عني، حتى لو كان فيه بينك وبين كريم حاجة كنت هاعيشك معايا غصب عنك.. عرفت يومها إني استحالة أستحمل إن حد يأذيكي ولا يلمسك ولا حتى يكون معاكي غيري" نظر لها نظرة لم تفهمها وهو يبكي ولكنها لم تكن تعرف أن تلك هي نظرة التملك بعينيه

"لما صحيتي وكنتي ناسية آخر سنتين في حياتك حسيت إني محظوظ، إني هابدأ معاكي من جديد، قولت ده حظي إني مخوفكيش مني تاني، يمكن تحبيني وعمرك ما تفتكري كل اللي حصل ما بيننا.. كان نفسي أعيش الحب معاكي، كان نفسي نبقى متجوزين بجد بعيد عن كل اللي فات مع إن وقتها مكنتش اكتشفت حقيقة اللي سمعته منك لكريم يوم ما هديل ولدت.. كنت بهرب من إني احكيلك على كل حاجة لأني جبان واستحالة أقدر اواجهك لو افتكرتي.. كنت بترعـ.ـب لما بتفتكري حاجات من اللي حصلت.. شوفتي يا نورسين أنا جبان وضعيف قد إيه؟!" همس إليها بإنكسار وهو يرمقها في شعور هائل بالخيبة والخوف


❈-❈-❈

"لما سافرنا مع شاهندة أنا ساعتها خلاص كنت استسلمت للحرب اللي جوايا وسمعت كلام احساسي، كنت ببصلك على إنك مراتي وبس حتى لو ايه.. بس جوايا حتة واحدة نفسها تتأكد من اللي بينك وبين كريم، فاكرة يوم المايوه؟ أما من كتر غيرتي عليكي كان ممكن اولع فيكي وفي نفسي وراكي.. مكنتش مستحمل حد يشوفك ولا عينه تيجي عليكي" ابتسم بوهن ثم تابع

"كان الحل الوحيد إني أتأكد من اللي بينك وبين الكـ.ـلـ.ـب التاني إني اراقبك بالكاميرات اللي في الفيلا والحراس يقولولي كل الأخبـ.ـار لو طلعتي من البيت او لو حد جالك ولقيت نفسي بتشـ.ـدلك أكتلر وبحبك أكتر وملقتش اطيب منك يا نورسين، مكنتش مصدق إن فيه حد زيك في الدنيا دي كده.. عشان أنا مليان سواد من جوايا عمري ما صدقت إن في حد بطيبتك وبرائتك وهدوءك" نحب وهو ينظر لها نادماً على كل ما فعله وارتكبه بحقها لتبكي هي الأخرى في صمت

"رسمك.. مكنتش مصدق إنك بالبساطة اللي فيكي تقدري ترسميني كده، طول الوقت في الشغل مش بعمل حاجة غير إن عيني متابعة كل حركة بتاخديها، حتى أكلك وانتي بتعمليه كنت بحس إنه جايزة ومكافأة ليا.. ويوم ما الوسـ.ـخ ده راحلك وحاول يقرب منك شخصيتي الجبانة ظهرت، خوفي اتحكم فيا، لدرجة إني خليت راجـ.ـل من الحراس يسمع هو بيقولك إيه علشان يعرفني، مكنتش مصدق إنك ممكن تسامحيني على كل اللي عملته فيكي والمصيبة إن ظلمتك، ظلمت أكتر حد حبيته في حياتي، أنا عارف إني ربيتلك عقدة.. سامحيني يا نورسين!!" أخذ يبكي في وهن لتبكي هي أيضا وهي تنظر له في شفقة وعشق بآن واحد

"كنت هقولك ايه؟ هقولك كنت فاهم غلط؟ هقولك إني ظلمتك ومكنش قصدي؟ ولا هقولك آسف سامحيني؟ أنا كنت مرعوب أواجهك، مرعوب ابصلك وت عـ.ـر.في مني إني ظلمتك بالبشاعة دي، قررت من جوايا أكون معاكي أحسن وكنت فاكر إنك كده يمكن تسامحيني وتنسي بس لقيت إن أنا اللي بساعد نفسي.. كنت أول مرة احس بالفرحة وأنا ماشي معاكي وباجيبلك موبايل، حسيت إني بعيش طفولتي اللي معشتهاش واحنا في الملاهي، إني اقعد اذاكر معاكي بهدوء من غير ما أكون خايف.. كل حاجة معاكي عيشتها كانت بتنور جزء جوايا في وسط الضلمة اللي أنا عيشتها سنين، ضحكتك وبرائتك وطيبتك كانت بتخليني انسى أنا مين وبتنسيني كل اللي عيشته بسبب ابويا ووفاء.. أنا كنت مـ.ـجـ.ـنو.ن وطاير بيكي، مكنتش ابداً اتصور إن لسه فيه حد زيك، لما كنت بسمعك وانتي بتكلمي والدتك لما قربت منك وبوستك، عيشتيني حاجات عمري ما عيشتها ولا خطر على بالي إني محتاجلها.. أنا بقيت طفل معاكي لأول مرة، أنتي بقيتي كل حياتي، الأم والزوجة والحبيبة وكمان الصاحبة اللي بتبسط معاها.. أنا حبيتك اوي يا نورسين ولسه بحبك وعمري ما هابطل احب الوحيدة اللي قدرت تخليني عايز أكون إنسان احسن" نظر لها بسودواتان باكيتان متوسلتان لغفرانها على كل ما فعل وليس به ولو ذرة ثقة بالنفس أمام تلك الزرقاوتان الباكيتان

"كنت اتمنى افضل جنبك، أعيش الحاجات اللي عمري ما عيشتها غير معاكي بس كان لازم افوق ليسري وكريم.. اللي عملته فيهم خلاني اشوف نفسي تاني وأنا بتعذب، ولما وفاء جاتلي قضت عليا وخلتني احس بجبني وخوفي.. ولما أذيتك آخر مرة ما بينا قبل ما أسافر أتأكدت ساعتها إني عمري ما هاتغير، عمري ما هاقدر أكون إنسان كويس، هافضل زي ما أنا بسوادي ووجعي وخوفي، عرفت إني هاظلمك معايا وأنتي بطيبتك دي كلها مكنتيش تستاهلي مني ده، عشان كده رجعتلك حقك وجيبتلك بيت جديد وأتأكدت إن معاكي حرس واطمنت عليكي وبعدين اخترت أصعب حاجة عليا يا نوري.. أخترت إني ابعد عن اللي بحبها، كنت خايف عليكي مني، خايف عليكي تعيشي في ضلمة ووجع إنتي ملكيش ذنب ولا إيد فيهم.. ذنبك ايه تعيشي مع إنسان مريـ.ـض، حياته كلها مفيهاش حاجة تفرح، إنسان معقد عمر ما سعادته كملت.. حسيت إني مش هاقدر أسعدك وقولت يمكن لما أبعد تكرهيني بس كلام شاهندة عنك عرفني إنك بتتعذبي زيي بالظبط!!" ازداد بكاءه بحرقة لتنظر هي له باكية في لوم وحُزن

"كنت متعذب، مبفكرش غير فيكي، عمري ما أتجرأت أقرب من ست غيرك، حاولت كتير أقنع نفسي بالعلاج، كان لازم حتى أخلص من جزء من اللي أنا فيه، حتى لو مكنتش هرجعلك بس كنت تعبت أوي يا نورسين، أنا تعبت من خوفي، تعبت من إني جبان، تعبت إني مش قادر لغاية دلوقتي أواجه وفاء وأقف قدامها، الست دي دمرتني، خلتني دايما مرعوب وخايف، على قد ما أبويا عذبني وضـ.ـر.بني كتير بس كان عايزني ابقا قوي، كان خايف على بناته ومـ.ـر.اته وابنه الصغير مني، كان خايف يشوف فيا فشله، لكن الست دي أنا معرفش ازاي اتنزع من قلبها الرحمة عشان توصلني للي أنا فيه دلوقتي.. أنا ساعات بصدق كلامها إني مش راجـ.ـل، دايما بتطلع صح في الحتة دي.. بس أنا مرضتش أأذيها ت عـ.ـر.في ليه؟!" تحول بكاءه لعويل ليزداد تأثر نورسين بكل كلمـ.ـا.ته وأومأت له بإنكار

"عشان كان نفسي مرة احسها بتحبني.. كان نفسي بس مرة أشوفها خايفة عليا أو حتى لما كبرت قولت يمكن تراجع نفسها وتتهد وتبطل جبروت، ورحمة أبويا لو كانت اتغيرت أنا كنت هاحبها، كنت هافتحلها بيتي بعد كل اللي عملته فيا زمان وهسامحها، بس من ساعة آخر مرة لما هزئت أمي أنا مبقتش قادر أشوفها بجبروتها ده من غير ما أنتقم من كل السنين اللي عيشتني فيها خايف ومرعوب.. وحتى بالرغم من إني بحاول أدمرها إلا إني لغاية دلوقتي مش قادر أواجهها.. عشان كده اتحاميت في اخواتي وخلتهم يعملوا كل حاجة وأنا بعيد، ولما عرفت إنك هتشوفيها وتكلميها خوفت عليكي.. خوفت تعملك حاجة، كنت مرعوب منها عليكي.."


❈-❈-❈

ازداد عويله لتتهشم هي بداخلها ولن تكترث تلك المرة لما سيقوله وفرت على الفور لتحل تلك الأوشحة السخيفة المثبتة بالجداران يمينا ويسارا ليحاول هو ايقافها

"لا سيبيني مربوط، أنا جبان، كان لازم أحس بالخوف عشان احكيلك واكلمك" صاح بين بكاءه وهي لا تكترث له

"أنا لسه مكملتش يا نورسين، أنا لسه عايز أقولك ايه اللي حصلي لما شوفت صورك مع راجـ.ـل غيري" ارتجف جسده بينما أنتهت هي من فك وثاقه ثم أقتربت منه لتجلس أرضا على ركبتيها وهي تبكي هي الأخرى ونظرت له

"حسيت إن أي راجـ.ـل في الدنيا هيكون أحسن مني، مش هايكون جبان ومعقد زيي، كان ممكن تعيشي سعيدة مع أي حد غيري لكن أنا مقدرتش أسيبك، مقدرتش استحمل أشوفك مع غيري، خوفت حد ياخد نوري ويسبني في ضلمتي لوحدي.. كنتي هتضيعي مني يا نوري.. كنتي هتضيعي وتسيبيني لوحدي"

انفجر باكيا لتقترب هي جالسة على ساقاه ثم عانقته بكل ما استطاعت من قوة وضمت رأسه لصدرها وأخذت تبكي هي الأخرى

"أنا مقدرش أسيبك.. مقدرش يا بدر.. والله ما أقدر" صاحت بين بكاءها ليعانقها بذراعيه في قوة مبالغ بها وكأنها ستتركه وستذهب لتتعالى خفقات قلبه في عنف

"أنا عارف إني ظلمتك وإنك تستاهلي حد احسن مني بس متسبينيش.. أرجوكي متسبنيش يا نورسين، أنا مقدرش أعيش من غيرك، أنا ممكن أبقا اسوء واسوء لغاية ما أموت نفسي.. أنا بحبك ومقدرش ابعد عنك تاني.. سامحيني وخليكي معايا وأنا مش هاعمل معاكي أي حاجة وحشة تاني، هحاول أكون أحسن في كل حاجة بس متحرمنيش منك ومن وجودك في حياتي"

صاح بين شهقاته لتزيد هي من معانقته وهي تبكي هي الأخرى ثم ابتعدت قليلا لتنظر له وهي تمرر يداها بين خصلات شعره الفحمي في حنان وبكت هي الأخرى

"ليه تبعد أنت عني؟ ليه محكتليش كل حاجة؟ كنت هافضل جنبك، كنت هساعدك في علاجك، أنا لسه بحبك يا بدر زي الأول وأكتر كمان.. كنا هنفضل كويسين أنا عارفة بس ليه مقولتليـ.."

"عشان أنا جبان وخواف" قاطعها صارخا بحرقة ليبكي مجددا لتضمه هي لصدرها وأخذت تربت على ظهره في حنان حتى شعرت بإبتلال ملابسها من دمـ.ـو.عه

"عشان أنا مبقدرش أواجه حد، عشان أنا بترعـ.ـب لما أبعد عن اللي بحبه، عشان كنت خايف تكرهيني بعد ما ت عـ.ـر.في كل حاجة عني.. أنا مريـ.ـض نفسي ومعقد يا نورسين.. عشان أنا ما شوفتش حنية ولا حب ولا حنان اديهملك وأعوضك بيهم أنتي حقك تسيبيني وتعيشي حياتك وعارف إن أنا بظلمك بكل ده بس مش هاقدر أعيش من غيرك"

حاول التقاط أنفاسه بين شهقاته المتوالية والمتتابعة في سرعة شـ.ـديدة لتشعر هي وكأنها تُقـ.ـتـ.ـل ببطئ مما يفعله وقاربت على الإنهيار مثله تماما وأرادت أن توقفه بأي شكل

"كفاية يا بدر أرجوك" صاحت ببكاء لترغمه على النظر لها "أنا عمري ما هاسيبك وهافضل جنبك لغاية ما أموت" نظرت له بتلك الزرقاوتان لترى ملامح الذعر ترتسم على وجهه

"لأ يا نورسن!! لأ متقوليش كده.. أوعي تسيبيني وتمشي أرجوكي.. ولا موت ولا غيره.. أنا عايزك جنبي على طول.. أوعدك إن عمري ما هأذيكي تاني.. اديني بس فرصة وأنا هاعوضك عن كل حاجة، أنا بتعالج والله ومع الوقت مش هابقى سادي زي زمان، هاكون احسن، هاعملك كل اللي نفسك فيه بس متيبنيش لو حبتيني متسبينيش"

رآته يتصرف بهيسترية بين شهقاته وآخذ يداها يُقبلها في توسل وهي لا تدري كيف عليها أن توقفه بعد كل ما يفعله وكأنه أصبح ممسوساً بجان ما يُسمى الخوف من ابتعادها عنه

"بدر!! أنت عارف إن أنا اللي خليتك تيجي؟!" صاحت به ليسمعها وهو ينظر لها في تعجب بين سودواتاه الباكيتان ولكنها يبدو أنها كانت الطريقة الوحيدة كي تنتشله من ذلك الإنهيار الذي سيطر عليه

