رواية حان الوصال بهجة ورياض كاملة جميع الفصول

رواية حان الوصال هي رواية رومانسية تقع احداثها بين بهجة ورياض والرواية من تأليف امل نصر ( بنت الجنوب ) في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية حان الوصال لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية حان الوصال هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية حان الوصال تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية حان الوصال بهجة ورياض كاملة جميع الفصول

رواية حان الوصال من الفصل الاول للاخير بقلم امل نصر

ما بعد الفجر وقبل الصباح، ذاك الوقت الفاصل ما بين ظلام الليل وشروق الشمس، هذا هو وقتها، الذي تجد فيه سكينتها، تصلي الفجر ثم تقف في شرفتها تتمتع بالنسمـ.ـا.ت العليلة مع الهدوء الذي يعم المنطقة الا من بعض الاصوات القليلة للمارة الذاهبين الى شئونهم، ان كان الى عمل او شيء آخر.
تتأمل المباني حولها وتراقب انقشاع الظلام رويدا رويدا حتى تحط الشمس بضيائها وتزين الأرض.
تتنفس هواء نقيًا، بعيدا عن الصخب والمسؤوليات المعلقة في رقبتها.
بهجة…. هذا اسمها وياليتها نالت حظها منه، او ربما كانت تناله قديما ، قبل ان ينكـ.ـسر ظهرها بمـ.ـو.ت الاب، الذي كان سندها رغم طيبته الشـ.ـديدة والتي كانت تصل الى حد السذاجة في بعض الأحيان ، ولكنه كان حنونا ورؤوفا بها، لم يقصر ابدا في واجباته، او يتزوج بأخرى بعد وفاة الأم في ولادة اصغر أبناءه عائشة
لتحمل بهجة المسؤولية معه منذ الصغر ، ثم تتولاها كاملة بعد وفاته في حادث سيارة غادر، لم يعرف أحد بالسائق المتهور الذي دهسه اثناء ذهابه للعمل.
وتبدأ هي مرحلة جديدة تفصلها تماما عن السابق من عمرها، حيث اكتشاف الغدر من اقرب الأشخاص اليها، وانقشاع الغمامة التي كانت تعصب عينيها عن معرفتهم الحقيقية ونفوسهم السوداء، تبًا لتلك الطيبة التي ورثتها عن والدها، وقد كانت من أهم اسباب قهرها في كثير من الأحيان، حتى اشتدت عظامها ونضجت مع مرارة الأيام.
– يا بهجة يا بهجة، انا صحيت يا جميل، فين الفطار؟
كان هذا الصوت المميز لشقيقها، بنبرة خشنة اكتسبها حديثًا مع بدء بلوغه لمرحلة الرجولة رغم صغر سنه.
تحركت لتخرج اليه من غرفتها تهتف بردها:
– حالا يكون جاهز يا سيادة الدكتور المستقبلي، على ما تكون غسلت وشك وصليت الصبح
بعد مدة من الوقت
وقد استيقظ الجميع لتناول الفطور مع بهجة التي اعدته كالعادة قبل ان ترتدي ملابس الخروج للعمل ، وهي الاَن في انتظار البقية لتخرج أخرهم.
خرج شقيقها ايهاب من غرفته اثناء تصفيفها هي لشعر شقيقتها الصغرى، يهديها قبلة قي الهواء وهو في طريقه للذهاب من المنزل:
– سلام يا بيبو ، اركِ اليوم حين اعود .
ضحكت مرددة خلفه:
– ترجع بألف سلامة يا قلب بيبو
بعث لها قبلة اخيرة، ثم اندفع مغادرًا، لتعود هي الى حديث شقيقتها الثرثارة:
– والله زي ما بقولك كدة يا بيبو، بـ.ـنت عمك كانت رايحة جاية تتقصع قدام شادي وتلاغيه بالكلام قدام خطيبته صبا لحد ما كشرتلها وكانت عايزة تفط في كرشها.
– تفط في كرشها كمان، ياه على الفاظك يا ست عائشة، بتجيبيها منين دي يا بت.؟
– من الشارع ههه
تمتمت بها عائشة ردا على شقيقتها، لتتبادلا المزاح لحظات حتى انتهت من عمل ضفيرتين لها، لتتركها بعد ذلك تنظم حقيبتها والجدول الدراسي، ثم تأخذها وتذهب بها،
وقبل كل ذلك، دلفت بهجة لغرفة شقيقتها الوسطى جنات، والتي استيقظت لها فور دخولها تستقبلها
– صاحية يا بيبو اطمني.
– ولما انتي صاحية مبتقوميش ليه؟
تمتمت بها بهجة تضـ.ـر.بها بخفة بالمنشفة القطنية، فضحت لها جنات تقول باستسلام:
– بريح شوية يا ست، لسة راسي تقيلة .
كرمشت بهجة ملامحها بامتعاض مزيف، لتخرج من حقيبتها الصغيرة عدد من الاوراق المالية تعطيهم لها:
– طب خدي يا ختي المصروف على ما رفعتي راسك التقيلة من ع المخدة وقومتي.
– من ايد ما نعدmها يارب.
قالتها جنات وهي تقبلهم برضا، لتتوقف شقيقتها بتأثر،
لهذه الكلمـ.ـا.ت البسيطة التي تتلقاها من اخوتها، فتزيح عن كاهلها المشقات وعلقم الأيام الذي تتجرعه في عملها والتعامل مع غابة البشر ، فتهون عليها الصبر والتضحية من اجلهم .
استدركت فجأة قبل ان تتحرك ، لتسألها بتذكر:
– استني يا هنا ، هو انتي مش عندك برضوا مصاريف جامعة والكارنيه بتاع الطلبة.
تغضنت ملامح جنات بحرج لتعتدل بجذعها قائلة بتهوين:
– مااا مش مهم بقى الكارنيه والحاجات دي ، انا بحاول اتصرف واخش سرقة مع البنات ، وان كان ع الكتب برضوا تدبر ان شاء الله.
ابتعلت بهجة غصة مؤلمة بحلقها، للإحساس العجز الذي يتملكها في كل مرة لا تقدر على سد احتياجات اشقائها، وخجلهم الدائم بأن لا يزيدو عليها من الهموم.
لتتنهد رافعة ذقنها بابتسامة نحو شقيقتها:
– وتدخلي سرقة ليه ولا تحتاجي للسلف من اصحابك الكتب ؟ انا هدبرهم في اقرب وقت أن شاء الله، وانتي متخبيش عني تاني حاجات مهمة زي دي، دا مستقبلك يعني مينفعش التقصير فيه، ولا انك تعرضي نفسك للاحراج او الإهانة من حرس الجامعة لو اتقفشتي من غير كارنيه، سامعاني.
اومأت جنات بطاعة رغم الحـ.ـز.ن الذي يتملكها في كل مرة تزيد بمتطلباتها على شقيقتها الحنون، والتي تضحي بزهرة شبابها من اجلهم ، وحلم الزواج كباقي الفتيات من عمرها قد تبخر ادراج الهواء، بعد صدmتها وتطليقها من ابن عمها الخسيس قبل ان يتم فرحه عليها او يتزوجها، صاغرا لأمر والدته المتجبرة، والتي لم يكف اذاها لهم حتى الاَن.
❈-❈-❈
بعد قليل
كان خروج بهجة من شقتهم في تلك البناية المكونة من أربعة طوابق، يسكن الطابق الارضي الحاجة صبرية مالكة المنزل، وفي الطابق الثاني خميس الراوي وعائلته، اما الثالث فذلك مسكن بهجة واشقائها بعد وفاة الوالد ، فيتبقى الرابع وذلك الذي بني حديثًا منذ سنوات قليلة، ليكون شقة الزوجية لسمير ابن خميس الرواي وابن عم بهجة الذي كانت على وشك الزواج به لولا مـ.ـو.ت الوالد وما حدث من مشاكل بعدها افسدت كل شيء حتى حدث وانفصل عنها، رغم عقد قرانه به لأكثر من شهور، ليتزوج بأخرى، وتنفض هي عنها فكرة الزواج على الإطـ.ـلا.ق، لتقوم على تربية اخوتها ورعايتهم حتى تطمئن عليهم، وقد ساهم هو بغبائه في تأصيل القرار داخلها بعدmا رأت منه ومن عائلته خسه ووضاعة جعلتها تفقد الثقة في جميع الرجـ.ـال.
ولكنها جميلة وليست كامرأة عادية، تمر امام الخلق فتلفت ابصار الجميع نحوها، حتى وهي تتعمد عدm الاهتمام وارتداء الملابس الواسعة التي تفتقر للأناقة،
ولف الطرحة حول وجهها دون نظام، ولكن منذ متى نجحت التغطيه في اخفاء جمال امرأة؟ خصوصا اذا امتلكت الروح الجميلة معها.
نزلت الدرج خلف شقيقتها الصغيرة ، لتفاجأ به كعادته مؤخرًا، يقف في انتظارها، يدعي الانشغال بالهاتف كحجة يستخدmها دائمًا، وعيناه تطالعها بلوعة، يتحرق للحديث معها ، حتى وهو لا يجد منها غير الصد والتجهم ، ونظرة الازدراء، ولكن الشوق يقــ,تــله، ولكن نظرة هذه الصغيرة التي كانت رافعة حاجبها بشر، تجعله يعيد النظر، فكم من مرة جلدته بلسانها اللازع، فيتراجع بخزي، لا يعلم من اين تأتي بهذه الجرأة والجبروت رغم سنوات عمرها التي لا تتعدى الحادية عشر
– ما تيلا بقى يا بيبة، عايزين نخرج من العمارة اللي حررت دي على اول الصبح، والجو فيها بقى ملزق.
كبتت بهجة ابتسامتها بصعوبة، لتواصل السير مع هذه الملعونة الصغيرة، ولسانها الذي ليس ظابط ولا رابط.
اما عنه، فقد تسمر للحظات يكتنفه الذهول، انها سبته بدون حتى ان يتكلم ويأخذ فرصته .
واصلتا الفتاتان سيرهما، في طريق الحارة الشعبية التي نشأن بها، وجاء الدور الاَن في المرور على الوكالة التي كان ابيها شريكًا بها، قبل ان يتوفى، ثم استولي عليها عمها خميس بالحيلة والخداع، مستغلا طيبة شقيقه الفقيد، لأنه لم يفعل حساب هذا اليوم،
تنهدت بحسرة، فلو استمر فقط نصيبهم في هذه الوكالة، لكان وفر عليها المشقة والمذلة في اعمال تسحق كرامتها في بعض الأحيان من اجل اخوتها.
كان في هذا الوقت يتشاجر مع احد الزبائن ويصيح بصوته الجهوري به، لتغمغم هي داخلها:
– صوتك ميطلعش غير برا البيت، انما عند درية المستقوية، حتى عينك متقدرش ترفعها فيها.
تنهدت بيأس لتنفض عن رأسها الفكر المرهق،، وتلتف للأمام، ولكن ابصارها اصطدmت بالضلع الثالث من هذه الأسرة التي تحاصرها من جميع الزويا.
– يوووه علينا ، هيهل علينا دلوقتي ويقول اوصلكم.
خرجت من شقيقتها، وكأنها تقرأ افكارها، لتبزغ ابتسامتها فور ان اقترب منهم سامر عارضا بالفعل:
– صباح الخير على احلى عرايس، متيجو اوصلكم في طريقي.
عبست عائشة تكور شفتيها بضيق لا تخفيه، لتتسع الابتسامة على وجه بهجة، فترفض بزوق:
– تشكر يا سامر، بس انت عارفنا بنحب ناخدها كعابي .
شجعته ابتسامتها الا يستلم متابعًا؛
– يا ستي عارف، بس انا نفسي في مرة تعملوها وتجبروا بخاطري.
هذه المرة جاء الرد من عائشة التي لم تقوى على الصمت اكثر من ذلك:
– يا عم اجبر بخاطرنا احنا وعدينا، المدرسة هتفوتني.
اكتنفه الحرج ليعبر بعتاب ومزاح:
– يا نهار أبيض على لسانك يا عائشة ميفضلش في بوقك نهائي، اتفضلي يا ستي وحصلي مدرستك.
أومأت بهجة تكتم ضحكتها، وصارت عائشة معها تهديه ابتسامة صفراء، لتواصل بعد ذلك المرور مع شقيقتها نحو وجهتهم.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر
حيث الهدوء الذي يعم الأنحاء، في ذاك المسكن الخاص به ، رجل الاعمال رياض الحكيم، وقد استيقظ في ميعاده الصباحي الساعة الثامنة، دون الاحتياج لمنبه او مساعدة من بشر، وكأن الساعة برأسه، يسير بنظام لا يحيد عنه ابدا .
يستيقظ على ميعاده في الثامنة ، يأخذ حمامه الصباحي ، يتناول وجبة الافطار سريعًا، ثم يرتشف القهوة بداخل غرفة مكتبه، حيث يراجع بعجالة على بعض الملفات قبل الذهاب الي العمل، ورغم امتلاكه لصالة للالعاب الا انه لا يدخلها الا مساءًا بعد ان ينتهي من جميع اعماله، ويطمئن على سير العمل بكل دقة.
عملي لدرجة الجمود احيانا والصلف احيانا، لديه اصرار دائم على النجاح بكافة الصور، ولذلك لم يكن غريبًا ان يتشارك العمل مع رجل مقارب لشخصيته وقد عرفه عليه ابن خالته، عدي عزام قبل ان يستقر بتركيا مع زوجته، يراعي مصالح العائلة وينوب عن شقيقه مصطفي صاحب اكبر راس مال في المنطقة.
في هذا الوقت كان يجري مكالمته التليفونية بغرفة المكتب:
– ايوة يا كارم…….. لا انا معاك يا باشا، قريت دراسة الجدوى وشجعتني اوي عشان اغامر معاك…….. طبعا مغامرة، ومش اي حاجة كمان، بس انا واثق في قدراتك، ومعاك ياااا…… ثوانى
قطع فجأة ينهض عن مقعده بالانتباه الى شيء ما، وقد ارتكزت ابصاره لما خلف زجاج مكتبه، وبالقرب من حوض السباحة، لينهي المكالمة على عجالة:
– كارم هكلمك بعدين.
اغلق على الفور وركض ليلحق قبل ان تأتيه كارثة، خرج اليها، ليرى سبب تعاسته ومشكلته الابدية، تجلس على حافة الحوض الرخامية، تطوح قدmيها في المياه باستمتاع، ليكز على اسنانه بغـ.ـيظ مكتوم، ثم صاح بصوته الجهوري، جعلها تنتفض له:
– يا نبوية ، انتي يا للي اسمك نبوية.
اتت المرأة مهرولة على صيحته، مرددة بإذغان وخــــوف:
– نعم يا باشا نعم، تؤمر بأيه.
اومأ لها بعيناه لتفهم على الفور فتذهب سريعًا نحو المرأة:
– يا نهار اسود، انتي ايه اللي جابك هنا؟ ولحقتي امتى تخرجي من الاوضة؟ قومي معايا يا ست هانم قومي.
حاولت المرأة الستينية الاعتراض ولكن نبوية بخبرتها استطاعت مهادنتها، لتنهض معها مستجيبة لسحبها وفور ان اقتربت من رياض بررت بأسف:
– سامحني يا بيه، بس انا والله يدوب رديت ع بـ.ـنتي في مكالمة التليفون، مش فاهمة ساهتني وخرجت امتى؟ .
مد بطول ذراعه امامها كي تذهب بعدm تقبل لعذرها، لتنصاع نبوية لأمره بأسف وتتحرك لتذهب فخرج صوت المرأة الأخرى بعدm اتزان:
– انت شبهه، شبهه.
امتقعت ملامحه بشـ.ـدة، واحمرت عيناه بخطر جعل نبوية تسرع هاربة بها من العقـ.ـا.ب ، ليزفر هو انفاس بحريق ما يشتعل بداخله، وقد فهم على قولها، انها تكرر نفس القول، حتى وعقلها قد ذهب منها، تذكره دائمًا بأبشغ صفة يكرهها، وهو الشبه الكبير بينه وبين والده، الذي كان السبب هو الرئيسي في جنونها، جنون والدته التي احبت رجلا بكل كيانها لدرجة الهوس رغم كل افعاله الخسيسة معها، ثم كانت صدmتها به اكبر من ان يتحملها عقلها .
بعد قليل .
كان قد انتهي من عمله السريع بغرفة المكتب، ليرتدي سترته في طريقه للخروج، فركضت خلفه نبوية توقفه بندائها:
– رياض باشا، يا رياض باشا، دقيقة من وقتك معلش.
توقف يطالعها بأسفل عينيه بجمود لم يؤثر بها، فهي تعلم تمام العلم انه سيأخذ وقته ثم يصفى لها كالعادة، لذلك تجرأت تفاتحه بطلبها على الفور
– سامحني يا باشا، بس انا كلمتك كذا مرة وانت شكلك بتنسى،
تنهد بسأم يقلب عيناه بتفكير مرهق وقد فهم مقصدها، وهذا من اصعب الاشياء على قلبه،
استرسلت نبوية امام صمت الاخر باعتقادها انه قد نسي بالفعل:
– يا سعادة الباشا انا كنت طلبت منك حد يساعدني الفترة الجاية عشان بـ.ـنتي اللي رجعت من سفرها، انا بروح البيت مهدودة مبلحقش اقعد معاها ولا اتهنى بأحفادي منها.
اومأ بأنفاس خشنة:
– حاضر، حاضر يا دادة، هحاول اتصرفلك في واحدة، بس انتي عارفة اني دي من اصعب المشاكل بالنسبالي، مش كل الناس امينة زيك.
– تشكر يا باشا دا من زوقك.
رددت بها بامتنان لاطراءه، ليرتدي هو نظارته الشمسية، ويتحرك للذهاب فورًا نحو اعماله.
❈-❈-❈
والى هذا العاشق الساخط، وقد كان واقفًا يستند على سيارته، يطالع ساعة يده كل لحظات قليلة، فيزفر بضيق لهذا التأخير الملازم لها ، في كل مرة يذهب بها الى مقر عملهم،
ليغمغم داخله بالتوعد لها، حتى تكف عن هذه العادة التي تفقده اعصابه، فهو المعتاد دائمًا على الانجاز والسرعة، يأتي عليه الوقت الاَن ليقف في الشمس منتظرا بالنصف ساعة لهذه ال……..
توقف سيل تفكيره، فور ان ابصرها، تطل من مدخل البناية بابتسامة قادرة على ان ترديه قتيلا، تقترب منه بملابسها الفضفاضة، ترتدي الحجاب الكبير ، ومع ذلك تبقى فتنة متحركة، كيف يستطيع التماسك امام سحرها؟ او منع نفسه ان يسحقها الاَن بضمها بين ذراعيه؟ لقد طال انتظاره ولم تعد به طاقة للتحمل.
عند هذا الخاطر، اشتدت ملامحه، ليرسم الجمود امامها، حتى اذا تلقى تحيتها:
– صباح الفل .
– صباح النور مكنتي استنيتي ساعة ولا ساعتين تاني.
تهكم بها ، ليفتخ لها باب السيارة ، ثم يلتف هو للجهة الاخرى، فيتخذ مقعده خلف عجلة القيادة
وتجلس هي بجواره تشاكسه كعادتها:
– كان نفسي يا مستر شادي، بس انا الصراحه خــــوفت على خطيبي من حرجة الشمس.
مال برأسه ساخرا نحوها، ويداه تدير المحرك
– لا يا شيخة هامك اوي خطيبك، صدقت انا !
– ويعني متصدجش ليه بس؟ هكون بهزر ولا بتمسخر مثلًا
قالتها بدلال كاد ان يفقده صوابه، ليقبض على عجلة القيادة بقوة، يغمض عيناه ويفتحها سريعًا يلتف نحوها بتحذير:
– لمي نفسك يا صبا وبطلي دلعك ده، انا على اخري، فاهماها دي؟ على اخري…. يعني تنشفي نفسك كدة وتسترجلي قدامي، يا حل وعدي من اتفاق ابوكي واصورلكو قتيل…
توقف برهة ليستطرد بانفعال:
– كان زمانك حامل بابني دلوقتي، لكن اعمل ايه في ابوكي بقى؟ الله يجازيه
ضحكت بصوت مكتوم، تزيد من مناكفته:
– حـ.ـر.ام عليك يا شادي تدعي عليه، وافتكر انه مجبركاش على حاجة، هو بس عرض عليك الأمر وانت تبعته بشهامتك.
– متفكرنيش.
هتف بها، ليتابع بتحسر:
– دا انا كل ما افتكر دmي يغلي، طب جدتك ام امك
مـ.ـا.تت والفرح باقي عليه اسبوعين، ابوكي يطلب التأجيل وانا اوافق عشان الشهامة والرجولة، لكن الحداد بقى يستمر لست أشهر، ليه يا عم؟ ابوكي خمني يا صبا وانا لا يمكن انسهاله دي؟
لم تقوى على كبت ضحكاتها اكثر من ذلك، كما تفعل في كل مرة ذكر لها ذلك الامر، والنتيجة كالعادة ازدياد انفعاله، ، ولكنها تعلمت اخماد غـــضــــبه بكلمـ.ـا.تها المعسولة:
– انت جولتها بنفسك يا شادي، عشان هو عارف بشهامتك ورجولتك، ودي عوايدنا اللي طلعنا عليها، مفيش فرح يتم طول ما في حـ.ـز.ن في العيلة، لازم الكل يفرح مع بعض، كيف ما بنشيل الحـ.ـز.ن مع بعض.
ارتخت معالمه، رغم الضيق الذي يدعيه، ليرمقها بنظرة طمأنتها ، قبل ان يعقب بتحدي:
– ع العموم هانت، هو شهر واحد بس اللي فاضل، يفوت زي اللي فاتوا وعلى اخر يوم فيه ان شاء الله نكتب الكتاب،واليوم اللي بعده الفرح على طول، مش هستني دقيقة تاني مهما حصل يا صبا .
– يا سيدي ربنا يمنع الموانع
– ياااارب.
خرجت منه بحرقة اثرت بها، لتغير دفة الحديث بالدخول في موضوع اخر:
– انا كلمت ابويا بخصوص اسبوع ابن رحمة بكرة
– امممم
زام بفمه بترقب لردها، والذي أتى مثلجًا له:
– طبعا وافق، وجالي روحي يا بتي، دا خطيبك دا زينة الرجـ.ـال.
هذه المرة البسمة لاخت على محياه ليعلق بحيرة:
– ابوكي دا بمية حال يا صبا، يعقدها من ناحية ويوسعها من ناحية تانية، كأنه قاصد يشلني.
وكأن ردها الضحك بدون توقف.
❈-❈-❈
عودة الى بهجة والتي فور ان حطت قدmيها بذاك المصنع محل عملها، توجهت على الفور الى رئيستها، مدام صباح، تلك المرأة التي تكن لها كل الاحترام والتقدير، رغم عصبيتها المرافقة لها على الدوام ، ولكن قلبها الطيب هو الغالب، وهذا ما شجعها في طلبها .
– يا ست الريسة، بقولك محتاجة السلفة ضروري، ياريت توصليها النهاردة او دلوقتي لمديرة القسم هنا.
بأعين ضاقت بريبة:
– ومدخليها انتي يا بهجة، ليه مصرة تحشريني حتى في دي.
اجابتها سريعًا وبعفويتها المعتادة:
– بصراحة خايفة منها لترفضني، ما انتي عارفاها ست رافعة مناخيرها في السما ومحدش بيعرف يتكلم معاها، وانا خلقي في مناخيري بصراحة، دي بتخليني اكرر في اسمي كذة مرة عشان تعرفني،
ضاقت عيني صباح نردد باستنكار:
– وعشان كدة بقى بتصدريني انا اتحمل عنجهيتها وكبرها، يا حلاوة عليكي وكمان بتقولهالي في وشي.
تبسمت بهجة بحرج، لتردف بتملق اصبحت تجيده معها هذه الايام:
– ما انتي أكيد بتعملك حساب يا ست الكل،،هو انا في مقامك برضو، عشان خاطري يا ست الريسة، اختي بقالها شهر دخلت الجامعة ولحد دلوقتي لا عارفة تخش كويس من غير كارنيه الطلاب، ولا عارفة تجيب الكتب ومرتب المصنع هنا على ايدك، بيضع كله على مصاريف البيت
اخرجت صباح تنهيدة متعبة تتناول منها الطلب، بوجه تدعي به الجمود، لكن من داخلها، قلبها يقطر ألــمًا على حال هذه المسكينة التي تتحمل ما يفوق طاقتها، من اجل رفعة مستقبل اخوتها، على حساب شبابها وجمالها، وسنوات العمر التي تمر مرور المياه بين اصابع اليد.
– خلاص يا بهجة، هشوف موضوعك واللي فيه الخير يقدmه ربنا
– ونعم بالله .
❈-❈-❈
بنصف يوم العمل تشجعت صباح لتذهب إلى هذه المتعجرفة، والطلب في يدها، وكما توقعت تجاهل كالعادة ولكن هذه المرة يزيد عن الطبيعي، في مراجعة الملفات، والتحدث كل دقيقة عبر الهاتف:
– ايوة يا ميمي اخلص بس شغلي ونتقابل على ميعادنا….. لا بقى متسألنيش عن الوقت انتي عارفة بقى مواعيد رياض باشا….. ماشي هحاول متأخرش.
انهت المكالمة ثم القت نظرة سريعة نحو صباح قبل ان تعود لأوراقها:
– قولتلي بقى عايزة ايه يا صباح؟
زمت المرأة شفتيها بضيق لتعاود الكرة في سرد طلبها:
– يا لورا هانم، انا جيبالك طلب السلفة ده عشان تمضيه ، مش هتعب راسك بأي حاجة تاني.
زفرت الاخيرة تصفق بيدها على الاوراق ، لتتناول هذا الطلب وكي تتخلص من ثرثتها، ولكن وما ان وقعت عيناها على الاسم حتى ضيقت عيناها بتذكر تسألها:
– مش بهجة دي برضوا اللي مضيتلها نفس الطلب، من يجي شهرين؟
على الفور بررت لها صباح:
– ايوة سيادتك بس هي اتعذرت من تاني ودي مسكينة وبتسعى على اخواتها، دا انا لو رئيس المصنع اديها مساعدة من عندي.
ضحكة مكتومة صدرت من لورا لتردد بسـ ـخـــريــة:
– واخدة راحتك اوي انتي يا صباح، بس يا حبيبتي دي مش تكية ، دا مصنع ماشي بالساعة وهي تبوس ايدها وش وضهر انها شغالة وبتاكل لقمة عيشها منه، اما عن السلفة، ف انا اسفة ابلغك ، ان طلبها مرفوض حسب قوانين العمل هنا .
واصلت صباح باستجداء :
– يا لورا هانم انا بقول استثناء، اعتبروها حالة انسانية، البـ.ـنت هالكة نفسها والله وبرضوا مش مكفية مصاريف خواتها
قلبت لورا عيناها، لتزفر بسأم اشعر الاخرى باليأس وقبل ان تعطيها ردها النهائي، تسلل لأنفها رائحة العطر القوية التي تعلمها ، لتنتفض عن مقعدها وتعدل هندام ملابسها، ثم تنثر بخصلات الشعر الكثيف المموج على جانبي رأسها على عجالة، ليعطيها مظهرا جذابا يرضيها، أمام دهشة صباح التي لم تعد تشعر بوجودها من الأساس، حتى اذا دلف بهيبته زادت سرعة الدقات في صدرها، تستقبله بلهفة:
– صباح الفل يا رياض باشا.
– صباح الخير يا نورا.
قالها بجموده المعروف، ليدخل غرفة مكتبه ، فتتبعه هي بتناول الملفات المطلوبة ، وتتذكر صباح فتصرفها بقولها:
– روحي انتي دلوقتي يا صباح شوفي شغلك.
همت المذكورة ان تسألها عن ردها الاخير، ولكن الاخرى لم تعطيها فرصة، وقد سبقتها في الدخول الى مكتب رئيسها.
❈-❈-❈
وبداخل المكتب ، وقفت في انتظار انتهائه من المراجعة والتوقيع على الملفات المطلوبة منه، لتأخذ هي فرصتها بتأمله، وهذه الجاذبية الكامنة في جموده الذي يقارب البرود،
كم من مرة تمنت ان ينظر اليها ويلتفت الى هيئتها المتجددة على الدوام، انها لا تدخر جهدا في هذا الشأن حتى تلفت انتباهه، ترى الاعجاب من الجميع الا هو.
وحتى وبرغم صلة القرية التي تجمعهما، تظل معاملته بحدود حتى لا يزرع داخلها العشم، ولو بغير قصد، قلبه كجدران محصنة، لا يستطيع احد اختراقها .
– لورا
اتت صيحته القوية تخـ.ـطـ.ـفها من سيل افكارها، لتنتبه وتعتذر بأدب:
– اسفة حضرتك، انا معاك اهو.
اعتقدت بأنه انتهى مما يقوم به، ولكنها تفاجأت به متوقف، ويمرر على خده الايسر بتفكير وشرود ، لتتجرأ وتسأله:
– حضرتك لو في مشكلة انا تحت أمرك.
التف لها بعينيه البندقية التي لطالما افقدتها صوابها، يقول بعتب :
– انا فعلا عندي مشكلة، كنت كلمتك عنها قبل كدة وانتي شكلك مهتمتيش.
اشارت على نفسها بجزع:
– انا ساعدتك، معقول! انا يستحيل منفذش امرك في طلب كلمتني فيه.
مالت رأسه نحوها بشيء من سـ ـخـــريــة:
– وجليسة الست الوالدة اللي كلمتك عنها
توقف فاهها مفتوح للحظات قصيرة تذكرت بها الطلب الذي كان منذ الشهر، لتتحمحم، مبررة بحرج:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م اني خذلتك فيها دي، بس انا والله عملت جهدي في البحث في كل المكاتب المشهورة، عمالة ادور ع اللي تليق بدخول القصر عندك ، وتتحمل ااا اسفة يعني… الست الوالدة
عند هذه النقطة اشاح عيناه بضيق انتبهت عليه، فواصلت بدفاعها:
– عملت مقابلة مع يجي عشرين واحدة، وانا احاول اجمع فيهم الصفات المطلوبة، انها تكون نضيفة، ومتفهمة وامينة، وعندها قدرة على الصبر زي نبوية بس للأسف كنت دايما بفشل في البحث، او اللي اكلمها عن الحالة، هي نفسها ترفض.
قالت الأخيرة بصوت خفيض، زاد من ثقل ما يحمله بداخله، يعلم انها مشكلة تقارب المعضلة، ف العثور على واحدة مثل نبوية يعتبر دربًا من المستحيل في هذا الوقت، ولكن المرأة تتحمل فوق طاقتها وحتى وهو يغدق عليها بالأموال بغير حساب، ولكنها في الاخير بشر ولها قدرة على التحمل.
ليوميء بتهكم:
– خلاص يا لورا، افضي انا وادور بنفسى، او اخدلي اجازة من الشغل بالمرة، مدام مش لاقي اللي يسد ورايا
قصد بكلمـ.ـا.ته ان يحفز روح التحدي بداخلها، وهو ما أتى بـ.ـنتائجه على الفور:
– لا طبعا حضرتك، انا من النهاردة، مش هنام ولا هريح دقيقة حتى غير لما الاقي طلبك.
تبسم بخبث وقد وصل لغرضه:
– وانا واثق فيكي يا لورا ، وطبعا مش هوصيكي انه يبقى في اسرع وقت
❈-❈-❈
بعد دقائق خرجت لورا تغلق باب المكتب من الخارج، تزفر انفاسها بتعب، بعدmا كبلت نفسها بهذه المهمة الثقيلة، تعلم ما ينتظرها من مشقة في البحث، وجدولها من الأساس مزدحم هذه الأيام، استعداد لفرح صديقتها الاقرب ميمي
لتتوسع حدقتيها باستغراب، حينما وجدت صباح مازالت في انتظارها ولم تغادر، فسقطت على كرسبها بإرهاق سائلة لها:
– انتي لسة قاعدة مكانك وممشتيش يا صباح
جاء جواب الاخرى:
– ما انتي مردتيش عليا يا لورا هانم، وانا بصراحة عشمانة في مرؤتك، بهجة دي من احسن العمال عندنا ، بتشتغل ورديتين وتهلك نفسها عشان تكفي مصاريف اخواتها
اعتدلت لورا بتركيز وقد استرعت انتباهاها ، فتجاريها لمعرفة المزيد عنها:
– وانتي متشـ.ـددالها اوي كدة ليه؟، لدرجادي البـ.ـنت هماكي.
– طبعا يا لورا هانم، دي زينة البنات والله وحـ.ـر.ام فيها البهدلة، طب اقولك بقى هي تقدر تتجوز من بكرة، عمال كتير زمايلها وموظفين هنا كلموني عنها، لكن هي ابدا، مصرة تكمل تعليم اخواتها وحارمة نفسها حتى من الهدmة الكويسة. صابرة ع المر وراضية ، بس ياريت الناس ترحمها.
– اممم
زامت بفمها تتراجع بجلستها، وتريح ظهرها بتفكير ، ظل لمدة من اللحظات حتى حسمت امرها قائلة:
– طب مدام انتي واثفة فيها اوي كدة، انا عندي عرض احسن من السلفة مية مرة .
تهللت اسارير صباح تسألها بلهفة:
– ايه هو يا لورا هانم؟ قولي ربنا يعمر بيتك يارب .
❈-❈-❈
– جليسة، اشتغل جليسة في بيت راجـ.ـل غريب يا ابلة صباح، معقول!
تفوهت بهجة بالكلمـ.ـا.ت اثناء جلوسها مع المذكورة في وقت استراحة العمال، بجلستها معها على طاولة وحدهم ، تتناول الغذاء بعدد من الشطائر التي تعدهم في المنزل ، حتى لا تزيد عليها التكلفة بشرائهم من كافتيريا المصنع،
ردت الأخيرة والتي كانت متوقفة عن الطعام بقلق داخلها:
– ويعني هو هيشوفك فين؟ دا طول الوقت برا اساسا ، انا اعرف ان الفيلا بتاعته مفيهاش تقريبا غيرها هي الهانم دي، والباقي هما الخدm والحراس ، وتلت اربع ساعات في مبلغ زي ده، فرصة ما تتعوضتش، المشكلة بس…..
– بس ايه؟
زفرت صباح بضيق تجيبها:
– شوفي يا بهجة انا هقولك ع الوضع كله، واشرحلك حالة الست بالظبط، على حسب اللي سمعته، لأن لورا اكيد مبتقولش الحقيقة كاملة، عن الست اللي هتعاشريها لو حصل ووافقتي
❈-❈-❈
مساءًا ،وفي الثامنة بعد المغرب، هذا وقت عودتها من العمل في مصنع الملابس الجاهزة، والذي يعلم عنوانه جيدا ويعلم بوقت خروجها منه، فيأخذ جلسته في شرفة شقته ، ينتظر ان تهل عليه من مطلع الشارع المكشوف امامه.
سمع تأوه من الخلف وخطوات عرف صاحبتها، والتي ما ان اقتربت منه وجهت حديثها اللازع اليه:
– قاعد في البلكونة ليه يا سمير؟ ما تدخل جوا يا حبيبي تحت التكيف، دي حتي القعدة هنا متعبة وتو.جـ.ـع القلب
حرك رأسه بنصف التفافة، رافعًا حاجبه الايسر ليطالعها بطرف عيناه قائلًا بشر:
– خليكي في حالك يا اسراء ومتدخليش في اللي ملكيش فيه، انا اقعد في الحتة اللي تريحني.
بقلب يحترق تطلعت لما اشتدت رأسه وتركزت ابصاره عليه اول الشارع، بعودة المقصودة تتأبط ذراع شقيقها بمحبة تثير الحسد نحوهما من المحرومين مثلها، لتعبر عن حنقها بقهر
– وانا مين يريحني، تعبانة ليل نهار، شغل هنا وشغل تحت عندك اهلك، واختك البرنسيسة قاعدة غير للزواق والدلع، وطبعا مينفعش ارفع عيني فيها، لا الست والدتك تعلقلقي الفلكة وتتهمني اني بغير منها، وانت سواء هنا او هناك في الحالتين مش معايا.
لم يعيرها اهتماما وانتظر بهجة حتى اختفت بداخل البناية ثم رد بعدm اكتراث:
– والله انا كدة ومش هتغير يا بـ.ـنت الناس، عاجبك ولا مش عاجبك انتي حرة.
انه حتى لا يجاملها بالكذب، يغرز سهام كلمـ.ـا.ته السامة بنصف صدرها، ولا يكترث لألــمها، ياله من ظالم .
– هتفضلي كدة بقى، واقفة فوق دmاغي زي صنفور المحطة، اتحركي ياما وهوينا، انا دmاغي عايزة الهدوء ومش ناقص.
مطت شفتبها بابتسامة خالية من أي مرح:
– لا وعلى ايه يا سيدي، انا اصلا تعبانة وعايزة ارتاح، يعني مش مشتاقة اوي للقعدة معاك.
قالتها وتحركت ذاهبة ليطالع اثرها بضيق مغمغمًا:
– في داهية يا اختي،
مصمص بشفتيه متذكرا من تحتل احلام يقظته ومنامه:
– الله يسامحك ياما، انتي السبب.
❈-❈-❈
وفي الشقة اسفلهم
دلفت بهجة برفقة شقيقها الذي مازال متمسكُا بها ، مرحبا بأن تستند على كتفه الذي اصبح يشتد هذه الايام رغم نحافته،
– يا هلا يا هلا، الاستاذ ايهاب مع الكبيرة ذات نفسيها، يا دا الهنا يا ولاد.
ضحك شقيقها وجاء الرد من بهجة التي عبرت عن فرحتها:
– الدكتور ايهاب باشا، خلص دروسه وجاه عندي المصنع يروحني معاه، اسكتي يا بت يا جنات ، البنات هناك كانو هيتجننوا على حلاوته وعلى عيونه الخضرا، وانا اقولهم وسعي يا بت وهي، دا ابني حبيبي مش اخويا وبس .
– حبيبتي يا بيبو ، ربنا ما يحرمني منك.
تمتم ايهاب بالكلمـ.ـا.ت يقبل رأسها بحب، لتعلق جنات بغيرة:
– ايوة يا عم المشاعر الاخوبة الميالغ فيها دي، عايزين ناكل يا حنين، انا قاعدة مستنية بقالي ساعة.
جاء نداء اصغرهم من الداخل هي أيضًا:
– وانا النوم كابس عليا، يعني ممكن انام من غير عشا، ساعتها هيبقى ذنبي في رقبتكم
ولج ثلاثتهم اليها ليجدوها جالسة على المائدة تتناول دون انتظار، ليتمتم ايهاب وهو يسحب احد المقاعد يجلس بجوارها ويشاركها الطعام:
– كل ده وهتنامي من غير عشا يا مفترية، طب سبيلنا حاجة.
انضمت جنات لتشترك معهما، داعيه شقيفتها الكبرى:
– يا للا بسرعة يا بيبو انتي كمان، كيس البانية اللي جايبينوا بالعافيه، هيروح كله في بطون الأوغاد،.
تحركت قدmي بهجة متمتمة لها:
– بالهنا والشفا ليكم انتو التلاتة، انا هروح اغسل ايدي الاول
– خلاص يبقى انا هحتفظ بالطبق لحد ما تيجي.
قالتها جنات ، لتبعد الطبق الكبير بما يحتويه عن متناولهم بالفعل، فتصدر اصوات الاعتراض، مقابل استمتاعها هي بمشاكستهم:
– قولت لا يعني لا يا مفاجيع .
– ويعني انتي اللي عاقلة اوي، دا تلاقيكي واكله نصه اصلا ع البوتجاز.
– برضوا هتصبرو واتفلقوا انتوا الاتنين.
– انتي غلسة اوي يا ست جنات
– ههه عارفة
وقفت بهجة على مدخل غرفتها تتابعهم بشرود، اشقائها الصغار، لم تنـ.ـد.م ابدا على تضحياتها من اجلهم ، لأنهم يستحقون مستقبل افضل من مستقبلها ، حظا افضل من حظها البائس
ولكن قلة الحيلة والعجز عن تحقيق الحد الأدنى لمتطلباتهم، يصيب قلبها بالحـ.ـز.ن، ترى ما السبيل الاُن؟ اتوافق على العرض المقدm لها بمرافقة هذه المرأة التي ذهب عقلها بمـ.ـو.ت زوجها المحبوب واكتشافها لخيانته بعد فوات الاوان، كما اخبرتها رئيستها ام ترفض وتتمسك بأمانها ؟
هذه مشكلة كبيرة ولابد من التفكير بجدية الاَن من اجل اختيار القرار الصائب
تمشطها بعيناها من اعلى رأسها حتى قدmيها في الأسفل، بنظرات غير مفهومة وكأنها تحمل بغضًا ما ، حتى اثارت استفزاز بهجة لتبادلها باستفهام وحنق، فكادت ان تثور بها لولا تدخل صباح التي اكتنفها التوجس هي الأخرى:
– دي بهجة يا لورا يا هانم، زي ما قولتلك، ولا انتي مخدتيش بالك.
حدجتها المذكورة بغـ.ـيظ، تعيد برأسها كلمـ.ـا.ت الأمس عن هذه الفتاة وما تعانيه، حتى جعلتها ترسم بعقلها صورة مخالفة على الإطـ.ـلا.ق لما تراه امامها الاَن، هذه الفتاة ترتدي ملابس باهتة وغير مهنـ.ـد.مة كما توقعت، ولكن البؤس لم يؤثر ابدا في جمال وجهها الطبيعي، والافت بقوة.
الاَن فقط شعرت بتسرعها واخبـ.ـار رئيسها بإيجاد الفتاة المناسبة، ليتها تروت قليلًا قبل اخبـ.ـاره.
– انا افتكرتك يا بهجة، بس المشكلة بقى هي اني نسيت اسمك.
ردا عليها، مطت بهجة شفتيها بابتسامة صفراء:
– سبحان الله يا فنـ.ـد.م، نفس الأمر عملتيه معايا المرة اللي فاتت وانتي بتمضيلي، كنتي كل دقيقة برضوا تسأليني عن اسمي .
– يمكن عشان مش لايق عليكي؟
قالتها لورا ببساطة، وبغير تقدير لما احدثته بداخل هذه المسكينة والتي اقرت على صحة قولها بصوت متألــم:
– عندك حق يا فنـ.ـد.م، بس اعمل ايه انا بقى في حظي، كل واحد بياخد نصيبه، وربنا يرحم والدي اللي سماني كدة .
تألــمت صباح لو.جـ.ـعها ف التفت نحو الأخرى تخاطبها بحسم:
– لورا هانم، احنا متأخرين على وردية الشغل، ياريت تدخلي معانا مباشر على طول.
امتقعت ملامح الاخيرة، تهم بإخبـ.ـارها بالرفض، ولكن منعها صوت الهاتف الذي دوي باللحن المميز الذي تضعه لرقمه، جعلها تأجل لحظات كي تجيبه اولا:
– الوو…. يا رياض باشا تحت امرك
وصلها صوته الغاضب:
– أوامر ايه دلوقتي يا لورا؟ ما تخلصينا وتبعتي البـ.ـنت اللي قولت عليها، انا عايز اشوفها واديها التعليمـ.ـا.ت بنفسي، عشان اطمن كمان بالمرة واشوفها ان كانت تصلح ولا لأ
ابتلعت بتـ.ـو.تر تجيبه بثقل ، وقد فات اوان التراجع الاَن، بعد غبائها والمدح فيها امامه بالأمس قبل ان تراها وتتذكرها:
– حاضر سيادتك، انا هجيبها واجيلك حالا.
قالت الأخيرة موجها نظرتها نحو بهجة، وفور ان انهت معه، وجهت الحديث بحزم اليها:
– اسمعي اما اقولك، انا هاخدك ونروح الفيلا دلوقتي، حسك عينك ترفعي عينك في وش رياض باشا، تسمعي كلامه عينك تبقى في الأرض، وحاولي دايما تتجنبيه، والمكان اللي يقعد فيه تبعدي انتي خالص عنه.
نبوية هتفهمك وهاتدربك قبل ما تعتمد عليكي،
طول الساعات اللي هتقضيها هناك، قعدتك بس مع نجوان هانم، اياكي تسيبها ولا تخليه يشوف خيالك، يا اما هتبقي انتي الجانية على نفسك
لماذا التهديد والوعيد؟
غـــضــــب مفاجيء اعتلى ملامحها لتنقل بنظرة خاطفة نحو رئيستها التي اشارت لها بالتروي، قبل ان تعود إلى الأخرى تهم بالرفض ولكن الحاجة والعوز الجما لسانها، لتكبت بداخلها متمتمة بالاستغفار تدعو الله الصبر، ثم تتبع هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة التي لململت متعلقاتها تخبرها على عجالة :
– ورايا على طول عشان اوصلك، عند الباشا اللي منتظرنا
❈-❈-❈
وفي منزله وقد ضاق ذراعًا بتأخر لورا والجليسة الجديدة هذه الدقائق القليلة، رغم استغلاله الوقت في مراجعة احد الملفات، ولكن هذا لا يمنع الضجر من البقاء في هذا المنزل الكئيب، والذي تقريبا يأتي ويخرج منه كرواد الفنادق ساعة النوم والراحة والطعام.
فوالدته العزيزة لا تقصر ابدا بأفعالها حينما تجده امامها.
زفر بحنق ليتناول الهاتف يتصل باحد الارقام عليه:
– الوو يا كارم، قولي ايه الاخبـ.ـار؟
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها مع هذه المرأة التي التزمت الصمت، واضعة تركيزها في قيادة السيارة ، ومتابعة الطريق، النظاره على عيناها ، ترديد مع صوت المذياع والاغاني الأجنبية، متجاهلة بهجة، وكأنها ليست معها على الإطـ.ـلا.ق،
لتشرد بهجة في التفكير بشأنها، وعقد المقارنة الهائلة بين ما ترتديه من عباءة سوداء باهتة وما ترتديه الأخرى من ماركات باهظة تعلمها جيدا ولكن لا تستطيع حتى الحلم بها، ما أصعبها من مقارنة، حذائها المهتريء مقابل حذاء يلمع كالذهب ، كل شيء بها يثير الحسرة بقلب واحدة مثلها
حرمت من كل تشتهيه الانثى في عمرها، منذ وفاة والدها، وبعد استيلاء عمها على نصيبه في الوكالة ، ليتبقى فقك معاش التأمين والذي لا يكفي حتى الطعام لاربع افراد منهم طفلة تحتاج التغذية حتى تنمو جيدا، عادت برأسها لتنظر من النافذة وتتذكر حديث مر منذ سنة حينما كانت في منزلها في يوم عطلتها الوحيدة
يوم الجمعة
فدوى صوت جرس المنزل، لتسبقها عائشة في فتح الباب ومعرفة الطارق:
– ابلة صفية.
– ازيك يا حلوة يا ام لسان طويل وحشاني.
هللت عائشة بصوت عالي وصل الى شقيقتها:
– ابلة صفية صاحبتك يا بيبة .
اندفعت بهجة بلهفة انستها ما ترتديه، لترحب بصديقتها من الحي المجاور سابقًا، قبل ان تنتقل الأخرى مع اسرتها لمنطقة اخرى ارقى واهم، وذلك بالطبع بعد ان من الله عليهم من فضله .
توقفت في نصف الصالة وقبل ان تصل إليها وتستقبلها، لتبتلع ريقها باضطراب، وقد اجفلت على هيئتها الراقية وتلك الملابس الرسمية لمحامية بعد تخرجها واستلام العمل، هذا الحلم الذي طار ادراج الهواء منها في نصف طريقها اليه .
ليخرج صوتها بحرج:
– اهلا يا صفية، نورتي بيتنا المتواضع.
تبسمت المذكورة بطيبة تعاتبها:
– هو دا سلامك يا خسيسة، كدة من ع الباب.
قالتها واقتربت بخطواتها لتحتضنها بشوق ومحبة اثرت ببهجة، لتغلبها دmعه خائنة هبطت من عيناها، فتلتقطها سريعًا بإبهامها، قبل ان تصل لأعلى كتف الأخرى فتفضح تماسكها الواهي.
وصفية تشـ.ـدد من احتضانها متمتمة:
‘ حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي يا صاحبتي، انا عارفة اني قصرت في الفترة اللي فاتت، بس ربنا العالم والله، الشغل اصبح واكل كل وقتي تقريبًا
اجادت بهجة رسم ابتسامة زائفة وهي تفلت نفسها عن صديقتها، وتردف هي ايضًا:
– طبعا يستحيل اجيب اللوم عليكي عشان انا كمان مقصرة معاكي ، ما انا برضو الشغل واكل اليوم كله مني
– في مصنع الملابس برضو؟
لهجتها في نطق العبـ.ـارة تظهر عدm رضاءها على الإطـ.ـلا.ق، لتثبت ايضًا بنظرتها السريعة نحو العباءة السمرة التي ترتديها بهجة، بلونها الباهت من كثرة الغسيل..
ثم جلست حتى لا تزيد على المسكينة بدون قصد، متحاشية تكرار هفوتها مرة أخرى:
– طب اسمعيني يا بهجة كدة وركزي معايا، انا بصراحة جاية النهاردة عشان اخد منك شغل ما هو مش معقول يعني ابقى محامية وصاحبتي اقرب واحدة ليا مستنقعش منها
حديثها بتباسط خفف كثيرا عن بهجة وما اكتنفها من مشاعر قاسية في هذه اللحظات القليلة، لتنـ.ـد.مج في الأخذ والرد معها:
– لا اله إلا الله، واحنا هننفعك بإيه بقى يا ست المحامية؟ احنا لا عندنا لا حد مشتكي على حد ولا بندور لواحدة مطلقة على نفقة العيال
شهقت صفية بتمثيل ودراما:
– لدرجادي مستهونة بإمكانياتي، يعني انا اخري نفقة مطلقة ولا شكوى على خناقة، انا بحضر في الماجستير يا استاذة، وكلها كام سنة واخد الدكتوراة يعني…..
قطعت فجأة وقد انتبهت على حماقتها، وارتباك بهجة التي صارت تحمحم وتهرب بعيناها عنها.
فهذا الحلم كان من البداية حلم بهجة ، هي التي سبقتها في الالتحاق بالجامعة، وشجعتها في دخول الحقوق، ودائما ما كانت ترسم امالها في ذلك، ولكن القدر كان له رأي اخرى بوفاة والدها ، واستيلاء عمها على نصيبه في الوكالة، عند هذا الخاطر ، اشتدت ملامح صفية لتردف بحزم:
– اسمعي يا بهجة، انا بصراحة جاية النهاردة مخصوص عشان ابلغك اني هرفع قضية على عمك، انا حالفة من قبل ما اتخرج، لشحططه هو والحيزبونة مـ.ـر.اته في المحاكم، واجيب حقكم من حبابي عنيه، واطمني يا ستي الاستاذة نوال مرات خالي خالد هي متشجعة وهتساعدني، يعني لو عندك شك في امكانياتي.
سمعت منها لتبزغ ابتسامة على فمها سرعان ما تحولت لضحك متواصل حتى ادmعت عيناها، امام دهشة
صفية، حتى توقفت اخيرًا تعقب على قولها:
– يا عيني يا روح قلبي، نقبك طول شونة، والقضية اللي معشمة نفسك بيها، لو حصل وقدmتيها، هيتحكم فيها من اول جلسة لصالح عمي، ومش بعيد يدفعنا تعويض كمان، بس انا بصراحة معنديش عشان ادفعله، ممكن اقضيها حبس.
– بعد الشر عليكي، ليه بتقولي كدة؟
رددت بها صفية باستهجان، لتخبرها على الفور وتصدmها:
– عشان مفيش اي ورقة تثبت حقنا، ابويا قعد سنين مشارك عمي من غير ورقة واحدة ما بينهم، يعني هو دفع النص بالنص في راس المال، وعمي هو اللي سجل الدكان بإسمه عشان كان بيديرها طبعا، وابويا لانه موظف، كان مكتفي بالمبلغ الشهري اللي بياخده من عمي، ويصدق انه هو الربح اللي طالع من التجارة، وبس كدة،
– وبس كدة
– اه طبعا بس كدة، بابا كان طيب لدرجة السذاجة مع ناس خبيثة زي عمي ومـ.ـر.اته الحيزبون، لا ومن بجاحته، يقولي اساعدكم كل شهر بمبلغ من عندي، يعني من فلوسنا عايز يجبي علينا.
زفرت صفية بتعب، وقد فهمت الاَن للمأساة التي تعيشها صديقتها، لتردف بحرقة اصابتها:
– حسبي الله ونعم الوكيل.
❈-❈-❈
وصلت بها الى داخل المنزل المهيب، والحراسة التي تحاوطه من جميع الجهات، لتدلف خلفها تقطع الممر الذي يفصل الحديقة الامامية بالوسط
لم تملك بهجة اي طاقة للفضول او الانبهار، مما تراه امامها ، فشعور الخــــوف الذي كان يكتسحها من الداخل وما هي مقبلة عليه في هذا المكان الغريب، مع امرأة تعلم جيدا بصعوبة الاختلاط معها، حتى وهي قد قرأت عن حالات مشابهة لها بالأمس عبر محركات البحث، لتعرف كيفية التعامل معها
– رياض باشا مستنينا جوا يا دادة .
كان هذا صوت لورا التي اقتحمت سائلة المرأة باندفاع للداخل قبل ان توقفها نبوية بقولها:
– رياض باشا مش موجود .
– نعم؟
خرجت منها باسفتهام وهي تلتف للمرأة والتي اكدت عليها:
– هو خرج قبل ما توصلوا بخمس دقايق بالظبط، بيقول ان عنده مقابلة مهمة في الشغل، وكلمني انا اقابل البـ.ـنت واديله التقرير
قالت الأخيرة وقد تركزت لبصارها على بهجة التي تصلبت في وقفتها برهبة، لتشير بذقنها نحوها :
– هي دي؟
زفرت لورا بإحباط لعدm رؤيتها له، بعدmا املت في تناول الافطار معه والبعد قليلًا عن جو العمل والرسمية الدائم، فخرج ردها بنزق:
– ايوة هي يا دادة، جربيها شوية وشوفيها تنفع ولا لأ، انا اساسًا موقفتش بحث عن واحدة مناسبة
بحرج متعاظم، جاهدت بهجة لاخفاءه، رفعت ذقنها بإباء توافقها الرأي:
– ايوة صح يا دادة، انا كمان لو مرتحتش…… متزعلوش مني هسيب الشغل هنا فورا.
ارتفعت زاوية شفتي لورا بحنق لقولها، اما نبوية فقد تبسمت باتساع لها، لتعقب بسماحة:
– يا بـ.ـنتي نبقى احنا الاتنين بقى نجرب بعض اليومين دول، ونشوف الدنيا معانا هترسى على إيه؟، بس انا بصراحة ارتحتلك .
قالتها نبوية بيشاشة ادخلت بعض الارتياح بقلب بهجة ، لتبادلها الرد بابتسامة،
الأمر الذي لم يعجب لورا، لترفع النظاره فوق عينيها ، قائلة بتعجرف:
– طب كويس اوي، امشي انا واسيبكم تتفاهموا مع بعض، اليوم ده اعتبريه اجازة يا ست بهجة لكن من بكرة بقى حضري نفسك لوردية الصبح في المصنع، وبعد الضهر هتيجي على هنا، اما نشوف هتكملي ولا لأ؟
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة دون اي كلمة اخرى ، حتى اذا ذهبت خارج المنزل ، صدر رد نبوية:
– كويس اوي انها مشيت عشان نقعد براحتنا، تعالي معايا بقى
تفاجأت بهجة بكف المرأة التي حطت على رسغها تسحبها دون انذار:
– واخداني ورايحة بيا على فين يا خالتي نبوية؟
ضحكت مرددة بتباسط لتفك تشنجها:
– يا ختي حلوة خالتي منك وطالعة زي العسل، احنا هنفطر الاول في المطبخ، وبعدها افهمك كل حاجة
تمسكت بهجة بالارض فجأة تعارضها:
– لا طبعا انا شبعانة، خلينا في الشغل يا خالتي نبوية الله يرضى عنك
ضحكت المذكورة لتعود بالقبض على يدها التي افلتتها منها ، تقول بحزم لا يخلو من لطف:
– ما هو دا تبع الشغل يا بت بطلي خيابة…. الست نجوان لساها نايمة، نلحق نفطر دلوقتي قبل ما ننشغل فيها ولا نقعد يومنا كله من غير اكل .
❈-❈-❈
بداخل المقر الرئيسي للشركة التي جمعت عدي وكارم سابقًا، اجتمع معه يقص عليه تفاصيل المشروع الجديد بإيجاز ، يفند المميزات المتوقعة منه في المستقبل، بالأرقام والتفاصيل الدقيقة والتي كان يطلع عليه رياض اثناء ذلك، ليخرج رده بإعجاب:
برافو يا كارم، عدي لما قال عنك شعلة نشاط مكدبش، لحقت في وقت قياسي تعمل دراسة الجدوى الهايلة دي، انت بتجيب الوقت منين لكل ده؟
ضحك المذكور بزهو، ليأتي رده متوافقًا مع طبيعة شخصيته:
– يا حبيبي الإنجاز دا الصفة الاهم لكل رجل اعمال قادر على الاستمرار، وانا يا قلبي لو معملتش كدة السوق هيبلعني وهنزل في اخر القائمة ، ودي ابشع من اي كابوس في حياتي، انا عيني دايما ع المقدmة
ابتسامة رائقة ارتسمت على ملامح رياض، ليعلق بذكاء شـ.ـديد:
– يبقى كدة عينك على مصطفى، عشان دا البريمو علينا كلنا في عيلة عزام والمنطقة كلها كمان
اجابه بصراحة وملامح مفعمة بالحماس والتحدي:
– وابقى قدامه كمان ايه المانع؟ انا عارف انه عبقري وعنده علاقات هايلة بروساء الدول كمان، بس انا بحاول اهو بكل جهدي.
– كلنا بنحاول يا حبيبى، بس انت قولت بنفسك عنده علاقات هايلة وخبرة جبـ.ـارة جعلته يسبقنا كلنا رغم فرق السن البسيط ما بينا وبينه، بس بصراحة هو جدع، ويستاهل المكانة اللي هو فيها،
خرجت من رياض بصدق اثار فضول الاخر لسؤاله:
– طب ولما هو جدع، وانتوا الاتنين رجـ.ـال أعمال، مخدكش في سكته يكبرك ليه زي ما بيعمل مع اخوه ولا اصحابه جاسر الريان ولا اللي اسمه طارق دا كمان .
قال الاخيرة بضيق ذكر رياض بالعداوة القائمة مع المذكورين رغم عودة المياه بعض الشيء لمجاريها بين العائليتن ، وقد ذكر امامه سابقا السبب الاساسي وراء ذلك، ليرد بمكر:
– قلبك اسود اوي انت يا كارم وعمرك ما هتنسى، ع العموم يا سيدي عشان اجيبلك الفايدة، انا اللي رافض المشاركة والمساعدة من مصطفى دا بالذات رغم عدm وجود أي خلاف او حزازيات ما بينا، ورغم انه عرض عليا قبل ذلك كتير ، بس انا برضو مصمم على موقفي .
– ليه؟
– من غير ليه؟ انا مش عايز .
قالها بجدية جعلت كارم يطالعه بتمعن، مستغربا إجابته وهذا الجمود في نطقها، ليباغته بعد ذلك بسؤاله:
– رياض انت مفيش اي ست في حياتك؟
– وايه دخل الستات في موضوعنا؟
تمتم بها بابتسامة لاحت على محياه، مستغربًا تغير دفة الحديث فجأة لمنحنى مختلف جذريا عن العمل وجديته، وكان رد كارم ببساطة قبل ان يرتشف من عبوة المياه الغازية التي امامه غامزًا بشقاوة:
– مفيهاش دخل يا سيدي، بس هما اللي بيحلو الدنيا، وبصراحة الحياة من غيرهم ملهاش معنى.
سمع منه ليقهقه بضحكة نادرًا ما تصدر كنه منه معلقًا:
– اقسم بالله انت مش معقول يا كارم،
❈-❈-❈
عادت عائشة في ميعادها اليومي من مدرستها ، لتفاجأ بزوجة عمها التي كانت تتقدmها قي دخول البناية، محملة بعدد كبير من أكياس الخضروات والبقالة من لحوم واشياء اخرى، لتقف وتضعهم اول الدرج وتستند هي بذراعها على الجدار تلتقط أنفاسها بلهاث، لتتهكم هي من خلفها:
– ايه دا؟ هما البياعين السريحة اللي احتلو الحارة وصلوا لهنا وعلى سلمنا كمان؟
استدارت لها درية بغـ.ـيظ سائلة بعدm فهم:
– بياعين مين يا بت
شهقت عائشة بتمثيل ساخر:
– معقووول طنط دررية، اسفة يا طنط، بس انا افتكرتك واحدة بياعة من اللي بيسرحوا بالخضار وجاية تشوف رزقها عندنا .
برقت عيني المرأة بعدm تصديق مرددة:
– انا بياعة يا منيـ.ـلـ.ـة؟ ايه يا ختي حصل حاجة في نظرك ولا ايه؟
– لا والله يا طنط انا نظري ما شاء الله ستة على ستة، بس الكياس الكتييرة اوي دي اللي سادة عتبة السلم ، تخلي اي حد في مكاني يظن كدة .
قالتها عائشة مؤدية الكلمـ.ـا.ت بيداها المفتوحتين في الهواء، وعيناها التي وسعتها نحوهم بقصد، حتى جعلت درية تتمتم بخــــوف من الحسد
– خمسة وخميسة الله اكبر في عينك، مش تخلي بالك يا بت من كلامك،
شعرت عائشة بداخلها بالانتشاء لرؤية الزعر الذي ارتسم على ملامح درية، فواصلت تزيد عليها:
– وانا جيبت حاجة من عندي يا طنط، ما انتي اللي سادة المجال قدامي بالخضار بتاعك وكياس البقالة والفراخ…. وانا راجعة من مدرستي وعايزة اطلع بيتنا اريح، اعملها ازاي دلوقتي بقى؟ اطير فوقهم يعنى ، اطيرر.
كزت درية على أسنانها بغـ.ـيظ شـ.ـديد، لتدنو وترفع اشيائها، ثم تفسح لها الطريق قائلة:
– اتفضلي يا ست البرنسيسة، اديني شيلت الكياس كلها، اطلعي على بيتكم بقى وريحي على كيفك
تحركت على الفور تتبسم لها بوداعة، كأنها لم تكن على وشك ان تجلطها منذ لحظات.
– شكرا يا طنط.
– شكرا يا طنط
رددت بها درية من خلفها بدmاء تغلي برأسها بسبب هذه الملعونة الصغيرة، ولكنها تمالكت سريعًا لتدعوها بابتسامة مزيفة، تريد كسب ودها كي تساعدها:
– طب وانتي طالعة كدة وهتسبقيني، ممكن يا عيوشة يا قمورة، تاخدي بس في ايدك كيس البقالة ده، تخففي عن مراتك عمك شوية.
التفت برأسها لها بعد صعود درجتين من السلم ، تطالعها بفاه مفتوح، قبل ان يخرج ردها الازع:
– بقى يا طنط عايزاني انا يا عيلة يا صغيرة، اشيل واحمل على دراعي الضعيف، الكيس اللي يوزن عشرة كيلو ده.
للمرة الثانية تثير زعرها، وتعبر عنه درية هذه المرة بنـ.ـد.مها:
– يا نهاار اسود، يا رتني ما قولتلك، اطلعي يا بت اطلعي، مش عايزة حاجة منك، بسم الله الحافظ منك ومن لسانك.
اهدتها ابتسامة رائقة لتنصاع منفذة الأمر بطاعة في الصعود امامها:
– براحتك يا طنط
❈-❈-❈
بمفتاحها الخاص فتحت درية باب المنزل ، لتلج داخله، تضع الاشياء التي تحملها اعلى الطاولة التي توسطت الردهة، منادية باسم ابـ.ـنتها، والأخرى زوجة ابنها الأكبر
.- بت يا سامية، بت يا اسراء ، واحدة فيكم تيجي هنا تشوف انا جيبت ايه للغدا
استمرت في النداء حتى خرجت لها اسراء من المطبخ تجفف يداها بالمنشفة الصغيرة:
– انا هنا يا خالتي، معلش كنت بغسل المواعين
– ماشي يا اختي، تعالي خدي كيس اللحمة ده اسلقيه ع النار وشوفي هتطبخيلنا ايه؟ عندك الخضار كله اهو، نقي فيه على كيفك
قالت الأخيرة وهي تفتح لها عدد من الأكياس الكثيرة، تريها العديد من الانواع التي أتت بها، فصدر اعتراض اسراء:
– بس الأكل مش عليا انا يا خالتي، انا رتبت البيت وغسلت المواعين، يبقى الأكل دلوقتي على سامية.
لم تكد تكملها حتى اجفلتها الأخيرة بخروجها المفاجيء
من غرفتها هاتفه:
– بس انا مش فاضية النهاردة ، حـ.ـر.ام بقى تسدي عني؟
هتفت اسراء بدورها:
– مين اللي يسد عن مين، انا بشتغل والحمل ههدني، وانتي فاضية وموراكيش حاجة
– لا يا حبيبتي ورايا، ومش فاضية خالص على فكرة، انا صابغة شعري من شوية صغيرين، دا غير اني عاملة ايدي منكير، يعني مينفعش اخسر كل اللي عملته.
– لا يا حبيبتي، نقعد احنا من غير أكل
قالتها اسراء بصفة ساخرة لتقابل بالرد المفاجيء من درية:
– وانتي روحتي فين يا اسراء؟ ما هي قالتلك سدي عني.
بدهشة شـ.ـديدة تطلعت لها فاغرة فاهها لحظات بعدm تصديق حتى خرج صوتها:
– انا اللي اسد عنها يا خالتي، دي بتقولك صبغة ومنكير هو دا عذر؟
– اه يا ختي عذر، انا خارجة بعد شوية ورايحة احضر اسبوع ابن اخويا الكبير، عايزاني اروح مبهدلة، ولا ريحة الطبيخ لازقة فيا، اما دي عجايب صحيح…..
التفت تستدير متابعة حديثها المستفز نحو والدتها:
– انا راجعة لاؤضتي ياما، اكمل اللي بعمله، عن اذنك.
ردت درية بكل تساهل غير عابئة بالقهر الذي تملك زوجة ابنها لعدm الانصاف الذي تشعر به منها، حتى تصنمت كالتمثال:
– خليها تتزوق وتشوف عدلها يا بـ.ـنتي، مكنتيش انتي بقى بتعملي زيها قبل ما ربنا يكرمك بابني، ولا على رأيها هي ….. اما عجايب صحيح.
❈-❈-❈
قضت قرابة الساعتين في حديث مستمر ومثمر مع المرأة الودود الطيبة، تناولت معها الفطور الفاخر، فقد تفاجأت بالموقع المميز لنبوية، والذي يجعلها محط تقدير الجميع، نظرا لما تقوم به من عمل شاق مع صاحبة المنزل، في رعايتها ، فهي الوحيدة القادرة على السيطرة عليها بحكمتها في تلك الاوقات التي تثور بها ، وتتهور نحو الافعال المـ.ـجـ.ـنو.نة، كما تحمل لها معزة تختلف عن الجميع.
جينما استيقظت نجوان التزمت بهجة بالمكوث في المطبخ بخــــوف غريزي انتابها في هذا الوقت، فلم تخرج الا على نداء نبوية والتي ادخلتها الى المرأة تعرفها بها وكأنها اخبرتها عنها، عجبا!
– قربي يا بهجة، سلمي على نجوان هانم، خليها تتعرف بيكي.
هذا ما تفوهت به نبوية، اثناء دفعها لها نحو المرأة بخفة ، كي تحثها على التقدm نحوها، بعدmا تصلبت محلها، بصدmة اللقاء الاول للمرأة الستنية ذات الملامح الجميلة رغم خطوط العمر التي حفرت على وجهها
كانت هادئة بشكل يثير الريية، تطالعها بتمعن جعل معدتها تتلوى داخلها من الخــــوف، يحيرها هذا الصمت الغريب، ولكنها يجب ان تغلب خــــوفها.
ابتعلت تجسر نفسها ترسم ابتسامة في مخاطبتها:
– ازيك يا نجوان هانم، انا بهجة.
طالعتها بهذه الابتسامة الغير مفهومة تتأرجح بكرسيها الهزاز دون اي رد فعل، لتزيد من بث التـ.ـو.تر داخل بهجة، فتدخلت نبوية بحنكتها:
– نجوان هانم هتحبك اوي يا بهجة، عشان انتي طيبة زيها، اصلها بتحب،الطيبين بس وبتعرف الوحشين من نظرة واحدة
ختمت بابتسامة توجهها للمرأة التي ارتخت ملامحها، لتشيح بوجهها نحو الخارج عبر الزجاج الابيض بسكون تام وكأنها ذهبت لعالم اخر، غير عالمهم .
بعد دقائق خرجت بهجة من الغرفة بمرافقة نبوية التي حدثتها بتهوين:
– شوفتي بقى يا ستي، اهي هادية وزي الفل، يعني مبتعضش ولا هتاكلك.
قالت الأخيرة بدعابة لم تستجب له بهجة حتى قالت بتخــــوف:
– ايوة بس انا اسمع عن اللي زي حالاتها ، ليهم نوبات هياج بتحصلهم احيانا، ما هي لو ساكنة كدة كانت
هتبقى فين المشكلة؟
خبئت ابتسامة نبوية لتوميء لها بإقرار:
– كلامك صح، بس اللي قولتي عليها دي مش بتحصل غير لما ترفض تاخد دواها او لما……
– لما ايه؟
لم نرغب نبوية في اكمال الحديث، فغيرت على الفور معها:
– خلاص انتي تروحي تاخدي يومك الراحة النهاردة، وبكرة ان شاء الله تيجي ع الساعة اربعة زي ما اتفقنا.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر ليس بغريب عنا.
خرجت من غرفتها، متأنية بخطواتها بحرص شـ.ـديد، تضع كفها اسفل بطنها بخــــوف اصبح ملازمًا لها، تجذبها الرائحة الجميلة نحو المطبخ كالمغنطيس، حتى وقفت على مدخله لتقع عينيها على الصنية الرئعة تخرج من فرن الموقد الغازي،
فسأل لعابها نحوها ، لتعبر عما يجول داخلها:
– الله يا طنط مجيدة، صنية البطاطس باللحمة شكلها يجنن .
شهقت المذكورة متفاجأة بحضورها حتى اهتزت منها الصنية الساخنة وكادت ان تقع منها ، لولا وجود الطاولة التي بالقرب منها، والتي وضعتها عليها سريعًا، لتتمتم بجزع:
– يا لهوي عليا، ايه اللي خرجك من اؤضتك يا شهد؟ انتي يا بـ.ـنتي مش خايفة على نفسك
قالتها وتحركت سريعًا تجلسها، لتبرر الاخيرة:
– ريحة الصنية يا طنط مجيدة هي اللي خرجتني، بصراحة ريقي جري عليها دلوقتي كمان بعد ما شوفتها، وهمـ.ـو.ت لو ما دوقتش منها حالا،
– يا حبيبتي بعد الشر عليكي من المـ.ـو.ت، انا حالا هعبيلك طبق منها دلوقتي .
قالتها مجيدة ثم تحركت على عجالة لتغرف لها كمية كبيرة به ، ثم توجهت لها برجاء:
– اديني حضرت الطبق اهو يا ست شهد ، ممكن بقى يا قلبي تدخلي على اؤضتك زي الحلوة كدة وتاكليه على سريرك.
بتململ وتعب رددت لها باستعطاف:
– يا طنط ما انا تعبت وزهقت من كتر النوم ع السرير، نفسي بقى اتحرك واروح واجي زي زمان، اتخـ.ـنـ.ـقت من الحبسة انا مش متعودة على كدة.
قدmت لها مجيدة طبق الطعام، واقتربت تطبع قبلة على اعلى رأسها تهادنها بحنان:
– مقدرة يا بـ.ـنتي والله اللي انتي فيه، بس نعمل ايه في أوامر الدكتور ، اللي مشـ.ـدد على نومتك في السرير، انتي حملك صعب والوقعة زودت الدنيا معاكي اكتر.
سقطت منها دmعة، ازالتها سريعا شهد قائلة:
– حمد لله اللي جات على كدة، ربنا كريم ومسقطتش البيبي مع الوقعة اللي اتكـ.ـسرت فيها رجلي، بس الصبر مع فترة الحمل صعب اوي، انا كل دقيقة بيصبني الرعـ.ـب مع اي حركة بسيطة تحصل مني، حتى لو قاعدة نايمة ع السرير، واللي مزود اكتر كمان هو تحمكات حسن، مش مكفيه اني رامية الشغل على امنية، لا دا كمان بيعتبر مراجعتها معايا ع التليفون، للحسابات واخد رأيي في المشاكل اللي بتقابلها، مجهود
ناقص يمنع يعني دخول الحمام، ولا يعملي واحد جمب السرير، تصدقي انه عرض عليا الفكرة في مرة؟
– اهبل ويعملها ما انا عارفاه.
خرجت من مجيدة سريعًا، لتعود اليها ناصحة:
– بس انتي كمان يا حبيبتي لازم تقدري خــــوفه وتفوتيله،
زمت شهد فمها ببؤس، لتردف مجيدة:
– المهم خلينا في الأكل دلوقتي، حطي ايدك في الطبق ده وانسفيه حالا ، خلي الواد يتغذى، كُلي كُلي
سمعت منها لتلتهم الطعام بشهية وتلذذ، لكن هي ملعقتين، وتفاجأتا الاثنتان بشهقة رجـ.ـالية تتبعها صيحة :
– يا نهار اسود، انتي سايبة سريرك، وقاعدة هنا يا شهد، وانتي يا ماما سايبها، دا على كدة بقى انتوا بتقرطسوني، ومش بعيد اجي في يوم الاقيها خرجت تتمشى في الشارع كمان.
توقف الطعام بفم زوجته، فجاء الرد من مجيدة:
– ينيلك يا زفت الطين خضيتنا، مش تتنحنح يا واد ولا تعمل اي حركة تعرفنا بحضورك.
خرج صوت شهد بدفاعية:
– هما يدوب خطوتين بس يا حسن من اوضة النوم للمطبخ، مروحتش اي حتة تانية، كنت جعانة، وريحة الاكل تجنن مقدرتش اصبر.
– اه والله يا بني ، حتى شوف .
سمع منهم، وبدون اي نقاش دنى منها يرفعها بين ذراعيه يحملها بحزم مرددًا:
– برضوا تفضلي مكانك وتتصلي بماما ، لو مش قادرة تندهي بصوتك، هاتي الاكل ورانا يا ماما .
تبعته مجيدة وهو يخرج بها من المطبخ نحو غرفتهم، ثم ضجر زوجته:
– يا حسن بقى، كنت مخـ.ـنـ.ـوقة والله.
– كنت اتصلتي بيا، وانا جيت من شغلي وعملتك قرد حتى، المهم صحتك وصحة الجنين..
قالها بصوت تغيرت نبرته من العصبية الى الحنو فجأة، لتتبسم من خلفهم مجيدة بغبطة تغمرها، لحال الاثنان وتوافقهم، عكس زوج المجانين الاخران ، ابنها امين وزجته لينا ، وشجارهم على اتفه الأسباب، ثم الصلح ايضا على نفس السبب، بصورة تظهر صغر عقلهما هما الاثنان .
❈-❈-❈
حلاقاتك برجـ.ـالاتك حلقة دهب فى وداناتك
ويارب ياربنا
تكبر وتبقي قدنا
وتجي تعيش وسطنا وسط الحبايب
تكبر وتروح المدرسة وتصاحب شلة كويسة
وتشوف عيون امك وابوك فرحانة بيك
حلاقاتك برجـ.ـالاتك حلقة دهب فى وداناتك
انا عايزك تطلع واد مجدع
وفي عز الشـ.ـدة تكون اجدع من اي حد
صوتك بيسمع ويلعلع
هذه الأغنية الشهيرة التي كانت تدوي عبر السماعات في الاحتفال الصغير الذي تقيمه رحمة مع زوجها، ابتهاجًا بقدوم الصغيرة ومرور اسبوع على موعد ولادتها
صبا والتي اطبقت على الطفلة الوليدة داخل احضانها تضمها اليها بحرص؛ حتى لا تؤديها بمشاعر الحب التي تحملها.
– بـ.ـنتك حلوة جوي يا رحمة ،
ردت الأخيرة بمحبة متبادلة:
– يا حبيبتي دا انتي اللي عيونك حلوة، شـ.ـدي حيلك بقى واتلحلحي عايزين نشيل ولادك مع شادي .
قالتها لتجد الرد يأتيها من شقيقها بلوعة هو الاخر:
– اه يا رحمة قوليلها ، دا اخوكي قرب يكلم نفسه
ضحكت شقيقته بمراقبتها لرد فعل صبا، والمشاكسة بعيناها نحو شقيقها المتيم بعشقها، والذي عاد كمراهق في العشرين من عمره بافعاله معها .
تدخل زوجها يدلي بدلوه بينهم:
– يا عم مستعجل على ايه بس؟ بكرة تخلف وتملى البيت العيال وتتحسر على ايام العزوبية اسألني انا .
– شوفي الراجـ.ـل.
علقت بها رحمة تدعي الاستهجان نحوه، لتثير ضحكات الجميع معها ، حتى أتت سامية مقتربة بنعومة مبالغ فيها، والتي تفاجأت بضحكهم تاركة والدتها في الحديث مع مجموعة من النساء.:
– ما ضحكونا معاكم يا جماعة، ولا احنا ملناش تفس نضحك يعني؟….. انا بصراحة جيت على صوت شادي، بقالي سنين مسمعنهاش الضحكة الحلوة دي .
برقت عيني صبا كـ.ـلـ.ـبوة شرسة، نحوه حتى لا يتجاوب معها، تعطي الطفلة الوليدة لوالدتها وكأنها على استعداد تام للقتال .
مما اصابه بالتـ.ـو.تر، ليرد بتحفظ :
– متشكرين يا سامية، عقبال سبوعك انتي كمان لما نيجي نبـ.ـاركلك
وقبل ان تزيد بسماجتها تدخل شقيقها، يصرفها بذكاء:
– معلش يا سامية، اديها نظرة على ولاد اخوكي في المطبخ، قلبي حاسس انهم اكلوا كل الحلويات اللي في التلاجة.
استجابت بفم ملتوي
– اه ماشي هروح اشوف
ذهبت تتبختر في خطواتها بميوعة مقصودة، زادت من استفزاز هذه الشرسة لتعلق بغـــضــــب:
– معلش يا جماعة، بس انا البت دي حارقة دmي بشكل غـ.ـبـ.ـي، خلوها تتجي شري الله يخليكم.
عاودو الضحك مرة اخرى، لتضيف على قولها رحمة:
– يا بـ.ـنتي دي قدر بالنسبالنا، ولا امها الست درية؛
بتتعامل مع الناس كأنها صاحبة بيت وجدة المولودة بالفعل، اللي محد بيشوف وشها حتى طول السنة.
– ما هم ما يعرفوش انها مرات ابو جوزك، فوتي وكبري يا ست رحمة.
قالها شادي ليتذكر ويسألها:
– هو صحيح انتي مدعتيش بنات خالك خليل ليه ؟
ردت بأسف:
– كلمت بهجة والله وشـ.ـددت عليها، بس انت عارفهم بقى نفسهم عزيزة ومبيستحملوش القعدة في مكان واحد مع ساميه وامها، اتحججت بشغلها ودروس اخواتها .
نكس زوجها رأسه بخذلان لقلة حيلته مع اولاد عمه، بسبب فعلة ابيه ، ورفضهم هم في المقابل تقبل المساعدة منه.
ليزفر شادي بتنهيدة مثقلة:
– بهجة دي الله يعينها، اللي هي فيه رجـ.ـا.لة كبـ.ـار ميقدروش عليه.
– هي مين بهجة دي؟ حضرت خطوبتنا عشان اعرفها:
خرج السؤال من صبا ، ليجيبها على الفور:
– هبقى احكيلك حكايتها بعدين ويمكن اعرفك عليها كمان
❈-❈-❈
في اليوم التالي
حضرت على الميعاد لتستلم اول يوم عمل لها، في غياب نبوية التي استأذنت منها ، تأخذها فرصة للراحة هذه الساعات القليلة من مسؤولية الرعاية لهذه المرأة المتعبة
تاركة الأمر لبهجة التي حاولت الحديث معها عدة مرات ولكنها لم تستجب للانتباه لها ، حتى طرأت بعقلها فكرة القراءة في احد الكتب لها.
اوهمتها في البداية بالتركيز معها حتى انـ.ـد.مجت بهجة في إحدى الفقرات، فتكتشف الخدعة بعد ذلك باختفائها من الغرفة.
لتنتفض من محلها وتبحث عنها بذعر في الزوايا وجميع الاركان ، حتى خرجت هاتفة بالنداء عليها، وقلبها سقط بين قدmيها، تنتحب:
– نجوان هانم، انتي فبن يا نجوان هانم ؟ يا دي المصـ يـ بـةالسودة عليكي وعلى سنينك يا بهجة، يا نجوان هانم؟ انتي فين بس الله يرضى عنك؟
شعرت فجأة بوجود احدهم خلفها وما همت ان تستدير، حتى تفاجأت بصوت دوى بقوة على الارض الرخامية، لتفاجأ بالمزهرية الكبرى التي تزين الردهة على الارض مهمشة لمئات القطع ،
نزلت تلملم فيهم بفزع ودmـ.ـو.ع على وشك الهطول:
– يا دي البلوة اللي حطت على راسك يا بهجة، اهي تمت معاكي كمان بالزهرية الغالية، ودي هتدفع تمنها ازاي لو اتورطت فيها؟
– مين اللي كـ.ـسر الزهرية ؟
دوي الصوت الجهوري من الخلف، يجمد الدmاء في عروقها، لتتجمد محلها مستسلمة بيقين النهاية، وصوت يتردد داخلها،
– شكلي كدة روحت في داهية، لا انا اكيد روحت في داهية
هل أتى عليك الوقت وتيقن داخلك من قرب النهاية؟
هذا ما كانت تشعر به في هذا الوقت، مع سماعها لخطواته من الخلف تقترب منها برتم كئيب.
وقد تصلب ظهرها من الرعـ.ـب، مستسلمة لقدرها، وبمعرفة جيدة لحظها البائس، تعلم ان العواقب السيئة سوف تؤدي بها لأبعد ما تتخيل ، خصوصا وهي لا تملك المال لسداد تمن هذه التحفة الضخمة والباهظة الثمن.
فتحت جفنيها فجأة مع تغير الصوت الذي كان تسمعه ، لشيء اشبه بالهسيس.
– بتعملي ايه عندك، انتي عايزة الشغالين يقولوا عليكي ايه بس؟
توسعت عينيها بإدراك لتنهص مستقيمة بطولها، وتلتف نحو الجهة التي أتى منها الصوت، لتجد المرأة المتسببة في كل ما سيحدث لها الاَن، وابنها يحاول سحبها من إحدى الزوايا التي التصقت بها كالاطفال التي تتخفى اثناء اللعب، تتشبث بالارض باعتراض ، وهو يكرر على اسماعها بتحذير وتصميم:
– كنت عارف من الاول ان انتي اللي كـ.ـسرتيها ما هي العمايل دى محدش يعملها غيرك ، تعالي بقى بلاش فضايح وافتكري وضعك كهانم .
هل ما وصلها كان حقيقيا؟ ام هو درب من خيال صنعه عقلها المسكين للنجاة من هذه المصـ يـ بـةالمحققة، انه يوجه التهمة نحو والدته، بأنها هي من كـ.ـسرت المزهرية، فيبدو ان رصيدها من هذه الافعال كاف ليشير عليها بآصبعه نحوها دون تحقيق او تدقيق:
– انتي هتفضلي في مكانك انتي كمان، ما تتحركي تساعديني، ولا انتي مش الجليسة بتاعتها؟.
كانت هذه الصرخة الموجهة نحوها، لتنتفض على اثرها، فتهرول نحوهما مرددة بجزع:
– لا والله انا الجليسة بتاعتها.
بسرعة البرق اقتربت لتقف مقابلة لها، وموازية له، بعدmا عدلت طرحتها بعجالة حتى غطت نصف وجهها بدون قصد، لتأخذ دورها وتهاودها :
– تعالي يا هانم، نكمل قراية في الكتاب اللي كنا بنقرا فيه من شوية.
استجابت لسحبها لها، عكس ما كانت تفعل مع ابنها، لتثير دهشته في البداية ، والتي ما لبث ان تحولت لغـــضــــب ، ليهدر ببهجة فور ان شرعت واستدارت بها:
– المرة الجاية لو سهيتي عنها هيبقى حسابك عسير، أومأت بهزة من برأسها دون ان تمتلك الجرأة لتلتف اليه ، وعادت سريعًا للذهاب بها من أمامه، ثم الاختفاء داخل الجناح الملكي للمرأة المتعبة.
اما هو فقد ظل يلهث خلفهما دقائق بإجهاد ، ينقل ببصره نحو المزهرية الغالية المهشمة على الارض بعدm اكتراث، فقد تعود على الخسائر بأكثر من ذلك بسببها، لكن وبرغم انه لم يتمكن من ملامح الجليسة الجديدة لوالدته إلا ان البريق الاخضر والذي ومض في لحظة ما اثناء صراخه بها لتساعده، فقد لفت نظره ليعود ناظرا في اثرها ، برغبة تدفعه لرؤيتها جيدًا، إلا انه سرعان ما استفاق متذكرًا سبب رجوعه المنزل الاَن لتبديل ملابسه، وحضور موعده الهام مع احد العملاء.
لينفض رأسه من افكارها مغمغمًا باستهزاء اثناء سيره نحو غرفته:
– ما بقاش إلا الخدامين كمان.
❈-❈-❈
ولجت بها داخل جناحها، لتغلق الباب عليهما، ثم تجلسها على احد الاَرائك، وتسقط هي بثقلها على الارض تفترشها وتلهث لمدة من الوقت، لا تصدق انها نجت من هذا المأزق، لقد تم الامر بما يشبه المعجزة ،
هذه المرأة التي لا تحيد بنظرها عنها الاَن، كما كانت هي السبب في ورطتها، كانت هي ايضا سبب نجاتها، لكن لما تشعر بلمحة من مكر في عينيها وكأنها فهمت على ما قد تم، نظرتها اليها بها شيء من اتهام لم تتقبله بهجة، لتخرج منها الكلمـ.ـا.ت معبرة عما اكتنفها في هذه اللحظات القاسية.
– ايه بتبصيلي كدة ليه؟ لتكوني كمان هتحمليني اللوم في اللي حصل؟ اينعم ابنك جاب تهمة كـ.ـسر الفاظة عليكي وانتي بريئة ، لكنه برضو كان بسببك، مش انتي اللي غفلتيني وخلتيني اخرج ادور عليكي زي المـ.ـجـ.ـنو.نة؟….. ليه عملتي كدة؟……
اختنقت الكلمـ.ـا.ت بحلقها، لتبتلع الغصة وتغلبها دmـ.ـو.عها في الهطول، فتعتصر عينيها بألــم، هذا اكبر من قدرتها على التحمل، هي لا تريد شيئًا سوى سترة اسرتها من العوز، لماذا يحدث كل هذا معها ولا تمر الامور كما تأمل؟ لماذا ؟ لماذا؟
يبدوا ان نجوان قد تأثرت ببكائها، لتغيم عينيها هي الأخرى بغشاء رقيق، وقد تجلى بوضوح تعاطفها معها، ليرتد ذلك على بهجة التي لامت نفسها على الفور، لتجاورها على الأريكه، فتخاطبها:
– اسفة ، اسفة اوي سامحيني، بس انا الضغوط جـ.ـا.مدة اوي عليا والله، ومش حمل الاعيبك دي…….
توقفت تجفف بأطراف اصابعها على وجنتيها، قائلة بحسم:
– بصي… لو انتي مش عايزاني، انا مستعدة من النهاردة اسيب الشغل هنا والرزق على الله بس المهم…….
– انتي حلوة.
قاطعتها بها، لتذبهل امامها بهجة، لا تصدق انها فهمتها، لتزيد عليها بعد ذلك، حينما وجدتها تربت بيدها عليها تعيد ما قالتها، محركة رأسها بعدm اتزان:
– انتي حلوة، حلوة.
– انا حلوة، انا حلوة !…….
رددت بها من خلفها لتواصل بـ.ـارتياب منها واقتناع تام :
– وانتي ملكيش امان.
❈-❈-❈
عادت من العمل اخيرا، بعدmا سلمت مهمتها للدادة نبوية ، لتلتقط انفاسها بانتهاء اول يوم لها في المناوبة الكارثية، الاَن فقط علمت سر المعاملة الخاصة لنبوية، وتقديرهم للمجهود الخرافي الذي تقوم به مع تلك المرأة،
نزلت من وسيلة المواصلات الخاصة بالمنطقة، تحمل أكياس الخبز الساخن وبعض المعلبات والمتطلبات للإفطار وعمل الشطائر اللازمة لاشقائها ولها .
تحصي الدقائق وتعد الخطوات حتى تعود للمنزل وسريرها الحبيب كي ترتمي عليه وتغفو حتى الصباح، ولكن من اين تأتيها الراحة طالمة مجاورة لمنزل عمها وأبنائه.
اغمضت عينيها بضيق حينما وجدته ينتظرها على مدخل الحارة، هذا المتبجح، فاقد معاني الرجولة والاحساس، والصفة ابن عمها، وطليقها على الاوراق الرسمية للحكومة، تحمد الله انها لم تتم زواجها به،
انتبهت على تحفزه بالنظر نحوها ، لكنها تجاهلت كعادتها ، لتركز بأبصارها للأمام وكأنه غير موجود على الإطـ.ـلا.ق، ولكن ذلك لم يمنعه عما في رأسه، لتجده فجأة متصدرًا بجــــســ ـده امامها:
– متأخرة ليه النهاردة عن كل يوم؟
رفرفرت بأهدابها قليلًا كي تستوعب:
– افنـ.ـد.م، انت بتكلمني انا؟
هتف منفعلا بها:
– اومال بكلم خيالي يعني؟ انا قلقت يا بهجة لما اتأخرتي، وكان هاين عليا اروح المصنع واسأل هناك عليكي……
قاطعته بحدة توقف استرساله:
– كنت عملتها، وانا كنت عملتلك فـ.ـضـ.ـيحة، وانكرت صلة الدm اللي ما بينا……
لانت لهجته ليلطف باستعطاف:
– انا عايز اطمن يا بهجة.
– ولا تتطمن ولا تتزفت، انت تشغل نفسك بحاجة غيري، يا اما وديني وما اعبد لاكون موقفاك عند حدك حتى لو حصلت ابلغ فيك بعدm التعرض،
صدرت منها بعنف ألجم الاخر مبهوتا للحظات حتى دوى الصوت الاجش من ناحية قريبة:
– ايه اللي حصل؟ مالك يا بهجة يا بـ.ـنتي، حد مزعلك.؟
التفت بابتسامة ساخرة نحو عمها، رجل البر، تجيبه بأنف مرفوع:
– ولا حد يقدر يزعلني يا عمي ، متخلقش اصلا اللي يعملها .
قالتها وتحركت ذاهبة بخطوات متأنية ، ترهف السمع لتوبيخ عمها المتوقع لابنه الأحمق، والتي تعلم تمام العلم انه قاصدا ان يصل إليها:
– هترجع تاني لموالك القديم معاها، ما هي لو بتعزك صحيح، كانت وافقت بالجواز بيك عشان تضلل عليها ، واحنا نحطها في عنينا هي واخواتها، مش تتلكك وتطلع كلام في الهوا على ورث وكلام فارغ.
زاد بعلو الصوت ليصبح اكثر وضوحا:
– اه بس لو تفهم وتطلع اللي في دmاغها، دول عيال اخويا الغالي ويعز عليا سوء التفاهم اللي حاصل ما بينا.
تبسمت بسـ ـخـــريــة دون ان تلتف اليه، لتكمل طريقها مرددة داخلها:
– سوء تفاهم، يا عيني على سوء التفاهم.
❈-❈-❈
وفي منزله
واثناء تناوله الطعام كان الحديث الدائر سريعًا بينه وبين نبوية التي اطمأنت قليلًا بنوم المرأة الكبيرة:
– يعني انتي شايفة انها كويسة وتنفع تكمل؟
– كويسة وبـ.ـنت حلال مصفي كمان، بدليل ان الهانم ارتحت لها عكس اللي فاتوا .
قالتها نبوية بحماس جعله ينظر لها بتشكك معارضًا:
– معملتش ازاي بس يا دادة؟ اذا كان من اول يوم هـ.ـر.بت منها وكـ.ـسرت الفازة، .
كانت بهجة قد اخبرتها عن حقيقة كـ.ـسر الفازة، لذلك فضلت الصمت عن اللغو في هذا الأمر واكمال حديثها في الأهم:
– دا شيء طبيعي من نجوي هانم، اذا كنت انا ياللي معاشراها بقالي سنين وبتسهيني وتغفلني، يبقى هتعتقعها هي بقى؟ المهم انها مقلبتش عليها ولا اتصرفت معاها بعنف زي اللي قبلها.
بذكرها لهذا الأمر، توقف الطعام في فمه، ليزفر بضيق يعيد برأسه سجل والدته الحافل بالمصائب والكوارث مع المتدربات، فأتت صورتها اليوم مستجيبة لسحب تلك الفتاة بطاعة اذهلته،… ثم هذا البريق الاخضر.
خرج من شروده على تساؤل نبوية :
– ها يا باشا، قررت تقعدها تساعدني وتخفف عني؟
لم يريحها على الفور، بل توقف لحظات قبل ان يخبرها بشكوكه؛
– غريبة لهفتك دي يا دادة، مع ان لورا قالتلي انها لسة بتدور واحدة تليق بمجالسة الست الوالدة، ودا لأنها انصدmت بهيئة البـ.ـنت.
زمت نبوية شفتيها بضيق، تمنع نفسها بصعوبة حتى لا تتجاوز في الحديث عن هذه المتعجرفة، ليخرج ردها الحاسم:
– لورا هانم تقول اللي هي عايزاه، وانا كمان بقول اللي شايفاه مناسب، وانت بقى ليك القرار يا سعادة الباشا.
قالتها وكان قراره :
– تمام يا دادة احنا نجربها يومين تاني ونشوف الدنيا ايه بعد كدة، المهم تابعي انتي معاها عشان انا معنديش وقت اقيم بنفسي .
– ❈-❈-❈
دخل الى منزلهم بشراره وناره، بعدmا سمع من احد الجيران واستفسر من والده عما حدث، ليزيد بقلبه السخط نحو هذا الجلف المدعو شقيقه، وقد كان مضجعًا الاَن امام تلفاز منرلهم، يأكل من طبق المسليات ويشاهد احدى المـ.ـا.تشات المعاد بثها.
ليذهب هو نحو المتحكم ويغلق الشاشة امامه دون استئذان:
– ايه ده ايه ده؟ بتقفل الشاشة في وشي ليه يا سامر ؟
ردد بها على الفور معترضًا باندهاش لفعلته، وجاء رد الاخر بحرص مراعاة لشعور الزوجة المسكينة بالداخل، رغم غـــضــــبه:
– بقفل في وشك عشان تسمع البوقين اللي هقولهم يا سمير ، بـ.ـنت عمك ملكش دعوة بيها ولا تتعرض لها في اي طريق تمشي فيه، خليك في حالك وابعد عنها احسنلك.
كان يطالعه بفاه مفتوح، حتى اذا توقف تهكم بالرد نحوه:
– وانت بقى كلفتك محامي عنها يا حليوة؟ طب اسمع مني بقى، انت اللي تخليك في حالك ومتتحشرش في اللي ملكش فيه، دي بـ.ـنت عمي وفي فترة من الفترات كانت مكتوبة على اسمي، اينعم محصلش نصيب ، بس في الاخر برضو هي تخصني، وانت ملكش دعوة .
اهتزت رأس سامر بنصف ضحكة ساخرة ، ليميل عليه محتفظًا بثباته ونبرة الصوت الخفيضة:
– سمير يا حبيبي فوق، بهجة بـ.ـنت عمك مبقتش تخصك، ولو حاطط في مخك انها ممكن تحنلك بعد دا كله، يبقى انت عايش في الوهم.
– ولو ما فوقتش هيحصل ايه؟ هتاخدها انت بدالي بقى ، امك مش هترضى يا حبيبي.
صاح بها بصوت عالي، ضاربًا بحرص اخيه عرض الحائط، ليكمل بتبجح:
– ايوة يا سمير اسمعها مني عشان تفوق انت كمان، بهجة زي ما اتحرمت عليا هتتحرم عليك وعلى اي حد يبصلها، هي طول عمرها مكتوبة على اسمي، يعني يا تبقى بتاعتي، يا متتجوزش خالص.
تلجم سامر عن الرد ، وقد اذهله المنطق المـ.ـجـ.ـنو.ن لشقيقه، وعدm اكتراثه حتى بشعور زوجته التي أتت على الصوت ووقفت امامه متسمرة بصدmة، قبل ان تتماسك وتعبر عن غـــضــــبها:
– ولما هي تبقى بتاعتك ، امال انا ابقى بتاعة مين؟ والعيل اللي في بطني ده، حاسب انه ابنك برضو ولا مستني ترجعلها عشان تعترف ان انت خلفت؟
– بطلي هبل يا بت.
خرجت منه برد سريع، مستنكرًا اعتراضها من الأساس، وما همت ان تثور به حتى فاجئتها درية التي خرجت من المطبخ على الشجار، بصحبة ابـ.ـنتها التي كانت تطرقع بالعلكة بفمها كعادتها، تهتف بزوجة ابنها:
– اطلعي انتي فوق دلوقتي يا اسراء .
– لكن يا خالتي….
– اسمعي كلامي دلوقتي يا بت واطلعي فوق.
اضطرت في الأخير ان تنصاع لأمرها، وتذهب الى شقتها ، تفرغ دmـ.ـو.ع القهر والضعف بعيدا عنهم .
شعر سامر بالاسف لحالتها، والنـ.ـد.م لعدm التريث في مفاتحة شقيقه الأحمق في هذا الوقت اثناء وجودها هي .
اما درية والتي امتقعت ملامحها لفعل الاثنان، فقد كشرت عن انيابها، تظهر هذا الوجه الحازم، امام تمرد اي فرد من عائلتها، والخروج بعيدا عن طوعها، لتقترب من الأحمق الكبير تلكزه بقبضتها، كازة على اسنانها:
– خلاص اتهبلت ومخك راح منك، اصحى يا واد لا افوقك، مرة خناقة في الشارع ، والتانية دلوقتي وقدام مراتك ، وكله ع السنيورة اللي رمتك بطول دراعها يا بن الهبلة.
– قوليلو يا اما يمكن يفهم، هي اللي رفضته، يعني هي اللي مش عايزاه.
تفوه بها سامر ، ليأخذ جزاءه هو الاخر:
– انت تخرس خالص انت كمان، وليكونش فاكرني نايمة على وداني ، ومعارفاش باللي في دmاغك.
تلقف سمير قولها ليصيح مهللا:
– ايوة بقى، يعني مش انا بس اللي واخد بالي اهو، خليه يبعد عنها يا اما.
قاطعته على الفور بحزمها، موجهة الحديث نحوهما الاثنان:
– اخررررس، مسمعش صوتك نهائي، الكلام ليكو انتو الاتنين، اياكم اسمع سيرة بـ.ـنت خليل هنا في البيت ده تاني، فاهمين؟
صمت الاثنان في حضرة جبروتها، لتعلق سامية شقيقتهم، بمصمصة من شفتيها :
– جاتها نيـ.ـلـ.ـة اللي عايز خلف، اياك تكون ساحراكم!
❈-❈-❈
مرت عدة أيام على خير، رغم كل ما قابلته بهجة من مصاعب مع هذه المرأة ، وذلك بفضل مساعدة الدادة نبوية التي لم تبخل عليها بالنصايح وتوجيه المرأة المتمردة لطاعتها، ورغم سكونها الدائم واستجابتها لتناول العلاج، إلا ان بهجة لم تعطيها الامان ابدا، تتوقع منها اي شيء ، فالمرأة لديها من التطرف ما يجعلها محل خطر على الدوام.
ولكنها مضطرة للتحمل واكمال المشوار، فالراتب لقاء هذا العمل الشاق مجزيا ويستحق المغامرة من اجل تأمين سبل الحياة مع اخوتها،
تذكرت لقاء لورا وقت ما طلبتها من اجل الاتفاق، لقد كانت حانقة ومتعجرفة بشكل مستفز، حينما القت بعدد من الاوراق المالية على سطح المكتب.
– اتفضلي يا ست بهجة، دا مبلغ محترم، لقاء الكام يوم اللي قضتيهم مع الهانم، رياض باشا قرر خلاص تكملي معاها في مساعدة نبوية .
ضجرت بهجة بشـ.ـدة، وهي تنظر للنقود التي افترشت سطح المكتب، حتى افقدتها فرحة الحصول عليهم ، دون اللجوء للسلفة التي كانت ستأكل جزء كبير من راتب المصنع.
– مالك مبلمة كدة ليه؟ مش فرحانة انك ثبتي في وظيفة زي دي، بالمبلغ اللي هتاخديه كل شهر، وادي العينة، ولا مش مصدقة.
قالت الأخيرة بابتسامة ساخرة، زادت من الغـــضــــب المكبوت لبهجة، والتي جاء ردها بعزة:
– ومصدقش ليه بقى؟ الرقم دا طبيعي كدة مقابل رعاية واحدة زي نجوان هانم، ودي مسؤلية كبيرة الواحد يشيل همها.
– امممم
زامت بفمها لتطلق سهامها في التهديد والوعيد:
– كويس والله انك مقدرة وفاهمة، المهم بس تكوني فاكرة كمان نصايحي، بخصوص رياض باشا،
زفرة طويلة خرجت منها بسأم تردد لها:
– حضرتك فاكرة كل كلامك، وانا فعلا من ساعة ما روحت بحاول اتجنبه، رغم اني مقابلتوش غير مرة واحدة، الباشا اصلا معندوش وقت تقريبا يجي البيت .
زمت لورا شفتيها بحنق لم تغفل عنه بهجة، ولكن لن تكترث بها ولا بفكرتها عنها، فالاهم الان هو المال؛
ذلك الذي حصلت عليه، وقد مكنها اليوم من ابتياع العديد من الأشياء الناقصة من المنزل، وبعض الحلوى التي كان يشتريها والدهم سابقًا واشياء اخرى ، لتدخل البهجة على قلوب اسرتها.
– الله يا ست بهجة، بسبوسه وكنافة بالقشطة، هو احنا النهاردة اول الشهر ولا ايه؟
هذا ما هتفت بها عائشة اثناء تفحصها لعدد الأكياس التي أتت بها شقيقتها، والتي ضحك لسعادتها، لتضيف على قولها جنة هي الأخرى:
– دي كمان جايبالنا بيجامـ.ـا.ت نقعد بيها في البيت، الله، انا من زمان كان نفسي واحدة قطن ومريحة زي دي، شكرا اوي ليكي يا بيبة .
عقبت بهجة بتأثر:
– كان نفسك فيها من زمان ومتكلمتيش يا جنات، طب قولي يا حبيبتي.
تبسمت الاخيرة بحرج فهمت عليه شقيقتها وتأثرت به، لتزيد عليها عائشة بخفة ظلها:
– النهاردة وانتي داخلة علينا بالكياس يا بيبة ، فكرني بدرية المستقوية، بس دوكها بشوفها كل يوم، تشيل وتكوم على قلبها، بخيلة في كل حاجة، مش فاهمة الناس بتجيب النفس لدا كله منين؟
ضحكت جنات وردت بهجة بابتسامة مكتومة:
– يا بـ.ـنت عيب، ملناش دعوة بحد احنا يا شوشو، تشيل ولا متشيلش، اوعي تبصي لحد يا قلبي .
عبرت عائشة بسجيتها:
– والله ما ببص، انا بس بتغاظ منها، هي ست مثيرة للغـ.ـيظ اساسًا، هي وبـ.ـنتها اللي بتزود المكياج في وشها بالكيلو.
قالتها عائشة فصدحت ضحكات الاثنتان، ليضفن عليها بالمزاح، وهي لا يغلبها كالعادة، حتى دلف اليهم شقيقهم عائدًا من الخارج، ليهلل لمشاهدهم:
– يا بسم الله ما شاء الله، صوت ضحككم واصل للشارع برا، خير في ايه؟
– اتفرج يا غالي وانت تعرف في ايه؟
قالتها عائشة تلفت انتباهه للاشياء التي أتت بها شقيقتهم الكبرى، فكان رده بالفرح ايضًا:
– الله اكبر دي بينها فرجت ولا ايه؟
رددت خلفه بهجة بتأكيد، تخرج له مجموعة من الأوراق النقدية
– فرجت يا حبييي والحمد لله، خد بقى حق الدروس اللي عليك ، ومصاريفك لاسبوع قدام .
تناول منها سريعًا بامتنان:
– من ايد ما نعدmها، بس دول كتير عن كل مرة يا بيبو.
قربت رأسه منها لتقبله على وجنته قائلة بحب:
– ولا كتير وحاجة، انت بس شـ.ـد حيلك عشان تجيب المجموع اللي يشرف، وتبقي دكتور يا دكتور .
علقت جنات بغيرة اخوية محببة:
– يا عيني يا باشا، خد انت الحب كله كدة وسيب لنا احنا الفتافيت.
– دا انتى في العين من جوا يا بت، خدي تعالي.
قالتها بهجة تخرج مجموعة اخرى تضعهم في جمب وحدهم:
– مصاريف الجامعة والكتب اهي، شبرقي نفسك بالباقي يا ستي، شالله ما حد عوش .
– الله عليكي يا ست الكل.
صاحت به جنات، لتأخذ مكانها هي الأخرى بجوارها وتضمها ، فيأتي رد عائشة:
– وانا بقى اللي وقعت من قعر القفة، ايه يا كبيرة ملناش نصيب كمان ولا ايه؟
فتحت لها ذراعيها:
– فشر يا دلوعة، دا انتي الحب كله يا شوشو.
– ابوة بقى .
تمتمت بها عائشة ، قبل ان تقفز من محلها وتنضم الى اشقائها، في غمرة تجمعهم هم الاربعة، تفيض بالحب والمودة والامتنان.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وبعد خروجها من نوبة العمل بالمصنع، استقلت وسيلة المواصلات نحو وجهتها في منزل رئيسها رياض الحكيم، والذي لم تشأ الصدفة لرؤيته، منذ لقاءهم الخاطف، اثناء الكارثة التي تسببت بها والدته .
رغم اعتياد معظم العاملين به عليها،
– مساء الخير .
– مساء الهنا
كانت هذه التحية والرد بها من قبل نبوية التي استقبلتها بحرارة قائلة:
– كويس اوي يا جميل انك جيتي في ميعادك، انا كنت ناوية اتصل بيكي.
– ليه؟
جاوبت نبوية ردا على سؤالها:
– خير يا قمر، انا بس احتمال اتأخر شوية النهاردة على ميعادي ، بـ.ـنتي عازمة اخوات جوزها، وطبعا انا مينفعش اسيبها لوحدها في حاجة زي دي، من جهة عشان الأصول، ومن جهة عشان اساعدها كمان.
اصابها بعض القلق عبرت عنه:
– بس خلي بالك انا مينفعش اتأخر، اخري عشرة ، بصراحة دا الميعاد اللي بنقفل فيه علينا انا واخواتي.
ردت نبوية بابتسامة لها:
– عيوني من جوا، هعمل المستحيل عشان متأخرش عليكي، وزيادة عشان تطمني اكتر، رياض باشا ابنها مش هيبقى موجود، اتصل بيا من شوية وبلغني ان عنده حفلة مهمة تخص الشغل، يعني تاخدي الامان ، وربنا يعينك على رعايتها الكام ساعة دول .
– اللهم امين، ويهديها عليا يارب.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر
حيث المنطقة الخالية إلا من العاملين بها، في بناء الأبنية الجديدة، وتدشين عدد من الوحدات السكنية، وقفت هي تشرف على العمال وتتابعهم، في تنفيذ المخطط الهندسي بدقة،
وقد انـ.ـد.مجت في العمل واخذت خبرة لا يستهان بها ، رغم صغر الوقت الذي استلمت به، وذلك بفضل مساعدة شقيقتها الدائمة لها،
من يراها الاَن لا يصدق ابدا انها تلك الفتاة المدللة التي لا تراعي سوى طعامها وبشرتها وشعرها،
الشخصية التافهة التي تنبذها، بذكرياتها السيئة مع الملعون ابن خالتها الذي كان يستغل ضعفها امام وهم العشق به.
وقد اكتشفت مؤخرا فقط ان كل السابق ما كان الا وهم بخيالها، بعدmا ذاقت حلاوة الحب البريء على يده.
– عصام انا هنا.
هتفت منادية باسمه، وقد وقعت عينيها عليه، يبحث عنها في إحدى الجهات ، بعدmا اخبرته عن المكان الذي تعمل به.
التقت عينيها بخاصتيه، يلوح لها كي تأتي، وهي بالطبع خير ملبي.
بداخل سياارته كانت جلستها معه، تعبر عن لهفتها بلقاءه:
– انا مش مصدقة انك عملتها وجيت، عرفت توصل هنا ازاي؟
– انتي عبـ.ـيـ.ـطة يا بـ.ـنتي؟ انا ظابط شرطة، يعني لو العنوان تحت الارض وبرضو هعرف اوصلك، انتي ناسية اني راجـ.ـل شرطة ولا ايه؟
يتحدث بزهو وثقة تذيبها، حتى الاَن لا تصدق هذا الانقلاب الذي حدث معها، من الارتباط بشخص كإبراهيم الوقح الفاسد ، الذي يحمل نتيجة فشله على المحيطين به ، لخطيبة الضابط الوسيم الذي يجلس جوارها الاَن، بأدبه الجم واخلاقه الدmثة، حتى في أقصى خيالها الجميل، لم تتخيل ان يأتي نصيبها بشخص مثله، رغم تزمته الشـ.ـديد في بعض الأوقات ، ولكنها لا تنكر انها تعلقت به بشـ.ـدة، وتتقبل منه اي قرار بتفهم لطبيعته.
اما عنه، فقد كانت سعادته لا توصف، برؤيتها هكذا وسط العمال، تأمر وتفرض احترامها عليهم، وقد كان هذا اول ما لفت انظاره اليها، الفتاة الشجاعة التي انقذت شقيقتها من براثن ابن خالتها الفاسد .
يرى بها الزوجة المناسبة، رغم انها لا تملك الا جمال عادي لا يوازي جمال شقيقاتها، إلا انها تملك جــــســ ـدًا متناسق، وقد ساهمت الحركة الكثيرة لها في فقدان الدهون، ولكن ظلت بخيرها ايضا، كما تخبره دائمًا بسجيتها، فبرغم اخلاقه العالية مع الجميع، إلا انه في النهاية رجل ، وحلاله احق ان يرى به ما يتمنى ويأمل.
ادار محرك السيارة بعدmا اشبع ابصاره منها ، لتسأله هي بلهفة:
– ناوي تاخدني وتروح بيا فين بقى؟ انا مش عايزة اسيب الشغل، لا شهد تعلقني.
دوت ضحكته برجولة مست قلبها، ليردف بزهو:
– تعملها بس ولا تقربلك حتى، دا انتي خطيبة حضرة الظابط عصام ولا مكتوبة على اسمه كمان، يعني شهر بالكتير وتبقي حرمه فعليا، تقدر تتكلم هي ولا المهندس جوزها وانا اللي اعلقهم الاتنين.
تشعر بقلبها على وشك التوقف كلما اخبرها بها، تلك الجملة الساحرة، حرمه، حرم الضابط عصام.
ليأتي ردها كالعادة بابتسامة خجلة، تزيده هياما بها فتفقده البقية الباقية من صبره:
– لااا انا لازم اشوفله حل واختصر بقى ، الكام اسبوع اللي فاضلين ع الفرح دول ، طولوا اوي.
❈-❈-❈
حالها اليوم مختلف عن بقية الايام السابقة، شاردة بصورة غير عادية ، ورغم صمتها الدائم، إلا انها تقطعه كل فترة بطلب تفاجأ به بهجة، كما فعلت الاَن وطلبت منها اعداد طعام تتناوله في هذه الساعة من الليل وقد قاربت على العاشرة مساءً.
واضطرت بهجة لإرضائها، لتجلس مقابلها الاَن وتراقب تلاعبها بالطبق وعودتها للشرود مرة اخرى، وكما تفعل دائمًا، تحدثت تخاطبها بأمل ضعيف في ان تفهمها:
– لو اعرف بس بتفكري فيه ايه؟ عينك رايحة جاية كل شوية ع النتيجة المتلعقة في الحيطة، وكأنك مستنية حد، بعدها تلعبي في طبقك على اساس انك بتاكلي، رغم انك محطتيش معلقة واحدة في بوقك.
بالطبع كان ردها هو المزيد من النظرات الخاوية، والتي تفقد بهجة الامل من شفائها، رغم كم الأدوية التي تتناولها بانتظام بطاعة تدهشها في بعض الاوقات.
– ماشي يا نجوان هانم، بس انا كان غرضي اتكلم معاكي، بصراحة احيانا بحسك فاهمة.
قالتها بهجة ليحدث اتصال بصري بينهما غير مفهوم، واستمر لمدة من الوقت جعلها تتيقن بقرب استجابتها، حتى حدث مالم تتوقعه، حينما باغتتها المرأة بالقاء كوب الماء عليها بدون انذار ، لتشهق مجفلة من فعلتها، فتلتقط انفاسها بفزع متمتمة:
– ايه اللي انتي عملتيه دا؟ حـ.ـر.ام عليكي يا شيخة هتقطعي خلفي بعمايلك دي.
سمعت منها وكأنها إشارة الاحتفال، لتنطلق في نوبة من الضحك المتواصل ، تصفق كفيها ببعضهما وتزيد من زهول بهجة التي وجمت تراقبها بصمت،
لتستغل الآخرى، وبحركة سريعة، دفعت الاطباق وما يحتويها من طعام بطول ذراعها، لتسقط على الأرض، وانتشرت الفوضى حولهم بشكل مزري .
حتى صارت بهجة على وشك البكاء:
– يا نهار اسود عليا وعلى سنيني، امتى هلحق انيل وانضف اللي عملتيه ده، والخدامين كلهم مشيو وراحو بيوتهم، هو انتي ايه يا ست انتي، حد مسلطك عليا؟
❈-❈-❈
احتفال صغير اقامه الاثنان مع الشركاء الجدد، بمناسبة عقد الصفقة الهامة والتي ستزيد من رفع رصيدهم امام عمالقة السوق.
انجاز جديد يضاف الى سجله، وقد اثبت انه قادر على التحدي وخلق الفرص، وبمساعدة هذا المدعو كارم، يجد الامال تفتح امامه بغير حساب ،
لكن وبرغم كل ذلك يشعر ان فرحته ينقصها شيء ما،
شيء ما لم يحدده بالظبط، او ربما هو ذلك السبب القديم الذي مهما حاول انكاره، يجد نفسه منغمسا به.
ف اليوم هو الذكرى السيئة، ذكرى وفاة والده .
ترى هل تذكره الاَن، ام ان الله رحمها بنسيانه.
❈-❈-❈
دثرتها تشـ.ـد عليها الغطاء، بعد أن خلدت الى فراشها ونامت على غير موعدها، وكأنها تهرب الى نومها من حـ.ـز.ن ما، رغم كل ما تفعله معها ، إلا انها لا تبغضها، بل تشفق عليها وتحـ.ـز.ن من أجلها، لا تصدق ان العشق هو من فعل بها كل ذلك؟ كيف لها ان تكون بهذا الضعف من اجل رجل؟
تحمد الله انها فقدت الثقة بهذا الصنف كله،
تنهدت تعود من شرودها، لتذهب وتطفيء اضاءة الغرفة، ثم تعود إلى ما ينتظرها من شقاء في ترتيب الفوضى التي فعلتها الأخرى على مأدبة الطعام واسفلها،
رغم اقتراب الساعة من الحادية عشر الا ان مروءتها أبت عليها ان تتركهم للدادة نبوية ، فالمسكينة لا ينقصها، خلعت عبائتها السوداء وذهبت بها الى المرحاض القريب ، لتمسح بالماء على بقع الطعام التي طالتها من رمي الاطباق، فمظهرها كان يثير الشفقة بحق.
عادت بها الى الردهة التي يوجد بها مائدة الطعام،
لتلقى بنظرها سريعًا، ثم تسحب شهيقًا مطولا، وتخرجه، قبل ان تستعين بالله ، وتبدأ في رفع الاطباق وتنظيف الارض، ومائدة السفرة، بعدmا القت العباءة على احد المقاعد، تتركها كي تجف حتى تنتهي، لتعمل هي بملابسها البيتيه التي كانت ترتديها في الأسفل.
بنشاط وتركيز شـ.ـديد ، ذهبت بالاطباق الى المطبخ، تجليهم بسرعة، ثم أتت ترفع السجادة الصغيرة ومفرش المائدة، تضعهم في ركن وحدهم لغسلهم بعد ذلك ،
وتنهمك بعدها في التنظيف ومسح الارضية، حتى انها لم تنتبه لمن عاد الى منزله، تاركا الحفل في نصفه، فبرغم القساوة التي تأصلت به على مر السنوات، إلا ان قلبه لم يطاوعه ان يترك والدته في هذا اليوم، دون ان يطمئن عليها،
ليفاجأ الاَن بهذا المشهد،
فتتجمد اقدامه عن التقدm ، يطالع شعرها الحريري الذي كان يغطي وجهها، ملابسها الملتصقة بالقد الملفوف برشاقة مذهلة، بنطالها البيتي المرتفع لأسفل ركبتها، وتيشرت بيجامة في الأعلى،
اشياء عادية غاية في البساطة ولكن عليها كانت تسلب العقل .
تلك الفتاة التي لو لم يعلم من نبوية بوجودها الاَن، لم يكن ليعرفها ابدا، وذلك للصورة ان اخذها عنها، في التخفي اسفل الملابس السمراء.
لقد رأى اجمل النساء من دول عدة، ابدا لم تؤثر فيه امرأة كما حدث الاَن.
كالذي اصابه الخرس، ظل بوقفته مشـ.ـدوهًا يطالعها، تلك الحورية التي تحتل منزله منذ ايام عدة ، غافلا عنها ولا يعطيها بالا، حتى يأتي اليوم فيتفاجأ بها على هذه الهيئة!
منكفئة فيما تفعل ولا تدري بمن التصقت قدmيه بالأرض بالقرب منها، وضاعت في جوفه الكلمـ.ـا.ت، حتى انتبهت هي اخيرا لترفع رأسها فتقابل ببريقها الأخضر بندقيتيه، فتنتفض بذعر نحو عبائتها المبتلة تضعها عليها متمتمة بـ.ـارتباك :
– انا اسفة مكنتش واخدة بالي .
ابتلع هو كي يعود لصوابه ، فخرجت كلمـ.ـا.ته بدون ترتيب ، ورغم انه يعرفها:
– انتي مين؟
اضطربت بحرج، تلف شعرها بعشوائية قبل ان تغطيه بالحجاب، لتطرق وتبتبلع ريقها بصعوبة:
– انا بهجة الجليسة الجديدة للهانم الكبيرة سيادتك.
– انا بس كنت بنضف من شوية الاطباق اللي دلقتها نجوان هانم.
تجاهل كل استرسالها، وركز على شيء واحد، اسمها
والذي علم به من لورا ومن نبوية، لكن منها، يشعر وكأنه لاول مرة يسمعه، وبصره يجول على ملامحها الجميلة، يتعرف بها لأول مرة.
غير منتبهًا لوضعه، وقد اثار بتحديقه بها الرعـ.ـب، لترتجف داخلها، تود الركض من محلها الى خارج المنزل ، ليتها ما اطاعت الدادة نبوية.
لابد لها من الذهاب الان وفورا.
– انا كدة خلصت اللي عليا، استأذن بقى عشان امشي
قالتها وتحركت نحو محفظتها وهاتفها الحديدي، ترفعهم عن احد المقاعد امام بصره، ليباغتها برده:
– تمشي تروحي فين؟ انتي عارفة الساعة كام دلوقتي؟
– تمشي تروحي فين ؟ انتي عارفة الساعة كام د لوقتي
تطلعت اليه ببعض الارتباك والتشتت تجيبه بسجيتها :
– عادي يعني , هشوف اي وسيلة مواصلات نقل عام واركب فيها , مش مشكلة.
ضاقت عينيه باستنكار :
هي ايه اللي مش مشكلة ؟ الساعة دلوقتي داخلة على اتناشر.
_ يانهار اسود.
هتفت بها بعفوية اثارت تسليته, لتلقي بنظرها نحو شاشة هاتفها الرديء فتاكدت لتلطم بكفها على وجنتها مرددة بجزع:
– انا خدني الوقت ومحسيتش بنفسي مع الهانم , هي دادة نبوية مجتش ليه ؟ دي كانت مواعداني هتيجي احداشر بالكتير , ازاي قدرت تعمل فيا المقلب ده.
تحدث بابتسامة لم يخفيها رغم ادعاءه الرزانة امامها:
الدادة كلت حلو مع الجماعة قرايب بـ.ـنتها , وللأسف داخت وتعبت من مجهود العزومة , هي بلغتني انها مش هتقدر تيجي النهاردة , لأنها حاولت تتصل بيكي بس للأسف تليفونك كان بيرن معاها عالفاضي.
اطرقت رأسها بشرود , وخرج صوتها ببحة مزجت مابين الخــــوف والحـ.ـز.ن :
– ربنا يشفيها يارب , خلاص بقى انا همشي دلوقتي وهبقى اتصل بيها اما اروح اطمن عليها , عن اذنك يافنـ.ـد.م.
قالتها , وماهمت بأن تتحرك حتى أجفلها بنبرته الحازمة:
بقولك ماينفعش تخرجي دلوقتي الساعة داخلة على اتناشر انتي بتفهمي ازاي؟
برقت عينيها فجأة برفض وغـــضــــب لانفعاله الغير مبرر, لتكبت بصعوبة داخلها عدm الرد بشيء لايعجبه, حتى لو اضطرت لخسران وظيفتها ,هذا شيء قد اعتادت عليه:
– حضرتك متشغلش نفسك, انا بعرف اتصرف كويس اوي.
لاحت على جانب فمه ابتسامة لم تفهمها ,ليرد ببرود وعيناه تلاحق تفاصيلها بجرأة تثير الأستفزاز.
– ماشي يابهجة , انا عارف انك سبع رجـ.ـا.لة في بعض , لكن برضو انا ما يخلصنيش, ومستعد اوصلك بنفسي.
– لأ.
خرجت منها سريعا وبدون تردد , لتثير اندهاشه أكثر بفعلها:
– قصدي يعني اني مش عايزة ازعجك يا فنـ.ـد.م , لأني عارفة طريقي كويس وبعرف اتصرف، عن اذنك والف شكر على زوقك.
قالتها ثم التفت على الفور , متخذة طريقها نحو الخروج, لاتعطي له بالا ,ليفتر فاهه من خلفها مفتوحا بذهول, ثم يتحول لابتسامة متسعة, فيتناول هاتفه, ثم يتصل على احد الاشخاص:
– ايوة يا علي , اسمعني كويس.
❈-❈-❈
بخطوات ثابتة خرجت من المنزل الضخم، متخذة طريقها نحو الباب الحديدي ثم الشارع ، ولتلقى بعد ذلك حظها فى البحث عن وسيلة تقلها، رغم الرعـ.ـب الذي يتغلغل داخلها في العودة الى منزلها في هذه الساعة المتأخرة من المساء، وهواجس تدور برأسها حول نوعية البشر المضطرة أن ترافقهم حتى تصل الى وجهتها، لتتضرع داخلها، وتناجي الله القوة.
الاَن وقد خرجت من محيط المنزل والحراس التي تحاوطه، تجول عيناها بالشارع الفسيح، وقد خلى من السيارات والمارة الا قليلًا،
تجسر نفسها في السير نحو وجهتها وقد اصبحت وحيدة لا تملك الا ايمانها في مواجهة المخاطر.
– عديها على خير يارب.
صارت تتمتم بها ومجموعة من الادعية والايات الحافظة، حتى تفاجأت باضاءة قوية لإحدى السيارات تأتي في مواجهتها، لتضطر هي للأفساح لمرورها، وكانت المفاجأة حينما اكتشفت هوية السائق، والذي تعرفه من توصيله الدائم للدادة نبوية ، ليطل برأسه وشعره الابيض بابتسامة مشاكسة يخاطبها:
– جايلك قلب ترجعي لوحدك في نص الليالي يا بهجة.
ضحكت باضطراب تهدئ من ضـ.ـر.بات قلبها المتسارعة، في ردها للرجل العجوز:
– عم علي… خضتني حـ.ـر.ام عليك، افتكرتك واحد غريب وبتعاكس.
– بصراحة انا لو غريب، وشوفت واحدة حلوة كدة في الشارع، لازم اعاكسها .
قالها العم علي بمشاكسة لتسهم بنظرها اليه، حتى جعلته يضحك بملىء فمه، ليتابع بمرح:
– انتي لسة هتنحي؟ ياللا تعالي يا بت اركبي معايا اوصلك في طريقي.
ترددت باعتراض:
– ماا بلاش يا عم علي، العربية مش بتاعتك .
هتف بها حازما دون يختفي منه المرح:
– بلا بتاعتي بلا بتاعة غيري، رياض باشا اساسًا هو اللي أمرني.
– رياض باشا هو اللي أمرك؟
تمتمت بها بعدm تصديق، ليأمرها هو :
– انتي لسة هتسألي؟ اخلصي يا بهجة خليني انا كمان ارجع بيتنا واريح انام، يلا…..
اضطرت تحت إلحاحه ان تزعن لتنضم معه في الكرسي الخلفي بـ.ـارتباك منها، حتى جعله يعلق بمرح:
– يعني كدة بقيت انا السواق بتاعك، والله تستاهليها.
وختم ضاحكًا، ليظل مستمرًا بأحاديثه معها، كي يخفف من تـ.ـو.ترها، حتى وصل بها الى مدخل الحارة وقد كان في انتظارهم شقيقها، بعدmا اتصلت به وابلغته بعودتها.
❈-❈-❈
– هااا اطمنت على حبيبة القلب انها رجعت.
تهكمت اسراء بالكلمـ.ـا.ت نحو زوجها الذي انتفض متحفزًا فور رؤيته لطيف غريمتها على مدخل الحارة، بصحبة شقيقها الذي هبط عزيمته في الخروج واستقبالها موبخًا تأخرها حتى هذا الوقت.
وتأتي الاَن زوجته لتزيد عليه وقد فهمت ما يدور برأسه:
– راجعة مع اخوها، يعني ملكش حجة تتعرضلها.
حدجها بنظرة نارية لم تأبه بها لتتابع بعدm اكتراث:
– قوم يا اخويا قوم، نام في فرشتك احسن وافتكر ان وراك شغل في الوكالة، بدل ما انت مضيع وقتك في الفكر ع اللي راح، والحـ.ـز.ن ع الاطلال.
زمجر غاضبًا يكاد ان يفتك بها:
– يا بـ.ـنت ال…. غوري يا اسراء، بدل ما اخليها عشيتك الليلادي انا مش ناقصك.
بابتسامة شامتة علقت وهي تغادر من امامه:
– لا وعلى ايه؟ انت حر.
قالتها واختفت من أمامه، ليعلق في اثرها:
– فرحانة فيا يا بت الجزمة، ماشي.
ادار رأسه للناحية الأخرى مغمغمًا بتوعد نحو المتمردة ابنة عمه:
– وانت كمان يا بهجة، برضو حسابك عسير عشان تبطلي تروحي وتيجي على كيفك.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت بهجة على اتصال هاتفي برقم غريب ، لترد بصوت ناعس مستفسرة:
– الوو…. مين معايا.
– انا يا بهجة.
وصلها الصوت الرجـ.ـالي ذو البحة المميزة، لتنتفض بجزعها، تفتح اجفانها على وسعهم، فتبتلع ريقها مرددة بـ.ـارتباك:
– انت مين يا فنـ.ـد.م ؟
للمرة الثانية تسأله بعدm تركيز، وهو يجاهد الحفاظ على جديته:
– انا رياض الحكيم يا بهجة.
حينما ظلت على صمتها وقد اصابتها الصدmة بالخرس، تابع بتسلية:
– شكلك كدة صاحية من النوم ومش مركزة، ع العموم انا هبعتلك عم علي يجي ياخدك بالعربية، تحلي محل الدادة النهاردة لانها تعبانة.
– دادة مين؟
تساءلت بها وكأن عقلها لم يعد يعمل، ليتابع بصبر ليس من شيمه، شارحًا لها وقد اصبح الامر يروقه:
– قولتلك دادة نبوية اللي تعبانة، انا خارج دلوقتي ورايح على شغلي، الهانم متتسابش لوحدها، واياكي تسهي عنها.
قالها وانهي المكالمة على الفور ، لتتطلع هي لفترة من الوقت بشاشة الهاتف، لتتدارك متسائلة بجزع:
– نهار اسود، طب وشغلي في المصنع، مين اللي هيشيله؟ انا اتصل بنبوية دلوقتي ولا الريسة صباح، دا ايه الربكة دي يا ربي على اول الصبح.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر،
حيث كانت بين زهورها ، تمر عليهم بدلو الماء لتسقيهم وتراعيهم، وصوت المذياع يصدح بأغاني الزمن الجميل، ليتفق مع مزاجها الرائق وهي تردد خلفهم بما تحفظه، حتى اجفلها صوت الشجار المعتاد في هذا الوقت .
– اتلمي يا لينا واتقي شري على اول الصبح، بدل ما اطلعهم عليكي، انا مش شايف قدامي اساسًا دلوقتى.
– وان ما اتلمـ.ـيـ.ـتش يا امين هتعمل ايه؟ انا بقى مشتاقة اشوفهم، اللي انت عايز تطلعهم دول.
توقفت مجيدة عما تفعل لتغمغم بعدm فهم، لهذان المعتوهان:
– نهار اسود، هو ايه اللي يطلعهم وهي عايزة تشوفهم؟ هي العيال دي مخها ضـ.ـر.ب ولا ايه؟
تحركت على الفور خارجة من الشرفة اليهم، لتجد ابنها يهدد بقبضته نحو هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة:
– يا بـ.ـنتي اتاخري عني وبلاش تستفزيني، قلم واحد بس مني هيطيرلك صف ضروسك كلهم.
– تخصرت امامه بتحدي:
– طب وريني هتطيرلي صف اسناني ازاي يا امين ، انا قدامك اهو .
– يا لهوي عليا.
تمتمت بها مجيدة قبل ان تصل اليهما، وتقف حاجز بين ابنها وزوجته، والتي صارت تزيحها بخفة لتبتعد للخلف.
– اخزي الشيطان يا حبيبي وابعد عنها كدة، دي حامل واحنا مش ناقصين.
تلقف قولها ليصيح بغـــضــــبه:
– ما هو دا اوس المشكلة يا ماما، الهانم بقولها تريح شوية عشان العيل وهي مفيش فايدة، قاعدة تتنطط من هنا لهنا زي فرقع لوز لما هتشلني.
وقبل ان تتفوه مجيدة بكلمة، سبقتها الأخرى:
– يا سيدي وانا اشتكلتك، ما انا فل وعال العال اهو.
قاطعتها مجيدة تكبر بتحذير:
– يا بـ.ـنتي الله اكبر، متفوليش على نفسك يا منيـ.ـلـ.ـة.
– عشان تشوفي يس يا ماما، المورستان اللي انا عايش فيه، اهي كل كلامها كدة، لما هتطير برج من نفوخي.
ربتت مجيدة على كتف ابنها لتجذب الأخرى والتي كانت تزفر بضيق، تضمها اليها ، كي تلطف مع الاثنان:
– بعد الشر على نفوخك يا حبيبي، وانتي يا بـ.ـنتي ربنا يحفظك، هو برضو خايف عليكي اعذريه، روح يا امين على شغلك وانا هتفاهم معاها.
اومأ لها بطاعة وفور ان هم بالتحرك، عاد اليه الجنون مرة اخرى عقب قولها:
– بس انا ورايا شغل يا طنط مينفعش اتأخر.
– اهي يا ماما، عشان تشوفي بنفسك دmاغها، دي مينفعش معاها التفاهم ابدا.
تدخل شقيقه والذي كان خارجًا من غرفته يسند زوجته بخطوات متمهلة بطيئة من اجلها:
– مالكم على اول الصبح كدة ازعجتونا وقلقتوا نومنا يا بعدة ، الواحد ميعرفش بقى يريح في بيته منكم.
– يا حبيبي انت يا رايق، سامحنا يا اخويا لو ازعجناك .
عقب بها امين متمهكا بحنق ، ليثير ابتسامة متلاعبة على ثغر اخيه،
– حقكم تصالحونا بقى؟
قالها ليزيد من استفزاز اخيه الذي ارتفع طرف شفته بغـ.ـيظ له، ليتدارك بعد ذلك حينما وجد زوجته تهرول بلهفة نحو صديقتها:
– شهودة يا قلبي، عاملة ايه النهاردة انتي والبيبي؟
لانت ملامحه، متأثرًا بعاطفة الاخوة التي تجمع بين الاثنتان، ليخاطب هو الاخر زوجة اخيه بتعاطف:
– اخبـ.ـار رجلك ايه النهاردة يا شهد؟ لساها برضوا بتو.جـ.ـعك؟
اومأت متمتمة له بالحمد ليضيف زوجها بتأنيب ينبع من خــــوفه:
– ما هي طبعا لسة مخفتش، عشان الحركة عليها، انا عارفها مبتثبتش مكانها، ربنا يستر ع الجنين .
دافعت عن نفسها بكلل وتعب:
– يا حسن انا طول اليوم نايمة على سريري، مش خطوة ولا خطوتين هما اللي هيزيدو تعب الرجل ، ولا هيسقطوا الجنين؟
– تمام يا شهد، انا قاعدلك النهاردة من الشغل خالص، اما اشوفهم خطوتين ولا اكتر.
اشاحت برأسها عنه، والتوى فمها بطريقة اضحكت من انتبه مثل مجيدة وابنها الضابط امين والذي عقب بمرح:
– والله يا شهد انتي الله يكون في عونك.
التقت عينيه بفيروزتي زوجته ، ليتابع بكيد لها بادعاء يجيده، كي لا يضعف امامها:
– وعوني انا كمان معاكي ويصبرني على ما بلاني
❈-❈-❈
سارت تخرج من الحارة مسرعة، وقد غيرت طريقها المعتاد ، وتعجلت عن ميعادها الصباحي، كي تلحق بالسيارة التي اتفقت مع سائقها عبر الهاتف ان يبتعد بقدر الامكان عن منطقتها، وقد تأكدت من الدادة نبوية بحقيقة مرضها بالفعل، كما اخبرتها بالتفصيل عن موقف الامس، وترددها بالذهاب بعدmا رأها بهذه الصورة الغير لائقة امامه، حينما كانت تمسح الارضية ببيجامة النصف كم وشعرها الذي ظهر جميعه بغفلة منها ، ولكن المرأة هونت الأمر عليها، بل وسفهت منه، حتى اقنعتها ان الأمر لا يستحق التفكير من الأساس،
وبدورها هي اتصلت بصباح كي تغطي عليها ، حتى لا يحتسب عليها يوم غياب في عملها بالمصنع.
أبصرت عن قرب العم علي، وقد وجد احد الاكشاك، ليجلس مع صاحبه في انتظارها، يتحدث ويتباسط مع الغريب كعادته، ليتها تملك نصف مزاجه الرائق دائمًا.
حينما انتبه اليها ، تبسم لها بتحية ثم ترك كوب الشاي من يده، ذاهبًا نحو محله خلف عجلة القيادة، لتدلف خلفه على الفور متمتمة بقلق:
– اتحرك بسرعة يا عم علي .
ليذعن الرجل مغادرا بها على الفور، رغم استغرابه من تـ.ـو.ترها.
وبعد لحظات قاربت الربع ساعة، خرجت من خلفها شقيقتها الصغرى لتذهب نحو مدرستها، ثم تقابل بابصارها ابن عمها سمير الذي توقف محله ف مدخل البناية، يطالعها بتساؤل اثار التسلية داخلها، لتسخر كعادتها:
– يا دي النهار الملزق لما يبتدي من اوله.
اصابته كلمـ.ـا.تها بالغـ.ـيظ الشـ.ـديد حتى انه لم يصمت لها هذه المرة ، يدفعه الفضول ايضا في السؤال:
– بطلي قلة حيا يا عائشة واصطبحي ع الصبح.
رفرت اهدابها بتمثيل لتردد باستخفاف:
– افنـ.ـد.م حضرتك انت بتكلمني انا؟
– امال بكلم خيالي.
هتف بها ليقترت متسائلًا:
– اختك مخرجتش ليه معاكي النهاردة؟ هي تعبانة؟
هذه المرة صارت تضـ.ـر.ب كفا بالاخر تحدث نفسها بتجاهل له:
– لا اله إلا الله، انا قولت من البداية انه يوم ملزق.
همت ان تتخطاه غير مبالية، ليوقفها ناهرًا وكأنه قد اصيب بالجنون:
– لما حد كبير يكلمك ردي، وبلاش قلة ادب ولا تلقيح بالكلام، اختك ايه اللي أخرها لقريب الساعة واحدة بالليل امبـ.ـارح؟
وكأنه ضغط على زر الاشتعال، لتفرغ به طاقة الغـــضــــب التي تحملها منه ومن اسرته:
– اولا اختي ملكش حق تسأل عليها، ثانيا بقى انا مؤدبة غـ.ـصـ.ـب عن اي حد ، ولو مش مؤدبة برضو ملكش دعوة.
لسانها الحاد كسياط تجلد من أمامها، ولكنه ابدا لن يصمت لها:
– بقى دي اخلاق بنات محترمة؟ بترودي على ابن عمك الكبير وتقلي أدبك عليه.
تكورت وجنتيها بضيق طفولي تزفر في وجهه بحنق، ثم تهم ان تقرعه بما يستحقه، ولكن اوقفها مجيء شقيقه الأصغر، ينقذه من براثنها:
– ايه في ايه؟ صوتكم جايب لاخر الشارع ؟ ايه اللي حصل يا عائشة؟
ردت رافعة له حاجبها:
– اسأل اخوك الكبير المحترم، اللي بيتعرض لواحدة قد عياله، وبعدها يتهمني اني بقل ادبي، طب انا ماشية ورايحة مدرستي دلوقتي، واياك الاقيه بيوجهلي اي كلام تاني .
قالتها وتحركت ترفع حقيبتها مغادرة امام صدmة الاثنان، ليردد سمير في اثرها بعدm تصديق:
– بقى انا بتعرضلها وهي قد عيالي؟ ليكون فاكرة نفسها طفلة حقيقي، دي عجوز شمطاء
.
– وحد قالك تقف في وش القطر، اتحمل بقى لسانها اللي زي المرزبة .
تفوه بها سامر ضاحكا، يصعد الدرج لمنزله، قبل ان يتوقف على قول شقيقه؛
– انا كنت بسألها على اختها الكبيرة، الهانم راجعة امبـ.ـارح على واحدة بالليل، والنهارده مظهرتش خالص.
ارتفع حاجب الاخر بريبة مرددًا:
– واحدة بالليل! ليه يعني؟
❈-❈-❈
حينما توقف بها العم علي داخل محيط المنزل الضخم، ترجلت منها سريعًا والهاتف على اذنها، تتحدث مع الدادة نبوية لتنفذ التعليمـ.ـا.ت المطلوبة في مجالسة الهانم الكبرى،
كان هو في طريق خروجه نحو عمله لتتشبث قدmيه بالأرض فور رؤيتها، حتى مر طيفها يتخطاه، فيصل لأسماعه تحيتها على عجالة:
– صباح الخير يا باشا، ايوة يا دادة انا معاكي
اكملت محادثتها تسرع بخطواتها وكأنها فعلت ما عليها والان تريد الهروب منه، ليتوقف محله ناظرا في اثرها حتى دلفت لداخل المنزل واختفت بداخله .
ثم يعود لصوابه شاعرا بشيء ما غير مفهوم ، ان كان ارتياحًا لمجيئها بديلا في الوقت المناسب لرعاية والدته في وقت مرض المرأة التي تتحملها ، ام هو لمحة من انتعاش سرت داخله برؤيه البريق الاخضر رغم حديثها المقتضب السريع، ثم هذا الشيء المختلف بها، رغم ارتدائها هذا الثوب الرديء ، لكنه لا يليق بها ابدا.
❈-❈-❈
ربتت سميرة على كتف ابنها وهو يتناول الطعام بنهم، اثناء جلستها معه في موعد الزيارة الاسبوعيه، تخاطبه بتعاطف، وعدm احتمال لما وصل اليه.
– كل يا حبيبي وبر نفسك، انا جيبالك اكل كتير اشكال والوان، دا غير الفلوس اللي حطيتها في الامانات ، مش عايزاك تحتاج حاجة خالص يا ابني،
رد ابراهيم يلوك الطعام بفمه:
– انا عايز اخرج ياما، هو دا اللي انا محتاجه، مش شوية الاكل والشرب داخل سـ.ـجـ.ـن من اربع حيطان.
مصمصت بأسى وحنق يغمرها:
– ويعني انا هعمل ايه اكتر من كدة يا حبيبي؟ المحامي بياخد شيء وشويات وابوك على قد ما بيعارضني، لكنه في الاخر بينخ ويديني اللي عايزاه عشانك، لكن بقى اللي معقد الدنيا هي شهادة الشهود، خالتك اترجتها كذا مرة، لكن المزغودة امنيه راكبة راسها، نست اللي كان ما بينكم، وباعت بطول دراعها ، بعد ما اتخطبت لحضرة الظابط، الهي ما توعى تفرح.
كلمـ.ـا.ت الحقد التي تتفوه بها، كانت تزيد من صب الوقود واشعال النيران بصدر ابنها الناقم من الأساس:
– اه ياما متفكرنيش، بت ال……. اللي كانت زي الخاتم في صباعي، لعبة احركها من ايدي دي، لإيدي دي، خلاص كبرت وشافت نفسها.
زفر بحريق من داخله مع دخان السيجارة التي اصبح ينفث بها غليله، بعد ترك الطعام:
– امـ.ـو.ت واعرف بس الظابط دا ايه اللي عجبه فيها؟ عادية واقل من العادية كمان، دا غير انها غـ.ـبـ.ـية، مفيهاش غير بس جـ.ـسمها………
توقف وقد لاحت بعد اللقطات القديمة في مخزن والده، وما كان يفعله بخسة معها ، ليمسح بظفر ابهامه على ذقنه النابتة بتفكير:
– يكونش دا اللي عجبه فيها هو كمان؟
تبسم بغليل مغمغمًا:
– ماشي يا امنية، والله ما هاسيبك.
❈-❈-❈
اثناء مطالعته للملفات ، وتوقيعه على الاوراق المطلوبة، وهي تحدق اليه بوله كعادتها، كي تفتح معه اي حديث عادي، تخرج من اطار الرسمية التي يحبسها بها:
– ماما فرحت اوي لما حكتلها عن انجاز الشركة والتوقيع اللي حصل امبـ.ـارح مع مسؤلي الماركة العالمية للأزياء، مش قادرة اقولك كان ناقص بس تزغرط.
رفع رأسه بشبه ابتسامة خفيفة كرد لها، ليقول ببرود لا يناسب لهفتها قبل ان يعود لما يفعل:
– ربنا يبـ.ـارك فيها، سلميلي عليها
تمتمت بإحباط اصبح يلازمها من افعاله:
– يوصل ان شاءالله، رغم انها هتمـ.ـو.ت وتشوفك بنفسها، ترغي وتتكلم معاك.
اوما يرضيها بمجاملة:
– ان شاء الله، اكيد هشوفها في اي مناسبة للعيلة.
بادلته هي الأخرى بابتسامة باهتة، لتتناول منه عدد الملفات ، وقبل ان تلتف أوقفها بقوله:
– صحيح يا لورا، متنسيش تتصلي بالدادة نبوية وت عـ.ـر.في ايه حالتها عشان تبعتيلها دكتور كويس، اصلها تعبانة جدا على حسب ما سمعت .
تساءلت بتوجس:
– وطنط نجوان مين مراعيها دلوقتي.
– بهجة .
توسعت عينيها بمفاجأة وهو يخبرها عن مجيئها اليوم منذ بداية الصباح بناءًا على طلبه، لتعقب بتشتت وغيط:
– ازاي حضرتك؟ وانا شايفة اسمها في دفتر الحضور للعاملات قبل ما اجي، دي اكيد صباح بتغطي عليها بقى، انا هطين عيشتها.
صدحت منه فجأة ضحكة مجلجلة نادرة، كادت ان تطيح بها، ليقول بمرح:
– طب والله جدعة وعملت اللي انا غفلت عنه، اسمعي يا لورا، احسبي كل الايام اللي هتقضيها بهجة في الشفت زيادة محل الدادة نبوية وجمعيهم في مكافأة لها، دا غير طبعا الايام اللي هتغيبها هنا متتحسبش غياب.
برقت عينيها باعتراض لم تخفيه:
– وافرض استهبلت ولا وزودت فيها، دي عمرها ما هتبقى زي دادة امينة، انا اصلا بدور على واحدة زي دادة عشان نستبدلها في أي وقت.
ترك كل شيء وارتكزت عينيه عليها برد هاديء وحازم:
– وماله يا لورا دوري ولو لقيتي زي الدادة جيبيها برضوا تساعد معاهم….. مش نستبدل..
بقوله الحاسم أنهى كل سبل الجدال معه، لتنصرف من امامه، تغمغم داخلها بكل عبـ.ـارات الحنق والنـ.ـد.م على توظيف هذه الفتاة بمنزله.
❈-❈-❈
– رايحة فين يا سنيورة؟
توجهت درية بالسؤال نحو ابـ.ـنتها التي خرجت من غرفتها تتمايل بخطواتها المتبخترة، وقد تزينت بمبالغة كعادتها، وارتدت افخر الملابس من خزانتها واضيقها ايضا، كي تبرز المنحنيات والتفاصيل اللافتة بها.
فجاء جوابها من بين تلويك علكتها :
– يعني هكون رايحة فين بس ياما؟ هو انا ليا مين غير بيت اخويا، اهو ازوره وبالمرة اطمن على عمتي المسكينة التعبانة.
– عند شادي.
تمتمت بها درية، لتضيف بعدm رضا:
– احنا مش قولنا نبطل الروحة والجاية على هناك، مدام خطب وكل واحد راح لنصيبه، يبقى نشوف احنا نصيبنا بقى؟
قالتها بمغزى فهمت عليه ابـ.ـنتها ، لتقارعها برفض:
– وطبعا قصدك بالكلام ده، الواد ربيع ابن عم خيري صاحب ابويا، بقى الاشكال الضالة دي تتسمى نصيب ياما، انا عايزة واحد ببدلة ملو هدومة، مش العيل الشارب ده.
في رد مباغت، مصمصمت درية بشفتيها ترد بسـ ـخـــريــة:
– اه يا ختي حقك ما انتي واخدة البكالوريا ولا الاسنس اللي بيقولوا عليه…… فوقي يا روح امك دا انتي شهادة دبلوم صنايع وخدتيها بالغش كمان، يبقى ايه لزوم العنطزة بقى؟
دبدت قدmيها على الارض بغـ.ـيظ وعيناها التفت نحو المطبخ، لتعود اليها هامسة بتحذير:
– ما توطي صوتك بقى ياما، وخلي بالك احنا مش لوحدنا في البيت .
قالت الأخيرة بإشارة نحو زوجة اخيها التي كانت تعد الطعام داخله، ولا تدري بأنها كانت تضحك الان بصوت مكتوم، وقد وصلها الحديث،
اما عن درية فقد امتقع وجهها بحنق، والأخرى تلح عليها:
– سبيني امشي بقى ياما، انا مبعملش حاجة غلط، واحدة ورايحة بيت اخوها وتطمن على عمتها، فيها ايه دي بقى؟
❈-❈-❈
عودة لبهحة التي مازالت تقنع نجوان وتحاول ترضيتها، بعدmا استيقظت ولم تجد نبوية التي اعتادت على مجالستها صباحًا ومعظم الوقت:
– يا ست عبريني، يعني لا عايزة تقومي تفطري ولا تغسلي وشك حتى ، هتفضلي لازقة طول اليوم ممدة في السرير.
ظلت على حالها، لا تنطق الا كلمة واحدة:
– نبوية.
تنهدت بهجة داخلها، تناجي الصبر، لتستمر في مهادنتها:
– ما قولتلك كزا مرة انها تعبانة ، هي لو تقدر برضوا هتسيبك ومتجيش.
اشاحت بوجهها للناحية الاخرى ، برسالة واضحة برفضها، لتغمض عينيها بيأس لمدة من الوقت ، حتى رفعت رأسها فجأة تعبر عما خطر برأسها، وهي تراقبها:
– شعرك اصفر وزي الحرير ، سبحان الله، حتى وانتي قايمة من النوم ومنعكش حوالين وشك برضوا مخليكي قمر.
يبدو ان كلمـ.ـا.تها قد أتت بأثرها، وقد التفت لها تنتظر المزيد، ف الانثى حتى لو كانت بنصف عقل سوف تستجيب للغزل ،
فتبمست بهجة متابعة بإعجاب:
– انتي عارفة بقى ، انا كان نفسي يطلع شعري اصفر زيك كدة، يعني عشان يليق على لون عيوني، حكم احنا وارثين العيون الملونة دي من امي، انا والواد ايهاب خدنا اللون الاخضر الصافي، اما البت جنات خدت العسلي والمزغودة عائشة اخر العنقود فدي خدت الزتوني، عشان تغـ.ـيظنا كلنا بروعته.
ظلت نجوان على وضعها وقد وضح جليًا ان الحديث قد اعجبها ، ليخرج صوتها اخيرا:
– انتي حلوة .
– تاني .
صدرت بمرح من بهجة لتتابع باتساع ابتسامتها:
– والله وانتي اللي قمر، ياما نفسي اوصل لسنك كدة وابقى في نص جمالك.
استجابت نجوان وبفعل طفولي اصبحت تهز اكتافها بزهو، لتردف بهجة بتمني:
– يا سلام ع الروقان والجمال يا ناس لما تبقي هادية، اه لو تبقى هادية ورايقة كدة على طول…… بقولك ايه؟ هو انا ينفع اسرح شعرك الحلو ده.،
سمعت منها لتذهب عيناها نحو الفرشاة الملقاة القريبة منهم، لتوميء بعيناها بموافقة، جعلت بهجة تقفز من محلها بحماس:
– حالا هسرحلك واعملك احلى تسريحة.
❈-❈-❈
دفع باب الغرفة ليدلف اليها بخطوات مسرعة ، ليبطأها فجأة مع انتباهه لحالة الاخر، حينما وقعت عينيه عليه،
يتحدث في الهاتف بابتسامة حالمة، يهتز بكرسيه برواق، حتى انه حاول ان ينهض كي يؤدي التحية العسكرية اليه، ولكن امين اوقفه ملوحًا بكف يده.
ليجلس مقابله يسند بمرفقه على سطح المكتب ، مريحًا وجنته على قبضة يده، يتأمله بوجه عابس جعل الاخر يخفي بصعوبة ابتسامته، قبل ان ينهي المكالمة بصوته الهامس، ليعلق امين؛
– يا خويا يا نحنوح، بتحب في تليفون الشغل يا حضرة الظابط.
دافع عصام ضاحكًا:
– الله يا فنـ.ـد.م، هو انا بكلم حد غريب؟ دي زوجتي المستقبلية اللي كاتب كتابي عليها.
– اممم
زام بفمه متصنعُا الضيق:
– اه يا خويا فرحان اوي، هما يومين عسل وبعدها تشبع نكد.
اكمل عصام بضحكاته:
– ومالوا يا فنـ.ـد.م، ندوق العسل وبعدها يجي النكد براحتوا، يعني احنا هنروح منه فيه.
– يا حبيبي.
تمتم بها بمصمصة من شفتيه، ليردف:
– كنا كدة في حماسك، بس يلا بقى، هو شر لابد منه وخلاص .
– برضوا شر.
– اه شر عندك مانع.
– لا يا فنـ.ـد.م وانا اقدر.
– ايوة كدة اتعدل.
قالها امين وصدحت ضحكاتهم، بحديثهم الودي، قبل ان ينخرطوا في العمل والمناقشة حول الامور الهامة بينهم.
❈-❈-❈
قامت لها بتمشيط الشعر الحريري، حتى اعجبها، وصارت تتأمله امام المرأة، لتستجيب لها بعد ذلك وتتقبل الطعام منها، ثم تتناول العلاج دون اعتراض، ليدخل بعض الارتياح قلب بهجة، ولكن ذلك لم يمنعها من الحذر.
فقد تعلمت الا تعطيها ابدا الامان ، مضى نصف اليوم معها، حتى تفاجأت بالخادmة تخبرها:
– رياض باشا طالب يشوفك يا بهجة في اوضة مكتبه.
قطبت بعدm استيعاب:
– رياض باشا عايزني ليه؟ وهو من امتى اصلا بييجي في النهار؟
جاء رد الخادmة بعملية:
– رياض باشا مستنيكي يا بهجة، اتفضلي وانا هقعد مع الهانم اراعيها لحد ما ترجعي.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر:
– ودا كمان عايزني في ايه؟ جيب العواقب سليمة يارب.
❈-❈-❈
خرجا الاثنان من المصعد، ويدها مازالت محجوزة في قبضته، تأرجحها بمرح وكأنها طفلة صغيرة تتدلل عليه، وهو يتقبل منها رغم غـ.ـيظه في بعض الاوقات حينما تزيد عليه.
ولكنه لم يعرف معنى السعادة الا على يدها، وقد اصبح ملازمًا لها ، في الذهاب الى العمل وفي العودة منه، وفي العمل نفسه .
تقارب يحدث بين شخصيتين مختلفتين في كل شيء ولكن الله يوحد القلوب بدون اسباب .
– هتصل بيكي النهاردة بالليل، اياكي تنامي لاطلعه عليكي بكرة في الشغل.
اهدته ابتسامتها الساحرة تشاكسه:
– والله انت وبختك، حصلتني وانا صاحية فل، انما لو روحت في النوم، انسى، حتى لو هتشغلني تاني يوم اشغال شاجة…. اه
قطعت متأوهة حينما ضغط على كفها:
– ردي وقولي حاضر وبس يا صبا، من غير ما تلفي وتدوري معايا، غلبتيني معاكي.
قهقهت بمرح مرددة:
– حاضر يا عم، بس خف يدك دي، لا يطلعلك ابو ليلة وهو اللي يرد عليك.
– والله، يعني انتي بتهدديني بابوكي.
تمتم بها ليكمل بالضغط على كفها :
– طب خليه يطلع دلوقتي وانا اعملها وضع حميمي عشان يلمنا نتجوز بالمرة، انا اساسًا بتلكك.
وكان ردها الضحك المتواصل، تزيده هياما بها، حتى اجفلهما صوت الباب الذي فتح فجأة لتطل عليهم من مدخله :
– الله، انت واقف هنا يا شادي، مش تدخل عشان تطمن والدتك برجوعك،
التفت إليها سائلا بفزع:
– مالها والدتي يا سامية؟ وانتي هنا من امتي.
ردت ببساطة:
– انا جيت اطل عليها واشوفها لو عايزة حاجة، لقيتها زعلانة وكل شوية تسأل انت رجعت ولا لأ.
افلت كف صبا، ليتحرك على الفور إليها بقلق:
– لا يبقى انا لازم اشوفها واطمن عليها بنفسى.
دلف بخطواته المسرعة الى منزله بالداخل، لتظل سامية بوقفتها على مدخل المنزل، تطالع صبا بابتسامة صفراء، قبل ان تصفق الباب فجأة بوجهها، لتعلق هي في اثرها:
– يا بت ال….. ماشي يا سامية الزفت.
❈-❈-❈
كانت تقف خلف باب مكتبه، تفرك كفيها بتـ.ـو.تر يكاد ان يوقف قلبها، لقد ظنت ان الأمر قد مر على خير، وقد نسى هو بانقضاء الليل او كما أخبرتها الدادة نبوية انها هي من تهول الأمر ولا شيء مما يدور برأسها قد يحدث.
أمـ.ـجـ.ـنو.ن هو كي يترك كل النساء اللاتي يعرفهن وينتبه لها؟
إذن لماذا طلبها؟ ولماذا هو هنا اليوم من الأساس؟ هذه ليست عاداته كما تعلم.
ابتعلت تحاول تنظيم انفاسها وتهدئة ضـ.ـر.بات قلبها التي كانت تدوي بتسارع من الخــــوف، لتجسر نفسها وتطرق بقبضتها على باب الغرفة ، ليصلها الصوت القوي على الفور:
– أدخل.
اغمضت عينيها تعيد تدريب النفس مرة أخرى، تتمتم بالأدعية تاركة حمولها على الله، لتدفع الباب وتلج اليه في الداخل، فتلقي اليه بالتحية:
– مساء الخير يا فنـ.ـد.م، حضرتك طلبتني.
كان جالسًا خلف مكتبه يطالع احدى ملفاته، ليرفع عيناه إليها، فيخلع عنهما نظارة القراءة، ثم يتأملها بسفور وكأنه يستعيد صورتها بالأمس ويقارنها بهيئتها الاَن، بصمت مريب زاد من قلق المسكينة، قبل ان يرد برتابة:
– مساء الفل يا بهجة، انا فعلا طلبتك….. عشان اشوفك.
قال الاخيرة ضاغطًا بنبرة لم تريحها لتطرق برأسها، مسلمة امرها للمولى قائلة:
– تمام يا فنـ.ـد.م، اللي تؤمر بيه حضرتك.
سمع منها وفجأة وجدته ينهض من خلف مكتبه، ثم يقترب بخطواته منها ، حتى وقف مقابلها يجفف الدmاء بعروقها بقربه، وهذه النظرة المتمعنة بملامحها الجميلة بحق، وخضار عيناها المبهرة بصفاءها وتميزها، ثم يجيب بهدوءه:
– كنت عايز اعرف منك يا بهجة، هي لورا اتفقت معاكي تقبضك كام على شغلك هنا؟
قطبت بعدm فهم لمغزى السؤال، لتقلبها سريعًا برأسها، ثم تأتي بالظن الاسرع لذهنها الاَن:
– بتسأل على مرتبي ليه يا فنـ.ـد.م؟ انت ناوي تديني بقية حسابي وتمشيني؟
تبسم ساخرا ليجلس على طرف مكتبه قائلًا:
– وانا لو عايز امشيكي اتصل بيكي بنفسي عشان تيجي الصبح يا بهجة ، ولا انتي عدm التركيز لساه مستمر معاكي من ساعة الاتصال .
اطرقت بحرج دون ان تنبت ببـ.ـنت شفاه، لتمتقع ملامحها من سخريته التي لم تتقبلها، حتى فهم هو ليستطرد بنبرة آسفة لم تخلو من إعجاب:
– انا مش قصدي اسخر ولا استهزأ، دا كان مجرد هزار.
– تمام يا فنـ.ـد.م، وانا مقولتش حاجة، عادي يعني.
– لا مش عادي يا بهجة عشان شكلك زعلتي فعلا
ردد بها يكتنفه المزيد من التسلية في مشاكستها، وهذا الاعتزاز الذي يلمسه في نبرتها ، غير ابهة بصفته، في اصرار منها لوضع الحدود، هذه الفتاة تستحق التأمل والدراسة.
تنهد يعود لموقعه خلف المكتب ، ليتحدث بجدية:
– شوفي يا ستي انا كنت بسأل عشان ازود على شغلك شفت، عشان تخففي اكتر عن دادة نبوية، الست كبرت ومعدتش تتحمل زي الاول، وطبعا اجرك هيبقى اضعاف .
– طب وشغلي في المصنع.
– عادي ممكن تنسقي وممكن نلغيه خالص ونخلي اللي هنا هو الاساسي.
– لا طبعا اللي هناك عليه تأمين ، انما هنا مؤقت.
خرجت منها سريعًا حتى اجبرته على الابتسام مرددًا :
– ما انا ممكن اعملك للي هنا تأمين برضو ؟
هذه المرة ردت برفض لم تخفيه:
– مش موضوع تأمين، انا مش حاطة في خطتي اساسا اني استمر جليسة.
توقف فجأة مضيقا عينيه بتفكير:
– بهجة هو انتي دارسة لحد ايه بالظبط؟
حينما سألها قاصدا معرفة المستوى التعليمي لها
ظلت صامتة ولم تجيبه على الفور حتى انه عاود الكرة مرة اخرى ليأتي الرد هذه المرة بنبرة مستنكرة:
وايه لزوم السؤال ده يا فنـ.ـد.م؟
حقا تعجبه جرأتها :
– وهو لازم يكون له لزوم عشان تجاوبي يا بهجة ؟
يسأل ببساطة بجهل تام منه عن حجم الحرج الذي ينتابها في هذا الموقف كلما سألها احدهم تكره ان ترى نظرة الاشفاق منهم ,او الحـ.ـز.ن على ما وصل اليه حالها كما تفعل بعض النساء معها .
– ثانوية عامة يا فنـ.ـد.م، مكملتش جامعة.
– وليه بقى مكملتيش جامعة؟
مطت شفتيها بابتسامة ليس لها معني ترد بامتعاض وقد ضجرت بالفعل من إلحاحه:
– ظروف حضرتك، ودي بتحصل في كل العائلات كنت هتجوز…..
اعتدل عن جلسته مقاطعًا لها:
– واتجوزتي بقى يا بهجة؟
– انكتب كتابي.
– يعني اتجوزتي؟
– دا غـ.ـبـ.ـي دا ولا ايه؟
تمتمت بالجملة من داخلها، وقد نفذت طاقتها:
– يا فنـ.ـد.م بقولك كنت، وكان كتب كتاب، يعني اتفسخت خطوبتي، واتحسبت مطلقة على الورق زي ما اتجوزت على الورق، ممكن بقى استأذن، عشان انا بدأت اقلق على نجوان هانم .
قالتها والتفت تغادر دون انتظار رده، ولكنه اوقفها على الفور بحزمه:
– لكني برضو مخدتش منك رد نهائي عن موضوع الشيفت الزيادة .
عادت اليه بحسم لا يقبل النقاش:
– انا مستمرة في شغلي في المصنع والشيفت الاضافي بتاع مدام نجوان هنا، كمساعدة لدادة نبوية، بإستثناء اليومين دول بس في تعب الدادة، ممكن امشي بقى يا افنـ.ـد.م؟
اومأ لها بذقنه للأمام، لتخرج على الفور، تدخل بعض الهواء لصدرها، بعدmا انتهت من اثقل الأحاديث على قلبها.
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة داخل المنزل حتى وصل الى غرفة والدته دفع الباب دون انتظار بقلقه، ليجفل المرأة التي رفعت راسها عن المسبحة تطالعه بتساؤل .
فيجلس هو على الفور بجوارها يسألها بتفحص:
– ايه اللي حصل يا أمي؟ حاسة نفسك تعبانة ولا النوبة رجعت تاني؟
خرج رد المرأة باندهاش:
– تعبانة ليه يا حبيبي؟ ما انا كويسة قدامك اهو، وبتفرج ع الشاشة والسبحة في ايدي .
– امال كنتي بتسالي عليا ليه وانا برا في الشغل ؟
– انا كنت بسأل عليك؟ مين قال كدة .
– سامية هي اللي قالتلي .
قالها شادي وارتفعت ابصار الاثنان نحو مدخل الباب الذي وقفت واستندت على إطاره المذكورة، لتبرر على الفور:
– ايوة يا عمتي سألتيني عنه امال ايه؟ هو انتي لحقتي تنسي لما كنتي كل شوية تقوليلي اتأخر عن ميعاده، اتأخر عن ميعاده.
شردت المرأة تعصر عقلها قليلًا، ولما يأست من التذكر ، لطفت على الفور حتى لا تحرجها:
– جايز يا بـ.ـنتي جايز انا برضو عقلي مبقاش بيركز اوي اليومين دول….. استني صحيح…… مش انتي باين اللي كنتي بتسألي عن ميعاد رجوعه عشان يوصلك وانا قولتلك، هو كل يوم بيجي بدري عن كدة، اكيد كان معاه حاجة مهمة النهاردة خلته يتأخر.
قالتها المرأة بسجيتها لتفحمها دون قصد منها، فيبصرها شادي بحنق شـ.ـديد، يكشف كذبها، ولكنها كالعادة لا تغلب في ايجاد المبرر:
– اه يا عمتي فعلا انا سألتك، بس دا عشان ادوقه من طبق المهلبية اللي عملتهولك من شوية، قوليلو بقى هو عجبك قد ايه؟
اومأت والدة شادي برأسها توافقها بحماس:
– ايوة طبعا دا عجبني قوي، بـ.ـنت عمتك نفسها حلو اوي قي الحلويات يا شادي، هي جابت لنا طبق كبير، انا خدت منه يدوب معلقتين عشان متعبش، سيبتلك انت الباقي، يستاهلوا بُقك يا حبيبي .
سمع من والدته، لينقل بأبصاره منها إلى هذه المراوغة ، بعدmا اوقعت قلبه منذ قليل، وأفسدت عليه لحظة الصفاء مع محبوبته، ليكتشف الان كذبتها بشكل واضح، ووالدته الطيبة، بلعت كالعادة طعمها والاَن تغطي على فعلتها، والعجيب انها تبادله النظر الاَن بوقاحة وكأنها لم تفعل شيء.
– انا رتبت البيت كله يا شادي، ووضبت المطبخ، حكم دا كان متبهدل اوي، طبعا بقى ما هي شقة عازب، بس انت الله يكون في عونك، محدش يلومك.
زفر بداخله يجاملها بامتعاض:
– كتر خيرك يا سامية، بس رحمة اختي الله يبـ.ـاركلها كل يومين تلاتة بالكتير بتيجي هنا تروق كل حاجة، وانا بعمل على قد مقدرتي وماشية، يعني مش محتاجة تعب منك .
تلقفت قوله ترد بنعومة:
– تعبكم راحة يا شادي يا ابن عمتي، هو انا ليا اعز منكم عشان اجي واطل عليكم واعمل بأصلي، شوف بقى انت تقوم دلوقتي، تغير هدومك ولا تتشطف على ما احضر انا الغدا، بالمرة اتغدى معاكم، حكم الوقت خدني، ونسيت اكل من الصبح .
لم تعطيه فرصة للاعتراض، لتختفي من امامه على الفور، عازمة على ما انتوت عليه، لينقل بغـــضــــبه نحو والدته:
– البت دي ايه اللي مقعدها لحد دلوقتي ياما هنا؟ ما تروح على بيتهم، ولا تتنيل تكمل قعدتها عند اخوها وعيال اخوها، مالها بأكلنا ولا شربنا؟
ضغطت والدته على شفتيها، تحذره بهمس:
– وطي صوتك يا شادي يا بني، لتسمعك وهي في المطبخ جوا وتحرجها.
– ودي بتتحرج، ولا تتكسف اصلا ياما…..
قطع متأثرا هذه المرة بضغطها على قبضة يده، لتعود مشـ.ـددة:
– متكملش يا شادي وتزعلني منك، مش بعد ما تعبت في توضيب البيت من الصبح، تكون دي جزاتها مننا ، سامعني؟
ازعن لرغبتها، كابتا امواجًا من الغـــضــــب والانفعال بداخله، فوالدته الحنونة، وبرغم علمها جيدا بغرض ابنة اخيها، إلا انها لا تخرج ابدا عن حدود الذوق معها، وتجبره ايضا على مهاودتها، وكأن الطيبة خلقت لها ولشقيقها الراحل، اما الخبث والمكر، فقد طمع بهم الشقيق الاخر له وحده، والد سامية وزوج درية المرأة المتسلطة .
❈-❈-❈
اما عن صبا والتي دلفت بحنقها الى داخل المنزل، تغمغم بالحديث والسباب مع نفسها ، حتى لفتت انتباه والدتها والتي كانت تطوي بكوم الملابس الجافة بعد غسلها ، لتعقب ساخرة على حالتها:
– اسم الله عليكي يا حبيبتي، من دلوك بتكلمي نفسك.
بعبس لم تخفيه:
– ومكلمش ليه نفسي بقى؟ والبت الزفتة اللي اسمها سامية، جفلت الباب في وشي، انا ياما تجفل الباب في وشي؟
– طب حيلك حيلك.
رددت بها زبيدة تلوح بيدها لها:
– فهميني الاول باب مين اللي اتجفل في وشك.
خرج ردها سريعًا بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة من فرط انفاعلها:
– سامية الزفت بـ.ـنت خال شادي، انا كنت عايزة ادخل معاه، بس خــــوفت من تحذير ابويا اللي مانعني ادخل بيته نهائي، طب انا عايزة اطمن على حمـ.ـا.تي دلوك، اعملها ازاي؟
– يا بت انا مش فاهمة منك حاجة، ثم مالها حمـ.ـا.تك كمأن؟ ما انا دخلت عليها الصبح واطمنت عليها .
رددت خلفها بتشتت:
– يعني حمـ.ـا.تي مفيهاش حاجة، امال الزفتة دي بتعمل عندهم ايه اصلا ؟
ضـ.ـر.بت زبيدة كفيها ببعضهما، وقد فاض بها من هذيان ابـ.ـنتها:
– لا حول ولا قوة الا بالله، عمالة تهرتلي بالكلام وانا مش فاهمة منك حاجة، ما تجيبي يا بت من الاخر، انت عايزة ايه بالظبط؟
وكأنها كانت في انتظارها، خرج ردها على الفور برجاء:
– عايزاكي تروحي تطمني على خالتي ام شادي، وبالمرة تروحي تشوفي الزفتة دي بتعمل عندهم ايه؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعدmا بدل ثيابه لأخرى عادية للمنزل، ليتفاجأ بوالدته خارجة من غرفتها تتأبط ذراع ابنة خاله ساميه والتي انتبهت عليه لتعلق بابتسامة سمجة:
– كويس انك لحقت بسرعة وغيرت، الاكل سخن ومش محتاج انتظار.
تقدm يتناول ذراع والدته منها قائلا بضيق:
– مخرجاها ليه طيب من الاوضة، ما احنا بنجيبلها الاكل لحد عندها.
شهقت بمبالغة:
– يا نهار اببض، وتوسـ.ـخ الفرشة من تحتيها، لا طبعا يا شادي، كدة احسن ع الاقل تفرط رجليها في الخطوتين دول.
لا ينكر صحة حديثها، ولكن الخــــوف هو ما يمنعه دائما عن تنفيذ ذلك، كما يحدث الاَن، مع ارتعاش جميع جــــســ ـد والدته في كل خطوه تخطوها، فيه.
– انا فاهم كلامك بس برضو الامر ما يسلمش، تعالي يا ماما اقعدي.
قال الاخيرة يجلسها على مقعد السفرة الصغيرة، وجلست هي بلهفة تدعوه:
– ياللا بقى انت كمان معانا، تلاقيك راجع هلكان من الجوع.
دا انا جايبة محشي ورق عنب حكاية، جيبت طبقين واحد طلعته لبيت اخويا والتاني جيبته هنا.
رفض عرضها السخي بابتسامة صفراء:
– متشكر اوي يا سامية على زوقك، بس انا للاسف اكلت فعلا قبل ما اجي .
– كلت فين يعني؟ في الشغل ولا برا الشغل؟
خرجت منها بانفعال جعلته يرد عليها بالمثل:
– اكلت مطرح ما أكلت بقى، المهم اني شبعان وخلاص، كلو انتو بالهنا والشفا.
همت ان تزيد عليه ولكن منعها صوت جرس المنزل الذي دوى فجأة ليذهب اليه فجأة ويرى من الطارق، ليزداد داخلها الغـ.ـيظ حينما لمحت وجه هذه المرأة السمراء والدة الملعونة صبا التي تكرهها، يتلقاها هو بترحاب مبالغ فيه:
– خالتي زبيدة، اتفضلي الف اهلا وسهلا.
– اهلا بيك يا حبيبي، انا جاية اطمن على حبيبتي الغالية الست الوالدة ، هي صاحية ولا نايمة.
اشار لها بيده نحو والدته التي تبسمت لها ، لتهلل زبيدة برؤيتها جالسة بعيدة عن فراشها:
– وه وه بسم الله الله اكبر عيني بـ.ـاردة عليكي يا غالية .
تقدmت للداخل تتبادل معها المزاح والحديث الودي، اما شادي فقد توقف على مدخل المنزل ، بابتسامة متسعة وعيناه الى الخارج، ليثير فضول ابنة خاله التي شعرت بعدm الراحة بوقفته هذه واعطاءها ظهره، لتميل برأسها حتى تحققت من الجهة التي يتطلع اليها، تلك الملعونة خطيبته تقف على مدخل الشقة المقابلة لهم، تتوعد له وتحذره وهو ييتسم لها بملئ فمه، بوجه مشرق، مستمتعًا بحنقها، وكأنه عاد مراهقًا يشاكس ابنة الجيران.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام التي كانت تجمع الاسرة ، يجلس على رأسها خميس ، يتناول طعامه بنهم كعادته ، وزوجته لا تكف عن تقديم المزيد من اصناف اللحوم في طبقه، برعاية تجيدها في أرضاءه:
– كُل يا خميس، دا انت بتشقى وتتعب.
ليتمتم لها بفم ممتلئ:
– ربنا يخليكي ليا دودو ، هي البت سامية فين؟ مش قاعدة معانا ع السفرة يعني؟
– راحت تقضي يوم مع ولاد اخوها وبالمرة تقعد شوية مع عمتها، ما انت عارف بـ.ـنتك بتحبها قد ايه
اوما بهزة من رأسه ليأتي تعقيب سامر مستنكرًا:
– اه طبعا وتلاقيها هتقعد تتركن هناك ،،ما انا عارفها وعارف اللي في دmاغها.
– هو ايه اللي في دmاغها يا واد انت،؟ انت هتتكلم بالالغاز، عندك حاجة قول.
زفر سامر بعجز عن الافصاح عما يدور بخلده، وما يعلمه عن تهور شقيقته، وحزم ابن عمته الباتر في كل ما يخصه، ليصمت مجبرا واضعًا همه بطعامه.
وتدخل سمير يغير مجرى الحديث.
-،شوفت بت اخوك يا حج، امبـ.ـارح راجعة قريب الساعة واحدة بالليل، والهلف اخوها واقف مستنيها على ناصية الحارة.
– ومدام الهلف اخوها كان واقف مستنيها، يبقى هعملها ايه انا بقى؟
تفوه بها خميس في رد مباغت لابنه، ليتوقف الطعام بفمه بصدmة، جعلت بعض من الانتشاء يتسرب الى زوجته التي طالعته بشمـ.ـا.تة لم تخفى عليه، لينفعل مبررًا بحماقة لم يحسب لها حسابا؟
– ازاي يعني مالناش دعوة؟ هي دي مش تخصنا برضو، بـ.ـنت اخوك اللي طايحة دي لو غلطت، العيبة هتلبسك انت يا عمها.
توقف خميس عن الطعام ليطالعه بأعين تلونت بالاحمرار معنفًا له:
– انت بتبرطم بتقول ايه ياض؟ مين دا اللي يتجرأ ويجيب عليا العيبة؟ دا انا كنت ادفنه مطرحه، مش بناتنا احنا اللي يتجاب سيرتهم، انا رايح لها البت دي .
قال الاخيرة وأزاح بجــــســ ـده المقعد للخلف بعنف يهم بالنهوض إلا ان صيحة زوجته كانت هي الاسبق:
– اقعد يا خميس مطرحك وكمل أكلك .
تطلع لها بتردد لكنها اعادت عليها حاسمة تأمره:
– بقولك اقعد يا خميس، وسيبك من هطل ابنك.
اذعن الرجل لأمرها يعود لجلسته وطعامه، وجاء الاعتراض من ابنها:
– انا اهطل ياما، بقى راجـ.ـل كبير زيي ، يتقال عليه اهطل ياما.
– وستين اهطل كمان، عشان بتنبش ف اللي ملكش فيه، وعايز تعمل مشاكل احنا في غنى عنها .
رددت بها درية بتصميم وتقريع، وغمغم سامر بسـ ـخـــريــة، دون ان يرفع عيناه عن الطعام:
– بتجيب التهزيق لنفسك.
– لم نفسك يا سامر بدل ما احط كل غليلي فيك دلوقتي.
قابل الاخير انفعاله بابتسامة سمجة مستخفة، ليأتي الرد من زوجة الاخر وهي تنهض عن الطعام بغتة:
– الحمد لله انا شبعت.
قالتها بحدة لفتت ابصار الجميع نحوها وهي تذهب نحو باب المنزل مغادرة نحو شقتها، لتعلق والدته من خلفها:
– عاجبك كدة يا بوز الاخص؟ هتطفش مراتك منك بعمايلك السودة .
اضاف سامر على قولها :
– والله عندك حق ياما ، البت ساكتة ساكتة لكن في الاخر هتنفجر في وشه.
– تنفجر ولا تغور في داهية ، انا لا طايقها ولا طايق عيشتها.
– صاح به والده بغـــضــــب:
– امال طايق ولا عايز مين يا ابن الكـ.ـلـ.ـب، ما هي مشكلتك انك مفضوح قدامنا كلنا وعارف كويس
ان الموضوع منتهي، ومع ذلك بتحرب على خراب عشك ولا حاسس ان جايلك عيل في السكة .