"طـ.ـلا.قي وخطوبتي كانت فشنك.. خطة عشان ترجعلي تاني!!" عقد حاجباه وهو غير مُصدق لما يسمعه لتبتلع في خشية من ردة فعله هي ولكنه عليه أن يستمع لها هي الأخرى فتنهدت لتبحث عن القوة بداخلها ثم قررت أن تُخبره بكل شيء..
"ما هو.. ما هو أنا ملقتش حل غير ده وشاهي.." حمحمت وهو لا يزال ينظر لها ثم ضيق سوداوتاه في تساؤل ليتمتم في دهشة
"شاهي!!"
"آه.. ما هو.. ما هو.. ده كان الحل اللي قدامي وأنا كنت عايزاك ترجع بأي طريقة.. و شاهي قالتلي إنك بتغير ولو عرفت إني اتخطبت هترجع بسرعة وأنت.. أنت كنت وحـ.ـشـ.ـتني اوي بصراحة" تحدثت مسرعة بعينان مرتبكتان ليتصنع هو الغضب ثم حاول التحكم في ابتسامته قدر الإمكان
"وفارس؟!" تحدث متسائلا ولكنه غضب بالفعل ما إن تذكره
"فارس.. فارس أصلا بيحب بسنت وهيتجوزوا كمان كام يوم.. كنا عاملين حركة عليك بس مش أكتر" تريثت وهي تنظر له بقلق وتـ.ـو.تر
"مممم" همهم وهو لا يزال يتفحص تلك الزرقاوتان البريئتان "يعني اتفقتوا عليا من الآخر.. أنتي وشاهندة وفارس ومين كمان؟" سألها بعد أن شعر قليلا بالراحة عنـ.ـد.ما عرف أنه سيتزوج وسيبتعد عنها في غضون أيام!
"مممـ.. مفيش ده.. طب.. طب.." تلعثمت وهي تحاول أن تشيح بزرقاويتيها بعيدا عن هاتان الثاقبتان
"ايوه.. طب طب دي تبقي بتكدبي.. هتقوليلي مين كمان ولا.."
"لأ بص أنت يا ملك الكون" قاطعته وهي تنظر له متصنعة القوة "أنا مش خايفة منك، وآه ماما نجوى كمان كانت تعرف ومش هاتقدر بقا تعملهم حاجة لأن أنا السبب في كل ده وأنا اللي قولتلهم يساعدوني.. وبعدين يعني أنت بتهددني مثلا؟!"
"يعني أنتي مش خايفة مني؟!" رفع احدى حاجباه مستفسرا وهو بداخله يعاني لأن يكتم ضحكاته بصعوبة ليجدها تضع يداها بخصرها وهي لا زالت جالسة على ساقاه ليتفقد برائتها التي أشتاق لها حد الثمالة
"لا مش خايفة.. هاتعملي ايه يعني.. مبقتش أخاف خلاص" تحدثت بجرأة ولكنها بدت كطفلة صغيرة بتلك العينتان المتوسعتان
"طب اما نشوف.." دفعها قليلا ثم نهض وهو يزيل تلك الأوشحة من حول معصماه وهو يبتسم على طفوليتها حتى بتلك الأشياء ولكنه واجهها بظهره حتى لا تلاحظه وتوجه للأعلى ليسمع خطواتها خلفه
"لا بقا يكون في علمك أنا مش خايفة.. وحتى لو هاتعمل ايه أنا مش هايفرق معايا!" صاحت خلفه ليلتفت لها فجأة لتبتلع هي من تلك النظرة بعينيه وهو يتصنع الجدية ثم حملها رغماً عنها "ايه اللي أنت بتعمله ده نزلني يا بدر مش كده"
"بقيت بدر دلوقتي.. امال فين Mr. بدر!! نسيتيها خلاص" أخبرها متهكما وهو يبتلع ضحكاته حتى لا تشعر بمزاحه معها لتجده ينزلها بمنتصف غرفتهما
"يا سلام!! كان لازم تجبني هنا يعني.. ايه اللي أنت بتعمله ده؟" صاحت بأنفس متلاحقة وهي تنظر له في غضب لتجده يجلس على الأريكة أمامها بمنتهى الهيمنة ليضع احدى ذراعاه بجانب رأسه ويشير لها بالأخرى
"اقلعي يا نورسين!" همس وهو يطالعها بنظرة لم تفهمها هي وقد أرهقت من محاولة فهم تلك النظرات التي تنهال من ثاقبتاه لتزفر في تآفف
"آآه.. فاكرني بقا زي زمان هـ.."
"زمان حاجة ودولوقتي حاجة.." قاطعها بهدوء "مش بتقولي مش خايفة! اقلعي" همس لها بمكر ليتفقد طفوليتها التي لا زالت تنعكس على كل تصرفاتها وأفعالها كما اعتادها دائما
"أنت قليل الأدب.. وآه مش خايفة.. ومش هاطاوعك في سفالتك دي أبدا" حدثته بإنفعال لتتجه لباب الغرفة لتغادره لينهض هو مُسرعا ثم حال بينها وبين الباب ليرفع لها حاجباه في تحدي
"ايه رجعتي تخافي ولا مش قد كلامك؟" ابتسم بخبث لتنظر هي له في انفعال طفولي وابتعدت عنه خطوتان للخلف
"لا مش بخاف وآه قد كلامي.. بس أنت قليل الأدب و.."
"مش عملالي فيها كبيرة وبتعملي خطط ومؤامرات من ورايا ورجعتيني زي ما أنتي عايزة.. اتحملي بقا نتايج اللي عملتيه" قاطعها وهو يحدثها بهدوء متخذا نحوها هاتان الخطواتان التي ابتعدت بهما عنه وثاقبتاه لم تفارقا زرقاوتاها لتبتلع هي في ارتباك ونظرت له بجرأة ولكن أنفاسها المتـ.ـو.ترة التي لاحظها هو جعلته يبتسم تلك المرة ولم يستطع أن يتوقف
"أنت عايز ايه؟ وبتبصلي كده ليه أصلا؟ وبتضحك على ايه؟!" نظرت له بإنزعاج ليقترب هو منها أكثر وحاولت الإبتعاد عنه ولكنه لم يبدو وكأنه سيتراجع عن الإقتراب منها لتتنفس هي بعمق وتوقفت أمامه لتواجهه وهي تحاول أن تبحث بداخلها عن الشجاعة قدر ما استطاعت وعقدت ذراعيها وهي تنظر له بتحدي
"بضحك عشان أنتي حلوة أوي وأنتي صغنونة في نفسك وبتحاولي تعملي كبيرة.." نظر لها بإبتسامة ثم أقترب منها أكثر وهي تنظر له بعينتان متوسعتان متعجبتان
"وببصلك كده عشان أنتي أجمل واحدة في الدنيا عيني شافتها وعشان حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي ومش قادر ابعد عنك تاني" قبلها قبلة ناعمة لتتفاجأ هي وهي لا زالت عاقدة ذراعيها ثم همهم بإستمتاع وهو يُقبل تلك الكرزيتان في اشتياق جارف
"وعايز.. عايز قلة أدب يا نوري.." نظر لها بإشتهاء امتزج بالعشق لتطرق الإبتسامة باب شفتيها ولكنها حاولت ألأ تستجيب لتك الطرقات
"لا مفيش قلة أدب تاني.. ابعد بعد اذنك من قدامي" أخبرته وهي تحاول التحكم بإبتسامتها لينظر هو له في توسل مبتسما
"كده يا نوري برضو.. مش كنتي بتقولي إني وحشتك اوي.. أنتي كمان حشـ.ـتـ.ـيني و " فاض العشق من عينيه وهو يقترب منها وهي لازالت تتصنع الجرأة التي لم تناسب ذلك الوجه البريء
"آه وحـ.ـشـ.ـتني بس.." توقفت عنـ.ـد.ما تصادمت أنفاسه الساخنة بشفتيها لتتعالى أنفاسها في ارتباك
"بس ايه؟! متحرمنيش منك يا نوري تاني بقا، وبعدين أنا.. أنا.. هاعمل.."
تاهت الكلمـ.ـا.ت من عقله ولم يدرك ما الذي يتفوه به وهو يمرر إبهامه على كرزيتاها وأخذ يباعد بين تلك الشفتان اللاتي لم يتذوق أفضل منهما بحياته ليبتلع ريقه وبدأ يشعر بالإثارة تندلع بعروقه وتعالت أنفاسه بقوة ليجدها تتحدث بشيء لم يستمع إليه حقا ولم يفهم ما الذي تعنيه ليجن عقله ثم لثم تلك الشفتان أخيراً وتنفس أنفاسها المُحببة على قلبه ثم انخفض ليحملها ثم توجه بها نحو السرير ليريح جسدها عليه في رفق ثم فرّق قبلتهما ليتنفس لهاثها في استمتاع
"ت عـ.ـر.في إني فعلا غـ.ـبـ.ـي!" همس أمام شفتيها لتنظر له هي بتعجب وقد فقدت السيطرة تماما على حواسها وبدأت تشعر بالشهوة تتأجج داخلها ليُكمل
"من أول يوم شوفتك فيه قولتيلي إني غـ.ـبـ.ـي.. فاكرة؟!" نظر لها بعينان ولهتان بعشق جارف فأومأت له في استغراب مما يخبرها به وهو معتليا اياها وبعثرت أنفاسه الساخنة كل ذرة قوة بداخلها فنظرت لها بزرقاوتها المستفسرتان عما يخبرها به
"غـ.ـبـ.ـي عشان بعدت عنك وسيبتك.. غـ.ـبـ.ـي عشان أخترت إني أحرم نفسي من شفايفك وعينيكي اللي بيجننوني.. أوعي تسيبني أبعد عنك تاني ولو روحت آخر الدنيا تعالي ورايا يا نوري.."
همس أمام شفتاها ثم أقترب مجددا وهو يقبلها بنعومة لتتآوه ي بين قبلتهما ثم وجدها تحيط عنقه بذراعيها فمال بشفتيه ليقبل جانب شفتيها لتتآوه هي في دلال ليفقد هو عقله بتلك التآوهات وازدادت حدة تلثيمـ.ـا.ته لها ولكن ليس مثل قبل أبدا
"بدر.. بلاش اللي أنت بتعمله ده.. لو سمحت سيبني أقوم" بالكاد استطاعت الهمس وهي لا تدري أنها تحتضنه إليها وتقربه نحوها أكثر ليمرر هو شفاهه على وجهها بأكمله ليقبلها بشغف وعشق خالصان خالفا طريقته السابقة معها التي اتصفت بالعنف الشـ.ـديد ولم تساعدها أنفاسه المحمومة التي بعثرت وجدانها أسفله ليتركها لا تقوى على ابتعاده ولو لجزء من الثانية
"أنتي حاضناني.. أنتي عايزاني زي ما أنا عايزك، ولا مش شايفة أنتي بتعملي ايه؟" نظرت له في توسل وارتباك ولم تستطع أن تبعده عنها ليتركها أعترافه بالحقيقة التي همس بها أمام شفتاها في دوامة من الشبق وإرادة زوجها لم تقو على مجابهة أيا منهما
"لا.. أنا.. مش ده.."
تلعثمت ليُدرك هو لوعتها وعذابها بالتفوه بتلك الكلمـ.ـا.ت وهي تحاول أن تقربه منها أكثر لتحصل على شفتيه بإستحياء لتتوسع ابتسامته وأقترب ليقبلها قبلة أقشعر جسدها أسفله لها لتزداد ابتسامته اتساعا وبمنتهى المكر مد يداه بين ساقيها فتعالت تآوهاتها لما يفعله فابتعد وهو لا زال مبتسما وخاصة أنه يرى الإبتسامة الراضية الراغبة به في هدوء وعشق تعتلي شفتاها ولم يرحمها هو ليدخل يده أسفل ملابسها وبدأ في العزف بيده على أوتارها حتى تزداد تلك السيمفونية الملتاعة من شـ.ـدة شبقها
"عايزاني يا نوري.. والدليل اهو.. قولي بقا إنك عايزاني" حدثها في توسل وهي لا تستطيع السيطرة على تآوهاتها بما يفعله معها فبالرغم من أنهما فعلاها أمس ولكن تشعر وكأنما كل شيء أختلف معه فلا تدري ما السبب ولكنها لا تريده أن يتوقف..
"نوري.. عشان خاطري قوليها.. بحب اسمع منك إنك بتحبيني وعايزاني زي ما أنا عايزك"
"عايزاك يا بدر.. بالراحة طيب" لم تستطع التحمل وهو يؤجج إثارتها بهذا الشكل لتستمع لضحكته الرجولية ثم وجدته يطلب منها شيئا غريبا
"لأ قوليلي عايزاك تعمل قلة أدب معايا" همس ثم أقترب من عنقها المرمري الذي أشتاق لنبضاته التي لطالما تسارعت شبقًا كلما مرر عليه تلثيمـ.ـا.ته وآخذ في عضها في رفق شـ.ـديد وأزاد من حركة يداه وهمس بأذنها
"قولي إنك عايزة قلة أدب عشان أعملك اللي أنتي عايزاه"
"طب.. طب.. ما أنا مش هاعـ.. مش هاعرف أقو.." وصدت عيناها ولهثت بعنف وهو لا يرحم أنوثتها ثم همس مرة أخرى
"قوليها يالا يا نوري" أخبرها ثم نثر أنفاسه الساخنة على أذنها والتهم شحمة أذنها في تلذذ بين أسنانه وأخذ يعبث بها بلسانه لتصرخ هي أسفله بشـ.ـدة
"عايزة قلة أدب.. بدر.. أنا.. كفاية أنا" لم تدري ما الذي تتفوه هي به ولكنها تمسكت بكلتا ذراعاه وتشبثت بهما في قوة ليزيد مما يفعله حتى شعر بإبتلال يده لينظر لها بإبتسامة انتصار وابعد يده لتنظر له بإنزعاج طفولي
"لأ متكشريش بقا" أخبرها كالطفل الصغير ليقبل جبينها وهي تتصنع العبوس ولكن يلاحظ محاولتها التي فشلت بإخفاء تلك الإبتسامة على كرزيتاها من ثاقبتاه
"ما أنت اللي عملت قلة أدب و.."
"عملت.. ده أنتي هتشوفي قلة الأدب بقا كلها دلوقتي" غمز لها بإحدى عيناه لتتسع إبتسامتها لتشعر بيده تمتد لتجردها من ملابسها فانخفضت بزرقاويتيها
"أنت بتعمل ايه؟!"
"عايز قلة أدب يا نوري.. قلة أدب كتير بقا.. عايزك تدلعيني النهاردة"
"أدلعك.. يعني.. يعني أعمل ايه؟!" نظرت لها بأعين متسعة
"يعني تعملي زي اللي هاعمله بالظبط.. مش أنتي كبرتي خلاص؟! وريني بقا الكبـ.ـار بيعملوا ايه" ضيق عيناه في خبث وقد جردها من ملابسها التي أخفت مفاتنها الذي ألتاع لأشهر وهو يتمنى ولو يتلمسهما مرة واحدة مرة أخرى ثم حدق بعينتاها الزرقاوتان وعيناه أضطرمتا بالشهوة الشـ.ـديدة ورغبته بها ليجذبها مرغما اياها على الجلوس ليجلس هو الآخر أمامها على ركبتيه
"قلعيني يا نوري"
نظرت له بأنفس متلاحقة بخجل ثم عضت على شفتيها وهي لا تُصدق أنها تستجيب لتلك النبرة المتوسلة التي لم تسمعها منه من قبل لتقترب منه وأخذت تحل أزار قميصه وهي تبتسم ليرفع وجها بأنامله لينظر لتلك الزرقاوتان التي تحاول أن تخفيهما عنه وابتسم هو الآخر لها لتتحول ابتسامتهما لضحكات
"ده احنا كبرنا خالص بقا"
"ايوة طبعا.. مش جوزي حبيبي"
"اوباا.. ده أنا مكنتش احلم اسمع الكلمتين دول على بعض.. مين بقا اللي علمك الكلام الجـ.ـا.مد ده؟"
"هيكون مين يعني؟!" نظرت له بدلال وابتسامة خجولة "أكيد Mr. بدر طبعا.." اتسعت ابتسامتها ثم استندت برأسها على صدره في محاولة لإخفاء خجلها الفطري
"لا ما دام Mr. بدر شاطر أوي كده تعالي بقا اوريكي ممكن يعلمك ايه كمان، ده هينسيكي اسمك النهاردة وهيخليكي أنتي اللي Mrs. نوري"
همس بأذنها ثم دفعها أمامه في لين لتتعالى ضحكتها ليبتسم هو وعاد ليقبلها في شغف من جديد ليذيقها فنون عشقه بطريقة جديدة خالية من تلك الظلمة التي نجحت هي بتخللها بأشعة نورها المضيء حتى يسطع بدر الدين بين يداها البريئتان ويذهبا سويا برحلة جديدة ستستغرق أيام بل وربما سنوات أقسما بها معا ألا يعكرها عتمة ظلامه أبدا وسيعملا يدا بيد على أن يواجهاها سويا دون إفتراق، دون قسوة أو آلم، دون ماضي مؤلم وإجبـ.ـار، لتأخذ معه أولى خطواته في البُعد عما يُعاني منه من سادية مُفرطة وتعاهدا ألا يتباعدا قلبهيما أبدا.
❈-❈-❈
"عشان خاطري بقا بلاش وفاء النهاردة يا نوري.." توسلها بسوداويتين خائفتين لتتنهد هي وتلمست وجهه في رفق ثم ابتسمت له
"أنا أصلاً من يوم ما قولتلي كل حاجة عملتها وأنا نفسي أدمر الست دي.. مش هاسيبها غير لما أطمن أنها خسرت كل حاجة بقا ونرتاح منها كلنا"
"بس.. بس أنا المفروض اللي أواجهها مش أنتي.. بس عشان أنا جبان و.."
"لا يا بدر متقولش كده" قاطعته عنـ.ـد.ما رآت تلك النظرة التي امتزجت بالحزن وقلة الحيلة بعينيه
"مش أنت دافعت عني من يُسري وكريم.. أنا كمان هاقف قدام وفاء دي وهجيبلك مناخيرها الأرض.. مش عايزاك تخاف منها يا بدر، كلنا بنحبك سواء أنا ولا أخواتك ولا حمزة ومش هنرضى أبدا نشوفها بتعمل اللي بتعمله ده ومنمنعهاش"
"طب بلاش النهاردة وخليكي معايا.." توسلها وبدا كالطفل الصغير أمامها
"لأ النهاردة عندك جلسة مع الدكتور.. واحنا مش هاينفع نتأخر أكتر من كده.. متخفش عليا يا حبيبي.. وبردو زياد وحمزة معايا و.."
"زياد!! أنتو بقيتوا بتتكلموا خلاص؟" تعجب مقاطعا اياها ثم لمحت الغضب بعينيه
"هو اعتذرلي ورجع يعاملني عادي جدا وكمان ابتديت احس إن بقا عندي أخ وسند ليا.. زياد كمان بيحبك أوي يا بدر ومعندكش فكرة هو شايفك كبير ازاي وحاجة مهمة أوي بالنسباله، زي ما تكون باباه مش أخوه الكبير"
"خدي بالك من نفسك يا نورسين ولو حصل أي حاجة كلميني ومتقلقنيش عليكي، وأول ما تخلصي معاها تكلميني اتفقنا؟"
نظر لها في خوف شـ.ـديد وهو يزفر بحرقة من ذلك الوجع الذي بداخله فهو لا يزال يشعر بذلك الآلم الداخلي يفتك به عنـ.ـد.ما يدرك أنه إلي الآن لا يستطيع مواجهة وفاء والنظر بتلك السوداوتان المماثلتان لخاصته ثم قبّل جبينها لتستغرق القبلة حوالي دقيقة وبنفس الوقت كره ذلك الشعور بإبتعادها عنه
"متخفش يا حبيبي.. وأنت كمان طمني عليك أول ما تخلص الجلسة"
"حاضر.. متتأخريش عليا بقا.." نظر لها بأعين لائمت عينا طفل وليس رجل بالغ في الثلاثينات من عمره لتومأ له بالإنكار وزرقاوتاها فاضتا عشقا لتلك الملامح التي لطالما نجحت في التسلل لقلبها
"مقدرش أتأخر عن حبيبي.. وبعدين ما احنا بقالنا أسبوعين مع بعض اهو.. مزهقتش مني" ابتسمت له لتجده يجذب كلتا يداها في رفق ليقربها لشفتاه يقبلهما
"ولا أقدر ازهق منك يا نوري.."
"طيب حيث كده بقا أنت اللي عليك الأكل النهاردة ووريني هتأكلني ايه؟" رفع حاجباه دهشةً مما سمعه
"لا لأ أنا ماليش في الجو ده خالص.. أحنا نتغدى برا في المكان اللي تختاريه"
"لا أنا بقا قولت الأكل عليك، اتصرف، والـ Delivery ممنوع" تكلمت بتصميم ليزفر بإستسلام
"اتفقنا.. كله عشان خاطر العيون الحلوة دي" غمزت له وقبلته على وجنته بإبتسامة لتودعه وغادرت للخارج.
❈-❈-❈
"هديل أنا.." حمحم ثم نظر لها بجدية "أنا الأسبوعين اللي فاتوا دول.. كنت.. كنت مبسوط جداً بوجودي معاكي ومع زينة ومن زمان مكنتش مبسوط كده وأنا نفسي مبعدش عنكم أبداً أنتو الاتنين، وكمان نفسي أشوف أولادك.. لو ميضايقكيش طبعاً.."
تفحصها لينظر لها بتمعن وهو يحاول قراءة ردة فعلها من ملامحها المبهمة التي لم تبشره بأي إجابة ليتنه في ارتباك
"أنا بتسرع أنا عارف بس، بس هابقا بضحك على نفسي لو كنت.." حمحم مجددا وهو يحاول إيجاد الكلمـ.ـا.ت التي يريد أن يُعبر بها عما يشعر به تجاهها
"يعني.. أنا من أول ما شوفتك وأنا.. أنا مقدرتش ابطل تفكير فيكي، وزي ما يكون.. أنا عارف إني مبخلفش ومش عارفة أنتي عايزة أطفال وحقك طبعاً إني.."
"أطفال!! لا مش عايزة أكملهم نص دستة متقلقش.. كده تمام اوي عليا" رفعت حاجباها لتبتسم بينما امتدت يدا زينة لتعبث بتلك الشعيرات النامية بذقنه ليحمحم وابتسم في تـ.ـو.تر لكلمـ.ـا.تها
"يعني مش فارق معاكي لو.."
"هتقدر تيجي مصر امتى؟" سألته بجدية ليتعجب عاقدا حاجباه
"اجي مصر.." تمتم مكررا سؤالها
"آه عشان الجواز وكده.. ولا متخيل اننا هنتجوز في الطيارة مثلا؟" ضيقت ما بين حاجبيها وهي تنظر له في تعجب لتتسع ابتسامته
"يعني أنتي موافقة؟!" سألها في فرحة التمعت لها عيناه لتومأ هي له وهي تحاول تصنع الجدية
"مممـ.. تقريبا تقدر تقول كده.. مش قولتلك إنك كنز.. ده أنت الوحيد اللي بتعرف تتعامل مع الزنانة ديه" أومأت لطفلتها التي يحملها
"أنا مكنتش عايزك تمشي واستنيت لغاية ما اجي اوصلك المطار بنفسي عشان أقولك إني.. يعني.." لم يجد الكلمـ.ـا.ت مجددا ليحمحم مرة أخرى
"ده أنت طلعت واقع اوي بقا أكتر مني كمان" ابتسمت له ليضحك بخفوت
"هديل أنا يمكن مش مراهق وأكبر منك بس أنا فعلا حبيتك من أول نظرة"
"عارفة.. زي اللي حصلي بالظبط.." ابتسمت له ليزفر في راحة
"طيب.. شوفي في البيت أقدر اجي امتى عشان اتقدملك"
"بس أنت عارف يا سيف أنا مش هاقدر أسيب مصر وأنت بردو متعلق بلارا ولورين و.."
"هاجي يا هديل.. هاجي عشانك" قاطعها لتتسع ابتسامتها وارتبكت فجأة لتحمحم
"طيب.. الطيارة.. عشان نلحقها" بالكاد استطاعت إخبـ.ـاره وهي تملئها السعادة من شعورها بأنه يفعل كل ذلك من أجلها هي فقط لتمد يداها ليناولها زينة ولكنه امسك بيدها ليجدها ترتجف بين يده في تـ.ـو.تر
"أوعدك المرة لجاية هاكون معاكي فيها" همس لها ثم سارا سوياً وكلاهما لم يفارقهما الإبتسامة.
❈-❈-❈
"نعم!! أنتو فاكرينها ايه؟! أنا مبقاش معايا غير شوية فكة يادوب تتعمل وديعة عشان المرتبات" صاحت وفاء
"للأسف يا مدام وفاء ده اللـ.."
"جرا ايه يا، هاتولي اللي بيتحامى فيكم وباعتكوا، ولا هو هايفضل طول عمره بيتحامى في النسوان، لسه جبان ومش راجـ.ـل زي ما هو، عشان كده باعتك تتكلمي، تروحي تقوليله إن أنا مش موافقة ومش هايحصل" قاطعتها متحدثة لها هي وزياد الذي جلس بصحبتهما لتنفعل نورسين بتلك الكلمة التي نطقتها لتنهض غاضبة
"جرا ايه أنتي.. ما تتكلمي بإحترام عن جوزي يا ست أنتي بدل ما.." تحدثت بغضب ولكنها لم تكمل جملتها لتصفعها بغتة
"تمام يا مدام وفاء اوي لغاية كده.. من هنا ورايح مفيش تعامل بينا وياريت تبعتي موكل عنك.. اتفضلي برا" تحكم زياد بأعصابه قدر ما أستطاع حتى لا يعرض أيا منهما للوقوع بالخطأ أمامها
"جرا ايه يا حتة عيل ياللي مـ.."
"لو ممشتيش هاجبلك الشرطة.. وصدقيني المرادي مش هت عـ.ـر.في تاخدي مننا لا حق ولا باطل" تحدث بين أسنانه الملتحمة غضبا ثم أمسك بذراع نورسين ليدفعها للخارج برفق حتى تركاها وحدها.
❈-❈-❈
فتح بدر الدين الباب عنـ.ـد.ما سمع تلك الطرقات وتعجب من الذي قد يطرق الآن وعلم أن نورسين لا زالت مع وفاء ولن تستطيع إنهاء اجتماعهما بتلك الطريقة لتندفع نورسين باكية للداخل دون أن تواجهه ليجد زياد خلفها فنظر لها غاضبا عاقدا حاجباه وأمسكه من مقدمة قميصه في عنف
"عملتلها ايه؟!" صاح وبدأت أنفاسه الغاضبة في التعالي بينما نظر له زياد ولم يستطع أن يتوقف عن الضحك "جرا ايه ما.."
"ايه اللي في وشك ده يا بدر؟!" صاح بين ضحكاته بصعوبة قبل أن يتهور ويلكمه لكمة ما ليتعجب بدر الدين ودلف ليتوجه لأقرب مرآة ليبتسم على ملامحه التي كساها الطحين
"بتزفت بعمل مكرونة بشاميل.. تقريبا أصعب حاجة في الدنيا" اجابه متآففا ليحاول زياد السيطرة على ضحكاته بينما تحولت ملامح بدر الدين للجدية
"مالها نورسين يا زياد؟!" سأله ليتنهد زياد في ضيق ثم اجابه
"تعالى بس واهدى واسمعني للآخر من غير عصبية"
"يا وسـ.ـخة!" نهض بدر الدين وهو يشعر بالغضب يندلع بعروقه بعدما استمع لكل ما حدث من زياد لينهض زياد هو الآخر ونظر له
"متقلقش يا بدر.. أنا هلملك الليلة دي في يوم.. ما دام هي عملت كده بقا وإذا وصلنا للضـ.ـر.ب وقلة الأدب فملهاش عندي غير الحل ده.. متقلقش وانسى وسيب الموضوع ده عليا ومتقلقش وراك راجـ.ـل يعني، مش أنا اللي أسيب واحدة زي دي تأذي أخويا ومرات أخويا"
حاول الإبتسام له ليعقد بدر الدين حاجباه ناظرا له في عدم تصديق وريبة
"يا عم متبصليش بعنيك دي كده.. أنا خلاص بقا كبرت ومبقتش زياد بتاع زمان.. ولا أنت مش حاسس بكده؟" نظر له بأعين متسائلة رافعاً حاجباه
"متأكد يا زياد من اللي أنت بتقوله ده؟" سأله بهدوء ليومأ له بإصرار
"ما هو لو مكنش أخويا الكبير جـ.ـا.مد مكنتش هابقا جـ.ـا.مد زيه.. حط في بطنك بقا بطيخة صيفي وأنسى كل العك ده.. روح أنت بس شوف نورسين عشان أكيد لسه مضايقة وسيبولي وفاء أنا هاعرف أخرجها من حياتنا كويس أوي.. صدقني هفاجئك.. هتبقا قنبلة الموسم" غمز له ليزيد بدر الدين من عقدة حاجباه
"ولو محصلش؟!"
"يا عم بقا ما تبطل.. أخوك راجـ.ـل بردو وأنا اتعلمت منك.. صدقني يا بدر لولا وجودك في حياتنا كلنا مكناش هنبقا في اللي احنا فيه دلوقتي سواء أنا ولا ماما ولا أخواتي.. من حقك بقا ترتاح وتسيب علينا كل ده" ابتسم له ليتعجب بدر الدين مما سمعه منه
"وياريت يعني متكونش لسه مضايق مني.. أنا آه كبرت وبقيت راجـ.ـل بس بردو هافضل أخوك العيل الصغير.. حبيبك يعني يا عم بدر.. ولا بقا عايزني ابوس ايدك عشان تصالحني" همّ زياد ليحاول تلمس يده لينزعج بدر الدين من تصرفه الذي لطالما كرهه ولم يتقبله أبداً
"خلاص بقا بطل تفاهة.. ومش مضايق ولا حاجة.." تمتم بإقتضاب
"حيث كده حـ.ـضـ.ـن كبير بقا عشان أنت وحـ.ـشـ.ـتني اوي" هرول زياد ليندفع نحوه معانقا اياه في حنان وهو لا يُصدق أن زياد لا زال يتصرف بتلك الطفولية الشـ.ـديدة
"أنا آسف يا بدر.. والله ما كنت أعرف أنا بهبب ايه وكنت فاهم كل حاجة غلط.. حقك عليا" أخبره بإبتسامه بعد أن فرقا ذلك العناق الأخوي ليومأ له بدر الدين "يالا بقا روح شوف نور وأوعدك إني أنسفلك وفاء دي خالص"
"ماشي يا زياد.. خد بالك من نفسك" أخبره بإبتسامة مقتضبة ليتنهد وهو يشعر بالراحة من تحسن علاقته بأخيه الصغير الذي غادر لتوه بعد أن ودعه ثم توجه ليتفقد نورسين.
بعد مرور ثلاثة أشهر.. مايو 2001..