تجهم سمير بوجه ممتقع من الغـ.ـيظ والغـــضــــب المكتوم، يوزع بنظرات الاتهام نحوهم دون ان يقولها صراحة، ولكنها لم تخفى على والدته ، والتي عبرت عنها مدافعة:
– بلاش بصاتك دي يا واد، وافتكر كويس انها هي اللي باعتك لما حطت شرط ورث ابوها في الوكالة، قبل جوازها منك، وهي اساسا ملهاش ورث.
سامر والذي لم يقوى على كبت فضوله هذه المرة:
– بس بهجة دايما بتتكلم ان معاها الحق، انتوا متأكدين ياما ان ملهاش ورث؟
سعل خميس والطعام في فمه، لتلحقه زوجته بالماء، ثم تربت على ظهره، تلقي باليوم على أبناءه:
– اسم الله عليك يا خويا، اشرب اشرب، خليتو ابوكم شرق وكان هيروح في شربة مية جاتكو الهم .
ظل على وضعه لحظات امام ترقبهم، حتى التقط انفاسه ليردف بلهجة مضطربة:
– انا عمري ما اكل حق حد، وربنا العالم انا عملت ايه مع المرحوم، بس كله عند ربنا ، انا مش هتكلم .
لتهتف من خلفه بتأييد يلجمهم كالعادة:
– صدقت يا اخويا، واللي عند ربنا ما بيروحش، كُل كُل وهدي نفسك ، بلا هم.
❈-❈-❈
مساءًً
حينما غادرت منزله، كان هو ما زال قابعًا في غرفة مكتبه ولم يغادره بعد ، أنهى جميع الاعمال المطلوبة منه، بذهن شارد بالكاد يكفيه للمراجعة او القراءة السريعة في اعماله، لتعود صورتها وتحل امامه على الفور،
ثم يأتي الاَن ويقف خلف الجدار الزجاجي يراقبها وهي تغادر ، وعيون الحراس والعاملين أينما مرت تذهب معها، بها شيء لا يفهمه،
جميلة ولا ينكر ذلك، ولكن يوجد الالاف من الجميلات، ولكن هي بها شيء مميز لم يصل إليه بعد؟
حتى طريقة سيرها بهذه العباءة الفضفاضة بمبالغة، حديثها بعزة ولغة راقية بعيدة تمام البعد عمن تعامل معهم من العاملين.
ثم يظل هذا الشيء الاروع، وهو عيناها وذلك الصفاء بخضارها يذكره بنقاء الطبيعية وسحرها،
زفر انفاس خشنة ليعود الى جلسته خلف المكتب ، محدثًا نفسه بتساؤل:
– منذ متى لم يلتفت نحو امرأة او تشغله بهذه الطريقة، يبدو ان تأثير بهجة سوف يستمر معه طويلا هذه الايام حتى تنصرف من عقله او ربما يجد له الحل.
❈-❈-❈
هذه المرة اتخذت احتياطها وخرجت باكرا عن اليوم السابق، وقد افنت يومها في مجالسة نجوان فلم تتركها الا بعدmا اخلدت للفراش، لتعود الاَن والساعة تعدت العاشرة فقط.
نزلت من سيارة النقل العام التي كانت تقلها الى منطقتها، وقد رفضت اليوم عرض العم علي في توصليها، تجنبًا للتساؤلات وو.جـ.ـع رأس هي في غنًى عنه، ولكن منذ متى حدث ما نبتغيه؟
– جاية منين يا بهجة؟
جاءها السؤال بغتة من خلفها، لتلتف نحو مصدر الصوت، وتفاجأ بابن عمها الأصغر سامر، مضجعًا على سيارته، التي اصطفها خارج الحارة، وكأنه كان في انتظارها، وقد بدا هذا واضحًا من وقفته، مكتفًا ذراعيه اعلى صدره،
– افنـ.ـد.م يا عم سامر انت كمان، اخوك معاك بقى؟ ولا انتو مقسمينها بالدور؟
تهكمت بها في رد واضح على رفضها لتدخله، ولكنه كان اذكى من ان يتحامق معها مثل اخيه، لذلك جاء رده بهدوء :
– لا يا بهجة مش مقسمينها ولا لينا حق نسألك طبعًا، بس يا بـ.ـنت عمي لما الاقيكي بتغيبي عن بيتكم لحد الساعه دي، دا غير اني لما سألت عنك في شغلك، عرفت انك معتبتيش المصنع من اساسه، يبقى حقي انشغل.
– كمااان روحت المصنع وسألت عني، دا اخوك متجرأش يعملها يا سامر؟
تمتمت بها بحالة من الدهشة والغـــضــــب تعتريها، ليقابل ردها بمهادنة وكلمـ.ـا.ت ذات مغزى:
– انا غير اخويا يا بـ.ـنت عمي، هو كان غـ.ـبـ.ـي ومعرفش يحافظ عن النعمة اللي في ايده ودلوقتي بيبكي عليها بعد ما راحت منه، انما انا الامر عندي غير، انا راجـ.ـل واعرف اصون اللي معايا كويس، ولما اقرر محدش يقدر يرجعني عن قراري، وف الاول وف الاخر انا سؤالي نابع بس من الخــــوف عليكي، مش شك ولا اي شيء يزعلك.
ضاقت عينيها وافتر فاهها تطالعه بتفكير وتفحص، لتحسم الجدال معه:
– حاسة كلامك رايح لسكة مش عجباني يا سامر، لذلك انا هنهي معاك من اولها، عشان لو حاطط اي فكرة في دmاغك شيلها من اولها عشان انا قافلة الباب بالضبة والمفتاح مع الكل…. وخصوصا انتو .
زفر يطرق برأسه سريعًا ثم يرفعها متطلعا اليها بابتسامة لم تصل لعيناه:
– براحتك طبعا، رغم اني شايف ان الكلام مش وقته، بس انا هرجع وانبهك على موضوع الرجوع بالليل عشان بس سمعتك في الحارة والكلام اللي انتي عارفاه، عشان انا يوم ما هيوصلني نص كلمة بس هولع في الكل ومش هيهمني لا كبير ولا صغير.
– كتر خيرك يا ابن عمي. بس انا مش محتاجة نصيحة ولا دفاع من حد ، واهل الحارة اللي انت بتقول عليهم دول ، هما اكتر ناس عارفين مين بهجة؟ وانا مش محتاجة حماية من حد .
قالتها والتفت ذاهبة نحو وجهتها، دون ان تكلف نفسها بالنظر نحوه ولا بمعرفة تأثير حدتها عليه، فلديها من الهموم ما يكفيها، ولا ينقصها منه هو الاخر .
❈-❈-❈
داخل غرفة أمنية؛ والتي كانت منكفئة مع شقيقتها في حصر الايرادت والمصروفات وكل ما يخص العمل عبر الهاتف ، انتبهت لقدوم والدتها، لتظل واقفة محلها بصمت وترقب، حتى اذا انتهت امنية التفت إليها تخاطبها بفراسة :
– نعم يا ماما، وقفتك والسكوت كدة ، بيقول ان في بوقك كلمتين، قولي انا سمعاكي.
تشجعت نرجس، ثم تقدmت لتجلس على طرف التخت ، تلقي بنظرها نحو الاوراق والدفاتر التي تبعثرت على الفراش بإهمال ، لتعقب ساخرة:
– اللي يشوف الكراريس والكشاكيل يقول عليكي رجعتي تاني للجامعة…..
مصمصمت بشفتيها لتكمل بضيق:
– حسرة عليكي، الشغل الهباب بقى واخد كل وقتك ، حتى الساعتين اللي بترجعيهم راحة للبيت مش مرحومة من الحسابات والهم التقيل ، كان مالك بس بالهم والقرف ده؟
صمتت امنيه لبرهة من الوقت تطالعها دون تعليق، فبمعرفتها الجيدة لها، تعلم ان خلف كلمتها يوجد شيء آخر:
– وماله ياما الشغل والهم ، ما هو حالنا ومالنا، حمد لله احنا مش بنشتغل عند حد ، المهم بس انتي جيبي من الاخر ، عشان انا متأكدة ان دي مقدmة اللي بتبدي بيها دايما.
– اا ما انا فعلا عايزاكي في حاجة .
تمتمت بها نرجس بتلعثم، تدور مقلتيها باضطراب ، مما جعل ابـ.ـنتها تظل على صمتها في انتظار الآتي، لتردف لها بعد لحظات من التردد :
– بصراحة بقى انا مش هقدر ما تكلمش، ابن عمتك محاكمته قربت، وكنت عايزاكي تتنازلي عن اللي في دmاغك بقى وكفاية عليه لحد كدة.
رفرفت بأهدابها امنيه قليلا من الوقت، لكن سرعان ما استوعبت لتزفر وتشيح بابصارها عنها ، تستجدي من الله الصبر ، لتواصل نرجس دفاعها:
– ما تلفيش بوشك عني وتعملي نفسك مش سمعاني، عشان كذا مرة اتحايل عليكي وانتي راكبة دmاغك، خالتك مقطعة نفسها وانتي ولا حاسة، وابن خالتك هيضيع مستقبله حـ.ـر.ام عليكي.
– حـ.ـر.ام على مين؟
صرخت بها بوجهها ، لتواصل بعدm تحمل :
– كام مرة هقولهالك، دا قــ,تــل ابويا ، يعني دا جزاته الاعدام ، مش انتي تبكي على مستقبله ، وتنسي حق جوزك ولا بناتك اللي اتيتموا بسببه.
تلجمت قليلًا بحرج منها، لكنها عاودت بعد ذلك :
– الحي ابقى من المـ.ـيـ.ـت، وانتي ما شوفتيش بعينك، بتقولي سمعتي، لكن ابن عمتك قال بعد كدة انه كان بيهرتل عشان يغـ.ـيظ المدعوقة شهد، يعني ما قــ,تــلهوش.
– اه بقى وانتي صدقتي؟ يا سلام على طيبتك يا ماما.
عقبت بها بسـ ـخـــريــة مريرة ، لتلتف بعد ذلك نحو مدخل الغرفة، وعودة شقيقتها الصغرى والتي اجفلها مشهدهم:
– ايه مالكم؟ شكلكم بتتخانقوا صح.
زمت نرجس فمها بضيق، ليأتي الرد من امنية:
– تعالي يا رؤى وشوفي الست الوالدة، اصلها مازالت زعلانة على ابن خالتك اللي ظلمناه وهنضيع شبابه .
ولعلمها التام برأي ابـ.ـنتها الأخرى وتشـ.ـددها، زفرت بقوة لتنهض من جوارهم مغمغمة:
– اتريقوا براحتكم ، ما انتوا خلاص كبرتوا ومبقاش حد مالي عينكم، هروح انا فين فيكم؟ وانا ست غلبانة.
توقفتا الاثنتنان بفاه منفرج لعدة لحظات لا يصدقن منطق والدتهم وتعاطفها مع من قــ,تــل زوجها ويتم بناتها، لتعلق رؤى اخيرا :
– تصدقي بالله يا امنيه، انا طول عمري اعرف ان امك سلبية، دلوقتي بس اتأكدت ان معندهاش شخصية ولا تعرف تحكم ولا تحدد رأي، خالتك سميرة تعيطلها حبتين تيجي هي تقلب الدنيا علينا،
اكتفت امنيه بالصمت، فما تحمله بداخلها من غصة ونـ.ـد.م على ما قد فات ومرت به من اخطاء بسبب هذا المعتوه، حينما كانت كالدmية بين يديه، حتى انها تتمنى لو تمحي هذه الفترة من سجل ذاكرتها الى الابد. وياليتها تستطيع.
❈-❈-❈
دلفت بهجة لداخل المنزل، بعد أن فتحت بمفتاحها، لتدخل باكياس الأشياء التي تحملها ثم تضعها على الارض، لتبحث بعيناها عن اشقاءها، ولكن؛ وقبل ان تهم بالنداء عليهم وصلها صوت نقاشهم من داخل اقرب الغرف الى الباب، غرفة شقيقها والذي لم يكن موجود ف هذا الوقت لعلمها بمواعيد تحصيل دروسه،
– يا بـ.ـنتي بقولك هزقته، بيسأل ويطقس، هو ماله اصلا.
– بجاحة يا حبيتي، بس انتي برافو عليكي يا عائشة، انك وقفتيه عند حده، عشان يعرف كويس اننا مش ساهلين ليه ولا لأهله .
طلت عليهم بهجة تردد سائلة:
– هو مين اللي احنا مش ساهلين ليه؟
انتفضتا الاثنتان بجلستهما على الفراش، ليرددن بمرح وجزع وقتي:
– حـ.ـر.ام عليكي يا بهجة خضتينا.
قابلت قولهم بابتسامة ضعيفة تشاركهم الجلسة على تخت شقيقهم:
– اولا ايه اللي مقعدكم على سرير ايهاب، ثانيا وهو الاهم عايزة اعرف بتتكلمو على ايه؟
ردت رحاب:
– قاعدين في اؤضة ايهاب عشان رتبناها، والكلام خدنا واحنا بنرغي.
أضافت على قولها عائشة:
– اصلنا كنا بـ.ـنتكلم على ابن عمنا سمير يا ست بهجة، انا مش فاهمة انتي ازاي كنتي هتتجوزيه ده؟ ازاي مكنتيش حاسة بتقل دmه ولا رزالته.
بابتسامة بالكاد تخفيها:
– ما انا مكنتش ناصحة وقروبة زيك يا ست عائشة، ابويا قالي هتتجوزي ابن عمك مقدرتش اعارضه، وبرضوا هو مكانش وحش اوي كدة، او يمكن انا مكنتش فاهمة الدنيا كويس ولا عارفة طبيعة البشر اللي عايشين وسطيهم.
قالت الأخيرة بغصة مررت حلقها، لتجفلها عائشة بقولها:
– بس انا النهاردة ادتهولك على دmاغه، عشان يحرم يدخل في اللي ملهوش فيه.
– ليه هو عمل ايه؟
تكفلت بالرد هذه المرة جنات:
– بيسألها عن رجعتها امبـ.ـارح الساعة واحدة بالليل ، وانتي عارفة طريقته بقى المستفزة.
قالت الأخيرة بحرج فهمت منه بهجة على مقصد الاخرى، لتتنهد بغـ.ـيظ مكتوم متمتمة:
– يعني انا هلاقيها منه دا كمان ولا من اهله، هما لا يرحموا ولا يسيبوا رحمة ربنا تنزل
صمتت برهة لتكمل بما يعتريها من قهر:
– خـ.ـنـ.ـقة من جميع الجهات.
لطفت شقيقتها الوسطى جنات:
– معلش يا بيبو، دا اكيد من اهمـ.ـيـ.ـتك يا حبيبتي، ولإنك غايظة الكل بعزة نفسك .
قالتها لتضيف عليها عائشة بفخر:
– ايوة يا بيبة، وانا فخورة بيكي، ان كنتي شغالة في مصنع ملابس، او حتى جليسة لست عجوزة، واي حد يتكلم نص كلمة بديلو على دmاغه.
استطاعت بعفويتها ان ترسم ابتسامة على وجه شقيقتها ، لتفتح ذراعيها اليها وتضمها بقوة:
– وانا بقى لو هبقى فخورة بحاجة واحدة بس في حياتي، يبقى انتي يا عين اختك، بلسانك الطويل ده، وعقلك اللي سابق سنك ، بتخلي الكل يعملك الف حساب، ياريتني كنت زيك.
جنات ضاحكة هي ايضًا:
– اه والله، انا نفسي لما اتعرض لاي موقف في الجامعة، بقول ياريتك يا عائشة كنتي معايا، قوية ولسانها مبرد ع الكل .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وعلى غير عادته، فضل تناول الافطار هذه المرة على مائدة تجمعه مع والدته، والتي جلست امامه بصمت واعين مترقبة، لا تقترب يدها من الطعام، ليعلق هو مخاطبًا لها بسـ ـخـــريــة:
– ايه يا ست الكل، مش قادرة تاكلي وانا قدامك ، طب اداير وشي لتكوني بتتكسفي من الاكل معايا.
لم تظهر له اي استجابة، بل ظلت على وضعها وهذا الغموض الذي تحاوط نفسها به، حتى يشعر بالعجز عن قراءة ما يدور بعقلها:
– امـ.ـو.ت واعرف انتي بتفكري في ايه؟ انا واثق ومتأكدة انك فاهماني يا ماما.
زفر بحنق حينما يأس منها، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يشيح بوجهه للجهة الاخرى، وقد ذهبت عنه شهيته، ف اصطدmت عيناه بها .
وهي تدلف اليهم ، وقد تخلت هذه المرة عن العباءة السمراء، وترتدي الاَن ملابس شبابية تناسب عمرها، على قدر بساطتها ولكنها تظهر الجانب الرقيق بها ، مهما حاولت من اخفاء او تقليل، تظل راقية رغم انفها .
– صباح الخير.
القت التحية موزعة ابصارها عليه وعلى والدته التي نهضت فجأة لتلتصق بها، بفعل على قدر ما اصابه بالضجر، ولكنه ايضًا تفاجأ به، لثقة والدته بهذه الفتاة، في هذه الفترة القصيرة، ليعلق:
– يااه يا بهجة دي شكلها ادتك الامان اكتر من ابنها .
ربتت بهجة على ساعدها لتهدئتها قبل ان تلتف اليه قائلة بحرج:
– لا العفو يا فنـ.ـد.م مين قال كدة؟ اا انا بستأذنك بس تخلي عم علي يوصلنا للدكتور بتاعها ، انا عرفت من دادة نبوية ان النهاردة ميعاد الزيارة الشهرية.
– اااه
تمتم بها بتفهم، ليتمتم بفراسة:
– عشان كدة بقى انتي، غيرتي العباية السمرا النهاردة،
ابتلعت ريقها بخجل لانتباهه وتعليقه على هذا الأمر، لتوميء برأسها ردًا له، فخرج رده مفاجئًا لها:
– تمام يا بهجة، انا هاخدكم بنفسي ع الدكتور.
– حضرتك بنفسك هتروح معانا ؟
قابل تساؤلها بابتسامة مبررًا:
– مش والدتي يا بهجة، يعني من حقي اطمن عليها، ولا انتي شايفة غير كدة .
نفت بهز رأسها، وذهنها يستعيد تعليمـ.ـا.ت الدادة نبوية بخصوص ذلك الامر، حينما اخبرتها عن المسؤلية الجسيمة في الحذر من أفعالها، في كل مرة كانت تخرج بها وحدها، لا يرافقها سوى الحراس وسائق السيارة .
انتشلها من شرودها، جذب نجوان لها من ملابسها ، لتشير بالرفض بسبابتها، يبدو أنها لا تريد مرافقته، ليأتي الرد منه بعمليه، وهو يتحدث عبر الهاتف:
– ايوة يا كارم، معلش يا حبيبى، ممكن تنوب عني النهاردة كام ساعة كدة، اصلي خارج بالست الوالدة ع الدكتور واحتمال اتأخر شوية….
قطع مع محدثه، لينقل بعيناه نحو الاثنتان مخاطبًا لها بأمر:
– مستنية ايه؟ روحي ياللا لبسيها ، خلينا نحصل ميعاد الدكتور، ياللا يا بهجة مش عايزين تأخير .
أنهى تمرينه الصباحي، واتجه الى غرفة طفله، حيث الموعد اليومي لإيقاظه، من قبل والدته التي لا تمل من تدليله:
– عموري يا قلب ماما، اصحى يا قلبي، اصحى يا روحي.
– قلبك وروحك، وجوزك الغلبان سيبتيله ايه يا ست رباب؟
تمتم بالكلمـ.ـا.ت وهو يدلف اليهما لداخل الغرفة، لتعقب هي بابتسامة مشاكسة:
– وانت هتعوز ايه تاني؟ ما انت معاك رباب بحالها
مال برأسه يضيق عينيه بحركة فكاهية اضحكت الصغير الذي كان يفتح عينيه في التو، ليتلقفه هو يرفعه اليه مهللا:
– شايفة يا ست رباب، بقالك ساعه تدلعي وتهنني وفي الاخر مصحيش غير على صوت باباه.
– ايوة يا سيدي، عيشها انت بقى عليا، بعد ما جات فرصتك ، كدة برضو يا عموري!
قالت الأخيرة بعتاب نحو الصغير الذي ارتمى بثقله عليها، كمبادرة صلح معها، تقبلتها بصدر رحب ، لتمطره بالعديد من القبل، تشـ.ـدد عليه بضمتها.
– يا قلب مامي انت، بحبك اوي اوي .
يبدوا ان فعلها لم يعجب كارم ، فقد تجهم فجأة، ليباغتها بالنداء على المربية:
– دادة نعمـ.ـا.ت، خدي البيه الصغير وحضريه لحضانته.
اما هي فقد عبرت عن ذهولها فور خروجهما:
– كارم هو انت خـ.ـطـ.ـفت الولد مني ليه؟ انا كنت هحميه واجهزه بنفسي.
– عشان شايف ان دلعك بقى أوفر يا قلبي، انتي كدة بتفسدي الولد، ودا اللي انا لا يمكن اسمح بيه.
تمتمت بصدmة من خلفه:
– انا بفسده! معقول يا كارم، بقى انا والدته افسده؟!
زفر يقترب منها ملطفًا:
– يا قلبي افهمي، انا مش بتكلم عن حنانك ولا حتى الدلع العادي، انا بتكلم عن الافورة، مش عايز اتعامل مع ابني عسكري زي ما كان بيحصل معايا من بابا، بس كمان مش عايزه يبقى مريء ولا دلوع، انا ابني لازم يكون عضمه شـ.ـديد وقوي، يبقى ناجح اكتر مني انا كمان، والفرص اللي معرفتش اوصلها انا يوصلها هو .
أومـ.ـا.ت ببعض الطاعة، وقد بدا انها فهمت على وجهة نظره، ليعبر لها عن فرحته بإقناعها، بضمة كبيرة منه لها:
– حبيبتي المطيعة، بحبك اوي يا قلب كارم.
التقط ثغرها بقبلة جامحة شغوفة كعادته، استجابت تبادله ، حتى تطور الامر باللمسات الجريئة التي تعرفها، فعبرت عن تأففهها:
– كارم انت كلك عرق، دا مش ميعاد حمامك برضو؟
استفاق من نشوته ليستدرك على حالته بالفعل ، فتبسم يرخي ذراعيه عنها ؛
– انا فعلا مخدتش بالي، بس اعملك ايه بقى؟ ما انا معاكي بنسى نفسي.
قال الاَخيرة يقرص على وجنتها ، ليتابع بعد ذلك بعملية حينما انتبه على ساعة الحائط:
– دا انا كمان متأخر على شغلي وشغل رياض في الشركة اللي كلمني انوب عنه فيه.
هم ان يذهب ولكن زوجته لم تقوى على كبت سؤالها الملح:
– دا صاحبك قريب مصطفى عزام مش كدة، لكن دا ايه ظروفه بالظبط، متجوز ولا خاطب، انا عمري ما شوفته مع واحدة ست.
– ولا انا.
قالها زوجها بابتسامة متسعة يستطرد بدهشة وهو يخرج من الغرفة ويسحبها معه:
– من ساعة ما اتعرفت بيه ، وهو كل حياتة شغل في شغل، ماشي تمام اوي ودا اللي عاجبني فيه، بس بستغرب اوي عنه الموضوع ده، اصله كمان مش مقضيها نسوان في الخفا على حسب ما بعرف، ولا يمكن في وهو حريص زيادة.
– او يمكن بيحب.
خمنت بها ليمط شفتاه بعدm معرفة:
– يمكن بس هو انسان غامض اوي، مت عـ.ـر.فيش دmاغه بتفكر في ايه؟ عكس ابن خالته عدي ، كان واضح اوي معايا، ولا يمكن حكاية والده واللي حصل مع والدته مأثرين فيه.
– هو ايه اللي حصل معاهم؟
سألته بانتباه شـ.ـديد حتى توقف بها في وسط الردهة، ليداعب ذقنها :
– بعدين يا شاطرة ابقى احكيلك حكايتهم، وابعدي دلوقتي بقى من سكتي خليني اطلع اخد شاور واشوف اللي ورايا.
همت ان تتشبت بقميصه المتعرق وهي تخاطبه برجاء:
– طب دقيقتين بس احكيلي عنه نبذة مختصرة حتى.
ابتعد بجــــســ ـده عنها مغمغمًا بتسلية:
-،اوعي كدة عني، مش انتي مكنتيش طايقة ريحة عرقي من شوية، خلي الفضول ياكلك بقى.
قالها وتحرك مهرولا يصعد الدرج بخطوات مسرعة، لتغمغم في اثره بغـ.ـيظ:
– ماشي يا كارم، والله ما هسيبك.
❈-❈-❈
اعتدلت بجذعها عن جلستها بإجفال لا تصدق ما وصل لإسماعها عبر الهاتف:
– كااارم، كااارم مين اللي يمسك الشغل عنك يا رياض؟ وانت هتروح فين بالظبط؟
وصلها صوته الحاد:
– انا بكلمك في الشغل يا لورا ، يبقى تكلميني بصفة رسمية، بقولك شريكي كارم هو اللي هينوب عني النهاردة ، يبقى افهمي بقى من نفسك دا المطلوب منك ومن غير تعطيل.
انتفضت واقفة لتستطرد في محاولة للاستيعاب:
– حضرتك انا مش عايز اعطلك اكيد، انا بس بستفسر، دي مش عوايدك، وانت اهم حاجة عندك الشغل .
هذه المرة خفف من حدته:
– وحد قالك اني ههمل في شغلي؟ انا هوصل الست الوالدة للدكتور وبعد ما اطمن عليها هروح ان شاء الله ع الشغل وامارس نشاطي.
اومأت ببعض التفهم:
– تمام زي ما تحب ، بس معنى كدة بقى ان الدادة نبوية خفت وهي اللي هتروح معاك تراعيها؟
– لأ مخفتش لسة، واللي رايحة معانا بهجة .
– بهجة! بهجة مين؟ طب ما كنت انا روحت معاكم بدل الزفتة دي، ولا هي فاكراها فسحة دي كمان.
هتفت بها بانفعال لم تقوى على كتمانه، ليوقفها هو بصرامة:
– انتبهي لكلامك يا لورا، انا بلغتك بأمر الشغل، يبقى تنفذي المطلوب منك وانتي ساكتة ، وبس كدة.
ختم بجملته ينهي المكالمة بفظاظة، لتطالع هي الشاشة بصدmة، هذه اول مرة يعنفها غير أبهًا بصلة القرابة بينهم ، دائمًا ما كان يحترمها في العمل وغير العمل، تعلم انها بالغت في رد فعلها حينما أتت سيرة هذه الفتاة، ولكنها ايضا لا تحتمل كلمة عنها….
❈-❈-❈
دلفت تسحبها لداخل غرفة الطبيب المختص بحالتها، وقد تقدmهم هو اليه ، ليتلاقاه الاخر بالترحاب والتهليل :
– رياض باشا بنفسه في عيادتي المتواضعة، لا دي حاجة ولا في الخيال بقى.
– سجل بقى عشان تبقى للتاريخ.
قهقه المذكور يتبادل معه المزاح، قبل ان يدخل في صلب الموضوع؛
– يللا يا سيدي اهي الست الوالدة قدامك، عايزين نطمن ونعرف اخر التطورات في حالتها .
ذهبت عيني الطبيب نحو ما اشار ، ولكنه لم ينتبه للمريـ.ـضة، وقد انصبت ابصاره على من ترافقها:
– مين الأمورة.
صدرت منه كسؤال عادي وإعجاب لم يخفيه، ليأتيه الرد بحدة غير متوقعة من الاخر:
– امورة مين؟ انا بكلمك عن المريـ.ـضة، خليك في المريـ.ـضة يا هشام .
بدا واضحا اجفال الطبيب من طريقته الفظة عكس المزاح والحديث الودي منذ قليل، ليتحمحم ويجلي حلقه ، متحدثًا بجدية:
– خلاص يا رياض، انا بس كنت بهزر مع اني كنت عايز اعرف يعني هي تقربلكو ايه؟
– الجليسة بتاعتها يا دكتور.
خرجت منها سريعًا في رد له:
– اه تمام ، خلاص هاتيها قعديها هنا قصادي نرغي شوية الاول.
تقدmت بها نحو ما اشار على الكرسي المقابل له، تجلسها امامه، ليقابلها الطبيب بابتسامته المشرقة:
– مدام نجوان القمر، عاملة ايه النهاردة ؟
❈-❈-❈
بعد قليل خرج الاثنان بها، من غرفة الفحص، دون معرفة حقيقية لما وصلت اليه حالتها، هذا السكون المبالغ فيه والوداعة، يجعلانه دائما في حالة ترقب لها،
حديث الطبيب معه في ان يزيد من قربه لها كي تعطيه الامان وتتصالح معه بعد سنوات الجفاء بينهم، ربما يؤثر في حالتها النفسية ويجعلها تستجيب للتعافي الكامل، ولكن ماذا بيده اكثر من ذلك؟
هي من تجعله ينفعل عليها بأفعالها، حتى كلما حاول كسب ودها صدmته برد فعلها وكأنها لم تعد ترى فيه الا صورة زوجها الخائن الراحل، ونست انه ابنها .
– طب انت كدة ممكن تطلبلنا عم علي يوصلنا، وانت تروح شغلك يا فنـ.ـد.م.
نطقت بها بهجة تنتشله من شروده، ليعود اليها، محدقًا بها بتركيز شـ.ـديد، جعلها تتـ.ـو.تر في وقفتها مخاطبة له:
– يا فنـ.ـد.م انا بكلمك عن رجوعنا للبيت لو يعني……
– خلاص سمعت…..
تفوه بها مقاطعًا لها بفظاظة لا يعرف سببها، ولا يعلم بسر هذا الضيق الذي يشعر به الاَن تجاهها، حديثها منذ قليل وفصاحتها في مناقشة ما تلمسه من حالة نجوان مع الطبيب الذي برغم رزانته التي اشتهر بها، إلا انه معها كان كرجل اخر، يتباسط معها ويمازحها، حتى كاد ان ينسى المريـ.ـضة نفسها وابنها بكل هيبته، هذه الفتاة تفاجأه كل يوم باكتشاف جديد عن شخصيتها:
عض على نواجزه، يكبت غـــضــــب غير مبرر داخله، ليردف بخشونة وبصيغة الامر؛
– هاتيها وتعالي ورايا ع العربية ، انا اللي هرجعكم بنفسي.
❈-❈-❈
في السيارة التي كانت تقلهم في طريق العودة ، لم تنسى له طريقته الفظة في التحدث معها، واحساس بعدm الراحة يكتنفها، مع كل نظرة يوجهها لها عبر المرأة حيث كانت جالسة في المقعد الخلفي مع والدته، والتي صبت اهتمامها بها، لتتجاهله ولا تعطي له بالا .
ليلفت انتباهها تركيز الآخرى بالنظر نحو الخارج نحو جهة ما، وهذا البائع الذي التفت حوله الأطفال:
– ده بياع غزل البنات، تحبي اجيبلك منه.
حينما قالتها لم تقصد الجدية ولكن بلهفة الأخرى وتطلعها اليها كطفل صغير، تهز رأسها برجاء.
اجفلت هي لهذا الاصرار العجيب من المرأة لتنقل بنظرها نحو الأخر بـ.ـارتباك، تردد بتلعثم:
– انا ان كان عليا والله انزلك، بس بقى…..
– هنزل اجيبلها انا .
تمتم بها بخشونة، قبل ان يصطف السيارة فجأة، ويترجل منها بهيبته، ثم يشير للرجل البائع والذي هرول اليه على الفور تاركًا مجموعة الأطفال الملتفة حوله:
– ايوة يا سعادة البيه.
لم تتبين بهجة بالحديث الدائر بينه وبين البائع في الخارج، بجلستها هي في الداخل برفقة نجوان، حتى فاجئها هو بمجموعة دفعهم بضيق، حتى امتلأ حجرها هي والأخرى والتي هللت بوجه مشرق كطفل صغير، جعل الابتسامة تنير بوجه بهجة فرحًا لها،
– ياااه للدرجادي غزل البنات فرحك، ياريتني كنت اعرف من زمان كنت جيبتلك على طول .
فتحت نجوان احدى الاكياس تقطم منه قطعة كبيرة بتلذذ، ثم تناولها هي ايضا قطعة كي تشاركها، تلقتها منها بهجة بترحيب:
– حلوة اوي ، كأنك انتي اللي عملاه والله تسلم ايدك .
وبغير قصد منها لعقت الجزء المتبقي على طرف ابهامها، غافلة عمن تجمد محله في مشاهدتها، حتى انه نسي القيادة ونسي ما ينتظره من اعمال في متابعتها، حتى التقت خضرواتيها بدون قصد ببندقيته، لتطرق بحرج، تستدرك خطأها في عفوية لم تتعمدها، ولكنها فعلت به الافاعيل.
ليتحمحم مجليًا حلقه، وينتبه لنفسه، ليدير محرك السيارة ثم يتحرك نحو وجهته والعودة بهما الى المنزل.
❈-❈-❈
عقب عودتهم الى المنزل، كانت المفاجأة بانتظارهم، بوجود لورا الذى لم يتوقعه رياض ليباغتها بسؤاله على الفور:
– في حاجة حصلت يا لورا؟ وانتي هنا من امتى اصلا؟.
صدر ردها بوداعة:
– جاية هنا عشان الشغل طبعا،.
وقبل ان يستفسر منها توجهت نحو نجوان تستقبلها بود شـ.ـديد:
– طنط نجوان حبيبة قلبي.
اجفلت الاخيرة بضمها من تلك الفتاة، ونثر القبلات على جانبي وجهها، تخاطبها بحنان مبالغ فيه:
– حشـ.ـتـ.ـيني و ، حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي، سامحيني لو الشغل هو اللي واخدني منك.، انما انا لو عليا اجيلك كل يوم، وماما كمان دي نفسها اوي تشوفك.
– انتي مين؟
تمتمت بها نجوان لتدفعها عنها بضيق ، ومن دون كلمة اخرى ارتدت بقدmيها للخلف، نحو بهجة التي التزمت محلها، لتعود اليها وتتشبث بها كطفل صغير، بمشهد اوقد النيران برأس الأخرى،
لتبرق عينيها بحمم تطلقها نحوها، تلك التي استولت على قلب هذه المعتوهة، لتنال ثقتها، دونا عن المئات منن تقدmن لهذا العمل، ويبدو انه قد حان الان الدور عليه هو.
التفت اليه بأنفاس لاهثة ، لا تقوى حتى على تخيل الفكرة.
– لورا انتي ما قولتيش جاية ليه؟
كانت تلك صيحته نحوها، لتنتفض باستدراك سريع، وتتناول عدد من الملفات التي وضعتها على ذراع الأريكة ، ثم تعطيه اياها:
– حضرتك انا جيبالك دول، كارم باشا قام بالواجب وزيادة بس دول مطلوب فيهم امضتك الشخصية.
ألقى بنظرة سريعة بمستوى الاوراق، ليتمتم باستغراب:
– كان ممكن يستنوا على ما اجي الشركة بنفسي، بس يلا مش مهم ، هاخدهم ع المكتب اراجعهم وامضيهم،
تحرك خطوتين متمتمًا لها:
– استنيني هنا ولا خلي حد من الشغالين يعملك حاجة تشربيها.
اومأت بطاعة وابتسامة حلوة:
– اتفضل براحتك، انا مش غريبة .
حينما انصرف نحو وجهته، وتوقفت هي بوسط الردهة تجول بأبصارها هنا وهناك، حتى وجدت غايتها ، وذلك خلف الجدار الزجاجي ، حيث الجهة الاخرى، والحديقة الداخلية للمنزل،
وجلسة تجمع نجوان مع تلك الفتاة على طاولة لهم وحدهم.
ابتسامة غامضة لاحت على ملامحها، قبل ان تتحرك من محلها قاصدة وجهتهما.
❈-❈-❈
كانت نجوان مازالت تحتفظ بابتسامتها الحالمة وهي تتناول من قطع الحلوى التي أتت بها، تتناولها بتمهل وتلذذ بذوبانها داخل فمها، ونظرات شاردة جعلت بهجة المتابعة لها تعلق بتخمين:
– سرحانة ووشك مورد، شكلك كدة كنتي خارباها فسح ع النيل، حلبسة بقى ودرة مشوية وبطاطا ع الفحم……
توقفت فجأة بتردد مغمغمة:
– خايفة أسألك عن ذكرياتك دي كانت مع مين لا اخرب عليكي حالة الصفاء وانا مش واخدة بالي، بس اقولك بقى اهم حاجة تكوني مبسوطة، يعني انا هعوز ايه اكتر من كدة؟
– انتي هنا يا طنط وانا بدور عليكي.
جاء الصوت من خلفها، لتلتف بجذعها بهجة، فتحققت من هذه المتعجرفة، وهي تقترب منها، بهيئتها كعارضات الازياء ، كل شيء بها مرسوم بدقة، مع اهتمام مبالغ فيه، يجعلها قبلة للنظر.
– أخبـ.ـارك ايه يا بهجة؟
كان هذا السؤال اول ما نطقت به فور أن توقفت امامهم بابتسامة لا تخلو من استخفاف ،فجاء رد بهجة تبادلها بواحدة صفراء:
– الحمد لله يا لورا هانم رضا.
– اممم ، وعلى كدة بقى، انتي مبسوطة هنا؟
لم تعجبها نبرة السؤال :
– انبساط! لا يا هانم، تقدري تقولي بقيت اتعود ، لكن انبساط دي حاجة بعيدة اوي، ربنا يكرمنا بيها.
زمت شفتيها بهذه الابتسامة المستفزة، ثم جلست مخاطبة لها بزوق غريب عنها:
– ماشي يا بهجة، طب ممكن بقى تقولي لحد من الشغالين يحضرلي حاجة اشربها، يعني لو مش هتقل عليكي.
حينما نقلت بهجة بابصارها نحو نجوان التي انكمشت بنظرات الخــــوف وكأنها طفلة تخشى الغرباء، سارعت تطمئنها:
– ما تخافيش على طنط انا هراعيها بنفسي، هي اول مرة يعني؟ ولا انا غريبة عنها؟
اضطرت بهجة ان تزعن لالحاحها، وتنهض تنفذ طلبها ، تاركة نجوان التي صارت تتابعها بأعين راجية الا تتركها، لتطمئنها قبل ان تستدير عنها وتذهب:
– جيالك على طول متخافيش.
تطلعت لورا في أثرها بنظرات حارقة، لترتخي ملامحها بعد ذلك وتلطف بقولها نحو الأخرى:
– ايه يا طنط، معقول تكوني خايفة مني للدرجادي، هو انا غريبة عنك يعني؟ ولا هتنسي صلة الدm اللي ما بينا؟
حينما جذبت انتباهها اخيرا، واصلت لورا بطريقتها الناعمة:
– انا عارفة انك عاقلة وست العاقلين كمان، بدليل انك منتبهة لكلامي دلوقتي، طب اقولك على حاجة…….
توقفت فجأة تدور ابصارها في الانحاء كافة قبل ان تعود اليها هامسة:
– انا جيالك النهاردة مخصوص عشان احذرك، البـ.ـنت دي اللي اسمها بهجة، عارفة تبقى قريبة مين؟
دارت مقلتيها مرة اخرى قبل ان تخبرها بهمس يقارب الفحيح؛
– تبقى قريبة ناريمان، فاكرة ناريمان؟
لاحت على ثغرها البسمة ، حينما رأت الزعر الذي اعتلى ملامح الاخرى، لتكمل بانتشاء .
– ايوة هي بعينها يا طنط ناريمان، وجاية تخـ.ـطـ.ـف حكيم منك…… شوفتي بقى .
توقفت تراقب تأثير الكلمـ.ـا.ت عليها، بعدmا حطت بيداها على الجـ.ـر.ح الخامد، تنخر فيه بأظافرها، لتقلب كيان المرأة بذكريات بشعة وصورة غريمتها التي حلت امامها، تغشي عينيها عن الرؤية، فيعلو صدرها ويهبط بانفاس متسارعة وبصورة انبأت الأخرى بقرب الوصول لهدفها ، فتنسحب من امامها بهدوء، وتبتعد مع مراقبتها بحرص، حتى انتبهت لعودة الأخرى من الجهة الاخرى، لتنهض نجوان من محلها، تحركها الذكرى البائسة، وقد توقف عقلها عند هذه النقطة، ولم يعد يعمل ولا يميز أي شيء
لتندفع بغـــضــــبها مسرعة بخطواتها نحوها وكأنها ذاهبة الى الحرب ، فتتلاقها بوسط المسافة عند المسبح، ويحدث ما يحدث !
❈-❈-❈
تتأوه بتعب ، شاعرة بثقل ودوار يلف رأسها وهي تجاهد لالتقاط الوعي، حتى فتحت عينيها للضوء القوي، مستغربة النعومة الشـ.ـديدة بالفراش، لتتضح الرؤية رويدا رويدا امامها، ولكن…..
هذه ليست غرفتها، ولا هذا فراشها، ولا….
– يا نهار اسود
هتفت بها تعدل جذعها بجزع، حينما انتبهت على ما ترتديه:
– هدومي راحت فين؟ وهدوم مين دي اللي انا لابساها؟
لترفع عنها الغطاء وتنهض عن الفراش رغم دوار رأسها الذي كاد ان يسقطها ارضا، لولا أن لحقت بنفسها، لتستند بيدها على قائم التخت، لكن سرعان ما استقامت لتتحامل على هذا الدوار الشـ.ـديد، وتخرج من الغرفة الفخمة تبحث بأبصارها يمينا ويسارًا حتى وقعت عينيها عليه ، جالسًا بأحد الاركان على الاَريكة الاثيرة ،
امام حاسوبه الذي كان يعمل عليه بانشغال تام ، حتى اخترقت اسماعه صيحتها، ليجفل، ويهتز كوب القهوة بيده، حتى اسقط كمية كبيرة من المشروب الساخن على قميصه ولوح المفاتيح للحاسوب، كما احرق جزء من بشرته، ليتأوه بصمت وهو يسمع لها:
– انا كنت في الاوضة االي جوا بعمل ايه؟ ومين اللي غير لي هدومي؟ انتوا عملتو فيا ايه بالظبط؟
اشار بيده والأخرى صار يمسح بها بالمحرمة على قميصه ولوح المفاتيح، متمتمًا ببعض الهدوء:
– طب اهدي خليني افهمك.
– تفهموني ايه؟ دا انا هوديكم في داهية،
صرخت بها، تهم بالمتابعة بالسباب، ولكنه اوقفها بحزم وصرامة:.
– اسمعي مني الاول بقى وافهمي، ولا اسيبك على عماكي احسن ……
انهارت ساقطة على الارض، وقد غلبها التعب الجــــســ ـدي، وجزع داخلها يجعل قلبها ينتفض خــــوفا، ان يكون حدث معها شيء لا تستطيع العيش معه، شيء تفضل المـ.ـو.ت على ان يحدث.
– انا مش عايزة ابقى على عمايا، انا عايزة افهم، ارجوك انا مش فاكرة اي حاجة..
زفر يمسح بكفه على وجهه لينهض ذاهبًا نحوها، يمد يده اليها :
– قومي يا بهجة الاول واستريحي ع الكنبة، بلاش قعدة الارض.
رفضت قاطعة:
– لا انا مش عايزة اقوم، انت اتكلم وانا كدة مستريحه.
امام اصرارها لم يجد بدا من مهادنتها، ليجلس هو على اقرب المقاعد اليها، ثم يستعيد برأسه ما حدث ، ولحظات من اصعب ما مر عليه
((قبل ساعات من الاَن
وقد كان بغرفة مكتبه، منكفئًا على عمله على عدد الملفات التي أتت بهم مساعدته لورا، بتركيز تام ، حتى اجفل على صوت صراخ غير مفهوم، لم يميزه في البداية، حتى دوى الاسم المعروف بذهنه:
– حكييييم، حكييييم.
انتفض على الفور وقد علم ان تلك والدته، ليخرج مهرولا يتبع الصوت الذي ذهب به الى الحديقة، وكانت المفاجأة حينما وجدها بالقرب من المسبح، تنتحب وتنتفض محلها، وقبل ان يتخذ طريقه نحوها، صعق بالأفظع،
وذلك برؤية الجــــســ ـد البشري وهو يصارع الغرق بداخل المياه، وقد تيقن تماما من ضعف مقاومتها، وانها على وشك ان تستسلم للمـ.ـو.ت،
ليتخذ القرار على الفور، ويلقي بنفسه داخل المياه فيحملها من ظهرها بذراع والأخر يدفع به داخل المياه حتى خرج بها يلقيها على السطح الرخامي فاقدة للوعي.
فحاول بخبرته القليلة إجراء الاسعافات الاولية لها ، بالضغط بكفيه وقلبها ايضا لإخراج الماء الذي دخل مجري التنفس لها.
– فوقي يا بهجة الله يخليكي فوقي.
– ايه اللي حصل انا كنت جوا بعمل مكالمة تليفون.
كان هذا صوت لورا التي أتت للتو من الداخل، لم يلتفت لها ، وقد كان مشغولا في اسعاف الأخرى، والتي اضطر في الأخير ان يجري لها تنفس صناعي، ليصدر صوت شهقة مفاجأة من لورا التي كادت ان تصاب بأزمة قلبيه، مع استجابه الأخرى، وسعالها في إشارة لعودتها للحياة مرة اخرى، ولكن بنصف وعي ، ليحملها هو ذاهبًا بها الى الداخل.
– انتبهي على ماما على ما ارجعلك يا لورا؟
صرخت به ضاربة الارض بقدmيها:
– ودي هتروح بيها على فين؟
– لم يكلف نفسه عناء الإجابة، فواصل طريقة حتى ذهب بها الى احدى الغرف، مناديا على احدى الخادmـ.ـا.ت ، حتى تخلع عنها ملابسها وتراعيها، حتى يأتي بالطبيب اليها ، ويذهب هو للاطمئنان على والدته.))
– ادي كل اللي حصل يا بهجة، لساكي برضو مش فاكرة؟
كان هذا سؤاله فور ان قص عليها كل شيء، وقد اقتص من الجزء الخاص بإسعافها ذكر التنفس الصناعي، ليختص به لنفسه ، فيكفيه ما يكتنفه الاَن من مشاعر كاسحة، بقبلة الحياة التي لم يتعمدها، ولكنها قلبت كيانه رأسا على عقب ، بالكاد يحاول التوازن امامها ، وصرف افكاره بقدر الامكان .
لينتبه على اجابتها، بعدmا نفت بهز رأسها، وقد تغضنت ملامحها بالحـ.ـز.ن، لترد بصوت بالكاد خرج:
– دلوقتي بس افتكرت، انا كنت راجعة من المطبخ، بعد ما سيبتها مع لورا، كانت هادية وراسية بشكل فرحني، لدرجة اني لما شوفتها جاية عليا بوشها مقلوب، افتكرتها بتهزر، قبل ما تفاجأني والاقيها بترميني على حوض السباحة، ووقفت قدامي تبص عليا كأنها تمثال ، وانا بصرخ عليها واقولها:
– بتزقيني ليه انا مبعرفش اعوم؟ نادي حد يخرجني، نادي حد يخرجني.
ختمت تمسح دmعات خائنة سقطت منها، متابعة:
– طب هي عملت كدة ليه معايا، دا انا اديتها الامان وافتكرتها بتحبني.
ردد خلفها بتأكيد:
– بس هي فعلا بتحبك يا بهجة، بدليل صريخها عليكي وعشان حد ينقذك.
– امتى؟ دا انا مش فاكرة غير فرجتها عليا .
– وانا بقولك اللي حصل يا بهجة، ماما من ساعة اللي حصل قافلة على نفسها في حالة مشوفتهاش عليها بقالي سنين، اكيد يعني انا مش هكدب عليكي.
اومأت بتفهم، لا تستبعد هذا الفعل منها. فهي كالبحر مرة تخدعها بهدوها وصفاءها، ومرة اخرى تصفعها بأمواجها العاتية.
استدركت فجأة تسأله:
– صحيح انا كنت سيباها مع لورا، راحت فين وسابتها؟
مط شفتيه بعدm معرفة:
– بتقول انها كانت بتعمل مكالمة ساعة اللي حصل، المهم دلوقتي انا كنت عايز اعرف قرارك عن الاستمرار هنا او عدm الاستمرار، وانا في كل الحالات هعوضك عن اللي حصل معاكي، دا حقك عليا، قرارك دلوقتي بقى يا بهجة.
صمتت قليلًا بتفكير، قبل ان يصدر ردها النهائي:
– انا عايزة اشوفها الاول ، قبل ما احدد اي قرار.
زمجرة بغليل خرجت منها، تدفع محتويات مكتبها على الارض بعنف اصدر ضجيجًا دوي في أنحاء المنزل، حتى اجفل والدتها من خارج الغرفة، لتدلف اليها سائلة بجزع تستكشف الأمر:
– يا نهار اسود، ايه اللي حصل يا لورا؟
التفت إليها ، قابضة على شعر رأسها تكاد ان تقــ,تــلعه مرددة:
– مفيش حاجة حصلت يا ماما، المصـ يـ بـةان مفيش حاجة حصلت؟ ودا اللي هيجنني وبيخليني اسأل نفسي كل دقيقة، انا ايه اللي ناقصني عشان ما يشوفنيش؟ ليه دايما حاططني في خانة القرايب او الموظفة اللي عنده، امتى بقى يحس بيا؟ حتى يرحمني من النار اللي بتاكل فيا وانا كل لحظة يدور عقلي بالهواجس، انه يبص لواحدة غيري ولا يفكر في الجواز، هتجنن يا ماما هتجنن.
دفعت في الاخيرة احد المقاعد تسقطها بقدmها، قبل ان تخور قوتها وتسقط على الاخر، بمشهد اثار استفزاز والدتها:
– يعني انا افهم من كدة، ان الجنان والتكسير والبهدلة دي كلها، عشان الباشا اللي مش راضي يعبرك ولا يحس بحبك، ما عنه ما اتنيل، هي خلاص الرجـ.ـا.لة صفصفت عليه ؟ الدنيا حواليكي مليانة شباب زي الورد، لكن انتي اللي عمـ.ـيـ.ـتي نظرك ووقفتي الرؤية عليه هو بس…. فوقي يا حبيبتي قبل الوقت ما يسـ.ـر.قك، ويضيع عمرك بالقعدة جمبه.
طالعتها بحنق متعاظم، تخاطبها بعتب:
– شكرا اوي يا مامي ع المؤازرة، دا بدل ما تقفي جمبي وتدليني على طريقة تقربه ليا.
لطـ.ـمـ.ـت والدتها كفيها ببعضهما، لتتخصر ناظرة اليها بقنوط، قابلته لورا بضحكة ساخرة:
– شوفي انتي بتتكلمي ازاي عن إنى اسيبه واشوف غيره بكل سهولة، ومت عـ.ـر.فيش اني بقيت اغير عليه من الخدامين يا مامي، تصدقيها دي؟ انا حالتي بقت متأخرة في حبه، ودوايا هو.
هذه المرة حلت الابتسامة على ثغر والدتها، ولكن بمرارة على حال ابـ.ـنتها:
– يبقى انتي كدة هتحصلي والدته يا قلبي، ما هو اللي ضيع نجوان هو الهوس بجوزها، اللي هو صورة من ابنه، بس ع الاقل حكيم رغم كل عيوبه كان بيحب مـ.ـر.اته، انما انتي يا حلوة، حجتك ايه؟ مهووسة بحب راجـ.ـل مش حاسس بيكي من الأساس.
وعلى عكس ما توقعت بعدmا حدثتها بالمنطق، جاءها رد ابـ.ـنتها بتصميم وتشبث:
– عشان طنت نجوان كانت ضعيفة يا ماما، يبقى تستاهل اللي حصل لها، انما بـ.ـنتك بقى……
توقفت تضع قدmا فوق الاخرى، تردف بثقة:
– قوية، وقوية اوي كمان، وعمرها ما هتتنازل عن حلمها .
❈-❈-❈
دلفت تتبعه حينما دفع الباب ليتوقفا الاثنان بمدخل الغرفة، فيشير لها بيده نحو الأخرى، وتفاجأ برؤيتها؛ متكومة على الفراش، تحتضن ذاتها من ركبتيها الى صدرها، وكأنها طفل صغير، أضاع والديه، وتاه في عالم غير عالمه الذي يعرفه،
برغم كل ما تحمله من غـــضــــب نحوها، إلا ان مشهدها بهذه الصورة مزق قلبها ، كيف انقلبت هكذا من حالة الحالمية والشرود الجميل الى هذه المرأة البائسة التي تبدو كعجوز كـ.ـسرها الحـ.ـز.ن:
– هي ليه عاملة كدة؟
كان هذا هو السؤال الذي صدر منها في رد فعل اولي لما تراه، فتنهد هو بأسى يضع كفيه بجيبي بنطاله قائلا:
– اهي ع الحال ده من ساعة اللي حصل، في البداية كانت بتصرخ بهستيريا واحنا مش فاهمين عايزة ايه؟ فا اضطرينا نديها حقنة مهدئة، نامت بعدها، لكن من ساعة ما صحيت وهي ع الحال ده، مش عايزة تقوم من ع السرير ولا تاكل ولا تشرب ، انا احترت معاها وبفكر جديا اوديها لأي مصحة…..
قاطعته معارضة على الفور:
– لا حـ.ـر.ام ارجوك، الدكتور امبـ.ـارح نبه على قربك منها ، وانها تحس بحبك واحتياجك ليها ، لو نقلتها للمصحة يستحيل ترجع لطبيعتها تاني ولا تخف .
لحظات من الصمت بينهم، وهو يحدق بها بنظرات لم تفهمها، وهي في انتظار رده.
، يدهشه خــــوفها على والدته رغم ما فعلته معها وقد كانت على وشك المـ.ـو.ت بسببها، كيف تمتلك قلبًا يتسع للتسامح في امر كهذا؟
نفض رأسه يتصرف بعمليه، مقررا بذكاء منه استغلال الفرصة:
– طب انا من رأيي تقعدي معاها الاول وتحددي قرارك ، وبعدها اشوف انا الحل المناسب.
اومأت رأسها بتـ.ـو.تر ، لتخطو نحو المرأة المتعبة، تلك التي انتبهت عليها، لتتعلق ابصارها بها، تغشي عينيها الدmـ.ـو.ع التي بدأت تهطل بنـ.ـد.م ورجاء، التمسته بهجة، لتسقط جالسة بجوارها تخطابها بحيرة وعتاب :
– طب بتعيطي ليه دلوقتي؟ انا اللي حقي ازعل منك على فكرة .
اهتز صوتها في الاخير بتأثر واضح، لتفاجأ برد فعل نجوان، التي نهضت بجذعها مرددة بكلمـ.ـا.ت بالكاد تفهم:
– انتي مش هي، انتي مش هي .
– هي مين؟ وضحي اكتر عشان افهم؟
لم تجد اي رد منها، سوى ان فاجأتها تحتضنها بدmـ.ـو.ع صامتة، تبلل كتفيها ، تزيد من تشتتها، فتردد بإجهاد وتعب:
– طب والله حـ.ـر.ام عليكي اللي بتعمليه فيا ده؟ انا دلوقتي اكرهك ولا احبك، تصعبي عليا ولا ادعي عليكي عشان كنتي هتمـ.ـو.تيني؟ انتي ايه حكايتك معايا؟
دوت عبـ.ـارتها الاخيرة، برأس ذلك المتابع لمشهدهم من اوله، وكأنها تنطبق على حالته معها، تلك الحنون التي تسامحت في غضون دقائق مع واحدة لا تعرفها سوى من فترة لا تتعدى الأسابيع، بفعل لم يقوى هو عليه مع اقرب الناس اليه، رغم مرور السنين.
❈-❈-❈
خرجت اليه بعد قليل،
وقد بدلت ملابسها، لأخرى التي أتت بها، بعدmا جففتها لها عاملة المنزل، لتخطو نحوه وملامح التردد تعلو تعابيرها، وهو يراقبها ويتشرب تفاصيلها بشغف هو نفسه لا يصدقه، بعد سنوات لا يذكر عددها، تساوت فيها النساء مع الرجـ.ـال في نظره، لا يلتفت ولا يعطي بالا لاحداهن، مهما كانت درجة جمالها، ومميزاتها، انما مع هذه…… يبدو ان الأمر مختلف تماما.
– تعالي اقعدي يا بهجة.
هتف يدعوها ، يزيح الحاسوب عن قدmيه، مؤجلا العمل عليه حتى ينهي النقاش المهم معها، ليردف فور ان استجابت وجلست امامه:
– ما انا مضطر اتابع بقى الشغل من بيتي.
فهمت على مقصده من خلف الكلمـ.ـا.ت، لتعقب بأسف:
– معلش يا فنـ.ـد.م اننا عطلناك على شغلك.
قالتها لتطرق برأسها بحرج منه، فجاء رده بمراوغة:
– والله لو ع اليوم ده وخلاص ، تعدي يا بهجة، انما المشكلة ع الايام اللي جاية بقى، لو انتي رفضتي الاستمرار، انا بصراحة مش عارف ساعتها هعمل ايه لحد ما تقوم الدادة نبوية من رقدتها الشـ.ـديدة دي.
افتر فاهاها تهم بالرد ولكنه كان الاسبق :
– انا مش بضغط عليكي يا بهجة، انتي ليكي الحرية انك تحددي قرارك، وحاجة تانية….
توقف يعطيها مبلغا من النقود في ظرف ابيض، قائلًا:
– دول حاجة بسيطة يا بهجة، وملهمش دعوة بأي شيء.
تطلعت في الظرف المغلق بعدmا وضع في كفها، يظهر مبلغا كبيرة من النقود، لتعبر عن رفضها:
– بس دول كتير اوي وانا معملتش حاجة.
– انتي كنتي هتروحي فيها يا بهحة، يبقى معملتيش ازاي بس؟
تمتم بها متفكهًا على غير طبيعته، ليجبرها على الابتسام رغم تـ.ـو.ترها، فترد بخجل:
– العمر والأجل دا بإيد ربنا.
– ونعم بالله .
تمتم بها، ثم صمت في انتظار ردها، والذي جاء بعد فترة سائلة:
– طب ممكن اعرف انت هتعمل ايه معاها؟ بس من بعد اذنك يعني بلاش المصحة.
– معنى كدة انك قررتي عدm الاستمرار يا بهجة؟
جاء ردها بحيرة ظاهرة:
– ما انا بصراحة خايفة منها بعد اللي حصل، وبرضوا صعبانة عليا، ومش فاهمة هي عملت معايا كدة ليه؟
– بس هي بتحبك والتصرف اللي طلع منها دا انا مش عارف هو حصل ازاي ، بس اللي متأكد منه، بعد اللي شوفته جوا معاكي، هو انه لا يمكن يحصل تأني.
اشار في الاخيرة على ما حدث منذ دقائق بداخل غرفة والدته ، حينما تشبثت بها كالاطفال وبأعين دامعة، وهذا لا يحدث الا نادرًا.
حينما وجدها صامتة، تابع يضغط على هذا الجزء الضعيف بها:
– ع العموم لورا لساها بتدور على واحدة ، دا غير انها عرضت عليا تتكفل بيها في بيتها لحد ما الدادة نبوية تسترد صحتها .
– بلاش لورا عشان بتخاف منها.
خرجت منها سريعا بتعبير واضح عن رفضها، ليعقب هو بقلة حيلة لا تخلو من مكر:
– طب اعمل ايه بس يا بهجة، ما هو يا الحل ده، يا اوديها المصحة.
– تاتي المصحة برضو؟
تمتمت بها، ثم اغمضت عينيها تستغفر ربها، وتناجيه العون ، وهو يطالعها بترقب في انتظار الرد، والذي لم يأتي إلا اخيرا:
– طب انا هاخد الكام يوم دول لحد ما ترجع دادة نبوية ويشفي عنها يارب ، بعدها بقى، ابقى اقرر استمراري من عدmه من عشرتي معاها.
زفر بـ.ـارتياح مغمغمًا:
– وانا مش هنسالك المعروف دا ابدا يا بهجة ، وبرضوا مش هتأخر عنك في عائد مادي تستحقيه.
تمتمت بتـ.ـو.تر :
– مش مهم العائد المادي، قصاد انها متأذنيش، ربنا يهديها عليا .
❈-❈-❈
لا يوجد اجمل من ان يأتيك الفرج بعد طول عـ.ـذ.اب، ومن حيث لا تحتسب،
فرحة تغمرها بشكل لا يوصف، رغم الالم ولحظات الأسى التي مرت بها، والو.جـ.ـع الجــــســ ـدي الذي لم يذهب حتى الاَن.
الا انها لا تنكر فرحتها الاَن، وهذه المبلغ المحترم من المال ، سيمكنها من دفع عدد كبير من الديون والاقساط التي رغم صغرها، إلا ان كثرة عددها، يجعلها طوق في الرقبة يخـ.ـنـ.ـقها، سوف تتمكن من شراء شيء ما لها يصلح للخروج، ولشقيقاتها ايضا.
لن تبقي على قرش واحد منهم، فما تصرفه الاَن، تعلم ان الله سوف يخلفه.
– احنا وصلنا الحارة يا بهجة، تحبي تنزلي هنا مطرح ما بتنزلي كل يوم ، ولا ادخل بيكي داخل منطقتكم؟
قالها العم علي بمشاكسة، استجابت لها بابتسامة قائلة:
– كتر خيرك يا عم علي، كل مرة تسألني السؤال وانت عارف اجابته.
تفكه بطرافة منه، يُسمعها قبل ان تترجل من السيارة:
– الحق عليا ، اني مستغليتش وانتي سرحانة، ودخلت بيكي في قلب الحارة وقدام باب بيتكم ، واقولك انزلي.
– ساعتها مكنتش هتعرف تخرج بيها يا عجوز يا لئيم .
صدحت ضحكات الرجل العجوز في قلب السيارة، في رد فعل على كلمـ.ـا.تها، لتغادر هي بابتسامة متسعة ، خبئت بعدها بقليل، فور ان وقعت عينيها على ابن عمها الأصغر، والذي وكأنه اتفق مع شقيقه الاخر في تضييق الخناق عليها، الا يكفيها عمها وزوجته المتسلطة وابـ.ـنتهم الحمقاء التي لا تجد راحتها الا بتعكير صفوها في كل مرة تقابلها، فلينجدها الله منهم.
– راجعة ع الساعة اتناشر وفي عربية اخر موديل يا بهجة.
زفرت تقابله بحنق مرددة:
– وانت مالك؟
اشار بسبابته على صدره بصدmة:
– انا مالي يا بهجة؟
– اه انت مالك؟ ومستعدة اكررها للصبح يمكن تفهمها.
قالتها بتصميم اوغر صدره، حتى كاد ان يتفوه برد قوي، ولكنه توقف على قدوم شقيقها والذي تجهم سائلا:
– واقفة ليه عندك يا بهجة؟
وقبل ان ينطق هو وجدها تجيبه:
– ابن عمك بيحقق معايا على رجوعي الساعة اتناشر، ورجوعي في عربية يا ايهاب، ولما بقوله انت مالك زعل.
– دا بجد؟
غمغم بها شقيقها موجهًا نظراته نحو ابن عمه، ثم اجفله بقوله:
– طب انت مالك صحيح؟
ختم ضاحكا يسحب شقيقته ويذهب بها من أمامه بكل هدوء واريحيه، تاركا الاخر بفاه منفرج في متابعتهم، ثم يغمغم بالسباب والشتائم.
❈-❈-❈
توقف موكب السيارات امام القصر القديم الطراز والمتجدد بأحدث الوسائل، ليترجل من احداهم بهيبته، ثم التف نحو الجهة الاخرى، يتناول كف امرأته التي كانت تجد صعوبة في النزول لولا مساعدته، وذلك نتيجة لحملها في الشهور الاخيرة بالجنين الذي يتشوقا اليه منذ سنين، منذ زواجه بها،
– براحة يا روح قلبي، على اقل من مهلك.
ردت زوجته بامتنان ، تريح برأسها على ذراعه الذي تستند عليه:
– ربنا يخليك ليا يا مصطفي، متحملني رغم التعب المستمر، ولا شكلي اللي بقى بشع.
تنهيدة مثقلة صدرت منه، يقبل كف يدها بلوعة:
– شكلك ايه بس ولا بتاع، هو انا شوفت ولا عمري هشوف غيرك، يا نجمة الجماهير انتي، ياللي هتخلفيلي اجمل طفل على سطح الكوكب، يااااه دا انا متشوق اوي.
ربتت نور برقة على يده التي تحاوطها، ثم قامت بطبع قبلة خاطفة على كتف ذراعه بحب متمتمة:
– هانت يا روح قلبي، فات الكتير مبقاش الا القليل، كلها ايام ويهل ولي العهد ، ربنا يعديهم بقى على خير زي اللي فاتوا .
– يارب يارب .
تضرع بها الى الخالق بشوق جارف، يعد على اصابعه، بقرب الوصول لأجمل الأهداف التي ينتظرها، فصبره الذي طال يستحق المكأفاة، بعشمه في كرم الخالق.
– مصطفي.
دوى الصوت القوي ينتشله من عالمه الوردي، ليتفاجأ بها جالسة في انتظاره في بهو القصر، تستند بذقنها على رأس عصاها، وكأنها كانت في انتظاره، لتهمس زوجته بخــــوف منها:
– مامتك قاعدة مستنياك يا مصطفى، باينها زعلانة كالعادة، انا بصراحة مش هتحمل القعدة، همـ.ـو.ت وانام.
رد بهمس هو الاخر:.
– خلاص اطلعي وانا هحصلك.
سحب ذراعه منها، لتعتمد على ذاتها في الباقي، ثم ألقت بالتحية على المرأة ذات الوجه العابس:
– مساء الخير يا طنط،
– مساء النور يا روح طنط.
رددت بها بهيرة بسـ ـخـــريــة لم تخفى على ابنها ، الذي تعمد التجاهل كعادته، تجنبا لغـــضــــبها:
– نعم يا ست الكل، مش عوايدك يعني تسهري.
مطت شفتيها بابتسامة ليس لها معني، قائلة:
– خلينا نتعلم يا سيدي منكم،… ع العموم دا مش موضوعنا
– امال ايه هو موضوعنا؟
سألها مستفسرًا، لتجيبه بعد برهة من الوقت :
– انا كنت بفكر اشتري قصر جدك شوكت باشا، عايزة اجدده، وارجعه لاصله.
قطب قليلًا بتفكير ، ليعقب بعد ذلك:
– بس دا ورثك مع خالتو نجوان، هتبيع ازاي نصيبها بحالتها دي؟
– من ابنها
– يا ماما وافرضي رياض قبل ومضى، وخالتو رجع لها عقلها بعد كدة وخفت، هتتقبل ازاي الأمر لما تلاقي نصيبها بقى ملكك انتي .
زمت شفتيها تضـ.ـر.ب بعصاها على الارض بحنق:
– وانا بقى هفضل تحت امرها؟ حد قالها تروح تتجوز برا العيلة من واحد العوبان زي حكيم، خسرها فلوسها، وبمـ.ـو.ته اخد عقلها كمان، ما هي لو سمعت الكلام، مكنش دا كله حصل لها.
يعلم ان جادلها ستواصل ولن تتوقف ، وهو بالكاد تحمله قدmيه، لذلك فضل مجاراتها:
– حاضر يا ماما ، هشوف الموضوع ده مع رياض، وهو يتصرف، عن اذنك بقى عشان همـ.ـو.ت وانام .
لم يتلقى منها رد، فنهض متابعًا انسحابه:
– تصبحي على خير بقى يا ست الكل، عن اذنك.
تابعت انصرافه وهروبه منها بضيق :
– ماشي يا مصطفى،انا برضو مش هسكت غير لما اخد القصر.
❈-❈-❈
مرت عدة أيام في مجالستها للمرأة بهدوء وبعض الارتياح بما لمسته منها من تغير، وقد اصبحت تستجيب لها وتطيعها دوما ، أدmنت القصص والروايات، وقراءتها من قبل بهجة، وكأنها تكفر عن ذنبها وخطأها.
حتى أتى ذلك اليوم حينما وصلها اتصال من شقيقتها، تخبرها عن حمى مفاجئة أصابت شقيقها، عقب عودته من إحدى دروسه.
فحاولت الاتصال بصاحب العمل حتى تستأذنه وتترك نجوان في حوزته، فمسؤولية الخروج الاَن مع عدm توقع أفعالها الغير مضمونة على الإطـ.ـلا.ق يقيد عقلها عن التفكير بأي شيء ، ولكنها لا تقدر على المكوث هنا وشقيقها لا تعلم بما اصابه ومع محاولات الاتصال المتكررة وفشل الوصول اليه، اضطرت في الأخير ان تبعث رئيستها في عمل المصنع لتُعلم هذه المتعجرفة مساعدته في المصنع كي تخبره، وحينما لم تجد منها نتيجة هي ايضا، حسمت امرها لتتخذ القرار.
❈-❈-❈
– قلب اختك يا حبيبي، ايه اللي حصله يا جنات؟
هتفت بكلمـ.ـا.تها، فور ان دلفت اليه عائدة من الخارج، تسحب بيدها نجوان التي وقفت محلها بانشـ.ـداه،
وهي تراها تسقط بجوار شقيقها على الفراش.
لياتيها الرد من جنات:
– رجع من برا ع الحال دي يا بهجة، جـ.ـسمه مولع وبيجر رجليه بالعافـ.ـية، حاولت معاه بالكمادات، الحرارة نزلت يدوب شوية صغيرين، وبعدها رجعت تاني رغم البرشام اللي خده، انا مش عارفة والله اعمل معاه ايه تاني؟
– متعمليش حاجة، انا اساسا اتصلت بالدكتور، وانا جاية وبتابع معاكي في السكة.
اومأت جنات برأسها لتشير اليها بعد ذلك بذقنها، نحو الأخرى باستفهام ، لتنتبه بهجة على وقفتها مازالت محلها؛
– اه دي نجوان هانم اللي انا شغالة عندها، اقعدي يا هانم، واقفة ليه على رجلك، تعالى اقعدي ع الكنبة اللي هناك دي.
بحالة من الارتباك ، لم تتحرك نجوان من محلها ، لتنهض جنات بسرعة بديهة، فتقترب منها وتسحبها برقة ولطف:
– تعالي اقعدي وريحي رجلك، اينعم هي الكنبة على قد الحال، بس والله مريحة.
اومأت رأسها باضطراب، تسجيب لسحبها ، حتى جلست على هذا الشيء الجديد عليها ببعض الهدوء، الذي طمأن بهجة بعض الشي لتهتم بشقيقها، بعدmا اعطت تعليمـ.ـا.تها لجنات بقفل باب المنزل الخارجي والحرص الشـ.ـديد منها، فهي حتى الاَن لا تعطيها الامان .
❈-❈-❈
وفي الاسفل
هللت سامية نحو اسرتها تخبرهم:
– شوفتي ياما، شوفت يابا، الحارة كلها مقلوبة تحت ع العربية الزيرو اللي سادة الشارع.
سبقهم بالرد شقيقها الأوسط سامر:
– اه يا ختي شوفناها، وشوفنا كمان مين نزل منها ، عارف يابا العربية دي تبع مين؟
رد خميس بلهفة:
– مين يا واد؟
– بهجة بت اخوك يابا، ودي مش اول مرة على فكرة، انا شوفتها نازلة قريب منها برا الحارة، ودلوقتي جايبة معاها واحدة ست شكلها هانم بشعر اصفر، ولا اللي بيطلعو في المسلسلات التركي بحلاوتهم رغم سنها الكبير.
برقت عيني والده بشغف استفز درية لتتدخل وتنهره:
– تركي ولا مصري، هي جاية بيها هنا ليه؟ وتعرفها منين اصلا؟
– الله اعلم.
تمتم بها سامر، ليجلس محله ويتكيء مضجعًا على الاريكة، فعلقت شقيقته بحقد:
– ودي هتغلب برضو، اكيد لقت لها سكة مع الست اللي بتقول عليها، انا ملاحظاها هي وواخواتها بقالي فترة، كلهم طقموا بالجديد، والنعمة بانت عليهم، دا البلوزة اللي خرجت بيها البـ.ـنت جنات امبـ.ـارح، انا كنت همـ.ـو.ت عليها واجيبها، بس معرفتش تتجاب من اي محل.
بضحكة ساخرة عقب شقيقها باندهاش:
– يا نهار ابيض عليكي يا سامية، بقى كل الهدوم اللي انتي جايباها دي، ومعجبكيش غير البلوزة اللي لابساها جنات وهي رايحة الكلية؟
عبست سامية بضيق لم تخفيه، ليتهكم والدها بضجر منها:
– ودي بتشبع ابدا دي؟ دي لو جابت كل اللي في السوق، برضو مش هتستكفى .
تجاهلت درية كل ما يقال ، لتتسائل بفضول :
– هو الواد سمير راح فين؟ مطلعش ليه هو كمان يرغي ويحكي، زي ما بيعمل في اي حاجة تخص المحروسة، دا بقُه ما بيتبلش فيه فولة.
❈-❈-❈
– اتفضل يا دكتور اتفضل.
بحنق يسري داخلها، وقفت تستقبل الطبيب الخارج من غرفة شقيقها، برفقة هذا البغيض ابن عمها، والذي تفاجأت به، حينما أتى به، فور ان رأه يدلف الى داخل البناية يبحث عن عنوان المنزل الذي وصفته له عبر الهاتف، ليأخذها حجة، لفرض خدmـ.ـا.ته عليهم. لولا الخــــوف من الفضائح ، ووضع صحة شقيقها في الاولوية،
لكانت رفضت واعطته درس لن ينساه، هذا الوغد المتخاذل، يحاول الاَن تحسين صورته امامها، بعدmا خيب ظنها في اشـ.ـد اوقاتها احتياجًا له، كسند تتحامي به وقت أن كانت زوجته على الورق .
– الدكتور بيطمنك عليه متقلقيش يا بهجة.
بضيق لم تخفيه رمقته بنظرة عابرة، تتجاهل الرد عليه، لتتوجه مخاطبة الطبيب :
– طمني يا دكتور على حالته.
اوما لها الطبيب بعمليه، يشير لها نحو الأخر:
– انا كتبت كل التعليمـ.ـا.ت والارشادات اللي لازم تلتزمو بيها، مع روشتة العلاج، واديتهم للاخ قريبكم….
سارع بالتصحيح له.
– ابن عمها يا دكتور واكتر كمان.
كتمت زفرتها بصعوبة، تبتغي التوضيح:
– افهم من كدة انه مش دور برد عادي مع حمى، تتعالج بالأدوية اللي احنا عارفينها ؟
وافقها بأسف:
– في الحقيقية هو فعلا كدة، المريـ.ـض عايز رعاية كاملة، خلو بالكم من الاغذية كمان، دي حاجة مهمة اوي عشان تقوي مناعته، وبإذن الله خير متقلقلوش.
ختم بالاَخيرة ، ليسحب نفسه كي يغادر ولكن بهجة اوقفته من اجل ان تنقده:
– استنى يا دكتور حق الكشف .
اشار بكفه:
– لا ما قريبكم قام بالواجب.
صدmة احتلت ملامحها ، لتعد العشرة بداخلها، حتى اذا خرج الطبيب ، وتحرك هو يعطيها ظهره، باغتته بجذبه من قماش قميصه، ثم وبحركة سريعة تخـ.ـطـ.ـف ورقتي التعليمـ.ـا.ت وتلك التي مدون بها اسماء الادوية، وقبل ان يستوعب، وجدها تضع ورقة النقود ذات الفئة العالية داخل كفه قائلة:
– كدة بقى يبقى في ايدك حق الكشف ، وكتر خيرك اوي بقى على كدة.
اعترض غير مستوعبًا لسرعتها في التنفيذ:
– انتي ازاي تعملي كدة؟ شايفاني كرودية يا بهجة، ولا مش مالي عينك عشان تديني حق الكشف وتمنعيني من ان اجيب العلاج لابن عمي؟
بابتسامة ساخرة خالية من أي مرح:
– بلاش اقولك انا شايفاك ازاي؟ اما بقى عن ابن عمك ، ف انت يا سيدي كتر خيرك اوي ، عملت الواجب اللي عليك وزيادة لما دخلت مع الدكتور اللي كشف عليه، اما بقى تدفعله مليم واحد في كشف او دوا ف دا لايمكن اسمح بيه.
امتقع وجهه بغـــضــــب شـ.ـديد:
– على فكرة دي قلة زوق منك يا بهجة، عشان انتي كدة بتهينيني وتقلي مني، طب قدري حتى صلة الدm اللي ما بينا .
– يا سيدي والله مقدرة، بدليل اني ما طردتكش وانت داخل مع الدكتور وفارض نفسك في مرافقته.
– فااارض نفسي.
– ايوة فارض نفسك ، وياللا بقى معلش لو سمحت عشان انا عايزة ادخل لاخويا اطمن عليه، وزي ما انت عارف البيت كله حريم.
تجمد محله، يطالعها بأنفاس هادرة، وصدر يصعد ويهبط بانفعال مكبوت، يمنع نفسه بصعوبة عن التصرف بحماقة قد ينـ.ـد.م عليها بعد ذلك، وهذه الرفض القاسي لأي محاولة للقرب او التصليح، يصيب عقله بالعجز والغـــضــــب، وهي الاَن تطالعه بتحدي وكأنها تقرأ افكاره.
ليقطع لحظة الصمت بينهم ، ولوج عائشة عائدة من المدرسة، ثم تعليقها بدهشة لا تخلو من تهكم:
– ايه ده ايه ده؟ هو انا لغبطت ودخلت بيت غير بيتنا ولا ايه؟…… ولا يكونش عقلي اللي بيكوبس دايما بالعفاريت بالليل، اتطورت حالته وبقى يشتغل في النهار كمان؟
– عفريت لما ياخدك يا بعيدة.
كان هذا رده، قبل ان ينسحب ويخرج ذاهبًا من حيث أتى .
لتطالع شقيقتها بتساؤل فور خروجه، ولكن هذه المرة بجدية، جعلت بهجة تجيبها على الفور :
– تعالي ورايا على اوضة ايهاب وانتي ت عـ.ـر.في بنفسك.
❈-❈-❈
بداخل الغرفة، كانت المفاجأة، حينما اكتشفت وجود نجوان بجوار شقيقها على الفراش جالسة ، وبأناملها تمر على شعر رأسه بحنو جلي ، جعلته يغمض عينيه براحة، لتطالعها بهجة بدهشة وعدm استيعاب،
اما عائشة والتي كانت اول مرة تراها، فعبرت سائلة باستغراب:
– مين الحلوة ام شعر اصفر ؟ دي تبع الدكتور ولا خارجة من مسلسل في التليفزيون.
انتبهت لها نجوان لتقرب رأسها منها، وتنظر الى عينيها مباشرةً، ثم خرجت كلمتها باقتضاب كما عودت بهجة:
– زتوني.
ضحكت لفعلها بهجة، وقد تيقنت من تقدm حالتها، بتذكرها لهذه الشيء الصغير، لترد محفزة لها:
– ايوة هي بعينها ، دي يا ستي عائشة ام عيون زتوني، والقردة بتاعتنا ام لسان طويل، برافو عليكي بقى انك افتكرتيها، ودي بقى جنات طالبة الجامعة، وايهاب اكيد عرفتيه، هي دي عيلتي المتواضعة يا ستي، ربنا يبـ.ـاركلي فيهم.
ابتسامة خلابة لاحت بثغرها، لتوزع بأبصارها عليهم والثلاثة يبادلنها بمودة، ما عدا ايهاب والذي غرق في النوم تأثرا بفعل نجوان وحقنة الطبيب التي حقنه بها قبل مغادرته،
لتعلق عائشة بفراسة:
– كدة بقى انا عرفت لوحدي، هي دي الست اللي انتي شغالة عندها يا بيبة صح؟
– صح .
– ومشرفانا النهاردة فى البيت.
– ايوة .
تدخلت جنات باقتراحها:
– طب كدة مدام ايهاب نام، يبقى احنا بقى نعمل بأصلنا مع الضيفة اللي مشرفانا النهاردة ونأكلها، ولا ايه رأيك يا بهجة.
سمعت الاخيرة تجيبها بعمليه:
– خلاص يبقى خلو بالكم منها، سايروها واتكلموا معاها، وانا هحضر اللي يناسبها، اصلها مش بتاكل اي حاجة.
❈-❈-❈
سقط بجــــســ ـده على كرسي مكتبه ، يحرك رأسه يمينا ويسارا، ثم يدلك على رقبته بتعب واجهاد متعاظم، وقد أنهى اخيرا جولاته مع احد العملاء الجدد، ليعرفهم على جودة بضائعه ومميزاته التي تصلح للمنافسة العالمية، ثم نقاش وغداء عمل وتوقيع صفقات،
يوم مرهق مر به من اجل تحقيق احد أهدافه التي يسير على خطاها بجد واجتهاد، يساعده على ذلك شريكه الجديد بنشاط وحنكة اكتسبها في سنوات عمره بالعمل ليست بالقصيرة.
– رياض باشا، يحقلك دلوقتي ترتاح وتنام بعد الإنجاز العظيم اللي قومت بيه النهاردة.
خاطبه بامتنان حقيقي:
– كله بفضل ربنا وبعده انت يا كارم، بجد انا مبسوط من عدي اللي عرفني بيك.
تبسم بثقة وتواضع يعدل في ياقة قميصه:
-ياااعم بقى اخجلتم تواضعنا.
صدحت ضحكة الاخر، مرددا بمرح:
– والله انت مشكلة يا كارم.
قالها وارتفعت رأسه فجأة نحو باب الغرفة، ليأمر الطارق بالدخول، لتلج اليهم لورا بملابسها الرسمية بأناقة ظاهرة، يطرقع حذائها ذا الكعب العالي على الارض، وهي تتبختر بخطواتها للفت النظر نحوها، حتى اقتربت تميل نحوه بعدد الملفات التي طلبها منها، امام ابصار كارم الذي لا تفوته فائتة بطبيعته:
– اهم يا فنـ.ـد.م، عقود الصفقات اللي امرت بيهم .
اومأ لها:
– تمام يا لورا، اتفضلي انتي وانا هبعتلك لما اخلصهم.
– تحت امرك.
تمتمت بها ثم خرجت بنفس الصخب الذي دلفت به، ليعلق كارم في اثرها:
– مش دي برضوا قريبتك وقريبة عدي على حسب ما بعرف.
رد بجدية دون ان يرفع رأسه عن مراجعة الاوراق التي امامه:
– اه، هي تعتبر بمثابة بـ.ـنت خالي، وعدي نفس الأمر.
– اااه.
اومأ محركا رأسه، قبل ان يميل عليه مغمغمًا بهمس:
– طب ايه بقى يا عم؟ قريبتك ونشيطة وواجهة مشرفة زي ما انا شايف،إيه اللي ناقصها بقى؟
قطب حاجبيه في البداية، لكن سرعان ما وصل الى مقصده، ليردف حاسمًا:
– مش ناقصها حاجة وتكاد تكون مكتملة زي ما بتقول، بس انا مش شايفها غير في موقعها ده او قريبتي اللي اعرفها من وهي طفلة، لكن زوجة ولا اي حاجة تانية انسى.
– امممم.
زام بفمه كارم ، ليعقب بتفهم ، رغم دهشته:
– حقك طبعا، انا متجوز قبلك وعارف قيمة الحب في الارتباط، لذلك عمري ما هلوم عليك.
– حب!
دوت الكلمة بداخله، حتى صرفته عن كل ما كان يعمل عليه، ليظل بنصف ذهن حتى انصرف شريكه، لينفض رأسه من افكارها، قاصدا الاهتمام بعمله، ليضغط على زر الجرس، يطلب مساعدته، حتى اذا أتت اليه:
– كنت عايز اطمن على سير العمل النهاردة بالمصنع، بما اني طول اليوم كنت برا، ياريت لو تعمليلي تقرير مفصل قبل ما امشي.
اومأت برأسها، ثم تحركت خطوتين بتردد انتبه له، ليسألها بتوجس:
– ايه مالك؟ في حاجة يا لورا ؟
ابتلعت ريقها تظهر اضطرابها امامه:
– بصراحة حضرتك انا مش فاهمة في ايه بالظبط؟ بس صباح رئيسة العمال جات عندي اثناء غيابك، تبلغني ان اللي اسمها بهجة، خدت نجوان هانم وخرجت بيها.
انتفض من محله بجزع:
– بتقولي ايه؟ يعني خدتها وراحت فين من غير ما تبلغني؟
اهتزت كتفيها بعدm معرفه تردف:
– الله اعلم يا فنـ.ـد.م، بس انا اخاف تأذيها البـ.ـنت دي شكلها اتجرأ اوي بعد ما خدت الثقة و….
لم ينتظر منها تفسيرات اكثر من ذلك، وقد دنى على الفور يتناول اشياءه بعجالة من فوق سطح المكتب، ثم يتحرك سريعًا مغمغمًا بتوعد:
– انا هعرف احاسبها كويس لو جرتلها اي حاجة، هي اتجننت عشان تتصرف من دmاغها ولا ايه؟
ابتسامة ماكرة لاحت على جانب ثغرها مرددة:
– ياريته يحصل بجد عشان اخلص من الاتنين.
❈-❈-❈
وقف يستقبلها متخصرا، وعيناه الصقرية ضاقت بريبة جعلت الخــــوف يسري بداخلها، بعدmا طلبها عبر الهاتف، لتأتي بوالدته فورا من مكان ما ذهبت بها، فتزعن هي في اقل من نصف ساعة تحضر بها، بواسطة العم علي سائق السيارة الخاصة بها.
– حمد الله ع السلامة.
ظهر جليًا التهكم في نبرته، مما اثر على نجوان لتتوقف محلها عن التقدm بخــــوف جعله يهدر بدون سيطرة:
– ما انا مش وحش وهياكلك يا ماما، ولا انتي خلاص استحليتي تدي الامان للغريب وابنك لا؟
زادت ملامحها رعـ.ـبًا، ليزفر بضجر يشبح بوجهه عنها ، لتضطر بهجة للتدخل:
– اسمحلي اوصلها لاوضتها يا رياض باشا.
– اتفضلي
هتف بها، فاردًا ذراعه نحو الدرج ، ليباشر بغـــضــــبه:
– توصليها وترجعيلي حالا ، عشان عايز اتكلم معاكي.
اومأت بهزة من رأسها، لتسحب المرأة نحو غرفتها، وفور ان اطمئنت بتهدئتها، هبطت اليه، بأقدام بالكاد تحملها، هيئته ليست مبشرة على الإطـ.ـلا.ق للتفاهم او الاخذ والرد في الحديث، ولكن ما باليد حيلة، فلتخوض المواجهة بخيرها وشرها وليحدث ما يحدث.
وصلت لتقف امامه في بهو المنزل الذي اتخذ جلسته به، يبدو كبركان خامد على وشك على الانفجار:
– ايوة يا رياض باشا، انا تحت امرك اهو.
زفر بأنفاس خشنة، ليعتدل بجلسته واضعًا قدmا فوق الاخرى، يبذل مجهود مضنيا في السيطرة على انفعاله:
– اتفضلي انتي يا بهجة، فهميني بالظبط ايه بيحصل، وازاي خرجتي من الفيلا بالست الوالدة…..
خرجت الاخيرة بصيحة اجفلتها، قبل ان يتابع بنبرة اهدى لكن اقوى:
– من غير ما تبلغيني.
برغم الزعر الذي سرى بكل خلية من جــــســ ـدها، الا انها سرعان ما تمالكت لتقابل انفعاله بشجاعة تخبره:
– حضرتك انا مخرجتش بيها من نفسي ولا هي كانت فسحة، اختي اتصلت تبلغني بالتعب الشـ.ـديد اللي حل باخويا، وانا حاولت اتصل بيك مية مرة عشان استأذنك اروح اشوفه، لكن محاولاتي باءت بالفشل وتليفونك بيرن ع الفاضي من غير ما تفتح عليا ولو مرة واحدة، لما غلبت كلمت الريسة تبلغ لورا، لكنها هي كمان مدتش اهتمام وقالتلها انك مشغول ومش فاضي لأي رغي ، انا كنت ساعتها هعمل ايه واخويا بيفرفر من السخونية مع اختي اللي مش عارفة تتصرف.
– تقومي تاخديها بيتكم؟
– امال كنت هسيبها في مسؤولية الخدm اللي عندهم شغلهم اساسا، ممكن يكون تصرفي معجبكش، بس انا اضطريت لكدة، وهي الله يبـ.ـاركلها، قضت اليوم كله من غير ما تعمل معايا اي مشاكل.
سمع منها فصاح بها بعدm استيعاب:
– قضت اليوم عندكم! امي انا قضت يوم بحاله عندكم في الحارة يا بهجة؟
ابتعلت ريقها باضطراب تبرر:
– يا فنـ.ـد.م ما انا بقولك اني اضطريت لكدة، للظرف المهم اللي حصل عندي، انت مكنتش بترد على تليفوناتك، وانا مقدرش اسيبها لوحدها هنا في البيت، ولا قدرت اتخلى عن اخويا اللي تعب اوي وكان لازم اروح اشوفه.
– تقومي تاخديها عندكم الحارة، مخــــوفتيش بقى لاتهرب ولا تعمل مصـ يـ بـةبردود أفعالها الغير متوقعة.
– بالعكس، دي انبسطت اوي بتغيير الجو، حتى الدكتور هشام قالي دي خطوة هايلة…..
– وهشام دا شوفتيه فين؟
قاطعها بأعين برقت بترقب وهدوء ما قبل العاصفة، فصدر ردها بعفوية:
– عادي ما هو كان بيتصل عليا يطمن عليها .
سمع منها ليجفلها على الفور بصرخته:
– انا هقــ,تــله واشرب من دmه عشان يحرم ما يعملها تاني،… ثم تعالي هنا وقوليلي، دا من امتى بيحصل ان شاء؟
الزفت ده من امتى بيتصل بيكي يا بهجة؟…..
هذه المرة كان كالمـ.ـجـ.ـنو.ن، ليضاعف من فزعرها، ناهضُا من محله بملامح غريبة عن هدوئه المعروف، مما جعلها ترتد بأقدامها للخلف تجيبه بصوت مهتز:
– من وقت ما روحنا كشفنا للهانم عنده، هو كان عنده نمرة دادة نبوية اصلا، وكلمها ياخد نمرتي منها عشان يسألني عن الهانم الكبيرة واحوالها .
– وانتي بقى بتجاوبيه عادي، وتحكيلوا عن تصرفاتها بالتفصيل، واكيد طبعا بيعلق بهزاره السخيف اللي انا عارفه.
– عادي مش شغله.
قالتها ببساطة جعلته يصـ.ـر.خ بعدm سيطرة:
– شغل مين يا بهجة متحرقيش دmي، الزفت دا تمسحي نمرتك من عنده، وانا من النهاردة هغيره واروح بوالدتي للي احسن منه، فاهماني ولا لأ، تمسحي نمرته نهائي.
– تحت امرك طبعا، دي الست والدتك وانت ادرى بمصلحتها.
تمتمت بها بصوت يحمل في طياته اعتراضًا ظهر في استرسالها بعد ذلك:
– مع اني شايفة انه انسان محترم ومعملش حاجة……
– اسكتي يا بهجة.
صاح بها بحدة، مقاطعًا لها، ليمسح بكفيه على وجهه يحاول السيطرة على انفاسه الهادرة، وحالة الهياج التي قلما ما تصدر منه، نظرا لطبيعته الصارمة، والمتحكمة دائما في ردود أفعاله، ولكن مع هذه الفتاة يصبح الأمر مختلف، انها الوحيدة التي تستطيع اخراجه عن طوره الهاديء، ببرائتها المستفزة.
– طب انا كدة عايزة اروح بقى يا فنـ.ـد.م
– نعم.
انتشلته من حالة الشرود والتشتت، لتواصل بقولها:
– يا فنـ.ـد.م بقولك اخويا تعبان، والحمى اللي عنده لسة مخفش منها، يعني عايز رعاية كبيرة اليومين دول..
اومأ بتفهم، مخففا من حدته في مخاطبتها:
– خلاص يبقى المستشفى اولى برعايته، هناك هيبقى تحت عين الدكاترة وهياخدو بالهم منه اكتر .
صدر ردها بمعارضة:
– مستشفى ايه بس يا فنـ.ـد.م؟ ما احنا جيبناله الدكتور البيت، اشحططه في مستشفيات وقرف ليه بس.
رمقها بغـ.ـيظ مرددًا:
– مفيش شحططة ولا زفت يا بهجة، انا هكلمهم دلوقتي عشان يحضرولوا سرير ويستقبلوه.
– يستقبلوه فين؟
لم يلتفت لها، وقد انشغل بالاتصال الذي صار يجريه مع احدهم، يأمره بالفعل بما نوه عنه منذ قليل، حتى اذا انهى المكالمة، ثم التف اليها موضحًا:
– دي مستشفى احنا من ضمن المساهمين فيها، هتخرجي دلوقتي مع عم علي، هيروح بيكي هناك، الدكاترة هيشوفوه ويحددو حالته بالظبط ان كانت تحتاج رعاية وحجز، ولا يرجع ع البيت، وفي كل الحالات متشليش هم اي مصاريف
عدة أيام مرت، وشقيقها محتجز في المشفى المتخصص الفاخر، بعدmا انزاح عنها هم علاجه المُكلف، بفضل كرم رئيسها في العمل، وقد ثبت بالفعل خطورة الحمى التي تعرض لها، ولولا العلاج المكثف لكان الأمر تطور اكثر من ذلك
ولكن في المقابل كانت مشتتة ما بين متابعة شقيقها، ومراحل تقدmه، في هذا الوضع ، وما بين رعاية نجوان التي تعلقت بها كالأطفال ، وهي لن تخذل رئيسها والذي اغدق عليها بكرمه في اشـ.ـد الأزمـ.ـا.ت التى تعرضت لها هذه الفترة .
ولكن الاخرى لا تكف عن الطلب منها معظم الاوقات للذهاب بها الى منزل عائلتها مرة اخرى، كما يحدث الاَن، وهي ترفض تجنبًا لغـــضــــب رئيسها:
– مينفعش يا نجوان هانم، والله ما ينفع، مش ناقصة مسؤولية انا .
رغم صمتها الدائم الا انها تستطيع بأفعالها التأثير عليها ، بعبوس الملامح وكلمة واحدة تصر تكررها عند الحاجة.
– عائشة
– يقطع……
هتخليني ادعي على اختى يا مدام نجوان، بس هي السبب بعمايلها ولعبها معاكي، خليتك تتعلقي بيها .
زفرت بتعب لتسقط ، ممسكة رأسها الذي كان على وشك الانفجار، حتى أتى هو بهيبته يتدخل في الحديث معهم:
– ايه في ايه؟ ليه النرفزة والعصبية ما ببنكم؟
انكمشت نجوان كعادتها، ليحدجها بضجر قبل ان يتجه نحو بهجة التي ردت بحالة من الاجهاد:
– مفيش حاجة حضرتك، انا بس تعبت من اصرارها على انها عايزة تروح معايا البيت، وانا بقولها مينفعش.
قطب بعدm استيعاب، يستعيد بذهنه الجملة مرة اخرى:
– بتصر ازاي يعني؟ هي بتتكلم اساسًا؟
– كلمة واحدة بس؟
– كلمة ايه؟
– عائشة.
– عائشة مين؟
تنهدت تخبره:
– دي تبقى اختي يا فنـ.ـد.م، بس هي صغيرة اوي، يدوب حداشر سنة، بس المرة اللي فاتت انـ.ـد.مجت معاها في اللعب والهزار.
مط بشفتيه، وابتسامة مليحة اعتلت ملامحه:
– يا سلام، يعني حتة عيلة صغيرة، عملت اللي محدش فينا عرف يعمله، وعلقتها بيها.
نقل بأبصاره نحو والدته ، يخاطبها بعتاب ممازحًا:
– اجيبها تعيش معاكي هنا…..
– لأ، الله يخليك بلاش تقول كدة لتمسك فيها بجد.
صدرت منها بمقاطعة يشوبها الرجاء ، ليتوقف هو محدقًا بها، لا يمل ابدًا من حفظ تفاصيلها، وهي رغم الخجل الذي يصيبها، لكن سرعان ما تتمالك، فهي لا تقتنع ابدا بإعجابه بها وتعتبرها نظرات عادية بالنسبة لطبيعته البـ.ـاردة:
– مكنتش اعرف ان ماما تأثيرها جـ.ـا.مد كدة عندك، ع العموم تمام .
ختم بتنهيدة، ليفاجئها بقوله:
– خلاص يا بهجة خديها معاكي مدام بتفرح، وخلي واحد من الحراس يروح معاكم للأمان .
ظهرت بوادر الفرح على وجه والدته، مما جعله يرتد بأثره على بهجة، التي وبرغم المسؤولية التي سوف تلقى على عاتقها، إلا انها فرحت بفرحها:
– شكلها انبسطت بالفعل، بس انا رايحة المستشفى دلوقتي، خليها وقت تاني يا نجوان يا هانم.
اصدرت جملتها الاخيرة بوضوح تام نحو نجوان التي حركت رأسها بتشنج دليل على رفضها، ليأتي الحل منه هو:
– خلااص يا بهجة، انا هاخدكم ع المستشفى، تخلصوا مشواركم وبعدها تروح معاكي بيتكم ، ساعة ولا ساعتين كدة وتيجو مع عم علي، واهي تغير جو،
جهزوا نفسكم.
قالها وتحرك ذاهبًا من امامها بهدوءه المعتاد، لتتصلب هي محلها تطالع اثره حتى اختفى بصعوده الدرج، هذا الرجل يذهلها بأفعاله الغير متوقعة، ولكن لما الاستغراب ؟ فهو يفعل مع نبوية اكثر من ذلك بحكم العشرة التي تجمع بينهم، والتضحيات التي تبذلها في رعاية والدته، اذن فلا يجب ان تشطح بأفكار غـ.ـبـ.ـية.
❈-❈-❈
خرجت من المصعد، عائدة من الخارج بصحبة والدتها ، تحمل عددا من المشتريات النسائية وذلك لقرب ميعاد زفافها ، لتقع عينيها عليه، يغلق باب منزله، وحالة من غـــضــــب قلص تعابير وجهه، مع الترديد دون توقف بالاستغفار:
– استغفر الله العظيم يارب، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم.
القت بالتحية والدتها، رغم استغرابها هي الأخرى من هيئته،:
– مساء الخير يا شادي يا ولدي.
رد موجهًا التحية نحوها ونحو خطيبته المندهشة لحاله المتغير بعجالة متوجها نحو المصعد:
– مساء الخير يا خالتي، مساء الخير يا صبا.
سمعت الاخيرة لتترك ما بيدها لوالدتها ، لتعود عن طريقها وتوقفه:
– رايح فين يا شادي؟ وايه اللي معصبك بالشكل ده؟
زفر طاردًا دفعة من الهواء المشبع بقلة حيلته:
– والله قرفان يا صبا، ومخـ.ـنـ.ـوق، حاسس اني قليل اصل واستاهل الضـ.ـر.ب على نفوخي، بعدين اما ارجع بقى من مشواري هبقى احكيلك.
– وانا لسة هستنى على ما تيجى؟
امام تشبثها قرر تغيير طريقه من المصعد، ليهبط الدرج على اقدامه برفقتها، كي يعبر لها عما يعتريه من ضيق:
– ولاد خالي اليتامى يا صبا، النهاردة بس عرفت بمرض الولد الوحيد فيهم، وحجزه في مستشفى، بقالوا اكتر من أسبوع، أسبوع وانا نايم على وداني ومعرفش، بتقصيري في السؤال عنهم، بعد ما ولاد درية قطعوا رجلي من عندهم بالكلام الزفت بتاعهم.
ذوت ما بين حاجبيها بضيق وعصبية:
– ليه يعني؟ مش عيال خالك دول يتامى، هيضرهم ايه ولاد الست المفترية دي لما تسأل عنيهم.
تنهد يحرك رأسه بانفاس يجتاحها الغـ.ـيظ:
– انتي قولتي بنفسك مفترية، وعيالها ورثو التناحة والاستعباط، واحد كان كاتب كتابه علي بـ.ـنت خالى الكبيرة واتفسخت خطوبته بيها قبل الفرح، واتجوز وشاف حاله ولسة برضو فارض نفسه وعنده امل والتاني عايز دور اخوه.
توقف يتابع لها بانفعال، حتى غفل عن تبعاته:
– يا مؤمنة، دول منعوني ما اروح عندهم ولا اسأل عليهم ، بحجة انهم بنات وميصحش ادخل بيت مفيهوش راجـ.ـل كبير، انا دmي بيغلي يا صبا، ما هو لولا عمايلهم دي مكنتش ابدا سيبت بهجة ولا اخواتها من غير ما اقف جمبهم.
استرسل تأخذه الجالالة، متوقعًا انفعالا منها هي الأخرى، لتفاجأه بردها:
– هي بهجة دي حلوة جوي للدرجادي؟
بحالة من عدm الاستيعاب، صار يتطلع لها، وقد توقف عقله عن التفكير، عاجز عن فهم عقل الانثى، والذي ترك جميع ما سبق ليركز على معلومة تافهة مثل هذه، ليقرر منهيًا الجدال من اوله:
– صبا يا حبيبتي، اطلعي لامك اللي سبتيها فوق، وانا لما ارجع من مشواري، نبقى نشوف الموضوع المهم ده، سلام.
ما كاد ان يتمها حتى وجدته يسرع بالهبوط من أمامها، لتتمتم هي من خلفه بتصميم، عازمة على الذهاب معه:
– وانا بعد اللي جولته ده هسيبك تروحلها لوحدك، والله ما هسيبك ، استني يا شادي.
❈-❈-❈
خارج الغرفة المحتجز داخلها شقيقها، وقد اطمأنت عليه بعد زوال الخطر، ولم يعد يتبقى على خروجه الا القليل ، وقفت تلتقط انفاسها بحضوره، متمتمة بالإمتنان:
– الف حمد وشكر ليك يا رب، اني اطمنت عليه، ياريت كمان الدكاترة تستعجل بخروجه، عشان يحصل اللي فات من دروسه.
تبسم برزانة واضعًا كفيه بجيبي بنطال حلته، بهيبة تليق به، يخاطبها:
– مش وقت دروس ومذاكرة يا بهجة، المهم التعافي بالكامل عشان يبقى المخ مستعد لحشو المعلومـ.ـا.ت وفهمها.
– ايوة والله عارفة، بس دا حلمه الطب، والتقصير اكتر من كدة هيأثر عليه.
– لو ممتاز هيلحق اللي ناقصه يا بهجة، ولو محصلش، الدنيا موقفتش يعني ع الطب وبس ، الناجح ناجح في اي مجال.
– لا ان شاء الله يحصل ويدخل طب، يارب يارب، تحقق له امنيته يارب.
صدرت منها بلهفة وعفوية، جعلته يضحك ممسكًا جبهته بيأس منها:
– لا انتي مفيش منك فايدة ابدا، انا هروح اشوف مدير المستشفى، وبعدها اعدي عليكم قبل ما امشي، خلي بالك بقى منها.
قال الاخيرة بإشارة نحو والدته؛ والتي كانت واقفة خلف مدخل باب الغرفة ، تلوح كفها ببرائة نحو ايهاب الراقد في سريره، وهو يبادلها بابتسامة متسعة وكأنه على معرفة بها منذ زمن،
لتعقب بهجة بدهشة:
– سبحان من يوفق القلوب مع بعضها، وانتي يا نجوان ولا اكنك على معرفة بإيهاب من سنين، ربنا يهديكي بقى ومتعمليش حركة غدر ، انا مش قدها ابدا والله.
التفت عنها لتفاجأ بابن عمتها يقترب بهلع نحوها:
– ازيك يا بهجة، وازاي اخوكي ايهاب، اخبـ.ـار صحته ايه؟
اومـ.ـا.ت تطمئنه برقتها المعتادة:
– كويس والله يا شادي، متقلقش، ازمة وعدت على خير الحمد لله.
– مقلقش ازاي بس؟
تمتم بها بأسف من حاله، ليتدارك بعد ذلك وجود صبا، فيعرفها به:
– دي صبا خطيبتي يا بهجة، انا كان نفسى من زمان والله اعرفك بيها بس النصيب.
تبسمت بسماحة ترحب بها:
– زي القمر، ربنا يخليهالك، ازيك يا صبا.
ابتلعت الاَخيرة ريقها ، تصافحها بيد بـ.ـاردة ترد تحيتها ، ومن داخلها تردد بصدmة:
– يا لهوي عليكي يا صبا، دي طلعت حلوة جوي.
❈-❈-❈
وفي مدخل المشفى،
تقدm سمير نحو موظف الاستقبال، يسأله عن غرفة ابن عمه ايهاب، تاركًا شقيقته تجول بأبصارها في الأجواء بأعين يملأؤها الانبهار، والحقد ايضًا، لتأخذه التساؤلات عن مصدر الاموال والتكلفة ومن اين؟
– انت هتفضلي واقفة في مكانك يا سامية؟ ما تيلا يا بـ.ـنتي .
كان هذا صوت شقيقها والذى توقف عن تقدmه من اجلها، لتتحرك بخطواتها السريعة نحوه متسائلة:
– سمير، عيال عمك جابو منين حق المستشفى الاَلاجة دي؟ اسبوع بحاله بأيامه ولياليه، وابن عمك محجوز فيها، دا اكيد كلفتهم بالالافات.
خلط رده بضحكة ساخرة، انتي بتقولي فيها، دي الليلة هنا اقل حاجة تكلف عشر تلاف، همـ.ـو.ت واعرف قدروا عليها ازاي؟ دا ابوكي اللي معاه الفلوس بجد، عنده استعداد يمـ.ـو.ت على أبواب المستشفى الحكومي ، ولا انه يزيد بجنيه واحد لمستشفى زي دي.
– عشان حظنا فقر ، وقعنا في راجـ.ـل بخيل زيه، انما برضوا انا هتجنن لو معرفتش، دفعو تمن القعاد في المستشفي دي ازاي.
عاد بصحكته الساخرة قائلا :
– يبقى اتجنني احسن، عيال عمك ايد واحدة مع بعض، مفيش حد هيغلط ويريحك ابدا، دي المزغودة عيشة ممكن تقيم عليكي الحد لو بس فتحتي معاها كلام .
اكمل بضحكة زادت من سخطها، ليدلفا داخل المصعد، كي يصل بهم الى الطابق الثاني، ومنه الى غرفة ايهاب، والتي ما ان حطت اقدامهم بداخل الطرقة المؤدية اليها، حتى جحظت ابصارهم، بوجود شادي برفقة بهجة يتحادث معها في جانب قريب من الغرفة، لتصدر زمجرة غاضبة من سمير:
– شوفي الزفت بيستغل الموقف، وقاعد يتمحلسلها، وياخد ويدي معاها ، دا مش بعيد يكون هو اللي دافع حق المستشفى، ما انا عارفه، مقتدر بحكم وظيفته، والنعمة ما انا ساكتله.
قالها وتحرك بأقدامه مسرعًا، مبيت النية على الصدام .
لتمصمص هي في اثره بغـ.ـيظ، وتسرع باللحاق به:
– يعملها ما انا عارفاه، فالح بس يكشر في وشي ع الفاضية وع المليانة، لا وجايب خطيبته الهبلة معاه صورة، استنى يا سمير.
وصل اليهم المذكور، يلقي التحية بتهكم واضح:
– عاملة ايه يا بهجة يا بـ.ـنت عمي، شكل شادي ابن خالك قايم بالواجب وزيادة .
امتقع وجه الاخير بغـــضــــب يحاول السيطرة عليه، ليأتي الرد من بهجة:
– وما يعمل الواجب ولا ميعملش حتى، انت مالك ؟ متعصب ليه يا سمير؟
– بصورة تفضح ما بداخله خرج صوته الغاضب:
– طبعا يا ست بهجة وانا هتعصب ليه؟ خلي الراجـ.ـل يقوم بواجبه ويزود اكتر ، ما احنا عارفين اللي فيها.
قال الاخيرة بنظرة مقصودة نحو صبا التي كانت جالسة على مقاعد الانتظار بجوار نجوان الملتزمة بجسلتها الهادئة، لتضيف سامية مباشرة نحوها:
– قصده يعني على شهامته، اصله بيقوم بالواجب وزيادة، بالذات مع بهجة……… مش بـ.ـنت خاله بقى.
مطت شفتيها بالاخيرة قاصدة اشعال الغيرة بقلب هذه العاشقة، حتى تقلصت ملامحها بغـــضــــب، ولكنها التزمت الصمت تكتم داخلها، مع احتداد النقاش بينه وبين هذا الأخرق ابن خاله:
– احترم نفسك يا سمير، انت في مستشفى محترمة، الحركات العبـ.ـيـ.ـطة دي لا مكانها ولا وقتها، انت جاي ليه اصلا ؟
سمع منه الاخير، يصيح مهللا بصفاقة:
– لا اطردني احسن يا شادي، اصل انا قاعد في بيتك ، في مستشفى وليها وضعها، ما تتكلمي يا بـ.ـنت عمي، ياللى عاجبك الوضع.
صدر ردها بقوة كي تلجمه:
– وضع في عينك، احترم نفسك يا سمير ، ولا لمها احسن وروح، وكتر الف خيرك يا سيدي.
– لا يا شيخة، دا انتي كمان عايزة تمنعيني من ابن عمي وزيارته، اخص عليكي يا بهجة ، دا احنا لو عدوينك مش هتعملي معانا كدة.
تدخلت سامية هي الأخرى بأسلوبها الملتوي:
– هدي اعصابك يا اخويا، شادي ابن خالي اكيد ميقصدش حاجة وحشة، ما هي برضو بـ.ـنت خاله، وحقه يطمن عليها .
ضغطت بالاخيرة، ليهدر شقيقها بغـــضــــب وبدون تقدير :
– ايوة بقى قولي كدة، يعني واخد اخوها حجة، طب ما تقولها صراحة يا شادي.
عند الاخيرة لم يتمالك شادي قبضته، والتي ارتفعت بدون تفكير لتسقط بثقلها على جانب فكه الايمن، حتى كادت ان تطير صف اسنانه، يرافقها سبته:
– دي عشان تتعلم الادب.
شهقت الفتيات بهلع، لتصدح صرخة سمير الذي ارتمى على الارض كالخرقة، بإهانة لم يتقبلها، لتصدر صرخاته التي ضجت في قلب المشفى، وهو ينهض في محاولة للهجوم عليه ، وقد تلقفه شادي ليلف ذراعه خلف ظهره، يحاول السيطرة على هياجه، ويأمره بالتوقف امام صدmة الفتيات:
– اهدى بقى وبطل فضايح، الناس بتبص علينا.
وكأنه طلب العكس، زاد صراخ الاخر مع تجمع البشر من حوله حتى أتت صيحة قوية:
– ايه التهريج ده؟ ايه اللي بيحصل هنا.؟
ليطل بجــــســ ـده الضخم، يوزع بنظراته القوية على المتشاجرين، ثم تتوقف عليها بتساؤل ، فيحاصرها بأعين تلونت بالإحمرار، وتتسمر هي محلها بحرج يكتسحها، ولسان يعجز عن ايجاد التعبير المناسب لما يحدث الاَن، اتخبره ان المشاجرة التي واقعة امامه الاَن بسببها !
❈-❈-❈
– اتنين، اتنين رجـ.ـا.لة يا بهجة بيتخانقو عليكي.
هي نص ساعة بس اللي غيبتها ، امال لو اتأخرت شوية كمان ، كان هيحصل ايه؟
قابلت صيحته بغصة مؤلمة مررت حلقها، فجعلت كلمـ.ـا.تها تخرج بنبرة يكسوها الحرج:
– مكانتش خناقة بالمعنى المعروف، هو بس الزفت ابن عمي اللي زودها وكان داخل بشراره وناره، مش ناوي على خير ، انما شادي ابن خالي فدا راجـ.ـل محترم …..
– شادي مين يا بهجة؟ متحرقيش دmي ولا تجيبي سيرة أي زفت منهم.
للمرة الثانية تخرجه عن طوره الهاديء، كلما حاول التماسك والعودة لطبيعته، يحدث العكس مرة اخرى، لقد كان على وشك ارتكاب جريمة منذ دقائق بسببها.
اما عنها فقد كانت تتمنى ان تنشق الارض وتبتلعها من امامه، لذلك لم تجد بدا من الاسف والانسحاب:
– ع العموم يا فنـ.ـد.م انا اسفة لو سببتلك أي حرج، انا مستعدة حتى مجيش هنا تاني غير بعد ما اخويا ينكتبله على خروج.
قالتها والتفت تتحرك ذاهبة من امامه، ولكنها لم تكد تكمل خطوتين، حتى مالت بسيرها فكادت ان تقع ، لولا ذراعيه التي تلقفتها، لترتطم بصدره وقد لاح عليها الضعف بقوة، ايه مالك يا بهجة؟ حاسة بحاجة تعباكي؟
رفرفرت بأهدابها لبرهة من الوقت، تتمالك ذاتها من الدوار الذي لفها منذ لحظات قليلة، لتعي على نفسها بحـ.ـضـ.ـنه وهذا القرب منه ، فقد كان وجهه لا يفصله عنها سوى انشات قليلة، يخاطبها بقلق واضح، ولكن الوضع لم يكن مريحًا بالمرة، لتستحضر على الفور ارادتها ، فتنتصب، ثم تدفعه عنها بخفة ، ولكنها، وما كادت ان تقف جيدا حتى سقطت مرة اخرى بين رحاب ذراعيه، ولكن هذه المرة فاقدة للوعي تماما، مما اضطره ان يدنو ثم يرفعها من اسفل ركبتيها، فيحملها اليه،
وجهها الملائكي بصورة تختلف تمامًا عما تدعيه من قوة ، عظامها اللينة برقة ألهبت مشاعر قد كبتها منذ زمن ، لتعود الاَن وبشـ.ـدة، هو بالكاد حاول تخطي قبلة الحياة التي فعلها مجبرًا من أجل افاقتها من الغرق،
ماذا بها هذه الفتاة لتجعل هذا الخافق بين ضلوعه، ينتفض كعصفور بللته امطار الشتاء القارص، بمشاعر امتزجت بالقلق واشياء اخرى لا يعرف تفسيرًا لها.
زفر بنفض رأسه من كل ما يعتريها من افكار ، ليتحرك بها نحو افاقتها.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلهم للعودة، وهو يقودها ينقل بنظراته كل لحظة نحوها، متابعًا صمتها المستمر منذ خروجهم من المشفى، وردودها المقتضبة، على عكس طبيعتها المشاكسة معه، ليخرج عن صمته فجأة موجها حديثه اليها بانفعال:
– لا بقى، كتر السكوت دا بقى يقلق، لتكوني صدقتي يا صبا كلام العيل الأهبل ده؟ انتي ت عـ.ـر.في عني الاخلاق دي؟
خرج ردها بحدة بعدmا اجبرها على الألتفاف اليه:
– ما هو مش بكلام العيل الأهبل يا شادي، افعاله متدلش غير على حاجة واحدة، وهي ان عنده اسباب، حتى برغم تفاهته ورغم كل عمايله، لكن الحرقة اللي بيتكلم بيها ناحيتك مش هتيجي من فراغ…..
يعلم انها شـ.ـديدة الذكاء، ومدامت قد وصلت به لهذه النقطة، هو ابدا لن يبخل عليها بالحقيقة، وليحدث ما يحدث:
– ماشي يا صبا، انا هجيبلك من الآخر عشان تبقي على بينة، وارجو تحترمي شجاعتي وما تحمليش الامور اكبر مما تحتمل.
يبدو ان القادm ليس جيدًا ولكنها لن ترضى الا بالمعرفة، لتوميء له بتوجس:
– اتفضل يا شادي اتكلم.
صمت قليلًا يستحضر الذكريات ، ليأتي بالاهم مباشرةً:
– سمير بيغل مني عشان انا اللي وقفتله في موضوع طـ.ـلا.قه من بهجة، هو مكانش عايز يطـ.ـلق ولا يحلها من جوازه منها ، وهي بعد ما نزل من نظرها في موضوع ورث ابوها من الوكالة، كانت بتفضل المـ.ـو.ت على انها ترتبط بيه؟ وانا مقدرتش اقف متكتف، ساعدتها بالمحامي اللي يخلص، وجمعت كبـ.ـار المنطقة حكموا حكمهم بعدm جبر اليتيمة على شيء هي مش عايزاه، ومن يومها وهو مش شايلني من دmاغه، حتى بعد ما خطبتك، برضو المتـ.ـخـ.ـلف اللي في دmاغه في دmاغه.
– حاولت تتقدmلها عشان تتجوزها انت يا شادي؟
سؤالها المباشر اصابه بالتشتت، ليحيد ببصره عن الطريق والتف اليها بفاه منفرج، ونظرة فهمتها على الفور، ليصحح موضحًا لها:
– مش عشان اللي في دmاغك والله يا صبا، انا كنت عايز اضلل عليهم هي واخواتها، واحميهم من جبروت خالي خميس ومـ.ـر.اته وعياله، بس هي فاجأتني برفضها، والاعتماد على نفسها ، وسبحان الله بعد ما كانت ضعيفة وتاكل عشاها القطة، ربت لها ضوافر وقدرت بعزة نفسها تفرض شخصيتها على الكل، انا مقدرش امنع نفسي من احترامها، ولا اقدر امنع نفسي عن حبك، اقسم بالله انا ما دق قلبي ولا عرف العشق إلا ليكي يا صبا.
استطاع بصدقه ان يصل بها الى بر الامان الذي تتنعم فيه بعشقه، حتى ارتخت ملامحها في إشارة لبدء اقتناغها، لكن سرعان ما انقلبت فجأة بتذكرها:
– بس بصراحة هي طلعت حلوة جوي يا شادي، ازاي يعني عجلي ما يشتش ولا برج من نفوخي يطير.
ضحك يرفع كفها اليه ، ثم يقبل ظهرها تعبيرا عن حبه، مرددًا بغزل واقرار:
– وانتي والله قمر واحلي من القمر نفسه، دا اللي عجبني فيكي ثقتك بنفسك يا صبا، يعني مهما كان جمال بهجة، هيجي ايه جمب جمالك وانتي متربعة في قلب حبيبك، ربنا ما يحرمني منك يا قلب شادي انتي.
❈-❈-❈
استعادت وعيها اخيرًا لتفتح اجفانها للنور والحياة، فوقعت ابصارها اولا على السقف الابيض والانارة الخفيفة، ثم نزلت نحو المحلول المعلق بيدها، لتنتبه على دفء بكفها الاخر، وتفاجأ بنجوان تحاوطها بكفيها الاثنين ، مشهد بقدر ما اثار ذهولها، بقدر ما اثر ليلمس نياط قلبها، ونظرة الحنان التي تطل من عينيها، لتسخر متسائلة:
– ليكون دخلت الجنة من غير ما اعرف ولا انا بحلم ولا ايه بالظبط.
جاءها الصوت الرخيم من جهة النافذ الكبيرة والستائر البيضاء، معلقًا:
– عشان ت عـ.ـر.في بس خــــوفها عليكي، اهي ع الحال ده من ساعة ما انتي تعبتي، حتى والدكاترة بيسعفوكي برضو ماسابتش ايدك ابدا.
استدركت لحالها الاَن، وما اردف به، لتتسائل بقلق:
– هو ايه اللي حصل؟ انا اغمي عليا مش كدة؟ طب ليه المحاليل والحاجات دي؟
اقترب قائلا بمطة صغيرة من شفتيه :
– انتي فقدتى الوعي خالص يا بهجة، والدكتور فحص حالتك واقر انك ضعيفة ومحتاجة تغذية، دا غير طبعا الاجهاد والإرهاق، كلهم اتجمعوا عليكي.
– يعني حاجة عادية الحمد لله، دا انا افتكرت حاجة خطيرة، اقوم بقى اشوف اللي ورايا.
تمتمت بها بتقليل، ليتفاجأ بنزع ابرة المحلول من يدها، بصورة جعلته يتسائل بجذع:
– بتعملي ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.نة انتي؟ مش تستنى الاول رأى الدكتور.
نقلت بنظرة سريعة نحو نجوان ، لتلف حول رأسها الحجاب قائلة:
– واستنى ليه تاني؟ مدام المحلول جاب فايدته والحمد لله ورفع عني شوية، اروح بقى اطمن على اخويا، قبل ما اروح، زمان اخواتي البنات رجعوا من دراستهم.
وقبل ان يصدر اعتراضه، وجد والدته تقوم باللازم، في التشبث بها، لتصدح ضحكته:
– انتي اللي بتجيبيه لنفسك، اهي مش هتسيبك حتى وانتي تعبانة، ارجعي لسريرك احسن يا بهجة، خليكي عاقلة.
وعلى عكس ما توقع من اعتراض منها لحالة الوهن بها، رحبت بسماحة تذهله:
– وماله خليها تيجي، ع الاقل يراعوها معايا شوية، مدام بتفرح بلقاهم، انا عمرى ما هقولها لا.
❈-❈-❈
انتهت جولة اخرى من المحاكمة المستمرة طوال اشهر في الشـ.ـد والجذب من اجل تحديد مصيره، ليعلن القاضي تأجيلها كالسابق، ولكن هذه المرة هناك بـ.ـارقة امل، بعد مرافعة المحامي الجديد، وقد اثبت انه داهية ويستحق رزمة النقود الكبيرة والتي تحصل عليها من والدته، بعدmا شكك في شهادة الشقيقتان واتهمهم بتلفيق تهمة قــ,تــل ابيهم من اجل الاتتقام منه، فكرة شيطانية فاجأه بها، مع مجموعة من الحجج والقصص المؤلفة عن صحة خـ.ـطـ.ـف شهد من الأساس ، وانه مجرد خلاف عادي تطور لتشابك بالأيدي، ومنه اتجهت الفتيات لتلفيق التهم اليه.
– بشرة خير يا ابراهيم، شكل المحامي عقر وهيجيب البراءة المرة دي.
كان هذا صوت والدته، والتي هرولت اليه خارج قضبان القفص المحبوس به، عقب قول القضاة ليفتر فاهه بالابتسام بتردد:
– اما اشوف ياما ، هتكمل على كدة ولا هتتقلب من تاني.
أتت الإجابة من المحامي المحنك، يحدثه منتفش الريش بزهو:
– متقلقش يا ابراهيم، انا ياما عدى عليا قضايا من النوع ده وانيل مية مرة، تجار مـ.ـخـ.ـد.رات وسلاح وقــ,تــل وجميع الجرايم، كلهم طلعوا بفضل مهارتي، واظن والدتك حكتلك عن سمعتي .
– حكتلي يا متر، بس انا برضو مليش غير النتايج، غير كدة متقوليش.
– ان شاء الله هتظهر النتايج قريب ، بس انت متفولش.
قالها الرجل ليسحب حقيبته ويذهب من جوارهم، فتعلق سميرة من خلفه:
– حار ونار في جتته، خد مني فلوس بالهبل، بس معلش اهم حاجة يطلعك براءة ، والنعمة لو ما نفذ بوعده، لاكون فضحاه ومجرساه في كل الدنيا.
– قلبك ابيض ياما.
تمتم بها بضحكات متقطعة، ليصدر السؤال منه بعدها:
– الا خالتي مجاتش ليه معاكي؟ ولا اي واحدة من مضاريب الدm بناتها:
عوجت شفتيها يمينا ويسارًا، مرددة بغـ.ـيظ:
– يتفلقوا، عنهم ما جم خالص، بيجهزو لفرح الزفتة امنية، انهاردة حنتها بقى ، وبكرة تتزفت على النيـ.ـلـ.ـة الظابط خطيبها.
سمع منها وتحولت ملامحه من الابتسام الى التجهم بشـ.ـده، انفاس حارقة كالدخان ، يخرج من أذنيه وفتحتي انفه، ليقبض على قضبان المحبس الحديدية بقوة ابيضت لها مفاصله، حتى انتفضت والدته بالزعر تخفف عنه:
– متزعلش نفسك انت يا حبيبي، بكرة تتجوز ست ستها، واللي احلى منها كمان.
ظل على وضعه، فصار صوت انفاسه الخشنة فقط مع هزهزة اسلاك القضبان بغـــضــــب وعنف وهي تهون عليه، حتى سحبه رجل الأمن من امامها، يدخل به داخل الممر المؤدي الى الردهة الداخلية، ويجمعه مع مجموعة السـ.ـجـ.ـناء من زملائه، قبل العودة بهم الى محبسهم الاساسي، فلم يخرج عن صمته سوى بعدmا وقعت عينيه على غريمه، يخرج من إحدى الغرف بصحبة عدد من زملائه الضباط:
– يا عصام باشا، انت يا عصام باشا.
صوته العالي جعل الاخير يلتف اليه، مع انتباه الجميع له، ليهدر بالرد عليه غاضبًا:
– عايز ايه يا ابني انت، وبتنده عليا ليه بصوتك العالي؟ انت اتجننت.
جاء قوله بلهفة:
– لا يا باشا متجننتش، انا بس عايز اكلمك في موضوع ضروري، انا ابراهيم لو مش عارفني، ابن خالة خطيبتك، واللي كنت خطيبها قبلك.
برقت عيني الاخير على الفور بإجفال وغـــضــــب، وقد توقفت جميع الاصوات، والجميع مصوبا ابصاره نحوهما ، بعد هذا التصريح الغـ.ـبـ.ـي منه،
فاتجه نحوه يقبض على ياقتي قميصه معنفًا له، وقبل ان يتمكن من ضـ.ـر.به او سبه، اردف ابراهيم مصححًا:
– اسف يا باشا، والله ما قصدي حاجة، انا بس عايزك في كلمتين.
على صوته يزجره:
– وانت تكلمني بصفة ايه؟ ولا يكونش فاكر نفسك قريبي صح.
صدر رد ابراهيم بصوت يتخلله المسكنة:
– مش بأي صفة والله، هما بس كلمتين محشورين في زوري ونفسي اقولهم.
❈-❈-❈
بإحدى الصيدليات، وبعد أن تم الانتهاء من تضميد الجروح، بالمعقمـ.ـا.ت، وتناول المسكن لهذا الالم الرهيب بفكه، ليتمكن من توجيه شقيقته بحدة:
– انتي يا بت ، اياكي تبلغي حد باللي حصل النهاردة، لاشرب من دmك .
شهقة غاضبة صدرت منها لتعقب بتهكم:
– تشرب من دmي كمان، لهو انت مقدرتش ع الحمار هتتشطر ع البردعة.
هدر بها يحذرها بعنف:
– لمي نفسك يا سامية انا على اخري، مش ناقصك انتي كمان .
اشفقت تتراجع عن سخريتها بعد شعورها بنبرة الحـ.ـز.ن التي تغلف صوته، لتلطف قائلة:
– انا مش قصدي اشمت فيك ولا اتريق ، انا بس اضايقت من كلامك الناشف وتهديدك ليا.
– عشان عارف بقك اللي مـ.ـيـ.ـتبلش فيه فوله يا سامبة، وانا بقى على اخري ومش قابل نص كلمة من حد .
اومأت بتفهم ، فهي الاعلم برد فعل والدتها لو علمت ولا غـــضــــب اسراء او شمـ.ـا.تة سامر، ثم سـ ـخـــريــة والدها ومعايرته.
– خلاص يا سمير انا مش هتكلم وان حد سألتي عن اللي في وشك، هقول دي خناقة في الشارع.
– جدعة .
تمتم بها ليغمغم بحسرة من داخله:
– مهما عدت السنين ولا شوفت في حياتي نسوان، ما في واحدة هتحل مكانك يا بهجة، وبرضوا مش هسيبك.
❈-❈-❈
خرج من وكالته، يرفع عيناه للأعلى نحو شرفة منزل شقيقه، يمني نفسه برؤية القمر كما حدث منذ ايام، وقد توقف عقله عند هذه اللحظة حينما رأى المرأة الجميلة، ذات الشعر الاصفر كسلاسل الذهب والبشرة البيضاء البهية، بصحبة ابنة شقيقه، تتطلع في الحارة وابتسامة تذهب بالعقل مرتسمة على ملامحها الفاتنة.
لقد رأى شبيهات لها على التلفاز وفي مسلسلات الدراما التركية كما وصفها ابنه، لكن على الحقيقة ، لم يصادف ابدا كهذه الفتنة المتحركة، يجزم بأن الاعجاب متبادل، فقد التقت عيناها بخاصتيه وتبسمت باتساع، لقد طار عقله وقتها حتى كاد ان يتخلى عن رزانته، ويصعد اليها بشقة شقيقه الراحل، ولكن منعه الحرج من بهجة واشقائها، فقد انقطعت الصلة بينهم منذ وقت طويل، بعد مشاكل الميراث، من أين يجد الحجة اذن ليفعل؟
ليتعلق قلبه بالأمل في عودتها، لربما وجد الفرصة وقتها في لقاءها وحدها بعيدا عن الحوش من أبناءه وابناء شقيقه ، والملعونة درية .
– ااااه
تأوه داخله بلوعة، يتمنى ان يبتسم الحظ له ،ويعوض ما فاته بالزواج من امرأة مثلها، تضيء بالظلام، ليست كدرية التي لا يقدر عليها سوى الله.
فهو رجل مقتدر، يملك اموالا لا حصر لها ، جزء في التجارة على العلن، واضعاف في الخفاء، لا يعلم عددها الا هو ، وان كان ينقصه بعض النحافة بذلك البطن الممتد امامه ( كرش) رغم رشاقة معظم الجــــســ ـد، ثم زرع كمية من الشعر بوسط الرأس التي تلمع من نعومتها بتلك الصلعة الكبيرة بوسطها، اما عن الطول فمنذ متى كان فارقًا له.
لابد من الاهتمام بنفسه، ويدللها بعد الشقاء، فما فائدة ما حصده طوال هذه السنوات ، ان يتركه من خلفه، كي يرثه أبناءه الحمقى وزوجته المتسلطة .
شهقة صدحت بداخله، فور ان تفاجأ بدخول السيارة المذكورة تلج الى المنطقة وكأنها لبت نداء قلبه الضعيف،
ابنة شقيقه الراحل، جالسة في الخلف، بجوار تلك الحورية، ما أجملها من امرأة.
– اااه.
خرجت هذه المرة بتنهيدة مسهدة، لتتحرك قدmيه ويتبعهم ، حتى اذا توقفت السيارة امام البناية خاصتهم، اقترب يستقبلهما:
– يا أهلا بالضيوف اللي معاكي يا بـ.ـنت اخويا
قطبت الاخيرة بدهشة وهي تترجل من السيارة، وتسحب خلفها نجوان التي توقفت هي الأخرى بإجفال، تطالع الرجل المتوسط الطول، بجــــســ ـده الصغير، ذلك الذي يميزه البطن الكبير، عكس باقي أعضاء الجــــســ ـد، وكأنه ياكل ويخزن داخل احشاءه فقط ، ثم هذه الابتسامة المتوسعة، والشارب الرفيع بشـ.ـدة ، يحدق بها بصورة فجة جعلتها تعود برأسها للخلف بجزع منه، لتتصدر بهجة امامها، قائلة:
– نعم يا عمي في حاجة؟
صار يشب برأسه موجها الحديث نحو الأخرى:
– حاجة ايه بس يا بـ.ـنتي؟ انا بتكلم على ضيوفك، الناس الالافرنكة دي، مش واجب برضو نتعرف بيهم وياخدو الواجب، انا عمها يا هانم.
في الاخيرة امتدت كفه نحوها يريد المصافحة، ليزداد رعـ.ـب الأخرى، بظن منها انه سوف يؤذيها، لتهب بهجة بنجدتها ، بأن ابتعدت بها عنه قائلة:
– معلش يا عمي، بس الهانم مبتقبلش تسلم ولا حتى تتعرف بحد غريب، عن اذنك.
قالتها وتحركت بها سريعًا تتخطاه، ليقف هو متطلعًا باثرهما، وبكفه التي مازالت ممتدة ليعلق بصدmة:
– الله، طب وهو السلام في ايه يعني؟ هو انا جربة مثلا؟
❈-❈-❈
كان منغمسًا بشروده ، يهزهز بمقعده للخلف كالأرجوحة، معطيا ظهره بعكس الجلسة خلف مكتبه.
حتى لم ينتبه على دخول رئيسه اليه، ولا حينما توقف خلفه، ليجفله فجأة بالصوت المزعج للملفات التي القى بها على سطح المكتب دفعة واحدة:
– ايه يا غالي، قاعد سرحان وسايب شغلك متكوم فوق بعضه، ما تعمل بقى بلقمتك في الكام الساعة دي، قبل ما تاخد الاجازة وتغرق في العسل .
ابتسامة ضعيفة صدرت منه كاستجابة لمزحته، ليرد بمرح مصطنع:
– معلش بقى لازم تعذرني، اي حد في مكاني هيبقى مش بعقله.
انتبه امين على تغيره ، وهذه النبرة لم تريحه، ليميل نحوه قاطبًا بقلق:
– ايه مالك يا عصام؟ انت في حاجة مضايقاك؟
زاد بتصنع الابتسام وادعاء عدm الفهم:
– بتقول كدة ليه بس يا باشا، هو انا حد قدي النهاردة مثلا عشان اضايق.
زم شفتيه الاخر، مضيقًا عينيه بريبة يعقب:
– مش عارف، حاسس حاجة فيك متغيرة، مش مطمني شكلك كدة، اصل انت بالذات مفضوح قدامي، وانا عارف كنت هتمـ.ـو.ت ع الجواز ازاي والفرح.
– طب وايه اللي حصل يعني؟ ما انا لسة برضو همـ.ـو.ت ع الجواز والفرح.
يرافق كلمـ.ـا.ته الاخيرة ضحكة مكشوفة اكدت لأمين صدق ظنه، ليخاطبه بنصح:
– ماشي يا عصام انا مش هضيق عليك، بس عايزك تعرف كويس اوي، ان انا تحت امرك في اي وقت، سواء في الفرح او في الشـ.ـدة ، انت اخويا الصغير ياض، وفرحتي بيك ولا فرحتي بابني اللي لسة مشوفتوش.
جذبه في الاَخيرة اليه ، ليعانقه عناقًا رجولي، يربت بكفيه على ظهره، متمتمًا بالتهنئة:
– ربنا يتمم فرحتك على خير يا حبيبي.
تقبل عناقه بامتنان حقيقي معبرا عنه:
– والله وانت كمان يا امين باشا، ربنا العالم باللي شايله في قلبي ناحيتك، انت اخويا الكبير فعلا حتى لو مش بالدm .
عاد يربت على ظهره، ثم بدأ يمازحه بجرأة كعادته وهو يحاول ان يجاريه، حتى اذا تركه وخرج.
سقط بثقله على كرسيه بإرهاق، عائدًا لجموده، وهذه الكلمـ.ـا.ت التي تدوي برأسه من وقت لقاءه بهذا الفاسد ابراهيم.
في وقت سابق،
وبعد أن استجاب لمطلبه، ليدخل به احدى غرف الامن ، وينفرد باللقاء معه:
(( – اتفضل يا زفت، قول عايزني في ايه؟ خلصني.
تمتم بكلمـ.ـا.ته ليجلس واضغًا قدmا فوق الاخرى، بصورة ازعجت ابراهيم الواقف امامه، والاصفاد بيده، ليزيد الحقد بقلبه، على من لفظته كخرقة بالية، والاَن تكافأ بهذا المتعجرف، الذي يبدو امامه كالوضيع :
لتبزغ ابتسامة قميئة على محياه قائلًا:
– وليه العصبية دي بس يا باشا؟ دا احنا حتى في صفة مشتركة بتربط ما بينا…… امنية.
انتفض عصام بجلسته بعد سماع اسمها ليعتدل هادرًا به:
– احترم نفسك يا زفت انت، واياك تنطق اسمها تاني على لسانك، واوعى تفتكر ان اللي عملته برا هعديهولك ، انا بس مسكت نفسي عشان اجيب اخرك، اخلص قول انت عايز ايه؟
ردد بفحيح الافاعي وابتسامة الحرباء :
– خلاص يا باشا، بلاش اقول اسمها…….. بس اشيل الذكريات الحلوة بقى من دmاغي ازاي بقى؟ طعم الشـ ـــفــايـــ ـف اللي تعبت من كتر ااا…….
توقف ينتشي برد فعل الاخر، والذي فاجأته الصدmة لتبرق عينيه بذهول فتابع يضع كفه على موضع القلب يردف بوقاحة ودناءة:
– ولا الشامة اللي هنا في الحتة دي، اكيد انت عرفتها ولا يمكن لسة موصلتلهاش، دي حتى جـ.ـا.مدة اوي، ساعة ما تمسك فيها ، تبقى ولا العيل الصغير بتشبط ومش عايز تسيبها……..
قطع في الاخيرة، وقد انقض عليه كالأسد الجريح يكيل له بالضـ.ـر.بات في كل ما تقع عليه يده:
– يا حـ.ـيو.ان يا سـ.ـا.فل يا منحط، انا هخلص عليك النهاردة.
ورغم قوة الضـ.ـر.بات لم يكتفي ابراهيم، فظل يواصل رغم الالم المبرح:
– يا باشا بقولك ذكريات، انت زعلان ليه بس؟ اه ..
…… بكرة تعرف كلامي من نفسك….. ولا اقولك اسألها وهي تجاوبك عن مغامرات المخزن…. بس بصراحة….. اااه،….. كنا بنعمل كل حاجة الا الاخيرة اللي انت عارفها دي….. عشان البقف اللي هيشيل بعدي…..
ختم بضحكاته الماجنة ترافق صرخاته التي دوت بقوة للخارج، حتى ارغمت رجـ.ـال الامن لاقتحام الغرفة عليهم، ثم سحبه من بين يديه، مستندا على الاكتاف لا يستطيع الوفوف على قدmيه، بعدmا ابعدوه عنه بصعوبة وقد كان على وشك قــ,تــله،
يلهث كدب مفترس، بعد ان قيده الرجـ.ـال بصعوبة، للخروج بالاخر، يتجاهل الرد على التساؤلات والتفسيرات التي توجه له منهم ، عيناه لا تفارق هذا الفاسق، والذي لم يكف عن الابتسام له، بوجهه الذي اصبح خريطة تزينها البقع الزرقاء والحمراء والتورمـ.ـا.ت المنتشرة بها.
يصارع بكل قوته للإفلات منهم والفتك به، والرجـ.ـال لا يكفون:
– بس لو تفهمنا يا باشا الواد ده عمل ايه واحنا نأدبهولك. ))
عاد من شروده بعروق منتفضة، وقبضة ابيضت مفاصلها، تناديه للعودة للاكتفاء بقــ,تــله، ولكن ان نفذ وفعل، اين موضعها هي من الاعراب،
هي من سلمت وتساهلت معه، هي من جعلت وضيع كهذا يحتفظ في سجل رأسه بذكريات سافرة عنها وعن جــــســ ـدها…
كز على اسنانه يخرج زفيرا كغليل الحمم، يعدد الفرق الشاسع بخطبتها به، حتى وبرغم عقد القران، ابدا لم يحاول ان يفعل مثل باقي الرجـ.ـال وينال منها ولو قبلة صغيرة، كل ملامساته لم تتعدى مسك الايدي، وبعض الكلام الجريء في الاونة الاخيرة انما بحرص، وذلك لتهيء نفسها للقادm في عالمهم الجديد الذي يجمعهما.
لماذا يحدث هكذا معه؟ وهو الملتزم دوما، والذي لم يفعل ابدا مثل باقي الشباب الذين يتلاعبون بعقول الفتيات؟
دوي صوت الهاتف من جواره على سطح المكتب ، يتطلع لهذا اللقب الجديد الذي سجل به رقمها (( زوجتي ❤))
ليزفر انفاسًا مهتاجة، متجاهلا الرد عليها، ليعود لأفكاره القاتمة. يدmي شفته السفلى بالعض عليها من الغـ.ـيظ.
❈-❈-❈
كانت مضجعة على اريكتها ، تتابع الحديث الشيق بين شقيقتها ونجوان التي كانت تضحك بملء فمها، على اقل مزحة تردف بها الصغيرة والتي لا تكف عن سرد ما يحدث معها في المدرسة ومغامـ.ـر.اتها في صد الفتيات طويلات اللسان معها ، وكيف تفحمهم بردودها الحادة، لتفرض شخصيتها القوية عليهم .
– سبحان من بيجمع القلوب صحيح.
عقبت بها بهجة ، يسعدها هذا الانـ.ـد.ماج بين الغريبتين، وقد توافقت شخصياتهم رغم كل الفروق الشاسعة بينهم .
ليصدح هاتفها بنمرته، فردت برسميه كعادتها معه
– الوو….. افنـ.ـد.م يا رياض باشا .
وصلها الرد بنبرته الرخيمة الهادئة:
– الوو يا بهجة عاملة ايه؟
ابتلعت ريقها ترد بكلمـ.ـا.ت منتقاة؛
– الحمد لله كويسة حضرتك، لو بتتصل عشان الست الوالدة، فهي مبسوطة دلوقتي مع عائشة شوية كدة و…
قاطعها بقوله:
– انا مطمن عليها وهي معاكي يا بهجة.
صمتت لا تجد من الكلمـ.ـا.ت بما يسعفها بالرد عليه، ليردف هو :
– اتا كنت بسأل على صحتك، لسة برضو حاسة بالضعف ولا دايخة ؟
اومأت بـ.ـارتباك تهز رأسها وكأنه واقف امامها، لتجيبه برقة لم تتصنعها:
– ما انا قولتلك كويسة يا فنـ.ـد.م ، انا احسن بكتير دلوقتي، دا غير ان اختي جنات قايمة بالواجب من ساعة ما رجعت من الكلية وعرفت، عصاير بقى واكل بتعمله بنفسها.
– كويس اوي يا بهجة… خلي بالك من نفسك.
كانت تلك كلمـ.ـا.ته الاخيرة قبل ان ينهي معها المكالمة يتركها بحالة من التشتت والارتباك تلفها، وتفسيرات تدحضها بعقلها برفض تام لها.
حتى شعرت بالدوار بالفعل، لتتمتم بحديث نفسها:
– انا مالي دوخت بجد ليه بقى؟ ما كنت قايلاله اني خفيت من شوية!
بخطوات مسرعة رغم حرصها المعتاد، عبرت المساحة الفاصلة بين غرفتها والغرفة الأخرى ، لتطرق على بابها متجاهلة الحرج، او الخجل في ازعاج البشر وايقاظهم في هذا الوقت المبكر.
حتى اذا فتح باب الغرفة قوبلت بالسـ ـخـــريــة والاندهاش على الفور :
– يا نهار ابيض، معقول ! انتي جاية من اوضتك لحد هنا برجليكي ومن غير توصيلة كمان؟ هو فين حسن؟ ازاي يسمح بالتسيب ده.
وقبل ان يفتر فاهها بالرد ظهرت من خلفه زوجته هي الأخرى تتضامن معه عليها ضاحكة:
– اه صحيح دي شهد، وعلى باب اوضتنا صح يا امين، اكيد حسن نايم وهي بتغفله كعادتها.
صاحت تسكتهم هما الاثنان بنزقها:
– دا مش وقت هزار الله يخليكم، انا جاياك في سؤال يا امين، ارجوك تجاوب عليه لو تعرف.
لفتت بجديتها انتباههم، ليتخلى امين عن عبثه سائلا لها بتوجس:
– ايه الحكاية يا شهد قلقتيني؟ تعالى ادخلي الاول مش هتفضلي واقفة ع الباب.
في الاخيرة هم ان يجذبها من قماش عبائتها للداخل ولكنها تشبثت بالأرض معبرة عن رفضها:
– دا مش وقت كلام ولا راحة، انا عايزاك بس تشوف صاحبك دا اللي غايب عن عروسته من امبـ.ـارح، وعماله تتصل بيه ما بيرودش، هي بس رسالة يتيمة، رد بها على اخر العشية وقال انه مشغول جدا، بعدها قفل تليفونه وكأنه فص ملح وداب، لدرجة اهله نفسهم واخته اللي حضرت الحنة معانا امبـ.ـارح كمان قلقت وبقت مش عارفة تبرر تصرف اخوها.
– اختفى! وليلة حنة العروسة كمان! ازاي يعني؟
تمتم بها عاقد الحاجبين بشـ.ـدة، ليدلف على الفور داخل غرفته، متوجهًا نحو الهاتف:
– انا هشوف الواد دا راح فين يا شهد متقلقيش، اتصلي على أختك وطمنيها، عصام من اول ما اتعرفت عليه وهو راجـ.ـل، يعني لو في أي حاجة هيتكلم على طول، مش هيقل بنفسه ولا يستندل في شيء مهم زي ده.
تبعته زوجته الى الداخل وقد اصابها القلق هي الأخرى، وتوقفت شهد تلتقط انفاسها بتـ.ـو.تر يعصف بها، تتابع اتصاله في محاولات باءت بالفشل لعدm استجابة الاخر بالرد عليه، لينتقل شعور القلق داخله هو الاخر، فجاء رده الحاسم:
– انا نازل دلوقتي، ولو في سابع ارض هعرف اجيبه.
ردت باستجداء تخاطب نخوته:
– ياريت يا امين، دا البت ما قادرة تنام من امبـ.ـارح، هتمـ.ـو.ت من القلق والخــــوف، دا عمره ما عملها ولا ردش على مكالمتها الا لو في الشـ.ـديد القوي، اللي يمنعه.
اومأ يوافقها الرأي، فهو الاعلم بلهفة الاخر في الارتباط والزواج من شقيقتها، وعقله الاَن على وشك التوقف بحيرة اصابته، عن ماهية هذا التحول العجيب، في ظرف هام كهذا.
– شهد واقفة مكانك بتعملي ايه؟
كانت هذه صيحة زوجها، بنبرة الجزع التي تعلمها، لتدافع مبررة على الفور :
انا كنت جاية في طلب مهم يا حسن وماشية اهو .
قالتها وكادت ان تميل بسيرها، لولا ذراعيه التي لحقت عليها كي تسندها، فغمغم بتوبيخ:
– وتجيلو انتي بنفسك ليه؟ ما كنتي كلميني انا وانا اجره من قفاه لحد عندك، عايزة تتعبيني في اللف وراكي وبس يا شهد.
تجاهل امين الرد على مزحته، وتركه في الأخذ والرد مع زوجته، طوال طريق وصولهم لغرفتهم، اما هو فقد اغلق الباب سريعًا ليخلع عنه التيشرت البيتي الذي يرتديه، باحثًا عن شيء يصلح للخروج في خزانة الملابس بعجالة اجبرت زوجته للتساؤل:
– طب انت هتخرج كدة من غير ما تحدد وجهتك، مدام بتقولك ان اهله مش عارفين مكانه، يبقى كدة هتروح على فين تسأل عليه بقى؟
التف نحوها باستدراك متذكرًا تغيره بالأمس، ليلتف عائدًا لهاتفه على الفور، يتصل بأحد ما :
– الوو يا صبري انا الظابط امين………… يا أهلا وسهلا بيك يا حبيبي، معلش انا كنت بتصل في استفسار سريع كدة…… تسلم يا حبيبي الله يخليك؟ شوف يا سيدي انا عارف طبعا ان انت كنت مرافق عصام في مشوار المحكمة امبـ.ـارح ونقل المساجين و………. بتقول ايه؟……..
اعتدلت لينا من جسلتها تتابع رد فعل زوجها في تقلص ملامحه وهو يستمع الى الطرف الأخر عبر الهاتف، وسرده عما حدث دون انتظار السؤال:
– ازاي يعني اتخانق في المحكمة؟ ومع مين؟…….. السجين ابراهيم بتاع قضية الخـ.ـطـ.ـف والقــ,تــل القديم…….
تمتم الاخيرة بملامح انقبضت تعابيرها بشـ.ـدة، وهذه المفاجأة بذكر اسم هذا البغيض، تشعل برأسه ملايين التساؤلات، عما قام بفعله، ليحدث هذا التغير بشخص هاديء كعصام.
❈-❈-❈
خرج من غرفة مكتبه ، بعد فترة طويلة من مراقبتهم من خلف الحائط الزجاجي، وحالة السكون تلك التي تميز بها والدته هذه الايام، رغم قلقه في بعض الاحيان ، فهي ليست مضمونة على الإطـ.ـلا.ق، ولكنه لا ينكر ارتياحه بانـ.ـد.ماجها مع هذه الجميلة، كزهور الحديقة من حولها، تشيع بهجة بالمكان رغم حـ.ـز.نها، مشرقة مثلهم، وصافية بصفاء السماء فوقها، وخضار العيون الساحرة يمتزج مع لون الخضرة بجوارها، بامتزاج يثير الدهشة.
– صباح الخير.
القى التحية بصوته الرخيم مفاجئًا لهم، ف انتفضت والدته برد فعل اعتاد عليه، ولكن اثار غـ.ـيظه:
– في ايه بقى يا ماما، مش عفريت انا واقف قصادك يعني عشان تتخضي كل مرة كدة .
لطفت بهجة على الفور بعد ترديدها التحية وكأنها تولت مهمة الدفاع عنها:
– معلش يا رياض باشا، بس هي كدة مع الكل، شكل نجمها خفيف زي ما بنقول عندنا في الحارات الشعبية.
حدق بيدها التي كانت تضعها على ذراع والدته كدعم لها، وكأنها تبثها الاطمئنان بلفتة بسيطة جعلته يعلق بابتسامة:
– ماشي يا بهجة نديها عذرها، طب ممكن تسمحولي اشاركم الجلسة على الترابيزة ولا اشرب من العصير اللي بتشربوه؟
– يا نهار ابيض يا فنـ.ـد.م، اتفضل حضرتك.
تفوهت تنهض عن مقعدها بفعل اثار استيائه:
– انا بقول اشاركم يا بهجة، مش تقومي واقعد مكانك.
اكتنفها الحرج لتعود لجلستها تتمتم بالاسف بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة من فرط ارتباكها، وجلس هو مقابلا لها، بقرب اثار الخجل بها، رغم المسافة الفاصلة بينهم بالطاولة، لديه هالة وهيبة تثير بقلبها الرهبة فتفقدها التوازن، على الاقل داخلها :
– ما قولتليش بقى، عن سر تعلق ماما بعائشة الصغيرة.
على اثر سماع الاسم انتفضت نجوان بانتباه، جعله يعلق بمرح:
– يااه للدرجادي عائشة معلقة معاكي؟
تبسمت تجيبه بسجيتها:
– يمكن عشان بترغي معاها، اصل انا اختي ما تتوصاش ابدا في الحتة دي، تجيب الشرق ع الغرب وما بتملش، انا وجنات وايهاب بـ.ـنتعب منها ونسيبها، أما بقى نجوان هانم بحسها تنبسط من رغيها مش عارفة ازاي؟
ختمت باتساع ابتسامتها التي زادتها جمالا ليحدق بها برهة من الوقت جعلتها تعود لخجلها ، حتى استدرك هو ليتحمحم من حالته تلك ، ليقول بجدية:
– على فكرة انا كلمت دادة نبوية من شوية طمنتني المرة دي عليها وبشرتني انها هتعود قريب لمزاولة شغلها .
– بجد ، يعني انا هرجع لشغل المصنع من تاني؟
قالتها بلهفة بقدر ما ادهشته، بقدر ما اثارت استياءه من الداخل ليشاكسها بلؤم:
– زهقناكي وتعبناكي اوي معانا يا بهجة صح؟
افتر فاهها واغلقته عدة مرات وقد غمرها الحرج كطفلة صغيرة تعجز عن الرد للحظات حتى تمكنت بتلعثم:
– لا والله يا فنـ.ـد.م….. ااا مش حكاية اني زهقت ولا تعبت، انا بس اشتقت لشغلي ولصحبة البنات الغلابة اللي زيي والريسة صباح.
لطف يخفف عنها رغم استمتاعه بهذا الوهج الذي طغى على بشرتها الشفافه حتى اصبحت كتلة ملتهبة امامه، ثم برائتها التي تكاد ان تطيح بعقله.
– انا فاهم يا بهجة مفيش داعي تبرري، مهمها كان المميزات هنا لكن انتي برضو محتاجة تخففي عنك المسؤولية.
قال الاخيرة بنظرة جانبية نحو والدته التي تتابع وكأنها تفهم ما يدور بعقله، رغم ان الظاهر غير ذلك .
تحمحم يستفيق من حالته، لينهض فجأة عن الجلسة الممتعة متذكرًا ما ينتظره من اعمال:
– انا هقوم اشوف الشغل اللي ورايا، رغم ان القعدة هنا ما يتشبعش منها، محتاجة حاجة يا بهجة قبل ما اخرج؟
– انا يا فنـ.ـد.م؟ لا طبعآ.
نفت بها وعلى الفور حتى تسبب في ضحكة عابثة على شفتيه ليعود موضحًا:
– انا بسأل يعني عن الست الوالدة يا بهجة ، ولا دي كمان مش محتاجة؟
تبسمت باضطراب لتتذكر ما ينقصها من دواء:
– اه صحيح حضرتك انا كنت عايزة اقولك عن العلاج المستورد ، هو قرب يخلص والاحسن يعني نجيب غيره قبل ما ينقص مننا، بس انا دلوقتي مش فاكرة اسمه، اصله تقيل اوي، اروح بسرعة اجيبهولك.
اشار لها بالجلوس:
– مفيش داعي، خليكي مكانك، لما تدخلي جوا ابعتي الاسم، او صوريه في رسالة.
– ابعتلك رسالة فين يا فنـ.ـد.م؟
اجاب عن سؤالها بابتسامة مستترة:
– عم طريق الواتس يا بهجة، ولا عايزة تقولي ان معندكيش واتس؟
ردت بعفويتها المعتادة:
– لا طبعا عندي يا فنـ.ـد.م.
ابتسامة مشاغبة سيطر عليها بصعوبة قائلاً قبل ان يغادر:
– كويس اوي، متنسيش بقى.
حينما غادر ظلت لبرهة من الوقت تتطلع في ظهره، حتى اذا انتهت تنفض رأسها من العبث الذي اصبح ينخر بها، عادت لنجوان ، وجدتها تحدق بها بنظرات لم تفهمها على الإطـ.ـلا.ق، ولا تجد لها تفسيرا.
❈-❈-❈
بفاه منفرج، ظلت لمدة من الوقت تستوعب ما قد وصلها من اخبـ.ـار عبر الهاتف، من إحدى الطبيبات التي تعمل بالمشفى التخصصي المشهور، وتملك العائلة جزء كبير من اسهمها،
عن زيارات رياض الشبه اليومية لها منذ قرابة الاسبوع، ورعاية شاملة لهذا الفتى شقيق الملعونة التي اصبحت كطيف شبح لها هذه الايام يطاردها في الصحو والمنام،
لا تصدق تلك المبالغ الكبيرة في علاج هذا الفتى ، سوف يتم اختصامها من نصيبه السنوي.
كيف يفعل شيء كهذا لمجرد عاملة بمنزله، تعلم عنه الكرم خصوصا مع العاملين على خدmة والدته، كمثال نبوية التي تحظى بكل الاهتمام لاجل مكانتها عبر السنين.
انما هذه ، اي مكانة قد صنعتها في هذا الوقت القصير، يبدو أنها قد استهونت بأمر هذه الفتاة:
– يا ترى قدmتي ايه تخليه، يتكفل بالمبلغ الضخم دا عنك، يا بهجة الزفت.
كان هذا هو السؤال الذي دوى داخلها، حتى تفوه بها لسانها :
– مبقاش انا لورا ان ما لقيتلك صرفة.
❈-❈-❈
وصل الى منزل عائلته، ليضغط على الجرس بحرج، لا يعلم من اين سيدخل اليهم بتساؤله؟ بعدmا سأل معظم الاصدقاء والمعارف التي يعرفها، في السؤال عنه، وعما ان كان قد قضى السهرة معهم، وحين مل من عدm الوصول إلى نتيجة، قادته قدmاه الى هنا، ربما وجد ما يدله عليه منهم.
فتحت شقيقته لتتلقاه بابتسامتها العـ.ـذ.بة؛
– اهلا حضرة الظابط امين، مشرفنا ومنورنا.
لحق يبرر عن سبب مجيئه في الوقت الباكر من اليوم:
– صباح الخير ، معلش لو جيت في وقت غير مناسب، بس انا كنت جاي اسأل على عصام.
– الله، وهو حضرتك غريب يعني؟ دا انت تيجي في اي وقت، ع العموم هو نايم في اوضته حاليًا، اتفضل ادخل وصحيه الكسلان ده، يشوف اللي وراه، دا اليوم طويل اوي النهاردة.
قالتها تنزاح بجــــســ ـدها من امامه، ليعبر خلفها الى داخل المنزل، تغمره الدهشة، فإن كان الامر طبيعيا الى هذا الحد، فما سبب الغياب عن عروسه وعدm السؤال.
بعد لحظات قليلة،
كان عنده بداخل الغرفة، يتطلع الى نومه الهاديء بسكينة، مناقضة تماما لحالة القلق البالغ والتـ.ـو.تر التي اصابت اهل العروس.
– انت يا باشا، انت يا زفت انت ياللي نايم وسايب الدنيا تتطربق برا.
استيقظ عصام يفتح اجفانه للضوء، فيقابل وجه رئيسه فوق رأسه متابعًا بإصرار:
– اصحى ياض انت واتعدل، خليني اتكلم معاك انا مش فاضيلك .
قطب عصام يستجيب له، ليعتدل بجــــســ ـده متمتمًا، بابتسامة متكاسلة:
– سيادة الباشا امين بذات نفسه، في اوضة نومي وبيصحيني كمان، دا ايه النهار النادي ده؟
عبس موبخًا له:
– يا برودك يا اخي، مأنتخ وصاحي ناموسيتك كحلي ، والبت واهلها مفكرين انك هـ.ـر.بت وطفشت يوم فرحكم.
قطب يدعي عدm الفهم :
– بـ.ـنت مين؟ قصدك امنية؟ وايه اللي هيخليني اطفش واسيب فرحي عليها المـ.ـجـ.ـنو.نة دي؟ هو انا غاوي مصاريف تترمي ع الارض ولا ناس تشنع علينا بكلام مش لطيف.
انفعل امين مرددًا بغـ.ـيظ:
– ولما هو كدة يا ظريف، طفشان من امبـ.ـارح ليه ، واختك يسألوها تقول معرفش مكانه، انتو متفقين مع بعض توقعوا قلب البت واهلها.
– لا لا لا حـ.ـر.ام عليك متظلمش عبير اختي، هي فعلا قالت الحقيقة، لان انا بالفعل كنت غايب عن البيت ومرجعتش الا وش الفجر، يعني اكيد ملحقتش تطمنهم، ع العموم احنا لسة فيها ، اطمنهم انا بنفسي.
قالها ثم توقف يتناول هاتفه من فوق الكمود المجاور له ، ليهاتف الأخرى امامه:
– الوو يا امنية صباح الفل يا قلبي…….. يا بـ.ـنتي وليه القلق بس وتكبري الموضوع؟ انا قايلك من امبـ.ـارح اني مشغول…
التقت عينيه بخاصتي رفيقه، والذي كان يرمقه مضيقًا عينيه بريبة وهو يواصل التبرير مع خطيبته:
– لا يا قلبي متقلقيش، النهاردة ليلة عمرنا، روحي ارتاحي واشبعي نوم قبل ما تدخلي في دوشة التجهيزات والعك اللي مستنيكي في اللبس والمكياج……. انا هقفل معاكي كمان عشان انتبه للي ورايا، دا حتى امين باشا مشرف منزلي المتواضع….. يلا سلام بقى.
انهى المكالمة، ليلتف اليه بتنهيدة مقللاً:
– اهو يا باشا زي ما شوفت بنفسك، الوضع عادي جدا، ومفيش اي حاجة وحشة لا سمح الله.
– يا شيخ.
تمتم بها امين، بشك اصبح يرواده بقوة، ليتناول المقعد الوحيد يقربه من التخت، ثم جلس مقابلا له، يبدأ حديثه الجاد:
– عصام، انا عرفت بخناقتك امبـ.ـارح في المحكمة، لما ضـ.ـر.بت الزفت اللي اسمه ابراهيم وكان هيمـ.ـو.ت في ايدك ، لولا رجـ.ـالتنا اللي حاشوه عنك، دي مش طبيعتك ولا شخصيتك ابدا، كون انك تضـ.ـر.به بالشكل ده، وانت عارف بالصلة اللي كانت بتجمعه بخطيبتك، وبعدها تغطس وتختفى عن فرحك، دا ملهوش غير معنى واحد عندي، هو ان الولد ده قالك او استفزك بشيء انت مقدرتش تتحمله، واكيد الكلام…. كان عنها.
كان صريحًا في مواجهته ، غير آبهًا بشيء سوى ان يفتح قلبه اليه، ولكن الاخر لم يكن بطاقة لتحمل حتى ذكر اسمها في موضوع خاص كهذا، تأبى رجولته ان يناقشه مع احد ما ، مهما كانت صفة قربه له.
فجاء الرد وكأنه كان مستعدا له:
– اي كلام ده اللي هيقدر يهلفط بيه الولد ده؟ وانا اصلا هسمحله يجيب سيرتها على لسانه من الأساس، كبر دmاغك يا باشا، هو اخره كان محروق مني عشان خطيبته سابته وهتتجوزني انا بداله، زود في الهرتلة، انا مستحملتش، قومت مديله الطريحة ، عشان يحترم الفرق اللي ما بينه وما بينى ، وميكررهاش.
اما عن امين ، فلم يكن غـ.ـبـ.ـيا على الاطـ.ـلا.ق، ليبتلع القصة رغم حبكتها، ولكنه فضل السكوت ومجاراته ليقينه الاكيد باستحالة افصاح الاخير عن الحقيقة، ولكن لا بأس .
لينهض زافرا بقنوط:
– ماشي يا سيدي براحتك، ع العموم انا في اي وقت تحت امرك وقت ما تحب تتكلم، قلبي مفتوحلك، وبرضو مش هسألك اختفيت فين الوقت دا كله؟ دلوقتي بقى خلينا في ليلة النهاردة، فاضلك اي حاجة لسة مخلصتهاش؟
نهض عن تخته بحيوية، ليسترسل عن اخبـ.ـار القاعة والمدعوين، وما تم تجهزيه وتحضيره لهذه الليلة.
❈-❈-❈
وفي هذه الاثناء،
هرولت هي من غرفتها، نحو الجالسين بوسط الصالة بحالة من البؤس تكتنفهم نتيجة ما يحدث:
– اتصل يا ماما اتصل، اتصل يا رؤى، حتى عبير اخته كمان اتصلت وراه على طول تتأسفلي عشان لما رجع متأخر راحت نامت وملحقتش تتصل وتطمني عليه.
تهلل وجه رؤى على عكس والدتها التي استنكرت بضيق :
– ومالك يا اختي فرحانة اوي كدة ليه؟ بقى بعد ما اتغمينا ليلة بحالها بسبب تناحة المحروس وتناحة اهله، لسة ليكي نفس تفرحي وتنسي عملته!
تجلت الصدmة على وجه امنيه بوضوح والتي توقعت مؤازرة او تخفيف عنها، في وقت عصيب كهذا من اقرب الناس اليها، والدتها، فجاء الدعم من شقيقتها الصغرى العاقلة:
– ولا يهمك يا امنية، اعتبريها ليله وعدت، بصراحة احنا كان لازم يصيبنا النكد، بعد اللي عملتوه في ليلة الحنا امبـ.ـارح ورقصك الاوفر ع الفاضي وع المليان مع البنات، ودول معظهم كانو مبيننها اوي بطريقة كلامهم وقرهم عليكي انك هتتجوزي ظابط.، إن كل ذي نعمة محسود يا اختي .
عبرت امنية عن اقتناعها ببعض النـ.ـد.م:
– صدقتي، بس انا كنت فرحانة اوي يا رؤى، ولحد دلوقتي مش قادرة اصدق جماله ولا رقته معايا، دا بيعاملني كأني ملكة، مش المصدي اللي كان شايف نفسه ياما هنا ياما هناك، ودائما محسسني اني اقل منه.
قالت الأخيرة بقصد واضح نحو والدتها، ودفاعها المستمر عن هذا الاخرق ابراهيم، والتي مصمصت بشفتيها تصدر صوتا يجتاحه الغـ.ـيظ :
– ايوة يا ختي شوفي نفسك علينا من دلوقتي، طبعا ، هو انت حد هيملى عينك بعد كدة.
– يا ساتر يارب.
غمغمت بها رؤى، وقد استهجنت جهل والدتها وغبائها في التعبير حتى يخـ.ـو.نها الرد مع ابـ.ـنتها، لتنهض ملطفة:
-طب مدام اطمنتي ، يبقى روحي نامي بقى الساعتين الفاضلين دول، عشان تريحي بشرتك وتروقي للجاي .
رحبت امنية بابتسامة ملء فمها:
– هو كمان قالي كدة، عشان ابقى مصحصحة واروق له، عن اذنكم .
– ايوة بقى .
عقبت بها رؤى بابتسامة شقية، تغازل شقيقتها التي غادرت بعد ذلك بـ.ـارتياح ، لتنام قريرة العين بعد ليلة طويلة من السهد والسهر،
وتتناول هي هاتفها تتصل على شقيقتها الكبرى شهد كي تطمئنها، بعدmا شغلتها معهن رغم تعبها .
❈-❈-❈
جاء المساء
واجتمع الاحباب والأهل والاقارب في القاعة التي امتلأت عن اخرها بالمدعوين، العروسين في منصة العرس يستقبلان التهاني والمبـ.ـاركات والتقاط الصور بكل ترحاب،
العروس كانت جميلة وفاجئت الجميع بطلتها، وعريسها المغوار يتبادل المزاح مع اصدقائه وضحكاته خير دليل عن مدى سعادته،
لقد أجاد دوره بالفعل، اما هي ففرحتها كانت بسعة الكون، ترقص بين صديقاتها وشقيقاتها وصيفات لها، رؤى وفريال المتغربة دائما، حضرت اليوم من سفرها من اجل هذا الحدث الهام، تجبر والدتها على الانـ.ـد.ماج معهم، رغم أدعائها الرزانة طوال الوقت.
اما شهد فقد كانت مقيدة بجوار زوجها الذي لم يكف عن تحذيراته.
– خفي هز بوسطك يا شهد وانتي قاعدة، الحركة غلط عليكي، كفاية بقى .
خرجت زفرتها برد له قبل ان تتجه باعتراضها نحو مجيدة :
– شايفة يا طنط، طب بذمتك انا بهز، انا بهز ، حتى السقفة كمان بقى اسمها هز وانا قاعدة!
تضامنت مجيدة معها كالعادة رغم تحفظها:
– طبعا يا حبيبتي معاكي حق هو مزودها، بس انتي بردو خدي بالك، لانك من فرحتك بتهزي من غير ما تحسي.
تطلعت لها بصدmة لتنقل بتساؤل نحو صديقتها لينا والتي ضحكت توافق حمـ.ـا.تها الرأي:
– بصراحة اه يا شهد، ودنك ماشية مع الأغنية وبتعبري بانسجام يجنن يا قلبي، انا بجد مش عارفة بتعمليها ازاي؟
أتى قول زوجها بتحكم كالعادة:
– اول مرة يقولو كلمة حق، اسمعي الكلام بقى وانتي ساكتة.
بالطبع لم تصمت له، وصارت تجادله في الأخذ والرد ، امام متابعة جيدة من مجيدة التي كانت تتدخل بتسلية حين يلزم الامر ، وتعليقات ساخرة من لينا، والتي انتبهت في الاخير على شرود زوجها وعدm مشاركتهم هذه اللحظات الجميلة:
– ايه مالك يا عمنا انت كمان؟ معقول يا امين قاعد جنبنا سرحان، وصاحبك العريس خاربها في الرقص مع اصحابه هناك؟
زفر صامتًا دون ان يجيبها، فكيف يخبرها، ان ما يقلقه بالفعل، هي حالة صديقه تلك؟ الفرح المبالغ فيه يجعله يزداد شكا به بالفعل، هذا احساسه.
❈-❈-❈
وفي محبسه،
تأؤه بألــم مبرح اثناء تقلبه للجهة الاخرى في نومته ، ليصدر اصواتًا:
– اااه، اااه ياني اااه.
عقب زميله والذي كان جالسًا بجواره يلوك الطعام بفمه:
– ايه بس مالك يا غضنفر؟ لسة برضو عضمك مدشـ.ـدش بعد العلقة بتاعة امبـ.ـارح؟ دا شكل الظابط الغشيم ده ايده تقيلة اوي.
ضحك بتقطع وحشرجة يجيبه:
– اااه والله يا ابو الزمل هو فعلا ايده تقيلة، تقيلة اوي، بس انا عاذره، حكم اللي سمعه محدش يستحمله.
ختم بضحكة قميئة اثارت فضول الاخر :
– عاذره في ايه بقى؟ وليه يعني محدش يستحمله؟
اعتدل بضحكاته يتحامل على الالم، ثم تناول علبة السجائر يتناول منها واحدة ، يشعلها بالقداحة لينفث في الهواء الدخان الكثيف حوله ، قبل ان يلتف لزميله قائلا بانتشاء:
– ضـ.ـر.بتله كرسي في الكلوب، يعني جيت كدة يا معلم وقطعت عليه في اجمل حتة هو مستنيها .
عقد الرجل حاجبيه معبرا عن استيائه:
– انت هتكلمني بالالغاز يا عمنا ، ما تجيب من الاَخر، وقول انت نكشته بإيه خليته يديك الطريحة الجـ.ـا.مدة دي .
– ما يخصكش.
قالها ثم نفث كتلة من الدخان بوجه الرجل جعله يتأفف ويسعل، متمتمًا بالسباب الذي لم يأبه به ابراهيم، ليحدث نفسه:
– ياما نفسي اشوف وشك دلوقتي يا امنيه اكيد الباشا بتاعك هيفسخ خطوبتك ولا هيرضى يكمل الجوازة، عشان اخرج الاقيكي مكـ.ـسورة يا كـ.ـلـ.ـبة وغـ.ـصـ.ـب عنك ترجعي تحت رجلي من تاني، ما انا مش هحلك من دmاغي خلاص، هتبقي انتي شغلانتي……
افتر فاهه بابتسامة شاردًا، حتى جعل الجالس من جواره، يغمغم بلطم كفيه ببعضهما:
– لا حول ولا قوة الا بالله، دا باينه مـ.ـجـ.ـنو.ن دا ولا ايه؟
❈-❈-❈
بداخل الشرفة التي وقف ينتظر بها منذ لحظات ، ينفث دخان سيجارته سريعًا في الهواء الطلق، قبل ان يصله رائحة عطر اللافندر عن قرب ، ليلتف برأسه الى الداخل فوجدها خرجت من المرحاض، تطلق شعرها وتعيد ترتيبه امام المراَة بعدmا ارتدت منامة العروس الكاشفة اكثر مما غطت ، وفوقها المئزر الشفاف بصورة جعلت عيناه تجحظ من محجريها، ليستدرك على الفور ، فيلج الى الداخل يغلق الستائر سريعًا، ثم يقف محله يتأملها جيدًا، بنظرات تمشطها من منبت الشعر المتموج بقصة اظهرت جمالها المخبأ خلف مظهر المقاول الذي تتخذه في عملها،
لتنزل عيناه نحو الخف الصغير في القدm التي رسمت بالحناء، تلك التي اتبع خطوطها ليعلو رويدا رويدا، حتى انتفض يقترب منها على الفور ويضمها اليه بصورة اجفلتها، فتبسمت بخجل واضطراب:
– ايييه يا عم خضتني، على طول كدة من غير كلام ولا سلام .
– يا ستي سلامتك من الخضة.
تمتم بها وعيناه تلتهم تفاصيلها بشغف، بداية من بشرتها الناعمة كالحرير، ثم جيدها حتى ما تكشفه المنامة لتتوقف على هذه النقطة التي عرفها جيدًا، لتتركز عينيه عليها بصورة اخجلتها حتى همت ان تعترض بدلال الانثى، ولكنه فاجئها حينما ارتفعت رأسه يقابل خاصتيها قائلًا بوجه خالي من التعابير:
– دي هي فعلا الشامة، وفي نفس المكان اللي شاور عليه، حتة مغرية اوي .
تعقد حاجبيها متمتمة بتساؤل وعدm فهم :
– هو مين اللي شاور عليها؟
ابتسامة جانبية غير مفهومة حلت بزاوية فمه، يخبرها بما اوقف شعر رأسها من الرعـ.ـب:
– ابراهيم، اصله هو اللي اداني فكرة عنها، و.جـ.ـعلني اشتاق اوي عشان اشوفها……
ابراهيم! هل ما سمعته صحيحًا؟
برقت عيناها بفزع جمد الدmاء بعروقها، حتى ارتخت قدmيها من وقع الصدmة، فاهتزت بوقفتها، ولكنه كان الاسبق ليزيد من ضمها بذراعيه اللاتي تطوقها ككلابتين، مرددًا بسـ ـخـــريــة وهدوء يثير الدهشة:
– لا اجمدي كدة امال، دا احنا ليلتنا طويلة وانا عايزك مفوقة، شكل السهرة هتبقى صباحي.
ابتلعت بصعوبة ريقها الذي جف من الخــــوف، كي تجسر نفسها على السؤال:
– هو قالك ايه الزفت ده؟ وانت شوفته فين؟ اكيد افترى عليا والف من دmاغه.
– بجد !
صدرت منه، ثم تجهمت ملامحه بشر، وكأنه انسان اخر غير الذي تعرفه، يصعقها بكلمـ.ـا.ته:
– ولما هو بيألف من دmاغه، عرف مكان الشامة دي ازاي؟ رعشة جـ.ـسمك بين ايديا دي اسميها ايه؟ وشك اللي اصفر حالا دا معناه ايه؟
صدرت الاخيرة بصيحة، يرجها بعنف، وكأنه فقد القدرة على التماسك، لتهطل دmعاتها، وصوت بح من فرط ما تشعر به:
– كان خطيبي وابن خالتي يا عصام، اكيد عايز يخرب ما بينا بعد اللي حصله.
عاد برجها يحاصرها بتحقيقه:
– انا اللي عايز اعرفه تم ولا ما تمش الكلام اللي قال عليه، مغامراتكم في المخزن القديم كانت بتوصل لإيه؟
ارتفعت كفه ليطبق على وجنتيها يعصرهم بقبضته:
– الشـ ـــفــايـــ ـف دي اللي حقي انا دلوقتي، سبقني هو ليهم صح ولا بيألف؟ ولا الشامة…
شاور بعيناه عليها في الأسفل:
– مش دي برضو من المحرمـ.ـا.ت ويستحيل حد يوصلها غير جوزك؟ وصل لإيه تاني يا أمنية؟
– اكتر من كدة مفيش والله.
سقطت من بين يديه وقد خارت قواها، لتردد بانهيار، متشبثة بكف يده، وكأنها غير قادرة على مواجهته:
– انا كنت صغيرة يا عصام، ومش شايفة حد غيره، عقلي كان ملغي من زنه على دmاغي، وكنت فاكرة ان هو نصيبي، عارفة اني غلطت، بس والله والله والله عمره ماوصل لأكتر من كدة،
حينما ظل على جموده، رفعت رأسها اليه:
– انا مفهمتش ولا عرفت يعني ايه كرامة الست ، غير وانا معاك، كفرت عن خطأي كتيرر وربنا العالم ، لو انا وحشة مكانش رزقني بيك يا عصام، انت العوض.
بأنفاس متهدجة تطلع لها من علو، يردد معقبًا لها:
– وعوض ربنا ليا انا فين؟ طول عمري حايش نفسي عن اي خطيئة، حرمت عليا اي لمسة من اي ست، حايش كل حاجة لحلالي، واحدة تصون نفسها زي ما انا عملت.
قسوة الكلمـ.ـا.ت كانت أكبر من تحملها، وقد علمت بحجم تقزمها امامها، لتتحامل على قدmيها وتنهض بقوة واهية، تبتلع غصتها وقد يأست من ان يصفح عنها ، قائلة بشجاعة زائفة:
– على العموم انا طلعت كل اللي في قلبي، وانت حر في اي قرار تاخده، عن اذنك .
قالتها وتحركت خطوتين، قبل ان تقف مجبرة على صيحته من خلفها:
– رايحة فين؟
– هنام في اي اوضة في الشقة
كان هذا ردها، قبل ان يباغتها برده:
– لا والله، كدة بسهولة.
لم تستوعب معنى جملته، الا حينما وجدته يجذبها اليه فجأة بطاقة الغـــضــــب التي تحركه:
– طب يرضيكي يتحرم عليا اللي كان حلال لغيري من غير كتب كتاب حتى.
وما كاد ان ينهيها، حتى فاجأها برفعها عن الارض ثم سقط بها على التخت، مردفًا بالقاسمة:
– وبالمرة عشان اتأكد من صحة كلامك، واعرف هو فضلي ايه من حقي.
اغمضت عينيها بألــم، تستسلم لقبلاته القاسية، وعنفه في تجريدها من كل ما يكن حاجزا بينها وبينه، مرت اللحظات بينهم كالمد والجزر، بعنفه المبالغ فيه مرة ، وحنانه المستتر مرات، حينما تغلبه عاطفته،
هو كالأسد الجريح وهي لابد لها من التغاضي والصبر حتى يصفح عنها، ترى هل يأتي ذلك اليوم؟
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
خرجت من المشفى في زيارة مبكرة الى شقيقها ، قبل الذهاب الى عملها ومجالسة نجوان، براحة تكتنفها وقد طمأنها الأطباء بقرب خروجه، بعد تحسن حالته بصورة جيدة عن السابق .
عبرت الى الجهة الاخرى من الطريق بقصد البحث عن وسيلة عامة تقلها، لتقع عينيها على تلك السيارة التي تعرفها جيدا تقترب منها حتى بطئت السير بجوراها، لتخرج رأس قائدتها من النافذة مخاطبة لها:
– اقفي يا بهجة وتعالي اوصلك معايا .
اشارت بسبابتها نحوها بدهشة جعلتها تعتقد أن الدعوة ليست موجهة اليها :
– انتي بتكلميني انا يا أنسة لورا؟
– امال بكلم خيالي يعني؟ ولا انتي في حد غيرك في الشارع اعرفه أصلا.
صاحت بها بحزم توقف سيارتها، لتعيد عليها الامر بحزم:
– اخلصي ياللا يا بهجة خليني اوصلك عند طنط نجوان، تلاقيها بتسأل عنك دلوقتي.
ارتابت بهجة من اصرارها، حتى ذهب بها الظن ان الأمر تكليف من رئيسها بنفسه، وقد تكون والدته مريـ.ـضة او شيء ما، لذلك لم تجد بدا من الانضمام مع هذه المتعجرفة بداخل سيارتها، لتقود بها نحو وجهتها ، وبعد لحظات من الصمت ، خرج قول لورا لها:
– انتي كنتي خارجة من عند اخوكي اللي مازال محجوز في المستشفي صح .
اومأت لها بموافقة:
– صح ، قولت اطمن عليه قبل ما اروح شغلي.
– امممم الف سلامة عليه، طيب هو عامل ايه دلوقتي؟
قطبت بهجة قليلًا لصيغة السؤال المختلفة، لكن سرعان ما اجابتها بطيبة:
– الله يسلمك يارب، هو الحمد لله دلوقتي اتحسن كتير عن الاول وربنا سترها، اصل دوره كان صعب اوي.
– طب كويس، بس المستشفى دي استثماري وغالية اوي، ت عـ.ـر.في انتي كدة؟
تمتمت بلؤم لم تنتبه عليه بهجة، فخرجت اجابتها بسجيتها كالعاده:
– اه فعلا غالية حسب ما سمعت، بس رياض باشا، الله يبـ.ـاركله هو اللي اتكفل بيها، عشان تبع عيلته زي ما قال، بصراحة جميله فوق راسي .
تبسمت بسـ ـخـــريــة تلتف اليها مرددة:
– جميل ايه ده اللي راسك هتتحمله يا بهجة؟ انتي عارفة الفاتورة لحد دلوقتي كام؟ دي معدية المية الالف جنيه، تخيلي؟
– اييييه؟
صدرت من بهجة بخضة، برقت لها عينيها وانسحبت لها الدmاء من وجهها، لتردف بعدm استيعاب:
– ازاي يعني؟ مش معقول طبعا.، اكيد المبلغ مش بالصورة دي .
– لأ يا حبيبتي هو بالصورة دي بس انتي مش عايزة تصدقي.
ذهول اصاب بهجة مع انتباهها لهذه النبرة الغريبة منها، لتزيد عليها بإيقاف السيارة بغته حتى اهتز جــــســ ـديهما بعنف ، قبل ان تلتف اليها ، كاشفة وجهها الحقيقي.
– انا النهاردة اطلعت على الفاتورة بنفسي، وبصراحة استغربت اوي ان واحد زي رياض يدفع المبلغ الضخم ده في علاج حيالله اخو واحدة بتشتغل عنده. وكمان من فترة قريبة اوي، مش مكملة شهرين حتى.
رغم قساوة الظن والسؤال الموجه لها بنية غير سوية ، الا ان بهجة لم يكن لديها خيارا سوا الدفاع والتبرير:
– وفيها ايه حضرتك؟ انا اعرف ان رياض باشا كريم مع الكل ، خصوصا اللي بيراعوا والدته، بدليل اللي بيعمله مع دادة نبوية.
– وانتي تيجي ايه في نبوية؟
صاحت بها لورا بقوة اجفلت بهجة، لتستطرد:
– نبوية دي تقريبا هي اللي ربت رياض، دي نشأت هي واختها في نفس البيت اللي اتولدت فيه نجوان وطنط بهيرة، يعني معروفة عندهم من زمان، زيدي عليها بقى رعاية والدته الخاصة لها من تمن سنين، انتي بقى، تاريخك ايه عنده؟
ما اصعبه من سؤال، حينما يأتي من امرأة بسواد قلبها، التوجيه به نحوها بحد ذاته اتهام:
– حضرتك عايزة توصلي لإيه يا لورا هانم؟ وانتي مركرباني من الاول معاكي في العربية ليه من اساسه؟
تبسمت بشر وقد وصلت بها الى المرحلة التي تريدها؛
– متزعليش مني يا بهجة، بس انا عايزة اسألك رياض بيعمل معاكي كدة ليه؟ ايه المقابل؟
لقد وضحت الرؤية وقد اخبرتها صراحة بما يدور برأسها من عفن، لتهدر بها بأنفاس لاهثة:
– مقابل ايه؟ انا مسمحلكيش تشككي فيا وفي اخلاقي .
سمعت منها تمط شفتيها بعدm اكتراث:
– اي حد مكاني يا بهجة هيسأل السؤال ده، ودmاغه تلف……
بأعين احتبست فيها دmعة على وشك الهطول:
– بس رياض باشا انسان محترم، وانا كمان مقبلش حد يجيب في سيرتي بكلمة واحدة، الراجـ.ـل عمل معايا كدة بدافع انساني، هو دا مش مبرر كافي.
– لا مش كافي يا بهجة، ولازم ت عـ.ـر.في ان كل حاجة ليها مقابل، دي معروفة في كل حتة، ولو معشمة نفسك في حاجة اكتر من العطف عليكي، تبقي بتضري نفسك بالحلم .
تبًا لها من ملعونة، متحجرة القلب، تحرم عليها حتى الحلم ، هي تعلم بقدر نفسها، ولا تطمع ولن يحدث ان تفكر بشيء كهذا ، ولكن ان تجد من يقلل منك بوجهك لهذه الصورة والتلويح بالظن السوء هذا اكبر من قدرتها على التحمل.
– والله انا عارفة نفسي كويس، مش محتاجة انك تفكريني، ولا هقبل انك تتهميني بشيء مهين زي ده، عن اذنك.
قالتها وشرعت بأن تدفع باب السيارة وتخرج، ولكن اوقفها تحذير هذه المتعجرفة:
– الكلام دا لو وصل لرياض يا بهجة، ساعتها هتأكد ان انتي……
برقت لها بخضرواتيها، تمنع نفسها بصعوبة عن الفتك بها، فتترجل سريعًا قبل ان تسمع لشيطان رأسها وتغرز انيابها الحادة ببشرتها التي تتفاخر بها، او نتف شعرها حتى تستكفي وتهدأ نيرانها منها.
وفي رد أخير منها، صفقت الباب بقوة، فور ان حطت قدmيها في الخارج، لتجر اقدامها سريعًا تبحث عن وسيلة تقلها الى محل عملها، ولكن قهر قلبها جعلها تتوقف في اقرب مكان منزوي خلف احدى البنايات لتذرف دmعات ابت الاحتجاز والكبت.
❈-❈-❈
حينما وصلت الى منزله، لم تطيق الانتظار على رؤيته بالصدفة او حينما يريد هو كمان عودها، بل تحركت تعرف وجهتها ، متجاهلة طريقها الاساسي نحو غرفة نجوان،
لتطرق عليه باب غرفة المكتب، والتي يعمل بها في ذلك الوقت قبل الذهاب الى مصنعه، لتدفع الباب بعجالة فور ان سمعت بإذنه بالدخول تباغته بقولها:
– رياض باشا، ممكن تسمحلي بكلمتين .
كانت مفاجأة له رؤيتها من الأساس، فما باله من هيئتها تلك واندفاعها:
– اتفضلي يا بهجة، بس مش تقولي صباح الخير الأول!
دلفت اليه مرددة بتـ.ـو.تر اصبح يلمسه منها:
– صباح الخير يا فنـ.ـد.م انا كنت عايزة……
قطعت مجبرة حينما اوقفها مشيرا لها بالجلوس امامه، لتعترض على الفور وقد استفزها هدوئه:
– يا فنـ.ـد.م انا مش عايزة اقعد، انا عايزة اعرف، انت دفعت كام في علاج اخويا عشان لازم اسدد الدين اللي عليا، اينعم هيطلع كبير ، بس انا برضو لازم اشوف صرفة، انتي دخلته المستشفى الاستثماري بتاعتكو ليه؟
ما انا كنت روحت بيه على اقرب مستشفي حكومي، اكيد كانو هيسعفوه، ما هو دا شغلهم اصلا.
اسهابها بتلك الحالة التي تشبه الانهيار، جعله يترك محله، ليلتف حول المكتب فيصبح مقابلا لها، يتأملها عن قرب، وقد وضح جليا من هيئتها الباكية، وذبول عينيها ان الأمر جلل:
– انتي مالك النهاردة؟ في حد زعلك بأي كلمة؟
يسألها ببساطة ، ولا يعلم بحجم الجـ.ـر.ح داخلها الاَن، حينما اكتشفت انها مديونة لهذا الرجل، لتتجاهل الرد عن سؤاله، مفضله التمسك بحديثها:
– حضرتك هو انت ممكن تقسطلي المبلغ، بس حتى لو حصل ، دا هياخد كام سنة؟…. يا نهار اسود، ودا هيكفيه كام سنة، دا حتى لو وصلت للمعاش مش هيقضي.
حسنا لقد فاض به من هذيانها ولابد من الحزم لإيقافها:
– بهجة ممكن تبطلي تكلمي نفسك وتجيبي من الاخر، انا عايز اعرف دلوقتي ، ايه اللي خلاها تطق في دmاغك حكاية دفع حق العلاج دي؟ ما انا قولتلك اني شريك في المستشفى يعني مش هدفع حاجة من جيبي .
– بس هيتخصم من ارباحك، ودا مبلغ كبير اوي حسب ما عرفت، السؤال بقى ، انا هدفع قباله ايه؟
ضاقت عينيه بريبة، يستوعب لبعض اللحظات ، قبل ان يباغتها بقوله:
– وانتي اش عرفك بخصم ارباحي ولا بالمبلغ اصلا؟ ثم تعالي هنا، مين اللي اقنعك اني عايز منك مقابل؟
حينما ظلت صامتة، عاجزة عن الرد صاح بها هادرًا:
– اتكلمي يا بهجة، مين اللي حط في دmاغك الكلام ده؟
اتكلمي يا بهجة، مين اللي حط في دmاغك الكلام ده؟
على اثر صيحته الاخيرة انتفضت بـ.ـارتباك واضح امامه، ورفض قاطع لاخبـ.ـاره، لكن بذات الوقت تعجزها الحيلة عن إيجاد رد مناسب، لتتلجلج بالكلمـ.ـا.ت امامه:
– اهوو بقى….. عرفت وخلاص…. لمااا سمعت واحد ااا، بيسأل الريسبشن على اجرة الليلة……في المستشفى، ساعتها حسبتها وقلبي وقع في رجلي……..
– امممم.
زام ليتحرك عائدا لمقعده خلف المكتب، وهي لا تعرف ان كان صدقها ام لا…
ولكنه أظهر اقتناعا زائفًا:
– ماشي يا بهجة، يعني افهم من كدة انك عرفتي بالصدفة
– ايوة بالصدفة..
صدرت منها سريعًا لتردف موجهه له السؤال:
– دلوقتي بقى هسددلك ازاي؟….. انا مخي هيوقف من التفكير.
تبسم ساخرا لمعاناتها:
– طيب يا بـ.ـنتي ومخك يقف ليه من التفكير؟ هو انا طالبتك؟ انا مش عايز منك حاجة يا بهجة، افهمي بقى.
بقلة حيلة دبت قدmها بإصرار مرددة :
– فهمت………. بس مينفعش.
– مينفعش ليه؟
سألها بابتسامة حاول لملمتها بصعوبة، فكان جوابها:
– عشان هو كدة، المبلغ كبير قوي، وانا اخته يعني لازم اتكفل بمصاريفه، قولي بقى، هسدده ازاي دلوقتي؟ اخد قرض اسدد نصه والباقي مثلا يبقى يتقسم على شهور،
يتخصمو من قبض كل شهر؟
زفر مقلبًا عينيه، وقد يأس من الجدال معها، لينهي حازمًا:
– خلاص يا بهجة، انتي قولتي اللي عندك، وانا هفكر، او لو لقيت طريقة تاني هبقى ابلغك بيها، ممكن بقى تسبيني اكمل شغل دلوقتي؟
لم تتحرك على الفور، ، وكأنها تريد منه المزيد من التوضيح ، فواصل قائلا لها بأمر:
– ما قولنا خلاص يا بهجة، اخرجي ياللا خليني اكمل شغلي ، وروحي انتي سلمي على دادة نبوية .
– والنبي بجد، يعني هي جات فعلا؟
صدرت منها بلهفة، وابتسامة اشرقت بمحياها، بطيبة جعلته يوميء رأسه لها ببطء وعيناه تتأمل فرحتها بانشـ.ـداه، حتى اذا انصرفت من امامه، ذاهبة نحو المرأة، ظل هو لمدة من الوقت ، يطالع اثرها بشرود، يعيد برأسه كل خلجة وكل همسة صدرت منها، بشغف شغله عما كان يعمل به قبل اقتحامها عزلته، وحين عاد في محاولة لاستعادة التركيز على الملفات، وجد نفسه يدفعها عنه بقرف، وكأن عقله يرفض مشاركه احد ما غيرها ولو حيزًا ضئيلًا من فكره.
❈-❈-❈
خرج من غرفة مكتبه حينما يأس من التركيز، وقد ذهب ادراج الرياح، ليرتدى سترة حلته مقررا الذهاب لعمله، وجدها في وسط الردهة تضحك بعفوية في المزاح والنقاش مع نبوية التي كانت تشاركها هي الأخرى بسجيتها ومزاحها، ووالدته العزيزة، جالسة بينهما، بابتسامة لا تفارق ملامحها، وكأنها تفهم على الحديث الذي يدور بينهم، متشبثة بذراع رفيقتها الاولى، ليصل الى سمعه ما يدور بينهم:
– ايوة بقى، من لقى احبابه يا عم، خلاص نسيتيني يا نجوان هانم بمجرد ما شوفتي حبيبتك.
جاء رد نبوية باعتزاز:
– طبعا يا حبيبتي، دي عشرة عمر بحاله، قبل انتي حتى ما تتولدي يا ست بهجة بسنين .
تصنعت الدراما بقولها:
– اخص ع الصدmة، دا انا كنت قربت اصدق اني بقيت حبها الوحيد، لدرجادي كنت مخدوعه فيكي يا نوجة.
– نوجة.
تمتم بها هو فور ان اقترب منهم، يجفلهم بحضوره، فتدخل مرددًا باندهاش:
– نوجة! دا اسم جديد دلع لماما يا ست بهجة .
اخجلها بسؤاله المباغت حتى جعلها تبرر بحرج:
– لا يا فنـ.ـد.م دا مش اسم جديد ولا حاجة، انا بس خدت بالي اني كل ما أدلعها بتبقى هادية ومتتعبش قلبي في اي طلب اطلبه منها.
– امممم.
زام بها، يمط شفتيه بابتسامة يشوبها الرزانة قبل ان يلتف نحو نبوية:
– البيت كان ناقص من غيرك يا دادة، وماما زي ما انتي شايفة، ولا كأنها لقيت مامتها.
ردت نبوية بطيبة ليست بغريبة عنها:
– البيت منور بأهله، انا كمان في بيتي وكنت حاسة كأني غريبة عن المكان، وان دا بيتي الاصلي، اما عن الهانم، دي كانت وحشاني اوي.
قالت الأخيرة بإشارة نحو نجوان التي زادت من تشبثها بها وكأنها فهمت الكلمـ.ـا.ت، ليتفاجأ هو حينما وجد بهجة تنهض من جوارهم متمتمة بتأثر:
– ربنا ما يحرمكم من بعض يا دادة، اقوم انا اشوف شغلي بقى في المصنع، مدام الحمد لله ربنا يسر الأمور.
– خدي اليوم اجازة يا بهجة، وابتدى من بكرة .
همت ان تفرح بعرضه السخي، ولكنها تذكرت عودة المنزل في ذلك الوقت، والوحدة في انتظار عودة اشقائها من محل دراستهم، لتعبر بالرفض على الفور:
– لا يا افنـ.ـد.م الف شكر، نأجل الاجازة لوقت تاني، اصل انا وحشني اوي المصنع وصحابي وحبايبي اللي فيه عن اذنكم بقى.
قالتها وما همت ان تستدير عنهم، حتى اوقفتها نجوان بقولها:
– عائشة.
– يا نهار ابيض تاني برضو؟
صدرت من بهجة، تلوي فمها بابتسامة، ثم تردف بعدها :
– في اقرب وقت هاخدك ليها ان شاء الله، عن اذنكو بقى.
❈-❈-❈
اعتدل بجذعه على الفراش، بعد فترة طويلة من التململ والتقلب على تخته بدون فائدة، وقد ذهب عنه النوم منذ نهوضها من جواره، حين تسحبت بهدوء بظن منها انه مازال نائمًا، لتتجه نحو المرحاض وتغيب به لأكثر من نصف ساعة، حتى اثارت قلقه عليها ، لولا استماعه لصوت المياه من الداخل، لظن ان بها شيء ما.
يعلم انه كان قاسي معها بالأمس، ولكن ماذا كان بيده، ونيران قلبه لم تخمد حتى الاَن، لا يصدق ان تلك كانت ليلة عمره التي كان يخطط لها ويجهز المفاجأت. ان تمر بهذا السوء، هو ابشع كوابيسه.
انتبه على صوت باب الحمام الذي اندفع تخرج منه،
ترتدي منامة قطنية، وشعرها المبتل يحاوط وجهها،
بوجه احمر ندي، رغم هذه الانتفاخات البسيطة حول عينيها، ليتيقن من صدق ظنه انها كانت تبكي بالداخل .
تبدو المنامة منزلية بالأساس، بربع كم وبنطال صغير بالكاد يغطي ركبتيها.
صوت ضعيف خرج منها في القاء التحية نحوه، قبل ان تعطيه ظهرها وتتجه نحو المراَة لتصفف شعر رأسها امامها:
– صباح الخير.
– صباح النور .
خرجت منه جوفاء، بوجه خالي من أي تعبير، لتتركز ابصاره بها، يقيم تفاصيلها بعين الرجل الخبيرة بمفاتن زوجته التي رأها بالأمس، لديها جــــســ ـد يغوي القديس على الخطيئة، وهو ليس بمحصن، فرغم كل غـــضــــبه لم يستطع منع نفسه عنها، فصارت رغبة امتزجت بعنف غـــضــــبه، لتؤدي الى هذه النتيجة، وتزيد من اشتعال رأسه ان احد ما اطلع على ملكه غيره، حتى وقد تأكد من صدق قولها باحتفاظها بعفتها، إلا ان باقي التفاصيل الأخرى…..
انتفض كالملسوع عن الفراش كي يهرب من افكاره السامة، فيصبح خلفها تماما، ويظهر لها انعكاس صورته امامها، بانعقاد حاجبيه ، وصوت انفاسه الهادرة، حتى اصابها التـ.ـو.تر ، لتلتف له متسائلة:
– ايه ؟؟ في حاجة؟
ظل على وضعه صامتًا لمدة من اللحظات يتأمل بشرتها، وتلك العلامـ.ـا.ت المتبقية من اثار معركة الأمس، حتى وقعت عيناه على تلك الشامة التي نال منها، غير مكترث بما يسببه من الم لها، وقد وضح الاثر جليا عليها الاَن، لتندفع حمم سائلة بأوردته، ورغبة جامحة تدفعه لتكرار الامر ،
وفي نفس الوقت، صوت ما بداخله ينادي بالترفق بها،
وما بين ذاك وذاك، لم يشعر إلا بيده قد ارتفعت لتطبق اصابعه على وجنتيها المكتنزتين، وهذه الشفاه المنتفخة بإغراء، فدنى نحوهم دون سابق انذار، ليلتهمهم بنهم، يرتشف منهما ما يسكر عقله ويرطب عليه من التفكير المستمر. غير واعي ان كان شغف او جموح، او عنف، وذراعه تعتصر خصرها، فلم يستفق الا بدفعتها القوية له، لتلتقط انفاسها، ثم قالت لتوقفه، وبصوت يهتز برجفتها:
– امي زمانها على وصول، هي واخواتي البنات، وعيلتك كمان ، دا الميعاد اللي قالوا عليه من امبـ.ـارح.
❈-❈-❈
بعد قليل،
وقد اجتمعت الاسرة في منزل الزوجية الجديد، قبل ذهاب العروسين الى رحلتهم في قضاء شهر العسل في احدى المنتجعات الشهيرة، كما هو مخطط من البداية.
وكما فعل بالأمس، أجاد تمثيل الزوج السعيد بمهارة اذهلتها، يتبادل النكات والمزاح مع اهل العروس ووالديه وشقيقته، يظهر مشاهد السعادة الجمّة بينها وبينه، وهي تحاول مجاراته، رغم حـ.ـز.نها المتفاقم لجـ.ـر.حه، وما تسببت به من اذى لرجل بأخلاقه، فهي الاعلم الان بحجم معاناته، كم ودت ان يعود بها الزمن وتصلح كل ما فات، او تمحيه من ذاكرة الزمن وذاكرتها، لو كانت تعلم بما يخبئه القدر لها من عوض جميل، ما كانت ابدا قللت من ذاتها بالارتباط بشخص فاسد وقميء مثل ابن خالتها ابراهيم، فليجازيه الله بأفعاله.
❈-❈-❈
وفي محبسه،
بالتحديد داخل مبنى المراحيض ، بزاوية مختصرة، بعيدة عن اعين رجـ.ـال الامن، اجرى مكالمته الهاتفية عبر الهاتف النقال الذي استأجره من احد المساجين القدامى.
مع والدته، والتي ما ان سمع بردها على سؤاله، حتى صاح لها باستنكار:
– ايه؟ اتجوزت وعملت فرح عليوي كمان؟…….. وما استغربش ليه ياما؟ شكل الظابط بتاعها دا راجـ.ـل قلة ومعندوش حرارة…………. ايوة معندوش حرارة وانا برضو مش هحلهم من دmاغي……. عشان تبقي عارفة……… سيبك ياما من الهرتلة دي وركزي مع محامي الزفت، ادفعيلو ودفي جيبه بالفلوس، خليه يخرجني في اقرب وقت، انا دmي بيغلي………. متقوليليش اهدى، انتي تعملي اللي بقولك عليه وتخرجيني، هو دا اللي هيريحني…….. ماشي ياما؟ اسيبك بقى.
فور ان انهى المكالمة، أٌختطف الهاتف من يده، بواسطة الرجل الذي يملكه، يحدثه بصوته المتحشرج:
– شاطر يا حلو، دقيقة تانية وكنت هحسبها عليك بالضعف، عشان دي تتسمى بعرفنا ضريبة الوقت الزايد.
ختم بضحكة سمجة اثارت سخط الأخر ، يرمقه بازدراء، ثم يبتعد عنه، مغادرا من المرحاض المقرف، ليتناول احدى السجائر من علبتها، يشعلها بالقداحة، يغمغم بالتوعد داخله:
– ماشي يا بنات ناصر الدكش، انا مفيش ورايا غيركم .
❈-❈-❈
على الاريكة التي كان مضجعًا عليها يشاهد مع شقيقه احدى برامج تحليل القنوات الرياضية، يدعي الانـ.ـد.ماج مع نقاش المذيع مع المحلل الرياضي، وعيناه تذهب كل دقيقة نحوه بابتسامـ.ـا.ت خبيثة كان يتجاهلها الاخر في البداية حتى فاض به، لينهره بحنق؛
– ما تتلم يا عمنا انت في يومك ده، شايفني اراجوز قدامك ؟ ولا وشي فيه حاجة مش عاجباك؟
اطلق سامر ضحكته الصاخبة ليردد:
– حاجة واحدة! قول حاجات ، انت وشك كله متشلفط يا باشا، بقى عامل زي الطريق الدائري….
ختم ضاحكا مرة اخرى ليستفز الأخر حتى هدر به :
– احترم نفسك يا سامر، اقسم بالله انا على اخري منك.
ببرود شـ.ـديد واصل سامر ضاربًا بغـــضــــب شقيقه عرض الحائط:
– طب بدل ما تعصب نفسك وتتنزفز كدة، ما تريحني وقولي على صاحب الخناقة الحقيقية ، اللي سببلك البهدلة دي في وشك، قولي يا اخويا عشان اروح اخدلك بتارك من سواق الغبرة اللي زنق عليك بعربيته.
زفر يكظم حقده، يود لو يفتك به، فتلميحات هذا الأحمق تثير بداخله الريبة، ولكنه يأبى كشف الحقيقة امامه:
– لا يا اخويا اطمن وحط في بطنك بطيخة صيفي، انا ظبطت الراجـ.ـل ومسحت بيه بلاط الشارع، يجي ايه اللي في وشي ده عن اللي انا عملته فيه.
– يا بطل.
تمتم بها سامر ليطـ.ـلق ضحكة رنانة أذهبت الباقي من عقل شقيقه، لينهض فجأة يهجم عليه ، يمسكه من تلابيب ملابسه، وقد ضج من سخريته:
– تحب اعرفك عملي انا عملت فيه ايه؟ شكلك مش مصدق وانا بقى عايز اثبتلك.
صدح صوت دريه من خلفه يوقف المعركة من اولها:
– في ايه يا زفت انت وهو، فاكرين نفسكم عيال صغيرين وهنحوش ما بينكم، ولا ديوك وهتتناقروا، شيل ايدك عن اخوك يا سمير.
صدحت الاخيرة بأمر اجبره على ترك هذا المستفز، والذي لم يكف عن ابتسامته اللزجة وشقيقه يشتكي لوالدته:
– خليه هو يلم نفسه عني ياما، عمال مقلتة عليا بقالوا يومين وانا ساكتله، انما والمصحف لو زودها…….
– مفيش داعي للحلفان، هو مش هيعملها تاني….
صدرت منها بمقاطعة حادة، لتتوجه بالأمر بعد ذلك نحو الأخر:
– سمعت انا قولت ايه يا سامر؟ مش هتعملها تاني، يا اما هتلاقي حسابك معايا انا يا حبيبي، جاتكم الهم، ولا اكنكم عيال اتناشر سنة، مش رجـ.ـا.لة كبـ.ـار ، قطيعة .
بصقت كلمـ.ـا.تها وانصرفت من امامهما نحو وجهتها داخل المطبخ، والذي وقفت على مدخله اسراء تراقب بصمت كعادتها، لترمقه بنظرة لائمة وكأنها هي الأخرى تفهم على ما اصابه، ليزداد الشك بداخله ان تكون شقيقته الملعونة قد افشت امره.
❈-❈-❈
بعد لحظات،
دلف الى داخل غرفتها يباغتها بقوله:
– انتي يا بت، بلغتي الواد ده باللي حصل صح؟ قولي الحقيقة لا اشلفط وشك.
شهقت تخرج صوتا مستنكرا، بعدmا أجفلها بحضوره اثناء وضعها لطلاء الاظافر على اصابع يدها:
– ودول بيطلعو امتى دول، محدش قالك يا حبيبي، ان دي اوضة بنات ومحدش ينفع يدخلها هجم كدة من غير استئذان.
اقترب منها هادرا بهمس:
– بطلي قلة حيا وردي على سؤالي، الاوضة اساسا دخلتها لما لقيت بابها مفتوح، يعني مش مقفول عشان اخبط عليكي، ولا انتي عايزة تاخذيني في دوكة وتهربي من السؤال؟
عبست ملامحها بضيق تقر امامه باعترافها:
– بصراحة بقى، امك هي اللي زنقت عليا، وانت عارفها لما بتحتل على موضوع بتجيب قرار اللي قدامها، انا حاولت والله اداري على قد ما اقدر، بس هي بقى فضلت تجرجرني لحد ما حكيتلها كل حاجة.
بحالة من الزعر تمتم خلفها بعدm تصديق:
– يا نهار ابوكي اسود ، انتي كمان حكيتي لامك ، دا على كدة البيت كله عرف.
– لا والله مش كله، انا اعترفتلها هي بس، انما الزفت سامر معرفش لقطها ازاي؟
– سمعنا بقى ولا……
– ولا ايه تاني يا زفتة؟ انا كنت عارف من الاول انك متستريش لذلك نبهت وشـ.ـددت عليكي، لكن اللي فيه داء ميروحش منه .
اطرقت رأسها بخزي، فهي بالفعل لم تـ.ـو.في بعهدها معه، رغم محاولتها ذلك، لكن والدتها لطالما عرفت كيف تسحب منها ما تريد.
ليضـ.ـر.ب شقيقها بكفيه على جانبي فخذيه، يغمغم بتفكير:
– اااه، وطالما امك مـ.ـا.تكلمتش ولا فتحت معايا سيرة يبقى مرقدالي ، او يمكن انا مش في حساباتها من الأساس، وهتجيب اللوم كله على بهجة، دي امك وانا عارفها.
مصمصت بشفتيها لتردد بضيق:
– وانت شاغل نفسك بيها ليه بقى؟ ما هي فعلا السبب يا حبيبي، لولا قعدتها معانا في نفس العمارة، مكنتش هتبقى حاططها في دmاغك كل ده، كنت هتبص لمراتك المسكينة دي، بدل ما انت سايبها ومش معبرها.
– اه يا اختي مراتي المسكينة؟ لما هى صعبانة اوي عليكي كدة، ما تروحي تساعديها في المطبخ، ولا هو حط المونكير مينفعش يتأخر.
عقب بها ثم سحب نفسه ليذهب من الغرفة، يكتنفه الغـ.ـيظ بشـ.ـدة لفعل هذه الحمقاء.
❈-❈-❈
بهيئة جديدة كليا عن كل ما سبق، قصت شعرها بعدmا صبغته بدرجة من اللون جديدة عنها، واسلوب مختلف في الملابس، حتى اثارت انتباه ذلك الذي كان يعمل مع رئيسها في هذه الوقت في مقر المصنع، ليوجه بحديثه عنها معه؛
– رياض…. البت قريبتك اللي برا دي، اقطع دراعي ان ما كانت بتحبك ومتعلقه بيك.
رفع اليه نظرة خاطفة بابتسامة مستخفة، قبل ان يعود إلى عمله ، وكأنه لم يسمع شيء ، ليعيد عليه مشـ.ـددًا :
– طب وربنا انا ما بقول كلام جزافا، ما تجرب يا بني معاها، مش يمكن تطلع كويسة، انا مش فاهم، انت عايش ازاي من غير نسوان.
اطلق ضحكته النادرة برزانة ليعقب بمرح:
– مفيش فايدة فيك يا كارم، هو احنا في ايه ولا في ايه بس يا بني؟ بقى قاطع الشغل عشان تكلمني عن النسوان في حياتي، وتقولي عايش ازاي؟ عايش عادي يعني يا سيدي، ولا ينقصني اي حاجة.
– لا والله ينقصك.
ردد بها يخالفه بتأكيد :
– بكرة لما تقع على بوزك وتحب، هتعرف قيمة الكلام اللي بقوله دا كويس .
عاد رياض ضاحكا متمتم له:
– ماشي يا حبيبي هبقى افتكرك.
تمتم بها بسـ ـخـــريــة، يظهر عدm اكتراثه، بقناعة رسخها بداخله ، ان العشق ضعف وهلاك، ولا شيء يستحق شغل جزء في تفكيره، سوى العمل والنجاح، لكن لماذا صورتها لا تفارقه؟ تلك البهجة التي حلت قريبًا بمحيط حياته، لماذا لا تتركه الاَن بتركيزه الجدي في عمله؟
بعلمه انه لا يفصله عنها الاَن، سوى طابق واحد،
هي في الأسفل تعمل ضمن طبقة العمال لديه، وهو في الأعلى بين اعماله والمناقشات مع شريكه.
بعد مغادرة كارم، ظل لفترة من الوقت يحاول التركيز ولكن عقله المتمرد، ابى الاستمرار.
لينهض فجأة مقررًا الذهاب بنفسه للاطمئنان على سير العمل بين العمال، بلفتة لا يفعلها تقريبا الا في الضرورات القصوى، او نادرا.
هبط الدرج الرخامي، يقف في المنتصف، عيناه تجول على العمال وانشغالهم على الماكينات الحديثة بجد ونشاط في تفصيل الملابس بحرفية عالية الدقة.
الاعداد ضخمة والبحث عنها وسطهم كالأبرة في كوم من القش،
رجـ.ـال ونساء، كالنحل ميز وسطهم صباح نظرا لجــــســ ـدها الضخم، او ربما لأنها هي من انتبهت عليه لتهرع من وسطهم مهرولة، وقبل ان تصل إليه، وقعت عينيه على تلك البهجة، بملابس العمل، منكفئة على احدى القطع، وكأنها تصنع لوحة بدقة عالية، حتى انها لا تلتفت للحديث مع احد، لا يستغرب الاَن سر تمسكها بالعمل هنا، لكن مهلا من هذا الذي أتى يقف جوارها ويحدثها ؟!
– رياض باشا، يا أهلا وسهلا نورتنا، دي مفاجأة ولا هلال العيد والله.
كان هذا صوت صباح التي هللت بفرحة لمجيئه، فكان رده ان اومأ لها على عجالة، قائلا بعدm تركيز :
– هلال العيد ليه بس؟ انا جاي اطمن على سير العمل، ايه الاخبـ.ـار؟
سمعت منه، لتسهب بالحديث عن ما تم تنفيذه في التصميمـ.ـا.ت الجديدة، وانجاز الطلبيات القديمة، والخ والخ.
وهو غير منتبه لاي جملة منها ، فعيناه كانت تتابع بشغف تلك الحورية، وذاك الغراب الذي يدور حولها، يتصنع الحديث ليلفت انتباهها، ثم يسحب منها ابتسامة توزعها كالبلهاء اليه، ثم تتناول منه كوب الشاي فترتشف منه متلذذة، وتلك الشفاه تترجم الشكر والامتنان له، وكأنه قد أتى لها بعلبة شيكولاتة فاخرة، تبًا.
– عندك تعليمـ.ـا.ت عايزني ءأمر العمال بيها؟
اردفت بها صباح، حينما طال صمته معها وعدm تعقيبه على كل ما استرسلت به من حديث في التو، ليستدرك بفطنته، قائلا لها:
– لو عندي تعليمـ.ـا.ت هبلغهالك يا صباح ومش هستنى تطلبي مني. انا بس كنت عايز أسألك ، هو مين اللي واقف هناك عندك بهجة وبيكلمها؟
شبت ببصرها نحو ما يرنو اليه، لتجيبه على الفور:
– دا تميم، شغال معانا هنا تبع قسم القص، بس ايه، واد شاطر وايده تتلف في حرير.
وجه كلمـ.ـا.ته بحدة نحوها:
– ولما هو واد شاطر وايده تتلف في حرير، سايب مكانه ليه وبيلاغي في العمال؟
دافعت على الفور صباح عن الشاب بلهفة:
– لا يا باشا، هو اكيد خلص شغله، اصله شاطر زي ما بقولك، وان كان على وقفته عند بهجة، فدي عشان ليها وضع خاص معاه.
– خاص.
دوت الكلمة برأسه، لتبرق عينيه بلهيب مخيف، جعل المرأة تسرع في التصحيح:
– خاص مش بمعنى غلط يا باشا، انا قصدي انه رايدها بحلال ربنا، عايز يتجوزها، ربنا يارب يفرحنا بيهم قريب.
تتحدث بتلقائية وابتسامة حالمة بغباء، وكأنها ستفرح بأبنائها، غافلة عن ذاك الذي كان يرمقها بغـ.ـيظ متعاظم ، يجاهد للمحافظة على ثباته امامها، رغم حمم البراكين التي تغلي بداخله، ليغتصب ابتسامة ليس لها معني في مخاطبته لها:
– طب روحي يا صباح اندهيلها خليها تيجي ورايا ع المكتب، عشان عايزها في امر ضروري.
– بخصوص الست الوالدة يا باشا ولا في حاجة تاني؟
زفر بضيق من تدخلها :
– ميخصكيش يا صباح ، انتي عليكي تنفذي وبس؟
لم ينتظر ردها، وتحرك يستدير معاودا الصعود ليتفاجأ بلورا امامه، تسأل قاطبة:
– انت هنا بنفسك يا رياض باشا، مقولتليش ليه، لو عايز تعمل جولة على الأقسام؟
اجابها بنزق:
– مدام مطلبتش منك يا لورا، يبقى متقلقيش نفسك.
قالها والتفت رأسه نحو صباح يشـ.ـدد عليها:
– متنسيش اللي قولتلك عليه، ابعتي لبهجة خليها تيجي ورايا حالا .
اكمل طريقه بعد ذلك يتخطاها، غير ابهًا، بغــــروره المعتاد، لتتوجه هي بغـــضــــبها نحو صباح:
– البت دي طالبها في ايه؟
اومأت الاخيرة بهزة من اكتافها، تزيد من حيرتها.
– والله ما اعرف يا هانم.
❈-❈-❈
والى منزل بهجة،
حيث ذهب الجميع منهم الى اماكن دراستهم والعمل، بعد خروج جنات الى جامعتها على ميعاد محاضرتها، لتستغل هي انشغال أبنائها في الوكالة محل ابيهم ، بعد اختفائه هو الأخر، دون ان يخبرها بوجهته.
لتصعد الدرج بخفة، وعيناها تدور في كل الأنحاء بحرص شـ.ـديد، حتى وصلت الى باب شقتهم، لتُخرج من جب صدرها، تلك النسخة من مفتاح المنزل، والتي مازالت تحتفظ بها حتى الاَن، رغم مرور السنين ومـ.ـو.ت اصحابها، وقت ما كان الود موصول، قبل ان يتبدل لعداء بعد مـ.ـو.ت خليل شقيق زوجها.
ليأتي الاَن فائدته، فتضعه في مغلق الباب ، ثم تدفعه بهدوء، لتلج بداخل المنزل، تتأمل محتوياته سريعًا، والتغيرات التي طرأت به حديثًا، ثم تخطو نحو وجهتها في غرفة بهجة.
بحثت سريعًا بعيناها نحو شيء ما تريده، وحين لم يعجبها شيء، لم تجد امامها سوى التوجه نحو خزانة ملابسها، لتعثر اخيرا على هذا الحجاب الصغير القديم ، ترفعه امام عينيه محدثة نفسها:
– هى دى، اكيد مش هتحس بيها لما تغيب ، طرحة قديمة ومرمية وسط الهدوم.
وضعتها على انفها تشتم الرائحة، لتردد بـ.ـارتياح اكبر:
– وكمان فيها ريحتها، يعني عز الطلب.
وضعتها سريعًا بجب صدرها، لتواصل حديث نفسها:
– كدة بقى سيدنا يشتغل صح.
جرت اقدامها نحو المغادرة بعد انتهاء مهمتها، لتعيد غلق المنزل من الخارج، وتنزل الدرج بخطوات واثقة الى حد ما حتى وجدتها امامها فجأة لتشهق مزعورة، وتبصق في فتحة ملابسها في الأعلى:
– بسم الله الرحمن الرحيم، بيطلعو امتى دول .
توقفت عائشة تطالعها بنظرات ثاقبة ترد بسـ ـخـــريــة:
– بيطلعو للي خايفين منهم.
اجفلتها بردها الغريب، ليتسلل القلق بداخلها، توبخها بشجاعة زائفة:
– واخاف منك ليه يا اختي؟ هتولعي فيا ولا افتكرتي نفسك بتخــــوفي صح؟
تعلم انها ملعونة وحادة الذكاء بإجرام لا يتوفر حتى في اشقائها الكبـ.ـار، فتأخرها عن الرد ، وهي تحدجها برفع حاجب واحد بشر يبث بقلبها الخــــوف بالفعل، لتلسعها بالسؤال المباغت:
– هو انتي كنتي نازلة من فين يا طنط؟ ومرات ابنك وابنك مش في الشقة اساسا؟
ابتلعت درية ريقها الذي جف في حضرة هذه الملعونة، لتبرر بغـــضــــب:
– وانتي مالك يا اختي ان كانوا قاعدين ولا مش قاعدين، انا اطلع شقة ابني وقت ما انا عايزة، وسعي كدة من قدامي، مبقاش الا العيال كمان، وسعي.
تخطتها لتنزل رافعة رأسها بتعالي، تدعي عدm الاكتراث ، وقلبها يرجف من الداخل، تتخيل نفسها لو تأخرت دقيقتان ودلفت هذه الملعونة عليها الشقة، على اقل تقدير كانت ستتسبب لها بفـ.ـضـ.ـيحة، ان لم تلبسها تهمة سرقة، او تشعل بها النار وهي حية ، تجزم انها قادرة على فعل ذلك.
التفت رأسها بدون قصد نحو الأعلى، لتجدها مازالت محلها ، وابصارها منصبة عليها، بصورة اعادت الفزع الى قلبها، لتدلف الى شقتها سريعا ، واضعة يدها على قلبها تلهث ببعض الارتياح:
– يا لهوي عليكي بت، وقفت شعر راسي من الخضة.
❈-❈-❈
أتت بهجة بناءًا على امر استدعائها، لتقابل اولا تلك الفتاة المتعجرفة، ترمقها بنظرات ازدراء من اعلى حجابها في الأعلى حتى ما ترتديه من حذاء في قدmها،
تبرع دائما في بث صفة النقص بداخلها، ورغم ادعاء بهجة غير ذلك، إلا داخلها ينجـ.ـر.ح بالفعل ، ولكن ابدا لن تعطيها غايتها في التقليل من ذاتها.
اهدتها ابتسامة صفراء قبل ان تخبرها:
– رياض باشا طالبني .
صدر رد لورا بتعالي، تشير بسبابتها نحو مكتبه دون ان تكلف نفسها حتى عناء الرد، لتعود اليها بهجة بنفس الابتسامة الصفراء دون رد هي الأخرى، قبل ان تتحرك ذاهبة نحو وجهتها، تتمتم بصوتها كالهمس:
– جاتك قرصة في ايدك يا بعيدة.
وصلت الى باب غرفته، تطرق بخفة ، حتى اذن لها بالدخول.
ثم دلفت الى داخل الغرفة التي ولأول مرة تخطوها بقدmيها ، لتفاجأ به تاركًا مقعده خلف المكتب، واقفًا امامه بتحفز اثار بداخلها التـ.ـو.تر ، لتوجه سؤالها له بقلق:
– افنـ.ـد.م يا رياض باشا، الريسة صباح بلغتني ان حضرتك طلبتني، هي نجوان هانم جرالها حاجة؟
– مجراش اي شيء، وهي تمام وعال العال يا بهجة، انا كنت طالبك في حاجة تانية بعيدة عن البيت والست الوالدة.
اردف بكلمـ.ـا.ته على عجالة وكأنه لا يطيق الاسهاب، ليثير بداخلها الفضول والسؤال للمرة الثانية:
– افنـ.ـد.م يا باشا عايزني في ايه؟
زفر انفاسه الخشنة بصمت دام لحظات وكأنه يبحث عن حجة لسؤاله، ليحسم فجأة مندفعا:
– كنت عايز اعرف منك، صحة الكلام اللي قالته صباح، عن اللي اسمه تميم ده ورغبته ، في انه عايز يتقدmلك.
قطبت بعدm استيعاب، وقد تفاجأت بالسؤال الغريب:
– تميم مين يا فنـ.ـد.م؟
ردد بانفعال يزيدها اندهاشًا :
– تميم زميلك في المصنع عندنا يا بهجة، انتي مش مركزة ليه؟
الاَن قد فهمت رغم استغرابها لعصبيته المفرطة وسؤاله عن شيء يخصها، الا انها تمالكت تجيبه في الاَخير:
– هو فعلا عايز يتقدmلي، بس بلغته كذا مرة انه مينفعش عشان اخواتي.
– يعني صباح بتكدب؟
– لا طبعا الريسة مبتكدبش، اصل هو كل شوية يكلمها عني في انتظار موافقتي .
تتحدث بعفوية، غافلة عن تبدل ملامحه وغـــضــــب غير مبرر يلوح في الافق، ليوميء برأسه فجأة ويردد بغـ.ـيظ مكتوم، يفسر الأمر بمنطقه:
– اااه يعني الباشا مفقدش الامل، ورايح جاي يدور حواليكي، ومهمل في شغله؟
– لا يا باشا، تميم انسان محترم، وشايف شغله كويس.
– متدافعيش عن حد قدامي يا بهجة وخليكي في اللي يخصك ، انا شوفت بنفسي وانا اللي بقولك دلوقتي.
قابلت عصبيته بدفاع عن الشاب، وقد استفزها تحامله عليه:
– انا مش بدافع يا فنـ.ـد.م، انا بقول الحقيقة، بس انت شوفته فين صحيح وهو بيدور حواليا؟ قصدك يعني لما جه وجابلي كوباية الشاي من شوية؟ …..
– اسكتي يا بهجة.
صاح بها مقاطعًا، لا يريد شرحا ولا تفسيرا، فقد رأى بنفسه ما يكفيه، ويجعل الدmاء تغلي برأسه، ليفاجأها بقوله:
– قوليلي يا بهجة، انتي مشتغلتيش عندنا ليه بشهادتك؟!
– شهادتي.
رددت بها من خلفه، وكأنها تستوعب المغزى من السؤال، لتجيبه بعدها بحرج:
– وشهادتي دي بقى، هشتغل بيها ايه حضرتك؟ دي ثانوية عامة، يعني مفرقتش كتير عن الاعدادية.
– والحقوق……. انا عرفت انك دخلتيها، بس مكملتيش فيها.
اجفلها بمعرفته لهذه المعلومة عنها، فهي لا تتحدث بها على الإطـ.ـلا.ق، ولكن يبدو ان لديه سبله الخاصة في البحث خلف من يعمل بمنزله، اذن لما التعجب.
– حضرتك انا مدرستش في حقوق غير سنة واحدة ، والتانية يدوب حضرت فيها كام محاضرة، وبعدها قطعت نهائي، يعني اكيد متتسماش دراسة.
زفر يجلس على كرسيه مرددًا بلمحة من ضيق :
– انا طبعا مش هسألك عن السبب، عشان متقوليش نفس الحجة، في حكاية انك كنتي هتتجوزي ومحصلش نصيب….. لكن دلوقتي انا بتكلم عن الوضع الحالي، وانا شايف انك تصلحي لوظيفة ارشيفية حتى لو بشؤون العاملين، بدل التفصيل والقعدة على المكن يا بهجة .
تخيل موافقتها على الفور، ولكنه تفاجأ بردها:
– بس انا بحب التفصيل فعلا على فكرة.
زفر بغـــضــــب مكتوم يردف حازما:
– تقدري تكملي هوايتك دي في البيت يا بهجة، انا بعرض عليكي دلوقتي فرصة ووضع احسن لواحدة متعلمة زيك.
حينما ظلت على صمتها ضـ.ـر.ب بكفه على سطح المكتب:
– فكري كويس وخدي فرصتك يا بهجة، وانا من بكرة همضي قرار تعيينك.
اومأت برأسها بموافقة، لكن سرعان ما انتبهت لقوله معقبة بعدm فهم:
– افكر ازاي واخد فرصتي وانت حاسم قرار تعييني؟
اومأ بلهجة لا تقبل النقاش:
– امشي دلوقتي يا بهجة، واعتبري القرار اتنفذ، بقووولك امشي يا بهجة.
اضطرت في الأخير ان تنصرف من امامه، بتشتت اصابها، لا تصدق حزمه في امر يخصها كهذا، غير قابل حتى للمناقشة، لطالما وصفته الفتيات زميلاتها في العمل انه المغــــرور الوسيم، لتتيقن هي الاَن من صفة جديدة به، وهي انه ديكتاتور أيضا.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها معه، حيث كانت جالسة بجواره في الامام ، وفي طريقهم نحو المنتجع السياحي، لقضاء شهر العسل ، ليته كان كذلك بالفعل.
تراقب صمته وقيادته الناعمة للسيارة بهدوء يثير تعجبها، رغم صخبه والمزاح المبالغ فيه، حينما يقابله شخص ما يعرفه، او يقف بلجنة ما ويصادف برؤية احد اصدقاءه من أفراد الشرطة، فيُقابل التهاني والمبـ.ـاركات منهم، بالابتسام وسعادة يجيدها امامهم، حتى اذا اختفى الجمع واختلت به كما يحدث الاَن، ظلت ابصاره منصبة على مراقبة الطريق، لا يتلفت اليها الا للضرورة، يحدثها بكلمـ.ـا.ت محددة ومقتضبة.
برغم كل ما حدث منه بالأمس معها ، إلا انها تعطيه عذره، ولن تتوقف عن محاولاتها في القرب منه مرة اخرى، علُه في يوم ما، يعود اليها عصام القديم.
– عصام…… ممكن تنتبهلي ولو دقيقة.
هتفت منادية حتى تخرجه من حالة الوجوم التي تتلبسه، وكما توقعت جاءها الرد بعد برهة من الوقت .
– نعم يا امنية، عايزاني انتبهلك ازاي وانا بسوق؟
تبسمت بضعف تجيبه:
– والله دي حاجة سهلة اوي، ممكن تتكلم وانت بتسوق عادي، دا لو عايز تتكلم….. انا عايزة اسمع صوتك يا عصام، عايزة نتكلم مع بعض زي الاول ومنوقفش…. حتى لو هتفتح في الموضوع اياه…… انا قابلة.
رغم ترددها ، إلا انها ملكت الشجاعة لقولها، وهذا يحسب لها، ولكنه كان بحالة من الغليان المكتوم من اجلها، حتى لا يجـ.ـر.حها، وما دامت طلبت بنفسها، اذن فلتتحمل.
التف اليها بتنهيدة مثقلة قائلًا:
– ماشي يا امنية نتكلم ، انا بقى عايز اعرف منك، حصل كام مرة؟ والامر دا كان في الخطوبة بس؟ ولا قبل كمان؟
قطبت بعدm فهم في البداية، لكن سرعان ما وصلت لمقصده، لتتنحنح بحرج تجيبه:
– مش بالصورة اللي في دmاغك يا عصام، انا مكنتش هبلة للدرجادي، هما كام مرة بس بعد الخطوبة، لكن قبل الخطوبة والله ما حصل .
التف برأسه عنها معقبا بضيق متعاظم:
– في الحالتين مش فارقة، ما دام حصل، وكذا مرة كمان .
زفر دخان من حريق صدره، حتى شعرت بسخونته وصل اليها، لتردد بضعف:
– والله ما حصل غير بعد ضغط منه، كان بيستغل اوي فرق السن ما بينا وعدm خبرتي.
– يعني محصلش مع اي حد تاني غيره؟
اجفلها بسؤاله، حتى ارتجفت بزعر تنفي:
– اقسم بالله ما حصل، حتى جيبلي المصحف احلف عليه.
قبض على مقود السيارة حتى كاد ان يكـ.ـسره، ليعبر عن حسرته كازا على اسنانه بشـ.ـدة :
– كان نفسي الإجابة دي تبقى شاملاه هو كمان، تبقى شاملة الجميع، وانا ساعتها وربي كنت هصدقك من غير حلفان، لكن انتي يا امنية…..
قطع بأنفاس لاهثة، يمنع نفسه على المواصلة، بعدmا شعر، بيداها التي التفت حول ساعده العضلي، وتميل برأسها عليه تذرف الدmـ.ـو.ع بنـ.ـد.م مرددة:
– وانا والله اكتر منك، كنت اتمنى ابقى اعقل من كدة، كنت اتمنى اشوفك من زمان، انا كنت في احتياج للحب من اي حد، حتى لو كان وهم زي اللي كنت عايشاه مع الزفت ده اللي ربنا يجازيه…
زادت من ضمه ذراعه بقوة لتردف برجاء:
– انا شبعت بحبك عن كل العالم، اوعى تسيبني ولا تتخلى عني، عـ.ـا.قبني زي ما انت عايز، بس متسبنيش لحالتي في الضياع من تاني يا عصام…… ارجوك.
لانت ملامحه برجاءها، ورق قلبه لها حتى تخلى عن جموده، ليربت بكفه على وجنتها مهونا:
– خلاص بطلي عـ.ـيا.ط، انا مكنتش عايز افتح في مواضيع اصلا، بس انتي اللي جبرتيني.
– عشان عايزاك تطلع اللي في قلبك يا عصام، تجـ.ـر.حني احسن ما تشيل في نفسك ، وعقلك يشتغل بالظنون.
قالتها بضعف ورغبة صادقة التمسها في نبرتها، ليميل على رأسها فجأة يخـ.ـطـ.ـف قبلة على جبهتها، قبل ان يعود لقيادته، مردفًا:
– ماشي يا امنيه، ريحي انتي دلوقتي ، لسة قدامنا كذا ساعة على ما نوصل.
لم تتخلي عن تشبثها بذراعه، بل زادت من قربها منه قائلة:
– انا راحتي في قربك يا عصام، هضرك لو انام على كتفك وانت بتسوق؟
رحب بابتسامة رائقة:
– لا طبعا مش هتضريني يا امنية ، اخري بس الكتف هينمل، لكن يا ستي ولا يهمك.
تبسمت بـ.ـارتياح لتسند رأسها مستسلمة لنوم تنشـ.ـده منذ الامس، وهو يواصل القيادة، بعقل هدأ قليلًا، او مؤقتًا، ليشعل المذياع على اغنيه هادئه لفيروز، تساهم في ترطيب الأجواء المشحونة الى حد ما .
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
حبيبي ندهلي قلي الشتي راح
رجعت اليمامة زهر التفاح
و أنا على بابي الندي والصباح
و بعيونك ربيعي نور وحلي
و ندهلي حبيبي جيت بلا سؤال
من نومي سرقني من راحة البال
أنا على دربو ودربو عالجمال
يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي
❈-❈-❈
بيد مرتجفة صارت تقرأ البنود في العقد الذي امامها، بعدm تصديق، تدقق النظر في الاسم، علُه تشابه يحدث كثيرا، ولكن كيف هذا؟ من في العالم بهذا الاسم غيرها تلك الملعونة؟ لترفع ابصارها اليه ، فيلتقط نظرتها هو بتحدي، وكأنه ينتظرها.
– ايه يا لورا، ساعة بتقري في بنود العقد الجديد!
بغـــضــــب مكتوم تجاهد لعدm انفلات الامر من يدها:
– ما انا بصراحة مش مصدقة، إيه لازمة نقل عاملة من قسم الملابس، لموظفة على مكتب، ما احنا لو محتاجين ، في غيرها كتير يستاهل.
تبسم ببرود يجيده:
– اكيد طبعا في غيرها يا لورا ، الدنيا مليانة كفاءات، بس انا قررت نقلها ببنود العقد الجديد اللي قدامك.، إيه المشكلة عندك بقى؟
– يا فنـ.ـد.م المشكلة مش عندي، انا بتكلم عن الكفاءة، احنا اساسا لو محتاجين نعمل اعلان وهيتقدm الافات، ليه بقى نبدل ونفتح علينا فاتحة من باقي العمال اللي هيغيروا منها اكيد؟
زاد اتساع ابتسامته في استفزازها، ليردف بحسم:
– انا اصدرت امري، وانتي عليك تنفذي اللي عليكي، اما بقى عن مشاكل ولا اي عوق تاني، ميخصكيش يا لورا، انا المسؤول عنها يا ستي.
افحمها عن المجادلة لترفع راية الاستسلام امامه، وتستأذن للانصراف حتى اذا وصلت الى مكتبها، لطـ.ـمـ.ـت بكفيها على سطحه، تضغط على اسنانها، مانعة نفسها بصعوبة عن الصراخ او تكسير اي شي امامها تعبيرا عن غـــضــــبها ، حتى اذا تمالكت بأسها اخيرا رفعت رأسها متمتمة داخلها بتوعد :
– انا لازم يكون لي صرفة المرة دي وبسرعة .
❈-❈-❈
استيقظت من نوم القيلولة على اثر حركة ما في غرفتها، وبجوارها على الفراش، حتى اذا فتحت عينيها صرخت مزعورة:
– انت مين يا راجـ.ـل انت……
قطعت مجبرة حينما حطت الكف الغليظة التي تعلمها جيدا، مع صوت صاحبها وهو يحذرها:
– اسكتي يا ولية هتفضحبنا ، انتي ايييه؟ مجهزة نفسك ع الصريخ .
رفع كفه حينما شعر بـ.ـارتخائها، وهذه النظرة المندهشة منها ، لتعقب بعدm تصديق لما تراه امامها:
– انت ايه اللي عامله في نفسك دا يا خميس؟
تبسم يمسح بكفيه على جانبي شعره بزهو مرددًا:
– ايه فاجأتك صح؟ بس ايه رأيك في النيولوك الجديد؟ لايق عليا؟
هدأت اخيرا من صدmتها لتردد رافعة طرف شفتها بنزق:
– هو ايه اللي لايق عليك؟ انت صبغت شعرك ولا عملت ايه بالظبط؟ انا حاسة ان فيك حاجة غريبة مش فاهماها.
افتر فاهه بابتسامة بعرض وجهه تظهر الصف الامامي لاسنانه بالكامل، وهو يجيبها بفرحة:
– صبغت وزرعت يا درية، مش بقولك نيولوك.
اهتزت رأسها باستفسار تنقل بابصارها نحو الصلعة التي تقلصت الى حد ما :
– زرعت فين؟ ما الصلعة موجودة لسة؟
– لا ما انا زرعت نصها، لسة الباقي هياخد كام يوم .
مالت رأسها للخلف تطالعه بريبة لهذه اللهفة:
– والشعر اللي زرعته ده جيبته منين؟ انت ضامن دا جايبنه من فين؟
ضحك بتفكه ومبالغة لم تستجيب لها وهو يخبرها بتفاخر:
– يا ولية مايبقاش ضميرك سو ، مفيش حاجة اتزرعت من برا ، جوزك كله خير، ولا انت ناسية اني عندي غزارة في الانتاج ، وسوء في التوزيع.
ختم بضحكاته رافعا ذراعه امامها، لتظل هي على صمتها وراسها الاجرامي يدور بالظنون، حتى صدر ردها اخيرا:
– مبروك يا خميس ، الف مبروك يا حبيبي، عقبال يارب ما تحصد اللي زرعته.
جاء رده بالضحكات:
– حلوة احصد دي.
– عجبتك؟
– ايوة عجبتني اوي .
– اممم.
زامت بالاخيرة بابتسامة صفراء واضعة كفها على وجنتها تسمع منه الأحاديث التافهة التي كالعادة يجيد تأليفها من خيال عقله، حينما يريد التغطية على شيء ما برأسه.
فهي تفهمه اكثر مما يفهم هو نفسه.
❈-❈-❈
بداخل مطبخها، بعدmا عادت من عملها، تقف امام القدر التي تقلبه على النار ، وتستمع الى حديث شقيقتها:
– يا بهجة صدقيني، صوت الباب اللي سمعته وانا طالعة، دا صوت بابنا ، انا حاسة الست دى دخلت شقتنا .
التفت لها شقيقتها بسأم:
– للمرة التانية بتقولي نفس الكلام يا عائشة، ايه هيدخل بس الست دي بيتنا؟ ليها ايه عندنا؟ ثم ازاي كمان؟
دبت عائشة قدmها على الارض بيأس:
– انا بقولك ع اللي حاساه يا بهجة، وانت مش عايزة تصدقيني.
– عشان انا بتكلم بالمنطق يا قلبي .
قالتها ثم دنت تطبع قبلة على وجنتها، تضمها اليها بحنان:
– ياريت الشطارة دي والبحث نوفرهم للمذاكرة، مش التفكير في حاجات تضر.
اومأت بهز رأسها، رغم عدm اقتناعها ، لتخـ.ـطـ.ـف قبلة اخرى قبل ان تامرها :
– ياللا بقى خدي اطباق السلطة دي وحطيهم ع السفرة ، على ما أكون جهزت الاكل اللي في ايدي .
اذعنت تطيعها، وما كادت ان تخرج من المطبخ، حتى دوى صوت الهاتف ، لتتناوله، تجيب نفس الرقم الذي اجابت عنه سابقًا:
– الوو يا رياض باشا، فيه حاجة؟
وصلها صوت ضحكته ، ليردد بمرح:
، ليه يا بهجة؟ هو انا لازم يبقى في مصـ يـ بـةعشان اكلمك .
تحمحمت بحرج، لتصمت لحظات حتى أتى ردها:
– انا اسفة حضرتك.
– مفيش داعي للأسف يا ستي،انا كنت بتصل عشان ابلغك ، بقرار التعيين الجديد، انا مضيته ومن بكرة تيجي تستلمي كموظفة.
رفرفرت اهدابها بعدm تصديق تجادله:
– مضيت امتى حضرتك؟ هو انت مش قولتلي فكري وخدي فرصتك.
– وقولت اني هنفذ برضو يا بهجة .
ختم بضحكة نادرا ما تصدر منه ، لتبرق عينيها بدهشة للتغير المفاجيء لهذا الرجل ، حتى اذا انتهت المكالمة، غمغمت متسائلة مع نفسها بعدm تصديق :
– دا ايه اصله ده ؟
كان لابد لها من تغيير هيئتها اليوم ، لتناسب الوضع الجديد، كما أن الموظفين ملزمين بحسن الهيئة بعيدا عن الملابس المخصصة للعاملين اثناء العمل، والتي كانت ترتدبها فور دخولها محل عملها، وخلعها للعباءة السمراء المريحة لها من جميع النواحي، بعيدًا عن التزين والأناقة فهي بالفعل لا تريد لفت الانظار اليها، وقد قررت منذ تحملها للمسؤلية، الا تدع شيئا ما يلهيها عن تـ.ـو.فير لقمة العيش بعزة، ورعاية اشقائها وكفايتهم عن اي احتياج ، حتى وان لم تنجح في ذلك الا بعض الشيء ولكن يكفي السترة والاستغناء وعدm الاحتياج لأحد
اما الاَن وقد فرض عليها هذا الوضع الجديد، ولا يصح الا التغيير ، فقد ظهرت الان امامها المعضلة الكبرى في انتقاء الملبس المطلوب.
وقفت بحيرة امام خزانة ملابسها ، تتأمل محتوياته من ملابس قديمة وجديدة لها، تتأملهم وحيرة تفتك بها، ماذا ترتدي؟ ماذا ترتدي؟
ملابس الجامعة التي تركتها منذ سنوات مازالت تحتل جزئًا ليس بالهين داخل الخزانة، ولكن منها الضيق بعض الشيء، كما أنه عصري ويظهر عمرها صغيرا وهي لا تريد ذلك،لقد جربت احدهم بالأمس، والذي كان بنطال من الجينز وبلوزة محكمة الى حد ما، فنالت من اشقائها التهليل والإعجاب ، وكأنها لم تكن هذه ملابسها في يوما ما، وذلك على الرغم من انها كانت ترتدي بعض منها في اضيق الحدود
ضغطت بطرفي اصابعيها على جبهتها، متمتمة بيأس:
– وبعدين بقى؟ يعني يا اما صغير وعصري، يا اما كبير وواسع، وانا عايزة حاجة وسط، طب اروح بإيه بس يا ربي؟
وصلها ضحكة ساخرة من شقيقتها من خلفها معلقة بشفقة نحوها:
– انتي لسة برضو في حيرتك دي يا بهجة؟ يا لهوي عليا، امال لو رايحة حفلة يا بـ.ـنتي، كنتي هتعملي ايه؟
ردت عنها عائشة، والتي كانت تلج لداخل الغرفة معها:
– مكنتش هتروح الحفلة اصلا؟
ختمت بضحكة تشاركتها مع جنات ، حتى هتفت هي بهما:
– انتو بتقولو فيها، طب والله طالعة في دmاغي بجد مروحش النهاردة، واقعد من الشغل على ما ربنا يعدلها.
نفضت ذراعيها في الهواء لتسقط على جانب التخت القريب منها، مما جعل الفتاتين تكفان عن المزاح، مراعاة لحالة اليأس التي تتلبسها.
لتقترب منها جنات قائلة بدعم، وهي تحمل شيئًا ما تخبئه خلف ظهرها:
– بيبو يا روح قلبي، انا عارفة انك مكنتيش مستعدة للترقية ولا التغيير، بس انتي بقى، ليه تحـ.ـز.ني نفسك؟ الموضوع مش بالصعوبة دي، هوني على نفسك ، دي وظيفة عادية، يعني اي لبس محتشم وجميل حلو عليها، مدام مفيش يونيفورم رسمي .
زفرت تطرد دفعة محملة بإحباطها :
– يا جنات افهمي، انا مش عايزة ابقى ملفتة زي باقي الموظفات اللي بينورو في القسم الاداري عندنا في المصنع، ولا عايزة ابقى مأفورة زي اللي اسمها لورا، انا عايزة حاجة بسيطة وناعمة، تناسب قعدتي ع المكتب وبس، على ما ربنا يسهل واعرف اشتريلي حاجة كويسة، الحمد لله في قرشين متشالين يأدو الغرض، بس دلوقتي هلبس ايه وانا مش مستعدة زي ما قولتي؟
تبادلت عائشة وشقيقتها الابتسام، لتقول بزهو لا يخلو من مزاح:
– بس انتي منورة لوحدك يا بيبة، نعملك ايه بقى لو لبسناكي ونورك لعلع، نوطي الفولت مثلا؟
هذه المرة استطاعت ان تضحكها معهما، فتخفف عنها التـ.ـو.تر، لتخرج لها جنات من خلف ظهرها، الشيء الذي كانت تخفيه:
– ودي يا ستي البلوزة بتاعتي اللي اشتريتها قريب. هنظبطها على جيبة مناسبة ونعمل بس شوية تغيير، بحيث تباني انيقة وسيمبل زي ما انتي عايزة.
طالعت بهجة القطعة امامها لتردف برفض:
– بس دي بلوزتك يا جنات اللي نقتيها بعد تعب، وقولتي انها مميزة .
– يا ستي ومالها يعني لو كانت مميزة؟ ما تغلاش على بيبو حبيبتنا، مع اني عارفة انها هتليق عليكي اكتر، بس ميهمش، انا هاخد التعويض المناسب واجيب واحدة غيرها لما نعمل جولة التسوق مع بعض، ولا ايه رأيك؟
– اه يا مستغلة.
قالتها بهجة مضيقة عينيها بتصنع الصدmة، لتردد شقيقتها بما يشبه الامر :
– انا فعلا مستغلة، وشرط عليكي كمان، هلفلك الطرحة بنفسي النهاردة واظبط وشك بحاجات خفيفة كدة ، بحيث انك تحضري اول يوم ع المكتب وانتي واخدة وضعك.
– امممم.
زامت بتفكير سريع، لتردف برأيها:
– ماشي، بس متزوديش على كريم عادي او اساس، ويبقى خفيف كمان عشان ميبانش اني متغيرة ولا حلوة.
شهقت جنات بدهشة، مرددة:
– حلوة! لا طبعا يا بيبو مينفعش نطلعك حلوة ولا بتنوري، هو احنا ناقصين سحب كهربا.
قالتها لتصدح صوت ضحكاتهن بمرح يتبادلن المزاح، والاستعداد لاداء مهمتهم.
❈-❈-❈
بعد قليل،
انتهت من لف الحجاب لها بطريقة عصرية، كما نفذت الشرط بوضع زينة الوجه، ببساطة لا تظهر، ومع ذلك بدت رائعة بصورة تشرح القلب، الالوان المبهجة للحجاب وما ترتديه من ملابس، حلت بها نقوش ضيفة باللون الاخضر انعكست على بشرتها الندية تزيدها بهاءً، فصارت مثالا حيًا للبهجة.
هذه اول مرة منذ فترة طويلة تتهنـ.ـد.م بهذا الشكل، كل محاولاتها في السنوات السابقة ، كانت بعدm اهتمام، للتركيز في الأهم، اما الاَن…… فلا تعلم لما تكتنفها الرغبة القوية هكذا في التغير.
– قمر، اقسم بالله قمر ، ايه الحلاوة دي يا بيبو.
هذا كان رد فعل عائشة والتي كانت تتابع وضع اللمسات النهائية، بتثبيت الحجاب، لتلتف اليها سائلة بخجلها:
– يعني مش مزوداها ، انا حاسة نفسي متغيرة .
شهقت خلفها جنات باستهجان:
– حـ.ـر.ام عليكي يا شيخة، وهو احنا عملنا حاجة اصلا؟ دا كله يدوب رتوش.
تفكهت عائشة بأعجابها:
– مش ذنبنا انك قمر يا بيبو ، نصيبك بقى.
بابتسامة مستترة لوحت بقبضتها كأنها ستضـ.ـر.بها، قبل ان ترفع بصرها توزع نظرات الامتنان نحوهما، لتحسم وترفع حقيبتها متمتمة:
– عقبال يارب ما نفرح بخروج ايهاب كمان، ادعو لاخوكم بالشفا، وادعولي انا بالتـ.ـو.فيق.
– ربنا يوفقك يا بيبو وتبقى دي بداية الصعود في السلم الوظيفي .
– يارب .
تمتمت بها بهجة، رغم تشكهها، لسبب بسيط وهو ان شهادتها المتوسطة؛ لا تؤهلها لذلك.
❈-❈-❈
حينما خرجت من المنزل، وفور ان اغلقت الباب، اصطدmت عيناها بابن عمها، وقد كان خارج من منزل عائلته في الطابق اسفلهم، يعطي زوجته شيئا ما، قبل ان يغادر، لتجحظ عيناه برهبة، حتى سقط ما كان بيده ، ليصدر صوت التذمر من زوجته مرافقًا لهبوط بهجة الدرج:
– وقعت المفاتيح يا سمير، هنزل ازاي ببطني دي ع الارض واجيبهم؟ اتفضل هاتهم انت بقى.
ظل على جموده، غير منتبه لثرثرتها، حتى خطت بهجة بجواره تتخطاه، فدارت رأسه معها كدوار الشمس حين يتتبع شعاعها، لتصدر صيحة زوجته بعد فترة من صمت:
– روح يا سمير، الهي رقبتك تفضل كدة معووجة وما تتعدل ابدا.
استفاق من نشوته، ليعود اليها مرددا بعدm تصديق:
– انتي بتدعي عليا انا يا اسراء؟
– ايوة بدعي عليك يا سمير، وهصرخ بالصوت الحياني كمان يمكن تحس على دmك وتفهم.
صرخت بقهر، وقد فاض بها ومن افعاله، اما هو فقد انتفض مجفلا خــــوفا من سماع الجيران، ليدفعها ويلج بها داخل المنزل، يغلقه عليهما، ويتشاجر معها.
بهجة والتي وصلها الصوت، توقفت فجأة تلقي خلفها بنظرة أسى لحال الزوجة، ثم تنهدت بثقل لتخرج وتغادر البناية التي اصبحت تكرهها منذ زمن بسببهم .
وكما توقعتا شقيقتيها، سارت بهجة تلفت ابصار الجميع نحوها من كل اهل منطقتها بإعجاب واضح وهمهمـ.ـا.ت تصلها من الشباب التي لا تخفي انبهارها، حتى تسلل التوجس داخلها، تتسائل مع نفسها:
– هي الناس دي محسساني ليه اني كنت معفنة.
وفي الشرفة أعلاها ، كانت ابنة عمها سامية تتابع الجلبة التي تحدثها بمرورها في المنطقة، متجاهلة الشجار العالي من داخل منزلهم ، وصوت والدتها التي انضمت من اجل التخفيف بينهم، فقد بدا جليًا ان الزوجة قد فاض بها, وسمير كالعادة يصدmها بجفائه وعدm اكتراثه، لتزداد شحونة الأجواء، وتلك الواقفة بالشرفة لا يشغلها سوى التركيز في تلك الملعونة التي تسرق العيون رغم ارتدائها لتلك البلوزة ملك شقيقتها ، فتغمغم هي بضجر:
– يعني انا مكنتش طايقاها على جنات ومستخسراها في واحدة زيها، عشان تيجي تلبسيها انتي يا ست بهجة وكأنها متفصلة لجنابك، دا ايه الحظوظ دي بس؟!
اصدرت صوت مصمصة من شفتيها وقد ذهبت ابصارها نحو شقيقها والذي تسمر هو الاخر كالجميع على باب وكالتهم، ناسيًا زبائنه، لتغمغم بحنق:
– ياكش تكون عملالك عمل انت التاني، جتك خيبة انت والاهطل الكبير.
– طلقنى يا سمير.
صرخة صدرت من الداخل، اجبرتها لترك الشرفة والذهاب نحو الشجار المحتدm، لتجد شقيقها هذه المرة متجمدًا لوقع المفاجأة، اما درية والتي كانت ممسكة بهذه المنهارة:
– صلي ع النبي يا اسراء وبطلي عـ.ـبـ.ـط ، انتي اتهبلتي في مخك ولا جرالك ايه بس؟
وبرد فعل غير متوقع، دفعتها عنها بعنف وكأنها قد فقدت صوابها:
– انا برضو اللي اتهبلت؟ ولا ابنك اللي شال من جلده حتة الاحساس، دا بقى عامل زي الحيطة اللي واقف وراها ، لو جـ.ـر.حتي فيها بالسكين حتى عمرها ما تتكلم ، عشان مش بتحس، لا وعاملي فيها حبيب وبيبكي ع الاطلال، ياخي اتنيل هو انت تعرف تفكر غير في نفسك ، عامل زي العيل الصغير اللي شالو عنه لعبته الحلوة، قاعد يزن ويفرك، هيمـ.ـو.ت عشان ترجعله من تاني، ما انت لو كنت تستاهلها بجد مكنتش راحت منك اصلا .
صدرت الاخيرة بصرخة موجهة نحوه ، فكان الرد منه على الفور بلطمة قوية على وجنتها شهقت على اثرها والدته وشقيقته التي وضعت يدها على فمها بصدmة، والمسكينة التي تلقت اللطمة، من هول ما يحدث معها تجمدت محلها دون اي رد فعل ، تتطلع له بعيناها فقط، حتى دmـ.ـو.ع مقلتيها توقف سيلها، وكأنها ابت الخنوع او الضعف امامه.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد اجتمع جميع افرادها اليوم في تناول وجبة الإفطار مع مجيدة التي اصرت على أبنائها وزوجاتهم مشاركتها اليوم، برغبة منها تود تكرارها كل يوم ، ولكن قليلا ما يحدث، نظرا لانشغالهم الدائم كلٌ فيما يخصه او ما يعمل به:
– يا خويا انتبه على اكلك، سيب البت تعرف تاكل براحتها.
هتفت بها نحو ابنها الأصغر والذي عبس بوجهه يهم يالاعتراض ، عكس زوجته التي تلقفت كلمـ.ـا.تها بترحيب:
– قوليلو يا ماما، دا محسسني انى مجوعة ابنه جوا بطني.
رد هو بدفاعية:
– بييجي كلامها اوي على هواكي، عشان عارفة انها دايما بتغطي عليكي، لكن تفتكري انتي تعليمـ.ـا.ت الدكتور لما قالك ان حالتك خاصة، بعد اللي حصل، واهتمامك بتغذيتك وتغذية الطفل يبقى اهم اولوياتك طول شهور الحمل لااا، عشان خايفة تتتخني ولا شكلك يتبهدل، مع الراحة وعدm الشغل، انا فاهمك.
فغرت فاهها باستهجان قائلة بصدmة:
– نهار اسود عليا وعلى سنيني ، دي كانت جملة وغلطت بيها قدامك الشهر اللي فات يا حسن، لساك فاكرها وشيلهالي ف دmاغك؟
اشار بسبابته على جانب رأسه بتصميم لها:
– عمري ما اسهو عن اي جملة خرجت منك يا شهد، انا مركز معاكي اوي، ويلا كلي اللي قدامك بلاش دلع.
زفرت بيأس منه، امام ضحكات الثلاثة المراقبين لهم، لتعلق والدته:
– عشان تتعلمي يا خايبة، وتربطي لسانك ده ما يزلف قدامه بأي حاجة يمسكها عليكي، دا ابني وانا عارفاه زنان .
تدخل امين هو الاخر:
– يا عم انت كمان، بتدقق ع البنية الغلباتة، امال لو معاك فرقع لوز اللي معايا كنت عملت ايه؟
– انا فرقع لوز يا امين؟
شهقت بها لينا بصدmة هي الأخرى، لتهادنها مجيدة بتسلية متفكهة:
– لا يا حبيبتي انتي مش فرقع لوز ولا حاجة، دا هو اللي مش قادر يفهم لحد دلوقتي انه متجوز اللهلوبة هههه.
تمتمت بها لتصدح الضحكات، حتى لينا هي الأخرى تبسمت بخجل، حتى اذا هدأت ضحكاتهم، توجهت مجيدة نحو شهد بسؤالها:
– قوليلي يا شهودة، اخبـ.ـار العرايس ايه؟
اتصلتي باختك واطمنتي عليها ؟
اومأت تجيبها بإشراق:
– الحمد لله ، امنية بتشكر في عصام وبتقول فيه كلام حلو اوي، ربنا يبـ.ـارك فيه ، انسان اخلاقه عالية اوي .
– مش صاحب ابني، يبقى لازم تبقى اخلاقه عاليه طبعا.
قالتها مجيدة بزهو بإشارة نحو امين الذي دفعه الفضول للتساؤل:
– يعني حالهم كويس ومبسوطين مع بعض يا شهد؟
ردت بدهشة :
– ايوة يا امين، ما هي بتشكر فيه، يعني اكيد مبسوطين.
– ربنا يديمها عليهم يارب.
قالها بتمنى من القلب، وبداخله يتردد السؤال:
– طب ولما هو مبسوط وعال العال، ماله بقى المـ.ـجـ.ـنو.ن ده، كان متغير ليه بس؟
❈-❈-❈
استيقظت من نومها على اثر هزة خفيفة بالفراش اهتز لها جــــســ ـدها، لتفتح عيناها مجفلة، فتجد وجهه مطلا عليها من علو ، حيث كان متكئًا على مرفقه بجوارها، يبدو وكأنه كان يراقبها منذ فترة.
لتستدرك وضعها وهذه البرودة الطفيفة التي تلامس بشرتها، وبرد فعل غريزي شـ.ـدت عليها الملاءة كي تغطي بها حتى نصف رقبتها، لتثير على ثغره ابتسامة، مع مخاطبته بجدية يغمرها الارتباك:
– شكلك صاحي من بدري، طب مصحتنيش ليه؟
بلطف شـ.ـديد دنى يقطف من ثغرها قبلة سريعة، قائلا بتغزل:
– كان عاجبني ابصلك وانتي نايمة يا ستي، لو حاسس بجوع أكيد كنت هدور ع الاكل ، مش لازم اصحيكي يعني، بس انا بقى شبعان ، وشبعان اوي كمان.
قالها بمغزى فهمت عليه، من طريقته نحوها، لتغزو السخونة وجنتيها ، وتسبل اهدابها عنه بخجل شـ.ـديد، بتذكرها ليلة الامس، ومشاعر العشق التي اكتسحها بها، بعيدًا عن اي افكار سوداء تعكر صفو علاقتهم الزوجية الوليدة، تتمنى لو يدوم ذلك.
حمحمة بخشونة صدرت منه ليسـ.ـر.ق انتباهها بقوله:
– لا بقولك ايه، احنا من امبـ.ـارح مخرجناش من اوضتنا، كدة الوقت هيسـ.ـر.قنا وهننسى حتى نتفسح ولا نشوف معالم البلد، قومي يا امنية عشان انا اصلا بتلكك وربنا ع القعاد.
نهض بالفعل يجبر قدmيه على الوقوف بعيدا عن الفراش ، فحاولت هي ايضًا التغلب على كسلها، لتنهض بجذعها بصعوبة وهي تلملم الغطاء حولها، امام نظراته المتفرسة لها، لتخاطبه برجاء:
– طيب ممكن تكمل انت وتسبقني على ما أقوم أنا وأدخل الحمام، ممكن؟
اهتزت رأسه بنفي غير متوقع، ليسقط فجأة على الفراش بجوارها عائدًا اليها:
– انا بقول نأجل الخروج شوية، اليوم لسة في بدايته مش هيطير يعني.
اجفلت بخجل شـ.ـديد وهي تجده يندس معها اسفل الغطاء الذي جذبه على حين غفلة منها، لتردد بتساؤول:
– عصام انت اكيد بتهزر….
قطعت بشهقة خافتة هذه المرة، قبل ان يوقف هو كل استفسار لها يبتلعه بجوفه، ليأخذها بجولة اخرى من جولات العشق بينهم، ينسى العالم وينسى نفسه في عالمهم الخاص بهما وحدهما، بعيدا عن اي ضغوطات وتأويلات العقل التي لا تنتهي.
❈-❈-❈
وفي مقر عملها الذي دلفت اليه للتو، يتكرر نفس السيناريو الذي يحدث معها من وقت خروجها من المنزل، عمال تعرفهم وآخرين لا تعرفهم، تتركز أبصارهم بها وكأنها المرأة الوحيدة التي تمر امامهم، فتزداد هي توجسًا داخلها:
– حتى انتو كمان، انا كدة كنت معفنة بجد بقى!
– بهجة، ايه الحلاوة دي يا بت؟
كان هذا صوت رئيستها في القسم السابق والتي هرولت اليها فور ان رأتها، لتتلقف هي لقاءها بها كالنجدة لها؛
– ست الريسة، هو انا لدجادي متغيرة؟
تقدmت منها لتخـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنتها قائلة:
– انتي مش متغيرة يا بت، انتي واخدة وضعك الطبيعي اللي اتخلقتي بيه، حمد الله ع السلامة يا بهجة القمر.
ابتسامة بضعف لاحت على جانب شفتيها، في رد على تغزل المرأة، والذي رسخ برأسها نفس الفكرة:
– تشكري يا ريسة دى عينك هي اللي حلوة، بقولك…. انتي هتيجي معايا دلوقتي ع المكان الجديد بتاعي في الشركة هنا، ع الاقل تشجعيني.
ضحكت صباح ساخرة:
-،اشجعك على ايه يا منيـ.ـلـ.ـة؟ دا مجرد نقل، ثم كمان الاستاذ عبد الفضيل مفيش اغلب منه، راجـ.ـل كبير ، وقايم بشغل المصنع بقالوا سنين، حركي رجلك واستعيني بالله، وانا هحصلك بعد شوية كدة مع البنات، اجيبهم ونبـ.ـاركلك ع الموقع الجديد ، عقبالنا يارب، لما نطلع كدة للدورالتالت.
تبعتها تتمتم بالادعية لتتخذ طريقها نحو الجهة الاخرى الخاصة بدرج الطابق الثاني والمصعد، لتتوقف امام الاخير في انتظاره، حتى اذا هبطت وخرج فردان من الموظفين لتدلف هي سريعًا وقبل ان يصعد بها، تفاجأت يمن ينضم معها وقد كانت تلك المتعجرفة، بنظارتها التي لم تخلعها بعد، مشغولة في النظر بهاتفها ، فلم تنتبه سوى بعد برهة، لتقع عينيها على بهجة، فتقيمها بتجهم اثار القشعريرة بقلب المسكينة، والتي حاولت تلطف رغم عدm ارتياحها:
– صباح الخير يا أنسة لورا.
خرج الرد من تحت اسنانها:
– صباح الخير، ما انتي خلاص عرفتي انسانسير الموظفين.
كتمت بهجة زفرتها لترفع ذقنها للامام باعتزاز في رد لها:
– مش بقيت موظفة يا فنـ.ـد.م، يبقى اكيد الكام دور دول مش هطلعهم على رجلي.
– اممم.
زامت بها بنظرة مقللة، ثم قالت بضيق:
– طب يا سيادة الموظفة الجديدة، حاولي بس تبقي قد الحدث، عشان اللبس اللي لابساه باين من اولها كدة انه بيئة .
قالتها وانفتح باب المصعد ، لترميها بشبه ابتسامة ساخرة، ثم تخرج من امامها تتمايل بخطواتها بزهو، لتتبعها بهجة ولكن بخطوات متأنية مثقلة، تغمغم بهمس مع ذاتها:
– روحي يا بعيدة، الهي يسد نفسك زي ما سديتي نفسي من اولها كدة، اووف عليكي دا انتي عقربة……
❈-❈-❈
ابلت بلاءًا جيدًا في اول يوم عمل لها بمكتب شئون العاملين والذي لا يحتوي سوى على ثلاثة موظفين، رجل كبير بالعمر هو رئيسهم، يدعي عبد الفضيل، وامرأتان ، تعملان معه منذ زمن، يبدو من حديثهم الدائم، انـ.ـد.ماجهما التام لدرجة عدm اخفاء احداهما ضيقها لوجود موظفة جديدة تشاركهم الغرفة، وهذا ما كان يظهر بوضوح مع تعليقاتها المبطنة نحو بهجة:
– عارفة تخلصي شغلك ع الكمبيوتر، ولا حاسة بحاجة معصلجة معاكي؟ انا مقدرة ان الشغل هنا مختلف خالص عن شغل المكنة تحت.
من نبرتها الملتوية علمت جيدا بهجة بمقصدها، ليأتي ردها المفحم:
– تسلمي يا مدام سناء، بس انا والحمد لله دارسة، القوانين وعارفة كويس اشتغل ع الكمبيوتر، يعني الشغل هنا اسهل بكتير من القعدة ع المكنة، مع اني والله اشتقــ,تــلها من دلوقتي.
– اممم.
زامت بها المدعوة سناء لتغلق فمها وتعود لما تعمل عليه، ف انتقلت ابصار بهجة نحو الأخرى، الانسة حكمت والتي تبسمت بمودة لها محفزة:
– برافو عليكي يا بهجة ، انا بحب اوي البنات المكافحة اللي زيك.
قولها اللطيف خفف على بهجة مع تلك النظرات المحبة من العم عبد الفضيل ، الصامت دائمًا، فلا يتحدث الا قليلًا، ولكنه يبث الطمأنينة بقلب من يرافقه، بدفء طيبته.
ولكن هذا الهدوء المبالغ فيه، لم تعتاد عليه بهجة، تفتقد صحبتها مع الفتيات بالأسفل وتباسطهم في الحديث البريء والجريء في ان واحد، صداقة مرت عليها سنوات، شغفها في اخراج القطع الجميلة من القماش لاشياء جميلة يرتديها الكبـ.ـار والصغار، عكس ما تدونه على هذا الحاسوب ، من بيانات واحصاءات تثير الصداع في بعض الاحيان.
نفخت بملل وهي تتلاعب بازرار الحاسوب بعدmا انتهت من معظم العمل المطلوب منها، تحصي الساعات والدقائق المتبقية في انتظار انتهاء اليوم الاول في هذا العمل الممل بحق.
– مساء الخير عليكم، الموظفة الجديدة بهجة هنا عندكم؟
هتفت احدى الفتيات مع اخريات زميلاتها في العمل القديم، ليهللن فجأة برؤيتها فهبت هي واقفة للترحيب بهم، لتحدث حالة من الهرج والصخب.
– يا حلاوة يا ولاد، ايه يا بت الحلاوة دي.
– مبروك يا بهجة قعدتك ع المكتب، عقبالنا يارب.
– الله يبـ.ـارك فيكي، عقبالكم يا ختي.
– عم عبد الفضيل ينفع توظفني معاها؟
تبسم الرجل الكبير بخجل من جرأة الفتاة، دون ان يرد كعادته، مما استفز المدعوة سناء .
– من فضلكم، بلاش الصوت العالي ولا الشوشرة ، دا قسم اداري، يعني احنا معندناش كده، أنا مقدرش اشتغل ع الصوت العالي ولا الصداع، عايزين نخلص اللي في ايدينا .
شهقت احداهن بالعلكة بفمها تود تقريع المرأة المتكبرة، ولكن بهجة لحقت بذكائها لتمنع الجدال من اوله:
– معلش يا مدام سناء، انا هاخدهم واخرج بيهم، عشان منزعجكيش، كملي انتي شغلك.
رمقها العم عبد الفضيل بتقدير لرجاحة عقلها في رأب الصدع من اوله، قبل ان يلتف بنظرة عاتبة نحو الأخرى.
لتخرج بهجة بزميلاتها في الرواق ، فيتبادلن معها المزاح بحرية حتى انضم لهما عدد اخر من بينهم كان زميلها تميم والذي عبر عن حـ.ـز.نه في انتقالها الى هنا، رغم فرحته لترقيتها ، وهي كالعادة ترد برقة، كما تفعل مع الجميع، فمرت لحظات من المزاح وتبادل الأحاديث مع تهنئتها للمنصب الجديد. قبل ان ينقلب كل ذلك مع مجيء هذه المتعجرفة وهتافها بازدراء نحوهم:
– ايه ده؟ ايه ده؟ دا بقى فرح مش قسم محترم، انت يا عامل انت وهي، سايبين شغلكم وجايين هنا القسم الاداري عاملينها زيطة، انا لازم اشوف شغلي معاكم.
– لو سمحتي يا انسة يا لورا، محدش فيهم عمل حاجة غلط عشان تحاسبيهم، دول جايين يبـ.ـاركولي.
هتفت بها بهجة بانفعال في رد لها، لتلتقط هي فرصتها في اهانتها امامهم:
– يا ما شاء الله يا ست بهجة، ما كانو يعملولك فرح احسن، بقى كل ده عشان قعدتي على مكتب، دا كدة يبقى المكنة اولى بيكي بقى.
صدرت بعض الهمهمـ.ـا.ت الغاضبة امام صدmة بهجة التي تلجمت لحظات قبل ان تستفيق على اعتراض تميم الذي وجه غـــضــــبه نحو تلك المتعجرفة:
– والله هو فعلا اولي بيها، ع الاقل مش هتشوف هناك اشكال بتتكبر على خلق الله زي ما بيحصل هنا.
برقت عيني لورا بإجفال، لتصيح به موبخة:
– انا متكبرة يا زفت انت؟ طب انا هوريك بقى المتكبرة دي بتعمل ايه مع واحد زيك .
– اعملي حضرتك، الرزق على الله مش بإيدك
صدر الرد القوي منه، ليحتدm بينهما شجار بالكلمـ.ـا.ت فيتدخل بعض العمال مثل صباح التي كانت تحاول التهدئة، وبهجة التي انتابها الخــــوف على قطع رزقه، لتأتي الصيحة الجهورية توقف جميع الألسنة،
– ايه اللي بيحصل هنا؟ وليه جمع العمال دا كله؟
توزعت عيناه بينهم حتى وقعت ابصاره على تلك البهجة، التي تميزت من وسطهم، لا تقوى على رفع عينها نحوه، حتى قالت بحرج:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م بس دول زملائي، وكانوا جايين يهنوني.
توسعت عينيه بذهول في النظر اليها، وتصلب جــــســ ـده بعدm تصديق، لهذه الهيئة الجديدة وقد بدت وسط المجموعة كزهرة متفتحة باختلاف جذري عنهم، وهذه الرقة في الرد عليه شتت ذهنه عن سبب مجيئه من الأساس.
ولكن انقشع السحر فور ان وقعت عينيه على هذا المدعو تميم، وحديث لورا في الإشارة عليه وعلى زملائه:
– رياض باشا، تعالي شوف بنفسك المجموعة اللي عاملة ازعاج دي، وانا بس عشان اتكلمت، الولد ده بيقل ادبه عليا .
مالت رأسه نحو المذكور بشر مرددًا:
– بيقل أدبه !
تدخلت بهجة بدفاعية نحو الشاب :
– لا والله حضرتك، هو بس بيدافع عني وعن الزملا بعد الأنسة لورا ما جات زعقت فينا من غير سبب.
تميم انسان في منتهى الاحترام وعمره ما يقل أدبه على حد.
كز على اسنانه وهو يبصرها بحنق شـ.ـديد ، يود لو يكتم على هذا الفم، ويغلقه عن التفوه بحرف واحد آخر بالدفاع عن هذا التميم ، والذي يود ان يقــ,تــله الان بسببها.
❈-❈-❈
اجتمعتا الاثنتان بمكتبه، فتحدثت لورا تصب على بهجة وزملائها اللوم والتصرف بعدm مسؤلية في اول يوم عمل لها، لتثقل عليها بطريقتها الفجة، في اظهار دنوها وعدm نفعها في وظيفة كهذه ، لتظل هي على صمتها، في انتظار دورها، حتى اذا انتهت لورا، اصدر امره هو:
– خلاص يا لورا روحي انتي شوفي شغلك .
– طب وهي؟
تسائلت مشيرة بالإبهام نحو بهجة، ليجيبها هو ببساطة:
– هي هسمعلها زي ما سمعتلك.
بدا الاعتراض جليا على ملامحها، رغم مجاهدتها لعدm اغضابه:
– ايوة يا فنـ.ـد.م، بس احنا اتكلمنا وقولنا كتير بما فيه الكفاية، هترغي وتقول في ايه تاني.
تبسم بهدوء يكاد ان يجلطها:
– انا عندى مرارة اسمع اكتر يا لورا ، روحي انتي شوفي شغلك، واما اعوزك هطلبك.
اضطرت بصعوبة ان تذعن لامره ، لتضـ.ـر.ب بقدmها على الارض فور ان استدارت بغـــضــــب متعاظم، تحجم نفسها بصعوبة عن الفتك بهذا الملعونة .
اما بهجة والتي اصابها اليأس مما حدث، فخرج صوتها فور مغادرة الأخرى:
– رياض باشا انا بقول ارجع لشغلي الاساسي زي الاول ، منعًا للمشاكل مرة تانية، بس ارجوك متأذيش اي حد من زملائي، دول جم يهنوني بحسن نية.
مالت رأسه في النظر اليها بتهكم، مشبكا اصابع كفيه ببعضهما، يظهر جمودًا نحوها، كي يخفي ما يعتريه من مشاعر في رؤيتها بهذه الهيئة المختلفة اليوم،
كلمة جميلة تجحف حقها، انها حقا فاتنة، وبصورة لافتة حتى لضعيف النظر، قدر صغير من الاهتمام مع ارتداء ملابس مبهجة بالوان ناسبت الخضار الصافي بعينيها يكاد ان يفقده صوابه،
– رياض باشا انا بكلمك .
– هو عاد فيها باشا ولا رياض حتى .
تمتم بها بداخله، قبل ان يتحمحم يجلي حلقه:
– اتكلمي يا بهجة انا عايز اسمعك، قولي اللي حصل وانا بعدها هبقى اقرر ان كنتي تستمري في الشغل هنا ولا لأ.
– تمام يا فنـ.ـد.م.
❈-❈-❈
لم يفهم كلمة مما قالت، وكيف له التركيز؟ وقد تشتت عقله ما بين طلتها الجديدة التي تسلب العقل رغم بساطتها، وما بين تذكره لما حدث ورأه بنفسه منذ دقائق، هذه الفتاة ستفقده عقله، نعم هذا اقرب تخمين له.
نفض رأسه، يجليها من الأفكار المتخبطة، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يوقف استرسالها عله بالنقاش قد يستعيد التركيز،
– ثواني بس عشان متوهش منك، من البداية كدة ، انتي ليه مسمعتيش كلامها لما قالتلك اصرفيهم؟
تطلعت اليه بعدm استيعاب قائلة:
– امال انا بحكيلك في ايه يا فنـ.ـد.م بقالي ساعة؟ هما اساسا كانو مستيني عشان اصرفهم، دي ناس عارفة شغلها كويس واللي مستنيها، هي اللي كانت قاصدة بقى تحرجني قدامهم من غير ما اعملها اي حاجة والله، مش فاهمة انا هي بتعمل معايا كدة ليه؟
صمت قليلًا يحدق بهذه الحمقاء التي لم تفهم حتى الاَن سبب كره الأخرى لها، ليزفر داخله بحنق تاركًا كل ما اسهبت به يجفلها بمطلبه:
– بهجة ممكن متجيش الشغل تاني بالبلوزة اللي انتي لابساها دي.
زعرت تنزل بعيناها نحو ما ترتديه، تتسائل بحرج:
– ليه يا فنـ.ـد.م؟ هي بلوزتي فيها حاجة وحشة، دي حتى جديدة والله.
ردد بعصبية نافيا:
– مفيهاش حاجة وحشة يا بهجة، انا شايف انك تيجي بحاجة رسمية اكتر من كدة، وياريت لو غوامق افضل يعني، ممكن؟
اومأت بضعف وقد كسى الحـ.ـز.ن ملامحها الشفافة، لتزيد من ثقل ما يكتنفه من الداخل، تظنه يقلل منها، ولا تعرف بما يعتريه من عواصف وبراكين تتقاذف بالشرر تحرقه كلما تذكر تحديق الجميع بها، وبهيئتها المبهجة تلك بصورة تزعجه وبشـ.ـدة.
– بهجة متفهمنيش غلط ، انا مش قصدي خالص اللي في دmاغك على فكرة.
ردت بغصة مما تأصل بذهنها:
– انا فاهمة ومش محتاج تبرر يا فنـ.ـد.م، يبقى كدة لورا كان عندها حق وانا اللي مصدقتش بقى لما قالتلي انها بيئة ومتصلحش للشغل…….
سمع منها ليقاطعها بحدة، وقد فاض به منها:
– لأ مش بيئة يا بهجة، بل بالعكس ، هي حلوة وحلوة اوي كمان، هو انتي معندكيش مرايات في بيتكم.
اجفلها بصيحته، لتهتز بوقفتها بـ.ـارتباك يلفها، فلا تدري ان كان تغزل او انفعال بها، لتسبهل اهدابها عنه بخجل، انتبه له هو ليتدارك نفسه، فيسرع بالتصحيح، قصدي ان يبقى عندك ثقة في نفسك يا بهجة.
انا لما مضيت على عقدك كموظفة ادارية عندنا، دا لانك انتى قدها واكتر كمان لما تحاولي تطوري من نفسك، عشان تاخدي مكانتك اللي تستحقيها.
ارتخت ملامحها ببعض الارتياح لقوله ، لترفع ابصارها مرة اخرى اليه تخاطبه بامتنان :
– انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟ كلامك دا حضرتك بيصحي جوايا احلام كنت دفنتها في الكام سنة اللي فاتو.
– متقوليش حاجة يا بهجة، انتي فكري وارجعي لشخصيتك اللي راحت منك من تاني.
بزغت ابتسامة مفاجئة على طرف شفتيها معلقة:
– شخصيتي اللي راحت كانت ضعيفة حضرتك، يعني مينفعش ارجعلها اساسًا.
– خلاص يبقى ارجعي لحلمك وا عـ.ـر.في وضعك كويس، اللي عايز تطور ميفضلش متبت ع اللي تحت.
قالها بقصد لم يعجبها لترفع رأسها باعتراض له :
– بس دول زملائي اللي عشت معاهم سنين، مينفعش اتخلى ولا اشوف نفسي عليهم، دا انا ابقى قليلة اصل .
تأثر بغـــضــــبها، ولكنه احتفظ بجموده ف الرد نحوها:
– يعني عايزة مني دلوقتي يا بهجة؟ اعطيهم مكافأة بعد ما قلو ادبهم على مديرة مكتبي؟
جحظت عينيها باتساع نافيه:
– حضرتك دي هي اللي دخلت فيهم شمال، وتميم يدوب كان بيرد عليها.
– تاني تميم؟
صدرت منه ضاربا بكف يده على سطح المكتب بتعصب، اوقع بعض الملفات والأوراق على الارض بسببه، لتتلجم هي بصدmة ، جعلته يزداد غـــضــــبا بداخله،
ولكنه حاول التحكم في انفعاله، لينهض عن مكتبه تاركًا كل الفوضى، ليقف مقابلها، ثم تفوه بصوت بنبرة متغيرة:
– ممكن يا بهجة تخلي بالك من كلامك معايا، ومتجبيش سيرة أي حد قدامي .
حديثه بهذا القرب والنبرة المختلفة، وتلك النظرة التي تشبه الرجاء، حينما التقت خضرواتيها ببندقيتيه، وحديث دار بينهما في لحظات لم تشعر بها، ان كانت طالت او قصرت، ترى ما تفسير ذلك؟
هل هو….. تبًا.
نفضت رأسها تزيح بوجهها للأسفل عنه، تقطع ذاك التواصل البصري بينهما، ترفض الفكرة من الأساس، لانه لا يصح ، أبدا لا يصح.
– حضرتك انا عايزة امشي دلوقتي وانا مطمنة، ارجو متعملش حاجة تاني لزملائي لو أمكن.
وصلها صوت زفرته القوية، قبل ان يعود مرة اخرى لمكتبه، يرضيها بقوله:
– ماشي يا بهجة اطمني، بس ارجو مـ.ـيـ.ـتكررش تاني اللي حصل .
اومأت بهزة من رأسها، دون ان ترفع عيناها اليه ، لتستأذن في الانصراف، تتبعها نظراته حتى اغلقت الباب خلفها، يسحب شهيقًا قويا بداخله ثم يخرجه بحالة من التشتت، لا يدري ما هي، يفعل اشياء دون ارادته، وهو الذي ظل لفترة طويلة من عمره المتحكم المسيطر ، باتخاذ البرود والجمود واجهة تمكنه من ذلك .
كيف لفتاة مثلها ان تذيب الجليد بأقل فعل منها ، بل بنظرة واحدة قادرة ان تفقده صوابه، كما حدث منذ قليل، لقد كبح بصعوبة ذراعيه عن ضمها اليه، وعن ثغره….. في تقبيلها .
يبدوا انه في مأزق لم يحسب له حسابا.
❈-❈-❈
خربتها وقعدت على تلها، ياكش تكون استريحت يا حيلة امك.
هتف بها خميس بتوبيخ نحو اكبر أبنائه، فصدر رد زوجته باعتراض؛
– وايه دخل امه بقى يا سي خميس؟ كنت انا اللي مشيتها مثلا؟
تشـ.ـدق بعصبية:
– لا يا درية بس كان لازم توقفيها، تجبري ابنك الاهطل ده ياخد بخاطرها، بدل ما البت خدتها من قاصرها المرة دي ووصلت الموضوع لأهلها، اهي وسعت والبت اخدها اخوها اللي مكدبش خبر هو التاني ، يعجبك كدة؟
مصمصت بشفتيها ، تردف باستهجان ردا له:
– ما هو لو لقى الكبير، كان عمل حسابه وراعى الاصول، لكن انت بقى راجـ.ـل مش فاضي ، محدش يلومك يا اخويا.
قالتها بإشارة نحو اهتمامه بهيئته الجديدة واختفاءه بالساعات في عيادة الطبيب لتكملة المتبقي لزرع الشعر بالصلعة الكبيرة وسط رأسه
– شوف الولية .
تمتم بها بغـ.ـيظ يكتمه، ليقارعها بطريقته:
– واسم النبي حارسه ابنك كان عيل صغير بقى يا ستى ومحتاج اللي يتصدرله، ممنعهوش هو ليه بقى؟ ها يا سي سمير ، ممنعتش نسيبك إنه ياخد اخته ليه؟
حينما توجه بالاخيرة نحو ابنه الذي اجاب بعنجهية يصب اللوم عليها:
– ما هو نفسه كان جاي متحمل، وكأنه كان مستنيها، بت الجزمة شكلها كانت معبياه عليا من زمان.
– من حقها يا سمير .
تدخل بها سامر يواصل نحو شقيقه:
– البت من ساعة ما اتجوزتك وهي شايلة ومعبية وساكته، كتر الضغط يولد الانفجار، وهي جابت اخرها منك ومن عمايلك .
احتقن المذكور وانتفخت اوداجه بعدm احتمال هاتفًا بشقيقه:
– اتلم يا سامر ، انا مش ناقص تناحتك انت كمان، يا إما وعهد الله لا اكون مطلع عليك غلب اليوم كله.
– طب قوم وريني يا حبيبي، ولا انت مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة؟
هتف بها الاخر يستفز شقيقه، والذي زمجر في استعداد لخوض الشجار بالفعل، لتأتي صيحة والدهم الغاضب نحوهم بلطمة قوية على سطح الطاولة امامه؛
– نفس تاني هيطلع من اي حد منكم ، وعهد الله ما هيبات فيها .
اجبرهم بتهديده على الصمت، ثم نهض الكبير ولحق به الاخر، يغادران المنزل كل نحو وجهته، فعقبت درية في اثرهم بلؤم نحو زوجها:
– ايوة كدة وريهم العين الحمرا، دول ملهمش غير اللي يردهم.
انتفخ صدره بزهو ، يطربه قولها، ف ارتفعت يده اعلى رأسه نحو الجزء المزروع حديثا من الشعر بصلعته، وكأنه يطمئن انهم مازالوا موجودين، لتلوي هي فمها باستنكار وضيق ، فجاء قول ابـ.ـنتها المتابعة منذ البداية بصمت:
– كل اللي حصل ده بسبب بوز الاخص اللي اسمها بهجة، لولا قعدتها معانا في نفس البيت، مكانش سمير فضل كدة متعلق بيها.
عبس خميس ملوحًا بكف يده في الهواء بعدm اكتراث، اما والدتها ، فقد ضاقت عينيها بتدبير تديره برأسها ، تعتزم تنفيذه. في اقرب فرصة
❈-❈-❈
حينما خرجت من غرفته ، ظلت على وضعها بهذه الحالة العجيبة حتى من عدm الفهم لما يحدث معها، حتى انها لم تنتبه لهذه المدعوة لورا ولا حتى بالنظر اليها،
لتعود الى مكتبها، تتلاعب بشاشة الحاسوب دون ان تفهم ولو كلمة واحدة مما هو مكتوب امامها، تعيد برأسها هذا اللقاء الذي تم منذ قليل ، رافضة وبكل قوتها هذه المشاعر التي اصبحت تعبث بغباء داخلها.
– مينفعش، اكيد مينفعش ، دا ايه الغباء اللي انا في ده؟ اكيد فاهمة غلط اكيد.
صارت تردد بها داخلها ، حتى تفوهت بها بفمها دون ان تشعر، لتثير دهشة من يشاركها العمل بتلك الغرفة.
حتى أتى اتصال الهاتف برقم تعرفه، لتفتح سريعًا في الرد عليها بقلق:
– الووو…. ايوة يا دادة، مدام نجوان……… ليه مالها ؟
يبدع في اصدار الصفير بفمه، كأداة نداء لمحبوبته، صوت خفيض ولكنه مميز ، تعرفه هي فقط
وكأنه عاد مراهقًا، في مشاكسة ابنة الجيران ، والتي أتت بخطواتها الخفيفة على أطراف اصابعها ، من داخل غرفة ابيها والتي تدخلها كاللصوص في غياب الرجل، من اجل مقابلته، داخل الشرفة المجاورة لشرفته،
بعدmا غافلت اشقائها وجميع من في المنزل؛
– صباح الخير يا استاذ شادي.
القت بتحيتها الهامسة، تميل برأسها نحوه بشقاوة لا تتخلى عنها في حضوره مهما حاول معها .
التف اليها بأعين تضيق بنظرات مفهومة لها :
– صباح الخير يا استاذة صبا، يارب تكوني بخير .
يضغط على حروف كلمـ.ـا.ته برسميه اضحكتها، ليلوح بقبضة يده نحوها بابتسامة مستترة قابلتها بمثلها ترتد للخلف محذرة:
– خواتي الولاد في الصالة، ممكن يحسو بأي حركة ويطبوا علينا، ساعتها هيبجى منظرك زي العيال .
ضغط على شفته السفلى يردد خلفها بإقرار:
– وهو انتي اللي يرتبط بيكي يبقى فيه عقل؟. انا فقدت اتزاني والشعور بالعمر من وقت ما شوفتك، مش عارف هتوصليني لأيه في الاخر يا بـ.ـنت ابو ليلة؟
رفعت كفها تداري على فمها تدعي شهقة مصطنعة:
– انتي هتغلط كمان في الحج ابو ليلة، لااا انا مسمحلكش يا استاذ .
هذه المرة لم ينطق ببـ.ـنت شفاه، وفضل الصمت متأملا لها، تلك الحيوية والاشراق وجمالها الفاتن، لا يصدق حتى الاَن هدية الله اليه بها ، وقد اقترب الميعاد، وحلمه بها على وشك التحقق.
– إيه ساكت ليه؟
خرج السؤال منها بتوجس لصمته، فما كان منه سوى ان يهديها ابتسامة رائقة قائلا:
– ساكت عشان بفكر يا صبا، العفرتة والشقاوة دي لما تبقي معايا في عشنا بكرة وبين ايديا هيحصل ايه؟
شهقة بإجفال حقيقي صدر منها هذه المرة، وقد اكتست الحمرة وجنتيها على الفور مرددة بخجل :
– يعني هيحصل ايه يعني؟ انا الحج عليا اللي سيبت اخواتي والبيت المليان بالحبايب عشان اجي اجابلك مع انك تجدر تكلمني بالتلفون،
– تلفون!
– ايوة تلفون، وبطل تتنمر على لهجتي يا شادي.
يعلم ان هجومها سببه الاساسي هو ان تغطي على خجلها منه، فهذا اسلوبها وقد حفظه منها، واعتاد ان يجاريها بمشاكسته ايصًا:
– طب واتنمر ليه بس يا بـ.ـنتي وانا عجباني الكلمة اصلا؟ دا حتى تلفون لايقة اكتر على تليفون .
– تاني يا شادي، طب انا ماشية وسيباك.
قالتها وتحركت اقدامها على الفور، وقبل ان تغلق باب الشرفة بذهابها للداخل تمتمت بالاخيرة امام ابتسامته:
– وخليك انت كدة مع نفسك يا متنمر.
اطلق ضحكة مجلجلة اطربت اسماعها، وابصاره منصبة على طيفها من خلف الستار الذي اغلقته مع الباب الزجاجي للشرفة، يعلم انها هي ايضا تضحك، لحظات الترقب في انتظار اليوم الموعود على قدر صعوبتها، لكن ما أجملها:
– خلاص هانت يا صبا، هااانت كلها يوم وليلة بس وتبقى في حـ.ـضـ.ـني .
تمتم بها بصوت مسموع وصلها دون جهد، لتضع يدها على موضع قلبها تحاول تهدئة الضـ.ـر.بات التي تتقافز به، باتساع السعادة داخلها لقرب الوصال بمحبوبها.
❈-❈-❈
ليس على طبيعته، حتى ومعاملته الرسمية تبدو امامها بصورة عادية لا يشوبها شيء، لكنها تجزم بداخلها انه متغير من ناحيتها، حتى وكتلة البرود التي يتحلى بها دائمًا تظهر عكس ذلك، لكنها ليست غافلة عن شخصيته التي تعرفها جيدا.
– الورق يا لورا
صدرت بصوت عالي منه تفيقها من غمرة شرودها، اثناء انتظارها لأخذ التوقيع منه على بعض الملفات التي قامت بمراجعتها، لتنتصب بوقفتها، ثم اقتربت تتناولهم منه، وعيناها منصبه نحوه تستجدي نظرة لا يريحها بها ابدا ، تبا له من قاسي.
تبسمت تعيد حساباتها بتغير منهجها في التعامل معه، علُه تكسب نقطة في الطريق اليه:
– رياض باشا، قبل ما امشي انا حابة اعتذرلك .
– تعتذريلي عن ايه؟
تسائل مستفهما يضع القلم بجيب سترته العلوية، لتفاجأه بضعف غريب عنها وهي تقول :
– حضرتك بعترف اني زودتها في الموضوع الاَخير، بس انا مكنتش قاصدة اطرد العمال ولا اهين بهجة، هو بس الصوت العالي اللي ازعجني، وكانت لحظة غـــضــــب وانفلتت اعصابي فيها.
مط شفتيه بابتسامة غامضة يتقبل اعتذراها بسـ ـخـــريــة:
– مشكورة طبعا يا لورا على رقتك، بس ان جينا للحق الأسف ده من الواجب يروح لصاحبة الشأن مش انا .
برقت عينيها بصدmة، لا تصدق فحوى ما يرنو اليه ، ان تعتذر لهذه الملعونة، وكأنه كان يقصد التلاعب بها ، لطف يخفف عنها بمكره:
– اطمني يا لورا، انا مش هطلب منك تعتذريلها طبعا، بس ياريت تحاولي تنجنبيها، بهجة بقت شيء مهم للست الوالدة دلوقتي، بالظبط زي نبوية، وانتي عارفة اللي يخص والدتي ، بتبقى مكانته ازاي عندي
مازال تأثير الصدmة يلون ملامحها، ليتها ما فعلت ولا اعتذرت من الأساس ، لقد غلبها بخبثه، جعل منها أضحوكة امام نفسها ، وقد وضح مكانة هذه الملعونة بالنسبة اليه، وهذا ما نطق به فمه، فما بالها بما يدور بداخله.
– روحي على شغلك خلاص يا لورا ، انا اعتبرته موقف وعدى ، لحظة غـــضــــب زي ما بتقولي .
أومأت بملامح ممتقعة، مستأذنة بصوت بالكاد خرج ، لتجر اذيال الخيبة وقد ذهبت منها النقطة التي تقصدها لصالح هذه الملعونة.
اما هو فقد نهض فور خروجها، ليستقر ببصره خارج النافذة يشرد بتلك البهجة التي طغت برقتها ووداعتها تلون ظلمة قلبه الصدئ، ولا يعلم نهاية هذا الجرم الذي يفعله بنفسه، وقد اقسم قديما الا ينال منه الحب ولا يضعفه.
❈-❈-❈
عدة ايام مرت بهم معه؛ وكأنه يطير بها على خيمة وردية، تلامس طيور السعادة بيداها، يغدق عليها من عشقه حتى ترتوي من فيض حنانه وأكثر، وهو لا يكل ولا يمل من القرب منها، يشعرها بأنوثة كانت ضائعة بمفهوم ترسخ بعقلها القديم، والذي نضج حديثًا على يديه ، معه فقط عرفت معنى الكمال.
كانا الاثنان في هذا الوقت يستمعتان بعطلتهم داخل مياه البحر التي يسبح بها بمهارة، وهي بملابس البحر المحتشمة تسبح محلها، بعدmا سحبها معه على غير ارادتها، تحاول مجارة عبثه من تحت الماء ، حيث كان يداعبها على حين غفلة منها كل دقيقة، قاصدا مناكفتها .
– بس يا عصام، وربنا هخرج لو مبطلتش.
ضحك يخرج رأسه المبتل من اسفل المياه غائظا لها:
– طب ما بدل ما تخرجي وتسبيني، انزلي تحت واغلبيني، ولا انتي لزقتي مكانك في المية .
دفعته بكمية من الماء بيدها تنهره:
– انا برضو اللي مش عارفة اعوم، ولا انت اللي عاملي زي تعبان البحر، كل ما ابلبط بدراعي حبتين الاقيك لفيت حواليا ، ومش عارفة الاقيها منك، احوش الايد والرجل ولااااا……..
سحرها بضحكته ينثر شعر رأسه الناعم بعض الشيء، يدفعه نحوها يزيدها تأفافا،:
– ما انتي اللي كسلانة وبصراحة صيدة حلوة للواحد يتسلى عليها جوا المية
بابتسامة مستترة صارت تدفعه عنها تتصنع الضيق وهو يتقبل منها بصدر رحب، مواصلا مشاكستها:
– يا بـ.ـنتي انتي بتضـ.ـر.بي ولا بتهرشي، طب شوية كدة ع الضهر بقى، ولا تحت بطاطي هاتي احسن تحت بطاطي .
استطاع بخفة ظله ان يجبرها على الضحك، رغم انهزامها في كل مرة تدخل معه تحدي.
بعد قليل وحينما شعرت بالاجهاد همت ان تسبقه بالخروج قائلة:
– طب انا هروح اسبقك، واحضرلنا سندوتشين ناكلهم، حكم انا جوعت اوي.
– تمام وانا هحصلك على طول ،
اتخذت طريقها للخروج من امامه، لينقلب هو بمهارة يكمل جولة الاستمتاع بالمياه، حتى ارتفعت ابصاره نحوها فجأة، ليتفاجأ بأحد الشباب المستهرتين من جهة قريبة الى حد ما في هذا الشاطيء الهاديء بعدد افراده القلائل.
يرمقها بنظرة متفحصة وقد كانت غافلة هي بما تفعله، عن نظرات شهوانية لا يفهمها سوى رجل مثله، يضغط بأسنانه على شفته السفلى بفجر تام ، جعل الدmاء تغلي بأوردة الاخر، ليخرج اليه على الفور يفاجئ هذه الشاب بهجوم مباغت، وقبضة قوية حطت على فكه ، ليصـ.ـر.خ معبرا عن اعتراضه بالسباب والشتائم نحو هذا الرجل الذي يتعدى عليه دون ان يعرفه:
– ايه ده؟ ايه ده يا بن الكـ.ـلـ.ـب؟ انت قد الحركة.
صدر رد عصام على الفور يجذبه من عنقه:
– انا حضرة الظابط عصام يا حـ.ـيو.ان، وهعلمك الادب كويس دلوقتي عشان تحرم تبص على اي حاجة تخصه ولا تخص غيره.
سارت الهرج والمرج على الشاطيء بتجمع الافراد حولهم ، وقد الاشتباك بين عصام الذي يريد الفتك بالشاب العابس ، مهددًا بمهنته، وهذا الشاب الذي يصارع من اجل البقاء من بين يديه، بالصراخ وادعاء المظلومية امام الاشخاص التي اشتد بأسها لتخليصه من ايدي الظابط المتعجرف بوجهة نظرهم
وهي التي وقفت محلها بصدmة واضعة كفها على فمها ، لا تصدق هذه العدوانية المفاجأة منه، جاهلة بالسبب الحقيقي وراء تبدله من حالة الاستمتاع معها داخل المياه الى هذا الوحش المفترس.
❈-❈-❈
– ممكن افهم يا عصام ايه اللي قلبك كدة وخلاك تهجم ع الراجـ.ـل وهتمـ.ـو.ته في ايدك من غير سبب .
.هتفت بها فور دخولها خلفه غرفة الفندق الخاصة بهم، بعد فترة طويلة من الصمت، طوال طريق عودتهم، لتفاجأ به ينقض عليها قابضًا على ذراعها يهدر بوحشية اهتز لها جــــســ ـدها من الخــــوف:
– انتي تخرصي خالص يا أمنية، عشان لولا نظرة الحـ.ـيو.ان السـ.ـا.فلة ده ليكي، مكنتش انا خرجت عن شعوري ولا حصلت الفـ.ـضـ.ـيحة دي على الشط، انا بقيت قدام الناس الظابط المفتري على خلق الله وانتي السبب، انتي السبب يا امنية.
ارتجفت بصدmة وعدm استيعاب، تترقرق بعينيها الدmـ.ـو.ع:
– انا يا عصام، طب ايه ذنبي؟ ما انا كنت معاك في البحر وهدومي حشمة عن اي واحدة هناك، انت نفسك معترضتش عليها.
صاح بها يدفعها بيده:
– عشان مكنتش واخد بالي، كل حاجة كانت في عيني تمام التمام لحد ما شوفت نظرته عليكي، والهدوم اللي لزقت من المية والهوا فصلت جـ.ـسمك ، عقلي طار مني ، ان حد يبص لملكي ولا يلمسه انا ببقى عايز اصور قتيل
– يلمسه!
تمتمت بها بضعف تبتلغ الغصة التي مررت حلقها، لقد عرفت الاَن وتأكدت ان هجومه بهذه الشراسة على هذا الشاب، لم يكن سوى غـــضــــب مكبوت ينفس عنه، وقد رأى بهذا المتعوس صورة الفاسد سبب كل ما يحدث معها الاَن.
لتشيح بوجهه عنه، بل وتعطيه ظهرها، لتزرف الدmـ.ـو.ع بصمت ، مما زاد من جذوة غـــضــــبه ليهدر حاسمًا، احنا من النهاردة نلم هدومنا، انا كرهت القعدة هنا ومش قاعد فيها، جهزي نفسك.
صرخ بالاخيرة ليدلف نحو المرحاض يتركها تسقط على الفراش تندب حظها وتغرق في موجة من البكاء الحارق ، لماذا تعطيها الدنيا السعادة مغموسة بألاَم الماضي؟ لماذا لم يكن هو نصيبها من البداية؟ لماذ؟
❈-❈-❈
اصدر القاضي حكمه بما توفر لديه من اوراق وبراهين، هذا ما بيده وما يتم الحكم على اساسه، لا يعلم ان خلف حكمه تضيع في بعض الاحيان حقوق وتطمس على اثره حقائق، بفضل شياطين من الإنس تجيد تزوير الدلائل بل وقلبها ناحية المظلوم ، يعميها حب المال فتتخذ من المهنة دفاع لمن يدفع، وليس لمن يستحق.
هذا ما تم في الجلسة حينما قلب هذا المحامي الفاسد الموازين و.جـ.ـعل القضية لا تزيد عن خصومة وشجار ، فلا يوجد من يثبت حقيقة القــ,تــل قديما، ولا شهادة محققة عن الخـ.ـطـ.ـف، سوى كلام الخصم. وهذا ما لعب عليه بدقة متناهية ، ولكن مهما طال الزمن او قصر حق الله اَت لا محالة .
لتصدح اصوات الزغاريد وتعج القاعة بالصخب فور انتهاء الجلسة:
– مبروك يا ابراهيم، ربنا ظهر الحق يا قلب امك .
تفوهت بها سميرة تمسك بالسياج الحديدي للقفص المحبوس بداخله، وفمها هي وعدد من النساء والرجـ.ـال من أقاربها والمعارف لا يكفون عن الصيحات بحيا العدل بحيا العدل
ليعقب اليها ابراهيم والذي صار يضحك بعدm سيطرة مع تهاني الرجـ.ـال ومبـ.ـاركتهم له :
– الله يبـ.ـارك فيكي ياما يا غالية، فينه ابويا يعرف ان الحق ظهر، وانه كان ظالمني، وربنا ما هفوتها له دي،
– يا خويا خلي قلبك ابيض، كفاية اهو نفعنا بفلوسه وخلاص، انت عايز ايه اكتر من كدة
قالتها سميرة بتباسط ليتدخل معها المحامي المغوار بزهو:
– اه يا ست سميرة، واديكي عرفتي ان الفلوس مترمتش في الارض ، طلعتلك ابنك براءة من حنك السبع ، عشان ت عـ.ـر.في اني قد الكلمة اللي باقوله.
تمتمت له هي بامتنان ليضيف عليها ابراهيم بفرح :
– ايوة انت عمنا وسيد الكل، انا مش هسيبك ابدا، مدام بتعرف تجيبها كدة.
سمع المذكور ، يزداد انتشاءًا بكلمـ.ـا.ته اما هو فغمغم بداخله:
– ومدام بقى ليا ضهر طول ما الفلوس موجودة، اعمل انا اللي على كيفي بقى،
❈-❈-❈
داخل الشرفة الواسعة، وقد كانت جالسة بالقرب منها تراقب انـ.ـد.ماجها على جهاز اللوح اللاليكتروني، حيث كانت تحرك اصبعها على الشاشة، تحارب بالبطل الرئيسي في تلك اللعبة في محاوله منها لأن تهزم الاشرار، بعد ان تعلمتها من شقيقتها عائشة، والتي زاد تعلقها بها ، حتى تجعلها تصر على الذهاب اليها كالاطفال ، كما حدث منذ ايام حينما جعلت الدادة نبوية تهاتفها اثناء العمل وتطلب منها الذهاب معها ضروري الى عائشة بعدmا نفذت طاقتها من الحاحها.
تنهدت بقنوط تربع ذراعيها مستسلمة لنسمـ.ـا.ت الهواء العليلة والتي كانت تطير حجابها كل لحظات وهي تحاول السيطرة عليه ، حتى وقعت عينيها في الأسفل،
نحو موكب السيارات التي توقفت امامها، وهو يترجل من احداهما، وابصاره في الأعلى نحوها، وكأنه يعرف انها في انتظاره، وقد تعودت عليه هذه الايام ، يأتي في ميعاد محدد بعد استلامها لنوبة عملها،
تلتقي عينيها به ، رغم محاولاتها الحثيثة للهروب منه، لا تريد الاستسلام لهذه المشاعر التي اصبحت تجتاحها بوجوده، لقد اغلقت على باب قلبها بمفتاح صديء منذ سنوات عديدة، منذ فسخ خطبتها بابن عمها الذي لم تعرف معه معنى الحب من الأساس، لا بل قبل ذلك، منذ مراهقتها ومشاعر الاعجاب العادية من الفتيات نحو الشباب ، ابدا لم تصل لهذه المرحلة ودقات القلب التي اصبحت تعزف الحانًا له هذه الايام،
لا يجب ولا يصح، ولكن لا تستطيع منع نفسها عن التفكير به، ولا عن افعاله التي تبدو مكشوفة في بغض الاحيان، مثلما حدث منذ يومين
حينما التسعت يدها من كوب الشاي الذي كانت تعده لتفسها في المطبخ، وانفلت من يدها ليقع على الرخامة ومنه ما وصل لظهر يدها، فصدح صوت صرخة منها كرد فعل طبيعي منها، في غياب العاملين في المطبخ بذهابهم لمنازلهم على موعد التاسعة.
وقبل ان تستقيم بجــــســ ـدها جيدا وجدته امامها بلهفة يسألها:
– بهجة ايه اللي حصل؟ حرقتي نفسك ازاي بس؟
صدر سؤاله الاَخير بعدmا انتبه لحرق يدها،
– الشاي، الشاي انكب عليا
تمتمت بها كإجابه ، فلم ينتظر ثانية بعدها، ، ليتناول يدها على الفور فيقربها نحو صنبور الماء ،
– ااه اه، خلاص خلاص، خلاص يا فنـ.ـد.م.
رمقها بنظرة لن تنساها، ليظل ممسكا بها حتى هدأت قليلًا، ثم اغلق الصنبور، وتحرك بها ، ليجلسها على احد المقاعد المرتصة نحو الطاولة الصغيرة بالمطبخ، يخاطبها بحنو غريب عنه:
– معلش استحملي شوية.
اومـ.ـا.ت باستجابة رغم اتجاف يدها بالو.جـ.ـع، فذهب من جوارها، ليأتي لها ببعض الاسعافات بعد لحظات قليلة، يضعهم على الطاولة، ثم يجلس هو الاخر مقابلا لها، يجفلها بتناول يدها مرة اخرى دون استئذان، لتلجمها الدهشة عن الاستفسار، بعدmا باشر في اسعاف يدها بتجفيفها من الماء برقة متناقية، يطمأنها بنبرته الدافئة، يشير على احدى علب العلاج:
– الكريم دا سحري ، انا جايبة معايا من رحلتي في السويد ، عايزك بس تتحملي الخـ.ـطـ.ـفة الاولى .
– يعني ايه؟
ما كانت تتفوه بها حتى باغتها بوضع كمية على موضع الحرق صرخت على اثرها، حتى كادت عيناها ان تدmع.
– اااه ااه اااه دا بيحرق ….. دا بيحرق اوي.
حاولت جذب يدها ولكنه تشبث بها يهادنها:
– معلش…. اتحملي هي ثواني بس يا بهجة.
امام اصرارها اضطرت ان تتحمل هذه الثواني، والتي لم تدوم كثيرا كما قال، وقد اصبح الالم يخف تدريجيا، حتى سكنت مقاومتها ، ليلاحقها بسؤاله:
– هدأ الالم دلوقتي صح ..
اومأت بهز رأسها دون ان تتمكن من الرد، فتابع بباقي الاسعافات ليلفها بالشاش الطبي بلطف مبالغ فيه، يبثها الامان بقوله:
– من هنا للصبح ان شاء الله مش هتحسي بأي حاجة، حمد لله ان حرق خفيف، وانتي اكيد حمولة يا بهجة ولا ايه؟
ابتعلت رمقها امام هذا القرب، والذي لم تشعر به سوى الاَن، يدها المحتجزة بين كفيه، رغم انتهائه من مهمته،
وهج بندقيتيه اللتان تحدقان بها ، بطريقة عجيبة تأسر من أمامها،
– ما هذا الذي يحدث؟
– وما ذلك الشيء الذي تتأثر به جميع حواسها حتى تشعر به داخل معدتها؟
لقد صار الوضع اكثر من تحملها ، لتحاول نزع يدها بخفة منه ، ولكنه ابى متابعًا حديثه:
– لو حاسة بألــم حقيقي قولي متتكسفيش، مش معنى ان بشكرلك في العلاج يبقى لازم اكون انا على حق.
– لاا يا فنـ.ـد.م، انت فعلا والله على حق،
رددت بها بـ.ـارتباك، لتتمكن هذه المرة من نزعها منه مستطردة
– وانا لازم امشي دلوقتي…. اه
صدر تأوه منها مرة أخرى، لتتطلع له باستفسار اثار تسليته:
– الحركة العنيفة هي اللي خليتك تتألــمي يا بهجة مش الكريم.
اطرقت بحرج، لتثبت يدها عن الحركة هذه المرة بحرص، فتابع موجهًا لها بالامر :
– هتروحي النهاردة مع عم علي من غير تقاش، هجيبلك في الطريق معاه شوية ادوية من الصيدلية ، تساهم اكتر في الشفا بإذن الله.
حينما ظلت صامتة اردف بتشـ.ـديد:
– سمعتي انا بقولك ايه يا بهجة ولا نعيد تاني؟
اومأت بحرج متزايد ، تريد الهرب من سطوته ، تريد الافلات بقلبها من شيء لا تريده، نعم لا تريده،
❈-❈-❈
وفي ناحية اخرى
بعد عودته من العمل وسماعه الخبر المشؤوم، لم يطق الانتظار حتى موعده الرسمي ليقود سيارته ، ويأتي اليها على عجالة كي يطمئن عليها، ليتوقف الاَن على مدخل الغرفة ، يتهامس عن حالتها مع والدته:
– هي كدة على وضعها من ساعة ما سمعت الخبر؟..
ردت مجيدة بأسى:
– اه يا كبد امها، انا حاولت معاها، ولينا كمان في التليفون مسيبهاش كل شوية تتصل، حتى امين كمان وعدها انه هيفتح لها ملف القضية من تاني ومش هيسكت غير لما يرجعه السـ.ـجـ.ـن ابن امه ده، بس هي مفيش فايدة.
تمتم ردا لها بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– ابن ال…… كانت ناقصاه هي….. خلاص يا ماما روحي شوفي انتي ايه اللي وراكي.
ربتت مجيدة على كتفه بدعم ، ثم تركته يدلف الى زوجته، كي يهون عليها مصابها:
– شهد.
هتف مناديا بإسمها، ليجيرها على الإلتفاف اليه، ولكنها انتظرت للحظات حتى جففت دmـ.ـو.عها قبل ان تلتف اليه برأسها، فوجدته سقط خلفها على الفراش، يضمها الى صدره مهونا:
– متخبيش عني دmـ.ـو.عك يا حبيبتي، انا حاسس بو.جـ.ـعك
قالها ف انطلقت هي في موجة حارقة من البكاء وكأنها كانت في انتظاره:
لتردد بعد فترة من الشهقات المتتاليه:
– حق ابويا يا حسن، حق ابويا ضاع،
لتكمل بنشيج حارق قطع نياط قلبه، ولكنه استمر في طمأنتها:
– حق باباكي راجع غـ.ـصـ.ـب عن الكل يا شهد، صدقيني يا حبيبتي مهما طال الزمن او قصر، حقه راجع ، دا غير ان امين اكدلي انه حاطط الموضوع في دmاغه، ومسيره يرجع الكـ.ـلـ.ـب دا السـ.ـجـ.ـن من تاني، هو والمحامي الفاسد بتاعه.
هدنت قليلًا لتتجاوب في الحديث معه؛
– فاسد ولا شريف، المهم انه قدر يخرجه من القضية ، ويضيع حق المـ.ـيـ.ـت ويحصرنا اخنا ولاده عليه، دا يرضي مين دا بس يا ربي؟ يعني اروح اشتري مسدس واخد تار ابويا بإيدي، ساعتها الحكومة هتسيبني بقى، ولا تفتكر تنفذ القانون عليا انا بس ، اللي بدور على حق المظلوم .
حاول ان يخفف عليها بدعاباته:
– مسدس ايه يا بس يا عم الخط، استهدي بالله يا روح قلبي وخلي تكالك على الخالق، دا لوحده القادر القهار،يعني ولا مية محامي هيقدر ينجيه من عقـ.ـا.ب ربنا ، في الدنيا قبل الاخرى ان شاء الله ، خليكي واثقة في كدة، واللي ظهر حقيقته بعد كل السنين دي، اكيد يعني مش هيبقى صعب عليه يجازيه بعمله
– ونعم بالله ونعم بالله .
صارت تردد بها وهي تندس بحـ.ـضـ.ـن زوجها، تنشـ.ـد الراحة، لقلب احترق بنيران الظلم التي تنادي بالانتقام.
❈-❈-❈
– عائشة عائشة
– يا دي النيـ.ـلـ.ـة عليا.
تمتمت بالكلمـ.ـا.ت بهجة ، خلف الاخرى والتي تصر عليها الاَن الذهاب الى شقيقتها، لتحاول معها لاقناعها:
– بكرة ان شاء الله هاخدك ليها بس النهاردة ……
– عائشة عائشة.
قاطعتها تردد بنفس الاسم ، في رسالة واضحة لعدm التقيل، لتزفر بهجة بيأس ضاربة بقدmها على الارض:
– طب احلها ازاي دي بس وانتي مش قابلة حتى تسمعي.
– ايه اللي حصل يا بهجة؟ ومالك ومتعصبة كدة ليه؟
شهقت ملتفة عنه بحرج، فور ان انتبهت لحضوره، كيف يأتي في هذه الاوقات الحرجة لها
– يا مصيبتي.
لاحت ابتسامة عابثة على شفتيه لهيئتها تلك ، ليلملمها سريعًا في استجداء الجدية:
– بهجة انا بكلمك على فكرة مينفعش تديني ضهرك.
اغمضت عينيها لتعود اليه بوجهها الذي اصبح كتلة مخضبة بالإحمرار،:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م، عشان بصراحة مقدرش اخدها النهاردة اصل معزومة على حنة .
– حنة مين؟
سألها بفضول اثار دهشتها ولكنها تغاضت تجيبه:
– ابن عمتي شادي، اللي شوفته قبل كدة في الخناقة، خطيبته عزمتني احضر معاها الحنة انا واخواتي.
وعلى عكس ما توقعت ، جاء رده بعد فترة قصيرة من التفكير :
– بس انتي عارفاها مدام اصرت يبقى انسي تشيل من دmاغها ولا نوقف، ايه رأيك حتى لو نص ساعة تشوف الجو الجديد،، وبعدها تروح مع عم علي….. او…… ممكن اعدي انا بنفسي واخدها، هبقى اتصل بيكي توصفيلي المكان
لماذا تشعر ان خلف اقتراحه يوجد شيئًا ما من اللؤم.؟ ولكن ماذا بيدها؟
القت بنظرها نحو نجوان التي زاد الاصرار ملامحها، لتتنهد بيأس:
– ماشي يا فنـ.ـد.م
❈-❈-❈
خرجت دورية من غرفتها بعدmا تجهزت وتزينت من اجل حضور الحفل، لتفاجأ بدخول ابـ.ـنتها المنزل عائدة من الخارج، بهيئة صاخبة اثارت استهجانها لتتسائل مقيمة لها من اعلى الى اسفل:..
– ايه يا بت د؟ روحتي هيبتي دا كله فين؟ وامتى لحقتى؟
اجابتها بثقة وهي تتلاعب قي خصلات شعرها.
– لحقت وعملت بسرعة ياما ، عشان كنت حاجزة من امبـ.ـارح ومجهزة نفسي، بصي بقى على هيئتي كويس اجنن صح، بصراحة انا قاصدة، عايزة ابقى احلى واحدة في الحنة النهاردة، حتى العروسة.
التوى ثغر دورية بضيق عبرت:
– ولما في الحنة وعاملة كدة، امال في الد.خـ.ـلة هتعملي ايه؟ اتحركي يا سامية خلينا نخرج في ليلتك المهببة دي، مقطعة نفسك على حاجة مفيش منها فايدة، زبك زي اخواتك….
قالتها وتحركت تسبقها الى باب الخروج، لتتمتم هي في اثرها:
– واش عرفك انه مفيش منه فايدة، مش يمكن يحصل ولا يتم المراد حتى بعد ما يتجوز، واديني بتسلى، هو انا هخسر ايه يعني؟
❈-❈-❈
عقب مغادرة الاثنتان دورية وابـ.ـنتها، أتت سيارة العم علي تتوقف امام المبنى، وقد اصبح اهل المنطقة يعتادو عليها بمعرفة ان بهجة تعمل مع صاحبتها، والتي ترجلت بفرحة تغمرها تتلقى استقبال عائشة التي كانت في انتظارهم:
– نوجة صاحبتييي.
تم اللقاء بعناق حار اجبر بهجة للتوقف امام مشهدهم، ان كان فرح شقيقتها بلقاء المرأة التي تسبقها في العمر اضعاف، نابعًا من براءة طفولتها او يمكن تذكرها بحنو الولدة التي لم تراها من الأساس، نظرا لمـ.ـو.تها في ولادتها.
فن فرحة نجوان فهي ما تثير الدهشة بحق، هل ترى فيها بالنصف عقل المتبقي لها صديقة تشاطرها اهتمامها، ام هي الأخرى تجد بها تعويضًا عن كل ما تفتقده من حب، بعد رحيل زوجها وهوسها بعشقه، كما عرفت
– براحة، براحة شوية يا شوشو الست مش حملك
جاء التعقيب لصاحب الصوت المعروف من خلفهم، ليجبرهم على الالتفات اليه، وقد اكتملت مرحلة زرع الشعر لتعطيه الثقة الاَن في الحديث امامها، تلك الفاتنة ذات السلاسل الذهبية والتي كانت تتطلع اليه الاَن بنظرات فسرها بداخله ، انها اعجاب بهيئته الجديدة، وقد ابتاع ايضا ملابس عصرية الى حد ما، لتناسب السن وطبيعة الجــــســ ـد المتكور:
– عاملة ايه يا هانم؟ يارب تكوني بخير، انتي شكلك خلاص بقيتي من اهل المنطقة.
بالطبع لم يجد ردا منها، وقد اعتلت الدهشة تعابيرها، لتزفر بهجة بنزق لهذا المشهد الذي اصبح يتكرر معهما منه، فتسحبها من يدها وتتحرك بها قائلة له بمودة زائفة وكلمـ.ـا.ت مقصودة::
– للمرة المية هقولهالك يا عمي، نجوان هانم مبتسلمش على حد .
اعترض يدب قدmيه على الارض امامها؛
– وهو انتي بتديها فرصة اساسًا، ما كل مرة بتسحبيها بمجرد ما اقرب ارحب بيها ، مش كدة يا بـ.ـنتي الله،
مالت رأسها نحوها باستهجان ناظرة له، متمتمة له بابتسامة صفراء:
– فرصة ايه يا عمي بس؟ ما قولتلك ترحيبك وصلها، هي كدة مبتحبش الرغي من اساسه، عن اذنك.
جذبتها من امامه تسرع بخطواتها نحو منزلهم، فتوقفت عائشة مزبهلة بالنظر الى الجديد به، لتسأله بفضول:
– عمي هو انت حاطط بـ.ـاروكة فوق الصلعة؟
انتفخ صدره ليجيبها بزهو:
– لا طبعا مش بـ.ـاروكة ولا كلام فارغ، انا زرعت !
– زرعت!
– ايوة زرعت شعري، مسمعتيش انتي عن زرع الشعر؟
تبسمت بشقاوة تتطلع اليه لعدة لحظات ، لتنطق اخيرا:
– طب حاول بقى تسقيها كويس وتراعيها لتنشف ويقع منها شعرك من تاني.
ختمت بضحكة تهرول من امامه، لينتفض هو يلمس على الجزء المزروع متمتمًا برعـ.ـب حقيقي من حدوث ذلك بعد دفعه للمبلغ الضخم في سبيله
– يوقع في عينك بـ.ـنت قليلة الادب ، قال يوقع قال، و.جـ.ـع بطنك.
❈-❈-❈
وفي شقة العروس
وقد اجتمعت النساء من اهلها الذين أتو من الصعيد والجيران والمعارف هنا لحضور الحناء، تلك الليلة المميزة في قلب كل عروس، بتباسط النساء ورقصهم معها.
وكالعادة كانت ساحرة بجمالها الخاطف بالاضافة لزينتها المتقنة ، وقد غيرت بـ.ـارتداء فستان باللون النبيتي واضعة حلى من الذهب في تقليد يسير عليها وعلى باقي افراد العائلة، لتتباهي المرأة بما يأتي به اهلها له، ويدها وقدmيها تزينت بالحناء الاسوانية، مع فرقة النساء التي تُحي هذه الليالي بحرفية متوارثة عبر الاجيال
سعيدة وتضحك من قلبها، ترسل كل دقيقة رسالة لحبيبها القابض على جمر النار ، بحرمانه من هيئتها المثيرة تلك ، لتغـ.ـيظه وتشاكسه، ثم تشارك الجميع برقصها واغنية محمد منير الشهيرة كانت تدوي الاَن:
ايوو شمندورة منجنا بهر جاسكو مينجنا
سجرى مالا واينا مورتنا نا واينا
ع الشط أستني رايحة فين دانا ليكي بغني غنوتين
غنوة عن الآهة والحنين وغنوة لعنيكى ياحنين
آه يا شمندورة لابسة توب
يا اجمل من الصورة دوب يا دوب
يا اسمر يا سمارة دوبت دوب
يا عيون قدارة ع القلوب
آه يا شمندورة صبري طال ردي و جاوبيني ع السؤال
انـ.ـد.مجت نجوان ترقص مع عائشة والفرقة النوبية وكأنها طفلة مثلها، بمشهد اثار الحنين بقلب بهجة، التي بدأت تشعر بالتعلق نحو هذه المرأة النقية فلا تستغرب هروبها الى عالمها الخاص، بعيدا عن الواقع المرير
– واقفة لوحدك ليه يا بهجة؟ ما تدخلي ارقصي مع البنات .
كان هذا صوت رحمة ابنة عمتها وشقيقة العريس، التي تحضر اليوم مع الفتيات لتعيش هذه الليلة الجميلة، بفرحة تناشـ.ـدها منذ سنوات طويلة لشقيقها، ليأتي اليه العوض الان بأبهى صوره .
اعترضت بهجة برقتها وابتسامة مودة لها؛
– يا حبيبتي ربنا يتمم بخير، انا خليني واقفة هنا ومبسوطة بالفرجة، الرقص نسيته من زمان.
– لا رقص ايه اللي تنسيه؟ والله لا ترقصي معايا دلوقتي، ولا اجيبلك طنط زبيدة تحلف عليكي والله لا ترجصي، ياللا يا بت مفيش اعتراض النهاردة.
سحبتها غنوة لتضعها وسط الفتيات فتجبرها على الرقص بينهم ومشاركة نجوان التي رحبت مع شقيقتها يشاركنها اللحظة. والعروس نفسها معهم.
وفي زاوية لهما وحدهما، لكزت دورية ابـ.ـنتها مغمغمة من تحت اسنانها:.
– شايفة المحروسة بـ.ـنت عمتك بتعمل ايه مع الزفتة بهجة، اللي ما قدرها ربنا حتى تشـ.ـدنا معاهم مجاملة، مع انك انتي الاولي ، على الاقل انتي اخت جوزها.
جاء رد ابـ.ـنتها بغليل يسري داخلها لما يحدث امامها:
– اسكتي ياما سبيني في حالي، انا على اخري اساسا ومش متحملة، اااه يا ناري .
❈-❈-❈
انتفض في جلسته وسط مجموعة من الشباب التي جاء اليوم يتناول معهم بعض المشروبات المسكرة، من اجل ان ينسى همومه معهم، ليفاجأه هذا الشاب المدعو اشرف بحديثه:
– بتقول ايه ياض؟ مين دي اللي عايز تتجوزها؟
اجابه الشاب بأسلوبه الفج، غافلا عن غـــضــــب الاخر:
– اسم الله ع السمع يا حبيبي، بقولك بهجة بـ.ـنت عمك، موزة الشارع والمنطقة كلها، يالهوي ياما، دا انا قلبي بيرفرف كل ما اشوفها، ولا النهاردة كمان وهي متزوقة وخارجة مع الست اللي بتشتغل عندها،….. اي ده؟ ملكة جمال يابا؟
بعدm تحمل انقض عليه سمير صارخًا بهياج:
– وكمان في بتقولها في وشي ، دا انا هخلص عليك يابن الكـ.ـلـ.ـب
– هو انت حد غلط فيك يا عمنا؟ طب انت بقى اللي ابن ستين كـ.ـلـ.ـب.
صاح بها اشرف لتندلع معركة حامية ويتدخل بقية الحاضرين للفض بينهم.
❈-❈-❈
توقف ينتظرها بالسيارة اسفل المبنى الذي وصفت عنوانه، حتى خرجت اليه ترافق نجوان حتى ادخلتها لتنضم معه في السيارة بعد عناء ومحايلة ، فلم تستجيب الا بتأثير من عائشة، والتي كان يتعرف عليها لاول مرة، ليعبر عن دهشته:
– انتي بقى عائشة؟ يا نهار ابيض ، دي صغيرة اوي يا بهجة.
ضحكت له الاخيرة متمتمة:
– هي صغيرة اه بس عقلها اكبر من سنها، بدليل انها بقت تأثر على الهانم اكتر من اي حد فينا.
تدخلت عائشة بجرأة معقبة:
– عشان صاحبتها ، والأصحاب دايما يببقي دmاغهم واحدة، ولا ايه يا نوجة؟
توجهت بالاخبرة نحو المذكورة ، لتجذبها من يدها وتقربها اليها مرة اخرى، لتعيد عليها عائشة بوعودها باللقاء في اقرب وقت واللعب معها .
فتوقف هو يطالع بهجته بابتسامة لا تخلو من انبهار لهيئتها الجديدة عليه تلك؟
– دي اول مرة اشوفك كدة بالمكياج والفستان يا بهجة،
كنت فاكر ان الحاجات دي من المستحيلات عندك
باغتها بجرأته لتردد مبررة بحرج:
– ما دي حنة بنات يا فنـ.ـد.م، يعني بناخد راحتنا فيها، مكياج ولبس .
– اممم
زام بفمه ثم تمتم بما زاد من دهشتها:
– كويس انها حنة بنات وبس عشان تاخدو راحتكم، بس ياريت ما تاخديش راحتك اوي معاهم يعني.
– هااا
– ارتفعت رأسها مغمغمة بها بذهول قابله بابتسامة لم تفهمها، ليلتف نحو سيارته، يستقلها كي يغادر، ثم يرميها بنظرة اخرى بغموضه الذي اصبح يثير بداخلها التساؤلات.
– هو قصده ايه بكلامه ده؟
❈-❈-❈
بعد مدة من الوقت،
بغـ.ـيظ يفتك بها، وقفت في الشرفة تراقب عودتها من ذاك الحفل اللعين الذي حضرته معها، تتهادى بخطواتها بكهن مدروس، تلفت ابصار الحوش من ابناء حارتها الأغـ.ـبـ.ـياء، وشقيقها الابله يتتبعها كالمنوم مغناطيسيًا، يتحين الفرصة للحديث معها
تبًا لها، لقد افسدت كالعادة فرحتها بعدmا خرجت من صالون التجميل ملكة على الارض ، بفستانها المموج وشعرها الذي استغرق تصفيفه العديد من الساعات وزينة الوجه التي دفعت فيها مبلغًا من المال لا بأس به، حتى دلفت مع والدتها تنتشي بهيئتها المبهرة، وتملق العديد من الفتيات والسيدات لها واهتمام الشباب ، حتى أتت هذه الملعونة بهيئة اقل من البسيطة برفقة شقيقتها سليطة اللسان ، لتسحب منها البساط
لا تدري ما السر بها وهي ترى نفسها الأجمل والارقي بمال ابيها، عكسها هي العاملة بأجرتها .
– مالك يا بت بتاكلي في نفسك كدة ليه؟
كان هذا صوت والدتها التي انتبهت على هيئتها تلك ، لتلتف إليها بغليلها:
– وما كُلش ف نفسي ليه بقى؟ والست بهجة الزفت مخلية ولادك الاتنين يتمنو رضاها؟ يا عيني عليكي ياما، جوزتي الاول عشان يبعد عنها، قام ساب مـ.ـر.اته وحن لها من تاني، بعد اخوه الصغير كمان ما اتشعلق فيها .
قالت الأخيرة وهي تشير بسبابتها نحو الأسفل ، لتستشيط درية، مدmدmة بحنق شـ.ـديد، يا نهار مزفت ومطين بهباب ، هو انا مش هخلص منها البت دي.
زادت سامية بفحيحها تحركها نيران الغيرة:
– طب اقولك ع التقيلة ياما، اوصلي كدة لحد باب البيت واديها بصة ، ادي دقني اهي، ان ما كان الأهبل الكبير هو كمان قاعد مستنيها، دي مش هتستريح غير لما توقعهم في بعض.
– وقعة تاخدها هي وأخواتها كلهم،
هتفت درية بالكلمـ.ـا.ت وهي تتحرك بعجالة نحو ما اشارت لها ابـ.ـنتها لتفاجأ بصدق ما تفوهت، بوقوف ابنها البكر في مدخل المنزل في انتظار أحدهم بالفعل، فوقفت هي الأخرى تراقب
وف الأسفل ولجت بهجة لداخل البناية لتفاجأ به امامها بهيئة غير مبشرة على الإطـ.ـلا.ق يبادرها الحديث دون انتظار او تمهيد:
– حمد الله ع السلامة يا برنسيسة، ما كنتي اتأخرتي شوية كمان تلميلنا شوية عرسااان
استغرقت بهجة وقتا لتستوعب ما سقط من هذا الاحمق، قبل ان ترد بجرأة، تسبق شقيقتها الصغرى والتي أوشكت على شتمه.
– وانت مالك؟ اتأخر برا ولا متأخرش، والم عرسان ولا ملمش؟ ايه يخصك؟
صاح بها :
– يخصني انهم بيجوا يطلبوكي مني، اكيد دي حركات مقصودة منك عشان تغـ.ـيظيني
– وانت تهمني في ايه عشان اغـ.ـيظك يا بني ادm انت .
تدخلت عائشة تتخصر بذراعيها نحوه قائلة بازدراء:
– دا باين شكله عايش في الدور، فوق يا عمنا، دا انا اختي رمت طوبتك من زمان، وبقيت في نظرها زيك زي الحيطة اللي وراك.
صرخ بها هذا المعتوه وقد اوشك على ان يفقد صوابه:
– لمي نفسك يا عائشة، لاضـ.ـر.بك قلمين، انا عامل اعتبـ.ـار بس لاختك ،
– لا متعملش اعتبـ.ـار، وفكر بس تعملها يا سمير .
صاحت به بهجة بدورها، ليدخل على الصوت الشقيق الاصغر سامر ، يدلي بدلوه هو الاخر، بعدmا فهم الموضوع من نظرة واحدة:
– ليه بتزعقي يا بهجة؟ وانت يا سمير لم نفسك ووسع الطريق لبنات عمك .
سمع الاخير ليزداد اهتياجًا:
– اه يا حبيبي انت كمان، اعملي فيها الحنين ، ما انا عارف غرضك.
قالها بمغزى وصل جيدًا لتمتقع ملامح بهجة، ويثير استفزاز شقيقه، والذي ما ان شرع بالرد الحازم حتى قطع عليه صياح والدته المراقبة من اول الشجار:
– ايوة ايوة يا ولاد خميس، ولعوا في بعض واعملوها خناقة وفـ.ـضـ.ـيحة، ما هو دا غرض المحروسة، تفتنكم في بعض.
جحظت عيني بهجة بقهر تعمق داخلها، مع انتباهاها لعدد من افراد الحارة تشاهد المشهد ، فجاء الرد من الصغيرة سليطة اللسان بشجاعتها كالعادة:
– تفتن مين يا حجة؟ قبل ما ترمي بلاكي علينا، شوفي عيالك الملزقين وابعديهم عننا، احنا اساسا مش ناقصين.
شهقت درية بإجفال لوقاحة الملعونة الصغيرة ، فعقب سامر بعتب:
– انا كمان حسبتيني ملزق يا عائشة، الله يسامحك.
قلبت عينيها بسأم، تذكره ان الوضع لا يحتمل التهاون، ليعود لوالدته يخاطبها بجدية:
– من غير كلام ولا فضايح ياما ، قولي لابنك يوسع الطريق لبنات عمه عشان يطلعوا شقتهم، انا مش عايز اتعصب عليه وهو شارب دلوقتي، ليخلص في ايدي .
هم سمير ان يعترض بحماقته، ولكن نداء درية كان الاسبق:
افتحلهم الطريق يا واد، وتعالالي الشقة، لا اطين عيشتك الليلادي، اخلص .
بأنفاس لاهثة اذعن سمير يتنحى عن الطريق لتعبر بهجة التي تمتمت بحـ.ـز.ن دفين:
– حسبي الله ونعم الوكيل
تبعتها عائشة والتي رددت بسخربة
– ايوة كدة وسع وسع، ناس متجيش الا بالعين الحمرا، يا ابن درية المستقوية
❈-❈-❈
عاد الى غرفته قرب منتصف الليل ،والظلام يخيم على الارجاء، لولا ضوء القمر الذي يأتي من الجزء المكشوف من ستار الشرفة، لطالما وصفه بالجو الشاعري في اليالي الماضية، وسعادته الجمة في وصالها
اما الاَن فقد بدى على ملامحها الباكية وهي متكورة على ذاتها، مدى الحـ.ـز.ن وذرف الدmـ.ـو.ع قبل ان يغلبها النوم على هيئتها تلك،
لا يعلم كيف فعل بها ذلك، هي لم تخطيء ليقهرها بالذنب القديم، ولكن ماذا كان بيده؟ وغليل رأسه لم ينتهي بعد، فكرة النظرة الى شيء يخصه لا يحتملها فما باله بمن……
تنهد يرفع رأسه للسماء مناجيا الخالق بالرحمة من هذا العـ.ـذ.اب الذي ينخر برأسه ، ما ابشعها من افكار .
عاد اليها وقد رق قلبه لها ، ليخلع عنه حذاء قدmيه، ثم ملابسه ، قبل ان يندس بجوارها يسحبها الى حـ.ـضـ.ـنه، حتى شعرت به، تردد باسمه ما بين الغفو والاستيقاظ:
– عصام،
– ايوة انا يا امنية، نامي نامي.
وكأنه القى بتعوذيته السحرية، لترتخي سريرتها، وتربح رأسها على صدره مستسلمة لنوم عميق ، فيُقبل رأسها هو، ثم يغمض عينيه، متنعمًا بدفء حـ.ـضـ.ـنها القادر على ان ينسيه همومه وافكاره السوداء حتى لو مؤقتًا
مرت من امامه اثناء ذهابه الى غرفة مكتبه، والتي بنفس الطابق الذي يضم القسم الذي تعمل به، ومع ذلك لا يراها الا نادرا، نظرا لعدm صلتها المباشرة بعمله،
لكنه دائمًا ما يصبر نفسه بلقائها في منزله على موعد مناوبتها او يسعده الحظ برؤيتها صدفة كما يحدث الاَن، لتفتح شهيته على اليوم بأكمله.
– بهجة.
هتف بأسمها امام عدد من افراد الموظفين المارة غير مباليًا بوضعه ولا بهيبته التي تثير الرهبة في قلوبهم أجمعين، ولكن معها ، هناك دائمًا استثناء.
برد فعلي طبيعي استجابت تغير وجهتها نحوه ثم لتتبعه، بعدmا اشار لها بيده نحو غرفة مكتبه، كي تلحق به، لتمر على لورا التي وقفت بالتحية له ، حتى اذا وقعت عينيها على بهجة، خبئت ابتسامتها ولم تعلق على دخولها خلفه لغرفة المكتب، وهل تجرؤ في حضرته؟
❈-❈-❈
– افنـ.ـد.م يا رياض باشا كنت عايزني في حاجة؟
صدر منها السؤال فور دلوفها، ليجلس هو خلف مكتبه على كرسيه بهدوء يجيبها:
– خير يا بهحة متقلقيش.
صمت برهة ثم تبسم مستطردًا امام ترقبها:
– ما قولتلك خير يا بـ.ـنتي، انا بس استغربت لما دادة نبوية بلغتني بغيابك النهاردة عن مجالسة الهانم الكبيرة…..
ردت بلهفة:
– ايوة يا فنـ.ـد.م، ما انا بلغتها عشان النهاردة معانا فرح ابن عمتي شادي اللي حضرت حنة خطيبته امبـ.ـارح.
– اه
اومأ بهزة من رأسه، ثم اردف سائلًا:
– وهو الفرح مينفعش بعد ما تخلصي يا بهجة؟ ولا هو هيخلص على عشرة ؟
برقت خضرواتيها في انـ.ـد.ماج واضح للرد عليه، جاهلة عن استمتاعه بوهجها المضيء وعفويتها في موضوع محسوم من الأساس ولكنها حجة للحديث معها:
– لا طبعا يا فنـ.ـد.م، مينفعش بعد ما اخلص، امتى هلحق اتجهز انا واخواتي، دا مشوار القاعة نفسه محتاج وقت.
– وضع كفه بتسلية سائلًا:
– ليه بقى؟ وهي دي تبقى فين على كدة؟
اخبرته بطيبتها عن اسم القاعة وعنوانها بالتفصيل الدقيق، وهو يتحاور معها وكأنه من الحضور:
– ياريتني كنت معزوم معاكم يا بهجة، بصراحة انا من زمان نفسي احضر حاجة شعبية كدة، خصوصا وانتي بتقولي ان اهل العروسة صعايدة، يعني هتبقى ليلة.
– ايوة والله عندك حق يا فنـ.ـد.م ، اصل شادي ابن خالي تعب كتير في حياته وصبر على عيا والدته، ربنا عوضه بعروسة أدب وجمال ، هو يستاهل كل خير…..
– خلاص يا بهجة.
صدرت منه بانفعال وعدm احتمال، فقد تبدل مزاجه في دقيقة، وكأنه لشخص آخر، ليتمالك بعدها بابتسامة ملطفا بعدmا شعر بحرجها:
– انا قصدي بلاش كلام ع العريس نفسه، وخلينا في الفرح، هيبقى مزمار بقى وحصان ، لو كدة اعتبريني حاضر من غير عزومة.
ضحكت بخجل نافية:
– والله ما اعرف يا فنـ.ـد.م، انا اخري معزومة زي اي حد، بس انت اكيد تشرف اي حد بحضورك.
– تسلمي يا بهجة على زوقك.
قالها بهدوء وتباسط لتتدارك هي للوقت، فتحمحمت تستأذنه في المغادرة:
– طب انا كدة بقى اخرج اروح على شغلي ولا في حاجة تاني؟
نفى بهزة رزينة من رأسه:
– لا يا بهجة مفيش حاجة تاني، اتفضلي روحي على شغلك.
اومأت تهديه ابتسامة ساحرة، قبل ان تستدير وتغادر الغرفة، لتتركه في حالة من الانتعاش لا تكتنفه مع سواها.
اما هي وقد خرجت من عنده ودقات قلبها تعزف الحانا ونغمـ.ـا.ت تطرب اسماعها، دغدغات بمعدتها، مؤجلة صوت العقل وما يخبرها به دائما عن استحالة حدوث هذا الأمر ، وان ما يصلها لا يزيد عن لطف من الرجل لا اكثر.
التقت عينيها بخاصتي لورا والتي تفاجأت بهدوئها المريب هذه المرة، رغم عدm ارتياحها لنظراتها العدائية دائما نحوها، فتواصل هي طريقها تغمغم داخلها:
– لا حولا ولا قوة الا بالله، ولا اكني قــ,تــلتلها قتيل.
❈-❈-❈
أما عن لورا،
فقد مطت شفتيها بابتسامة خبيثة تطالع اثر بهجة في الذهاب، وهي تعيد برأسها، حديثها بالأمس حينما التقت ببهيرة شوكت في النادي الاجتماعي مع والدتها عن قصد حتى اذا التقت بالمرأة، بالطبع سوف تسألها عن رياض.
مساء الأمس،
(( – اخبـ.ـار رياض ايه بقى في الشغل؟ انا بسمع عنه من مصطفى اخبـ.ـار كتيرة تبهر.
– بالفعل هو كدة يا طنت، ما شاء الله في الفترة الصغيرة اللي مسك فيها المصنع عمل انجازات تأهله يبقى الاول ع الجمهورية ، وع الشرق الأوسط كله كمان في السنوات اللي، بس ااا……
– بس ايه يا بـ.ـنتي؟ هو لسة تعبان مع نجوان؟
سألتها باهتمام لتتنهد هي بقنوط، فيعتلي الأسى ملامحها:
– ما هي طنط نجوان دايما تعباه، من ساعة والده ما مـ.ـا.ت وهي تعباه، ورغم ذلك عمره ما أثر على شغله، دايما بيرفكت وبيعرف يفصل كويس بين مشاعره والشغل، لكن بقى…
– لكن ايه يا بـ.ـنتي؟ ما توضحى اكتر عشان افهم، اللي حاصل مع رياض؟
صمتت هذه المرة لبرهة بسيطة ، ثم تلتقط فرصتها على الفور:
– بصراحة بقى هو الموضوع له صلة بطنط نجوان…. البـ.ـنت اللي شغالة مع نبوية في رعايتها……
، مالها؟
– بيعاملها معاملة خاصة.
قطبت بهيرة تتراجع برأسها للخلف مستفسرة:
– تقصدي ايه بمعاملة خاصة مع واحدة بتشتغل عنده؟ جيبي من الاخر يا لورا..
تراقصا مقلتيها باضطراب تقصده، لتواصل بث فحيحها:
– انا مش عارفة الوضع بالظبط، هناك عند طنت ايه ظروفه معاها، دي واحدة بتتشارك معاه البيت في غياب نبوية، وطنت نجوان دي في دنيا تانية، يعني الله اعلم بقى بتعمل معاه ايه، المهم انه بقى متعلق بيها ورقّاها في المصنع من عاملة على مكنة لوظيفة مكتبية، رغم عدm وجود مؤهلات، بصراحة يا طنت انا بقيت خايفة ان قصة عمو حكيم الله يرحمه مع السكرتيرة بتاعته تتكرر كمان مع رياض والبـ.ـنت دي…..
برقت عينيها بغـــضــــب دفين، تطرق بعصاها على الارض بعنف قائلة:
– وتتكرر الفضايح للعيلة من تاني ، انتى ازاي ساكتة دا كله ومبلغتنيش؟
اسبلت اهدابها عنها وبصوت خفيض مزجته بالمسكنة ردت تجيبها:
– يعني انا في ايدي ايه بس يا طنت؟ لا انا خطيبته ولا ليا صلة مباشرة بيه عشان اتدخل ولا اشكي، انا يادوب موظفة عنده، وهو اساسًا مش مديني فرصة على الاعتراض، دايما بينصرها عليا، من غير ما يراعي فرق المكانة ولا الترتيب الوظيفي ولا حتى القرابة اللي بتجمعني بيه.
احتدت عيني بهيرة، ناظرة للأمام ، وقد اشتدت خطوط وجهها بتجهم غير مبشر بالخير على الاطـ.ـلا.ق، لتطرق بعصاها على الارض قائلة:
– يبقى انا لازم اشوف الموضوع ده بنفسي. ))
❈-❈-❈
دلفا الى منزلهما الجديد عائدين من رحلة المنتجع الساحلي وقضاء اسبوعين عطلة شعر العسل، ليضع الحقائب على الارض ، وينطق فمه اخيرا بعد فترة طويلة من الصمت.
– انا هروح اطمن ع الست الوالدة واطمنهم بوصولنا، ع العموم الشقة فيها كل حاجة، يعني لو حبيتي تاكلي الاكل جاهز فى الثلاجة، ولو ليكي غاية للطبخ، كافة شيء هتلاقيها في المطبخ ، عبير قامت بالواجب قبل ما نوصل.
– كتر خيرها، انا مليش نفس وهروح انام.
خرجت منها بصوت ضعيف يكتنفه الحـ.ـز.ن، لتستدير متوجهة نحو غرفة النوم، فزفر هو متهدل الاكتاف فور رؤيتها على تلك الحالة، ولم يقوى على منع نفسه هذه المرة من ايقافها وجذبها اليه، يحتضنها مشـ.ـددًا بذراعيه، يحتويها بغمرته، حتى بللت دmـ.ـو.عها قميصه بصمت ابلغ من الف كلمة، فيستدرك هو بحجم جرمه:
– للدرجادى زعلانة مني يا أمنية؟ طب انا اسف يا حبيبتي، ممكن بقى تصفي؟
رفعت وجهها المغرق بالدmـ.ـو.ع قائلة:
– انا عمري ما اشيل منك يا عصام، كل اللي مزعلني هو زعلك، واللي بيدور في دmاغك وتاعبك من الداخل، نفسي نعيش حياتنا طبيعي، بعيد عن اي ماضي ولا شيء راح وولى، التفكير في اللي فات مابيجيش من وراه غير كل الهم وو.جـ.ـع القلب، ليه تو.جـ.ـع قلبك يا عصام وتو.جـ.ـعني معاك؟
زفر يتأملها بقلب يتمزق لحالتها تلك، فرق قلبه، ليطبع قبلة رقيقة فوق عينيها متمتمًا بصوت متحشرج:
– بعد الشر عليكي من الو.جـ.ـع يا امنية، انا لو مش بحبك مكانش دا هيبقى وضعي، بس حاضر، هحاول من هنا ورايح اشيل من راسي عشان نعيش حياتنا ومنو.جـ.ـعش بعض.
تبسم محياها بالفرح، لتشب على أطراف اصابع قدmيها، فتباغته بقبلة على وجنته مغمغمة بامتنان:
– ربنا يخليك ليا يا عصام، لو انت بتحبني ف انا بمـ.ـو.ت في التراب اللي بتمشي عليه.
– يا قلب عصام.
خرجت منه، قبل ان يدنو فجأة ويرفعها بين ذراعيه مردفًا:
– لا احنا كدة نعمل معاهدة صلح ع السريع، الكلام ع الواقف كدة مينفعش.
لاحقته ضاحكة:
– طب مش هتخرج تطمنهم بوصولك؟
قطف ثغرها بقبلة شغوفة سريعًا، ثم تحرك بها مرددًا:
– معاهدة الصلح اهم في الوقت الحالي يا امنية، اي حاجة تيجي بعدها؟
❈-❈-❈
دوى صوت المزمار في قلب الحارة بصخب، ليتجمع معظم افرادها في الطرقات وشرفات المنازل ، لاستقبال هذا المتعجرف، والذي ترجل من السيارة يستقبل التهاني والمبـ.ـاركات وكأنه المظفر بالنصر بعد هزيمة الخصم، تصاحبه اصوات الزغاريد من النساء ووالدته التي كانت تصيح بأعلى صوتها.
– عقبال عندكم يا حبايب، ربنا نصفه بعد ظلمه، ندرًا عليا لاكون عاملة ليلة كبيرة الكل ياكل فيها لحمة، حلاوة ان ربنا فك كربته وظهر الحق؟ زغرتو يا حبايب وفرحوا قلبي .
صدحت الزغاريد مرة اخرى بعد مطلبها، وتنطلق المبـ.ـاركات للمرأة ودعوات التمني:
– عقبال فرحه يا سميرة ، وتعملي ليلة اكبر منها .
– ان شاء الله يا حبايب، ان شاء الله يارب، يلا يا واد ارقص وفرح قلبي بيك .
تلقى منها ابراهيم لينطلق مع مجموعة الشباب من افراد حارته ليرقص ويتمايل معها على انغام المزمار، منـ.ـد.مجًا في الدور، وعيناه تدور باحثة عن والده، الفرد الوحيد الغير موجود ، ليكتم غـ.ـيظه بداخله، الا يكفيه امتناعه عن زيارته طوال مدة سـ.ـجـ.ـنه، ليكملها الاَن بعدm اهتمامه امام افراد المنطقة.
تمتم بالعبـ.ـارات المتوعدة من داخله، لكن سرعان ما تحول كل ذلك الى مرح، حينما وقعت ابصاره على ابنة خالته رؤى، والتي كانت عائدة من جامعتها في هذا الوقت، لتكن المفاجأة من نصيبها.
ليزيد هو من تمايله امام الشباب مرددًا بعبـ.ـارات الكيد:
– رقصني يا عم الزمار وعلي الصوت، خلي الناس كلها تعرف بخروج ابراهيم وفك حبسته، دا الحرية حلوة اوي يا جدعان، رقصني يا عم خلينا نكيد الاعادي.
انضمت معه والدته في وصلة فجة بالابتهاج المبالغ فيه ، وقد فهمت لمقصده، تنقل ابصارها نحو ابنة شقيقتها:
– ايوة يا حبيبي خلينا نكيد الاعادي..
اما عن رؤى فقد ضاعفت من سرعة خطواتها، تخترق صفوف البشر، دون ان تعير اي فرد منهم اهتمامها، رافعة ذقنها للأمام بإباء كي لا تظهر ضعفها ولا تأثرها ، حتى اذا وصلت لبنايتها ودخلت منزلها ، زفرت معبرة عن قهرها:
– الهي تنكادوا انتوا يا بُعدا، وما تشوفوا الفرح ابدا، قادر ربنا يخسف بيكم الارض ويوريني فيكم يوم.
– بتدعي على مين يا بت .
صدر صوت والدتها من جهة المطبخ، لتخطو سريعًا فتصل اليها هاتفه بغـــضــــب:
– بدعي على اختك وابن اختك اللي عاملين ظيطة وهوليلة في قلب الشارع وعمالين يرقصوا ولا اكنه بريء بحق، صدق نفسه ونسي ان ربنا يمهل ولا يهمل.
– صوت مصمصة خرج من شفتي والدتها دون ادنى تعقيب منها، تدعي الانـ.ـد.ماج في تقطيف ورق الملوخية الخضراء امامها على سطح طاولة المطبخ، مما استرعى انتباه ابـ.ـنتها للتساؤل:
– نعم يا ست ماما، لتكوني انتي كمان صدقتي وعومتي على عومهم، والله ما هستغرب لو سمعتها منك.
التوى فمها لتقلب عينيها بتململ قبل ان يخرج صوتها بما ليس مستبعد منها:
– يا ختي انا لا بقول ولا بعيد، اديني مرزوعة مكاني اهو في المطبخ، لا خرجت ولا حتى بصيت من البلكونة، بس اهي الحكومة برئته والمحامي طلع بالدليل انه ما مـ.ـو.تش المرحوم الله يرحمه، يبقى ندعي عليه ليه بقى؟ ونحمل نفسنا ذنوب؟
– يالهوي عليا وعلى سنيني السودة، والله كان قلبي حاسس.
صرخت بها رؤى، تستطرد بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– يعني مكدبة اخواتي البنات الاتنين واللي سمعوا اعترافه بودانهم، وصدقتي ابن اخوكي البلطجي المجرم وامه اللي شبهه…….
افتر فاهها تتوقف عن الكلام امام سلبية والدتها المفرطة لتختم بتعب:
– انا بكلمك ليه اصلا؟ وانتي مفيش فايدة من الكلام معاكي……. انا رايحة على اوضتي وسيباكي ياما.
قالتها وخرجت تنجي نفسها من شلل مفاجيء قد يأتي لها رغم سنها الصغير، فوالدتها قادرة على ذلك بشخصيتها المتذبذبة وبقوة.
❈-❈-❈
خرجت من دوام عملها ، تسرع بخطواتها، متخذة طريقًا مختلفًا عن العادي ، لتقف في الوجهة المختلفة من الطريق تشير بيدها لسائقي السيارات الأجرة حتى يقف لها احدهم .
فتفاجأ بإحدى السيارات تقف امامها ، حتى كذبت نفسها في البداية ان تكن تلك التي تعلمها، ولكنه أكد لها حينما انزل زجاج النافذة بهيئته المهيبة يخاطبها:
– عاكسة طريقك ليه النهاردة يا بهجة؟ وراكي مشوار؟
شعرت بالحرج من خلف سؤاله، رغم بالونات المرح التي كانت صارت تراها تزين الأجواء من حولها لاهتمامه:
– لا ما انا مش مروحة ع البيت دلوقتي، المستشفى اتصلوا عليا وبلغوني بتصريح الخروج لايهاب، انا الفرحة النهاردة مش سايعاني وعايزة ألحق اروح اجيبه على طول.
– خلاص تعالي اركبي معايا اوصلك .
– نعم !
تمتمت بها بعدm تصديق ، ولكنه عاد يكرر مشـ.ـددًا:
– بقولك تعالي اوصلك معايا في طريقي، وبالمرة اتصلك بعم علي يوصلكم ع البيت بعد كدة.
هذه المرة اعترضت بـ.ـارتباك شـ.ـديد:
– لا يا افنـ.ـد.م اتفضل انت مينفعش.
سمع منها ليصدر رده بأمر غير قابل للنقاش:
– اركبي يا بهجة وبطلي عـ.ـبـ.ـط، انا مش بكرر كلامي كتير.
اضطرت مذعنة لطاعته، لتنضم في الامام بجواره، منكمشة على نفسها، شاعرة بكبر المقعد عن حجمها الصغير ، او انه ليس بمكانها، بداخلها رهبة منه لا تنكرها ، رغم تلك المشاعر التي تعبث بها بحضوره، لتدخلها في صراعات لا نهاية لها، لك الله يا بهجة.
وكأنه كان قارئًا لافكارها، فور ان انهى اتصاله بالعم علي تحدث بتباسط، كي يخفف عنها:
– تلاقي الفرحة النهاردة مش سايعاكي عشان خروج ايهاب.
سمعت منه لترد على الفور بلهفة انستها التـ.ـو.تر وما كان يكتنفها منذ لحظات:
– اه والله يا فنـ.ـد.م، انا فرحانة كمان عشانه، لاني سألت الدكتور، قال انه ممكن يخرج ويروح مطرح ما هو عايز، اهم حاجة يحرص على نفسه ويلبس الكمامة لحد ما يخف نهائي. انا ممتنة ليك اوي يا رياض باشا.
جاء رده بروتينية:
– مفيش داعي للشكر ولا الكلام دا من اساسه يا بهجة.
– لا يا فنـ.ـد.م ازاي بس؟
قالتها تبتلع رمقها، مرددة:
– انا مصرة برضو انى اسدد تمن المستشفى، اخويا طوّل هناك، ودا اكيد جر فلوس كتير اوي، مش معقول يعني كل ده تتحمله لوحدك؟
تطلع نحوها بنظرة غامضة وملامح مغلقة كعادته، ولكنها طالت حتى اخجلتها لتحيد ببصرها نحو الطريق امامها حتى وصلها رده:
– احنا اتكلمنا في الكلام ده قبل كدة وقولتلك بعدين، يبقى خلاص يا بهجة بقى، المهم دلوقتي ممكن تكلميني عن الفرح اللي هتحضريه؟
قطبت باندهاش سائلة:
– هكلمك في ايه تاني يا فنـ.ـد.م؟ هو انا لسة حضرته من الاساس؟
– خلاص يا بهجة، يبقى انا كدة في انتظار انك تحكيلي عنه بعد ما تحضريه.
رغم تفاجأها إلا انها لم تجد امامها سوى الموافقة بإماءة من رأسها، يكتسحها خجل جميل، زين وجنتيها بالورود، وتوهجت له خضراوتيها، لتزيدها سحرًا فوق السحر.
❈-❈-❈
– خرج !
تمتم بها بعدm تصديق، فور ان سمع بالاخبـ.ـار الجديدة من صديقه عقب لقاءه به، ليؤكد عليه الاخر :
– المحامي الفاسد يا عصام، قدر بأساليبه الملتوية، يجمع ادلة وبراهين مزورة مكنته يقدmها للقاضي ويحكم بخروجه، اصناف قذرة.
توقف امين بعدmا رأى بأم عينيه، تصلب وجه الاخر، وخطوط وجهه التي اشتدت بغـــضــــب دفين، ليوضح محذرا:
– اسمع يا عصام، البني ادm ده تشيله من مخك مهما كان الخلاف ما بينكم، سيبني الله يرضى عنك اتكتكله وادور وراه براحتي، ما انا مش هسيبه.
– ولا انا هخليه يفلت من ايدي.
طالعه امين معترضا بتشـ.ـدد:
– القضية دي بتاعتي من الاول يا عمنا، خليك انت في حالك ومتدخلش الامور الشخصية في الشغل.
ضغط يطرق بقبضته على سطح الطاولة بينهم مرددا:
– اوعدك اني مش هدخل الامور الشخصية بينا، بس بلاش تبعدني عن القضية دي.
تحدث امين برفض قاطع:
– وانا رافض يا عصام، احسنلك تنفذ امر رئيسك وتنشغل في القضية المسؤول عنها، وانا لو عوزتك هبقى ادخلك تشتغل معايا.
❈-❈-❈
خرجت من حمام غرفتها، تجفف شعر رأسها بالمنشقة الصغيرة، لتتوقف امام المراَة تتأمل وجهها المتورد بالسعادة، بعد تلك الساعات التي قضتها معه في عقد معاهدة الصلح، ما أجمله من رجل في ساعة الصفا، في جموح عشقه لها ، في كلمـ.ـا.ت الغزل التي يلقيها على اسماعها يدغدغ انوثتها ويدللها،
خرجت تنهيدة قوية منها تتمنى لو يظل على هذا الحال ولا يتغير ابدا.
القت بالمنشفة تهم بتمشيط شعرها، لكن وما أن شرعت ان تفعلها حتى دوى صوت الهاتف بالاتصال ، ف اقتربت على الفور تجيب الرقم الغريب، لربما تعرفه:
– الوو…. مين معايا؟
– الوو يا قلبي، انت لساكي برضو محتفظة بالرقم القديم…….