تنفس....

ثم ابتسم بإقتضاب لا يدري حزنا أم راحة وهو يتذكر ما حدث منذ ثلاثة أشهر لوفاء ومواجهته الأخيرة معها بعد أن وفى أخيه الصغير بوعده له بأن جعل أشرف بطريق غير مباشر أن يدرك أن وفاء تسرقه ليس إلا وأن العقود مزورة ولم توقع معهم شيء بل وصدقه على الفور في ثوان وكأنما كان ينتظر أي دليلا على إدانتها ولم يتوانى ليأخذ ما تبقا لديها من أموال بل ورفع قضية عليها لتسوء أحوالها.. ابتسم بدر الدين وهو يشعر وكأنما بات لديه ظهرا جديدا قويا يستطيع الإستناد عليه بعد ما فعله زياد ولا يُصدق أن ذلك الصغير قد أصبح حتى أفضل منه..

"جبتيني ليه؟ عايزة مني ايه؟ رجالتك سابوكي دلوقتي؟" صاح سائلا اياها وهي راقدة على سرير المشفى لتنظر له بجبروتها المعهود

"عشان أنا أمك.. عشان المفروض أنت اللي تصرف عليا!"

"أمي؟! فجأة كده أكتشفتي إنك أمي؟!" ابتسم بسخرية ولكنه تمزق آلما بداخله

"بأمارة ايه؟! علمتيني مثلا؟ حنيتي عليا في يوم؟ طب لاعبتيني مرة واحدة في حياتك؟ ولا يمكن أخدتيني في حـ.ـضـ.ـنك وأنا مش واخد بالي؟ عمرك طبطبتي عليا؟ طيب فكريني أنتي كده بأي حاجة عملتيها تثبت إنك أمي؟ للأسف عمرك ما هتلاقي"

ابتسم لتنهمر أحدى دمـ.ـو.عه على وجنه ولكنه جففها سريعاً وهو ينظر لها لا يدري بتشفي وفرحة أم لوما وشجنا

"ايه أشرف ضـ.ـر.بك وبهدلك لغاية ما صعبت عليكي نفسك ووقعتي مفرفرة وجالك جلطة وجاية دلوقتي بتدوري على ابنك اللي مش راجـ.ـل؟ ابنك الجبان الخايف اللي مبيقدرش يواجهك عايزاه يساعدك دلوقتي؟ بعد ما فلوسك خلصت جاية تدوري عليا؟" هز رأسه في انكار مبتسمًا بسخرية

"بدر يا حبيبي أنا.." صاحت وهي تتصنع الحنان ليضحك هو بهستيرية مما سمعه لتوقفها ضحكاته عن الإسترسال في الحديث

"يااااه يا وفاء.. عارفة إن دي أول مرة تقوليلي يا حبيبي.." ضحك مجددا ودمـ.ـو.عه تنهمر أمامها لتنظر له بإنزعاج

"ت عـ.ـر.في استنيت اسمع الكلمة دي بقالي قد ايه؟! اربعة وتلاتين سنة بحالهم.. جاية تقوليها دلوقتي!! جاية تقوليها وأنتي بتموتي!! طب عارفة إنك من ساعة ما ابويا الله يرحمه ما مـ.ـا.ت لو كنتي بس اتغيرتي كنتي هتلاقيني أحن واحد عليكي في الدنيا؟ ت عـ.ـر.في إني كان نفسي اخدك في حـ.ـضـ.ـني مرة واحدة بس؟ ت عـ.ـر.في إني فكرت وقولت يمكن كرامتها وجعتها من إن أبويا اتجوز عليها ويوم ما يموت هتقرب مني؟ بس بردو ت عـ.ـر.في إني مرتاح أوي يا وفاء وأنا شايفك بتتحايلي عليا وعايزاني ادفعلك فلوس متكملش حق شوية جزم بلبسها في رجلي وأنتي مش لاقياها!! إلا صحيح فين أشرف؟ خلاهم يحجزوا على أملاكك وخد باقي الفلوس منك مش كده؟!"

ابتسم لها ثم تنفس في راحة شـ.ـديدة وهو يجفف دمـ.ـو.عه التي لا يدري أهي من حزنه أم من فرحته

"ت عـ.ـر.في.. أنتي عملتيلي أكبر جميل في حياتي، سيبتيني لأبويا اللي في بيته لقيت الحب، لقيت العزوة، لقيت اللي بيخافوا عليا وبيحبوني، كان نفسي في حنيتك وحنانك وإنك تدافعي عني مرة واحدة بس قدام أبويا ولا قدام الرجـ.ـا.لة الأوساخ اللي بيتجبيهوم بس أبويا عوضني.. أعظم أم في الدنيا، أحن إخوات الواحد ممكن يحلم بيهم.. اتكاتفوا عليكي ووصلوكي للي أنتي فيه دلوقتي وأنا كل ده كنت بعيد.. شوفتي رباية النسوان يا وفاء بتطلع رجـ.ـا.لة ازاي!!" نظر لها بإنتصار وتشفي

"أنا مش عايز أشوف وش واحدة قذرة زيك تاني.. لو بتموتي أنا ميهمنيش.. عارفة كمان هاعمل ايه؟ هاطلع أقولهم برا إني مش هادفع قرش واحد لواحدة زيك وإنك وسـ.ـخة وزبـ.ـا.لة ومكانك خرابة تموتي فيها، أصل أنتي مش متخيلة يا وفاء الأموات اللي في قبرهم دول يتنجسوا لو بس شموا ريحتك وانتي معدية من جنبهم! مش كمان يدفنوا جنبك!!"

نظر لها بعتاب ولوم شـ.ـديدان ولكن دون أن يشعر بتلك الآلام التي لطالما شعر بها

"ياما طردتيني وقولتيلي أغور من وشك وأنا هاعملها دلوقتي حالاً ومش هاوريكي وشي تاني.. جيتي اتشفيتي فيا وأنا مراتي لسه ميتة وأنا النهاردة جاي أتشفى فيكي وأنتي محتاجة عملية سهلة اوي ومش لاقية فلوسها.. قولتيلي إني دايما لازم أكون خايف واتداس بالجزم عشان أعرف أعيش، بس لأ يا وفاء أنا اللي هدوسك بجزمتي وهاسيبك يرموكي برا المستشفى وهاوصي عليكي اوي عشان يبهدلوكي كمان وهما بيطلعوكي..

مش قولتيلي إن حقك جالك تالت متلت لما مراتي مـ.ـا.تت، أنا بقا بقولك إن حقي جالي تالت متلت برميتك دي.. خسرتي قدامي كل حاجة، لا نجحتي تبقي أم ولا حتى واحدة معاها فلوس ولا إنسانة أشفق عليها.. هاعيش راجـ.ـل وأنا عارف إني ربيت راجـ.ـل زي زياد اللي بحركة واحدة بس منه بقيتي في اللي أنتي فيه، هارفع راسي وأنام وأنا مرتاح وأنا حاسس إن كل الظلم اللي ظلمتيهوني اتردلك في صحتك وفلوسك اللي دايماً كنتي بتحاربي عشانها..

هاخرج من هنا وأجري على قبر أبويا أقوله إن الست الإستغلالية اللي كسرتك زمان مرمية في الشارع مش لاقية اللي يساعدها.. أنا النهاردة واقف قدامك قوي، مش خايف، مش مضايق ولا مستني حبك وحنيتك.. أنا جيتلك بس عشان أملي عيني منك وأنتي بتتبهدلي!!

افتكري في الكام دقيقة اللي باقينلك بهدلتيني ازاي وقسيتي عليا ازاي، افتكري كام مرة كسرتيني بكلامك، افتكري العيل الصغير اللي مكنتيش بتحبي تسمعي عـ.ـيا.طه هو بقا دلوقتي اللي بإيده حياتك.. خلاص يا وفاء أول ما يفصلوا عنك الأجهزة هتموتي.. وآه أحب أقولك حاجة!! غوري في ستين داهية من وشي" ابتسم لها لمرة أخيرة ليسمعها تحاول أن تتوسل له ولكنه لم يُفسر حقاً ما تفوهت به ليغادرها ويتركها خلفه للأبد..


❈-❈-❈

تنفس...

ثم احتسى من قهوته وهو يلمح كلا من هديل وسيف الدين جالسان وحولهما أبناءها يلعبون جميعا وتتعالى ضحكاتهم لتسقط على مسامعه لتمتزج بصوت العصافير والصباح مكونة سيمفونية عذبة تجعله يشعر بالراحة لما توصلت له حياة أخته الصغيرة ليبتسم لما تراه عيناه وهو يتمنى من كل قلبه أن تظل حياتها هادئة هكذا..

لأول مرة يشعر بأنه أستطاع حماية تلك الصغيرة العنيدة ذات اللسان اللاذع والدلال المبالغ به، بالرغم من ذلك هي تستطيع بعد سلسلة من الخيانات والتلاعب أن تعيش في هدوء وسعادة وتنسى ذلك المختل الذي رمى به بأحدى المصحات العقلية في تكتم تام بعد أن فقد عقله من كثرة تعذيبه..

تنفس...

وهو يرى والدته تعد الشطائر للجميع بمساعدة تلك الفتاة التي انتشلته من الظلمة إلي النور وجعلته يشعر وكأنما مَلَكَ الكون بين يداه، وكأنه بدر ساطع في سماء لا يحجبه سحب لتُكمل ضياءه هي بنورها البريء الذي تغلل بداخله حتى أعطاه القدرة أن يُصبح إنسانًا جديدا لم يكن ليتخيله أبدا..

كيف لها أن تُسامح وتُسامح وتُسامح دون كلل أو ملل؟ كيف لها أن تبتسم لكل من أساء إليها بدءا به ونهايةً بهديل؟ كيف لها أن تحافظ على تلك الحيوية والبراءة والطفولية لترسم صورة ناقية من الطيبة الخالصة..

تنفس....

ثم ابتسم وهو يطالع حاسوبه ليرى رسالة من زياد كانت عبـ.ـارة عن رسالة مُسجلة بفيديو مدتها دقيقة كاملة ليبدأ بتشغيلها وتوسعت ابتسامته أكثر وهو يرى ذلك الصغير قد كبر كثيرا بتلك الأيام الماضية

"ايه يا عم بدر ناسيني ليه؟ أحب أعرفك إن كله ماشي تمام التمام وخد بقا الخبر ده مني قبل ما حد يقولهولك.. اخدنا أكبر سلسلة مطاعم Fast Food في الـ U.S، المصري معروف بقوته وجبروته بردو يا كبير.. مبروك علينا يا عم وابقا كلمني يعني وافتكر زياد، ده أنا الصغير بتاعك يا كبير"

ازدادت ابتسامته وهو يهُز رأسه في انكار لطريقة حديثه التي لن تتغير أبدا ولكنه شعر بالفرحة تغلل ثنايا قلبه فقط لإستطاعته معرفة أنه قد بات زياد رجلا واعيا يُعتمد عليه حتى قبل أن يُكمل عامه الثاني والعشرون!! لقد كان إنجازاً كبيرا أن يتغير هكذا فجأة بين يوم وليلة، لقد ترك له ذلك الفرع بالولايات المتحدة الأمريكية ليديره بأكمله وها هو يبرع بإدارته كل يوما عن الذي سابقه ويبهره أكثر وأكثر..

تنفس....

وشرد بالسماء واستمتع بنسيم الشتاء من حوله، اليوم مشمس ولكن لازال هناك تلك البرودة بالهواء التي يعشقها.. لم يعد يُصدق ما وصلت إليه حياته، زواج أصبح هادئ، عائلة مُحبة، خوف تبدد وذهب بذهاب تلك المرأة التي آذته بأبشع الطرق، لم يعد يحتاج لتلك السادية وخاصة وهو ينهل كل يوم من ذلك النبع النقي الذي لا يتوقف عن العطاء في ارتواء لا يظمأ بعده أبدا سوى للمزيد منه.

تساعده بكل خطوة يخطوها، أصبحت بطفوليتها تولد بداخله طاقة جديدة من الشجاعة لم يكن يعرف لها طريق من قبل، تلك الطفولة التي يحياها معها كل يوم لم يكن يعرف ما معناها إلا عنـ.ـد.ما ترك نفسه واستسلم أمام حبها الذي سيطر على كيانه بأكمله، كل شيء تفعله بحيويتها ترغمه على أن يعشق الحياة ويتعلق بها..

أصبح يلاعب أبناء هديل، لا يُصدق أنها أعدت مبـ.ـاراة لكرة القدم قبل سفر زياد لتصنع فريقا فقط من أربعة رجال، هو وحمزة وزياد وسيف وجعلت الحكم والدته نجوى ليمرح الجميع وتعالت ضحكاتهم وكان يوما لا يستطيع نسيانه إلي الآن.

لم يجد ذلك الإهتمام الشـ.ـديد بكل تفاصيل حياته من قبل، عشقها مختلف كثيرا عن ليلى، بالرغم من أنه واثق أنه قد وقع بحب الاثنتان ولكن تلك الصغيرة أصبحت مثل النفس الذي يتنفسه ولم يعد يستطيع الإبتعاد عنها.

تنفس....

وهو يتذكر شاهندة، لقد أشتاق لها، لضحكتها ومزاحها.. تلك الفتاة التي لم تحمل يوما ضغينة تجاهه منذ أن عرفها، هي حتى لم تعامله يوما بغيرة الأخوات ولا حتى بدلال الفتيات المبالغ به، لقد أقتربت منه منذ أن دخل ذلك المنزل وجعلته يعي ماذا تعني كلمة الأخت لتمثلها بأبهى صورها أمام عيناه.. لم يكن يدري من قبل أنها تستطيع قراءته بتلك السهولة لتعيده مجددا لأحضان صغيرته التي تعذب بإبتعاده عنها، ألهذا الحد عناده تجاه نفسه لم يستطع مجابهته وأستطاعت أخته أن تأتي به بين ليلة وضحاها لتذكره بما فرط به؟

يتمنى من طيات قلبه أن تُرزق بأطفال كما أرادت.. قاربت على إكمال خمسة أشهر من علاجها، يتمنى لو رآى ضحكتها وهي تخبره بأنها ستُرزق بمولود يوماً ما

"حشـ.ـتـ.ـيني و  يا شاهي" صاح بإبتسامة هادئة وعذبة

"مممـ.. وأنت كمان يا بدر.. فيه ايه الساعة تلاتة الفجر هنا.. أنت كويس؟!" تحدثت له بصوت نعس لتتوسع ابتسامته

"أنا بس كنت عايز أشكرك، شكرا يا شاهي"

"على ايه يا بدر؟ أنت كويس يا حبيبي؟ متقلقنيش والنبي.."

"أنا كويس متقلقيش.. بس شكرا على كل حاجة عملتيها معايا من يوم ما دخلت بيتكوا لغاية ما رجعتيني لنورسين"

"بيتكوا!! ده بيتك يا بدور.. وسيبني أنام بقا وهاكلمك لما اصحى" أخبرته ولا زالت تحارب النوم

"برضو بدور!!" تنهد وهو لا يدري متى ستتوقف عن مناداته بذلك الإسم "روحي نامي يا شاهي.. تصبحي على خير"

"وأنت من أهله"

تنفس....

ثم أوصد عيناه لتنهمر احدى دمـ.ـو.عه وهو يتذكر أول عناق جمعه بنجوى، تلك الملاك الذي ربما بُعث في هيئة بشرية لينجيه من ذلك الظلم الذي عاشه، لطالما مثلت له طوق النجاة، لطالما كانت بصيرته، حـ.ـضـ.ـنه، حنانه، قوته، أمه التي لم تلده، لا يدري ماذا لو لم تكن بجانبه طوال تلك السنوات، ماذا كان هو بفاعل دونها؟ كم كره نفسه كثيرا عنـ.ـد.ما يتذكر أنه قد حدثها بغضب أو إنفعال فقط لأنها أرادت أن تراه ولو سعيدا مرة أخرى بعد وفاة ليلى..

تلك المرأة لن يستطيع أبدا أن يوفيها حقها، ماذا لو كانت زوجة الأب التي تكره أبناء زوجها؟ ماذا لو شجعت والده على ما كان يفعله به؟ كيف لها أن تتقبله هكذا بمنتهى السلاسة وتعامله وكأنه ابنها المفضل بين جميع أبناءها؟ أيمكن لمرأة أن تتخلى عن غريزتها في تفضيل أبناءها على ابن زوجها؟! كيف لها أن تفعلها؟ كم يتمنى لو يستطيع أن يحضر لها نجوم السماء بأكملها ليضعها تحت أقدامها لتطأ عليها مثلما شاءت.

 

تنفس....