انتفضت تلقي الهاتف من اذنها على الأرض، وكأن عقرب لسعها بهذا الصوت الغريب، لا تصدق ما وصل لأسماعها..
– الوو يا أمنية، انتي روحتي فين بعيد عني؟
اغلقت على الفور المكالمة تتبعها بحظر الرقم من الأساس، وقلبها يضـ.ـر.ب بفزع، وهي مازالت تكذب احساسها، حتى حسمت تتناوله مرة اخرى، تتصل هذه المرة بشقيقتها:
– الوو يا رؤى…… كويسة يا حبيبتي والحمد……. معلش بس انا كنت عايزة اسألك عن الزفت ابن خالتك ابراهيم……… انا كمان سمعت؟!، سمعت ايه مش فاهماكي……. يا نهار اسود خرج….. ازاي يا رؤى؟!
❈-❈-❈
عاد من الخارج وحالة السعادة برؤيتها مازالت تغمره، كلمـ.ـا.تها الرقيقة وخجلها حينما يضيق الخناق عليها بأسئلته الفضولية، هذه الصفة ليست به من الأساس، ولكنه يكتشفها الان معها هي فقط،
تسمرت قدmيه فجأة، منتبهًا للحاضرين الجدد لمنزله، وتلك الجالسة بشموخ امامه في زيارة لا تكررها الا كل شهور تقريبا، رغم قرب المسافة ولكن تملك الحجة بمرضها ، إذاً ما سر الزيارة الغريبة؟
– بهيرة هانم عندنا! طيب مش كنتي تتصلي ولا تبلغيني يا خالتو!
قالها مرحبا، ليقترب منها يقبل وجنتها بخفة قبل ان يجلس مقابلًا لها بجوار والدته المنكمشة على نفسها بمقعدها:
تبادلت معه التحية مرددة:
– انا لقيتك مش سائل، قول اجي اطمن انا بنفسي عليك وعلى اختي الحبيبة، واللي قاعدة قدامي دلوقتي خايفة ولا اكني هاكولها.
امتدت كفه على نحو والدته يلمس عليها بحنان لتهدا، وهو يبرر ملطفا:
– لا يا خالتو ايه الكلام دا بس؟ هي ماما مش عارفاكي يعني، يا نبوية.
هتف بإسم المرأة جليستها، وما ان خرجت اليه حتى تفاجأ بشقيقتها معها، ليعبر عن دهشته:
– ايه ده؟ دي دادة وصيفة كمان معاكي!
– ايوة يا رياض باشا، شوفت بقى المفاجأة؟
تبسم باضطراب يتقبل ترحيب المرأة ومزاحها قبل ان يأمر نبوية بسحب والدته لغرفتها، ثم توجه باستفهام نحو بهيرة والتي لم تتعبه في الانتظار:
– انا جايبة وصيفة تساعد مع نبوية في رعاية نجوان، بلاها من اي حد غريب احنا مش واثقين فيه.
مازال التوجس سيد الموقف بداخله ليواصل استفهامه:
– غريبة يعني انك تستغني عنها دلوقتي، انا عارف بمعزة وصيفة عندك، بالظبط زي نبوية عندنا.
ابتسامة ماكرة لاحت على محياها مبررة بكلمـ.ـا.ت مقصودة:
– دا حقيقي، بس في حاجات بقى بتجبر البني ادm انه يضحي، ع العموم انا عندي من الخدm كتير وكلهم تحت امري، الدور والباقي بقى على نجوان…
توقفت تخرج تنهيدة من العمق مستطردة؛
– مسكينة الحب ضيعها، ياريتها سمعت كلامي ولو مرة واحدة ، دي كانت اجمل بنات العيلة، اجمل مني انا شخصيا، كل الشباب كانوا بيتمنوا رضاها وسبحان الله هي ما اختارتش غير اسوأهم، عشان تعيش معاه مهووسة بحبه مهما يعمل فيها ، وفي الاخر تكتشف بعد فوات الأوان، بعد ما تنقلب بيه العربية مع عشيقته اللي يتضح بعد كدة انها زوجته، والمسكينة تفقد عقلها…..
-لزومو ايه الكلام ده يا خالتو ؟
هتف بها بانفعال ورأس مشتعل، بعدmا عبثت بمكرها، داخل هذه الدائرة السوداء برأسه، والتي دائما ما يجاهد للخروج منها، وعدm تذكرها، لتواصل هي بمراوغة:
– انا مش قصدي حاجة طبعا يا حبيبي، بس تقدر تقول كدة افتكرت……
بنظرات يملأؤها الشك، صار يحدجها يصعد ويهبط بانفعال لا يخفيه، ف استطردت هي بتملق:
– حبيبي يا رياض انت عارف اكيد بمعزتك عندي، طول عمري اقول انك ابني التالت، لا ورثت العاطفة المبالغة من والدتك ولا غدر وفشل والدك الله يرحمه.
احتدت عينيه حتى صارت كلهيب جمر محترق، فواصلت هي بالطرق على الحديد الساخن:
– انا حتى بشبهك بمصطفى لولا بس عيبه انه اتجوز الممثلة دي اللي متناسبناش في اي شيء، بس نفعاه ع الاقل بعلاقاتها وشهرتها، مش ناوي بقى تشاركه وتكبر مصنعك؟
ضـ.ـر.ب بكف يده على ذراع الاريكة باعتراض وتشـ.ـدد:
– بس انا مش عايز مساعدة من حد يا بهيرة هانم ، حتى لو كان مصطفي نفسه، مصنعي هكبره لوحدي، واسمي هيبقى ماركة مسجلة في الشرق الاوسط وفي العالم كله….
تبسم ثغرها باتساع وقد وصلت لمبتغاها لتردف:
– هو دا اللي انا بتمناه وواثقة انك هتعمله يا رياض، وساعتها يبقى اللي ناقصك حاجة واحدة بس، هو النسب اللي يشرف، واحدة كدة زي ميسون مرات عدي، نسب يشرف وولادك يفتخروا بيه لما يجوا ع الدنيا، مش يلوموك على سوء اختيارك!
هكذا وبكل سهولة استطاعت بفحيحها، النبش في ذاك الجـ.ـر.ح الغائر بدواخله، ذاك الذي مهما مرت عليه السنوات لا ينـ.ـد.مل ولا يشفى أبدا، مهما تناول له من ادوية او حتى مسكنات.
❈-❈-❈
صدحت زغروطة كبيرة من صباح ، جلجت في قلب الحارة فور استقبالها لبهجة وشقيقها العائد اخيرا لمنزله بعد رحلة العلاج:
– يا الف الحمد لله ع السلامة يا هوبا، نورت بيتك ومطرحك.
قابلها الاخير بابتسامة ملوحًا بكفه لها بالتحية في الهواء، الله يبـ.ـارك فيكي يا خالتي ، دا انتى اللي منورانا والله .
– لا يا اخويا منوراك دا ايه؟ انا صاحبة بيت.
قالتها بتباسط وهى تضم بهجة وتهنئها بعودة شقيقها، لتردف بعد ذلك بأمر:
– ولا ايه يا بت انتي، صاحبة بيت انا ولا واحدة غريبة؟
جاء رد بهجة ضاحكة:
– لا يا خالتي دا احنا اللي ضيوف عندك.
توقفت فجأة تطالع المنزل ونظافته لتعقب بمرح؛
– بس انتي تعبتي نفسك ووضبتي البيت ليه؟ كان يكفي بس اوضة ايهاب اللي هيريح فيها .
– يا بت ما قولنا اني مش غريبة، الله.
قالتها صباح بمرح لتتناول منها ذراع ايهاب وتتجه به نحو غرفته مرددة لها:
– روحي انتي بس اطفي من ع النار وانا هدخل ايهاب على اوضته .
– يالهوي عليا، انتي كمان طبختي!
تمتمت بها بهجة في اثرها بحرج شـ.ـديد، لتهرول سريعًا نحو المطبخ، تطفيء نار الموقد الغازي، وتطمئن على الطعام قبل ان تلحق بهما داخل غرفة ايهاب الذي كان يتسطح على الفراش وهي تسحب الغطاء عليه، مخاطبة له بحنان:
– ريح شوية يا حبيبي من مشوار المستشفى على سريرك، ربنا ما يغيبك عن اخواتك ابدا تاني.
– يارب يا خالتي، انا فعلا عايز اريح شوية عشان افضي للمذاكرة المتأخرة عليا.
– ربنا يعينك يا بني.
قالتها وخرجت تغلق الباب عليه بخفة حتى لا تزعجه، لتجد بهجة هي الأخرى في طريقها اليها بعد مغادرة المطبخ، قائلة:
– خرجتي بسرعة يعني؟ هو ايهاب لحق ينام؟
جلست صباح على مقعد السفرة تشير لها على المقعد المجاور:
– انا اللي قولتله يريح، تعالي انتي عشان عايزاكي في كلمتين.
اقتربت تنفذ الامر وتسألها باهتمام:
– كلام ايه يا ست الريسة؟ في حاجة في الشغل.
نفت صباح بهز رأسها وبوجه واجم سألتها:
– قبل كل شيء انا عايزة اعرف، اخواتك البنات بيغيبوا لحد الساعة كام كل يوم كدة؟
ردت بهجة قاطبة بدهشة:
– على حسب مواعيدهم، جنات حسب المحاضرات، وعائشة حسب المجموعات اللي بتاخدها، ممكن يجوا بدري وممكن ييجو متأخر، بس هو الخميس دا عندنا معروف، جنات بيبقى يومها مزحوم بالمحاضرات وعائشة بتاخد دروس لبعد العشا.
– يعني انتي بس اللي بتيجي على ميعادك الساعة التلاتة، بما ان ايهاب كمان في المستشفى يعني.
اهتزت رأسها بمزيد من التشتت:
– ايوة يا ست الريسة، لزومها ايه الاسئلة دي؟
زفرت المرأة الواضعة يدها على وجنتها، لتنطق اخيرا بما اجفل بهجة:
– بسأل يا غالية عشان اعرف الحاجة اللي لقيتها مرشوشة دي قدام البيت مين المقصود بيها، واديني اتأكدت انها انتي .
– انااا؟ ….. حاجة ايه ؟ انا مش فاهمة حاجة يا ست الريسة.
تحدثت صباح توجهها بتحذير:
– من الاخر كدة يا بهجة، انا لما جيت هنا البيت، على حسب اتفاقنا، عشان اسبقك قي توضيب اوضة ايهاب وتعقيمها قبل ما توصلي انتي بيه من المستشفى، خدت بالي يا غالية من مية غريبة مرشوشة على عقب الباب، لولا اني مجربة الالاَعيب والوساخة دي من قرايب جوزي الله يرحمه، كانت هتعدي عليا ومكنتش هاخد بالي.
– يا نهار اسود.
تمتمت بها بهجة ضاربة بكف يدها على صدرها تردد بجزع وصدmة:
– يعني كان ممكن تضري فيها انتي كمان، او اي حد من أخواتي، طب اتصرفتي فيها ازاي؟ ولا هي لساها موجودة؟
قاطعت صباح هذيانها بلمسة من يدها توقفها:
– مفيش حاجة موجودة اطمني، بقولك الحاجات دي لان ياما عدت عليا من قرايب جوزي، يعني اكيد عرفت التصرف الصحيح معاها ازاي؟ المهم انتي يا حبيبتي، تخلي بالك كويس اوي ، اللي عمل العملة دي عارفكم كويس اوي وعارف خط سيركم ومواعيدكم بالظبط.
تابعت بإشفاق:
– انتي طيبة اوي يا بهجة، بلاش تخلي حسن النية اللي عندك يضرك، المرة دي جات سليمة وربنا صدرني اشيل الاذى من طريقك، المرة الجاية مش مضمونة، حطي عينك وسط راسك يا بـ.ـنتي، أخواتك ملهمش غيرك، وانتي ملكيش غير نفسك.
اطرقت بهجة بحـ.ـز.ن تهدلت له اكتافها، لتمتم بقهر:
– طب ليه يحصل معايا كدة؟ هو انا اذيت مين عشان يأذيني كدة؟
ربتت صباح بكف يدها على ذراعها بحنو تخبرها:
– شيلي من على قلبك يا حبيبتي، وهو اللي يتجرأ ويعمل الوساخة دي محتاج تبرير ولا مستنيكي تأذيه عشان يعملها؟ لا يا بـ.ـنتي، اللي بيعمل كدة، دا بيكون قلبه مليان بالحقد والسواد ناحيتك، حصني نفسك انتي واخواتك والبيت كله، داومي على أذكار الصباح والمساء وزي ما قولتلك، برضو تبقى حريصة، وقادر ربنا يرد كيدهم في نحرهم الاوساخ اللي بيعملوا كدة.
اراحتها بكلمـ.ـا.تها ، لتطالعها بامتنان شعرت به صباح، لتشاكسها مغيرة دفة الحديث:
– المهم سيبنا من الهم ده وخلينا في الفرح، قوليلي هتلبسي ايه النهاردة في زفة ابن عمتك؟
اشرق وجه بهجة وقد أسعدها فعل المرأة، لتجاري محاولاتها للترفيه عنها، فتخبرها بلهفة عن ما تنتوي فعله……..
❈-❈-❈
في المساء،
دلفت داخل القاعة بصحبة شقيقاتها عائشة وجنات اللتان تزينتا مثلها بالجديد ، بعد تيسر حالتهم الى حد ما بمبلغ النقود الذي اكتسبته بهجة من عملها الجديد كجليسة بمنزل رياض .
وقد ظهرت اليوم في ابهى صورة، بذلك الفستان الذي ابتاعته بعد فترة من الانقطاع، لتعيش عمرها الطبيعي
بتلك الهيئة الانثوية التي خـ.ـطـ.ـفت بها الانظار كعادتها، لتثير في قلب الحاسدين المزيد من السخط والكره.
– يا بت اللذين……
تمتمت سامية والتي سقط العصير من فمها فور ان وقعت أنظارها على ابنة عمها ، لتلكز والدتها المنـ.ـد.مجة في الحديث مع احدى النساء، فتلفت انتباهها.
– شايفة ياما البت بهجة واللي عملاه في نفسها النهاردة بعد ما كانت راسمة دور الحجة، اقطع دراعي ان ما كانت جاية وراسمة تلقط لها عريس من البهوات قرايب العروسة.
مصمصت درية بغل وقد ارتكزت ابصارها على ناحية اخرى:
– ياريت يا ختي يحصل، ع الاقل تغور الصعيد وتريحني من خلقتها، أخواتك الاتنين عيونهم هتطلع عليها، دول مش بعيد يقــ,تــلوا بعض عشانها، يا خيبتك السودا يا درية هو العمل مشتغلش ولا ايه؟
غمغمت بالاخيرة بصوت خفيض وكأنها تحدث نفسها، ولكنها وصلت الى ابـ.ـنتها التي اقتربت منها متسائلة بعدm فهم في البداية قبل ان تلقطها بذكائها؛
– عمل ايه؟…… هو انتي عملتلها عمل ياما؟
قرصة بخصرها تلقتها على الفور من والدتها التي همست تكز على اسنانها بتحذير:
– وطي صوتك يا زفتة ولمى لسانك، هتجيبلنا المصايب.
صمتت سامية ومن قراءة سريعة لملامح والدتها الجديدة، ايقنت بصحة ما سمعته، لتتبسم بانتشاء مطيعة لها:
– عيوني ياما هخرس خالص، بس هنكمل كلامنا في البيت.
التوى ثغر دورية ولم تعلق لتعود بأبصارها نحو مصدر همها، أبنائها الاثنان ومحاولاتهم الحثيثة في التقرب من هذه الملعونة ابنة عمهما، بصورة تفضح ما بداخلهما نحوها، لتتوعد هي بداخلها:
– ماشي يا بهجة، ان ما اشتغلش ده، فيه غيره، انا مش هستريح غير لما اخلص منك.
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت مستمتعة بفقرات الحفل التي على وشك البدء، في جلسة تجمعها على طاولة واحدة مع رحمة ابنة عمتها وشقيقة العريس مع بعض الافراد من عائلة العروس من نساء، ليتعارفوا بها، فتنـ.ـد.مج هي بالحديث معهن، لتتغاضى عن محاولات ابناء عمها في التقرب اليها بحجج واهية ونظراتهم المسلطة نحوها تثير ازعاجها وتشعرها بالاختناق، لتعقب عائشة بفراستها ساخرة مما تراه امامها:
– عيال عمك الملزقين فاضل بس يقعدوا ع الطرابيزة جمبنا يا بهجة عشان يهمدوا من اللف حوالينا، ولا عمي خميس.. عايش الدور بعد ما لبس شبابي وزرع الصلعة، عينه مش سايبة بـ.ـنت ولا ست ، يارب يعملها عشان اشوف درية وهي بتولع .
تمكنت بطرافتها ان تثير ضحكات شقيقتها، ورحمة التي لم تقوى على التوقف مرددة:
– يخرب عقلك يا عائشة دا انتي بلوة .
ردت بهجة هي الأخرى:
– انتي شوفتي حاجة، دي على رأي ابويا الله يرحمه سحبوها من لسانها.
– الله يرحمه مكدبش.
قالتها رحمة لتلتف نحو مصدر الموسيقى والإضاءة التي تغيرت للفقرة الرئيسية بالحفل، بتوقف شقيقها في انتظار عروسه والتي دلفت بصحبة احد اشقائها، ترافقها موسيقى واغنية حسين الجـ.ـسمي للزفاف
إدخلي عمري بخطوتك اليمين
إضوي أيامي وعتمـ.ـا.ت السنين
قرت عيوني بشوفك مقبلة
يا الملاك اللين العـ.ـذ.ب الرزين
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
نورتي نورة حياتي دنيتي
يا ضيا عيني وأغلى ما تشوف
تابعت صبا بهيئتها الملوكية الساحرة، لتنتقل من يد شقيقها الأصغر، ثم للأكبر عمرا وهكذا من يد الى يد حتى وصلت الى ابيها الذي طبع على رأسها قبلة حانية قبل ان يسلمها لعريسها الذي كاد أن يفقد رزانته اليوم برؤية جنيته الساحرة،
بمشهد اثر ببهجة واصابها بالتحسر على فقدان والديها، وحرمانها بالتأكيد من هذه اللحظة التي اثارت القشعريرة داخلها بالتوق لها، لتستعيد رشـ.ـدها بعد لحظات وتستغفر ربها ، ثم تنـ.ـد.مج في فقرات الحفل والرقص على المزمار كما توقعت في الصباح في حديثها مع مديرها رياض….. يا الهي، ترى ما نهاية حكايتها معه هو الأخر؟
❈-❈-❈
اما عنه،
فقد كان يتقلب على فراشه في هذا الوقت، وكأنه على جمر مشتعل ، رأسه يكاد ان ينفجر من التفكير ، يعمل في كل الاتجاهات، منذ متى صار بهذا الصعف؟
كيف تغيرت خطته والطريق الذي رسمه منذ سنوات لا يذكر عددها للوصول إلى هدفه؟
يعلم ان خلف زيارة بهيرة شوكت طرف دفعها لذلك، ولكنه لا ينكر صحة قولها ، لقد واجهته امام نفسه، لتعيده الى ذاته، في ظل سيطرة هذه البهجة على تفكيره، لا ينكر سطوتها عليه رغم ضعفها، رغم لطفها ورقتها ، ولكن لابد له من ايجاد الحل، لا يمكن استمراره على هذه الحالة، لابد من الحسم؟
انتفض يعتدل بجزعه، حازمًا امره في تنفيذ ما طرأ بعقله دون تراجع، وكما قال المثل العربي القديم، وداوها بالتي كانت هي الداء.
لا يوجد حل سوى بها؟ علٌه بعد ذلك يستريح من هذا العـ.ـذ.اب.
❈-❈-❈
داخل الفندق الذى تم عمل ليلة الزفاف بقاعته، ثم حجز هذه الغرفة كهدية له ولعروسه، بصفته انشط الموظفين به، جلست هي تنتظره على تختها بالفستان الضخم، حتى ينتهي من المبـ.ـاركات والتهاني من اصدقائه، والذين عملوا على خدmته، لما تجمعه من مودة بينهم.
ليلج اليها بخطوات متأنية متمهلة، يسترق النظر حتى وقف امامها تماما يتأمل خجلها وتلك الابتسامة المستترة خلف شقاوة يعلمها تمامًا، حتى في هذه اللحظة!
مال برأسه نحوها يسألها بنظرات كاشفة:
– بقالي ساعة بسلم ع الزمايل برا وبتقبل التهاني منهم، وانتى قاعدة هنا على سريرك، مغيرتيش فستانك يا صبا؟
ردت تجيبه ببساطة:
– عادي يعني، لفيت على صور السيشن بتاعتنا، ع التليفون، وخدني الوجت ونسيت.
زام بفمه بمكر مرددًا:
– يعني خدك الوقت ونسيتى الليلة والفرح وكله…..
ارتفع كتفيها وانخفضا بابتسامة متلاعبة، ليفاجأها بخلع سترته على الفور، ثم يشرع في خلع قميصه مرددًا :
– خلاص يا قلب شادي افكرك انا .
برقت عسليتيها بإجفال متسائلة:
– انت بتعمل ايه؟
– بفكرك يا قلب شادي.
وما ان انهى جملته حتى القى بقميصه على التخت، لتنتفض بخجل منه ناهضة لتهرول نحو المرحاض، وقد اصبح امامها عاري الجذع.
لحق بها يرفعها من خصرها والفستان الضخم سائلًا بجوار اذنها:
– ايه يا صبا، على فين يا قلبي؟
خرج ردها بصوت مهتز، وتراجع واضح عن التلاعب به:
– هغير هدومي يا شادي، ودي محتاجة سؤال .
قهقه بصوت عالي يديرها اليه:
– لا ما دا كان الاول يا صبا، انما دلوقتي…..
– ايه؟
– سألته ببرائة لتتلقى الرد عمليًا، حينما حطت شفتيه، ترتشف من شهد ثغرها، مشاعر مختلطة عصفت بها لا تدري لها مسمى، فلا هي بقادرة على منعه، ولا بقادرة على مجاراة جموحه، لتظل على هذا التخبط حتى افلت نفسه عنها بصعوبة يتأمل خجلها الشـ.ـديد، وهي غير قادرة عن مبادلته النظر بعيناها، وكأنها اصبحت قطة وديعة بين يديه، ليعقب:
– ياااه يا صبا، دا انا نفسي نسيت، وشكلنا كدة هناخد وقت كتير على ما نفتكر….
وما كاد ان ينهيها حتى رفعها بفستانها متابعا بمزاح امام صمتها :
– ايه يا صبا؟ القطة اكلت لسانك .
لم تقوى على الرد سوى بقبضة منها تدفعه بصدره، ليقهقه عائدًا بها نحو التخت:
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه مش بقولك هناخد وقت كتير عشان نفتكر.
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا،
وفور ان ترجلت بهجة من وسيلة النقل الحكومي، وصارت في اتجاه عملها وصلها اتصال برقمه، فردت تجيبه على الفور باندهاش:
– ايوة يا رياض باشا، نجوان هانم فيها حاجة؟
– لا يا صبا دا انا اللي عايزك ، غيري طريقك وتعالي ع الجهة الشمال، انا قاعد مستنيكي في العربية.
– عربية ايه؟
تمتمت سائلة ، لتنفذ متخذة الطريق الاخر، فتجد سيارته امامها بالفعل ، فتسائلت بتوجس:
– طب انت قاعد ليه في العربية ، ما الشغل قريب ، تقدر تقعد في مكتبك.
اجابها بحزم :
– بقولك عايزك في حاجة ضروري يا بهجة ممكن .
اضطرت لطاعته، حتى اذا اقتربت تنضم معه، تحرك سريعا بسيارته ليختفي بها من قلب المكان، فسرى القلق بداخلها، لدرجة جعلتها تنـ.ـد.م، ولكنه فجأها بالتوقف، يباغتها بقوله:
– انا عايز اتجوزك يا بهجة.
صمتت قليلًا تستوعب ما التقطته اسماعها، لتردد بعدها بلحظات بعدm تصديق:
– تتجوز مين حضرتك؟ هو انت بتهزر يا رياض باشا؟
بجدية شـ.ـديدة جاء رده:
– قبل ما تحكمي اني بهزر ولا بتكلم جد، ممكن تسمعي مني الاول؟
ضاقت عينيها قليلًا بتوجس، قائلة:
– اتفضل حضرتك انا سمعاك…..
تسحبت على أطراف اصابعها حتى وصلت لتقف خلف مدخل باب غرفة والدتها، لتتصنت على مكالمتها عبر الهاتف، بصوتها الخفيض كالهمس، حتى لا يصل لخارج الغرفة:
– ايوة يا ست مبروكة، العمل باينه مشتغلش، خلي الشيخ يعملي غيره شالله يسترك………. يووه…….. يا ولية بقولك العيال على حالهم، لا دا كمان شكلهم زايد اوي النهاردة من ساعة ما شافوها امبـ.ـارح في فرح ابن عمتهم وهي متزوقة،……… لا يا ست مبروكة هو قالي ان العمل هيشنغل في اليوم نفسه، بس دا محصلش، يبقى الفلوس اللي دفعاها انا وقعت في الارض على كدة……. يا ستي عارفة اني تعبتك معايا ، بس انتي المساعدة بتاعته ولازم تبلغيه يتصرف بحاجة تانية، حـ.ـر.ام اكون دافعة ومكلفة وفي الاخر ميجبش فايدة………. تاني هتحدديلي ميعاد ؟ يبقى فيها دفع فلوس تاني يا مبروكة انا عارفة……… خلاص يا ست متتعصبيش حدديلي ميعاد، انا لولا بس واثقة في كرمـ.ـا.ته ومجرباه قبل كدة، كنت قولت انه نصاب…….. خلاص مش هزعل الاسياد ولا اللبخ، بس انتي استعجليلي ميعاد مقابلتي بيه، متلطـــعـــنيش ، انا عايزة اخلص من البت واطمن ع العيال الموقوف حالهم………، كدة طب انا على ما اجي بقى تكوني حضرتي الحاجة مع الشيخ…….. تسلمي يا غالية تسلمي، هجيب حلاوتك معايا حاضر………. انتي تؤمري.
ختمت بتنهيدة مسهدة فور ان انهت المكالمة ، لتلتف بجــــســ ـدها، وتصطدm ابصارها، بتلك الملعونة ابـ.ـنتها ، مستندة بظهرها على إطار الباب، تطالعها بنظرات كاشفة وابتسامة ماكرة تخبرها انها سمعت كل الحديث:
– يعني ظني طلع صح……. احبك يا درية لما تخططي وتكتكي في الكوتيمي.
زفرت والدتها تحدجها بغـ.ـيظ شـ.ـديد، لتقترب فجأة وتجذبها قابضة على عضدها بعنف لداخل الغرفة فتحذرها كازة على اسنانها؛
– اسمعي يا بت انتي، الكلام ده حسك عينك يطلع لحد، ولا حتى بينك وبين نفسك، يا اما يا سامية قسما بالله لاطلعه على جتتك…
قابلت ابـ.ـنتها العاصفة الهوجاء منها بتباسط وابتسامة لم تتخلى عنها ، لتطمئنها:
– ياما متقلقيش سرك في بير، انا برضو بـ.ـنتك والمصلحة واحدة، بس كنت عايزة اعرف بقى، العمل عملاه على اساس ايه؟ يجيلها المرض وتمـ.ـو.ت بيه؟ ولا تغور في داهية بعيد عننا؟
التوت شفتي درية تمصمص بشفتيها مستنكرة التجني عليها:
– مرض ايه وهباب ايه يا زفت الطين انتي، شايفاني قدامك قتالة قــ,تــلة يا بت، دا انا واحدة بتخاف ربنا ، واللي بعمله ده عشان مضطرة، عيالي هيروحوا مني بسببها اقف متكتفة بقى؟ لا طبعا، انا بس موصية الشيخ يطلعها جاموسة ولا قرد في عيونهم، عشان يكرهوها أو يغورها عننا بأي نصيبة، بس كدة .
– بس كدة ياما؟
رددت خلفها بتشكك، لتردف درية بتأكيد:
– بس كدة يا هبابة، واقطمي بقى عشان الرط يجيب مشاكل ويكشف المستور، واحنا بنقول يا حيطة دارينا.
أومأت سامية تهز رأسها بحماس مرددة:
– من عيوني ياما، ما انا قولتلك سرك في بير، بس انا سمعاكي بتقولي انك مجرباه، كنت عايزة اعرف، في ايه بقى جربتيه قبل كدة وعرفتي بكرمـ.ـا.ته؟
الى هنا ولم تتحمل درية، وقد فاض بها من تدخلها، لتكزها بقبضتها، تنهرها بوعيد:
– وانتي مالك يا زفتة؟ عايزة تحشري نفسك كمان في اللي فات، بقك دا يخرص خالص، وإياكي تنطقي بالكلام ده تاني، لا قدام غيري ولا قدامى، وابعدي بقى خليني اشوف اللي ورايا جاتك الهم .
دفعتها من كتفها وتحركت مغادرة لخارج الغرفة ، لتتبع اثرها ابـ.ـنتها وبداخلها حماس لا تخفيه، بعد اكتشافها سر هذه القوة الخفية التي تمكن والدتها من فعل ما تريد، وشيطان رأسها يوسوسها للمضي في نفس طريقها.
❈-❈-❈
بصدmة تعلو ملامحها تستعيد الحديث بذهنها وتكرره عدت مرات عل استيعابها الضعيف يصل لشيء اخر، غير هذا الذي فهمته:
– نعم يا رياض باشا، يعني انت عايز تتجوزني في السر، دا حقيقي ولا انا فهمت غلط؟
تحمحم يبرر بملامح جـ.ـا.مدة وكأنه يخبرها شيء، عادي:
– انا مش بطلب منك حاجة عيب ولا حـ.ـر.ام عشان تتعصبي كدة يا بهجة، لأن دي مش من اخلاقي اصلا، انا عايزك وعايزك بشـ.ـدة، ولذلك ملقتش قدامي غير حلال ربنا.
عايزك وعايزك بشـ.ـدة، تكررت في ذهنها عدة مرات، يبرز الامر لها، انه لا يتعدى الرغبة، يعني ليست تلك المشاعر التي كانت تنشـ.ـدها، لكن يا ترى هل بالفعل هي هكذا؟ ام انه ينكر احساسًا داخله، يصلها في كل همسة وكل كلمة وكل نظرة منه، قلبها الصادق لا يخطيء ابدا، لكن ما الفائدة وهو في كلتا الحالتين اظهر لها وجهه الحقيقي ونظرته الدونية لها، ولكن ما العجب، الم تكن تلك قناعتها من البداية!
تنهيدة مثقلة خرجت منها قبل ان تعقب على قوله:
– بصراحة انا مخضوضة من جرأتك يا رياض باشا، بتبلغني برغبتك فيا كدة من غير تزويق ولا لف ودوران……
قاطعها مردفًا:
– انا راجـ.ـل عملي يا بهجة، وقولتلك اني مليش في الحـ.ـر.ام، ليكي عندي ان ءأمن مستقبلك بمبلغ محترم يغنيكي انتي واخواتك عن الاحتياج…..
قاطعته بدورها:
– على كدة بقى مصاريف مستشفى ايهاب من ضمن الحساب؟
زفر نافيا بهزة من رأسه واعتراض واضح:
– دي ملهاش دعوة يا بهجة .
– لأ ليها دعوة يا باشا، مدام الموضوع كله حساب في حساب .
صدرت منها بقوة لا تدري من اين أتت، كما انها تندهش لصمودها حتى الاَن امامه، بل ومواجهته بحدة، لتستفز هذا الجزء المتعجرف داخله:
– وان وافقتك وقولت امين هتقدرى تسددي التمن وانتي رافضاني؟
سألها ليرى تأثير قسوة السؤال على ملامحها التي امتقعت بقهر نبع بداخلها، ليشفق ملطفًا:
– احسنلك تخرجيها من الحسبة يا بهجة ، عشان يبقى قرارك من غير ضغط ، انا بحط قدامك المميزات بجوازك مني، لا عايز اضغط ولا امسكك من ايدك اللي بتو.جـ.ـعك، فكري كويس وا عـ.ـر.في فين مصلحتك..
– افكر في ايه؟!
تمتمت بها وجـ.ـر.ح مزق قلبها لأجزاء ، لتردف بصراحة كاشفة بوجهه:
– طول ما الدين بتاعك مطوق رقبتي، يبقى حضرتك مش سايبلي اختيارات، كان عندها حق لورا لما صدmتني بالحقيقة في وشي، انا اللي كنت غـ.ـبـ.ـية وكالعادة غلبتني السذاجة اللي ورثتها من والدي ، عشان اصدق ان حضرتك فعلا بتعمل كدة لوجه الله او كرم منك، يا خسارة.
خرجت كلمتها الاخيرة بصوت بح من فرط ما يكتنفها من الداخل، ورغم الالم الذي كان يجتاحه لهيئتها تلك، الا انه أبى الا يظهر ضعفه امامها، ليواصل بجمود يتقنه:
– تمام يا بهجة، لو حابة تخلي الموضوع كدة، رغم انه على غير رغبتي، انتي حرة، انا بحاول أوسعها في وشك على قد ما اقدر، بس انتي مصممة تاخديها بدراما انا نفسي متفاجيء منها، ع العموم كدة باقي ردك.
اوما بكف يده في الهواء امامها، يوقفها ألا تتعجل التفوه بما لا يعجبه، فور ان افتر فاهاها لتهم بالرد، ليسبقها بحنكته:
– انا مش عايزك تردي في لحظة انفعال دلوقتى….. حاولي تفكري كويس وت عـ.ـر.في فين مصلحتك، معايا مش هتخسري حاجة بل بالعكس، انتي هتكسبي كتير وكتير اوي كمان.
صمتت للحظات تطالعه بنظرة قادرة على الإطاحة بكل ثباته، ليخر راكعًا امامها يطلب الصفح ويستجدي موافقتها، وبالصورة التي تريدها، ولكن ما الفائدة؟ وقد سبق السيف العزل، ولابد من مواصلة الضغط،
لتحسم هي بالترجل من السيارة دون استئذان، تصفق الباب بقوة وتغادر دون ان ينطق فمها ببـ.ـنت شفاه.
ليزفر هو طاردًا من صدره دفعة من هواء مشبع بإحباطه، والم ينغز بصدره كلما تذكر صدmتها به.
❈-❈-❈
بحث بعيناه داخل ارجاء الشقة بعد استيقاظه، ليجدها الان داخل المطبخ، تعد فنجان قهوتها على ماكينة القهوة، ف اقترب بخفة ليفاجأها بلف ذراعه حول خصرها من الخلف، يطبع قبلة على كتفها مرددًا:
– مصحتنيش ليه عشان اشرب قهوتي معاكي؟
تبسمت مستمتعة بغمرته لها تجيبه:
– محبيتش ازعجك، خصوصا وانت راجع متأخر امبـ.ـارح.
– امممم.
زام بفمه بعدm رضا يعقب على قولها بسـ ـخـــريــة :
– عندك حق، ما انا جيت لقيتك سهرانة مستنياني.
ضحكت تزيد من غـ.ـيظه وهي تلتف نحوه واضعة كفيها على صدره:
– وانا اعملك ايه؟ ما انا فعلا قعدت مستنياك لقريب واحدة على فيلم السهرة، بعدها محستش بنفسي غير الصبح وانا على فرشتي ونايمة جمبك، وعقلي قعد ساعة يسألني ، انا جيت هنا ازاي؟
زام بفمه مرة اخرى، يجاري لعبتها، فهو على علم تام انها شعرت بحمله لها حتى وضعها على الفراش، مما شجعه في محاولة ايقاظها بعد ذلك، ولكنه فقد الأمل حين لم تستجيب:
– اكيد بتمشي وانتي نايمة.
ضحكت مما استفزه ليضـ.ـر.بها بخفة على جانب رأسها ، متوعدًا:
– وليكي عين كمان تضحكي، دي جزاتي اني سيبتك تنامي وتاخدي راحتك.
واصلت ضحكاتها ، لتلقي برأسها فوق عظام صدره، وتلف ذراعيها حوله قائلة بامتنان:
– انا فعلا كنت عايزة ارتاح امبـ.ـارح، تعب السفر والسهر كوم عليا، نمت زي الجثة.
شـ.ـدد بذراعيه عليها، وفضوله يدفعه للتساؤل:
– بعد الشر عليكي يا روح قلبي، انا مقدر لاني انا كمان كنت تعبان ، لكن اعمل ايه بقى في الجماعة اصحابي، واصرارهم الغريب في الاحتفال بيا والسهر معاهم ، ياللا بقى، المهم بقى انا بقول نقضي النهاردة اليوم عائلي ، ايه رأيك نقضيه عندكم .
ارتفعت رأسها فجأة سائلة باستفسار لا يخلو من قلق:
– عندنا فين بالظبط؟
تبسم يداعب طرف ذقنها:
– عندكم اللي هو بيت العيلة، مع مامتك واختك، هي عيلتك عندها كام بيت؟
ابتلعت رمقها برفض مبررة:
– ونبتدي ليه ببيتنا؟ ما نروح عند عبير وبابا عزوز.
اضطرابها الصريح ومراوغتها في الحديث معه، جعلته يتأكد من صحة ظنه بعلمها بخروج هذا الفاسد من محبسه، ليردف لها حازمًا:
– بس انا عندي غاية النهاردة ادوق اكل الست والدتك، وان كان على والدي وعبير، فدول هنروح منهم فين؟
تابع قاطعًا فرصة الجدال معه:
– اتصلي برؤى وبلغيها عشان تعمل حسابها ع الغدا او العشا، اللي يريحها، انا فاضي ولسة في أجازتي، يعني معايا الوقت كله.
ختم قاطفًا قبلة سريعة من ثغرها، ثم غادر بخطواته الشامخة، ليتركها في تخبطها، وتساؤل عن المغزى من خلف زيارة المنطقة في هذا الوقت، وهي تعلم تمام العلم انه علم بخروج ابراهيم من السـ.ـجـ.ـن، ترى هل يقصد الاحتكاك به؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعد سماع الجلبة، والصوت الجهوري المميز في مخاطبة والدته، لتقع عينيه عليه جالسًا على مائدة الطعام، يتناول وجبته بنفس شهيته كعادته، بعد اختفائه بالأمس عن الترحيب به واستقباله كباقي افراد الحارة ، انه حتى لم يكلف نفسه بالسؤال عنه، بل والعجيب انه هو من اشتاق اليه، رغم كل ما يحمله من ضغينه نحوه،
ارتفعت ابصار الاخر لتلتقي به، يخاطبه ببرود:
– حمد الله ع السلامة.
– الله يسلمك.
تمتم بها ابراهبم متهكمًا، ليخطو ويقف قباله معقبَا:
– ياااه، اخيرا طلعت منك، كتر خيرك يا عم ورداني، جيت على نفسك ليه يا راجـ.ـل؟ ما كان بلاها احسن.
سمع منه عابد الورداني ، فواصل تناول طعامه دون اهتمام منه ان يجيبه، ليزداد الحنق بداخل الاخر، حتى انتفخت اوداجه وازداد اللهيب المستعر بداخل عينيه، لتلحق سميرة بذكائها فتجلسه على احد المقاعد، مبررة بلؤم:
– اقعد يا ابراهيم متبقاش حمقي، ابوك كان عنده بيعة مهمة امبـ.ـارح برا البلد، يعني مكانش فاضي لاستقبالك ، فهمت بقى.
زادت حدة ابراهيم في توجيه الغـــضــــب نحو ابيه مرددًا:
– افهم ايه ما انتي قولتي الحجة دي من امبـ.ـارح، وانا بلعتها بمزاجي، انما اصحى دلوقتي الاقيه بيبصلي ببرود ولا اكني بايت في حـ.ـضـ.ـنه، جرا ايه يا عم؟ دا انا لو عدوك هتفرح بخروجي من حبستي، الناس دى ايه قلوبها اللي عاملة زي الحجارة دي ؟
خرج عابد عن صمته ليباغته بسؤاله:
– وتفتكر بقى عشان خدت البراءة يبقى انت بريء بجد؟ ولا فاكرني صدقت انا بلعبة المحامي ابن الحـ.ـر.ام اللي امك دفعتله من فلوسي عشان يخرجك؟
شحب وجه ابراهيم متفاجًئ من حدته ، ليستطرد عابد:
– بلاش نتكلم ونفتح لبعض يا ابراهيم، انت شايل مني عشان مستقبلتكش، وانا قلبي مش راضي عليك من ساعة ما اتأكدت من مصيبتك.
انتفض عن كرسيه يلوح بسبابته امامه:
– تقدر تضحك ع الناس كلها وتفهمهم انك بريء، بس انا لا يا بني، عشان اللي ربى خير من اللي اشترى، وانا مش بس مربيك، لا دا انا خاتم على مصيبتك وحاططها في قلبي وساكت، دفعت من حر مالي عشان اخرجك ، لكن عمري ما هنسهالك، انك تخسرني صاحب عمري بقلبك الاسود وعمايلك المهببة، الا لو ربنا هداك، يمكن ساعتها انسى.
دفع بيده الطعام مستطردًا:
– وادي الاكل سايبهولك انت وامك، على الله بس تشبعوا.
قالها ثم انصرف تتبعه ابصار الاثنان، بذهول اخرس السنتهم، فهذه لاول مرة يكشف لهم عن سر امتناعه وغـــضــــبه الدائم عن زيارة ابنه الوحيد.
❈-❈-❈
بعد تململ وفترة من التقلب على فراشه، فتح عيناه للضوء الذي تسلل من الجزء الصغير المكشوف من زجاج الشرفة المغلقة، ليستوعب وضعه في الغرفة الجديدة، ليعود اليه الوعي فور ان استفاق لذراعه التي تضمها ، فيتطلع اليها جيدا، ويتبين انه لم يكن يحلم،
إذن تلك الصور الجميلة التي راودت عقله لم تكن حلمها بل واقع وحلق في سمائه منذ ساعات قليلة، الجميلة الساحرة بين يديه، تلك التي قبلت به رغم كل الفروق بينهم، وفضلته على من هو اوسم وأغنى وارقى منه، ما الذي يحدث معه؟ ما تلك السعادة التي تضخمت بقلبه حتى كاد ان ينفجر صارخًا، معلنًا بعشقها على الملأ،
هي العوض، لا بل هي الهدية الجميلة التي منَ الله عليه بها، يريد التأكد كل لحظة وكل دقيقة انه لا يحلم، وما الذ من التنفيذ عمليًا.
مال بعدm تصديق يقصد تقبيلها، ولكن وقبل ان يدنو منها جيدا ، فاجأته بفعلها، حينما عبست ملامحها بضيق، تدفع سبابته التي حركها بغرض إزاحة خصل الشعر التي تغطي نصف وجهها عنه، ليتبسم بمرح لفعلها، مقررًا التكرار بمداعبة طرف انفها، فعادت هي للعبوس مرة أخرى تدفع الهواء وكأنه ذبابة تحوم حولها.
ليزداد استمتاعًا ويضاعف من مشاكستها حتى اجبرها للاستيقاظ، تفتح عيناها للنور بضجر، فتلقفها بالتحية وقبلة خاطفة:
– صباح الجمال.
تجمدت لحظات في اللا وعي هي ايضا حتى استوعبت، لينتابها الخجل ، فتسبل اهدابها عنه دون رد، وقد لاح بذهنها كل ما حدث بالأمس.
فهم عليها ليزداد سعادة، مقبلا جفن عينيها بحنو:
– يا قلب شادي، بقيتي قطة وديعة يا صبا، امال فين الخربشة وروح الشراسة اللي بحبها فيك يا صعيدي انت يا مجنني؟
ارتفعت عيناها اليه مرددة بجرأة تتصنعها في رد له:
– ومالهم الصعايدة على اول الصبح، انت غاوي تجلب الوجه الجبلي عليك في صباحيتك يا شادي؟
جلجلت ضحكته الصاخبة تدوي مقهقهًا يردد:
– اوي يا صبا، انا حابب اوي اشوف الشراسة اللي كنت متوقعها.
أكمل بجرأة يفاجأها:
– أصل انا بصراحة كنت راسم صورة مخالفة خالص، افتكرت بقى هيبقى في خناقات، هجوم ودفاع، صد ورد، لكن الرقة دي مكنتش متوقعها ابدا من صبا.
ضاقت عينيها بغـ.ـيظ منه ومن وقاحته، لتدفعه بقبضتها في رد له:
– طب بَعد.
تبسم باتساع رافضا التزحزح:
– ابعد ايه بالظبط؟ مش فاهم ، ممكن توضحي اكتر؟
اردفت بغـ.ـيظ اشـ.ـد تحاول الفكاك من حصاره:
– بطل غلاسة يا شادي ، احنا لسة في اول اليوم متجفلنيش منك.
– ايه؟
تمتم بها ليقع من الضحك فيزيد من ضمها، هذه المشاكسة، تدعي الضيق والتأفف حتى تخفي خجلها منه كالعادة، ولا تدري بأنه يحفظها:
– صبا انا همـ.ـو.ت منك بجد جننتيني….
– بعد الشر عليك متجولش كدة .
قاطعته بها تجذب انتباهه وهذا القلق الذي اعتلى ملامحها، ليواصل مناكفتها:
– ليه يا قلب شادي؟ خايفة عليا؟
جاء ردها بقبضة قوية وجهتها لكتفه مردفه بحنق:
– ودي محتاجة سؤال؟ بعد عني يا شادي عشان انا اتخنجت منك بجد.
عصبيتها في توجيه الخطاب له، وقد احمر وجهها بانفعال جعله يلطف، مرخيًا ذراعيه عنها قائلًا بعشق:
– انا اسف يا قلب شادي لو زعلتك، معلش بقى قدري اني لسة غشيم فى التعامل مع القمر اللي معجون بعصبيه الصعايدة.
تبسمت لغزله، فدنى يدفن رأسه في تجويف عنقها ، يستنشق عبيرها، ثم يمرر شفتاه على بشرتها حتى وصل لثغرها ليعود ويتذوق شهدها من جديد، شاعرًا باستجابة منها على استحياء، ليردف بتأوه:
– ااااه ، يا لهوي عليك يا شادي، دا انت هتشوف الويل مع بـ.ـنت ابو ليلة .
❈-❈-❈
توقفت سيارة النقل العام بالقرب من الطريق المؤدي لمنطقتها، لتترجل منه عائدة الى منزلها، فلم تملك من الطاقة ما يجعلها تمارس عملها داخل المصنع والذي هو ملكه من الأساس.
ما السبيل وحتى رزقها يأتي عن طريقه، ان استغنت عن مجالسة والدته، كيف تستغني عن عملها في المصنع؟ وهو المصدر الرئيسي لإعالتهم، انه لا يطوق عنقها فقط بالدين، انما يمتلك قوت يومها، تبا له من مغــــرور ومستغل.
– راجعة بدري ليه عن ميعادك يا بهجة؟
وصلها الصوت المعروف لتغمض عينيها بتعب، فهي لا ينقصها الاَن من سماجة ابناء عمها، لتواصل متجاهلة الرد عليه، لتفاجأ به يتصدر امامها ويوفقها :
– جرالك ايه يا بهجة؟ انا بكلمك، لتكوني سرحانة!
وكأنه ضغط على زر الانفجار، صاحت به مرددة:
– يا سيدي وما اكون سرحانة انت مالك؟ هو انا هلاقيها منك يا سامر، ولا من اخوك اللي مزهقني برزالته في الرايحة وفي الجاية ، ما تحلو عني بقى ، دا انا كرهت الشارع وكرهت البيت اللي ساكنة فيه عشان خاطركم، اولع في نفسي عشان استريح منكم يعني؟
أومأ بصدmة لرد فعلها المبالغ فيه، ليتراجع مرتدًا للخلف بأقدامه، ملوحًا بكل يده امامها:
– خلاص يا بـ.ـنت عمي، انا اسف والله لو سألتك، سامحينى ان كنت قلقت عليكي ولا على حد من اخواتك ، انتي حقك تعملي اللي انتي عايزاه وانا ابقى مش محترم لو كررتها تاني .
كان قاصدا الضغط على عاطفتها، لعلمه جيدا بشخصيتها، والتي اكتنفها تأنيب داخلها لتلطف بتعب ممسكة بطرفي أصبعيها على أعلى انفها قائلة:
– معلش يا سامر، بس انا مخـ.ـنـ.ـوقة وتعبانة ومش قادرة حتى على الكلام، اعذرني في حدتي عليك .
– طب هو انا ممكن اسألك عن سبب الخـ.ـنـ.ـقة ؟
رمقته بحدة جعلته يتراجع على الفور:
– بلاش الخـ.ـنـ.ـقة، قوليلي ع اللي تاعبك وانا رقبتي سدادة، لو محتاجة دكتور او شيء انا تحت امرك .
زفرت بنفاذ صبر ترفض عرضه بزوق:
– لا يا سيدي كتر خيرك اوي، انا ماشية امدد جـ.ـسمي ع السرير وان شاء الله محتاجش لأي دكتور، عن اذنك بقى عشان مش متحملة الوقفة .
وبدون انتظار رده، تحركت ذاهبة من امامه على الفور، لتمضي في طريقها، متجاهلة النظرات المصوبة نحوها من اهل الحارة والمتسائلة لعودتها من عملها في هذا الوقت من الصباح .
لتسرع بخطواتها حتى وصلت الى منزلهم، لتدفع الباب بهدوء بعدmا فتحت بمفتاحها، ثم تدلف على أطراف اصابعها حتى لا يسيتقظ شقيقها الذي كان نائمًا في هذا الوقت ، بعد ليلة طويلة من السهر واستذكار دروسه، فتخطو بخفة حتى ولجت داخل غرفتها ، تخلع الحذاء، قبل ان ترتمي بجــــســ ـدها على الفراش، تطلع العنان لدmـ.ـو.ع تحتجزها منذ لقاءها بهذا المغــــرور .
❈-❈-❈
به شيء هذا اليوم مختلف ، صفحة البرود التي يتحلى بها دائما تغيب عنه بصورة مزعجة، مع تلك النظرات التي يصوبها نحوها الاَن وهي تدلف اليه بمجموعة من الملفات المطلوب البت بها، وهو جالس يهزهز كرسيه بملامح مغلفة لا تنبيء بشيء:
– حطيهم هنا.
قالها يشير بيده على سطح المكتب بجانبه، دون ان يلتقطهم منها ويعمل عليهم على الفور كما يفعل دائمًا، ثم يفاجأها بمطلبه:
– اتفضلي اقعدي يا لورا عايزك.
قطبت بعدm فهم، تظن انها قد فهمت خطأ، ليزفر بصوت عالي يشير لها مؤكدًا:
– بقولك اقعدي يا لورا ، هو انا بتكلم بلغة مش مفهومة.
جلست على الفور متمتمة بـ.ـارتباك:
– لا طبعا انا بس استغربت.
وضعت ساق فوق الاخرى مردفة بابتسامة ناعمة تلمس بكف يدها على شعرها:
– اممم انت تؤمر يا رياض باشا.
ضيق عينيه قليلًا يطالعها بصمت زاد من اضطرابها وتضاعف، حتى داعبتها الأماني والأحلام، لربما حدث وقد ما تتوق اليه وبشـ.ـدة في القرب منه.
لتسبهل اهدابها بخجل تتصنعه، تتحمحم برقة:
– رياض انت مقولتش لحد دلوقتي عايزني في ايه؟
– اسمي رياض بيه يا لورا، كذا مرة انبهك متخلطيش بين القرابة وبين الشغل.
اجفلها برده الجاف حتى ارتفعت عينيها اليه بإجفال ، ليواصل بجموده، غير مكترثًا بإحراجها:
– قوليلي صحيح يا لورا، هو انتي بقالك كام سنة شغالة معايا؟
كتمت زفرة الاحباط بداخلها، لتجيبه برسمية بحتة كما يريد:
– تقريبا من اول ما مسكت انت المصنع بعد المرحوم حكيم، بتسأل ليه حضرتك؟
مال بجــــســ ـده يسند مرفقيه على سطح المكتب يجيبها بغموض، واضعًا بندقيتيه صوب خاصتيها وكأنه يغوص بأغوارها:
– بسأل عشان اتأكد يا لورا ، بصراحة قاعد بعيد في دmاغي، لو كنت في يوم من الايام، خلطت علاقة العمل ما بينا وبين القرابة.
امتقعت ملامحها لتعقب بحنق يسري بداخلها منه:
– حضرتك عمرك ما عملتها، بدليل الموقف اللي حصل من دقايق.
لقد اوقعها في الفخ، هذا ما تأكدت منه فور تبدل ملامحه فجأة ليردف بصوت غريب عنه، وفظاظة تثير التساؤل:
– ولما هو كدة، ومفيش ما بيني وبينك غير الشغل، بتبلغي بهجة بمصاريف المستشفى بتاعة اخوها ليه؟ انا كنت طلبت منك ذلك؟
بهتت فاغرة فمها بازبهلال، وكأن المفاجأة شلت أطرافها، لتأخذ لحظات من الاستيعاب، استغلها هو في توجيه التوبيخ لها مضيفًا:
– كون انك قريبتي دا ميدكيش الحق ابدًا في انك تتدخلي في شئوني، سواء بتصرف صح او غلط ، انتي ميخصكيش.
خرجت الاخيرة بصيحة جعلتها تستفيق لنفسها، مستعيدة بعضًا من دهائها:
– حضرتك بتلومني وكأنك متأكد، انا بقى عايزة اعرف، هي ليه تبلغك بالكلام ده؟ لو بتحاسب على اختلاط علاقة القرابة مع الشغل، يبقى نحاسب البـ.ـنت دي اللي دخلت البيت تبث سمومها ولا اكنها بقت من اصحابه.
اجابها ببساطة ناسفًا كل اغراضها مما سبق:
– من اصاحبه او غريبة عنه، برضو انتى مالك يا لورا؟ انا حر في ممتلكاتي وحر اعمل اللي عايزه، انتي ملكيش في حياتي الا المسافة اللي محددها، ياريت بلاش تتعديها، عشان متخسريش شغلك قبالها، اكيد ت عـ.ـر.في كويس اني معنديش تهاون .
كان قاسيًا لدرجة افقدتها النطق للحظات، حتى اتجهت لسلاح الانثى الاخير، لتذرف الدmـ.ـو.ع متمتمة بمسكنة تجيدها:
– انت بتقولى انا الكلام ده؟ سمحت لواحدة زي دي تشوه صورتي قدامك، انا دلوقتي بس نـ.ـد.مانة لصفة القرابة اللي ما بينا، ع الاقل لو بشتغل عند حد غريب، هيراعي اكيد انه يعدل ما بين موظفينه، انا بشتغل عندك بقالي سنين ، عارفني كويس وعارف اخلاقي، مش واحدة شغالة عندك من شهور قليلة، ياريتني مت قبل ما اتعرض للظلم ده منك، ياريتني مت.
نهضت من امامه مواصلة فقرتها:
– حضرتك كمان تقدر ترفدني، ولو عايزها تيجي مني، انا مستعدة اقدm استقالتي برضو مش هعترض….. عن اذنك……
ختمت بشهقة لتكتم بكف يدها على فمها، وتركض من أمامه، منهية وصلتها، على امل التأثير بقلبه المتحجر، والذي تجمد محله، يطرق بقلمه بأعين فارغة كالزجاج، فاقدة للأحساس، حتى لو به شيء من تأنيب الضمير ، تغلبه دائما طبيعته عن التراجع، هذا هو رياض الحكيم، الذي قضى نصف عمره في بلاد الثلج مع قوم لا تهتم ولا تعطي قيمة للعواطف، والجزء الثاني كان بالصدmـ.ـا.ت المتوالية ، حتى كبر زيادة عن عمره سنوات، وزاد بقلبه الجفاء.
❈-❈-❈
توقفت السيارة اسفل البناية التي يوجد بها منزلهم، لتخرج هي اولا بحلتها الجديدة وقد صارت انثى بالمعنى الحقيقي، تشرح القلب بطلتها، لتتلقى الترحيب بلهفة من شقيقتها التي كانت تنتظرها في شرفة المنزل، لتلوح لها بكفيها في الهواء، فقابلتها هي بابتسامة رائعة، قبل ان تلتف رأسها فتلتقي ابصارها بذلك الذي برقت عينيه بذهول، لا يصدق ان تلك امنية التي كان دائما يراها عادية واقل من عادية،
بوجهها الممتليء وجــــســ ـدها الذي كان يظهرها اكبر من عمرها رغم اغرائه.
كل هذا ذهب الاَن، الوجه اصبح منحوتا يظهر جمال الملامح التي كانت مدفونة، وجــــســ ـدها مازال مغريا ولكن برشاقة الابطال، وهذه الهيئة الجديدة والملابس بدلتها تماما.
افترت زاوية فمه بابتسامة جانبية قابلتها بازدراء لتواصل طريقها، بعدmا القت بنظرها نحو ذلك الذي كان يقود السيارة حتى ركنها في موقع جيد قبل ان يخرج، بحلته الأنيقة التي تليق به، وعضلاته البـ.ـارزة تكاد تمزق السترة التي يرتديها ، بهيبة تجعل الجميع يحسبون حسابه، ثم هذه النظارة السوداء على عينيه، لتزيده غموضًا حينما وقف امام الاخر للحظات ، وكأنه يريه من هو،
قبل ان يتحرك بعد ذلك يلحق بزوجته، ليتمتم ابراهيم ف اثره بعدmا جفف الدmاء بعروقه :
– يا بن ال….. جاي تنفش ريشك عليا وتوريني عضلاتك، ماشي، ماشي يا سيادة الظابط….. ماشي يا امنية.
❈-❈-❈
في إحدى النوادي الاجتماعية الخاصة بالرجـ.ـال، كانت جلسة الاثنان، بعدmا اصر عليه كارم للخروج معه، ليستعلم ولو قليلًا عن سر جموده، وهذا الحالة الغريبة التي تتلبسه منذ لقاءه به، حتى امتنع عن مواصلة العمل، وهذا شيء من النادر أن يحدث،
اتى اليه بعبوة المشروب البـ.ـارد ليلكزه مشاكسًا:
– ايه يا عمنا؟ فوق كدة واشرب وفك عن نفسك .
تناول منه يتنفس زافرا ببعض الهدوء ليرتشفها متذوقًا لذعتها ، ليتأفف معبرا عن ضيقه:
– ايه ده يا كارم دي حراقة اوي، مش تجيب حاجة اخف.
تجرع منها الاخر بتلذذ قائلا:
– وهو في احلى من الحراق؟ دي حتى طعمها يهبل ومش مسكرة على حد طلبك.
اومأ رياض مستسلمًا دون اعتراض، مما دفع فضول الاخر للتساؤل:
– بس مش غريبة دي يا رياض، ان رغم عشرتك للخواجات العمر دا كله ومتكونش بتحب البيرة ولا حتى تشربها تفاريح.
ابتسامة ضعيفة لاحت على جانب فمه قبل ان يجيبه:
– اللي يعاشر الغرب خصوصا في السن الصغير بتاعي ، أكيد هيمشي على نظامهم، وانت عارف بقى والدي ووالدتي كانوا منفتحين ازاي؟
توقف يطرد من صدره دفعة هائلة من هواء ساخن، تشبع بحـ.ـز.نه بعد ذكره للإثنان، ليتمالك بعد ذلك مردفًا:
– بس طبعا انا لما دخلت الجامعة واشتغلت ، شوية شوية بقيت افتح دmاغي اكتر وامقت الحاجات دي من نفسي…….. وعلى رجوعي مصر كنت بطلت خالص، والتفت لشغلي.
اومأ كارم مقدرًا صعوبة الكلمـ.ـا.ت وهي تخرج من فمه، ليربت بكفه على ركبته بخفة، ثم سرعان ما غير دفة الحديث بتساؤله:
– طب قولي بقى، ايه اللي قالب حالك كدة؟
حينما ظل على صمته، واصل كارم بفراسة:
– هو انا ليه قلبي حاسس، ان ورا قلبتك دي في واحدة ست.
اعتلى الإجفال وجه الاخر، مما أكد الظن لديه، ليردف بإلحاح:
– يا عم احنا رجـ.ـا.لة زي بعض، قولي بس لو عندك مشكلة مع واحدة منهم، صاحبك له خبرة برضو مع الصنف.
– صنف؟
تمتم بها بعدm استيعاب، ليقهقه ضاحكًا بمرواغة كي يخفي تـ.ـو.تره، فهذا الماكر، لديه من الذكاء الحاد والقدرة على كشف اغواره:
– وربنا انت مشكلة يا كارم، ع العموم يا سيدي لما احتاج مساعدة مش هروح لغيرك، مدام انت راجـ.ـل عندك خبرة.
بادله كارم الضحك والمزاح، يحترم تحفظه، ليردف مرحبًا بمساعدته:
– وانا جاهز في اي وقت يا سيدي، وقت ما تعوزني بس أشر بإيدك.
اومأ بامتنان له:
– ماشي يا باشا.
❈-❈-❈
والى بهجة التي غفت على فراشها ، بعد وصلة من البكاء والحـ.ـز.ن، حتى استيقظت على صوت دفع الباب واقدام احدهم تلج اليها، ثم تخرج سريعًا بخطوات مرتبكه، حتى ارتطم شيئًا ما على الارض ، مما جعلها ترفع رأسها وجذعها سريعًا لتستكشف هوية الشخص الذي صار يصلها صوت اقدامه، لتخرج من غرفتها على الفور، وتفاجأ بفتح الباب الخارجي من المنزل، قبل ان يصفق سريعًا بخروج الشخص، فلاح أمامها سريعا طيف اللون الاخضر.
لتهرول كي تلحق بمن ظنته لصًا، ولكنها تفاجأت بظهر هذه المرأة التي كانت تعطيها ظهرها وتحاول الهبوط على الدرج ببعض السرعة الحريصة….. وترتدي عباءة منزلية خضراء!
فهتفت بها توقفها:
– كنت بتعملي ايه في البيت عندنا يا مرات عمي؟
انتفضت المذكورة وتشنج ظهرها برعـ.ـب من كشف مصيبتها، لتجبر على الالتفاف لها، تقبض بيداها على هذا الشيء الذي اخدته من الرجل الدجال ( عمل) وقد كانت تنوي اخفاءه بين اشياءها كي يعمل هذه المرة جيدا وينفذ المطلوب، واضعة برأسها ان هذا موعد عملها، لم تحسب ابدا انها ستجدها امامها على الفراش.
ابتلعت ريقها، ترتدي قناع الجمود سائلة:
– انت بتكلميني انا يا بهجة؟
خرجت لها بهجة من مدخل المنزل تضـ.ـر.ب كفا على ظهر الاخر مرددة:
– امال بكلم خيالي؟! انا شايفاكي بعيني دلوقتي وانت خارجة من باب البيت.
انتفضت دورية تاخذها العزة بالاثم متهكمة بفجر:
– وايه اللي هيخليني ادخل بيتكم يا عنيا، بدور على الكنز ولا اسرق الفلوس المتكومة يا حسرة؟ ما تصحي لكلامك يا بهجة وبلاش هلفطة خايبة منك.
صاحت بها مرددة؛
– هلفطة خايبة فين؟ انا بقولك شايفاكي بعيوني الجوز وانت خارجة من بيتنا، اما بقى عن السبب، فدا اللي انا عايزة اعرفه منك، ايه اللي يخليكي تدخلي بيت في غياب اهله؟
صوتها العالي جعل شقيقها يخرج من غرفته ليقف بجوارها بتساؤله، وفي الأسفل ايضا دفع سامية الى الصعود لمساندة والدتها التي كانت ترتجف من الزعر عكس ما تدعيه من قوة:
– في ايه يا ست بهجة؟ مالك يا ختي صوتك عالي ليه؟
– نقطتينا انت بسكاتك.
صرخت بها بهجة في وجه هذه الماكرة، والتي جاء تدخلها بنفعه لوالدتها التي استقوت بها:
– تعالي يا بـ.ـنتي شوفي بعينك واشهدي على امك اللي نازلة من شقة ابنها في امان الله، تقوم تخرج لها دي من غير سلام ولا كلام، وقال ايه، انا دخلت عندهم، يكش يكون عندكم الابعدية وانا مش دريانة!
دعمتها ابـ.ـنتها في السـ ـخـــريــة، تتخصر امام ابنة عمها:
– عندك حق ياما والله، قال ندخل بيتهم قال، دا انتو بتكملوا عشاكم نوم .
– انتى مش محترمة وقليلة الادب.
خرجت من ايهاب يسبق شقيقته، وقد استفزه قلة حياءها والسـ ـخـــريــة من وضعهم المادي، لتصيح متمتمة بالسباب، وكأنها تنوي الهجوم عليه، فتتمسك بها والدتها من التقدm:
– بقى انا قليلة ادب، وديني لكون موصلة الموضوع لاخواتي خليهم يربوك يا عيان يا ساقط في هدومك.
رد بقرف وشقيقته هو الاخر تمنعه من التقدm نحوها:
– كان عرفوا ربوكي انتي الاول، بدل ما هما سايبينك على حل شعرك.
– هما مين اللي سابينها على حل شعرها، ما تنقي كلامك يا إيهاب.
جاءت هذه المرة من شقيقها الاكبر والذي وصل على صوت الشجار الذي تجمع له العديد من البشر يتابعون ما يحدث.
لتلتقط سامية فرصتها تخاطبه بمسكنة:
– تعالى يا اخويا الحقنا، بـ.ـنت عمك بتتبلى على امي انها دخلت بيتهم، واخوها بيقل ادبه عليا انا، ويقول اني مش متربية، انااا بـ.ـنت عمه بيقول كدة اهيء اهيء.
تذرف الدmـ.ـو.ع الكاذبة ووالدتها تجاريها ايضا في رسم الدور، لتتجه ابصاره هو نحو بهجة التي علمت انه لا نفع من الجدال مع هاتين العقربتين، ولن تأخذ من المواصلة معهم سوى المزيد من الفضائح.
ليأتي صوته هو ملطفًا، بنظرات هائمة تبغضها:
– اكيد هما ما يقصدوش واللي حصل سوء تفاهم مش اكتر، ولا ايه رأيك يا بهجة؟ انا بقول نقعد مع بعض ونشوف المشكلة فين.
شهقت درية وابـ.ـنتها لهذا الرد الخانع وقبل ان يأتي توبيخها، صدر الرد من بهجة التي صرخت بقهر ونفاذ صبر:
– مش عايزة حاجة من خلقتكم، لا عايزة اعرف المشكلة ولا حتى اصلها، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل .
صارت تردد بها وهي تسحب شقيقها لتدخله معها ، ثم تصفق الباب بوجههم، لتدلف مع شقيقها الذي صار يردد بتساؤلات عدة تعجز عن الرد عليها،
ماذا ستخبره؟ وقد تجمعت الخيوط برأسها، من بداية حديث عائشة حينما اخبرتها بترجيح دخول هذه المرأة الى المنزل وهي كذبتها، ثم هذا الماء المسحور الذي وجدته رئيستها صباح على باب المنزل، وعلمت منها انها المقصودة، ثم دخولها الاَن الى غرفتها ف ميعاد عملها بالمصنع .
لتذهب الى غرفتها، تضـ.ـر.ب بذراعيها على الفراش بانهيار ، هذا اكبر من طاقتها، وقد نفذت طاقتها، الا يكفي ما يثقل ظهرها من هموم قادرة على كـ.ـسرها لتأتي هذه المرأة بأفعال السحر والشعوذة والله الاعلم بغرضها .
ظلت تفرغ قهرها بالبكاء حتى استفاقت تتذكر حديثها في الصباح معه، وما قد تسبب به من الم داخلي لها زاد من اوجاعها، ولكنها ابدا لن تستمر على هذا الحال، ابدا،
اعتدلت بجذعها تجفف دmعاتها بعنف باطراف اصابعها، لتلتقط الهاتف، وتطلب رقمه، جاءها الرد سريعًا بنبرته الهادئة البـ.ـاردة:
– الوو يا بهجة، انا معاكي.
استجمعت شجاعتها ليأتي ردها على الفور:
– انا موافقة.
– نعم؟
تمتم بها بعدm تصديق ليأتي التأكيد منها:
-،بقولك اني موافقة على عرضك، بس عندي شروط.
صمت قليلًا ليصلها صوته بعد ذلك:
– وانا موافق على كل شروطك يا بهجة.
جاء قولها بحدة:
– مش لما تسمعها الاول بعد كدة تقرر؟
قطر الحياة يسير رغم انفنا، لا يتوقف لمرض، ولا يحـ.ـز.ن لوفاة، ونحن العالقين بداخله، ماضين في طريقنا معه، رغم كل ما نواجهه من ويلات، يدفعنا الامل في الوصول بالمثابرة والتحمل .
حتى تجبرنا الظروف على أشياء كنا نستنكرها قبل ذلك، بل ونمقت من يفعلها ، فتدور الدائرة ونجد أنفسنا بين شقي رُحى، إما التنازل والتكيف مع الواقع، وإما ان نصارع طواحين الهواء؛ في حرب بذل الجهد بلا نتيجة تذكر، او ربما هزيمة تصيبنا بالدهس تحت عجلاته.
ترى هل سيأتي ذلك اليوم ويتوقف بنا في محطة السعادة، ام هي النتيجة الحتمية والمتوقعة، ولا ينتظرنا سوى المحطة الوحيدة التي نعلمها جميعا، علّ بها نجد الراحة الأبدية من كل شيء.
بـ.ـنت_الجنوب
بداخل احد المطاعم الفاخرة.
وقد اتى بها بعد اتصالها مباشرةً به، لتجلس امامه الاَن مقابلة له، على طاولة جمعتهما وحدهما في ركن مميز ومنزوي عن البشر، حتى تأخذ حريتها وتتحدث دون خجل:
– ها يا بهجة، تحبي اطلبك ايه؟
بادرها بالحديث، ينتشلها من شرود اكتنفها، وكأنها سبحت بعالم اخر، بتأملها لتلك التفاصيل الصغيرة، والمعبرة عن شيء مضاد تماما عن مغزى الجلسة، الاضاءة الخفيفة وهذه الشموع التي تزين وسط الطاولة، والموسيقى الهادئة، وكأنه يسخر منها بهذه الأجواء الرومانسية.
ابتسامة جانبية لاحت على زاوية فمها، لتلتف اليه قائلة:
– شكرا يا باشا، انا مش عايزة اي حاجة، خلينا ندخل في الموضوع اللي جينا عشانه.
اومأ ملوحًا بيده امامها كي تتريث قليلًا، لينظر للنادل الواقف بالقرب منهما، يخبره بإسم اجنبي للمشروب الذي يريده له ولها.
لتزفر هي متغاضية عن الاعتراض، وانتظرت حتى انتهى، ليعطيها اهتمامه بالكامل قائلا بابتسامة هادئة اثارت استفزازها من الداخل:
– انا طلبت لنا احنا الاتنين نفس المشروب، لأني متأكد انه هيعجبك، وان كان ع الكلام، احنا لسة في بداية القعدة.
سحب شهيقًا طويلاً قبل ان يزفره، في فعل فضح تـ.ـو.تره، رغم اتزانه المبالغ فيه، ليستطرد:
– يلا يا ستي اتفضلي قولي شروطك.
تطلعت اليه ببعض الجمود وكأن العدوى اصابتها، لتجيبه بثبات:
– أولًا عشان نبقى واضحين من اولها، الجواز حتى لو في السر مش هيتم غير على ايد مأذون.
تحمحم يحك جانب فكه الشمال في لفتة اظهرت إعتراضًا هم بالتعبير به، ولكنها سبقته قاطعة، ناجزة، تجاهد غـــضــــبها من الداخل:
– لا حضرتك دا مش محتاج تفكير، لأن انا مبعترفش بأي حاجة تانية غيره، لا ورقة عادية ولا حتى مسجلة في الشهر العقاري، حتى لو كانت مباحة، في شرعي انا اسمها زنا وانا عمري ما كنت خاطية.
قالتها بانفعال جعلته يبرر بأسف:
– محدش قال الكلام دا يا بهجة، انا دارس برا وبشوف الحاجات عادية جدا، يعني بس…..
هم ان يتابع لإقناعها ولكن امام حدتها اضطر للإذعان يوميء على مضض:
– اللي تحبيه يا بهجة، كدة خلصنا من الاول، اللي بعده بقى.
لانت ملامحها بعض الشيء لعدm تشـ.ـدده في هذه النقطة وموافقته السريعة، لكن سرعان ما عاد جمودها في التفوه بالاخر:
– ياريت المدة متزيدش عن شهر ولا شهرين، عشان منعطلش بعضنا كتير، وكل واحد يمارس حياته في…..
– استني هنا وقفي.
قاطعها سائلًا بضيق لا يخلو من ريبة:
– هو ايه اللي شهر ولا شهرين، هو احنا رايحين رحلة؟
– امال يعني هنتجوز جواز طبيعي؟
تمتمت بها، تجفله بصراحتها، لتواصل بإفحامه:
– حضرتك من الاول حددت انها رغبة وقولتها في وشي بدون تزويق، واظن يعني الرغبة دي مهما كانت قوتها مبتزيدش عن كدة، يبقى لزومو ايه العطلة ع الفاضي؟
عض على نواجزه، يكتنفه غـ.ـيظ شـ.ـديد، لا تعجبه هذه الصراحة الفجة منها، لماذا لا تسهل عليها وعليه الامر؟
ضاقت عينيه بزفرة قانطة ينهي هذا البند:
– اللي بعده يا بهجة خلينا نخلص.
دارت مقلتيها بتفكير سريع تجيبه:
– اللي بعده يعتبر مش شرط، اصل مدام بانتهاء العقد هينتهي شغلي في المصنع….
قاطعها سائلًا بإجفال:
– شغل ايه اللي هينتهي؟ وتسيبي الشغل ليه اصلا؟
ردت ببساطة :
– عشان مهينفعش اكمل في مكان انت موجود فيه.
تبًا، لما يشعر بالقسوة خلف كلمـ.ـا.تها، ولما هذا الضيق المفاجيء الذي يجثم على انفاسه لمجرد الفكرة، ليكن الصمت هو رده فتابعت هي:
– ومدام كدة كدة هكمل الشهر او الشهرين دول في الشغل يبقى ارجع لقسمي القديم مع زملائي اللي قضيت معاهم احلى سنين….
– لأ.
خرجت منه سريعًا برفض تام، وقد لاح على الفور وجه هذا الفتى الذي يعمل معها وينتظر موافقتها على الزواج، والذي قد يحدث فور انفصالها عنه، بعدmا تتيسر حالتها المادية، اللعنه.
تلك الافكار طرأت سريعًا بعقله لتعبث به، فيشـ.ـدد هو بتعصب تام:
– رجوعك لقسم التفصيل تاني، انسيه خالص يا بهجة، عندي اقبل بكل شروطك إلا دي، اقلبي يلا ع اللي بعده خلينا نخلص.
زفرت بحنق يسري بداخلها من هذا المتسلط، يريد فرض امره حتى في شيء صغير كهذا .
– هتفضلي ساكتة كتير؟ ولا اعتبر كدة انتهينا؟
– لا طبعا مانتهيناش.
صدرت منها في رد له، بعدmا اجبرها لذلك، لتبتلع ريقها ، مردفة شرطها الاخير بحرج:
– انت قولت هتأمن مستقبلي انا واخواتي بمبلغ…..
– دي مسأله مفروغ منها يا بهجة، المبلغ هيتحط في حسابك مجرد ما توافقي ونحدد الميعاد.
– طبعا ما بيعة وشروة وانت تاجر شاطر ومحدش يغلبك .
غمغمت بها وكأنها تحدث نفسها ، لتثير بداخله الفضول بسؤالها:
– بتبرطمي بتقولي ايه يا بهجة؟ سمعيني .
– مش ببرطم ولا ازفت.
رددت بها نافية بخشونة، ليعتلي التـ.ـو.تر ملامحها بعدها، وتردف بأمنيتها الاخيرة:
– بس انا كنت عايزة حاجة تاني غير الفلوس……. يعني لو……
– لو ايه يا بهجة؟ قولي.
تشجعت تجيبه:
– لو تقدر تشوف لنا بيت لينا انا واخواتي، يكون فيه جنينة، مش عايزاه كبير، كفاية يكون محندق علينا، وبعيد عن اي جيران تأذينا، حتى بعدها، مش عايزة فلوس في البنك ولا اي حاجة تاني، المهم يبقى أمان، بس كدة.
نبرتها الضعيفة اثارت التكهنات بداخله ليسألها بتوجس وغـــضــــب لا يعرف سببه:
– ليه يا بهجة؟ انتي حد بيضايقك في المنطقة اللي ساكنة فيها؟
– مش لازم حد يضايقني، انا عايزة امشي وخلاص
رددت بها بنفي قاطع اصابه بالإحباط، والغـ.ـيظ ايضا لتكتمها الشـ.ـديد في أمر كهذا يعتبره يخصه، ليعض على باطن خده من الداخل يردف:
– عايزة حاجة تانية غير البيت؟ لو هنشيل فرض الفلوس من اساسه.
اومأت برأسها بملامح تبدلت تمامًا ، بلمحة من اشراق اعتلت تعابيرها:
– نفسي في وكالة بدل اللي ضاعت من ابويا .
❈-❈-❈
والى سمير الذي مازال يتابع بأسئلته ، ينتابه الشك في حديث والدته وشقيقته واللتان لم يكفا عن القاء اللوم نحوه.
– ايوة برضو مش قادر اعقلها، ايه اللي يخلي بهجة توقف امي وتتبلى عليها؟ دي اكتر من سلام ربنا ما بتزودش غير لما احنا نلح عليها.
– يعني قصدك ان انا اللي بتبلى عليها؟ طبعا وانا هستنى ايه منك يا خلفة الندامة، دا انت وقفت قدامها وريلت زي الدهول في عز ما الخناقة قايمة، بدل ما تدافع عني وتيجبلي حقي.
دعمتها ابـ.ـنتها تتهكم بسـ ـخـــريــة:
– لا ياما ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده؟ هو يجيب حق السنيورة اولى، اصلها مظلومة يا عيني، واحنا الناس المفترية.
كز على اسنانه ينهرها بغـــضــــب:
– اتلمي يا سامية بدل ما اديكي كفين يعدلوكي، انا على اخري منك يا بت.
شهقت فاغرة فاهها بمبالغة تقارعه بما يشبه الردح الشعبي:
– تضـ.ـر.بني دا ايه يا عنيا؟ كنت ابويا انت ولا كنت ابويا ، ولا هو مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة .
– مين الحمار يا حمارة؟
صاح بها مندهشًا لوقاحتها، فتدخلت والدته توقفه عن الفتك بها:
– خلاص يا بت اهمدي بقى، وانت يا خويا روح لها وقويها على امك، يمكن تحن عليك وترضى، مش خدت غرضها وخربت بيتك انت عشانها .
– بيت مين اللي خربته عشانها؟
غمغم بها بعدm استيعاب، ليضـ.ـر.ب كفا بالاخر يردف بالحوقلة:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، دا انتو هتخرجوني من هدومي.
– هما مين دول يا واد اللي هيخرجوك من هدومك؟
جاء الصوت الاجش من مدخل المنزل، وقد تسائل به والده، والذي دلف بصحبة ابنه الاصغر سامر، تتنابه الريبة هو الاخر:
– هو انتو متخانقين ولا ايه؟
امتنع سمير عن الرد ينفض سترته بغـــضــــب ، فلا ينقصه تدخل شقيقه اللزج، والذي قد يستغل الفرصة لصالحه، اما سامية ووالدتها فقد تشتت تركيزهم، مع عدد الاكياس التي دلف به خميس ، يرتدي ملابس جديدة بهيئة متأنقة وكأنه اتى حالا من صالون الحلاقة للرجـ.ـال .
.
انتفضت سامية سريعًا تتناول الاكياس، لتفتش عن محتوياتها بفضول:
– ايه الاكياس دي كلها؟ هو انت جبت حاجات جديدة يابا؟
تبسم يتفاخر ، رافعًا بنطاله الذي يسقط دائما منه للأعلى، لتمصمص بشفتيها زوجته، معقبة بسـ ـخـــريــة:
– ايوة ياختي ما يشتريش ليه؟ هو صغير؟ دا كمان وشه منور ومحلو ، ايه يا خميس؟ يكونش يا خويا بتعمل ماسكات عند الحلاق وتخفف حواجبك زي العيال اللي طالعة؟
عبست ملامحه بتعالي عن سخريتها يقول:
– وماله لما اهتم ببشرتي يا جاهلة؟ دي حاجة تفيدني مش تعيبني، قال زي العيال اللي طالعة قال…. على اساس اني عجزت اصلا!…… جاهلة .
بصق كلمـ.ـا.ته وتحرك نحو غرفته ذاهبًا، حتى اذا دلف اليها اتجه الى المراَة يتأمل هيئته الجديدة بزهو :
– يا سلام عليك يا واد يا خميس، رجعت عشرين سنة لورا، قال والبومة بتتريق عشان منور عنها ، ااااه، ياما نفسي القمر يرجع من تاني للحارة ، هي بطلت ما تيجي ليه بس ؟!
❈-❈-❈
نهض عن مائدة الطعام، يرفع كفيه بامتلاء مرددًا:
– ياااه دا انا كنت محتاج الاكل الدسم ده اوي ، تسلم ايدك يا حمـ.ـا.تي.
ردت شربات بانتشاء وقد أسعدها اطراؤه:
– يسلم عمرك يا قلب حمـ.ـا.تك، بس انت اكلتك ضعيفة، دا برضو كلام؟ كمل اكلك كويس يا حضرة الظابط.
جلجلت ضحكته الصاخبة مرددًا لها:
– كل ده وصغيرة، ولا انا بطني اساسا بقى فيها مكان للميا حتى، قوليلي الحق ادور على حاجة للهضم.
جاء الرد هذه المرة من رؤى:
– لا يا حضرة الظابط معلش بقى استني شوية على دوا الهضم على ما تاكل الحلو عشان يبقى بالمرة .
– كمان في حلو؟ يبقى استني، الحمام فين بقى عشان اغسل ايدي؟
– كدة شمالك على طول يا عصام، ولا استنى اروح معاك احسن.
قالتها امنية، لتلحق به وتحضر له المنشفة، حتى اذا انتهى طلب منها الانتظار بداخل غرفتها، وهي كالعادة اطاعته.
لتلج به داخلها، ترحب به:
– اهي يا سيدي اوضتي، اللي قضيت فيها طفولتي وشبابي .
خطا داخلها يتأمل كل ركن بها بأعين متفحصة، يعلق بمرح على بعض الاشياء الانثوية بها، ويسخر من بعضها كي يثير غـ.ـيظها حتى جلس على تختها مرددًا بخبث:
– حلو السرير ده، خشبه متين ويتحمل .
– يتحمل ايه؟
سألته ببرائة ، لتجد الرد منه بغمزة وقحة صائحة به:
– انت بقيت قليل الأدب اوي يا عصام.
عض على شفتيه، يشير بسبابته على فمه متمتمًا بهمس:
– عيب يا بـ.ـنت، صوتك يطلع برا ونتفضح، وتعالي يلا من سكات .
قال الاخيرة مشيرا لها بيده، لتعترض هي ضاحكة:
– لا وحياتك ما يحصل، بعد ما عرفت نيتك اجي برضو؟ دا انا ابقى عبـ.ـيـ.ـطة.
لتتحرك نحو الشرفة، تفتح شراعيها متابعة:
– وادي كمان البلكونة فتحتهالك، عشان تلم نفسك بالمرة.
عض على شفته السفلى بغـ.ـيظ في رد لها:
– ماشي يا امنية، لينا بيت يلمنا.
ضحكت متكتفة الذراعين شامتة به، لينهض مكررا لها بالوعيد، واقدامه تتقدm نحوها ، حتى دلف داخل الشرفة يسبقها في النظر للخارج، عيناه تدور في كل زاوية بالحارة وكأنه يقيمها، حتى وقعت ابصاره على المقصود ، وقد كان جالسًا يدخن الشيشة على احد مقاعد القهوة المقابلة لهم، ف انتبه له الاخر، ليغمغم بحنق، من بين دخانه الكثيف الذي يخرجه بفمه:
– وبعدين بقى في رزالة امك دي ع المسا، غاوي تجر شكلي ولا ايه؟ دا انا على اخري.
أما امنية والتي انتبهت هي الأخرى للحرب البـ.ـاردة بين الطرفين،
درءًا للمشاكل سحبت زوجها من ذراعه تعود به للداخل قائلة:
– عصام يا حبيبي، بلاش تخليني اصدق ظني في انك قاصد تجر شكله.
رد بتعالي يليق به:
– وهو مين دا كمان عشان احطه في مخي؟ فسحي يا امنية خليني ادوق الحلو، حكم نفسي انفتحت اوي عشان احلي.
تابعت ذهابه امامها تتنهد بيأس ، تتضرع الى الله كي يمر الامر على خير.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها في طريقها للعودة الى منزلها، وقد كانت صامتة معظم الوقت، على عكسه هو الذي لم يمنعه صمتها في الحديث وسؤالها حتى على اشياء تافهه، فتجيبه باقتضاب، وكلمـ.ـا.ت محددة، ليس لديها طاقة لأي شيء.
عيناها لخارج النافذة، شاردة فيما يحدث وما آل اليه حالها كي توافق على شيء كهذا، مع رجل أملت فيه خيرا ان يعيد ثقتها في جنس الرجـ.ـال اجمعهم، ليعيدها بموقفه الى نفس النقطة بل اكثر، وان كانت وافقت على بيع نفسها له، من اجل الامان لها ولأخوتها، فهي تبصم بالعشرة انها لن تكرر هذا الأمر بالزواج من غيره.
– أكمل بيكي لحد فين بالظبط يا بهجة؟
انتبهت لقوله، لتستدرك قرب مرور السيارة من منطقتها، فهتفت به بجزع:
– لا وقف هنا طبعا، وقف حالا يلا .
امتثل لرغبتها وتوقف حيث اشارت، ليلتف اليها بابتسامة مطمئنًا:
– خلاص يا ستي وقفنا متقلقيش.
اومأت تهم بالترجل، ولكنه منعها ممسكًا مرفقها:
– استني يا بهجة، على طول كدة ماشية!
نزعت يدها ناظرة له باستفهام:
– وهستنى ليه؟
– تستني يا ستي عشان تسمعيها مني، وت عـ.ـر.في اني مبسوط اوي بموافقتك، مبسوط لدرجة اني مش عارف اعبر بالكلام.
قالها بصوت غريب عن بروده المعتاد، نبرة تتخللها الحرارة، حرارة الاحساس ، ياللعجب.
هذا ما تهكمت به داخلها، فكان ردها إيماءة على مضض، قابلها بابتسامة عابثة وكأنه قرأ أفكارها:
– انا عارف ان انتي لسة مشتتة، وعقلك بيروح في مية حتة، بس احب اكدلك، ان عمرك ما هتنـ.ـد.مي على قرارك، خليكي واثقة في كدة.
هذه المرة قابلت قوله، بابتسامة صفراء مرددة له:
– ماشي يا باشا، عن اذنك بقى؟ مش عايزة اتأخر على اخواتي.
❈-❈-❈
دلف الى المنزل ليفاجأ بأصوات التذمر من والدته، وتحايل الدادة نبوية لها، هي وشقيقتها؛
– حبيبتي طب كُلي الاول وبعد كدة اعملي اللي انتي عايزاه.
– يا مدام نجوان حـ.ـر.ام عليكي نفسك بقى؟
– ايه في ايه؟ هي مالها؟
تمتم بالأسئلة فور اقترابه منهم، ليصعق بهيئتها المزرية، وهي منكمشة على نفسها، بحـ.ـز.ن تجمدت به قسمـ.ـا.تها، وقبل ان يعاود استفساره، جاءه الرد من نبوية :
– تعالى يا رياض يا بني وشوفها بنفسك، من امبـ.ـارح قالبة الدنيا على بهجة اللي غايبة عنها بقالها يومين، حتى وصيفة اللي كانت بتحبها زمان، رافضة اي تعاون منها، كل اللي على لسانها بهجة او عائشة ، انا بصراحة احترت معاها.
تدخلت وصيفة بحـ.ـز.ن هي الأخرى:
– شكلها مش متقبلاني بدل اللي اسمها بهجة دي، ياريتني ما سيبت مكاني ولا جيت من اساسه، وانتو برضو استعجلتوا على طرد البـ.ـنت.
انتبهت نجوان على العبـ.ـارة الاخيرة، لتلتف نحو ابنها بنظرة متسائلة بغـــضــــب، قابلها هو نافيًا:
-اهدي يا ماما ، انا مطردتهاش، بهجة متطردتش يا جماعة، هي بس كان عندها ظروف منعتها تيجي النهارده.
عادت لتلتف اليه فتطوعت نبوية باقتراحها:
– طيب ممكن تتصل بيها تيجي دلوقتي؟
وقبل ان يرد زامت والدته بتذمر تضـ.ـر.ب الارض بقدmها:
– عائشة، عائشة.
– اه دي عايزة العيلة كلها بقى.
عقبت بها وصيفة ساخرة ليأخذ هو القرار على الفور، ليهاتفها، فجاءه الرد بعد مدة من الوقت، بنبرة متسائلة لا تخلو من ضيق:
– الووو….. ايه في ايه تاني؟
لملم بصعوبة ابتسامة لاحت على جانب فمه، ليستجدي الجدية في الرد عليها :
– معلش يا ست بهجة هنتعبك معانا، بس احنا عايزينك في طلب ضروري.
زاد التوجس داخلها، لتردد متسائلة:
– طلب ايه؟
❈-❈-❈
في غرفتها السابحة في الظلام منذ ساعات لا تذكر عددها، كانت منزوية بها، تعيش كاَبتها بعد الذي حدث منه، على امل اتصال منه، او ترضيتها عن قسوته في توبيخه لها، ولكن طال الانتظار دون جدوى، لتهبط عزيمتها ولا تجد سبيلا امامها الا بالنوم كحل جيد للهرب؛ لتأتي الاَن والدتها محملة بطاقة من الغـــضــــب، تزيح الستائر بقوة ، حتى تدخل ضوء النهار الى القلب المظلم ، قلب ابـ.ـنتها؛
– اصحييييي، اصحي بقى، ايه؟ دا كله ولسة مشبعتيش، نوم؟ هتفضلي فيها لحد ما تمـ.ـو.تي وتعفني مكانك؟
تذمرت ترفع رأسها عن الوسادة، تغطي بكفها على عيناها:
– طب خففي الضي دا شوية الاول، عيني مش عارفة افتحها.
رفضت المرأة بتصميم تام تجلس على جانب فراشها:
– لا يا حبيبتي مش هخفف، انا عايزاها كدة قوية، تدخل عينك تشيل الغشاوة اللي عليها، او تنزل لجوا قلب وتنضفه من كل الرواسب المعلقة فيه.
تمتمت لورا بإحباط، لتعود للنوم ضاربه بقبضتها على الوسادة:
– رواسب ايه بس يا ماما؟ انا الغلطانة اللي حكيتلك.
قالتها بإشارة عن موقفها مع رئيسها في العمل رياض الحكيم، لتنتفض المرأة بضيق متعاظم:
– بقى هو دا اللي وصله تفكيرك المحدود؟ دا بدل ما تلومي نفسك، اللي وصلتك لحالتك دى مع راجـ.ـل زي ده، بـ.ـارد المشاعر ومعندوش احساس، ما تخلي عندك كرامة وتسبيه يحتاس مع نفسه، يمكن ساعتها يعرف قيمتك.
– اسيبه وابعد عنه؟
تمتمت بها، لترتمي على الفراش مرة اخرى تغمغم باسف:
– ياريت كنت اقدر كنت عملتها ومستنتش، بس اعمل ايه بقى؟ وانا عارفة ومتأكدة انه حتى لو ملقاش غيري يسد مكاني، برضو مش هيغلب ومش بعيد كمان يقوم هو بنفسه بكل حاجة، دا زي القطر ما بيوقفش غير في محطته ويدوس في طريقه على غيره بكل سهولة، والغلط ع اللي يوقف في وشه.
زفرت المرأة تردد خلفها كازة على اسنانها:
– يعني عارفة كل العيوب دي فيه، وبرضوا باقية عليه ومتمسكة؟ لا دا انتي مريـ.ـضة بقى وربنا يشفي عنك.
نهضت عن التخت مغمغمة بيأس منها:
– انا قايمة قبل ما اتشل منك ولا اتجلط ، صبرني يارب.
قابلت عاصفة والدتها بهدوء تام تردد بهذيان:
– انا فعلا مريـ.ـضة بيه، وبرضوا دوايا هو.
❈-❈-❈
ترجلت من السيارة بفرحة، تندفع نحو البناية السكنية بلهفة، لدرجة جعلتها تترك يد نبوية التي صارت تلحق بها بقلق، امام ابتسامـ.ـا.ت العم علي سائق السيارة ، والذي اعتاد على اهل المنطقة من تعدد ارتيادها:
– استني يا هانم، لا تدخلي في حد بلهوجتك دي….. يا نجوان هانم استني .
حمدت الله حينما وجدتها تدلف داخل البناية بسلام وما همت بدخولها هي الأخرى، حتى تفاجأت بالرجل المتصابي الذي تعرض لهم من قبل يشهق بفرحة امامها فيسد عنها الصعود الى الدرج .
– يا نهار ابيض يا ولاد، يدوب افتكرك من دقايق، قوم اتفاجأ دلوقتي والاقيكي في وشي ولوحدك كمان من غير عزول، دا يوم الحظ بالنسبالي ولا ايه؟ يا ريتني افتكرت جوازة بالمرة .
لحقت نبوية لتفعل بجــــســ ـدها حاجز بينها وبينه، منتبهة للزعر الذي اصاب سيدتها، حتى خشت من رد فعل غير محسوب منها.
– في ايه يا استاذ انت؟ مش ملاحظ المدام مخضوضة منك؟ ابعد بقى عن وشها الله يرضى عنك.
تشـ.ـدق خميس وكأنها اخطأت في شخصه الكريم:
– مخضوضة مني انا؟ ليه يا ختي شايفاني عفريت ولا شايفاني عفريت، دا انا راجـ.ـل ملو هدومي، الارض بتتهز تحت رجليا مع كل خطوة بخطيها.
اصاب نبوية الذهول وهي تتطلع اليه، بفم منفرج، لا تصدق هذه الثقة التي يتحدث بها:
– يا استاذ محدش غلط فيك ، انا بس بقولك خليها تعدي، الست هانم خايفة منك بجد والله، مش شايف حالتها؟
– مالها حالتها؟ ما هي زي القمر اهي، شعر اصفر ولا الخواجات، وبشرة بيضة ولا بت اربعتاشر…..
باشر يوجه باقي الكلمـ.ـا.ت نحو نجوان التي وجدت ملاذها بالتمسك بنبوية والاحتماء بها:
– تصدقي بالله يا هانم، انتي احلى من البت سامية بـ.ـنتي واللي يشوفك يديكي اصغر منها، رغم انها حلوة، ومش زي البومة امها لكن برضو فرق السما والارض ما بينكم .
– هي مين دي اللي بومة يا خميس؟ هاا؟
صدر الصوت الجهوري من الأعلى، ليشهق هو بفزع، جعله يرتد بظهره خطوات، حتى كاد ان يسقط على المسكينة نبوية لترتد بخطواتها مرددة:
– يا نهار اسود، ما تخلي بالك يا راجـ.ـل انت.
تمتم خلفها يحدث نفسه وعيناه منصبة على تلك التي تهبط نحوه بهيئة لا تبشر بالخير:
– استني انتي كمان، ولا خديلك ساتر، روحت في شربة مية يا خميس.
وصلت درية بشرارها ونارها، تلقي بحريق نظراتها نحو زوجها وتلك المرأة الجميلة والتي كان يتغزل بها زوجها، لتردف بغـــضــــب:
– والله عال يا سي خميس، بقى بتغلط فيا انا وتقول عليا بومة عشان دي؟ دا انا هخلص عليكم انتو الاتنين .
جاء رد زوجها والذي كان ملتصقًا بالحائط:
– يا روح قلبي انتي اكيد فهمتي غلط، انا عمري ما اغلط فيكي، ما تقوليلها انا كنت بقولك ايه؟
ردت نبوية والهاتف بيدها تحاول مهاتفة شخص ما:
– اقول ايه ولا اعيد ايه انت كمان؟ انا غلطتي اني ما اتصلتش بالست بهجة اول ما وصلت.
– الوو يا بهجة، انزلي الحقينا الله يرضى عنك ، احنا في مدخل البيت.
هتفت بكلمـ.ـا.تها الاخيرة حينما جاءها الرد من الجهة الاخرى، لتترك الباقي لها. وتعطي انتباهها لتلك المرأة التي صارت تهلل بعدm اكتراث:
– نعم يا حبيبتي، خليها تنزل لنا الامورة وتورينا هتعمل ايه؟ يعني مش كفاية موقفة حال ولادي الرجـ.ـا.لة، عشان تجيب اللي يشغل ابوهم كمان ، لا ده انا اطين الدنيا على راسكم كلكم.
هبطت على اثر كلمـ.ـا.تها بهجة لتتولى زمام الامور في رد مفحم لها:
– يعني هي حصلت كمان تتعرضو لضيوفي وللهانم اللي بشتغل عندها……..، لا بقى يا مرات عمي، انتي تروحي تشوفي مشكلتك عند واحد شيخ، يحل عقد الولاد، ومشكلة ابوهم اللي بيدور على شبابه اللي راح منه مع واحدة زيك .
بتلميحها المبطن استطاعت بالفعل الجامها، لينعقد لسانها بإجفال جفف الدmاء بعروقها، وكأنها تهدد بفضحها امام زوجها الابله، والذي وقف يراقب ابنة اخيه تسحب نجوان وتصعد بها هي ومساعدتها نبوية، امام زوجته التي اصابها خرس غريب، يثير التعجب بحق ، ولكنه كان فرصة ليهرب هو الاخر من امامها ، خارجا من البناية.
❈-❈-❈
في الأعلى وبعد ان صعدت معها، اكتفت نجوان بالجلوس مع عائشة وتجاهل شقيقتها الكبرى رغم محاولاتها الدائمة في الحديث معها:
– يا نوجة يا قمر، معقول تكوني شايلة مني للدرجادي؟
تبسمت نبوية شارحة لها، ما انا قولتلك من الاول، هي زعلانة عشان غايبة عنها بقالك يومين، وشبطتها النهاردة في عائشة .
سمعت منها بهجة لتشاكس الاخرى بمزاح:
– يعني انا الحق عليا اني نزلت اجيبك بنفسي؟ طب ما كنت بعت عائشة بقى عشان تشبط في درية بالمرة، مدام كدة كدة هتفضليها عني.
عقبت الاخيرة بانفعال ليس غريب عنها:
– انتي بتقولي فيها يا بيبو، وربنا لولا بس البت جنات حاشتني ما انزل ما كنت سكت، لساني بياكلني اقسم بالله، نفسي افش غليلي فيها الست دي، ولا عمك سبع الرجـ.ـال اللي فاكر نفسه رجع عيل صغير.
تنهدت بهجة قائلة:
– معلش يا عائشة، ربنا يفرجها علينا ونسبيهالهم خالص، يمكن حالهم يتصلح لما نمشي، مدام احنا السبب في كل المصايب اللي بتحصل لهم.
وصل نبوية غصة المر في نبرتها، لتربت بكفها عليها بحنو مهونة:
– معلش يا بـ.ـنتي ربنا كريم، قادر ربنا يزيح عنكم، صعبة اوي الاذية لما تيجي من القريب .
– اوي يا دادة نبوية اوي .
تمتمت بها بهجة، تسبقها دmعة خائنة، لم تقوى على كبتها، فحاولت ازاحتها بسبابتها، لتتظاهر بالقوة كعادتها، لتفاجأ بنجوان التي تركت شقيقتها ، لتجلس بجوارها بصمت، فتجذبها اليها، وتضمها الى صدرها بغمرة اطاحت بالبقية الباقية من ثباتها، لتفرغ في حـ.ـضـ.ـنها دmـ.ـو.ع القهر ، وتبكي بحرقة طفل صغير ، وجد في صدر والدته المأوى، كيف يحدث هذا ؟ ومع هذه المرأة! لا تعلم
❈-❈-❈
في المدينة الساحلية،
وداخل جناحه بالفندق الذي استقر به منذ مساء الأمس ضمن سلسلة الفنادق التي يعمل بها، يقضي الاَن أجازة شهر العسل مع عروسه، يخـ.ـطـ.ـفا اوقاتًا جميلة بعد عـ.ـذ.اب الانتظار وشقاء السعي الدائم .
استغل الاَن اختفائها عنه في المرحاض ليهاتف شقيقته ويطمئن عليها هي ووالدته:
– ايوة يا رحمة عاملة ايه انتي والولاد……….. يا بت اهمدي وبطلي قلة حيا…..
قهقه لجرأتها في الحديث معه ، ليواصل حديثه:
– يا بت كويسين وعال العال والحمد لله، كفاية عليكي كدة……… ايوة اضحكي يا اختي، انا هحاسبها ع الصور اللي نزلتها، عشان جابت لنا الكلام من امثالك……… حبيبتي ربنا يخليكي ليا، عارفك والله فرحانة طبعا، المهم بقى طمنيني عليها…….. يا نهار ابيض ، هي كمان شافت الصور، يادي الفضايح…….. يا بت بطلي ضحك لاخـ.ـنـ.ـقك…… خلااااص يا بت اقفلي خليني افضى للي ورايا.
قال الاخيرة، لينهي المكالمة بالفعل ، بعدmا انتبه لخروج جنيته من المرحاض، بمنامة جـ.ـسمت الجــــســ ـد المتناسق، تجفف بالمنشفة الشعر المبلل، ونضارة الوجه الندي تأسر النظر نحوها، وتضعف العزيمة عن حسابها وتوعده لها.
– جفلت ليه مع رحمة، كنت خليني اكلمها.
سألته ببراءة، وقد تناست ما ارتكبته يداها، لتستدرك لنظراته المتوعدة نحوها، وعينيه التي ازدادت ضيقًا، بصورة جعلتها تتذكر، لتتسائل بشقاوة:
– ايه مالك يا شادي؟ بتبصلي كدة كأنك متحلفلي؟ لتكون البت رحمة فتنت ما بينا، هنبتدي بجى شغل الحريم والكلام الفاضي…
قالتها بدراما مصطنعة، ليردد من خلفها وهو ينهض عن مقعده، يقترب منها بخطوات رتيبة متمهلة،
– شغل الحريم والكلام الفاضي اااه……. امال شغل العفاريت يبقى ايه ها؟
صدرت الاخيرة وهو ينقض عليها، يحملها بذراع واحد يسقطها على التخت، ليردف بتوعده وسط ضحكاتها التي صارت تدوي في قلب الجناح:
– بتنزلي صورتي بلبس البحر يا صبا وتشيريها في جروب العيلة، شادي الراجـ.ـل العاقل الراسي، جايباه بيلعب في الرملة مع العيال الصغيرين وبيبلبط في المية بنصه العريان.
بصعوبة صارت توقف ضحكاتها وتجيبه بمهادنة، بعدmا كتف ذراعيها، مانعًا اي حركة منها بجــــســ ـده:
– طب وفيها ايه بس يا حبيبي؟ هو انا صورتك في الحمام…… دا احنا كنا ع البحر، وانت باين بعضلاتك، يعني مش اي كلام .
– مش أى كلام ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.نة؟
هتف بها يضغط ليهزهزها بالتخت، فتزداد مرحًا امام غـ.ـيظه:
– دا انا بتكسف اقــلـــع التيشرت قدام امي، تقومي تطلعيني قدام العيلة بالبل…… بوكـ.ـسر، استني هنا….
تذكر فجأة ليسألها بتوجس:
– لتكوني كمان نزلتي الصور الغـ.ـبـ.ـية اللي كنت بطلع فيها لساني، وعمايل الفلتر اللي كنتي بتعمليها على وشي معاكي؟
زمت فمها بصمت لم يدm سوى لحظات، حتى انفجرت ضاحكة، تجيبه بهز رأسها، لينطلق هو صارخًا:
– كمااان دي طلعتيها، هخلص عليكي يا صبا، انا هخلص عليكي النهاردة يا صبا.
قالها ليبدا معركة استرداد الكرامة، ولحظات من الشـ.ـد والجذب اللذيذة، وهي لا تقصر بأفعالها الطفولية، لتخرج منه شقاوة كانت غائبة عنه، ومرح لا يتوقف، حتى ينتهي الامر بها، متنعمة بدفء حـ.ـضـ.ـنه، وهو يتنهد بعدm تصديق، لهذه السعادة التي اصبحت تجتاحه بقربها .
❈-❈-❈
دلفت اليه تحمل بعض الملفات ، تتعامل بعملية وجمود ، وكأنها انسان آلي، لا تخفي غـــضــــبها من كلمـ.ـا.ته القاسية بالأمس ، ليفتر فاهه هو بشبه ابتسامة ملطفًا:
– كنت خايف لمتجيش النهاردة يا لورا، بعد ما شـ.ـديت معاكي امبـ.ـارح، بس انتي طلعتي احسن مني.
مطت شفتيها المطليه باللون الأحمر الداكن، لتعقب بسـ ـخـــريــة:
– كتر خيرك يا فنـ.ـد.م ع المجاملة الرقيقة دي، ع العموم انا عارفة ان في الف حد يسد مكاني.
رفع عيناه اليها بنظرة خاطفة عن المستند الذي بعمل به، ثم قال وكأنه يُراضيها:
– لا يا لورا، انت محدش يسد مكانك، مش كل يوم الواحد هيعتر على موظفة نشطة وممتازة زيك.
اعتدل يوجه ابصارها مباشرة لها:
– بس انتي اكيد عرفتي طبعي خلاص، وقت الغـــضــــب مبشوفش قدامي.
همت تجادله بفتح الموضوع ذاته :
– ايوة حضرتك بس انت مدتنيش فرصة اوضحلك ولا اشرحلك عن البـ.ـنت دي اللي حاولت…..
اوقفها برفع كفه امامها، ليردف حاسمًا:
– خلاااص يا لورا، مفيش داعي نفتح ونرغي في موضوع اتقفل، اللي عدى وفات خلاص ننساه.
توقف برهة ليستطرد بنبرة تحمل في طياتها الشـ.ـد واللين:
– خلينا اولاد النهاردة يا لورا، انتي مش موظفة عادية عندي، تاريخك معايا يشفعلك اغفر واتغاضى دلوقتي، بس دا بشرط عدm تكرار الخطأ طبعا.
اومأت رأسها بإذعان لتنصرف من عنده خالية الوفاض، لا هي التقطت منه ما يرضيها بحق، ولا وجدت منه ما يجبرها على الإبتعاد، انه بالفعل مراوغ .
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت تمارس عملها بجدية رغم تخبطها وشرود عقلها الملازم لها هذه الايام، وقد انـ.ـد.مجت في الأجواء الجديدة في العمل المكتبي، وزملائها رويدا رويدا بدأت تعتاد عليهم ويعتادو عليها، ويرجع الفضل بالطبع لرئيسها الرجل الطيب عبد الفضيل، والذي شاكسها بلطف وقد انتبه لشرودها:
– بهجة النهاردة هادية من الصبح، شكلها اطبعت بطباع الموظفين في التكشير والبوز ابو شبرين.
تبسمت لمزاحه مرددة:
– يا نهار ابيض، ليه بس يا عم عبد الفضيل؟ دا الموظفين احسن ناس، وحلوين وزي العسل
قالت الأخيرة بإشارة نحو زميلاتها الاخريات، والتي عبست احداهما بعدm تقبل ، عكس الثانية فقد تقبلت الأمر ضاحكة، لتتشارك معهما المزاح بعد ذلك ، قبل ان يأتي الاتصال المفاجيء لبهجة،
وفور ان فتحت تجيبه، جاءها رده:
– انزلي على طول بهجة وتعالي، انا مستنيكي تحت فى العربية.
عارضته بحرج:
– انزل فين انا لسة يومي مخلصش.
– وانا صاحب الشغل يا بهجة وبقولك انزلي، مش عايز انتظر كتير..
انهى المكالمة بعدmا اجبرها بحزمه ، لأن تستأذن بحجة اختلقتها لرئيسها كي تغادر، ومن داخلها تمتم بالسباب نحو هذا المتسلط، واصراره على لقاءها في اوقات العمل ، ترى ماذا يحمل في جعبته اليوم.
❈-❈-❈
اوقف السيارة امام احدى البنايات الجديدة ، ليلتف إليها ويأمرها:
– انزلي يا بهجة.
القت بنظرة سريعة من النافذة، لتعود اليه سائلة بعدm فهم:
– انزل فين؟ اللي انا شايفاه قدامي دا هو المقصود، ولا اللي وراه ولا ايه بالظبط؟
ترجل يسبق ويجيبها بجديته:
– هو بذاته يا بهجة، انزلي بقى؟
بعد قليل كانت بداخل المنزل بصحبته، يرافقهم مالك المنزل، والذي دار بهما على جميع الغرف، يعرفهم على كل ركن به ، حتى توقف بهما داخل الحديقة التي كانت حلمها، ووجدتها ع الحقيقة، لا تصدق انه تم بالفعل، المنزل الصغير المختصر دون جيران تزعجهم، وحديقة ممتلئة بالانواع العديدة من الزهور، رغم ضيق مساحتها، كيف عثر على طلبها بهذه السرعة؟ وهي التي ظنت انها قد تكون فرصة لمراجعة نفسها او تراجعه هو عن التنفيذ والزواج من الأساس، انه بالفعل رجل الإنجاز
– بهجة الراجـ.ـل بيكلمك.
جاء صوته الأجش كتنبيه ينتشلها من شرودها، فتلتف نحوه ونحو صاحب المنزل الذي كان يخاطبها؛
– انا كنت بسألك يا هانم عن البيت لو عجبك.
ااومأت بتواضع:
– الله يعزك يا عم، هانم ايه بس؟ حلو اوي البيت وتنظيمه، ما شاء الله يعني .
– كويس اوي.
كان هذا رد رياض والذي اردف نحو الرجل:
– خلاص يا عم عزت، جهز العقود وانا هخلص على طول معاك .
تمتم الرجل بكلمـ.ـا.ت الامتنان والشكر لعدm مجادلته في السعر الذي لم تعرفه بهجة، ليثني على كرم الاخر، قبل ان يتركهما ويذهب نحو وجهته
ويأتي سؤالها هي على الفور:
– هو اتفق معاك على كام؟
ابتسامة خفيفة لاحت على زاوية فمه، ليجيبها بعملية :
– مش كتير يا بهجة متقلقيش، هو اصلا كان مسكون قبل كدة، بس الراجـ.ـل هيهاجر مع عيلته وتقريبا مش راجع ع البلد تاني، خلينا في المهم .
– مهم ايه؟ انت لحقت تجيبه ازاي اساسا وبالسرعة دي،
هذه المرة توسعت الابتسامة حتى شملت عرض وجهه، ليردف بثقة:
– انا قلبت الدنيا وانا بفتش وابحث، مقدرتش انام امبـ.ـارح اصلا غير وانا باعت للراجـ.ـل، وان كان ع الوكالة، ف انا برضو اتفقت مع صاحب مخزن فاضي قريب من هنا، ومن مهرك تمليه انتي بالبضاعة، وكدة ابقى نفذت
كل اللي انتي عايزاه،
اطرقت رأسها بحرج، تنتظر باقي الحديث والذي جاء يفوق المتوقع:
– جهزي نفسك بكرة كتب كتابنا يا بهجة؟
رفعت اليه خضرواتيها بإجفال وعدm تصديق:
– كتب كتاب ايه دا اللي بكرة؟ واجهز نفسي لإيه بالظبط؟ حضرتك اكيد بتهزر، انا لسة ممهدتش لاخواتي ع البيت ولا لسة انتقلنا ولا حطينا رجلينا فيه من اساسه……
– كل دا ممكن يتم من النهاردة ومن بكرة يتم الانتقال لهنا، وبرضو كتب الكتاب هيتم بكرة يا بهجة، ومتخافيش انا برضو هديكي فرصتك ، بس يوم او يومين مش أكتر .
قال الاَخيرة بمغزى فهمت عليه، لتسبل اهدابها عنه بخجل شـ.ـديد راقه هو، اما هي فكانت تتمتم بالسباب لجرأته في الحديث المباشر معها دون حياء او مراعاة.
– شوفي يا ختي اللي كنا بنقول عليه عاقل وراسي، صحيح، ياما تحت السواهي دواهي.
تمتمت دورية بالكلمـ.ـا.ت اثناء تطلعها بالهاتف، توجهها نحو ابـ.ـنتها المشغولة بوضع قناع البشرة على وجهها امام المراَة، ليدفعها الفضول عما تتحدث عنه والدتها بالسؤال:
– تقصدي مين ياما؟
مصمصمت بشفتيها دورية لترفع امام عينيها شاشة الهاتف، تجيبها بتهكم صريح:
– على الغالي ابن عمتك يا غالية، البت الصعيدية اللي اتجوزها لحست عقله باينها، شوفي واتأكدي بعينك، عشات ت عـ.ـر.في ان العيب فيكي انتي يا خايبة .
اقتربت على الفور تتناول منها الهاتف، لتصدm بصورة ابن عمتها الانيق دائمًا بهيئته الرسمية او حتى في المنزل، وهو الآن بملابس البحر، يضحك بملأ فاه على الشاطيء والرمال في المدينة الساحلية المشهورة ،
وبغل يفوق الوصف صارت تمرر الشاشة على باقي الصور، لترى الأفعال البلهاء التي يفعلها هذا المعروف برزانته المبالغ فيها، اصبح الاَن مع هذه الفتاة وكأنه طفل صغير
فتعقب والدتها بغـ.ـيظ:
– شوفتي يا ختي اللي كنتي ممـ.ـو.تة نفسك عليه، وبقالك سنين بترسمي من غير فايدة ، اهي جات عصفورة من الصعيد الجواني لطشته منك، ياريت بقى تتنيلي وتصحي نفسك،
انتفضت تدفع الهاتف على التخت جوارها بغـ.ـيظ متعاظم هاتفة ردًا لها:
– وايه هو بقى ان شاء الله اللي اصحى نفسي ليه؟ اكيد قصدك الدهل ابن صاحب جوزك، لأ ياما، الواد البرشامجي دا الا بقبله ولا بطيقه، يعني اصرفي نظر.
عقبت دورية بنفاذ صبر منها:
– خلاص في داهية سيبك منه، خدي العريس اللي جابته خالتك، اهو جيرانها وعارفاه بقالها سنين، لا ليه في البرشام ولا النسوان
– ولا في اي حاجة.
صاحت بها باستهزاء لتردف بعدm تقبل:
– دا ديكي النهار كنت عند خالتي، سمعت امه وهي بتهزقه، وهو مردش بكلمة، هو انا ناقصة كمان اخدلي واحد شخشيخة، دا ايه القرف ده؟
نهضت دورية عن التخت تكز على اسنانها بغـ.ـيظ تخاطبها:
– يعني مش عاجبك المطيع المؤدب، ولا عاجبك اللي مقطع السمكة وديلها، نقعد بقى نحط ايدنا على خدنا نستنى اللي يدخل مزاجك، ياختي جاتك نيـ.ـلـ.ـة، ما ترضي بأي حد بقى، بدل ما انتي تقعدي في قرابيزي، وساعتها لا تبقي طولتي لا عنب الشام ولا بلح اليمن
دفعتها في الاخيرة بقبضة على كتفها من الخلف، لتتحرك وتترك لها الغرفة.
فتغمغم سامية بحقد:
– يعني ما بقاش قدامي غير البرشامجي ولا دلدول امه، وشادي اللي كنت حاطة املي عليه ، خـ.ـطـ.ـفته غراب البين صبا، ماشي يا صبا.
❈-❈-❈
– انتي بتتكلمي جد يا بهجة؟ احنا بجد بقى لينا بيت تاني وهنعزل فيه؟
كان هذا رد عائشة والتي هتفت مهللة به تسبق اشقائها، بعدmا اجتمعت بهم بهجة لتخبرهم بأمر المنزل الجديد ، بعد اختلاقها قصة من بنات عقلها، كي تقنعهم بالأمر، رغم الصعوبة التي تواجهها في الحبكة.
– ايوة يا بـ.ـنتي امال انا بتكلم فيه ايه بقالي ساعة؟ كام مرة هشرحها يا عائشة؟
تدخل ايهاب بعدm استيعاب هو الاخر رغم فرحته:
– اعذريها يا بهجة، لما انا نفسي لحد الاَن مش قادر اصدق، معقولة مكافأة التعويض اللي مستنينها من المصلحة اللي كان شغال فيها بابا وبقالنا سنين بنسعى عليها في المحاكم، اتقبلت فجأة، وانتي صرفتيها ولحقتي تجيبي البيت؟ طب ليه مفرحتناش من ساعتها، ع الاقل كنا ساعدناكي في البحث او هيصنا وعملنا هوليلة.
ابتعلت ريقها بتـ.ـو.تر تجاهد اخفاءه في تبريرها له:
– ما هو مكانش ينفع يا ايهاب، انا كنت عايزة اعملها مفاجأه، وبصراحة مكنتش ضامنة ان اصرف الفلوس منهم بجد بعد ما كسبت القضية، وبرضوا كنت خايفة لعمي ولا مرات عمي يشموا خبر دول ما اضمنش رد فعلهم،
– يعني كان هيعملوا ايه؟ هو لا منهم ولا كفاية شرهم.
رددت بها جنات باستهجان، ليأتي الرد. من شقيقها الاصغر بتهكم ساخر:
– الكلام دا على اي حد غير عمك يا حبيبتي، دا مش بعيد يقولنا نصيبي من ورث اخويا، ولا يطلع علينا ديون من شراكة الوكالة عشان ندفعها.. والله ما مستبعد منه.
اومـ.ـا.ت بهجة رأسها بموافقة، وغصة مؤلمة مررت حلقها فحديثه بالفعل حقيقي :
– انت هتقولي، ما هو حصل فعلا لما جيت اطالب بحقنا في الوكالة، وطلعلي ديون على ابويا بالفعل، الله يرحمه بقى، كان طيب زيادة اوي عن اللزوم..
رددت خلفها جنات بلهفة:
– الله يرحمه، بس احنا كدة عايزين نشوف البيت ده ونشوف ايه اللي ناقصه.
تبسمت شقيقتها الكبرى تخبرها بمرح:
– انتي مش هتشوفيه بس، دا احنا من بكرة هنبقى فيه، انا أنفقت مع عربية نقل كبيرة هتيجي من الفجر ، تسحب كل العفش وتروح معانا ع البيت ، انا مش هستنى دقيقة تاني جمب عمك ولا مرات عمك ولا حتى عيالهم.
– الله اكبر عليكي يا بيبة
صرخت بها عائشة بابتهاج جعل الحماسة تدب بقلب الباقين ، بتجفلها بهجة بإخراج الهاتف:
– طب شوفي الصور اللي لقطها منه بالمرة عشان ت عـ.ـر.في اللي احنا هنسكن فيه.
وقبل ان تصل عائشة كانت جنات وشقيقها اخذين وضعهم ملتصقين بها ، ليسبقوها بالمشاهدة، فصرخت تقفز وسطهم:
– وربنا ما انتو شايفين حاجة قبلي .
التقفتها بهجة لتضعها بحجرها بتدليل لها وكأنه في الثانية من عمرها وليست طفلة كبيرة على الحمل:
– اقعدي يا باشا، هو عندنا كام عائشة بس.
ضحكت لها، ثم تحولت الاصوات لشهقات متتالية مع مشاهدة كل صورة، معبرين عن اعجابهم ، وتساؤلات مختلفة عن الموقع واشياء اخرى تخصهم.
❈-❈-❈
حين أتى ميعاد النوم، ووضعت رأسها على الوسادة، بعدmا انتهت من تجهيز الحقائب والاشياء الضرورية المطلوبة لها ولأشقاءها الذين كانت تملأهم الحماسة ، حتى لم يخطر على بالهم التركيز في بعض التفاصيل عن القصة التي حكت بها، تدفعهم الفرحة والذهاب للسكن بعيدا عن اذية اقرب الأشخاص اليهم،
إذن لما تخبرهم وتعكر صفو فرحتهم؟ لما يعرفوا بالثمن اذي سوف تدفعه مقابل تأمين مستقبلهم؟
حتى لو انكشف الامر بعد ذلك لن تنـ.ـد.م مهما حدث، يكفيها العوض بهم، يكفيها غلق باب قلبها امام كل غازي يُذهب عنها الراحة، هي فقدت الثقة قبل ذلك في صنف الرجـ.ـال، والاَن فقدت المعنى من هذا الشيء التافه الذي يدعى بالحب، مدام قلب القاسي لم يهتز لعشقها، إذن…… لكن هو حقا لم يهتز بعشقها،؟
اجابة لا تريد البحث فيها ولا ان تشغل عقلها بها، ما دامت الحياة في نظره؛ هي بيع وشراء….. وقد تقدm لها بالثمن وهي قبلت…..
– ماشي يا رياض يا حكيم ، ماشي
تمتمت بالاخيرة داخل عقلها، قبل ان يغلبها الإرهاق وتستسلم للنعاس.
❈-❈-❈
اما عنه فقد كان في حالة من النشاط الغير عادي، حتى انه ظل في صالة الالعاب يتمرن على الأجهزة ويشعل مشغل الموسيقى بالصوت العالي، يدندن خلف الاغاني بمرح.
يجتاحه شيء واحد ، وهو السعادة لقرب الوصال اليها، علُه يستريح بعد ذلك ، بعدmا سيطرت على تفكيره واشعلت مشاعر افتقدها منذ سنوات طويلة.
لم ينـ.ـد.م على قرش دفعه لها، هو الكريم مع الجميع، فما باله مع امرأة مثلها ، تستحق ما هو اكثر وأغلى .
نعم تستحق وأكثر، ولكن هذا اقصى ما يمكن ان يقدmه لها، ربما لو كانت في حالة اجتماعية مختلفة، لكان اختلف وضعها معه.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر ، استيقظ خميس وزوجته على اصوات الجلبة والدبدبة المتواصلة فوق رأسهم، حتى اجبرت، لينهض عن فراشه ويسبقها في استكشاف الامر:
– يا ساتر يارب، هو البيت حصل فيه زلزال ولا ايه؟
نهضت هي الأخرى تلحق به:
– روح يا خويا شوف، ليكون نسايبك جم يلموا عفش بـ.ـنتهم، وابنك الأهبل ما صدق، ما انا عارفاها دا احب ما عنده.
سرى بداخله القلق بعد سماعه ما تفوهت به، لينهرها بحنق:
– اعوذ بالله منك ومن لسانك، دا ايه فال يطلع منك كدة على بداية اليوم.
وقبل ان تردف متهكمة ردا له، انتبهت لوقوف ابـ.ـنتها في مدخل المنزل، حيث الباب المفتوح على آخره، وكأنه تراقب عرضا ما، ليباغتها والدها بتساؤله:
– ايه يا بت اللي موقفك كدة ع الباب ، وايه الناس طالعة نازلة…. يا نهار اسود…
قطع في الأخيرة وقد انتبه لبعض الأساس الذي يحمله الرجـ.ـال ليردف لزوجته بفزع:
– يا بوز الفقر يا دورية، دا فالك طلع صح، والعفش اللي نازل ده عفش ابنك.
هتفت به ابـ.ـنته تصحح له:
– مش عفش ابنك يابا ، انتي مخدتش بالك انه قديم؟ دا عفش ولاد اخوك، اصلهم معزلين هيسيبو البيت، دا اللي عرفٌه سامر اخويا لما سأل الراجـ.ـل صاحب عربية النقل.
– انتي بتتكلمي جد يا بت.
صدرت من دورية بفرحة لم تخفيها، ليعقب زوجها الذي لم يعنيه الامر بانتباه:
– طب هو اخوكي فين دلوقتي؟
رفعت سبابتها للأعلى مرددة:
– اخويا اما عرف وهو طلع لهم على فوق، ومن ساعتها منزلش ، الله اعلم بيعمل ايه؟ ان كان بيشلهم العفش ولا يترجاهم ما بيبعدوش.
قالت الأخيرة بسـ ـخـــريــة جعلت ناقوس الخطر يطرق بعقل دورية والتي تمتمت بهلع:
– نهار اسود ليكون التاني كمان معاهم، دا اهبل وممكن يعملنا فضايح.
رددت سامية بتقليل:
– ياما التاني نومه تقيل، والخبط تحته، مش زينا كان فوق راسنا ، خلانا صحينا من احلاها نومة،
– برضو انا لازم اروح اتأكد بنفسي
قالتها لتسحب سلسلة المفاتيح على الطاولة القريبة من الباب الخارجي، وتتحرك قدmيها للخروج مغمغمة:
– لازم اعمل حسابي قبل ما بحس.
هتف زوجها من خلفها :
– رايحة فين يا ولية ؟
التفت اليه قائلة بأمر:
– متشغلش نفسك، انت روح للواد التاني ، جره من قفاه وخليه ينزل ، مش ناقصين عمايله هو كمان.
قالتها واستدارت تصعد الدرج ذاهبة نحو شقة ابنها في الطابق الأعلى، كي تتأكد من عدm خروجه بأغلاقها عليه من الخارج بنسخة المفتاح التي تملكها.
اما خميس والذي توقف لحظات بتردد، لم يملك في الاخير الا ان يطيعها، رغم كم الاسئلة التي تدور بعقله ، عن سبب مغادرة ابناء اخيه، والي ابن سيذهبون؟
❈-❈-❈
– انا اللي عايز اعرفه دلوقتي، انتي ازاي يا بهجة ما بلغتيناش؟ حتى لو في مشاكل ما بينا، احنا برضو مهما كان عيلتك، مش اغراب عنك، دا الغريب بيتعمله حساب لما يبقى جارك، في ايه يا بهجة.
كانت هذه نبذة من وصلة الانفعال التي يتفوه بها الابن الاصغر سامر،، نتيجة الصدmة التي استيقظ عليها من دقائق، بمعرفته بمغادرتهم المنزل هكذا وبدون استئذان او حتى إنذار مسبق.
بهجة والتي لم تقاطعه ولو مرة واحدة، تركته يفرغ ما خلده، ليأتي ردها ببرود وتحكم تحسد عليه في ظل انشغالها بمتابعة العمال التي ترفع اثاث المنزل، واستعداد اشقائها للخروج:
– قرايب ولا جيران يا سامر مش فارقة، احنا ربنا وفقنا في حتة كويسة وهننقل لها، انت ايه اللي مزعلك بقى؟
– كل ده وايه اللي مزعلني؟ دا انتي قلبك حجر يا شيخة.
كان صوته عالي لدرجة لفتت انتباه الرجـ.ـال العاملين على نقل الأساس، حتى اصابها الحرج ، فتدخل شقيقها والذي خرج من الغرفة بحقيبة كبيرة تحمل ملابسه، لينوب عنها في الرد عليه:
– في ايه يا عمنا؟ اللي يسمع يفتكر ان ليك حق علينا، ما نعزل ولا نهاجر حتى، انتو ما لكم بينا، ولا احنا ملزمين كمان نقدmلكم تقرير بخطواتنا
وكأنه وجد وجهته وما سيفرغ به غـــضــــبه، ثار متوجهًا بغـــضــــبه نحوه:
– انت كمان بقى ليك صوت يا ايهاب، جاي تبجح في وشي على اساس انك راجـ.ـل وليك كلمة، مش اختك هي اللي ممشياك وانت عامل في ايدها زي الدلدول.
– احترم نفسك انا مقبلش
هتفت بها هي ردا له، وقد اثار غـــضــــبها بحق، اما ايهاب والذي استفزه الامر من الداخل فقد ابى ان يعطيه غايته، ليقابل سبته بابتسامة هادئة يردد ببرود كاد ان يجلط الأخر:
– اه يا سيدي انا دلدول اختي ومش مكسوف منها، لا دا انا كمان فخور بيها، سيبتلك انت الشخصية والمرجلة لابوك واخوك….. يا بن دورية.
– يا بن ال….. وكمان بتغلط في امي .
تمتم بها بحماقة فاقدا السيطرة على نفسه ، ليتقدm نحوه يبتغي الهجوم عليه، ولكن سبقه احد العمال، ليمسك به قبل ان يصل اليه، موجها كلمـ.ـا.ته بما يشبه التوبيخ:
– صلي ع النبي يا عمنا، هو انت حد جه ناحيتك، الناس معزلة وسيبنهالكم خالص ، ايه اللي يزعل في كدة؟
سمع منه ليصيح به كالثور الهائج، يحاول الافلات منه، وقد احتجزه الرجل بين ذراعيه
– وانت مالك انت كمان؟ اوعي سيبني، اوعى سيبني بقولك.
– ايه في ايه؟ ايه اللي بيحصل هنا؟
كان هذا صوت خميس الذي اتي ليجفل على هذا الوضع، ليأتي الرد من ابنة اخيه، وندبة في القلب تشعر بألــمها كلما رأته امامها في كل المواقف التي مرت بها بسببه:
– خد ابنك يا عمي ، وخليه يلم اذاه عننا، احنا ماشين وسابينها مخضرة، سيبنا حقنا عند ربنا هو مخلص الحقوق، يبقى ياريت بقى تكفونا الشر الاذية لحد كدا.
هو ليس بالغـ.ـبـ.ـي حتى لا يعي بسهام كلمـ.ـا.تها التي وجهتها له مباشرة قبل شكوتها من ابنه، والذي كان بحالة من الهياج، جعلته يهذي نحوه:
– مشي كلمتك عليها ومتخلهاش تمشي، انت عمهم وكلمتك فوق رأسهم دي الأصول، يا اما تصالحهم وتديهم حقهم في ورث ابوهم في الوكالة…..
– يا ابن الكـ.ـلـ.ـب.
عند هذه النقطة ولم يقوى خميس على الاستماع اكثر من ذلك، لينقض عليه يتناوله من الرجل بقوة ويسحبه معه الى الخارج عنوة، قبل ان يفـ.ـضـ.ـحه بغباءه، متابعًا له بالسباب والتوبيخ:
– طب ناس بيعزلوا، انت مالك بيهم يا قليل الادب والتربية، عايزهم يقولو خميس معرفش يربي، خلي عيال عمك يشوفوا مصلحتهم فين وبلاش تقف في طريقهم ولا هي بلطجة وخلاص.
❈-❈-❈
فزعت دورية وهي تشاهد ابنها يجره والده بعنف هابطًا الدرج للأسفل وسط مقاومة من الاخر، حتى خشت ان يأذيه، لتنتظر حتى ولج به داخل المنزل، لتغلق بابه عليهم وتستشكف الأمر:
– اوعى سيبني، انت جارر في ايدك بهيمة، انا سيبتك تمسكني عشان بس مقلش منك قدام ولاد اخوك والاغراب.
دفعه خميس بقوة يوقعه على الارض، مرددًا بفحيح:
– تقل من مين يا ابن الكـ.ـلـ.ـب؟ هو انت خليت فيها احترام اصلا،
دنى يتناول سكينة صغيرة من طبق الفواكه، ليردف بتهديد ووعيد:
– انا هاين عليا دلوقتي افتح كرشك بالسكين دي عشان اخلص منك ومن قرفك.
شهقة هلع بصوت عالي خرجت من دورية، قبل ان تهجم على زوجها تتناول منه السكين مرددة:
– يخرب بيتك يا راجـ.ـل، انت اتجننت ولا ايه؟ اخزي
الشيطان وابعد عن الواد ، هو كان عمل ايه يعني؟
صاح بها ساخطًا :
– عمله اسود ومهبب بستين نيـ.ـلـ.ـة يا ختي، عاملي فيها غضنفر فوق وقال ايه عايزاني امشي كلمتي عليهم وامنعهم يمشوا، يا كدة يا ايدهم ورثهم من الوكالة، شوفتي الخيبة.
ضـ.ـر.بت بكفها على صدرها، وقد اصابها الهلع هي الأخرى
– يا مصيبتك السودة يا دورية، انت اتجننت يا سامر، بقى دي عمايل ناس عاقلين، ليه كدة بس يا بني تزعلنا منك ، هو احنا كنا ظلمناهم يعني؟ ما كل واحد بياخد نصيبه، ودلوقتي عايزين يعزلوا احنا ايه ذنبنا؟
سمع منها ليصرب بكفه على الارض بعجز، يصيح بجنون :
– ولما هو كدة؟ هما ليه دايما كارهنا؟ ليه دايما بيحسوسنا ان ليهم حق ضايع عندنا؟ بتلم اخواتها وتعزل بيهم من البيت الملك ليه؟ دي حتى مدتنيش فرصة اعرف عنوان الجديد.
– وهو دا اللي تاعبك.
غمغمت بها بتهكم، لتتناول كفه وتساعده على النهوض، تخاطبه بمهادنة، وقد استسلم لها لتذهب به نحو غرفته:
– تعالي يا بني ربنا يهديك، بتزعل وتقهر في نفسك ع الفاضي، لا هي حساك ولا عمرها هتفكر فيك، انت في نظرها زيك زي اخوك، محدش يفرق معاها، امتى بس يا ولاد بطني تعرفوا مصلحتكم؟
سقط خميس في اثرهم على كرسيه بثقل وارهاق، ليزفر انفاس خشنة متحشرجة، بوجه يحمل الهم ، وقد استفزه الامر، بل وجـ.ـسم على انفاسه، لو كانت ابنة اخيه وافقت منذ البداية على ذلك المبلغ الذي اقترحه ترضية لها، او حتى رضخت تمم الزواج من ابنه فيتكفل هو بمصاريف اخوتها معها ، ما حدث كل ذلك.
انما اصرارها على اقتسام الوكالة بينهم وبينه هو ما زاد الامر تعقيدا، لقد كاد ان يصاب بجلطة حينما رددت بذلك امامه، الوكالة التي عمل عليها وعلى تكبيرها، يقتسم مالها بينه وبينهم، لاااا ابدا هذا لن يحدث، ابدااا.
❈-❈-❈
خرجت اخيرا دورية من غرفة ابنها وقد هدأت الاصوات وسكنت الحركة على الاطـ.ـلا.ق، حتى زوجها غادر، فلم يتبقى سوى ابـ.ـنتها والتي قابلتها بابتسامة منتشية تهزهز اقدامها بتسلية .
مما جعل والدتها تقطب لفعلها سائلة:
– مالك يا محروسة؟ البيت مولع وانتي الوحيدة اللي مبسوطة فيه.
مالت عليها ابـ.ـنتها فور ان جلست بجوارها، لتطلق ضحكة النصر تخاطبها:
– وانتي كمان لازم تفرحي ياما، ما هو لولا شطارتك واللي عملتيه مكنش دا حصل….
غمزت بعين واحدة تشير بإبهامها بطريقة لم تفهمها والدتها، لتهمس لها بصوت خقيض تملوئه الفرحة:
– انا قصدي ع العمل اللي عملتيه ياما، عشان يغورهم، اتاري الشيخ بتاعك سره باتع .
تذكرت درية لتردد خلفها بتفكير:
– اه تصدقي صحيح يا بت، وانا اللي كنت فاكره انه فسد وروحت عملت واحد غيره، بس معرفتش احطه في اؤضتها، يا رتني صبرت.
– اه والله يا ماما، ياريتك صبرتي.
تمتمت بها ابـ.ـنتها من خلفها، وشيء ما يدور برأسها، بعدmا علمت بالطريقة الناجزة والتي تعمل بها والدتها، والتي انتفضت فجأة من جوارها:
– يا لهوي دا كنت هنسى اخوكي والباب المقفول عليه
، اروح افتحله قبل ما يصحى، حمد لله ان نومه تقيل.
.
❈-❈-❈
وفي المنزل الجديد
هبطت عائشة عائدة من فوق السطح، لتلج الى اشقاءها المنهمكين في ترتيب الاثاث ووضع كل قطعة في المكان المناسب لها، فتجفلهم هي بهتافها:
– السطح فوق يجنن ونضيف، يعني انا ممكن اذاكر فيه براحتي، من غير ما اقرف من ريحة الفراخ ولا الدبان اللي كان بيهش عليا من كراكيب دورية اللي مبتخلصش.
ضحك ثلاثتهم لقولها، وروح الحماس التي اشعلها السكن الجديد، ليردف ايهاب:
– انتي عبـ.ـيـ.ـطة يا بـ.ـنتي انتي، تذاكري ع السطح واوضتك موجودة ، دا بدل ما تخليه للعلب في وقت البريك عشان تستمعتي بالجو النضيف
عارضته جنات هي الأخرى:
– انا بقى اخترت مكاني، كل مذاكرتي هتبقى في الجنينة الصغننة اللي تحت دي، استوعب على ريحة الزهور والوان الفراشات.
– يا حبيبي ع المزاج، انتي يا بت تطلعي رسامة عشان نستغل بالمرة.
عقبت بهجة التي صارت السعادة لا تسعها لفرح اخوتها، بعدmا ظهر الارتياح جليًا على ملامحهم بابتعداهم عن اذى عمهم وأولاده وزوجته.
لتسقط بتعب على احد الكراسي المتاحة قائلة:
– طب انا هلكت بقى، بقول نفكر الاول وبعدين نكمل.
ترك ايهاب هو الاخر ما بيده، ليجلس على احدى الحقائب المغلقة والتي مازالت لم تفتح بعد، ليضيف عليها:
– وانا برضو بقول نفطر دلوقتي عشان نكمل وننجز في يومنا، انا متاح النهاردة بس ، من بكرة ان شاء الله استعد لمعركة الامتحان والمذاكرة اللي تهد الحيل، يعني مفيش وقت .
– خلاص انا هروح اطلعلنا طبقين من الكرتونة واحط فيهم حاجة خفيفة والكتل بالمرة عشان الشاي
هتفت في اثرها بهجة:
– متتعبيش نفسك فيهم، انا بس ارجع من مشواري، وارجع ارتب المطبخ على كيفي .
– انتي مش قولتي انك واخدة اليوم دا اجازة من الشغل عشان توضيب البيت .
كان هذا سؤال اخيها والذي اجابت عنه بشرود:
– هو كدة فعلا، بس انا عندي مشوار ضروري لازم اقضيه ، واحدة صاحبتي لازم ازورها، مينفعش أاجله لاي يوم تاني.
هللت عائشة بمرحها كالعادة:
– انا بقى يا عم كفاية على اؤضتي، عمو النجار نصبلي السرير والدولاب، مش فاضل غير بس ارتب هدومي والديكور اللي فيها…… بقولك ايه يا بهجة، انا عايزاكي اول اما تفرج عليكي كدة، تغيري لونها عشان تبقى زي اوضة بـ.ـاربي .
كان رد بهجة بشهقة مبالغ فيها، لتتناول الوسادة القريبة منها ، تضـ.ـر.بها بخفة مرددة:
– كمااان بـ.ـاربي ، انتي مبتشعيش، انتي مبتشعيش يا بـ.ـنتي
لتقهقه عائشة بصخب يرج في قلب المنزل الجديد مع مزاح اشقائها وضحكاتهم ايضا، اسرتها الصغيرة والتي لا تجد سعادتها الا معهم رغم كل ما تقابله في ايامها من ويلات.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد نزل بعد استيقاظه في وقت متأخر من النهار، نظرا لسهره حتى الثانية صباحًا، ليجلس الاَن ويتناول وجبة الإفطار وحده، بعدmا انصرف الجميع الى وجهتهم ولم يتبقى سوى شقيقته الصغرى سامية والتي اتخذت مقعدها مقابلا له، تتحرق شوقًا لرد فعله حين يعلم بالأمر:
– صحيت متأخر اوي النهاردة يعني يا سمير.
رمقها بنظرة عابسة يتناول طعامه بنهم، فلم يكلف نفسه بالرد عليها، لتواصل هي القاء الكلمـ.ـا.ت حتى تصل لغايتها:
– انا عارفة انك بتيجي متأخر وبتصحى متأخر من ساعة ما اسراء سابت البيت وراحت عند اهلها .
ارتشف دفعة كبيرة من الماء ليتجشأ غير مباليًا، رغم غـ.ـيظه من ذكر اسم زوجته، اما هي فقد تبسمت باتساع وهي تسترسل بالأهم:
– اكيد مستغرب كلامي وقعدتي قدامك على طرابيزة السفرة، بس انا بصراحة كنت صاحية بدري اوي وزهقانة ونفسي اتكلم مع أي حد ع اللي حصل.
ضاقت عيناه منتبهًا لعبـ.ـارتها الاخيرة، ليتسائل بنزق:
– وايه هو اللي حصل بقى يا غالية؟ جيبي اللي في بطنك عشان انا عارف ان لسانك بيحرقك دلوقتي عشان تذيعي اخر الاخبـ.ـار ، اتفضلي ياختي الميكرفون معاكي، بس انجزي
– بهجة
– اشمعنا.
– هي وأخواتها لموا هدومهم وعفشهم وسابوا البيت .
توقفت عن تلويك الطعام بفمه، برد فعل اولي، لكن سرعان ما عاد يكذبها ساخرا منها:
– وهجوا على فين ان شاء الله؟ الكويت ولا دبي؟ بت انت انتي انا مش فاضي لقصصك الهبلة دي ع الصبح، وغوري روحي شوفي وراكي ايه؟
ردت بلهفة وابتسامة تجاهد لإخفاءها:
– والله زي ما بقولك كدة، دا حتى سامر طلع عندهم واتخانق هو وابويا عشان يحكم عليهم ميمشوش، بس هي بقى كانت عاملة حسابها ، كل حاجة كانت مجهزاها هي وأخواتها، ومسافة ساعة بس كل عفش البيت كان في العربية ، ورحلو ومحد عرف لهم طريق.
نفض رأسه بعد استرسالها ، ليستشف صدق حديثها والذي شعر بجديته، ليصيح بها مهددًا:
– عليا الحـ.ـر.ام يا سامية ما تطلع قصة من خيالك بعد الحلفان اللي حلفتيه لاكون مرقعلك سداغك النهاردة ومحد هينجدك مني.
ارتفع كتفيها وانزلتهم سريعًا، لتجيبه متكتفة الذراعين:
– وانا مالي يا اخويا، ما تروح تبص بنفسك ولا اتصل على اخوك ولا ابوك، دا انت لو سألت اي عيل في الشارع هيقولك ع العربية اللي لمت العفش وطفشو معاهم.
انتفخت اوداجه لمجرد التخيل ، لينتفض ذاهبًا للخارج ولسانه يتمتم بالوعيد :
– عليا الحـ.ـر.ام ما يطلع جد الكلام ده، لا اكون مطينها فوق راس الكل، بتطفش هي وأخواتها يسيبو البيت ، ليه مفيش رجـ.ـا.لة؟
افتر فاهاها في اثره تمصمص بشفتيها المطلية بسـ ـخـــريــة لا تخلو من حقد:
– وتطينها على راس الكل كمان، ليه بقى ان شاء الله؟ انا مش فاهمة، هما محسسني ليه ان اللي سابت البرنسيسة ولا يمكن هي بتصرف عليهم….. ياللا بقى، اهي كويس انها غارت في داهية هي واخواتها،
❈-❈-❈
عاد الى المنزل بشراره ونيرانه ، يهتف نحو ابيه فور ان وقعت عينيه عليه يتناول وجبة الغداء مع زوجته وابـ.ـنته:
– بـ.ـنت اخوك راحت فين يابا، سيبت لحمك ومن غير ما تسأل حتى ولا تعرف عنوانهم؟
نزلت ملعقة الأرز من يد خميس قبل ان تصل لفمه، ليلتف اليه يطالعه بغـ.ـيظ مرددًا:
– انت بتلقح على مين يا بن الكـ.ـلـ.ـب انت كمان؟ هو انا مش هخلض منكم النهاردة يا خلفة الندامة .
ضـ.ـر.بت دورية هي الأخرى كفيها ببعضهما مرددة بغـــضــــب :
– ايوة يا خويا خد دورك، ما احنا خلاص مبقاش لينا سيرة غير عن المحروسة وخروجها من البيت.
تقدm نحوها بانفعال وهياج:
– اه ياما ملناش غيرها، دي بـ.ـنت عمي وأخواتها، يعني مسؤلين مننا، يبقى لازم نسأل عليهم ونشوف أراضيهم فين؟
تهكم خميس يردد خلفه بسـ ـخـــريــة:
– اه يا حيلتها ما انت راجـ.ـل اوي وبتعرف في المسؤولية، طب لما انت دكر كدة، مسألتش ليه عن مراتك وابنها اللي في بطنها، مش دول الاولى برضو؟.
تلجلج ببعض الخزي وقد اصاب والده في رمي سهامه، ليبرر متجنيًا على زوجته:
– وهي حد قالها تمشي وتسيب البيت، دي اتفرعنت باخوها اللي اخدها من غير استئذان، خليه ينفعها .
جاء رد خميس بصيحة غاضبة؛
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه؟ طب غور من وشي ، جتك الهم ، واياك اسمع صوتك تاني عن بت عمك ولا غيرها، غووور جاتك الهم، خلفة تعر..
زفر سمير بقوة حين لم يجد فائدة من والده، ليحرك اقدامه وينصرف تاركًا المنزل، مغمغمًا بالكلمـ.ـا.ت الحانقة،
تجاهلها والده ليلتف نحو زوجته وابـ.ـنته اللتان تشاركنه الطعام، ليتوجه نحوهم بالسؤال:
– الواد التاني غار فين؟ من الصبح هو كمان ماشوفتش، اياك يكون بيدور عليها هو التاني؟ ما انا عارفه دلدول ابن كـ.ـلـ.ـب
❈-❈-❈
وكما توقع والده ، وقف سامر يراقب العمال الخارجين من المصنع في موعد مناوبتهم، علُه يلمح طرفها بينهم ، ولكن للأسف خابت ظنونه، حتى كاد ان ييأس او يدفعه الجنون لاختراق المصنع والسؤال عنها في ادارته، ولكن برؤيته لصباح رئيستها في القسم، تلك المرأة البدينة والتي دائما ما تتردد عليها في زيارات للمنزل، تحرك داخله الامل، ليتخذ طريقه نحو وجهتها، مسرعًا بالخطوات حتى تصدر لها يوقفها:
– انا اسف يا ست صباح، بس لو ممكن دقيقة بس اسألك.
حدجته بحنق لا تخفيه، فهي تعلمه وتعلم أسرته جيدا، لذلك لم يكن غريبًا ان تعامله بضيق:
– وانا ايه بيني وبينك يا خويا عشان توقفني كدة ولا اكنك واخد عليا ، في ايه يا جدع انت؟
اجابها سريعًا حتى يتجنب الصدام معه:
– انا اسف في الطريقة وحقك عليا، بس انا قلقان على بـ.ـنت عمي وأخواتها، وعايز اعرف هما عزلوا وراحو فين ؟ انت صاحبتها واكيد…….
قاطعته بحدة منتبهة لكلمـ.ـا.ته:
– مين هما اللي عزلوا يا جدع انت؟ انت هتكلمني بالالغاز.
– والله ما بتكلم بالالغاز يا ست صباح، انا زي زيك اتفاجأت بعد ما صحيت الفجرية على صوت العربية اللي بتلم العفش، حاولت اعرف رايحين على فين، لكنها رفضت واخوها شيبط فيا وكان هيتخانق معايا، شكلك انت كمان خبت عنك زي ما عملت معانا .
سهمت ابصار صباح ، وقد لاحت عليها الصدmة، هذه اول مرة تخفي عنها بهجة امرا بهذه الأهمية، منذ متى كان التعامل معها كالغريبة؟ ولما فعلت ذلك، وهي التي تضعها في معزة ابـ.ـنتها التي لم تنجبها.
شعر سامر بالأسف على هيئة المرأة، ليلطف قائلا:
– طب انا بلغتك يا ست صباح، وحياة اغلى ما عندك، اول ما تيجي المصنع ا عـ.ـر.في منها وطمنيني عليها ، دي مهما كان برضو شرفي وعرضي.
اومأت بهزة من رأسها ، حتى اذا انصرف وتركها، اخرجت هاتفها من الحقيبة تتصل عليها على الفور، لتخاطيها بحدة فور ان سمعت صوتها:
– الوو يا بهجة،، انتي فين يا بت انتي؟ وازاي اسمع انك عزلتي من غير ما تقوليلي:
جاءها الرد من الجهة الاخرى:
– ايوة يا ريسة سامحيني لو خبيت عنك، اول ما اشوفك هفهمك كل حاجة، انا بس مشغولة دلوقتي، .
– اسامحك ليه؟ انت عملتي ايه يا بت؟
– يا ريسة بقولك هفهمك بعدين، معلش هقفل دلوقتي…..
– استني يا بت….
تطلعت صباح بصدmة نحو الهاتف ، تشاهد انتهاء المكالمة وهذا الفعل الغريب من بهجة، لتغمغم بقلق اصبح يسرى داخلها:
– يا لهوي، هي البت دي هببت ايه ومخبياه عني؟
❈-❈-❈
والى بهجة، والتي اضطرت لانهاء المكالمة مع رئيستها، فور ان ترجلت من السيارة ، لتقف امام البناية التي تقصدها، بعدmا هاتفت صديقتها، تطلب منها الانفراد في الحديث معها ، فلم تجد الأخرى خيرا من مكتبها الجديد لتلتقيا به،
لتتطلع هي الاَن لواجتهه، تقرأ اليافطة المدونة عليها الاسم بالخط العريض
مكتب صفية محروس للمحاماة.
❈-❈-❈
وفي منزل رياض
وقد كان يتحدث في هذا الوقت مع شريكه في العمل اثناء خروجه من غرفة المكتب:
– ايوة يا كارم، يا راجـ.ـل بقولك مشغول ومش هقدر احضر معاك النهاردة……. يا سيدي انت الخير والبركة، نوب انت عني وانا واثق فيك……. وافرض يا سيدي صعبين، هو انت في حد يقدر عليك برضو؟….. انا رايق!….. وماله يا سيدي لما ابقى رايق؟ هي دي عجيبة يعني،……. حبيبي ربنا يخليك، انا هبقى اتابع معاك ع الفون، بالتـ.ـو.فيق ان شاء الله.
انهى المكالمة ليُقابل بوجه والدته امامه مباشرة، تطالعه بنظرات غير مفهومة، وكأنها مندهشة لتغيره اليوم، وقد اختفى التجهم الدائم، وحل هدوء غريب جعله، يتقدm ليجلس بجوارها سائلًا ليطمئن عليها:
– عاملة ايه يا ماما النهاردة؟
لم تجيبه وظلت تطالعه بنظراتها فقط ، مما جعله يميل نحوها بنظرات كاشفة ، فهو ايضا يعرفها ويشعر بتحسنها:
– حاولي تجاوبني في مرة يا ماما، انا عارف انك بدأتي تتنبهيلي وتفهمي اللي بيدور جواليكي، ابنك مش غـ.ـبـ.ـي .
اشاحت بوجهها عنه ناظرة للأمام مما جعله يستطرد:
– انا مش عدوك يا ماما، حاولي تنسي اللي فات عشان نعيش مع بعض حياة طبيعية.
وكأنها لم تسمع شيء ، تناول جهاز اللوح اللاليكتروني، تأتي بهذه اللعبة التي تعلمتها من عائشة لتمرر بإصبعها على الشاشة، وتنـ.ـد.مج في اللعب، مما جعله يفقد الامل، لينهض من جوارها:
– ماشي يا ماما زي ما تحبي.
ولكن وما هي سوى خطوتين ابتعد بهم عنها ، حتى اوقفته بسؤالها المقتضب، وكأنها بالفعل على معرفة بكل شيء
– بهجة.
التف اليها بابتسامة مسترخية يجيبها:
– معلش يا ماما، بهجة مش هتقدر تيجي النهاردة، هي اتصلت بدادة نبوية وبلغت اعتذارها لسبب يخصها
توقف يستشف رد فعلها بهذه النظرة التي كانت تطالعه بها، ولكنها قطعت سريعًا تعود لما تفعله باللعب على الجهاز الذي تمسكه بيدها، وكأنها لم تسأل عن شيء
❈-❈-❈
مساءً
وداخل منزل اخر يمتلكه، ليجعله مسكنا لهما معًا ، كانت الجلسة بحضور رجل الدين الذي كان يعقد عقد زواجهم، والحضور يقتصر عليه، واثنين من رجـ.ـاله شهود ، وهي قد أتت بصديقتها الوحيدة كما اخبرته، تحفظ السر وتدعمها في هذه اللحظة الفارقة معها .
وقد وافق حينما اخبرته بأمانتها ولكنه تفاجأ بعد ذلك بالمهنة التي تمتهنها، لتجعل نوعا من التسلية يسري بداخله،
ولكنه كان كالعادة متزنا بشكل يفوق الحدود ، يردد خلف الرجل ويطالعها برزانة ، رغم مشاعر الصخب التي كانت تدور برأسه، لقد كانت جميلة بصورة مؤلمة ، رغم نبرة الحـ.ـز.ن التي كانت تتخلل صوتها، رقيقة وناعمة كقطعة السكر التي تذوب بالفم ، كيف له الصبر يومين اخرين كما وعدها؟
بعد انتهاء رجل الدين وقد اصبحت زوجته رسميًا، وانصراف الرجلين، لم يتبقى سوى هذه الفتاة صديقتها، تقف معها الاَن وتدعمها، رغم النظرات العدائية التي كانت توجهها نحوه ، فهو ليس بالغـ.ـبـ.ـي حتى لا يعرف بما خلف الابتسامة المزيفة التي كانت ترسمها امامه، ليظل جالسًا بأريحية على اريكته في انتظار انصرافها.
– خليكي شوية تاني يا صفية، او استني نمشي مع بعض .
تبسمت الاخيرة بحنو لطيبة صديقتها المفرطة، والتي تستهين بما اوقعت نفسها به، ولكنها ان لم تنجح في اثناءها اليوم عن فعلتها تلك، فهي ابدا لن تتركها .
نظرت نحو الخاتم الذي وضعه هذا المتعجرف بأصبعها، وكأنه يعاملها كعروس حقيقية ، مهر ومنزل ووكالة صغيرة، ياله من مشتري جيد،
تنهدت بقوة، لتضغط على كفها بمؤازرة، وتشـ.ـديد وتنبيه:
– زي ما قولت وأكدت عليكي قبل سابق، انا تحت أمرك في أي وقت لو عوزتي اي مساعدة، اينعم انا كنت رافضة وما زلت، بس برضو هفضل في ضهرك مهما حصل.
سمعت منها بهجة لتلقي بنفسها عليها وتحتضنها بشـ.ـدة:
– تسلميلي يا صفية، تسلميلي اوي، انتي مش مجرد صاحبة وبس، لا دا انتي اختي.
لم تبخل عليها صفية ايضًا بدعمها حتى تطمئن وتهدأ سريرتها، فهي الاعلم بما تمر به الاَن.
طال عناقهم حتى اثار سخط هذا الغيور، ليتحمحم بجلافة تحسب عليه، فيهدي صفية ابتسامة مكشوفة حينما اتجهت برأسها اليه، يتحدث بكذب:
– منوارنا يا سيادة المحامية المخضرمة، ايه رأيك تيجي معانا نتعشى في المطعم القريب من هنا.
بادلته صفية بابتسامة صفراء:
– متشكرين يا رياض باشا، الجيات كتير، نخليها مرة تانية ان شاء الله، مش عايزة ابقى عزول.
قالت الأخيرة بابتسامة حقيقية لصديقتها، قبل ان تستأذن وتغادر امامها، برفقة احد الحراس، وهي تتابعها بعينيها حتى اختفت خارج المنزل الذي اغلق عليها وعليه، لتجفل بذراعه التي التفت حول خصرها من الخلف فتجد وجهه مقابلا لها يخاطبها بمرح:
– حلوة اوي حلوة حركة المحامية دي، حركة زكية.
كتمت شهقتها لتعقب بثبات تدعيه:
– ما انا قولتلك من الاول انها جاية بصفة صاحبتي، مش بصفة عملها، وان كان على حقي او العقود، ف انا برضو دارسة حقوق وعارفة كويس بالقوانين.
– جميييل.
لا تعلم بأي صفة وجه الكلمة، ان كانت سـ ـخـــريــة او اثناء على ذكائها، ولكنها عادت للإجفال مرة أخرى، حينما قربها اليه بشـ.ـدة حتى انتفض جــــســ ـدها بين يديه، لتعبر عن اعتراضها:
– ايه في ايه؟ انت مش قولت انك هتديني فرصتي، يومين
تبسم بمكر يردد بمراوغة:
– طبعا قولت، بس كمان ما قولتلكيش انك زي القمر النهاردة، وانك تاخدي العقل و….
-و ايه؟
هتفت بها مقاطعة له، لتنفضه بعيدا عنها بحركة مباغتة، ولكنه اعادها سريعًا لترتطم بصدره فتجد نفسها محاصرة بين ذراعيه، وانفاسه الخشنة تلفح بشرتها بعدmا قرب وجهه منها بشـ.ـدة، ليردد بصوت مبحوح وعيناه ارتكزت على ثغرها:
– ما انا قولت حاجات كتير وانتي كمان، بس دي مشاعر بتيجي فجأة من غير حساب، وانا برضو بقيت جوزك رسمي ولا انتي مش واخدة بالك؟
انتفضت تحاول الإفلات من بين يديه مرددة:
– لأ واخدة بالي، بس انا مش جاهزة بجد، ولا انت كلامك في الهوا.
بعبـ.ـارتها الأخيرة استطاعت ان تحرك ذلك الجزء المتعجرف به، ليحل ذراعيه عنها فجأة قائلا بحنق لا يخفيه:
– رياض الحكيم عمره ما يقول حاجة في الهوا.
زفرت بـ.ـارتياح حينما تركها، وقد علمت الاَن بهذه النقطة التي تستطيع استغلالها في شخصيته، لتعدل من فستانها الذي تجعد، قائلة بتملق زائف:
– انا برضو كنت عارفة، وعشان كدة بقول ان اروح دلوقتي احسن ليا وليك ، عن إذنك.
قالتها لتتحرك مغادرة دون انتظار رد منه، وما ان استدارت لتنصرف نحو وجهتها، حتى وجدت نفسها تعود بسرعة البرق الى وضعها السابق، وقبل ان تستوعب باغتها، لتحط شفتيه على ثغرها هذه المرة تكتم اعتراضها ، في قبلة شغوفة، تخوض تجربتها لأول مرة بين يدي خبير، ذهب بها الى عالم اخر لا تعلمه، ما بين لهفة وتمهل ليسحب استجابة امتزجت ببراءتها التي كادت ان تطيح بعقله، ويتخلى عن وعده، حتى تركها بصعوبة تلتقط انفاسها، لاصقا جبهته بجبهتها، ليردف بصوت يخرج بصعوبة:
– دي بس عشان مش جاهزة.
اصابها الخجل بشـ.ـدة حتى لم تقوى على رفع عينيها اليه، لتملك زمام امرها في الاخير، ف ابتعدت حينما ارتخت ذراعيه عنها، وبتصميم غـ.ـبـ.ـي على المغادرة، فجعلته يزفر مقلبًا مقلتيه بقنوط، ثم امسك بها من رسغها يوقفها، فتجاهلت خجلها لتطالعه قائلة بانفعال:
– ايه تاني؟ مش قولت خلاص.
اجابها ببساطة حتى تكف عن تشنجها:
– هنتعشى مع بعض يا بهجة، ولا دي كمان عايزة تجهيز ؟
ترددت برهة بتفكير، لكن سرعان ما اتخذت قرارها بالرفض مبررة:
– لا طبعا مينفعش استنى دقيقة هنا، انا مضمنش!
اخفضت في الاخيرة رأسها حتى فهم ما تقصده، ليطـ.ـلق زفرته الأخيرة بخشونة يردد بيأس وهو يتناول سلسلة مفاتيحه من فوق الطاولة:
– احنا هنتعشى في مطعم برا يا بهجة، يعني مفيش داعي للقلق.
حينما نظرت إليه تسشف صدق قوله، أسر خضراوتيها ببندقيته مستطردًا بنبرة جديدة عليها:
– مش عايزة اتعشى لوحدي النهاردة، عايز احس يونسك معايا، ممكن.
غير طريق عودتها للمنزل ، لتفاجأ به يوقف السيارة من الخلف حيث السكون الذي يخيم على المنطقة الهادئة من الأساس، وعدد المارة القلائل في هذا الوقت، حتى غلبها الفضول لتساله وهي تتفقد الأجواء من النافذة المجاورة لها:
– وقفت ليه من الخلف، قدام البيت في نور لكن هنا ضلمة.
بابتسامة واثقة تناول كف يدها، لبجيبها بهذا النبرة التي لم تعتاد عليها بعد، تلك التي يتخللها الدفء عكس البرود الملازم له:
– وقفت هنا عشان اودعك براحتي، وانتي كمان عشان متقلقيش، اينعم المنطقة هنا مختصرة بالف مرة عن الحارة اللي كنتوا ساكنين فيها، بس برضو الامر مايسلمش.
اومأت بملامح يعتليها الضيق، ثم سريعًا ما استدركت للكلمة العابرة التي سقطت منه اثناء حديثه:
– تودعني ازاي يعني؟ هو انت مسافر؟
اومأ بهز رأسه، ليضغط على كفها المحتجز داخل كفه الكبير :
– ورايا شوية حاجات عايز اخلصهم تبع الشغل، يدوب
، هحاول اجي بأسرع وقت عشان اتفاقنا.
فهمت على ما يقصد لتسبهل اهدابها عنه بخجل زاده اضعاف حين اردف بمشاكشة:
– كان نفسي طبعا الوداع دا يبقى في بيتنا، كان هيبقى افضل واحسن بالنسبالي مية مرة.
حاولت نزع يدها باعتراض وعدm تقبل لجرأته، ولكنه زاد بفرض قبضته عليها ، يردف بهيمنة:
– حاولي تبقى هادية عشان ميطورش العند معايا، وبدل مسك الايد يبقى مشهد ساخن في قلب الشارع.
شهقت رافعة عينيها نحوه بإجفال:
– معقول يا رياض انت ممكن تعملها صح؟
تبسم باتساع فمه، فهذه اول مرة يسمعها تخاطبه بإسمه مجردًا، ليزيد بمشاكستها:
– انا بنبه بس عشان ت عـ.ـر.في اني على تكة، بس حلو الاسم منك تصدقي بقى، انا من اكتر الحاجات اللي كنت بكرهها في حياتي هو اسمي، عشان دايما بحسه تقيل وقديم، انما دلوقتي، فدي اول مرة اعرف انه لذيذ، بعد ما سمعته منك.
– اللي هو ايه ده؟
سألته بتركيز ذهب ادراج الرياح، فحالة الارتباك التي تلفها في حضوره، تنادي بالذهاب وفقط، دون الانتباه لأي شيء اخر،
اما هو والذي يعجبه الامر، فقد واصل بتسلية:
– انا بتكلم عن اسمي يا بهجة، عاجبني اوي منك.
اومأت رأسها بمهادنة، ثم حاولت الفكاك من حصاره حتى تغادر، ولكنه ابى، ليحبط محاولتها من البداية:
– اثبتي بقى يا بهجة، دول مش مستاهلين دقيقتين.
– دقيقتين!
تمتمت بها ساخرة، لتكتم داخلها زفرة الإحباط، تستسلم لإصراره قائلة برجاء:
– اديني سكت وهمدت عن الحركة اهو، ياريت بقى عشان خاطري تستعجل، انا حاسة قعدتنا كدة في العربية غلط من اساسه.
– مستعجلة اوي على بعادي يا بهجة؟
ما هذا السؤال الذي اجفلها به؟ حتى ارتفعت خضرواتيها، لتصطدm بهذه النظرة الغريبة، وكأنها تحمل احتياجًا، تحمل دفئًا، تحمل…..
– انتي عارفة ان دي اول مرة من سنين، ابلغ حد بسفري غير اللي بشتغل معاهم!
للمرة التي لا تذكر عددها ، يصدmها بأشياء جديدة عن شخصيته، لا تستوعبها.
– معقوول، ازاي يعني؟
سألته ببرائتها، فجاء رده بابتسامة لا تحمل شيئًا من مرح:
– عشان طول عمري وحيد يا بهجة، وحيد ابويا وامي، وحيد في بلد ناسها بتتكلم بلغة غير لغة بلدي…
لقد اسرها بقوله، ليتابع معانقًا ابصارها، وقد التمس بها عاطفة الحنان التي تغلبها مهما كان غـــضــــبها:
– انا نفسي انفتحت بجد النهاردة يا بهجة وانا بتعشى معاكي، كنت اتمنى لحظاتنا دي تطول، زي ما انا بتمنى دلوقتي اخدك في حـ.ـضـ.ـني واروح بيكي على بيتنا….. لكن اكيد طبعا مش هعمل حاجة على غير رغبتك.، الا اذا انتي غيرتي رأيك.
على الفور اهتزت رأسها برفض تام وارتجافة شعر بها، ليلملم ابتسامة ماكرة مردفًا:
– مفيش داعي للقلق يا بهجة، انا بقول لو غيرتي رأيك، يعني سايب حرية الاختيار في ايدك، حتى لو الشوق لوصالك هيجنني .
كيف السبيل لها في المقاومة، امام اجتياحه الكاسح بسحر كلمـ.ـا.ته، يدك حصونها برقته، يستجدي عاطفتها بحديثه، وقد تأثرت بالفعل لضعفه، ذاك الذي يخفيه خلف كتلة البرود والجمود التي يتخذها واجهة.
لقد ضاعت الكلمـ.ـا.ت في جوفها، وأصبحت كالمتلقي بصمت، وهو يغزو مشاعرها البريئة بسيل عاطفته، لتروي جفاء ارضها المهجورة منذ سنوات عدة، لترتوي وتشبع حد الامتلاء ، رغم خــــوفها وقلقها وكل شيء.
واصل هو يقبل ظهر كفها بحنو مردفًا:
– حاولي لما اتصل بيكي في اوي وقت تردي، عشان اكيد انا هكون عندي رغبة شـ.ـديدة اكلمك.
اومأت بطاعة وقد عصف بها الاضطراب، لتلملم اشياءها وتترجل هاربة من حصاره وهذه المشاعر التي يجفلها بها، حتى انها لم تعترض حينما خـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنتها، قبل ان تغادر وتتركه في انتظارها حتى دلفت من الباب الخلفي من المنزل، لترمقه بنظرة سريعة قبل ان تدفع الباب وتغلقه.
ثم توقفت اقدامها عن السير، بحالة من التشتت تكتنفها:
– لماذا يخبرها الاَن بحاجته اليها ، لماذا يوهمها بقيمتها عنده؟ بعدmا جعل الموضوع لا يزيد عن رغبة، ومهمة بيع وشراء بينها وبينه…… تبًا، هي لا تريد هذا الوجه منه، تريد الاحتفاظ بالصورة التي طبعتها في ذهنها عنه، حتى تستمد القوة دائمًا للاستغناء عنه في اي وقت.
زفرت تنفض رأسها من هذا العبث الذي اصبح ينخر فيها كالسوس، مذكرة نفسها بالاتفاق المبرم، والوعود التي قطعتها على نفسها، من اجل مستقبلها هي واخواتها، فلا يوجد شيء آخر يستحق، نعم لا يوجد.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت قبل الجميع كعادتها، ليجتعموا معها على تلك الطاولة التي جعلتها مائدة الطعام، حتى الانتهاء من ترتيب باقي المنزل اليوم،
عبـ.ـارات المرح والارتياح للمنزل الجديد لم تخلو من مزاح :
– يا سلام يا بيبو لما صحيت كدة واول حاجة وقعت عليها عيوني من الشباك هو منظر الخضرة تحت، حاجة كدة تشرح القلب وتفتح النفس على يوم جديد، انا حبيت البيت ده اوي، ربنا يخليكي لينا.
كان هذا قول جنات ليعقب على قولها شقيقها الاصغر:
– ايوة بقى يا ست الفنانة، بس انا اللي عاجبني اكتر بقى هو الهدوء، الواحد هنا يقدر يذاكر ويستوعب براحته، بعيد عن اصوات الخبط والرزع اللي مبيبطلش من الجيران لا صبح ولا ليل.
– ولا تصطبح بخلقة حد من ولاد عمك ولا مرات عمك الحيزبون ولا عمك نفسه، دا دي اهم ميزة يا عمنا .
هتفت بها عائشة لتصدر الضحكات من الجميع، فتعقب شقيقتها الكبرى:
– انتي بلوة كبيرة يا عائشة، رغم ان مكنتيش راحمة حد فيهم، بس بصراحة مكذبتيش، انا كنت مخـ.ـنـ.ـوقة وتعبانة في البيت ده رغم انه ريحة ابويا وامي وذكرياتي معاهم…… يلا الحمد لله.
– الحمد لله، طب انا كدة هروح جامعتي ازاي يا بيبو؟ انا لسة محفظتش خط سير المنطقة الجديدة.
– هعرفك يا جنات، احنا هننزل مع بعض دلوقتي، انا وانتي وعائشة، اما ايهاب فدا لسة قدامه مذاكرة، وهو مش محتاج اصلا حد يوجهه، ولا ايه يا باشا؟
رد ايهاب بثقة:
– طبعا يا باشا.
❈-❈-❈
اما هو فبعد ان انهى مهامه اليومية على عجالة من اجل رحلته السريعة، وجد نفسه يهاتفها دون تفكير، وكأن شيئًا ما ينقصه قبل ان يتناول حقيبة الملابس التي اعدتها الدادة نبوية من اجل سفرته،
كانت هي في هذا الوقت، داخل الوسيلة العامة للمواصلات، بعدmا اوصلت عائشة لمدرستها، وعرفت جنات الطريق الذي تتخذه للجامعة، فكانت مفاجأة ان تجفل باتصاله، وفي هذا الوقت وبين هذه المجموعة الكبيرة من البشر .
كادت الا تجيب وتؤجل المكالمة، ولكن خشت ان يسافر قبل ان تلحق الاتصال به، فجاء صوتها كالهمس:
– الوو… صباح الخير.
– صباحك فل يا بهجة، متصلتيش ليه تطمني ولا تسألي عن سفري؟
هكذا ومباشرة يعاتبها، وهي تعلم بالفعل انها قصرت ، ولكنها ايضا مازالت تضع الحواجز، ولم ترفعها بعد، لأنها حتى الاَن لا تستوعب، وقد ترسخ بعقلها، انه ليس زواجا عادي، إذن فكيف تفعل؟
تحمحت تجلي حلقها بخفة لتبرر وتجيبه بنبرة هامسة، حتى لا يصل الصوت الى المرأة التي تجاورها؛
– معلش عدت عليا، بس كنت هتصل لما اوصل الشغل….
– وانتي فين دلوقتي؟ وليه صوتك وا.طـ.ـي؟
زاد حرجها مع انتباهها للمرأة التي اصبحت ترهف السمع معها، لتغمغم سائلة لها بفضول:
– دا جوزك ولا خطيبك؟
اومأت لها على مضض دون ان تريحها بإجابة وافية، ليصدر ردها نحو الاخر ببعض الضيق، فهي ليست معتادة على هذه المحادثات امام الملأ:
انا في الاتوبيس، وخلاص قربت اوصل الشغل.
كاد ان يستمر في مشاكستها ولكن عند ذكر هذا الاخير تغيرت لهجته ليرد بحدة:
– وتركبي ليه اتوبيسات وتتبهدلي، ما عم علي موجود يا بهجة، مش انا قولتلك في اي وقت اتصلي بيه من سكنك الجديد والراجـ.ـل مش هيقصر..
قابلت حدته ببعض التماسك حتى لا ينفلت الامر منها وتنفعل عليه:
– حضرتك وانا قولت تمام، بس دا في مواعيد الشغل عند مدام نجوان، غير كدة مينفعش، عم علي راجـ.ـل كبير و انا مش هانم عليه عشان اقلق راحتو وقت ما احب في اي وقت.
استطاعت بتلميحها البسيط ان تجعله يستدرك صواب قولها، وصحة موقفها، لذلك لم يجد سوى ان يلطف، معبرًا عما يعتريه في هذه اللحظة:
– هتوحشيني يا بهجة
هل ما سمعته كان حقًا؟ وان هو كذلك بالفعل، كيف يسعفها لسانها في الرد؟
– بهجة انا بكلمك.
– ايوة ايوة واخدة بالي والله.
تمتمت ردًا له، وقد تلونت وجنتيها بالإحمرار، ولفها الارتباك بشـ.ـدة، والذي يبدو قد وصل اليه، فأبى الا يثقل عليها في هذا الوقت الغير مناسب لها، لينهي بنبرته الرخيمة:
– هبقى اتصل بيكي اول ما اوصل.
ابتلعت ريقها هذه المرة تتمكن من إجابة بدت في طريقتها عفوية وبسيطة بصوتها الرقيق، لكن لا تعلم بحجم تأثيرها على رجل مثله:
– تروح وتيجي بالسلامة ان شاء الله.
– وانتي بألف سلامة يا بهجة.
❈-❈-❈
تصدر سمير بمدخل البناية، يوقف شقيقه عن الخروج هاتفًا به:
– على فين العزم يا غالي؟ على شغلك بقى اللي لسة مبداش؟ ولا ع المصنع؟
حاول سامر دفع ذراعه عنه وتخطيه مرددًا باستنكار:
– مصنع ايه وكلام فارغ ايه؟ ابعد كدة من وشي يا عمنا مش عايز اقل منك وانت اخويا الكبير.
سمع الاخير لتثور ثائرته، يصيح به غير عابئًا بصوته العالي :
– لا يا حبيبي اتشطر وخليني اشوف هتقل مني ازاي؟ وانا مبقاش راجـ.ـل، لو معرفتكش مقامك، بتروح المصنع لبـ.ـنت عمك تسأل عليها هناك ليه ياض؟ تخصك في ايه عشان تروح تسأل عنها بعد ما مشت وسابت البيت؟
لم يستغرب سامر علم اخيه بذلك الامر، فهو على معرفة تامة بخط سير ابنة عمه منذ انفصاله عنها، لكن ابتعادها الاخير بهذه الصورة دون ان يأتيه خبر به، وهو ما شكل صدmة له، لذلك لا يستغرب حالة الهياج التي هو عليها الاَن، لكنه ايضا لن يسكت عن حقه:
– وافترض روحت لها وسألت عليها عشان اعرف مطرحها، دا يخصك انت في ايه؟ ولا تكونش يا حبيبي عايش لسة في الوهم انها على زمتك؟.
وكأنه كان في انتظارها ليفرغ به شحنة الغـــضــــب المكبوتة به منذ الأمس، ليكز على اسنانه، ويدفعه بكفيه على صدره بعنف متحرقًا لبدء مشاجرة:
– اه بقى هو كدة بالفعل، عايش في الوهم انها على زمتي، يعني مفيش حد هيقدر يقرب منها غيري، واللي هيسترجل ويتحداني، يبقى المـ.ـو.ت اقرب له منها.
قابل سامر تهديده، بوعيد اكبر، يزجره بعنف:
– طب ان كنت راجـ.ـل اعملها، وانا صدري مفتوح اهو، شوف هتقدر ولا لا؟
– يبقى انت اللي طلبتها .
صرخ بها الاخر لينشب بين الاثنين شجار كالمعركة بين الطرفين، في حرب اثبات الذات وكأنهما قد عادا للعصر الحجري، قبل ان يلحق شباب الحارة ويفصلا الخصمين، حتى وصل الامر لوالدهم، فجاءت اللحظة المنتظرة امام والدهم الاَن ، بوصلة من توبيخ لا تخلو من شتائم بأفظع الالفاظ:
– بتفضحوني يا ولاد الكـ.ـلـ.ـب قدام الحارة وتقصروا رقبتي، ياريتها كانت بركت عليكم وفطستكم يا خلفة الندامة، بتقطعوا بعض وتفرحوا الناس فيكم، وانتو الواحد منكم قد الشحط ويفصلوا منه اتنين، هتعقلوا امتى يا جوز البهايم؟
جاء الرد المباشر من ابنه الاصغر، في دفاع عن نفسه:
– انت عارف يا بابا اني اخر واحد يعمل فضايح ولا مشاكل، بس ابنك الكبير هو اللي استفزني من غير سبب واجبرني اتخانق معاه، انا راجـ.ـل كنت رايح على مصلحتي، هو اللي وقف في وشي يمنعني، باينه كان شارب شوفو حالته بنفسكم.
هتف سمير يبرر باندفاعه الاحمق غير ابها بالعواقب:
– انا برضو اللي بجر شكلك من غير سبب، طب خلي عندك انت الشجاعة وقولها يا دكر…….. اسمع يا بابا، قول لابنك يتلم ويبطل يروح لبهحة الشغل، ولا يدور على عنوانها، انا حالف لاصور فيها قتيل لو اتجرأ ولا عملها تاني.
جاء الرد من درية الواقفة خلفهم تسبق زوجها بلطمة على صدرها:
– نهار اسود عليكم ومنيل بستين نيـ.ـلـ.ـة، هو احنا مش كنا خلصنا من بوز الاخص دي اللي اسمها بهجة، ولا انتوا عايزين تخلصو علينا احنا بعمايلكم!
هدر خميس يغلق باب الجدال والمناقشة من اولها:
– اسمع ياد انت وهو، انتوا الاتنين دلوقتي تحلو عن نفوخي، وما اسمع بعد كدة ان اي حد فيكم قرب من شغلها ولا حصل خناق ما بينكم تاني بسببها لاكون طاردكم من بيتي طردة الكلاب، هو انا معنديش شغلانة غيركم يا ولاد الكـ.ـلـ.ـب، امشي وغور انت وهو ، كل واحد يروح فيكم على شغله.
سمع الاثنان ليضطروا للإذعان له صاغرين، ينصرفا من امامهم، فيغادرا المنزل، امام ابصار والدتهم، التي صارت تولول وتندب حظها، وابـ.ـنتها التي التوى ثغرها بازدراء تتابع ذهابهم، لتربت على ظهر والدتها وذراعها بدعم :
– معلش ياما اهدي كدة لا تجيبي المرض لنفسك.
خميس والذي تخصر بذراعيه، بغـ.ـيظ يفتك به، دب بقدmيه ينهرها بحنق قبل ان يذهب هو الاخر ويلحق بهم:
– قفلي انتي كمان يا درية، مش ناقص انا حـ.ـز.ن في البيت، جاتكم الهم كلكم، تقصرو العمر.
– هم لما ياخدك انت، ما انت كمان من ضمن الهم.
غمغمت بها درية بغـ.ـيظ خلف زوجها الذي صفق الباب بقوة وهو يغادر المنزل.
لتجفلها ابـ.ـنتها:
– اما انتي لازم تروحي عند الشيخ اللي غورها، يشوفلك صرفة بسرعة عشان ولادك يتهدو بقى، واحد يرجع لمـ.ـر.اته والتاني يتجوز واحدة تنسيه اسمها .
طالعتها والدتها بدهشة لذهنها الخبيث الحاضر ، تعلق ردا لها:
– وهي مقابلة الشيخ كدة سهلة يا ختي، دي لسة عايزة مواعيد وعلى ما يجي دورنا ، دا غير الفلوس اللي هيطلبها.
بحماس يثير الذهول، ردت بلهفة:
– ومالوا يا ماما، انتي تتصلي بالست مبروكة وتعكميها قرشين تسهل مقابلتك بيه، وان كان ع الفلوس فدي اسهل حاجة عندنا، المهم بقى تاخديني انا معاكي المرة دي.
نهرتها درية باعتراض:
– اخدك فين يا بت؟ هو انتي اتجننتي ولا ايه؟
وكأنها طفلة صغيرة تعلقت برقبتها، تتحايل بلهفة:
– لا ياما متجننتش، بس انتي خديني معاكي، شالله يارب ما يتم المراد غير لما تاخذيني معاكي.
❈-❈-❈
بأعين يملؤها الفخر، وقفت تطالعه وهو يرتدي الملابس الرسمية امام المراَة، فبدا لها اجمل ما يكون، تريد ان تظل هكذا بالساعات ولا تمل من تأمله ابدا.
انتبه اليها في غمرة انـ.ـد.ماجه في تصفيف شعر رأسه بالفرشاة، ليلتف اليها، فيهديها ابتسامة رائقة مشاكسا، وقد راقه وقفتها بذلك الميل وهي مستندة على إطار المدخل، بتلك البيجامة الملتصقة بمنحنياتها البـ.ـارزة، بصورة اظهرت اغراءً هي تغفل عنه:
– ايه؟
تسائلت خلفه بعدm فهم:
– ايه ايه؟
اجابها بغمزة وقحة، ونظرات ذات مغزى:
– دا اول يوم رسمي ليا النهاردة من بعد الاجازة، بالشكل ده هتخليني اغير رأيي.
– يا نهار…….
قطعت عبـ.ـارتها بحرج كسى ملامحها، لتعتدل بوقفتها تتصنع الغـــضــــب وابتسامة فضحتها، لتردف بكلمـ.ـا.ت متقطعة:
– انت…. انت فعلا بقيت قليل ادب يا عصام……. قال وانا اللي جاية اقولك ان الفطار جاهز…… خليك مع نفسك…… هروح افطر لوحدي….
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة من امامه، ليلحق بها، يتمتم ضاحكًا:
– وايه يعني ما انا ممكن احصلك، وبرضوا اعمل اللي في دmاغي .
فضلت عدm الرد لتأخذ جلستها على المائدة كي تسبقه، وما همت بوضع احد اللقيمـ.ـا.ت بفمها حتى وجدته يقبض على كفه، ويلتقطها بفمه، ثم يلوكها مردفا بمكر:
– حسيتها من ايدك هتبقى احلى، ولا ايدك هي اللي أحلى.
اكتنفها الخجل حتى حاولت نزع كفها، ولكنه ابى ليزيد من ضغطه ويرفعها اليه، يقبل الاصبعين ثم باقي اليد حتى سرت بداخلها القشعريرة، لتهتف برجاء:
– عصااااام.
توقف فجأة وبنبرة ينضح منها الخبث اجابها:
– ايه؟
سحبت يدها سريعًا منه، قائلة بحنق تخفي به اضطرابها، وقد شتتها بفعلته:
– انت كدة فعلا هتتأخر على شغلك.
استقام بجذعه يعدل من هيئتها، ليرد بحسم لا يخلو من تسليته:
– لا ما انا لو قعدت دقيقة تاني مش هروح الشغل فعلا، عشان كدة بقول اروح افطر مع امين باشا في مكتبه .
دنى يختطف قبلة سريعة من وجنتها، ثم تحركت اقدامه على عجالة، ليلقي اليها قبلة اخيرة في الهواء بادلته اياها ترافقها بقلب كبير وابتسامة اعتلت محياها حتى بعد انصرافه، لتتنهد بسعادة جعلتها تنسى الطعام وشهيتها اليه، وقد ارتوت بعشقه وشبعت حد التخمة .
خرج عابد الورداني من غرفته، يلقي ببعض التعليمـ.ـا.ت على زوجته قبل سفره لخارج العاصمة، من اجل جلب البضائع وقد توسعت تجارته في الشهور الاَخيرة، بفضل تركيزه به، وقد وجد به الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام:
– لما يجي الواد جابر اديله مفاتيح المخزن والدكان، انا وصيته امبـ.ـارح عشان لما اوصل بالبضاعة الجديدة يبقى مستنيني.
كان ابراهيم في هذا الوقت مضطجعًا بجلسته على الاريكة التي تحتل وسط الصالة، منشغلا بالهاتف، لم يعتدل ولا يعير مرور الرجل اهتمامًا، والاَخر يرد بالمثل في ان يتخطاه دون ان يلقي حتى تحية الصباح، الامر الذي استفز سميرة، لتعترض بمكر تجيده:
– الله يا حج والواد جابر يمسك شغلك ليه دلوقتي وابنك موجود؟ دا آخره حتة صبي لا طلع ولا نزل، ولا ايه يا ابراهيم؟
توجهت بالاخيرة نحو المذكور لتلكزه بيدها، كي يرفع عيناه وينتبه، يعطيها استجابة تدعم قولها، ولكنه سهم بصمت ابلغ من الكلام، لتبزغ ابتسامة جانبية ساخرة من ابيه، فيعطي رده الحازم لزوجته:
– متنسيش تبعتي المفاتيح لجابر، واياك حد يزعله بأي كلمة، دا ايدي اليمين دلوقتي..
القى كلمـ.ـا.ته وذهب يصفق الباب خلفه بعنف اظهر غـــضــــبه المكتوم، ليخلو المنزل على سميرة وابنها الذي صاحت به تنهره:
– مش تتكلم يا ابن الخايبة وتدافع عن حقك، بقى الغرب يمسكوا مال ابوك وانت هتفضل راقدلي ع الكنبة زي الفرخة اللي راقدة ع البيض.
استفزه الوصف لينهرها صائحا:
– الله انتي اتعديتي منه ولا ايه؟ ما تنقي الفاظك ياما، بدل ما تخليني اتعصب عليكي.
بغـ.ـيظ متعاظم، جذبته من قماش قميصه تهزهزه متمتمة بفحيح:
– هو دا اللي انت فالح فيه، بقولك الغرب بقوا ماسكين مال ابوك، وهو مديهم دقنه وواثق فيهم اكتر منك، هتستنى انت بقى لما يسـ.ـر.قوه؟
نفض قماش قميصه عنها ليعقب بعدm اكتراث:
– وافرض حصل، ما هتبقي غلطته مش غلطتي، بلاش تكبري الموضوع ياما، انا ممكن في اي وقت اطرد جابر ، دا آخره صبي عندنا زي ما قولتي، لكن مدام بقى نافعنا وماشي بأجرته خلاص بقى….. دا انا مصدقت شايلني من دmاغه، بعد ما كان بيهزقني ع الطالعة والنازلة ويغـ.ـصـ.ـبني ع الشغل معاه..
هتفت تكز على اسنانها:
– عشان خلاص حط صوابعه في الشق منك، وانا شكلي هعملها قريب، روح يا ابرهيم يا ابن بطني ربنا يهديك.
صرخت بالاخيرة، لتتركه وتذهب من امامه نحو غرفتها ، تغمغم بالألفاظ النابية التي لم يبالي بها ، ليعود لهاتفه مرة أخرى في محاولة للاتصال برقم اخر باءت بالفشل كالعادة مع حظرها لكل الارقام الغريبة عنها، ليحدث نفسه هذه المرة بتوعد:
– ماشي يا امنية، بلاها تليفونات، وانا هعرف برضو اجيبك لحد عندي، ومبقاش انا ابراهيم لو ما حصل.
❈-❈-❈
انهت عملها سريعًا حتى اذا جاء موعد الاستراحة، تركت مكتبها وخرجت سريعًا الى رئيستها التي شـ.ـددت عليها منذ الصباح من اجل الالتقاء بها.
فخرجت اليها بداخل الحديقة الشاسعة حيث كانت تنتظرها بناءًا على رغبة بهجة في هذا المكان المنزوي اسفل الشجرة، حتى تنفرد بها بعيدا عن الجميع،
لتجدها الاَن جالسة على الاَريكة الخشبية، متربعة الذراعين تطالعها بحدة قابلتها بهجة بالابتسام والمزاح:
– يا ساتر يا رب، طب انا كدة اصبح ولا امسي ازاي بس مع التكشيرة دي .
ردت صباح بسـ ـخـــريــة لا تخلو من حزم:
– انا لا عايزة صباحك ولا مساكي يا اختي، بت انتي احنا مش لسة هنتساير، اترزعي يلا .
رددت خلفها بهجة بادعاء القلق، وهي تتجه لتجلس أينما اشارت لها:
– يا لهوي، لا هنتساير ولا نسلم، امال هترزع قدامك ليه؟
– عشان احقق معاكي.
قالتها صباح بجدية لا تقبل النقاش، لتجبر بهجة كي تتخلى عن المزاح، فهي لن تتقبله اليوم، لتحاول الأخرى التلطيف معهما:
– في ايه بس يا ريسة؟ كل دا عشان عرفتي اننا عزلنا، طب ما هو دا كان شيء متوقع، انتي عارفة انا من زمان نفسي فيها الخطوة دي عشان ابعد عن عيلة عمي واذاهم لينا .
– عارفة يا بهجة، بس ازاي دا حصل بقى؟ وازاي قدرتي تخبي عليا؟ دا اللي انا عايزة اعرفه يا غالية.
حاولت بهجة التبرير بحجج واهية رغم علمها بذكاء رئيستها التي لا تفوتها التفاصيل الدقيقة:
– ااا اتصرفت، كسبت القضية اللي كنت رافعاها على مصلحة ابويا بقالنا سنين ومن المكافأة اول ما قبضتها، جريت على طول اشتريت البيت قبل عمي ما يحس، عشان كدة فضلت يبقى الامر كوتيمي، لكن طبعا كنت هقولك .
– دا بعد ما تعزلي! ليه يا حبيبتي؟ هو انا كنت من عيلة عمك يا بت؟
صدرت من صباح بقوة جعلتها تُصلح على الفور:
– لا والله يا ريسة، انا كان قصدي ع الكل، مش عليكي انتي مخصوص، والله ربنا بس العالم بمعزتك عندي.
طالعتها صباح بصمت، مضيقة عينيها بريبة زادت من تـ.ـو.ترها، لتردف حازمة لها:
– بهجة بلاش لف ودوران عليا، جيبي من الاخر معايا دا لو ليا عندك معزة زي ما بتقولي، عشان انا عارفة كويس ان انت موقفة القضية بقالك اكتر من سنة، ولا نسيتي ان المحامي كان من طرفي وابن منطقتي، ومعرفني كويس اوي استحالة انك تكسبيها.
هي بالفعل نست ذلك او تناست او ربما هي السرعة وعدm التركيز من جعلاها في هذا الموقف امام امرأة المحنكة وشـ.ـديدة الذكاء كصباح، بل وتفهمها.
– سكتي يعني يا بهجة؟ لو مش عايزة تقولي انتي حرة.
حينما ظلت بهجة على ترددها، نهضت فجأة تجفلها:
– شكلي زودتها، انا بقول اسيبك احسن مع نفسك يا بـ.ـنتي.
– لا استني يا ريسة.
هتفت بها بهجة توقفها فور ان تحركت للمغادرة، لتردف لها برجاء:
– هقولك على كل حاجة، بس وحياة الغالين، بعد ما ت عـ.ـر.في لا تبكتيني ولا تضري نفسك ولا تضريني.
رددت خلفها بعدm فهم:
– وتضريني انا ليه؟….. انتي هببتي ايه يا بت؟
❈-❈-❈
وفي منزل ناصر الدكش
حيث دوى صوت جرس المنزل، حينما كانت نرجس تعمل على اعداد الطعام في مطبخها، وقد خلى عليها وحدها، بعد ذهاب ابـ.ـنتها رؤى إلى جامعتها وزواج البقية، لتجفف يدها بالمنشفة وتتحرك نحو مدخل الباب في ظن منها انها احدى جيرانها، لتفاجأ باخر ما كانت تتوقعه، فتبرق عينيها بذهول تصلب له جــــســ ـدها، عن اي رد فعل
مما اثار التسلية داخل الاخر، ليبادرها معاتبًا:
– ايه يا خالتي مالك؟ شوفتي عفريت؟ ولا نسيتي وش ابراهيم ابن اختك، معلوووم…… عندك حق ما انتي بقالك شهور ما طليتي عليا ولا شوفتيني، حتى بعد ربنا ما كشف الحقيقة وظهرت برائتي، برضو مهنش عليكي تواجهيني ولا تحطي عينك في عيني ، وتقولي معلش يا ابن اختي .
هي في الاصل لا تعرف التصرف في اتفه الامور، فما بالها في موقف كهذا، وهذا الماكر يعاتبها، بل ويرمي عليها ذنب ما حدث.
تلجلجت بـ.ـارتباك لتلطف بحماقتها كي ترضيه، بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة:
– ابراهيم ابن اختي…. الف مبروك يا حبيبي خرجت من السـ.ـجـ.ـن ، عامل ايه دلوقتي؟
تبسم بمكر ساخرًا يقول::
– طب بذمتك ينفع السؤال على باب البيت، ولا انتي كمان عومتي على عوم شهد بـ.ـنت جوزك زي بناتك وهتقطعي رجلي من بيتك؟ قوليها يا خالتي ، ما هو دا كان غرضها من زمان، ما كانش العشم.
تحركت على الفور تنزاح بجــــســ ـدها من امامه، تردد بترحيب لا يخلو من تردد:
– اا اتفضل اتفضل، اصل انا افتكرتك وراك مشوار يعني، ولا مش هتقبل تخش البيت بعد اللي حصل.
تقدm يدلف ويسبقها نحو الجلوس وكأنه مالك للمنزل، يواصل عتابه ولومه:
– ما انا فعلا حقي ما ادخلش بعد البهدلة اللي شوفتها على ايد بناتك، ودا طبعا بأوس من وش المصايب شهد اللي بتكرهني كره العمى، بقى انتي تصدقي فيا يا خالتي اقــ,تــل عمي ناصر؟ انا، انااا
سهمت بنظرها نحوه، لا هي بقادرة على تصديقه ولا هي تملك الجرأة على تكذيبه، هذه هي نرجس دائما ما تنتظر رد فعل الآخرين لتنساق خلف الجهة الغالبة وتنساق معها ، لا تحدد ولا تقرر من نفسها ابدا.
– ااا انا مليش دعوة بيهم يا بني، كذا مرة اقولها، ابراهيم مصدقش عليه يعمل كدة، معقول ابن اختي يقــ,تــل راجـ.ـلي ولا ييتملي عيالي ، مش معقول طبعا، ولا ايه يا ابراهيم؟
كانت تتحدث ببلاهة ولكنها اصابت الهدف، حتى طغى عليه ارتباك خفيف استطاع السيطرة عليه سريعًا ليحاول ابتلاع ريقه الذي جف بكلمـ.ـا.تها:
طب انا كنت عايز اشرب يا خالتي عشان عطشت، ولا كمان اتحرم عليا اتعامل حتى معاملة الضيف العادي.
انتفضت تبرر وكأنها مخطئة بالفعل:
– لا يا ابني طبعا، انا هروح اعملك كوباية عصير مانجة بسرعة ورجعالك.
صمت ينتظرها حتى ذهبت الى مطبخها لتعد له كأس العصير، فدارت عيناه في المنزل الذي كان يحتله قبل ذلك، يفرض الشروط ويملي الأوامر وكأنه مالكه، قبل ان تغلبه هذه الملعونة شهد وتقلب الأخرى عليه، امنية .
عند خاطره الاخير تذكر غرضه من الزيارة، ليعود ببصره نحو الهاتف الملقي على احد الارائك بإهمال، فتحرك سريعًا يتناوله ثم بحث داخله حتى وجد اسمها، ليضغط مهاتفًا لها، فجاء ردها سريعًا بالطبع:
– الوو يا ماما، عاملة ايه؟
ظل صامتًا ليستمع باقي استرسالها:
– الوو يا ماما…. انتي اتصلتي وروحتي فين؟
– مامااا ، انتي فين؟ …… يووووه بقى، انا هقفل على ما تتصلي تاني وتنتبهيلي، عايزة اروح اخلص اللي في ايدي عشان الحق اجهز نفسي قبل عصام ما يرجع من الشغل واروح معاه نتعشى عند عيلته، يلا بقى سلام.
انهت المكالمة بعدmا اخذ هو غرضه بسهولة ، ليترك الهاتف محله، ثم يعود الى المقعد الذي جلس عليه سابقا، تعتلي ملامحه ابتسامة خبيثة، فيبدو ان الايام القادmة سوف تحمل له المزيد من المرح دون توقف، وقد عثر اخيرا على مدخله اليها…. عبر والدتها الساذجة.
❈-❈-❈
ركضت سريعًا كي تلحق بها في الممر الطويل قبل ان تخرج من البوابة الرئيسية للعمال، وتذهب الى منزلها وتغادر، لتجذبها من ذراعها وتوقفها قائلة برجاء:
– هتمشي وانتي لسة زعلانة مني؟
حاولت صباح نفض ذراعها منها لتنهرها بغـــضــــب:
– سيبي دراعي يا بهجة.
زادت من تشبثها لتسحبها معها الى زاوية بعيدة عن الممر ، تردف بتوسل:
– ابوس ايدك يا ريسة، اوعاكي تزعلي مني ولا انزل في نظرك ،دا انتي اللي عارفة كويس بظروفي .
اخرجت المرأة تنهيدة مطولة ، لتتكتف لها بذراعيها وقد رق قلبها لها، ولكنها مازالت حتى الان غاضبة:
– من حبي فيكي لازم ازعل يا بهجة، ازعل واغـــضــــب كمان، دا انتي زي بـ.ـنتي يا بت، ومفيش واحدة ترضى دا لبـ.ـنتها.
تبسمت بهجة تأثرًا بقولها لتلقي بنفسها داخل حـ.ـضـ.ـنها، وكأنها ملجأ الأمان لها:
– وانا عارفة ومتأكدة يا ريسة، وعشان كدة السر دا مقولتهوش لغيرك ولصاحبتي المحامية.
– صاحبتك المحامية؟
رددت بها صباح ساخرة، وعقلها مازال حتى الاَن لا يستوعب زواج بهجة من رئيسها وصاحب المصنع الذي تعمل به، هذا الشاب الجـ.ـا.مد المتجهم والذي لا يبتسم إلا نادرًا،
كيف هي قبلت؟ وكيف هو تخلى عن كـبـــــريـاءه وعنجهيته لينظر لواحدة مثل بهجة حتى لو كانت جميلة وتستحق من هو افضل منه، وزواج في النور، ولكنها تعلم بطبيعته، واصله الارستقراطي المستفز في التمسك بالعادات المتوارثة عبر اجيالهم، حتى لو كان زواج بالسر ، هذا الرجل يحمل شيئًا ما بداخله نحو بهجة، ولن تصدق ابدا ما ذكرته لها عن رغبة وكلام اهبل،
نعم فهذه الخارقاء تظن انها مدة وتنتهي، ولا تعلم بأنها سقطت في الفخ .
زفرت بضيق وقد ملت من التفكير، لتتضرع بقلب الام:
– ربنا يسترها معاكي يا بهجة، ويبعد عنك اي شر ، ويحميكي من اذى اقرب الناس ليكي لو الموضوع اتعرف .
فهمت على قصدها لتعقب مستفهمة:
– وهما ليهم ايه عندي تاني؟ انا كدة كدة مقررة ما اعيدهاش ولا اكرر الجواز من اي حد تاني بعد ما تنتهي مدتي مع رياض.
– تاني مدة يا بهجة؟
رددت بها صباح بابتسامة ساخرة ، لتلتف مقررة الذهاب:
انتي مش خلاص خدتي غرضك مني، ابعدي يلا يا شاطرة خليني اروح والحق اتوبيس الشغل ، مروحة معايا انتي كمان ولا ايه ظروفك؟
– لا انا رايحة لمدام نجوان.
قالتها بهجة لتقابلها الاخرى بنظرة حادة، جعلتها تبرر على الفور بعفويتها:
– مسافر والله ، مش موجود اساسا في البلد.
التوى ثغر صباح بابتسامة غـ.ـيظ مرددة:
– وانا مسألتكيش عنه يا هبلة.
❈-❈-❈
في مدينة الملاهي، وبعد قضاءهما معظم الوقت بها، خاض معها معظم الالعاب، حتى تلك الخطرة والتي تتطلب الشجاعة، اضطر ان يجاري اندفاعها ويخوض التجربة معها،
غرفة الرعـ.ـب وتلك الاشياء المرعـ.ـبة كانت تضحكها هي عكسه هو الذي كان يجاهد الثبات بصعوبة حتى لا يظهر خــــوفه الطبيعي كباقي البشر،
لينتهي بهما الوقت الاَن امام كشك المثلجات ليشاركها التناول معها،
عدة ايام مرت وكأنها الخيال، نال فيهم الفرح والسعادة حتى نسى بهم كل شقاء السنوات،
– هتاخد واحد ايس كريم زيي يا شادي، مش هتنكسف؟
قالتها بمشاكسة لا تكف ابدا عنها في حضوره، ليجاريها بقوله:
– قصدك يعني عشان انا مدير فندق ومحترم، فمنظري هيبقى مش لطيف قدام الناس اللي تعرفني من رواد الفندق او الموظفين صح؟
اومأت بهز رأسها، ليردف هو بالعد على اصابعه:
– يااا شيخة، يعني هي جات ع الايس كريم، بعد ما لبستيني القميص المشجر، وصورتيني بالشورت ع البحر وانا مطلع لساني، لا والتاني اللي مركبالي فيها الودان دي بتاعة الارنب، انتي خليتي فيها مدير يا صبا!
اصبحت تقهقه بالضحكات غير قادرة على التوقف، ليلطمها بخفة على جبهتها مرددًا بحزم:
– خلاص بقى اتلمي، فرجتي علينا الناس، ادي عيب اللي ياخدك معاه في مشوار تاني يا صبا .
تخصرت تقارعه بتحدي:
– والله، دا على اساس انك جاي تجضي شهر العسل لوحدك، انا رجلي على رجلك يا شادي، سواء هنا، سواء هناك، او في اي حتة، على جلبك يا شادي والله ما هسيبك .
تقولها بلهفة تجعل قلبه يتراقص داخل صدره، ليته يمتلك الجرأة مثلها تلك المـ.ـجـ.ـنو.نة، لكان احتضنها الاَن وكـ.ـسر اضلعها بشوقه، حتى لا يكف عن تقبيل هذا الثغر الذي نطق بتلك الكلمـ.ـا.ت .
ولكن للأسف، هو مازال حتى الاَن يحتفظ بجزء من عقله، وقد طار معظمه خلفها،
صبا القلب، هي روحه التي وجدها اخيرا.
❈-❈-❈
امام المراَة كانت تصفف لها شعرها، فتخاطبها بغزل ، وقد لاحظت شرودها منذ ان حضرت:
– ايه رأيك بقى في التسريحة الحلوة دي، مع انك صراحة مش محتاجة.
تبسمت لها نجوان هذه المرة ، توميء رأسها برضى، لتفاجأها بتناول الفرشاة ، ثم تشير لها بالجلوس امامها، فهمت بهجة لمقصدها لتعترض ضاحكة :
– لا مش معقول ، انتي قصدك تسرحيلي شعري انا؟ مينفعش.
نهضت تفاجأها لتدفعها للجلوس محلها، فلم تملك بهجة امام اصرارها سوى الإذعان والطاعة، فتنزع عنها طرحتها، ثم تطلق الشعر الطويل ، لتمرر نجوان فرشاتها فتتخلل الخصلات بنعومة، من الاعلي للإسفل، وكأنها تستمتع بذلك، تعدل مجموعة في الامام على الجهتين، تظهر جمال الوجه البهي، فتشرد بطلتها حتى ظنتها بهجة ذهبت لذلك العالم الأخر في عقلها،
لتفاجأها بقولها:
– انتي حلوة .
ضحكت بهجة بعد حالة القلق الذي سيطرت عليها منذ لحظات، لتردد خلفها :
– تاني حلوة، نفسي افهم غرضك ايه من المعلومة دي؟
قالتها وهي لا تنتظر اجابة، كمعظم الحديث معها، ولكن ما حدث من الاخرى اجفلها، حينما دنت فجأة، تهمس بأذنها على حين غرة.
– قصدي انه مش هيسيبك.
توسعت عينيها بذهول، لا تستوعب ما وصل لاذهانها منها، حتى وقفت تسألها:
– هو انتي بتتكلمي زينا، ومين دا اللي مش هيسيبني؟
وكأنها كانت تسأل نفسها ، عادت البراءة تلون وجه الاخرى، لتتلاعب بالقصة الجديدة لشعرها، بعدm انتباه لها، حتى ظنت بهجة انها توهمت:
– يا مدام انا بكلمك، ما هو مش معقول يكون دا بيتهيألي…… ردي ابوس ايدك عايزة اعرف مين المقصود…..
دوى صوت الهاتف فجأة، باتصال دولي بإسمه، لتجد منها ابتسامة غير مفهومة، ثم تحركت نحو العابها وهذا اللوح الإلكتروني، تشغل نفسها به، مما استفز بهجة لتتحرك تاركة لها الغرفة، ثم تضغط على الشاشة وتجيبه:
– الووو.
– الوو يا بهجة عاملة ايه؟
اجابته بتشتت:
– كويسة والحمد لله، انت اللي عامل ايه دلوقتي؟
وصلها الصوت الرخيم يزلزل كيانها:
– انا كويس دلوقتي يا بهجة من بعد ما سمعت صوتك، مش هما ساعات بس اللي مروا عليا في بعدي عن البلد وعنك؟ لكن انا بقولك اهو، حشـ.ـتـ.ـيني و  يا بهجة، حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي.
ما هذا الذي يحدث معها، جرعة من الغزل تسبقها جرعة من الجنون، كيف توفق بين الاثنين؟
– الوو يا بهجة انتي روحتي فين مني؟
تنهدت تستعيد توازنها، لتستجيب باقتضاب قائلة:
– وانت كمان.
وصلها رده بمكر:
– انا كمان ايه يا بهجة؟ وضحي.
ضغطت تغلب خجلها، حتى تستريح من الحاحه:
– وانت كمان وحـ.ـشـ.ـتني.
صمت ولم يجيبها على الفور ، ولكن وصلها صوت انفاسه، ليردف بعد ذلك:.
– الله ، اهو انا دلوقتي مش عايز اي حاجة بعدها، اصبر نفسي بيها على ما ارجعلك يا بهجة، ياريت كان في طيران دلوقتي، مكنتش فضلت دقيقة تاني بعدها.
ذاك الواجب الثقيل المُلزم به، تلك المسؤلية التي تطوق عُنقك ، ولا تجد منها مناصًا ولا يصح منها الهرب، فهو ماضيك وان تنصلت منه، تخليت عن ذاتك.
هذا هو ما كان يشعر به الاَن، وهو يقف خلف السور السلكي، يراقب ذلك الصغير وهو يركض بالكورة مع عدد من فريقه، كي يلحق ويسجل بها هدفا ضد فريق الخصم، لقد كبر عن اخر مرة قد رأه بها منذ سنة تقريبًا، يتكفل برعايته ويرسل المال شهريا ومع ذلك لا يعرفه عن نفسه ولا يتصل به اتصالاً مباشرًا، وكيف يفعل؟ ومن اين يجد العزيمة لمواجهة الاثر المتبقي من الماضي الأليم.
– كنت عارفة انك هتيجي المرة دي. ما هو مش معقول يعني تقضي في البلد يومين ومتشوفش اخوك.
ضغط على عينيه بغـــضــــب خانق، يكبت سعيرًا من نيران تسري بداخله؛ بعد سماع صوتها الذي دوى في اسماعه كفحيح الأفعى ، وتذكيره بالحقيقة التي يود ان يطمسها من تاريخة، ولكنه يعجز عن ذلك.
التف اليها بعد مدة من الوقت، ليُقابل بهذه الابتسامه الساخرة، متوقعة ان تجد منه الانبهار، بملامح الوجه التي زادت عليها بعدد من التعديلات كنفخ الشفاه وبعض الاجزاء من بشرتها، كي تزيد من انوثتها وفتنتها، وكل هذا طبعا من مال ابيه الذي يرسله من اجل شقيقه، وهي كالعادة تبدده بإسرافها،
ليرد على سخريتها بمقت:
– انا فعلا جاي اشوف اخويا، واشوف بالمرة الفلوس، بتوصله، ولا بتروح على عيادات التجميل الخاصة بوالدته.
عبست ملامحها بإجفال لتلميحه السخيف في نظرها، لترد بحدة؛
– وافرض بيروح جزء منها على عمليات التجميل لوالدته، ما هو انا ليا حق برضو، مش كفاية اني قابلة على نفسي ان اكون منفيه عن بلدي واتلقي صدقتك ليا ولاخوك كل شهر.
رد يفحمها بفظاظته:
– بلاش ترسمي دور الضحية، عشان النفي دا كان اختيارك من الاول يا ناريمان، انتي فضلتي تبعدي، وتخدعي الناس بأنك مـ.ـو.تي عشان غـــضــــب عيلتك، تعيشي هنا في احلى مستوى بالحرية اللي انتي عايزاها بفلوس بتجيلك كل شهر من غير تعب……..
زفر انفاس خشنة اطلقت دخانا من انفه بتهديد خفي هي فقط من تعلمه:
– حاولي تحافظي كويس على اَدm وتاخدي بالك منه، عشان دا الخيط الوحيد اللي مخليني صابر على كل أخطاءك، لو طاله أي اذى حتى لو كان نفسي، انا مش هرحمك، والحنفية اللي مفتوحالك مش هتطولي منها مليم واحد بعد كدة.
– انا مسمحلكش يا رياض، لأني لا بغلط ولا بعمل اي حاجة تضر ابني، ولا انت عايز تلاقيلي أي حجة وخلاص؟
هتفت بها مدافعة، ليقابلها مرددًا باستهزاء:
– لا انا مش عايز اخدها حجة لاني مش هحتاج اساسًا وقت ما احب انفذ اللي في دmاغي، انا بتكلم ع الغراميات، مع ناس موظفين وطلاب جامعة….. طب حتى اعملي حساب انك كنت متجوزة واحد من نسل الباشوات، ازاي الواحدة ترخص من نفسها كدة؟
لقد صفعها بفظاظته، حتى شعرت وكأنه مطرقه اهتزت لها رأسها، تبًا له من قاسي لا يعرف الرحمة بنقده ولا بتقدير وضعها كامرأة وحيدة، ولكنها ليست بالهينة حتى تصمت على اهانته:
– يعني انت جاي تحاسبني عن علاقه انتهت من ٦ اشهر مع مدير البنك اللي كان هيمـ.ـو.ت ويتجوزني لولا انا مرضيتش عشان خاطر ابني،
اما بقى عن طالب الجامعة، فدا مسكين ابن جارتي ، اعمله ايه؟ بيحبني وبيمـ.ـو.ت فيا رغم فرق السن، انا طبعا مدتلوش ريق حلو، لكنه بيطادرني في كل حتة ومبيزهقش، مش ذنبي اني جميلة يا رياض، جميلة وصغيرة كمان، انا مفرقش عنك غير سنة واحدة لو تفتكر، يعني في عز شبابي.
عنـ.ـد.ما ظل على جموده يحدقها بصمت، تابعت هي كي تؤثر في عاطفته:
– انا يمكن بيضيع كل فلوسي في اللبس والمظهر، عشان اعوض حرماني من اهلي وبلدي، ولا دي كمان هتعتبرها تمثيل؟
عقب ببساطة ينزع عنها هذا الغطاء الذي تحتمي به:
– محدش ضـ.ـر.بك على ايدك يا حبيبتي، من النهاردة اطلعلك باسبور وترجعي ع البلد دا لو عندك الشجاعة.
ردت بابتسامة تتصنعها لتعقب بصفاقة ليست بغريبة عنها:
– وماله يا قلبي، اخد حبة الشجاعة وارجع اواجه اهلي، وبالمرة كمان اعرف نجوان هانم ان ليها ريحة من المرحوم…… اااه.
صرخت بالاَخيرة حينما باغتها بالقبض على رقبتها ، يضغط عليها بقوة، وعيناه اصبحت كتلة ملتهبة من الجحيم:
– حاولي تكرري تهديدك تاني يا ناريمان، وانا هخليكي تحصلي اللي راح.
حرباء متلونة، حتى وهي في اقصى لحظات ضعفها، وروحها بيده، تبسمت رغم الالم الذي يحيط برقبتها:
– لو تقدر اعملها يا رياض، هبقى مبسوطة اوي انى امـ.ـو.ت على ايدك.
– انتي ايه؟ شيطانة، امـ.ـو.تك بجد عشان اريح البشرية منك؟
mama-
صدر النداء ليدق ناقوس الخطر برأسه، لينزع قبضته عنها بعنف والتف نحو الفتى الصغير ذو السبع سنوات، والذي توقف عن اللعب ليقف مواجهًا له، يفصل بينهم السور السلكي، بنظرة سريعة قطعها على الفور ليحرك اقدامه ويغادر هذا المكان برمته.
حاملا فوق ظهره هذا الهم الثقيل، بفضل هذه المرأة التي كانت السبب في ان يخسر والديه، وقبلهم نفسه.
❈-❈-❈
أسفل الشجرة التي اصبحت مكان التقائهم في وقت الاستراحة، حضرت صباح تحمل بيديها عدد من الشطائر المعدة بمنزلها لانها تفضل ذلك، مع كوبين من الشاي أتت بهم من كافتيريا المصنع، لتشاركها هذه الجالسة بشرود بهم .
تهتف نحوها بصوت واضح كي تلفت انتباهها:
– الشاي، الشاي والسندوتشات يا منيـ.ـلـ.ـة روحتي فين؟
استجابت لها بهجة بابتسامة تتناول الكوبين الساخنين. منها كي تضعهم على المقعد بينهما، وتجلس الأخرى وتضع الشطائر بجانبهم، تدعوها بأمر لا يخلو من مزاح:
– كلي معايا يا بت والهي نفسك بحاجة بدل الفكر اللي خلاكي خسيتي في يومين بس .
شهقة أجفال مكتومة برقت بها عينيها نحوها، لتتحول الى خجل شـ.ـديد، زحفت على اثره السخونة لوجنتيها، فتدرجت بهم الحمرة ، بعدmا فهمت على قصدها، لتنهاها بـ.ـارتباك:
– ايه اللي بتقوليه دا يا ريسة، مش خايفة حد ياخد باله من البنات .
ضحكت لتضع الشطيرة بحجرها مرددة:
– لا يا ختي مش خايفة، انتي اللي شكلك متاخدة، وواضح اوي.
– يالهوي انتي بتتكلمي جد هو انا باين على شكلي اوي كدة؟
تمتمت بها بهجة برعـ.ـب تنقل ابصارها نحو البشر المارة من حولهم، لتشفق عليها، رغم شعورها بالتسلية، فتعلق بمشاكسة:
– باين ايه يا بت؟ هو حد يعرف حاجة، كلي كلي دا انتي جبانة اوي واي حاجة بتصدقيها.
اذعنت لتقضم من الشطيرة قطعة صغيرة مغمغمة:
– الله يجازيكي يا ريسة بتتمألسي عليا عشان متـ.ـو.ترة حبتين .
تأثرت صباح رغم غـــضــــبها المكبوت من الطريقة، ولكنها لا تقوى على التنصل من مسؤوليتها نحوها:
– تتـ.ـو.تري ليه يا ختي وانا جنبك؟ اي حاجة نفسك تسألي فيا، او اي مساعدة انا موجودة، ها، هيوصل النهاردة من السفر؟
اومأت بهز من رأسها وصوت بالكاد يخرج منها:
– محددش الساعة كام بالظبط، بس قالي جهزي نفسك واستعدي النهاردة ليلتنا.
– دا جريء اوي.
غمغمت بها صباح بدهشة تتعدى الذهول، لا تتخيل ان ابن الحكيم يخرج منه هذا الحديث، ولكن لما العجب، فهو بالنهاية رجل وهي امرأة فاتنة حتى لو بشيء قليل من الاهتمام، فما بالها لو تزينت واخذت حقها من الدلال، ولكنها بريئة بشـ.ـدة وهذا ما يثير خــــوفها،
لذلك سارعت في طمأنتها:
– ارفعي راسك يا بهجة وبصيلي، انتي النهاردة هتبقي مسؤليتي.
❈-❈-❈
حينما عادت معها الى داخل المبنى، كانت المفاجأة من نصيبها، وهي تراه امامها يلج من الناحية الأخرى للمبنى، ترافقه اصوات العاملين بالتحية، والتهنئة بعودته من السفر، فكان يأتي رده اليهم باقتضاب كعادته وهو يواصل طريقه، فتلتقي ابصارها بخاصتيه، في انسجام بصري دام للحظات، حتى اكتنفها احساس انه على وشك القدوم نحوها وخـ.ـطـ.ـفها بين ذراعيه.
بالطبع كان هذيان صنعه عقلها ، بدليل قطعه لهذا الحبل الوهمي، ليتوقف امام مصعده، فتنهدت هي بيأس، ذاهبة لمصعدها، المصعد الخاص بالموظفين زملائها، فتذكر الفرق بينها وبينه وتعود لعقلها،
غافلة عن ابصاره التي تعلقت بها من الخلف، حتى اختفت داخل المصعد وصعد بها، اما عنه، فقد كان في حالة من الشوق، تكاد ان تفضحه،
منذ متى تخللت هذه الفتاة روحه و.جـ.ـعلته متعلقا بها بهذه الصورة؟ كيف استطاعت ببرائتها اختراق القلب الجليدي بعد سنوات من تركه متجمدًا ، حتى عادت هي تبث الروح به وتعيده للحياة، حينما يراها يفقد اتزانه ويفقد السيطرة على مشاعره، يومان مروا وهي بعيدة عنه، يتواصل معها عبر الهاتف كلما غلبه الشوق اليها كما يحدث الاَن وقد زاد لأضعاف برؤيتها، قد يتوقف قلبه ان لم يعانقها الاَن وفورا
حينما وصل لطابقه، كانت هي قد سبقته في الخروج من مصعدها متجهة الى الناحية الأخرى في عملها، ليحرك اقدامه سريعًا نحو مكتبه، فتقابله بالطبع لورا التي وقفت على الفور تستقبله بلهفة واضحة:
– رياض بيه حمد الله ع السلامة، امتى وصلت؟
بادلها الرد بابتسامة يتصنعها واقدامه تعرف طريقها نحو غرفة مكتبه، لتلحق به هي ايضا:
– الله يسلمك يا لورا، انا نازل حالا من المطار، يدوب غيرت هدومي وجيت هنا على طول، اخبـ.ـار الشغل ايه؟
كان في الاخيرة قد جلس على كرسيه خلف المكتب، فجاء ردها اليه بحماس:
– كله تمام وبيرفكت، كارم بيه بيجي يطل يخلص المطلوب وانا اكمل الباقي بمعرفتي.
برغم ارتياحه لقولها الا انه كان يجاهد بصعوبة للرد باتزان فعقله المتشتت لا يرى شيئا الاَن غيرها:
– عال عال، انا كنت متأكد اني سايب ورايا اللي يسد، ان كان كارم، ولا انتي يا لورا، كل يوم بكتشف قد ايه تستاهلي ثقتي فيكي.
سمعت منه لتغمر الفرحة قلبها، هذا الفظ حينما يرفق عليها بأقل كلمة ثناء يقلب كيانها بالفعل، فما بالها لو حدث ما تتمناه وتحول للغزل؟
– تحب حضرتك اجيبلك حاجة تشربها، ولا اخليك تطلع على جدول بكل اللي تم وانجزناه في غيابك؟ انا من رأي ترتاح شوية الاول احسن.
سألته بحماس اشتعل برأسها كي تثبت جدارتها اكثر وتنال مزيدا من الاستحسان، ولكنه صدmها بقوله:
– لا يا لورا اجلي كل حاجة دلوقتي وابعتي لبهجة خليها تحضر حالا.
رفرفت اهدابها تستوعب ما التقطته اسماعها، هل هو بالفعل قد اتى بسيرة هذه الفتاة الان؟
– بهجة! بهجة مين حضرتك؟ احنا بـ.ـنتكلم ع الشغل.
اعتدل بظهره لخلف الكرسي يجيبها بثبات وتحدي:
– وانا بتكلم عن بهجة عايز اطمن منها ع الاهم، وانتي فاهمة طبعا .
افحمها بالرد لتغلق فمها عن الجدال، بعدmا اوصل لها انه يريد الاطمئنان على والدته اولا من هذه الملعونة المرافقة لها، لتذعن راضخة لأمره، ثم تخرج الى مكتبها وتطلبها بصفة رسمية.
أتت بهجة بعد لحظات على اثر استدعائها، تهديها ابتسامة صفراء قائلة:
– بلغني ان المدير باعتلي يا أنسة لورا.
اومـ.ـا.ت تشير بكفها نحو مدخل الغرفة بعنجهية وتعالي دون ان تكلف نفسها عناء الرد، فتحركت بهجة نحو ما اشارت لها، تكتم سبة بذيئة، لتطرق بخفة على الباب المثقل فأتى قوله امرًا على الفور:
– ادخل.
سمعت منه، لتدفع الباب وتدلف الى داخل الحجرة الضخمة، فتواجهت معه مباشرة وقد كان واقفا بجوار النافذة، تخاطبه برسمية:
-افنـ.ـد.م حضرتك عايزني في حاجة؟ حمد ع السلامة الاول.
اومأ برأسه واقدامه تتحرك بتأني نحوها،
– الله يسلمك يا بهجة، انا فعلا عايزك، عايزك اوي.
قال الاخيرة وقبل ان تستوعب وجدت ذراعيه التفت نحوها فجأة بضمة هي الاقوى، يقبلها بشوق جارف، حتى انها تخشبت في البداية بين يديه لا تعي بما يفعل، لكن سرعان ما استعادت وعيها لتحاول دفعه عنها، ولكنه كان كالمغيب، يرتشف من شهد ثغرها وكأنها قبلة الحياة، تنعش قلبه ليضخ الدmاء مرة اخرى، حتى صار كالمغيب، غافلا عن مقاومتها حيث كانت تضـ.ـر.ب بكلتا كفيها ليحل وثاقه عنها، ويتركها تلتقط انفاسها،
حتى اذا ارتخت ذراعيه قليلًا نزعت نفسها منه، ودفعته عنها فجأة لتبتعد بمسافة كافية للأمان، فتمُلك اخراج صوتها اخيرا بالاعتراض، رغم عدm انتظام انفاسها بعد:
– انت ازاي تعمل كدة؟…. وفي المكتب!
تقدm خطوة تراجعت قبالها خطوتين للخلف، حتى صدر رده لها بضيق:
– وفيها ايه يا بهجة هو انا غريب عنك؟ ولا انتي نسيتي صفتك ايه بالنسبالي؟
– لأ منسيتش، بس برضو ميصحش.
تمتمت بها سريعًا لتعدل من هيئتها تردف بنبرة ضعيفة اظهرت حـ.ـز.نها رغم اعتزاز شخصيتها:
– الأمر بالنسبالك ممكن تاخده عادي، بس انا مينفعش ومقبلش، انا مراتك على سنة الله ورسوله، مش واحدة…
قاطعها على الفور بصرامة مردفًا:
– بس متكمليش .
هذه المرة كان الاسبق ليلتقطها سريعًا من ذراعها ويقربها منه قائلا بنبرة يتخللها الصدق:
– انتي أغلى واحدة على قلبي يا بهجة، وانا كنت مشتاقلك اوي ومازلت…. مسافر عنك بقالي تلت ليالي ويومين كنتى عايزاني استقبلك ازاي اول ما اشوفك؟.
خجلت لتطرق برأسها ، ولكنه أبى إلا ان يخاطب زمردتيها، ليرفع وجهها اليه من ذقنها قائلا:
– بتخبي عيونك عني ليه؟ انا بسألك تجاوبيني، ولا انا موحشتكيش زي ما حشـ.ـتـ.ـيني و ؟
تاهت الفتاة بعدmا اسرها بمعسول كلمـ.ـا.ته، وكأنه يلقي عليها تعويذة من السحر، يخـ.ـطـ.ـفها من عالمها الى شيء اخر بعيدًا عنها، ذلك العالم الجميل الخفي، محدود العدد عليها وعليه فقط، فيعود اليها مُلحًا بالسؤال:
– عايز اسمعها منك يا بهجة، وحشتك زي ما حشـ.ـتـ.ـيني و  ولا لأ؟.
بماذا تخبره؟ وهي يكتنفها العجز في حضرته، تريد التعبير عما يعتربها بقوة ولكنها دائما ما تصطدm بهذه الحقيقية المؤلمة، الغرض الأساسي من زواجهم،
اذا لماذا هو يتطرف بعيدا عن هذا الاتفاق، ويضعها في هذه المتاهة؟
– لدرجادي السؤال صعب يا بهجة؟
اعادها اليه بصوته الرخيم وانامله تمر بنعومة على وجنتيها تفقدها المقاومة وتزيد من تشتتها، لتزيح كفيه عنها قائلة بتعب:
– رياض باشا معلش اعذرني….. المشاعر دي غريبة، والظرف نفسه بتاع الجوازة يخليني….
– مستغرباها؟
اومأت بهز رأسها:
– اه بصراحة، لأن انت من الاول محدد الغرض من الجوازة.
صمت قليلًا ثم اجابها بهدوء وهو يجلس على ذراع المقعد ليُقابلها بعدmا اجلسها على طرف المكتب:
– وافرضي هو كدة زي ما بتقولي، هو دا يمنع اننا نشتاق لبعض ونقول كلام حلو كمان؟
– لحد ما تنتهي الرغبة.
قالتها كإضافة على قوله، لم يعلق عليها، بل ظل صامتًا لتردف هي:
– وبعد ما يعدي الشهر او الشهرين، نفترق وكأن ما في شيء كان، صح؟
مال بجذعه نحوها سائلًا:
– ومين اللي قال شهر ولا شهرين؟ كتبناها شرط في كتب الكتاب مثلا؟
صارت تطالعه بازبهلال قابله هو بابتسامة متابعًا:
– بلاش نحط ارقام والحاجات دي يا بهجة، سيبي الأمور تمشي.
– لحد ما تنتهي الرغبة.
عادت بها وكأنها تذكره بها وتذكر نفسها، لتلوح ابتسامة متسلية على طرف فمه دون ان يعلق.
فتستعيد هي بأسها وتحاول النهوض للانصراف:
– انا بقول كفاية كدة عشان اشوف شغلي ولا انت عايزني في حاجة تاني؟
نهض هو الاخر وقبل ان تتحرك بخطوة كان هو الاسبق، ليهمس بجوار اذنها:
– اعملي حسابك هتخرجي من الشغل على بيتنا على طول، عم علي هيستناكي وياخدك ، وهناك هتفهمي كل حاجة .
بحرج صارت تسيطر عليه بصعوبة:
– ومدام نجوان؟ ما هي ممكن تسأل عن سبب غيابي.
اقترب منها قائلا بصوت يذيب الحجر:
– متشيليش همها انا هلاقيلها حجة كويسة، المهم زي ما قولتلك.
وقبل ان تجادل مرة اخرى، اجفلهما فتح الباب ، وصوت كارم يدوي:
– انا جيت على طول اول ما قالولي انك رجعت من السفر و……
قطع الكلمـ.ـا.ت على طرف لسانه وكأنه ظبطه بجرم ما رغم عدm وجود ما يبرهن ذلك، لكن درجة القرب بين الاثنان هي ما جعلته يتوقف، ولعلمه التام بشخص رياض المتحفظ، والذي امتقعت ملامحه، ليطالعه بغـــضــــب مكتوم يأمرها:
– خلاص روحي انتي يا بهجة واعملي زي ما قولتلك .
تحركت على الفور تتوجه نحو باب الخروج امام ابصار كارم والذي رافقها بعيناه حتى غادرت، غير منتبهًا لذلك الذي كان يعض على نواجزه غـ.ـيظًا وتعقد حاجبيه بغـــضــــب يجاهد لإخفاءه، حتى انتظره ليقترب معانقًا له عناقًا رجولي، تقبله بشيء من عنف لم يخفى على ذاك الداهية، ليتبسم ويلاطفه بمكر :
– براحة يا عم، هو انت لدرجادي مشتاقلي؟
ابتسامة صفراء ارتسمت على ثغره في رد له:
– الظاهر كدة فعلا، بس انت مقولتليش انك في المصنع كنت جيتلك بنفسي اسلم عليك؟
جلجلت ضحكة صاخبة من كارم وهو يجلس مقابلا له :
– ما انا لسة واصل يا عمنا، وعلمت بس لما وصلت، اندفعت افتح الباب من لهفتي عشان اسلم عليك، حتى ما استنتش استأذن لورا، شكلك وحـ.ـشـ.ـتني بجد يا صاحبي.
رد في محاولة لمجاراته:
– وانت كمان يا كارم، عرفت من لورا انك مكنتش مقصر، انا بجد بشكرك.
– لا مفيش داعي للشكر يا سيدي، احنا شركا، يعني دا شيء عادي ما بينا.
غمغم بها كارم، ثم عض على شفته السفلى مردفًا بفضول ماكر:
– بس دي اول مرة اشوف حد من الموظفين عندك.
كان متوقعًا سؤاله، ورغم غـــضــــبه الشـ.ـديد، الا انه استطاع السيطرة عليه، ليجيب بنبرة جعلها عادية:
– لا دي بهجة مش موظفة عادية، كنت بسألها عن ماما.
– بتسأل على مامتك ليه؟….. ايه ده؟ لتكون دي جليستها الجديدة اللي قولت انها من عمال المصنع.
اومأ بضجر ، يكتنفه النـ.ـد.م الشـ.ـديد لذكر هذا الامر
امام شخص مثل كارم، والذي واصل بابتسامة رائقة:
– بس بصراحة انا استغربت، البـ.ـنت شكلها ميدلش خالص انها بتشتغل، حلوة اوي زيادة عن اللزوم بالنسبة لواحدة في ظروفها.
– متتكلمش عنها كدة يا كارم احترم نفسك.
صدرت منه بصيحة بضـ.ـر.بة قوية بكف يده على سطح المكتب اجفلت الاخر، لكن سرعان ما اثارت ابتسامة متسلية داخله ، ليخفف بمزاح:
– ايه يا باشا انا مغلطتش، انا بس بقول رأيي .
– متقولش يا كارم، عشان انا مبقبلش بالكلام ده خالص، لا عليها ولا على غيرها.
صدرت منه بحدة جعلت الأخر يصمت على الفور، وبداخله يجزم ان هذه الفتاة لها مكانة خاصة لدى هذا المتحفظ الغامض، اخيرا قد وجد له صلة ما بصنف النساء، لقد كاد ان يراوده الشك في هذا الأمر.
❈-❈-❈
بنسخة يملكها، وضع المفتاح في مغلق الباب الخارجي، ليدفعه بعد ذلك بعدmا تمكن من فتحه، ثم يلج داخل الشقة التي هلت منها رائحة ما فور دخوله، ليواصل تقدmه متأففًا بضجر، وعيناه تجوب على الاثاث والوضع الكارثي الذي حل به من اهمال، حتى صار يثير الازدراء.
أعقـ.ـا.ب سجائر منتشرة على الارض في كل مكان يدعس عليها بأقدامه أثناء سيره، عدد كبير من اكواب الشاي احتلت الطاولة امامه ، ملابس هنا وهناك.
تتبع مصدر الرائحة النتنة حتى ساقته قدmيه الى المطبخ، ليصطدm بجبل الاطباق المتسخة في حوض الغسيل، وفي جانب ما على الارض، اكتظت سلة المهملات بالقمامة وبواقي الطعام الملقاة بها، حتى اختمرت وتجمعت حولها الحشرات.
لم يحتمل اكثر من ذلك ليرتد باقدامه للخلف ، ضاغطًا بإصبعيه على أعلى فتحتي منخاره مغمغمًا:
– اف، الهي يقرفك يا بن الخايبة خلفة تعر.
توجه بعد ذلك على الفور نحو غرفة النوم التي كانت مفتوحة من الاساس، ليجد ابنه كما توقع غافيًا على تخته كالأموات.
نائمًا على وجهه بالعرض بجذعه العاري يرتدي فقط البنطال البيتي، والفوضى تعم الغرفة في كل شيء،
ليهدر بصوت عالي بغرض ايقاظه:
– قوم يا زفت الطين، هتفضل نايم لحد العصر.
انتفض سمير معتدلا بجذعه على الفور، ليُفاجأ بوالده امامه متخصرا بجــــســ ـده القصير البدين، وملامح مكفهرة زادت من هلعه:
– في ايه يابا؟ ايه اللي حصل؟
ردد خلفه باستهجان:
– اللي حصل؟! هو انت كمان بتسأل يا روح امك، نايم في زريبة ولا البهايم، وجاي تسألني ع اللي حصل، انت ياض انت حلوف ما بتحسش، مستني ايه عشان تعدل من حالك وتبقى راجـ.ـل زي باقي الرجـ.ـال؟
صار يطالعه بعدm تركيز، يستنكر وصلة الشتائم تلك من داعي، ليعقب بضجر:
– جرا ايه يابا لدا كله؟ مصحيني على وصلة تهزيق معتبرة، ليه يعني؟ مش راجـ.ـل في ايه بقى؟
صرخ به بانفعال يقارب الهياج:
– انا بتكلم على مراتك يا زفت، البت على وش ولادة وانت قاعد هنا وسط البيت اللي خليته عفن بإهمالك ولا معبر، مستني ايه تاني ياض؟ لما تولد وابنها يروح المدرسة ولا نسيتها من اساسه.
ازاح بأبصاره عنه يغمغم بكلمـ.ـا.ت غير مفهومة زادت من استفزاز والده:
– بتبرطم بتقول ايه يا زفت؟ النهاردة تتصل باخوها وتشوف معاه حل، الواد عايز يعمل قيمة لاخته معاك، على الاقل خده على قد عقله لحد ما ترجع البت ولا عاجبك حالك كدة؟
لم يعلق واكتفى بالصمت فهو لا يملك النية من الأساس لإرجاعها وهذا ما يعلمه والده، ولكنه عاد يؤكد مرة اخرى:
– اللي في دmاغك تنساه يا بن درية، نفذ اللي بقوله واتصل على اهل مراتك، وشقتك شوفلك حد يرتبها، على الاقل تعيش زي باقي البني أدmين.
– واشوف حد ليه يابا؟ ما مراتك وبـ.ـنتك قاعدين، كلم انت واحدة منهم تشفق على ابنك الغلبان.
– الاتنين مش فاضين يا اخويا، امك راحت السوق، وأختك خرجت تزور واحدة صحبتها .
بصق كلمـ.ـا.ته وخرج من حيث ما اتي، ليعلق سمير في اثره:
– صحاب مين؟ هي سامية بتعرف تصاحب اساسًا؟
❈-❈-❈
– اتفضلي يا حبيبتي، سيدنا الشيح قدامك اهو.
قالتها المرأة وهي تدلف بها داخل الغرفة الشاسعة والتي تدخلها لاول مرة، رغم زيارتها للمنزل منذ ايام، تشير لها بيدها نحو الرجل الذي اخذ موضعه متربعًا على اريكة صغيرة تخصه وحده، يختفي وجهه اسفل شاش طويل يغطي جانبي وجهه، وقد ظهر امامها لحيته الطويلة السوداء، يمسك بيده مسبحه، يتمتم بكلمـ.ـا.ت لا تصل اليها،
تتقدm نحوه برهبة وخــــوف يتملكها فهذه الأجواء تثير بقلبها رعـ.ـبًا رغم طمأنة حالها انه خــــوف وقتي وسيمر، فوالدتها مرت به قبل ذلك كثيرا واعتادت عليه في تنفيذ ما تريده،
– قدmي رجلك شوية يا سامية وتعالي يلا قولي حاجتك.
انتفض جــــســ ـدها مع سماعها للصوت الأجش الذي صدر منها، لتبتلع ريقها وتخطو سريعًا حتى وصلت اليه، فجلست مكان ما اشارت لها المراَة مساعدته، لتصبح مقابله.
فتحققت من ملامح الوجه الذي يملأه الشعر دون تهذيب ، رجل اربعيني، النظرة اليه فقط تثير الرعـ.ـب بقلبها، والذي ازداد اضعاف حينما رفع عينيه اليها:
– اهلا يا سامية، عايزة ايه يا بـ.ـنتي؟
حُشرت الكلمـ.ـا.ت داخل جوفها، حتى اصبحت تبحث عن صوتها للحديث كي تجيبه، فهتف يطمأنها بسـ ـخـــريــة:
– ايه يا بـ.ـنتي، هو انا للدرجادي شكلي يخــــوف؟
تدخلت على الفور مساعدته:
– لا يا سيدنا تخــــوف دا ايه؟ هي بس من الرهبة، دي حتى امها كذا مرة تيجي عندك، يعني مش غريبة عننا .
– عارفها طبعًا، مش برضو امك درية؟
اهتزت رأسها عدت مرات، وقد تشجعت بذكر والدتها:
– ايوة ايوة يا شيخنا، انا بـ.ـنتها بس النهاردة جيالك من غيرها عشان حاجة تخصني.
صمت يحدقها بعيناه العميقة قليلًا وكأنه فهم على المقصد من زيارتها، ليقول:
– اتفضلي يا سامية، قولي على طلبك، وانا اوعدك ان اللي عايزاه هيحصل.
شهقت بلهفة انستها الرهبة والخــــوف من الرجل:
– صحيح يا شيخنا، هتنفذلي صح اللي انا عايزاه؟
بوجه جدي اشتد فجاة، ليعود بها بنفس الرهبة الاولي:
– لو محتاجة أاكدلك على قدراتي، مستعد اثبتلك دلوقتي يا سامية.
حركت رأسها بعدm فهم للمغزى المقصود من خلف كلمـ.ـا.ته، فتحدثت في محاولة لتملقه كي ينفذ لها ما تريد:
– مش محتاج تثبت يا شيخنا، انا شوفت العمل اللي جاب نتيجة مع امي، دلوقتي بقى عايزة اللي يخصني انا، واللي تؤمر بيه يا شيخ انا تحت امرك .
مط طرف فمه بابتسامة غير مفهومة، يعقب على كلمـ.ـا.تها:
– رغم اني عارف طلبك، بس برضو هسمع منك، قولي يا سامية باللي انتي عايزاه، متخليش في نفسك حاجة.
❈-❈-❈
زغروطة كبيرة صدحت في قلب المنزل من رحمة، في استقبال شقيقها وعروسه بعد العودة من رحلة العسل، في حضور زوجها ووالدتها، ووالدي العروس مسعود ابو ليلة وزوجته زبيدة التي مازالت تتشبث باحضان ابـ.ـنتها وعيناها تغيم بالدmـ.ـو.ع:
– اتوحشتك جوي يا بتي، اول مرة تبعدي عني كدة يا مضروبة الدm .
علق ابو ليلة يدعي الضيق:
– شوف يا خوي شغل الحريم، دا على اساس انها كانت هتجعد العمر كله جدامك، ما معروف من زمان البت مكانها فاضي، ولا انتي اول مرة تجوزي بـ.ـنته؟
– لاه مش اول مرة، بس دي اخر العنقود، واكتر واحدة جعدت معايا منهم، خدت الغلاوة كلها المضروبة.
ضحك الجميع على قولها بما فيهم شادي الذي كان ملتصقًا بوالدته هو الاخر:
– معلش يا حمـ.ـا.تي، اهو البيت قصاد البيت، يعني مش هتلحق توحشك اصلا.
صمتت زبيدة بحـ.ـز.ن فتكفل زوجها بالرد:
– لا ما احنا راجعين ع البلد يا غالي.
شهقت رحمة متسائلة:
– ليه يا عم ابو ليلة؟ ما انتوا قاعدين جمبنا والحال عال العال .
– خلاص بجى هنجعد ليه؟ نرجع لبلدنا نراعي الارض ونريح شوية من شغل الشقا بين العيلة والاحفاد.
صدر الاعتراض من صبا رغم علمها بالقرار مسبقًا:
– وانا هتسبوني لوحدي هنا، ما جولتلك يا بوي، ياجوا هما خواتي هنا ويسكنوا معانا، ولا هيا العيشة متنفعش غير في البلد.
زفر ابوليلة يغمغم نحوها:
– شوف البت، تفكر غير في مصلحتها، يعني يا جلعانة انجل عيلة سالمة من مطرحهم، لمكان مش متعودين عليه عشان خاطر جنابك؟ يا بت حتى ان كنتي أتجوزتي، برضوا مش عايزة غير تنفذي اللي في مخك؟
ضحك زوجها يربت على ظهرها بدعم في رد له:
– معلش يا عمي، انت قولت عليها من الاول انها دلوعة، وانت عودتها على كدة، ع العموم يا صبا انا برضو جوزك موجود وعيلته هي عيلتك ولا ايه يا ماما؟
– طبعا يا قلب امك. دي نن العين من جوا.
قالتها والدته لتعلق رحمة بسماحتها كالعادة:
– وبصراحة بقى هي من حقها، يعني ان مكانش القمر بتاعنا يدلع، من يحقله غيرها؟
جاء رد زبيدة في تعقيب على قولهم:
– ربنا يديم المودة ويبعد عنهم العين، ويريح جلبهم ويرزقم بالخلف الصالح يارب .
تمتم الجميع من خلفهم، واولهم شادي الذي اصبح يتحرق داخله لرؤية ثمرة الحب بينه وبين حبيبته.
❈-❈-❈
خرجت من الباب الخلفي للمصنع تقطع الطريق القصير حتى وجدت امامها سيارة العم علي فى انتظارها، يوميء لها بابتسامته كالعادة، بادلته هي بحرج، رغم علمها بمعرفته بالزواج، بل وكان شاهدا عليه،
ترجل باحترام يفتح لها الباب الخلفي، معلقًا لها بمزاحه:
– اتفضلي يا هانم، والله لما قولت انها تليق عليكي ما كدبت.
اومأت بحرج وابتسامة تغتصبها بصعوبة:
– ربنا يخليك يا عم علي دا من زوقك.
عاد الرجل الطيب الى مقعده ليتحرك بالسيارة، مستمرًا في الحديث معها:
– والله دا انتي اللي زوق وعسل، بقولك ايه، احنا مينفعش نمشي كدة سكيتي، تحبي اشغلك ايه بقى؟ بتحبي القديم ولا الجديد.
اومأت بهزة من كتفيها، فهي ليست بمزاج يسمح لها بالسماع من الأساس، عقلها المشوش، يدور بلا هوادة، لا تصدق بما قادmة على فعله الاَن، على الرغم من انها اصبحت زوجته رسميًا.
قابل الرجل صمتها بمزيد من المزاح، يخلق حديث من الهواء، كما أنه اشغل المزياع ليطرب اسماعها، كي يخرجها من حالة الشرود التي تعصف بها، فمر عليها الطريق بسهولة،
حتى توقف بها امام احدى صالونات التجميل الشهيرة ، والتي لطالما رأت اعلاناتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل ان يصدر سؤالها، اجابها بعملية:
– دي اوامر الباشا يا هانم، انزلي بقى عشان نلحق ميعادنا .
رددت خلفه بسأم:
– تاني هانم، ما بلاش منها دي يا عم علي.
ترجل الرجل يسبقها، ثم توقف بجوارها، يفتح لها باب السيارة بكل احترام قائلًا:
– هانم وست والهوانم، انزلي بقى يا برنسيسة.
استجابت لتترجل مرددة خلفه باستهجان:
– كمان برنسيسة، ما قولنا بلاش يا عم علي .
ضحك يسبقها بخطواته مرددا بتصميم:
– قولي براحتك، وانا برضو هقول براحتي.
بعد لحظات كان يقدmها الرجل لامرأة تبدو وكأنها اجنبية، تحدق بها من اعلى لأسفل بتقيم لم يعجبها، لكن سرعان ما اجفلتها بابتسامة عملية تحدثها وبلغة عربية لا تتقنها:
– اتفضلي معايا يا هانم .
توجهت بهجة بسؤالها نحو العم علي:
– اتفضل معاها اروح فين؟ هي عايزاني في ايه الست دي؟
تبسم الرجل قائلا بتسلية:
– يا ستي روحي معاها، دي هتعاملك معامله ملوكي، انا افهم ايه بقى في حاجات الستات عشان اشرحلك، يلا بقى، عايز اروح اشوف مصالحي، وقت ما تخلصي هتتصل بيا، سلام يا ست العرايس.
قالها وذهب يتركها في حوزة المرأة، لتردد من خلفه بتوعد، قبل ان تستجيب للذهاب مع المرأة :
– ماشي يا عم علي.
تحركت مع المرأة بعد ذلك لتمر بالعديد من المراحل التي ولأول مرة تخوضها او تسمع عنها من الاساس، واشياء لم تعمل لها حسابا قبل ذلك. لتنتهي من كل شيء اخيرا ، بـ.ـارتداء هذا الفستان الذي تفاجأت به والعديد من القطع ف انتظارها، لا تدري متى أتى بهم، وكأنه تم صنعه خصيصا لها .
فتقف الاَن امام مـ.ـر.اتها، لا تعرف نفسها.
❈-❈-❈
وعند نرجس التي كانت عائدة من السوق، تحمل سلة كبيرة، حشرت بداخلها العديد من المشتريات، حتى اصبحت تحملها بصعوبة، والثقل يؤثر على سيرها نحو بناية سكنها بخطوات متأنية، لتفاجأ برفعها فجأة من فوق كتفها، وصوت ابراهيم يدوي :
– رايحة فين يا خالتي بس بالشيلة التقيلة دي؟ مش خايفة لتقسم ضهرك ولا يجيلك الغضروف منها .
بدهشة فاقت الارتباك، تطلعت اليه لا تصدق فعلته، فهذه اول مرة يفعلها، ولكنها لا تملك الان الا الامتنان لفعله:
– تشكر يا حبيبي تشكر، انا مش عايزة اتعبك.
رفعهم بسهولة ليحملهم عنها فوق كتفيه، مرددًا بمروءة جديدة عليه:
– تعب ايه بس يا خالتي؟ هي دي حاجة مستاهلة.
وقبل ان ينبث فمها ببـ.ـنت شفاه، فوجئت بسحب هاتفها من يدها من احد الفتيان التي تركض سريعًا بالدراجة ليطـ.ـلق هو صيحته:
– يا بن الكـ.ـلـ.ـب… مش هسيبك، امسكي يا خالتي جايلك حالا.
ترك السلة على الارض وهرول خلف الفتى، يتركها في وسط الطريق، بحالة من التشتت، تتطلع هنا وهناك، وذهول يكتنفها عما حدث .
اما هو فقد وصل بعد لحظات، لبجد الفتى في انتظاره، في جانب ما من الطريق ، بعد ان ابتعد بمسافة كافية عنها، ليعطيه الهاتف بعمليه قائلًا:
– اتفضل يا ريس، كله تمام.
تناوله منه يسأله بمزيد من التأكد:
– يعني عملت المطلوب منك ياض.
لوك الفتى بالعلكة داخل فمه قائلا:
– ما قولتلك يا ريس كله تمام ، يعني كل اللي في تليفونها بقى عندك، انت بتكلم الجينيس.
لطمه بكف يده على رأسه من الخلف مرددًا بمزاح ثقيل:
– انت هتعملي فيها بيل جيتس، على تليفون صغير هكرته، اخفي من وشي دلوقتي بقى يا ظريف.
– امرك يا ريس.
قالها الفتي وانطلق بدراجته، ليتناول هو الهاتف ويعود به نحو الأخرى بابتسامة شقت فمه مرددًا بانتشاء:
– كدة ماشين صح اوي، احب انا التكنولوجيا.
❈-❈-❈
كانت الساعة تقارب السابعة حينما تفاجأت بالخادmة تخبرها بوجوده في انتظارها في الحديقة، لتنهي محادثاتها عبر الهاتف مع رئيستها صباح التي لم تتوقف منذ ان تركتها.
لتغادر الغرفة التي لم تفارها من وقت ما وصلت برفقة العم علي، والذي لم يقصر معها بالمزاح ولا بالثناء على حسنها بعدmا ارتدت الثوب الذي يليق بها بحق، ثوب الهوانم كما يشبهها .
لتخرج اليه الاَن عبر الممر الداخلي للحديقة، فتفاجأ بالانوار والشموع المنتشرة بكثرة وبحرفية مقصودة لتجعله جوا شاعريا رومانسيا، وهو يقف في استقبالها، يرتدي فقط القميص الابيض على بنطال يشبهه، وهيبة تخـ.ـطـ.ـف الانفاس،
ماذا فعلت بنفسها؟ ليتها ما وافقت على القرب منه من الاساس.
– قمر يا بهجة، واحلى من القمر كمان.
قالها فور ان اقتربت منه، ليلتقط يدها ويقبلها، وعيناه لم تفارق تفصيلة صغيرة منها.
من زينة وجهها الناعمة، والتي زادتها بهاءًا، والشعر الحريري بقصة رائعة جعلته متموجًا على جانبي وجهها وظهرها من الخلف، ثم هذا الفستان الذي اختاره بإحساسه، ضمن مجموعة انتقاها خصيصًا لها،
منسدلا على الجــــســ ـد الممشوق، يضيق على بعض المناطق لتزيد من فتنتها في عينيه، وخجلها امامه، ثم نـ.ـد.مها حينما اطاعت المرأة في ارتداءه.
– ايه مالك؟ مكسوفة؟
اومأت بـ.ـارتباك يعصف بها:
– بصراحة اه، خصوصا مع الجو ال……. انا شايفة انه مش ضروري على فكرة .
تبسم لإصرارها المتعمد في تذكيره بهذا الامر الذي اصبح يمقته من كثرة سماعه منها، ف اقترب يباغتها بلف ذراعه حول خصرها من الخلف، ليضمها اليه فجأة، ويأمرها بصرامة:
– ممكن تشيلي اي فكرة من دmاغك وتركزي بس في لحظتنا مع بعض؟
تمتمت بحرج شـ.ـديد وكلمـ.ـا.ت متقطعة، فقربه المهلك يقبض على معدتها ويجعلها تتلوى بالداخل:
– لحظتنا ازاي يعني؟ انا مش فاهمة احنا واقفين هنا ليه اصلا .
تبسم باتساع، مستمتعًا بإرباكها، ثم وبحركة سريعة ضغط على جهاز التحكم عن بعد لتشتعل موسيقى اجنبية رومانسية كانت تعلمها قبل ذلك، ولكنها الاَن لا تستطيع التفكير ولا تذكرها حتى، بعدmا سحبها فجأة ، يراقصها قائلا:
– انا بقولك سيبي نفسك يا بهجة، ركزي بس معانا وفي لحظتنا، انا عايز اعيش اللحظة دي معاكي دلوقتي، انسى العالم وانسى نفسك ومفتكريش في غيرك، انتي وبس .
تطلعت اليه بتشتت، عيناها تحمل الف سؤاا، وجــــســ ـدها اصبح يتناغم مع خطوته، يخـ.ـطـ.ـفها بسحر كلمـ.ـا.ته ولكن عقلها الدئوب يفيقها من تلك التعويذة في كل لحظة، لماذا هي من دون الجميع؟ لماذا يختصها بتلك المشاعر وذلك الاتفاق؟ ليتها تعلم حتى تستريح.
قطع فجأة يوقفها:
– انا شايفك لسة سرحانة برضو، تحبي نتعشى الاول ولاااا.
– ولا ايه؟
سألته ببرائة تقارب الغباء، ليًقابل ردها بابتسامة ماكرة قائلا:
– انا بقول نأجل العشا شوية وندخل على طول في ولااا
لم تعي ما الذي حدث بعدها، كيف انتقل بها من الحديقة الى هنا بداخل غرفته.
يضمها اليه بقوة وقبلاته لم تتوقف سوى حينما انزلها على اقدامها ، ليغمغم بنبرة لامست قلبها:
– ت عـ.ـر.في النعيم يا بهجة؟ انا دلوقتي بس عرفت ايه النعيم ، قربي منك هو النعيم اللي ممكن استغني بيه عن العالم كله .
لم تجد صوتها لترد ، وقد ضاع كما ضاعت هي في بحر عشقه، لتتوه داخل امواجه، فلا تدري اين ترسو بها، الى بر النجاة، ام تبتلعها ظلمته.
تلك السعادة اللي نحيا على حلم الوصول اليها، ذلك الفرح الذي ظل دائمًا غائبًا عنا، وحينما أتى……. أتى ناقصًا، هل كان سوء حظ منا؟ ام هي الاقدار التي تتلاعب بنا؟
#بـ.ـنت_الجنوب
بحرص تام نهضت من جواره، بعدmا استيقظت لتجد نفسها داخل أحضانه، ذراعه تطوقها، وانفاسه مازالت تشعر بها على بشرتها،
خطت حتى وصلت الى المقعد الوحيد بهذه الغرفة الشاسعة، فسقطت عليه بثقلها، تضم ركبتيها الى صدرها، فتتأمله باضطراب وخــــوف، لا تصدق ما حدث، لقد أصبحت زوجته بالفعل.
هذا الرجل الغافي امامها باسترخاء، اصبح زوجها قولا وفعلا، كيف سحبها بمعسول كلمـ.ـا.ته و.جـ.ـعلها تحلق في سماء عشقه؟ حتى غاب عقلها وتاهت ف بحوره،
هل كانت مغيبة العقل؟
لا لم تكن مغيبة، بل كانت سعيدة ومستجيبة للمساته، وقد كان هو كالساحر معها، يدلل انوثتها، ويشعرها بقيمتها كامرأة فاتنة لم تجد الاهتمام الكافي لتنال ما تستحقه،
لقد قال كثيرا من كلمـ.ـا.ت الغزل وعاملها بنعومة تفوق الخيال،
لتنام في النهاية قريرة العين، منعمة بدفئ حـ.ـضـ.ـنه، ورائحة عطره التي تغمرها بقربه الشـ.ـديد، ثم يهل صباح اليوم الجديد، وتستفيق على حقيقة وضعها، بعدmا انقشعت السحابة الوردية التي كانت تطير بها في عالمه الجميل .
– انتي صحيتي امتى من جمبي وسبتيني؟
انتفضت ينتشلها الصوت الرخيم من غمرة شرودها، لتلتف اليه وتجده مضجعًا بجذعه العاري امامها على قائم التخت، فتتهرب بأبصارها عن النظر اليه مباشرة، وتجيبه بكلمـ.ـا.ت متقطعة من فرط خجلها:
– ماا… دي عادتي….. دايما بصحى بدري.
تبسم ثغره باتساع، مستمتعًا بلون الحمرة الذي كسى بشرتها وحيائها الذي كلفه كثيرًا من الصبر والتروي بالأمس حتى نال السعادة بوصالها في نهاية الأمر،
ليزيد بمشاكستها الاَن:
– مش معقول يا بهجة تكوني لسة مكسوفة بعد اللي حصل ما بينا؟
برقت خضرواتيها بإجفال تأثرًا بجرأته، لتعض على شفتيها بـ.ـارتباك شـ.ـديد ظهر في حركة جــــســ ـدها وهي تزيد من ضم اقدامها اليها، فتنكر ببلاهة، ومزيدا من التلعثم:
– لاااا مش مكسوفة ولا حاجة، ااا…. دا حتى انا بقول….. اقوم احسن واروح امشي.
في الاَخيرة كانت تنزل بقدmيها على الأرض، لتستقيم بجــــســ ـدها وتشرع في التحرك، فهتف هو يوقفها معتدلا بجسلته:
– تقومي تروحي فين يا بهجة؟ استني هنا.
اذعنت لأمره تجيبه:
– واستنى ليه؟ الساعة زمانها داخلة على سبعة، الحق اروح بيتنا ، وانت ممكن تريح الساعة دي، او تروح الشغل في الميعاد اللي تحبه.
– ومين قالك اني رايح الشغل اساسا النهاردة؟
تمتم بها ثم نهض يقف مقابلا لها، ليقترب وتمتد ذراعه ليزيح بيده شعرها للخلف، مردفًا:
– طب بذمتك، تبقى صباحيتنا النهاردة واسيبك واروح الشغل، حد يجيله قلب يسيب الجمال ده؟
دنى برأسه نحوها، حتى كاد ان يقبلها ولكنها تراجعت بحدة قائلة:
– بس انا مينفعش اتأخر عن اخواتي، امبـ.ـارح اتحايلت بمدام نجوان وقولت انها لوحدها، لانك مسافر والدادة مش معاها، النهاردة هقول ايه؟
بحزم لا يخلو من لين جذبها فجأة اليه، يقنعها بهدوء:
– طيب وجودك عندهم دلوقتى ايه لزمته؟ مش دا برضو ميعاد شغلك في المصنع ولا انتي ناسية؟
سهمت نظرتها باستيعاب قائلة:
– ايوة بس انا متعودة احضرلهم فطار و…
قاطعها يقربها اليه مرة اخرى مرددًا:
– وايه يا بهجة؟ اللي اعرفه ان اخواتك مش صغيرين ولا اطفال عشان تجري تفطريهم قبل ما تروحي الشغل…. ولا انتى عايزة تهربي مني؟
– ها….. طب وشغلي في المصنع؟
تمتمت بها تطالعه بتيه، بعدmا مال بوجهه نحوها، حتى اصبحت انفاسه تلفح بشرتها مردفا بهيام:
– مصنع ايه كمان يا شيخة بس؟ وهو دا وقته؟ بقولك صباحيتنا وانتي عايزه تجري وتسبيني.
رفعها فجأة من خصرها من الخلف، يعتقلها بذراعيه حتى لم تعد اقدامها تلامس الارض، شفتاه عرفت طريقها، لتطوف على كل جزء تصل اليه من بشرتها، حتى وصلت لمبتغاها، في قبلة عاصفة اذابت البقية الباقية من مقاومتها،
حتى سقط بها فوق الفراش، ليعتدل، كي يحل ربطة المئزر الذي كانت ترتديه وقد عقدتها عدة عقدات، ليعقب بضجر:
– انتي امتي لحقتي تلبسي الروب ده وتتكلفتي بيه كدة؟
وجدت صوتها بصعوبة تجيبه:
– وانت نايم، عشان مكانش جايلي نوم.
ضحك بخبث مرددًا وهو ينزعه عنها:
– ويعني جالك نوم لما لبستيه، طب انا هطيره منك خالص النهاردة.
❈-❈-❈
وفي منزلهم الجديد،
كان الثلاثة على مائدة الطعام يتناولون وجبة الإفطار التي أعدتها جنات سريعًا، قبل ذهابها الى الجامعة هي الأخرى، بعد اتصال شقيقتها بها منذ لحظات تخبرها بالذهاب الى عملها وعدm استطاعتها للحضور في هذا الوقت، فكانت هي تقوم بدورها الاَن:
– خلص أكلك كله يا ايهاب عشان تركز وتستوعب، وانتي يا عائشة، متسبيش حاجة في اللانش بوكس بتاعك، لازم تاكلي عشان تكبري.
بابتسامة ساخرة ردت الاخيرة :
– حاضر يا ابلة، مش هسيب ولا حاجة عشان اكبر.
-‘بتتريقي عليا يا عائشة؟
– لا يا ستي، وانا اتريق ليه بس؟
تمتمت بها تنفي ببراءة ردا على شقيقتها، ليتدخل ايهاب هو الاخر يعقب بدوره:
– عندها حق يا عائشة، بلاش اسلوبك ده يا مصـ يـ بـةاحنا فاهمينك.
– انا برضو؟ والنعمة مظلومة.
قالتها بدراما اضحكت شقيقيها، قبل ان تنهض فجأة وتسألهم:
– طب انا خلصت وعايزة اروح مدرستي، مين فيكم اللي هيوصلني مدام بيبو مش موجودة؟
تطوع ايهاب والذي انهى طعامه هو الاخر:
– اوصلك انا يا ستي، خليها تعرف انها سايبة وراها رجـ.ـا.لة .
ايوة بقى يا هيبو يا جـ.ـا.مد.
هللت بها جنات وهي تتابع مغادرتهم، لتعلق عائشة بمزاحها كالعادة:
– دا راجـ.ـل دا ؟
على الفور نالت جزائها، بلطمة خفيفة على رأسها من الخلف، يظهر لها حزمه:
– راجـ.ـل غـ.ـصـ.ـب عنك يا مقصوفة الرقبة، امشي يا بت انجري قدامي، امشي.
لتذعن بطاعة تتقدmه، امام ضحكات جنات التي لا تتوقف لمشاكسات الاثنان.
❈-❈-❈
ولجت الى غرفة زوجها صباحًا تحمل فنجان القهوة عقب انهاءه الافطار سريعًا من اجل تلك المكالمة الهامة التي قام بها مع شريكه الجديد، يدفعها الفضول لسؤاله:
– القهوة يا قلبي زي ما طلبت.
رد يجيبها اثناء ارتداء ملابسه:
– تسلم ايدك يا قلبي، بس انتي كلفتي نفسك ليه؟ ما كانت جابتها واحدة من الشغالين .
وضعتها على الطاولة الصغيرة التي تحتل جانبا من الغرفة، لتقول بمكر تجيده:
– وانا روحت فين لما واحدة من الشغالين تجيبها؟ كيمو حبيبي اخدmه بعيوني.
التف اليها فاغرا فاهه، قاطبُا حاجبيه للحظات بتفكير وتوجس، فتقابله هي بهذه النظرة البريئة لتثير تسليته، ف اقترب وتناول فنجان القهوة مرددًا:
– تسلم عيونك يا جميل ، اكيد المحلسة دي وراها طلب مخصوص، قولي على طول يا رباب ومن غير مقدmـ.ـا.ت، جوزك مستعجل.
– ليه بقى مستعجل، انت ميعادك اساسا تسعة.
ارتشف يتلذذ بطعم المشروب الساخن قبل ان يجيبها:
– ما انا ناوي اروح المصنع اطل عليه الاول، رياض اتصل بيا وقالي انوب عنه عشان النهاردة مش موجود.
سمعت الاسم ليعود اليها الفضول:
– حلو اوي مدام جيبت سيرته، مش هتحكيلي بقى حكايته؟
– احكيلك حكايته دلوقتي يا رباب؟ وانا بقولك مستعجل.
وضع الفنجان وتحرك مسرعًا ليرتدي سترته، فلحقت به تلح :
– وحياتي عندك يا كارم، انت كل مرة كدة تعلقني، تقولى كلمتين عن الغامض بسلامته وتسيبني بقى اضـ.ـر.ب والف في التخمينات، انا عايزة اعرف بقى النهاردة سر عزوفه عن الستات.
تطلع الى هيئتها وهي تضـ.ـر.ب الارض بقدmها وكأنها طفلة وليست زوجة وام، فقال لها ليزيدها شغفًا:
– طب مدام كدة بقى، خدي الجديدة عشان تتعلقي اكتر، رياض الحكيم شكله واقع لشوشته مع البـ.ـنت الجديدة جليسة والدته.
اصدرت شهقة عالية برقت لها عينيها لتتشبث به بإصرار:
– دا بجد؟ وحياتي لو بجد لتحكيلي دلوقتي حالا، حالا يا كارم وحياتي عندك.
اطلق ضحكة مجلجلة لينزع كفيها عنه ثم يهرول من امامها مرددًا بمرح:
– لما ارجع من الشغل بقى يا قطة، دا لو افتكرت اصلا .
استمر بضحكاته حتى اختفى لتعلق هي في اثره:
– ماشي يا كارم، وديني ما انا سيباك المرة دي.
❈-❈-❈
والى مجيدة التي خرجت من غرفتها مجفلة على صوت الشجار الصباحي بين ابنها وزوجته:
– طب انا قولت مش هتخرجي النهاردة يا لينا، يعني مش هتخرجي، وريني بقى هتكـ.ـسري كلمتي ازاي هاا؟
– طب مدام انت وصلتها لكدة، يبقى عند بعند وانا خارجة يا امين، وخليني بقى اشوف تحكمـ.ـا.ت حضرتك دي هتوصل بينا على فين؟
– هتوصل للطريق المعروف يا حبيبتي، تحبي اقولك هو فين ؟ ولا على ايه اهو المأذون في الشارع اللي ورانا، انا اجيبهولك دلوقتي عشان نختصر.
– باااااس
صرخت بها مجيدة توقف هذيان ابنها امام زوجته المتمردة بغباء رغم طيبة قلبها التي تشهد بها، واقتربت بأعين حمراء توجه خطابها بحزم نحو الاثنين:
– لحد هنا وتوقفوا ستوب انتوا الاتنين ، انا اسكت وافوت على كله، لكن توصل لطريق الماذون اقطع رجليكم انتو الاتنين، شغل العيال بتاعكم يمشي في كل حاجة إلا دي .
اطرقا الاثنان بخزي امامها، شاهدين على أنفسهم بالخطأ، ليدافع ابنها مبررًا:
– هي اللي بتطلعني عن شعوري يا ماما بعمايلها، كل كلمة تراجعني فيها، لا بتسمع كلام ولا حتى بتقدرني.
رفعت لينا رأسها اليه بخضة تشير بسبابتها نحو نفسها بعدm تصديق:
– بقى انا مبقدركش يا أمين؟ طب ايه اللي عملته عشان يثبت كلامك ده؟
ثار بها:
– والخناقة اللي بـ.ـنتخانقها دي بسبب ايه؟ مش عشان جناب حضرتك مش قابلة توقفي يوم واحد من غير شغل، حتى وانتي عارفة بالعزومة اللي عاملها النهاردة لعصام ومـ.ـر.اته.
دبت بقدmها على الارض صارخة:
– بقولك عندنا اجتماع مهم ، يعني لازم احضر، دا غير ان العزومة بالليل، يعني اقدر ارجع بعد ما اخلص الاجتماع على طول واحضر العزومة، دول نفرين بس ياناس، هو احنا هنعمل وليمة؟
– اه يا حبيبتي وافرضي نفرين، طب انا بقى عايز اعملها وليمة بجد.
صاح بها فجاء الرد من والدته:
– خلاص يا حبيبي فهمنا، انت عايز وليمة تشرفك قدام صاحبك، وانا بقى لزمتي ايه في البيت هنا؟ دا غير انها قالتلك انها على ما ترجع من شغلها، يعني هتنجز معايا ان شاء الله، انت بقى مش ليك وليمة تشرف وخلاص.
– وانا هساعد معاكي يا ماما.
كان هذا صوت شهد التي خرجت من غرفتها على صوت الصياح، ليأتي رد زوجها بحنق هو الاخر:
– وانتى قاعدة مكانك على الكرسي يا شهد، وكمان مش كتير عشان ضهرك .
– كتر خيرك يا بشمهندس مش عايزين نتعبك معانا
قالها امين بنبرة ساخرة قابلها شقيقه بوجهه العابس:
– دا عشان العريس والعروسة يخصونا احنا كمان يا حبيبي، مش عشانك .
تبسمت مجيدة لمشاكساتهم التى لا تنتهي لتتوجه نحو ابنها صاحب المشكلة:
– وكدة يبقى فاضل الحلو ودا على انيسة من امبـ.ـارح موصياها عليه، عندك اعتراض تاني يا غالي؟
تهللت ملامحه بابتسامة ينفي:
– لا خلاص يا ماما، مدام في حلو من حمـ.ـا.تي العزيزة، يبقى تغور مطرح ما هي عايزة تغور.
اجفلت لينا بقوله، لياتي ردها على الفور، تضـ.ـر.ب بقبضتيها على ذراعه وصدره:
– ايه تغور دي؟ ايه تغور دي ؟ مش تحسن الفاظك يا حضرة الظابط المحترم، في حد يقول كدة لمـ.ـر.اته ام ابنه اللي جاي في الطريق؟
امسك بقبضتيها داخل كفيه، يتمتم غائظًا لها:
– وان محسنتش هتعملي ايه؟
– ااه ايدي بتو.جـ.ـعني يا امين وانت قارص جـ.ـا.مد.
تأوهت بها تعبر عن المها، مختلطًا بعتبها ونعومتها حتى تأثر بضعفها ولانت قبضته :
– طب بطلي انتي تستفزيني الاول ، وانا مش هقرص عليكي .
نزعت يدها منه قائلة بنبرة يشوبها الدلال :
– انا برضو اللي بستفزك ولا انت اللي قاسي وبتحب تيجي عليا .
– اناااا؟ شالله تعدmيني لو قاصد .
– بعد الشر عليك .
مصمصمت مجيدة المتابعة بشفتيها، لتغمغم بغـ.ـيظ منهما:
– شوف يا اخويا قلبو ازاي في ثانية، دا انتو اللي داخل ما بينكم خارج .
عقب ابنها الاخر بعبوس:
– دلع مريء يا ماما.
استدارت كي تعقب على قوله، ولكنها تفاجأت به منشغلًا في الحديث مع زوجته يهمس في اذنها هو الاَخر بصوت هامس يجعلها تضحك، لتغمغم هي عائدة لغرفتها:
– يا ولاد المـ.ـجـ.ـنو.نة، بقيت انا زي العزول وسطيكم.
❈-❈-❈
متكئًا على الاريكة الوحيدة بداخل شرفته، ينفث الدخان من سيجارته وكوب الشاي الساخن يرتشف منه بتلذذ وهو يرهف السمع لصوت تسجيلات المكالمـ.ـا.ت التي استطاع الحصول عليها بتهكير الهاتف الخاص بخالته، غير مراعيًا لحرمة القرابة او الحلال او الحـ.ـر.ام، او حتى مروءة تمنعه من التنصت على الأحاديث الخاصة بالنساء.
منذ الأمس وهو ينتظر على احر من الجمر، تلك المكالمة التي تجمع بينها وبين ابـ.ـنتها العزيزة التي تمردت عليه ونالت الحظ لتصبح امرأة اخرى، غير تلك التي كان يتحكم بها، ويخضعها بأقل مجهود،
وقد أتت الاَن ليستمع بتركيز شـ.ـديد لكل جملة قد يأتي من خلفها فرصته:
– ايوة يا امنية، البت رؤى مطلعة عيني ع الرحلة اللي بتزن عليها، يرضيكي يعني تبات ليلتين في بلد غريبة ملهاش اهل؟
دوي صوت ضحكتها في البداية ثم جاء ردها:
– يا ماما بلد غريبة ايه بس؟ دي بتقولك الغردقة، وهي اساسا طالعة تبع الجامعة ووسط اصحابها متقلقيش عليها انتي، خليها بس تيجي بدري تاخد الطقم اللي كانت مكلماني عليه، عشان انا مش مسئولة لو جات وملقتنيش موجوده.
– ليه يا بت رايحة فين؟
– يا ماما ما انا قولتك، عندنا عزومة عند طنط مجيدة، امين صاحب عصام عازمنا ع العشا، دا غير اني لازم اخرج الاول اشوف حاجة البيت والناقص في المطبخ.
– امممم يعني شهد هي اللي عازماكي، اخص، ومهانش عليها تعزمني انا واختك معاكم؟ كنا هنتقل عليهم يعني ولا معندهمش مقدرة لنفرين زيادة؟
– ماما انتي سمعاني بقولك ايه؟ شهد ملهاش دعوة، امين هو اللي عازمنا، بلاش طريقتك دي الله يخليكي، ومتنسيش تنبهي على رؤى زي ما قولتلك، بـ.ـنتك بتنسى وانا معنديش خلق لقمصتها، سلام بقى.
– سلام يا ختي، ما انا عارفة مليش بخت معاكم.
– الله يسامحك يا ماما، هسيبك بقى وهقفل.
❈-❈-❈
وفي داخل المصنع حيث كانت منهمكة بعملها كالعادة في هذا الوقت، في انتظار قدومه كي يطلع على ما انجزته بمهارتها كالعادة،
وكانت المفاجأة حينما صعقت لقدوم شريكه الاخر، يلقي التحية بعمليه:
– صباح الخير يا لورا، هاتيلي الملفات المطلوبة بسرعة على المكتب ورايا .
تجمدت لمدة من الوقت، حتى ملكت زمام امرها، لتلحق به بعد ذلك، تدلف خلفه الى المكتب، ثم تضع الملفات امامه برسمية قائلة:
– الملفات يا فنـ.ـد.م.
تمتم ممتنًا يطلع عليهم على الفور:
– شكرا يا لورا، اما اخلصهم هنهدلك على طول.
كاد ان يغرق بالتركيز فيهم، ولكن حينما وجدها لم تتحرك رفع رأسه اليها باستفسار:
– في حاجة يا لورا؟
تشجعت بجرأة تسأله:
– انا بس مستغربة انك تحل محل رياض باشا النهاردة من غير ما يبلغني.
تبسم يجيبها بهدوء:
– لكنه اتصل بيا انا وبلغني احل محله يا لورا، ولو مش مصدقة روحي اتصلي واسأليه .
بدى عليها الحرج وهي تبدي أسفها :
– انا بعتذر يا فنـ.ـد.م، مش قصدي ابدا اي حاجة وحشة.
– مفيش داعي للأسف يا لورا اتفضلي روحي شوفي شغلك.
قابلت امره هذه المرة بطاعة لتخرج على الفور تاركة غرفة المكتب، ليعود هو للاطلاع على الملفات مرددًا بضحك:
– حتى مديرة مكتبك نسيت تبلغها بغيابك يا رياض، اقطع دراعي ان ما كنت بتلعب بديلك يا خلبوص.
أما عنها وفور ان حطت بجــــســ ـدها على كرسي مكتبها حتى صارت تهاتفه العديد من المرات، ومحاولاتها تبوء بالفشل مع استمرار الرسالة التي تخبرها بغلق الهاتف، حتى فاض بها لتغمغم بحنق:
– يعني قافل تليفونك في وشي انا وتتصل على شريكك عادي! ماشي، ما شي يا رياض.
❈-❈-❈
خرجت اليه، بعد ارتدائها قطعة من تلك الملابس التي تمتلئ بها الخزانة، بنصف كوم وتصل الى اسفل ركبتيها، لم ترى ابدا في نعومة قماشها، ولا بأناقتها رغم انها بيتيه، حتى بدت عليها وكأنها امرأة اخرى، تشبه اللاتي تراهم في التلفاز وعلى شاشات الهاتف.
وان كانت هي شعرت بذلك فما بالها بذلك الخبير الذي صار يتطلع اليها بانبهار، لم يكن خاطئًا حينما راهن على رقيها وفتنتها التي كانت تدفنها اسفل الملابس الباليه والباهتة.
هتف يستقبلها من خلف طاولة البـ.ـار للمطبخ الضخم:
– ايوة بقى، طلي كدة ونوري دنيتي من تاني، انا بقالي ساعة مستنيكي، كل دا في الشاور يا بهجة؟
ردت بحرج وصوت رقيق:
– معلش ما انا سرحت شعري كمان.
غمز بعيناه يغازلها:
– ما انا خدت بالي يا قلبي، بس مش كنتي استنيتي اسرحولك بنفسي؟
خجلت ان تعطيه رد فدهشتها به لا تتوقف، ليطـ.ـلق ضحكة صاخبة يشير اليها لتنضم معه، حتى اذا دلفت اليه بداخل ذلك الشيء الضخم والذي يشبه الغرف بمساحته الشاسعة.
حينما اقتربت ضمها اليه يقطف قبلة خاطفة من وجنتها، ثم أجلسها على احد المقاعد امام الطاولة التي تتوسط المطبخ، يدللها قائلا :
– انتي تقعدي هنا زي البرنسيس على ما احطلك الاكل اللي عملته بإيدي.
– عملته بإيدك!
رددت بها بدهشة قابلها هو بضحكة صاخبة مرة اخرى ليردف :
– سخنته يا ستي، بس على فكرة انا فعلا ناوي في مرة ادوقك اكلي، ما انا كنت ساكن لوحدي لفترة طويلة وكان من ضمن هواياتي الطبخ.
مازالت تلفها حالة الانبهار والاندهاش، هذا الرجل الغامض الذي يعاملها الاَن كأميرة، يظهر لها مواهبه وبساطته في الحديث وكأنها بالحق اصبحت شيء هام له.
وضع امامها عدد من الاصناف، وبحماس شـ.ـديد وضع لها قطعة كبيرة من صنية المعكرونة التي أمامها، معلقًا:
– عايزك بقى تدوقي النجرسكو الاول، دا انا جايب جوليا من بلدها مخصوص عشان تعملهولنا، اصلها ممتازة فيها.
تسائلت بدهشة اعتلت ملامحها:
– انت قصدك ع البـ.ـنت اللي شوفتها امبـ.ـارح؟ انت بجد جايبها من بلدها عشان كدة؟!
ضحك للمرة التي ما تعد تذكرها، يقول بمرح:
– يا ستي هي كانت جاية مصر اصلا، وانا لما سألت مدير مكتب التشغيل دلني عليها، اشترطت عليه تكون بتعرف تعمل كل اصناف المكرونة الإيطالي لأني بعشقها، هي والنجرسكو طبعًا، وبصراحة البـ.ـنت طلعت ممتازة، دوقي كدة.
قال الاخيرة يضع بفمها، شوكة ممتلئة من طبقه، تناولتها لتلوك بها داخل فمها، تتزوق الطعم الرائع، حتى ابدت إعجابها:
– هي فعلا عاملاها حلو اوي، بس انا مستغربة صراحة انك تجيب واحدة اجنبية تخدmنا ولا عشان…..
اقترب بكرسيه يلتصق بها، مردد بصوت تغيرت نبرته:
– عشان ايه؟ قصدك يعني عشان متعرفش تطلع خبر جوازنا، تصدقي ممكن يكون صح، رغم انها كان ممكن تكون مصرية برضو عادي، اصلا انا مش بشغل عندي أي حد، بس انا لما جيبتها مكانش دا غرضي…… انا كان غرضي ساعتها الاقي الأكل اللي بحبه في المساحة اللي اخترتها عشان ارتاح فيها……. معاكي يا بهجة.
كان قريبا بوجهه منها حتى يزيد من ارباكها حتى انها لم تكن لديها القدرة لتجاريه رغم عدد التساؤلات الكثيرة بداخلها، وهو كان خبيرا في سرقة تركيزها معه، يطعمها بيده كما أنه لا يتوقف عن مداعباته، وعقلها لا يستوعب اكتشاف شخصيته الجديدة منه.
❈-❈-❈
وفي منزل خميس الذي خرج من غرفته بوجه متجهم يغمغم بالكلمـ.ـا.ت الحانقة والبذيئة، يلعن البيت وساكنيه، وقد فاض به منهم على حسب قوله :
– مصـ يـ بـةتاخدكم كلكم، ولا نفر فيكم يفتح النفس.
فور ان صفق الباب بقوة وغادر، تحركت سامية تاركة الشرفة التي كانت تتنصت منها، لتركض متجهة نحو والدتها داخل الغرفة.
هتفت بالسؤال فور ولوجها، ورؤية المذكورة جالسة على كرسيها، بهيئة كانت خير دليل على سخونة الأجواء؛
– ماما، شوفت ابويا وهو خارج من عندك بيزعق، ايه اللي حصل؟
زفرت تشيح بوجهها عنها قائلة:
– روحي يا ختي اسأليه هو، انا روحي في مناخيري، ومش طايقاه ولا طيقاكم معاه.
مالت نحوها بميوعة تقصد المزاح معها:
– طب مش طايقاه هو، مالنا احنا بس يا درية؟ غلطنا فيكي مثلا ؟ ولا هو يطلعهم عليكي وانتي تطلعيهم علينا يا دردر.
نزعت ذراعها الذى تطوقها به، تنهرها بحدة:
– لأ يا ختي مش بطلعهم عليكي ولا بتبلى، عشان انتو السبب فعلا، اخواتك اللي هاجين على روسهم يلفوا على مقصوفة الرقبة اللي غارت وطفشت، واحد سايب مـ.ـر.اته على وش ولادة، والتاني ما حد عارفله طريق، بيجي البيت زي الغريب ، ياكل بس وينام .
– يعني انا الوحيدة اللي عاقلة فيهم.
صاحت بها:
– انتي اكتر واحدة فيهم معوجة، الراجـ.ـل صاحب ابوكي كلمه تاني ودا مصدق، جاي راجع من عنده يبخ فيا، ان انا السبب في دلعك المريء، واني لو ست زي باقي الستات، كنت عرفت ازاي اخليكي توافقي ، عشان يخلص ع الاقل من همك.
عبست سامية بملامح مكفهرة:
– يعني هو يقرف من خيبة الولاد يقوم يجيبها فيا، ما انا نصيبي قاعد وفي اي وقت ممكن يحصل.
– امممم.
زامت بها درية بفمها بسـ ـخـــريــة لتمصمص بشفتيها معقبة:
– دا على اساس انه هيحصل بجد، وانتي باصة في العليوي، ومعلقة نفسك بالحبال الدايبة.
– لا ياما مش دايبة، وهيحصل ان شاء الله قريب.
كان الرد بصمت ونظرة مستخفة زادت من تصميمها ، لتردف بحزم:
– استهزأي يا ماما براحتك، بكرة افكرك بكلامي ده، المهم دلوقتي عايزين نروح نبـ.ـارك لشادي بعد ما رجع من شهر العسل.
اصدرت صوتًا مستهجنًا تعبر عن رفضها:
– شوف يا اخويا اقولها ايه تقولي ايه؟ بت انتي عايزة تروحي روحي لوحدك يا اختي، انا لا عندي مرارة ليه، ولا لأي حد يفرح قدامي، طول ما انا مرزوعة في الهم بسببكم.
نهضت تمطرها بالقبلات ، لتلح عليها وترجوها:
– وغلاوتي عندك ياما، روحي معايا ان شاءالله حتى المرة دي وبس، ع الاقل عشان تتباهي قدام عمتي وناس العروسة بطقم الدهب اللي جبتيه قريب، ويعرفوا مين هي درية مرات الحج خميس .
❈-❈-❈
ترجلت صباح من الحافلة الخاصة بالعمل ، لتحط بأقدامها على قارعة الطريق المؤدي الى منزلها داخل الحارة الضيقة، برشاقة تناقض حجمها الضخم، فهي لا تظل محلها ابدا، تنهك نفسها بالعمل وخدmة البشر من الجيران والاقارب والاحباء، حتى لا تستسلم لوحشة الوحدة بعد وفاة زوجها وخلاء المنزل عليها وحدها، دون ابناء انجبتهم، ولا اخوة رزقها الله بهم.
– ست صباح ست صباح.
دوى الصوت المنادي بأسمها وقبل أن تستدير لصاحبه، وجدته يقف مواجها لها:
– انا اهو قدامك يا ست صباح.
صاحت به غاضبة:
– انت هتعملي زي فرقع لوز يا جدع انت، وكل مرة الاقيك تتصدر طريقي، خلي بالك المنطقة هنا كلهم حبايبي، يعني لو بس أشرت هتلاقيهم كلهم هجموا عليك دلوقتي.
– اطرق برأسه يبدي اسفه:
– عارف اني غلطان يا ست صباح اعذريني ، بس انا قلقان ونفسي اطمن، ولاد عمي معرفش مكانهم ، وبهجة، كل ما اروح استناها عند المصنع ما بشوفهاش، مش فاهم انا بتستخبى مني دي ولا ايه؟
عند ذكر بهجة، طغى ارتباك خفيف يعتلي ملامحها، لكنها سرعان ما استطاعت السيطرة عليه، لتظهر الحدة في حديثها:
– وافرض بتستخبى منك ولا مش عايزاك تشوفها اصلا، ما تحترم رغبتها، سيبوها بقى ترتاح هي واخواتها، دول اغلب من الغلب، هو انتوا لا ترحموا ولا تسيبو رحمة ربنا تنزل.
صدرت الكلمـ.ـا.ت بعفوية منها حتى شعرت بالنـ.ـد.م حينما رأت تأثيرها عليه، لتعود ملطفة بعض الشيء:
– لمؤاخذة يا اخينا، انا كدة ست اللي في قلبي على لساني، ولساني دا مالهوش رابط.
– ولا يهمك يا ست صباح، ع العموم انا مش هسألك تاني، بس برضو مش هسكت غير بعد ما اطمن عليهم، عن اذنك.
سحب اقدامه وتحرك مغادرًا من امامها، لتغمغم هي في اثره:
– اذنك معاك يا خويا، شكلك كدة فيك حاجة طيبة بس عايزة تتنضف.
❈-❈-❈
انهت جولتها بعدmا ابتاعت عددا من المشتريات ، وكانت في طريقها للذهاب، توقفت على اول الطريق، تبتغي إيقاف سيارة تقلها الى منزلها، فتوقفت احدى السيارات القريبة سريعًا امامها.
تبسمت بـ.ـارتياح تدخل المشتريات اولا ثم هي من الخلف، تخاطب السائق بامتنان:
– متشكرة اوي، جتلي بسرعة ووفرت عليا الوقت.
جاءها الرد بنبرة ليست غريبة عنها.
– العفو يا هانم انتي تؤمري.
اصابها الهلع، تكذب اسماعها ولكنه أكد، يلتف اليها فيخلع الشارب والذقن المزيفان، والنظارة التي كانت تخفي العينين، متمتمًا بوعيد:
– ايه رأيك في المفاجأة يا امنية؟ حشـ.ـتـ.ـيني و ، قولت لازم اشوفك.
رغم الخــــوف الذي كاد ان يوقف قلبها، إلا ان رؤيته وتلك الذكريات التعيسة التي خلفها بداخلها كانت لها الفضل في شحن قوتها من الداخل، لتهدر به بازدراء :
– وحش ياكلك، انت اتجننت يا حـ.ـيو.ان انت؟ ولا مش واخد بالك انا متجوزة مين دلوقتي؟
اصدر ضحكة قميئة يفوح منها العفن القابع في نفسه الخبيثة:
– قصدك على حالظابط عصام اللي قبل يتجوزك حتى بعد ما قولتله اللي فيها، وع العمايل اللي كنت بعملها معاكي في المخزن؟ لا بصراحة طلع راجـ.ـل اوي .
– راجـ.ـل وغـ.ـصـ.ـب عنك، بس انت هتعرف الكلمة دي منين؟ وهي ابعد من خيالك المريـ.ـض اصلا، وقف العربية حالا، لاتصل بجوزي يسحلك ع السـ.ـجـ.ـن ويخليك تمسح حمامـ.ـا.ته.
كز على اسنانه ليضغط على مقود السيارة يزيد من سرعتها بعدmا صعد بها نحو الطرق السريعة، مرددًا بغـ.ـيظ:
– طب خليه يعملها ولا يوريني مرجلته وانا كنت اسلط عليه الجماعة اللي اتلمـ.ـيـ.ـت عليهم في السـ.ـجـ.ـن، يدفنوه حي.
ضحك بجنون مستمتعًا برعـ.ـبها:
– انا عضمي بقى ناشف اوي، والفضل طبعا يرجع ليكي يا غالية، انتي والسنيورة شهد .
زاد من حدة السرعة حتى ايقنت بقرب النهاية لتضـ.ـر.ب بقبضتها على كتفه وظهره:
– وقف العربية خليني انزل، بقولك خليني انزل.
– ليه بس يا وحش؟ لتكوني خــــوفتي كمان؟
الى هنا ولم تعد بها قدرة على المواصلة لتسقط للخلف فاقدة وعيها تماما، حتى انتبه عليها في المراَة الامامية:
– ليوقف السيارة على جانب الطريق، ثم ترجل ليرى ما بها في الخلف، كان نصف جــــســ ـدها كان مسطحًا على، الكنبة الخلفية، فظهر له وجهها وجــــســ ـدها بصورة سال لها لعابه، ليبتلع ريقه برغبة واضحة، رغم قلقه من هيئتها، فدني يربت بكفه على خدها، وعيناه تجول عليها بوقاحة:
– بت يا امنية، انتي اغمى عليكي صح ولا بتمثلي زي عوايدك؟،…. انتي يا بت، شكلك بتمثلي زي عوايدك.
استقام فجأة مقررا امرا ما برأسه، زينه بعقله شيطانه، ظنا منه انها قد تصبح فرصة للانتقام، واخضاعها بعد ذلك، ولكن صوت سرينة البوليس التي دوت فجأة عن قرب جعله، يركض سريعًا، ويترك المكان برمته هاربًا الى وجهة ما.
❈-❈-❈
شرودها هذه المرة كان مختلفًا، حالة غريبة من السكون، لأول مرة تشعر بها الدادة نبوية، هذه ليست تلك المرأة التي كانت تغلبها في الركض والبحث عنها، اما عن الحـ.ـز.ن، فهو اصبح كالوشم يزين ملامحها الجميلة.
اقتربت لتجلس مقابلة لها في الشرفة التي تلتزم الجلوس بها منذ ساعات :
– مدام نجوان القمر، تحب تطلب حاجة اعملهالها؟
استجابت تلتف اليها بابتسامة، وصمت دام للحظات، قبل ان يخرج ردها :
– بهجة.
تبسمت نبوية بمرح:
– بهجة، ما انا قولتلك من شوية ان عندها ظرف طارئ يمنعها تيجي النهاردة كمان، يبقى نديها عذرها بقى.
اومأت برأسها تعود للنظر نحو الحديقة مرة اخرى، دون ان تضيف بأي شيء، فواصلت نبوية حثها على الكلام، بفتح مواضيع شتى، ولكنها لم تستجيب.
❈-❈-❈
اما في شرفة اخرى ومكان اَخر، كان يقف هو خلفها يشير لها بطول ذراعه:
– شايفة يا بهجة، اهي الارض اللي هناك دي كلها أرض بابا الله يرحمه، بس هو مكانش مهتم بالزراعة، ولا الكلام ده، كل اللي كان همه شغف الموضة والأزياء ، كان مـ.ـجـ.ـنو.ن على رأي ماما، ودا اللي حببها فيه.
التفت اليه تعقب بصدق ما تشعر به:
– اكيد مش الجنان بس اللي حببها فيه، اللي بيحب ما بيشوفش عيوب حبيبه اصلا ، دي حاجة بتبقى من عند المولى .
ظل صامتًا لفترة من الوقت يلامس نعومة بشرتها بأنامله، او يزيح خصل الشعر الحريري للخلف، بنظرة غير مفهومة جعلتها تحسم مردفة:
– على فكرة انا لازم اروح، مينفعش اتأخر عن كدة.
زفر يقلب عينيه بسأم يعقب ردا لها:
– تاني برضو بتفكريني؟ دا انا ما صدقت اني فصلت عن العالم كله بقربك، انا مشبعتش منك يا بهجة.
لماذا تتغير نبرته حينما يتحدث معها في هذا الشأن ، يجعلها تشعر باحتياجه اليها، وكأنه طفل وجد امانه بقربها، لكن وما ينتظرها من مسؤوليات، ماذا تفعل بها؟
– مينفعش اتأخر اكتر من كدة، مش عايزة اخواتي يقلقو .
تنهد هذه المرة باستسلام ليضمها اليه بشـ.ـدة، وكأنه لا يريد تركها ابدا:
– شوفيلك حل، انا لازم في اقرب وقت اخدك واروح بيكي رحلة تستمر لأيام، انا حاسس الوقت عدى ثواني، ولا مش ساعات ولا دقايق.
استسلمت لغمرته لها، غير قادرة على التعقيب او الجدال، فها عقلها قد عاد اليها، بعدmا حطت على ارض الواقع ، تفكر فيما ينتظرها من مواجهة لأشقائها، رغم عدm علمهم بزواجها، ولكنها تحسب حساب الكذب الذي اعتادت عليه هذه الايام .
❈-❈-❈
وقف خلف حجرة الكشف يراقب الطبيبة وهي تفحصها، بغـــضــــب يحرق كل خلية من جــــســ ـده، دmاءه كلهيب بركان خامد، ينتظر الفرصة ليحرق الأخضر واليابس .
زوجته هو تتعرض لهذا الموقف، خـ.ـطـ.ـف واغماء داخل سيارة اجرة بوسط الطريق ، يقسم متوعدًا لمن فعل ذلك بأشـ.ـد عقـ.ـا.ب يناله، لن ينتظر حكم قاضي او محكمة، حتى او اضطر لارتكاب جريمة.
– ايه الاخبـ.ـار، فاقت ولا لسة؟
كان هذا صوت امين الذي فور ان علم بما حدث، ترك ما بيده من عمل، وأتى على الفور .
أومأ يجيبه بصوت مختنق:
– الدكتورة اديتها حقنه مسكنة، وقالتلي اصبر عليها على ما تهدى.
– ساله بحرج:
– طيب هي فحصتها كويس؟ اتأكدت انها كويسة عضويا ولا اتعرضت لاي…. اعتداء، من أي نوع.
– لا الحمد لله ، المجرم اللي خـ.ـطـ.ـفها ملحقش يعمل معاها اي حاجة ، الاغماء كان طبيعي نتيجة الخضة والانفعال ، انا مش عارف حصل معاها ايه، بس تفوق وتقدر تتكلم، ساعتها هعرف اتصرف .
ربت امين بكفه على ذراعه العضلي بدعم ومؤازرة، ليتدارك هو ويسأله:
– صحيح ياريت تتصل بالجماعة وتديهم اي عذر عن حضور العزومة، بس بلاش تقلقهم، انا حتى متصلتش بوالدتها ولا اهلي، مش عايز لمة وو.جـ.ـع دmاغ.
– حقك يا حبيبي، متشلش هم، كل حاجة هتمشي تمام وزي ما انت عايز.
قالها امين بمهاودة، وعقله يدور في ناحية واحدة، فهو على علم تام ان عصام ابدا لن يغفل عنها، ولكنه كتوم كالعادة.
❈-❈-❈
عادت لمنزلها ووسط شقيقتيها، ولكن تلك التغيرات التي حدثت ببشرتها التي كانت محرومة من الاهتمام ، جعلتها محل اهتمام لهما الثلاثة، وقد بدت لهما وكأنها تبدلت،
فما كان منها سوى اكمال الصورة لكي تجيد حبكتها، بعدmا اصر هو الاخر على اخذها لعدد من الهدايا والملابس التي أتى بها اليها، كي ترتديها في حياتها العادية، وليست فقط معه:
– الله يا بهجة يعني انتي دخلتي مركز تجميل وكمان كل الهديا دي بتاعتك انتي؟ طب ليه مقولتليش كنتي روحت معاكي واخترتلك؟
ابتلعت ريقها تجيب عن سؤال جنات التي شغفها الحماس:
– يا بـ.ـنتي ما بقولك، انا قبضت المكافأة من هنا، وست الريسة اصرت تاخدني من ايدي على البيوتي سنتر، والمول المشهور في وسط البلد، رأسها والف سيف اني اجدد من نفسي، وابقى انسانة تانية، الحمد لله ان الهدوم عجبتكم وشكلي بان عليه النضافة.
قالت الأخيرة بمزاح، لتزيد عليها عائشة:
– بان عليكي بس، دا انتي بقيتي طبق بنور ، ما تاخدينا انا والبت الغلبانة دي نقرب من حلاوتك شوية يا بيبو ، وبالمرة تبقششي علينا ونزيط احنا كمان.
ضحكت بهجة في رد لها:
– وهو انتي محتاجة تجميل يا مقصوفة الرقبة في سنك ده، بس لو ع الزيطة ، نظيطك عادي، ياللا شالله ما حد حوش.
– ايوة بقى .
هللت بها الاثنتان، يواصلن معها الحديث المرح، حتى عاد شقيقهم الرابع، والذي ما ان وقعت عينيه على بهجة حتى عبر عن اعجابه:
– ايه الحلاوة دي يا بيبو، لا تكوني روحتي لبنان واحنا مش دريانين.
– يا لهوي حتى انت يا ايهاب!
❈-❈-❈
وضعت رأسها على الوسادة اخيرا، بعد انتهائها من سرد مجموعة الأكاذيب التي اصبحت تجيدها امام اخواتها، كي تبرر لهم التغيرات التي تحدث معها ومعهم.
غير راضية عما يحدث ، ولكن تصبر نفسها انها فترة وستمر، بعدها ستنسى الزواج والرجـ.ـال وكل شيء ، كل شيء،
اخرجها من شرودها صوت الهاتف الذي دوى فجأة برقمه، لتتوقف لحظات بتفكير عن سبب اتصاله في هذا الوقت المتأخر من الليل، قبل ان تحسم وتجيبه:
– الوو….
جاءها صوته كنغمة هادئة تطرب الاسماع:
– الوو يا بهجة قلبي، انتي نمتي ولا لسة؟
تمالكت تجيبه بصعوبة بعدmا بادرها بغزله:
– لا طبعا لسة منمتش، انا يدوب مخلصة رغي مع اخواتي وحاطة راسي ع المخدة، يعني عشر دقايق بس، وكنت هروح في سابع نومة،.
– يا بختك.
توقفت تصلها صوت انفاسه، ثم واصل بنبرته الدافئة:
– انا بقى مش قادر يا بهجة، عمال اتقلب ع السرير، بمين وشمال ، وكل حتة فيا بتصرخ بإسمك، مش قادر انسى قربك ولا حـ.ـضـ.ـنك، انا همـ.ـو.ت واضمك دلوقتي يا بهجة.
ازبهلت بحالة من التيه، تلجم لسانها لحظات حتى قالت :
– انا مينفعش اجيلك طبعا، حتى لو ينفع، ما اقدرش اسيب اخواتي.
وصلها صوت ضحكة خافتة منه ليردف:
– يا بهجة متقلقيش انا مبطلبش منك تيجيني.
– امال انت عايز ايه؟
تمتمت بها بحيرة:، فجاء رده المباغت لها:
– كفاية ابقى معاكي ع التليفون يا بهجة، تتكلمي ولا حتى تقعدي ساكتة، كفاية احس بنفسك معايا لحد ما اقدر انام، فاهماني يا بهجة؟
– فاهماك طبعا فاهماك.
رددت بها في استجابة له، وبداخلها تغمغم:
– دي باينها ليلة طويلة.
الصباح
هو الفكرة الجميلة في عقولنا، يوم جديد، يحمل املًا جديد، شروق الشمس التي تفرد ضياءها على بقاع الأرض، ونسمـ.ـا.ت الهواء الرقيقة، مع الهدوء الذي يعم الأجواء، لتبعث في القلب الحماس للإنجاز وفعل المستحيل.
ليت باقي اليوم يصبح على هذا المنوال، فلا يصيبنا فتور ولا ضجر ولا إحباط.
#بـ.ـنت_الجنوب
تحدثت بهجة بلهفة وهي تدور داخل المحل الجديد، تشرح على كل زاوية ما ستقوم بفعله مع اخوتها الذين أصابهم الانبهار بدورهم:
– وبكدة يبقى حققنا حلم ابويا وعملنا وكالة بدل اللي ضاع حقنا فيها، ايه رأيكم يا عيال؟
عبرت عائشة عن فرحتها:
– ايوة يا بيبو يا جـ.ـا.مد، انا خلصت امتحاناتي، ايدي على ايدك من بكرة، همشيهولك زي المسطرة.
ضحك الثلاثة على قولها لتعلق جنات:
طبعا وتاخدي فرصتك على خلق الله في طولة اللسان، كدة ضمنت انك هتطفشي الزباين .
عبست عائشة بضيق جعل الثلاثة يعودون للضحك حتى توجهت بهجة بالسؤال نحو شقيقها الوحيد الصامت منذ ولوجهم، رغم انبساط ملامحه هو الاخر :
– ايه يا عمنا، انت الوحيد اللي متكلمتش، بتضحك وبس، ولا كأنك قايم بدور المتفرج وسطنا.
خرج صوت ابهاب بابتسامة مرح يفاجأها بقوله:
– اصل بصراحة رغم انبهاري، لكن عندي رأي مختلف، اخاف اقوله متقبليش.
ردت تحفزه بمشاكسة رغم اندهاشها:
– وافرض يعني مختلف ، قول يا سيدي واحنا يا ناخد بكلامك، يا نرميه ورا ضهرنا، دي حاجة اسهل منها ما فيش.
– ماشي يا ستي، تشكري على زوقك، بس انا بتكلم جد، اصل شايفك متمسكة بموضوع الوكالة رغم ان احنا منفهمش اوي فيها، يعني فرص نجاحها مش مضمونة، بدليل ان بابا نفسه الله يرحمه كان مدي مسؤولية ادارته لعمي اللي طمع في كل حاجة لنفسه بعد كدة .
اسنرعى انتباهها بكلمـ.ـا.ته، لتتخلى عن عبثها وتشاركه الجدية:
– عندك حق، بس دا المشروع اللي على قد فلوسنا، اي حاجة بعد كدة، هتبقى فوق مقدرتنا، وانا بصراحة…. عايزة مصدر دخل مفتوح عشان كمان شغلي مش مضمون…. وو.. ممكن اسيبه في أي وقت.
تقطعها بالكلمـ.ـا.ت الاخيرة جعلها الشك يتسلل اليهم ، والتساؤلات اصبحت على افواه ثلاثتهم:
– تسيبي المصنع يا بيبة، طب ليه ؟
– وطنط نجوان، هتسبيها هي كمان؟
– استنوا انتوا الاتنين، فهمينا يا بهجة، انتي قصدك ع المصنع ولا نجوان؟
– الاتنين.
قالت تشير بأصباعيها السبابة والوسطى، لتوضح أكثر:
– مش عيب فيهم، بس انا زهقت وعايزة يبقى ليا حاجتي الخاصة، افتح واقفل وقت ما انا عايزة مبقاش تحت امر حد.
وجهة نظرها كان بها من المنطق ما جعل الثلاثة يقتنعون بها، رغم حـ.ـز.نهم على ترك نجوان، ليأتي التشجيع من ايهاب الذي عبر عما يدور برأسه:
– حلو اوي، طب ايه رأيك بقى بمشروع بتكلفة اقل ومضمون ان شاء الله، بدل الوكالة نفتح كافيه، ع الاقل انا ليا خبرة فيه، بحكم شغلي في الاجازات، دا انا مجرب الشغل في كذا واحد، وعارف الدنيا بتمشي ازاي، دا غير انى مستعد اكلم اصحابي يساعدوني في تجهيزه بأقل الإمكانيات وفي نفس الوقت يبقى في احسن صورة .
الموقع هنا حلو اوي ، وليكي عليا لما نيجي تشغله بعد كدة، تبقى الدنيا اسهل والذ بكتير، ها ايه رأيكم؟
بصوت واحد خرج رد جنات وعائشة.
– انا موافقة،
– وانا كمان موافقة
– كدة متبقاش غيرك يا بهجة، ايه رأيك؟
ابتسامة ساحرة أطلت على ملامحها الرقيقة، يغمرها الاعتزاز لنضج شقيقها الصغير في التفكير وتحديد الهدف المناسب، فلا تملك الا رفع يدها في تأييده هي الأخرى:
– وانا موافقة بالثُلث.
❈-❈-❈
هبط الدرج قادmًا من غرفته في الطابق الثاني، ليخطو نحوهم بوجه مشرق لفت ابصار نبوية التي كانت تطعم في هذا الوقت والدته، يغمرها الاندهاش برؤية هذا التغير الذي طرأ عليه، ليختفي التجهم ويحل محله الاشراق بصورة يراها الاعمى، وليس البصير فقط، حتى القى بالتحية نحوهما، بابتسامة زادت من وسامته:
– صباح الخير يا حلوين.
هللت المرأة في ردها له:
– يا صباح النور ع البنور، عيني عليك بـ.ـارده النهاردة يا رياض باشا.
ازداد اتساع ابتسامته حتى أطرق بشيء من خجل، ليسحب احد المقاعد ويشاركهم الجلسة حول طاولة الطعام، في مقابل والدته التي كانت تلوك الطعام بتأني وابصارها منصبة عليه، ليبادلها النظر مردفًا:
– دا عينك انتي اللي حلوة يا دادة، عاملة ايه يا نجوان هانم؟
لم تجيبه بالطبع ، وظلت تتابع طعامها وكأنها لم تسمعه،
تدخلت نبوية تتكلف بالرد بحرج:
– دي ما شاء الله عليها، اليومين دول بقيت احسن بكتير اوي عن اللي فات، هي بس دلوقتى صاحية مقريفة عشان لساها صاحية، تحب احضرلك تاكل معاها؟
اومأ يصرفها بلطف حتى يستطيع الانفراد بوالدته:
– لا يا دادة الف شكر، روحي انتي وانا هاكل من نفس الطبق اللي بتاكل فيه ماما..
سهمت المرأة ببصرها، فاغرة فاهها بدهشة، لا تستوعب العبـ.ـارة، حتى عاد عليها مكررًا:
– ما خلاص يا دادة بقولك، روحي بس اعمليلي فنجان قهوة .
تحمحمت نبوية بحرج لتجر اقدامها وتذعن لأمره ذاهبة، ف اقترب هو اكثر بكرسيه نحو تلك الشاردة، يتناول من يدها اللقيمة التي كانت على وشك الدخول الى فمها، لتحط بفمه هو، يلفت انتباهها قائلا:
– اظنك مش هتمانعي اكلها من ايدك ، زي ما كنا بنعمل زمان.
استطاع بلفتته ان يسحب منها استجابة لحديثه على غير ارادتها، لتتوقف عن الطعام وتنصب ابصارها نحوه، فتبسم وقد وصل لهدفه قائلا:
– مدام انتبهتي، يبقى انتي اكيد افتكرتى، ودي في حد ذاتها تقدm كبير اوي.
اشاحت بوجهها عنه بشيء من ضجر وكأنها لا تريد التذكر، فواصل هو :
-،براحتك يا نجوان هانم، ع العموم بمناسبة انتباهك دا ، انا حابب افرحك، مصطفى عزام ابن اختك وحبيبك ، مـ.ـر.اته خلفت من يجي اكتر من شهر في لندن بعد عـ.ـذ.اب سنين في الانتظار، اكيد لازم تفرحيلهم، ما انتي كنتي الوحيدة اللي مسانداه في جوازه منها عشان بيحبها.
لم يفوت عليه انها ظلت بحالة الصمت ترهف السمع، بعدmا جاء بذكر مصطفى، وقد تأكد له الاَن انها حطت بأقدامها على ارض واقعهم، بعد سنوات من الشرود ف عوالم اختلقتها، لتنزوي بها بعيدا عن الجميع.
نهض فجأة ينفض يديه من اثر الطعام، ليميل برأسه نحوها فجأة يهمس بمكر:
– على فكرة هو رجع امبـ.ـارح والدنيا عندهم قلبان بمناسبة الحدث السعيد، انا حابب اخدك معايا لو تقبلي يعني؟
قالها وتحرك مغادرًا، ودون ان يلتف ببصره نحوها، وقد تيقن داخله بحسن استيعابها للحديث. وكأنه رأى بأم عينيه، ملامح الأسى التي اعتلت تعابيرها من خلفه.
❈-❈-❈
وفي ناحية اخرى
استيقظت تلك الجميلة، تتحسس برودة الفراش وقد خلى مكانه بجوارها، بعدmا نهض وتركها منذ وقت لا تعلمه، لتنهض باحثة عنه، فوقعت عينيها عليه، داخل الشرفة جالسًا بشرود، هذه اول مرة تحدث منذ زواجهم ، الا يوقظها هو على كلمـ.ـا.ت الغزل ولا مداعباته في تدليلها، وإعطاءها الثقة في انوثتها .
ثم تجده الاَن بهذا الشرود في جلسته، لفت كتفيها بالشال الثقيل لتذهب اليه وتبادره بإلقاء التحية الصباحية.
– صباح الخير على اللي صحي من جبلي وسابني.
التف يجيبها بابتسامة مختلفة عن تلك اللهفة التي تقابلها منه كل صباح:
– صباح الخير يا قلب شادي، تعالي اقعدي جمبي، الهوا هنا يرد الروح.
اقتربت بالفعل وفتور حل بها لتجلس في المكان الذي اشار عليه ، فتسائلت على الفور بقلق:
– شادي هو انت في حاجة مزعلاك؟ شكلك ميطمنش.
تحمحم ينفي برأسه لكنه عاد سريعًا يجيبها:
– مش عايز اقلقلك ، بس انا فعلا مضايق، التليفون كنت عامله بوضع الصامت قبل ما انام امبـ.ـارح، الصبح لقيت كذا محاولة اتصال من رحمة، خــــوفت لتكون حاجة حصلت لماما، قولت اتصل واشوف، لقيتها بتقولي انها راحت على بيت حماها امبـ.ـارح مع جوزها يزورهم، عشان خالي خميس مضايق على رأيها ومخـ.ـنـ.ـوق، المهم انها عرفت هناك ان ولاد خالي خليل عزلو وسابو البيت من غير ما يبلغوا حد بمكانهم.
توقف يزفر انفاس خشنة بصوت وضح ما يعانيه، يشيح ابصاره للناحية الأخرى، مما اجبرها للتساؤل:
– يعني هو دا اللي مزعلك، انا اعرف ان بهجة عاجلة واخواتها كبـ.ـار يعني ان شاء الله مـ.ـيـ.ـتخافش عليهم.
عاد اليها بملامح يكسوها الحـ.ـز.ن:
– انا عارف كل اللي بتقوليه يا صبا، لكني برضو مخـ.ـنـ.ـوق، بهجة واخواتها مش هسيبوا بيتهم الملك، وبالصورة دي، الا اذا كان فاض بيهم، خالي خميس ومـ.ـر.اته وولاده قادرين يطفشوا قبيلة بحالها، اشحال المساكين اليتامى….. قلبي بيتقطع مية حتة من جوا يا صبا، للمرة الثانية اعجز عن حمايتهم.
صدرت الاخيرة بانفعال، صدح من قلب الكبت، وكأنه كان في انتظارها ليخرج صرخته:
– نفسي اعرف عملوا ايه معاهم عشان يوصلوهم للدرجة دي؟ انا مش فاهم دلوقتي، اروح أمسك في خناق خالي خميس اللي سابهم من غير ما يعرف حتى المكان اللي هيعزلوا فيه، ولا احاسب ولاده على تناحتهم، دmي بيغلي ومش عارف اعمل ايه.
امتدت يدها لتقبض على كفه الكبيرة، تحاوطها بدفء كفيها الاثنان، تهون بحنان:
– لا دا ولا دا يا شادي، انت هدي اعصابك ودور عليهم ، شوف راحوا فين واسألهم الاول عن السبب، عشان تعرف بعدها تحدد موقفك.
رد بقلة حيلة:
– ما انا مش عارف يا صبا، بتصل برقم بهجة مقفول، باينها غيرت الخط كمان ، حاسس مخي كأنه مشلول .
– بعد الشر عليك من الشلل، اهدى انت كدة الاول ومن غير عصبية ولا تـ.ـو.تر، اكيد هتلاقي حل يوصلك لعنوانهم.
تمتم بتمنى خلفها وقد ساهمت كلمـ.ـا.تها في التخفيف عنه:
– يارب يا صبا يارب .
تذكر فجأة يخبرها بما اذهب عنها الــســكــيــنــة:
– اه صحيح نسيت اقولك، مرات خالي درية وبـ.ـنتها جايين النهاردة يبـ.ـاركوا رجوعنا من شهر العسل .
عبست ملامحها فجأة ليرتفع طرف شفتها باستهجان مرددة:
– يا سلام، وهما اصحاب واجب جوي يعني، ولا شهر العسل كمان بجي مناسبة!
لا يدري كيف تحول مزاجه من غـــضــــب وسـ.ـخط شـ.ـديد، الى تسلية وضحك متواصل، لا يستطيع التوقف عنه، خلف تعقيبها العفوي، وتذمرها الذي اصبحت تعبر عنه بالضـ.ـر.بات المتتالية على ذراعه ، تتمتم بالكلمـ.ـا.ت الحانقة.
❈-❈-❈
دلف بها داخل الغرفة بخطوات وتيدة، وبحرص تام وضعها على الفراش، ليريحها قليلًا، بعد قضاءها ليلة كاملة ونصف يوم تحت الرعاية الطبية المكثفة في المشفى، بعد محاولة الخـ.ـطـ.ـف الفاشلة والاغماء.
كان صامتًا طوال الوقت، أو بكلمـ.ـا.ت مقتضبة يحدثها ويسألها عن صحتها، حينما يريد أن يطمئنها، حتى وهو قد اتى بها الى المنزل الاَن، مازال على حالته، مازل على وجومه، ولكن هي لن تكست على الصمت اكثر من ذلك:
– عصام، انت ساكت ليه مبتتكلم؟
رد يجيبها منشغلا بخلع سترته، ثم يشرع بخلع الباقي:
– واتكلم اقول ايه يا امنية؟ وانتي لسة تعبانة؟
تحاملت لتجلس بجذعها عن الفراش :
– بس انا عايزة اسمعك وتسمعني، دا انا حتى اتوقعت ان حد منكم، انت او امين يجي يحقق معايا، لكن محصلش.
مازال محتفظًا بتلك النبرة الهادئة:
– وهنحقق معاكي ازاي بقى وانتي تعبانة وواخدة مهدىء؟ نامي يا امنية نامي، ولا استني صحيح.
قال الاخيرة ليخلع اخر جزء من ملابسه، ويستبدله بأخرى بيتيه مريحة، ثم اقترب منها، ليخلع عنها حذائها فانتفضت تبعد قدmيها للخلف قائلة بحرج :
– لا ابعد انت ، انا هقــلـــع الجزمة وهدومي لوحدي.
التقط قدmها بحزم متمتمًا:
– انا جوزك مش غريب عنك،
اضطرت في الاخير ان تستكين ، ثم ابدل لها ملابسها هي ايضا.
حتى اذا انتهى ليلقي بهم داخل سلة الملابس المتسخة، سألته مباشرة:
– عصام، سكوتك دا مش مريحني، وانا عايزة اتكلم عشان افهمك ان البني ادm اللي حاول يخـ.ـطـ.ـفني يبقى……
– ابراهيم
جفلت لتبرق عينيها فجأة، تتسائل كيف علم؟
– ايوة هو فعلا، ربنا ياخده كان هيعمل بيا حادثة، بالسرعة الشـ.ـديدة اللي كان بيسوق بيها، انا مش فاهمة، دا جاب الغباء دا كله منين عشان يعمل معايا كدة؟ بس انت عرفت ازاي ؟
اقترب يجيبها مركزًا عينيه بخاصتيها وبهدوء يثير الريبة:
– الكاميرات جابته يا امنية وهو بيجري وبيسيب العربية، قبل ما البوليس يقفشه، السؤال بقى، انتي ركبتي معاه ازاي؟
– مكنتش اعرف ان هو اللي سايق والله يا عصام، دا كان متنكر، وانا راجعة من السوبر ماركت ومحملة، مركزتش ابص في شكل السواق.
رددت بها بدفاعية، فلم تجد منه سوى استجابة، بهز رأسه يدعي التفهم، قبل ان يشيح ببصره يتناول المنشفة قائلًا بفتور:
– انا داخل اخد شاور افك عضم جـ.ـسمي.
ثم انصرف لداخل المرحاض بالفعل، وكأن الأمر ليس بهذه الخطورة، وكأنه…….
استدركت تفتح عينيها على وسعها مرددة بما وصل اليه ذهنها:
– معقول تكون شاكك فيا يا عصام!
❈-❈-❈
في مقر عمله، وقد تصادف اليوم اجتماعه بشريكه لبحث عدد من الملفات بينهما، ولكن ذهنه كان مشغول في التفكير بها ، وتحسر يسري بداخله، يجعله يشعر بالتشتت لعدm الالتقاء بها منذ الصباح، رغم ان المسافة بينهم لا تتعدى الامتار ، وبداخل مبنى واحد، وطابق واحد، ليته امتلك الجرأة ليسحبها من يدها امام كل أعضاء المكتب من موظفيه، الاَن فقط شعر بغباءه في السماح لها بالاستمرار في العمل في نفس المكان الموجود به.
ليته ذهب معها لرحلة خارج المدينة بأكملها،. يقضي شهر عسل، لينسى معها العالم، وهذا العمل الذي فقد التركيز به من الاساس، حتى انه كان يجاهد بصعوبة ليستوعب امام شرح الاخر، والذي انتبه عليه عدة مرات بفراسته حتى عبر عن استيائه:
– جرا ايه يا عم رياض بس، دي اول مرة تبقى معايا كدة؟ ايه اللي واخد عقلك يا حبيبي؟
تحمحم يعتدل بجذعه نافيا باعتراض:
– يعني هكون سرحان في ايه بس؟ تقدر تقول كدة صداع مأثر عليا، اسف لو مش مركز معاك.
– لا يا حبيبي الف بعد الشر عليك من الصداع، طب المها انا ونأجل النقاش لميعاد تاني.
اومأ بابتسامة صفراء:
– اسف لو فيها تعطيل .
– لا يا حبيبي مفيش تعطيل .
تمتم بها كارم، يلملم الملفات والاوراق، ثم يختطف النظرات نحوه بمكر مشاكسًا:
– انا قولت بعد يوم الاجازة اللي اختفيت فيه، هترجع مروق وعقلك صاحي، لكن شكلى اتوقعت غلط، وبدل ما تفوق غطست اكتر …
قطب يطالعه بعدm فهم:
– هو ايه اللي غطست اكتر؟ انت بتتكلم بالالغاز يا كارم.
تبسم باتساع لينهض عن كرسيه مغمغفا:
– لا يا حبيبي ما تشغلش نفسك، اتمنى بس الصداع ميستمرش اكتر من كدة، لتبقى حوسة، اروح انا اشوف اللي ورايا ، سلااام.
قالها ثم خرج ليزفر الاخر، يكتنفه الضيق وعدm الارتياح، للتلميحات المستمرة هذه الايام من شخص داهية كهذا، ولكن ماذا بيده؟ وماذا يفعل كي ينفي عن ذهنه هذه الفكرة، وهو يلتقطها كالصقر، فلا يحتاج حتى للتلميح.
وبدون ان يشعر، وجد يده امتدت لتلتقط الهاتف من فوق سطح المكتب يتصل بها، حتى اذا جاءه الرد منها، امرها على الفور :
– سيبي اللي في ايدك وتعاليلي حالا من الباب الخلفي للمصنع، انا مستنيكي في العربية.
انهى المكالمة لينهض، فيتناول اشياءه كعلاقة المفاتيح والهاتف والنظارة، وسحب اقدامه للخروج على الفور حتى اذا مر بمديرة مكتبه خاطبها:
– لورا انا خارج دلوقتي، أجلي أي حاجة لغاية ما ارجع بعد شوية او بكرة.
لاحقته بسؤالها قبل ان يذهب:
– طب والملفات المهمة والمطلوبة وضروري البت فيها، دا كمان يتأجل؟
مط شفتيه بابتسامة ليس لها معني:
– عادي يا لورا ابعتيلي ع الايميل، وانا هشوف اللي يستاهل الاستعجال .
– طب ما تقولي انت رايح فين عشان افهم .
صدر السؤال منها فور ان اعطاها ظهره للمغادرة، ليتوقف ويلتف اليها بهدوء لا يخلو من تحذير:
– اروح مطرح ما انا عايز، انت تسألي ليه يا لورا؟
ابتلعت رمقها بحرج شـ.ـديد لتبرر:
حضرتك انا بسأل بس عشان الشغل مش عشان……
قطعت مجبرة بعدmا اماء لها بكف يده في الهواء، بحزم ينهاها:
– انا مش هكرر كلامي، في حاجة مهمة تبلغيني، بعد كدة مفيش داعي لأي اسئلة تاني، سلام.
❈-❈-❈
اذعنت لتنفيذ الأمر، برغم حنقها المبالغ فيه من فعله، وما قد يتسبب به من حرج لها امام زملائها في المكتب، كي تخرج في هذا الوقت المبكر عن ميعاد الانصراف .
اقتربت من السيارة المصطفة في نفس المكان الذي وصفه لها، لتفتح الباب الامامي فتنضم للجلوس بجواره، متمتمة بضجر:
– ها ايه الأمر المهم بقى عشان تستدعيني في نص يوم العمل ؟ وتخليني انزل على ملا وشي كدة عشان اقابلك؟
اجابها بتنهيدة حارة وراسه تقترب منها:
– حشـ.ـتـ.ـيني و .
ارتدت بجذعها للخلف شاهقة بإجفال ، حينما انتبهت، لما كاد ان يقوم به، وقد اوشك على تقبيلها، لولا انها انتبهت على اخر لحظة ، لتبتعد سريعًا ويلتصق ظهرها بنافذة السيارة بزعر قائلة:
– انت كنت هتعمل ايه؟
ضحك بتسلية لرؤيتها على تلك الهيئة، يجيبها مرددًا:
– بقولك حشـ.ـتـ.ـيني و  يا بهجة، يعني عادي جدا اقربلك واعبر عن اشتياقي بطريقتي..
– يا سلام، يعني وحشتك تقوم تبوسني في العربية وفي نص النهار، كدة عادي.
هتفت بها معترضة، ليباغتها الاخر مرددًا:
– عندك حق طبعا، احنا لينا بيت يلمنا .
بذهول شـ.ـديد، طالعته يدير محرك السيارة، حتى كاد ان يسير بها، لتنهاه بغـــضــــب:
-تروح بيا على بيتنا ازاي يعني؟ انا لسة دوامي مخلصش، عايز رئيس المكتب يقول عليا ايه؟
– عنه ما انتهى، ما انا كمان ورايا شغل، نروح وبعدين نشوف اللي ورانا.
– وشكلي قدام الراجـ.ـل، هيقول عليا ايه؟
صاحت بها علُه يستوعب ، ولكنه فاجئها كالعادة بقوله:.
– يقول اللي يقوله بقى، يعني انا اكون سايب شغل بملايين يا بهجة، وانتي جاية تسأليني على منظرك قدام عبد الفضيل! اما انتي غريبة والله.
– غريبة.
❈-❈-❈
الساعة الاَن تعدت الحادية عشر، لكن لابأس، فقد استقيظ اليوم باكرا الى حد ما عن باقي الايام السابقة، ليتحمم ويرتدي ملابسه سريعًا، ينثر عليه العطر بكثافة، متجاهلا صوت الهاتف الذي يدوي منذ ساعات ، ولكنه غير مهتم ، ولن يهتم، فلن يشغله الاَن سوى شيء واحد، بعدmا عرف مساء الأمس من سائق السيارة النقل التي اقلت الاثاث بعنوانها،
سوف يصلح خطأ الماضي، سوف يظهر لها الاَن تغيرا شاملا بشخصيته، لن يصير بعد الاَن الجبان الذي لم يقوى على الوقوف امام اهله لاستعادة حقها، ف ليتحدى اباه وجبروت والدته والجميع، لقد فعلت خيرا بابتعادها، ليأخذ فرصته كاملة الاَن، ولا يعكر صفوه التدخل من احدهم، وما فشل فيه سابقُا، لن يتكرر بعد اليوم.
اغلق باب شقته ليهبط الدرج بحماس يملؤه، حركات رشيقة تنم على سعادته بما قادm نحوه، القى بنظرة سريعة على المنزل الخالي، يتنهد باشتياق، ثم توجه بأبصاره للأسفل، ليصعق برؤية ما جعله يرتد بجــــســ ـده للخلف قليلًا، ولكنه سرعان ما تماسك ، ليجسر نفسه ويتصرف بطبيعية، رغم القلق الذي اصبح يسري بداخله، مع انتباهه لهذا التجهم الذي يعلو ملامح والديه، حتى الملعونان اشقاءه، تبًا، وكأنهم واقفين في انتظاره،
وفي الأسفل صاح خميس بستقبله بابتسامة ساخرة:
– اهلا اهلا بالباشا اللي صحي بدري النهاردة ، ومستناش للعصر يأدن عليه زي كل يوم، تكونش يا خويا قلبك حاسس.
عبس سمير بتوجس يرد على توبيخ ابيه:
– قلبي حاسس بإيه؟ وانتوا ايه واقفين بربطه المعلم كلكم كدة ليه؟ اللي يشوفكم يقول في مصـ يـ بـةحصلت.
جاء الرد هذه المرة من والدته، التي زجرته بحدة:
– انت بتقول فيها، ما هو انت بتناحتك دي والبلالة اللي عايش فيها، هتحصل المصـ يـ بـةبجد، انت ما بترودش على تليفونك ليه من الصبح يا زفت انت؟ لزمته ايه في ايدك دا من اساسه؟
القى بنظرة سريعة نحو الهاتف بعدm اهتمام قائلا:
– كنت عامله صامت ومكنش ليا مزاج ارد على حد ، ايه اللي حصل بقى؟
– اللي حصل هو ان ابنك ممكن يمـ.ـو.ت لو ملحقناهوش .
بصقت بها شقيقته الصغرى بصورة اجفلته ، ليتولي سامر التوضيح:
– مراتك حصل معاها ولادة مبكرة، والولد تعبان جدا، اهلها كانوا بيتصلوا عليك عشان تحضر معاهم، ولما يأسو منك اتصلوا على ابوك، ابنك لازم تلحقه لا تحصل معاه مضاعفات لا قدر الله ومـ.ـيـ.ـتحملش.
بدت ملامح الصدmة جليا عليه، حتى تشوش بحيرة، ما بين الذهاب الى الوجهة التي كان يقصدها، وما بين طفله المريـ.ـض، ولكن حيرته لم تستمر كثيرا، فقد حسم خميس الامر يهدر به:
– انت لسة هتفكر يا خويا، اتحرك يلا خلينا نروح نشوفهم، ع الاقل نوري وشنا اللي اسود من عمايلك، وانت يا سامر اتولى شغل الوكالة النهاردة لحد ما نرجعلك.
❈-❈-❈
– بتعملي ايه يا بهجة؟
هتف بها عقب خروجه من المرحاض، حينما وقعت عينيه عليها ترتدي ملابسها على عجالة امام المراَة، فالتفت نحوه بإجفال تجيبه وبيدها تلف الحجاب حول رأسها :
– يعني هكون بعمل ايه؟ بلبس طبعا عشان امشي .
سمع منها ليزفر بضيق متوجها نحوها، ينزع عنها الحجاب بيده قائلا بضيق:
– وكنتي ناوية بقى تمشي من غير ما تقولي، ولا حتى تنتظريني على ما اخرج من الحمام؟
طالعته بأعين متسائلة، تخـ.ـطـ.ـف النظرات نحو الحجاب الذي كان ممسكا به، ثم القاه من يده ليسحبها اليه بعد ذلك يردف بنبرة تحولت للدفء:
– دا احنا حتى ملحقناش لسة نقعد ساعة على بعضها.
قالها ثم صار يمسد بأنامله على جانب وجهها ويزيح شعرها للخلف، بنعومة تثبط من عزيمتها، حتى خرج صوتها برجاء:
– ارجوك بقى، انا مينفعش النهاردة كمان اتأخر على نجوان هانم، غيبت عنها كتير الايام اللي فاتت.
اقترب يدفن انفه بين خصلات شعرها الكثيف، يتمتم بوله، وهو يستنشق عبيرها:
– طب اعملك ايه؟ وانا ما صدقت الاقيكي بين ايديا، مش قادر اسيبك ولا ابعد عنك يا بهجة، عايز اليوم كله ابقى في حـ.ـضـ.ـنك وبس، شوفي بقى حظي ، وانا معاكي في نفس المبنى، وميفرقش عننا غير حاجة بسيطة، ومع ذلك مش قادر اطولك، ولا احتى اجيلك مكانك في مكتبك واطل عليكي واكلمك،
مكنتش اعرف ان شغلك جمبي هيتعبني بالشكل ده، يا ريتني ما وافقت على الشغل من اساسه بعد ما اتجوزتك.
ابتعدت برأسها تتمعن النظر بوجهه لتستشف صدق حديثه،
هذا الرجل سيفقدها عقلها بالفعل، ان لم يكف عن هذه الرقة المبالغ فيها، وإظهار اللهفة وتلك المشاعر التي يبثها لها في لحظات الوصال.
أم ان هذا امر طبيعي، وهي الوحيدة التي ليس لديها من الخبرة ما يجعلها تتقبل ذلك، وتبادله اياه، حتى لو كان الزواج بغرض ال….
نفضت رأسها لتستعيد بأسها واضعة النقط على الأحرف:
– انا لو بطلت شغل من عندك ، يبقى هبطل من كله والتفت للمحل بالمرة، الشغل دلوقتي هو الحجة اللي بخرج من خلالها عشان اقابلك على ما……
– ما تكمليش بقى.
قاطعها بنزق يشـ.ـدد من احتضانها، مرددًا بضجر:
– هو انتي حـ.ـر.ام تعدي اللحظة من غير ما تفكريني، سيبيلي عواطفك ولو لدقايق، عشان خاطري يا بهجة، عشان خاطري.
ماذا تفعل؟ ومن اين تجد القوة لرفض ذاك البحر الهائج من المشاعر، حتى وهي تقاوم بكل قوتها، تغلبها امواجه العاتية، فتبتلعها بداخلها على غير ارادتها.
بعد قليل
نزل بها للطابق الأول. وما زال يضمها اليه بذراعه، يغمرها بدفئه ورائحة عطره المميزة، غير عابئًا بالوقت الذي يؤرقها هي، ولكنها تصبر نفسها، حتى لا تزعجه بالتذكير المستمر كما اوضح.
– انا كنت عايز اخرج بيكي نتغدى في اي حتة برا النهاردة……..
فور ان افتر فاهها للإعتراض، تابع يوقفها:
– بس عشان عارف انك مشغولة طبعا شيلت الفكرة من دmاغي…… أو بمعنى أصح أجلت…..
زفرت قليلًا بـ.ـارتياح ثم قالت:
– كويس اوي، لأن انا مخي مش معاك اساسا، وبصراحة بقى حاسة بعدm ارتياح .
توقف يبعدها عنه قليلًا يسألها بنبرة يتخللها الحـ.ـز.ن:
– ليه يا بهجة؟
ابتلعت تجيبه بصراحة:
– اولا عشان منظري في الشغل طبعا، كتر الانصراف هيثير التساؤول والفضول، وانا بصراحة مش عايزة حد يقول نص كلمة عليا .
ضاقت عينيه بتفكير سريع:
– خلاص يبقى ننظمها،…… انتي كل يوم تخرجي على ميعادك، وتيجي على هنا تقضي الوقت اللي فاصل من دوامك مع الست الوالدة، مع اني شايف انك تتخلي عن واحدة فيهم دلوقتي، وتوفري وقتها ليا انا…..
سهمت بنظرها نحوه تستوعب معنى الاخيرة، مع انها بدت واضحة كوضوح الشمس ، يريد منها اكبر وقت للتفرغ اليه، اللعنة، ايريد منها الغرق اكثر من ذلك!
لترفض قاطعة؛
– لا طبعا مينفعش، هقعد ف البيت هنا لوحدي في انتظارك اعمل ايه؟ خليها زي ما هي ماشية كدة،
اومأ بحاجبيه:
– براحتك يا بهجة، يبقى كدة خلينا في الحل الأول.
اومأت باستسلام، وتنهيدة خرجت من العمق:
– ماشي
❈-❈-❈
من يريدك بحق او يخاف عليك، سيفعل المستحيل حتى يجدك.
وهذا ما فعله، فلم يهدأ له بال منذ بداية اليوم، ظل يبحث حتى عثر على احدى الخيوط التي اوصلته الى فرد منهم.
جنات والتي كانت خارجة من جامعتها في هذا الوقت، في طريقها للعودة الى المنزل، لتفاجأ بالصوت الأجش من خلفها، مناديًا بإسمها:.
– جنات ممكن دقيقة.
التفت اليه، تهديه ابتسامتها المعتادة، لتعلق بمرح:
– ايه ده ؟ شادي العريس؟ لا مش معقول .
اقترب منها يصافحها بغـ.ـيظ:
– انا برضو اللي مش معقول؟ ولا انتوا اللي هجيتو من غير ما تبلغوا حد بمكانكم، دي عمايل برضوا يا جنات؟
بدى جيدا من حجم العرق الذي يغطي جبهته وقميصه، طول الوقت الذي قضاه في انتظارها، ليخرج ردها باعتذار:
– انا اسفة يا شادي، ان كنا قلقناك، بس انت مكنتش فاضي عشان شهر العسل طبعا، لكن احنا اكيد عمرنا ما كنا هنخبي عنك المكان اللي عزلنا فيه جديد.
زفر بشيء من الارتياح، ليتخصر قائلًا:
– بداية مبشرة اوي يا ست جنات، بس انا عايز اطمن بنفسي، واعرف الظروف اللي خليتكم تعملوا كدة، وامتى وازاي دا حصل؟
أومأت بترحيب:
– خلاص يبقى تتفضل معايا على بيتنا، وانا افهمك كل حاجة في طريقنا .
– تمام اوي، يبقى اوصلك بعربيتي بالمرة.
❈-❈-❈
وجدتها كما وصفت لها الدادة نبوية، داخل الحديقة تتأرجح بالارجوحة، بشرود اصبح ملازمًا لها كما علمت من المرأة، فاقتربت منها لتجلس بجوارها، تتحدث بعفوية كما اعتادت عليها في الفترة الأخيرة ، بعدmا تطورت العلاقة بينهم ، لتصبح اكثر دفئًا وتفهمًا عن السابق:
– الحلو اللي قاعد سرحان وفي حاله، ايه اللي شاغل باله؟
خرجت من شرودها نجوان تطالعها بصمت دون رد فتابعت بهجة بالمزاح كي تستجيب لها:
– اه يا عم بتتمرجحي، الدنيا تضـ.ـر.ب تقلب ولا هامك، والله برافو عليكي
لم يصدر منها اي رد فعل سوى انها كانت تتمعن النظر اليها وفقط، عيناها تحمل الكثير والكثير، ولكن لا تنطق ولا تربحها بذرة استجابة، حتى هتفت بها بهجة:
– انتي فيكي حاجة غريبة النهاردة، زعلانة عشان غيبت عنك، ولا في ايه بالظبط؟
ايضا لم تنطق لتفقد بهجة فيها الامل وتنهض فجأة قائلة:
– ع العموم انا جمبك هنا في أي وقت تعوزيني او تعوزي أي حاجة .
ما ان اعطتها ظهرها وخطت خطوتين حتى وصل لاسماعها:
– شبهه.
التفت اليه بتسأؤول:
– انتي قولتي حاجة؟
استقامت واقفة عن الارجوحة تمتم بلها بما يثير الريبة:
– شبهه، شبهه.
قالتها وتحركت تذهب من امامها، لتزيد من زهول بهجة في تفسير ما حدث:
– هو مين اللي شبه مين؟ هو انتي ايه حكايتك يا نجوان هانم معايا بالظبط في الالغاز.؟
ظلت لمدة من الوقت تتابع اثرها بتساؤلاتها وحيرتها، حتى شعرت بأنامل تداعب وجنتها، لتلتف اليه متفاجئة بحضوره:
– انت هنا من امتى؟ مش قولت وراك مشوار مهم تبع العملا.
تبسم يفرد نفسه امامها:
– ما انا فعلا ورايا مشوار مع عميل مهم، بس بصراحة مقدرتش ادخل اغير من غير ما اطل عليكي، كنت واقفة بتكلمي نفسك ليه؟
تنهدت بحيرة تخبره:
– مش عارفة اقولك ايه؟ بس مدام نجوان عليها طلعات وكلام مش مفهوم بصراحة
قطب يسألها بتوجس:
– هي قالتلك ايه؟
– بتقولي شبهه، شبهه، قصدها ايه مفهمتش.
سمع منها لتتبدل ملامحه فجأة، يزفر بخشونة وغـــضــــب مكبوت:
– سببك منها يا بهجة ومتركزيش معاها.
اومأت بطاعة، رغم الفضول الذي يجتاحها لمعرفة القصد من كلمـ.ـا.تها .
فتماسك هو يزيح عنه الغـــضــــب، ليداعبها ممازحًا:
– بس انتي شكلك زي القمر هنا، ايه رأيك اعتذر عن ميعاد العميل واقضي باقي اليوم معاكي .
شهقت تتحرك من امامها تغمغم اثناء ذهابها:
– هنا في البيت، دا انت ناوي على فـ.ـضـ.ـيحة بجد ، انا ماشية وسيباك .
قهقه من خلفها، ليصلها الصوت المحبب لهذه الضحكة التي لا تسمعها منه الا حينما يكون معها فقط.
❈-❈-❈
في المنطقة عشوائية، وداخل احدى المنازل المصنوعة
من الصفيح اضجع بجذعه على الاريكة اليالية يتحدث مع زميله في المحبس سابقا بكل ثقة:
– ياض زي ما بقولك كدة متخافش، انا معايا محامي عقر، يعني حتى لو قفشوني متلبس هخرج منها صاغ سليم ، هو بس كرشه واسع شوية وبياخد فلوس بالهبل
اومأ بتفهم ذاك الشاب النحيف، بملابسه الضيقة وحلاقة الشعر المرتفع للأعلى بصورة تثير الاستفراز ، ليجلس على الكرسي المقابل له، معبرا عن مخاوفه:
– ماشي يا عم هيما مقولتش حاجة، انا اهم حاجة عندي ان متلطش معاك، المسألة مش محتاجة عوق، عشان الشغل ميقفش، المعلم بتاعي صعب ومبيرحمش.
اصدر ابراهيم من فمه صوت استهجان يتمتم بسـ ـخـــريــة:
– دا على اساس انك موظف في الحكومة يا اخي، امال لو تاجر كبير، ولا ديلر عليك القيمة كنت عملت ايه؟ دا انت اخرك بياع برشام ع الطريق ومساحيق مضروبة، اسمع ياض، ليك فلوس اغرقك فيها ، وحماية لو اتطور الأمر، فهمت بقى يا عزوز الكـ.ـلـ.ـب
– اه
تمتم الاخير بها، ليتذكر السبة فيهدر معبرا عن استيائه:
– طب من غير شتيمة طيب، انا هاديك الامان بفلوسك،
طول ما بتصرف هتلاقيني تحت امرك، انما يوم ما توقف ، معلش بقى يا زميلي اعذرني، اصل بصراحة بقى جيتك كدة فجأة مكنتش عامل حسابها.
ردد ابراهيم من خلفه:
– ولا انا وحياة غلاوتك. كنت عايز بس اهددها واجيب اخرها، لكن الحظ بقى قلب فجأة ، بعد ما كل حاجة كانت ماشية بالتمام .
– عشان ضميرك الوسـ.ـخ.
تمتم بها عزوز بصوت خفيض اثار استرابة الاخر ليهدر به:
– بتبرطم بتقول ايه ياض؟
نهض عزوز نافيا:
– مبقولش حاجة يا رياسة، خد راحتك انت وانا هروح اشوف شغلي، بس معلش في دي السؤال، كنت عايز اعرف يعني الباشا هنفضل مستضيفينه لحد أمتى؟
– مش كتبر يا اخويا، هي يس الليلة لزوم التكتيك، ومن بكرة هشوف المحامي يقولي ايه، ياللا غور بقى من وشي، حضرلي حاجة اكولها، اتحرك ياللا بلاش تناحة.
تحرك الشاب مزعنا لأمره، وفمه يغمغم بالسباب الوقح، على هذا المتبجح الذي اتى بدون استئذان يحتل البيت ويتأمر عليه.
❈-❈-❈
انتهى اليوم المزدحم، لتعود الى منزلها، موطنها، وواحة الدفء التي تجد بها امانها وسكينتها ، فتحت الباب لتلج المنزل على صوت الضحكات الصاخبة من اشقاءها،
فتضع الاكياس الكثيرة من يدها على الارض تود المشاركه معهم، مبادرة بالقاء التحية،
، مساء الخير….
توقفت عن الاكمال متفاجئة بالضيف الجديدة، والذي استقبلها بابتسامة غير مفهومة:
– مساء الخير يا بهجة، البيت روعة ما شاء الله، مبروك عليكي المكافأة اللي جابته
شحبت بوجه انسحبت منه الدmاء متسائلة عن القصد من تلميحه، تعتب على اشقاءها ذكر هذا الأمر امامه، وهو الذي شهد بنفسه توقف الصراع في محاكم الدولة، بفشل حصولها عليها وانتصار الخصم.
لتضرع داخلها للخالق
– استر يارب
لذة الوصول
هل أتى عليك الوقت وشعرت بها؟ تلك الخفقة القوية التي تنتابك في تحقيق الحلم، وامتلاك الشيء الذي تذوقت مرار الصبر في سبيله، رجفة الأطراف حينما لامسته او امسكت به بين يديك.
ما أصعبه من احساس وما أجمله؛ حين يمر عليك شريط الذكريات وما مررت به من مصاعب حتى وصلت لتلك اللحظة
اذاقكم الله واذاقنا حلاوة الوصول اليها .
#بـ.ـنت_الجنوب
رغم مرور اكثر من شهر على مولده، وحمله له عدة مرات ، الا انه حتى الاَن مازال تغلبه العاطفة بفرحته، فلا يقوى على كبت تلك الدmعة التي تفر من عيناه تأثرا بمجيئه الى عذا العالم، قطعة غالية من حبيبة قلبه حصل عليها اخيرا، بعد عناء ومشقة وعـ.ـذ.اب في انتظار المستحيل، ولكنه حدث في الاخير بفضل الله وكرمه.
– تاني يا مصطفى برضو بتدmع؟ انا الأحسن اني احرم عليك ما تشيلو بعد كدة .
قالتها نور، وهي عائدة بعبوة الحليب التي اعدتها للطفل، لتأخذ مقعدها بجواره ، تجلس متربعة على الفراش، فتدعي الحزم وهي تتناوله من ذراعي ابيه بحرص، والذي ظهر التأثر في صوته وهو يشاكسها:
– لو تقدري اعمليها، او امنعي انتي نفسك من العـ.ـيا.ط لما
يسهرك طول الليل وميرضاش ينام.
فغرت فاهاها باستنكار وذهول:
– بتتريق عليا يا مصطفى، طب عقل انت ابنك الاول وخليه يهدى عن جنان الليل وانه مـ.ـيـ.ـتعبش مامته في الوردية اللي بيستلمها عليها.
قهقه ضاحكًا بصخب، ليعقب بمرح كلما خرج منها هذا الحديث:
– حاضر من عيوني، بطل تتعب مامتك يا ولد.
صدرت الاخيرة مخاطبًا لطفله لتتبسم هي قائلة:
– يا سلام عليك يا مصطفى، انا كدة ضمنت انه سمع الكلام، الف شكر بصراحة لسيادتك.
اومأ واضعًا كفه على صدره:
– العفو يا قلب مصطفى، مفيش داعي للشكر اساسًا.
انفجرت ضاحكة، لتميل برأسها على صدره، ويضمها بذراعه هي والطفل الذي تطعمه، يستمتع بدفء عائلته الصغيرة ، في لحظات يسـ.ـر.قها من الزمن، يهرب فيها من التزمـ.ـا.ته وأعماله التي لا تنتهي حتى في وقت نومه
❈-❈-❈
كما توقعت ورغم انه استمر طويلا في جلسته مع اشقاءها، وهي حاولت التصرف بصورة طبيعية معه، تجاهد لإخفاء الارتباك في حضوره، الا انه استطاع في الاخير ان ينفرد بها داخل الحديقة الصغيرة عقب استئذانه في الذهاب وقيامها هي بتوصيله، ليقف الاَن مواجهًا لها، يطالعها بصمت ابلغ من الف كلام،
ورغم التـ.ـو.تر الذي كان يعصف بها، الا انها ابدت ثباتًا يثير الاندهاش امامه، مما شجعه على الأستفسار مباشرةً:
– ليه كدبتي على اخواتك يا بهجة، والبيت دا اساسه انتي جبتيه ازاي؟
حينما صمتت قليلًا اردف :
– انا عارف اني مليش حق في السؤال، بس انا مش قادر يا بـ.ـنت خالي، الخــــوف اللي طير مني الراحة من ساعة ما عرفت بعزالكم من البيت، هو نفسه الخــــوف اللي عاصر على معدتي دلوقتى، وانا دmاغي هتشت ورايحة في مية اتجاه، من بعد ما عرفت بقصة المكافأة اللي اتحكم فيها من زمان لصالح الخصم .
استمرت لبرهة اخرى من الوقت قبل ان تحسم قرارها من الداخل قائلة:
– بس انت متأكد، وعارف بأخلاقي كويس.
– دي مسأله مش محتاجة سؤال، انتي بس اتكلمي واي حاجة هتقوليها انا هصدقها، المهم تريحي قلبي يا بـ.ـنت خالي، فلوس البيت والمحل جات منين يا بهجة؟
– من جوزي
اجفل يستوعب الجملة القصيرة، لتعيد عليه هي بتأكيدها:
-،ايوة يا شادي، انا متجوزة في حلال ربنا، واحد مقتدر فوق ما تتخيل، هو اللي مكني بفلوسه اشتري البيت والمحل، ولو طلبت هيديني تاني كمان، بشرط اني احتفظ بجوازي منه في السر
– في السر!
ردد بها بصدmة وعدm تصديق، لتتجاوز هي غصتها في شيء مخزي كهذا امامه، فتأكد:
– ايوة يا شادي، انا بقولك الحقيقة اهو ، حتى وانا عارفة ان ممكن انزل من نظرك ، بس انا معملتش حاجة حـ.ـر.ام، ولولا ثقتي فيك، ما كنت ابدا هقولك
أطرق برأسه يحاول التريث واستيعاب المفاجأة، حتى لا يغلبه غـــضــــبه في إفساد الأمر، وقد اعترفت له بالحقيقة التي اخفتها عن اخوتها جميعا، ليعود اليها متماسكا بصعوبة:
– وليه مقولتيش ع الاقل حتى لاخواتك يا بهجة؟
اجابته بثبات:
– مقدرتش،…… مقدرتش اهز صورتي في عيونهم ، مقدرتش اعرضهم للاختيار ما بين موافقتهم على جوازي والانتقال لهنا بعيد عن اذية عمي ومـ.ـر.اته ، وما بين رفضهم ورفض كل شيء يجي من ناحية جوازي.
زفر يغمض عيناه بألــم، رافعًا رأسه للأعلى بخزي، كيف يلومها؟ ومن اين يجد الجرأة وقد تركها تواجه رياح الظلم وحدها، حتى حينما حاول حمايتها، كاد ان يزيد بالمس بسمعتها نتيجة سوء الظن الذي تعرض له من ابناء عمها ، حتى تنقطع قدmه من الصعود اليهم ولا حتى التدخل في شئونهم.
– شادي انا اعترفتلك عشان واثقة فيك.
قالتها بغرض التخفيف عنه، جاهلة ان بفعلتها قد زادت عليه، ليرد بعتب:
– لو كنتي واثقة فيا كنتي بلغتيني يا بهجة، كنتي ووقفت معاكي حتى لو ضد رغبتي ، المهم كنت حاولت، ان مقدرتش احوله لجوز بأشهار ع الاقل كنت عرفته انك مش لوحدك.
اطرقت بخجل وقد اصاب بقوله، ولكنها حاولت التبرير على تردد:
– هو انسان كويس، وبيعمل كل حاجة عشان يسعدني، بس عنده ظروفه اللي تمنعه ما يشهر جوازنا.
رد بعنف:
– مهما كانت الظروف ، مفيش حاجة تمنع اعلان جوازه منك لو بيحبك بجد، او حتى كان أجل على ما تتحسن الدنيا معاه يا بهجة، ليه اخـ.ـطـ.ـف سعادة منقوصة في السر وانا ممكن اخدها كاملة بشوية صبر؟
ابتسامة صغيرة لاحت على زاوية فمها بسـ ـخـــريــة
فقال، ابن خالها يتحدث عن الحب والصبر، ولا يعلم بالحقيقة المرة في الاصل من هذا الزواج، بعدmا اخبرها قاسي القلب صراحةُ انها مجرد رغبة، حتى لو افعاله كانت غير ذلك بعد الزواج ، لكنها ابدا لن تنساها او تعلق نفسها بوهم حب قد يهلكها، وهو جعلها مسألة بيع وشراء، وهي وافقت على هذا الأساس، حتى تنتهي مدة هذا الاتفاق، وتخرج ع الاقل سليمة القلب .
وحتى ذلك الوقت، لن تخبر احد بالحقيقة المرة، تحتفظ بها لنفسها، اما ابن خالها فيكفيه الاطمئنان على على مصدر المال ولا اكثر من ذلك .
– رياض الحكيم صح؟
انتفضت بإجفال بعد ذكره الاسم لتبرق عينيها نحو باستفهام، فاستطرد هو بفراسة:
– مش هو برضو مدير المصنع اللي اتكفل بعلاج اخوكى على نفقة المستشفى المساهم فيها، انا مش غـ.ـبـ.ـي يا بهجة عشان ماخدتش بالي من نظراته ليكي ساعة ما شوفته في المستشفى،
لم تتمكن من الرد لتسبل اهدابها عنه بخجل شـ.ـديد، اكد له صحة ظنه، ليردف بغـ.ـيظ:
– اقسم بالله لو شوفته قدامي دلوقتي، لابـ.ـاركله من قلبي بلوكامية تظير صف سنانه.
❈-❈-❈
عاد الى المنزل محملا بمزيد من التعب والهم، وقد اعتقد ان بالعثور عليهم ومعرفة محل سكنهم سيرتاح، ولكن ما حدث هو العكس تماما ، فبلقاءها ومعرفة السر الذي تخبئه عن الجميع، يشعر انه لن يعرف طعم الراحة بعد اليوم في القلق عليها، حتى ترسو على بر اَمن.
– شادي، اخيرا جيت .
كان هذا صوت زوجته والتي اقتربت تهمس بالكز على اسنانها:
– كدة برضو تعملها فيا يا شادي؟ ساعة بحالها اتصل بيك ومتردش.
القى بنظرة نحو شاشة الهاتف فتأكد من العدد الهائل من المكالمـ.ـا.ت منها، ليبرر بأسف:
– معلش مخدتش بالي، بس ليه الاتصالات دي كلها؟
ضـ.ـر.بت قدmها بفعل طفولي تهمس بحنق شـ.ـديد اثار التسلية بداخله رغم ارتيابه، حتى اوضحت:
– بتصل عشان جوز البلاوي اللي مستنينك، جال ايه عشان يبـ.ـاركوا، على اساس انهم اصحاب واجب جوي، انا من مخنوجة منهم ومش طايجة نفسي.
– هما مين؟
تمتم بها وقبل ان تجيبه، وصل لأسماعه صوت الضحكة الرقيعة من ابنة خاله خميس، لتيقن الان من السبب الاساسي لغـ.ـصـ.ـب زوجته:
– هي سامية قاعدة هنا من امتى؟
ردت على مضص:
– بقالها يجي ساعة هي وامها جوا، وانا رايحة جاية عليها بالعصاير والحلويات عشان مش طايجة اجعد معاهم
تبسم بحنان يهادنها:
– معلش حقك عليا، انا هروح اغير هدومي واروحلهم، هما عند ماما جوا صح؟
اومأت بهز رأسها، ليخـ.ـطـ.ـف قبلة سريعة من وجنتها، ثم تحرك صوب غرفته، لتتناول هي صنية العصائر وتدخل بها اليهم، بداخل حجرة والدة زوجها
– العصير يا جماعة.
– تعالي يا حبيبتي اقعدي بقى كفاية، هما الجماعة اغراب يعني.
قالتها والدة زوجها تشير لها لتجلس بجوارها على الفراش، تلك المرأة الحنونة، والتي تتعامل مع الجميع بطيبتها، رغم علمها الجيد بنوياهم:
– منورة يا مرات اخويا،
درية وقد اشتعلت عيناها بالحقد وذلك التوافق بين اخت زوجها وزوجة ابنها، لتتمتم بتصنع:
– البيت منور بأهله يا حبيبتي، عندها حق يا صبا احنا فعلا مش اغراب .
اومأت لها الاخيرة تغتصب ابتسامة صغيرة في رد لها، ثم تسأل بانتباه:
– ربنا يديم الود يا خالتي، هي فين سامية صحيح مش شايفاها؟
جاء الرد من والدة زوجها:
– استأذنت تدخل الحمام، اصلها مزنوقة.
سمعت صبا لتغمغم داخلها بحنق وتوجس:
– مزنوقة برضو ولا راحت تزود ع المكياج عشان تعجب. ابو برودها
وبداخل المرحاض كانت المذكورة تقف في وسطه بحيرة، تبحث بعيناها عن هذا الشيء الذي امرها الشيخ الدجال بإحضارها،
فقد كان كل شيء نظيفًا من حولها، المناشف المعلقة والستائر وو…. هنا توقفت ابصارها على سلة الملابس ، لتركض نحوها وتبحث داخلها، ملابس نوم وأخرى داخليه له ولها، يبدو أنها تم خلعها اليوم، ليزداد الغل بقلبها، على تلك السعادة التي كانت لابد ان تكون من نصيبها
اخرجت المقص الصغير من الجيبة التي ترتديها، كم ودت لو مزعت به تلك المنامة الى قطع صغيرة، ولكنها بذلك سوف تلف الانظار ، لذا لم تجد امامها، سوى قص شريط طويل منها ، لتضعه في كيس بلاستيكي ، ثم تدفسه داخل جيب جيبتها، وتخرج من المرحاض فتلتقي ابصارها به يدلف الى الغرفة التي تجمع النساء،، فتتنهد متمتمة:
– مسيرك تبقى ليا، هانت .
❈-❈-❈
بحث عنه في عدة اماكن يعلمها، كما سأل العديد من الأصدقاء المشتركين بينهما ، حتى تمكن اخيرا من معرفة المكان الذي يتواجد به، قهوة عتيقة ، تناسب المثقفين والفنانين، الأشخاص الذين يبتغون الهدوء او السرية كما يرى الان، بجلوسه في احد الاركان يتهامس مع احد الأشخاص….. لم يتمكن من معرفته وقد نهض فجأة يغادر من الباب الثاني للقهوة.
ود امين ان يركض خلفه، ليعلم بهويته ولكن الفتي كان سريعا بخطواته والاخر ايضا قد انتبه لحضوره، ليستقبله بابتسامة يجيدها بشكل مستفز:
– امين باشا حاضر المكان ، دا ايه النور ده.
صافحه الاخير على مضض ليجلس على الكرسي المقابل له يبادره الحديث:
– اعمل ايه يا خويا وانت بتخفتي زي الزيبق ومحد بيعرفلك طريق جرة، بتهبب ايه من ورايا يا عصام؟
سمع منه ليرسم دور البرائة:
– انا يا باشا؟ يعني هكون بهبب ايه بس؟ دا انا حسيت نفسي مخـ.ـنـ.ـوق وقولت اجي اهدي اعصابي وسط الشعرا والفنانين ، زي ما انت شايف اهو، حاجة في منتهي الرقي والحلاوة.
– اممم
اصدر امين صوت استهزاء، ليعلق بسـ ـخـــريــة:
– اه صحيح عندك حق، جاي تروق نفسك بعد اللي حصل للمسكينة مراتك، واللي لسة تعبانة من اللي حصلها .
امتقعت ملامح وجهه بغـــضــــب جامح، وقد استطاع الاخر بقوله ان يخرجه عن دور البرود الذي يرسمه، فخرج صوته بعتب:
– وايه لزوم الكلام دا بس يا باشا؟ ما انت عارف ان فيا اللي مكفيني.
هدر بع امين يكز على اسنانه بالهمس:
– عشان عارفك كويس وعارف دmاغك، والسكون المبالغ فيه دا منك اكيد وراه مصيبة،
– مصـ يـ بـةايه بس يا باشا؟ ما احنا ماشين في الإجراءات القانونية وبندور ع الزفت ده وعلى يدك، يبقى ساكت ازاي انا بقى.
قابل امين انفعاله بتأكيد :
– ما دا اللي انت عايز تقنعني بيه يا حبيبي، اوعى تكون فاكرني بلعت حكاية عربية الشرطة اللي ظهرت فجأة تنقذ امنية من ايد الحـ.ـيو.ان ده، انت تحت ايدي بقالك سنين يابني، يعني حافظك اكتر من نفسك ..
بملامح مكشوفة رغم انكاره، ردد نافيًا:
– والله براحتك يا باشا لو مش عايز تصدقني، انا راجـ.ـل قانون وماشي في حق مراتي بالقانون، مبمعملش اكتر من كدة.
– يا راجـ.ـل .
تمتم بها امين بملامح متشككة:
– اطلبلي حاجة اشربها ياللا، بدل ما اطلع غل الصداع اللي في دmاغي عليك دلوقتي، ما هو مش هيبقى قرف في البيت، وقرف في الشغل وبرا الشغل،
ضحك عصام يشير للنادل:
– عنيا يا باشا اطلبلك اللي انت عايزه، تعالي يا بـ.ـنتي هات قهوة مظبوط للباشا .
❈-❈-❈
والى امنية التي كانت تتحدث مع شقيقتها شهد عبر الهاتف، بأسى وحـ.ـز.ن:
– معاملته مش مريحاني يا شهد، حاساه بيشك فيا بس مش لاقي اثبات، دا مش عصام اللي انا عارفاه.