ليشعر للحظة بأن ربما هو لا يستحق ذلك وأن كل ما يحيا به الآن هو أكثر من حقه.. لم يدري بعد بأن تلك هي الحياة التي يستحقها بعد أن عانى وتجرع شتى أنواع الكؤوس المُرة طوال حياته.. نعم هو يستحق هذا.. وبشـ.ـدة..

تنفس وتنفس وتنفس وهو يشعر بأن الحياة أصبحت جميلة، تلونت بأبهى ألوان الربيع، حتى الهواء الذي يتنفسه أصبح مختلفا جديدا، حياته أصبحت نقية مكتملة صافية لا يشوبها شائبة ولا ينقصها شيء، شعر بأنه محظوظ للغاية بأن تنتهي حياته بتلك الطريقة التي أصبحت عليها.. مد يده ليخرج حافظة نقوده ثم أخرج صورة ليلى من مكانها المعهود ليبتسم لها

"ليلى أنا مبسوط.. مبسوط أوي.. حاسس إني خلاص مبقاش ناقصني حاجة.. أنتي مصدقة إني ناقصلي كمان تلت شهور وأتعالج؟ الدكتور لسه قايلي كده امبـ.ـارح.. وعلى فكرة قولتله إني بكلمك وقالي عادي.. أنا مبقتش محتاج أعذب ستات ولا حتى أي حد، ولما بفتكر اللي حصلي زمان واللي عملته في نورسين بقيت حاسس إني عايز أسامح زي ما هي سامحتني، عارفة؟! الدنيا كلها أختلفت من حواليا، حاسس براحة غريبة عمري ما حسيت بيها قبل كده.. أنا بطلت كل حاجة وحشة، لا بشرب سجاير ولا حتى باسكر زي زمان وبقيت هادي طول الوقت.. وعلى فكرة شكرا يا حبيبتي.. أنتي أول صاحبة ليا يا ليلى واستحالة أنساكي.. أنتي ياما وقفتي جنبي، في موت أبويا وأيام ما الشركة كانت هتضيع ولما شجعتيني إني أكبر الشركة.. ربنا يرحمك يا حبيبتي.. أنا حبيت أطمنك عليا وأنا مش بنساكي أبدا يا ليلى"

توسعت ابتسامته ثم توجه للخارج وهو يشعر بصفاء وهدوء من حوله لم يظن أنهما قد تواجدا بالحياة من قبل..

❈-❈-❈


"نوري ممكن قهوة تاني؟" همس لها بإبتسامة لتومأ له وتركته ليجلس هو مكانها وأخذ يعد مع والدته الشطائر

"ياااه!! ده أحنا بقينا بنعمل ساندويتشات بقا كمان.. ايه الروقان ده كله"

"نورسين يا أمي.. نورسين!!" أخبرها بإبتسامة لتترك نجوى ما بيدها ثم تفحصته بأعين دمعت ولكن بدمـ.ـو.ع الفرح

"عارف يا حبيبي أنا عمري ما كنت أحلم بأني أشوفك مبسوط كده، ربنا كرمه كبير، لو تعرف إني كنت ممكن أضحي بأي حاجة في الدنيا عشان أشوف ضحكتك اللي مبقتش تفارقك دي كنت ممكن تقول عليا مـ.ـجـ.ـنو.نة، والله أنا حتى دعيت ربنا إنه ياخدني عشان أشوفك مبـ..."

"بس يا أمي أرجوكي" قاطعها ثم أمسك يداها يقبلهما في امتنان "اوعي يا أمي تقولي كده تاني.. حبيبتي أنتي مت عـ.ـر.فيش إن وجودك في حياتي أهم من أي حاجة.. أنا اللي ربنا ياخدني لو بس يطول في عمرك بدالي.."

"يااه يا بدر متقولش كده ربنا يديك الصحة وطولة العمر" بكت نجوى أمامه ليجفف دمـ.ـو.عها بأنامله

"ت عـ.ـر.في يا أمي إني عمري ما قولتلك شكرا؟ أنتي فعلا لو مش موجودة في حياتي أنا كنت ممكن أضيع من غيرك، مكنتش هابقا إنسان، حبك ليا ووقفتك جنبي وحنيتك اللي مكنتش هاعرف أعيش من غيرها خلتني إنسان، أنتي يا أمي السبب في إني أفضل بني آدم، مكنتش هاكون إنسان أبدا.. كان زماني بقيت وحش أو يمكن أسوأ.. شكرا يا أمي على كل اللي عملتيه من يوم ما دخلت البيت ده.. شكراً إنك موجودة في حياتي.. أنا بجد مش عارف أوفي ولا هاقدر أبداً أوفي ولو حتى ربع اللي عملتيه معايا.. قوليلي نفسك في ايه وأنا اعمله.. نفسي يا أمي أسعدك بأي حاجة، فضلك عليا أنا عارف إنه كبير واستحالة أعمل اللي يساويه بس قوليلي نفسك في إيه وأنا أعمله"

تساقطت دمـ.ـو.عهما سويا ولم يستطع أيا منهما الحديث لتنظر له نجوى وهي تحاول بصعوبة التحدث بين دمـ.ـو.عها التي كونت غمامة على عينيها لتزيحها ولكن جففت دمـ.ـو.ع بدر الدين قبل أن تجفف خاصتها

"أقولك فعلا نفسي في ايه ووعد تعمله؟!" همست بين صوتها المنتحب ليومأ لها وهو ممُسكا بكلتا يداها ليقبلهما "نفسي أشوف ابنك أو بنتك قبل ما أموت"

ابتلع غصته التي أمتزجت بدمـ.ـو.عه المنهمرة وهو يعرف أن لا زال هذا الأمر لا يقبله ولكن لم تطلب منه نجوى سوى هذا الأمر ليومأ لها

"حاضر يا أمي.. حاضر بس متستعجلنيش، أنا بحاول على قد ما أقدر، أوعدك.. وأنتي كمان أوعديني إنك متجبيش سيرة الموت ده قدامي تاني.. أتفقنا؟!" ابتسم لها لتتوسع عيناه في خوف

"ياااه يا حبيبي.. الموت علينا حق.. يعني مش هافضل عايشة قد ما عشت"

"أرجوكي يا أمي بلاش الكلام ده.. إن كان ليا عندك خاطر بلاش تقولي كده تاني.. ممكن؟"

"حاضر يا ابني.. ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي"

"ولا يحرمني منك يا أمي" قبل يدها مجدداً ثم جففا دمـ.ـو.عهما وكل منهما بقلبه حب جم للآخر وعلاقة فريدة من نوعها لن يستطيع أحد فهمهما أو إدراكها سواهما!

❈-❈-❈


"ممممـ.. هاغير من ماما نجوى على فكرة.." اتسعت تلك الزرقاوتان بنظرتها الطفولية وهي ترمق سوداوتاه في دلال وناولته قهوته وهو أوشك على المغادرة لعمله

"ماما نجوى بالذات تغيري منها.. أنتي عارفة كويس إنها بالنسبالي في كفة والدنيا كلها في كفة"

"ماما نجوى دي أجمل حاجة في الدنيا، ولازم طبعا تبقى أهم حد بالنسبالك.. بس هو يعني.."

"نوري!!" صاح وهو ينظر لها تلك النظرة المتفحصة

"طب.. طب.. لما ترجع من الشغل" ابتسمت له ثم عضت على شفتيها وأشاحت بنظرها بعيدا ليجبر تلك الزرقاوتان على النظر له

"قولي عايزة ايه! من غير طبطبه!"

"ممممم.. أصلك فضلت تبوس ايديها كتير ويعني كان نفسي تبوس ايدي كده.. ما تيجي استناك في البيت النهاردة.. أصلي بخاف حد يسمعنا هنا وأحنا.." حمحمت في خجل لتتوسع إبتسامته لها وهو لا يُصدق أنها من تطلب ذلك الآن

"عايزة قلة أدب يا حبيبتي؟!" نظر لها بخبث لتوصد عيناها في طفولة ولكنها أومأت له بالموافقة

"أفتحي عينك كده.." أخبرها لتفتح احدى زرقاوتاها على استحياء "الاتنين يا نوري" همس لها لتبتلع في ارتباك ثم نظرت له بكلتا عيناها

"هنعمل قلة أدب للصبح بس على شرط!"

"ايه؟!" سألته بلهفة وتوسعت زرقاوتاها في طفولة ليقترب منها هامسا بأذنها

"اسمعي بقا كويس وخدي بالك عشان تدلعيني.. ارجع البيت الاقيكي مش لابسه حاجة.. عاملاي أكل.. وتأكليني بإيديكي لغاية ما أخلص لأ وايه بين كل معلقة ومعلقة بوسه، وبوسه قليلة الأدب كمان.. وبعدين بقا نبدأ قلة الأدب الكبيرة.. بس عايزها النهاردة تلت مرات، مرة في المطبخ ومرة في المكتب ومرة في الأوضة.. لو عايزة قلة الأدب تلت مرات بالطريقة دي وموافقة ابقي  عـ.ـر.فيني"

بعثر أنفاسه الساخنة على أذنها وعنقها ثم ترك قبلة ناعمة على جيدها ليناولها فنجانه الذي أنهاه بينما شُل جسدها مما همسه لتسمعه يغادر ضاحكا على ملامحها الشـ.ـدهه ثم دلف سيارته ليصيح لها من النافذة

"أنا هارجع النهاردة بدري.. يادوب تلحقي تروحي" انطلق بسيارته قبل أن تبدأ تلك الصغيرة بجدال طفولي لا يستطيع إنهاءه إلا بقبل نهمة لا نهائية!!

ظل يقود وهو مستمتع بكل ما حوله، تلك المعان الجديدة، تلك النسمـ.ـا.ت البـ.ـاردة، أصبح يلاحظ تلك الأُسر من حوله وضحكات وابتسامـ.ـا.ت الجميع بالطرقات، ابتسامته لم تعد تفارقه، خاصةً وتلك الصغيرة التي أصبحت حياته بأكملها قد طُبعت صورتها بقلبه وعقله وخياله ولا يستطيع بعد الآن السيطرة على تسلل عشقها لكل حواسه وجوارحه.

صف سيارته وهو يشعر بالنشاط والحيوية لبدأ يومٍ جديد بعمله الذي لم يعد يهمله مثل السابق وبعد أن شعر بالإطمئنان من عدم ابتعاد أيا مما يكترث لهم عنه ثم وصد سيارته وكاد أن يذهب ليستمع لذلك الصوت الذي أشتاق له منذ تسع سنوات

"وحـ.ـشـ.ـتني يا بدر" التفت بأعين متسعة صدمة وشعر بالشلل ولكنه أراد أن يتحقق مما أدركه، أراد أن يتحقق أن ذلك صوتها.. أنها هي.. أنه لا يتخيلها.. أهي ليلى حقا؟ جسدا وروحا أمامه؟ أهي حية كل ذلك الوقت؟ ولكن لماذا تبدو هكذا؟!
بعد مرور خمس سنوات.. عام 2006..

نظر لتلك النائمة بجانبه، لا يُصدق أنه لا زال يعشقها كل تلك السنوات بنفس الطريقة، لم يتغير أي شيئا بينهما أبدا بل تصبح الحياة أجمل فقط بوجودها بجانبه، لطالما عرفت كيف تحتويه، منبع حنانها الذي لا ينفذ أبدا كان كفيلا بأن يجعله الرجل الذي هو عليه اليوم، عشقها الذي لم يختبر مثله جعله غارقا بأبحر من السعادة لم يكن ليتخيلها من قبل.. لم يقل عشقه لها ولو بمقدار ضئيل بالعكس يزداد يوما بعد يوم.. لقد كانت بجانبه دائما، بكل الصعاب وقفت بجانبه، لم تتركه ولو للحظة واحدة، كيف له أن يوفيها حقها؟ ولو عاش عُمرا فوق عمره لا يستطيع إلا أن يعشقها مجددا.. تلك المرأة كلما نظر لها لا يُصدق تلك السعادة التي يحياها، تشعره دائماً أنه يُحلق بالسماء السابعة ولا يريد أبدا الإبتعاد عنها ولو للحظة واحدة..

"صباح الخير.. كل سنة وأنت طيب يا حبيبي" تمتمت بنعاس ثم تفقدت ملامحه التي باتت محفورة بطيات كلا من عقلها وقلبها ليبتسم لها ثم قبلها على رأسها وهي تهنئه بقدوم العيد

"وأنتي طيبة يا حبيبتي.. كل سنة وأنتي معايا"

"ايه مش هنروح النهاردة نزورها؟" ابتسمت لما أخبرها به وتوسعت ابتسامته هو لعدم نسيانها ذلك الأمر أبدا ليومأ لها بالموافقة "طيب أنا هاصحي سيدرا وأكيد سليم زمانه صحي بس هاعملهم فطار.. أنت كمان قوم أجهز ومتتأخرش"

قبّل كف يدها في حنان مبتسما لها بينما نهضت هي وتوجهت بحيويتها المعهودة للحمام ليتابعها بثاقبتيه إلي أن أختفت بالحمام ثم شرد بكل ما حدث منذ خمس سنوات ليتنهد في راحة وأخذ يتذكر تلك الذكريات الأخيرة التي جمعتهما معا ولم يكن ليتحمل كل ما حدث له بذلك الوقت لولا وجود تلك الرائعة بجانبه ماذا كان بفاعل لو لم تمده بتلك القوة الهائلة؟..


❈-❈-❈
"ليلى!! أنتي.. أنتي عايشة كل ده.. أنا مش بحلم صح؟!" تحدث في صدمة وهو يتفقدها بثاقبتيه لتبتسم هي له في وهن وهي بالكاد تستطيع الوقوف

"ليلى أنتي كويسة؟!" صاح في لهفة ليقترب منها مُسرعا وهي يراها لا تستطيع الوقوف ومظهرها مريـ.ـض للغاية فأسرع ليسندها بيديه

"خدني العربية يا بدر.. السواق مستنيني.. لازم أقولك على كل حاجة.. مبقاش فيه وقت خلاص" همست بصعوبة وهي تحاول أن تتماسك قدر الإمكان وكذلك تهاجم ذلك الشعور بفقدان وعيها ثم أشارت نحو السيارة بيدها ليجد نفسه يحملها وقد تمزق قلبه لرؤيتها بهذا الشكل ولكنه أيضا يكاد يجن من إدراكه أنها لا زالت حية..

دلفا السيارة سويا وبدر الدين لا يدري ما الذي يحدث لها وأخذ يتفحصها بأعين متألمة ومستفسرة عن حالتها بل ومستفسرة عن العديد من الأشياء التي لم يستطع التفوه بها..

"خدني في حـ.ـضـ.ـنك يا بدر.. يمكن تكون دي آخر مرة قبل ما أموت" همست بإحتياج شـ.ـديد وهي على مشارف البُكاء ليسحق بدر الدين أسنانه ووجد نفسه بتلقائية يجذبها لصدره في رفق ويكاد يفقد عقله من كل ما يحدث حوله ثم شعر بالحزن لمحاولتها الفاشلة بإحاطة صدره بذراعها لتبادله العناق هي الأخرى ولكن سقط ساعدها ليأخذ يدها رافعاً اياها وثبتها بيده وكاد أن يبكي لأجلها ولكنه يريد أن يفهم ما الذي يحدث وما الذي حدث ولماذا توصلت هي لتلك الدرجة من الوهن الشـ.ـديد؟!