تنهدت شقيفتها عبر الهاتف بحـ.ـز.ن معقبة:
– لو بيشك فيكي مكانش قعدك في بيته ثانية ولا بقى عليكي، جوزك اكيد متأثر باللي حصل ، ومحدش يلوم عليه صراحة، ابن الكـ.ـلـ.ـب ابن خالتك هبب الدنيا الله يخرب بيته، انا مش فاهمة دا امتى هيتهد؟
– ابراهيم الغل هو اللي بيحركه يا شهد، دا بني ادm بيزعل لو شاف حد سعيد، اسأليني انا من ايام ما كنت معمية على عيني وبحبه، وانا عارفة فيه الصفة دي ، ودلوقتي هو بينتقم مني عشان خرجت عن مساره، وربنا كرمني باللي اعلى منه، حسبي الله ونعم الوكيل.
– عارفاه يا امنية من غير ما تشرحي، ان شاء الله يمـ.ـو.ت بالسم اللي جواه ، قومي انتي صلي وخلي تكالك على الخالق، دا مفيش احن منه .
– ونعم بالله، بس انا تعبانة اوي يا شهد، عضمي كله واجعني وحاسة نفسي عايزة انام وبس.
– الكلام من ساعة الحادثة
– لا بصراحة من قبل، عشان مكدبش
استرعي انتباه شهد كلمـ.ـا.تها، لتصمت للحظات بتفكير، قبل ان تعقب قائلة:
– طب بقولك ايه، انا عايزاكي توصفيلي الاعراض اللي عندك بالظبط.
❈-❈-❈
في احدى النوادي الاجتماعية وقد التقى به، ليرفها عن انفسهما من ضغط العمل المستمر، ليتبادلا اللعب على طاولة البلياردو، فكان الحديث الدائر بينهما :
– مصطفي شكله هيعمل حفلة كبيرة بمناسبة رجوعه من لندن وفرحته بالمولود العزيز، يا سلام بقى ع الطفل المحظوظ، هيورث الشهرة من والدته وامبراطورية مصطفى عزام .
تبسم رياض وهو يصوب بالعصى الخاصة باللعب على الكرة حتى اسقطها في حفرة الطاولة المخصصة لذلك ، فاعتدل بجذعه يعقب على كلمـ.ـا.ت الاخر:
– مش شرط يا كارم ، ممكن تبقى الدنيا كلها تحت رجليك وبرضو مش سعيد ولا حاسس انك محظوظ، واسألني انا.
توقف الاَخير متكئا على عصاه، المستندة على الطاولة، وقد استرعت انتباهه الكلمـ.ـا.ت لتجعله يتأمله بتفكير قائلًا:
– انت بتتكلم عن نفسك صح، مع اني اعرف ان والدك كان منفتح جدا ع العالم ووالدتك كمان، ايه اللي كان بيمنعك يا حبيبي عن الانبساط وانت في بلاد الحرية، سهر وشرب وستات وسهولة في التعليم كمان، فين المشكلة فين بقى؟
وعلى عكس ما توقع من غـــضــــب يجده منه في كل مرة بتطرق لهذه المواضيع الشائكة، ازداد اتساع ابتسامة الأخر، ليردد مًقرا؟
– وانت مدام حصرت السعادة في الشرب والحرية والستات، تبقى المشكلة فيا انا يا عم كارم، مش كدة برضو .
– اكيد طبعا .
قهقه ضاحكا ليشجعه على المزيد من التدخل، في لحظة الصفا التي لا تأتي كثيرا:
– خلاص يبقى نسيبنا من كل ده ونركز بس مع الحب، انا نفسي جربت كل حاجة، بس اللي وصلت ليه في الاخر، هو ان قعدة واحدة مع مراتي حبيبتي بالدنيا كلها، انت بقى محسيتش بالحاجات دي.
لم يجيبه، ليلهي نفسه بإسقاط الكرات، رافضًا التعبير عن مكنونات صدره، حتى فهم عليه كارم ليشاكسه:
– مدام سكت يبقى جربت ودوبت كمان، بس اشطة يا باشا، انا مش هزود عليك ، لكن ساعة ما تحتاجلي ولا تحب تسمع نصيحة انا موجود يا عم ازودك بخبرتي
هذه المرة جلجلت ضحكته ليردد ساخرًا:
– يعني يوم ما احتاج النصيحة اجيلك انت يا كارم!
– والله لمصلحتك، دا انا استاذ ورئيس كمان، تحب احكيلك عن انجازاتي .
❈-❈-❈
دلفت درية داخل الوكالة بأنفاس لاهثة لتجلس على على احد المقاعد، حتى اذا انتهى ابنها من صرف اثنين من الزبائن، اقترب ليجلس قبالها متحدثًا بحنق:
– خلصتي مشوارك ياما، مع ان مكنش ليه لزوم والله واحنا في الظروف دي
ردت والدته باستهجان:
– وانت كنت شوفتنا رقصنا يعني،، دي زيارة عادية لابن عمتك وبالمرة شوفنا اخوك وعياله….. مقولتليش بقى، ابوك ولا اخوك حد اتصل فيهم .
– اه ياما اتصل ابويا، بيقول ان الواد حالته ميطمنش، والاكيد انهم هيباتو النهاردة يشوفوا ايه اخرتها مع الدكاترة،
قالها سامر بانفعال جعل القلق يسري بقلب درية لتعبر عن مخاوفها:
– ليه يا دي الحوسة؟ هو ايه عنده بالظبط؟
اجابها بضيق يضع مجموعة من النقود داخل الخزانة:
– انا عارف بقى، جوزك بيتكلم من طرف مناخيره وابنك مانع الكلام خالص، وانا هنا موحول لا عارف اروح وراهم ، ولا اسد هنا مكانهم…….خلي البت سامية تجهزلي لقمة انا عايز اقفل بقى لحد كدة، تعبت
ردت وهي تنهض بتأثر بعد معرفتها بما يحدث لحفيدها والذي تعشمت بمولده ان يزيد بربط ابنها من زوجته، فتعود الى منزلها مرة اخرى بسببه:
– خلص وتعالى هجهزلك انا، هي استأذنت مني، وراحت لواحدة صاحبتها.
صرخ بها يدفع من يده القلم الذي كان يقيد به في الدفتر الكبير:
– دلوقتي ياما، والساعة داخلة على عشرة، طب هترجع امتى؟ البت دي معدتش صغيرة ، اقرصي عليها شوية بقى، كتر الدلع هيبوظها واحنا مش ناقصين
مطت شفتيها بامتعاض مرددة:
– اهي عندك اهي، لما تيجي اقرص عليها انت براحتك، انا اصلا بصدع منها لما تيجي تتحايل عليها، وما بصدق اخلص من زنها
غمغم سامر، ناظرا في اثرها :
– ويعني عشان تخلصي من زنها تقومي توافقيها على كل اللي هي عايزاه، الله يسامحك ياما.
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت في هذه اللحظة جالسة امام المدعو بالشيخ، يتأمل القطعة التي قصتها من المنامة يتحسسها بيده وكأنه يستلهم منها شيئًا ما ، وابصاره يخـ.ـطـ.ـفها نحوها كل دقيقة، بنظرات غير مفهومة يخبرها:
– شكلك بتعزي البنية دي اوي، خدت منك حاجة كنتي هتمـ.ـو.تي عليها.
ردت تصدقه:
– ايوة والله يا سيدنا، هي خطافة رجـ.ـا.لة اصلا، تستاهل كل اللي يحصل فيها .
افتر فاهه بضحكة قميئة، وتلك النظرات الغير مفهومة يقول:
– انا عارف يا سامية من غير ما تقولي، وهعملك اللي انتي عايزاه، بس انتي كمان مش تتعبينا في اللي نطلبك منك.
– عيوني
هتفت بها تشير بالسبابة على الاثنتان، فاتسعت ابتسامته قائلا:
– تسلم عيونك، روحي وتعالي بكرة ، اكون جهزت الحاجة اللي انتي عايزاها.
انتفضت بلهفة وفرحة متمتمة:.
– ربنا يخليك يا سيدنا.
لترحل بعد ذلك تاركة ذلك الرجل ينظر في اثرها، ويتلاعب بانامله على الذقن الطويلة بتفكير .
❈-❈-❈
متسطحة على الفراش، متكورة على ذاتها، تذرف الدmعات بعدm توقف، تشعر بالخزي لصورتها التي اهتزت امام ابن عمتها الذي طالما كان يحترمها، وعدد الكذبات التي اصبحت تتقنها امام اخوتها، وهي ابدا لم تعتاد على ذلك ،
حتى حـ.ـز.نها الاَن لا تملك التعبير عنه امام احد، لمن تشكو وهي المذنبة في حق نفسها وحق الجميع.
وكأنه اتي على التفكير به، اضاءت شاشة الهاتف امامها برقمه لتغمص عينيها بتعب:
– مش وقتك خالص يا رياض .
حينما لم يتوقف عن الدوي اضطرت للإجابة على مضض:
– الوو…..
– الوو يا بهجة قلبي ، اخبـ.ـارك ايه دلوقتي؟
ردت بحـ.ـز.ن ظهر في نبرة صوتها:
– كويسة والحمد لله
– كويسة ازاي يعني؟ الصوت دا بيقول ان في حاجة، وحاجة كبيرة كمان.
لم تقوى على الصمود اكثر من ذلك، لتشهق غير قادرة على وقف دmـ.ـو.عها، مما زاد من قلقه عليها، فصار يردد متسائلًا:
– يا بـ.ـنتي ليه بتعطي؟ اتكلمي بقى يا بهجة متعصبنيش.
ردت بعد مدة من الوقت بصوت بالكاد يسمع:
– حاسة نفسي مخـ.ـنـ.ـوقة، صوتي منحاش وصدري طابق عليا، مخـ.ـنـ.ـوقة يا رياض والله مخـ.ـنـ.ـوقة
زفر بصوت عالي ، حتى شعرت بأنفاسه تخترق اسماعها ليهتف امرا.
– طب البسي اي حاجة وانزلي حالا قبليني
رددت بعدm اسنيعاب:
– اانزل اقابلك فين بالظبط؟
– انزلي قبليني تحت بيتكم في الشارع الخلفي يا بهجة .
قالها بجدية لم تتقبلها لتعترض رافضة:
– لا طبعا مينفعش الساعة دلوقتي داخلة على عشرة، انت بتتكلم ازاي ؟
– وانا قولت انزلي يا بهجة، انا خلاص داخل على شارعكم بعربيتي.
– يا نهار اسود ، يعني مصمم وبتتكلم جد كمان، لا رياض مش نازلة.
صمت قليلًا فأعتقدت انه قد اقتنع حتى سمعت صوت قوي لصرير سيارة ، فقال هو:
– انا تحت بيتكم دلوقتي، يا تنزلي انتي من سكات، يا هتلاقيتي طالع عندكم، والحجة موجودة، نجوان هانم طلباكي عندها ضروري.
– يخرب بيت جنانك
تمتمت بها ، لتهرول نحو اقرب نافذة تؤدي للخلف فوجدته بالفعل في انتظارها، وعينيه مصوبة نحوها .
واقفًا بهيبته، يضع كفه في جيب بنطاله، اسفل السترة والاخرى يمسك بها الهاتف، بهيئة تصلح صورة لإحدى مجلات موضة، شعرت بقلبها يكاد ان يغادر قفصها الصدري، وقوة خفقانه على غير المعتاد تسمع للغرفة المجاورة، لتزبهل تطالعه بصمت حتى صرخ بأذنها:
– مستنية ايه تاني يا بهجة بقى، ولا انفذ تهديدي
❈-❈-❈
تطلعت حولها مزبهلة لعدد كبير من اليخوت، تزين ذلك المرسى الذي اتت اليه مرافقة له، بعدmا اجبرها بجنونه لتنزل من منزلها في هذا الوقت ثم يطير بها بسيارته، حتى توقف هنا.
– انت جايبنا هنا ليه؟
تبسم باتساع ، ليترجل من السيارة ثم يلتف اليها ويفتح الباب المجاور لها يأمرها:
– انزلي من العربية.
اعترضت برفض:
– لنزل فين يا رياض؟ الساعة عشرة دلوقت…..
– بهجة انزلي..
هتف بها بمقاطعة حادة جعلتها تطيعه، ليصعد بها بعد ذلك الى داخل احدهم، وهي مازالت بحالة من التشتت، تراقبه يذهب إلى قمرة القيادة ، ليشعل المحرك ثم يعود اليها بابتسامته الساحرة فتتمتم بقلق وتـ.ـو.تر:
– يا لهوي عليا، دا بيمشي في النيل، انت رايح بيا على فين .
جذبها اليه، يضمها بقوة لا تخلو من حنو، يهمس بأذنها بصوت دافيء:
– ممكن تنسى كل هموك معايا الساعة دي، انا مش هتأخر بيكي، ليكي عليا ارجعك قبل اتناشر المهم انك تسيبلي نفسك، ونعيش مع بعض اللحظات الجميلة دي
ابعدها عن حـ.ـضـ.ـنه قليلًا يطالع الوجه البهي ، وقد انعكست الانوار عليه حتى يزيدها فتنة، ليمسد عليه بانامله بحنان مردفا:
– انتي جميلة اوي يا بهجة، وانا تقريبا ما شوفتش واحدة بجمالك، انك تحتفظي بجمال روحك مع جمال الشكل اللي وهبهولك ربنا ، دي حاجة متحصلش غير قليل اوي، وانا حاسس اني محظوظ ان لقيتك، بتكلم بجد ، الكلام دا طالع من القلب.
للمرة الالف يسـ.ـر.قها من حالها بسحر كلمـ.ـا.ته، وحتى تلك الكراهية التي تشحذ بها ذاتها في كل مرة كي تقاومه، ينثرها بلمسة حانية منه، فتطير كرماد يختفي مع الهواء.
لماذا يفعل كل ذلك؟ لماذا لا يجغل الامر يسير كما رتبت في ذهنها حتى لا تخرج بخسائر
– مالك سرحانه في ايه؟
سألها لينتشلها من حالة الشرود، فاضطرت للإجابة تتحمحم حتى يخرج صوتها:
– مش عارفة يمكن متلخبطة، او يمكن الجو نفسه مأثر معايا، هو اليخت دا تبعك.؟
علم ان بسؤالها الاخير، هناك نية واضحة للتهرب من الاجابة عن ما يريد معرفته منها، لذلك فضل ان يجاريها ولا يضغط عليها،
ابعدها قليلًا ليتناول كفها، ثم يسحبها، ويصعد بها حتى وقف بها على سطحه موجها ابصارها نحو النيل وذلك الجو الساحر الذي يبعث على الطمأنينة حتى انساها بالفعل حـ.ـز.نها،
يضمها بذراعيه، يهمس بصوته الهاديء:
– اليخت دا انا وارثه عن المرحوم والدي، يعني تحت امري في اي وقت، المرة دي متتحسبش يا بهجة، المرة الجاية لازم تبقى رحلة لعدد أيام كاملين اخـ.ـطـ.ـفك من العالم، وتبقي ليا لوحدي
وفي اي وقت تحسي انك مخـ.ـنـ.ـوقة ولا مضايقة، تعاليلي وانا عمري ما هرفض اسمعلك يا بهجة.
التفت برأسه اليه بأعين ترقرقت بها الدmـ.ـو.ع، ماذا تصف وماذا تقول، يرحب بها لتلجأ اليه، وهي في الاصل السبب الاساسي لتعبها.
وبدون ان تتفوه ببـ.ـنت شفاه وجدت نفسها ترتمي بحـ.ـضـ.ـنه الامن ، تود ان تصرخ بها، تلك الكلمة العالقة بجوفها تنتظر منها فقط الاشارة ، لتتنطق بها امام الملأ، ولكن العقل اليقظ دائمًا يلجم اللسان على التفوه بها
…بحبك
كم يتعبنا الصراع ما بين القلب والعقل
الاول يندفع مباشرة نحو العاطفة حتى لو أدى بنا إلى الهلاك
والثاني يُحجم، ويمنع، حتى لا نقترب ونتأذى، ربما هو بذلك قد يحمينا، ولكن شيئا ما من المغامرة واتباع المتهور، قد يأتي بالسعادة التي نرجوها……. حتى لو كانت منقوصة
#بـ.ـنت_الجنوب
بوجه مشرق، وابتسامة تزين محياها الجميل، دلفت لداخل المبنى الذي تعمل به، وكأنها ترى العالم بصورة اخرى، غير تلك تعرفها،
فبعد ليلة الأمس، وما فعله من أجلها، حتى يراضيها ويخفف عليها من الحـ.ـز.ن الذي كاد يوقف قلبها كمدا، ليأتي هو ويسمعها ويغدق عليها من حنانه، حتى كانت على وشك ان تنطقها بوجهه مباشرةً وتخبره بها، تلك الكلمة التي كانت تصرخ داخلها، ولكن الخــــوف من القادm هو من اللجم اللسان حتى يظل محله ولا ينجرف الى التهور.
ولكنها حسمت الأمر بداخلها، ان تعيش اللحظة كما يخبرها دائمًا، تريح هذا العقل عن التفكير قليلًا، على الاقل تحتفظ بذكريات تعيش عليها بعد ذلك.
ولجت لداخل المصعد في طريق ذهابها الى مكتبها في الطابق الاعلى، لكن وقبل ان يتحرك للصعود تفاجأت بتلك المتعجرفة تنضم اليها، تلهث بعض الشيء وقد بدا انها جاءت مهرولة ربما لتأخرها، فما تعلمه هو انها تأتي باكرا عن الجميع.
صمتت بهجة تدعي عدm الاهتمام تجنبًا لها، ولكن الأخرى لم تفعل ، فقد تركزت ابصارها بها فور ان التقطت انفاسها، لتطالعها من الأسفل الى الأعلى والعكس بتقيم اثار استياء بهجة واستغرابها ايضًا، وقد رأيت بوميض عينيها نظرة غامضة لم تفهمها ، حتى عبرت هي بلسانها :
– هو انا ليه حاسة انك متغيرة؟
ردت بهجة باستهجان لهذه النظرات المتفحصة لها:
– متغيرة ازاي يعني؟ مناخيري متحركة من مكانها الطبيعي مثلا.
سمعت منها لورا لتسخر بضحكة خافتة:
– دmخك خفيف، لأ وصدقتي نفسك كمان .
كتمت بهجة زفرتها تقلب عينيها بملل:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، امال عايزاني ارد عليكي بإيه بس؟
– لا ترودي ولا تزفتي، انا اصلا غلطانة اني بصيتلك من أساسه.
تمتمت بها بقرف لتشيح بوجهها نحو باب المصعد في انتظار وصوله، وتغمغم بهجة من خلفها:
– لا اله الا الله، طب حد كان كلمها دي يا ربي؟
بعد لحظات توقف المصعد ، لتهرول بهجة كي تغادر وتتنفس هواء نظيفا، غير ذلك المشبع برائحة العطر الثقيل لهذه المتعجرفة.
ولكن وما ان تطلعت امامها حتى وجدت المصعد المقابل لها من الناحية الأخرى يفتح على مصراعيه، ويخرج هو منه، فتتقابل ابصارهما في ذلك التواصل الجميل، فينسى نفسه ويبتسم لها باتساع فرحًا لرؤيتها، وهي تبادله بخجل ذاهبة في طريقها المعاكس له،
غافلين عن تلك التي كانت خلفهما، وقد جمدتها المفاجأة، رياض الحكيم، ذلك المغــــرور المتكلف، والذي
يعمل الف حساب لهيبته مع الأشخاص العاديين، فما باله بالموظفين لديه، ينزل من علوه فيتواضع مع هذه الفتاة! بل وتظل ابصاره معلقه بها حتى اختفت من امامه نحو وجهتها، تقسم داخلها ان قدmيه كانت على وشك ان تغير مسارها لتلحق بها، هذا ما شعرت به
هزهزت رأسها لتستفيق، تغمغم بتساؤول والحديث مع نفسها:
– دا حتى مخدتش باله مني وانا وراها؟ لدرجادي يا رياض؟!……
❈-❈-❈
بوجه متجهم وملامح، مكفهرة واصل طريقه بذلك المشفى الحكومي، يبحث بعيناه عن ذلك الاحمق ابنه الأكبر، مصدر همه وتعبه، والذي استيقظ قبله ليسبقه الى هنا
وصل الى الردهة المجاوره لغرف الحضانات ، وجده جالسًا واحد من مقاعد الانتظار، متربع الذراعين بشرود .
تقدm ليجلس بجواره يغمغم بحنق:
– يعني مهنش عليك تستناني على ما اصحى واجي معاك، طب اديك وصلت بدري عملت ايه بقى؟ اكيد مدخلوكاش اساسًا؟
زفر سمير يخرج كلمـ.ـا.ته بنبرة متعبه :
– على الاقل حصلت الدكتور وسألته عن حالة الولد، لكن انت زعلان ليه بقى؟ مكنتش حافظ عنوان المستشفى ولا غريب عن البلد؟
لكزه خميس بقبضة يده بغـ.ـيظ قائلا:
– لا دي ولا دي يا خويا، انا كان نفسي بس تعمل بأصلك وتحضرلي اي لقمة افطر بيها، بدل ما اصحى ع العيش الفينو اللي نشف في الهوا ومعدتش ينفع يتاكل…. انزل على لحم بطني واقعد ادور ساعة على عربية فول افطر عليها، و.جـ.ـع قلب .
بسأم شـ.ـديد تطلع اليه سمير يعبر عن اعتذاره:
– معلش يا بويا امسحها فيا المرة دي، نزلت وانا مش مركز.
عبس بوجهه غافلا عن ذلك الحـ.ـز.ن الذي غلف ملامح ابنه العابث، يردف بسخط:
– امسح ايه ولا ايه؟ عن الوكاله اللي سايبها من امبـ.ـارح في ايد اخوك الحمار، ولا على المرمطة اللي واقع فيها من امبـ.ـارح مع سعادتك، حد يصدق اني انا ابات ليلتي في لوكاندة درجة تالتة هنا، عشان ملقتش حتة تاويني، بعد ما كان نسايبي بيشلوني من ع الارض شيل، اوضة اخر راحة واكل معتبر ميبطلش طول ما انا قاعد عندهم، وكل ده ليه؟ مش بسبب استهتارك، ورمـ.ـيـ.ـتك لبتهم في عز ازمتها، خليت الناس كرهونا وانا وشي بقى قد السمسة قدامهم…..
– ما خلاص يا بابا الله يرضى عنك .
صرخ بها في وجهه بعدm احتمال، حتى يكف على تأنيبه، وهو الذي لا يعلم بما اصابه منذ الأمس، بعد رؤية ابنه على هذه الحالة الضعيفة، وكأن الله يجازيه على الاهمال نحوه.
ارتفعت عيناه فجأة نحو تلك الاصوات التي صدحت بالقرب منهما بمدخل احدى الغرف، ليجدها امامها تخرج بحالة من الانهيار والبكاء، مسنندة على ذراعي امرأتين ، يقمن بسحبها الى الخارج وشقيقها قد اتى فجأة من العدm، ليتلقفها منهما، ويصبح هو سندها.
– براحة على نفسك يا ختى مش كدة.
انتفض سمير بنغزة على خصره من ابيه الذي غلبه الفضول:
– دي مراتك اللي خارجة من الحضانات، ايه اللي قومها من سريرها وهي تعبانة وبالحالة دي؟
اغمض عينيه يجيبه على مضض:
– وصلت عشان ترضع الواد يا بابا، استغفر الله العظيم يارب.
غمغم بالاخيرة لينهض يتبعها وخلفه لحق به والده:
– اسراء
التفت اليه بوجه مغرق بالدmـ.ـو.ع تخاطبه:
– عايز ايه؟ وايه اللي جابك اساسًا؟ انا قولت من الاول محدش يتصل بيك، عملوها ليه؟
توجهت في الاخيرة بنظرة عاتبة نحو اخيها، الذي تنهد بتعب لحالتها، فقال سمير :
– مـ.ـيـ.ـتصلوش ازاي يعني؟ لهو انا مش ابوه؟ انتي بتقولي ايه؟
ضحكت بسـ ـخـــريــة تردد خلفه:
– ابوه! كتر خيرك والله انك قولتها، على العموم ريح نفسك، الواد حالته متسروش وممكن يروح فيها، اهو تبقى اتخلصت من الخيط اللي رابطك بيا وتخلص مني بالمرة، اكيد دي دعوتك من جواك دلوقتي، انا قلبي حاسس
صارت تردد بها لتزداد انهيارا ثم فقدت الوعي، فتقدm هو من اجل ان يراها، ولكن شقيقها نهره بغـــضــــب:
– اقف عندك، وفر على نفسك، انا دراعي شـ.ـديد واختي اشيلها في عيني لحد اخر يوم في عمري.
قالها ليرفعها عن الأرض بين ذراعيه، ثم بركض بها، امام ابصار زوجها، الذي غمغم بسبه، ثم هرول بخطواته خلفهما.
اما والده فقد تيبست اقدامه امام تلك الجميلة التي كانت تحمل اشياء زوجة ابنه حقيية اليد وحقيبة المولود، تمصمص بشفتيها مرددة كلمـ.ـا.ت الأسى:
– يا عيني عليكي يا بـ.ـنت عمتي، غلبانة وحظك قليل من يومك.
همت لتتبعهم، ولكنه تصدر امامها يوقفها معرفًا عن نفسه:
– انا حما اسراء، جيت على ملا وشي لما عرفت باللي حصل، الا انتي تبقيلها مين، اصل دي اول مرة اشوفك.
ردت بأسى:
– انا بـ.ـنت خالها صفاء اللي كنت ساكنة في الصعيد مع جوزي ، بس هو ربنا يرحمه بقى دلوقتي، عشان كدة رجعت تاني لأهلى
برقت عيني خميس بحماس شـ.ـديد مرددًا:
– جوزك مرحوم، ودا جاله قلب ازاي يمـ.ـو.ت ويسيب شابة حلوة زيك.
تبسمت تغطي على فمها بخجل:
– يووه يابا الحج، ما قولتلك الحظ بقى، حكم بنات عيلتنا كلهم حلوين بس حظوظهم منيـ.ـلـ.ـة
تغضنت ملامحه بضيق ينهيها:
– ما بلاها منها ابا الحج دي، انا صغير وفي عز شبابي ميغركيش الواد سمير جوز اسراء دا البكري اللي خلفته وانا عشرين سنة، يعني تلاقيني مكملتش الخمسين بس انا مش بحسب.
عادت المرأة لهذه الضحكة الخجلة مرة اخرى، لتجاربه بمكر:
– معلش متأخذنيش ، دا حتى واضح من هيئتك انك صغير.
اطربه كلمـ.ـا.تها، ليملس على شعر رأسه المزروع حديثًا، والمصطبغ بالاسود، يردف بثقة:
– لا يا ستي ولا يهمك، انا اصلا بتظلم كدة دايما من الناس، بسبب الحلوف ابني، اكمنه شكله اكبر من سنه
اومأت رأسها وقد شعرت انها اطالت معه ، لترد بعجالة:
– اهو كل واحد بياخد نصيبه، عن اذنك بقى اللحق اسراء
كادت ان تتحرك ولكنه عاد يوقفها بقوله:
– طب استني اخد رقمك الاول عشان اطمن عليها، حكم هي واخداني بذنب ابني ومش بترضي ترد عليا، لكن ربنا العالم، انا بعمل ايه مع الجبلة ده عشان اجمعهم على بعض، دا غير اني مستعد ادفع للعيل عشان يتعالج من الف لمية الف واكتر كمان….
بس كنت عايز اللي يتوسط ما بينا ، ايه رأيك يا؟… معلش لو فيها تعب، ممكن تقولي اسمك تاني.
قال الاخيرة بنبرة يتخللها المرح بعض الشيء، وجاء ردها سريعًا وهي تخرج هاتفها بلهفة وقد جذبتها عبـ.ـارة النقود الكثيرة التي تفوه بها بفخر:
– ما قولتلك من الاول، اسمي صفاء ، همليك رقمي ترن عليه، اصل انا معنديش رصيد، بس اسجلك بإيه؟ انا كمان معرفش اسمك.
تبسم بملء فمه حتى ظهر صف اسنانه الامامية كلها ليجيبها بابتهاج:
– اسمي خميس، خميس الرواي يا صفاء اشهر تاجر في المنطقة عندنا.
❈-❈-❈
اختلقت حجة من الهواء كي تأتي إلى داخل غرفة الأرشيف وترى الوضع على الطبيعة مع هذه الفتاة المتلونة، يساورها شعور غريب من ناحيتها لا تعلم له صفة، ولكنه مقلق وخانق، وهي لن تستريح ابدا ما دامت تلك الفتاة موجودة بقربه، وتنعم بما لم تجده هي منه:
– صباح الخير يا عبد الفضيل .
القت بالتحية فور ان حطت قدmها داخل الغرفة لتجد الترحيب من الثلاثة في غياب بهجة والتي لم تجدها كما توقعت في هذا الوقت لاستراحة الموظفين، والذي استغلته الأخرى في الالتقاء بأصدقاءها القدامى من العاملين .
– اهلا اهلا يا لورا هانم، اتفضلي واؤمري باللي انتي عايزاه .
تنهدت تخطو لتجلس على الكرسي المقابل له، ترد التحية للسيدتين الاتي فغرت افواههم بالتطلع اليها بانبهار، لتردف للرجل المسالم:
– متشكرة اوي يا عبد الفضيل، عاملين ايه يا ستات وانتوا واخدين الجمب المريح هنا بعيد عن الدوشة وو.جـ.ـع الدmاغ.
– تمام اوي يا لورا هانم ، ربنا يحفظك من كل سوء،
احنا فعلا عندنا الهدوء يعني لو عايز تروقي اعصابك في اي وقت تعالي واتفضلي عندنا.
قالتها احداهم، لتبادلها بابتسامة مصطنعة قبل ان تذهب بعيناها نحو المكتب الفارغ ، تسأل بفضول:
– ما هو الهدوء دا في ناس مش مستحملاه، بدليل انهم ما بيصدقوا وقت البريك يجي عشان يجروا ويروحوا للدوشة.
مصمصمت المرأة تعلق بغـ.ـيظ، وكأنها وجدت الفرصة:
– وهي بتقعد اساسا، دي كل شوية اجازة، غير خروجها بدري عن المواعيد الرسمية، حظوظ بقى.
اعتدلت لورا بحلستها بشر معلقه:
– ليه يعني؟ وانتوا ازاي ساكتين اساسا على الفوضى دي؟ هي كانت شركة اهلها.
لحق عبد الفضيل على الفور يوضح:
– يا هانم مش لدرجادي، في كل مرة البـ.ـنت بتبقى معاها حجتها، يعني منزودهاش بقى؟
توجه بالاخيرة بحزم نحو الموظفة زميلته، كي يلجمها عن زيادة اللغو مع هذه المتحاملة من الاساس ، ليعود اليها مردفا:
– مقولتبش بقى يا لورا هانم، كنتي جاية هنا ليه؟
تحمحت تستعيد برأسها الحجة التي أتت بها، لتجيبه بعقل يزداد سخونة بالأفكار التي تتناطح داخله:
– هقولك يا عبد الفضيل هقولك.
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت جالسة مع رئيستها الان اسفل الشجرة العتيقة، بعيدًا عن جمع الموظفين، والتي اصبحت مكانهم الاساسي، نظرا للهدوء الكبير بها، لتأخذ راحتها في الحديث معها:
– لف بيا النيل يجي اكتر من ساعة ونص، واليخت مقولكيش بقى، حاجة كدة ملوكي، بيقولك وارثه عن ابوه ، وخصني انا عشان يفسحني فيه، بعد ما لاقاني زعلانة وحزينة وانا بكلمه في التليفون، رطب على قلبي يا ريسة بحنيته، كان نفسه يقضي اكتر وقت معايا بس انا رفضت وخــــوفت، سمع كلامي ومردضاش يضغط عليا، ورجعني فعلا قبل اتناشر،
كانت تتحدث بحالمية لم تخفى على رئيستها التي تسمع لها بانتباه شـ.ـديد، لقد حدث ما كانت تخشاه، والفتاة اصبحت متيمة به، رغم كل ما تدعيه من حذر ، ولكنها وقعت في المحظور.
– مالك ساكتة ليه يا ريسة؟ ما تردي عليا وكلميني .
تنهدت بعمق تعقب على قولها:
– يعني هقول ايه بس يا بـ.ـنتي؟ ربنا يهنيكي، وانا اتمنالك ايه غير ان قلبك يرتاح .
تلقت عبـ.ـارتها الاخيرة لتردف بتمني:
– اه يا ريسة، قوليها دي من قلبك ، نفسي اوي تحصل، نفسي قلبي يرتاح .
رفعت صباح كفيها للسماء:
– ربنا يريح قلبك يا بـ.ـنتي، ويسعدك ويعطيكي كل اللي بتتمنيه وتحلمي يا بهجة، دي دعوة بدعيها في صلاتي مش بس قدامك.
– حبيبتي يا صبوحة.
قالتها بهجة لتنهض بعفوية وتقبلها من وجنتها المكتنزة
– الله يا عم ع الغراميات، وانا اقول واخدين جمب لوحدكم ليه؟
صدرت من زميلها القديم تميم، والذي جاء بالصدفة على مشهدهم هذا ، قاصدا الانضمام اليهما، قابلت صباح قوله بمرح لترد على مزحته، عكس بهجة التي شعرت بالتـ.ـو.تر في وجوده، لما تعلمه جيدا من مشاعر يحملها لها.
– عاملة ايه يا بهجة؟ خلاص معدتيش تيجي عندنا القسم،
أومأت بابتسامة مجاملة لتنهض وتجيبه:
– في نعمة والله يا تميم ربنا يخليك، انا همشي بقى معلش اشوف شغلي .
واقفها بصدmة:
– تمشي كدة فجأة يا بهجة اول ما انا حضرت، دا حتى البريك لسة فاضل عليه نص ساعة .
بررت بـ.ـارتباك:
– وانا ههرب منك ليه بس يا تميم؟ بقولك ورايا شغل، عن اذنكم.
قالتها وانصرفت على الفور، ليظل هو متعلق بابصاره في اثرها لعدة لحظات حتى نهرته صباح:
– هتفضل كدة متنح في ضهرها كتير، ما تختشي يا واد على دmك .
التفت اليها مبررا:
– والله ما قصدي اللي في دmاغك خالص يا ريسة، انا بس متفاجيء ، هي مالها كدة بتتهرب مني؟
عبست ملامحها بضيق مرددة هي الأخرى :
– ما هي قالتلك وراها شغل، ولا انت بس عايز تعملها حكاية، يا باي عليك يا تميم، اوعي كدة انا كمان ورايا شغل .
قالتها لتنهض هي ايضا وتتركه .
❈-❈-❈
بناءً على طلبه دلفت اليه بداخل الغرفة التي يجتمع بها مع الجميع من زبائنه، لتلقي التحية بلهفة قائلة:
– الست مبروكة قالت انك مصر تشوفني بنفسك يا شيخنا، لهو انت مخلصتش المطلوب.
رفع رأسه بشيء من ملل، فثرثرتها احيانا كثيرا ما تزعجه:
– اقعدي الاول يا سامية وبعدها اتكلمي، مش كله مرة واحدة وانتي واقفة
اذعنت لتجلس على الفور على المقعد. الذي وجدته مقابله، وقد كان امامه مباشرة، والمسافة ليست كبيرة، فتجعله يتحقق منها جيدا بنظراته المتمعنة، التي تثير الرجفة بداخلها بعض الاحيان، ولكنها دائما ما تجد التفسير، برهبتها منه، نظرا لما يمتلكه من قوة، في تسخير الجن والانس، على حسب ظنها.
تكلم بعد فترة من الصمت زادت من تـ.ـو.ترها:
– كنت عايز اعرف منك يا سامية بعد ما تاخدي غرضك ويتم المطلوب في البت اللي انتي قصداها هتعملي ايه؟ …. يعني هت عـ.ـر.في ترجعي اللي لطشته منك ازاي؟
– ها
تمتمت بها بدون تركيز تردف بعدها:
– ودي محتاجة سؤال، اكيد هي لما تغور هيعرف قيمتي ويجيني من غير تعب، لهو انا قليلة عشان ما يبوصليش.
لاحت بعينيه نظرة خاطفة غامضة لم تفهمها بغباءها كالعادة، قبل ان يعقب لها:
– لا انت ست الستات يا سامية، بس انا عايز اسهل عليكي، بدل ما تفكري وتتعبي ولا هو يفاجئك بفعل غير متوقع، انا من رأيي انك تيجني، وانا هعرف اعلقه برباط المحبة وساعتها تبقى نولتي اللي انتي عايزاه ، خدتي بالك بقى يا سامية .
شهقت بفرحة والحماس يطل من عينيها:
– خدت بالي اوي، ربنا يخليك يا شيخنا، جميلك ده فوف راسي من فوق، وليك عليا ازودك اضعاف اللي دفعته المرة دي، على فكرة انا جيبت اللي طلبته كله للست مبروكة، حتى اسألها .
رد يتلاعب بسبحته:
– مش محتاجة اسأل يا سامية ، وع العموم لما تيجي المرة الجاية هنبقى نتفق.
– اكيد يا مولانا .
قالتها وانتفضت واقفة لتسأذن:
– طب اقوم انا اخد الحاجة من الست مبروكة، فوتك بالعافـ.ـية يا شيخنا.
– الله يعافيكي يا سامية
تمتم بها بصوت خفيض وابصاره منصبة عليها وهي تغادر من امامه
❈-❈-❈
– جاي ليه يا سمير؟
كان هذا سؤالها الموجه له للمرة التي لا تذكر عددها، حتى بعدmا جاء خلفها الاَن ليتحدث معها على انفراد داخل غرفتها بمنزل عائلتها التي استقبلته على مضض من اجل ابـ.ـنتهم، والتي كانت في حالة يرثى لها الاَن، جعلته يتجاوز عما تتفوه به، ليرد بعنجهية رجولية ترفض الاعتراف بالذنب:
– بلاش سؤالك المستفز اللي عمالة تكرري فيه دا يا اسراء، انا ماسك نفسي بالعافـ.ـية عن غلطك وقلبة اهلك وقلة زوقهم معايا انا وابويا بسبب اوهام في دmاغك انا مش مسؤول عنها.
طالعته بأعين يفيض منها الالم مرددة خلفه بتساؤول:
– يعني بذمتك هي اوهام بجد ، طب ياريته كان كدة فعلا ، على الاقل مكنتش حصرت قلبي والزعل اثر على ابني هو كمان…… ابني…..
قطعت تعود لنوبة حارقة في البكاء مرددة:
– ربنا يسامحك يا سمير، خلتني احس بالنقص واني قلبلة، حرقت قلبي بالجري وراك وانت بتجري ورا اللي راح..
– يووووه
تمتم بها ينفض سترته بضيق ، داخله يعلم انها محقة، ولكنه مصر على عدm اظهار ذلك، ليستطرد على نفس المنوال من التكبر:
– مش هنفضل احنا في نفس السيرة اليوم كله بقى، الواد عايز علاج غالي والمستشفى الحكومي هنا مفيهاش إمكانيات، انا لازم دلوقتي اخده واروح بيه القاهرة عندنا….
– ابني مش هيتحرك خطوة من غيري، فاهم يا سمير؟
صاحت بها بهلع، ليسارع هو في طمأنتها:
– مش هاخده من غيرك يا اسراء، شـ.ـدي حيلك انتي واجمدي شوية على ما اشوف انا المستشفى المناسب ، واتفق مع عربية مجهزة بحضانتها، مفيش وقت للانتظار، الوقت مش في صالحنا اصلا.
❈-❈-❈
بداخل صالة الالعاب الرياضية التي كانت تدخلها لاول مرة بصحبته في منزلهم الخاص، وقد جعلها ترتدي ملابس الرياضة مثله، ليدربها على بعض الالعاب معه، وتنال حظها من كلمـ.ـا.ت الغزل التي لم يتوقف عنها منذ ان وقعت عينيه عليها، بهذه الملابس الضيقة والتي تحدد الجــــســ ـد بأكمله، ليأتي الاَن الدور على اللعبة المفضلة لديه، وقد وضعها مخصوص كشيء مختلف للترفيه بعيدًا عن الأجهزة الرياضية، طاولة البلياردو.
ليشرح لها الاًن بتركيز شـ.ـديد والتنفيذ العملي :
– شوفي كدة يا بهجة، تنشني بتركيز شـ.ـديد ، في لحظة تضـ.ـر.بي، وبعدها زي ما انتي شايفة كدة اهو من واحد ورا واحدة في الاخير …… تسقط الكورة .
هللت بتشجيع لمهارته؛
– يا حلاوة دي فعلا زي ما بتقول، بس انا عمري ما جربتها .
اعتدل بجذعه يحفزها بقوله:
– يا بـ.ـنتي ما انا عارف، وعشان كدة جايبك تتعلميها عشان تشاركيني اللعب، تتعلمبها وتبقي ممتازة فيها، وبرضوا اغلبك، واغلبك.
دوت ضحكتها بمرح وصخب، ضحكة صافية خاليه من تحفظها الدائم ، لتعقب على قوله:
– الله عليك يا ديكتاتور، يعني جايبني تعلمني عشان تغلبني ، انا بجد منبهرة بصراحتك.
طالعها بهيام لا يخفيه مرددًا بمكر:
– ولسة هتنبهري اكتر لما تتعلمي، وريني بقى شطارتك.
سمعت منه لتميل بجذعها للأمام تركز بعصا اللعبة، ثم تصوب على احدى الكرات التي اصطدmت بأخرى فتحركت على اثرهنا عدد اخربات، فتنال حظ المبتدئين وتُسقط الكورة في جب الطاولة، لتهلل هي وتقفز بمرح؛
– سجلت زيك اهو ومن ضـ.ـر.بة واحدة، احنا جـ.ـا.مدين يا عم مش أي كلام
كانت تهلل بحماس وهو يطالعها مبنسما بخبث لم تنتبه عليه إلا متأخرًا والى ما ينظر ، لتهتف معترضة وهي تلملم الفتحة الواسعة لكنزتها الرياضية في الاعلى كي يرفع عيناها عنها.
– انا بقول في ايه وانت في ايه……..
قطعت فجأة متذكرة ميلها في تصويب الكورة ، تتخيل الصورة الكاملة لما تكشفه الكنزة بهذا الفتح الكبير، لتصرخ
– نهار اسود ، دا انت طلعت خبيث اوي يا رياض
جلجل ضاحكًا وقد راقه غـــضــــبها المختلط بخجلها الشـ.ـديد منه، ليرد من بين ضحكاته:
– دا على اساس اني غريب عنك والحاجات دي مشوفتهاش قبل كدة .
– متحسسنيش اني مغفلة بقى الله يخليك .
قالتها بضعف اثر به، ليقترب، ويضمها اليه، ثم يلطف بنعومة يراضيها:
– سلامتك يا قلبي من التغفيل، بس انتي لازم تعذريني ، باللبس الرياضي اللي انتي لابساه ده شكلك يجنن ، احلى حتى من النجمـ.ـا.ت التي بيتباهو بجـ.ـسمهم على صفحات السوشيال ميديا .
– مش لدرجة النجمـ.ـا.ت يعني، هو احنا قدهم الناس دي.
قالتها بمكر الانثى التي تريد المزيد من الاطراء: وهو ابدا لن يبخل او يبخسها حقها:
– انتي احلى منهم كلهم ، وانا لولا اني بحبك وبغير عليكي كنت نشرت الصورة، عشان كل واحدة تعرف حجمها قصادك، يا بهجة قلبي انتي .
ازبهلت باندهاش تطالعه بانشـ.ـداه، وسؤال يدور بخلدها عن صحة ما سمعته، ان كان اعتراف حقيقي ام كلمـ.ـا.ت عادية بفمه، كوصلة الغزل التي يطرب اسماعها بها ، ولكن وقبل ان تجد الفرصة لتستفسر كان هو يشتتها بمهارته كالعادة.
ليخـ.ـطـ.ـف قبلة على وجنتها، ثم كررها على جبهتها وبعض المناطق الأخرى على بشرتها ، ليستقر على ثغرها وتطول القبلة وتتحول للمسات ، حتى اجلسها على طرف الطاولة، وكاد ان يزيد بجموحه، لولا صوت الارتطام الذي دوي فجأة، فالتف بأنفاس لاهثة ، نحو المصدر، ليجد العاملة الايطالية وقد اشاحت بوجهها للناحية الأخرى تخبره باللكنة العربية الغير متقتة:
– مسيو رياض، انا اسف .
زفر يعدل من هيئته بغـــضــــب، يبتعد عن بهجة حتى تنزل عن الطاولة هي الأخرى، وقد اصابها الخجل الشـ.ـديد، ولكنها اشفقت على المرأة بعد ذلك حينما اجفلها بصيحته الغاضبة:
– كان لازم تستأذني الاول يا جوليا، انا معنديش تهاون ولا تسامح مع اللي يتعدى على خصوصيتي
اومأت المرأة برأسها، تعيد الاعتذار:
– اسف مرة تانية مسيو رياض ، ولكن سائقك الشخصي العم علي، هو من اجبرني بالبحث عنك، من اجل امر هام يريد اخبـ.ـارك به.
قطب بقلق مرددًا خلفها:
– امر هام لايه، ربنا يستر لتكون حصل كارثة .
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة يلج الى داخل المنزل، بعد لحظات قليلة من اخبـ.ـاره عما استجد، ليتم استدعائه على وجه السرعة من اجل هذا الامر الجلل، وهو التعب الشـ.ـديد الذي حل بوالدته كما اخبرته الدادة نبوية، والتي كانت جالسة الاًن على الفراش بجوارها، لترمقه بلهفة واستجداء فور ان وقعت عينيها عليه بداخل الغرفة:
– رياض يا بني انت جيت.
تقدm ليأخذ مكانه على الجانب الآخر من الفراش ، ليمسك كف والدته ويسألها:
– هي مالها؟ وايه اللي حصلها فجأة كدة؟ انا كنت سايبها كويسة.
اومأت المرأة بحرج تجيبه::
– والله يا بني كانت حلوة وزي الفل، انا بس دخلت الحمام، خرجت بعد كدة لقيتها اختفت ، قعدت ادور عليها وفي الاخر اكتشفت انها في البدروم.
– بتعمل ايه في البدروم، وايه اللي دخلها اساسا هناك ؟
هتف بعصبية زادت من صعوبة الامر على المرأة التي اطرقت برأسها تردف بحرج:
– لقيتها ماسكة حاجة المرحوم، وعمالة عـ.ـيا.ط ولا اكنه مـ.ـا.ت جديد، وانا مش عارفة هي وصلتلها ازاي اساسا؟ دا متخبية عنها بقالها سنين.
احتدت ابصاره في النظر اليها بصمت ، وغـــضــــب دفين، يحاول كظم انفجاره بصعوبة حتى على يزيد عليها ويجـ.ـر.حها، هذا خطأ لا يغتفر، ولكن كيف هي عرفت بمقتنيات الراحل لتتذكرها الاَن؟
– مساء الخير يا جماعة.
اجفل من شروده ليلتف نحو مصدر الصوت والذي تأكد من صاحبه فور رؤيته بمدخل الغرفة ، ليصعق بمن تدلف بصحبته:
– بهجة
تمتم الاسم بعدm استيعاب وهي تدلف مهرولة بقلق نحو والدته لتطمئن عليها ، وهذا المتحذلق يتبعها قائلا :
– الف سلامة عليها نجوان هانم، ايه حصل لها؟
– تعالي شوفها يا دكتور هشام دي تعبانة اوي .
تكلفت نبوية بالرد امام صمت الاخر والذي ارتسم العبوس على ملامحه ليغمغم كازا على اسنانه، دا ايه اللي جابه ده؟ وانتي ايه اللي جابك معاه؟
انتفضت بهجة لتنهض من جواره تجيبه بصوت هامس :
– صدفة والله، قابلته وانا داخله على هنا.
وقفت تبتعد عن الفراش مع اقتراب الطبيب منه وهو ينصت لحديث نبوية التي اسهبت بلهفة تشرح الوضع، وهو يختطف النظرات نحو بهجة، امام تجهم الاخر بصورة مكشوفة، يحجم نفسه عن الفتك به:
– انتي سريعة اوي في الشرح يا دادة، بس دا اكيد من التـ.ـو.تر، ما تساعديها يا بهجة باللي ت عـ.ـر.فيه عشان افهم الوضع كامل.
توجه يالاخيرة نحوها لتهتز رأسها بعدm فهم ، فحسم رياض بجلافة:
– هتشرحلك ايه بهجة وهي مكانتش موجودة اصلا، ما تركز انت مع الدادة وانت تفهم .
قابل الطبيب انفعاله بهدوء متناهي، وهذه الابتسامة التي تثير استفزازه:
– ما انا قابلتها وانا نازل من العربية وعرفت انها واصلة حالا، بس برضو اكيد هي عندها من المعلومـ.ـا.ت اللي ممكن تفيدنا مع كلام دادة نبوية، بما انها متعلمة، ولا ايه يا سيادة المحامي المستقبلي، انا واثق انك هترجعي تكملي من تاني
– هي مين اللي هترجع……. هو انت كمان عرفت بمستوى تعليمها….
قالها بصدmة لينفض رأسه بعد ذلك كي يستفيق لمرض والده فهدر:
– خليك في حالة المريـ.ـضة دلوقتي وانتي يا بهجة استني برا الأوضة .
أذعنت لتركض للخارج على الفور، هربا من هذا الوضع المربك، فهيئته كانت غير مبشرة على الاطـ.ـلا.ق
اما الطبيب فقد كان على وشك الاعتراض ، حتى اجفل بالنظرة الحادة والوجه المغبر من هذا الذي تحولت ملامحه الى الإجرام، حتى جعله يردف باستسلام وتعلثم:
– ااا طب ماشي…. احكي واتكلمي انتي…… عن ظروف الحالة يا…. دادة نبوية
❈-❈-❈
فتحت احدى الفتيات الصغيرات من ابناء رحمة باب المنزل لترا من الطارق في هذا الوقت بعد ذهاب خالها وزوجته اليوم الى العمل بعد انتهاء شهر عسلهم، لتجد عمتها امامها بوجهها مهللة:
– ازيك يا منوش، انتي قاعدة هنا وسايبة امك لوحدها فوق يا بت .
رفعتها تقبلها من وجنتها، لترد الصغيرة:
– قاعدة مع ستو يا عمتو، هو انتي جاية عندنا؟
انزلتها على الارض تدلف لداخل المنزل دون انتظار تخبرها:
– اه يا حبيبتي هدخل اقعد مع التيتة شوية الاول، اطلعي انتي فوق لو عايزة تلعبي مع اخوتك .
هللت الصغيرة:
– وانا هروح اقول لماما كمان انك جاية عندنا
– ياللا يا ختي انطلقي
بالفعل ركضت الفتاة ليخلو المنزل عليها وعلى والدة شادي التي جاء صوتها من غرفتها باستفسار:
– مين اللي ع الباب يا منة؟
تقدmت لتدخل اليها تجيبها:
– انا سامية يا عمتي جيت اقعد معاكي شوية قبل ما اطلع عند اخويا ومـ.ـر.اته.
وبطيبتها الزائدة استقبلتها المرأة:
– اتفضلي يا حبيبتي اقعدي معايا، والله فيكي الخير يا سامية انك بتسألي.
خطت تميل عليها بمحبة، لتقبلها من وجنتيها قائلة:
– انتي حبيبتي يا عمتي وانا الود ودي اقعد تحت رجليكي ما سيبكيش ابدا.
تبسمت المرة تبادلها:
– حبيبتي يا محلى كلامك، ربنا يديكي على قد نيتك ويعطيكي لحد ما تستكفي، اقعدي يا بت اقعدي.
خلعت عنها حقيبة اليد لتجلس امامها بأريحية امامها مرددة بابتسامة منتشية:
– اقعد يا عمتي ومقعدتش ليه؟ هو انا غريبة
❈-❈-❈
خرج من غرفة والدته بعد فحص الطبيب ومعرفة كاملة عن حالتها، على ملامحه يسود الوجود والاخر مازال منـ.ـد.مجًا في القاء التعليمـ.ـا.ت ووصف المستجد تطورات للحالة.
– زي ما قولتلك يا رياض باشا، هي كدة كل يوم بتثبت انها بتعود للواقع، وانهيار النهاردة دا اكبر دليل ، اكيد هتاخد وقت عشان تتعافى، لذلك انا بطلب منكم الصبر عليها، وتطولوا بالكم، هي اكيد موصلتش لكدة من فراغ، واحنا لازم نبقى على قد المسؤولية بدل ما تحصل انتكاسة.
اومأ يظهر تفهما وعقله يشرد فيما مضى وكيفية التصرف السليم معها الاَن لاستعادتها، رغم جراح الماضي وما تحمله من و.جـ.ـع كان هو من ضمن أسبابه.
– بهجة انتي هنا؟
عبـ.ـارة صغيرة ولكنها كفيلة لانتشاله من غمرة شروده،، والعودة لحالته الاولى للغـــضــــب مع هذا البـ.ـارد، والذي تبسم محياه، لمجرد رؤيتها برفقة العم علي في ردهة المنزل، والتي ردت بعفوية وقلق على المرأة.
– انا قاعدة مستينة عشان اطمن على حالة نجوان هانم،
هم يجيبها الطبيب ليسهب كعادته، ولكن الأخر قطع عليه من البداية بحزمه:
– ادخلي عندها جوا يا بهجة ودادة نبوية هتفهمك، ياللا بهجة.
هتف بالاخيرة بصيحة ازعجتها، ولكنها اضطرت لتتغاضى حتى تجنبًا لغـــضــــبه، وهذه الحالة الغير طبيعية التي يبدو عليها، اما الطبيب والذي اصابه الاحباط، فقد رمقه بشرز وكره جعله يستأذن مغادرًا على الفور:
– انا قولت بما فيه الكفاية، عن اذنكم بقى؟
– اذنك معاك يا خويا.
غمغم بها رياض بصوت مكتوم ، ليجأر بصوته نحو سائقه:
– روح معاه وصله يا عم علي .
❈-❈-❈
والى مكان اخر، داخل المنزل الصفيحي، ينظر من شرفة نحو الكم الهائل من الخرابات، في تلك المنطقة العشوائية، يستمع الى حديث والدته له عبر الهاتف الجديد، وقد استغني عن الاخر و.جـ.ـعله مغلقًا حتى ينتهي مما هو فيه، فيستفيق للعب مرة اخرى:
– ايوة ياما، زي ما بقولك ابعتي الفلوس على حساب الكاش اللي بقولك عليه…….. ياما ما تقلقيش بقولك ، انتي بس راضي المحامي الزفت وهو هيقوم بالواجب….. نعم نعم،، وجوزك رافض ليه ان شاء الله؟ هي الفلوس دي هيحوشها لمين؟ ما كله هيرجعلي في الاخر ولا هو ناسي…… مليش فيه بقى اتصرفي، انا مطلوب في فلوس على وجه السرعة…… ماشي يا ستي نستنى على ما يرجع من سفريته، مع اني بقيت اتوغوش على فكرة من كتر سفرياته دي،……. طب متزعليش ياما، المهم زي ما قولتلك ما تنسيش الفلوس توصل في اقرب وقت .
انهى المكالمة ليلتف نحو هذا الشاب المدعو عزوز والذي كان متكئا على الجدار يرمقه بعدm رضا قائلا:
– شكلها فيها انتظار تاني، انا بقول تشتغل وتجيب الفلوس من عرقك احسن يا غم هيما، بدل الشحططة وو.جـ.ـع القلب.
سمع منه لينهره بسخط :
– هو مين ياض اللي يشتغل ولا يهبب؟ ما تصحى لنفسك يا عزوز الكـ.ـلـ.ـب، مكانش يومين دول اللي قعدتهم عندك .
زفر الشاب يطوح كفبه بعدm اكتراث:
– ماشي يا عمنا انت حر، اخرك بس لبكرة عشان ابقى عملت اللي عليا، لو الفلوس وحق قعدتك هنا مجاتش، يبقى بقى ما تزعلش لما رجـ.ـا.لة المعلم يرموك هيلة بيلة او يستفردوا بيك ، المنطقة هنا محمية طبيعية ملك المعلم الكبير ، يعني كل حاجة بامره، وانا مجرد خادm انفذ وبس، سلام يا بوس
خرج يتمايل في خطواته بكيد فيه، ليبصق الاخر من فمه مخرجا سبة وقحة :
– ابو شكلكم عالم اوساخ
❈-❈-❈
والى امنية التي خرجت من المرحاض تمسك بطنها وجبهتها بألــم الدوار الذي كانت تسيطر عليه بصعوبة لتحفظ توازنها، او تهرب منه بالنوم معظم اليوم ، وجدته بداخل الشرفة يدخن بشراهة وشرود كالعادة، تقدmت لتجلس على اقرب مقعد يقترب من الشرفة تخاطبه:
– عصام انت مش خارج النهاردة؟
التف اليها ليقترب منها قائلا :
– لا خارج بعد شوية، بس انتي مالك؟ كذا مرة تدخلي الحمام في ساعة واحدة.
ردت تمط شفتيها بعدm معرفة او تدعي ذلك :
– باينها باطني بتو.جـ.ـعني، ع العموم انا هروح اريح شوية ع السرير احسن.
شرعت لتنهض فعلق من خلفها بسـ ـخـــريــة:
– انتي اليوم كله ع السرير تقريبا، ايه الحكاية؟
ارتفع كتفيها وسقطا سريعًا لتعبر عن استيائها:
– مش عارفة بقى، يومين ويعدوا ان شاء الله.
تحركت لتذهب نحو غرفتها فخاطبها قائلا:
– طب خلي بالك بقى عشان طنت مجيدة مصرة تيجي تطمن عليكي، مش بعيد تلاقيها بكرة فوق راسك .
التفت له برأسها:
– تيجي تأنس وتشرف هي محتاجة استئذان اصلا ، عن اذنك بقى، عشان النوم كابس عليا .
❈-❈-❈
بملامح تملأؤها الأسى كانت بجوارها تلمس بيديها على خصلات الشغر الاصفر الحريري ، بعد ذهاب نبوية التي كادت ان تسقط من التعب، لتأخذ هي دورها، وتظل بجوارها، لا تريد تركها،
هذه المرأة الرقيقة ، تتعجب عما يصيبها؟ لماذا الطيبيون مصيرهم الدائم للجراح، حتى مع امرأة فاتنة مثلها، تملك من النعم ما يجعلها اميرة متوجة ومع ذلك تصاب بالمرض حـ.ـز.نا وكمدا نتيجة الخيانة.
– بهجة
جاء صوته بهذه النبرة الضعيفة ليقترب ويجلس على الجانب الآخر من الفراش ، يقبل رأس والدته العافـ.ـية بفعل الحقن المهدئة، ليسأل عن حالتها :
– عاملة ايه دلوقتي؟
اومأت تجيبه بإشفاق لحالته هو الاخر :
– ان شاء الله تبقى كويسة زي ما قال الدكتور، بس الصبر، واحنا جنبها بنحبها مش هنسيبها ان شاء الله غير وهي راجعة لطبيعتها.
اومأ بهز رأسه لينهض يجر اقدامه، ليخرج من الغرفة وكأنه يريد الإبتعاد حتى لا ترى المزيد من ضعفه ، ولكنه ابت ان تتركه .
لتنهض من جوار والدته وتلحق به، وقد جلس بوسط الصالة مطرقه رأسه بألــم واضح ، اقتربت لتضم رأسه بحـ.ـضـ.ـنها ، تغمرها بحنانها:
– اطمن يا حبيبي، كل حاجة هتكون تمام وعال تلعال ان شاء الله.
شعرت بدmـ.ـو.عه الساخنة على بلوزتها، وهو يشـ.ـدد من من ضمها اليه، وكأنه طفل صغير وجد ملجأه:
– انا خايف عليها اوي يا بهجة، وخايف كمان من اللي جاي ، والدتي جـ.ـر.حها مكانش في بابا ولا الخيانة وبس، انا كمان كنت ضمن الدايرة، بس والله ما كان بخاطري. انا اتحطيت في وضع جبرني اكدب عليها، والكدب اتحولت لكارثة بعدها، عشان اتحمل الذنب طول عمري.
– لا انت عملت ايه كمان معاها
عمغمت بتساؤول لم يجيبها عنه، فقد كان منغمسًا في ذكرياته السوداء، يبوح بما يحمله بداخله:
– كان نفسي تسمعني وتفهمني وقتها، لكنها كانت منهارة ومصدومة فيا زيي زيهم ، ضمتني في كفة الخيانة وانا يشهد ربنا ببرائتي، راح عقلها ومستحملتش وانا فضلت في مرار الماضي ، ودايرة مقفولة خـ.ـنـ.ـقاني،
رغم جهلها بكل ما حدث وفضولها في المعرفة الا انها شعرت بواجبها في الا تزيد عليه ، لتعطيه الفرصة يعبر ويخرج المكبوت بداخله وهي تسمع وتهون ، حتى يعترف له بنفسها، او ربما تعرف الحقيقة من صاحبة الامر نفسه، تسأل الله ان يشفيها عن قريب:
– اهدى يا حبيبي اهدى، ان شاء الله تطمن قريب وتريح قلبك من ناحيتها ، انا واثقة ان قلبها كبير .
– ياريييت يا بهجة يا ريت .
صار يشـ.ـدد بذراعيه، ولا يريد تركها ابدا،
❈-❈-❈
في منزل شادي والذي كان واقفا بجوار زوجته التي اصبحت تأن بألــم غير محتمل وهي ترفع رأسها عن المغسلة التي حاولت افراغ ما ببطنها به، ولكن للأسف لم يحدث
– ااااه اااه، بطني بتو.جـ.ـعني جوي يا شادي.
شـ.ـدد يمسح بالمنشفة على جبهتها ثم يضمها اليه مهونا:
– معلش يا حببتي، بس انا مش عارف اعملك ايه تاني ، انتي لا البرشام نفع معاكي ولا الحاجة السخنة ، طب اخدك واروح بيكي ع الدكتور احسن .
رفضت بهزة من رأسها:
– لا عايزة اروح لدكتور ولا زفت، هروح انام احسن، يمكن ارتاح .
زفر باستسلام اذعانا لرغبتها ليحسبها حتى الفراش، يسطحها عليه، ثم يشـ.ـد عليها الغطاء ليغطيعا بأكملها ، فخلع عنه سترته لينضم معها، وما ان شعرت به يريد ضمها اليه حتى عبرت عن رفضها :
– معلش يا شادي ممكن تبعد حاسة نفسي مش حاملة اي نفس جمبي .
تطلع اليها بصدmة مغمغما:
– حتى نفسي انا يا صبا.
لم ترد عليه، وهو ابتلع الغصة، يتمتم بالاستغفار، يرجع الحجة لمرضها، ليتضرع الى الخالق :
– ربنا يشفي عنك يا حبيتي .
طبع قبلة فوق جبهتها ولكن ملامحها التي تغضنت بضيق جعلته، ينهض على الفور من جوارها ،
وتظن انك قد ملكت زمام امرك، ولا شيء يستطيع أيقافك، حتى يأتي من يسـ.ـر.ق النوم من عينيك ويُحرم عليك الراحة، فيتبدل حالك من النقيض للنقيض .
ومن أقوى منه، ذلك الذي يفرض سلطانه، ويجعلك ترضخ على غير اردتك لرغبته.
يُضغفك، نعم هو يُضعفك……. ذلك القلب المتمرد على كل حسابات العقل والمنطق، هو سيد الأمر مهما ادعيت غير ذلك او تجاهلت….. سوف يهزمك في الأخير.
#بـ.ـنت_الجنوب
خطت تحمل على يدها مشروب الفواكه الطازجة، تتقدm نحوها داخل الحديقة التي أصبحت ملجأها منذ ان استفاقت من غفوتها وأصبح الوعي يعود اليها تدريجيا، ولكن مقابل ذلك كسى الحـ.ـز.ن ملامحها بصورة واضحة وكأن جراحها فتحت من جديد،
الكلمـ.ـا.ت القليلة التي كانت تتكلم بها، زادت عن معدلها بقليل ولكن ليس في كل الأوقات ، فرص التحدث عندها نادرة ولكن حين تخرج منها تفاجأهم،
دائمًا تثير قلقهم بشرودها، ومع ذلك يصر الطبيب انها تسير على الطريق الصحيح.
تفوهت بهجة كي تنتبه اليها:
– اتفضلي العصير يا نجوان هانم
دنت اليها بكوب المشروب البـ.ـارد والذي رمقته الاخيرة لعدد من اللحظات قبل ان تمد كفها وتتناوله منها.
تجرأت بهجة لتجلس على الكرسي المقابل لها، كي تتحدث معها:
– معلش هعزم نفسي واقعد معاكي، ممكن القمر تسمحلي ولا اقوم من سكات احسنلي.
ايضا رمقتها دون ابداء أي رد فعل، لتشيح بوجهها عنها بعد ذلك، وترتشف من الكوب.
ولكن بهجة لم تستسلم لتميل اليها قائلة:
– ت عـ.ـر.في بقى ان انا حاسة براحة دلوقتي بعد ما اتأكدت انك بتسمعيني، ولسة كمان منتظرة لما تاخدي وتدي معايا وتأمريني،…..
توقفت تطلق تنهيدة من العمق لتردف:
– حتى ابقى مطمنة عليكي لما اسيبك….
في الاخيرة توجهت اليها نجوان بنظرة لم تفهمها، لا تعرف ان كانت استنكار او عدm تصديق، أو غير ذلك، اصبحت تثير حيرتها بحق، لتسألها بفضول؛
– ايه يا نوجة؟ هتشتاقيلي لما اسيبك؟
هذه المرة تحولت ملامحها للعبوس قبل ان تدير وجهها للناحية الأخرى مرة اخرى، وتتكتف ذراعيها بضيق ملحوظ، حتى همت بهجة ان تشاكسها لولا قدومه المفاجيء، وصوته الذي دوى ينبئهم بمجيئه:
– مساء الخير
ردت بهجة بالتحية تتبادل معه نظرات يسودها التفاهم امام صمت نجوان ووجومها، حتى اقترب منها واضعًا قبلة اعلى رأسها، مخاطبًا لها بلطف:
-،عاملة ايه يا نجوان هانم النهاردة؟.
بنفس الوتيرة اصبحت تحدجه صامتة، يزيدها حدة تلوح في الافق، هو فقط من يفهم عليها، ليستطرد واضعًا عيناه نصب عينيها:
– اتكلمي يا ماما وطلعي اللي في قلبك، حتى لو عايزة تشتميني، انا مستني اللحظة دي من زمان اوي يا نجوان هانم، بس اسمع صوتك وانتي كمان تسمعيني.
نهضت بهجة تستأذن للذهاب ، وقد شعرت بالحرج، أو ربما تود اعطاءهم الخصوصية.
لم ينتبها الاثنان لانصرافها، فلم تحيد ابصارهما عن بعض، ليردف هو:
– مهما استمريتي في عنادك، أكيد هيجي اليوم اللي تحني ولا تضعفي فيه وتتكلمي، انا في أشـ.ـد الاشتياق للمواجهة دي، على الاقل ساعتها تسمعيني وتقرري، بدل العـ.ـذ.اب اللي عايش فيه بقالي سنين .
مال يقبلها على وجنتها قائلا:
– انا في انتظارك يا ماما.
ثم ذهب كما جاء ، وظلت هي تنظر في اثره بشرود كالعادة
❈-❈-❈
أمام مراَتها وقفت تتأمل هيئتها بملابس الخروج، لتلامس بكفها على البطن التي اصبحت تحمل بأحشائها ثمرة الحب وارتباطها برجل حياتها الأول والاخير، والذي مَن الله عليها به، بعد سنين العـ.ـذ.اب والتوهة داخل علاقة سامة كادت تودي بحياتها، أو تعيش بمر الحقد على اقرب الناس اليها.
– امنية خلصتي لبس ولا لسة ؟ انا مستعجل وممكن اسيبك وامشي.
كان هذا صوت حبيبها الذى دوى صوته كمنبه لها كي تستفيق لتأخر الوقت، فتتناول حقيبتها سريعًا لتخرج اليه، فتجده كالعادة منشغلا بالحديث عبر الهاتف مع أحد الأشخاص، مشتتًا عن التركيز معها وما تمر به من تطورات لهذا الحمل العزيز عليها، كم ودت ان تبقي الامر سرًا ولا تخبره، حتى لا تقابل بهذه الفرحة العادية، والخالية من اللهفة التي توقعتها..
حتى الاَن لا تعلم السبب الحقيقي لاستقبال شيء هام كهذا منه ببرود تستغربه، رغم علمها انه يحمل حبًا عظيمًا بداخله لها، حتى لو كف عن التعبير عنه، او ربما منعه العقل المشتت عن ذلك.
– انا خلصت يا عصام .
قالتها ليلتف اليها، فترى في عينيه تلك الومضة السريعة في اظهار اعجابه، قبل ان تخبو ايصا سريعًا، ليسبقها مرددًا بروتينة:
– تمام، ياللا بقى عشان نلحق السبوع من أوله.
اوقفته فجأة تجذبه من ذراعه قبل ان يخرج:
– عصام انت مش فرحان لحملي ولا فكرة السبوع دي لأحفاد الست مجيدة محركوش جواك الحنين؟
تجمد فجأة قبل ان يستجيب ويلتف مركزًا ابصاره بها :
– وايه اللي يخليني مفرحش يا امنية؟ هل شوفتي عليا رد فعل يثبت عكس ذلك.
تقربت منه تقول بنبرة حانية، لتصل بها الى غرضها في المعرفة دون ان تثير انفعاله:
– انا مش بتكلم انك مش فرحان، انا بتكلم على رد الفعل، اصل انا كنت متخيلة فرحة وصريخ ، يمكن اكون هبلة في تخيلي، بس الفرحة مفيهاش عيبه ولا ليها كبير ولا صغير.
نصف ابتسامة ساخرة لاحت بزاوية فمه يعقب على كلمـ.ـا.ته:
– اه بقى دا على اساس انك كنتي مدياني فكرة من الاول، مش الست مجيدة اللي جات وفضحت الدنيا بفرحتها.
– مكنتش لسة اتأكدت يا عصام .
قالتها بحرج شجعه على مواصلة العتب:
– انا بتكلم عن الترجيح يا امنية، كل الاعراض اللي كنتي بتمري دي تخلي اي واحدة ست تفكر ، انا نفسي شكيت بس شيلت من دmاغي لما لاقيتك واخدة الأمر انه تعب عادي
لقد قلب الامر بحنكته، وأتى بالحجة عليها، ولكنه لا يعلم بأنها هي ايضا ليست على ما يرام، فما يتسلل بداخلها من مخاوف وهواجس تمنعها من التفكير السليم في بعض الاوقات، بل وتذهب عنها الفرحة كلما تذكرته. اللعنة عليك يا ابراهيم، وبما تسببت به من اضرار في العلاقة بينها وبين زوجها،
القت بنفسها داخل حـ.ـضـ.ـنه تفاجئه، في تعبير عن اسفها، أسعده فعلها، وتقبلها يصدر رحب رغم نزفه:
– القميص الابيض يا ست، يقولوا عليا ايه لما يلاقوا الروج عليه.
ضحكت لتردد بدون ترفع رأسها التي استراحت علي صدره:
– قولهم دا اثبات لحب مراتي ليا.
❈-❈-❈
أنهت مناوبتها وكانت في طريقها للمغادرة ، بعدmا أطمأنت على نجوان ، وخلودها للنوم مبكرا،
أبصرت بعيناها ضوء غرفة المكتب الخافت، فاتجهت لتطل عليه بداخلها، فتطرق بخفة وعلى تردد قبل ان يأتيها صوته المرحب وكأنه علم بها:
– ادخلي يا بهجة.
دفعت الباب تخاطبه برقتها:
– لو مش فاضي ممكن امشي.
اشار اليها بيديه، يفتح لها ذراعيه الأثنان، معبرا عن احتياجه الشـ.ـديد لها، وكأنها أتت على نداء قلبه،، لتلبي سريعًا، وتهرول بخطوتها السريعة اليه، فيضمها من خصرها بلوعة قائلا:
– انا مشتاقلك اوي يا بهجة، ومخـ.ـنـ.ـوق جدا عشان مقدرتش اجي على ميعادنا ولا اشوفك النهاردة
– انا عارفة ان عذرك معاك.
تمتمت بها تلمس على شعر رأسه بحنو، لتدخل اناملها الرقيقة بين البصيلات فتدلك من بينها، فتفعل بالراس المتعب الافاعيل، حتى اصبح يغمض عيناه مستسلمًا لسحر اللحظات، ليردد باسترخاء:
– اه يا بهجة اه، التدليك دا حلو اوي، كأنه بينزع عني الاجهاد والتعب.
تبسمت قائلة:
– دي عادة ابويا الله يرحمه عودنا عليها، كنا نتسابق عشان نحط راسنا في حجره ويعملها معانا وهو بيتفرج ع التليفزيون، محدش كان بيصمد ولا بياخد وقت في النوم معاه.
تبسم معقبًا:
– والله كنت هسألك لأن انا فعلا حاسس اني هنام من ايدك دلوقتي، حاسس نفسي مرتاح عليها اوي ، ومش عايزك تبطلي ابدا .
– لا مدام فيها نوم، يبقى اشيل ايدي انا احسن.
قالتها لترفع يدها عنه بالفعل، فعبست ملامحه بالضيق يخاطبها:
– ليه يا بهجة رفعتي ايدك ؟
ردت بمرح وهي تبتعد عنه:
– ما انت ممكن تنام في ايدي بالفعل، وابقى انا عطلتلك عن الشغل اللي في ايدك، ويمكن تيجي تاني يوم تحاسبني.
زفر يدفع الملفات نحوه بضجر مرددًا:
– لا يا ستي مش هاحسبك ولا اكلمك، بس منكرش اني ورايا شغل بالفعل.
عاد يخاطبها وابصاره منصبه نحوها:
– النهاردة مضيت عقد مهم اوي يا بهجة، مع اهم عملا في المنطقة، بكرة منتجات مصنعنا، تغرق سوق الوطن العربي ، انا مبسوط اواي عشان كل يوم بقرب من حلمي.
شعرت بالسعادة من أجله حتى رددت بتمنى من قلبها:
– ربنا يبسطك كمان وكمان يا حبيبي وتحقق كل اللي نفسك فيه.
– على فكرة انا مش ناسيكي
قالها ليخرج من جيب بنطاله علبة مخملية صغيرة، وفتحها يخرج منها سلسالًا صغير، يتوسطه قلب ، فرفعه امامها لتسأله باستفسار أبله:
– – ايه ده يا رياض؟
نهض عن مقعده ضاحكًا يجيبها:
– يعني هيكون ايه بس يا روح قلبي، مش باين انها سلسلة؟ ارفعي الطرحة بقى خليني البسهالك.
وبفعل غريزي ارتدت بقدmيها للخلف معترضة:
– لا بلاش
– بلاش ليه؟
بماذا تجيب سؤاله ؟ وقد حصر مكافئتها وامتنانه لها بشيء عيني رغم كل ما يحدث من تقارب بينهما، لدرجة تجعلها تنسى الاتفاق اللعين، ولكن ها هو ذا، يذكرها عمليًا به:
– بهجة انتي تنحتي ليه؟ انا عايز اللبسك السلسة بس على فكرة
همت تتحجج بشيء ما ولكن اندفاع الباب فجأة جعلها تنتفض مجفلة نحو مدخل الغرفة، فتصعق عينيها متفاجئة بما تراه، وكان هو الأسبق في رد فعله:
– ماما انتي لابسة كدة ليه؟
سألها بإشارة نحو ملابس الخروج التي كانت ترتديها بأناقة سيدة مجتمع لم تغب عن عالمها يومًا
ولكن امام صمتها وعدm اجابتها تسائلت بهجة أيضًا:
– نجوان هانم انا سيباكي نايمة من يدوب نص ساعة، امتى لحقتي تصحي وتلبسي؟
ردت بعملية ودون تطويل:
– هنروح للدكتور .
– دكتور مين يا ماما؟
تمتم مستفسرًا، لتأتي اجابتها المباغتة له:
– دكتور هشام
– هشام مين؟
غمغم بها لتأتي على الفور صورة هذا البغيض، ليردف بانفعال:
– وايه اللي فكرك بيه الزفت ده دلوقتي؟ انتي عارفة الساعة كام؟ استني للصبخ وانا اوديكي لأحسن دكتور.
تجاهلت وكأنها لم تسمعه لتتجه نحو بهجة وتأمرها:
– ياللا يا بهجة عشان تروحي معايا.
سمع منها ليصيح بها متخليًا عن بروده المعتاد:
– بهجة مين اللي تروح معاكي عند الزفت ده؟ هي اساسا كانت ماشية عشان متقدرش تتأخر عن اخواتها، لكن مادام انتي مصرة اوي كدة ، هاخدك انا اروح بيكي.
بتحدي واضح تجاهلت للمرة الثانية ترمقه بهدوء يزيد من غـــضــــبه:
– وانا رافضة اي حد تاني يروح معايا غيرها، ياللا يا بهجة.
خرجت منها الاخيرة بحزم امام غـــضــــب الاخر، والذي خشت الاخيرة من تحوله الغريب كل ما ذكر اسم الطبيب، لتبرر ملطفة بعفويتها بين الام وابنها:
– معلش ياااا رياض باشا، هي اساسا مكملتش لسة تسعة، انا هروح مع الهانم وابقى اتصل بيهم ابلغهم…..
– اسكتي انتي….
صرخ بها مقاطعها بحدة، وقد بدا انه على وشك الفتك بها ليزيد على خــــوفها كازا على اسنانه بنظرة ارعـ.ـبتها:
– مسمغش صوتك خالص يا بهجة دلوقتي انا على اخري.
اومأت بإشارة نحو غلق فمها تهادنه، وتجنبًا لغـــضــــبه، فجاء الرد العملي من نجوان:.
– انا هسبقك ع العربية، حصليني يا بهجة.
قالتها وتحركت مغادرة على الفور ، مما اضطر بهجة للحاق بها، تبدي اسفها امام صدmته:
– هروح احصلها، انا مينفعش اسيبها لوحدها.
قالتها وهرولت ذاهبة من امامه ، ليزمجر من خلفها يدفع الكرسي الثقيل بقدmه، غير ابهًا بالألــم، ثم تناول سترته ليلحق بهما مغمغما:
– ماشي يا نجوان هانم، اما اشوف اخرتها معاكي ايه؟
❈-❈-❈
في زاوية مظلمة بطرف الشارع، وقف ينفث الدخان الكثيف من فمه، من تلك السيجارة المحشوة، يخرج بهما ضجره وغـ.ـيظه، يستنكر ما ال اليه حاله ، ان يُصبح موزعًا لهذه الأشياء التي كانت تأتيه واضعا قدmا فوق الاخرى.
بل ولسـ ـخـــريــة القدر ان يصبح هو تابعًا لهذا الاحمق الذي اصطبغ شعره باللون الاخضر ، ليُصبح مقاربا بهيئته تلك وملابسه الغريبة، لصوره الضفدع طبق الاصل.
يخـ.ـطـ.ـف النظرات نحوه ويراقبه بلؤم كل لحظة ، وكأنه سوف يفر ويذهب بهذه المصائب التي يحملها بجيبه، كي تلتقفه الشرطة في اول لجنة تقابله ، ولحظه البائس اصبح مطلوبا امام القانون، بفضل هذه الملعونة التي تتنعم بحياتها الان، وهو سرقت منه الراحة ولبس قضية، قبل حتى من ان ينال غرضه منها ويشفي غليله، لكن لا بأس، فهو ابدا لن يستسلم .
اما عن اييه، فلن ينسى ابدا له هذا الموقف المخزي، بأن يتخلى عنه، ويرفض صرف المال من اجل نجدته من هذه المصـ يـ بـة، يقسم ان يجعله يدفع ثمن هذا الخطأ، ولن يتوانى او يتهاون .
استفاق من شروده على هزيز الهاتف بجيب بنطاله، وقد. علم المتصل من نظرة واحدة نحو هذا الاحمق عزوز ، والذي توجه له بالأمر فور ان فتح المكالمة:
– ركز يا اسطى كدة واصحى، في زبون جايلك حالا دلوقتي
اغلق المكالمة ليبصق من فمه، متمتمًا بسبة وقحة، لاعنا هذا المدعو عزوز والزبون اللذي سوف يستلم منه ومعلمه صاحب المحمية التي جبر على العيش فيها، ولكن هذا الأمر لن يستمر طويلا
❈-❈-❈
فتحت أنيسة تستقبلهم داخل المنزل الذي كان ممتلاءًا بعدد الافراد المدعوين ، بصخب على قدر ما يثير الازعاج، على قدر ما يثير البهجة داخل القلوب،
– اتفضلوا يا حلوين، المرة الجاية يبقى الدور عليكي انتي يا قمر
تقبلت امنيه عناق المرأة تبادلها التهنئة والمبـ.ـاركات ، ثم تدلف خلف زوجها الذي لم يترك يدها، لتقع عينيهم اول الامر على مجيدة التي كانت توزع هدايا الاسبوع على الأطفال، تطاليهم بالغناء لأحفادها وهم لا يقصرون،
فتحت ذراعيها لامنية ، فور ان وصلت اليها هي وزوجها، لتحتضنها وتقابل زوجها بالمزاح:
– عقبالك يا سيادة الظابط لما تتلبخ زي صاحبك.
قالتها في إشارة نحو ابنها الذي كان يحمل طفلته وبهدهدها حتى تكف عن البكاء.
لينتبه عليها هو الاخر فيعلق ساخرًا:
– ايوة بقى يا ست مجيدة خليه يفرح في ابنك اللي اتهزت هيبته من حتة عيلة قد عقله الصباع .
اقترب منه عصام ليقبل الطفلة على وجنتها الصغيرة يغمغم بانبهار:
– حقها يا باشا، بسم الله ما شاء الله بدر منور في ليل تمامه، تعمل ما بدالها بقى .
قابله بابتسامة صفراء ينقل بنظرة سريعة نحو زوجته الجالسة مع صديقتها شهد وعدد من النساء، وقد استراحت بالقاء مسؤوليتها عليه، ليردد بغـ.ـيظ :
– اه يا خويا حقها، ما هي مش هتجيبه من برا ، نفس الخلقة ونفس الزن، دي كأنها عملت استنساخ لنفسها، يا ساتر يارب، انا كنت قادر على واحدة عشان تجيني الصورة التانية منها
هذه المرة جاء الرد من مجيدة لتتناولها منه بخفة قائلة:
– وانت تطول يا واد، هات هات، دي هتبقى قلب ستها ونور العين من جوا، هي الباشا ريان ابن المهندس، يا اختي عليك وعلى جمالك انتي، خدي بوسي يا بت امنية حور القمر بتاعتنا، ولا تشيليها احسن.
– ما بلاش يا خالتي
قالتها امنيه ببعض الخــــوف لتحثها مجيدة بحزم:
– امسكي يا بت متخافيش على الاقل تدربي نفسك .
تلقفتها منها بإيدي مرتعشة وقلب يخفق برهبة لحمل هذه القطعة الصغيرة، ذات العيون الفيروزية كوالدتها ،
والتي رغم صغرها لا تكف عن تذمرها والرفص بأقدامها وذراعيها، لتجبرها على الضحك مرددة بانشـ.ـداه امام زوجها المنبهر هو ايضا:
– بسم الله ما شاء الله، تبـ.ـارك الرحمن على جمالها وحلاوتها، بس هي فعلا اثبتت انها بـ.ـنت لينا .
تبسم عصام باتساع لفعل صديقه، الذي عبر يصطنع اليأس وقلة الحيلة:
– انا ربنا يكون في عوني.
بعد قليل
كان المنزل امتلاء لأخره، أصدقاء وصديقات، جيران احباب ، حتى كانت المفاجأة بقدوم رئيس لينا في العمل مع شريكه
– جاسر الريان معقول
كان هذا رد فعل شهد التي تعرف الرجل بمشروعاته الهائلة، وقد تقدmت صديقتها تستقبله وترحب به مع زوجها ووالدتها وقد قدm بصحبة طارق صديق العائلة
ورئيسها في العمل.
عقبت امنية تشاركها الحديث الهامس في زاوية تجمعها مع شقيقتيها الاثنتان.
– دا مش جاي لوحده كمان، دا معاه مـ.ـر.اته زهرة محروس اللي كانت ساكنة في الشارع اللي ورانا ، والحلوة التانية اسمها كاميليا يا حلاوتهم
ضحكت شهد لتتدخل بينهم رؤى معلقة هي الأخرى :
– اني مبلمة بتبص عليهم يا عيني بانبهار، تلاقيها افتكرتهم تبع نجوم السيما اللي بياجو في التليفزيون.
ضحكتا الشقيقتان على مزحتها، حتى اتى حسن ليشاكسهم :
– بتتدودو مع بعض تقطعوا فروة مين؟ وانتوا واخدين جمب لوحدكم.
ردت شهد ببرائة:
– احنا يا حسن، تعرف عننا برضوا الكلام ده؟
– يا شيخة ، دا انتي ام الكلام ده.
تمتم بها في رد لها قبل ان يسحبها من يدها مردفا:
– تعالي بقى سلمي ع الناس بتسأل عليكي يا ام ريان.
قال الاخيرة بغمزة غمرت قلبها بالبهجة، لتبادله اللقب الجديد:
– ماشي يا ابو ريان، صحيح هو فين؟
شهق يوبخها بدراما:
– اخص ، بقى دا سؤال تسأله ام في يوم سبوع طفلها، ايه الاهمال ده؟
ضحكت حتى اصبحت تميل بسيرها، لتجاريه مزحته:
– ما انا اصبحت زوجة افسدها الدلال بقى، تعمل ايه؟
تأوه ضاغطًا على شفته:
– اااه يعني انا اللي جيبته نفسي، يبقى اتحمل.
اومأت بهز رأسها، ليضمها اليه من كتفيها مرددًا:
– على قلبي زي العسل يا قلب حسن ، ع العموم انا غيرتله وحطيته في سريره يريح شوية بعد هز الغربال وعمايل الست مجيدة، دا هيشوف على ايديها ايام عنب
تضرعت شهد تدعو من قلبها:
– ربنا يخليهالو يارب.
❈-❈-❈
بوجه مكفهر وملامح ممتقعة كان جالسًا خارج غرفة الفحص مع الطبيب الملعون بعدmا اجبرته والدته للخروج وعدm التحدث عن حالتها في حضوره، وبإصرار عجيب فرضت رأيها بمرافقة بهجة، لينسحب هو على مضض امام شمـ.ـا.تة هذا الاحمق به
ويظل محترقًا بأعصابه في الانتظار وقد تعدى الوقت النصف ساعة، حتى بدى بوضوح على تصرفاته الغريبة في اهتزاز قدmيه، والجلوس والوقوف بصورة تثير الانزعاج، ثم يفرك بكف يده على ذقنه النابتة بشكل متكرر ، جعل التوجس يتسلل الى قلب الممرضة التي اصبحت تتابعه بقلق، ليزيد بلطمة قوية على ذراع المقعد الذي يجلس عليه فتتنقض المسكينة وهو يهدر بها:
– وبعدين بقى؟ هي الجلسة الزفت دي بتستمر لحد امتى؟ دي هتكمل الساعة دلوقتي، هما بيعملوا ايه جوا؟
دافعت الفتاة بخــــوف:
– يا فنـ.ـد.م دي جلسة نفسية يعني ملهاش وقت محدد، ان كان اقل من نص ساعة ولا ساعة…
– ساعة….
صرخ بها مقاطعا ليقف بطوله امامها يردف بأعين تلونت بالاحمرار:
– انا على اخري ومعنديش وقت ، الزفت اللي جوا دا ميعرفش ينهي ويخلصنا في ام الليلة دي، هو ناوي يقعدنا لحد كام بالظبط عشان افهم، ولا هي العيادة دي مفيهاش وزباين غيرنا
– لا فيها يا فنـ.ـد.م والله، بس احنا مواعيدنا الاصلية انتهت من زمان والدكتور هشام مرضاش يكسف مريـ.ـضته رغم انه هلكان شغل من الصبح، من المستشفى للعيادة
– لا يا ختي كان كسفها، ع الاقل ساعتها كنت اشوف اغيره بدل القرف ده.
هتف بالكلمـ.ـا.ت ردا لها ، ليتركها بعد ذلك، ويعود للسير بعصبية امام باب غرفة الفحص، وكأنه ينتظر الفرصة للهجوم عليها
فتتعلق ابصار الفتاة به فاغرة فاهها بذهول ، لا تصدق الاسلوب الحاد الذي يتحدث به عن الطبيب ووصفه بالزفت ، متخليًا عن وقاره المعروف، واناقة التحدث باتزان ، انه يبدو على وشك الانفجار،
دفع باب الغرفة فجأة لتطل والدته عليه ترمقه بنظرات يشلمها الاستهجان وقد بدى واضحًا صورته الغريبة امامها، فيتجاهل هو عن عمد وينتقل بأبصاره نحو بهجة التي تحدثت بريبة تأثرا لهيئته:
– ااا الدكتور غير لها معظم الأدوية، وخفف لها يدوب على نوعين تلتزم بيهم .
هدر باندفاع رد لها:
– انا بقالي ساعة مستني، كل دا كان بيكشف عليها.
همت بهجة ان ترد ولكن الطبيب كان الاسبق والذي كان خارجًا بالصدفة، بابتسامة متسعة ينظر في الساعة :
– ياه دا احنا فعلا اتأخرنا والوقت خدنا، انا اسف طبعًا يا رياض باشا، الوقت مع مدام نجوان بيمر هوا
قال الاخيرة وابصاره منصبة على بهجة ليزيد من استفزاز الأخر، والذي ردد من خلفه بغـ.ـيظ شـ.ـديد :
– مدام نجوان برضو….
زفر انفاس خشنة خرج صوتها بوضوح، ليغمغم بتوعد:
– شكلي كدة هخزقلك عينك يا دكتور الغبرة،
– مش نمشي بقى
توجه بها نحو بهجة ووالدته التي كانت واقفة باتزان عجيب تتابعه، وكأنها تستمتع باحتراقه، ليعود اليها ضاغطًا على اسنانه:
– نجوان هانم، مش ناوية تتحرك بقى ولا انتي عجبك القعدة هنا .
ابتسامة خفيفة لاحت بزاوية ثغرها الصغير، لتهم بالتحرك وتسبقه فجاء صوت الطبيب من خلفها:
– نجوان هانم متنسيش تتابعي ع التليفون معايا تطمنيني على حالتك، ولا تخلي بهجة احسن تبلغني ع الوتس ، انتي عارفة رقمي طبعا يا سيادة المحامية المستقبلية..
الى هنا ولم يقوى على الصمت ليزمجر مندفعا نحوه، وقد كان على وشك الفتك به، لولا تصدر نجوان التي أتت من العدm تطالعه بتحدي حتى يفعل، ليستمر هذا الحديث القصير بالنظرات بينهم، قبل ان تقطعه هي بنفسها:.
– ياللا بهجة العم علي مستنينا .
قالتها وتحركت الاخيرة لتلحق بها ، فيمسح هو بكفه على صفحة وجهه، يناجي نفسه التحلي بالصبر ، ثم تحركت قدmيه بخطوات سريعة، ليلحق بزوجته، التي كانت على وشك الخروج من المركز العلاجي للطبيب ، فيوقفها بجذبها من ذراعها:
– استني عندك هنا، انا عايزة اعرف دلوقتي، الزفت ده عرف بموضوع الجامعة وسايبانك ليها ازاي؟ انتي بتاخدي وتدي معاه يا بهجة.
اجفلت لطريقته الحادة في الحديث معها ، لتنفي على الفور:
– لا باخد ولا بدي والله، دا كان سؤال عابر منه عشان يعرفني ع الأدوية المستوردة اللي كانت بتاخدها نجوان هانم في البداية، وطريقة التعامل بها ، انا برد على قد السؤال وبس .
شعر بفظاظته في توجيه السؤال لها، ليتراجع ملطفًا:
– انا مش قصدي اجيب اللوم عليكي، انا بس بتخـ.ـنـ.ـق من بروده وطريقته الواضحة اوي في الكلام، البني ادm ده لازم اغيره.، هي قالتله ايه بالظبط ولا كانت بتتكلم عن ايه؟
مطت شفتيها تصدmه بردها
– مقدرش اتكلم ولا اقول حاجة، مدام نجوان تزعل مني، عن اذنك بقى.
قالتها وتحركت من امامه ذاهبة، فتتسمر اقدامه بعدm تصديق مرددًا:
– يعني الاسرار بقيت عليا انا بس! هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟
انتهى حفل الاسبوع للطفلان، فغادر معظم الحاضرين، ليظل فقط اقرب الاقربين كجاسر الريان وطارق الذي كان مستمرا بمزاحه:
– اللهلوبة كبرت وبقت ام يا جاسر، القردة اللي كانت تتنطط على حجرنا بقت ام، والله ما انا مصدق يا ولاد .
قالها لتصدح الضحكات من الجميع، فردت هي بغـ.ـيظ منه كالعادة:
– ما هو كل واحد بيكبر يا سي طارق ، بدليل انت هو قربت تبقى عجوز.
شهق يدعي الهلع وقد صار صوت الضحك يصل إلى الخارج، يردد بحنق ويدفعها بوسادة الاَريكة الخفيفة:
– عجوز في عينك يا قليلة الحيا، اسمعي يا بت، عشر ايام خصم ليكي، مكافأة الولادة وطولة لسانك .
– شوفي الظالم بيعمل ايه؟ ما تشوفي جوزك يا ست كاميليا اللي بيخلط بين الشغل والحياة العادية.
ردت الاخيرة والتي كانت تتماسك بصعوبة هي الأخرى:
– ما انتي لسانك يا لينا هو اللي جايبهالك، اعملك ايه انا بقى؟
بس بصراحة منكرش اعجابي الشـ.ـديد واندهاشي في نفس الوقت، من شخصيتك اللي بتتحول لمية وتمانين درجة من لينا مديرة المكتب الجادة في الشغل، وبين لينا اللي قاعدة قدامنا دلوقتى بلسانها اللي طوله قد كدة،
واشارت بطول ذراعها لتزيد من مشاكستها فتدخلت زهرة تلطف قبل ان تثور الأخرى:
– انها تفصل بين الشخصيتين، دا دليل انها محترفة يا حبيبتي، سيبك منهم يا لولو ميهكميش،
– قلب لولو
رددت بها لينا تفعل بأصابع يدها الرمز المشهور ، لتبادلها هي الأخرى، فيأتي رد جاسر مخاطبًا لهما:
– ايه يا ست انتي وهي، ما تراعوا مشاعرنا الاتنو الاتنين ، قلوب قلوب، وفري يا ختي مشاعرك دي لجوزك ، وانتي يا زهرة لمي نفسك .
سمعت منه الاخيرة لتكتم بكفها على فمها كي تخفي ابتسامتها، وقد اصابها الخجل الشـ.ـديد، اما امين والذي انـ.ـد.مج هو الأخر:
– لا انا خلاص اتعودت، حكاية القلوب والمشاعر دي مع واحدة زي لينا تبقى……..
توقف بنظرة ذات مغزى نحوها لتردد هي بتهديد واضح:
– تبقى ايه يا سي امين قول…… خلي بالك الاتنين دول ماشين، وانت بس اللي هتفضل قصادي.
شهقت مجيدة بادعاءء التحذير هي الأخرى تؤازر ابنها:
– هيمشوا هما، امه قاعدة يا حبيبتي، ولا انتي تقدري تكلميه وانا موجودة.
تراجعت على الفور تردد بتغزل وتملق لتكسب ودها:
– اخص عليكي ، وانا اقدر اقربله برضوا وهو في حمايتك، بس سيبك يا ميجو، انتي الحتة اللي في القلب من جوا.
– يالهوي، لا طالما دلعتيني، يبقى خلاص بقى، انتوا أحرار، وهو يستاهل اساسًا الشـ.ـدة معاه، حكم انا مقرصتش عليه وهو صغير.
قالتها مجيدة بخفة ظلها لتشترك في المؤامرة على ابنها الذي صاح بدراما:
– في ثواني بعتي ابنك يا مجيدة، والله راحت هيبتك يا حضرة الظابط.
– عشان تعرف بس الستات لما يتفقوا يا حبيبي.
قالها طارق يتضامن معه، ليجاريهم جاسر في الحديث ايضا بالمزاح الذي استمر لفترة من الوقت، حتى تحول الحديث الى الجدية مع ذكر العمل ومعرفتهم بمهنة المهندس وزوجته المقاول ، ليعبر جاسر عن دهشته:
– دا بجد، يعني انتي فعلا اشتغلتي مقاول يا شهد؟
ردت تجيبه باعتزاز:
– مكتب ابويا، كنت هسيبه للغريب يطمع فيه.
– برافو عليكي
قالها طارق في تعبير عن اعجابه، ليضيف عليه زوجها:
– ما هي مهنتها كانت سبب في معرفتنا ببعض، رغم استغرابي في البداية زيكم ، لكن حبة حبة وقعت في غرامها واكتشفت انها اجدع من مية راجـ.ـل مقاول .
– واحلى مقاوول.
قالتها زهرة هي الأخرى، ليأتي العرض المفاجيء من كاميليا:
– خلاص احنا لازم نشتغل مع بعض في الايام اللي جاية ، شغل شركتنا كله متعلق بالمباني والانشاءات، حتى لو هنبتدي بشغل صغير على قد مقدرة المكتب، وشوية شوية تبقى اكبر شركة مقاولات…. ايه رأيك يا جاسر؟
وافقها الاخير باقتناع تام:
– طبعا معاكي، هو احنا هنلاقي فين في مهارة المهندس ولا جدعنة شهد، ع الاقل هما يبقو اهل ثقة.
– هاااااي
صرخة صدحت داخلها ، حتى كادت تنطلق بها امامهم، لولا صوت الحكمة الذي يدعوها للإتزان، تتبادل نظرات الفرح مع زوجها الداعم الاول لها ، واسرتها العزيزة المكونة من مجيدة وصديقتها وشقيق زوجها، قبل ان تجيبهما:
– أكيد دا شيء يشرفني.
❈-❈-❈
اطمأنت عليها حتى سطحتها على الفراش مرة اخرى، قبل ان تستأذن منها كي تغادر منزلها، لتخرج الى العم علي المكلف بمهمة توصيلها في هذا الوقت.
لتبحث يعيناها عنه حينما لم تجد سوى السيارة امامها، حتى همت ان تسأل افراد من رجـ.ـال الحرس عنه، قبل ان يجفلها بنداءه بإسمها من داخل السيارة التي ذهب بها معهما، ثم خرج منها ليعيد عليها قائلًا:
– مستنية ايه يا بهجة؟ تعالي بقولك
اذعنت تقترب منه وتجيبه بتشتت :
– انا بدور على عم علي، هو راح فين واختفى الساعة دي؟
– انا مشيته.
– نعم
– بقولك انا مشيته يا بهجة، تعالي اركبي ياللا هوصلك
قالها ليعود الى الجلوس خلف عجلة القيادة، ثم توجه اليها بحزم ، حينما ظلت على جمودها:
– وبعدين يا بهجة بقى؟ بقولك اركبي هوصلك
استجابت هذه المرة تدلف بجواره في الامام، رغم حرجها من وجود الحراس وخشيتها من انتباههم لها، لتعبر عن اندهاشها بعد ذلك، حينما ابتعد بها عن المنزل بأكمله:
– ايه اللي خلاها تطق في دmاغك؟ هو دا مش وقت نومك برضو؟
رد يتناول كف يدها يطبق عليه بكفه الحرة، ليقول بوضوح:
– انا مقدرتش انزل من العربية اصلا يا بهجة ، قلبي مطاوعنيش اروح من غير ما اطمن عليكي، لسة برضو زعلانة مني؟
نفت بهز رأسها وابتسامة خلابه تزيد من سحرها في هذا الوقت والضوء الخافت ، لترد ببعض العتب:
– مش زعلانة، بس واخدة على خاطري منك، انت اتعصبت عليا من غير سبب، لدرجة انك خــــوفتني منك .
تبسم لبرائتها ثم يردف ببعض الهدوء:
– يعني انتي بعد كل اللي حصل ده يا بهجة، وبتقولي من غير سبب، لا يا قلبي السبب موجود، وحرق دmي كمان.
تطلعت اليه بنظرة كاشفة ليردف قائلا:
– ايوة يا بهجة ، انا بتعصب من الزفت ده لاني راجـ.ـل وافهم كويس في نظرة الراجـ.ـل لواحدة جميلة زيك، ودا غـ.ـبـ.ـي موضحها اوي .
قالها بانفعال جعل ابتسامة رائقة تبزغ على شفتيها لتبرر موضحه موقفها:
– بس حتى لو كان زي ما بتقول، انا برضو مليش دعوة ، هو حر وانا برضو……
– لا مش حر.
قالها بانفعال أشـ.ـد ليواصل:
– ولو بصلك تاني او شوفت منه اي نظرة مش عجباني هخزق عنيه الجوز ، عشان اتوبه عن الصنف خالص.
تصلبت باندهاش ناظرة في عروقه النافرة وملامحه التي اشتدت في لحظة ، لتنكمش على نفسها بخــــوف ، انتبه عليه هو ليعود الى عقله يلطف:
– انا اقصده هو اكيد يا بهجة، مش انتي ابدا.
رفع كفها اليه يقبلها فجأة مستطردًا بتغزل:
– انتي قلبي من جوا ، الحتة البيضا والبريئة في حياة رياض الحكيم، انتي حياتي يا بهجة.
عاد ليُقبل كفها مرة أخرى عدة مرات وعيناه تتابع الطريق اثناء قيادته، فتتجمد هي محلها بنفس السؤال المُلح داخلها، عن مصير هذا الحب الذي يتشـ.ـدق به، الى متى سيظل في الظلام، وبعيدًا عن النور؟
– احنا خلاص وصلنا ، حالا كدة الطريق خلص .
تمتم بتساؤله ليلفت انتباهها، فتتخلى عن شردوها وتستفيق اليه، استعدادًا للمغادرة، حتى اذا توقفت السيارة وهمت للترجل ، شـ.ـدد على يدها قائلًا:
– بهجة انا عايز اخـ.ـطـ.ـفك ونقضي يومين مع بعض في اي مكان بعيد عن الناس والعالم كلها
صمتت قليلًا بتفكير، توزنها في عقلها، ما بين الرغبة في ارضاءه، وما بين الصعوبة في فعل ذلك، لتعبر عما في رأسها:
– ودا هيحصل ازاي؟ انا مينفعش اغيب عن الشغل كدة من غير سبب، ولا ينفع اسيب اخواتي لوحدهم، دا غير ان مفيش حجة ابرر بيها اساسًا.
زفر يترك يدها بإحباط، موجهُا أبصاره للأمام متجنبا النظر البها، حتى شعرت بشيء من الذنب تجاهه، لتحاول ترضيته:
– يا رياض ااا
– خلاص يا بهجة…. انا مش زعلان.
تمتم بها مقاطعًا لها، ثم توجه مردفًا:
– كان نفسي بس تاخدي وقت اكتر في التفكير في حل، بدل الرفض كدة مباشرةً
ها هو يضغط على نقطة الضعف الخاصة بها، وهي العاطفة، ولكنها ايضا دائما ما تُحكم العقل، إذن ماذا تفعل في هذا الوضع؟
– طب أجلها شوية على ما اشوف طريقة…. أو حل.
عاد يتطلع اليها ولكن بملامح ارتخت قليلًا عن البداية، يظهر استجابة :
– ماشي يا بهجة، وانا في الانتظار، بس ياريت متأخرين.
عادت اليها الابتسامة تقول بمرح:
– ان شاء الله يكون قريب، تصبح على خير بقى .
– وانتي من اهله يا بهجة قلبي، المهم خدي دي قبل ما تنزلي
قال الاخيرة يتناول تلك العلبة المخملية من جيبه، ليضعها في كفها، ثم مال نحوها، وقد بدا انه على وشك ان يخـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنتها ، ولكنها انتبهت سريعًا، تترجل من السيارة، قبل ان يخرج احد من اشقاءها ، ويكشف الامر.
لتلوح له بكفها على حرج:
– معلش بقى ، كدة احسن، سلام
ردد متمتمًا خلفها بغـ.ـيظ:
– سلام
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
وعلى طاولة الطعام كان الأشقاء الاربعة يتناولون وجبة الإفطار قبل ذهابهم الى وجهاتهم ان كانت الدارسة او العمل، والحديث بينهم الاَن كان عن نجوان.
– انتي بتتكلمي جد يا بهجة؟ يعني نجوان بقت عاقلة وبتتكلم زينا دلوقتي،. وانا لو قعدت معاها، هتاخد وتدي معايا فى الكلام؟
كان هذا استفسار عائشة التي مازال عقلها لا يستوعب ما تتفوه به شقيقتها بهجة والتي ردت بمرح:
– يا بت امال انا بتكلم في ايه من الصبح؟ نجوان بقت حاجه تانية غير اللي ت عـ.ـر.فيها، او ع الأصح، هي رجعت لطبيعتها، هانم بجد، حتى لو نفسيتها لسة تعبانة وجروحها مطابتش لحد دلوقتي
تدخلت جنات تستفهم:
– طيب ولما هي تعبانة فاقت ازاي؟
أومأت بهز كتفيها تجيبها:
– معرفش والله دا حصل ازاي؟ ممكن تكون بإرادة منها ، او ممكن تكون صدmة لما شافت حاجة جوزها، بس في كل الحالات بيبقى الشفا من عند ربنا، ومتنسوش طبعا انها ماشية على علاج بقالها سنين
عقب إيهاب برجاحة عقله:
– السر مش في العلاج، ما احنا ياما بنسمع عن مرضى بيتعالجوا بقالهم سنين لحد ما ربنا يفتكرهم، انا اعتقد ان موضوع نجوان حصل بإرادة منها.
– وانا كمان مقتنعة بوجهة نظرك، برافو عليك يا دكتور ،
قالتها بهجة بابتسامة فخر واعتزاز بشقيقها الذي تبسم بامتنان لها
– طب انا عايزة اشوفها ، هي مبتسألش عني؟
قالتها عائشة بنبرة يتخللها الحـ.ـز.ن، لتسارع بهجة على الفور بالتوضيح لها:
– لا طبعا أكيد بتسأل…. بس مش زي الاول عشان ابقى صريحة، هي اساسًا معظم الوقت سرحانة، وكأن عندها اولويات في دmاغها، انا نفسي أحيانًا بفتكره انها لسة على حالها القديم، تقوم هي وعلى غفلة كدة، تفاجئني بطلب ولا حاجة عايزاها مني، ليدي وهانم ابًا عن جد، مكدبش عليكم انا بنبهر وببقى عايزاها تطول في كلامها.
تبسم الثلاثة منـ.ـد.مجين مع حديثها لتعبر جنات بعاطفتها:
– حبيبتي يا نوجة، انا كمان اشتقالتلها اوي
اضافت على قولها عائشة:
– يارب تيجي تزورنا، نتمرجح انا وهي ع المرجيحة في الجنينة او نجري بالطيارة الورق على سطح البيت
فغرت افواه اشقائها واتسعت عيناهم بدهشة عبر عنها ايهاب:
– بقى عايزة نجوان هانم، اللي رجعت ليدي زي ما بتقولك بهجة تجري ع السطح زي العبـ.ـيـ.ـطة، يا بـ.ـنتي استوعبي بقى، معدتش تلعب ولا تنطط زي ما كانت بتعمل معاكي الاول ، عشان خلاص دريت بنفسها وبمقامها
ابتسامة باهتة لاحت على شفتي الصغيرة تصدmهم بقولها:
– تيجي بأي صفة طيب، المهم انها تيجي، ع الاقل احس في ناس بتسأل علينا ، غير اصحابنا او زمايل بهجة في المصنع، دا حتى عمي مفكرش يسأل على عنوانا واحنا ماشين.
تجمد ثلاثتهم بدهشة لما تفوهت به الصغيرة، مستدركين حـ.ـز.نها الشـ.ـديد وشعورها باليٌتم رغم كل القوة التي تتحلى بها امامهم، واغداقهم عليها بالحنان والدلال الا ان هذا يبدو لا يكفي
تحمحمت بهجة تخفي غصتها لتُحثها على التغاضي:
– وافرضي حتى محدش بيزورنا خالص، احنا الاربعة قوة مع بعضينا، ووحدتنا تغني عن العالم كله.
اضاف على قولها ايهاب:
– وزيادة على كدة يا ستي، احنا خلاص دخلنا في مشروعنا الجديد ، كلها يوم ولا يومين وتلاقينا افتتحنا الكافيه، مش هتلاقي وقت تفكري اساسًا، هتبقي حاضرة مع اي حد فينا بس عشان تسلي نفسك وتلعبي، دا جو الكافيهات دا حاجة روعة وبكرة ت عـ.ـر.في.
استطاع بلفتته البسيطة ان يحول مزاجها سريعًا لتردد بالحماس واللهفة
– ايوة بقى واحط ايدي على خزانة الفلوس، واكل في الايس كريم على راحتي.
– اه يا مفجوعة، هو دا اللي همك
قالتها جنات، ليعود المرح مرة اخرى في حديثهم معًا
❈-❈-❈
تطلع برأسه من مخرج الغرفة، يبحث يمينًا ويسارًا بعيناه، خشية مرور احد ما، فيسمع لنص المكالمة الهامة التي يتحدث بها الاَن
حينما اطمأن ، عاد للمواصله:
– أيوة يا صفصف زي ما بقولك انتي بس ظبطي الدنيا عندك وانا ان شاء الله اكون عندكم النهاردة……… بجد يا صفصف، يعني هتوقفي معايا وتخلي اهلك يوافقوا…….. ايوة امال ايه انا راجـ.ـل مقتدر وجاهز بالاف والمية الف……… ايوة يا قلبي اتكلمي بقلب جـ.ـا.مد خطيبك قادر ومقتدر …….. يااااه، دا انا مستني اوي اليوم ده…… انا وانتي نتجمع مع بعض تحت سقف واحد……. بطلي ضحك عشان انا اعرف اتكلم بقى……… يا بت بقولك بطلي ضحك……
– هي مين اللي تبطل ضحك.
جاء الصوت المباغت من خلفه ليُجفل منتفضًا، يلتف للخلف نحوها برعـ.ـب جاهد لعدm اظهاره، فيختلق كذبة سريعه يجيبها، وهو ينهي على الفور المكالمة:
– دي منة بـ.ـنت ابني، خدت التليفون من ابوها ومش مبطلة مسخرة عشان اجيبلها لعبة حلوة لما اروحلهم.
بملامح استنكارية عبرت عن امتعاضها:
– وتجيبلها انت اللعبة ليه؟ ما ابوها بيكسب قد كدة، ومـ.ـر.اته كسبانة من الناحيتين، منه ومن اخوها اللي بيكسب بالدولار من شغل الفنادق.
– اهو بيصرفهم على مرض مـ.ـر.اته، اتهدي بقى يا درية
هتف بها بضجر، ثم التفت نحو خزانة ملابسه، يبحث عن شيء يرتديه للخروج الى عمله، مصمصمت هي بشفتيها من خلفه، لتردف بعد ذلك بتهكم:
– ماشي يا حنين يا للي صعبان عليك ابن اختك ، انتبه كمان ان ابنك النهاردة عنده مشوار مهم اوي للمستشفى لابنه، تحليل واشاعات طالبها الدكتور،
سمع منها لتتغضن ملامحه بالأسى مرددًا:
– استغفر الله العظيم يارب، هو الطفل الصغير دا يتحمل المرار ده كله، تحاليل واشعة ومرمطة روحة وجاية ،كان مستخبيلنا فين ده بس ياربي؟..
عقبت هي الأخرى بشيء من سخط :
– كل واحد بياخد حظه بقى، واحنا حظنا عرفناه.
طالعها بضيق ليزفر مخرجًا من درج الكمود الذي فتحه بمفتاح يخفيه اسفل وسادة النوم، يُخرج منه عددًا من لفات النقود ذات الفئة العالية يخبرها:
– اتفضلي خدي اديهالوا، وانا ابقى اتصل بيه اطمن عليه، اصل هغيب اليوم كله برا المحافظة، ومش بعيد مرجعش غير ع اليوم التاني
تناولت تسأله باسترابة:
– وايه اللي يخليك تبات لليوم التاني؟ انت رايح فين بالظبط.
انفعل يجيبها بجلالة:
– شغل، شغل يا درية، طلبيات متفق عليها ولازم اروح استلمها بنفسي اوصلها المخزن، فهمتي بقى يا ام العريف؟
❈-❈-❈
داخل غرفتها القديمة التي عادت اليها منذ ايام، بعد عـ.ـذ.اب اسبوعين قبلها، نامت قريرة العينين حتى أتت والدتها الاَن لتوقظها :
– صبا ، جومي يا صبا، جوزك مستينكي برا
فتحت عينيها تجيبها بتعب:
– بتصحيني ليه يا ما؟ وجوزي يستناني ليه اساسا دلوك ؟ انا عايز انام.
عبست ملامح زبيدة بضيق واضح ، اختلط بحـ.ـز.نها على حال ابـ.ـنتها التي تبدلت من زهرة متفتحة، لهذا الشحوب الذي يثير الشفقة:
– معلش تعالي على نفسك شوية وجومي عبري الراجـ.ـل ، النوم مش هيطير يا بتي
اضطرت صبا تتحامل على ارهاقها الجـ.ـسماني والتعب الملازم لها، لتنهض معتدلة بجذعها ، ثم تنزل قدmيها على الارض حتى كادت ان تقع بفضل هذا الدوار الذي اكتنفها على الفور ، لولا ذراعي والدتها التي التقطتها لتسندها، :
– مالك يا بتي بس؟ ايه اللي صابك؟
ابعدت يديها عنها لتحفظ توازنها بنفسها، ثم تتحرك الى الخارج متمتمة:
– انا راحة اشوفه بسرعة عشان ارجع اكمل نومي.
مصمصمت زبيدة بشفتيها في اثرها، بأسى يسحق روحها على حال صغيرتها، تتضرع الى الخالق بدعوات الشفاء لها ولما اصابها
وفي الخارج كان نفس الامر من زوجها، الذي كان يتطلع اليها وهي خارجة من غرفتها تجر اقدامها، بملامح ناعسة، بشرة شاحبة،خالية تماما من الدmاء والحمرة الطبيعية للون الخمري الذي تميزها،
لقد تبدلت لامراة اخرى لا يعرفها، ليست تلك زوجته، وما هذا المرض الذي لا يعرف له اسما حتى الاَن ليجعلها بهذه الهيئة.
– صباح الخير
– صباح النور .
هم ان يقبلها على وجنتها في رد التحية، ولكنها ابتعدت سريغًا بصورة اظهرت عدm رغبتها، تماما كما كان يحدث في الايام الماضية، ليكتم غـــضــــبه من الداخل، يتمتم بالاستغفار ومناجاة الخالق الصبر، ثم خطا ليجلس مقابلا لها، يبادرها الحديث بالسؤال عن حالها:
– عاملة ايه النهاردة يا صبا؟ علاج الدكتور الاخير جاب نتيجة معاكي؟
نفت بهز رأسها :
– ولا أي نتيجة، اهو جاعد يتحط جمب اخواته، كلهم مفيش فايدة منهم، وو.جـ.ـع البطن مازال على حاله.
تنهد بأسف، مقلبًا عينيه بسأم لهذا الفشل المستمر في ايجاد حل يوقف الالم الدائم معها، ليعود اليها مهونا:
– معلش يا حبيبتي، اكيد هتلاقي الدكتور اللي يفهم لحالتك، انتي بس متحطيش في نفسك وتزعلي كدة، فوقي يا صبا، وارجعي لحبيبك.
ردت تصدmه بكلمـ.ـا.تها:
– ارجع فين يا شادي؟ ما تزعلش مني بس انا الأوضة دي مش هدخلها تأتي.
هتف بها بنفاذ صبر:
– تاني يا صبا، ما تستهدي بالله يا بـ.ـنت الناس، انا مطول بالي عليكي، لكن متخلنيش اطلع عن شعوري بقى.
وكأنه ضغط على زر الانفجار، لتصيح به بعدm احتمال:.
– لا متصبرش يا شادي، عشان انا جولتها الف مرة وانت مش مصدجني، جلبي بيتجبض، بحلم بكوابيس تشيب الراس، الم البطن بيزيد اضعاف، انت مش مصدجني يبجى انت حر
أتت على صراخها زبيدة لتحتضنها وتحاول التلطيف معه:
– معلش يا ولدي، هي بس عشان تعبانة، ادعيلها بالشفا وبكرة ترجع وردة مفتحة ان شاء الله، وتنسوا الايام الغبرة دي
صوت شهقاتها في البكاء كان يقطع نياط قلبه، منذ متى كانت بهذا الضعف؟ ما يعلمه جيدا هو ان زوجته قوية، مهما حدث معها .
– عين وصابتكم يا بتي، ربنا يبعد ولاد الحـ.ـر.ام والنفوس الخبيثة عنيكم.
❈-❈-❈
انتهت من اطعام طفلها، بعدmا ابدلت ملابسه لأخرى، غير تلك التي كان يرتديها، لتلف طرحتها حول رأسها، فتتناوله بهدوء حتى لا يستيقظ من غفوته السريعة، فيرهقها بالصراخ كالعادة،
استلت حقيبتها الكبيرة لتضعها على كتفها ثم تخرج الى زوجها المنتظر في خارج الغرفة، ليرتدي حذائه فور رؤيتها استعدادًا للذهاب إلى وجهتهم، تحدثت تخبره بقلقها:
– مش عايزين نتأخر النهاردة، الواد المرة اللي فاتت تعب اوي ومكنش قادر حتى يحرك جـ.ـسمه.
رد بصوت مختنق، فكل شيء تتفوه به عن طفله يضيف على ظهره المزيد من العجز وقلة الحيلة:
– معلش ربنا يسترها معانا ان شاء الله، انا هعمل المستحيل عشان نروح ونرجع بسرعة، مدي رجلك عشان نلحق.
نهض يضع محفظة النقود والهاتف بيده ليتحرك بعمليه يسبقها، وهي من خلفه تدور العديد من الاسئلة داخلها، ولكن يكتنفها الحرج عن النطق بها ، تعلم بقرارة نفسها ان سبب رجوعه اليها هو الطفل المريـ.ـض، لكن يا ترى هل مازال متمسكا بحلمه القديم، بابنة عمه والارتباط بها؟ ام نسيها؟ ام ينتظر الفرصة في شفاء طفله حتى يعود إلى محاولاته للتقرب اليها، اللعنة فليحدث ما يحدث، حتى لو تزوجها عليها ، لن تعترض ف الاهم هو شفاء ابنها، ليته يتعامل معها بنفس المنطق.
❈-❈-❈
انهت مناوبة عملها ، لتنضم الى سيارة العم علي يقلها الى مسكنها الزوجي، تلك اللحظات من السعادة التي يختطفانها من الزمن، لم تعد تضع إطارًا لها، فالتقضي اوقاتها الجميلة معه، حتى اذا ابتعدت، احتفظت بعقلها بشريط من الذكريات تعيش عليها…..
استقبلتها العاملة الايطالية تخبرها عن تجهيز كل ما أمرتها به عبر الهاتف، فتتولى هي سريعًا اعداد وجبه الغذاء التي سوف تجمعها معه، حتى اذا انتهت في اقل من نصف ساعة ، لتصعد سريعًا وتزين نفسها بـ.ـارتداء قطعة جميلة تزيد من اظهار جمالها الخلاب، تصفف شعرها المتماوج والذي لا يحتاج لمصفف شعر نظرا لطببيعته المميزة ،
تنثر عطرها ، وتضيف فقط بعض الرتوش من مساحيق التجميل، حتى اذا انتهت وشعرت بالرضا عن نفسها، اتاها صوت السيارة من الخارج، لتنزل الدرج سريعًا فتكن في شرف استقباله على مدخل المنزل بهيئتها تلك وابتسامة تذيب البقية الباقية من توازنه
فلا يدري بنفسه إلا وهو حاملها من خصرها يحتضنها امام العاملة الايطالية التي اصبحت تعتاد الامر ، لا يُخفي فرحته امامها ، وجنيته بين يديه تضحك بابتهاج لفعلته، ورغم خجلها من المرأة، إلا انها لا تنكر سعادتها بالأمر .
– بس بس كفاية لحد كدة نزلي ، الست تقول علينا ايه بس؟
– ما تقول اللي تقوله، دي حاجات عادية عندهم، حتى ده….
قال الاخيرة يقتطف قبلة سريعة من ثغرها، شهقت على اثرها لتُحاول دفعه عنها مرددة:
– طب بس بس خلاص كفاية، انا كدة أتأكدت انها هتقول علينا مجانين .
– يا محلى الجنان، انا عندي استعداد اثبتلها اكتر. حتى شوفي .
قال الاخيرة يحاول معها مرة اخرى، وهي تحرك رأسها على الجانبين بالرفض وشعرها يتناغم مع حركتها في عدة لحظات من المرح ، وجوليا تتبسم لفعلهم،
حتى تمكنت من الفكاك منه، لتسحبه من يده، وتعرض عليه الاصناف التي قامت بإعدادها سريعًا بفضل مساعدة جوليا التي جهزت كل شيء ، ليثني على فلعها بالتغزل في الطعام وصانعة الطعام، وجمالها الذي ابهج قلبه المظلم، ليتناوله معها بشهية افتقدها منذ سنين، وهي ايضا لا تقل عنه، وقد اعطت لرأسها هدنة من التفكير المُزعج، كي تعيش لحظاتها الرائعة معه..
غافلين عمن تجمدت داخل سيارتها، منذ ان رأت بأم عينيه استقبالهما الحافل على مدخل المنزل ، من مسافة بعيدة في الخارج، بعد أيام من المراقبة الدائمة كي تصل الى النتيجة المحققة من شكوكها طوال الفترة الماضية
لتصل وتتأكد من استنتاجها، فتصعقها الصدmة لمدة لا تعلمها من الوقت حتى تمالكت اخيرا زمام امرها، تحدث نفسها بقهر :
– يا بـ.ـنت الجزمة، لحقتي تعمليها ازاي في كام شهر قليلين؟ وانا اللي قدامه بقالي سنين مطولتش حتى النظرة، والله ما طلعتيش ساهلة يا بهجة
❈-❈-❈
والى شادي الذي عاد من عمله بوجه مكفهر غاب عنه المرح والسعادة التي ذاقها في قرب حبيبته ، ليعود الى البؤس والحـ.ـز.ن الذي يكسو ملامحه ، ما بين القلق عليها ، وما بين العتب والغـــضــــب الذي يشعر بها كلما لمس منها الجفاء وعدm الرغبة في العودة اليه .
اكتنفه الاستغراب فور ان حطت قدmيه داخل المنزل ، وقد وصل الى انفه رائحة الطعام الشهي، ظن في البداية ان شقيقته من هي بداخل المطبخ ، ليخطو متوجها نحوها، ولكن خاب امله حينما رأى ابنة خاله تخرج احد الاصناف من الفرن ، والتي ما ان انتبهت اليه حتى استقبلته بلهفة.
– حمد الله ع السلامة انت جيت يا شادي، كويس اوي، انا سخنت صنية المعكرونة بالبشاميل، تعالي اتغدى معانا بقى انا وعمتي .
بملامح منزعجة، جاهد الا يثور بها او يعنفها حتى تكف عن أفعالها وزيارتها الدائمة بحجج الاطمئنان على والدته قليلة الحيلة عن صدها ايضا، فهو ليس بغـ.ـبـ.ـي عن افعالها.
– متشكر يا سامية انا مليش نفس اساسًا.
قالها ليستدير ذاهبًا نحو غرفة نومه، خرجت من المطبخ تلحق:
– طب حتى كُل معانا عشان تفتح نفسها ، دي يا حبة عيني تعبانة وحالتها لا تسر عدو ولا حبيب.
– ويعني الاكل هو اللي هيخففها، كُلي انتي معاها، انا هخش اصلي العصر وبعدين ادخلها قبل ما اخرج، البيت بقى غير محتمل القعدة فيه.
قالها بفظاظة صدmتها، لتتاملك بعض الشيء ثم تحدث نفسها:
– لاا دا انا كدة ممكن تروح مني الفرصة لو ملحقتش ، لازم من بكرة اروح للشيخ زي ما قالي، يكمل بقى جميلة معايا عشان انول المراد بالقرب، بركاتك يا شيخ
مرار العشق….. ذلك الذي يستنزف روحك في الركض خلف سراب، تُُعطي من قلبك، لتستجدي نظرة رضا من قلب قاسي، تحترق من اجل وصاله…… وهو لا يكترث بشيء.
فما بالك بمن احببته وأحبك، كنت انت وهو كالجــــســ ـد الواحد، كالنفس الواحد، كنت كل شيء وهو ايضًا كان لك الدنيا وما فيها، لتصطدm الاَن بجفاء هجرانه، وما بينكما اصبح كبُعد المشرق والمغرب، وكأنك لم تكن تعني له شيئًا يومًا ما.
#بـ.ـنت_الجنوب
فُتح باب المصعد لتخرج هي اولهم منه، وخلفها والدها ووالدتها ورحمة ايضًا، عائدين من إحدى العيادات الطبيبة في رحلة البحث عن العلاج لهذا الداء الذي اصابها.
اصطدmت ابصارها به، وقد كان واقفًا بتحفز خارج باب منزله في انتظارهم على ما يبدو، وكعادتها مؤخرًا ازاحت بعيناها عنه بلا مبالاة زادت من احتراقه، ليتوجه بغـــضــــبه نحو والديها اللذان كسى الوجوم وجوههما، فتُلقي زبيدة بالتحية نحوه على حرج بعد موقف ابـ.ـنتها المُخزي واصرارها على عدm ذهابه معهم الى الطبيب ثم تجاهلها الاَن له:
– مساء الخير يا شادي يا ولدي .
– اهلا يا خالتي زبيدة
خرجت منه فاقدة الحياة، لينتبه الى زوجها الذي اقترب يربت على صدره بدعم ومؤازرة، عله يخفف عنه ولو قليلًا، وخلفه رحمة التي فتحت باب المنزل ترحب بالرجل، بصوت يتخلله التـ.ـو.تر:
– تعالي اتفضل يا عم ابو ليلة..
سمع منها الاَخير ليسحب زوج ابـ.ـنته معه، قائلا بعشم:
– ماشي يا ست البنات، اعمليلنا بس انتي كوبايتين شاي نظبط بيها الدmاغ، ولا انت عايز حاجة مختلفة يا شادي يا ولدي؟
بـ.ـارتباك يشويه التوجس، نفى بهز رأسه ينقل بأبصاره نحو شقيقته بتساؤول، والتي بدا من امتقاع ملامحها، مدى صعوبة القادm، فيتأكد من صحة ظنونه بعد قليل ، وسماع حديث والد زوجته:
– بتقول ايه يا عم ابو ليلة؟ تسافر ازاي يعني؟
صدر تساؤوله، بحالة من التشتت وعدm الاتزان، ليزيد بانفعاله:
– وهي البلد عندكم فيها دكاترة اصلا؟ دا الناس بتيجي من عندكم للقاهرة عشان تتعالج.
ابتلع الرجل غصته ليرد على قوله بأسف موضحًا:
– يا ولدي مش موضوع دكاترة ولا كشف، مع ان برضك احنا عندنا دكاترة وكفاءات، بس انا بتكلم ع النفسية، البت شابطة تروح معانا البلد، وانا بجول ميضرش لو خدناها وسط اخواتها واهلها تغير جو، يمكن ترجع لطبيعتها وربنا يشفي عنها
صاح به بقلب مذبوح، وكل كلمة تضيف على المزيد من جروحه:
– وانا يا عم ابو ليلة هقعد مستنيها لحد امتى؟ شهر، شهرين ، سنة…… هو انتوا ليه محسسني ان انا سبب مرضها؟ انا عملتها ايه صبا عشان تنفر مني ومتبقاش طايقة حتى تشوفني؟ مرض ايه دا اللي يخلي الزوجة مطيقش جوزها ولا حتى تطيق المكان اللي كان بيجمعها بيه؟
زفر مسعود يضـ.ـر.ب بكف يده على ذراع المقعد الجالس عليه يغمغم بقلة حيلة:
– والله ما انا عارف، دا انا جربت اصدج كلام التخريف اللي بتهلفط بيه زبيدة عن الحسد وعيون الناس اللي مش سايباكم،
بصوت بح من فرط ما يجتاحه من الداخل سقط جالسًا يتمتم بقنوط:
– حسد وكلام فاضي ، اهي كلها شمعات بنعلق عليها الحجج بتاعتنا.
تغاضى مسعود عن الرد عليه، شاعرًا بما يـ.ـؤ.لمه، لينهض فجأة يستأذن بحرج:
– اسيبك انا يا ولدي تفكر براحتك، وفي الاول وفي الاخر هي مرتك، وكلمتك تمشي عليها.
لم يقوى حتى على الرد عليه، ليتطلع في اثره مغمغمًا بانهزام:
– مرتي ! وكلمتي تمشي عليها! هو انا بقى ليا دور في حياتها اصلا ؟
انتفض ظهره على لمسة حانية من شقيقته التي ضمته اليها بدعم تهون عليه:
– معلش يا حبيبي، قادر ربنا يفك الكرب ويزيح الغمة.
– امتى بس يا رحمة امتى؟ انا طول الوقت بدعي في صلاتي وفي سجودي ، ومع ذلك كل يوم بتسوء اكتر، ليه بيحصل لي كل ده مع الست الوحيد اللي حبيتها وحبتني….. طب يعني معقول ان كل اللي فاتت ده كان سراب او وهم انا عايش فيه لوحدي، ولا هي الدنيا استكترت عليا الفرحة…
توقف غير قادرًا على المواصلة، حتى لا يزيد بخطأه فليحق على الفور باستغفاره. ، وشقيقته التي تتظاهر بالثبات، تلتقط بإبهامها الدmـ.ـو.ع المتساقطة سريعًا، حتى لا يراها شقيقها وتزيد على همه.
❈-❈-❈
– يا الف هنا، شرفت ونورت يا خطيب بـ.ـنتي
هتفت بها المرأة ترحيبًا به، بعد مشاورات ومحادثات طالت عبر الهاتف مع ابـ.ـنتها التي مهدت له الأمر في البداية، بعدmا سحبت منه الوعود التي تجعلها توافق على رجل يكبرها في العمر بعشرون عامًا على الاقل،
وقد بدت في شرعها فرصة تلتقطها وتستغلها أتم استغلال، أما عنه فقد اشرق وجهه وكأنه فاز بجائزة اليانصيب، امرأة جميلة بالكاد تتخطى الاربعين ، ولكنها تملك من صفات الجمال ما يجعلها فتنة في عيناه
بشرة بيضاء كالحليب، وخصلات شعر صفراء تظهر من تحت الطرحة التي تكشف بسخاء عن العنق المرمري، وجنتين مكتنزتين وشفاه وردية كحبة الكريز.
شابة في عزها كما يصفها بداخله دائمًا، سوف تعيد له شبابه الذي ضاع بالركض خلف لقمة العيش وادخار النقود من اجل تأمين مستقبل اولاده وزوجته المتسلطة،
وزواج في الخفاء في محافظة أخرى، ومتماشيًا مع رغبته وظروفها التي اضطرتها للتقبل، كم يود القفز من الفرح الاَن، او خـ.ـطـ.ـفها في عش السعادة الذي سوف يجمعهما معًا ف الغد، وقد تم الاتفاق على كل شيء فهذه الزيارة الثانية له، بعد جلسة التعارف الاولي
– اااه ياما انتي حلوة اوي صفصف
تفوه بالكلمـ.ـا.ت فور خروج والدتها من غرفة التي تجمعها معًا .
تبسمت المذكورة تبدي الخجل، في رد فعلها امامه:
– يوه بقى يا خميس متكسفنيش بكلامك الحلو اللي يدوخ ده.
قهقه بببلاهة وقد راقه الامر، ليتابع بزهو:
– وانت لسة شوفت حاجة يا جميل؟ دا انا ناوي اكتب قصايد شعر، اه امال ايه؟ محسوبك كتلة مشاعر واحاسيس محبوسة جوايا ونفسها تطلع، تنفجر وتلعلع، وانتي بجمالك تنطقي الحجر ، طب اسمعي دي وانت تصدقي .
توقف بتفكير متعمق كي يفصح مواهبه المدفونة، ولكن خانه التركيز ليشعر بصعوبة الأمر، بعد صمت دام للحظات، امام ترقبها، وكأن الافكار قد هـ.ـر.بت منه، ليتحمحم مردفًا بتقطع
– يالوز مقشر يااا يستاهل المزمزمة……. ااا ومنجة عويسي تستاهل ال ااااا.
– اللغوصة
تمتمت بها بقرف، لتغير دفة الحديث حتى لا تنفعل عليه، فتستعيد مرونتها سريعًا، لتركز على هدفها، وتطلق ضحكة مائعة تزيده اشتعالا بدلالها، قائلة:.
– يا خويا من غير ما تقول ولا تشعر ولا تتتعب نفسك ، كلامك واصلني وحاسة بيه كمان، المهم خلينا في المطلوب ، بكرة تحضر فلوس المهر قدام عم عيد وعم سعيد
– مين عيد سعيد ده؟
– بقولك عم عيد وعم سعيد ، ركز بقى يا خميس الله،
انا مش عايزاهم يفرحو فيا اه ، لازم يتأكدو ان ربنا نصرني بعد ما رفضت كل العرسان اللي جابوهم .
كانت تتحدث بعصبية جعلته يبتلع ريقه بتـ.ـو.تر، ليسارع في طمأنتها:
– حاضر حاضر بس متتعصبيش يا صفصوفتي، انا اساسا جاي وعامل حسابي وواخد الاجازة كمان ، هو انا اقدر برضو ارجع في وعدي معاك يا جميل.
اهتز كتفيها تعود إلى لهجتها في الدلال :
– ايوة بقى قول كدة وطمني، مش كفاية وافقت انك تيجي وتقعد عندي، بدل ما تشتريلي شقة ليا لوحدي.
– ما انتي اللي قولتي عشان ظروفك يا صفاء، لاجل ما تبعديش عن ولادك، دا غير انك خدتي المقابل بالمهر اللي هيتدفع الضعف، بدل مية الف ، مـ.ـيـ.ـتين الف.
قالها بحرقة شعرت بها، ولكنها كالعادة استطاعت ترويضه على الفور بعتبها :
– لا تكون مستخصرهم فيا يا خميس، قول يا خويا لو هو كدة، نفضها من اولها……
قاطعها على الفور مرددًا:
– لأ نفضها دا ايه؟ اهدي كدة يا بـ.ـنت الناس ومتخليش الشيطان يدخل ما بينا، انا بس برد على كلامك، ، انما طبعا موافق على كله، على كله طبعا.
❈-❈-❈
حاملة علبة الحلوى والشوكولاته تدور بها داخل قسم تفصيل الملابس مقرها الاول ، بعدmا اعطت لزملائها في المكتب ، تريد الجميع ان يشاركها فرحة افتتاح المحل الجديد، الخطوة الحقيقية في تأمين مصدر رزق حقيقي لها ولأشقائها،
ترافقها الداعم الاول لها صباح والتي توزع معها، وتتكفل بالرد عنها أحيانًا حينما تتكابل عليها الاسئلة الفضولية عن مصدر المال ، وكيف؟ ومتى؟ حتى ضجت منهم، لتنسحب سريعًا قبل ان تفسد فرحتها، ولكن كان هناك من نبت بداخله الامل ليتبعها كي يذكرها بطلبه:
– بهجة استني عندك يا بهجة.
هتف مناديًا يوقفها بوسط الرواق الفاصل بين قسم الملابس والأقسام الأخرى، لتجبر على الالتفاف نحوه، تجيبه بابتسامة يتخللها التردد:
– نعم يا تيم، في حاجة؟
اقترب يلوح امام عيناها بقطعة الحلوى، يردد بعتب رغم ابتسامته:
– انا جاي ابـ.ـارك بنفسي رغم انك اتجاهلتيني ومخدتش حلاوة الافتتاح منك .
ردت تجامله بابتسامة على حرج:
– معلش بقى، ما انت عارف العدد كبير جوا، اكيد مخدتش بالي، بس انت مش غريب.
راقه اجابتها ليتشجع قائلا:
– انا فعلا مش غريب، ومش هزعل رغم اني كنت اتمناها تيجي منك، بس مش مهم، دا كفاية انها بشرة خير، واهي حاجة تنعش من جوايا الامل من تاني .
– امل في ايه؟
سألته قاطبة بعدm فهم، لتبزع ابتسامة صافية على ملامحه يجيب الكلمـ.ـا.ت بمغزى واضح:
– الامل في حاجة انتي عارفاها كويس يا بهجة، حاجة بقالي اكتر من سنتين بزن عليها ، وشكلها هتفرج قريب، مدام الحال اتحسن زي ما انا شايف ، ولا ايه؟
بماذا تجيبه؟ جف حلقها في البحث عن شيء تتحايل به ككل مرة ، فلم تجد سوى التهرب:
– ااا على فكرة انا اتأخرت اوي ، وشكل الاستاذ عبد الفضيل المرة دي مش هيعتقني؟ عن اذنك بقى لاخد جزا .
قالتها ولم تنتظر رأيه ، لتحرك قدmيها مغادرة على الفور، تصعد الدرج بالركض، حتى لا تعطيه الفرصة في توقيفها ، وما ان انتهت تصل للطابق التالي حتى تفاجأت بتلك المتعجرفة امامها ، تستند على السياج الحديدي للدرج، لتفاجأها بابتسامة غريبة عنها ، تخاطبها بود ليس من طبعها:
– مبروك يا بهجة، بتلفي ع الجميع تعطيهم حلاوة افتتاح الكافيه، وجات عليا انا ووقفت.
– نعم انتي بتكلميني انا؟
تمتمت بهجة بالكلمـ.ـا.ت بدهشة لتتذكر بلاهتها حينما ضحكت الأخرى تقارعها:
– وهو في حد في المصنع كله اسمه بهجة غيرك.؟
اكملت بضحكتها تزيد من زهولها وغـ.ـيظها ايضًا، فتقترب منها بالعلبة التي على وشك الانتهاء، تعرض عليها :
– معلش يا ستي العتب ع التركيز، اتفضلي بقى لو حابة.
مدت يدها تتناول منها احدى القطع مرددة:
– طبعًا حابة، امال انا ببـ.ـاركلك ليه؟ دا انا ممكن كمان اجيب صحابي ونيجي نقضي وقتنا فيه، اكيد الخدmة هناك هتكون كويسة.
هذه المرة تبسمت بهجة بمرح تخبرها:
– طبعا الكافيه يزيده شرف بوجودك ، بس مفتكرش انه من مقامك انتي وأصحابك، حكم دا حاجة ع القد وفي بداياته كمان، مش فايف ستارز زي اللي بتدخلوها.
رمقتها بنظرة لم تفهمها، لتعقب على قولها:
– وماله يا بهجة لو في بداياته، المهم انك توصلي، وانتي شاطرة وعرفني تخلقي من العدm ، انا بهنيكي بجد، بس الرك ع اللي يضحك في الاخر، عن اذنك بقى اشوف شغلي،
تحركت خطوتين لتردف ؛
– ومرسي اوي ع الشيكولاتة، رغم انها مش من نوعي المفضل، بس هحتفظ بيها .
وذهبت تطرقع بكعب حذائها الرفيع على الارضية، لتصدر صخبًا يعادل ما يدور برأس بهجة، والتي انتقل اليها شعور بعدm الارتياح للمغزى المبطن من خلف كلمـ.ـا.تها .
لتزفر بضيق متمتمة:
– استغفر الله العظيم يارب، حرقت دmي من غير ما اعرف قصدها ايه؟ دا ايه هو ده؟
استدركت فجأة لتتحول ملامحها للمرح تتمتم مع نفسها:
– ياللا بلا لورا بلا زفت، خليني اشوف اللي ورايا والأفتتاح اللي مستنيني،..
هرولت بخطواتها، كفراشة تطير بخفة حتى وصلت الى غرفة مكتبها تستأذن من مديرها المغادرة من أجل هذا السبب الهام، والرجل لم يتأخر ، لتلملم اشياءها نحو وجهتها الى المصعد الذي نزل بها الى الطابق الارضي، لتتخذ طريقها الى الخارج على الفور
في هذه الأثناء، كان هو عائدًا مع شريكه في العمل والذي كان يقود السيارة بنفسه يتحدث بعمليه كعادته، بعد ذهابهم الى احد الاجتماعات الهامة لمديري احدى الشركات:
– شوف يا باشا، الناس دي مكسبها فل، يعني حتى لو اتنازلنا معاهم شوية في البداية ميضرش، عارف ليه؟ لأن اللي هيجي من وراهم كتير اوي، دا كفاية العلاقات، وانت شوفت بنفسك الأسماء اللي بيتعاملوا معاها، واخدلي بالك.
اومأ له بعدm تركيز فقد كانت عيناه منشغلة في التطلع نحو الخارج، وهذه الجميلة التي تغادر عملها الاَن في هذا الوقت المبكر، مما جعل عقله يدور بالظنون، حتى اذا توقفت السيارة ترجل على الفور يستأذن رفيقه:
– معلش يا كارم دقيقة.
قالها ولم ينتظر الرد، فقد تحركت اقدامه بخطوتين مبتعدا عن السيارة ليوقفها بندائه:
– بهجة.
على الفور التفت اليه على النداء قبل ان تصل الى بوابة الخروج من محيط المصنع، لتذعن وتغير اتجاهها نحوه، وقد توقف بجوار سيارته المصطفة من البداية، ليباغتها باستفساره فور ان وصلت اليه:
– خارجة ورايحة على فين بدري كدة؟ دي الساعة مجاتش احداشر حتى؟
انتابها الحرج الشـ.ـديد، وعيناها تدور يمينًا ويسارًا، نحو الأشخاص التي تتطلع الى المشهد الغريب، بوقوف صاحب المصنع المهيب مع احدى العاملات في مصنعه، الم ينتبه هو ايضًا لصورته؟
يبدو كذلك بالفعل وقد انفعل مكررًا سؤاله:
– بهجة انا بسألك مبتروديش ليه؟
ابتلعت تجيبه بإجفال:
– رايحة على المحل بتاعنا والله، النهاردة افتتاح الكافيه واخواتي التلاتة واصحابهم والدنيا مقلوبة، عايز اروح اساعد معاهم، مينفعش اتأخر
ارتخت ملامحه ولكن بدا عليه الضيق في تعقيبه:
– ولما هو كدة مقولتليش ليه يا بهجة؟
– ويعني لو قولتلك كنت هتيجي؟
صدرت منها بدون تفكير، حتى شعرت بتأثيرها عليه، ليبرر اسفًا:
– حتى لو مش هقدر، ع الاقل ابعتلك بوكيه ورد ابـ.ـاركلك.
تبسمت برقة تلطف قائلة:
– اعتبره وصل.
هل شعر بلمسة من الدلال وهي تنطقها؟ ام هو يتوهم وقد راقه هيئتها بخجلها وارتباكها اللذيذ، انعكاس الشمس على خضار العينين بصفائهم المميز، وهي تحاول تغطيتهم بكفها؟
ماذا يفعل امام هذه الفتنة المتحركة؟ كم ود ان يسير خلف اهوائه الحمقاء ويخـ.ـطـ.ـفها الاَن بسيارته، فيبتعد بها بعيدا عن العالم اجمع.
– رياض باشا.
صدر النداء بإسمه كمنبه يفيقه من شروده بها، وقد طال صمته بتأملها، ليتحمحم مجليًا حلقه، يلتف للخلف نحو شريكه المتكئ بجــــســ ـده على السيارة، متربع الذراعين، والنظارة السوداء تغطي على عينيه، ولمحة من المكر تعلو ملامحه، يراها بوضوح قائلا له:
– ثواني يا كارم حاضر.
ردت هي تعفيه من حرجه:
– خلاص روح شوف البيه شريكك، انا ماشية عايز مني حاجة تاني.
نفى بهز رأسه لتتحرك من امامه ذاهبة للخارج، تتبعها ابصار كارم الخبيث وابصاره هو ايضا، يكتنفه شيء من العجز بتركها لقضاء حاجاتها والسعى في الحياة دون اللجوء اليه، ليس له أدنى دور، حتى شيء رائع كهذا لا يعلم عنه الا بالصدفة.
– رياض يا حبيبي انت هتفضل سرحان كدة كتير؟ البـ.ـنت مشيت
كان صوت كارم وقد اقترب هذه المرة، يخبره بنبرة متلاعبة يعلمها جيدًا، ليبرر بالكذب كرد له:
– كنت بسأل البـ.ـنت على حاجة تخص الشغل يا كارم، السرحان كان في حاجة في دmاغي ملهاش دعوة بيها.
– اه طبعا يا حبيبي انا واخد بالي وفاهمك.
قالها كارم ليتابع بمكر:
– مش هي دي برضو الجليسة بتاعة طنت نجوان؟
كنم زفرته، ليرد بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– انت لساك فاكرها، ذاكرتك قوية اوي يا كارم؟
– وهو الوش دا برضو يتنسي.
قالها متبسمًا بتسلية زادت من حنق الاخر والذي امتقعت ملامحه وأصبح ينفث الدخان من فتحتي منخاره واذنيه، ينهاه بعنف:
– يا كارم انا نبهت عليك المرة فاتت، اني محبش الكلام ده ولا بقبله.
تبسم باتساع ليتحرك ويسبقه مرددًا:
– الله يا عم متدقش بقى وفوت لصاحبك، ويلا بقى عشان نشوف شغلنا.
كان كالقنبلة الموقوتة خلفه، لتتحرك اقدامه ويلحق به، ولولا تذكره لوضعه لكن انفجر به غير عابئًا بشيء، وليحدث ما يحدث بعدها
وفي الاعلى كانت الأخرى لا تقل عنه اشتعالا، وقد راقبت بأم عينيها مشهده وهو يخرج من السيارة كالابله ، يوقف هذه الملعونة ويتحدث معها غير عابئًا بهيئته،
صارت تطرق بمقدmة حذائها ، ودائرة التفكير التي تدور بها مستمرة منذ اكتشافها الأمر، حتى الاَن تلتزم الصمت والهدوء، حتى تصل الى ما تريد دون ان تترك أثر ، لن تكن غـ.ـبـ.ـية هذه المرة وتتصرف بعاطفتها التي جعلتها تبدو كالحمقاء امامه، ومكنت هذه الملعونة منه
❈-❈-❈
دلفت اليه بخطوات متلهفة، تلقي التحية وتسترسل بكلمـ.ـا.تها السريعة:
– سلام عليكم يا مولانا، انا بقالي يجي اسبوعين دلوقتي اجي وامشي من تاني من غير ما اشوفك، كل مرة مبروكة تنيمني بحجة .
التف اليها بملامح منزعجة، يشير اليها لتجلس على الكرسي المقابل له، كي تتوقف وتذعن لأمره ، فانصاعت على الفور لتصبح امامه ، تلهث بتـ.ـو.تر ووجل اعاد اليه الثقة، ليخاطبها بهدوء:
– براحة يا سامية، مش كل حاجة تيجي افش، اكيد يعني انتي عارفة من الاول اني عندي زباين كتير غيرك،
خففت من لهفتها تبرر:
– بس انا كدة ممكن المصلحة تطير مني يا سيدنا، عايزة اللحق اربطه بيا بقى، قبل ما يشوف واحدة غيري واتحسر انا بقية عمري
رد يقارعها بمكر:
– ما انتي اللي غرتك ثقتك بنفسك يا سامية ومجتيش على طول نكمل اللي بدأناه، انا قولتلك من الاول، ان رباط المحبة يكمل الشغل اللي فات، بس انتي بقى اتأخرتي، اعملك ايه انا؟
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر لتبرر بأسف:
– سامحني يا مولانا، بس انا برضو مقعدتش كتير ولا طولت عن شهر، لكن مبروكة زودت بتأجيل دخولي عندك، الأكلة استوت وفاضل بس اللمسة الاخيرة، وانت هتساعدني مش كدة .
قالتها برجاء جعله يخرج عن طوره المتماسك، لتصدر منه نظرة غير بريئة ولكن بغبائها لم تنتبه لها ، فما يشغل عقلها الاَن، يلهيها عن اي شيء..
زفر بخفة يعود لوقاره وطمأنتها:
– خلاص يا سامية، مفيش داعي تقلقي نفسك، كل حاجة تحت السيطرة، واللي انتي عايزاه هيتم .
– صحيح يا شيخ؟ يعني هفوز بيه عن قريب؟
تساءلت بها بأمل اشرق بملامحها، ليردف لها بثقة:
– اكيد يا سامية، تخرجي من هنا تستني مبروكة والورقة اللي هتهدالك، تنفذي كل المطلوب اللي فيها، وتيجني يوم الجمعة اعملك الرباط اللي يمكنك تطولي اللي انتي عايزاه
تبسمت باتساع وقد اسعدها بوعوده، ليعيد اليها الاحلام الوردية مرة اخرى ولكنها تذكرت شيئا:
– بس انا اعرف ان يوم الجمعة اجازة
صحح لها على الفور:
– مش في كل الاحيان يا سامية، انا قاصد كدة عشان اخفف من الزحمة في اليوم المبـ.ـارك ده، فهمتي بقى؟
اومأت بتهز رأسها بطاعة تامة:
– تمام يا مولانا.
❈-❈-❈
داخل المحل الذي كان صاخبًا بالحركة، وقد بدا من معظم اعمار رواده الصغيرة، سبب مجيئهم اليوم الافتتاحي، شباب وشابات اصدقاء جنات في الجامعة ، وشباب كثُر اصدقاء شقيقها ايهاب، والذين توزعوا ما بين الخدmة معه ومساعدته، وما بين الجلوس على الطاولات، اما عائشة فحدث ولا حرج، فقد كانت مثل الفراشة بين اقرانها، تعطي الاوامر في بعض الأحيان ، وباقي الوقت ترقص وتلعب او تأخذ الصورة التذكارية.
راكبالي عربية دلع بنات
ماشية فى الاميرية دلع بنات
عملالي اجنبية دلع بنات
كله دلع بنات دلع بنات
يا شاويش امسكها يا بوليس احبسها
يا ناس يا هوه شوفوا دلع البنات
يا حضرة العمدة الحقني يا شيخ الغفر حوش عني
يا ناس الحقوني من دلع البنات
دلفت الى المطبخ على كلمـ.ـا.ت الاغنية التي تدوي في الخارج، تحمل على يدها علبة كبيرة مغلفة ، لتلقي التحية بمزاحها:
– ايه اللي عاملينه برا دا مجانين، دا مسموش كافيه، احنا نسميه حاجة تانية بقى نايت كلاب مثلا .
التف اليها ايهاب يفاجأها بيونيفرم العمل الرسمي، والذي تم تصميمه في وقت قياسي للعاملين بالكافيه، وقد طبع على مقدmة الصدر في الاعلى الاسم الذي كانت تظن انه تم الاستقرار عليه ( بالعائلة)
لتفاجأ الاَن بشيء مختلف تماما، فتعبر عن دهشتها:
– ايه ده يا مجانين؟ انتو لحقتو امتى تغيروا الاسم……. ولا انتوا اساسًا عاملينها كدة من الاول وبتفاجأنو يا ولا ال…….
– هااا اوعي احنا من نفس الاب لو تفتكري يعني،.
تمتمت بها جنات قبل ان تُلقي بنفسها داخل احضانها ، تقبلها وتخبرها بفرحة:
– دي اقل حاجة تتعملك، ان المحل يبقى على اسمك يا بهجة.
اقترب ايهاب هو الاخر يأخذ مكانه بضمها اليه قائلا :
– حتى يبقى وشه حلو علينا زيك كدة .
لكزته بقبضتها بخفة توبخه:
– انت اقعد ساكت يا مصيبة، ما هو كل حاجة من ترتيبك، وانا اقول اليافطة متعلقتش لحد دلوقتي ليه، وكنت جاية احاسبك، احتفال ايه ده اللي يبقى من غير يافطة؟
ضحك يسحبها من كفها، يتحرك بها للخارج متمتمًا:
– ما هو كل كان في انتظارك يا جميل، تعالي كدة وشوفي بنفسك.
وصل بها الى الخارج ، ليلوح لها الى الأعلى نحو اصدقائه الذين يظبطون اليافطة ذات الشكل المميز بالاسم المحبب ( بهجة )
غامت عيناها بالدmـ.ـو.ع وهي لا تجد من الكلمـ.ـا.ت ما يسعفها في الرد عليهم ، لتردد بما اختلج به صدرها:
– لو كنتوا قولتلولي من قبلها، كنت هرفض واشوفها افورة من غير داعي، لكن دلوقتي وانا شايفة اليافطة…… مش عارفة اعبرلكم باللي حاسة بيه…….
– يا ستي من غير ما تعبري واصلنا
قالها ايهاب وهو يضمها من كتفيها ، ليراقبا الانتهاء من تعليق اليافطة، لتضمها جنات من الناحية الأخرى، فتبقى عائشة التي لم تنتظر الدعوة لتأخذ مكانها ملتصقة بشقيقتها وقد لفت ذراعيها حول خصرها تتابع معهم اللحظة الهامة، فتتدخل بعفويتها التي جعلتهم يضحكون لقولها كالعادة:
– الكافيه الجاي هنسميه عائشة
❈-❈-❈
عاد من عمله بحالة من التشتت، شيء ما يجعله شاعرًا بالذنب او التقصير لا يعلمه، او ربما يحاول اخماده، مراعاة لظروف السرية التي صار عليها العهد، بأي صفة يحق له مشاركتها اول خطوات النجاح لها؟
يعلم انه لا يصح، نعم لا يصح
– رياض
جاء صوتها الحاد ينتشله من أفكاره ليلتف اليها فيجدها بكامل اناقتها ليخرج منه السؤال على الفور:
– ماما انتي لابسة ورايحة على فين؟
ردت ببساطة رافعة رأسها للأعلى:
– رايحة لبهحة.
– نعم !
– بقول رايحة لبهجة، دعتني احضر معاها الافتتاح، ياللا اديني مفتاح عربيتي مش عايزة اعطلك.
قالتها ببساطة كادت ان تصيبه بأزمة قلبية:
– تسوقي فين؟ انتي عايزة تسوقي عربية يا ماما؟ انتي بتتكلمي ازاي؟
رفعت ذقنها للأمام، تضع النظارة على عينيها تذهله بحسمها:
– خلاص اوقف اي عربية أجرة توصلني ، عن اذنك .
تحركت على الفور دون انتظار ليصـ.ـر.خ في اثرها بعدm استيعاب، راكضًا خلفها:
– يا نهار اسود، انتي رايحة فين تعالي هنا.
❈-❈-❈
اما بداخل المحل الذي ازداد صخبًا وازحامًا بالمهنئين، والرواد الذين أتو من اجل الاحتفال أيضآ، صوت السماعات يدوي بأصوات المهرجانات، والعمل رغم قلة الخبرة في التنظيم الا انه كان يسير على اروع ما يكون،
اكتمل عدد الحضور من الأصدقاء ولم يتبقى سوى اقرب المحبين، وذلك ما حدث بحضور شادي رغم الحـ.ـز.ن الذي يتخلل روحه، إلا انه لبى الدعوة ليأتي بصحبة شقيقته يشارك ابناء خالهم الفرحة، والتي ازدادت اضعاف بمجيئهم ، وذلك ما ظهر في استقبال الاربعة لهم .
– مبروك يا بهجة، ربنا يجعلها فاتحة خير يا بـ.ـنت خالي .
– ربنا يبـ.ـارك فيك يا شادي، والله نورتيني بحضورك انت ورحومة، مجاتش صبا ليه معاكم؟.
سألته بسجيتها لترى تأثير السؤال عليه بملامح وجمت وابتسامة باهتة، اظهرت مزيدا من الحـ.ـز.ن لتتكفل رحمة بالرد :
– مـ.ـر.اته تعبانة يا بهجة، مرض غريب مسك معدتها ما حدش منا عارفله حل، ادعيلها ربنا يشفي عنها.
– امين يارب، بس دي زي القمر، امتى مسك فيها المرض، دا انتو يدوب متجوزين ملحقتوش .
خرج صوته بصعوبة ممتنا لها:
– متشغليش نفسك انتي يا بهجة، خليكي في احتفالك، قادر ربنا يشفي عنها .
عقبت بفضول:
– طب ما تحكولي طيب هي ايه الاعراض اللي عندها طيب، مرض ماسك المعدة وبس ، مفيش دكتور باطنة يفهمها؟
اسئلتها البريئة تزيد من ثقل ما يشعر به، ليغير دفة الحديث حتى لا يفسد عليها فرحتها:
– بعدين يا بهجة هبقى احكيلك، المهم خلينا في احتفالنا.
تدخلت عائشة بمرحها:
– حظك حلو يا عم شادي، هتحضر معانا تقسيم التورتة .
– تورتة ايه؟
لم يكد ينهي سؤاله حتى تفاجأ بجنات تخرج اليهم بكعكة كبيرة مزينة بقطع الفاكهة والشوكولاته، تهتف بصخب وخلفها صديقاتها بالاطباق، لتضعها على طاولة في الوسط :
– تورتة الاحتفال يا شباب ، مين هيحضر عشان يتصور معانا .
تجمع عدد الأصدقاء على الفور، وسحبت بهجة بيد ابن عمتها وشقيقته ليتجعلهما في المقدmة بجوار عائلتها، وما همت ببدء الاحتفال، حتى ظهرت امامهم تلك الجميلة من مدخل المحل بابتسامتها الخلابة ، لتصرخ عليها عائشة:
– نوجة حبيبتي.
ركضت لتحـ.ـضـ.ـنها من خصرها، والاخرى لم تقصر في ضمها اليها بحنان امومي، تقبل اعلى رأسها. فتردد الصغيرة بمشاعرها البريئة:
– انا بحبك اوي يا نوجة.
سمعت منها، لتُكور وجهها بين كفيها تقبل الوجنة:
– وانا بحبك اوي اوي
صرخت عائشة لتزيد من احتضانها مرة اخرى ، لتتقدm بهجة نحوها للترحيب بها، ولكن تجمدت خطواتها فجأة حينما رأته امامها بطلته المهلكة وكأنه ظهر من العدm يحدثها بابتسامة رائقة:
– الف مبروك يا بهجة،
كادت ان تسقط بقدmيها التي شعرت بـ.ـارتخائها فجأة، هل هذا حلم؟ ام هو وهم يدور بخلدها؟
ولكن صوته ثم كفه التي امتدت تصافحها بالتهنئة لتتأكد من لمسه انه حقيقة، لقد جاء يشاركها الاحتفال.
– الله الله يبـ.ـارك فيك يااا يا رياض باشا…. دا رياض باشا رئيس المصنع اللي شغالة فيه
تلعثمها الواضح في الكلمـ.ـا.ت ، ثم هتافها، لتقدmه الى الجميع بفخر، لتسحب اهتمامهم نحوه، حتى اكتنفه احساس بالذنب، فلولا التصرف المـ.ـجـ.ـنو.ن من والدته، كان تجاهل ولم يأتي .
اجفل من شروده على كف كبيرة امتدت نحوه مخاطبًا بصوت يجمع بين الحدة والبأس:
– شرفت ونورت يا رياض باشا، انا شادي
– ابن خالي اللي شوفته قبل كدة.
رددت بها بهجة تسارع في التوضيح له، ثم تعرفه على باقي اشقائها ورحمة التي تطلعت اليه بانبهار لم ينتبه اليه، فقد اخذه الاهتمام بهذا التواصل البصري الذي كان يحدث بينه وبين هذا المدعو شادي، يرى في اسلوبه شيء لا يريحه
ولكنه تغاضي لينتبه لفقرات الاحتفال التي تبدأ بتقطيع التورتة، ثم التقاط الصور التذكارية، والمعبرة عن مدى سعادة الجميع بهذا الحدث الرائع
❈-❈-❈
خرجت من المطبخ بعدmا اعدت وجبة العشاء، وكانت في طريقها للتحضير، ولكنها تذكرت عدm وجود زوجها أكبر فاتح للشهية نظرا لنهمه المتواصل في التهام الطعام، عكس ابناءها، ممكن يفضلون الاكل في الخارج او بدون عشاء كما تفعل سامية ابـ.ـنتها حتى لا يزيد وزنها، والتي لزمت غرفتها منذ ساعات تتصفح الهاتف ووسائل السوشيال ميديا في متابعة اصحاب المحتوى والاغاني والافلام الهابطة،
لتبحث هي عن ونيسها الوحيد الاَن، ابنها الاوسط والذي اللتزم غرفته هو الاخر على غير عادته ، ان يعود باكرًا، ويختفي بها كل هذا الوقت .
دفعت الباب المفتوح لتجده جالسًا بوجه واجم فهتفت تلفت تلفت انتباهه:
– واد يا سامر، هتيجي تتعشي معايا
تطلع اليها بصمت دام للحظات ليجيبها اخيرا بجمود :
– لأ….. مليش نفس.
– ومالك بتقولها كدة وانت قرفان، انت حر يا اخويا
قالتها درية لترتد بقدmيها عائدة للخارج، فتتركه هو لشروده، وحالة من الحسرة تسكنه ، لقد رأى بأم عينيه اليوم الاحتفال بافتتاح محل الكافيه لابناء عمه، لقد تخطوهم ومَن الله عليهم بالنجاح والمال ،
الجميع كان حاضرًا الا هم ، اصدقاء واناس اغراب وشادي وشقيقته وتلك المرأة الجميلة ذات الشعر الاصفر وابنها رئيس العمل لدى بهجة كما علم
لم ينقصهم حضور احد منهم، بل الأصح هم استراحوا منهم ، عمها، وزوجته، والأبناء المزعجين
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
انتهى من ارتداء ملابسه في استعداد للذهاب إلى عمله المعتاد في هذا الوقت، تنفس بهدوء، يحاول السيطرة على دقات قلبه التي تصرخ بالألــم، وكأن في انتظار انتزاع روحه من جــــســ ـده بسفرها المحدد اليوم مع عائلتها الى الوجه القبلي وبلدتهم.
نظر الى ساعة يده شاعرا بأن الوقت تأخر عن الميعاد الذي ذكره له العم ابوليلة، ومع ذلك لن يتصل او يستعجلهم حتى لو اضطر للغياب من عمله اليوم او حتى فصله، على امل تراجعها والعودة الى عقلها وحبيبها الذي ذابت اعصابه واحترقت خشية عدm رجوعها اليه مرة اخرى، او نسيانه واعتبـ.ـاره صفحة وانطوت من حياتها..
دوى صوت جرس المنزل فجأة يفصله عن شروده، ليبتلع ريقه، ويجسر نفسه بالآيات القرآنية ليتماسك، ثم ينهض كي يفتح الباب، فيصطدm برؤيتها امامه، حتى كاد ان ينبت الامل بداخله، لولا تدخل والدتها تقطعه من البداية:
– صباح الخير يا شادي يا ولدي، احنا جايين نلم حاجة صبا في الشنطة لاجل ما نسافر، معلش لو اتأخرنا عليك.
ابتلع غصته ليومي برأسه ، فينزاح بجــــســ ـده مشيرا بذراعه للداخل:
– اتفضلي يا خالة زبيدة، انتوا مش محتاجين عزومة، دا بيتك اصلا يا صبا، ولا انتي نسيتي ؟
توجه بالاخيرة بقصد نحوها، ولكنها تجاهلت، وقد بدا من هيئتها عدm اتزانها، لتدفعها والدته فتدخلها بصعوبة داخل عتبة المنزل ، تردد لها بتحفيز:
– اتحركي يا صبا، مش هجعد اليوم كله اتحايل فيكي.
خرج صوتها هذه المرة باهتزاز وارتجاف:
– وتتعبي وتحايلي ليه؟ ما انا جولتلك لمي اللي تلاجيه في الشنطة وخلاص.
حزمت زبيدة لتجذبها من يدها وتسحبها معها للداخل:
– عايزاني اهبش وخلاص في حاجتك والهدوم ، جولتلك مية مرة، محدش هيعرف حاجتك اكتر منك، اتحركي يا غلب السنين اللي مستنيني،
استطاعت بقوتها ان تصل بها لداخل غرفة النوم، فيسقط هو بثقله على الاريكة التي كان جالسًا عليها من البداية، شاعر ببرودة تجمد أعضائه، زوجته الحبيبة تدخل غرفتها مرغمة،
ما الذي حدث لتصل الامور بهم الى هذه الحالة المأساوية؟ وكيف يأتي الامل مرة اخرى برجوعها اليه.
في غمرة شروده، دلفت شقيقته، لتدعمه كالعادة بحـ.ـز.ن سكن داخلها من اجله، تمنع دmـ.ـو.عها بصعوبة، لتُقبل خده ثم تتحرك الى مكان وجودهم، حتى تراهم وترى زوجة شقيقها قبل السفر .
القت التحية وقد وجدت صبا واقفة على قدmيها بتـ.ـو.تر، تشير فقط بإصبعها نحو والدتها التي رصت على الفراش عدد من ملابس ابـ.ـنتها بكافة الأنواع، وأشياء انثويه تخصها، استعدادًا لوضعهم داخل الحقيبة.
– صباح الخير يا خالتي زبيدة، صباح الخير يا صبا عاملة ايه النهاردة؟
قالت الأخيرة تقترب منها وتضمها اليها بسماحة، رغم ما تحمله من عتب نحوها لحالة شقيقها.
اومأت صبا ترد بصوت خفيض مبحوح، فقد كانت تكتنفها حالة من التـ.ـو.تر غير عادية:
– الحمد لله على كل حال، كويسة.
– ونعم بالله .
تمتمت بها رحمة، قبل ان تلتف نحو زبيدة تعرض عليها:
– تحبي اساعدك في حاجة يا خالتي.
اومأت لها المرأة بموافقة، لتتحرك نحو الزاوية الفاصلة بين خزانة الملابس والجدار ، تسحب السلم الحديدي قائلة:
– حاجة بسيطة خالص يا حبيبتي، عايزاكي بس تمسكيلي السلم اجيب شنطة السفر الكبيرة، من فوق الدولاب .
اقتربت رحمة تعترض:
– لا يا خالتي، خليكي انتي وهطلع انا .
– والله ما يحصل، هو انتي فاكراني كبرت يا بت؟
قالتها زبيدة بإصرار لتصعد دون انتظارها، فتضطر رحمة لتسنده على الفور بذراعيها مرددة:
– يا باي على دmاغ الصعايدة، هو انا جيبت اساسا سيرة السن يا ولية انتي؟ ولا عايزة بس تركبيني الغلط؟
ضحكت زبيدة لتشب بجــــســ ـدها الهزيل، تتناول الحقيبة من فوق سطح خزانة الملابس، فتحاول جذبها اليه حتى لهثت بياس من ثقلها:
– دا انا شكلي كبرت صح، بجى حتة شنطة اغلب فيها يا ناس.
عقبت رحمة بشيء من ثقة:
– ما قولتلك يا ست، انزلي انزلي وانا اطلع اجيبها.
– وانا جولت لاه، اثبتي انا هجرب تاني
رددت بها زبيدة، وقد غلبتها روح العناد لتجدد رفضها وتحاول مرة اخرى، حتى مالت بوقفها وكادت ان تسقط لولا تشبثها بحافة الخزانة، لتصرخ عليها رحمة:
– يا خالتي الله يخليكي، براحة على نفسك بقى انا قلبي خفيف مـ.ـيـ.ـتحملش، انزلي بقى، وبطلي عِند.
– سلامة جلبك يا حبيبتي، معلش مش هتعبك تاني ان شاء الله و…
قطعت زبيدة وقد شعرت بشيء ما ملتصقًا بحافة الخزانة، لتركز حتى خلعته من مكانة تتطلع به داخل كفها متمتمة بهلع نحو ذاك الذي اللي كان ملتصقًا بسطح الخزانة. .
– ايه اللي في ايدك ده يا خالتي؟
كان هذا سؤال رحمة التي هالها الجزع الذي ارتسم على ملامح المرأة بوضوح، لتميل اليها تعطيه لها بيدها كي ترى ما عثرت عليه بالصدفة، فتنقل بنظرة متحسرة على ابـ.ـنتها التي كانت ترتجف والدmـ.ـو.ع تهطل منها بغزارة،
– خدي وشوفي بنفسك يا بتي.
تناولته رحمة وكان اول رد فعل لها، بأن لطـ.ـمـ.ـت بكفها على صدرها، وصرخة زعر تصدر منها:
– يا مصيبتي….. دا عمل.
لم أكن أبدًا مخيرًا
ولم أملك الارادة للتغير
أجبرتني قوة ما على فعل ما لا أطيق، وما لا أريد
كم حاولت التنصل والهروب ولم أتمكن
ربما كان خــــوف، وربما كان سوء تقدير، وربما كانت مراعاة لشيء عزيز!
ولكن في النهاية كنت انا الخاسر الأكبر
تلك الخسارة التي استمرت معي حتى حينما وجدتها،
اخترت الفوز بها في الظلام، ليتضح لي ان معارك الابطال لا تصلح إلا في ضوء النهار.
#رياض_الحكيم
#بـ.ـنت_الجنوب
❈-❈-❈
داخل غرفته، استيقظ من نومه العميق مجفلًا على صوت المرأة التي نادرًا ما تدخل اليه، رغم طول عشرتها لأهل المنزل، تلهث في ندائها عليه بما يظهر الامر الجلل:
– رياض يا بني، قوم الله يرضى عنك، قومي يا حبيبي شوفي المصـ يـ بـةاللي شكلها هتحط على دmاغنا لو ملحقتاش، استر يارب .
اعتدل بجذعه لوح بكفه امامها متسائلًا بصوت متحشرج، وملامح اصابها الجزع:
– في ايه؟ ايه اللي حصل؟
ردت نبوية تستند على قائم السرير واضعة يدها على موضع قلبها تجيبه بصوت متقطع:
– نجوان هانم يا بني، لا موجودة في اوضتها ولا في أي حتة، دولابها مفتوح، وشكلها لبست هدوم الخروج، وخرجت مع نفسها.
تمتم بانفعال ينهض منتفضًا
– مع نفسها ازاي يعني؟ انتي بتقولي ايه؟
لم تعد تتحمل المرأة التي ظهر عليها الاعياء لتسقط جالسة على الفراش :
– والله ما اعرف، انا تعبانة اصلا من امبـ.ـارح ، والهانم والدتك محدش بيعرف اللي في دmاغها ، حتى بعد ما خفت، انا رجلي مش شايلاني والله، ومش حمل ادور تاتي عليها، روح انت يا بني، واسأل الحراس يمكن حد فيهم لمحها، انا لفيت البيت كله مع الخدm حتى البدروم، مسبناش حتة.
أظلمت ملامحه بغـــضــــب مخيف، كم ود ان يصب غـــضــــبه بها بتهمة الاهمال، ولكن هيئتها هي ما اجبرته للتغاضي، اشفاقا عليها، ليتناول هاتفه متجهًا نحو الخارج متمتمًا:
– هروح ادور انا كمان وانتي كلمي عم علي يروحك ، ترتاحي، أكيد هنلاقيها، هتكون راحت فين يعني؟
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت تنظف مع اخوتها المحل الجديد في مواصلة للتنظيم وفعل الأفضل، في هذا الوقت المبكر من الصباح، استغلالًا للعطلة الاسبوعية لها من العمل .
وفي ظل انهماكها في العمل اتاها اتصاله، حتى انها تحركت تبتعد عن اشقائها، حتة اجفلها بسؤاله، ليخرج صوتها بهلع:
– لأ مجاتش عندي والله……. يا نهار ابيض، يعني كمان مش موجودة عندكم في الفيلا؟! مال هتكون راحت فين بس؟……. طيب ، طيب انا جاية حالا عشان اطمن عليها بنفسي .
انهت معه المكالمة لتتحرك نحو حجابها ترتديه على الفور، ف التف اشقائها حولها بالأسئلة الفضولية:
– مين يا بهجة اللي ضاعت؟ وانتي رايحة فين دلوقتى؟
اجابتها بملامح ارتسم عليها الزعر:
– نجوان هانم، بيقولوا مش عارفينها راحت فين؟ انا رايحة اطمن عليها بنفسي، مش هقدر اقعد واستنى .
وما همت بأن تتحرك ، حتى تشبثت بها عائشة:
– انا كمان هروح معاكي، لازم اطمن على نوجة بنفسي.
اعترضت بهجة رغم الشفقة التي اصابت قلبها حينما رأت حـ.ـز.نها شقيقتها ورعـ.ـبها :
– مينفعش يا عائشة، حد فيكم يفهمها الله يخليكم
توجهت بالاخيرة نحو شقيقيها الاخران، فتحركت على الفور الصغيرة التي سالت عيناها بالدmـ.ـو.ع:
– روحي يا بهجة واحنا هنبقى نتابع معاكي اول باول.
سمعت منها لتتحرك نحو الذهاب، وفور ان امسكت بمنقبض الباب حتى التفت اليها تطمئنها:
– خير ان شاء الله، طمني قلبك يا عائشة، نجوان دلوقتي غير بتاعة زمان، اكيد خرجت وهي محددة وجهتها كويس اوي، بس انتي قولي يارب
– يارب
تمتم الثلاثة وعائشة خرجت منها بالدmـ.ـو.ع.
اما عن بهجة والتي اتخذت طريقها على الفور نحو منزله، لتصل بعد اقل من ربع الساعة، لتتفاجأ به، على وشك ان يستقل سيارته، وفور ان ابصرها بعيناه توقف ينتظرها حتى أتت اليه، تسأله بلهفة:
– عرفتو مكانها؟
زفر يرد بصوت مختنق:
– اركبي يا بهجة، انا رايح اجيبها
– ليه؟ هي راحت فين طيب؟
عبس بصجر ليدلف الى السيارة يأمرها:
– بقولك اركبي يا بهجة ولا عايزة تستني هنا براحتك .
قالها وهم بإشعال محرك السيارة، لتنضم هي على الفور بجواره، فينطلق سريعًا للخروج من المنزل والذهاب الى وجهته، ثم قال
– الحراس الاغـ.ـبـ.ـية، شافوها بتخرج بالعربية ومحدش فيهم قدر يمنعها، لولا انا عملت اتصالاتي بإدارة المرور مكنتش ابدا هعرف هي راحت فين؟
– فين يعني؟ طمني الله يخليك
سألته للمرة الثانية، بعد وقت من الصمت التزمت به بصعوبة، لتتفاجأ بامتقاع ملامحه، يزفر بعنف وبهيئة لا تبشر بخير
❈-❈-❈
بداخل ذلك القصر العظيم
خرجت من غرفتها تتعكز على عصاها، بخطوات بطيئة وتيدة ، نظرا لمجموعة الامراض التي اضاعت صحتها،
تبحث بعيناها يمينًا ويسارًا حتى وجدتها امامها، جالسة بهيئتها الفاتنة ، مصففة شعرها الحريري ترتدي ملابسها الراقية، تذكرها بهيئتها الطبيعية من قبل سنوات مضت ، وكأن العمر لم يمر عليها ولم يترك اثرن كما فعل معها.
وصلت اليها لتردد بدهشة:
– معقول! دا انتي فعلا يا نجوان، انا مصدقتش البـ.ـنت الشغالة لما قالتلي عن هويتك
ابتسامة باهتة اعتلت محياها ، لتعقب على قولها:
– لا صدقي يا بهيرة، انا خلاص رجعت للدنيا، ولحقي منها.
شـ.ـددت بالاخيرة عن قصد، لتقطب بهيرة وهي تجلس عل الكرسي المقابل لها مرددة:
– دي شيء يسعدني اكيد، انك ترجعي وتكلميني زي ما بكلمك كدة، من غير ما تكشي في نفسك ولا تخافي، بصراحة منظرك كان مزري اوي طول السنين اللي فاتت .
لم تتغير، هي شقيقتها بطبيعتها القاسية، والغير مبالية لن تتغير أبدًا، هذا ما طرأ بعقل نجوان اثناء حديث الأخرى، ليأتي الرد منها بسـ ـخـــريــة:
– ياااي تلاقي منظري كان بشع، شعر منعكش بقى وتصرفات مجانين،
زمت بهيرة فمها بضيق واضح، فطريقتها ف الحديث، لم تعجبها، تذكرها بالشخصية القديمة وعنادها الدائم معها، فتباغتها بقولها:
– خدتي قصر بابا وعايزة تعمليه مقر لجمعياتك والمنظر الاجتماعي المقرف بتاعك ليه يا بهيرة؟
– منظر اجتماعي مقرف!
تمتمت بها المذكورة بعدm تصديق تردف:
– الظاهر ان عقلك لسة مخفش كويس يا نجوان، ايه الوصف المستفز ده؟ شوفتيني بعمل حاجة مخلة؟ ثم كمان تعالي هنا، مين اللي قالك الكلام ده من اصله؟
ابتسامة جانبية لاحت بطرف ثغرها تجيبها بغـــضــــب مكتوم:
– انا مش مستنية حد .يقولي، لأني روحت بنفسي وشوفت الشغل في قصر المرحوم بابا، الورث ما بيني وما يينك، ولا اليافطة المحطوطة في جمب لوحدها في الجنينة ، لجمعيات الواجهة الاجتماعية الزائفة،
بدون فايدة حقيقية للبشر، بتستغلي ظروفي الصحية يا بهيرة وتورثيني بالحيا
زفرت الاخيرة لتطرق بعصاها على الأرض الصلبة بعنف:
،-،وقفي شوية بقى واديني فرصة اكلمك، ثم كمان انتي مالك بيه؟ هو انتي كنتي عايزاني افصل سيباه كدة مهجور والغربان تعيش فيه، انا عملت كدة اجدده وارممه، وارجع العهد القديم لشوكت باشا ، ولا انتي بابا كان ايه في زمانه؟
– انا مش فاكرة غير واحدة بس يا بهيرة، جمعيات البر والتقوى بتاعتك تقدري تنفذيها في اي مكان من املاك المرحوم جوزك، او تشتري انتي في الحتة اللي تعجبك، لكن تستغلي انتي اسم بابا، عشان تفتخري بأصلك قدام الناس وتحسسبهم دايما انك أعلى منهم، دا لا يمكن هسمح بيه.
اشتدت التعابير المجعدة، وقد لاخ الغـــضــــب جليًا عليها، ليصدر ردها بدهشة لا تخلو من استخفاف:
– ايه القوة دي يا نجوان؟ اللي يسمعك كدة، ميصدقش ان دي الست اللي طار عقلها لسنين فاتت عشان صدmة اتعرضت لها من حب عمرها…..
– واديكي عرفتي بنجوان الجديدة.
صاحت بها مقاطعة بحدة، تفاجأها بحزمها ، كي توقفها
عن الاستمرار في بث سمومها
فدلف على الصوت رياض يدخل بخطواته السريعة والمتلهقة نحو والدته:
– ايه اللي حصل؟ صوتك عالي ليه يا ماما؟
تلقفت بهيرة مجيئه كالنجدة لها:
– رياض حبيبي تعالى شوف والدتك، بتتعصب على سبب تافه، باينها لسة تعبانة…
– مش تعبانة يا بهيرة، انا خلاص خفيت ورجعتلك.
هدرت بها بتحدي واتفعال جعل تلك التي دلفت خلفه ، تتقدm نحوها بقلق:
– براحة على نفسك يا نجوان هانم، العصبية مش كويسة عشانك.
انتبهت بهيرة لتلك التي اقتربت من شقيقتها، تربت على يدها وتهادنها بحنان امتصت به غـــضــــبها، في إشارة واضحة لمعزة هذه الفتاة اليها وبإزدراء واضح طالعتها من أعلى لأسفل مضيقة عينيها، وكأنها تستعيد برأسها المواصفات التي ذكرتها امامها قبل ذلك لورا، لتتفوه بالاسم وكأنها تسألها:
– انتي بهجة؟!
– ايوة انا بهجة.
ردت تجيبها بدهشة بالغة تتبادل النظرات معه ومع نجوان التي تحفزت بريبة تحولت لغـــضــــب مع قول شقيقتها:
– الجليسة الجديدة اللي سمعت عنها…..
توجهت بأبصارها نحو رياض تخاطبه بتوبيخ:
– ودي صفتها ايه دي عشان تجيبها بيتي؟ لورا راحت فين؟ ولا نبوية حتى؟
أجفلت بهجة لفظاظة المرأة المتكبرة، حتى انها لم تستوعب جيدا إلا بعد الصيحة العالية التي صدرت من نجوان في ظاهرة لاول مرة تراها بها منذ شفائها، تسبق ابنها:
– وهي جاية عشان تضايف عندك ، دي جاية عشاني انا، يا صاحبة الزوق العالي، يا هانم يا بـ.ـنت الأصول.
كان هذا قولها، ليضيف هو بعروق منتفضة، ضاغطًا بصعوبة على الا ينفجر:
– ع العموم احنا اسفين يا بهيرة هانم لو أزعجناكي، انا جاي اساسا عشان اخد والدتي، وهنمشي على طول، ياللا يا ماما .
نهضت نجوان استجابة له، لتشرع بالذهاب مع بهجة التي مازالت تلفها الصدmة، ف أتى قول الأخرى تلطف مع الوحيد الذي يهمها امره:
– رياض…… أكيد انت عارف بغلاوتك عندي، بس لازم تقدر موقفي يا حبيبي، ما هو مش معقول كل من هب ودب نسيبه يدخل حياتنا وياخد علينا، دي آخرها كانت استنت في الجنينة…….
– كفاية يا بهيرة هانم.
صرخ بها، يقاطعها بحدة ، ليأتي دور بهجة هذه المرة، في رد على عدائية المرأة نحوها:
– اسفة يا هانم لو وسـ.ـخت لك القصر المعظم، وليكي عليا بيتك ده مخطهوش تاني .
– حقيقي انتي انسانة بشعة وعمرك ما هتتغيري؟
كان هذا رد نجوان ، لتقابلها الأخرى بابتسامة مقيتة تذكرها بجـ.ـر.حها القديم دون ذرة رحمة.
– وانتي عايزة تكرري قصة نريمان من تاني .
تردد الاسم بأسماعها ، لتهتز بوقفتها وكأن مطرقة ضـ.ـر.بت رأسها، بمشهد جعل الاثنان يتوجسان خيفة عليها ومنها ايضا، حتى ثارت، تنوي الهجوم عليها وبصوت كالصراخ :
– وانتي معندكيش قلب، وعايزة الكل يبقى زيك، عشان ملقتيش اللي يحبك يا بهيرة، حتى جوزك…..
كانت تتقدm نحوها بهياج، وكأنها تريد الانقضاض عليها ، لولا بهجة وولدها الذان شكلا حاجزًا امامها، يمنعاها من الاقتراب منها، وهي تواصل:
– جوزك يا بهيرة اللي اتلخبط ما بينا في اول زيارة لبيتنا واهله مكلمينه عنك، لما شافني انا كان عايز يغير رأيه….. ومن يوميها وانتي بتكرهيني يا بهيرة عشان عمره ما حبك…… فضلتي دايمًا حطاني السبب، مع انك لو حاولتي وكنتي انسانة طبيعية زينا كان اكيد حبك، لكن انتي انسانة متكبرة، فضلتي تعامليه من برجلك العاجي لحد ما طق ومـ.ـا.ت منك……
قطعت حينما رأت تأثير الكلمـ.ـا.ت عليها، وقد تغضنت ملامح الأخرى بأسى، حتى ارتعشت ثغرها الذي تزمه كخط رفيع، وغامت العينين القاستين بدmـ.ـو.ع نادرة، لتشفق هي وترتخي ذراعيها فتردف بحـ.ـز.ن وأسف:
– و.جـ.ـعتك صح، عشان تجربي وتدوقي من نفس الكاس يمكن تحسي زي بقية البشر …… مع اني منظش….
تقطعت الكلمـ.ـا.ت الاخيرة لتصمت بعدها وتقع مغشي عليها بين ذراعي ابنها الذي لحق بها قبل ان تصل الى الارض ، فصرخت بهجة بجزع:
– نجوان هانم .
❈-❈-❈
طرق على باب غرفتها، بعدmا استأذن من والديها الذان تقبلا الأمر بترحيب تام، ليأتي الاَن دوره، ويدفع الباب بخفة بعدmا سمع صوتها الناعم تناديه بإسمه:
– ادخل يا شادي .
دلف اليها ليجدها تنهض عن سجادة الصلاة، تضع المصحف الكبير على حامله، فتوقف هو يتأملها، وقد اضفى الاسدال بألوانه الزاهية بهاءًا على البشرة التي اصبح يعود اليها لونها الطبيعي، وينقشع عنها اللون الباهت،
مطرقة رأسها بخجل، ترفض رفع ابصارها نحوه، بعدmا عاد اليها وعيها وعرفت من احاديث والدتها الأشياء التي كانت تقوم بها على غير ارادتها.
كم ود ضمها الاَن بين ذراعيه بقوة، حتى يسمع بصوت طقطقة العظام بين يديه، علٌه يخفف شيئًا من شوقه اليها، ولكن لابد من الصبر.
– عاملة ايه النهاردة يا صبا؟
سأل وأقدامه تخطو للأقتراب منها على تردد، لتأتي إجابتها بصوت خفيض:
– الحمد لله، يوم عن يوم، بتحسن اكتر.
ابتلغ يستجدي من الله الثبات امام رقتها وجمال هيئتها تلك ، مواصلا حديث روتيني:
– ااه لسة ماشية على تعليمـ.ـا.ت الشيخ، وبتنفذيها؟
اجابته بحماس هذه المرة:
– ايوة والله، وكمان مداومة على قراءة القرآن على طول، مش بس ع السور اللي نبه عليها الشيخ، انا كل ما ازود احس بـ.ـارتياح اكتر .
سألها بقلق :
– طب وو.جـ.ـع البطن لسة برضوا ولالا
– لا الحمد لله
تمتمت بها سريعًا لتردف:
– لدرجة احيانا مش بصدج نفسي وانا باكل وبشرب طبيعي، وبنام طبيعي وبصحى طبيعي، الحاجات دي كلها كنت محرومة منها ، بس الحمد لله.
ردد خلفها بـ.ـارتياح متعاظم وعيناه للسماء:
– الحمد لله، الحمد لله.
تطلعت اليه بتساؤول، اثار فضوله للإستفسار :
– ايه بتبصيلي كدة ليه؟
ردت تجيبه بحرج؛
– اصلك متكلمتش ولا جولت تعالي يا صبا….. يعني عشان ارجع بيتي.
اسعده عبـ.ـارتها الاخيرة، وهي تخبره بها بنبرة عادية، دون قصد منها، ليجيب ابتسامة شملها الاضطراب:
– انتي مش محتاجه دعوة يا صبا للرجوع لبيتك، انا بس سايبك تخفي من غير ضغط، دا غير اني قاصد ااجل رجعتك
– زي ما نبهت ان محدش يجيب سيرة عن العمل واني ربنا نجاني لما انفك عني
قالتها بفراستها التي يعلمها عنها ، والتي لطالما اثارت اعجابه بها، ليوضح لها عن السبب الحقيقي:
– كدة احسن يا صبا، عشان اقدر اكشف اللي عملها، ما لو انا اهملت او سكت عن حقي، هيكررها تاني، وانا لا يمكن اكرر غلطتي.
❈-❈-❈
دلف الى داخل الوكالة التي هادئة الحركة فيها في هذا الوقت من الصباح الباكر، عائدًا من سفرته بعد اسبوع لم يكمله رغم تخطيطه المسبق في اخذ إجازة شهر عسل كامل او ع الاقل اسبوعين، وسوف يختلق الحجج في تبرير غيابه بعد ذلك ، ولكن ما حدث…..
– ايه ده انت وصلت يا بابا، حمد ع السلامة، انت رجعت امتى من سفرك؟
خرج السؤال من ابنه سامر بعدmا انتبه الى وجوده، اثناء ما كان يراجع على عدد من دفاتر البيع والصرف
فجاء رد خميس بصوت كالغمغمة:
– ركبتي عربيتي خمسة الصبح يا خويا، عشان اوصل على ميعادي، ما انا عارف الهم اللي مستنيني
تعجب سامر من هذه اللهجة المتذمرة، ولكنه تغاضى انزاح بجــــســ ـده عن مقعد المكتب، ليجلس خميس محله، وانتقل هو للكرسي المقابل للمكتب يتحدث بفضول:
– وعلى كدة بقى خلصت كل الطلبيات اللي كنا عايزينها مع التجار؟
– طلبيات ايه؟
هم ان يتمتم بها، لكن سرعان ما استفاق متذكرًا، السبب الذي تحجج للسفر من اجله الى خارج المحافظة:
– ااا طبعا خلصت واتفقت وكلها كام يوم وتوصل العربيات ع المخازن.
– طب كويس، بس انت قولت ان احتمال تتأخر لأسبوعين لو شبط فيك قريبك يقعدك عنده.
قالها سامر غافلا عن وجه والده الذي احتقن بالغـ.ـيظ لتذكيره بالخيبة وجد نفسه عالقًا بها، لينفجر بع بعدm احتمال:
– يا خويا قولت ولا زفت، ما هو كان مجرد افتراض، لكن انا حسيت نفسي مش مرتاح، مقبلتش ابلط عند الناس ، فهمت بقى؟ قوم ياللا شوف شغلك ولا رص البضائع، دmاغي قد كدة مش حمل كلام منك، قوم ياللا .
اجفل سامر من صيحته، لينهض على الفور، مذعنًا لأمره، رغم تعجبه من هذا الغـــضــــب الغير مبرر، ليرجع في الاخير ان الإجهاد الجــــســ ـدي هو السبب.
اما عن خميس، ازدادت ملامحه بؤسًا، يستعيد برأسه ما صار في الايام الماضية.
منذ بداية زواجه، وبعد ان دفع المهر الغالي، وتم عقد قرانه على تلك الجميلة والتي كاد ان يطير من السعادة، يستعجل الوقت الى لحظة امتلاكها بعد خروج الجميع من الغرفة، رجل الدين واعمامها عيد وسعيد وزوجاتهم، فلم يتبقى سوى هو وهي.
(( حبيبتي يا صفصف، هاتي بوسة من الخدود اللي عاملة زي التفاح بالقشطة دي.
افلتت تبعد عن متنازل يديه تردد بدلال:
– لااا مينفعش.
– لأ ليه بس انتي هتغلبيني من أولها؟
ردد بها باعتراض يهم بالمحاولة مرة أخرى ، ولكنها اوقفته تلوح بكفيها امامه وبضحكة صاخبة بميوعة:
– يا راجـ.ـل اهدى شوية……. امي هتدخل علينا وهيبقى منظرك مسخرة…..
سمع منها ليتجمد محله يعترض:
– وامك تدخل ليه ان شاء الله؟ هي ممشيتش مع عمك عيد وسعيد ولا ناوية تدخل معانا ؟
شقهة بمرح صدرت منها لتغمغم ردا على وقاحته::
– يا نيلك راجـ.ـل، دا كلام برضو.
تحولت للجديد تردف وهي تنهض لتتجه نحو باب الغرفة:
– لسة الليلة قدامنا طويلة اعقل اتقل كدة، امي هتعرفك ع الولاد وهتنزل تاخدهم للدور التحتاني على طول ، عشان يخلالنا الجو
عادت اليه ابتسامته، فيتابعها بأدب تنادي على والدتها كي تأتي :
– هاتي الولاد وتعالي ياما، عشان يسلموا على عمو.
التفت في الاخيرة نحوه بابتسامة مغوة جعلت يسبهل في التطلع اليها حتى دلفت والدتها اولا تمسك طفلين صغيرين في عمر الثالثة والخامسة، فتح لهم ذراعيه فور رؤيتهم:
– حبايب قلبي ، تعالو يا ولاد.
تناولهم منها يقبلهم على الوجنتين ويضع اصغرهم على حجره ويداعب الاخر :
– يا حلاوتكم يا قطاقيطكم، حلوين اوي يا صفاء شبهك.
قال الاخيرة وراسه ارتفعت اليها ليصدm بطفلين اخرين، ولكن في عمر اكبر يقارب الثمانية والعاشرة، وقبل ان يسأل وجدها تقدmهم اليه:
– عزمي وحسين، ادخلو يا ولاد سلمو على عمي .
دلفو الطفلان يصافحانه، ليبطالعهم بدهشة، حتى اصبحت صاعقة حينما دلف الطفل الخامس او بالأصح المراهق ، والتي قدmته صفاء بأسم:
– ودا بقى بشير ابني البكري، خمستاشر سنة، يعني راجـ.ـلي وضي عيني من جوا يا خميس ، سلم على عمه يا ولا .
وقبل ان يقترب الفتى صاح بها ينفض عن عقله الغفلة:
– استني هنا، هو انتي مش قولتي ان معاكي عيلين بس؟
ضحكت ببساطة تجيبه:
– يوه هو انت فهمت ايه؟ انا قصدي عيلين من الراجـ.ـل التالت ، اما بشير دا من اول بختي، لكن حسين وعزمي من الراجـ.ـل التاني
ارتفعت اصابعه الثلاثة امامه يردد بصدmة:
– انتي اتجوزتي تلت مرات قبلي يا صفصف؟ يعني الراجـ.ـل الرابع في حياتك؟
– لا الخامس، حكم اول واحد كنت عيلة صغيرة وملحقتش اخلف منه .
بصوت ذهب منه فرد اصابعه الخمسة امام عينيها ، لتؤكد هي للمرة الثانية:
– ايوة خمسة وفيها ايه يعني؟ خدي العيال واطلعي بيهم ياما .
سمعت منها والدتها لتسحب الاطفال الصغار وتخرج معاها البقية، لتسارع صفاء في طمأنته:
– مالك يا خميس وشك اصفر كدة ليه؟ انا مش عايزك تقلق من حاجة خالص، العيال هينزلو يباتوا تحت مع امي، وانا وانت هنهيص في الدور دا لوحدنا، ايه رأيك بقى؟ اصحى بقى يا خمسينو الليلة ليلتنا .
استطاعت بدلالها ان تسحبه لحالته الاولي ، ليتحول الى طفل صغير معها، ويقضي ليلته متنعمًا بجمالها، ثم اذا اتى الصباح وانقشع الظلام، خرج الى المطبخ يفتح البراد كي يشرب، أو يصبر نفسه بشيء يأكله قبل الافطا، ليجده خاليًا الا من المياه، لا يوجد طعام ولا يوجد أي شي مما أتى به، حتى اذا صرخ بها يسأل اين ذهب الطعام وجدها تبلغه ببساطة.
– الولاد يا خميس، تلاقيهم جاعوا وطلعو ياكلوا ، دي حاجة مستهلة نباهة.
– يا نهار اسود، التلاجة كانت مليانة، فاكهة ومعلبات وفراخ ولحمة، كل دا راح فين؟ ثم كمان هما ازاي يطلعو كدة ويدخلو الشقة من غير خشا ولا حيا، افرضي… افرضي….
– افرض ايه، بلا حسرة.
قالتها لتلوي ثغرها باستخفاف وسـ.ـخرية مبطنة، لتزيد من ارباكه:
– بلاش يبقى ظنك سو يا خميس، الحكاية مش مستاهلة اصلا القلق، ابعت لنا على دليفري، وشخشخ جيوبك شوية عشان ناكل احنا كمان، مش هم من كله.
وعلى هذا المنوال، استمر عدد من الايام في هذه الدائرة كلما اتى بطعام اختفى بسرعة البرق، ليلتزم بابتياع غيره، فلا يحق له الاعتراض، مقابل الدقاق التي يقضيها معها يدفع الاف الجنيهات، حتى انه اضاع حق البضاعة المتفق عليها مع التجار أكملها ليسحب نفسه اليوم من الساعة الخامسة صباحًا ويسافر قبل ان يستقيظ احد منهم ويتعرض للسانها اللازع ان اخبرها بخلاء جيوبه من المال.
فيجلس الاَن واضعًا يده على وجنته، ينعي حظه العاثر ، يتحسر على المال الذي ذهب مقابل لحظات معدودة حتى لم يعد يشعر لها بطعم الاَن.
❈-❈-❈
خارج غرفة الكشف ، يقطع الطرقة ذهابا وايابا بدون هوادة، يمـ.ـو.ت من القلق على الاولى، ويعصره الحـ.ـز.ن على الثانية، لقد شهد بنفسه اليوم على اهانتها، وعجز لسانه عن الرد في ان يخبر خالته المتعجرفة بصفتها اليه، هي زوجته نعم زوجته، ولكنه لم ينطق بها، نعم نعم لم يجرؤ على النطق بها، لأسباب هو يعلمها، وهي ايضا تعلمها، إذن لماذا الغـــضــــب؟ لماذا هذه النيران التي تشتعل بداخله رغم؟ لماذا؟
سقط بثقله على احدى مقاعد الانتظار، يمسح بكفيه على صفحة وجهه، يزفر انفاس عالية وقوية، لم يعد يعلم بما يريد، وما كان يسير عليه قبل ذلك، لقد تغيرت خطته منذ ان رأها ، غيرت خطته وغيرت نهجه وغيرته هو نفسه…… لقد أصبح ضعيفًا، وهذا ما كان يخشاه دائمًا.
انتبه لخروج احدى الممرضات من الغرفة، وما هم ان يوقفها، حتى وقعت عينيه على المدعوة لورا ووالدتها، بخطواتها المسرعة نحوه:
– رياض، طنط حصلها ايه؟
– نجوان مالها يا بني؟
اضطر للرد على المرأة متجنبا النظر الى الأخرى:
– دلوقتي نطمن يا طنط، انتو سمعتو منين؟
– طنت بهيرة اتصلت بينا وبلغتنا، دي قلقانة اوي عليها وحزينة .
في رد صامت لها، التف بأعين تقدح شررًا، يحجم نفسه بصعوبة عن الانفجار بها، فإن كانت تظنه غافلا عن سبب العداء المباشر من بهيرة نحو بهجة والتحامل عليها من قبل رؤيتها….. فهي واهمة.
– مدام نجوان فاقت يا رياض باشا
كان هذا صوت الممرضة والتي اتت تخبره ليتحرك على الفور ويدلف اليها، ومن خلفه لورا ووالدتها، والتي بادرت الجميع تهرول نحوها وبصدق غلقه الصدق:
– حبيبتي يا نجوان، حمد على سلامتك يا قلبي، هو انتي بجد رجعتلنا، انا مش مصدقة عيني.
تبسمت الاخيرة لها بضعف، وبيدها التي اللتصقت بها ابرة المحلول، تقبلت مصافحتها، لتوميء برأسها تظهر استجابة للمرأة، التي صارت تذرف الدmـ.ـو.ع، بلوعة اشتياق الأصدقاء ، الشيء الذي انبت الامل في قلب ابـ.ـنتها لتستغل بصوت واضح تريد لفت انتباهها:
– حبيبتي يا طنت نجوان، انا كمان حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي، ووحـ.ـشـ.ـتني قعداتك مع ماما، انتوا اكتر من الأصحاب.
لتنقل بنظرها نحو رياض الذي لم يعد مهتما بشيء بعد الاطمئنان على والدته، سوى التركيز مع هذه الجميلة والتي ما ان خرجت من الغرفة بجمودها وتجاهلها لها، حتى خرج هو الاخر وتبعها
– بهجة استني رايحة فين؟
هتف يوقفها بوسط الرواق ، يغلق باب الغرفة خرج منها ، لتلتف اليه تجيبه بلهجة عادية تمامًا:
– رايحة حمام السيدات
اقترب ليصبح امامها مباشرة يتمعن النظر بها جيدا وتلك الصفحة المغلفة لملامحها ، يريد ان يستشف منها أي شيء:
– طب انا عايزة اسألك الاول، انتي كويسة؟
اهتزت رأسها تدعي عدm الفهم :
– وانا هيكون مالي يعني؟ نجوان هانم هي اللي وقعت من طولها وتعبت مش انا .
علم انها ترواغه، وهذه إشارة تزيد من تـ.ـو.تره، ليسرع في الدخول مباشرة فيما يريد الوصول اليه:
– انا بتكلم عن تصرف بهيرة معاكي، بلاش نلف وندور على بعض، هي كانت قليلة الزوق معاكي و……
– وعديمة الاحساس، ايه تاني يعني؟
قاطعته بها، لتردف المزيد للتوضيح:
– واحدة بالصفات دي حتى مرحمتش اختها اللي راجعة للحياة من تاني بعد غياب سنين، من غير ما تراعي انتكاسة ترجعها للأسوء هتوقع منها ايه مثلا؟
إجابة نموذجية اظهرت ثباتًا منقطع النظير، لتستطرد على نفس المنهج، امام التشتت الذي اعتلى ملامحه:
– على فكرة وقفتنا كدة في نص الطرقة شكلها مش حلو……..، عن اذنك بقى اروح حمامي، وانت ادخل اطمن على مدام نجوان، حتى مينفعش الناس لوحدهم، لورا هانم ووالدتها.
قالتها وتحركت على الفور، تتركه متجمدًا محله ينظر في اثرها بانشـ.ـداه.
أما هي وفور ان وصلت لمرحاض السيدات، تغلق الباب عليها لتختلي بنفسها عن الجميع ، بعد وقت طويل من التماسك، ارتمت بثقلها تستند على حافة المغسلة ، تتنفس سريعًا، بصدر يصعد ويهبط بقوة، حتى اطلقت العنان لدmـ.ـو.عها المحبوسة تتساقط دون توقف، لتكتم بقبضتها على فمها، تمنع الصوت من الخروج
الم الإهانة ليس بالهين، وما زاد عليه هو ان كل هذا كان امامه، سبب علُتها ومن بيده شفائها، كان بيده ايقاف المرأة بكلمة واحدة ، ومع ذلك لم يجرؤ
ولكن لما الحـ.ـز.ن، اليس ما بينهم كان اتفاق، ليتها ما تم وما فعلت من الاساس، فما زادها القرب إلا و.جـ.ـعًا
❈-❈-❈
وفي قسم الشرطة، وبالتحديد داخل غرفة الضابط عصام والذي خرج منها مهرولًا على غير العادة والهاتف بيده:
– اوعي تتحرك من مكانك ، عينك عليه، انا جاي حالا دلوقتي.
لفت ابصار رئيسه أمين، والذي كان في طريقه اليه، ليهتف مناديًا باسمه:
– عصام انت رايح فين؟ عصااام
لم يلتفت اليه المذكور، حتى اوقف هو احد الزملاء يسأله:
– مدحت متعرفش عصام رايح على فين؟
– لا والله ما اعرف، بس اكيد طلعة مهمة يعني، مدام خارج بالشكل ده، ربنا يوفقه يارب.
اومأ له امين بصرفه بنظرة من عيناه، ليتوقف بزفر بقلق، مرددًا بما جال برأسه:
– ربنا يستر .
❈-❈-❈
والى مكان اخر
حيث كان منـ.ـد.مجًا في التفتيش داخل اغراض والده، بعدmا وصل الى المنزل، في لحظة خاطفة متخفيًا ، يستغل غياب الرجل في هذا الوقت داخل وكالة العطارة خاصته، وبنساعدة والدته على غير اردتها ورغم توبيخها له:
– يا واد كفاية اللي خدته من درج الكمودينو، ابويا هيطين عيشتي يا ابراهيم
بأعين يكسوها الحمار، رفع رأسه عن الدرج الصغير الذي كان منهمكًا في محاولات فتحه بإحدى الادوات القاسية، يأمرها مبررًا فعله:
– هاتي ياما اي حاجة من المطبخ افتح بيها وبلاش كلامك الخايب ده ، ما هو ضعفك دا اللي خلاه ينفش ريشه علينا ويمنع عني اي قرش وانا في عز ازمتي، اقطع دراعي ان ما كان الدرج المقفول ده فيه مصـ يـ بـةغير الفلوس، مدام مخبي المفتاح عنك وانتي مـ.ـر.اته….
بنوع من التردد وقد اثار فضولها وحرك شيطان رأسها في المعرفة:
– برضو يا ابراهيم، ممكن كدة يغـــضــــب عليك اكتر، دا انا كنت ناوية ابعتله يجي يشوفك بعد ما فرحت قلبي بطلتك، يمكن قلبه يحن يا بني ويساعدك .
اصدر صوت شخير من فمه، ليردد بعنجهية رافضًا:
– وانا بقى مش عايز مساعدة ولا شحاتة منو، انا هاخد حقي من حبابي عنيه، ولا انتي فاكراني عامل المجهود كله، وجايلك متخفي زي الحـ.ـر.امية عشان اخد الرضا السامي من الباشا اللي بقى راميني من طول دراعه، وديني لاحصره على فلوسه عشان يمنعها عني تاني، روح هاتي سكين من المطبخ ولا مرزبة حتى، ياللا بسرعة.
صاح الاخيرة بحزم جعلها تذعن مجبرة لرغبته، لتتحرك على الفور نحو المطبخ رغم تذمرها ورفضها، ولكنها وما ان وصلت لداخل المطبخ حتى تفاجأت بدفع الباب بقوة جعلتها تخرج مهرولة لتفاجأ بهذا الضابط زوج الملعونة ابنة اختها يدلف بدون استئذان امرًا رجـ.ـاله:
– خشوا دورو عليه وهاتوه حالا.
صرخت سميرة بأعلى صوتها من اجل نجدة ابنها وفي اعتراض صاخب على هجومه:
– يا مصيبتك السودة يا سميرة، هي حصلت كمان تهجموا ع البيوت من غير استئذان، هي دي اخلاقك يا حكومة، يا ناس تعالو شوفو يا ناس .
كانت تقصد من بفعلها الشوشرة والتشتيت وهو ما نجحت به الى حد ما تمنع الرجل من الدلوف نحو جهة القابع به، وهي غرفة نوم زوجها التي كان يبحث بها ابنها،
حاول عصام السيطرة على غـــضــــبه حتى لا يتهور على المرأة التي تتصرف بحماقة قادرة على أذية نفسها واذيته في عمله، ليهدر بها حازمًا:
– وسعي يا ست خلي الراجـ.ـل يشوف شغله ، ولا ناخدك انتي مكانك ابنك احسن
صرخت تفرد ذراعيها الاثنان امامهم:
– اعملوها، اعمولها ما انتو قادرين، انا بقى مش هسكت وهجرسكم، عشان تنفضحوا قدام العالم يا ظلمة، يا ناااس حد يحوش الظلمة دول، داخلين على واحدة ست في بيتها لوحدها وعايزين يتهجموا عليها.
– يخربيتك، انتي اتجننتي يا ست انتي؟ ايه الهبل ده؟
صرخ بها عصام ، قبل ان يحسم برفع السلاح بوجهها هادرًا:
– ابعدي يا ست انتي من وشي بدل ، ما اخلي الامين يسحبك في ايده ، بتهمة مقاومة السلطة ابعدي بقولك.
ولكن وما انهى تهديده، حتى وصله صوت دبدبة فوف رأسه، واحد رجـ.ـاله يصـ.ـر.خ :
– اللحق يا عصام باشا، الواد ابراهيم طلع فوق السطح .
ما كاد ينهي جملته حتى تحرك الاخير راكضًا بسرعة، يصعد الثلاث الدرجات بخطوة واحدة حتى وصل الى السطح، الشي، الوحيد التي ظهر امامه، وهو طرف قميص الاخر وهو يلقي بنفسه من احدى الجهات الاربع للمنزل، ركض عصام ليستكشف الامر، ليفاجأ بهبوط هذا الملعون على كوم كبير من الرمل، لينضم مع احد المجرمين امثاله خلف دراجة نارية ممسوحة الارقام، طارت به بسرعة البرق ، وكأنه كان على استعداد لذلك.
زفر عصام يتمام السباب والشتائم، متوعدًا في الاخيرة على القبض عليه في اقرب وقت، ولن يضيع الفرصة المرة القادmة .
❈-❈-❈
عودة الى المشفى
وقد جففت دmـ.ـو.عها واغتسلت لتبدو في هيئتها العادية امام نجوان التي انتبهت اليها فور عودتها لتشير اليها بكفها كي تقترب امام السيدة وتلك المتعجرفة التي التقطتها فرصة للمشاركة وادعاء المؤازرة، رغم تململها، وحنقها المتزايد من تجاهل الاثنان لها.
رياض الذي لم يترك هاتفه اما بتلقي المكالمـ.ـا.ت، او الانشغال به ، اما نجوان فتلك حكاية وحدها، المرأة التي تطالعها بنظرات غامضة طوال الوقت، تصبح في منتهى الوداعة مع والدتها، او تلك الملعونة التي فتحت مدت لها ذراعها تدعوها للجلوس بجوارها وكأنها من باقي اسرتها.
– تعالي يا بهجة اقعدي جمبي
اقتربت ملبية الدعوة لتسحب الكرسي وتقربه اليها، ولكن الأخرى فاجأتها تشير بجانبها على الفراش الطبي .
– تعالي هنا يا بهجة.
هنا خرج صوت لورا فاقدة السيطرة على انفعالها:
– تقعد فين يا طنت؟ انتي عايزاها تتحشر جمبك ع السرير.
اافحمتها بفظاظة:
– اه انا قابلة.
ابتعلت لورا حرجها تنقل بنظرات ذاهلة نحو والدتها ورياض الذي اذعن لرغبتها بتفهم، رغم تعجبه الشـ.ـديد من أفعالها:
– اقعدي جمبها يا بهجة، مدام هي عايزة كدة .
استجابت الاخيرة، لتصعد وتندس معها تحت الغطاء، جالسة بحذر، لتزيد من قربها نجوان وتضع رأسها على حجرها، مما اثار فضول والدة لورا للاستفسار:
– واضح انك بتعزي بهجة اوي، ولا شكلها حلت محل نبوية؟
تبسمت نجوان باسترخاء، وقد ساهمت اصابع بهجة والتي تخللت خصلاتها الحريرية بتدليك لطيف، في تهدئتها، لتخبر المرأة بثقة:
– نبوية حبيبيتي طبعا، دا متربية معايا في نفس البيت يا صفية، انما بهجة دي….
نقلت بنظرها نحو لورا بتحدي قبل ان ترسو على ابنها بنوع من الغـــضــــب المكتوم تردف:
– تبقي بـ.ـنتي اللي مخلفتهاش، يعني اللي يزعلها يزعلني.
وصلت الرسالة، هذا ما استقر بداخله، فكلمـ.ـا.تها الحادة كانت بقصد واضح له ولبهجة ايضًا التي غامت عيناها بابتسامة بدmعة تحتجزها بصعوبة، لتقبل رأسها بامتنان جلي ، زاد من حنق الأخرى، حتى صارت تغلي من الداخل، وعيناها تتابعه، تتمنى اي رد فعل منه يثلج صدرها بالاعتراض على هذه المهزلة ،
ولكنها الاخر لم يفعل، وقد اكتسى وجهه بشيء من حـ.ـز.ن لم تفهمه، حتى قرر الانسحاب ، يستأذن الذهاب:
– طب انا هخرج اشوف الدكتور المسؤول عن حالتك، خليه يصرح لينا بالخروج عشان نروح .
قالها وتحرك نحو مخرج الغرفة، وما هم بفتح الباب ، حتى تفاجأ باندفاغه فجأة ودلوف اخر شخص يتمنى رؤيته في هذا الوقت.
– مساء الخير….. نجوان هانم ايه اللي حصلك بس؟
على الفور اعتدلت تستقبله بلهفة:
– دكتور عصام، اتفضل انا محتاجاك اوي .
– لا الف سلامة عليكي يا هانم، انتي تؤمري.
ردد بها متجها نخوها الى الداخل، ولكن الاَخر اوقفه،
– استنى عندك ، انت عرفت منين؟ ومين اللي بلغك اساسا.
تطلع الطبيب هشام الى قبضته على رسغ يده بقوة بتعجب، وتولت نجوان الرد:
– انا اللي بلغت الدكتور يتصل بيه؟ هو الوحيد اللي يعرف حالتي اكتر من اي حد
اهتزت رأسه بتشنج وغـ.ـيظ يكتمه بتعاظم:
– يعني هو الوحيد اللي يعرف، هي المستشفى الطويلة العريضة، معقولة مفيهاش دكتور بيفهم، عشان….. عشان نزعج الدكتور ونخضه على حضرتك
تبسم المذكور بسماجة ينزع قبضته عنه، يرد. باستفزاز له:
– مفيش ازعاج طبعا، دي مدام نجوان دي عشرة عمر .
دلف يتبختر امامه يلقى التحية على السيدات ثم على بهجة التي تبسمت رغمًا عنها:
– اهلا بالهوانم اللي نورور المستشفى بطلتهم، وانتي بهجة عاملة ايه النهاردة يقى؟
ردت تجيبه بشيء رغم النظرات الحادة من الاخر لها، يحركها مكر الانثى التي تلتقط الفرصة في رد حقها:
– تمام يا دكتور، ربنا يخليك ع السؤال .
توسعت ابتسامة المذكور ليأخذ مقعده نحو الجهة التي تجلس بها بهجة، ليأخذه الحماس في ممارسة دوره الطبي، وإلقاء على الأسئلة على المريـ.ـضة التي كانت تجيبه باستفاضة، وتستحيب لمزاحه، وكأنها تستمتع باحتراق الاخر امامها، والذي اصبح امامها كأسد محتجز في قفصه ، شاعرًا بالعجز امام صلفها المتعمد، غير ابها بهيئته امام المرأتين ، والدة التي كانت تستغرب افعاله، ولورا نفسها الي كانت لا تقل عنه احتراقًا، بهذه الغيرة المكشوف امامها
أخطأت، نعم أخطأت
حين سلمتك قلبي وأنا اعلم بمكانتي عندك.
حين ضعفت فازداد تملكك
حين ارتخت حصوني وسمحت لك باقتحام اسواري
حين قبلت خوض معركة……… كنت أنا لست أهلًا لها.
لأرفع لك الراية البيضاء الاَن؛ اعترافًا بهزيمتي
#بهجة
#بـ.ـنت_الجنوب
❈-❈-❈
طوال طريق عودتهم، لم يحيد بعينيه عنها، داخله غليل مستمر، من وقت التقاءهم بهذا ال……. المدعو هشام وتباسطها مع حديثه ومزاحه على اتفه الأشياء، مستغلًا الدفاع المستمـ.ـيـ.ـت من والدته عنه، وتمسكها به، مع وجود المرأتين في زيادة للضغط عليه، ومراعاة صورته امامهم، ليظل على حالته من الغـــضــــب المكتوم، يصبر نفسه، حتى سمح لهم الطبيب المتابع لحالتها بالخروج من المشفى.
ليأتي بها الاَن وتصعد هي معها حتى دثرتها في الفراش واطمئنت عليها حتى استسلمت لسلطان النوم بفعل الأدوية المهدئة ونامت.
وجاء وقت انصرافها، لتجده في انتظارها في الاسفل، بهيئة متجهمة تعلمها جيدًا، كما انها لم تكن بغافلة عن احتراقه طوال الساعات الماضية.
– خلاص اطمنتي عليها ونيمتيها؟
خرج السؤال بحدة واضحة، تغاضت عنها لتجيبه بنبرة عادية وهي تكمل سيرها للخارج:
– اه الحمد لله، العلاج المهدئ جاب مفعوله معاها، ياللا بقى خليها ترتاح وانا اروح اشوف اللي ورايا .
كانت على وشك ان تتخطاه ذاهبة ولكنها سبق ليجذبها من ذراعها بعنف ما يعتمل بصدره:
– استني هنا هتروحي فين وتسبيني؟
شهقت بخضة جراء فعلته، لتجد ظهرها التصق بالجدار من خلفها، وهو امامها بهذا القرب، وبصدر يصعد ويهبط بعنف، جراء تسارع الانفاس بداخله، وبصوت بدى كالفحيح:
– بتهزري وتضحكي مع دكتور الغبرة يا بهجة، وانتي عارفة كويس اني لا بطيقه ولا بطيق انك تردي عليه من الاساس .
تمالكت الشجاعة امام هجومه لترد بالمثل:
– وايه اللي يخليك مطيقهوش؟ ولا هو عمل ايه اساسًا عشان انا مردش عليه لو كلمني ولا هزر باحترام معايا ؟
– بلاش تستفزيني يا بهجة.
صاح بها بانفعال أشـ.ـد، حتى خشت هي المواصلة لتصمت امام ثورته:
– يعمل ما يعملش انتي لا تردي ولا تستجيبي لهزاره، واللي عليكي تسمعي الكلام ومن غير مناقشة…..
ليه عايزة توصليلي انك مش فاهمة ولا حاسة بالنار اللي بتقيد جوايا امام اي حد يبصلك ولا يكلمك لغرض انا عارفه كويس بنفسه…… مية مرة اقولك اني راجـ.ـل ، وافهم في نظرة الراجـ.ـل اللي قدامي كويس اوي.
تبسمت بسـ ـخـــريــة حين التمست الضعف في كلمـ.ـا.ته الاخيرة ، لتقارعه بالمنطق:
– لا واصلني اللي انت حاسه كويس اوي على فكرة، بس انا للي عايز افهمك، ان من حق الدكتور اي حاجة من اللي قولت عليهم ، مدام في إطار الاحترام والادب….. طول ما هو شايفني متاحة ومش مرتبطة، مش يمكن قصده شريف….
قاطعها ضاغطًا بكفه التي حطت على رقبتها، وقد كان فاقد السيطرة:
– اخرسي يا بهجة بدل ما اخلص عليكي، انا على اخري.
توقفت برهة امام عنفه لتردد بعد ذلك بصوت تهدج بألــم :
– وانا قولت ايه غير الحقيقية، عايزه لو سأل عن حاجة تخص الهانم اعمل نفسي معرفش وانا اقرب واحدة ليها، انا الجليسة لنجوان هوانم لو تاخد بالك يعني؟
– خلاص يبقى بلاها.
نزلت ذراعيه لتضمها هذه المرة مردفًا برجاء:
– بلاها الشغل هنا ولا هناك يا بهجة، انتي تفضلي في مكانك ملكة وانا مستعد اعوضك باللي انتي تطلبيه.
– بس انا مقدرش ابعد عن نجوان.
– يعني ايه؟
جاء تساؤله بصدmة، لتجيبه هي:
– يعني انا خدته عهد على نفسي افضل مراعياها الفترة دي لحد اما يجي ميعاد البعد الحقيقي، ساعتها امشي ع الاقل وانا شبعانة من حنيتها ومطمنة عليها.
– البعد الحقيقي بتاع ايه؟
بدا امامها متناسيًا تمامًا لما يؤرق نومها ويمنع عنها الراحة، لتفيقه من غفلته، تنزع ذراعيه عنها مرددة:
– الافتراق المنتظر ما بينا يا باشا، ولا انت نسيت ان جوازنا مرتبط بمدة معينه ومش جواز طبيعي.
قال الاخيرة بحدة تقصدها، حتى اثارت شياطين رأسه، ترا الجنون يتراقص داخل عيناه، متوقعة رد فعل عنيف منه، على الرغم من انها قالت الحقيقة، ولم تخطيء بشيء، لتأتي النجدة من مدخل الباب، حيث صدح صوت دخول احد الأشخاص، لتظهر امامهم الدادة نبوية بخطواتها اللاهثة من أجل الاطمئنان على رفيقتها، فتقع عينيها عليهما، وتفاجأ بهذا الوضع المريب، بهجة ملتصقة بالحائط وهو الذي كان قريبًا بوقفته منها ، تراجع على الفور بخطوتين يبادر المرأة بأسئلته:
– مدام تعبانة، جيتي ليه بس يا دادة؟
– ما انا مجيتش وراها المستشفي، قلبي واكلني عايزة اشوفها بعيني.
رددت بها المرأة ولكنها لم تغفل عن لمحة الارتباك التي طغت عليه، ولكنه تدارك سريعًا يعود لطبيعته البـ.ـاردة، أما بهجة والتي بدت بثبات التي لا يعنيها شيء، فقد تحدثت بنبرة واثقة:
– كويس انك جيتي يا دادة، هي كدة ساعة وهتصحى بعد ما ينتهي مفعول المهديء ان شاء الله، ياريت تتعشي معاها وتفتحي نفسها ع الأكل، هي أكيد هتقوم جعانة.
اومأت المرأة تجيبها بابتسامة مودة، تظهر ثقتها بها:
– من عيوني يا حبيبتي، روحي انتي ارتاحي، أكيد تعبتي اليوم كله.
– فعلا يا دادة…. تعبت اوي .
قالت الأخيرة بنظرة خاطفة بطرف عينيها نحوه، لتتخذ طريقها الى الذهاب مباشرةً، وظل هو ثابتًا محله، يراقب انصرافها بتجهم، وبداخله شيء لا يستطيع تفسيره، شعور يبدو…. وكأنه تلقى صفعة منها
❈-❈-❈
عاد من عمله يتجه بخطواته السريعة مباشرة نحو الطابق الاعلى حيث جنته ومصدر الراحة في حـ.ـضـ.ـن زوجته وصغيره؛ الذي اشتاق الى مداعبته بشـ.ـدة، لكن وقبل ان يصل إلى الدرج استوقفه الاضاءة الخافتة داخل الردهة القريبة من غرفة والدته ، ليتفاجأ بشبحها على احد المقاعد التي كانت جالسة عليها، بصمت تام دون أدنى حركة وكأنها تمثال شمعي فاقدًا للحياة.
على الفور غير اتجاهه نحوها يحادثها بقلق:
– مساء الخير، مالك يا ماما قاعدة هنا في الضلمة لوحدك ؟
سمعت بهيرة ولم ترفع رأسها اليه إلا بعد برهة من الوقت، بملامح ازدادت تجعدا وعينان ذابلتان، يطل منها ضعف ابعد ما يكون عن شخصية والدته القوية دائمًا، والمتعجرفة في بعض الأحيان.
اهاله مشهدها، ليسقط على الكرسي المجاور لها يتابع استفساره عن السبب الذي أدى بها الى ذلك:
– ماما انتي ايه اللي جرالك؟ في حاجة تعباكي طيب ولا حد زعلك؟
خرج صوتها اخيرًا بنبرة خافتة يتخللها الحـ.ـز.ن الشـ.ـديد
– خالتك كانت عندي النهاردة يا مصطفي.
سألها بعدm تركيز
– خالتي مين؟
ابتسامة غريبة لاحت بثغرها وهي تخبره:
– خالتك نجوان يا مصطفى، ما هي فاقت ورجعت لعقلها من تاني ، متعرفش انت المعلومة دي؟
– انتي بتتكلمي جد؟ خالتي رجعت لعقلها من تاني! انا مش مصدق، معقول دا حصل وانا معرفش، معقول يا يا ماما انتي مش بتهزري معايا صح؟
ردد بها يظهر حماسه الشـ.ـديد، لتعقب هي بشيء من ضيق:
– ايوة يا مصطفى خالتك اللي كنت بتحبها اكتر من أمك رجعت من تاني.
– ايه اللي بتقوليه دا يا ماما بس؟ اينعم انا بحب خالتو نجوان، بس مهما كانت معزتها يعني، عمرها ما هتبقى أغلى منك طبعا
لم تقتنع بإنكاره، فتاريخ الأخرى معه ومع كل من أحبتهم هي يثبت العكس، لقد كانت مستحوزة على حب الجميع، كل من يراها يقع بعشقها حتى الرجل الوحيد الذي اردته هي وكان من نصيبها، اولادها منه ، حتى الخائن زوجها، ايضًا كان يعشقها ولولا لحظة ضعف امام امرأة بجمال ناريمان لكانت استمرت زيجتها به وسعادتها معه، اما هي فقد كانت الخاسرة دائمًا امامها.
ضـ.ـر.بت بالعصا على الارض بعنف تأتي باللوم عليه:
– خالتك اول ما فاقت للدنيا، فاقت عليا ، جاية تحاسبني على ترميم القصر ومضايقة اني عايزة احوله لجمعية خيرية، ما هو انت لو كنت اشتريت نصيبها من ابنها كنت قدرت اواجهها بقلب مليان، لكنك فضلت تماطلني وادي النتيجة.
اهتزت رأسه بعدm استيعاب، معبرا عن استيائه:
– ماما انتي بتقولي ايه؟ زعلانة عشان خالتو رجعت لعقلها من تاني وبتدور على حقها…. لا وبتأنبيني كمان ان منفذتش رغبتك، هو انتي مش فرحانة لرجعتها؟ معقول لقاءك بيها بعد السنين دي كلها وهي مغيبة عن الواقع كان كلام ع القصر وخناق على تحويله لجمعية……
صمت برهة يحدق بالملامح المغضنة بشيء غير مفهوم، ان كان غـــضــــب شـ.ـديد او حـ.ـز.ن، ليسترسل بعاطفة الاشتياق الشـ.ـديد لها:
– مغلبكيش الحنين تحـ.ـضـ.ـنيها يا ماما؟ تسمعي لكلامها اللي بقالنا سنين محرومين منه؟
لا تنكر في قرارة نفسها انها بالفعل تاقت لكل ذلك وبشـ.ـدة، ولكن شيئا ما منعها، ذلك الشيء الذي يجعلها دائمة التحفز امامها، فيسيطر على انفعالاتها معها، ولكنها ايضًا تشعر بالغيرة في كل يتفوه به ابنها الاَن.
– خلاص يا مصطفى، اديك عرفت ان والدتك قلبها قاسي حتى على اختها الوحيدة، استريحت دلوقتى.
قالتها تشيح بوجهها عنه الى الجهة الأخرى، وبكـبـــــريـاء لا تتخلى عنه،
فنهض عن مقعده يردد بأسف من خلفها:
– مش مهم انا، المهم انتي يا ماما اللي تستريحي.
قالها وتحرك متابعًا طريقه، ليذهب من امامها، ويتركها في تلك الحالة التي ترفضها من داخلها ولكنها لا تستطيع السيطرة عليها، الحـ.ـز.ن!
❈-❈-❈
في قسم الشرطة وداخل غرفة رئيسه، كان يتلقى الاَن التوبيخ منه بعد الخطأ الذي اوقع نفسه به:
– دي عملة تعملها يا عصام، كان لازم تنبهني من البداية وابقى على علم، بتنفذ وتخطط مع نفسك، فاكرني نايم على وداني ومش عارف بعيونك هناك، طب اهو بتسرعك دا كان سبب لهروبه، استريحت كدة بقى؟
غلبه الحماس يردد بتصميم ووعيد:
– لا طبعا مستريحتش ولا هستريح غير لما اجيبه واحطه في الحجز بإيدي، دا عهد عليا يا فنـ.ـد.م ولا يمكن هتخلى عن تنفيذه.
عض امين على نواجزه، يكتنفه الغـــضــــب الشـ.ـديد من أفعال تلميذه، رغم تقديره للحالة التي يمر بها ، ولكنه لا يستطيع التهاون مع شيء قد يضره ، ولن يسمح، ليصمت برهة يدور حول مكتبه حتى جلس على المقعد، يضع قدmا فوق الاخرى يأمره:
– طب وان قولتلك شيل ايدك وسلم القضية لظابط تاني غيرك.
رد بالرفض سريعًا:
– اسف يا فنـ.ـد.م مش هقدر ، القضية قضيتي وحقي وحق مراتي مش هتنازل عنه، حتى لو اضطريت اخلع البدلة الميري والبس مدني.
بانفعال شـ.ـديد وقد اخرجه عن طوره المتماسك، ضـ.ـر.ب على سطح المكتب بهدر به:
– وتضيع مستقبلك يا غـ.ـبـ.ـي، انت بتفكر ازاي يا بني آدm انت؟
تنهد بعنف يُقر غير ابهًا بأي شيء:
– تقدر تعتبرني كدة بالفعل يا فنـ.ـد.م، غـ.ـبـ.ـي… لكن برضو مش هتخلى عن طريقة تفكيري اللي مش عجباك، وع العموم القرار في إيدك تقدر تعـ.ـا.قبني باللي سيادتك تشوفه صح، وانا مش هعترض.
لقد حسمها ولا سبيل لإقناعه، يُقدر ان معه الحق، ولكنه ايضًا يخشى اندفاعه، وصفة الانتقام التي تغلغلت به، لن يستطيع السيطرة عليها بعد ما حدث، سوى بالنيل من هذا الفاسد. ليعض على شفته السفلى بغـ.ـيظ شـ.ـديد يأمره.
– امشي غور من وشي يا عصام، امشي ياللا .
بابتسامة مسترة قام الاخير بتأدية التحية يجيبه بطاعة:
– تمام يا فنـ.ـد.م.
قالها وتحرك ذاهبًا على الفور من امامه، يتركه في تخبطه والبحث في خطة بديلة للقبض على الفاسد الاخر الان .
❈-❈-❈
بداخل المنزل الصفيحي، صار يضـ.ـر.ب بقدmيه كل ما تقع عليه عيناه
– ابن الكـ.ـلـ.ـب كان قاعد مستنيني ومتربصلي ، وديني ما هحله من دmاغي، دا انا ابقي مرا لو سيبته، بقى انا، انا ابراهيم ابن الورداني انط من ع الحيطة زي الحـ.ـر.امية، ولولا كوم الرمل كانت رجلي راحت فيها، وكل ده بسبب مين؟ بسبب الواد الطري ده
توجه بالاخيرة نحو هذا المدعو عزوز والذي كان متكئًا على الجدار بهدوء منقطع النظير ، يمسح بأظافره على سترته الجلدية المهترئة، ليرد بشيء من السـ ـخـــريــة:
– طب براحة يا عم الجـ.ـا.مد، حتتين العفش اللي عمال تكـ.ـسر فيهم دول معنديش غيرهم، انا ابويا مش عطار كبير زي جنابك، انا ابويا معرفش طريقه اصلا.
كز على اسنانه ليهجم عليه بقبضتيه ممسكًا بياقتي سترته، وبفحيح ووعيد يعبر عما طرأ برأسه:
– ما هو انا لازم احط غلبي في حد دلوقتي، ومقدmيش غيرك، ليه بقى؟ عشان حركة النهاردة تثبت ان الظابط ده عنده عيون هنا، في محمية الزفت بتاعتكم، الخيانة عند مين يا عزوز؟
صاح الاخير يدفع ذراعيه عنه، يظهر وجهه الحازم امامه:
– لا يا حبيي اصحي وفوق لنفسك، مش عاجبك العيشة هنا ولا شاكك في حد فينا، يبقى مع السلامة وطريقك أخضر، ما انا مش هتحمل تهزيقك ولا عنطزتك دي واسكتلك، دا انا ادب صباعي في عينك، انت مش كاسر عيني بحاجة، لا عنيا دا العكس، هنا مش امك اللي مدلعاك ولا ابوك اللي رمى طوبتك.
بذهول شـ.ـديد ردد بعنجهية يسبه:
– انتي بتعلي صوتك عليا يا ابن الكـ.ـلـ.ـب.
– كـ.ـلـ.ـب ياكل مصارينك.
صاح بها عزوز ليتجه نحو الباب يفتح على مصراعيه يطرده بطول ذراعه:
– والباب اهو يفوت جمل، ياللا غور كدة ووريني عرض قفاك.
شرع ابراهيم بالتحرك والخروج بالفعل، ولكن الاخر استرسل يذكره:
– بس خليك فاكر، اللي بيخرج من هنا ملهوش راجعة، والمعلم الكبير معندوش ياما ارحميني في اللي يخرج عن طوعه بعد ما خلاص عرف سره.
ابتلع ريقه بخــــوف حتى برزت تفاحة ادm بحلقه، ليردد بدفاعية:
– بس انا مش هتكلم ولا اطلع سره، ولا انت ناوي تقلبه عليا يا عزوز ، ما انا عارفك وا.طـ.ـي.
ضحك المذكور باستخفاف:
– ماشي انا وا.طـ.ـي يا بن الأصول وسيبتلك انت التربية العالية، ع العموم الباب اهو مفتوح قدامك لو عايز تمشي، وانا جيبتلك الناهية، اما بقى لو هتعقل وتشغل عقلك كله برضو لمصلحتك، انا ماشي بقى عشان خلتني حرقت معاك كتير، عن اذنك بقى يا بن الورداني.
سحب نفسه وخرج على الفور، بعدmا القى بالتهديد الذي يكبله ويقيده عن الاعتراض، وقد غرزت اقدامه في منطقة ألا رجوع .
❈-❈-❈
دلفت المحل الذي اصبح مزدحمًا بعدد الرواد مما اثبت لديها نجاح الفكرة ، بروح الحماس التي صارت تجدها من اشقائها في ممارسة العمل المحبب به، لتطفو السعادة على ملامحها وهي تتابع حركتهم بنشاط في مخاطبة الزبائن او الاشراف على العاملين معهم، لتلوح بكفها نحو شقيقتها جنات والتي كانت تدون طلبات احدى الطاولات، ثم واصلت نحو شقيقها الذي كان منـ.ـد.مجًا مع احد اصدقائه في مناقشة امر ما، لتقترب وتجلس بالقرب منه، حتى اذا انتهى التف اليها يعطيها انتباهه:
– اهلا بالبرنسيس، اتأخرتي يعني يا بيبة، هي نجوان هانم لسة تعبانة؟
أومأت بهز رأسها:
– لا الحمد لله اتحسنت طبعًا، بدليل ان الدكتور كتبلها على تصريح خروج، بس طبعا عايزة متابعة لان الانفعال مش كويس عشانها، وهي النهاردة اتعصبت اوي .
– ليه حصل ايه؟
سألها باستفسار فجاء ردها بإرهاق:
– يا عم سيبك بقى، اللي حصل حصل، حمد لله ربنا سترها وان شاء الله ياخد بإيدها، المهم دلوقتي البت عائشة فين؟ مش شايفاها يعني معاكم؟
تبسم يلتف بجذعه للخلف، ليشير بذقنه الى أحد الزاويا البعيدة يجيبها:
– اهي قاعدة هناك مع ابن عمتك شادي .
– شادي.
انتبهت بالفعل لوجود المذكور، لتستقيم بجــــســ ـدها عن المقعد الذي كانت تجلس عليه في استعداد للتحرك نحوه:
– ودا من امتى هنا؟
– من يجي نص ساعة، سأل عليكي ولما عرف انك مش موجودة اضطر يستناكي.
– يا نهار ابيض طب مش تقول من الصبح .
قالتها بحرج لتتوجه نحوه مباشرة، والذي ما ان انتبه اليه نهض يستقبل مصافحتها:
– شادي باشا مشرفنا، المحل نور بحضورك. يا عم.
تبسم يتلقى مجاملتها بمودة:
– المحل نور بأصحابه، ربنا يجعلها عتبة خير ، انا شايف ان البداية مبشرة.
– بجد عجبك؟
سألته بلهفة، ليسارع بطمأنتها وعيناه تدور في الأجواء:
– بسم الله ماشاء الله، حاجة تفرح، وانا مش بقول كدة مجاملة على فكرة.
– ربنا يطمن قلبك
تمتمت بها بـ.ـارتياح، لتنضم للجلوس معه ومع عائشة التي سارعت بسؤالها
– طمنيني على نوجة، عاملة ايه دلوقتى؟ انا كان نفسي اجي المستشفى، بس محدش فيهم رضي يوصلني من اخواتك.
قالتها بحنق طفولي اثار ابتسامة بثغر شقيقتها، وانتباه شادي الذي ضاقت عيناه بتساؤول:
– نوجة دي….. الهانم اللى حضرت الافتتاح، صح ولا انا غلطان؟
اومأت رأسها بموافقة ليتابع باستدراك:
– ووالدة…..!
توقف بمغزى فهمت عليه، لتتوجه نحو شقيقتها تخاطبها:
– نجوان هانم روحت بيتها وهي زي الفل دلوقتي، استني بس على ما تصحى من نومها وليكي عليا اتصلك بيها تكلميها بنفسك، مبسوطة يا ستي؟
– مبسوطة اوي.
تلقفت عائشة ردها بحماس، لتصرفها شقيقتها بعد ذلك وتختلي هي بالجلوس مع ابن عمتها، حتى يتمكن من الحديث معها براحة.
– انا قومت عائشة عشان عارفاك، وحاسة ان عندك كلام عايز تقوله.
تنهد بضيق يستجيب لمصارحتها:
– صح يا بهجة مع اني كنت جايلك في موضوع تاني يخصني بس بصراحة في حاجات تجبر الواحد انه يعترض، انا مش فاهم انتي ازاي قابلة تشتغلي عند والدته جليسة وفي نفس الوقت تبقي مـ.ـر.اته، هو قابلها ، انتي راضية ازاي؟
تقبلت نقده بصدر رحب، لتجيبه؟
– هو مش قابل، انا اللي مُصرة، لأني بحبها، بحبها اوي، بالظبط زي عائشة كدة اللي متعلقة بيها .
زفر بتعب سائلًا لها:
– طب وبعدين؟ اخرتها ايه يا بهجة؟ الوضع ده لا يمكن يستمر على كدة.
– ما هو مش هيستمر اصلاً
كادت ان تبوح بها امامه ولكن امسكت لسانها لتجيد الرد عليه بالتهرب وبابتسامة تتصنعها:
– يا سيدي سيبها على الله، محدش عارف بكرة كاتب ايه؟ المهم خلينا في موضوعك انت؟ هي مراتك عاملة ايه الاول؟
تبسم معجبًا بمراوغتها:
– وبقيتي ت عـ.ـر.في تحوري كمان يا بهجة، ع العموم ماشي يا ستي مش هزنق عليكي، ولو ع الموضوع اللي عايزك فيه، فهو مرتبط بسؤالك عن مراتي .
– مالها مراتك؟
اعتلى تعابيره اضطراب واضح ليحسم بقوله:
– عايزة اكلمك عن حاجة حساسة يا بهجة، يمكن الاقي عندك حل، بس قبل ما انطق بحرف طالب السرية منك.
رددت على الفور بقلق انتقل اليها:
– سرك في بير طبعا يا بن عمتي، اتكلم وانا اكيد هفهمك ان شاء الله.
❈-❈-❈
– انا جيت يا عم الشيخ
صدح صوتها في داخل الغرفة التي تمتليء برائحة البخور الكثيفة، بعدmا لبت دعوته وأتت بالفعل في ذلك اليوم الذي كانت تظنه إجازة، ولكنها اكتشفت غير ذلك ، حينما رأت عدد قليل جدا من الزبائن، يبدو ان لهم وضع خاص مع الرجل ليستثنيهم في هذا اليوم مثلها.
حتى انها انتظرت دورها لتدخل اليه الاَن وتلقي التحية، فيلتف اليه برزانته المعهودة يشير الى المقعد المقابل له كي تجلس عليه دون صوت،
أذعنت بطاعة تجلس مكان ما اشار اليها، بلهفة اعتلت ملامحها، تطالبه على الفور بعدm الصبر الذي يميزها به:
– هاا يا شيخ، حضرتلي المطلوب، انا مش عايزة اعوق عشان بقوا يزنقو عليها .
تبسم يمسح بأصابعه على اللحية الطويلة مرددًا:
– يا سلام عليكي يا سامية، مفيش فايدة فيكي، الاستعجال عندك حاجة غريبة
ابتلعت ريقها بيأس مرددة:
– خلاص يا سيدنا مش هستعجل، هسكت واستنى اهو .
عاد لابتسامته الغريبة لينهض مسمتعًا بطاعتها، فيغير جلسته، منتقلا الى الكرسي الاقرب اليها، ثم فتح كفه يده نحوها يأمرها:
– هاتي ايدك كدة يا سامية.
اذعنت بتردد تعطيها كفها ليقبض عليها داخل يده ثم رفع الأخرى ممسكًا بقلم ليدون بها على ظهر كفها عدد من العلامـ.ـا.ت التي لم تفهمها لتسأل بعدm فهم :
– اي ده يا سيدنا؟
رفع رأسه اليها قائلًا:
– مش انتي نفذتي كل اللي المكتوب في الورقة اللي عطيتهالك مبروكة المرة اللي فاتت ولا نقصتي منها حاجة؟
اجابت على الفور:
– كل والله يا سيدنا، ما نقصت ولا حاجة منهم.
بابتسامة جانبية ردد خلفها :
– خلاص يا سامية، يبقى الدور عليا انا دلوقتي، سيبني اكمل، ولا انتي عايزة توقفي؟
ورغم تعجبها الشـ.ـديد لهذه العلامـ.ـا.ت الغير مفهومة، إلا ان الإجابة صدرت منها بالموافقة وبدون ان تشعر:
– كمل يا سيدنا.
❈-❈-❈
– يا نهار اسود عمل.
تمتمت بها بجزع وبصوت واضح خرج على غير ارداتها، ليسارع هو الى تنبيهها:
– وطي صوتك يا بهجة، انا كنت منبه عليكي من الاول بإيه بس؟
ابتعلت تتذكر تحذيره، لتخفض صوتها في التعبير عن صدmتها:
– متأخذنيش يا شادي، بس انا اتخضيت والله.
ردد بسـ ـخـــريــة من خلفها:
– انتي اتخضيتي من مجرد السمع، امال انا ومراتي نعمل ايه؟ دا احنا شوفنا الويل يا بهجة، من اول ما العمل الشيطاني اشتغل علينا، ولحد ما لقيناه بالصدفة، اقسم بالله مسكته في ايدي ومكنتش مصدق، ولا مستوعب ان حاجة زي دي تحصل معايا انا واهل بيتي ، انا راجـ.ـل ماشي في حالي اذيت مين عشان يردلي كدة؟ حسبي الله ونعم الوكيل.
ردد بها بحرقة شعرت بها لتسأله بفضول:
– طب وعرفتو تتصرفو ازاي بعد ما اكتشفتوه؟
– جيبنا شيخ ازهر يا بهجة، راجـ.ـل مشهور عنه السمعة الكويسة والقوة، هو اللي ادانا التعليمـ.ـا.ت نتصرف ازاي معاه وساهم في علاج مراتي بالقرآن.
– طب وصبا عاملة ايه دلوقتي؟
– لو هنقارنيها بحالتها من اسبوع ، يبقى فرق السما من الارض، الحمد لله على كل حال، بس انا مش هسكت يا بهجة عن اللي عمل معايا كدة، ولازم اكشفه واخليه عبرة، المهم اعرفه، وعشان كدة شـ.ـددت على الجماعة محدش فيهم ينطق بحرف؛
– طب انت شاكك في حد؟
ظهرت الإجابة بوضوح تعتلي ملامحه، في الرد عليها:
– بصراحة اه، اصلها واحدة بس اللي كانت بتدخل في غيابي انا ومراتي عن البيت غير اختي رحمة، ودي طبعًا بعيدة عن الشك.
– مين؟
– سامية بـ.ـنت عمك.
توقع المفاجأة، توقع اعتراض منها، توقع دفاع عنها، اي شيء غير هذا البرود في تلقيها الشك منه في اقرب الناس اليها بصلة الدm، مما زاد من شكه:
– بهجة هو انتي كنتي عارفة ان البـ.ـنت دي ماشية في الكلام ده؟
رغم عدm رغبتها في البوح، إلا ان اضطرت للإجابة تفصح عن السر الذي تحفظه بقلبها، علًه يأخذ احتياطه كما فعلت.
– انا معرفش سامية تعمل كدة ولا لأ يا شادي، لكني مستبعدتش عشان والدتها هي السبب الرئيسيي لتطفيشنا من البيت، بعد ما اتأكدت، وشوفت بنفسي الدليل، زي اللي انت مسكته في ايدك.
سمع منها ليردد بحرقة:
– يا ولاد ال…….. استغفر الله العظيم يارب، هي الناس دي متتعرفش ربنا، وانتي ازاي متقوليليش؟
– ويعني لو كنت قولتلك كنت هتعمل ايه يا شادي؟ المهم خليك انت في نفسك دلوقتي، والله انا لو بإيدي لاحبس مرات عمي وشيح الشوم اللي بينفذلها، قادر ربنا ينتقم منه.
– هو انتي ت عـ.ـر.فيه؟
سألها بتحفز وانتباه شـ.ـديد، ليجدها تجيبه ببساطة كادت ان تتسب له بأزمة قلبية:
– ما هو مفيش غيره يا شادي، الزفت اللي ساكن في الشارع اللي ورانا، دا راجـ.ـل مربي سمعته ع النصب والدجل ولاقي من امثال مرات عمي كتيرر.
ظل لمدة من الوقت يطالعها بصمت وفقط، يكبح لسانه ع الانفعال عليها، لا يصدق الهدوء الذي تتحدث به في امر كهذا، شيء بمثل تلك الإهمية لا يقبل ابدا التهاون به، ليعود لعقله مقررًا بداخله التصرف بعمليه، ممسكا بهاتفه:
– قوليلي اسمه بالكامل يا بهجة بدل ما اتشل منك
طالعته يأتي بأحد الارقام يتصل عليها، لتسأله بعدm تركيز:
– طب وانت مالك بإسمه، وبتتصل بمين اساسا؟
لوح بقبضته امامها يضغط عليها بشـ.ـدة، ثم يخبرها حتى تكف عن الجدال:
– هتصل بواحد معرفة في الداخلية، يخلص تاري بالقبض ع الراجـ.ـل النصاب دا وفورًا، اما عن مرات خالي وبـ.ـنتها فدول ملهمش د.خـ.ـلة عندي تاني، اللي يمشي في الكلام ده، حتى الكلام معايا متحرم عليه .
❈-❈-❈
مسطحة على الارض امامه، مستسلمة استسلام تام اليه، وهو يتابع بكتابة الأحرف الشيطانية على بشرتها ، والتي غيبتها عن الواقع واصبحت في عالم اخر لا تعلمه
كان قد انتهى من ذراعيها والجزء الاعلى من جيدها، يواصل على ساقها بتركيز تام، رغم تشتيته احيانا من أفعالها،
وقد اشتعلت بها الرغبة تمسح بكفيها وتناظره باستجداء، ليتبسم لها بتسلية:
– حاضر يا سامية هريحك خالص، بس نخلص بقى عشان منبوظش الشغل، ويبقى ارتباطنا للأبد .
وهذا ما كان برأسه ان تصبح ملك طاعته، حتى لو نفذ اليها رغبتها، يساعده جهلها على ذلك، هي وغيرها، هو لم يذهب اليهم، هم من أتو اليه، إذن فعليهم بدفع الثمن ، بوعيهم او بدون، في كل الحالات واحد، الم يعرفون من البداية هو مع من يتعامل؟!
وصل لأسماعه فجأة بعض الاصوات الغريبة من خارج الغرفة، وقبل ان ينهض ليستكشف الامر وجد الباب يدفع بعنف للداخل، ويدلف عدد من رجـ.ـال الامن، فصدر التعليق باستغراب من اولهم:
– انت بتهبب ايه يا بني أدm انت؟
❈-❈-❈
مساءً
وحينما وضعت رأسها على الوسادة من اجل النوم، نظرت بهاتفها الذي اهملته عن عمد منذ عودتها من هناك، حتى لا تشغل بالها، او يحركها احساس الذنب كما حدث الاَن وقد رق قلبها لسماع صوته عبر الهاتف، تبًا.
اصبحت تعرف بنوبة غـــضــــبه ساعة التجاهل، ولكنها ايضًا لم تغفر له حتى الاَن موقف الصباح، إهدار كرامتها من قبل هذه المرأة المتعجرقة واهانتها امامه.
تعرف انها لا تملك الحق في عتابه بفضل هذا الاتفاق اللعين ولكنها ايضًا لا تستطيع التجاهل او التغاضي، نفسها العزيزة والتي كانت سبب بلاءها في الماضي، حينما وقفت امام عمها والمدعو زوجها على الورق، للقبول بربع حقها من ميراث والدها .
هي ايضًا ما تمنعها الاَن من الرد عليه، او ادعاء شيء من المصالحة لا تستطيع الشعور به، أذن فليحدث ما يحدث.
عند خاطرها الاخيرة، ابعدت الهاتف الصامت منذ ساعات، لتضعه على الكمود في الناحية البعيدة عن نومها، تغطي عليه بإحدى الوسادات الصغيرة حتى لا يزعجها اضاءة الهاتف بورود المكالمـ.ـا.ت التي لا تتوقف.
فتعتدل بجانبها بعيدًا عن جهته وتشـ.ـد الغطاء حتى رأسها، ولتنعم بنوم هانئ قريرة العينين
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى، كان هو كالموقد سريع الاشتعال، لا يكف عن محاولات الاتصال بها للمرة التي لم يعد يذكرها بعد ، بغـ.ـيظ شـ.ـديد، يضغط على الشاشة التي تأذت بعض الشيء لعنفه، وهو يردد بالسباب، وبرغبة قوية لتعنيفها ردًا على هذا التجاهل، من هي لتتحداه؟ لابد ان يعـ.ـا.قبها حتى لا تفعلها مرة اخرى، ولكن كيف يفعل وهي لا تستجيب حتى على رد الرسائل .
زمجر بغـــضــــبه يلقي الهاتف بطول ذراعه، ثم ينهض عن التخت الذي يتقلب عليه منذ اكثر من ساعة بدون أدنى فائدة للنوم، وقد طار منه النوم والراحة بسببها.
كم ود لو يملك السلطة الاَن لدفع باب منزلهم وسحبها من شعرها وبداخل غرفتها، لتذعن بالاسف امامه قبل ان يقرر بعقـ.ـا.بها، ولكن كيف يفعل؟
شـ.ـد بأصابعه على شعر رأسه للخلف حتى كاد ان يخلعه من منبته، هذه اول مرة يقابل بهذا التجاهل، لقد كان غرضه من البداية استرضائها، ولكن بفعلها ذلك حولت كل طاقته نحوها للعكس،
ليضـ.ـر.ب بكفه على ذراع المقعد متمتمًا بوعيد:
– ماشي يا بهجة ماشي، انا ان ما كنت اربيكي ع الحركة دي ما بقاش انا .
اغمض عينياه قليلًا يتذكر معناته منذ قليل مع النوم ، بفضل التفكير بها وقد احتلت رأسه، ليدفع تلك الاباجورة ذات الاضاءة الخافتة بيده على الارض بعنف مردفًا بحديث نفسه :
– لكن انام ازاي دلوقتي انا؟ انام ازاي؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
وقد استيقظ مؤخرًا عن ميعاده اليومي، بفضل التفكير الذي استولى على معظم ليلته بالأمس، حتى انه حاول استغلال الوقت بالعمل، ولكن بفضل ضياع التركيز منه، لم يستفيد بشيء
فلم يطال النوم سوى قرابة الفجر لينال منه تعب السهر ، فيأتي الاَن الى مقر عمله متأخرًا في سابقة لا تحدث ابدا سوى بالانشغال بأعمال اخرى،
بملامح مكفهرة، اَثار السهر وضحت جليًا عليها، ليدفع باب المصعد بعنف، ثم يغادر بخطواته السريعة منه نحو الجهة التي لم يمر بها إلا نادرًا، فيتحرك متوجها مباشرة نحو مكتب الأرشيف والذي ما ان طل بمدخله حتى اثار الرهبة بقلب الرجل العجوز والذي كان اولهم في الانتباه عليه، ثم ردد يستقبله، امام دهشة الجميع وزهولهم:
– رياض بيه! اهلا اهلا يا فنـ.ـد.م نورت المكتب.
دلف بخطوتين داخل الغرفة، موزعًا ابصاره على الجميع ثم توقفت عليها بنظرة واضحة، لتستدرك لجلوسها وحيدة خلف مكتبها الصغير، وقد وقف الثلاثة الباقين احترامًا له ورهبة، فتضطر بـ.ـارتباك شـ.ـديد، تجبر اقدامها التي تيبست من الصدmة للوقوف مطرقة رأسها امامه، شاعرة بنصل سهام عينيه تخترقها، رغم محاولات الثبات التي يدعيها مخاطبًا الرجل:
– اهلا يا عبد الفضيل، ايه الاخبـ.ـار؟
جاء رد الرجل سريعًا بقلق:
– الاخبـ.ـار فل وعال العال يا فنـ.ـد.م، والشغل ماشي زي الساعة، بس دي اول مرة تشرفنا حضرتك، في حاجة.
تبسم بخفة يجيبه باقتضاب لم يريح الرجل:
– مفيش أي حاجة يا عبد الفضيل اطمن.
توقف ينقل بطرف عيناه نحوها يلقي امره اليها :
– تعالي ورايا يا بهجة عايزك .
قالها ثم التف بقدmيه للخارج، بدون أدنى تفسير مما اجبر الجميع على التساؤول حتى عبد الفضيل الرجل المسالم:
– بهجة، هو انتي عملتي ايه؟ عشان الراجـ.ـل يجي يطلبك بنفسه؟
– ودا يعرف اسمها منين اساسًا ولا صفتها؟
قالتها احد المرأتين من زميلاتها، لتضيف عليها الأخرى بقلق:
– دا شكله ميطمنش يا بهجة، اوعي تكوني غلطتي يا منيـ.ـلـ.ـة تخسري وظيفتك
كتمت زفرتها تسارع في التوضيح لهم وهي تتحرك للذهاب:
– يا جماعة لا كدة ولا كدة، انا بشتغل عند الست والدته اصلا، تلاقيه بس هيسألني عنها.
قالتها وهي تسارع بخطواتها للخروج حتى تتجنب المزيد من الاسئلة والتي ازدادت اشتعالا بخروجها.
❈-❈-❈
أما عنها، فقد اصطدmت ابصارها به فور خروجها من الغرفة، تتفاجأ بوقفته متحفزًا وهذه الحدة التي تطل من عينيه نحوها، غير ابهًا بفضول الموظفين بالنظر اليه، ولا بهيئته المتجهمة
ليغمرها التـ.ـو.تر الشـ.ـديد وهي تقترب منه، قائلة بأدب جم :
– افنـ.ـد.م حضرتك.
عض على شفته بغـ.ـيظ شـ.ـديد، يحجم نفسه عن افعال كثيرة يود التعبير بها عما يكتنفه نحوها، حتى وصلها صوت انفاسه الخشنة ليأمرها كازًا على اسنانه:
– ورايا ع المكتب حالًا.
تمتم بها ثم استدار بقدmيه يسبقها بتغطرس وكـبـــــريـاء، جعلها تغمغم بسـ ـخـــريــة من خلفه:
– وكان لزمتها ايه الوقفة بقى؟ فاكر نفسه هيخــــوفني؟
سحبت شهقيًا طويلا تتبعه، ثم تجسر نفسها بالدعاء.:
– انت المعين يارب.
❈-❈-❈
انتبهت لورا على قدومه لتنتفض واققة باحترام في استقباله:
– صباح الخير يا رياض باشا.
– صباح النور، بهجة جاية دلوقتي حالًا، خليها تدخل ورايا على طول.
قالها على عجالة قبل ان يفتح باب مكتبه، ويختفي بداخله، فتتسمر هي بعدm استيعاب:
– بهجة مين؟ هو انا سمعت صح؟
– بهجة انا.
انتبهت لورا لصاحبة الصوت، تجدها امامها، وبابتسامة صفراء لها:
– معلش يا لورا مضطرة ادخل على طول ، اصل رياض باشا طالبني حالًا.
بذهول تام، تطلعت الاخيرة في اثرها، غير قادرة على منعها، لتتركها، تتجه نحو الغرفة وتفتح بابها، وكأنها داخل منزلها، ثم تدلف اليه، لتسقط هي على كرسيها بقهر تشعر به:
– يا بت ال…….
❈-❈-❈
أما بداخل الغرفة
وفور ان ولجت اليه، ذهبت الشجاعة ادراج الرياح، وذلك الاستخفاف الذي اتخذته منهجًا منذ الأمس في التعامل معه، ليحل محلهم الخــــوف والرهبة.
وقد تمثل امامها كطاقة من الشر لابد من الحرص والحذر التام في التعامل معها، العروق النافرة ، وهذه الملامح المشتدة، وعيناه….. تبًا، منذ متى كانت حمراء؟
ليقترب نحوها ببطء فهد بري في التعامل مع فريسته ، قائلا بهدوء ما يسبق العاصفة:
– بتصل عليكي من امبـ.ـارح فوق المية مرة، وانتي تتجاهليني يا بهجة ومتعبرينيش.
حاولت ابتلاع رمقها الذي جف في حضرته، لتدعي زيفًا برأئتها:
– انااا يا رياض؟ ازاي بس؟
حينما برقت عينيه بخطر نحوها، وازدادت ملامحه قتامة، استدركت على الفور لضعف موقفها، لتسارع على الفور بالتوضيح:
– انا اصلي ما شوفتش الرنات، روحت ع البيت وكنت هلكانه من تعب، يدوب أكلت لقمة سريعة مع اخواتي في الكافيه،… وبعدها مشيت ع البيت على طول، حتى نسيت التليفون في الكافيه، والصبح قومت ع الشغل، ما شوفتش الرنات غير قبل ما تدخل عليا تناديني بالظبط.
مواصلا تحقيقه، يجاري كذبتها؛
– والتليفون بقى فضل قاعد في الكافيه؟ وانتي مسألتيش تاني عنه؟ ولا حد من اخواتك نبهك على اتصالي بيكي يجي خمسمية مرة .
– هما مش كانو مية من شوية
قالتها بداخلها قبل ان تلحق بباقي تبريرها:
– التليفون كان معمول صامت ، دا غير اني مسجلالك من غير اسم، هيعرفوا ازاي ان انت اللي بتتصل؟……
شهقت بصرخة كتمتها على الفور حتى لا يخرج صوتها ، وقد باغتها فجأة يقبض على ساعديها، ضاغطًا:
– بلاش تحوري وتلعبى معايا يا بهجة، الحركة اللي اتعلمت امبـ.ـارح دي لا يمكن اعديهالك، سمعاني؟
اصابها الفزع حتى نـ.ـد.مت بداخلها على الاستهتار بغـــضــــبه، ولكنها كانت معذورة، لينهار تماسكها امام حدته:
– براحة يا رياض، دراعي هيتخلع منك .
رق قلبه لضعفها ولكن حريق صدره كان اقوى من أي شيء، ليستمر بضغطه، حتى سالت دmـ.ـو.عها امام عينيه، لترتخي ذراعيه عنها، وتتلف حولها في ضمة قوية يهددها بصوت خشن، يدعي الحزم:
– بس بقى بلاش عـ.ـيا.ط ، عشان انتي اللي استفزتيني أصلًا:
ظلت على وضعها للحظات، يمسح على ظهرها وراسها حتى استكانت قليلًا، وقد شـ.ـدد ذراعه حولها، ونسي الوضع والمكان، عكسها هي، وقد استدركت سريعًا،
لتسحب نفسها من ضمته اليها بهدوء، وتبعد ذراعيه عنها، فعقب هو باندهاش:
– في ايه؟
جاء ردها برسمية تذكره:
– ميصحش حضرتك، لو حد دخل علينا المكتب كدة فجأة هيقول ايه؟ انا لازم احسب حساب لسمعتي برضو.
– سمعتك!
– ايوة سمعتي، مش كفاية اسئلة الزملا ليا في المكتب قبل ما اجيلك، اللحق بقى اخلقلهم قصة يمكن يقتنعوا، عن اذنك بقى.
قالتها وتحركت ذاهبة ليوقفها بحدته:
– استني هنا هتبرري لمين؟ وهما مالهم اصلا، ثم انا كمان ملحقتش اقعد معاكي.
ردت بوداعة ويدها حطت على مقبض الباب:
– الكلام دا تقولو انت حضرتك، لكن انا ملزمة اني اخاف على صورتي قدام الناس، عن اذنك بقى عشان لو اتأخرت اكتر من كدة كمان، برضو الكلام هيكتر اكتر. سلام .
❈-❈-❈
انتهت اسراء من اعداد عبوة الحليب لاطعام طفلها ، واتجهت نحو الشرفة، حيث تركته مع والده، لتتوقف امام مشهدهم.
زوجها الذي كانت تعده فاقد الاحساس والشعور، يضم طفله اليه بحنو، يهدده برقة بالغة، ربما تأثرا بمرضه، ولكنه يفعل، ليتها لمست هذا الجزء به منذ البداية، تعرف انه لم يكن سيئًا، ولكنه كان ضعيف الشخصية امام والديه، وحين اراد التمرد؛ بدأ بها ، ولكنه عاد الاَن وهذا هو المهم.
– نام الواد؟
توجهت بالسؤال كي يلتف اليها، ليؤميء لها بعيناه كي لا يصدر صوتًا ويزعجه،
– وانا اللي حضرتله الرضعة، ياللا بقى .
تمتمت بها، لتضع عبوة الحليب على الطاولة، ثم تتقدm بهدوء وتتناوله منه بخفة، فاقترب وجهها منه حتى كادت ان تصطدm انفها بذقنه، لولا انتباهها،
لتلتقي عيناها بخاصتيه، يطالعها بنظرة ما لاول مرة تجدها منه، حتى نزلت عيناه على باقي تفاصيل وجهها ، ثم تتوقف على ثغرها، وقد اختلطت انفاسه بأنفاسها، بلحظة لم تكن متعمدة منها او منه.
ولكن يبدو أنها قد أتت بأثرها عليه، ليقترب منها، ودنى امام صمتها وربما توقها لذلك، وما كادت ان تعانق شفتيه شفتيها، حتى انتفضا الاثنان على صوت صراخ يأتي من الأسفل، بالتحديد من منزل والديه.
نهض كي يرهف السمع من الشرفة ليتأكد من صح ظنه ، فيردد بجزع:
– الصوت جاي من تحت ، شكل البت سامية والواد سامر شابطين في بعض، بس دي بتصرخ صريخ جـ.ـا.مد ، دا هيخلص عليها دا ولا ايه؟
– انا رايح اشوفهم الحـ.ـيو.انات دول هيجبولنا الفضايح.
قالها وتحرك ذاهبًا من امامها، لتتابع اثره حتى خرج يصفق الباب من خلفه، ثم يصلها صوت ركضه على الدرج، فيخرج صوتها اخيرا بإحباط:
– يعني هما حبكت يتخانقوا دلوقتي؟ …. جات الحزينة تفرح.
نزل الدرج سريعًا يدفع الباب بكتفه بعدm انتظار لطرقه ولا بقرع الجرس، فأصوات صراخها كانت تشق الأذان بصورة فاضحة، يرافقها صيحات جهورية لسامر ووالديه في الجدال معه لتخليصها من يده كما رأى بأم عينيه فور ان اقتحم عليهم، ليجد المشهد امامه.
شقيقه كالمـ.ـجـ.ـنو.ن بهيئة اجرامية لم يعهدها عليه قبل سابق ابدًا، ممسكًا بالحزام الجلدي يضـ.ـر.ب به في الهواء نحوها، يريد أن يصل اليها، وقد كان والديه يمثلان حاجز بينها وبينه لعدm الفتك بها، على الرغم من تمكنه منها عدة مرات، وهذا ما ظهر على هيئتها التي افزعت شقيقه، ولكن غليله لم يهدأ بعد.
– ايه يا حـ.ـيو.ان اللي انت عامله في اختك ده؟ وانتو ازاي سيبتوه يعمل فيها كدة؟
قالها يلتقط شقيقته ويضمها اليه بين ذراعيه، فالتف الثلاثة وتوقف سامر يضحك بسـ ـخـــريــة متهكمًا نحو والديه:
– دا جاي يسألني بعمل فيها كدة ليه؟ البيه قاعد في شقته وميعرفش الدنيا اللي اتقلبت حوالينا، وسيرتنا اللي بقت على كل لسان بسببها.
– سيرتنا اللي بقت على كل لسان!
ردد بها سمير يدفع شقيقته عنه يوجه لها السؤال بتوجس:
– الواد ده بيقول ايه يا بت؟ هببتي ايه يا سامية.
انتفضت تتراجع عنه برعـ.ـب ان تأخذ دورها منه ايضًا لتردد بهذيان:
– والله ما كنت بوعيي، والله ما كنت بوعيي .
انتفض امامها بأعين جحظت بـ.ـارتياب صارخًا بها، وقد ذهب ظنه لما هو أفظع من خلف كلمـ.ـا.تها:
– الله يخرب بيت ابوكي، عملتي ايه يا بت؟
صرخت درية هذه المرة تتمسك به شارحة بلهفة:
– يا بني مش اللي في بالك، الموضوع حاجة تانية خالص، بس حظها زفت واخوك كمان مزودها، الله يخرب بيتكم فضحتونا .
جاءها الرد من سامر:
– أحنا برضو اللي فضحناكي ياما، ثم حظ ايه بالظبط ايه اللي بتتكلمي عنه، بتك لولا البوليس ما دخل ونجدها من ايد النجس ده اللي عامل فيها شيخ، الله اعلم عمل كان يعمل معاها ايه؟ ادي اخرة الدلع يا ماما ، ادي آخرة الدلع يا بويا.
خرج صوت خميس مدافعًا عن نفسه:
– وماله ابوك يا خويا، واحدة طويلة وشحطة، يعني عارفة الصح من الغلط، هقعد قبالها انا بقى، واعد عليها خطواتها، امال امها لازمتها ايه؟
– ما كفاية بقى يا خميس، هو انت اللي عليك امها امها، خلفتها لوحدي انا بقى؟
– بااااااااس
كانت هذه صرخة سمير الذي تشتت عقله بالذهول مما يسمعه، دون توضيح جيد لمغزى ما يتحدثون فيها، ليلقي نظرة نحو شقيقته التي جلست بزاوية وحدها تنتحتب وتبكي، ليستطرد بغـــضــــبه:
– انا عايز اعرف دلوقتي بتتكلمو عن ايه بالظبط وتشرحولي بهدوء .
❈-❈-❈
عادت معه هذه المرة في السيارة، بعد لقاءهم في عش الزوجية، وقد تصالحا ونسيا في غمرة الوصال زعل الأمس وقلق الغد، هي ليست غافلة حتى لا تعرف بمقدار عشقها في قلبه، حتى وان كانت تجربتها الاولي في الحب، وحتى وهي لم ترى من الرجـ.ـال غيره حبيبًا، هو فرحتها الحقيقية وسر عـ.ـذ.ابها ايضًا،
كانت معه في السيارة، كفها الصغير داخل قبضته يرفعها اليه اثناء القيادة كل لحظة ويقبل ظهرها، وكأنه يطمئن نفسه دائما بوجودها معه.
كان قد اقتربا من منزل والديه، ف انتبهت تذكره:
– رياض وقف هنا، لحد من الحراس يشوفنا .
فاجأها بإصراره:
– لا انا هدخل وانتي معايا وفي داهية الحراس .
شعرت بشيء من السعادة كانت تكبتها من الداخل، حتى لا تظهر لهفتها امامه، وتتركه يكمل احاديثه المستمرة:
– شوفي بقى، انتي تحاولي تلاقي صرفة وتسبيلي نفسك لو حتى يومين، نفسي يا بهجة أختلي بيكي عن العالم كله، اللحظات اللي بنخـ.ـطـ.ـفها دي مبقتش تكفيني، انا عايزك على طول معايا.
– وايه مانعك؟
همت ان تتفوه بها ولكنها وعدت نفسها الا تنطق بها ابدًا ، فلابد ان تأتي المبادرة منه.
توقفت السيارة داخل محيط المنزل، لتترجل هي وتسبقه:
هروح انا اشوف مدام نجوان على ما روحت انت ركنت العربية في الجراج
اومأ لها بعيناه وتحرك مغادرًا، لتتخذ هي طريقها نحو المنزل، وبداخلها امل ينمو نحو إمكانية تغيره، لتدلف داخل المنزل فتُزهل بضحكات نجوان التي كانت تصدح بصوت عالي جعلها جعل الفضول يتأكلها، لتتبع الصوت حتى وجدتها في وسط البهو تحمل طفلا ما، وبرفقتها رجل شـ.ـديد الهيبة ومعه امرأة…… ينتابها الاحساس انها رأتها قبل ذلك في التلفاز؟.
– تعالي يا بهجة، انتي هتفضلي واقفة مكانك.
كان هذا صوت نجوان التي انتبهت اولهم عليها ، لتدعوها بفرح:
– تعالي يا قلبي متتكسفيش، دا ابن اختي مصطفى احب الناس على قلبي، ودي مـ.ـر.اته الممثلة المشهورة.
– عرفتها مدام نور .
قالتها بهجة مشيرة بسبابتها نحوها، وقد تأكدت من صدق حدسها، فضحكت الأخرى تؤكد لها بلطفها المعتاد:
– ايوة انا هي يا ستي، عرفتيني ع الطبيعية؟
اقتربت منها بلهفة تصافحها:
– طبعا عرفتك على الطبيعة، دا أنتي قمر على الشاشة وعلى الحقيقة، انا في خيالي مكنتش اتخيل انك بالجمال ده .
تتحدث بعفوية جعلتها تتقبلها بمحبة، فتعلق نجوان وتعرفها لهم:
– دي بقى بهجة يا جماعة، اجمل بنوتة تشوفوها هنا، يعني تعتبرها بـ.ـنتي اللي مخلفتهاش.
– يا نهار ابيض للدرجادي
قالها مصطفى لتمتد يداه نحو بهجة قائلا بتقدير:
– دا احنا كدة نحسدك يا ست بهجة، محدش يقدر ياخد المكانة دي في قلب خالتو الا اذا كان غالي اوي .
– وأغلى مما تتصور
قالتها نجوان لتمسكها من كفها وتجلسها بجوارها ، مما اخجلها في التعامل معهم وكأنها واحدة منهم، فتواصل بطريقتها لأدmاجها معهم:
– شايفة يا بهجة، شايفه الأمور ده، يبقى ابن مصطفى ونور، ايه رأيك بقى؟ جميل زيهم، صح.
❈-❈-❈
أما عنه فقد بدت ان المفاجأة لم تكن سارة له على الإطـ.ـلا.ق، وهذا ما ظهر على ملامحه التي انكمشت فور ان وقعت عينيه على أبن خالته رجل الاعمال النجيب، مع زوجته الممثلة المشهورة وبهجة تحمل طفلهما وكأنها…….
– مساء الخير.
صدرت منه التحية بصوت خشن لفت انظار الجميع اليه، لتلتقط نظرته نحوها بلهفة قابلها بجمود وهو يتقدm نحو ابن خالته يرحب به وزوجته قبل ان ينضم مجبرًا للجلوس معهم،
– منور يا مصطفى، مفاجأة مكنتش اتصورها بصراحة.
لاح في نبرته شيء ما لم يريح والدته، فجاء رد الاخير بسجية:
– مفاجأة ليه يا اخينا؟ اينعم انا مشغول اربعة وعشرين، بس دا ميمنعش اني ان اخلق الوقت عشان اجي واطمن على خالتو بعد ما عرفت برجوعها لينا، ولا ناسي بمعزتها عندي؟
استمر بطريقته وابصاره تتجه نحو بهجة كل لحظة بضيق شعرت به:
– لا طبعا انسى ازاي؟ ما هي كمان بتحبك
❈-❈-❈
انتهى سامر من سرد ما حدث، ووصف الخزي الذي شعر به اثناء ذهابه إلى قسم الشرطة لاستلامها، وقد كانت في حالة من الاوعي تُمكن أي شخص حتى لو بدون عقل ان يستغلها، ولكن الله كان رؤوف بهم وجاءت معه سليمة
في كلمـ.ـا.ت وجيزة ولكنها كانت كفيلة لتجعل الدmاء تصير كاللهيب في عروق الاخر، وبصدmه يستشعرها كمطرقة حطت على رأسه ليستفيق من حال الامبالاة التي يتخذها منهجًا امام صلف والديه معه في اي قرار يريد تنفيذه، لينتفض فجأة نحوها وقد ظلت على جلستها في زاوية الغرفة تبكي وتنتحب دافنة رأسها في ركبتيها التي تضمهما بذراعيها.
ليقبض على ذراعها يهدر بفحبح :
– رايحة عند الراجـ.ـل الوسـ.ـخ دا ليه يا سامية؟
– اااه
صدر صوت تو.جـ.ـعها ليزيد بضغطه امام صمت الثلاثة وقد نال منهم الاجهاد:
– رايحة تعملي عمل يا بت؟ ومين اللي عرفك على سكته من الاساس؟ قولي،
صرخ بالاخيرة لتنتفض والدته على أثرها ، وقد لاحت من ابـ.ـنتها نظرة نحوها فهم منها الإجالة ، ليتوجه بالكلمـ.ـا.ت المقصودة:
– طب انا هعيد تربيتك من اول وجديد يا سامية، واللي مقدرش عليه ابوكي وامك، هقدر انا عليه أن شاء، وابقى الاقي حد فيهم يعترض وانا اسف يعني؟
ردد خميس من خلفه بسـ ـخـــريــة خالية من اي مرح:
– وانا هعترض ليه يا حبيبي؟ اعمل اللي انت عايزة ، انا خلاص حطيت صوابعي في الشق منكم كلكم، جاتكم البلا، دا انتو تقصروا العمر.
سمع ليلتف نحو والدته بتحدي ونظرات كاشفة:
– وانت ياما، ليكون عندك اعتراض بعد اللي حصل؟
– هو انت ناوي تعمل فيا ايه؟
صرخت سامية تسبق والدتها، والتي جاء ردها ببعض الجدال رغم تـ.ـو.ترها من تلميحاته:
– ايوة صحيح، انت عايزاني اقول امين من غير ما اعرف هتعمل في البت ايه؟.
تبسم يجيبها بمكر؛
– مش حاجة وحشة والله ياما، الواد سامر ماسك ايده من الو.جـ.ـع من كتر ما ضـ.ـر.بها، انا بقى هقصر المسافات واجوزها، حتى الحمد لله العريس جاهز مش محتاجين تعب .
وقبل ان يصدر السؤال من كلتاهما اردف يجيبهم:
– طلال ابن عم منعم صاحبك يا بابا .
صرخت سامية بالرفض امام جزع والدتها:
– نهار اسود، اللحقيني ياما، دا عايز يجوزني للبرمشاجي، اللي لا شكل ولا هيئة.
.
وعلى عكس المتوقع تلجمت درية ليست بقادرة على دعمها او الرفض، عكس خميس الذي تهلل وجهه، وانتقض يستغل الفرصة:
– حلو اوي يا سمير، اهم حاجة يفتح بيت وهو ناصح في الحتة دي، انا هروح ابلغ منعم يفرح ويحددو ميعاد اللي هيجوا فيه.
قالها خميس وهرول من جوارهم لتصرخ سامية:
– اللحقي جوزك ياما، دا ماصدق، الواد دا مبيطقهوش وربنا ما بطيقه.
– اخرصي يا بت مسمعش صوتك خالص، دا انتي تبوسي ايدك وش وضهر لو هو رضي بيكي.
صدرت الصيحة من شقيقها سامر بحزم جعل درية نفسها تنكمش على نفسها، اما سامية فلم يتبقى لها سوى معاودة الندب تلطم على خديها بحسرة على ضياع الحلم لينقلب إلى كابوس طلال
❈-❈-❈
داخل السيارة التي تقلهم للعودة إلى المنزل، كان الحديث الدائر بينهم، لتعبر زوجته عما تشعر به بعفويتها كالعادة:
– انا فرحانة اوي يا مصطفى بزيارة طنت نجوان ورجوعها لينا، بسيطة وطيبة وبتحبك وبتحبني في نفس الوقت يا مصطفى.
ضحك مرددًا خلفها بمشاكسة:
– فرقت معاكي اوي دي يا نور، انها بتحبني وبتحبك، والله انا كمان محبتكيش من شوية.
تبسمت بحرج لتلكزه على ذراعه موضحة:
– بطل غلاستك دي يا مصطفى، انا قصدي مش بتتعالى ، ما انت عارف نظرة مامتك الطبقية ليا، حتى وانا نجمة كبيرة وليا جمهوري
استاء بالفعل لقولها، ولعلمه التام انها لم تكذب، ليتخلى عن عبثيته مبديًا اعتذاره:
– معلش يا قلبي، هي كدة اعملها انا ايه؟
– لا يا سيدي متعملش حاجة، ما انا خلاص اتعودت بقى، المهم خلينا في ابن خالتك ده، انا كنت حاسة انه مش طايقنا.
عاد للضحك مرة اخرى مرددًا بسـ ـخـــريــة:
– حاسة بس، طيب ما هو فعلا مش طايقنا؟
توقف يسحب نفسًا قويًا ليردف بجدية:
– رياض ابن خالتي وانا اكتر واحد عارف باللي في دmاغه، هو متخطاش الماضي اللي انا كنت جزء منه، لذلك أنا دايما بديله العذر، اللي مر بيه مكانش قليل، هو يستاهل الحب، بس لو يدي لنفسه الفرصة ويشيل العقد اللي مكـ.ـلـ.ـبشاه ساعتها هيرجع انسان تأني خالص.
صمتت زوجته تستوعب الحديث، وتوافقه الرأي، فأتت فجأة صورة بهجة بذهنها لتقول بلهفة:
– على فكرة انا لاحظت حاجة غريبة النهاردة، نظرات رياض للبـ.ـنت القمورة جليسة طنت نجوان مكنتش طبيعية، مش عارفة ليه دخل في قلبي احساس كدة لما لقيته مركز فيها
– قصدك انه يكون بيحبها ولا معجب بيها؟
مطت شفتيها، توضح بعينيها انها لا تستبعد، مما جعله يردف بما شعر به هو الاخر:
– تصدقي عندك حق .
❈-❈-❈
بداخل المكتب كان معطيًا ظهره، واضعًا يده في جيب بنطاله، ينظر من خلال الحائط الزجاجي إلى الحديقة بوجوم تام حينما دلفت اليه حاملة فنجان القهوة الذي تكلفت تصنعه بيدها لتأخذها حجة وتراه، بعد اختفاءه كل هذا الوقت منذ مغادرة مصطفى عزام وزوجته المنزل .
– القهوة اللي بتحبها .
قالتها برقة لم يعيرها اهتمامًا وقد التف اليها بوجه ممتقع الملامح وغـــضــــب غير مفهوم، يحدجها بنظرة نارية وكأنها قامت بجرم ما، ليلقي بنظرة خاطفة نحو القهوة فيجلس زافرًا بصوت عالي انفاس قوية، ليزيد بداخلها التوجس حتى عبرت عنه:
– ممكن افهم انا زعلتك في ايه بالظبط عشان ابقى فاهمة بس؟
أجاب بعد فترة من الصمت:
– ومين قالك اني زعلان، شوفتي ايه عليا يخليكي تفتكري كدة؟
لم تحتمل مراوغته في الحديث ، لتنفعل هاتفه به:
– رياااض بلاش اسلوب اللف والدوران معايا، انا مش غـ.ـبـ.ـية عشان مفهمكمش، انت متغير من ساعة ما شوفت ابن خالتك والممثلة المشهورة مـ.ـر.اته مع مدام نجوان، شكلك كان واضح عليه اوي انك مخـ.ـنـ.ـوق، بسبب خلافات بقى ولا مشاكل قديمة، لكن انا ايه ذنبي…..
– بتشيلي ابنهم ليه؟.
اجفلها بها مقاطعًا بحدة جعلتها تقطب بعدm فهم:
– وفيها ايه يعني؟ دي مدام نجوان كانت فرحانة بيه اوي وهي اللي شيلتهولي؟
– وانتي ليه تجاريها؟ هي فرحانة عشان دا ابن الننوس الغالي حبيب العيلة كلها، انتي ليه قعدتي معاهم اصلا؟ ادخل انا الاقيكي شايلة لولد وكأنك ما بينهم……
قطع فجأة ليصلها المعنى على الفور، فشخصت ابصارها بصدmة مرددة:
– قصدك خدامة؟ شايلة ابنهم وكأني الخدامة بتاعتهم .
– اخرصي يا بهجة، انا مقولتش كدة .
نهرها كي تتوقف، ولكنها لم تبالي لتواجهه بتحدي:
– لأ مش هخرص عشان انا مش غـ.ـبـ.ـية عشان مفهمش قصدك، بس لعلمك بقى، انا مزعلش منها دي ولا تهمني، انت بقى مش متحمل مجرد الفكرة، يبقى نفضها سيرة من اساسه، وانت تقطع من الخدامة اللي هتعر الباشا ابن الباشا.
نهض من جلسته لينفض عنه الذهول الذي اكتنفه بسماع حديثها القوي، وازدادت عيناه اشتعالا نحوها ليقبض على ذراعها مرددًا بتحذير:
– بطلي كلامك المستفز يا بهجة، انا على اخري اصلا، ومش حمل اي تفسير سخيف منك، ولا عايز ارتكب جناية بسببك.
نفضت ذراعه عنها لتقارعه بغـــضــــب:
– بلاش انا تفسيري السخيف يا باشا، وقولي انت عن السبب الحقيقي لقلبتك، انا عايز اسمعك اهو قول.
ظل على جموده في الصمت لتكرر في طلبه بانفعال:
– كذب كلامي بقى واقول اني فهمت غلط، مستني ايه يا باشا؟
اخرج تنهيده من صدره، طاردًا دفعة كبيرة من الهواء، ليتحرك من جوارها عائدًا نحو مكتبه يتكلم بصوت يتخلله الألــم:
– انا اللي جوايا كتير يا بهجة، وانتي لا يمكن هتفهميني.
ردت بعدm رضا تجلس امامه:
– ليه بقى؟ شايفني مبفهمش؟
رمقها بحنق قائلًا:
– الموضوع مش زي ما انتي فاهمة، الحكاية ان في تفاصيل كتير انتي متعرفهاش، تفاصيل عدى عليها سنين كتير، كتير يا بهجة.
بشبه ابتسامة لم تصل لعيناها عقبت :
– وانت بقى هتفضل حابس نفسك جوا السنين دي؟ الدنيا كل يوم في حال، واللي النهاردة كويس معاك ، من الجايز بكرة تلاقيه وحش، والعكس كمان، المهم اللي احنا فيه دلوقتي.
حديثها كان به شيء من المنطق لكنه لم يقتنع به، ليأتي رده بتقليل:
– انتي بتقولي كدة عشان دنيتك محدودة، ما شوفتيش نص اللي انا شفته، مش بقولك مش هتفهميني .
نهضت من امامه تردد بيأس احتل معالمها، وقد فاض بها منه:
– عندك حق، انا فعلا مش فاهماك ولا عمري هفهمك يا رياض.
قالتها وخرجت على الفور تتركه في وحدته، يصارع ذكرياته القديمة، في تلك الحقبة اللعينة
بعد ان انهى دراسته الجامعية في الخارج وأتى إلى هنا مع والدته، ليستقرا مع والده الذي سبقهم قبلها بسنوات في تأسيس مصنع الملابس والازياء الحديثة حلم حياته، فيحتك هو بالعالم الواقعي هنا المخالف تمامًا عما نشأ عليه.
عالم المظاهر المبالغ فيه، مال واعمال وعائلة ارستقراضية يختلف تمامًا عما نشأ عليه مع والدته المتواضعة لدرجة السذاجة رغم اصلها النبيل، والده الذي كان يعده قدوة اكتشف مع الوقت سفاهة معظم قرارته، والتي كانت تكلفه الكثير من خسارة الأموال.
على العكس تمامًا مع زوج خالته الهمام وابنه النجيب، نجاحات متتالية دون توقف، يعرف بها القاصي والداني، انجازات تتغنى بها بهيرة في كل اجتماع او مناسبة
وفي المقابل فشل والده المستمر في إدارة مصنعه، حتى قرر المساعدة بالعمل معه كي يصبح له ذراع يمنى كمصطفى عزام ووالده،
ولكن اكتشف مع الوقت المصـ يـ بـةالحقيقية لتأخر الرجل ، تلك الأفعى التي كانت تشغل عقله بعشقها وأنوثتها الطاغية، يصرف عليها ببذخ، غير مراعيًا لفرق العمر بينها وبينه، مما تسبب له في العديد من الخسارات، الشـ.ـد والجذب والخلافات المستمرة معه خشية وصول الأمر إلى تلك الغافلة والهائمة بعشقه،
محاولاته في كشف هذه الأفعى، والتي غلبته بمكرها حتى خلقت ضغينة بين الاب وابنه واضعة بعقله تلك الفكرة التي لم تخطر له على بال ، انه يحاربها من أجل الحصول عليها لنفسه.
كان احمقًا لا يعرف بأساليب النساء، ليظل متخبطًا لا يعرف وجهة صحيحة يستند عليها، حتى جاءت القاسمة بحادث السيارة وما تلاها من فضائح تصب المزيد عليها ، قصتهم اصبحت علكة بين الافواه لتظهر الفرق الشاسع ما بين الأسرة الملتزمة والناجحة ، وبين اسرته الفاشلة .
ايام سوداء لن ينساها ولن تنمحي من ذاكرته، ولكنها خلفت في قلبه جروحًا لن تنـ.ـد.مل، رغم النجاحات التي حققها، ليكون ندًا للأخر حتى وثروته لا تصل لنصف ما يملك ولكنه اثبت نفسه، رجل ناجح وأسرة مستقرة وزوجة……..
توقف عند الاخيرة يغلق على عينيه بتعب، فقد وقع في نفس الفخ، ومع ذلك يأبى الخروج منه.
❈-❈-❈
منذ تلقيه اتصال صديقه ضابط الشرطة يخبره عن الوضع بعد القبض على الشيخ الدجال، ثم ذكره لاسم ابنة خاله والحالة التي وجدت عليها ساعة القبض على هذا المدعي، شيء مخزي جعل الغـــضــــب يتصاعد داخله، وشيء يتعدى الأسف الاف مرات، لما تعرض نفسها لهذه الإهانة؟ لما الاذية له ولزوجته؟ ومن اجل ماذا ينسى المرأ دينه بالاتفاق مع الشيطان فيخسر الدنيا والآخرة؟
ظل شادي لفترة ليست بالقصيرة يصلي ويتضرع إلى الله بالمغفرة والحفظ له ولعائلته
حتى اذا انتهى وذهب إلى والدته قص عليها جميع ما حدث:
– شوفتي بقى يا ماما، عشان انا من الاول كنت شاكك وسبحان الله لما جيت اتأكد انكشف كل شيء، انا مش بأنبك والله، لأنه كله بإيد ربنا، لكني عايز اعرفك بس ان سبب بلاء الطيبين في الدنيا دي هي طيبيتهم .
– سامحني يا بني، انت فعلا عندك حق في كل اللي قولته، ربنا يهديها،،قد صدmتي فيها، قد زعلي عليها ، دي مهما كان بـ.ـنت اخويا وعرضها يمسني.
لن يلوم والدته على تعاطفها مع تلك الملعونة، فهو ايضًا اكتنفه هذا الشيء ورغم قهره منها ومن بجاحتها ووقاحتها، إلا انه يفضل لها الستر دائمًا .
– انا قايم اشوف مراتي يا ماما، هي اكيد قلقانة من قلة اتصالي بيها من الصبح .
قالها ونهض يهم بالخروج ولكن والدته أوقفته:
– واد يا شادي، مش كفاية كدة بقى ورجعها، ومدام عرف السبب بطل العجب.
تبسم يجيبها بتأكيد:
– هيحصل يا ماما، ما انتي قولتيها بنفسك، معدتش في سبب يمنع والحمد لله.
تمتم بالاخيرة وذهب، نحو من ما ملكت فؤاده، واشتياقًا يحرق صدره إلى رؤيتها، ألا وقد حان الوصال اخيرا بعد الهجران وعـ.ـذ.ابه.
❈-❈-❈
كأمواج متلاطمة يعلو بها الى عنان السماء مرة، ثم وعلى حين غفلة منها، يهبط بها سريعًا في العمق حتى يكاد ان يغرقها، كم ودت ان تصل معه إلى بر يريحها او حتى بدونه لو استحال الأمر، ولكنه لا يعطيها فرصة، تبًا له من أناني.
دفعت الباب لتكمل السهرة مع اخوتها داخل محل الكافيه الذي اصبح مقرهم الاساسي الان، نظرا للعمل به ، ولأنه ايضًا مكان جيد للترفيه
وقعت عينيها في البداية على شقيقها الذي يتعامل بجدية مع احد الزبائن، حتى همت ان تنادية او تلفت نظره، ولكنها تفاجأت تبصر اعز صديقاتها امامها وكأنها كانت في انتظارها
لتهرول اليها متمتمة بإسمها :
– صفية .
❈-❈-❈
خرج بها اخيرا بعد فترة طويلة من الانشغال بقضية عمره، قرر اليوم اخذ استراحة محارب، يريح عقله قليلًا من التفكير ، ويرفه عنها، شاعرًا بذنب اهماله لها في الفترة الأخيرة، على الرغم من عدm شكواها، مما زاد من تقديره لها.
ليسألها فور الجلوس على طاولة تجمعهما وحدهما بذلك المطعم المختص بتلك اللقاءات .
– قوليلي بقى يا أمنية؟ عجبك المطعم؟
ردت بابتهاج يعتلي تعابيرها:
– اوي، عجبني اوي، إضاءة هادية ومزيكا جميلة، اقدر اسميه عشاء رومانسي ده يا عصام؟
– انتي لسة هتسألي يا أمنية؟ ولا انتي مش مصدقة اصلا ان جوزك يطلع منه الحاجات دي؟
قالها بعفوية ليجد الرد على ملامحها المتبسمة، فيردف معبرا عن استيائه:
– اما صحيح ستات غدارة، عاملين زي القطط تاكلو وتنكروا
– أحنا يا عصام.
تمتمت بها ضاحكة ليستطرد هذه المرة متغزلا:
– طبعا عشان حلوين وليكم حق.
اعجبها اطراءه فتابعت بغريزة الأنثى تريد المزيد:
– يعني شايفني حلوة يا عصام؟
تناول كفه يدها يقبل ظهرها مجيبًا:
– دا انتي قمر مش حلوة وبس، انا عارف اني مقصر معاكي كتير، وانتي متحملة وساكتة، لا بتنكدي ولا بتشتكي، اوعي تفتكري اني مش واخد بالي منها دي، دا انا ابقى راجـ.ـل غـ.ـبـ.ـي لو مقدرش
قالها بامتنان وصل اليها لتعقب بما زاد من سعادته:
– بعد الشر عليك يا حببي من الغباء، زي ما انت مقدر ، انا كمان مقدرة، لا يمكن ازيد على همومك، ربنا يخليك ليا، كلمتينك دول معناهم كبير اوي عندي وربنا العالم
قبل يدها مرة اخرى قائلًا بانتعاش:
– دا انتي اللي تستاهلي الدنيا كلها تحت رجليكي، شوفي بقى، انا قابض وجيبي مليان النهاردة، اطلبي اللي انتي عايزاه، وشاله ما حد حوش .
❈-❈-❈
في تلك الزاوية المظلمة، والتي يقوم بها بدوره في الاستلام والتسليم مع الزبائن المعروفين لديه، كان عقله
منصبًا في التركيز مع هذا الفتى، الذي لا يتوقف عن اللعب في الهاتف بيده، وقد سمع عنه الكثير وعن مهاراته في الاختراق وأشياء كثيرة .
تقدm يتخذ مقعده بجواره، ليفتح معه حديثًا:
– بيقولوا انك شاطر اوي في التليفونات وبتعرف تهكر اي حساب يا عويضة.
رد الفتى باعتزاز:
– طبعا امال ايه، انا مفيش حاجة تصعب عليا، وبكرة تسمع عني لما تلاقيني بهكر حسابات بنوك، انا ماشي في السكة دي وهوصل
– يعني على كدة تعرف تهكر اي حساب أدلك عليه؟
رد الفتي بحماس، وقد اشتعلت رأسه بالتحدي:
– دلني ع الحساب اللي انتي عايزه يا عم إبراهيم وانا بعون الله هعرف .
– طب قولي ازاي؟
سأله بفضول ، ليجيبه على الفور:
– مش مستاهلة تعب، هو لينك تبعته عن مسابقة مثلا ولا حاجة تغري صاحبها بفتحه، المهم نعرف راجـ.ـل ولا ست عشان نقدر نحدد اللي اهتمامـ.ـا.ت الزبون وعلى هذا الأساس نشتغل يا باشا .
نالت الفكرة استحسانه، وقد شعر بفائدتها قبل ذلك مع والدتها، فما باله لو صارت التجربة معها، يبدو ان التسلية ستكون افضل بكثير في الايام القادmة، ليقترب منه يغريه بعرضه:
– طب شوف بقى، لو عرفت تهكر الرقم اللي هكتبهولك دلوقتي، ليك عليا الفين جنيه تاخدهم كاش ايه رأيك بقى
– دا الفل الفل يا عم إبراهيم، هاني الرقم اللي انت عايزه وانا هشتغل عليه يومـ.ـا.تي لحد ما اجيب قراره.
❈-❈-❈
لم تحبذ الجلوس معها داخل المحل المزدحم، رغم كم المرح والفرح الذي يغمرها به، بمشاهدة اشقائها وحماسهم في العمل، إلا ان حالتها المزاجية هذا اليوم جعلتها تتلقف لقاء صديقتها كالغريق، لتسحبها معها على الفور وتأتي بها الى هنا داخل المنزل،
فتختلي بها بعيدا عن الجميع في جلسة داخل غرفتها، يستعدن ذكريات المراهقة وجلسات النميمة والأحاديث اللذيذة،
ولكن اليوم كان حديثهم في شيء آخر، ذلك الذي اتعبها وارهقها بكثرة التفكير فيه:
– يعني ايه يا بهجة؟ انا عايز افهم اكتر منك، بيحبك ولا ما بيحبكيش؟
ردت بما تأكد في قلبها:
– لو عندي ذرة شك واحدة بس انه مببحبنيش، عمري ما كنت هقعد ولا استمر معاه ثانية واحدة تاني .
– ولما انتي متأكدة اوي كدة يا حبيبتي من حبه ليكي، تقدري تقوليلي ميعلنش ليه؟ في الضلمة بحبك وبمـ.ـو.ت فيكي ، وفي النور لا سوري معرفكيش، انا اسفة في صراحتي يا بهجة .
تبسمت متقبله نقدها :
– لا والله ما ازعل منك، عشان عارفة ومتأكدة بصحة كلامك، بس اعمل ايه؟ ما هو ده سبب تعبي معاه يا صفية، ساعات بحس انه في احتياج شـ.ـديد ليا ودا اللي بيقيدني اخد موقف شـ.ـديد معاه، وساعات تانية بكرهه واكره جوازنا واكره الظروف اللي اجبرتني على جوازي منه والدنيا كلها .
تنهدت صفية بياس، شاعرة بحجم المعاناة التي تعيشها صديقتها، وبداخلها تريد مساعدتها بأي صورة.
– طب واخرتها يا بهجة
تبسمت بسـ ـخـــريــة تعقب:
– تصدقي نفس السؤال ده اتسألته من شادي ابن عمتي، لدرجادري انا موضوعي شاغلكم .
ردت صفية بجدية:
– جدا يا بهجة وانتي عارفة بكدة، وبتكابري وبتهزري،
صمتت تنتظر ردها والذي جاء بعد برهة:
– انتي قولتي بنفسك اني بكابر وبهزر، لكن اكيد مش هفضل كدة كتير، ان كان قلبي النهاردة في مساحة انه يحن، فتأكدي يا صفية ان المساحة دي يوم عن يوم بتضيق، والحل اكيد في ايده هو يا نستمر في النور، يا كل واحدة يروح لحاله، وانا شايفه ان الميعاد قرب اوي
– ميعاد ايه؟
– ميعاد تحديد المصير يا صفية، انا وعدت نفسي من زمان اني لا يمكن هطلبها منه، ان مكانش يعلنها هو من نفسه يبقى بلاها احسن وكل واحد يروح لحاله.
❈-❈-❈
سحبها من يدها، لتدلف بخطوات مترددة داخل المنزل الذي كان عشها السعيد في أيام زواجها الأولى به، تبتلع ريقها بتـ.ـو.تر يصل اليه، ليواصل حثها بالمزاح والمشاكسة:
– روقت ومسحت ورشيت المعطر وخليت البيت فلة، بصي بقى كويس، وقولي ايه رأيك في شطارتي؟
ضحك وجهها الصبوح، لتشرق في قلبه انتعاشًا واملا في عودتها لطبيعتها، صبا الجميلة الساحرة، والتي صارت تطوف بعيناها على ارجاءه تتبسم بمرح، تخفي من خلفه بعض الرهبة التي مازلت تستوطن داخلها، نتيجة ما مرت به في الفترة الصعبة لزوجها به.
تبتلع ريقها وتجاريه في المزاح:
– حلو ومش بطال يا مستر، بس يجي منك صراحة يعني مكدبش
– يجي مني؟
اومأت رأسها تذكره بشقاوتها المحببة:
– امال يعني اكسفك واطلع العيوب، ما نخليها يجي منك احسن.
سحب شهيقًا طويلًا يتخلى عن اتزانه، وقد غلبه
اشتياقه ليضمها فجأة ويرفعها عن الأرض مرددًا بلوعة:
– اااه يا صبا، حشـ.ـتـ.ـيني و  حشـ.ـتـ.ـيني و ، حاسس قلبي هيوقف من فرحتي برو.جـ.ـعك
شـ.ـددت هي ايضًا بذراعيها، تبادله بدmـ.ـو.عها:
– وانت كمان يا شادي، ويمكن اكتر والله، أنا روحي اتردلتي برجوعي ليك .
– يا قلب حبيبك انتي.
شـ.ـدد يعصرها بين ذراعيه، وهي تبادله، تستمد منه الدفء، تستمد منه امانها الذي افتقدته بابتعادها عنه
اخرجها بعد فترة ليست بالقليلة ليكوب وجهها بين كفيه، يتأمل ملامحها الجميلة متغزلا:
– وحشني اوي عيونك الحلوة دي يا صبا، انام بعد ما اشبع من البص فيهم، وأصحى على نورهم، اللي أدفى من نور الشمس، في بعدك لا كنت بعرف انام ولا كان ليا نفس أصحى، كل الايام واحدة وملهاش طعم في غيابك.
سالت دmاعاتها مرة اخرى لتردد برجاء:
– كفاية يا شادي، انا كدة والله هكره نفسي .
– لا يا ست تكرهي نفسك دا ايه؟ دا احنا ما صدقنا.
قالها ليجذبها من يدها يتابع بمزاح:
– انا بقول نأجل كلامنا شوية، تسلمي على ماما، وبعدها نكمل ونكره بعض براحتنا.
استسملت له لسحبها حتى دلف بها الى داخل غرفة والدته، والتي فور ان رأتها، فتحت ذراعيها لها تتلقفها في احضانها، تعبر عن اسفها:
– سامحيني يا بـ.ـنتي، غبائي هو السبب في كل اللي حصلك .
– خرجت من احضانها تنهاها:
– لا خالتي متجوليش كدة، دا في الاول والاخر نصيب، مش ذنبك انك اَمنتي لاجرب الناس ليكي، العيب ع اللي يستغل ومراعاش القربة ولا صلة الرحم، وعلى رأي شادي، الطيبة في الزمن ده بجت بلاء على صاحبها،
اومأت المرأة توافقها الرأي، لتتبادل معها حديث قصير ، قبل ان تخرج مع زوجها تتوجه إلى غرفة النوم التي كانت في بعض الأيام، تمثل اسوء كوابيسها.
مما ارتد بأثره الاَن على خطواتها التي ثقلت رغم تشجيع نفسها والحماية في زوجها الذي كان يصله احساسها ، حتى اذا دلفت داخلها تفاجأت بخلوها من الأثاث ، لتلتف اليه سائلة بإجفال :
– اوضة النوم فين يا شادي؟
– اتصرفت فيها .
قطبت عاقدة حاجبيها بعدm فهم:
– نعم!
لم يزيد في الحديث، ولكنه باغتها، ليقوم بإخراجها متوجهًا بها إلى غرفة اخرى، فتحها امامها لتفاجأ بغرفة نوم جديدة ومختلفة عن السابقة بل واجمل، تطالعها بانبهار وقبل ان تسأل، وجدته يجيب استفسارها:
– شوفي يا ستي انا اتصرفت في القديمة واتبرعت بيها، محبتش يتبقى اي ذكرى وحشة تفكرك باللي حصل، عايزها تبقى صفحة وانطوت ما بينا يا صبا، ايه رأيك فيها بقى؟ عجبتك؟
– جوي ، عجبتني جوي
تمتمت بها ضاحكة وقد ذهب عنها القلق وحل محله الإعجاب التام، تتأمل كل ركن بالغرفه، خزائن الملابس المتلئة بملابسها وملابسه، اشيائها النسائية العديدة من مستحضرات تجميل وعطور ارتصت بنظام على تسريحة المراَة، وفراش التخت المرتب، ليصدر تعقيبه على الآخير :
– معلش بقى، كنت عايز اعمل قلوب وحاجات بالورد الاحمر والشموع بس بصراحة معرفتش، حسيته هيبقى مسخرة، روحت لمـ.ـيـ.ـتهم في الكيس اللي هناك ده، اهو جمب الدولاب .
وأشار بسبابته نحو احد الأركان، لتهتف هي به، وقد بلغت مشاعرها العنان:
– شااادي
– نعم
وما كاد ينهيها حتى وجدها تلقي بنفسها على صدره وتضمه بقوة:
– بحبك جوي يا شادي
ردد من مستوى طولها بلهجة تشوبها السـ ـخـــريــة:
– بحبك جوي، هي دي اللي ربنا قدرك عليها يا صبا.
نزعت ذراعيها عنه قائلة بعدm فهم؛
– امال انت عاوز ايه؟
مال نحوها يجيبها بعملية، مقتطفًا ثغرها بقبلة قوية جامحة، بادلته تستجيب بشوقها اليه، ليرفعها بين ذراعيه بعد ذلك متوجهًا بها نحو التخت مغمغمًا:
– عرفتي بقى باللي انا عايزه، والله وهنعيد أمجاد شهرنا عسلنا من تاني يا صبا
تتبع الأمل وتدفعك غمغامة العشق على مواصلة الصبر.
حتى وانت ترى بأم عينيك نهاية الطريق الذي تسير فيه؛ تكذب عينيك.
تغلق أذنيك عن سماع النصائح.
تعطي أعذار وتكتم على غصتك.
فتعيش على الوهم
لكن مهما طال تحملك ثق ان لحظات الانفجار سوف تأتي لا محالة
فهي ابدًا لا تكون من فراغ .
❈-❈-❈
قامت صباحًا تؤدي روتينها اليومي في اعداد الإفطار ثم ايقاظ اشقائها لتتناول معهم احب الوجبات في هذا الهدوء من الصباح، قبل الذهاب الى عملها والذي كانت تتجهز له في هذا الوقت .
تلف حجابها بالطريقة العصرية والذي بدأت تتكيف عليها لتتناسب مع الملابس التي اصبحت مع التركيز هذه الأيام تجيد اختيارها، لتليق مع منصبها كامرأة عاملة على مكتبها في وظيفة يتمناها عدد لا بأس به من الشباب
انتهت من اللمسات الاخيرة لتهم بالذهاب، وقبل ان تتناول حقيبتها، دوى هاتفها بتلك الرسالة اليومية منه، لتبتسم وهي تقرأ بتأني الكلمـ.ـا.ت.
– (( صباح الجمال على الملكة المتوجة على عرش قلبي ))…… (( مستنيكي في عيشنا الجميل النهاردة متتأخريش))
وضعت يدها على موضع قلبها تسمع لصوت الخفقات التي تضـ.ـر.ب داخل صدرها بقوة، بقدر ما تسعدها كلمـ.ـا.ته، بقدر ما يتعبها السؤال، إلى متى؟
لتسحب شهيقًا ناظرة إلى السماء متمتمة بتضرع إلى الخالق:
– يارب .
بعد قليل خرجت إلى أشقائها لتأخذ مجلسها وسطهم، تتناول لقيمـ.ـا.ت صغيرة وسريعة، فتشاركهم المزاح:
– براحة الدنيا مطارتش يا بيبة، الأكل لازم ياخد وضعه
علقت بها عائشة تشاكسها، فتستجيب لها ضاحكة، لتقول:
– خلاص كبرتي يا شبر ونص وهتشوفي نفسك علينا.
– سبيها يا بيبة تعيش الدور، دا انتي لو تشوفي عمايلها
كمان في الكافيه، دي بتعاملنا كأننا شغالين عندها .
قالتها جنات، وعلق ايهاب هو الاخر:
– ايوة بقى متفكرنيش، انا لولا بقول لاصحابي انها اختي الصغيرة، لكانوا قفشوا هما كمان وسابوا الشغل من تحكمـ.ـا.تها عليهم، مش فاهم انا، بتجيب الجبروت دا منين؟ والمصحف ما هي واصلة لحد صدري حتى .
ضحك الثلاثة لينالوا الرد من عائشة:
– يا حبيبي انا طولي مناسب لسني، انت اللي سارح لفوق بشكل غريب عن البشر، العيب فيك يا بابا .
قالتها لتعلو الضحكات مرة اخرى حتى نهضت بهجة، تقبل وجنة شقيقتها بعجالة قائلة:
– ولا تزعلي يا قلب اختك، انتي تؤمري وتتأمري، وهما اللي شغالين عندك، وجزاء للواد ابو طويلة ده، هو اللي هيلم الباقي من الاكل دلوقتي، والبـ.ـنت الناعمة اللي جمبه هتغسل المواعين.
صاحت جنة معترضة:
– طب وانا ايه ذنبي يا عم؟ هو شايف نفسه بطوله، انا نعومتي بقى ضرتكم في ايه؟
قالتها بدلع جعلت عائشة ترفع طرف شفتها بغـ.ـيظ زاد من تسلية اشقائها، لترد بهجة:
– اهو كدة بقى ، عشان تخشني شوية بدل المياصة اللي انتي فيها دي يا ناعمة، بنات اخر زمن .
تحركت بعد ذلك ترفع حقيبتها لتغادر ولكن اوقفها إيهاب يخبرها:
– صحيح يا بيبة نسيت اقولك، الواد عصام صاحبي بلغني امبـ.ـارح ان بـ.ـنت عمك سامية اتخطبت للواد طلال ابن صاحب ابوها.
– مين طلال…..
تمتمت بها، لتتذكر سريعًا، فهتفت بأعين متوسعة:
– اللي كان مسمي نفسه شيكاغو المنطقة.
ضحك يؤكد لها:
– هو بعينه والله، سبحان الله كانت اكتر واحدة تتريق.
❈-❈-❈
أما هو فقد خرج إلى والدته التي استيقظت باكرًا لتسقي بيدها الورود في الحديقة ، تذكره بعادتها قديمًا، والدته الجميلة والبهية، ليتها تعود لطبيعتها معه ايضًا:
– هتفضل تبصلي كدة كتير؟
توجهت له بالسؤال تظهر له انتباهها لنظراته المصوبة نحوها منذ البداية ، ليأتي رده بابتسامة رائقة:
– معلش بقى، سحرني مشهد الهانم وهي بتسقي الزرع بإيديها، حاجة كدة يسجلها فنان متمكن في لوحة تشبه جمالك، صباح الجمال يا نجوان هانم .
تبسمت ساخرة رغم إعجابها بإطراءه:
– وبقيت تعرف تقول كلام حلو كمان يا بن حكيم ، على العموم مرسي .
ذكرها لاسم والده كانت له إشارة ليست جيدة على الإطـ.ـلا.ق ليزوم بفمه قائلًا:
– اممم ، على العموم يا نجوان هانم انا عبرت باحساسي ساعة ما شوفتك، الجمال بيجبر العيون تبصله وتعجب بيه.
فغرت فاهها بابتسامة غير مفهومة لتقول:
– عندك حق الجمال دا شيء رائع، انا نفسي حسيت بإحساسك ده لما قومت وطليت على ازهاري، كنت مشتاقة اوي أراعيهم واهتم بيهم، لأنهم يستاهلو ، الوردة بتحب اللي يراعيها، وتفرح باللي يفرح بيها فتزيد جمال على جمالها، وتعيش اكتر كمان.
قطب مستغربًا لتعبيرها الاخير، حتى هم ان يسأل عن مقصدها، ولكنها تجاهلت لتذهب بخرطوم المياه نحو جهة اخرى من حوض الزهور.. ليضطر في الاخير ان يذهب يمط شفتاه بعدm فهم.
❈-❈-❈
وصلت إلى مقر عملها، لتقع عينيها على أبن عمها سامر واقفًا في إحدى الزوايا وكأنه في انتظارها،
ليتوفق برؤيتها ولأول مرة منذ انتقالها إلى منزل اخر، وتتقابل عينيها بخاصتيه، لقد علمت من صباح بمجيئه إلى هنا عدة مرات للسؤال عنها ولكنه كان يرجع خالي الوفاض دون الحصول على معلومة مفيدة، اختفى بعد ذلك حتى ظنته نسي ان لها ابناء عم من الاساس، ولكنه ها قد عاد،
وعلى عكس ما توقع بهروبها من امامه، فاجئته هذا اليوم لتقترب بخطواتها نحوه تبادره بحديثها؛
– ايه الحكاية يا بن عمي، لتكون مستني؟ ولا جاي تسأل على حل.
تبسم بعدm تصديق انها هي من جاءت لترحب به، وامتدت كفه يتلقى مصافحتها بلهفة، ويجاري مزاحها:
– والله انتي ادرى باللي جيت كذة مرة اسأل عليها، وانتظرت كمان بالساعات وبرضو مقدرتش اشوفها، وكأنها بتختفي زي الزيبق من قدامه
تبسمت بحرج تتقبل عتابه :
– معلش بقى هي جات كدة، بس اكيد يعني لو شوفتك في وشي زي النهاردة، مكنتش هتهرب منك ولا من الكلام معاك، انت برضو في الآخر أبن عمي وانا ما شوفتش حاجة وحشة منك.
تنهد بـ.ـارتياح وقد اسعده كلمـ.ـا.تها، ليعبر عما يكتنفه من الداخل:
– مت عـ.ـر.فيش يا بهجة كلامك ده بيأثر فيا ازاي؟ انا عارف انك شايلة يا بـ.ـنت عمي وليكي حق، ولذلك انا مرديتش أضيق عليكي ولا ازعجك ، حتى لما عرفت بعنوان بيتكم والكافيه، فضلت ان اطمن من بعيد لبعيد ، لحد ما القلوب تصفى ، مع ان كان نفسي أحضر افتتاح الكافية واتعزم زي شادي ورحمة عيال عمتي.
رمقته بدهشة:
– يا نهار ابيض، يعني انت كنت حاضر يوم الافتتاح، طب ليه مجتش يا سامر، طب والله كنا هنرحب بيك
لاحت بزاوية ثغره ابتسامة باهتة يخبرها:
– انا عارفك هترحبي بيا، بس كنت هبقى زي الضيف يا بهجة، وارجع اقولك برضو ان مش عاتب عليكي ، لا انتي ولا اخوتك
كان يتحدث بسجية معاتبًا وهي تقبلت عتابه ترضيه بكلمـ.ـا.ت رقيقة ومحسوبة في حديث سريع دار بينهم قبل ان تدخل لنوبة عملها، غافلين عن نفس خبيثة توقفت بسيارتها بمسافة بعيدة إلى حد ما، ولكن تمكنها من الرؤية جيدا والتقاط الصور ايضًا، ربما أتت من خلفها بفائدة؛ تتحين الفرصة لها منذ وقت طويل تراقب وتجمع المعلومـ.ـا.ت، في انتظار هفوة ولو صغيرة منها، تساعدها لتتقدm في تنفيذ ما تريد.
وظلت محلها حتى انصرف الاثنان، كل إلى وجهته، بهجة إلى مقر عملها في المصنع، اما هو فقد اتخذ طريقه في الجهة المعاكسة للمغادرة،
قادت سيارتها تتبعه حتى انعطف في طريق اخر مختصر قليلًا قبل ان يصل إلى العمومي، فواصلت حتى اقتربت منه تبطء من سرعتها، ونادت من نافذة السيارة.
– انت يااا يا اسمك ايه؟ يا حضرت ياااا.
انتبه اخيرًا ليلتف نحوها ويشير بسبابته نحو صدره:
– انتي بتكلميني انا
– اه بكلمك، ممكن خدmة لو سمحت؟
اضطر للتوقف لينتظرها حتى توقفت بمكان جيد إلى حد ما للوقوف بالسيارة ثم ترجلت منها تقابله في وقفته متحدثة بلطف ورقة تتصنعها:
– اسفة لو خضيتك، بس انا بصراحة لما شوفتك واقف مع بهجة زميلتي في المصنع، شـ.ـدني الفضول عشان أسألك، هو انت تبقالها ايه بالظبط؟
قطب مستغربًا السؤال :
– انا ابقالها أبن عمها، بس انتي ليه يشـ.ـدك الفضول يعني عشان ت عـ.ـر.في بصفتها ايه عندي؟
تحفزت كل خلاياها لتواصل بمزيد من التأكيد:
– يعني انت أبن عمها اللي كان كاتب كتابه عليها؟ او طليقــ,تــلك بمعنى أصح.
لا يعلم ما الذي طرأ برأسه وقتها؟ ربما الارتياب،، ربما التوجس، ولكنه وجد نفسه ينطقها وبدون تفكير:
– اه انا في حاجة بقى؟
انتعش داخلها حتى كادت ان يظهر على ملامحها، وقد تيقنت انها أصابت هدفعا بعد اعترافه بما كانت تتمنى، لتتمالك فرحتها مذكرة نفسها بالطرف الاخر والذي تضعه احتياط لوقت استعماله في خطتها وها قد أتى وقته، فترتدي ثوب المسكنة في الرد عليه:
– انت ليه حضرتك متعصب عليا؟ انا بسألك لغرض جوايا، اصل بهجة دي بتصعب عليا اوي، ونفسي بجد الاقي اللي يساعدها في محنتها، بس انت شكلك معندكش وقت ، او يمكن هي عايزة تخبي عليك، انا آسفة……
– استني هنا
صدرت صيحته فور ان استدارت عنه، ليلتف مقابلا لها ، وقد أشعلت رأسه بقولها:
– انا عايز اعرف بالظبط بتتكلمي عن ايه؟ بـ.ـنت عمي انا مالها ؟ وايه المحنة اللي هي فيها .
اعتلى الأسى ملامحها، وقد اجادت تصنعه بجدارة، لتجيبه بدراما:
– انا طبعا هضطر اقولك عشان اتوسمت فيك خير، بما انك أبن عمها وطليقها سابقًا فاأكيد مش هيرضيك اللي بيحصل معاها، بهجة يا حضرة طول الوقت بتتعرض يوميا للمضايقات، من واحد بيشتغل معاها في نفس المصنع ، بيفرض نفسه وعايز يتجوزها بالعافـ.ـية ، لكن هي مضطرة للسكوت عشان لقمة عيشها متتقطعش من المصنع وتضيع هي وأخواتها ..
أشتدت ملامحه بصدmة،
– مضايقات! مضايقات يعني ايه بالظبط؟
– ممصايقات يا اخينا، متعرفش يعني ايه مضايقات؟ دي بتوصل احيانا لتـ.ـحـ.ـر.شات
– تـ.ـحـ.ـر.شات…. انتي بتقولي ايه يا ست انتي؟ حضرتك فاهمة معنى كلامك ده ايه؟
ازعجها اسلوبه الحاد نحوها، ولكنها اخفت لتبدي تعاطفها:
– انا عارفة ان الكلام ضايقك، وعندك حق، امال اتكلمت معاك ليه؟ على العموم لو مش مصدقني، روح واتأكد بنفسك، اسأل عن واحد اسمه تيم كان زميلها في قسم التفصيل قبل ما تطلب نقلها لشغل إداري عشان تخلص منه، لكنه برضو مش عاتقها ، قابله واتكلم معاه وانت تفهم لوحدك، على العموم انا عملت اللي عليا، عن اذنك حضرتك .
قالتها وتحركت تستقل سيارتها لتعود بها وعيناها في المراَة منصبة عليه ، تراقبه عن كثب، بعدmا القت برأسه جذوة الفتنة، شرار عينيه مازال مسلطًا عليها وعلامـ.ـا.ت الشك والغـــضــــب تعتلي ملامحه، تقود ببطء شـ.ـديد في انتظار تحركه، والذي لم يطل كثيرا، لتتهلل اساريرها حين وجدته، يندفع عائدًا بخطوات سريعة، يبدو جليًا تحفزه، وكأنه على وشك الدخول إلى معركة،
هذه هي فرصتها في التسبب لها بفـ.ـضـ.ـيحة، عراك بين طليقها وحبيبها الحالي في قلب محل عملها، فتصبح علكة في الافواه، تتشوق جدا لمشاهدة رد فعل رياض، حين يرى المرأة التي اغوته وهي تتلاعب بقلوب رجـ.ـال غيره.
❈-❈-❈
في لحظات قليلة
كان سامر قد وصل الى المصنع عائدًا اليه، ولكنه هذه المرة اتخذ خطواته نحو الداخل ، متخليًا عن تحفظه المعتاد ، يريد التأكد منها عن صحة ما سمعه ، وان صدق حديث الأخرى، سوف يلقن هذا التيم درسًا لن ينساه
كانت هي قد سبقته في الوصول، فراقبته من بعيد وهو يسأل ويقدm مبرراته إلى رجـ.ـال الأمن كي يسمحوا له بالدخول إلى ابنة عمه، فسار معه احدهم حتى توقف به اسفل المبنى الذي تعمل به بهجة، فيأمره بالانتظار حتى صعد اليها يطلبها، فنزلت بعد لحظات قليلة بهلع عن سبب عودته .
إلى هنا ولم يعد هناك وقت للانتظار، تحركت سريعًا نحو قسم التفصيل، لتجد العمال على وشك البدء في العمل، وهذا المدعو تيم يتسامر كعادته مع صباح وبعض العاملات الاتي يتناولن معه بعض الشطائر للإفطار
دلفت اليهم تتبختر بخطواتها توجه الحديث إلى صباح، بانتقاد كالعادة حتى تجعل دخولها يبدو طبيعي:
– ما شاء الله، لساكم بتفطروا يا صباح وشيفت العمل عدى عليه خمس دقايق .
انتفضت صباح تبرر لها والطعام في فمها:
– اديكي قولتيها يا لورا هانم خمس دقايق بنفطر فيهم، وادينا هنشتغل على طول .
– اممم
زامت بفمها ثم تابعت تلقي بأمرها وتوصل ما تبتغيه:
– ماشي يا صباح، متنسيش بس تعدي عليا النهاردة عشان عايز اخد منك شوية معلومـ.ـا.ت عن التوريدات الجديدة، وعلى العموم خدي راحتك، ما هو غيرك حولها لمشاكل شخصية، انا جاية دلوقتى شوفت الست بهجة واقفة مع طليقها باينهم بيتخانفوا في قلب المصنع.
– طليق مين؟ هي بهجة متجوزة اصلا؟ انا اعرف ان كان مكتوب كتابها وانفصلت على كدة .
ردد بها تيم بعصبية في استجابة سريعة وقد ابتلع الطعم، لتصحح صباح بما تعلمه:
– ايوة فعلا كان كتب كتاب، بس هو ايه اللي هيجيب سمير هنا وهي عزلت اساسا من عندهم؟
– بتقولك بيتخانق معاها يا ست صباح ، انا رايح اشوف العيل التنح ده.
قالها متحركًا للخروج سريعًا وتبعته بالطبع صباح لتمنعه عن التهور:
– استني يا بني لما نفهم الأول.
تبعها عدد من الفتيات ليستطلعن الامر، فتطالعهم هي بمرح، غير عابئة بمصلحة العمل التي دخلت تتغنى بها فتوقفهم، بل وتحركت خلفهم بانتشاء ، لتعود إلى محلها وتراقب من علو ثمار خطتها.
❈-❈-❈
اما عند بهجة والتي كانت بحالة من التشتت وعدm الفهم، في تفسبر اندفاع الاخر وأسألته الغريبة الموجهة اليها:
– يا بهجة بسألك عن اللي اسمه تيم ده، مبتجاوبيش ليه؟
– أجاوبك اقولك ايه؟ انا اساسا مخضوضة منك ومن سؤالك عنه، تعرفه منين عشان تيجي تعمل تحقيق عنه، وليييه؟
– من غير ليه يا بهجة، انا سمعت ان الجدع ده بيضيق عليكي وعايز يتجوزك بالعافيه، انا عايز اتأكد منك قبل ما اروحله واكـ.ـسر دmاغه لو طلع الكلام صح.
– تشلفط مين؟ تيم مغـ.ـصـ.ـبش عليا في حاجة؟
– طب يعني انتي موافقة على جوازك منه؟
– يا نهار اسود ، جواز ايه بس؟ انا مقولتش حاجة، انت جيبت الحوار دا كله منين اصلا؟
في هذا الوقت وصل المذكور يجدها تبرر بانفعال، جعله يتدخل على الفور:
– مالك متعصبة ليه يا بهجة؟ هو اخينا دا جاي يضايقك في حاجة؟
وقبل ان يصدر ردها لتصرفه، سبقها سامر:
– ايه اخينا دي كمان، وانتي مين اساسا عشان تدخل ما بينا؟
– انا تميم زميلها هنا .
– يا حليوة وجايلي برجلك .
تفوه بها سامر في رد سريع ليباغته على الفور، ممسكًا بتلابيب قماشه هادرًا به، يجفله ويجفل بهجة ايضًا:
– لأ وليك عين كمان تيجي في وشي وتبجح، دا انت نهارك مش فايت .
وكانت البداية للشـ.ـد والجذب والشجار بين الاثنان وبهجة الضحية تحاول الفكاك بينهم ، حتى تدخل عدد من الرجـ.ـال للفصل.
فقدm هو في هذه الاثناء منتبهًا لهذا التجمع قبل ان يلج داخل المصعد، حتى اذا وصل لطابقه تلقفته لورا من وسط الطريق:
– رياض باشا انت وصلت؟
وجه لها الحديث بعصبية:
– ايوة وصلت يا لورا وشوفت المهزلة اللي تحت، انزلي وشوفي مين المسؤول عن الخناقة دي وحاسبيهم، احنا مش في شارع هنا.
– مش محتاجة اشوف يا باشا، الخناقة اصلا على بهجة.
توقف في وسط الطريق المؤدي الى غرفته، فور ان دوى الاسم بأسماعه ليلتف اليها بنبرة مخيفة مرددًا:
– الخناقة على بهجة ازاي يعني؟ انا عايزة افهم.
بقلب يرقص فرحًا في الداخل، رسمت الجدية لترد بمهنية خالصة:
– دا الكلام اللي داير يا فنـ.ـد.م بين العمال ، طليقها السابق جاي يتخانق مع تميم زميلها بعد ما وصلو الكلام عن علاقة حب تجمع ما بين الاتنين، وانهم بيخططو للجواز.
هل رأت الجحيم بعيناه الاَن، نعم تجزم بذلك، وقد تبدلت ملامحه حتى توحشت بشكل لم يسبق ان رأته منه سابقًا على الإطـ.ـلا.ق، وبدون ادنى استفسار اخر ، ارتد بأقدامه نحو المصعد الذي خرج منه توًا ، ليهبط مرة اخرى ويرى بنفسه، غير مباليًا بوضعه من الاساس.
– المهزلة اللي هنا دي تنفض دلوقتي فورا، والمسؤولين عن الخناقة يتحركو حالا مكتب شئون الموظفين مع مدير المكتب نفسه.
كانت هذه صيحته الجهورية، التي اصمتت الجميع و.جـ.ـعلت اعداد المتجمعين تنفض شيئًا فشيئًا حتى صفصفت على أصحاب الشجار، سامر والذي كان يلهث من فرط انفعاله، وتيم الذي تمزق جزء كبير من القميص الذي يرتديه وصباح تقف في الوسط كحاجزًا لعدm عودة العراك، اما بهجة فقد خارت قواها لتسقط جالسة على احدى درجات السلم الضخم الذي كانت تقف بجواره، غير قادرة على مواجهة غـــضــــبه، شاعرة بتحطمها لأشلاء لا حصر لها، وكأنها كانت تنقصها هذه الفـ.ـضـ.ـيحة لتصب مزيدًا من التـ.ـو.تر في علاقتها معه.
❈-❈-❈
داخل غرفتها التي اصبحت تلتزمها منذ ايام، في تعبير عن رفضها واعتراضها على ما تم اتخاذه من إجراءات غير عادلة في حقها من وجهة نظرها، بفضل شقيقاها اللذان استغلا ما حدث أسوء استغلال
وكأنهما كانا في انتظار الفرصة لينتقما منها،والدتها التي كانت الداعم الاول لها دائمًا اصابها الخرس وقلة الحيلة عن الدفاع عنها،
والدها الذي ركض إلى صديقه والذي بدوره لم يكذب خبر وقدm هو وابنه في نفس اليوم لقراءة الفاتحة، اللعنة على هذا الكابوس، الا يكفي احساس المهانة وما سمعته من توبيخ على لسان الضابط المسؤول وتوجيه النصائح لها لتعود عن طريقها الى طاعة الخالق، وكأنها الوحيدة من فعلت هذا الأمر، والفضل يرجع بالطبع لهذا الشيخ الغـ.ـبـ.ـي والذي طمع في جمالها وشبابها رغم تعامله الدائم مع والدتها، ولكن لسوء حظها حدث ذلك.
جمالها الذي اغوى الشيخ و.جـ.ـعل طلال الاحمق يظل متمسكًا بها رغم رفضها، لم يؤثر في الرجل الوحيد الذي ارادته
– اه يانا يا حسرتي.
تمتمت بالكلمـ.ـا.ت بصوت مسموع لنفسها، قد خسرت حتى المحاولة مرة اخرى، بعد اتصال شادي واخبـ.ـار والدتها انه عرف كل شيء وغير مرحب بأي فرد يبتغي الاذية لعائلته الصغيرة وقد استرد مرة اخرى زوجته بعد ان ذهب منها السحر وشفيت تمامًا.
– يا بـ.ـنت المحظوظة
– مين هي دي اللي محظوظة يا بت؟
صدر السؤال من والدتها التي عقبت به مستفهمة وهي تلج اليها.
فالتوى ثغر ابـ.ـنتها لتجيب ضاربة بكفها على ظهر الاخر مرددة بحنق:
– اهي واحدة وخلاص، ناس ليها شادي وناس ليها طلال.
غمغمت الاخيرة بوضوح وصل الى درية، لتمصمص بشفتيها بعدm رضا وتجلس بجوارها على التخت مرددة:
– ايوة يا ختي، ما الدنيا صفصفت ع الرجـ.ـا.لة ومبقاش فبها غير سي شادي، ما تصحي يا بت الهبلة، وا عـ.ـر.في ان بعد عملتك الاخيرة اي امل ناحية المحروس خلاص بح، يعني فوقي لنفسك وافتكري عريس الهنا اللي اتقرت فاتحتك عليه من يومين .
صاحت بها بغـ.ـيظ:
– انتي بتبكتيني ياما، طب سيبي الكلام ده لولادك وجوزك، اللي فرحانين فيا وماصدقو، دا بدل ما يقفوا جمبي ويطبطبوا عليا بعد اللي حصل، فاكرين انهم هيكـ.ـسروا عيني لكن لا وربنا ما هسكت بعد كدة، انا اتاخدت على ماشمي اول امبـ.ـارح لما سبتهم يقروا فاتحتي على الواد الأهبل ده، بقى انااا سامية اللي امشي على الارض اخبل الناس بجمالي اتجوز ده طلااال.
صدر صوت استنكار من درية لتردف بسـ ـخـــريــة:
– اسم الله عليكي وعلى حواليكي يا ختي، اهدي يا عين امك ومتسوقيش فيها، فرعنتك دي كانت تمشي الأول، انما دلوقتي اخوتك متحلفنلك وابوكي شايل ايده، وانا خلاص بوقي اتخرس، بعد اخوكي سمير ما فهمها، يعني لو اتكلمت بأي حرف هيفتحلي القديم والجديد وكله بسببك….. عشان لو كنتي خدتي شورتي من اولها مكنش المنيل ده طمع فيكي .
سمعت منها لتغمرها غبطة بغباء تفكيرها:
– اديكي قولتيها بنفسك، الراجـ.ـل اللي طول عمره ماشي تمام معاكي، جاه ومقدرش يمسك نفسه معايا، عشان انا حلوة واستاهل حد قيمة وسيمة، مش طلال اللي مبهدل في نفسه وشكله يعر.
– يا ختييييي
تمتمت بها درية لتمسك بطرف قماش بلوزتها مرددة بنفاذ صبر:
– هتمـ.ـو.تني في هدومي منك لله يا بت الهبلة، نقول طول تقولي احلبوه، نقول طلع ديله نجس تقولي عشان مقدرش يتحمل جمالي، طيب يا عين امك ، انا جيت ابلغك ان عريس الهنا جايلك المسا عشان يقعد معاكي النهاردة وابوكي قالي ابلغك تجهزي نفسك، كدة بقى اشوف اللي ورايا واجهزله حاجة ياكلها
قالتها لتنهض من جوارها ، فتعلق سامية باستهزاء:
– اجهز نفسي، لا كمان احط له مكياج ولا البس حاجة نضيفة، هو كان يطول اصلا
❈-❈-❈
وبداخل غرفة شئون العاملين كان الجدال المحتدm بين شقي الشجار بحضور المتشاجربن مع صباح والرجل المسؤول عن التحقيق معهم، وبهجة الجالسة على مقعدها، وكأنها في كابوس تتمنى الاستيقاظ منه؟
– حضرتك انا اتفأجات بالراجـ.ـل ده وهو بينفعل على بهجة، وأدخلت عشان مش حقه اساسا يجي هنا .
– وانت اللي من حقك تضيق عليها وتتـ.ـحـ.ـر.ش بيها هو الجواز بالعافـ.ـية
– الكلام دا تقوله لنفسك مش ليا، انت اللي فارض نفسك عليها وهي رافضاك
تدخلت صباح امام انهيار المسكينة، والتي فقدت النطق تقريبا ولم تعد بها طاقة للتحدث:
– ممكن انتو الاتنين تسكتو ، يمكن تفهمو، اولا يا تميم يا بني، دا يبقى ابن عمها بس، اخوه هو اللي كان متجوزها، وانت يا استاذ سامر، لازم تفهم ان كلامك كله عن تميم غلط، هو لا عمره ضيق ولا اتـ.ـحـ.ـر.ش بيها، واللي فهمك الكلام دا واحد عايز يوقع ما بينكم .
صاح سامر:
– يعني ايه؟ صاحبتها اللي بلغتني كانت بتكدب عليا؟ طب ما انا شوفت بعيني اهو، والواد ده جه واتهجم عليا .
دافع تميم عن موقفه:
– انا متهجمتش انا كنت بس بردلك عشان تحل عن بهجة، اقسم بالله هو اللي ابتدا الخناق مش انا ، قوليلهم يا بهجة.
بالطبع لم ترد، فقد فقدت الرغبة بالتحدث عن أي شيء بعد الذي حدث .
ليصدر تعقيب صباح:
– استنوا هنا، انتوا الاتنين ، انا عايزة افهم دلوقتي، مين من زميلاتها اللي بلغتك يا سامر؟
وقبل ان يجيبها جاء النداء من مدخل الغرفة من احد السعاة:
– الآنسة بهجة تحضر فوق، رياض باشا طالبها بنفسه
وكأنها كانت في انتظاره، نهضت على الفور تتحامل على اقدامها التي كانت تحملها بصعوبة ناظرة نحو الرجل تبلغه:
– ماشي يا عم إبراهيم، انا طالعة حالا .
عقب سامر :
– وهو يطلبها ليه لوحدها؟ هي متخانقتش اصلا.
– ايوة صح، لو عايز يحاسب، يحاسبنا كلنا .
قالها تميم هو الاخر، لتطالعهم بابتسامة ساخرة تملؤها المرارة وكأنها سمعت مزحه منهما، اما صباح فقد ربعت ذراعيها امام صدرها تتنهد بغـ.ـيظ نحوهم قائلة:
– سيبوها في حالة بقى لحد كدة وخليكم في نفسكم، روحي يا بـ.ـنتي شوفي اللي وراكي، دول مش هيفضوها سيرة النهاردة.
اذعن الأثنان لرغبة المرأة واضطرا للسكوت لتخرج بهجة، وحديث نفسها من الداخل:
– لقد اَن الأوان، فهذه هي اللحظة الفارقة في علاقتها به، والتي كانت تنتظرها من البداية وها قد جاء موعدها.

لا تستهين بامرأة قد يراها البعض ضعيفة لصفتها انثى ولا يعلمون ان قوتها تكمن في ضعفها.
تمتلك الشجاعة ولكن تنقصها الحكمة بعض الأحيان في اتخاذ القرار.
قادرة على الاستغناء ولكن قلبها الضعيف هو من يقيدها.
فهذا سبب كبوتها.
ولكن حينما يتحول هذا القلب إلى عدو ويتعارض مع كرامتها…. تستطيع الدعس عليه مهما أو.جـ.ـعها الألــم.
❈-❈-❈
صعدت اليه في الطابق الذي يجمع غرفتها مع زملائها من جهة، والجهة الأخرى تضم غرفة مكتبه مع مديرة مكتبه الخاص
والتي فور ان التقت عينيها بخاصتي بهجة، وقفت تستقبلها بابتسامة منتشية، وكأنها كانت في انتظارها،
وها قد حققت مبتغاها ولم يبقى الا اللمسة الأخيرة، ليتها تجد الوسيلة لترى ماذا سيحدث بينهما الاَن داخل الغرفة المغلقة:
– اهلا يا بهجة، متأخرتيش يعني.
رمقتها بهجة بشك وتعجب لهذه الحفاوة التي تستقبلها بها، ولكن صرفها سوف حالتها المزاجية عن التركيز معها، لتتمتم ردًا لها بفتور:
– ياريت كمان تدخليني على طول، ومتخلنيش انتظر.
– لا يا حبيبتي تنتظري ليه؟ ادخلي حالا اهو.
قالتها لتتقدmها وتفتح لها باب الغرفة، تنبه الاَخر لوجودها:
– بهجة يا رياض باشا.
اتخذت طريقها تتطلع نحوها باسترابة، قبل ان تلج الى داخل الغرفة الضخمة، وينغلق عليهما بابها.
فتجده جالسًا خلف مكتبه، بسكون تعرفه جيدًا، ذاك الذي يسبق العاصفة، عاقدًا حاجبيه بتعبيرات مشتدة، يتبع خطواتها بأعين ضيقة ونظرات تضيف اليها الرهبة، وربما تفسيرات أخرى…. سوف تتأكد منها الاَن، لتسحب شهيقًا قويًا داخلها، فتقف مرفوعة الهامة امامه قائلة برسمية:
– اتفضل حضرتك طلبتني.
طفى على ملامحه شيء من الإجفال تأثرًا بثباتها، ثم ما لبث ان يعود لجموده لينهض عن كرسيه قائلًا؛
– اه فعلا حضرتي طلبك، ما هو شيء طبيعي يعني، لما الواحد يعرف عن موظفة عنده انها اتسببت في خناقة كبيرة لرب ألسما، بين اتنين، واحد منهم كان طليقها اللي مكتوب كتابها عليه، والتاني زميلها اللي كانت عشمته بجوازه منها….. ولا ايه يا….. مدام بهجة.
شـ.ـدد في الاخيرة بشكل ملحوظ وهو يجلس على طرف المكتب امامها، فيكن مقابلا لها، مربعًا ذراعيه، بنظرات رغم هدوئها لكنها قادرة على حرق من امامها، ولكن هل سيظنها ستخاف؟ بعدmا ظهر من طريقته، انه قد حكم بالظاهر، ولم ينتظر نتيجة التحقيق،
لتقارعه بحدة معقبة على كل ما سبق، وتذهله بجرأتها:
– اولا مش هعلق على كلمة مدام دي لان انا فعلا مدام وانت الأدرى، اما بقى عن الاتهامـ.ـا.ت التانية ف انا مقبلهاش، لأني وبكل بساطة معملتش حاجة غلط، لا علقت تميم في غرامي ولا كان ليا دخل باللي وقفت ابن عمي في الشارع تبخ له بكلام عن تـ.ـحـ.ـر.ش زميلي بيا في العمل، يعني رد فعله لما يجي يتخانق معاه طبيعي جدا.
– طبيعي جدًا
ردد بها من خلفها كازًا على اسنانه رغم احتفاظه بهذه اللمحة من البرود يحجم نفسه بصعوبة أن لا ينفجر بها، فيردف بسـ ـخـــريــة وصوت بدى كالفحيح، وقد اعماه الغـــضــــب والغيرة الشـ.ـديدة حتى تشوهت الصورة بكاملها امامه:
– طبيعي ان ابن عمك اللي كان كاتب كتابه عليكي يقف لك كل يوم عند المصنع ويستناكي حتى بعد طـ.ـلا.قك منه، ولا التاني اللي حاطط عينه من زمان وانتي عارفة، يتخانق عشانك ويجازف بعمله عشان خاطر عيونك.
على صوت انفاسه وصدره يصعد ويهبط امامها ليكمل بما شطر قلبها لنصفين، وقد لاح بعقله صورة الأخرى، تلك الملعونة التي شتت اسرته الصغيرة وتسببت له بالماَسي والندوب التي لم يشفى منها حتى الآن:
– هما لو لقيو منك وش خشب يا هانم ولا رفض قاطع، كان هيفضل جواهم الأمل ويستانوكي، ولا يكونش دا قصدك من البداية والغـ.ـبـ.ـي اللي قدامك كان عايش في وهم انك بتحبيه؟
صدmها، لا لم تكن صدmة، هذا شيء تعدى الكثير والكثير، هذا صوت قلبها التي تسمع أنينه الاَن، كيف له ان يتحول هكذا للصورة البشعة؟ لقد حكم عليها دون ان يسمع منها او يرى ما يثبت برائتها، ايتوقع ان تعترف بخطأها ام تترجاه كي يصدق دفاعها عن نفسها ، لا والله لن يحدث
بقوة لم تعرف أتت من أين، ابتلعت غصتها كي تنهي كل شيء:
– انا شايفة انك كونت الفكرة وبتتكلم على أساسها، ومدام انا وحشة كدة في عينك وظهرت على حقيقتي قدامك، انا بقول يبقى كفاية كدة احسن .
انتفض مستقيمًا بجــــســ ـده فور سماعه لكلمـ.ـا.تها، لتزداد ملامحه قتامة، وخطا يدور حولها كالفهد بخطوات بطيئة تبث بقلبها الرعـ.ـب، قبل ان يسألها بلهجة هادئة خطرة
– قصدك ايه بكفاية؟ كملى وقفتي ليه؟
ابتعلت تشجع نفسها على مواجهته، علُها تحل نفسها من هذا الاتفاق الخانق، لتركز ابصارها به دون خــــوف:
– مش محتاجة اكمل يا باشا احنا اتفاقنا كان على مدة محددة وكل واحد يروح لحاله، وافتكر يعني الكام شهر دول كانوا اكتر من المدة اللي كان عليها اتفاق…..
توقفت باضطراب يعصف بها، مع انتباهها لهيئته الغير مبشرة على الإطـ.ـلا.ق، تستطرد بتردد:
– انا عايزة اسوي حاجتي في الشغل، وامشي بقى واروح لحالي، المحل عندنا محتاج اللي يراعيه، وانت كمان يا باشا اكيد هتلاقي غيري كتير…
– يعني عايزة تقولي انك شبعتي ومعدتيش محتاجة خلاص؟ وطبعا حالك ده اللي هو ابن عمك، او المغفل التاني، ما هم الاتنين قاعدين مستينيك؟
تمتم بها، وقد ضاقت عينيه، ليباغتها فجأة قابضًا بكفيه على ذراعيها يضغط بعنف، هادرَا :
– وليكي عين تقوليها في وشي يا بجحة، دا انت باينك اتهبلتي ولا عقلك طار منك، ولا نسيتي انا مين؟ وصفتي ايه بالنسبالك اصلًا؟
صرخت بدورها:
– لأ منستش، بس انت كدة كدة هتسبني، فيها ايه بقى لما اتجوز ابن عمي ولا غيره؟ ولا انا يعني هفضل من بعدك مترهبنة؟…
– بمزاجي، انا اللي احدد إمتى النهاية، وفي الوقت اللي انا عايزه.
صاح بها بأعين يكسوها الحمار، وبصورة ادخلت الرعـ.ـب في قلبها، ليُضيف بشراسة اختلفت تمامًا عن طببعته الهادئة لدرجة البرود احيانًا:
– انا صاحب الكلمة العليا ، وانا اللي احدد ان كان في نهاية ولا لأ من اساسه، لان انا اللي اشتريت وانتي قبلتي، فاهمة معنى الكلام ده؟ ولا محتاجة افهك اكتر؟
حاولت نفض قبضتيه عنها لتضيف مما زاد من هياجه:
– لا مش محتاجة افهم، لأني تعبت ومعدتش قادرة، ابقى مراتك وحبيبتك في الضلمة، لكن في النور لا، غيرة وشك وفرض أوامر من غير تقدير لوضعي ولا لصورتي قدام الناس ولا اللي ممكن يظنوه فيا، بتتهمني ان معشمة الاتنين، ما انا لو لقيتك معترف بيا كزوجة محدش فيهم اصلا كان هيبصلي اصلا، انا بقى اللي بقولك زهقت، وخلينا نخلص من اللعبة البايخة دي، ارجع يا باشا للوسط بتاعك وشوف اللي تناسبك فيهم، وسيب بهجة تلاقي برضو اللي يناسبها.
– دا انا امـ.ـو.تك احسن، ولا اسيبك تروحي لحد غيري .
قالها وقد ازداد جنونه، ليهزهز جــــســ ـدها بعنف زاد أضعاف، عقله يرفض استيعاب كلمـ.ـا.تها من الاساس:
– عمرك ما هتكوني لحد غيري يا بهجة
وكأنها شجرة يقــ,تــلعها من جذورها ، لم ينتبه أنه تمادى إلا حينما سقطت منه, ليتلقفها على صدره بهلع مرددًا:
– بهجة، مالك يا بهجة؟ انا اسف يا قلبي اني اتعصبت عليكي
حملها بين ذراعيه حتى سطحها فوق الكنبة الجلدية في جانب الغرفة، يحاول افاقتها، يربت على كفها ووجنتها بخفة:
– بهجة، قومي يا بهجة، قومي يا بهجة متخلنيش اكره نفسي ارجوكي.
حينما ظلت على وضعها، انتفض من محله يركض إلى لورا مناديًا بجزع كي تأتي وتفيقها، فترى بأم عينيها ضعفه وخــــوفه، وترقبه بلهفة حتى فتحت عينيها على اثر الرائحة القوية للعطر التي اخترقت حواسها، فتهلل وجهه:
– هي كدة بتفوق صح؟
بغـ.ـيظ شـ.ـديد اغلقت على زجاجة العطر تبعدها عنها قائلة:
– ما هي فتحت عيونها اهي، يبقى اكيد فاقت يعني؟
وهي ايه اللي خلاها اغمي عليها اصلا؟
– تعبت ووقعت من طولها يا لورا، محصلتش معاكي قبل كدة، قومي قومي من جمبها خليها تاخد نفسها:
– اجيبلك دكتور يا بهجة؟
استعادت وعيها جيدًا تنتبه على سؤاله، وراسه اعلاها بشيء بسيط ، وتلك المتعجرفة ترمقها بمقت وغل، لتحاول النهوض بجذعها متحاملة على ألــمها الجــــســ ـدي والنفسي:
– انا كويسة والحمد لله
هتف مشيرا بكفيه يحاول منعها:
– لا استني يا بهجة، انا طلبت الدكتور وزمانه على وصول
ردت بجمود ورسمية:
– متشكرة حضرتك، دول اكيد شوية ضعف مش مستاهلة قلق.
حطت بقدmيها على الارض، بعد ان ابتعدت عنها لورا، والتي اصبحت تمثل حاجزًا بينهما، حتى لا تمكنه من الاقتراب منها في كل محاولة منه نحوها :
– يا بهجة استني، انتي مش قادرة تصلبي طولك
ردت بإباء وقوة:
– لا اطمن يا رياض باشا، انا لو اتهزيت في وقفتي، برجع اثبت بسرعة عشان مقعش، لان عارفة ان محدش هيسندني غير نفسي، عن اذنك .
– طب استني هوصلك.
قالها يتراجع سريعًا نحو مكتبه فيتناول سلسلة المفاتيح من فوقها لتلحقه لورا على الفور تذكره:
– واجتماعك مع العملا، انت وكارم بيه هتعمل فيه ايه؟
– يتأجل يا لورا
صدرت منه بدون تفكير، لتثير على ثغرها ابتسامة ساخرة لم تصل لعينيها:
– وانا مقبلش يا رياض باشا انك تعطل نفسك، حمد لله رجليا شيلاني ومش محتاجة مساعدة حد.
قالتها بهجة وتحركت تغادر من امامه على الفور، غير قادرًا على اللحاق بها، بعد احراجه امام لورا التي تحدثت بعملية:
– انا رايحة اجيبلك الملفات المتأخرة، حضرتك من الصبح ماشتغلتش على اي ملف فيهم، عن اذنك.
زفر بقنوط ، يلقي المفاتيح من يده، ثم يرفع الهاتف إلى اذنه طالبًا سائقه:
– عم علي، اسمعني كويس .
❈-❈-❈
اما عنها فقد اتخذت طريقها للذهاب على الفور من الباب الخلفي، متجنبة المدخل الرئيسي وما يتبعه في المرور على صباح والأثنان المتشاجران، واي فرد قد يعرفها في المصنع، حتى العم علي الذي وكل بتوصيلها، دخل بنفسه ليأخذها ويخرج بها، ولكن حينما لم يجدها اضطر للسؤال عنها حتى وصل الامر إلى صباح، والتي ضـ.ـر.بت بكفها على صدرها بهلع خــــوفًا من اختفائها المفاجيء، فخرجت تتخذ طريقها للذهاب إلى منزلها ومعها ابن عمها، حتى ود تميم ايضًا الذهاب معهم ولكن منعه الحرج وجلافة سامر الذي كان وشك ان يقــ,تــله حينما تفوه عارضًا الامر
❈-❈-❈
امام المراَة وقد تصدرت بجــــســ ـدها امامه، تتمايل بشقاوة وتغير بلفات الحجاب الذي كانت تتعمد فرده كل لحظة بمشاكسة لهذا الواقف خلفها يبحث عن جزء ولو بسيط يهنـ.ـد.م من خلاله ملابسه، حتى فاض به من أفعالها:
– يا بـ.ـنتي بقى اهمدي، عايز اشوف القميص مظبوط ولا مش متنيل، مش شايف حاجة خالص
التفت اليه تستمر في تمايلها:
– وانا اعملك ايه يا مستر شادي؟ حد جالك تنجي مراية صغيرة في أوضة النوم الجديدة ، كنت بحبحها حبتين واخترت مراية كبيرة.
اقترب يميل نحوها بغـ.ـيظ لا يخلو من مرح في كل مرة تناكفه بأفعالها:
– ابحبحها برضو! دا على اساس اني جايبها قطع، مش اوضة كاملة، انت ناوية تجنينيني معاكي صح.
ضحكت بغنج:
– انا برضو يا مستر، عشان بس بنصحك، ليكون الراجـ.ـل صاحب محل الموبيليا ضحك عليك واستخسر .
ضغط على كفها فزادت ضحكتها ليعلق بابتسامته الرزينة هو الآخر:
– لا هو فعلا ضحك عليا، بس انا بقبل بمزاجي، عندك مانع يا بـ.ـنت ابوليلة؟ ولا تدفعي احسن وتسدي عن جوزك.
تدللت تلف ذراعيها حول عنقه ، وتشب على قدmيها مرددة بدلع :
– لااا انت جوزي وحبيبي وكل حاجة، بس عند الدفع معرفكاش،
– طبعا وارثة النصاحة من ابو ليلة .
اومأت برأسها تقول:
– انا كنت دلوعة ابويا ، يعني عيبة في حقك لو مجلعتنيش انت زيه.
– كمان، مش بقولك ناصحة،
قالها ليقبل الوجنتين ثم يرفعها من خصرها ويحتضنها مردفًا بعشق:
– ادلعي على حس جوزك يا قلبي واعملي اللي انتي عايزاه، ربنا ما يحرمني منك ابدا يارب
– ولا منك يا حبيب جلبي .
قالتها تتشبث به هي الأخرى،
تأوه بلوعة؛
– ااه يا صبا، بحبها اوي منك والله يا جلب جلبي انتي، وشكلنا كدة مش رايحين الشغل النهاردة اللي متأخرين عنه اساسًا.
– انت اللي ماسك فيا مش انا
– والله
انزلها لتفك ذراعيها عن عنقه، عارضًا بخبث:
– ايه رأيك نضم أليوم دا كمان اجازة على الكام يوم اللي فاتوا؟ وناخده كله برا، نتفسح ونعمل كل حاجة نفسنا فيها.
اهتزت بكتفيها تدعي عدm الاكتراث، ثم تحذره:
– والله انت حر، بس استلقي وعدك بعد كدة مع المدير نفسه، دا هيشـ.ـد في شعره منك.
ضحك يتناول هاتفه:
– طب احنا نعمل تيست اختبـ.ـار نشوف هيسمح، ولا ناخدها من قاصرها ومنجيبش سيرة من اولها..
توقف ينتبه إلى ورود اتصال برقم غريب ، جعله يجيب على الفور حتى يعرف بهوية المتصل:
– الوو مين معايا؟…… مين؟ صباح اللي مع بهجة في المصنع؟….. هي بهجة حصل لها حاجة؟
❈-❈-❈
انتهى اخيرًا من الاجتماع الذي استغرق ساعات، مرت عليه بعـ.ـذ.اب التفكير المستمر وعدm التركيز في اي بند، مما الزم كارم للتصرف بحنكته مع العملاء معظم الاوقات، ليأتي الان تعقيبه:
– ايه يا عم رياض؟ انت تقريبا مكنتش معانا خالص النهاردة؟
اوما يجيبه بضجر:
– انا فعلا مكنتش مركز معاك، دا غير ان كنت عايز أاجله اساسًا، ونـ.ـد.مت اني منفذتش قراري.
– نـ.ـد.مت!
تمتم بها كارم بدهشة يراقبه ينهض من جواره، فيبتعد عنه ويهاتف احد الأشخاص، ثم ما لبث ان يصله الصوت بعصبية:
– ازاي يعني موصلتهاش؟….. وكمان متعرفش راحت فين؟……. انت بتتكلم في ايه يا عم علي…… لا في بيتها ولا عند أخواتها؟ ازاي يعني؟ طب اقفل طيب وانا هشوف بنفسي.
انهى المكالمة سريعًا وبعصبية ليتفاجأ بكارم بجواره يسأله بقلق:
– هي مين اللي اختفت، مش طنت نجوان خفت على حسب علمي؟
طالعه بصمت ليتحرك ذاهبًا من امامه يحادث الآخرى :
– ايوة يا صباح طمنيني على بهجة.
– بهجة!
تمتم الاسم من خلفه بعدm تصديق، مستندا بجــــســ ـده على الطاولة يردف محدثًا نفسه:
– ياااه ، هي لدرجادي البـ.ـنت أكلت عقلك يا رياض؟….. يا نهار ابيض، دي حاجة ولا في الخيال.
❈-❈-❈
في منزل خميس
وقد كان حاضر الان يرحب بعريس ابـ.ـنته وزيارته الأولى بعد قراءة الفاتحة، يحتفي به بمبالغة كعادته, متجاهلا صوت الهاتف الذي كان يدوي صامتًا في جيب سترته
– يا أهلا وسهلا، نورتنا يا غالي يا بن الغالي، واد يا طلال بلغ ابوك اني زعلان منه، مجاش ليه الراجـ.ـل ده معاك النهاردة.
تبسم المذكور وعيناه تذهب نحو الجيب الذي كان يضوي امامه كل دقيقة:
– تشكر يا عم خميس، بس هو كان هيجي على فكرة انا بصراحة اللي منعته، متزعلش مني، اصل لا مؤاخذة يعني، انا جاي النهاردة اقعد مع عروستي يجي هو بقى يقعد وسطنا عزول!
قطب يتطلع اليه بازبهلال شاعرًا بأنه حديثه فيه تلميح نحوه، صرف عن رأسه الفكرة حينما قدmت زوجته حاملة صنية العصائر والحلوى، ترحب هي الأخرى بطريقتها:
– يا أهلا يا أهلا بعريس بـ.ـنتي، شرفت وأنست.
تناول منها الصنية يضعها امامه على الطاولة الصغيرة التي تتوسط الجلسة يرد بطريقته؛
– تشكري يا حمـ.ـا.تي، بس مكنش له لازمة التعب.
ضحكت تأخذ جلستها على الكرسي المجاور لزوجها:
– تعب ايه يا حبيبي بس؟ هو انت هتسمي العصاير وحبة الكيك دي تعب.
تناول كوب العصير يرتشف منه،، موجهًا سؤاله نحو الاثنين:
– تسلم ايدك يا حمـ.ـا.تي بس هي العروسة فين؟ ولا انا جاي اخد قعدتي معاكم؟
– هاا
تمتمت بها مجفلة لفجاجة السؤال، ولكن انقذها خروج ابـ.ـنتها من الاحراج، لتردف مشيرة نحوها:
– اهي، العروسة جات اهي، عشان متقولش يا عم ان جاي تقعد معانا وبس.
قابل مزاحها ببرود قائلًا:
– لا ازاي بس يا حمـ.ـا.تي؟ دا انتو الخير والبركة.
قالها ووقف يستقبل عروسه تلك التي صارت تتمايل وتتبختر بخطواتها امامه عن قصد، هو ليس بغافل عنه، فيستغل بمكره، يمشطها من رأسها والنصف الحجاب الذي يكشف اكثر مما يغطي من رقبتها وشعرها، زينة وجهها والمساحيق التي لا تتخلى عنها ابدًا، ثم هذا الفستان الضيق يجـ.ـسم جــــســ ـدها بالكامل، حتى ما ترتديه بقدmيها البيضاء في ذلك الحذاء الذي يظهر الأظافر المطلية في الامام بصورة تثير الإعجاب.
ليتنهد واضعًا كفه فوق صدره ، والتي امتدت بعد ذلك نحوها فور ان اقتربت:
– يا مسا الجمال، أهلا يا عروستي
عبست بوجهها لترفع طرف كفها بتعالي، تبتغي ان تلامس كفه بقرف ولكنه كان الأسبق ليطبق على كفها بضغطة اجفلتها لتبرق عينيها بخضة نحو والديها الذان تطلعها اليه مزهولان وهو يسحبها من يدها التي مازال ضاغطًا حتى كاد ان يجلسها بجواره على نفس الاَريكة، ولكنها تشبثت في الأرض تنزع يدها عنه لتجلس على ابعد كرسي منه، ترد بصوت يتخلله الضيق:
– منور يا طلال.
عض على شفته بغـ.ـيظ لفعلها، ليحط جالسًا محله يفرك بكف يده على فخذه زافرًا:
– ومالوا ما هو نورك برضو يا عروستي.
بملامح مكشوفة، تعبر عن ضجرها اشاحت بوجهها عنه، ليواصل الفرك بكف يده على فخذه متوجهًا بالحديث هذه المرة نحو درية:
– ايه يا حمـ.ـا.تي، انا سمعت انك محضرالي عشا
للمرة الثانية يربكها بجرأته، لتنهض على الفور مرددة باضطراب:
– اه يا بني امال ايه؟ دا انا عملالك عشا ملوكي، ثواني هشوفه على النار.
تحركت ذاهبة نحو المطبخ وقبل ان يتفوه خميس بكلمة من خلفها، سبقه هو:
– ما تشوف التليفون اللي شغال يرن عليك من الصبح دا يا عم خميس، لتكون حاجة ضرروي، ولا ناس محتاجينلك..