"ليلى.. أنا هتجنن، أنتي ايه اللي بيحصلك؟ أنتي تعبانة كده ليه؟!" صاح بين أسنانه المُطبقة

"أنا.. أنا.. لما مشيت وروحت عند أختي في فرنسا مركبتش الطيارة اللي وقعت.. أنا كنت في اللي قبلها.. روحت وقعدت يومين وعملت فحوصات حمل واطمن اني لو نزلته مش هيبقا فيه خطر وكنت فعلا هنزل البيبي.. أنا مكنتش عايزة أزعلك.. بس.." تحدثت بمشقة ليشعر هو بالتآلم ولكنه يريد معرفة كل ما حدث فتريث حتى تستطيع إخبـ.ـاره بالمزيد

"اكتشفت إن عندي ورم.. لكن قالولي عادي الحمل معاه بس في خطورة.. وأنا مكنتش عارفة أعمل ايه.. أنا منزلتوش يا بدر.. مقدرتش.. استنيت لما ولدت سليم مع إن كان فيه خطر بس مقدرتش أفرط فيه.." نظر لها في صدمة وتوسعت عيناه وهو لا يُصدق تلك الكلمـ.ـا.ت التي وقعت على مسامعه

"كنت حاسة إنه يمكن تكون دي آخر حاجة تربطنا ببعض، مش عارفة ليه يومها من تسع سنين حسيت إن عمري ما هاشوفك تاني.. بس استنى اسمعني للآخر.. متظلمنيش أرجوك" انهمرت دمـ.ـو.عها في وهن وهي تشعر بالآلام تفتك بجسدها

"أنا عارفة إنك عمرك ما كنت عايز أطفال.. بس أنا مقدرتش.. مقدرتش أموت حتة منك ومني.. مقدرتش أموت طفل احتمال يطلع شبهك وأحرم نفسي من إني أشوفه.. وأنا كنت حاسة إنها هترسى على موتي في الآخر.. عشان كده اخترت إني أخليه" بللت شفتيها بصعوبة ثم تابعت

"استنيت لما ولدت واطمنت عليه وبعد الولادة بشهرين عملت استئصال للورم.. بس كنت خايفة يرجع تاني.. كنت.. كنت عايزة أرجعلك وأنا كويسة.. مكنتش عايزاك تعاني وتتعب بسببي لما تشوفني مريـ.ـضة.. فضلت مستنية سنة بعد الإستئصال واللي كنت خايفة منه حصل تاني.. أكتشفت ورم جديد.. فعشان أطمن أكتر عملت استئصال للرحم كله"

أجهشت بالبكاء ليشعر بدر الدين أنه كالمشلول ولا يدري أيلومها على عدم تواجدها معه أم يكره نفسه لعدم بحثه عنها وتصديق عائلتها بسهولة عنـ.ـد.ما أخبروه بموتها أم ماذا عليه أن يفعل وهو يتهشم قلبه بتلك الإرتجافات على صدره التي كادت أن تخلعه من مكانه

"الوجع بعدها كان وحش أوي يا بدر، أنا كنت حاسة إني مش هاعرف أكون كويسة تاني"

بكت ليجد عيناه تترقرق بالدمـ.ـو.ع حتى كونت غمامة لم يستطع الرؤية من خلالها ولم يخرجه من حالته تلك إلا وصول السيارة أمام المشفى فحملها متوجها للداخل بعد أن أخبره السائق بغرفتها وما إن وصل حتى تبعه طبيب وممرضتان ليساعدوه في وضعها بالسرير وآخذوا يتفقدون حالتها ومؤشراتها الحيوية وهو يشعر بالصدمة التامة من كل ما يحدث حوله خاصةً بعدما علم أنها قد غادرت المشفى على مسئوليتها حتى تأتي لتراه.

"استنيت بتاع تلت شهور لغاية ما بقيت كويسة، كنت وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا بدر ونفسي أرجعلك وأحكيلك على كل اللي حصلي.. بس أنا كنت عايزة أتأكد إني لو رجعتلك مش هايحصلي حاجة تاني.. عملت فحوصات على جـ.ـسمي كله.. طلعت مريـ.ـضة سرطان ثدي!!" انهمرت دمـ.ـو.عها ليبكي هو الآخر مما يسمعه فأكملت بصعوبة

"عملت استئصال على طول.. مردتش أدور على حلول كتيرة وقولت بعده هاعمل عملية تجميل وخلاص.. مكنتش قادرة ابعد عنك أكتر من كده وكنت عايزة أربي ابني زي أي أم طبيعية، اخدت كيماوي بعديها لمدة ست شهور عشان أقضي على أي حاجة ممكن تحصل" انهمرت المزيد من دمـ.ـو.عها وهو جالس أمامها لا يدري ماذا عليه قوله وآخذ يحاول التحكم في صدمته ولكن دون جدوى

"لما خلصت كل حاجة بقيت مـ.ـجـ.ـنو.نة، عندي فوبيا من الأمراض، عملت فحص تاني عشان أكتشف.. إني.. إن عندي الخلايا السرطانية نشطة.. ممكن ينتشر في أي مكان في جـ.ـسمي!!" توسعت عيناه وهو ينظر لها في صدمة ليتعالى بكاءها "مش عارفة ليه كل حاجة يا بدر كانت بتبعدني عنك.. زي ما يكون قدري معرفكش تاني" ازداد بكائها ليبكي هو أيضاً

"ربيت سليم وأنا مفهماه إني هموت.. ربيته وعرفته كل حاجة عنك.. مكنتش عايزة أقرب منك وأشوفك وأنت منهار بسببي.. أنا حبيتك يا بدر ولسه بحبك بس مقدرتش أشوفك موجوع بسببي عشان كده بعدت.. كان نفسي أشوفك مبسوط في حياتك ولما أتجوزت كنت ابتديت أطمن وكنت خلاص هاجيلك بس لما سافرت وسفرك طول كنت قلقانه ما اشوفكش قبل ما أموت.."

"
ليلى متقوليش كده، أكيد فيه حل.. أنتي.. أنتي هتبقي كويسة.. استحالة تـ.."

"دورت يا بدر.. وحياتك عندي دورت" قاطعته بين بكائها لتقاطع هي تلك اللهفة وملامحه المصدومة "انتشر في جهازي الهضمي.. وكمان بقا عندي لوكيميا خلاص.. بس أنا محظوظة" ابتسمت في وهن وبصعوبة شـ.ـديدة أستطاعت التحدث

"أنا شوفتك تاني قبل ما أموت.. قرب مني يا بدر واحـ.ـضـ.ـني.." توسلته ليهرع نحوها ليجلس بالقرب منها بعناية شـ.ـديدة ليحتضنها

"سليم ده معجزة.. أنا كنت خايفة عليه يجراله حاجة.. بيحبك أوي يا بدر.. متسيبوش أرجوك.. خليه قدام عينيك عشان يفكرك بيا.. حتى لو هيتربى مع طنط نجوى وشاهي بس روحله وحاول تكون حنين عليه.. ممكن تبتدي تاخده من بكرة ومتخافش.. هو عاقل اوي وفاهم كل حاجة وهادي جداً مش زي باقي الأطفال"

وكأنما توقفت حواسه عن العمل وآخذ يشعر بالشلل التام وهو يدرك أنه قد أصبح لديه ابن بالتاسعة من عمره، لا يدري كيف سيتعامل معه، لا يدري كيف سيصبح أباً لذلك الطفل.. شعر بالآسى على حاله، وكذلك على حال ذاك الطفل الذي سيفقد أمه لا محالة وقدره أن والده لا يستطيع أن يكونمثل بقية الأباء..

"ليه يا ليلى مخلتنيش جنبك.. ليه عملتي كل ده من ورايا؟" همس متسائلاً لتفيض عيناه بالدمع المنهمر

"مكنتش عايزة أشوفك بتعاني.. كان نفسي أشوفك مبسوط.. مكنش ذنبك اللي حصلك زمان ولا ذنبك إنك تتحمل مرضي.. انت قاسيت كتير يا حبيبي.. على قد ما كنت بتعذب وأنا بعيد عنك على قد ما كان نفسي أشوفك مبسوط ومشوفاكش عايش في هم ونكد بسبب اللي أنا فيه"

لم يتوقف احدهما عن البكاء، لم يستطع تركها، يشعر بالخوف الشـ.ـديد مما سمعه منها لم يعد يدري لماذا دائماً يقع في تلك الصراعات التي لا تنتهي؟ لماذا عليه أن يشعر بالخزي والمهانة الدائمتان وعدم مقدرته على عدم الشجاعة ليواجه مجريات الأمور بحياته؟

"أنا كنت بكلمك.. كنت بحكيلك على كل اللي حصلي.. كنت دايماً بحتاجك.. صورتك عمرها ما فارقتني.. ليه بس خبيتي عليا كل ده؟ كان زماننا مع بعض.. عارفة إني نـ.ـد.مت إني سيبتك تسافري وإني قولتلك نزليه.. لو كان رجع بيا الوقت مكنتش هفرط فيكي لحظة.. أنا حصلي حاجات كتيرة وأنتي بعيد" همس بحرقة باكياً

"احكيلي كل حاجة.. بس احكيلي الأول.. أنت مبسوط معاها؟" همست بين دمـ.ـو.عها ليومأ هو

"عمري ما كنت مبسوط في حياتي قد ما اتبسطت معاها.. أنا آسف يا ليلى أنا حبيتك وكنت سعيد معاكي بس نوري حبها غيرني.. خلاني إنسان تاني" ابتسمت هي في وهن لتوصد عيناها على صدره

"احكيلي يا بدر كل حاجة.. احكيلي كل اللي كنت بتحكيهولي زمان وأنا مش جنبك"

"حاضر.. هاحكيلك"

❈-❈-❈


شُل عقلها من كثرة التفكير، سيارته لم تغادر مرأب الشركة، ولكن لم يراه أحد.. لا يجيب على هاتفه، أين عساه قد ذهب؟ لقد أقتربت الساعة من الثانية صباحا.. لا يعرف أحد أين هو!!

سمعت مفتاحه بالباب فانطلقت كالطلقة نحوه وهي بأشـ.ـد غضبها لتنظر له في انفعال وكادت أن تتحدث ولكن مظهره أرعـ.ـبها، فهو لم يبدو منهاراً بتلك الطريقة من قبل إلا عنـ.ـد.ما أعترف لها ذلك اليوم بكل ما حدث له.

أقتربت منه وهي تتفحصه بزرقاويتيها المتستعتان خوفاً عليه لينظر هو لها في حُزن وإنكسار ثم احتضنها دون مقدمـ.ـا.ت فبادلته العناق وآخذت تُربت على ظهره في حنان وهي لا تريد أن تسأله وتركته حتى ابتعد قليلاً عنها ونظر لها بإحتياج طفل لأمه ولم يستطع لسانها الصمود أمام تلك النظرة ولا الصمت أكثر من ذلك.

"مالك يا حبيبي؟"

"أنا محتاجك اوي يا نوري.. مش عارف أعمل ايه.. أنا حاسس إني تايه" همس بإنكسار لتنظر هي له في قلق وتلك الإنحناءه بجسده جعلت خشيتها عليه تزداد

"أنا جنبك يا بدر.. هنلاقي حل لكل حاجة سوا.. متخفش.." حاولت الإبتسام له لتطمئنه ولكنه لم يستطع تحمل نظرة تلك الزرقاوتان أكثر من ذلك فهي تشتته أكثر فأقترب منها يقبلها ودمـ.ـو.عه انهمرت رغما عنه لتشعر هي بها وكذلك شعرت بشفتيه المرتجفتان في خوف ولأول مرة يقبلها مثل تلك القبلة!

"عايزك تاخديني في حـ.ـضـ.ـنك يا نورسين.. أنا حاسس إن حياتي دايما هتفضل في خراب، حاسس إن عمري ما أقدر أكون بني آدم.. أنا خايف اوي"

"متخفش.. طول ما احنا ما بعض عمر ما هيحصل حاجة وحشة.." أحتضنته مجددا وتزايدت خفقات قلبها وقد أقتربت من فقدانها لعقلها فهي تريد معرفة ما الذي يدفعه لكل ما يُخبرها به فأزادت من قوة عناقها لتجده يرتجف باكيا

"ليلى عايشة يا نورسين!! أنا أب.. ليلى هتموت تاني.. أنا مش عارف أعمل ايه.. أنا مرعوب" همس لها بصعوبة وأنهمرت دمـ.ـو.عه وهو لا يدري لماذا قدره أن يُرغم على كل ما يحدث له دون اختيار منه؟.

❈-❈-❈


"ازيك يا بدر؟" ابتسم سليم وهو جالس بجانب بدر الدين ليندهش هو رافعاً حاجباه بينما استمعت نورسين لحديثهما وهي واقفة على مقربة منهما

"تمام" تمتم مجيبا وهو لا يعرف كيف عليه التحدث له وشعر بالخوف ليبتلع وحاول أن يتابع الحديث معه!! "ازيك أنت كمان؟"

"أنا كويس.. أنا بس ورايا حاجات كتيرة جدا.. بحضر الشنط بتاعتي عشان ماما قالتلي إني هازور تيتا نجوى، هي فعلا تيتا نجوى طيبة أوي؟ أنا عارف إنك بتحبها جدا"

"أيوة طيبة أوي وهتحبها أنت كمان يا سليم"

"بصلي كده" نهض ذلك الصغير ليقف أمامه وأخذ ينظر له ليعقد بدر الدين حاجباه في تعجب من ذلك الذي لم يكمل بعد العشرة أعوام ليلاحظ طوله الفارع بالنسبة لمن هم في عمره بل وكذلك وجهه الذي يُذكره بنفسه عنـ.ـد.ما كان في مثل عمره

"أنا شبهك أوي مش كده؟!" سأله ببراءة طفولية ولكن ذلك الطفل يتحدث وكأنه بالعشرينيات من عمره فأومأ له بدر الدين بالموافقة ليجده يمد يده مباغتاً اياه وأخذ يعبث بشعره

"أنا هاربي شعري زيك بالظبط.. شكلي أظن هيبقا حلو زيك" ابتسم سليم له ليجد بدر الدين ابتسامة ارتسمت على شفتيه ثم توقف وهو ينظر له وكأنما يتفقد شيئا جديدا

"استنى أنا جايبلك حاجة معايا" صاح مُخبرا اياه بحيوية ثم اختفى من أمامه ليتنهد بدر الدين في ضيق وهو الذي قد نسي تماما أن يُحضر له شيئا ولو حتى بسيطا ثم رآه يعود ليقف أمامه ثم مد يده له بصندوق ليتناوله منه وهو ينظر له بإستفسار

"ده فيه كل حاجة عني عشان تعرف تصاحبني بسرعة.. صوري وصوري أنا وماما وتيتا وجدو وأصحابي في المدرسة وكمان شهاداتي واشتراكي في النادي واللعب اللي أنا بحبها" ابتسم له ولم يصدق بدر الدين أن ليلى كانت جادة للغاية بشأن ذلك الطفل كما تذكر أيضا طريقة ليلى التي تحدثت له بها أول مرة ليرى الشبه بينهما في طريقة التعامل أما وجهه فكأنما رُسم على يد رسام بـ.ـارع ليرسم صورة طبق الأصل منه

"فين بقا طنط نورسين عشان أعرفها.. ماما قالتلي أنها جت معاك النهاردة" ابتسم له ابتسامة شابهت ابتسامة ليلى وقبل أن يجيبه صاحت نورسين

"لا بقا طنط ايه كده تكبرني.. قولي يا نور" ابتسمت له وأقتربت لتقبل رأسه

"لأ أنا هقولك يا نوري.. أحلى مش كده؟" ابتسم لها لينظر بدر الدين ونورسين لبعضهما البعض بإندهاش شـ.ـديد ثم نظرا لذلك الصغير الذي يسبق عمره بأعوام

"أنت تقولي بقا اللي نفسك فيه.. تعالى أنا جيبتلك بقا حاجات كتيرة يارب تعجبك" ابتسمت له ثم أمسكت بيده ليذهبا سويا ليتابعهما بدر الدين بعينيه ثم شاهدها وهي تقوم باحتضانه ليبتسم متنهداً من تلك الصغيرة التي تنجح بكل شيء بسهولة وسلاسة دون أن تشعره أبدا بالخوف.

❈-❈-❈


"مامي أنا عايزة اروح لأدهم وأسما.. يالا بقا" صاحت سيدرا وهي عابسة وهي على مشارف البكاء فهي تعشق أولاد عمتها وتنتظر بفارغ الصبر أن تذهب لهما وكاد بدر الدين أن ينهيها عما تقوله ولكن سليم فرغ من قراءة الفاتحة لوالدته ووضع بعض الورود على قبرها وتوجه نحو سيدرا

"قوليلي بقا هنجبلهم ايه قبل ما نروح.." ابتسم لها سليم بينما أمسكت نورسين بيد بدر الدين وهي تنظر له نظرة بأن يدعهما وعليه فقط أن يشاهد كيف يتعامل معها ذلك الصبي الذكي للغاية الذي انخفض بجسده ليُصبح على مستوى قامتها

"مش مهم.. انا عايزة العب معاهم" ازداد عبوسها

"لأ ازاي.. مش طنط شاهي دايما بتجبلك حاجات حلوة معاها؟" أومأت له لتتساقط خصلاتها الحريرية التي شابهت خصلات نورسين ليرفعها سليم خلف احدى اذنيها

"طيب لازم نروح كلنا نجيبلهم حاجات عشان يبقوا مبسوطين زي ما بيبسطونا وكمان نجيب لزينة هدية معانا.. وليكي عندي بقا النهاردة مفاجأة.."

"مجافأة ايه؟!" اتسعت زرقاوتاها وهي تصيح بطفولية وهي إلي الآن لا تستطيع نطق مفاجأة بطريقة صحيحة

"لما تقوليها صح الأول أبقا أقولك.." أمسك بيدها لتتصنع هي العبوس "يالا بينا عشان منتأخرش.. أنا كمان تيتا وحـ.ـشـ.ـتني اوي" نظر لنورسين وبدر الدين ليصيح وهو يتقدمهما ممسكا بيد اخته الصغيرة "يالا يا بدر علشان منتأخرش" أخبره لتنظر له نورسين بعشق ثم تمتمت

"شوفت السيطرة.. شوفت بيعرف يتعامل معاها ازاي" ابتسمت له ليبادلها الإبتسامة ثم تنهد

"تربيتك.. بس مش هتعلميني بقا أتعامل معاها ازاي؟!" نظر لها بتوسل طفولي "عاجبك كده سليم واكل مني الجو.."

"فداه.. وسيبك منها.. اتعامل معايا أنا وبس مش مهم سيدرا خالص، سيبها لسليم هيعرف يتعامل معاها.."

"ده احنا بنغير بقا ولا ايه؟" غمز لها واتسعت ابتسامته


"أنا أغير منها.. ليه يعني.. ده أنا الأصل وهي التقليد.. يالا يالا نلحقهم" تصنعت العبوس بعد أن أخبرته بدلال ليضحك بدر الدين عنـ.ـد.ما تركته وتوجهت للخارج فهي لا زالت طفلة صغيرة وستظل طفلته الصغيرة دائما..
نظر للجميع يضحكون سويا، البعض يلعب في طفولية، البعض يتحدثون بمواضيع تبدو شيقة، تنقلت عيناه السوداوتان بين تلك الأجيال المختلفة وهو يتمنى من طيات قلبه أن يظلوا معاً جميعاً..

ابتسم في راحة وهو يتذكر هذا المنزل.. منزل عائلته الذي طأه بقدمه في خوف منذ زمن بعيد، أصبح ملاذه الآمن، أصبح يعج بالدفء والضحكات، أصبح كل ما تمناه أمام عيناه وكأنما تلك السعادة التي يحيا بها الجميع تُربت على كتفاه، تُخبره بأن بعد كل ظلام فجر جديد ليسطع اليوم بأشعة تبدد تلك الحلكة التي عانى بها لسنوات لم تكن لتنتهي أبدا..

تنقلت عيناه وهو يتنفس براحة مبتسما ها هي شاهندة، وكذلك زوجها، ابنها وابنتها، يمرحون معا، أسرة سعيدة.. ذلك الحب الذي رآه بين كلاهما يليق بأن يروى بأحدى الروايات، ذلك الرجل الصبور المحب لزوجته.. لم يراه يوما إلا بإبتسامة بشوشة أكملت تلك الضحكة الرائعة التي طالما ارتسمت على شفتا أخته الصغيرة الحنونة والمرحة.. وكذلك هما أبنائهما بضحكاتهما وابتسامتهما..

"حمزة أنا خايفة.. خليك معايا أرجوك متسبنيش.." تساقطت دمعاتها دون توقف

"عمري ما اسيبك يا شاهي.. أنا داخل معاكي يا حبيبتي.. متقلقيش.. أنا جنبك ومعاكي ومتخفيش مفيش حاجة هتحصل" صاح وهو يحاول تهدئتها ليرتدي مريول المشفى وأخذ يتعقم سريعا كما أشار له الأطباء وكأنما لا يشعر بكل من حوله وكأنه وحده تماما معها عينتاه لم تفارقا عيناها، كأنها هي محور كونه.. بينما هي الأخرى تنظر له وكأنما الراحة بعينيه فقط، لقد حتى صدق بدر الدين يومها أن تواصلهما هذا الغريب يعطيها مُسكنا من نوع ما إلي أن أختفى كلاهما خلف الباب ولم يتواجد معها سوى حمزة.

ابتسم وهو يتذكر تلك اللحظات التي أنجبت بها شاهندة، لم يرها تبكي هكذا من قبل، بالرغم من إنجاب هديل لخمسة من الأبناء ولكنه لم يتواجد أبدا بهذا الوقت من قبل، ولم يختبر تلك اللحظات إلا مع شاهندة، وقتها لم يدري كيف تضاربت مشاعره، لقد خاف أن يرى نورسين بنفس الملامح المتألمة خاصةً أنها كانت ستلد بعد ثلاثة أشهر، لبرهة شعر يومها أن عذابه ووجعه من أن يكونأباً ووالداً لأطفال لا يُقارن بأوجاع ومعاناة المرأة التي تلد، تحول خوفه من فكرة الإنجاب لخوفه على أخته ومن بعدها نورسين..

"ايه.. قلقان عليها؟" ابتسمت وهي تنظر له بتلك الزرقاوتان في تساؤل لينظر لها كالطفل الخائف بملامح تجمدت خشية ثم أومأ لها "متخفش.. وبعدين لازم تجمد كده.. عندنا ولادة تانية كمان تلت شهور.. ولا هتسيبني لوحـ.."

"مقدرش أسيبك لوحدك أبدا يا نوري"قاطعها مقبلاً كفيها ثم ضمها لصدره "بس فعلاً الموضوع شكله مرعـ.ـب.." تنهد وهو يحاوط جذعها بذراعه

"شوفت بقا احنا جـ.ـا.مدين اوي يعني.. ولا فاكرين بس إن الرجـ.ـا.لة هما اللي جـ.ـا.مدين؟!" نظر لها خافضا نظره ورافعا احدى حاجباه لتتلاقى سودواتاه بزرقة عيناها

"محدش قالكوا تطلبوا قلة أدب" همس مجيبا اياها لتقف هي أمامه في انزعاج طفولي مستندة بيديها على خصرها

"يا سلام يا ملك الكون أنت؟!" تعالى صوتها ليرفع بدر الدين يداه بإستسلام وابتسم على طفوليتها حتى بعد حملها ذلك تبدو شهية للغاية أسفل نظره

"جرا ايه يا ولاد.. هتتخانقوا ولا ايه؟" صاحت نجوى في تعجب مما يفعلاه لتتوسع ابتسامته عنـ.ـد.ما تذكر ذلك الموقف بينهما.

أخذت سوداوتاه تجوب هُنا وهناك ليرى سليم جالسا مع نجوى ويمرحان سويا، يبدو أنه يريها شيئا بهاتفه ذو الكاميرا الرقمية الجديد الذي ابتاعه له زياد مؤخرا ولا يتوقفا عن الضحك المتواصل، تلك المرأة الرائعة.. ماذا كان هو بفاعل دونها؟

للحظة شعر بالإمتنان لليلى التي أنجبت له سليم، لقد تمنت والدته شيئا واحدا فقط منه وطلبته منه صراحةً لتجده أمامها بعد يوم واحد، دمعت عيناه فرحةً لرؤيتهما سويا، وكأنها تخص سليم بالكثير من الحنان دونا عن البقية!!

بالطبع ترى بدر الدين الصغير أمامها مرة أخرى، حسنا!! بنسخة مُعدلة قليلا مع إضافة الكثير من الضحك وبعض الذكاء الجم ولكن ها هو آتى وهو ابن التاسعة من عمره، دون أم ليدخل بيتها.. التاريخ يعيد نفسه، ولكنه على كل حال أفضل من التاريخ الأسود المنصرم.

يُذكره بزياد، يضحك كثيرا مثله، يتذكر زياد وهو بمثل عمره، لطالما كان ينظر له ليشعره وكأنه حائط ما، لماذا سبب له طوله مشكلة على كل حال؟ هز كتفاه في تعجب وبالرغم من سعادته بالتواجد مع الجميع إلا أنه أشتاق لذلك الصغير

"ايه يا زياد فينك؟"

"يا كبير مناقصة ممرمطاني.. بس متقلقش، احنا عالم صـ.ـا.يعة يابا بصوت عادل إمام؟ فاكر المسرحية دي؟" تريث كلاهما في صمت غريب لتلك المزحة التي لم يفهمها بدرالدين ليتمتم زياد "ايه اللي بقوله ده.." حمحم ثم أكمل "أنت عامل ايه؟"

"تمام.. مش ناوي تنزل أجازة؟"

"لا أجازة ايه؟ وأسيب المزز اللي هنا.. يا كبير عيب عليك.. ما تجيلي أنت وأنا اشهيصك"

"ما تتلم بقا يا زياد وأكبر"

"نسيت نسيت مدام نور ممكن تاكلك ولا حاجة.. عاملة ايه صحيح هي وسليم وسيدرا وماما واخواتي وولادهم؟ وحشتوني اوي يا بدر"

"وأنت كمان وحشتنا.. فكر كده فيها.. خدلك حتى اسبوعين وتعالى قضيهم معانا"

"أنت عجزت كده ليه؟ بتتكلم زي الكبـ.ـار اوي" تسائل زياد بعفوية ليشعر بدر الدين بالإنزعاج ثم اجابه بإقتضاب

"تصدق أنا غلطان إني سألت فيك.."

"حقك عليا يا كبير مقصدش.. ومش جنبك أنا عشان أقولك هات ايدك أبوسها.. روق يا عم مكنتش كلمة"

"بطل تفاهة يا زفت.. وتعالى اقعد معانا شوية"

"أوامر يا باشا.. غمض عينك وافتحها هتلاقيني عندك.. اطمن على المناقصة دي بس وهاجيلك أجري"

"ماشي.. وابقا خد بالك من نفسك"

"آآه.. قلبي الصغير لا يتحمل.. بدور بقا حنين اوي" تحدث زياد مازحا

"أنا غلطان.. غور"

"روق يا كبير بس عيل وغلط.. سلملي على كل اللي عندك بقا"

"يوصل.. سلام" هز رأسه في انكار وهو يُدرك أن الصغير لن يكبر أبدا، لا يُصدق أنه أصبح رجل أعمال متفوق ولازال بنفس الشخصية التي لطالما كان عليها!

❈-❈-❈

/span>

تنهد وهو يتفقد هديل وزوجها اللذان يبدوان غارقان بشيء ما، أأصبح سيف الدين يرتدي النظرات الطبية الآن؟! لم يلاحظه من قبل حقا يرتديها.. يبدو أنه كان منشغلا كثيرا تلك الأيام الماضية ولكن على كل حال هو يشعر بالراحة كلما رآى نظرة الإمتنان والعشق بعينا هديل كلما نظرت لزوجها..

توجه نحوهما مبتسماً ثم نادى هديل بعد أن اطمئن على سيف الدين في ود وبداخله يريد أن يتخلص من بعض الأعباء التي لا زالت تشغل تفكيره من حين للآخر، فقرر اليوم أن يجعل هديل تُقرر بشأن هذا الأمر

"عاملة ايه يا هديل؟"

"تمام.. أنت ايه أخبـ.ـارك؟" لربما هما أخ وأخت ولكن يبدو وكأنما طريقتهما سويا لن تتغير أبدا، وستتسم دائما بالجمود والعملية الشـ.ـديدة

"تمام.. كنت عايز أكلمك في موضوع.." نظرت له هديل في تعجب وأعين مستفسرة ليردف هو مسرعا

"من غير مقدمـ.ـا.ت كتيرة، كريم نقلته مصحة، تقدري تقولي اتجنن من اللي عملته فيه، طبعا مش مدخله بإسمه الحقيقي، لو حابة تقولي لولادك في يوم الموضوع يرجعلك وممكن اديكي العنوان، يعني لو حبيتي في يوم تروحوا تزوروه و.."

"نزور مين يا بدر؟!" قاطعته بسخرية

"أنا عمري ما كنت سعيدة زي سعادتي بإنه خرج من حياتي، كنت حاسة إني مخـ.ـنـ.ـوقة ومش عارفة أتنفس سنين وفجأة لقيت الهوا من حواليا كأنه كان مانعه عني ومكتفني بيه.. عايزني أعرفه تاني؟! ده أنا ولا عمري هاخلي ولادي يبصو في وشه، ده آخره معايا إنه يموت في نظر ولادي.. ده حتى أهله مبيسألوش عليه عشان عارفين إنه إنسان استغلالي ووصولي، عايزني أنا اهتم؟" ابتسمت بتهكم "أنا مش عايزة أعرف عنه حاجة ويولع مكان ما هو!!"

"أنا حبيت أعرفك عشان بردو هو في الأول وفي الآخر أبوهم و..."

"أبوهم!!" ابتسمت في آسى متهكمة

"تقدر تقولي كان فين كأب ولا زوج حتى؟ تعرف إن أنا ياما اكتشفت انه كان بيكون مع واحدة أو بيتهرب مني وخلاص وبيتحجج بالشغل.. لو بتتكلم عن الأب بص لسيف.. بص لحنيته وتحمل مسئوليته.. ده حتى بقا حنين على ولادي أكتر مني.. وخلاهم ينسوا إن كان فيه حاجة اسمها كريم أصلاً.. تعرف يا بدر، أنا يمكن ما بيني وبين نفسي مكنتش كويسة بس لما أتغيرت ربنا عوضني بسيف، خلاني ارجع احب الحياة من تاني.. انسى الموضوع بتاع كريم زي ما أنا ما نسيته وسيبنا حياتنا حلوة زي ما احنا والحمد لله مبقاش ناقصنا كلنا حاجة..

بصلي وبص للسعادة اللي أنا بقيت فيها، شوف شاهندة وجوزها وأولادها، بص لنفسك ولحياتك اللي أتغيرت 180 درجة، بص لزياد اللي بقا راجـ.ـل مسئول وبقينا بنعتمد عليه خلاص كلنا بقينا مبسوطين.. انسى أي حاجة وحشة يا بدر وركز في اللي جاي وبس" نظرت له تتفحص عيناه ليومأ لها في تفهم متنهداً بينما آتت زينة لتُمسك بيد بدر الدين

"انكل بدر مش هنقعد مع بعض نقرا زي المرة اللي فاتت؟!" صاحت تلك الصغيرة التي قاربت من إكمال عامها السابع للتو

"يا سلام.. ده أنتي بقا هتيجي تقعدي معايا اسبوعين بحالهم عندي وهنقرا كل اللي تحبيه" أخبرها بدر ثم انخفض ليحملها

"بجد.. أنا مبسوطة اوي.. مينفعش نروح دلوقتي؟"

"زي القرع تمد لبره" تمتمت هديل ثم زفرت في ضيق لما تفعله ابنتها "نستنى طيب لما العيد يخلص وبعدين روحي لبدر زي ما انتي عايزة" هزت رأسها في إنكار بينما حاوطت زينة عنق بدر الدين في حب

"ده ايه التجمع ده كده من غيري؟!" صاحت شاهندة التي أنضمت لهما وتبعها كل من أدهم وسيدرا وأسما يهرولون خلف بعضهما البعض

"ولا تجمع وعلى حاجة.. كنا بنتفق إن القمر ده يجي يقضي معايا أسبوعين بعد العيد" أومأ بدر الدين لزينة التي حملها بينما أبتسمت تلك الصغيرة في سعادة

"قمر!! أنت اللي قمر يا بدرو.. حلوة الألوان اللي في شعرك دي.. عجزت يا بدورتي" صاحت شاهندة لتضحك هديل بينما بدر الدين شعر بالضيق

"هو خلاص كله كده شايفني عجزت خلاص" عقد حاجباه في إنزعاج كالطفل الصغير أمّا زينة فداعبت شعره الفحمي الذي بدأ اللون الأبيض يتخلل بعض خصلاته في إعجاب بشعر خالها

"أنا أسيبكم بقا وأروح لنورسين.. شكلها كده الوحيدة اللي شايفاني معجزتش" تنهد وهو ينظر لها لينزل زينة ثم قبلها على رأسها

"ايوة بقا من لقا أحبابه نسي أخواته" غمزت له شاهندة بإبتسامة

"أنا ماشي.. سلمولي بقا على الكل" أخبرهما ثم همس لشاهندة "سيدرا وسليم مسئوليتك لغاية ما أجيلكو" شعرت هديل بأنها غير مرغوب فيها قليلا لتضيق عيناها ناظرة لهما بتعجب لتتنهد

"واضح فعلا إن من لقا أحبابه.. سلام يا بدر" أخبرته في حنق مزيف فهي لا زالت لا تستطيع أن تتقارب من أحد للغاية وعلمت بقرارة نفسها أن علاقة بدر الدين وشاهندة لطالما كانت وستظل دائما غير علاقتها بأخوتها.

"عايز تخلع أنت والمُزة مش كده؟!" نظرت له مضيقة عيناها وهمست بخبث مازحة بعد أن غادرت هديل

"يووه يا شاهي.. ربي ولادك يا حبيبتي وخليكي في حالك.. سلام!"

❈-❈-❈


"بدر!!" همست بدلال ليجن هو من نطقها لأسمه بتلك الطريقة الأنثوية وتشبثت بكلتا ذراعاه ليسرع هو من حركته داخلها ثم همس بأذنها

"بحبك يا نوري" ارتجفا جسديهما سويا لتصرخ هي شبقا وأغلقت عيناها لتحتضنه ودفن هو وجهه بين ذراعيها وأخذا يلتقطا أنفاسهما المتسارعة في صمت تام لا يتخلله سوى خفقات قلبيهما التي انعكست على جسد كل منهما!

"شعرك كده حلو اوي.. اللون الرمادي ده لايق عليك" همست وهي تخلل شعره بأصابعها

"يوه بقا.." زفر في ضيق ثم نهض لينظر لها كالطفل الصغير المنزعج "هو أنا فعلاً يا نوري عجزت أوي؟!" تفحص زرقاوتاها كطفل بالعاشرة لتجذبه هي ليتكأ على سريرهما ثم استندت برأسها لتتوسد صدره

"لو عجزت يبقا مين اللي عمل كل قلة الأدب دي من شوية.." همست بدلال ليضمها لصدره أكثر

"هو فعلاً أنا لو عجزت أنتي ممكن تسيبيني؟!"

"هو أنا لو عجزت أنتي ممكن تسيبيني" صاحت بطريقة ماثلت نبرته ليضحكا سويا

"لو عجزت ممكن أخدك في حـ.ـضـ.ـني.. ادلعك.. أقولك يا Mr. بدر.. لكن مش هاسيبك أبدا.. وأنا بقا أفرض فجأة عجزت قبل منك ووشي كرمش وسليم جابلي نونو يقولي يا تيتا.. هتسيبني؟!" سألته وهي تحاوط صدره بذراعها ليهمهم هو في تفكير

"على حسب شكلك ساعتها!! لو عجوزة اوي ممكن أفكر أتجوز تاني واحدة صغنونة تدلعني بقا" تمتم لترفع نظرها له لتنهال تلك الأمواج المتضاربة من زرقة عيناها على سودواتاه لتعصف بهما في غضب

"نعم!! ماشي يا بدر.. أنا غلطانة.. حاسب كده بقا" حاولت النهوض ليجذبها رغما عنها واعتلاها

"مش تسيبيني أكمل طيب.." ابتسم لها لتنظر هي له بإنزعاج طفولي

"لا أنا مش عايزة أعرف ولا تكمل ولا بتاع.. وسع لما أقوم"

صاحت بغضب بريء ليقهقه هو على مظهرها الطفولي وكأنها لن تتغير أبداً بنظرتها ووجنتاها الممتلئتان تلك ليقبل أحدهما ملثما اياه يتذوقه ثم حدق بأعينها الزرقاء التي لا يستطيع أن يحيا دونهما

"لازم اللي اتجوزها تكون عينيها زرقا وخدودها تجنن.. وتبقا أصغر مني كده زيك بالظبط.. ويكون اسمها نورسين.. وتفضل أول سنتين كده من حياتنا سوا تقولي يا Mr. بدر.. مممم.. وكمان تربيلي سليم.. وتدلعني بقا وتهريني قلة أدب زي ما أنتي ما بتعملي" نظرت له مضيقة عيناها وهي تحارب تلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتيها

"ولازم تكون بتعمل أكل زي أكلك.. كله إلا الأكل.. لو لقيتها مش هاسبها ثانية"

"أنت بتستعـ.ـبـ.ـط .. بتستعـ.ـبـ.ـط أنت مش كده؟! لازم تنرفزني وخلاص" صاحت أسفله مضيقة ما بين حاجبيها وهي تتصنع الغضب

""بذمتك لما بتقلبي بيبي كده وأنتي متعصبة وأنا ابقا هموت عليكي ونفسي آكلك، معصبكيش ليه؟!"

"نفسك تاكلني!!" تمتمت في تعجب

"ايوة آكلك ليه لأ.."

"بقا كده" نظرت له بإصرار ليومأ لها وهو يظن أنه يسيطر على تلك الصغيرة ليبتسم لها "طب أنا هاوريك"

انسلتت من أسفله لنهاية السرير حتى استقر وجهها أمام جسده لتفعل ذلك الشيء الذي يعشقه ليتعجب مما تفعله هي في البداية بإبتسامة ثم أوصد عيناه في استمتاع وهو لم يعد يقوى على تحمل حركات شفتيها ولسانها ليجدها تدفعه ليتوسد السرير متآوها ثم أعتلته بعد أن عملت بتلك الكرزيتان لتتأثر كل خلية به مستجيبًا لها بعنف ووجدها تنهض على ركبتيها واضعة كلتا يداها بخصرها

"روح اتجوز بقا وخليها تـ.." شهقت عنـ.ـد.ما جذب يدها وهو ينظر لها بسوداويتين سيطر عليهما اشتهاء حبيبته ومن عشقها قلبه دون نساء العالم بأكمله ليرغمها على الجلوس على ساقيه وباعد بين ساقيها

"اياكي تسيبيني كده تاني.. فاهمه؟!" همس بأذنها ليبعثر أنفاسه الساخنة على عنقها وبلمح البصر شعرت به داخلها مجددا

"أنت بتعمل ايه؟! احنا مش لسه كنا بـ.."

"اللي يبدأ في قلة الأدب يستحمل للآخر.." همس لها ليبدأ يحركها صعودا وهبوطا

"ولا أنتي بقا مش قدها؟!" 

سألها ليشعر بقوة إحاطتها لخصره بساقيها وأخذت هي تتحرك دون مساعدته وحاوطت عنقه بذراعيها لتقبله في نهم شـ.ـديد لينظر لها بأعين غلفها الشبق لتلك الصغيرة أمامه

"وأنت شايفني مش قدها يا ملك الكون.." 

ابتسم لكلمـ.ـا.تها أمام شفتيها ليلتهمهما في عنف يعض شفتيها ملتذذا بمذاق تلك الكرزيتان الناعمتان في عشق جارف

"خليكي قدها بقا للآخر.." 

همس في خبث لتزداد قبضتاه على خصرها ثم رفعها قليلا لتهبط بجسدها وهو يدفع بنفس وقت ارتطام جسدها عليه لتشعر هي بتغلله بعنف وصرخت في آلم لذيذ امتزج بشغفها للمزيد منه

"قدها يا نوري؟!" سألها في تحدي لتومأ هي له

"ده آخرك.. شكلك عجزت ومبقتش قد قلة الأدب يا Mr. بدر" رفعت حاجبيها ليضحك هو في خفوت غيظا من تلك الكلمة ثم دفعها لتستقر أسفله ورفع كلتا ساقيها 

"أنا هوريكي اللي عجز ده هيعمل فيكي ايه!!" 

اخبرها بتحدي ليدفع بسرعة جنونية وعنف ولكن ليس مبالغ به، بل عنف لذيذ يتبادلاه أي زوجان عاشقان لبعضهما البعض، حتى أحست هي بالمتعة الهائلة وأوصدت عيناها وأخذت تلهث وتشبثت معانقة اياه بكل ما أوتيت من قوة

"بدر.. بالراحة" تآوهت أسفله في دلال شـ.ـديد وهي لا تستطيع التحكم في جسدها لتشعر بسيطرته المفرطة عليها ليدفع بمزيد من قوته

"ايه ده يا نوري.. كده شكلك مش قدها" تمتم لاهثا وقلل من عنفه ولكنه لم يتوقف لتهمس هي بتحدي

"لا قدها.. بس.. لأ مش كده.. بدر" 

أشعلت نبرتها الأنثوية بركانا من الرغبة بداخله ليفقد عقله وأخذ يتآوه هو الآخر ليطبق أكثر على جسدها البض أسفله وازدادت حدة قبضتاه عليها ولكن لم تنس هي تحديه لها لتغرس أظافرها بظهره في قسوة ليصـ.ـر.خ هو آلما لترتسم ابتسامة على شفتيها وبالكاد أستطاعت تسليط زرقاوتاها اللتان امتلئتا بالشبق

"مش قدها يا Mr. بدر.. مكنتش يا حبيبي أظن إنك.."

تأوهت في النهاية غير قادرة على اكمال كلمـ.ـا.تها ولم تعد تحتمل فيبدو أنه لا يمزح حقا بإفتراسه لشفتيها بتلك الطريقة وهو لا يزال يدفع بها بسرعة جامحة ليزداد صراخها بين قبلتيهما وتشبثها به تارة وتارة جذبت شعره الأسود الفحمي بكلتا يديها لتشعر هي الأخرى بتآوهاته التي ابتلعتها بين تلك القُبلة المفترسة ثم شعرت بحركة يداه تُسرع كثيرا ليرتجف لها جسدها ومن ثم شعرت بإرتجافته التي تبعتها ليلهثا سويا وأخذا ينظران لبعضهما البعض كلاهما يشعر بالإنتصار وفجأة لم يستطعا التوقف عن الضحك..

"اتفرتكتي اهو.. عرفتي إنك مش قدها.. عرفتي إني بقيت كل ما بعمل اللي بتحبيه بتجيبي ورا" غمز لها لتمرر هي أناملها على آثار أظافرها بظهره

"وباينك عجزت يا Mr. بدر" شهق آلما لتنظر له بإنتصار بتلك الزقاويتين

"ما بلاش عجزت دي تاني.. المرة الجاية هتبقا وحشة اوي عليكي" همس محذرا ليقبل جبينها

"لا استنى أنت بس للمرة الجاية.. هجننك.." غمزت هي الأخرى له ليريح ظهره على السرير ولا زال يشعر بآثار أظافرها تألمه آلم طفيف

"طول عمرك مجنناني يا نوري.. من يوم ما شوفتك" همس ثم نظر لها بحب لتنام هي في مواجهة الشراشف وأتكأت على ساعديها لتستند بذقنها على كفيها ونظرت له بتلك الأعين المرحة التي لا تغيب حيوتها أبدا

"مم.. مجنناك.. وايه كمان؟!"

"ونورك نورلي دنيتي كلها.. نورك ده اللي نور البدر" داعب شعرها الحريري بيده وهو ينظر لها بعشق

"مم.. وإيه كمان؟" همست بدلال له وتفقدته بنظرتها الطفولية

"وإيه كمان وإيه كمان.. ممـم.. بحس دايما معاكي إني لسه عيل صغير، بنسى إني راجـ.ـل كبير عيلة وعنده أطفال.. بتخليني أحس بكل حاجة حلوة في الدنيا وبتعيشيني حاجات عمري ما عيشتها.. حنيتك عليا ووجودك دايما جنبي في كل حاجة صعبة بيخلوني احس إني قوي واقدر على اي حاجة طول ما انتي جنبي ومعايا.. أنا محظوظ بيكي يا نوري.. أنتي فعلا من يوم ما شوفتك حسيت إنك نوري، حسيت أنتي اللي هتنوري الضلمة اللي كنت بعاني منها سنين وحبك خلاني أقدر أحارب الضلمة دي.. بحبك.. بحبك وعمري ما أقدر أعيش من غيرك ثانية.."

"على فكرة أنت لسه صغير وهتفضل حلو في عينيا زي ما أنت حتى لو بعد آلف سنة.. وأنا كمان بحبك.. بحبك وعمري ما كنت ما هاكون سعيدة في حياتي غير وأنت جنبي يا ملك الكون" 

مدت يدها لتداعب أنفه ومسكتها بسبابتها وإبهامها ليهُز هو رأسه يمينا ويسارا

"قولي بقا بحبك وأنت كده صوتك بيبقا عامل زي البغبغان المضايق" ضحكت ليضحك هو الآخر

"بحبك يا نوري بحبك بحبك" ظلا يضحكا سويا لتتوسد هي صدره وعانقها هو الآخر يضم له جسدها ليستمتعا معا بحياتهما وهو يتمنى ألا تبتعد عنه تلك الصغيرة أبدا!

❈-❈-❈


بعد مرور سنوات.. عام 2018..

"صباح الخير يا نوري.. صباح الخير يا بدر" صاح سليم بنبرته التي خرجت من فمه الممتلئ وهو على عجلة من آمره

"مش قولنا هنبطل نوري دي وأنا بس اللي أقولها" تمتم بدر الدين منزعجا

"ما تسيبه يا بدر براحته بقا.. صباح الخير يا عيون نوري.. مش هتفطر ولا ايه؟ على الواقف النهاردة؟!" ابتسمت له بطيبتها المعهودة

"يادوبك الحق لحسن عندي Meeting مهم اوي"

"ايه!! ابن كرم الدمنهوري مش كده؟!" أومأ له سليم "طيب خد بالك كويس ولو عايزني في اي وقت كلمني"
تمت بحمدلله

لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇

تعليقات