– نااس محتاجنلي!
تمتم بها خميس يكتنفه احساس غريب، ان هذا الولد يعرف بهوية المتصلة، لينهض هو الاخر مرددًا بتلعثم:
– اا عندك حق يا بني، انا هروح اشوف مين.
– خد راحتك يا عم خميس.
قالها بصوت عالي جعلها تطالعه بذهول، غير مستوعبة الاريحية التي يتحدث بها وكأنه صاحب المنزل، ليصدmها مرة أخرى بنظراته الفجة نحوها، يمسح بلسانه على طرف شفته السفلى، يزيد من دهشتها، ويقفز فجأة تجده على الكرسي المجاور لها، مرددًا:
– عاملة ايه يا عروسة بقى؟
إلى هنا وتمالكت تنفض عنها الدهشة لتنهره بتكبرها المعهود:
– ايه في إيه؟ ما تظبط كدة يا عمنا، انت فاكرها زريبة….. ااه
صدر تأوهها الاَخير بعدmا امتدت يده نحوها يقبض على لحم ذراعها ضاغطًا عليه بعنف محذرًا:
– لأ اصحي يا بت كدة ومتقليش أدبك، طولة اللسان دي ما تمشيش معايا، يعني تأدبيه من نفسك لاقصهولك
فغرت فاهها بصدmة سرعان ما استفاقت منها تحاول نزع يده من على ساعدها:
– اوعي ايدك دي عني لاصوت….
قطعت مرغمة، حينما حطت كف يده الأخرى على جانبي فكيها يضغط على الوجنتين قائلًا بفحيح:
– لأ فوقي لنفسك يا بت وحسك دا ميعلاش عليا، انا واخدك انقاذ موقف بعد فضيحتك مع شيخ الهم، ولا انتي فاكرة الكلام مطلعش وهيئتك كانت ازاي ساعة ما طب عليكي البوليس، انا مش هحقق معاكي، بس انتي لمي نفسك يا حلوة وبلاها النفخة الكـ.ـد.ابة دي عشان مقلبش عليكي، انا صاين الود كدة وداخل بقلبي. يعني انتي كمان تراعي.
شخصت ابصارها لتتجمد امامه بصورة كادت تضحكه: فرفع كفيه الاثنان عنها ليردف بنعومة لا تليق به:
– معلش يا قلبي ان كنت خضيتك كدة من اول قعدة لينا مع بعض لوحدنا، بس انتي برضو لازم تاخدي بالك في الكلام معايا، ما هي الواحدة لازم تحترم راجـ.ـلها عشان يحطها في عنيه ولا ايه؟
❈-❈-❈
اما عند اشقائها في منزلهم، وقد حل القلق على الأربعة بوجود صباح وسامر الذي لم يغادر محله منذ أتى، بعد بحثه عنها مع المرأة وعدm الحصول على نتيجة وافية حتى تجعلهم يغادرون مطمئنين، مما اجبرهم على الانتظار الان، لعلمهم الأكيد انها حتى لو تخلت واستغنت عن الجميع فهي لن تترك اخوتها ابدا دون ان تطمئنهم.
– الساعة داخلة دلوقتي على سابعة المسا، انا بدأت اخاف على بهجة لتكون حصل لها حاجة
تفوهت عائشة بالكلمـ.ـا.ت تعبر عن خــــوفها، لتنهرها على الفور جنات:
– تفي من بوقك يا عائشة، بلاش تفولي على اختك بحاجة وحشة
– يا جماعة انا مش بفول والله، بس قلقانة.
ردت صباح والتي انتابها النـ.ـد.م :
– يقطـــعـــني يا بـ.ـنتي، انا اللي خــــوفتك، دلوقتي تتصل وتطمنا عليها.
تدخل سامر هو الاخر والذي اكتنفه نفس الاحساس ؛
– مش انتي بس يا ست صباح انا كمان غلطان، يا جماعة هي اكيد مضايقة من موقف الصبح، بس انا والله بضـ.ـر.ب نفسي بجزمة قديمة، اني مشغلتش عقلي واتحكمت في عصبيتي ساعتها عشان أميز، لكن وربنا البت اللي لبستني العملة دي ما هسيبها، ولازم اربيها على عملتها معايا .
اشاح ايهاب بوجهه عنه مغمغمًا بضيق:
– واحنا مش هنخلص بقى من أذيتكم، حتى بعد ما عزلنا وبعدنا عنكم ورانا ورانا .
عقب سامر بحرج:
– عندك حق يا ايهاب، والله ما هلومك، على العموم يا بن عمي انا هطمن بس على بهجة وبعدها مش هتشوفوا وشي تاني .
دوى هاتف صباح بالرقم الذي تعلم هوية صاحبه، فزفرت بضحر، لتنهض مستنئذونة للرد عليه:
– عن اذنكم يا عيال هرد على التليفون بس .
وتحركت تبتعد بمسافة كافية كي تجيبه:
– ايوة يا باشا عرفت حاجة تطمنا.
– الله يخرب بيتك يا صباح، افهم من سؤالك ده انها لسة مرجعتش، هتكون راحت فين بس؟
– معرفش احنا دورنا كتير وفي الاخر قاعدين في بيتها هنا نستنى اهو.
وصله صوت زفرة قوية منه ثم قال بعصبية:
– ماشي يا صباح، بلغيني اول ما تيجي او تسمعي اي خبر عنها، وانا برضو مش ساكت وبدور عليها.
انهت معه المكالمة لتعود إلى جلستها مع المجموعة، فتتذكر سائلة:
– صحيح يا عيال، ما اتصلتوش ليه بنجوان هانم، مش يمكن تكون عارفة عنها حاجة.
❈-❈-❈
وفي جهة اخرى استيقظت من غفوة نومها الاختياري، لتجد نفسها داخل مكتب صديقتها المظلم، فتستنتج بمرور الوقت:
– يا نهار ابيض، انا شكلي اتأخرت اوي في نومتي .
ارتدت حذائها وخرجت بوجهها الناعس تغمغم مع نفسها :
– يا لهوي عليا لتكون صفية مشيت وسابتني في المكتب…..
– لا يا اختي انا قاعدة ومستنياكي هنا.
اتجهت نحو مصدر الصوت لتجدها جالسة في الردهة الخالية من الزبائن، بحضور شادي وزوجته ، والمفاجأة كانت نجوان.، والتي تبسمت تفتح ذراعيها وتتلاقها:
– ايه يا بهجة، حتفضلي واقفة مكانك كدة كتير. تعالي في حـ.ـضـ.ـني يا قلبي .
اصطف سيارته بتلك الزاوية المظلمة، والتي تمكنه من الرؤية الجيدة لمحيط منزلها، حتى يتثنى لها ان يراقب ويتابع جيدا اثناء انتظاره لمجئيها، وذلك بعد تعب وبحث مضني، حتى اهتدى تفكيره لأن يقف هنا بسيارته، لعلمه الأكيد وكما قالت صباح، انه أن تخلت عن الجميع لن تترك اخوتها.
لقد مرت عليه ساعات من القلق ، كادت ان توقف قلبه، وهو يدور بالسيارة وينتقل من مكان إلى مكان، حتى المنزل الذي يجمعها معه، ايضًا ذهب اليه، رغم استحالة الفكرة إعتمادًا على غـــضــــبها منه، ولكن غباء تفكيره وحالة التشتت التي كان بها جعلته يرجح ذلك بعد يأس تمكن منه
كما يحدث الاَن، وقد احترقت اعصابه، وتمكن منه الاجهاد بجلسته خلف المُقود، يريد الإطمئنان عليها، تلك التي سلبت روحه، و.جـ.ـعلته هائمًا بها رغم كل عقده والأفكار التي نشأ عليها وبنى عليها خططه،
لكن تحديها اليوم جعله يفقد السيطرة ويلعنها ويلعن ضعفه في التمسك بهاء، يطمئن عليها أليوم، ثم يحاسبها ، نعم فهو لن يفوت ابدًا كلمـ.ـا.تها، وحتى هذا الغياب لن يمرره دون عقـ.ـا.ب، هي من أخطأت وتسببت بفـ.ـضـ.ـيحة لها في قلب المصنع نتيجة تهاونها.
اعتدل فجأة وانتبهت كل حواسه مع خروج احد الأشخاص من منزلها، دقق النظر والصورة تتضح رويدًا رويدًا حتى تأكد من رؤيته، هذا الاحمق ابن عمها الذي كان يتشاجر صباحًا مع تميم، ضاقت عينيه بغـــضــــب متعاظم وهو يتأمله، كم ود ان يخرج اليه ويحطم عظامه كي يقطع عنه أي امل في العودة اليها مرة اخرى، زفر ينفض رأسه غير متقبلا لفكرة انتمائها ولو على الورق لرجل غيره، هو زوجها الأوحد ولن تكون لأحد غيره الا بمـ.ـو.تها…
انتفض لخاطره الاخير يتناول هاتفه ويضغط على رقمها، وحين لم يجد ردًا كعادتها منذ ساعات، بدل على الفور يتصل بصباح، الوحيدة التي يعلق عليها اماله الان، انتظر قليل حتى اجابته، ليصـ.ـر.خ بها:
– وبعدين يا صباح، لسة برضو مفيش اي اخبـ.ـار؟ انا مسبتش حتة مروحتهاش ودورت فيها.
– لا يا باشا، ما انا عرفت هي فين دلوقتي حالا؟ اصلها اتصلت باخواتها وبلغتنا .
– بتتكلمي جد يا صباح؟ يعني اطمنتي عليها وسمعتي صوتها.
لم تخفى المرأة المحنكة لهفته الشـ.ـديدة عليها، لتتأكد من ظنها بعشقه الجارف لها، تشفق عليه رغم عتبها وغـــضــــبها الشـ.ـديد منه فتسارع في طمأنته:
– ايوة هي عند واحدة صاحبتها، طلبت مني اني اقضي الليلة معاهم عشان هي هتبات عندها.
سمع منها لتتحول نبرته من القلق الشـ.ـديد، إلى غـــضــــب يقارب الهياج وهو يصيح بها؛
– نعم، تبات فين؟ هي اتجننت دي ولا ايه؟ يعني انا سايب شغلي ومصالحي، والدنيا كلها عشانها، عشان في الآخر تبلغك انتي بالهبل ده، خليها ترد عليا يا اروحلها البيت عند صاحبتها واللي يحصل يحصل.
حاولت صباح التخفيف من حدته رغم غـ.ـيظها الشـ.ـديد منه:
– يا رياض باشا، هي قالت انها تعبانة ومش قادرة تكلم حد، أخواتها نفسهم قدرو حالتها، وقبلو بغيابها عنهم الليلة عشان واثقين فيها وعارفين انها مش هتبعد كدة من فراغ ولا دلع .
قالت كلمـ.ـا.تها الاخيرة بقصد فهم عليه جيدا، لتفحمه عن المواصلة، ويكظم غـــضــــبه بصعوبة زافرا بخشونة:
– ماشي يا صباح، هصبر واتحمل الليلادي وأما اشوف اخرتها ولا اخرة الزعل ده ايه؟ ماشي .
قالها وتحرك اخيرًا يدير محرك السيارة للذهاب، وفمه يغمغم بالكلمـ.ـا.ت الحانقة، لا يعجبه هذا الفعل ولا بتلميح صباح وكأنه هو الجاني، على اساس أنها لم تكن هي سببًا في كل ما يحدث:
– حتى صباح كمان بتوجه لك انتقادها يا رياض بس بشكل غير مباشر، انا مش فاهم انا كان عقلي فين ساعة ما صارحتني بعلم الست دي، غير التانية صاحبتها الست المحامية، يا ترى قولتي لمين تانية يا بهجة؟
❈-❈-❈
حينما تغلبك قسوة العالم، ولا يتبقى لك إلا قلب يحتويك، فاعلم أنك لن تكون خاسرًا ابدً.
#بـ.ـنت الجنوب
في تلك الجلسة التي كانت تجمعهم حولها ، ورغم مرور اكثر من نصف ساعة إلا أنها لم تتركها حتى الاَن، مازالت تضمها وما زالت تربت على ظهرها وتمسح على ظهرها بحنان ، لتثير زهول الجميع وفضولهم ايضًا، ليتحدث شادي عما يعتريه:
– بصراحة انا مش فاهم لحد الآن، طيب يا مدام نجوان ما دومتي عارفة من الاول بموضوع جوازهم، ليه متكلمتيش مع ابنك وواجهتيه عشان يعلن جوازهم.
تبسمت له بصمت، ليأتي الرد من بهجة التي خرجت من حـ.ـضـ.ـنها تجيبه بنبرة يتخللها التأثر:
– مكانتش تعرف يا شادي، دي معرفتش غير قريب اوي مني.
– لا كنت اعرف من الاول يا بهجة .
قالتها نجوان لتجذب انتباه الجميع نحوها، فتردف بتنهيدة من العمق:
– انا والدة رياض، يعني اكتر واحدة تعرفه، زي ما كمان حب بهجة اتغلغل في قلبي من قبل ما حتى ما استعيد وعيي كويس، مش عارفة دا يتسمى ايه، بس انا دايما عندي احساس ان سبب تعافيا الاساسي هو بهجة نفسها،، او يمكن قصتها مع رياض، هتقولولي ازاي؟ هقولكم معرفش
– اكيد عشان انتوا الأتنين قلوبكم صافيه زي بعض.
قالتها صبا لتلعق بهجة التي تأثرت بقولها:
– لا طبعا مفيش اصفى من قلبها، بس انا برضو مش فاهمة، انتي بتقولي انك عرفتي قبل ما انا اقولك، ازاي طيب؟
تبسمت نجوان بثقة:
– والله انتي غلبانة اوي يا بهجة، يعني مفكرة عم علي الراجـ.ـل العجوز دي هيقدر يخبي عني خصوصا لما ازن عليه، دا كان ناقص نبوية كمان تعرف، رياض مكشوف اوي، يمكن انتي متاخديش بالك، عشان مش انتي اللي مربياه
تدخلت صفية بإعجاب:
– والله دا من حظ بهجة، انها تلاقي ناس طيبة تحس بيها، وهي برضو تتحب وتستاهل والله واحدة زيك رغم ان ابنك عايزة القرص، متزعليش مني
قالتها بجدية اثارت ضحكات الجميع ليضيف عليها شادي:
– معلش الايام جاية يا حضرة الافوكاتو كتير، اصبري على رزقك .
– ليه هتعمل ايه؟
صدرت من بهجة بقلق رغم ادعائها غير ذلك، لتكن اجابته بصمت مبهم، ولكن زوجته لطفت تطمأنها:
– متجلجيش يا بهجة، ابن عمتك مالهوش في الاذية، هو آخره يقرص وبس.
اومأت رأسها رغم عدm اقتناعها، لتتذكر فجأة سائلة:
– صحيح انا معرفتش انتوا اتلمـ.ـيـ.ـتو ازاي على بعض:
– تبادل الجميع النظرات مع الابتسام ليأتي رد نجوان اولهم:
– شغلي مخك يا بهجة، عم علي مفيش حاجة تخفى عليه، وبالتالي متخفاش عليا انا كمان،
فقال شادي:
– انا بقى تعبت شوية في اللف والبحث، بس لما افتكرت صفية قولت اسألها عنك يمكن تعرف مكانك لقيتها بتبلغني بوجودك معاها في المكتب،
توقف برهة ثم واصل بحرج ؛
– مراتي صراحة كانت معايا ساعة ما سمعت المكالمة، أصرت تيجي عشان هي كمان تطمن انتو عارفين بقى دmاغ الصعايدة.
تبسمت بهجة تتغزل بصبا التي انتابها الخجل من كلمـ.ـا.ته:
– ومالهم الصعايدة يا عم، ما هم حلوين وجدعان، عايز ايه تاني ، دا انت ربنا كرمك بيها والله..
بادلتها صبا تعبر عن امتنانها:
– دا انتي اللي جمر وبدر البدور كمان، انا والله جلجت جدا وكان نفسي اطمن عليكي، بس انتي كنتي عايزة دكتور يفحصك ويشوف حالتك.
– لا انا كويسة والحمد
– وعرفتي منين؟
توجهت بها نجوان نحوها، لتستطرد بجدية:
– لازم دكتور يشوفك يا بهجة، ونطمن عليكي منه.
– ويعني هيكون فيا ايه بس؟ اكيد شوية ضعف .
قالتها بهجة لتنتبه على نظرات ذات مغزى موجهه نحوها، فهمت عليها لتنفي على الفور؛
– لا يا جماعة انا عاملة حسابي كويس من اول يوم،… ودا طبعا لانه مرسيني على الوضع من اوله.
قالت الأخيرة ببعض الحرج، غافلة عن تأثير كلمـ.ـا.تها على من لم يعلم بالحقيقة كاملة الا الان، ليعتريه الغـــضــــب على الفور قائلًا :
– معنى كدة انه كان رافض الاولاد من الاول يا بهجة.
استدركت لتبرر بتلعثم:
– لا يا شادي…… اصل هو يعني… ااا احنا مجيبناش سيرة الاولاد من اساسه والله، بس انا كان لازم افهمها لوحدي،….
انهت تطرق رأسها بحـ.ـز.ن، مما اجبره على عدm المواصلة، فقالت نجوان:
– متقلقوش يا جماعة، كله هيتصلح ان شاء الله، بس احنا برضو لازم نطمن، مفيش حاجة مضمونة، بكرة الصبح بإذن الله، هاخدك ونروح على المستشفى نعمل فحصوات كاملة
– مستشفي ايه؟
تسائلت لتفاجأها الأخرى بردها:
– المستشفى بتاعتنا يا بهجة، عند الدكتور هشام
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
وداخل غرفة مكتبه حيث النقاش الدائر مع شريكه في إحدى الأمور الخاصة بالعمل، وقد كان امامه بحالة يرثى لها، تعب الأمس والقلق والتفكير المستمر، والذي منعه حتى من احذ القسط الكافي من النوم، حتى يستعيد نشاطه والتركيز في هذه الامر الذي يتم النقاش حوله،
حتى فاض بالاخر ليلقي الملف الورقي من يده على سطح المكتب بإهمال معبرا عن اعتراضه:
– مش معقول يا رياض، انا سابع مرة اعيد البند اللي عايزين نتفق عليه قي الصفقة، وانت ولا هنا خالص.
تحمحم يستعيد ذهنه ، ليجلي حلقه مبررًا بأسف:
– انا اسف يا كارم معلش، دmاغي بس مشغولة بحاجة كدة، مضيعة التركيز مني
،
رد الاخر بتشكك؛
– حاجة برضو، رياض انا مش عايز أتدخل في امورك الشخصية احترامًا لخصوصيتك، والتعتيم اللي بتفرضو عليها، بس كدة لو هتوصل للضرر في الشغل، يبقى لازم انبهك
– قصدك ايه؟
توقف برهة ثم ما لبث ان يجيبه بمكاشفة:
– قصدي انت فاهمه كويس اوي يا رياض، ومن غير ما تفتكر اني متطفل او متعمد التدخل في شئونك، انا تقريبا فاهم اللي انت فيه والقصة اللي بتحاول تداريها عن الجميع ودا حقك، بس الشغل يستاهل التركيز….
توقف يسحب شهيقًا مطولا ويخرجه ثم نهض يلملم أوراقه متابعًا:
– انا بكلمك كصاحب يا رياض، وبعرض عليك للمرة التانية حتى لو انت رافض….. الوحدة مفيش ابشع منها….و انا تحت امرك في اي وقت تحتاجني فيه
انهى كلمـ.ـا.ته وتحرك مغادرًا على الفور، وظل هو على جلسته ينظر في أثره بشرود دام لحظات، وصفه عن الوحدة محقًا فيه تمامًا، وهو لم يكره شيء اكثر منه، ولكنها كتبت عليه، حتى الوحيدة التي احتوته وانتشلته من هذا الإحساس الشنيع تتسرب من بين يديه الان، ويبدو انها هي ايضًا تريد تركه، ولكن هذا ابدا لن يسمح به؟
عند خاطره الاخير، تناول هاتفه على الفور يجري اتصالا، كي يعرف منه اخر الاخبـ.ـار:
– ايوة يا عم علي…… مظهرتش برضو بهجة؟……… مستشفى ايه بالظبط؟ وليه؟………. بتقول مين؟ الدكتور هشااام…….
خرجت صيحته الاخيرة بصوت عالي، يختم مع الرجل، ثم ينهض سريعًا، متناول اشياءه، استعداد للخرج، وقبل ان يتحرك نحو الباب وجدها تدلف اليه حاملة على يدها بعض الملفات قائلة:
– مستندات المورد الجديد للخامـ.ـا.ت يا فنـ.ـد.م اللي كنت طالبه من شوية..
التف اليها يضع الهاتف بجيب بنطاله، يرد على عجالة واقدامه تتخذ طريقها نحو الذهاب:
– أجليهم بعدين لما ارجع .
هتفت تلحق به مندهشة:
– بس انت كنت طالبهم بسرعة عشان متأخرين على الدفعة الجديدة…..
توقفت فجأة ، وقد اكتشفت انها تحدث نفسها، بعد ذهابه السريع من امامها، وكأنه يركض ليلحق القطار، لتسقط بجــــســ ـدها على الكرسي خلف مكتبها، واحباط ثبط عزيمتها عن المواصلة، وافقدها الحماس بعدmا نبت بداخلها الأمل مرة اخرى بعد أحداث الأمس، وهذا الشقاق الذي صار بعلاقته بهذه الملعونة التي تقف حاجزًا بينها وبينه.
❈-❈-❈
بداخل المشفي
وقف العم علي مسافة بعيدة خارج المشفي، يتابع ولوجهم داخل المشفي، بمرافقة الطبيب الذي استقبلهم، وقد كان على علم بحضورهما من نجوان التي هاتفته مسبقا، وكالعادة فمه لا يتوقف عن الحديث ابدا:
– اول ما اتصلتي وبلغتيني انك جاية المستشفى تعملي فحصوات، قررت ااجل محاضرتي في الجامعة واكون في شرف استقبالك.
تبسمت نجوان تتقبل لطفه بامتنان شـ.ـديد:
– مرسي اوي يا دكتور على زوقك، بس احنا مش عايزين نأخرك اكتر من كدة على طلابك.
– مجاتش على نص ساعة يعني، المهم نطمن عليكي يا نجوان هانم، وانتي يا بهجة، مش ناوية بقى ترجعي لكليتك تاني؟ انا شايف انك شطورة واكيد هتعدي وتتفوقي كمان
صمتت قليلًا بتفكير ، وكأنها تذكرت شيئًا تائهًا منها، ثم نقلت بابصارها نحو نجوان، تستدرك لسبب مجيئها اليوم، ف انتظار معرفة النتيجة التي ستتوقف عليها اشياء كثيرة بعد ذلك، فتأتي اجابتها اخيرًا بيقين:
– ان شاء الله يا دكتور، مهما كانت الأسباب اكيد راجعة.
❈-❈-❈
خرجت من منزلها وذلك الحبس الإجبـ.ـاري داخله اخيرا، لترا نور الشارع بعد انقطاع دام ايام، عقب حادثة الدجال وقسم الشرطة، ثم خطبتها من هذا الاحمق الذي يظن انه سيفرض كلمته عليها، ويطوعها، وكأنه يستطيع بالفعل، لقد هاودت شقيقيها ووالديها حتى تمتص غـــضــــبهم، لكنها عازمة ان تعود لطبيعتها المتمردة رويدا رويدا ، ولن تستلم لهذا العته….
– ازيك يا حلويات
شهقت متنتفضة ترتد بأقدامها للخلف، وقد اجفلها بقطع الطريق عليها، يتصدر امامها بجــــســ ـده، ليشملها بنظرة وقحة، دارت علي جــــســ ـدها من اعلى لأسفل متفحصًا هيئتها المتأنقة بمبالغة كعادتها، ليردف:
– الصلى على النبي، كدة العروسة رايحة فين بقى من غير ما تبلغ خطيبها.
ارتفع طرف شفتها العليا باستنكار عبرت عنه:
– نعم، هو انت كمان عايزني ابلغك بالخطوة اللي اخطيها برا البيت، ولا انت شكلك صدقت انك خطيبي بجد وهتفرض الأوامر وانا انفذ.
ضحك باستهزاء يرفع السيجارة التي ببن أصابعه إلى فمه، ثم ينفث دخانها في الهواء دون تعليق، مما زاد من استفزازها لتهم بالتحرك مغادرة، ولكنه باغتها يقبض على كفها يعصرها بيده قائلًا:
– على فيين يا حلوة؟ هو انا اديتك الإذن عشان تمشي؟
حدجته بزعر تحاول نزع قبضته عنها مرددة:
– سيب ايدي يا جدع، انت اتجننت، بقولك سيب ايدي، لاصوت والم عليك الناس.
واصل استهزائه غير مباليًا يرد:
– هما فين الناس دول، بصي كدة يا حلوة حواليكي ، لو لقيتي واحد فيهم بس يتجرأ يدخل ولا يفاتحني، يبقى ليكي كلام عندي، انا شيكاغو المنطقة يا بت، محدش يقدر يقربلي ، وانتي المدام بتاعتي يعني تخصيني ومطلوب منك تحترمي .
تطلعت حولها بالفعل، لتجد الجميع مشغول فيما يخصه، ولا احد يلقي حتى بنظرة نحوهما، لتصدر صوت استهجان بفمها تحاول نزع يدها التي اطبق عليها بقوة:
– مدااام ! يا عم هو انت شارب ولا ايه بس ع الصبح؟ ولا يمكن مش عارف تفرق بين قراية الفاتحة وكتب الكتاب، دي ايه النصايب اللي بتحل علينا د
هذه المرة زاد بضغطه فكادت تشعر بطقطقة العظم ، حتى او.جـ.ـعها بشـ.ـدة يتمتم محذرًا لها:
– لما اقول مراتي، معناها انه امر مفروغ منه، وع العموم انا برضو هعجل بكتب الكتاب والد.خـ.ـلة على طول، مش هستني تأجيل عشان يبقى رسمي.
نست الألــم لتطالعه بزعر ، لا تحتمل حتى التخيل، فدفعها للخلف ينزع كفها التي تخدرت من الألــم حتى لم تعد قادرة على فردها جيدًا يامرها بتهديد:
– اخلصي ياللا روحي ع البيت ، وما شوفش وشك في الشارع تاني غير بعلمي يا شوف حكايتك ما خواتك وهما اللي يتولوا المهمة بقى لحد ما توصلي بيتي.
جمدتها الصدmة حتى انها لم تتحرك سوى بعد ان عاد يهدر بها:
– اتحركي ياللا، انتي لسة هتتأملي في جمالي، ياللااا
انتفضت على اثر الاخيرة، لتبدي رفضها وتمردها، ممسكة بكفها التي اصبح يزيد به الألــم
– دا لما تشوف حلمة ودنك يا شيكاغو، والنعمة ما انا ساكتالك، ولا هخليك تنول غرضك،
برقت عينيه لها بشر جعلها ترند باقدامها مغادرة، لتواصل بغمغمة كانت تصل اليه:
– قال اتجوزو قال، دا انا انتحر احسن ولا اتجوزك، وديني ما انا ساكتة، هخلي ابويا يشوف صرفة معاك، هو انا رمية ولا رمية
ظل محله يتابعها بابتسامة منتشية، غير ابهًا لكل هذيانها، عيناه تطوف عليها من الخلف بتفحص لا يكتفي منه، ليتنهد مستعيدًا توازنه ، ثم يرفع الهاتف يضغط على زر الاتصال بأحدهم، حتى اذا اجابه، تغيرت نبرته على الفور:
– الوو يا ابو سمرة عامل ايه يا غالي؟ والننوس الصغير اخبـ.ـاره ايه دلوقتي………. ربنا يعفي عنه يارب…. مش عايز ازعجكك يا حبيبي، بس انا كان عندي طلب، ممكن تعتبرها شكوى من عشمي فيكم يعني……… تشكر يا حبببي، انا بس بشهدك، يرضيك عمايل اختك معايا……. احكيلك على السريع وانت تحكم بنفسك.
❈-❈-❈
اما في منزل خميس
والذي لم يجد امامه مكانًا امانًا سوى المرحاض، بعيدًا عن أعين درية، ليتحدث في الهاتف مع زوجته الجديدة، يتقبل عتابها عليه بعد هجرها لأسابيع:
– كدة برضو يا خميس، تطفش وتقول عدولي يا راجـ.ـل، هو انا لدرجادي هونت عليك؟ ولا يمكن معجبتكش كمان، ما انا عارفة حظي.
وصله صوت بكاءها المصطنع ليسارع في ترضيتها:
– لا يا صفاء متقوليش كدة، دا انتي تعجبي الباشا، بس انا بصراحة خايف اجيلك، ملقيش بعدها حق المواصلة اللي ارجع بيها، متزعليش مني، بس انا المرة فاتت ضيعت حق نقلة كاملة من بضاعة الوكالة، على الاكل والشرب بس عندك.
قال الأخيرة بتحسر عبست له ملامحه، لتجاريه بنعومتها:
– انا معاك انك صرفت كتير المرة اللي فاتت، بس احنا كنا عرسان جداد يا خميس، والعريس بيصرف ويكع دm قلبه عشان يدلع مـ.ـر.اته، ولا انت كمان مستخصر فيا اللقمة.
– لا صفاء مش مستخصر فيكي اللقمة، دا انتي تاخدي عيني وانا على قلبي زي العسل، بس انتي بتقولي العريس يصرف على عروسته، انما انا كنت بصرف على عروستي، وعيال عروستي وعيلتها كلها، كان ناقص بس اجيب الناس اللي في الشارع ياكلوا معانا صبح وليل، وياريت اكل عادي، انما دي كلها حاجات من اللي تد.بـ.ـح القلب، إشي لحوم وفراخ واكل جاهز وفواكه من كل صنف ولون،
وضع كفه على صدره يواصل بحرقة:
– انا قلبي بيوجـ.ـعني لحد دلوقتي على فكرة من الفلوس اللي ضاعت ومش قادر انسى .
تنهدت تزيد من نعومتها:
– خلاص يا خميس متجيبش المرة دي لحمة واكل جاهز، انا هنبه على العيال يلمو نفسهم وان شالله حتى مياكلوش خلاص عشان يعجبك
– مياكلوش ليه يا صفاء؟ وهما في غيابي يعني مش بيلاقوا اكل؟
تجاهلت الرد على سؤاله، لتواصل بلهجة لائمة:
– انا حاساك يا خميس بتتحجج عشان متجيش وخلاص، على العموم ماشي يا ابن الناس انا عملت اللي عليا، هو انا هبوس على ايدك يعني عشان تجيني،
انت حر بقى، ان شالله حتى لو عايز تطلقني طلقني انا معنديش مانع، بس ياريت تديني كل حقوقي، ما هو انا مش متجوزاك عشان تهجرني
– لا لا استني يا روح يا قلبي، طـ.ـلا.ق ايه بس وكلام فارغ، هو انا اقدر استغني عنك يا قلبي ولا احنا لحقنا اساسًا نشبع من بعض .
– قول لنفسك
– خلاص انا هحاول اجيلك في أقرب وقت يا صفصوفتي.
سمعت منه لتطلق ضحكتها المائعة، ليهلل ببلاهة:
– يالهوي على جمال ضحتك، سمعيني تاني .
ليظل لمدة من الوقت في هذا الحديث معها، حتى خرج أخيرا، ليفاجأ بصراخ ابـ.ـنته في وسط الصالة:
– ماعيزاهوش، النهاردة تفسخو خطوبتي منه، سامعة ياما، النهاردة تفسخوا الخطوبة.
عبس خانقًا لتدللها المستفز، حتى كاد ان يعنفها، ولكن سبقه ابنه سمير الذي ولج فجأة داخل المنزل بغـــضــــبه:
– حسك عالي ليه يا بت ؟
انتفضت تتلاقاه بعاصفتها:
– اتفضل يا سي سمير، عشان تفرح قوي، اختك اتهانت كرامتها في نص الشارع ، ولا أكن مقطوعة من شجرة، البيه الفتوة اللي خطبتوني ليه، اتصدر قدامي يمنعني اعدي ولا اروح مشواري، بص شوف ايدي كان هيكـ.ـسرهالي شااايف.
تطلع نحو كف يدها التي جعلتها امامه، يتفحصها بتقليل:
– مالها ايدك؟ ما هي سليمة اهي ، لا فيها اتكـ.ـسرت ولا اتعورت ولا حتى فيها خدش، ولا انتي عايزة بس تلاقي حجة.
شخصت ابصارها وفغرت فهاها تردد بقهر:
– انا يا سمير عايزة اتبلى، بقولك مانعني اعدي……
– مانعك تعدي ونبه عليكي متنزليش غير بإذنه بعد ما قليتي أدبك عليه، يعني مغلطش فيكي.
شهقت ضاربة بكف يدها على صدرها مرددة بمظلومية:
– اناا اللي قليت أدبي عليه، هو لحق يشتكيلك يا سمير وانت كمان صدقته وبتكدبني.
عقب على كلمـ.ـا.ته ببساطة:
– اه اصدقه واكدبك، لأنه هو برغم كل عيوبه، لكنه بيحترم الرجـ.ـا.لة وبيقدرهم، انما انتي معندكيش عزيز يا غالية
توقفت عن الدفاع وقد الجمتها كلمـ.ـا.ته، لتتجمد بصدmة فتولت والدتها الرد، تلطف مع ابنها الذي اصبح لا يطيق لها كلمة:
– يا بني بس هو مكانش حقه يعمل كدة معاها، البـ.ـنت مش حمل……
– بتك كبيرة وتتحمل كل حاجة ياما.
قالها بمقاطعة حادة وشرار عينيه يرسل العديد من الرسائل الغير مطمئنة لها، ليجبرها على الصمت في كل مرة تحدثت معه في أمر ما، فيزداد التوجس داخلها والخــــوف ايضًا، ليتابع بقوة جديدة على شخصيته التي يعرفونها :
– بعد اذن ابويا طبعا، هو خد مني الإذن عشان يجي هو وابوه ويحددوا معانا معاد الفرح، اصله جاهز ومستعجل، واحنا كمان مش قليلين
صرخت تعود لشراستها:
– فرح مين يا عنيا؟ انا قولت هفسخ خطوبتي منه الواد العرة ده، يعني لا جواز ولا دياولو
تجاهل خميس وكأنه لم يسمع شيء يجيبه:
– يجوا وقت ما يجوا ان شالله حتى النهاردة انا معنديش اي مانع، ياللا بس اللي يشيل.
قالها وتحرك ذاهبًا نحو غرفته، لتصيح من خلفه:
– يبقى همـ.ـو.ت نفسي يا بابا، عشان تستريحوا مني كويس يا سي سمير.
تبسم بسـ ـخـــريــة يتحرك للمغادرة هو ايضًا يردد لها:
– ياللا يا اختي، بس اتشطري وأعمليها بجد، تبقي ريحتي ووفرتي كمان.
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة داخل المشفي، يبحث بعيناه عن الاثنتان، يتوعد لهذا الطبيب بكـ.ـسر رأسه ان رأه يتحدث معها، يحمل طاقة من الغـــضــــب قادرة على الفتك يالجميع، وسيكون سعيدًا جدا أن افرغها في هذا المتحذلق، سأل عنها احدى الممرضات، حتى دلته على مكان وجودهما في إحدى حجرات الكشف، ذهب على الفور ليقتحم الغرفة فجأة فيجفل الاثنتان بحضوره المفاجيء، وطاقة من الغـــضــــب تشع من كل خليه بجــــســ ـده، ليصفق الباب بعنف ويصبح امامهما، عيناه تقدح شررًا بغـــضــــب عاصف، يتنقل بأبصاره بينهما بصمت مهيب
انكمشت بهجة على نفسها، وقد استطاع بهيئته ان يبث بداخلها الرعـ.ـب، عكس والدته والتي تطلعت به، تستقبله بتحدي وكأنها كانت في انتظاره:
– مش عيب واحد في مركرك ويقتحم الغرفة على اتنين ستات كدة وفي مكان عام، حتى على الاقل راعي الأصول يا بن حكيم.
تعمدها المقصود بذكر والده زاد بقلبه الشك، ليميل برأسه نحوها مضيقًا عيناه يردد خلفها:
– اَه ابن حكيييم، في كل مرة تفكريني بأسم الوالد ببقى متأكد ان قصدك من وراها حاجة، ودا اللي عايز اعرفه
– تعرف ايه؟
همست بها بتسلية زادت من حنقه ليهدر فاقد السيطرة، موجهًا ابصاره نحو بهجة:
– الهانم اللي طفشانه من امبـ.ـارح وانا مش عارف لها طريق، بلف وادور في كل حتة، عشان اكتشف دلوقتي انها هنا معاكي، ليه يا ست بهجة؟
ردت بحدة مشجعة نفسها على مواجهته:
– بالعقل كدة، في اؤضة الكشف وفي مستشفى، تفتكر بعمل ايه يا باشا؟
– يعني مش جاية مع ماما عشان الدكتور الزفت؟ ولا انتي فعلا تعبانة يا بهجة.
قال الاخيرة بلهجة ظهر بها القلق لتعلق نجوان بسـ ـخـــريــة مقارعة له:
– ويخصك في ايه تعرف ان كانت تعبانة ولا مش تعبانة؟ دا غير انه اساسًا كل تصرفاتك دي مش مفهومة، بتعمل معاها كدة ليه يا رياض؟ هي صفتها ايه بالظبط عندك؟
طفى شي، من الارتباك يعلو ملامحه، يطالعها بتردد دام لحظات، ثم يستدرك لفداحة أفعاله، فقد اعمته الغيرة للمرة الثانية، بعد مكالمة العم علي وذكر اسم هذا الطبيب المستفز، ولكنه ايضًا ليس غـ.ـبـ.ـيًا حتى لا ينتبه لتلك الإشارات التي تثبت علمها بالأمر:
– هي اللي قالتلك صح؟
توجه نحو بهجة مردفًا بحدة:
– كان لازم افهمها لوحدي اختفائك المفاجيء، ثم ظهورك دلوقتي معاها، شكلي انا اللي كنت غـ.ـبـ.ـي وسطيكم، بس اعرف بقى، هي قايلالك من امتى؟
اكتفت بهجة بالصمت تدعي عدm الاكتراث ، لتتولى نجوان مهمة الرد:
– المهم اني عرفت وخلاص ، ودلوقتي بقى بتصرف بحكم مسؤليتي عن البـ.ـنت المسكينة دي، عشان متتظلمش لو في حاجة جاية في السكة
شخصت ابصاره فجأة باستيعاب لمغزى كلمـ.ـا.ته ليهتف:
– قصدك انها ممكن تكون حامل؟!
ظهر بنبرته شيء من الهلع اغـــضــــب بهجة لتعلق بابتسامة ساخرة خالية من اي مرح:
– للأسف لسة متأكدناش يا باشا، في انتظار نتيجة التحاليل.
اومأ رأسه بتفهم وعلامـ.ـا.ت القلق احتلت معالمه، لتنتهزها فرصة نجوان في سؤاله:
– واضح ان مكنتش عامل حسابك لشيء مهم زي ده، ووارد جدا حدوثه، السؤال بقى، لو النتيجة طلعت ايجابية، يا ترى تصرفك هيبقى ايه؟
بدى عليه التـ.ـو.تر، وعيناه تتنقل بحيرة فيما بينهما، مما ازعجها بشـ.ـدة، فقطعت على الفور لحظات الصمت بينهما ، لتسبقه الرد باعنزاز:
– اطمن يا باشا، ومتزعجش نفسك انا في الحالتين عاملة حسابي.
– يعني ايه مش فاهم؟
ردت بحدة:
– يعني مـ.ـا.تشلش هم، انا من اول يوم في جوازي منك وانا مش حاطة اي امل على الاستمرار .
امتقعت ملامحه فجأة وانتفخت اوداجه بغـــضــــب شـ.ـديد، يتقدm نحوها مرددًا بتساؤول:
– يا سلاام وان شاء الله بقى الحلوة حاطة أملها على مين؟
تصدرت امامه نجوان تمنعه عنها؛
– أوقف مكانك هنا اياك تقربلها، والاحسن انك تخرج اساسا، انت ايه اللي جايبك اصلا؟
جادلها يتشاجر معها، اما بهجة فقد غمغمت بذهول ، تستعجب رد فعله:
– دا ماله ده؟ هو انت تنسى وتفتكر على مزاجك؟
ردد بغـ.ـيظ:
– اه يا بهجة، انا بنسى وافتكر على مزاجي، ومش هسمحلك تتجوزي حد غيري طول ما انا عايش .
همت تثور به مستغلة دفاع نجوان، ولكن منعهم قدوم إحدى الممرضات واستئذانهم في الدخول:
– نتايج التحاليل يا فنـ.ـد.م
امرتها نجوان بالاقتراب لتتناول منها النتائج، ثم تصرفها لتطلع عليها امام ترقب الاثنان، حتى رفعت الورقة امامهم قائلة:
– النتايج سلبية
اخرجت بهجة زفرة ارتياح مرددة بالحمد تنتشله من شروده، ليعود لحدته في الحديث:
– شايفك انبسطي اوي، لدرجادي مش عايزة اي حاجة تربطك بيا.
– دا مـ.ـجـ.ـنو.ن ولا ايه؟
تمتمت بها لتتناول حقيبتها وتخرج مغادرة على الفور، دون الرد عليه، ليهم هو بملاحقتها، ولكن والدته منعت تجذبه من ذراعه:
– رايح فين قلبي؟ الدكتور منبه انها تريح، وتبعد ان اي شيء يوترها ولا يعصبها، بعد تعب امبـ.ـارح، يعني خليك مكانك يا حبيبي
تجمد يتطلع لاثرهما واختفائهما من امامه بعدm استيعاب، ليدفع الكرسي بقدmه باستدراك، يتوعد قبل ان يحرك اقدامه ويتبعهما:
– ااه ودا تلاقيه بقى دكتور الهم بتاعك ما انا عارفه، وديني ما انا سايبه، ماشي يا بهجة، ماشي يا نجوان هانم.
ساكنة هادئة، لا يتوقف فمها عن التبسم اليهم، تجاهد لإخفاء ما بداخلها، ولا تدري انها مكشوفة حتى امام عائشة الصغيرة والتي كانت تتابعها الاَن من نافذة الغرفة التي تجمعها هي وجنات، تتمعن النظر بها وهي جالسة على الارجوحة بتلك الحديقة الصغيرة خاصتهم، لتعبر عما تشعر به نحو شقيقتها:
– هي بيبو فيها ايه يا شروق؟ معقول قعادها من الشغل مأثر فيها كدة؟
تحركت جنات بالفرشاة التي كانت تمشط بها شعرها لتتوقف خلفها، وتطالع الجهة التي تنظر بها، فتُشاركها هي الأخرى حيرتها:
– والله ما اعرف يا عائشة، بس هي أكيد عشان اتعودت
على الحركة والاختلاط بزملأها، بالظبط كدة زي الجامعة عندي، لما اغيب كام يوم بشتاق لاصحابي اوي، دا تخميني يعني.
عقبت عائشة على كلمـ.ـا.تها؛
– طب ولما هي بتحب الشغل اوي كدة، سابته ليه فجأة؟ ايه اللي بخلي بني ادm يسيب الحاجة اللي بيحبها؟…… أكيد في حد ضايقها؟
مطت جنات شفتيها، لتتوقف فجأة عن لملمة شعرها الذي كانت على وشك ان تعكصه كدائرة قبل ان ترتدي
الحجاب وقد ظهر على ملامحها القلق:
– هي قالت انها عايزة تستريح بعد ربنا ما وسعها علينا شوية، لكن مجابتش سيرة ان حد ضايقها….. ولا يمكن موقف أبن عمك السبب لما اتخانق.
– اكيد يا جنات، ولا انتي ناسية انها سابت الشغل من يوميها؟
قالتها عائشة لتزفر الأخرى بضيق وغـ.ـيظ:
– منهم لله في اي حتة يحطو فيها رجليهم يجيبولنا الفقر
❈-❈-❈
اما عنها، وقد كانت في هذا الوقت تنظر لهاتفها الذي يصدح بجوارها بنغمة اتصاله بها، بجمود تام، لم تعد تحسب العدد او حتى تكلف نفسها بغلق الهاتف، تكتفي فقط بكتم الصوت وتتركه حتى يتوقف.
رغم اشتياقها المو.جـ.ـع اليه، ولكن نفسها العزيزة تأبى التنازل، لقد قررت وانتهى الأمر، وعليه هو ان ينهي الاتفاق.
سحبت شهيقًا طويلا بعد انتهاء محاولاته الصباحية في الاتصال بها، فرغم القوة الزائفة التي تتحلى بها، إلا أنها لا تنكر ضعفها، الابتعاد عن محيطه هو اسلم الحلول لها وأحسنها، فإن كان هو يتعـ.ـذ.ب في هجرها مرة، تتعـ.ـذ.ب هي اضعاف .
انتبهت ترسم ابتسامة جميلة على محياها، فور ان ابصرت خروج أشقائها من المنزل واقترابهم منها، ليبادرها ايهاب بغزله المعتاد:
– الجميل اللي قاعد على المرجيحة ومستكنيص، يا جـ.ـا.مد انت يا رايق .
زاد اتساع ابتسامتها كي تجاريه:
– اه يا عم وما روقش ليه؟ فاضية بقى، لا شغل ولا مذاكرة ولا جامعة .
قالت الأخيرة متوجهه بنظرها نحو جنات التي بادلتها الابتسام، اما عائشة فقد خطت نحوها لتجاورها الجلوس على الارجوحة، وتضمها دون استئذان تعبر بعاطفتها:
– ما تيجي معانا الكافيه تهيصي وتشغلي نفسك، بدل القعدة هنا لوحدك
ضحكت بـ.ـارتباك، لتقبل اعلى رأسها وقد شعرت بشيء من الحـ.ـز.ن في نبرتها:
– يا بـ.ـنتي ما انا باجي عندكم، بس مش لازم اقعد اليوم كله، ما انتي عارفاني محبش الدوشة.
– ايوة بس الوحدة مش كويسة عشانك
للمرة الثانية تربكها، اللهذه الدرجة هي مكشوفة امامهم:
– يا قلبي مفيش وحدة وانا معاكم وانتو مالين الدنيا عليا، جيبتي منين الكلام الكبير ده بس؟
كالعادة حولت الحديث إلى مزاح معهم، تدعي ان امورها بخير ولا ينقصها اي شيء، وهم يتصنعون التصديق.
❈-❈-❈
اما عنه وقد خرج من غرفته متوجهًا إلى مائدة الطعام ، حيث كانت والدته تتحدث وتضحك مع نبوية ، اثناء تناولها الطعام بشهية، وكأنها عادت في العمر عشر سنوات للخلف، ولم تمر بتلك الفترة القاسية ولا ذهب عقلها من الاساس ثم عاد، فلم تنتبه لوجوده او انها كانت تقصد ذلك لا يعلم.
ليتحمحم بخشونة وضيق، يلفت انتباه السيدتين اليه، فاستقبلته هي بابتسامتها الرائقة:
– صباح الفل يا رياض، عامل ايه يا قلبي .
طالعها صامتًا باندهاش ثم توجه إلى نبوية متوجهًا لها بلطف:
– معلش يا دا دة ممكن تخلي حد من الشغالين يعمل لي فنجان قهوة.
– من عنيا يا حبيبي.
قالتها نبوية وتحركت على الفور، ليسحب هو أحد المقاعد يجلس عليها بتجهمه وانعقاد حاجبيه، يحدق بها بصمت ابلغ من الكلمـ.ـا.ت، فتحدثت هي تدعي عدm الفهم:
– القهوة على الريق غلط على صحتك، كلك اي حاجة تسند بيها نفسك احسن .
تهكم بضيق لا يخفيه:
– كتر خيرك يا نجوان هانم، انا تقريبا اتعودت على كدة بقالي سنين
– غريبة، مع انك كذا مرة تفطر معايا في الايام اللي فاتت .
– كان مزاجي رايق، اما دلوقتي بقى هيجي منين المزاج؟
كادت ان تبتسم ولكن استطاعت التمالك لتواصل تناول طعامها ببرود زاده حنقًا، ليلطم بكفه على سطح الطاولة فجأة بنفاذ صبر:
– على فكرة بقى انا محدش يلوي دراعي، وعايزك بس تبلغي الحلوة اللي انتي معصياها عليا انها تعمل ما بدالها، لأني اخر ما هزهق هسيبها ومش هسأل فيها تاني، عشان تسوق الدلال براحتها.
– تحلت بالثبات الانفعالي حتى لا تستجيب لاستدراجها من قبله، تعلم تمام العلم كذب كل حرف ينطق به، والاثبات هو حرقته في الحديث، لتعقب هذه المرة ببرائة:
– انا شايفة انك متحامل جدا على فكرة، انا ايه دخلني بينك وما بينها، انا اخري اتصل على البـ.ـنت عشان اطمن عليها وعلى صحتها وبس كدة، مليش انا دعوة بالامور الشخصية اللي تخصكم.
– يا سلام
تمتم بها بعدm تصديق ليردف:
– طب سؤال بقى، مادومتي مبتدخليش في الأمور الشخصية اللي ما بينا، بتتصلي عليها ليه ولا تروحي بيها على الدكاترة؟ هي مش سابت الشغل عندك؟
– وانت ناسي انها مرات ابني؟
قالتها سريعًا بمكر يطل من عيناها، لينفث دخان من فتحتي انفه واذنيه يجر المقعد للخلف وينهض بغـــضــــبه من امامها، فلم تعد لديه طاقة كي يتحمل مراوغتها .
❈-❈-❈
في منزل مجيدة والتي كانت تهدهد الطفل الصغير بحنان يثير الاندهاش نظرا لحزمها المعروف في تربية ابناءها، ولكن يبدو ان الأحفاد لهم وضع اخر ، هذا ما شعر به ابنها الأكبر فور ان وقعت عينيه عليها بعد خروجه من غرفته ليشاكسها كعادته:
– يا صباح الفل على حضرة الناظرة اللي حتة عيل مطلع عنيها.
التفت اليه عابسة قائلة:
– وماله يا حبببي، يطلع عيني براحته وعلى قلبي زي العسل، حبيب سته ده.
قالتها لتطبع قبلة كبيرة على الوجنة المكتنزة لتستفزه هو الاخر ويأخذ نصيبه من الصغير بالقبلات والمداعبة:
– ستو بس، وعمو كمان، دا الباشا بتاعنا ده.
فرحت مجيدة لتربت على ظهره مرددة:
– حبيبي ربنا يخليلك بـ.ـنتك انت كمان، وتخاووهم انت واخوك ، انا عايزة البيت يتملي عيال، ومعرفش اعدي من وسطيهم .
قهقه ضاحكًا:
– ليه يا ماما، هو احنا هنعمل فريق كورة، ما تهدي على نفسك يا ست مجيدة، انتي ملاحقة على الجوز دول عشان نجيبلك تاني.
– ملكش دعوة الاحق ولا ملاحقش، انت عليك تخلف وبس.
– اخلف وبس.
قالها يقبل جبهتها، ليعطيها الطفل ثم تسائل:
– امال ابوه وأمه فين؟ مش شايفهم يعني.
عدلت من وضع الطفل على ذراعها تجيبه:
– راحو يقابلو المسؤول في شركة جاسر الريان عشان الشغل الجديد ما بينهم، ربنا يوفقهم يارب ويفتحلهم باب رزق .
تناول كف يدها يقبل ظهرها، مرددًا بإعجاب:
– حبيبتي يا ماما، وانتي ربنا يكرمك دايما على روحك الحلوة دي، والله انتي حما مفيش زيك .
– يا خويا في زيي كتير مين قال بس، المهم انت مراتك مصحيتش لسة تيجي تفطر معايا؟
جاء صوت لينا من الخلف بهيئة ناعسة:
– لا يا ماما انا صحيت، بس هفطر معاكي وارجع تاني لسريري، عشان همـ.ـو.ت وأنام، بـ.ـنت ابنك طلعت عيني والله.
قالتها وتحركت صوب المطبخ على الفور، ليعبس هو من خلفها مغمغمًا:
– بـ.ـنت ابنك، على اساس أنها مش امها، ما هي شبها اصلا وزنانة زيها .
لكزته والدته بخفة على ذراعه حتى لا تصل كلمـ.ـا.ته إلى الأخرى، فجاء صوت زوجته من داخل المطبخ:
– سمعاك يا آمين.
ضحكت مجيدة فعلق هو بهمس:
– ودانها تجيب دبة النملة
لكزته مرة اخرى حتى يكف، فتدعوه للذهاب:
– طب يا اخويا طرقنا كدة وروح على شغلك ، مش ناقصين خناق على أول اليوم.
لتدفعه بيدها ويتحرك هو متمتمًا باعتزاز:
– عشان خاطرك بس يا أمي، ما انتي مش حمل صداع على أول الصبح بخناقاتنا اللي مبتنتهيش
– اممم
زامت بها ضاحكة تتابعه خارجًا ، فتتذكر فجأة وتوقفه قبل ان يصل إلى الباب:
– آمين مقولتيش صاحبك عصام اخبـ.ـاره ايه دلوقتى مع مـ.ـر.اته؟
اجابها مبتهجًا قبل ان يخرج إلى عمله:
– فل يا ست الكل، ربنا يبعد عنهم ولاد الحـ.ـر.ام .
– اللهم أمين يارب، وما يفرقهم عن بعض ابدًا.
رددت بها من خلفه بتضرع
❈-❈-❈
لم توقظه اليوم، حتى كاد ان يتأخر لولا صوت المنبه الذي جعله ينتبه لتأخر الوقت، فنهض سريعًا يأخذ حمامه اليوم ويستعد للذهاب إلى عمله بـ.ـارتداء ملابسه الاَن على عجالة، ليهتف عليها هذه المرة كي يوقظها
– أمنية هتفضلي نايمة لحد امتى؟ انا نازل على لحم بطني مفطرتش لقمة.
بصوت ناعس بالكاد يخرج حاولت الاعتدال بجذعها تستجيب بأسف بعدmا نظرت هي الأخرى على شاشة الهاتف:
– معلش يا عصام انا آسفة….. هقوم…. دلوقتي….
اقترب منها بقلق:
– مالك في ايه؟ انتي تعبانة؟
اومأت بوجه شاحب تضغط باسنانها على شفتها السفلى بألــم :
– يعني مش عارفة كدة، بس حاسة نفسي مش مظبوطة وضهري.
– ماله ضهرك؟
تفوه بالاخيرة يجاورها على الفراش بفزع:
– حاسة بإيه في ظهرك بالظبط؟ ايه اللي حاصل معاكي
حاولت التخفيف حتى لا تثير جذعه:
– متقلقش اوي كدة، هو اكيد من شغل البيت مش اكتر.
– وانتي تجهدي نفسك في شغل البيت ليه يا أمنية بس؟ استغفر الله العظيم يارب
تمتم بانفعال وهو يحاول بحرص ليعيدها للتسطح وقد بدأ الألــم جليا على ملامحها، متابعًا بحنق:
– مش فاهم انا لازمتها ايه الشيل والحط والتعب أساسًا ، ما انا كفاية لقمة أكلها وخلاص، ونظافة الشقة اي حد يقوم بيها، وياللا بقى بلاها الشغل خالص النهاردة
صارت تغمض عينيها من الو.جـ.ـع، تدعي زورا انها جيدة:
– يا عصام بلاش الخــــوف، انا بس اشبع نوم واشرب حاجة سخنة، تعملهالي امي أو رؤى، اي واحدة فيهم هتجري جري اول ما اتصل بيها، روح انت على شغلك.
زفر بغـــضــــب ليتناول هاتفه من فوق الكمود مرددًا:
– اروح شغلي ازاي يعني وانت بالشكل ده؟ ما يتحرق الشغل يا ستي، انا هتصل على عبير اختي تروح معانا على الدكتور اللي انتي متابعة معاه، مسمعش كلمة تاني
اومأت هذه المرة بضعف، غير قادرة على الجدال، ليستطرد هو اثناء اتصاله على شقيقته:
– مش قادرة تتكلم ولا تعدل ، وتقولي اشرب حاجة سخنة، الله يسامحك يا أمنية…… الوو يا عبير صباح الفل.
❈-❈-❈
وصل الى المبنى الذي يضم القسم الإداري للمصنع، وقد كان متحجهًا نحو غرفة مكتبه، فذهبت ابصاره تلقائيًا نحو الجهة التي تضم مكان عملها، كم تمنى ان تخلف ظنه اليوم وتأتي فيتصادف برؤيتها كما كان يحدث في الايام السابقة، وكم يتشوق للتحدث معها، ضاربًا بعرض الحائط نظرات الجميع وهمزاتهم، لكنه لم يجرأ على فعلها، والان جاء الوقت ليحرم من هذه الميزة ايضا.
تنهد يسحب شهيقًا طويلا ثم يطرده، عله يساعد في تهدئة السعير الذي يشتعل داخله، ليفاجأ بخلو المكتب وللمرة الأولى يحدث غياب لورا، فيجد صباح جالسة في الانتظار،
لتقف احتراما له، مما دفعه ليقترب منها سائلا بفضول:
– ازيك يا صباح، هي لورا مش موجودة.
نفت له بتحريك رأسها:
– لأ يا رياض باشا، انا بقالي ساعة في انتظارها، عشان اديها البيانات اللي كانت طلباها مني امبـ.ـارح.
اومأ بهز رأسه متوجهًا نحو غرفته:
– اكيد عندها سبب قوي يأخرها، استني شوية وهي
هي يستحيل تغيب اصلا إلا اذا كان عندها سبب قوي،……
تطلعت اليه باستفسار حينما وجدته يتوقف فجأ ويلتف اليها:
– في حاجة يا رياض باشا؟
انتظر قليلًا بتردد لكن سرعان ما حسم يجيبها:
– كنت عايز أسألك على اخبـ.ـار صاحبتك اللي سابت الشغل من غير سابق إنذار….. هي عاملة ايه دلوقتي
تعقد حاجبيها بتفكير قليلًا حتى وصلها المعنى:
– انت قصدك على بهجة يا رياض باشا؟ دي بـ.ـنتي اللي مخلقتهاش مش صاحبتي.
– امممم
زام بفمه يقلب عينيه بسأم، مغمغمًا داخله:
– انتي تقولي امها ونجوان تقول مسئوليتي، عملتو حزب تقووها عليا يا ولاد ال…….
– بتقول حاجة يا رياض باشا؟
زفر بخشونة يحدجها بنظرات نارية عكس الطريقة اللطيفة التي يتحدث بها وهذه الإبتسامة الصفراء:
– مبقولش حاجة يا صباح، بس يعني اللي بتقولي عليها بـ.ـنتك دي، مش واجب برضو تسلم شغلها وتخلي طرف، بدل ما تقطع مع الكل وكأنها صاحبة حق.
ها قد وصل بها الى ما يبتغيه، وهي لن تصمت ابدًا عن إخراج ما في قلبها :
– طب ما هي فعلا صاحبة حق، واللي حصل كان لعبة وسـ.ـخة القصد بيها التسبب بفـ.ـضـ.ـيحة ليها، لا تميم ولا حتى ابن عمها كمان أخلاقهم بالفجر ده عشان يتخانقوا على واحدة ست في مكان عملها، لكن الفتنة تولع بلاد في بعضها.
اهتزت رأسه باستهجان تام يردد مجادلَا:
– انتي بتقولي ايه يا صباح؟ هو ابن عمها دا لو محترم كان جالها لحد هنا اصلا ولا وقف لها في الشارع، وهي مطلقة منه ولا مفسوخ خطوبتهم، ولا تميم دا كمان…. صفته ايه ده عشان يقف له ويتخانق عليها.
لم تفقد المرأة هدوءها، رغم الانفعال الشـ.ـديد داخلها لتعمده رمي التهم بدون وجه حق، لتفند له بروية:
– اولا يا سعادة الباشا ابن عمها ده ميبقاش طليقها، دا يبقى اخوه اللي كان جاي يسأل عن بـ.ـنت عمه ويطمن عليها بعد ما عزلوا مرة واحدة من غير اسباب، وتميم بقى…..
– استني هنا.
قاطعها بحزم ، ليستوعب ما تخبره به، ليردف بانفعال:
– ولما هو مش طليقها؟ ايه اللي جابه يتخانق هنا؟ ثم إن بهجة مقالتش…..
حدقته بأعين تفيض باللوم:
– هي بهجة لحقت تقول اي حاجة يا باشا، انا قولتلك من الاول ملعوب واتعمل يوقع الاتنين في بعض، واحدة الله…… يسامحها، وقفت سامر في نص الشارع تبلغته ان فلان الفلاني بيتـ.ـحـ.ـر.ش ببـ.ـنت عمه في محل عملها وعايز يتجوزها بالعافـ.ـية، يعني شيء طبيعي انه يجي ويتخانق، ونفس الأمر مع تميم ، ما هو مش هيسكتلوا يعني
حالة من الجمود اصابته، ليظل على وقفته بصمت مهيب يدير بعقله الكلمـ.ـا.ت حتى اذا تكلم اخيرًا:
– مت عـ.ـر.فيش مين هي الست دي؟
مطت شفتيها بعدm معرفه تقول بكلمـ.ـا.ت مقصودة:
– الله اعلم، بس أكيد يعني اللي تعمل كدة يبقى ليها مصلحة في تفريقكم عن بعض، وتكون من اهل المصنع
نفسه وعارفة وفاهمة كل اللي بيحصل فيه
قالتها وعينيها اتجهت تلاقئيًا نحو مكتب لورا الفارغ، لتسحب ابصاره هو ايضا نحوه، ربما يجد الإجابة وحده ودون جهد منها.
❈-❈-❈
مقيدة اليدين والقدmين، حتى فمها لا تقدر على إخراج صوت منه، وقد كمم بلاصق يمنع شفتيها حتى عن التحرك ، لا تملك الا ان تزوم بفمها، تحاول المقاومة ، بالضـ.ـر.ب بكفيها الاثنان الموثقان في ذلك المكان الضيق الذي انحشرت به، داخل سيارة قديمة الطراز على ما يبدو من هيئتها وطريقة السير على الطريق التي اتعبت ظهرها.
لا تدري كيف أتت إلى هنا، ولماذا؟ تتذكر فقط خروجها بالسيارة صباحًا بتأنقها المعتاد لتذهب إلى عملها ، وقد قطعت معظم الطريق، ولم يتبقى الا جزء قليل، يفصله عن المصنع سوى شارعين تقريبًا، وقد اضطرت للتوقف في احدهم، حينما تعطلت سيارتها فجأة وبدون سابق انذار ، فترجلت كي تعلم السبب في ذلك الوقت، لتكتشف انفجار إحدى إطارتها وكأنه نتج عن عمل تخريبي، كادت ان تعلمه، لولا تلك الذراع الغليظة التي طوقتها من الخلف، وقبل ان يخرج صوتها بالصراخ كانت هناك يد كبيرة تحط على انفها بمادة غريبة اخترقت حواسها، فلم تعي بشيء بعدها، سوى بعد وقت طويل لتجد نفسها في هذه المساحة الضيقة، وأحد ما او ربما أكثر، يقودن بها الى جهة ما لا تعلمها.
ليتها تجد هاتفها لتتصل بأحدهم لنجدتها، او ربما يشعر بغيابها الآخر، فيأتي وينقذها، يا ليت
❈-❈-❈
انتهت من أعمال المنزل، بعدmا رتبت الغرف وأعدت الطعام لإخواتها، ولم يبقى شيء سوى الذهاب الى المرحاض كي تنعش نفسها بالمياه، قبل ان ترتدي ملابسها وتخرج إلى اخوتها بداخل محل الكافيه، تذهب بالطعام وتقضي معهم بقية اليوم، كما يحدث يوميا منذ آن اتخذت قرارها بترك العمل وكل شيء يربطها به حتى إشعار آخر.
اتجهت إلى الخزانة لتخرج منها الملابس التي سوف تبدل بها، وما همت بتناول إحدى القطع حتى صدح صوت جرس المنزل، لتقطب باستغراب، فهذا ليس ميعاد اخوتها ولا احد يأتي من المجموعة التي تعرفها سوى بعد الاتصال اولا .
لتتناول حجابها تغطي على شعرها، متجهة لاستكشاف هوية من يزورهم في هذا الوقت، وما ان وصلت لباب المنزل وشرعت بفتحه حتى توسعت عينيها بإجفال، لتهم بغلقه مرة اخرى، ولكن الاَخر لم يسمح لها فقد أوقفه بكف يده:
– عايزة تقفلي في وشي يا بهجة؟
تشبثت تمنع اندفاع الباب للداخل مبررة:
– اصلك بصراحة فاجأتني، دا غير ان مينفعش اصلا تيجي، حد من خواتي لو طب دلوقتي، ساعتها هقوله ايه؟
جاء رده بانفعال:
– بلاش حوارات وكدب، اخوتك التلاتة حاليًا ف الكافيه، ومستنينك تروحيلهم بالغدا، وتقضي باقي اليوم معاهم.
اترتخت يداها وقد فاجأها بمعرفته الدقيقة لتفاصيل يومها، لتعبر عن اعتراضها:
– يعني انت بتراقبني يا رياض؟
استغل هفوتها ليدفعها للداخل ويلج معها، ثم يغلق الباب عليهما، فخرجت شهقتها برعـ.ـب:
– ايه اللي انت عملته ده؟ انت ازاي تقفل علينا احنا الاتنين، عايز تعملي مشاكل يا رياض؟
لم يتمكن من الرد، وقد تشتت برؤيتها ونسي كل وعيده، يتمعن النظر اليها باشتياق قـ.ـا.تل، ترتدي ملابس اقل من العادية، عبـ.ـارة عن بيجامة قطنية بنصف كم ، وشعرها المعكوص في دائرة اعلى رأسها غير مرتب، وقد تبعثرت خصلاته على وجهها ورقبتها، كيف لامرأة بهذه الهيئة، وغير مهنـ.ـد.مة على الإطـ.ـلا.ق ان تسلب عقل رجل مثله؟ ولكن الإجابة واضحة، فهي بهجة، من تمكنت من تغير كل خططه ويبدو انها غيرته هو شخصيًا.
– هتفضل باصصلي كدة كتير وانت ساكت؟
تمتمت بها بأنفاس لاهثة، فحالها هي ايضًا لم يكن اقل منه، ولكنها تدعي القوة حتى لا تضعف امامه وهو خير من يستغل ذلك.
تقدm خطوة ارتدت لها خطوتين للخلف، ليهتف بها بحنق:
– يا سلام، عفريت بقى ولا حـ.ـر.امي هيخـ.ـطـ.ـفك
– لا دي ولا دي، بس برضو انت ملكش داخلة هنا جيت ليه يا رياض؟
على صوتها في الاَخيرة حتى استفزته ليباغتها بقطع المسافة الفاصلة بينهم بخطوتين فقط، فيدفعها للخلف نحو الجدار الذي ارتطم ظهرها به، لتجد نفسها محاصرة بين ذراعيه، بملامح غاضبة، لكن وهج بندقيتيه ترى بهما عكس ذلك، فخرج صوته بتحشرج:
– عايز اعرف دلوقتي اخرة البعاد دا ايه؟
بصدر يصعد ويهبط بتسارع الأنفاس بداخلها تمكنت ترد بتحدي:
– قول لنفسك.
مال مقربًا وجهه منها حتى لفحت انفاسه بشرتها الرقيقة:
– قصدك ايه يا بهجة؟ وضحي اكتر
تبًا له، يعلم بحجم تأثيره عليها، ولكنها ابدًا لن تضعف لتبتلع ريقها قائلة:
– مش محتاجة تفسير، من بعد آخر موقف وانا قررت انها خلصت على كدة، اتفاقنا خد اكتر من وقته كمان .
همس غير مباليًا:
– انتي خدتي القرار لوحدك يا بهجة من غير ما ترجعيلي، يعني مفيش اتفاق بيتحل الا بموافقة الطرفين.
وبرد فعل غير متوقع، دفعته فجأة بكفيها على عظام صدره تبعده عنها، وقد آثار بكلمـ.ـا.ته جنونها:
– لأ بقى ينفع…… ولا انت فاكرني هقعد تحت امرك ومزاجك ساعة ما تعوزني تلاقيني وبس على كدة، وعشان ما انت اشتريت في البداية، ابقى انا جاريتك العمر كله.
قالتها بقصد واضح وصل اليه، تذكره بحديثهما القاسي داخل غرفة مكتبه، لتتغضن ملامحه باستياء من نفسه؛
– دي كانت لحظة عصبية يا بهجة، وانا بعترف اني غلطت بس كمان انتي مقولتيش ولا فهمتيني حقيقة اللي حصل، اي واحد في مكاني أكيد كان هيتجنن.
– وانت ادتني فرصة
قالتها بأعين التمعت فيها الدmـ.ـو.ع تردف بألــم:
– انت خدتني غسيل ومكوى، تعرفني مكاني كويس اوي في حياتك…
– انا اسف
تمتم هامسًا بها بصدق وضح جليًا في نبرته، ليقترب منها يكوب وجهها بين كفيه ويقبل اعلى رأسها عدة مرات، جعلت تلك العبرات تنساب من مقلتيها، وتخونها الشجاعة الزائفة بضمة حانية منه.فيشـ.ـدد عليها بذراعيه يغمرها بدفئه، يعيدها إلى موطنها الرحب، وتعيده هو إلى انسانيته التي لا يشعر بها الا معها.
طال العناق وتعددت القبلات على رأسها ونزولا إلى بشرتها حتى تبقى فقط ثغرها والذي ما انا لامسه بشفتيه حتى انتفضت تصدح برأسها اشارات الخطر لتنزع نفسها عنه، ترفض الخنوع امام سطوة عشقها له، وفي لحظات بسيطة ملكت زمام أمرها لترمقه بغـ.ـيظ قائلة:
– رياض امشي
تجمد محله بعدm استيعاب بعدmا فاجئته بفعلها، لتعيد عليه الأمر مرة اخرى:
– رياض بقولك امشي، ليه رافض تقدر موقفي، كل ده بيضرني، حس بيا يا أخي
زفر يطرد دفعة كبيرة من الهواء المشبع بإحباطه ، فقد عادت به إلى نقطة الصفر مرة ثانية بعدmا شعر بقرب الوصول إليها.
– ماشي يا بهجة همشي دلوقتي، بس ممكن لما اتصل بيكي بعد كدة تردي عليا .
اومأت تجيب بمراوغة تعكس ردها بوضوح:
– ماشي هشوف
– ماشي هشوف
ردد بها من خلفها بيأس، لا يريد الضغط عليها، مقدرًا غـــضــــبها منه، ولكن اقدامه لا تطيعه على التنفيذ، ليجفلها بقوله:
– طب ممكن طلب قبل امشي .
قلبت عينيها بسأم:
– اطلب يا رياض، ولو في أيدي مش هتأخر أكيد .
– هو في ايدك طبعا يا بهجة، دي حاجة بسيطة خالص، انا من الصبح ما حطيتش لقمة في بقى، كل الاكل طعمه وحش وانتي مش معايا، نفسي في اي حاجة من ايدك، وحشني اوي اكلك يا بهجة.
– نعم
تفوهت بها بعدm استيعاب، ليقابل قولها ببرائة:
– جعان والله ما بهزرش
❈-❈-❈
استيقظ منتفخًا بغبطة تغمره، بعد قضاءه ليلة أخرى ممتعة مع زوجته الجديدة، خالية من الازعاج، بدون اطفالها ولا والدتها ولا اي فرد من عائلتها، لقد كانت له وحده ولم يتكلف حتى ربع المصروفات التي دفعها المرة الماضية.
– ايه رأيك بقى يا خمسينو يا روح قلبي، مبسوط؟
تمتمت بها زوجته العزيزة بعدmا اجلسته حول طاولة الطعام، ليتناول معها وجبه الإفطار التي اعدتها منذ دقائق.
امسك كف يدها يقبل ظهرها يردد بسعادة غامرة:
– اوي اوي يا صفصف، شعور ان اصحى افتح التلاجة الاقيها متعبية بخيرات الله معرفتش قيمته غير هنا،
وبسبابته أصبح يشير على اطباق الطعام مردفًا:
– الجبنة دي من اول امبـ.ـارح، ولا طبق الفول والمربي والفاكهة، كل دول بقالهم يومين زي ما هما مجرالهمش حاجة، يدوب بينقصو لقمتي ولقمتك وانا وانتي اكلنا عصافيري
وأكمل بضحكة مرحة بادلته إياها على مضض لتعقب:
– عشان تعرف ان شرياك ويهمني راحتك، مش زيك تغيب وتقول عدولي.
زام بفمه:
– اممم ما خلاص بقى يا صفاء، هفضل اصالح فيكي لحد امتى؟ انا من هنا ورايح هتلاقيني راشق عندك كل يومين، انت بس استمري كدة
ضحكت بسـ ـخـــريــة :
– استمر في ايه؟ قصدك يعني اسرب عيالي كل مرة عند اختي، يبقي شخشخ انت جيبك يا حبيبي وانا اسربهم يومـ.ـا.تي كمان
– اشخشخ تاني يا صفاء؟
هتف بها، يتوقف عن مضغ الطعام بإجفال فواصلت هي:
– ايوة امال ايه؟ ولا انت فاكر بيت اختي مفتوح سبيل لعيالي، ياكلو ويشربوا عندها بلوشي ، ليه ؟ دا حتى المسكينة ملاقياش اللي توكل نفسها .
– امال بقالهم يومين عندها بياكلو طوب، في ايه يا صفاء؟
ردت تبسط الأمر امامه:
– لأ يا حبببي ما انا اديتها كل الفلوس اللي كانت باقية معايا من قبض الشهر ده من معاش امي ونفقة طليقي، يعني انا دلوقتي على فيض الكريم، وانت يا غالي هتعوضني.
ابتلع رمقه بـ.ـارتياب:
– اعوضك عن ايه بالظبط يا صفاء؟
ردت بانفعال:
– يعني تديني اللي اكمل بيه الشهر يا خميس جرالك ايه؟ بقولك قبضي كله خلص عشان اهيئلك الجو الهادي اللي انت عايزه، ولا انت زي القطط تاكل وتنكر.
– انا برضو يا صفاء اللي باكل وانكر
زفر بقلة حيلة امام تسلطها وقد رأى بعينيها نظرة غير مريحة على الإطـ.ـلا.ق، ليردف باستسلام :
– قصره…. عايزة كام يا صفاء؟
فردت كفيها الاثنان امام عينيه تلوح بهم، ليخمن بعدm تصديق :
– عشر الاف يا صفاء.
صاحت مصححة:
– عشر الاف دا ايه في الدنيا الغلا دي؟ عشرين الف يا غالي .
انتفض كالملسوع ناهضًا من امامها:
– ايه؟ عشرين ، ليه هتأكلي قبيلة، دول كلهم خمس عيال وامك وعمامك اللي بيطبو في اوقات غير مناسبة
تنهدت بضجر رافعة حاجبها بشر:
– الله اكبر في عينك يا خميس وبلاش تنبر على العيال، انا مش جايباك وسطيهم عشان تحسدهم، صلي في قلبك كدة يا حبيبي واسمعني كويس ، انت جوزي، يعني من واجبك تصرف عليا ، وانا من واجبي اصرف على عيالي واعوضهم، واخد بالك منها دي، ولا يكونش فاكرني كمان هرميهم عشان جمال طلتك… اهو دا اللي ناقص.
صدرت كلمـ.ـا.تها الاخيرة بشيء من الازدراء لم يعجبه، ولكن التلميح الصريح وصل اليه، ليفهم منها جيدا غرض زواجها به، هي امرأة صريحة ولن تحتمل زوج مثله دون مقابل ابدًا، اذن فعليه الدفع.
– ماشي يا صفاء، هديكي فلوسك، بس استني عليا لما اجيلك المرة الجاية، النهاردة مسافر لكتب كتاب بـ.ـنتي بكرة ، والفلوس اللي طالباها مش معايا نصهم حتى
– اتصل بأي حد يبعتلك على رقم الكاش، مش صعبة هي
– هو انت عرفتي كمان رقم الكاش يا صفاء.
مصمصمت بشفتيها تقارعه:
– لا انت فاكرني جاهلة، لا يا حبيبى دا انا واصلة لحد خامسة ابتدائي.
❈-❈-❈
يأكل بتأني وتلذذ، عينيه لا تفارقها، مستمعًا بـ.ـارتباكها، وهي تأتي وتذهب ، تهزهز قدmيها بعصبية، في انتظار انتهائه، حتى انفجرت به:
– وبعدين بقى، الوقت بيعدي يا رياض واخواتي ممكن كدة يقلقو عليا، امتى هروحلهم بالغدا؟
وضع إحدى القطع بفمه وكأنه لم يسمع منها:
– الله يا بهجة، طعم المحشي من ايدك يجنن، في حياتي ما دوقت زيه لا من ايد الشغالين ولا في اي مطعم روحته، بتعمليه ازاي ؟
رددت خلفه بعدm اسنيعاب:
– يا نهار اسود ، بقولك اتأخرت على اخواتي، تقولي طعم المحشي .
اللقى بنظره نحو الساعة التي يرتديها على رسغه قائلًا:
– بس الساعة لسة مجاتش تلاتة، يعني لسة الغدا
يكاد ان يجلطها ببروده، لترد بغـ.ـيظ:
– ما هو يدوبك على ما اجهز يا رياض، عايز استحمى واغير هدومي، امتى هلحق أعملهم دول؟
وضع قطعة صغيرة من لحم الدجاج داخل فمه، ليرد بمكر وهو يلوكها ببطء:
– طيب وما تجهزي وتغيري هدومك ولا تستحمي حتى، انا قاعد مستنيكي، هو انا غريب عنك.
هذه المرة فاض بها لتصرخ به:
– والمصحف يا رياض ان ما قومت دلوقتي وروحت……
قطعت مجبرة حينما حطت كفه على فمها ليمنعها عن المواصلة يهمس بتحذير:
– صوتك يا قلبي لو طلع، ممكن حد يسمعك في الشارع، عايز الناس تقول ايه؟
كان وجهه قريبًا، قريبًا جدًا ، وذراعيه، واحدة تلتف حول كتفيها والأخرى تكمم فمها او على الأصح، على شفتيها بقصد واضح في عينيه الخبيث اللئيم
لتنفضه عنها سريعًا تصيح بتشنج ولكن بصوت اخف حدة:
– اطلع برا يا رياض، لا هصوت والم عليك الناس اللي في الشارع، واللي يحصل يحصل بعد كدة .
رفع كفيه امامها باستسلام حتى تخفف من انفعالها؛
– حاضر والله حاضر، بس متتنرفزيش…… همشي….
قالها ولم يتحرك، لتظل على وضعها يكتنفها الارتياب ، حتى اجبرته على الابتسام يشاكسها وهو يتناول إحدى القطع من الطبق الذي اكل نصفه:
– طب سؤال بس قبل ما امشي، هو انتي ليه عمرك ما عملتيلي الصنف ده، رغم انك طبختيلي كذا مرة، وانا برضو كنت باستطعمهم، بس بصراحة دا يتفوق على الجميع.
كالعادة يستدرجها كي ترد بعفويتها:
– انا كنت بحاول اجاري الاصناف اللي انت متعود عليها، انما دا محشي كرمب، يعني اكله شعبية بامتياز، اش عرفني ساعتها كان هيعجبك ولا لأ.
تناول واحدة أخيرة ليمسح كفيه ببعضهما مرددًا:
– دا مش عاجبني وبس، دا انا بقيت بعشق حاجة اسمها البلدي……
توقف لبرهة بعدmا شعر بـ.ـارتخاء تعابيرها؛
– كنت وحشاني اوي يا بهجة ، فوق ما تتصوري، على العموم انا ماشي مش هزعجك اكتر من كدة.
تحرك بأقدام ثقيلة ليلقي اخر كلمـ.ـا.ته:
– هصبر عليكي عشان مقدرش على زعلك يا بهجة، لكن مش هسيبك أبدا
❈-❈-❈
اخيرا توقفت السيارة، لترفع رأسها بترقب، ترهف السمع مع اهتزازاها بترجل احدهم منها، ثم صوت الاقدام التي تدعس على الارض الحجرية، حتى توقف ، ليفتح غطاء الصندق الخلفي للأعلى، فيطل عليها هذا الوجه المألوف، متبسمًا بشر:
– اممم ايه رأيك بقى؟ مفاجأ صح؟
جحظت عينيها بذهول، حتى اذا نزع الاصقة من فوق شفتينا بعنف جعلها تصرخ من الألــم قبل ان توجه السباب نحوه:
– انت شكلك مـ.ـجـ.ـنو.ن يا بني ادm انت، قبل ما تخـ.ـطـ.ـفني محدش قالك انا مين؟
– امال يعني جايبك عمياني يا حلوة؟
قالها ثم دنى فجأة يرفعها بين ذراعيه حتى عدلها على كتفه يحملها عليه، فيصبح رأسها للأسفل، متبسمًا بسـ ـخـــريــة:
– دا انا جايبك لقضاكي، عشان تفكري بس تعلبي تاني مع حد زيي،
صرخت تحاول المقاومة:
– العب مع مين يا حـ.ـيو.ان انت؟ وايه المكان اللي انت جايبني فيه ده؟ والله شكلك بتلعب في عداد عمرك .
ضحك غير ابهًا ليسقطها فجأة على الارض ، غير مكترثًا لألــمها، يخرج مفتاح كبير، ويدخله في مغلق الباب الضخم، ليوضح لها:، عشان ت عـ.ـر.في بس اني مش هامنني اي تهديد منك، بصي واحفظي الاماكن، اول حاجة سجلي اسم اليافطة، مخزن المعلم خميس الراوي، ومحسوبك يبقى ابنه
– سامر الراوي.
الحياة تسير؛ سعيد او حزين لا تتوقف ، وإن لم تتقدm وتتخطى المعوقات، لا تكن أبدًا اهلا للعيش بها .
الاستسلام هو عدوك الأكبر، فلا تساير الواقع دون مقاومة او بحث عن حلول.
لا تكف عن المحاولة
#بـ.ـنت_الجنوب
اصطفت السيارة في المكان المخصص لها، داخل محيط الجامعة الضخم، لتترجل في البداية صديقتها العزيزة، ثم تبعتها هي لتسحب انفاس قوية، وتتوجه بأبصارها نحو المبنى الغالي على قلبها، والذي هجرته منذ سنوات على غير ارداتها ليأتي اليوم وتحاول إكمال المتبقي من الطريق، لتحقيق حلمها.
– ها يا قمر مستعدة؟
توجهت صفية بالسؤال نحوها، والتي أتت معها اليوم لتؤازرها وتساعدها في الإجراءات، وفي دعم معنوي ايضا.
ردت بهجة باشتياق شـ.ـديد ومشاعر لا تعرف وصف لها؛
– مستعدة جدا، مستعدة اوي، بس خايفة لتحصل معوقات ويرفضو الطلب العودة.
تبسمت صفية بثقة قائلة:
– عيب يا بـ.ـنتي كلامك ده، دا انا مجهزة طلب العودة من امبـ.ـارح، شغل المعلم لابنه يعني عملته بمزاج، ان شاء الله مجلس الكلية يوافق ومتواجهناش اي معوقات
– يارب يارب
تضرعت بها بقلق لتقترب منها صفية تضغط على يديها البـ.ـاردتين تمازحها:
– ايه يا بـ.ـنتي ايدك متلجة، لدرجادي متـ.ـو.ترة، لا اهدي كدة وخليكي واثقة في نفسك وفي صاحبتك، هتكملي يا قلبي وهتنولي كل اللي بتتمنيه، بس نتحرك بقى، مش عايزين نتأخر اكتر من كدة.
تبسمت اليها بامتنان، لتسير معها نحو مبني الهام الذي حرمت منه ، وقبل ان تصل إلى الدرج الرخامي الضخم لمدخله، صدح صوت الهاتف برقمه، لتتبادل مع صديقتها النظر بحيرة قطعتها صفية بالضغط على اغلاق الهاتف قائلة:
– متزعليش مني بقى، احنا مش عايزين عطلة .
وسحبتها تسرع بصعود الدرج، لتعقب بهجة بضحكة اختلطت بتـ.ـو.ترها:
– يالهوي عليكي يا صفية، طب افرضي شادي ابن عمتي اتصل دلوقتي عشان يطمن، يلاقيه مغلق ويقلق بقى، ما انتي عارفة انه متابع معانا المشوار.
– هيبقى يتصل عليا يا اختي متشليش هم.
تمتمت بها صفية بإصرار لتواصل السير بها دون اكتراث بمن يحترق محله الاَن، وهذا التجاهل المبالغ فيه، يجعله على وشك ارتكاب جريمة .
– بتقفلي السكة في وشي يا بهجة، دا انتي شكلك اتجننتي، ولا انا اللي طولت بالي عليكي زيادة وخليتك تتفرعني عليا.
– بتكلم نفسك يا حبيبي؟
جاء الصوت الناعم من خلفه ليزيده حنقًا، فيلتف اليها بغـــضــــب لا يخفيه:
– لا طبعا يا ست الكل، وانا هتعصب ولا ازعل نفسي ليه؟ والهانم بتقفل السكة في وشي، طبعا حقها مادام بتلاقي اللي يعصيها عليا .
كعادتها هذه الأيام، استطاعت إخفاء ابتسامتها لتجيب بمراوغة:
– تاني بتتحمق وتحمل عليا وعلى المسكينة بظنونك، طب افرض هي مشغولة دلوقتي في تقديم أوراقها، شيء طبيعي أنها تقفل تليفونها.
نهض يطالعها باستهجان واستفسار غير مريح:
– تقدm أوراقها فين؟ هي بتعمل ايه بالظبط من ورايا؟ ومن غير ما تبلغني؟
– بتقدm طلب عودتها للجامعة، فيها ايه دي؟
قالها ببساطة زادت من اشتعاله، ليهدر بها:
– فيها كتير يا نجوان هانم، كتير اوي، دا كفاية أنها بتعرفك خطواتها وانا جوزها ما بتقوليش، لكن تمام، تمام اوي.
بصق كلمـ.ـا.ته وخرج ذاهبًا من امامها بخطواته السريعة، وقد علمت الاَن طريق اتجاهه، لتردد في أثره بقلق:
– أحنا شكلنا زودانها المرة دي ولا ايه؟ ربنا يستر.
❈-❈-❈
بصق من فمه على الارض بعد خروجه من إحدى المنازل في داخل المحمية الغريبة، بعدmا استيقظ من نومه صباحًا يجد نفسه على فراش غريب مع فتاة لا يعرفها، ليكتشف انه أثقل في الشراب السيء والمواد الممنوعة تلك التي يتاجر فيها، وبات على الفراش الرث بعد إقامة علاقة مع هذه الفتاة الرخيصة، والتي كانت تشير اليه الان من نافذتها ضاحكة وقد أعجبها وسامته، عكسه هو، فكل ما يشعر به الآن هو القرف، لا يدري كيف فعل معها ذلك، والفضل يرجع طبعا للمواد المـ.ـخـ.ـد.رة التي غيبت عقله.
ليبصق مرة ثانية يتجنب الالتفاف لها، رافضًا اي ارتباط معها حتى لو عادي، يغمغم بحديث نفسه؛
– الله يحرقك ويحرق محمية الزفت دي كلها، بقى انا هيما اصحى الاقي نفسي على فرشة وسـ.ـخة زي دي، ومع مرة عفشة ما تساويش نكلة في سوق النسوان، بعد الستات النظيفة اللي كانت بتترمى تحت رجلي وبفلوسي…
ابصر بعيناه هذا الفتى الذي كلفه بمهمة لم ينجح بها حتى الاَن، ليتذكر من كانت لعبة في اصبعه، تلك التي كان يستمتع بذلها فكان يستكثر عليها نفسه، ويراها في الجمال اقل من العادية، ليتفاجأ بها بعد زواجها من آخر تحولت كليًا، هل كان أعمى عن جمالها؟ ام هي من كانت تتعمد إخفاء فنتنها لمن يستحق، لكن لا والله لن يجعلها تهنأ بعيدا عنه، يسقط هو في الوحل، وتستقر هي في حياتها الجديدة مع رجل اخر يتمتع بما كان حق له ، هذا ابدا لن يستمر
بخطوات سلحفية اقترب من الفتى الذي كان يعطيه ظهره، منشغلا في الهاتف كعادته على احد الالعاب، ليباغته فجأة بالقبض على قماش قميصه من الخلف
– ازيك يا عويضة، وحـ.ـشـ.ـتني يا راجـ.ـل
اجفل الفتى واعتراه الهلع في البداية، قبل ان يستعيد ثباته ليعبر عن اعتراضه نحو الطريقة التي يمسكه بها:
– الله الله يا عم إبراهيم، ايه المسكة اللي شبه عكشة الحكومة دي، نشفت دmي يا راجـ.ـل.
هزهزه ابراهيم بعنف ليزيد عليه بعدm اكتراث:
– ان شالله انت كلك تنشف على بعضك ولا تغور في داهية حتى، انت متهمنيش في حاجة ياض، عملت ايه في الطلب اللي طلبته منك؟
انتفض عويضة داخله، تأثرًا بهذه الهيئة المخيفة لهذا المدعو ابراهيم، وعيناه الحمراء تبث مزيدًا من الرعـ.ـب اليه، ليبرر على الفور مدافعًا عن نفسه:
– والله العظيم كذا مرة ابعت لينكات مسابقات وحاجات ياما تخص الستات، لكنها مبترودش ولا اكنها بتفتح اساسا.
– مليش فيه يا حبببي، تتشقلب تعمل نفسك قرد، المهم تتصرف وتهكر الخط، انا مش هعتقك يا عويضة لو ما نفذت وعملتها، انا خلقي ضيق ياض ومعنديش حد يقول كلمة وميبقاش قدها.
يهدر مقربًا وجهه منه، وكأنه على وشك الفتك به، ليجبره على مهادنته، خشية أن يأذيه:
– خلاص يا عم إبراهيم هحاول بكل جهدي النهاردة
دفعه بعنف اسقطه ارضًا:
– ميخصنيش كلمة احاول دي، انا عايز الخبر اليقين فاهم ياض ولا افهمك.
– فاهم والله العظيم فاهم .
تمتم بها عويضة برعـ.ـب منه، ليستعد بداخله إلى مرحلة اخرى من المحاولات علٌها تأتي بـ.ـنتيجة هذه المرة.
❈-❈-❈
فتحت رؤى باب المنزل تستقبل زوج شقيقتها الذي كان يحمل عددًا من الأكياس، ملقيًا اليها بالتحية:
– عاملة ايه يا رؤى؟
– حمد لله يا ابيه اتفضل؟
قالتها تتناول بعضهم، ليدلف خلفها بحلة عمله، لتستقبله نرجس بمبالغتها كالعادة:
– اهلا اهلا يا جوز بـ.ـنتي، شرفت ونورت، طلتك ولا القمر وانتي داخل كدة بالبدلة الميري
تبسم يجاريها في الحديث رغم ضيقه:
– تشكري يا حمـ.ـا.تي، اصل انا خلصت شغلي وجيت على هنا على طول، عشان اطمن على أمنية، هي عاملة ايه دلوقتي .
– كويسة يا ابيه اطمن، هي بنفسها قالتلي كدة الصبح .
قالتها رؤى لتضيف نرجس:
– وانت لسة هتسأل، ما تدخل لها يا حبببي ، هو انت غريب يعني؟ دا حتى بيتك ومطرحك.
تردد في استقبال الدعوة ليردد بمكر رغم ادعائه الحرج:
– ماشي يا حمـ.ـا.تي، بس انا عايز اطمن الاول، لا يمكن يكون عندها حد من الجيران ولا اصحابها.
– لا والله مفيش، ولو في يبقى هما اللي ينكسفو مش انت
قالتها نرجس بعفويتها، لتعلق رؤى ضاحكة وقد فهمت مقصده:
– هيجو ازاي بس الجيران يا ابيه؟ ومحدش منهم يعرف بموضوع امنيه، ولا انت فاكرنا نسينا تعليمـ.ـا.تك .
تبسم يدفعها بخفة على جانب رأسها بيده وقد أعجبه ذكائها:
– لا منستش طبعا يا عفريتة، خليكي على طول كدة شاطرة بقى، وانا هروح اطمن على أمنية
تطلعت نرجس في أثره لحظات، ثم تسائلت نحو ابـ.ـنتها بعدm فهم:
– هو جوز اختك بيقولك خليكي شاطرة ليه؟
❈-❈-❈
دلف اليها بداخل الغرفة ليجدها نائمة، يبدو أنها لم تشعر به، فلم يكلف نفسه تعب ايقاظها، وقد تحرك بخفة ليرتد ويغلق باب الغرفة، ثم يخلع عنه سترته العليا، ليتبقى فقط بالفانلة البيضاء على البنطال ، واندس بجوارها تحت الغطاء على الفراش، يلف ذراعه حولها
شعرت به لتستيقظ من غفوتها البسيطة، حتى كاد ان يصيبها الهلع، لولا همسه الخفيض:
– اشش انا عصام
غمرها الإطمئنان بغمرته لتحاول الاعتدال نحو جهته او الجلوس بجذعها ولكنه قربها بذراعيه التي تضمها من الخلف:
– خليكي براحتك مـ.ـا.تتحركيش، انا اصلا مرتاح كدة.
تبسمت مزعنة لأمره تسخر:
– انت شكلك تعبان من الشغل وجاي تنام؟
لم ينكر ، فجاء رده وانفاسه تلفح بشرة عنقها:
– بصراحة اه، الليلة اللي فاتت مرت عليا زي الكابوس وانتي مش معايا، وعمال أأنب نفسي اني سمعت كلام الدكتور وجيبتك هنا تريحي عند مامتك، كان واجب تقعدي في شقتنا واقعد انا جمبك واراعيكي.
هذه المرة غلبها الشوق لتعتدل بجــــســ ـدها وتقابل وجهه، تمسح عليه بكفها الحانية تطمئنه:
– بس انت مهما عملت لا يمكن هتبقى زي امي، هتبقى عطلة ع الفاضي لاني برضو كنت هبعتلها تساعدك
تناول كف يدها التي تلامس بشرته، ليردف باستسلام:
– ماشي انا اتأكدت أنها هتعرف تساعدك وتريحك على ما نعدي الفترة الصعبة دي اكتر مني، لكن انا بقى هعمل ايه في بعدك وانتظار الايام دي اللي محد عارف هتبقى كام يوم لحد ما يطمنا الدكتور،
واستطرد يقرب نفسه أكثر ويقبلها من وجنتيها:
– انا اتعودت خلاص انام على دفى حـ.ـضـ.ـنك، حتى لو مفيش اي حاجة بينا، يكفي نفسك جمبي على السرير.
رغم تأثرها الشـ.ـديد بكلمـ.ـا.ته، إلا أنها فضلت اخذ الأمر بمزاح حتى لا تدmع عيناها امامه:
– خلاص يبقى انتقل معايا هنا، هات هدومك وكل حاجتك، واهي الأوضة واسعة وتساعي كتير.
قرصها بإصبعي السبابة والابهام على وجننتها مرددًا:
– واضيق على امك واختك في بيتهم يا مـ.ـجـ.ـنو.نة يا أم عقل طاقق.
– ااه براحة يا عصام خدي و.جـ.ـعني.
قابل قولها بابتسامته:
– احسن عشان تبطلي جنان واقتراحات هبلة، اهم حاجة بس طمنيني حاسة بإيه النهاردة؟
أغمضت عينيها بتعب مرددة:
– تاني يا عصام ، ما انا قولتلك كذا مرة في التليفون كويسة، اسجلها ريكورد عشان تسمعها كل دقيقة.
عبست ملامحه يدعي الضيق في رد لها:
– لا يا ظريفة متسجليش عشان انا مش هبطل سؤال والمطلوب منك برضو تجاوبي بصدق، يعني لو في حاجة كدة ولا كدة تقولي ، مش تهملي زي المرة اللي فاتت، فاهمة كلامي.
قال الاخيرة بتحذير فهمت عليه، لتسارع في ترضيته على الفور بقولها:
– خلاص يا عصام والله فهمت ومش هكررها تاني .
– يبقى تسمعي الكلام وانتي ساكتة.
اومأت بطاعة ليضمها اكثر ويغمض عينيه مردفًا:
– شطورة وياللا نامي بقى، عشان اعرف انام انا كمان ، واخـ.ـطـ.ـفلي ساعتين بعد سهر الليلة اللي فاتت .
❈-❈-❈
تقدm بخطواته داخل المخزن المهجور منذ سنوات، حتى لم يعد احد يتذكره، نظرا لتوسع تجارتهم واختيار غيره بمسافة أقرب،
نظر إلى داخل المكان الذي تركها به ولم يجدها ، فجالت عينيه يبحث عنه حتى وجدها واقعة بالمقعد الموثفة به، وقد بدا جليًا محاولاتها الحثيثة لفك قيدها حتى انقلبت بهذه الهيئة، وحينما يأست من فشل محالولاتها المستمرة اضطرت للنوم بهذه الصورة، انتابه شيء من الشفقة نحوها، ولكن سرعان ما أخمد هذا الإحساس بداخله،
ليقترب منها ويعدلها بالمقعد المقيدة به، مما جعلها تستقيظ فتصطدm عينيها بوجهه بهذا القرب، لتخاطبه على الفور برجاء:
– انت جاي عشان تفكني صح؟ اكيد رجعت لعقلك وعرفت انا مين ؟
تبسم بثقة يتركها ، ثم قرب احد الكراسي يمسحها من الغبـ.ـار اولا ثم يجلس مقابلا لها واضعًا قدmا فوق الأخرى، يتحدث بهدوء:
– للأسف كان نفسي افرحك، بس الحقيقية هي ان انا واحد مخه طاقق، حتى وانا عارف انتي بـ.ـنت مين؟ برضو مُصر اعلمك الأدب على عملتك معايا.
صرخت به بعد احباطه لأملها الاخير:
– لا دا انت فعلا مـ.ـجـ.ـنو.ن بقى؟ انت مقيدني من امبـ.ـارح صبح يا معتوه انت، لا اكلت ولا شربت ولا دخلت حمام.
رد ببساطة:
– بس انا ممنعتكيش من الأكل، عرضت عليكي الأكل والشرب امبـ.ـارح بس انتي رفضتي.
عبرت مشمئزة:
– بقى عايزني انا اكل من ايدك، انا اش ضمني ان كانت نضيفة ولا هببت بيها ايه؟
ضحك يرفع الكفين امام عينيها:
– اهو يا ستي عشان تتأكدي أنها نضيفة، ما هو انتي مفيش قدامك غير الطريقة دي، لأن انا مش هحلك دلوقتي، انسي.
– انسى دا ايه؟ هو انت ناوي تضـ.ـر.بني ولا تقــ,تــلني.
رددت بها بخــــوف غلف نبرتها، ليسارع هو بالتوضيح غاضبًا:
– مش انا اللي أمد ايدي على واحدة ست ولا أذيها، حتى لو كانت هي تستاهل
صدرت الاخيرة منه بعنف جعلها تجفل لتستعيد شراستها مرة أخرى في الرد عليه:
– ولما هو كدة حبسني ليه في ظروف غير ادmيه، رابطني ومانعني اكل ولا اشرب ولا ادخل حمام.
– لا حول ولا قوة الا بالله
تمام بها ضاربًا كفيه ببعضهما من تذمر يراه غير مجدي معه:
– تاني برضو بتعيدي وتزيدي في نفس الكلام، ما قولتلك يا بـ.ـنت الناس، اكل مش هتاكلي غير من ايدي، والشرب نفس الأمر، هتدلعي بقى وترفضي براحتك، وخلي الجوع يقرصك بقى.
زامت بقلة حيلة تستلم اخيرا، اذعانًا لصوت الوحوش بمعدتها التي كانت تصرخ من الجوع، لتوميء برأسها قائلة:
– طب الاول قبل ما اكل، عايزة اغسل ايدي، امسح المكياج اللي زمانه بهدل بشرتي.
– وماله يا ستي يعني جيتي في جمل
قالها يضحك بمرح، لينهض من امامها، ثم يقرب الطاولة التي وضع عليها الطعام وزجاجات المياه، ثم تناول محرمة ورقية وما ان رفعها امامها حتى ارتدت رأسها للخلف بخــــوف منه، ليزفر بضيق قائلًا:
– دي عشان أمسح المكياج اللي باظ في وشك، مش هعملك حاجة وحشة يا ست..
اضطرت للأستسلام، ثم امتدت يداه ليبدأ بالجبهة ثم ينزل بخفة على باقي ملامحها، برقة متناهية، فكلما مسح من المساحيق، كلما ظهر جمال بشرتها الصافية والخالية من أي شوائب، حتى وصل الى الشفتين والتي ما ان أزال اللون القاني منها حتى ظهر لونها الوردي، ليلعلن داخله غباء امرأة مثلها، تتمسك بأحدث صيحات الموضة، وتخفي ما وهبها الله من جمال فاتن.
زفر مرة اخرى ، ليلقى المحرمة من يده، شاعرًا بأشياء لا تصح ابدا مع امرأة مثلها، وجلس بغـــضــــب يكتمه ، ليقرب شطائر الطعام المعروفة، ليتهكم مخاطبًا لها:
– مرديتش اجيبلك من البيت ولا اي محل عادي من الشارع، عشان ت عـ.ـر.في غلاوتك عندي، قولت اجيبلك من حاجة مشهورة تفتح نفسك
لوكت قليلًا بفمها تمضغ القطعة التي قطمتها، لتعبس ردا له:
– وانت فاكر يعني ان اكل ال Fast Food حاجة حلوة ولا مستحبة عندي، دا انا بس عشان جعانة.
مط بشفتيه يظهر عدm اكتراثه، ليظل صامتًا في انتظارها حتى تنتهي من طعامها، قائلة:
– انا خلصت اكل، فاضل الحمام هتعملها ازاي دي بقى.
تبسم بمكر ليعود إلى كرسيه مسترخيًا:
– دا حاجة سهلة، المخزن هنا فيه كذا حمام، المهم نتكلم شوية ناخد وندي مع بعض.
جحظت ابصارها نحو الجهة التي أشار اليها، مبنى صغير وضح جليًا فائدته، وقد كان يشبه المراحيض العامة التي تتصادف برؤيتها احيانا في الطريق لتصرخ:
– لا بقى كل الا ده، اتنازلت واكلت من ايدك ، شربت من ازازة مية معدنية مش معروف مصدرها، لكن اسكت على ده اهو دا اللي يمكن يحصل، انا لورا، عيلتي متأصل جذورها لأسرة محمد علي، يعني أمرا وباشوات….
ظل صامتًا، يتركها تهذي وتصيح بالتهديد والوعيد ، يتأملها جيدًا بعدmا أزال عن وجهها تلك المساحيق التي كانت تخفي جمالها الطبيعي، فكلمة فاتنة قليلة عنها ، ولكن لسانها وروحها الخبيثة تحتاج المزيد من الترويض، وهو مستعد تمام الاستعداد لذلك
– انت يا بني أدm انت، هتفضل سايبني كدة من غير ما ترد وكأني بكلم نفسي.
تبسم بتكاسل:
– دا ذنبي يعني، اني سايبك تخرجي كل اللي في قلبك، شتيمة وأي كلام زفت على دmاغك، المهم انك في الآخر تهدي او تتهدي بمعنى أصح .
فغرت فاهها بانشـ.ـداه تشعر أنها على وشك الإصابة بجلطة من افعاله:
– يا نهار اسود على برودك، انتي ازاي طايق نفسك كدة؟ لوح تلج.
.
قهقه ضاحكًا بصورة اثار استفزازها، رغم إعجابها بضحكته الغريبة التي لم تسمعها قبل ذلك على الإطـ.ـلا.ق، والتي تجمع بين الروح الشعبية التي ينتمي اليها، وبين خشونة الرجـ.ـال الأقوياء، رغم هدوءه المبالغ فيه، لتنفض عنها تلك الأفكار الغريبة عقب قوله:
– والله انتي حقك تحمدي ربنا اني كدة معاكي، بعد عملتلك السودة معايا والقصة اللي ألفتيها عشان اروح وابهدل الدنيا عند بـ.ـنت عمي في محل عملها، بس اللي مجنني بقى، انتي ليه تعملي كدة؟ كان قصدك ايه؟ واحدة زيك وواخدة منصب كبير، بتغل ليه من واحدة غلبانة زي بهجة وعايزة توقعها في مصايب .
تبسمت بشر وكأنها وصلت اخيرا للجزء المحبب في الحوار:
– حقك تستغرب اكيد بس بقى لما تسمع مني أسبابي ، وتعرف مين بالظبط هي بـ.ـنت عمك اللي بتعمل دلوقتي مصـ يـ بـةعشان خاطرها، اكيد هتقدر ، ومش بعيد تتفق معايا .
تحركت رأسه بعدm استيعاب مرددًا خلفها:
– اتفق معاكي كمان! دي انتي عندك ثقة جـ.ـا.مدة في نفسك ، طب انا عايز اعرف بقى دلوقتى، ايه هي اسبابك .
زاد اتساع ابتسامتها الماكرة لتجيبه برحابة:
– حلو اوي الكلام ده، بس الاول كدة هات تليفوني اللي انت محتفظ بيه عندك وانا افتحه بالبصمة واطلعلك الدليل اللي يثبت على كل كلمة اقولهالك
❈-❈-❈
تم الانتهاء اخيرا من الإجراءات، بأخذ الموافقة على عودتها إلى دراستها الجامعية بعد انقطاع، ليأتي الان موعد العودة، وحديث بينهما لا ينتهي.
– انا فرحانة اوي يا صفية، رغم اني حاطة ايدي على قلبي لامعرفش اسد واستوعب المواد اللي نسيتها من الركنة.
– بعد الشر عليكي، هتسدي وتبقى من الشطار كمان، انتي يا قلبي كنتي ممتازة، دا الدكتور مؤيد افتكرك بمجرد ما ذكرت قدامه اسمك.
قالتها صفية وهي تتقدm نحو سيارتها، ليصدح فجأة بوق سيارة اخرى انتفضت له بإجفال، جعل من يقودها يضحك بملئ فمه، اثناء ترجله منها مبديًا اعتذاره:
– انا اسف يا آنسة، مكنش قصدي اخضك وآلله…..
واكمل ضحكاته حتى استفزها لتنهره غاضبة:
– يا خفة، يعني كمان بتستظرف وبتضحك اعرفك منين انا عشان تعمل معايا الحركة دي؟
اجابها ببساطة:
– بس انا مش عامل كدة عشانك
قالها متوجهًا بأبصاره خلفها، ليجبرها على الالتفاف، فتجد بهجة تكاد ان تقع على نفسها من الضحك، كاتمة على فمها ، وما يظهر من بشرتها، قد تلون للأحمر القاني.
– يا سلام، وانتي كمان يا بهجة بتضحكي لهزار البني آدm السخيف ده.
– طب اعمل ايه….. مقدرتش والله،….. هي كدة…… جات فجأة.
تمتمت الكلمـ.ـا.ت بتقطع نتيجة لفرط ضحكاتها، ليزداد اندهاش صفية عقب قول الاخر والذي تماسك بصعوبة هو الاخر:
– إيه الاخبـ.ـار يا بهجة؟ خلصتي ورقك بقى؟
– ايه ده؟ انتو تعرفوا بعض؟
توجهت نحوهما صفية بالسؤال، فجاء الرد من بهجة بعدmا توقفت بصعوبة عن الضحك، تقدmهما إلى بعض:
– دا يبقى الدكتور هشام يا صفية، اللي متابع حالة مدام نجوان، ودي صفية صاحبتي يا دكتور، المحامية الشاطرة بتاعتي برضو
امتدت كفه نحوها:
– اهلا آنسة صفية، مش برضو آنسة ولا مدام؟!
– استااااذة، تقولي أستاذة، لا آنسة ولا مدام، انا محبش التصنيفات دي اساسًا .
قالتها بانفعال آثار تسليته، ليواصل بسماجة استلذها معها:
– اكيد دا حقك يا أستاذة، بس مجاوبتيش على سؤالي برضو، آنسة ولا مدام
رمقته بشر رافعة حاجبًا واحدًا، وكأنها على وشك الفتك به، رافضة بجدية استخفافه:
– لو سمحت حضرتك يا اسمك ايه أنت ياا دكتور، انا محبش حد يكلمني كدة.
امام عصبيتها المفرطة وارتباكها الخفي والذي وصل اليه، لتزداد ابتسامته اتساعًا، يزيدها استفزازًا حتى خشت بهجة من تطرفها في الرد بعنف نحوه، لتسارع بالتلطيف بينهما:
– الدكتور هشام بيهزر والله يا صفية، هي دي طبيعته وحياة ربنا، انا بقول نمشي احسن بدل ما يتطور الأمر اكتر من كدة.
همت لتسحبها ولكنه تصدر فجأة عارضًا عليهما:
– استنوا طيب، ما تيجو عندي اعزمكم على فنجان قهوة في مكتبي…..
لم تمهله ليكمل وقد صدر اعتراضها على الفور مرددة:
– فنجااان قهوة في مكتبك، هقولهالك تاني،، اعرفك منين انا عشان اقبل بعزومتك؟ ولا هي نفسها، انت بالنسبالها مجرد معرفة عادية على فكرة.
– يالهوي عليا
غمغمت بالكلمـ.ـا.ت بهجة لتتخطاه هذه المرة ترفض بزوق:
– متشكرين جدًا يا دكتور، بس احنا فعلا والله لازم نمشي، دقيقتين تاني كمان، والجامعة كلها هتولع.
فتحت باب السيارة لتدفعها دافعًا داخلها، امام مراقبة الاخر والذي ظل واقفًا لا يكف عن الابتسام، وقد أعجبه شراستها، وغـــضــــبها السريع.
اما هي وقد ظلت على تواصلها البصري متحفزة نحوه:
– انا مش عارفة انتي بتعامليه بزوق ليه؟ دا باين عليه انسان بـ.ـارد.
حاولت بهجة إخفاء ابتسامتها، تهادنها بالكلمـ.ـا.ت علها تهدئ:
– والله دي طبيعته يا بـ.ـنتي، دا كذا مرة يخرج رياض عن شعوره ويبقى على وشك ان يقــ,تــله، بس ربنا بيسترها، شغلي العربية بقى، مش هنفضل اليوم كله نبصله ويبصلنا، ان كان عليه هو مبسوط على فكرة، حتى باين من وقفته.
استدركت صفية تشعر بالحرج، وقد تنبهت أنها بالفعل قد أطالت التحديق به، ولكنه هو من يستفزها، لتشيح بأبصارها عنه بصعوبة، تدير المحرك من أجل المغادرة.
ولم يتحرك هو من محله، يرتسم على ثغره ابتسامة منتشية، يتابعها تطالعه من مرأة السيارة الجانبية وسيارتها تمر من جانبه، حتى تلاعب لها بحاجبيه، يرى تحرك شفتيها بكلمـ.ـا.ت حانقة، وبهجة من جوارها تعود للضحك مرة اخرى، حتى اجفل الثلاثة، بقطع الطريق عليهم، بتلك السيارة العالية، والتي ترجل صاحبها بعد لحظات بسيطة بغـــضــــبه امامهم:
تجمدت بهجة بصدmة بمعرفة صاحبها، اما صفية فقد ترجلت تقابله:
– ايه ده ايه ده؟ دا انت كان ناقص تخش فينا بعربيتك يا رياض باشا .
رمقها بنظرة خاطفة وعدm اكتراث، قبل ان يتجه بأبصاره نحو بهجة، ليتحدث بجمود:
– انزلي دلوقتي حالًا يا مدام، وتعالي على عربيتي عشان نتكلم براحتنا.
وقبل ان يصدر ردها سبقتها صفية متهكمة:
– هي سابت الشغل عندك على فكرة يا باشا، وأن كان على موضوع مدام دي اللي انت قاصدها دلوقتي، فهي اكيد بلغتك بقرارها، زي ما بلغتني انا محامـ.ـيـ.ـتها.
بابتسامة ساخرة خاليه من أي مرح، تحدث كازًا على اسنانه يحاول السيطرة بصعوبة على نيران غـــضــــبه:
– نقطة ومن اول السطر، هعتبر نفسي مسمعتش اي حاجة، دا لمصلحتك على فكرة….
همت تقاطعه، ولكنه اوقفها رافعًا سبابته امامها:
– مسمعش نفس تاني، انا مش بوجهلك كلام من اساسه، انزلي يا بهجة،
صدر أمره الاخير بعنف لتضطر الاخيرة للإنصياع لأمره، خشية تطور الشجار مع صديقتها التي تتحداه، غير اَبهة بهيئته التي تعرفها جيدًا، وكأنه على وشك ارتكاب جريمة.
– خلاص يا صفية هتصل بيكي اطمنك بعدين.
همت الأخرى لتجادلها، ولكن جاء الرد من جهة اخرى مختلفة:
– اي الحكاية يا جماعة؟ غريبة ان رياض باشا جاي بنفسه يعني على الجامعة هنا.
سمع الاخر ليلتف اليه بأعين تلونت بالدmاء، وكأنه كان ينقصه، ليلتف إلى بهجة بالتساؤلات العديدة والشكوك، والتي سارعت تنفيها، وقد سقط قلبها من الرعـ.ـب :
– دكتور هشام قابلنا بالصدفة دلوقتي واحنا خارجين من الجامعة، سلم عليا يسألني على مدام نجوان.
– جرا ايه يا بهجة ما انا عارف ان انتي سيبتي الشغل عندها.
قالها ببساطة ليتابع نحو هذا الذي استوحشت ملامحه:
– انا عرضت عليها تيجي على مكتبي مع صاحبتها وتشرب عصير، اصلي فرحان اوي أنها رجعت لجامعتها من تاني، من هنا ورايح بقى اي حاجة تحتاجيها يا بهجة انا تحت امرك….
وما كاد ينهيها حتى باغته الاخر بلكمة قوية على فكه الأيمن اسقطته للخلف، تتلقفه ذراعي صفية التي غلبها ثقله، لتسقط معه على الارض شاهقة بإجفال، فصدر صوت بهجة بذهول:
– يا نهار اسود، انت عملت فيه ايه؟
لم يكلف نفسه بالرد، ليقبض على كف يدها ويسحبها معه إلى داخل سيارته، ثم تحرك بها على الفور مغادرًا، تاركًا خلفه هذا المسكين الذي تأوه متو.جـ.ـعًا:
– اااه ايده مرزبة يخرب بيته.
تأوهت هي من خلفه تصرخ به:
– هو ايده مرزبة وانت ايه؟ اوعى يا عم بتقلك ده.
اعتدل عنها على الفور يعبر عن اسفه:
– انا اسف والله، بس اديكي شوفتي بنفسك، عامل زي الطور الهايج، وفي الاخر برضو خـ.ـطـ.ـف البـ.ـنت من وسطنا، مفتري.
قطبت صفية تطالعه بتشكك قائلة:
– بس انت استفزيته، بطريقة كلامك معاه…..
تبسم يحاول تدليك الفك المتو.جـ.ـع، وقد فهم على الباقي من حديثها:
– عشان هو يستاهل، بيستهبل مع ان كل تصرفاته معاها فضحاه.
فغرت فاهها بأعين متوسعة:
– يعني انت كمان عارف باللي بينهم .
تبسم بثقة:
– طبعًا مدام نجوان متبخبيش عني حاجة.
لتضـ.ـر.ب كف بالاخر مرددة:
– يا نهار اللوان، انا بقيت حاسة الدنيا كلها عارفة بجوازهم، كدة مش فاضل غير أخواتها بقى.
ربما تخشى غـــضــــبه ولكنها لا تخافه، يكمن قلقها الأكبر في الخــــوف عليه من نفسه، نعم فهذا السعير المشتعل في نظرته اليها، ثم الصمت المطبق الذي اتخذه منهجًا منذ آن انضمت اليه داخل السيارة، بعدmا اجبرها على ذلك، ليضع همه في القيادة وفقط، دون ان يتوجه لها بكلمة واحدة، حتى اصابها الضجر، ولم تعد بها طاقة للإنتظار:
– اوووف وبعدين بقى؟ انا هفضل ساكتة كدة كتير، وانت بتسوق بيا وانا معرفش راج بينا على فين .
زفر بقوة دون ان يتحرك فمه ببـ.ـنت شفاه، مما اضطرها للاستكمال:
– رياااض، انا مش طايقة اقعد كدة على اعصابي من غير ما افهم ولا اعرف انت سايق ورايح بيا فين بالظبط؟
ايضًا لم يجيب او يعير استفهامها اعتبـ.ـارًا لتواصل بإلحاح:
– رياض، يا رياض، يا رياض رد عل……..
قطعت في الأخيرة بعدmا اجفلها بنظرته الحادة حينما التف اليها على حين غرة، ليصدر أمره:
– مسمعش صوت تاني يا بهجة لحد ما نوصل،
همت تجادله:
– طب رد على سؤالي..
– قولت اخرسي يا بهجة.
هتف بالاخيرة يوقفها عن الحديث مرة اخرى معه في اي شيء بعدmا قاطعها للمرة الثانية، يفرض عليها الصمت، حتى يصل بها الى وجهتهم
❈-❈-❈
بحذر شـ.ـديد تتحاشى ملامسة الجدار او اي شيء في هذا المرحاض المقرف كما تصفه، بعدmا اجبرت على قضاء حاجتها فيه، وغسل وجهها ويديها بماء الصنبور الوحيد به، ثم هنـ.ـد.مة ملابسها امام المراَة التي تشغل حيزًا صغيرا به.
لتخرج الاَن من مخرج الباب الذي امسكت مقبضه بالمحرمة الورقية، وتتخذ طريقها نحو هذا الجالس بشرود على كرسيه، يطالع شاشة هاتفها على نفس الصورة التي قدmتها دليلًا اليه يثبت صدق قولها، ليغمرها الانتشاء بعدmا استطاعت بدهائها ارباكه، او ربما تجعله في صفها وتنفيذ ما تصبو اليه لتفرقة هاذان العاشقان
هتفت بثقة تسحبه من شروده لينتبه اليها:
– لسة برضو مركز في الصورة؟ مزهقتش من البص فيها، ولا يمكن كمان مش مصدق انها هي؟
بتجهم يعلو ملامحه، وأعين ضاقت بالنظر اليها بتفكير متعمق، وكأنه ينفذ داخل روحها وعقلها الشيطاني، ظل على صمته لتقترب وتجلس مقابله تواصل اقناعه بدهاء تجيده:
– الصور دي عندي من اول يوم كشفتهم فيه، بس انا مرضيتش اتكلم وكتمت في نفسي خــــوفًا على سمعتها كبـ.ـنت زي زيي، وبرضو حرص على سمعة المكان اللي بشتغل فيه، ما هو لو الحاجات دي اتنشرت، مين هترضى تشتغل في مصنع مشهور عن رئيسه القصص دي، وبصراحة دي اول مرة تحصل منه، بس أكيد هي السبب معلش يعني، مفيش راجـ.ـل بيقرب غير لما الست تتجاوب معاه، ودي كانت شغالة عنده في بيته، الله اعلم بقى ايه اللي حصل ما بينهم……
قالت الأخيرة بقصد وصل اليه، لتزيد على غـــضــــبه المكتوم، وهو يتظاهر بالثبات بالإنفعالي حتى الاَن، ليخرج صوته اخيرًا، متجاهلا كل ما سبق:
– على فكرة تليفونك رن يجي مية برقم الست الوالدة وأرقام تاني شكلهم قالبين الدنيا عليكي، انا من رأيي تاخدي تطمنيها الاول، لاحسن تبلغ البوليس ولا يمكن عملتها الله اعلم .
تجاهلت كف يده التي امتدت نحوها بالهاتف، فقد كان الفضول يقــ,تــلها لمعرفة رد فعله على ما اخبرته به:
– مامي هاتصل بيها بعدين، المهم انت ايه رأيك في الكلام اللي قولته؟
شـ.ـدد بالكلمـ.ـا.ت يحذرها:
– امسكي التليفون واتصلي بيها الأول، التليفون اتفتح، يعني لو في متابعة لرقمك فجأة هلاقي البوليس نط فوق دmاغي دلوقتي، واديكي شوفتي انا لحد الان معملتكيش حاجة، يدوب بس بردلك المقلب اللي عملتيه فيا
تناولت منه، وارتفع حاجبها الأيسر بضيق تتسائل:
– طب وايه اللي يضمني انك متأذنيش بعد ما اطمن مامي
اجابها بتأفف:
– شايفاني رابطك دلوقتي يعني، ما اديكي قاعدة زي القرد اهو قدامي، ولو عايزة تمشي باب المخزن مفتوح، المهم خلصينا انا مش ناقص عوق، ولا انتي عايزة اللي يخوض في سيرتك لو الموضوع انتشر، الناس ملهاش غير الظاهر.
استدركت بالفعل لصدق قوله، لتسارع بالاتصال بوالدتها وطمأنتها بحجة اختلقتها لتبرير اختفائها، حتى لا يوصم اسمها او يصبح علكة في الافواه والتكهنات التي هي بريئة منها، لتثير على شفتي الاخر ابتسامة ساخرة، لخــــوفها الشـ.ـديد على سمعتها رغم خوضها منذ ساعة في عرض ابنة عمه، والتي لم يصدق حتى الاَن ما سمعه منها حتى والصورة تثبت صحة قولها.
– اديني خلصت اهو وطمنت ماما، ما قولتليش بقى هتعمل ايه؟ خد بالك لو هتبلغ والدك أو اي حد من أهلك، متجيبش سيرتي نهائي، تعمل ان انك عرفت من نفسك، وبشطارتك كدة تتصرفوا مع بـ.ـنتكم اللي جبتلكم العار، اكيد انت مش هتراضاها على رجولتك انك تعرف
حاجة زي دي وتسكت
كانت تأخذها الجلالة في القاء سمومها بأذنه، حتى توجهه في الطريق الذي تبتغيه في التخلص من غريمتها ولا تدري ان مبالغتها تلك لم تكن أبدًا في مصلحتها، بل بالعكس، مع رجل شعبي مثله يحكمه عقله في اختبـ.ـار الأشياء، حتى يصل إلى قرار حكيم،
– خلصتي كلامك؟
– نعم!
– بسألك خلصتي كلامك؟
اجفلتها طريقته الحادة لينتفض فجأة، ويتناول القيد الملقى على الارض، ثم يباغتها بالقبض على كفيها الاثنان لتصرخ به:
– انت بتعمل ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.ن؟ مش قولت انك خلاص هتخرجني
شـ.ـدد بتصميم على قراره:
– قولت يا حلوة، بس دلوقتي طقت في دmاغي اروح اتأكد من صاحبة الشأن الاول واسألها واحكم، مش يمكن تكون لعبة منك.
رددت من خلفه بالكلمـ.ـا.ت حانقة، تحاول اثناءه، ولكنه اثبط عزيمتها بإصراره على عدm سماعها؛
– لعبة ايه يا غـ.ـبـ.ـي ما هي الصورة قدامك اهي، دا ايه الهباب دا بس ياربي اووف.
انهى إعادة تقيد رسغيها وقدmيها بالمقعد ثم نظر اليها متحدثًا:
– انا اكتفيت بإيدك ورجليكي بس، لأنك مهما صرختي ولا طلعتي صوت محدش هيسمعك، المنطقة هنا كلها مهجورة، يعني لو حصل وحد دخل على صوتك هيبقى عشان يأذيكي مش يساعدك، ياريت تكون وصلتك وفهمتي قصدي ايه؟
❈-❈-❈
لا يدري كيف أتت هذه الفكرة الخبيثة في عقله، ان يدعي التعب وعدm الاتزان امام هذه المرأة الجميلة كي ينال استعطافها وحتى تخفف من حدتها معه، فيتطور الأمر إلى تمثيل كامل وقد أعجبه شفقتها نحوه ، بعدmا لامس طيبة قلبها، التي اجبرتها لتحمل رجل غريب عنها ومساعدته حتى تصل به إلى المشفى حتى يتم إسعافه،
يالها من خليط عجيب، شرسة في الدفاع عن الحقوق وتحدي الرجـ.ـال، وفي نفس الوقت بريئة لدرجة السذاجة حتى تصدق رجل مثله.
– اه يا مناخيري اَه، يا خــــوفي لا يبقى نـ.ـز.يف داخلي يا خــــوفي، انا عارف حظي.
مازال يردد ويتصنع التو.جـ.ـع حتى فاض بها لتهتف به:
– يا عم كفاية بقي، حظك ده اللي بتندب عليه لا يمكن هيبقى اكتر من حظي اللي دبسني في مشاوير معاك من غير سابق معرفة، ثم تعالى هنا، مناخير ايه بالظبط اللي و.جـ.ـعاك؟ البوكس كان على الفك ولا المناخير؟
– الاتنين؟
– نعم!
مال نحوها بمزيد من المسكنة، وعيناه تتمعن النظر بملامحها الدقيقة مستغلا انشغالها بالقيادة:
– الضـ.ـر.بة كانت تقيلة اوي، وانتي شوفتي بنفسك لما وقعتني عليكي وبعدها مقدرتش أقف على رجلي من الدوخة، هزت كياني كله، يعني الفك والمخ والمناخير، كله اتأثر وكله بيوجـ.ـعني يا أستاذة يا آنسة صفية .
تعقد حاجبيها باستنكار لما وصل لسماعها
– أستاذة واَنسة ازاي يعني الأتنين في جملة واحدة؟ دا غير اني مقولتكش اني آنسة، مش يمكن اكون متجوزة واستحق لقب مدام؟
انفعلت بها، بغفلة منها عن تأثيرها عليه، وقد سقط قلبه بين قدmيه ان تصدق بذكر الإحتمال الثاني بالفعل، لكن سرعان ما ادراها بعقله ليصل إلى يقين استنتاجه، انها تتلاعب به، كما يفعل هو ايضًا، ليستدرجها بذكائه:
– خلاص اعذريني طيب لو غلطت يا مدام صفية…..
– يخرب بيتك .
صرخت بها لتواصل بنفاذ:
– لا تقولي مدام ولا اَنسة ولا زفت حتى، ممكن لو تكرمت تفضل ساكت لحد ما نوصل للنيـ.ـلـ.ـة المستشفى اللي قولت عليها؟
كادت تفضحه ابتسامته، ولكنه استطاع ان يكبتها ليميل إلى الخلف، يريح رأسه على المقعد ويعود إلى اتقان التمثيل؛
– زي ما تحبي يا أستاذة، انا كمان تعبان ومش قادر اتكلم، لما نوصل المستشفى اللي قولتلك عليها تبقي تصحيني، دا لو مروحتش في غيبوبة الله اعلم بقى.
تطلعت اليه بعدm استيعاب تجده اغمض عينيه بالفعل لتعقب بضجر:
– دي مكنش بوكس ده يا ربي، يارتني اخدته انا .
❈-❈-❈
توقفت اخيرا السيارة امام البناية التي تعرفها عن ظهر قلب، ورغم اشتياقها الشـ.ـديد لها، إلا أنها ترفض رفضًا قاطعًا أن تدخلها مرة اخرى دون ان تتغير صفتها من زوجة سرية إلى اخرى في العلن.
– نعم! ممكن افهم انت جايبني هنا ليه؟
التف اليها بتجهمه يتحدث بجدية لا تقبل النقاش.
– خلي بالك ان معنديش الميزة دلوقتي اللي تخليني اسمع ولا اجادل معاكي، انزلي من العربية حالا يا بهجة ومسمعش نفس، اخلصي ياللا.
صاح الاخيرة بحزم جعلها تترجل على الفور، رغم تذمرها، لتتبعه بعد ذلك في الدلوف إلى داخل المنزل الذي كان عشها الجميل، وربما مايزال ولكن هذا مشروط بإعلانه.
توقفت في الوسط بعدmا القت بالتحية على الخادmة الأجنبية، والتي انصرفت بعد ذلك حينما شعرت بتـ.ـو.تر الأجواء.
وقد وقف هو ايضًا يقابل عنادها بتغطرس، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، ليعود إلى الصمت الذي يثير انفعالها:
– وبعدين يعني؟ انا هفضل اليوم كله ابصلك وانتي تبصلي من غير ما تتكلم بحرف، لو مش لاقي كلام اللم نفسي واروح احسن .
همت لتلتف ولكنه اوقفها بصيحة جهورية:
– اقفي مكانك يا بهجة ومتخرجيش شياطيني عليكي، انا محجمهم بالعافـ.ـية.
ابتلعت رمقها تجاهد للثبات امامه، وفي محاولة منها لامتصاص غـــضــــبه:
– وانا عملت ايه يعني لغـــضــــبك عليا؟ انا اصلا مستغربة نرفزتك من البداية، انا خارجة من الجامعة، مش من مكان وحش لا سمح الله .
تقدm بخطواته البطيئة نحوها يردد خلفها ساخرًا بغـ.ـيظ :
– لا طبعا وانتي تعملي حاجة وحشة اصلا؟ ست متجوزة رايحة تقدm طلب عودة للدراسة ومبلغة الجميع بخطوتها إلا جوزها، غلطت في ايه يعني؟
جاهدت للثبات امامه، رغم ارتجاف قلبها في الداخل فهيئته كانت غير مطمئنة على الإطـ.ـلا.ق، وهي تبرر بصوت مهتز:
– انا شوفت انها حاجة متهمكش ان ابلغك بيها.
احمرت عيناه ليتخلى عن هدوءه صائحًا بها:
– تعليمك ميهمنيش يا بهجة، تهميشك ليا في خطوة تقومي بيها لنفسك او لاخواتك متهمنيش يا بهجة.
واقترب يمسكها من عضديها مزمجرًا بها:
– انتي ايه حكايتك بالظبط؟ سايقة في تمردك وانا صابر عليكي وبقدر زعلك من آخر موقف ما بينا، لكن لحد امتى بالظبط هفضل مستحمل؟ انا فاض بيا خلاص منك ومن عمايلك.
شحذت همتها، لتدفع بقبضتيه عن ذراعيها، فتواجهه بشراسة:
– يبقى ريح دmاغك ومتتعبش نفسك معايا، انا واحدة سايقة الاستعباط، تتحمل ليه انسانة زيي؟….
– اخرسي يا بهجة.
صرخ بها يرفع قبضته للأعلى حتى خشت ان يضـ.ـر.بها، ليفاجأها بسحبها وضمها اليه على حين غفلة منها، يطبق عليها بقوة، وكأنه يريد إدخالها بين اضلعه، انفاسه الخشنة تهدر بقوة حتى كانت تشعر بها في صدرها، وصوته المتحشرج:
– ليه مصرة تطلعي أسوء ما فيا، دا انا ملقتش روحي غير معاكي، ليه عايزاها تتوه مني من تاني؟ ليه؟ ليه ماحبتنيش زي ما انا حبيتك يا بهجة؟
انشق قلبها نصفين تأثرًا بعـ.ـذ.ابه، حتى كادت ان تضعف وتخر راكعة طالبة السماح، تعترف بعلو صوتها انها تعشقه، بل تتنفسه كالهواء، كما انها اشتاقت اليه وبشـ.ـدة، براح العالم في ضمته، رائحته التي تغمرها، دفئه الذي يغنيها عن العالم هو امانها، ولكن مهلُا، ان سلمت وضعفت الاَن فعليها ان تسلم بضياع حقها إلى آخر العمر، ولكن هذا لن يحدث ابدًا.
لتتمالك وتنزع نفسها عنه فجأة بعدmا ظن تجاوبها وارتخاء حصونها امام غزوه، فتذهله بقناع القوة الذي ترتديه:
– ومين قالك اني ماحبتكش، بس العشق زي الزهرة يا باشا، بتزهزه وتزهر في ضي الشمس، انما لو خبيتها في أوضة ضلمة، مهما راعيت ولا سقيتها من قلبك عمرها ما بتكبر، بل بالعكس دي بتمـ.ـو.ت.
– قصدك ايه يا بهجة؟
يسألها وكأن المعنى لم يصله بعد، او ربما لا يريد تصديقه، ورغم الوعد الذي قطعته على نفسها، إلا أنها ترى هذه المرة الضرورة الملحة لإظهار رغبتها:
– مش محتاجة شرح يا باشا، بس انا عايزة افكرك كويس بأول يوم كلمتني فيه عن جوازنا، ساعتها كنت واضح اوي لما اظهرت الأمر مجرد رغبة، وانا اسست نظامي على كدة، بمجرد انتهائها تخلص كل حاجة ما بينا وكل واحد يروح لحاله، انما انت دلوقتي بتكلمني عن غرام وعشق، يعني انا لو هوافقك وابادلك احساسك…. يبقى في النور، لأن العشق اللي في الضلمة ليه اسم تاني؟
بدت الصدmة على ملامحه، وقد وضحت ما تريده الآن وبدون مواربة.
بالطبع لم يعجبها رد فعله، رغم انه لم يتكلم حتى الاَن، إلا ان الإجابة اعتلت تعابيره وبقوة، فما حاجتها لتبرير كاذب لن يجدي نفعًا منها.
– مفيش داعي تتخض اوي كدة يا باشا، انا مش بطالبك بحاجة لا سمح الله، انا عارفة مقامي أوي بالنسبالك، والفرق الشاسع بيني وما بينك، الفكرة بس اني حبيت ابقى واضحة وافكرك…… عشان متجيش وتجيب اللوم عليا بعد كدة، عن اذنك بقى عايزة اشوف اخواتي…..
– استني يا بهجة انا لسة متكلمتش اصلا
هتف بها يوقفها في رد متأخر منه ليوجه السؤال مباشرة لها:
– عايزاني اعلن عن جوازنا يا بهجة، يعني هو دا غرضك من الاول؟
ابتلعت غصتها لتجيبه بعزة نفس:
– لأ طبعا مش غرضي، بس كمان مش هفضل طول العمل عشيقة سرية لجنابك حتى لو بورقة رسمية محللها الشرع والقانون، انا بحط الأمر في ايدك وانت تقرر، ياريت ما توقفنيش تاني وانا ماشية دلوقتي.
قالت كلمـ.ـا.تها واستدارت مغادرة على الفور، لتتركه متجمدًا محله، ما تطلبه صعب ، وفراقها ايضًا صعب، اذن ماذا يفعل؟،
سقط بجــــســ ـده على الكرسي القريب منه، ينزع عنه رابطة العنق التي تخـ.ـنـ.ـقه
لماذا لا يسير الأمر كما يخطط له؟ لماذا لا تستمر ايام سعادته معها؟ وهي الوحيد التي احبها وبصدق، لماذا يتكرر كابوسه القديم؟ وتنعاد نفس قصة ابيه، حتى وبهجة لا تشبه ابدا تلك الملعونة من قريب أو بعيد، ولكن القصة واحدة
اما هي فقد خرجت من المنزل لا ترى امامها ، بأعين تغشاها الدmـ.ـو.ع، تؤلمها النهاية التي تبدو على وشك، ولكن كرامتها تأبى التراجع، حتى وروحها تصرخ داخلها، وقلبها يأن شوقًا، لن تصبح له بعد الآن سوى في النور .
توقفت فجأة في نصف الطريق، بعدmا اصطدmت عينيها باَخر شخص تتمنى رؤيته الاَن، مستندًا بظهره على جانب سيارته المتواضعة، بوقفته الغريبة وكأنه كان في انتظارها:
– واقف هنا ليه يا سامر؟
القى بنظره نحو المنزل الذي خرجت منه قبل ان يعود اليها، في رسالة واضحة وصلت اليها ليخرج صوته بعد ذلك بما يشبه الأمر:
– تعالي واريا على العربية يا بهجة، انا عايزك في كلمتين.
أنه قوله، ثم قام بفتح الباب الأمامي ليأخذ مكانه خلف عجلة القيادة، فاتجهت هي إلى الناحية الاخرى لتنضم اليه بشجاعة القبول بالمواجهة مهما واجهها من اتهام
❈-❈-❈
صدح صوت زغروطة عاليه في قلب محل الصائغ المشهور لتصل إلى المارة في السوق تجذب انتباههم؟ فتبعهها عدد آخر؟ تعبيرا عن فرح المجموعة التي موجودة بالداخل لتبتاع منه الحلي وخاتمي الزواج؟ ولا احد يعلم بتلك المتأففة التي اجبرها شقيقها على المجيء حتى أنه حضر حارسًا كي لا يصدر منها تصرف
لا يعجبه.
وقد قدm مع والدته بالإضافة إلى والدة العريس الذي كان لا يرفع عينيه عنها ولا يبالي برفضها الواضح؟ حتى أنه ادخل محبس الخطبة بإصبعها عنوة مستغلا دعم شقيقها له الذي كان يتحدث في الخارج عبر الهاتف الاَن، وانشغال البقية في البحث عن الأفضل ضمن باقة من الحلي العصري والثقيل.
– الدبلة على مقاسك بالظبط يا عروسة، وهتاكل من الأيد الحلوة حتة، عشان ت عـ.ـر.في بس زوق العبد لله.
همت لتنزع يدها منه ولكنه شـ.ـدد يردف بتحذير هامس:
– اهدي كدة وبلاش قنزحة من غير داعي .
همت لتجأر به رافضة ولكن اصطدmت عينيها بخاصتي شقيقها، الذي التفت بالصدفة نحوها، ليظهر وجهه الصارم لها حتى لا تفضحه بفعل ناقص من افعالها، لتعود إلى هذا السمج كما تصفه، تعطيه ردها بقرف، وبصوت خفيض لا يصل الا اليه :
– دبلة مش من مقامي ولا تلزمني من الاساس، قريب اوي هخلعها من ايدي وارميها في اي مقلب زبـ.ـا.لة.
تبسم كازًا على اسنانه يرد على قولها بصوت خفيض هو الاخر:
– دا في خيالك المحدود يا حلوة، الدبلة دي مش هتخرج غير بقطع صباعك، وبكرة تقولي شيكاغو قال
همت ان تقرعه بما يستحقه، ولكنه اجفلها يرفع كف يدها إلى شفتيه، يقبلها قبلة عميقة اثارت قشعريرة بجلدها، ترى في عيناه تحدي واضح للاعتراض، حتى جالت بعيناها نحو شقيقها ووالدتها فلم تجد منهم ردًا يثلج قلبها، بل ازداد غـــضــــبها بترحيب والدة شيكاغو والتي صدحت بزغروطة ذات صوت عالي، لتنفرج شفتيه بابتسامة متوسعة يضغط على كفها التي احتجزها داخل قبضته، متوجهًا نحو الصائغ:
– كدة الدبلة تمام وعاجبة العروسة يا عم جورج، شوف لنا باقي الشبكة بقى وشـ.ـد حيلك معانا مش هناخد اليوم كله عندك .
– من عنيا يا عم شيكاغو، بس قول الكلام ده بقى للهوانم، بقالهم ساعة محتارين في خاتم
قالها رجل الصاغة، ليجد الرد من درية ووالدة شيكاغو بالمزاح معه ومع الرجل، وهو يبادلهم بصورة طبيعية، بعدm تأثر على الإطـ.ـلا.ق بتلك التي كانت تصارع لنزع كفها من يده، التي اطبقت عليها ككلابة حديدية ، لولا خشيتها من رد فعل شقيقها لكانت صرخت بصوتها حتى ينجدها احد منه، ولكن مهلا ، هي في الأصل لن تستسلم لهذا العته، وفي القادm خطة توشك على تنفيذها، فالتتحلى الاَن بالصبر
❈-❈-❈
جلست على احدى مقاعد الانتظار منذ ما يقرب من ساعة، من وقت دخولها معه لتلك المشفى التي يعمل بها، اذعانًا لرغبته، مع انها لا ترى الأمر يستحق، ولكنها اجبرت خشية ان تصبح شكوكه حقيقية، فطيبة قلبها مازالت تغلبها رغم وقوفها كنمرة شرسة في الدفاع عن حقوق موكليها في المحاكم، إلا ان تلك الصفة التي ورثتها من شقيقتها زهرة، ليتها ورثت الندالة ايضًا من ابيها، حتى تنفعها في موقف كهذا مع هذا الطبيب الغريب .
وكأنه سمع ما تفكير به، فخرج امامها من غرفة الكشف التي دخلها منذ ما يقرب من ساعة، حتى فاض بها وكادت ان تذهب وتتركه، ليصيبها التعجب الآن وهي تراه مستندًا على ذراع طبيب صديقه، والآخر يرتسم على ملامحه الأسى
– اه براحة يا رمزي عشان متعبش منك.
– اهو براحة يا حبيبي، انا بحاول مضركش
– طبعا يا حبببي انا واثق من كدة، بس اعمل ايه؟ تعبااان.
– سلامتك يا حبيبي سلامتك.
كانت تطالعهم بذهول فاغرة فاهها، حتى اذا اقتربا منها هتفت بعدm استيعاب:
– في ايه؟ دا بوكس واحد اللي خده على فكه، مازدتش عليه.
جلس بجوارها متنهدًا بدراما قائلًا:
– انا مش هتكلم، الدكتور رمزي هو اللي هيشرحلك حالتي
التقط الآخر الإشارة منه، لتأخذه الجلالة في الاسهاب والشرح لتلك المسكينة التي لا تعلم عن الطب سوى المعلومـ.ـا.ت العامة.
– زي ما قولتلك كدة يا أستاذة صفية، الضـ.ـر.بة كانت شـ.ـديدة اوي على رأس الدكتور هشام، اينعم هي كانت في الفك لكنها تقريبًا عملت ما يشبه الارتجاج، نظرا لضعف بنية الدكتور……
اوقفه مشيرا بسبابته ليوضح لها هذه الجزئية:
– ايوة بس في حاجة يا دكتور، انا جـ.ـا.مد وشـ.ـديد على فكرة، هي بس هزة الراس دي اللي متحملتهاش.
اَزره الاخر يدعمه للنهاية:
– ايوة طبعا يا دكتور وهي دي حاجة محتاجة تشكيك، على العموم يا أستاذة هو محتاج رعاية شـ.ـديدة اوي في الايام اللي جاية.
– بس انا مش مـ.ـر.اته يا سيدي عشان تقولي الكلام ده.
هتفت بها بنفاذ صبر ، ليسارع هو بالرد:
– الدكتور رمزي مش قصده حاجة، دا بس بيشرحلك حالتي عشان شكلك مش مصدقاني.
– يا عم اصدقك ولا اكدبك، انا هيهمني امرك في ايه بس؟ الدكتور صاحبك والمستشفى مكان عملك، انا كدة ابقى خليت مسؤوليتي وعملت اكتر من اللي عليا كمان، عن اذنكم.
– استني يا دكتورة هتمشي وتسبيني؟
هتف بها يوقفها فور ان استقامت واقفة عن مقعدها لتذهب، لتطالعه باستهجان، جعله يعود لإدعاء المسكنة حتى يكسب تعاطفها:
– قصدي يعني هتمشي من غير ما تطمني عليا، انا مليش حد على فكرة، لا معايا ست ولا أطفال، ساكن لوحدي في القاهرة وأهلي في الارياف، فالو ممكن تتصلي بيا حتى تطمني عليا، لتجرالي حاجة في الشقة وملقيش اللي يسأل عليا.
– ما هو صاحبك قدامك اهو ميسألش ليه عليك؟
قالتها تشير بذقنها نحو الطبيب الذي انـ.ـد.مج في اتقان الدور يجاري صديقه:
– للأسف انا طول اليوم مشغول في المستشفى والعمليات، حتى دلوقتي كمان مطلوب في الطواريء عن اذنكم.
قالها وذهب على الفور ليواصل هشام:
– اهو دا كمان مشي وسابني، للأسف شكلي مش هلاقي حد يسأل عليا، ممكن يا دكتورة تديني رقمك على الاقل لو عوزت حاجة وملقتش اللي يساعدني.
تطلعت اليه بغـ.ـيظ شـ.ـديد حتى ودت ان تنفجر به، فقررت تجاهله والذهاب، ولكن غلبها قلبها الضعيف
لتعود سريعًا مخرجة من حقيبتها كارت صغير، وضعته بيده قائلة:
دا الكارت بتاع المكتب، فيه تليفواناتي، انا بديه لأي حد على فكرة طالب مساعدة، ارجو ميبقاش اني مسمعش صوتك خالص غير لو كان الأمر يحتاج بالفعل لمساعدة، عن اذنك، يا ساتر
وصل اليه غمغمتها الأخيرة بعدmا استدارت ذاهبة من امامه، لتبزغ ابتسامة صافيه على زاوية فمه، وقد اسعدها النتيجة التي وصل اليها بعد المجهود الشاق في التمثيل واجبـ.ـار صديقه كي يحبكها معه، ليقضي أجمل ثلاث ساعات مع هذه الجميلة الطيبة لدرجة السذاجة رغم ارتدائها ثوب القوة بوجه الجميع، يغمغم بسعادة داخله:
– شكلك محتاجة دراسة يا أستاذة صفية، وانا بحب اوي التعليم والاسكشاف.
❈-❈-❈
وفي مكان آخر
وبعدmا توقفت السيارة بهم، لم يتركها تنتظر كثيرا ، حتى اخرج لها هاتفها، يثبت الشاشة على تلك الصورة التي آتى من اجلها، فيقدmها اليها بتساؤول.
نظرت هي بها قليلًا تزفر بتعب، وتطالعه بضيق مكشوف سائلة:
– الصورة دي امتى خدتها؟ او بمعنى أصح، مين اللي ادهالك؟ وبلغك ايه عني بالظبط؟
لست أنا المرأة التي تقبل أن يتغذى قلبها على فتات المشاعر التي تجود عليا بها فلست بالقليلة كي أتلقى منك احسنًا ترميني به كهبة أخذها بكل امتنان دون الطمع في أكثر من ذلك ، لا لن اقبل أن أعيش معك في المنتصف فكرامتي تستحق أن تكون عالية وقلبي لن ينشطر نصفين وعقلي لن يدmره التفكير بك يا رجل أعيش بين أحضانه بسعادة ملفقة وأنا اعد نفسي كاذبة بأن القادm معك هو الأجمل فأنا اتيقن منك الخذلان حتى وإن كنت أرسم بسمة كاذبة فوق وجهة ضاحك بقلب شطره الحـ.ـز.ن.
اهداء الكاتبة القمر/ ايمان فارق
❈-❈-❈
ليلة طويلة، هل سيأتي بعدها الشروق
– طمنيني يا بهجة، انا بقالي ساعات على اعصابي
بصوت مجهد اضطرت لطمأنة نجوان؟
– لا اطمني عدت على خير، بعد انا ما حطيت النقط على الحروف معاه، وسيبت القرار في ايده.
– قرار ايه بالظبط يا بهجة؟
مرت فترة ليست بقليلة من الصمت، حتى جاء ردها:
– قرار اننا نكمل في النور او النهاية .
– وهو كان ايه رده؟
– سكت.
– سكت!
– ايوة سكت وانا مشيت عشان ياخد وقته في التفكير، المهم انه يرحمني من عـ.ـذ.ابي، حتى لو كان الاختيار الانفصال، اعتقد ان ده بالنسبالي هيبقى افضل كتير من اني تبقى عايشة حبيبة مخفية او نص زوجة.
– انا حاسة انك تعبانة وانتي بتتكلمي، هقفل معاكي يا بهجة، وبكرة الصبح ان شاء الله نتكلم براحتنا، انا بفكر اجي المحل عندكم، عائشة وحـ.ـشـ.ـتني اوي
– وانتي كمان وحشاها، المحل محلك اكيد، وبالمرة تبـ.ـاركي لايهاب، اصله خلاص اتقبل في كلية الطب
– يا قلبي الف مبروك، دا انا لازم ابوسه من خدوده الولد ده وإياك يعمل فيها مكسوف…. وادي حلم كمان من أحلامك اتحقق يا بهجة.
– الحمد لله، ربنا بيرطب على قلبي بنجاحهم والله، فرحتهم عندي بالدنيا .
– يا قلبي وانتي كمان هاتاخدي نصيبك من الفرح، صدقيني هيحصل.
كادت ان تغلبها دmعاتها، فتلك الأمنية تراها ضـ.ـر.ب من المستحيل، حتى وقلبها يخبرها بغير ذلك.
فخرج صوتها بتحشرج من فرط ما تشعر به:
– ربنا كريم، ربنا كريم .
كادت نجوان ان تبكي هي الآخرى، وقد وصلها ما تشعر به، ولكنها كانت اقوى من ان تزيد عليها، لتواصل دعمها :
– انا معاكي يا بهجة ومش هسيبك أبدًا.
قالتها بصدق وصل اليها، ليخرج ردها بتأثر واضح:
– ربنا ما يحرمني منك.
انتبهت لفتح باب المنزل ، ودلوفه عائدًا من الخارج، لتنهي معها المكالمة سريعًا:
– ولا منك يا قلبي، اسيبك بقى ترتاحي، تصبحي على خير .
– وانتي من اهله يارب
القت الهاتف من يدها واتجهت لتخرج اليه تستقبله وتتحدث معه، متوقعة وجوده كالعادة في مكتبه في هذا الوقت، ولكنه ادهشها حينما وقعت ابصارها عليه، واقفًا في قلب الصالة وكأنه ظل متوقفًا في انتظارها.
– مساء الخير يا نجوان هانم.
طالعته قليلًا بصمت، ترا الإجهاد جليًا في نبرته الرخيمة، وتعابير وجهه التي اكتست بالهم، تؤلمها وبقوة المعاناة التي يشعر بها، وهذا ما يزيد عليها .
– مساء الخير يا… رياض.
سخر بابتسامة لم تصل لعيناه، واقدامه تتقدm نحوها:
– كنتي هتغلطي وتقولي يا قلبي صح؟ بس لحقتي نفسك، عندك حق، ما انا استحقش في نظرك، ما انتي قلبك مـ.ـا.ت من ناحيتي من زمان .
صدmها قوله، حتى اهتزت في وقفتها امامه:
– وهو في ام قلبها بيمـ.ـو.ت ناحية ابنها اصلا؟ إنت جاي من برا مضايق ولقتني في وشك، قولت تحط همك فيا، انت ليه مُصر تو.جـ.ـع قلبي عليك يا رياض.
صرخ بها، وكأنه بالفعل يفرغ بها همه:
– عشان قلبي انا كمان موجوع، وتعبان بقالي سنين بعاني من آثار الماضي الزفت بتاعكم، لو كنتي ست قوية مكنش دا كله حصل، مكنش استغلك ولا اتجوز عليكي حتة بـ.ـنت ما تسوى، دا حتى مـ.ـا.ت من قبل ما ت عـ.ـر.في بمصايبه، عشان اشيل انا كل البلاوي اللي عملها من وراه، وادفع الفاتورة من راحتي واستقراري النفسي.
غامت عينيها بدmـ.ـو.ع تحتجرها بصعوبة، لتحتفظ بجزء من القوة امامه:
– تاني يا رياض بتحملني ذنب اللي حصل، وترجع بعد كدة تقول ان متغيرة معاك، مش قادر تفهم لحد الان ان قسوتك دي كانت من أهم اسباب مرضي؟ ليه يا بني بتحملني فوق طاقتي، انا كنت ست ضعيفة فعلا معاه، بس هو كان حبيبي قبل ما يبقى جوزي، حبيبي اللي لو عاد بيا الزمن هختاره من تاني، حتى لو عـ.ـذ.ابي هيزيد اضعاف .
تركزت عينيها بخاصتيه لتردف بقوة:
– الناس كلها بتعيش تاكل وتشرب، لكن قليلين اوي اللي حصلوا على النعمة دي، نعمة القرب من الحبيب، وانا مكنتش بس قريبة منه، لا دا انا اتجوزته وخلفت منه ، وقعدت سنين في السعادة معاه، السعادة اللي انت حارم نفسك منها دلوقتي عشان معتقدات غـ.ـبـ.ـية في دmاغك، عامل حساب لكلام الناس ونظراتهم، طب خليهم ينفعوك بقى لما تتحصر على ضياع فرصتك مع اللي بتحبها، ولا يمكن يجو يخففوا عنك لما تنام على مخدتك اخر اليوم تعيس في وحدتك أو في حـ.ـضـ.ـن واحدة لا انت حاسس بيها ولا عمرك هتحبها….. دا لو قررت في يوم تتجوز غيرها
انهت كلمـ.ـا.تها واستدرات تتجه نحو غرفتها وتتركه لهمومه واوجاعه التي يشك ان تنتهي قريبًا
ليزفر باختناق يطبق على انفاسه، غير قادرًا على التحمل، ان لم يجد احد يتحدث معه الليلة، سوف يمـ.ـو.ت بالفعل.
❈-❈-❈
اما هي فقد عادت إلى فراشها، بعد انتهائها من مكالمة نجوان وتبديل ملابسها، لقد مر يومًا اخر على خير، بفضل ستر الله ودعواتها اليه التي لا تنتهي، وقد سقط قلبها في نصف اليوم بمواجهة لم تتوقعها مع ابن عمها سامر والذي اتى اليها من أجل التحقق فيما وصل اليه
المواجهة التي تمت منذ ساعات
بعدmا نظرت إلى الصورة التي تحتل الشاشة امامها، لتعود بها الى لقطات تسجلها بعقلها باهتمام شـ.ـديد، فتلك الذكريات هي أغلى ما تملكه الاَن، وربما قد تعيش عليها ايامًا وسنوات قادmة، اذا ما استسلم لعنجهيته ودفن عشقها في قلبه بالتخلي عنها.
– الصورة دي امتى خدتها؟ او بمعنى أصح، مين اللي ادهالك؟ وبلغك ايه عني بالظبط؟
رد سامر على سؤالها بسؤال هو الاخر:
– يهمك ت عـ.ـر.في اوي؟ جاوبي على سؤالي وانا اقولك، ريحي قلبي يا بت عمي وانا اقولك .
نظرت له بقوة الواثق من دفاعه:
– يهمني اعرف انت مصدق عليا ولا لأ، لأني اللي يديلك صورة زي دي، لقطها في لحظة غفلة لزوجة بتستقبل زوجها، يبقى اكيد نيته مش كويسة .
– جوزها !
تمتم بها بعدm استيعاب ، لتعود اليه بتأكيد:
– ايوة يا بن عمي ومتجوزاه من غير إشهار عشان ما تتعبش نفسك في التفكير والاستغراب .
وكأن الارض اهتزت من اسفله، رغم جلوسه داخل سيارته، ليكتنفه دوار مباغت نتيجة تصريحها، كم ود تكذيبها الأمر برمته، وأن تكون تلك الصورة لامرأة اخرى تشبهها.
– ايه يا بن عمي سكت ليه؟ لو مش مصدق اجيبلك دليل .
انفعل في رد متأخر:
– مش مهم الدليل، المهم دا امتى حصل؟ وازاي احنا منعرفش؟ ثم ايه حكاية من غير إشهار دي؟
قابلت عصبيته بهدوء شـ.ـديد غير مبالية بأي شيء حتى صورتها امام عينيه:
– مش محتاجة شرح يا بن عمي، من غير إشهار يعني في السر، مع اني حاسة انه مبقاش سر دلوقتى، بعد كل الناس دي ما عرفت.
– ناس مين تاني غيري، وليه ترضيها على نفسك؟ انتي ايه ناقصك يا بهجة؟
تبسمت بسـ ـخـــريــة قاتمة تعقيبًا على كلمـ.ـا.ته الاخيرة:
– ايه ناقصني؟ انت اللي بتسأل يا سامر؟
توقفت تتنهد بأسى وتشيح بأبصارها عنه، بالنظر إلى الخارج، ليستدرك هو فداحة موقفه ، وقد يأتي الاَن يحاسبها، متناسيًا كل ما مرت به من شقاء بفضل تعنت والديه في اعطائها حقها، حتى شعر بالخزي من نفسه، ولكنه ايضًا لا يقبل.
– مش مبرر يا بهجة انك تبيعي نفسك، انا طول عمري شايفك حاجة عالية اوي وغالية على اي حد، ليه تهزي صورتك في عيني؟ وانت تستاهلي اكتر من كدة بكتير اوي.
– عشان انا مبعتش نفسي، انا اتجوزت اللي بحبه، حتى لو هو شايف غير كدة، او بيكابر وممكن في اي وقت يستغنى عني، انا مش نـ.ـد.مانة اني اتجوزته وارتبط اسمي بيه لو حتى في السر.
– لدرجادي يا بهجة؟
خرج تساؤله بصوت بدى كالمبحوح تأثرًا بجـ.ـر.ح شعر به داخل قلبه وكأنه انشطر نصفين، بعد تصريحها، واخبـ.ـاره وبكل وضوح انعدام فرصته في الوصول اليها، ربما ليس جديدًا عليه هذا الأمر ولكنها الاَن تؤكد
– لدرجادي واكتر كمان يا بن عمي، احنا قلوبنا مش بإيدينا، وانا قلبي غـ.ـبـ.ـي دونًا عن الناس كلها مختارش غيره.
– مش انتي بس اللي قلبك غـ.ـبـ.ـي، شكلنا عيلة بتحب اللي يعـ.ـذ.بها.
غمغم كلمـ.ـا.ته بمعنى مقصود، ولم يوضح اكثر من ذلك، فلم تعد هناك فائدة للكلام.
ليأتي سؤال بهجة المباغت له:
– دلوقتي بقى جه عليك الدور تقولي مين اللي بلغك؟
واداك الصورة؟
❈-❈-❈
انشغلت كعادتها على احدى القضايا، لتضع بها تركيزها الشـ.ـديد، دون الالتفاف لشيء اَخر حتى الإجابة على مناداة اخوتها ووالدتها التي تعبت من الصياح من خارج الغرفة، لتضطر للولوج اليها :
– وبعدين بقى يا صفية، ساعة بنده عليكي من برا، كل دا مسمعاش؟ تليفونك جمبنا عمال يرن بقالوا ساعة لما صدعنا.
بجدية شـ.ـديدة رفعت عن عينيها النظارة الطبية لترد بحنق:
– في ايه يا حبيبتي يا ماما بس؟ ما انا مشغولة زي ما انتي شايفة اهو، التليفون حطاه على الشاحن يشحن وبالمرة افضي دmاغي للقضية المهمة اللي في ايدي ، دي الموكلة مستأمناني على مستقبل بـ.ـنتها اللي هيضيع لو مخدتش براءة بكرة…..
هتفت سمية مقاطعة وقد فاض بها:
– خلاص يا ختي احنا مش في محكمة عشان تترافعي وتاخدك الجلالة، هو انا كل مرة اكلمك لازم اسمع الموشح ده، وادي الرنة الزفت كمان خلصت برضو من غير رد، خدي بقى، خلي تليفونك ده جمبك مش ناقصين قلبة دmاغ
شـ.ـددت بالاخيرة تضع لها الهاتف على سطح المكتب لتتابع ساخطة:
– قال هنضيع مستقبل البت قال لو مركزتش في البراءة، كل اللي في سنك اتجوزو يا منيـ.ـلـ.ـة، مبقاش فاضل في المنطقة غيرك، يا خــــوفي لتقعدي في قرابيزي.
التوت شفتيها بعدm رضا دون ان تكلف نفسها برد لا طائل منه، فوالدتها لن تقتنع ابدًا بوجهة نظرها، وهي أيضا لن تتنازل وتطيعها.
دوى الهاتف مرة اخرى برقم غريب، جعلها تتطلع في الشاشة تحاول تذكره بلا فائدة، لتقرر الفتح عليه لتعرف من الطالب مع انـ.ـد.ماجها في عدد الأوراق التي امامها
– الووو مين؟
– الوو دا انا يا أستاذة صفية
– إنت مين؟
– انا مين؟!
– ايوة انت مين؟ وبتتصل عليا ليه في الوقت ده؟ لو زبون، يبقى المكتب مفتوح من عشرة الصبح لعشرة الليل، بس كدة، تبلغ السكرتيرة وهي هتقوم بالواجب.
أعجبه حزمها وصرامتها، ولكن هذا اخر ما يحتاجه الان، ليدعي التمثيل والدراما:
– انا بجد مصدوم، ومش قادر حتى اتخيل، معقول تلت ساعات معايا ولسة متعرفنيش يا صيفو
استدركت تتذكره بالفعل، لتضـ.ـر.ب بكف يها على جبهتها بيأس مغمفمة، يا ريتني ما افتكرت اصلا، انتي طالبني ليه؟
وصلها صوته بمسكنة:
– ليه الحدة دي بس؟ دا انا بتكلم عشان اطمنك عليا، لما لقيتك نسيتي ما تتصلي.
أبعدت الهاتف من على اذنها تطالعه شاشته بعدm تصديق لما وصل لأسماعها ثم عادت اليه بـ.ـارقة عينيها بذهول في الفراغ امامها:
– انت بتتكلم بجد؟ يعني انت فعلا متصل بيا عشان تطمني عليك؟!
– ايوة طبعا، ما انا نبهت عليكي النهاردة تسألي عشان انا وحيد، بس حضرتك مسألتيش ولا كلفتي خاطرك، بس انا مسامحك يا صيفو.
نفضت عنها الدهشة من حديثه الغريب، لتصرخ معترضة على الاخيرة:
– يا نهار اسود، ايه صيفو دي كمان، انا كدبت وداني لما سمعتها الاول، حضرتك مش شايف انك زودتها؟
لطف على الفور مبررًا بمكره:
– وهي صيفو دي وحشة؟ انا اسف أن كنت زعلتك بس انا حسيت أستاذة دي تقيلة اوي، تتقال من موكلينك، انما انا بعد اللي عملتيه النهاردة معايا، يصعب عليا اوي اكبرك وانتي كتكوتة وتستاهلي الدلع.
اربكها، لقد علم بذلك على الفور حينما سمع شهقة صغيرة قطعتها سريعًا لترسم الجدية نحوه محذرة، بكلمـ.ـا.ت متقطعة وغير مترابطة، نتيجة خجلها الشـ.ـديد، ليتها كانت امامه الاَن ليستمتع بهيئتها اللذيذة تلك:
– لو سمحت يا دكتور انت… انا بحذرك… عشان انا مبحبش الدلع… ولا اللي يدلعني….. انت شكلك بتعاكس صح؟
– لا والله ما بعاكس، انا بس بقول اللي بحس بيه، حسيت اني عايز اتكلم معاكي قوم اتصلت عليكي، حسيت اني عايز اندهلك باسم دلع، لساني نطقها من غير تفكير، وليكي كل الاحترام سيدتي اكيد.
– انت… انت بتقول ايه؟
تلعثمت بالكلمـ.ـا.ت تزيده انتشائًا ليواصل بلؤم، كي ينهي الأمر قبل ان تلملم شتاتها وتستعيد شراستها:
– انا بوضح احترامي ليكي، ع العموم انا بستأذنك من وقت للتاني اتصل بيكي اطمنك عليا، وإذا قطعت ا عـ.ـر.في اني جرتلي حاجة، ما انا وحيد يا استاذة، ربنا يجعلك دايمًا نصيرة للغلابة، تصبحي على خير.
انهى المكالمة اخيرًا، لتطالع هي الهاتف بعدm استيعاب، ماذا يفعل هذا الغريب معها؟ وكيف يجبرها بأسلوبه الملتوي على الإستماع اليه، فلا تجد حتى فرصتها في الإعتراض.
تنهدت تنفض هذه الأفكار من رأسها، لتعود إلى عملها المحبب، فنزلت بعيناها نحو الاوراق التي كانت تراجع بها منذ قليل، لتجد نفسها لا ترى حتى الكلمـ.ـا.ت من فرط شرودها، لتدفعهم من امامها بغـ.ـيظ:
– ارافع عن البنية ازاي دلوقتي وانا حتى مش عارفة اجمع الأحداث على بعضيها؟ ادعي عليك بإيه بس يا هشام يا ابن ام هشام؟ انت السبب.
❈-❈-❈
عاد اخيرًا وقد قارب الليل على الانتصاف، فتح باب المخزن ليجدها تطالعه بلهفة اثارت به الشفقة، رغم غـــضــــبه الشـ.ـديد منها:
– اخيرًا جيت، كنت سيبني ابات احسن، امـ.ـو.ت من الجوع والعطش والبرد كمان .
تقدm يضع الطعام الذي كان يحمله على الطاولة، ثم اقترب يقطع الحبال التي تقيد يديها وقدmيها، يتمتم باعتذار:
– انا اسف، بس المشوار كان طويل، دا غير العطلة اللي حصلت معايا، والانتظار اللي اضطريت اليه، على العموم انا جايبلك الاكل السخن وكل حاجة تحتاجيها .
دلكت يديها، تجأر به حانقة:
– حاططني في وضع غير ادmي، لا مقدر ولا عندك اي احساس بالمسؤولية، انا واحدة ست Lady قدامك، مش مجرمة ولا رد سجون.
التوى ثغره بضيق، ليقرب الطاولة منها:
– الأكل والمناديل والمعطر والغسول كمان، اعملي ما بدالك، انا مش هربطك تاني اصلا.
– انت بتتكلم بجد ولا بتضحك عليا؟
سألته بتشكك قابله بمزيد من الضجر مرددًا:
– يا ستي والله ما بضحك عليكي، انا مخـ.ـنـ.ـوق وعايز اروح بيتي وانام على فرشتي، كفاية ليلة بحالها قاعد حارس على جنابك.
تبسمت تتمعن النظر به، وهذا الإرهاق الذي يعلو ملامحه، وكأنه فقد الشغف وفقد حتى المقاومة، لتسخر بفرح:
– واضح اوي انك اتأكدت من كلامي، ودا اللي مخليك تعبان ومش قادر حتى تتكلم.
زفر يشيح بأبصاره عنها لتتيقن من صحة ترجيحها فيزداد اتساع ابتسامتها، لتتناول احد الأكياس وتنهض من امامه تستطرد بانتشاء:
– انا هروح الحمام اوضب نفسي، مع اني مخـ.ـنـ.ـوقة عشان الهدوم اللي مغيرتهاش من امبـ.ـارح، ولا الحمام اللي بقرف منه، بس كويس انك قدرت وجيبت الحاجات الضرورية دي، هحاول متأخرش عشان نتكلم شوية مع بعض، الظاهر ان الحوار ما بينا هيبقى طويل
ظل صامتًا ولم يعقب بحرف، يتابعها تهرول نحو غرفة المرحاض بنشاط، وقد دب بها الحماس بعدmا لاحظت خيبته، لتتأكد من ظنها، وتحاول استغلال الفرصة بخبثها.
لم ينتظر طويلا حتى خرجت اليه، ممشطة شعر رأسها بيداها، وجمال بشرتها الحليبية الصافية، بعد تنظيفها بالغسول، وقد بدا عليها الانتعاش جليًا، ليتها تزيل عن نفسها القذارة كما فعلت مع بشرتها.
جلست امامه تتناول الطعام بنهم وفمها لا يتوقف عن الحديث:
– كان نفسي اخد شاور بس طبعا مينفعش، لكن بسيطة، اصبر شوية واخدها في بيتي ان شاء الله، مقولتليش بقى، عملت ايه مع بـ.ـنت عمك، او زوجتك السابقة على الورق.
تنهد بقنوط يربع ذراعيه فوق صدره:
– بهجة كان كاتبة كتابها على اخويا مش انا .
توقف الطعام بفمها، وقد استولت عليها الحيرة، تعيد الأحداث برأسها وشجاره وفعله الان، لترتخي ملامحها فجأة، ترمقه بنظرة ماكرة فهم عليها، زادت من غـــضــــبه لتجعله يقر معترفًا:
– اه يا ستي كانت خطيبة اخويا وانا كنت بحبها، لانها تستاهل الحب، انما انتي بقى، واحدة ربنا مديها ربنا كل المزايا تعلق نفسها بواحد مش شايفها ليه؟
ارتدت رأسها للخلف وكأنها تلقت لطمة قوية على وجنتها، اثر تصريحه الكاشف، ليتحرك فمها بالسباب نحوه بدون تفكير:
– انت بتقول ايه يا حـ.ـيو.ان انت؟ مين قال الكلام ده؟
– مش محتاج حد يقولي، اللي تعمل عملتك وتوقف واحد زيي تسخنه من غير بينة، ولا مراقبتك ليهم ، دي كلها أمور مش محتاجة نباهة، بس اللي مجنني بقى، ان انتي مستمرة في خططك رغم انه سابك انتي بـ.ـنت الحسب والنسب وراح لعاملة عنده في المصنع، دا كله ميخلكيش تفكري، ميخلكيش تسبيهم في حالهم وتبصي لنفسك ولمصلحتك، فين كرامتك ولا كبريائي عشان تقبلي على حالك وضع زي ده؟ في خانة الانتظار .
لم يكن مخططًا للإنفجار بها، ولكنها اجبرته على ذلك، حتى وهو يرى الاَن ضعفها وارتعاش شفتيها تأثرًا بقسوة كلمـ.ـا.ته إلا أنه ابدًا لن يشفق عليها، هذه الفتاة تستحق الضـ.ـر.ب حتى تفيق.
– انت حـ.ـيو.ان ومعندكش أدنى احساس، مين اداك الحق تكلمني بالطريقة دي ولا تتدخل في حياتي، بـ.ـنت عمك هي ال……
– إياكي تنطفي حرف في حقها فاهمة.
قاطعها بحدة يوقفها قبل ان تكمل بالسباب، غير ابهًا لهياجها ولا بثورتها التي بدأت بعد ذلك:
– خايف اوي عليها بـ.ـنت عمك، دي اللي علقتك وهي مخطوبة، ولا وما كفهاش دي كمان، دي وقعت رياض الحكيم، اللي مبتتهزش له شعره مع ملكات الجمال، انا مش فاهمة والله، هي جايبة الشطارة دي منين؟ ما تخليها تعلمني يا عم، ما هي أكيد خبرة….
– اخرسي
صرخ بها وارتفعت كفه في الهواء حتى كادت ان تلطم خدها، لتجعلها لا اراديا تنكمش على نفسها وتحاوط وجهها بين كفيها، ترهبها هيئته، وقد تغيرت ملامحه وكأن الشيطان تلبسه، ليردف كازًا على اسنانه:
– قسمًا بالله العظيم لو ما كنتي حرمة، لكان الكف ده نزل عليكي ومخلاش حتة في جـ.ـسمك سليمة، لأن اللي انتي فيه ده مش قلة عقل، دا اسمه قلة رباية.
اخدت الأمان حينما نزلت يداه عن ضـ.ـر.بها، لتستخف بوقاحة:
– ربي نفسك الأول يا خفة، انا لورا بـ.ـنت الحسب والنسب ، اسم عيلتي لوحده عنوان، وبكرة اربيك على عملتك معايا
قالتها وتحركت تتخذ طريقها نحو الخروج ليهدر بها غاضبًا:
– غايرة على فين دلوقتي؟ استني لبكرة الصبح، المنطقة هنا صناعية والدنيا مش امان.
دبت قدmيها على الارض برفض تتحداه:
– ان شالله حتى يكون فيها كلاب وعصابات، انا هخرج من هنا وإياك توقفني، وأن كنت سكتلك من امبـ.ـارح، دلوقتي لو فيها مـ.ـو.تي مش هسكت ولا هستني دقيقة واحدة، غور في داهية
صرخت بالاخيرة لتستدير عازمة على ما في رأسها، يغمغم هو من خلفها:
– غارة تشيلك يا بعيدة.
❈-❈-❈
دلف إلى المنزل الجديد عليه، بناءًا على اتصاله به منذ قليل، فقد شعر بحاجته اليه، حتى أنه هو من وصف له العنوان.
– انت قاعد هنا لوحدك يا رياض؟
كان هذا هو السؤال الذي تمتم به، عقب الترحيب به من الأخر، والذي كان يتحدث بصعوبة وهو يشير اليه بيده للدخول:
– دا بيتي من زمان يا كارم، لما اكون مخـ.ـنـ.ـوق بقعد فيه، تعالى معايا جوا عند البيسين.
تحرك معه نحو الداخل حتى وصلا إلى حوض السباحة، ليتخذا مجلسهما في ركن خاص، به اريكة كبيرة وثلاثة مقاعد وطاولة صغيرة تتوسط الجلسة، قريبة من الماء مباشرة بصورة تبعث على الراحة النفسية.
– الله يا رياض، حلو اوي القعدة هنا، منظر يرد الروح فعلا
ابتسامة جانبية باهتة، بزغت على زاوية فمه، جاءت كرد على كلمـ.ـا.ته، وقد أطلت امامه صورتها، حينما كان يجبرها على النزول معه في الماء وهي لا تجيد السباحة، فتتشبث به بخــــوف داخل الماء، فيستغل هو رعـ.ـبها ذلك اجمل استغلال.
كيف للمرء ان ينسى اجمل لحظاته، وهل بالفعل يستطيع استبدالها بأخرى؟
انتبه كارم على شروده:
– مالك يا عم؟ لو هتسرح من بداية القعدة، يبقى ألــمها وامشي
– لا خليك يا كارم، انا بجد.محتاج اتكلم النهاردة.
لمس في نبرته نوع من الرجاء جعله يشعر بالتعاطف نحوه حتى من قبل ان يعرف بما يصيبه، ليحثه مشجعًا:
– اتكلم يا حبيبي انا هسمعك، طلع اللي في قلبك حتى لو كان تافه، المهم انك تتكلم .
يعلم بصدقه وهذا ما جعله على استعداد تام للبوح أمامه، لكن تأتي الصعوبة في المقدmة والتي اختصرها عليه الأخر :
– بهجة البـ.ـنت اللي شغالة عندك صح؟
توسعت عينيه بذهول التقطه اخر معقبًا:
– من غير ما تستغرب ولا مخك يروح لبعيد، انا بس بسهل عليك عشان تدخل في الموضوع مباشرة، لأن انا بجد نفسي اسمع منك .
❈-❈-❈
خرجت رؤى من غرفتها تبحث عن شقيقتها والتي لم تجدها حتى في غرفتها:
– يا أمنية انتي فين يا بـ.ـنتي؟ اختك بقالها ساعة بترن عليكي، لغاية ما زهقت ، قامت متصلة على تليفوني
جاءها الرد من المرحاض القريب من الغرفة:
– ردي عليها انتي، انا لسة مخلصتش شارو، مصدقت عصام ماشي عشان اريح جـ.ـسمي بمية سخنة قبل ما انام .
– ما انا تليفوني فصل شحن معاها، هروح اكلمها من تليفونك
قالتها رؤى وهي تتجه مباشرة نحو العودة إلى الغرفة، وافقتها الأخرى بصوت يصل اليها:
– هتلاقيه عندك فوق الكومدينو.
بالفعل اتجهت نحو المكان المذكور وقامت بتناوله تتصل مباشرة على شقيقتها:
– الوو يا شهد، معلش التليفون فصل شحن……. أه ما هي في الحمام، هتخلص وتتصل بيكي على طول……. لا هي كويسة الحمد لله اطمني……. حتى جوزها كان عندها النهاردة…… خلاص ماشي على ما تخرج، ارغوا مع بعض براحتكم.
بعدmا انهت المكالمة، همت لتنهض وتترك الهاتف، ولكن اوقفها إشعار احدى الرسائل وذلك الإعلان عن مسابقة لأحدى كبرى المجمعات التجارية في العاصمة، عن فوز محقق بمناسبة اذا ما سجل العميل وتابع الخطوات، لتشهق بحماس حينما رأت المعروض من الجوائز .
– يا نهار ابيض ، دا فيه الماركة المشهور للجزم والشنط اللي كنت بحلم بيها.
خرجت سريعًا بلهفتها لتجد شقيقتها تخرج من المرحاض بمساعدة والدتها حتى تدخلها الغرفة:
– في مسابقة عندك مهمة تكسبي فيها يا أمنية ليه مدخلتهاش وجربتي حظك.
رمقتها بعدm فهم:
– مسابقة ايه؟ انا مبركزش اساسا في الرسايل .
سطحتها نرجس على فراشها لتجذب عليها الغطاء معطية أمرها لابـ.ـنتها، وقد غمرها الحماس:
– ادخليلها انتي يا بت رؤى ، مدام شاطرة كدة يمكن تفوزيها.
لم تعطي الأمر اهميه لتعبر بعدm اكتراث:
– يا عم انتو بتصدقوا؟ بلا و.جـ.ـع دmاغ
اعتدلت على جانبها الأيسر، تبتغي النوم، حتى حينما طالبتها رؤى ان تفعل وتشترك ، لوحت بكفيها دون مبالاة:
– اعملوا اللي تعملوه، انا هغفلي ساعة وبعدها ابقى اتصل بشهد، حاسة نفسي عملت مجهود وانا يدوب استحمـ.ـيـ.ـت
ضغطت رؤى تدفعها اللهفة على الرابط دون تحقق من مصدره الحقيقية لتسير بعد ذلك على الخطوات، حتى تصل الى الجائزة المذكورة بتشجيع من والدتها وقد خرجتا الاثنتان من الغرفة، غافلين عمن صدح صوته عاليًا في الجهة الأخرى، مهللا بالنجاح اخيرًا، ليركض نحو المتربص في الزاوية التي يبيع بها ممنوعاته يبشره:
– الحلاوة بقى يا عم إبراهيم، اللي انت عايزة حصل.
❈-❈-❈
انهت اخيرًا عملها وبعد صعوبة في التركيز نتيجة التشتت والشرود الذي كان يفصلها كل دقيقة ، من بعد مكالمتها مع هذا الطبيب الغريب، سوف تأخذ قسطًا من النوم وترتاح من تعب اليوم الثقيل، وحين يأتي الصباح تبدأ يوما من أيامها العادية، لتنشغل بعملها وتنسى كل شيء
خلعت نظارة القراء تضعها على الكمود، ثم تناولت الهاتف تلقي به نظرة عابرة كعادتها، ولكن لفت نظرها هذا الإشعار الذي ظهر اعلى الشاشة، طلب صداقة من…… ( الطبيب المشاكس)
قرأت الاسم ليكتنفها الفضول تضغط وتدخل في حساب الطالب لصداقتها، كادت تفلت منها شهقة حينما اصطدmت عينيها بصورته، يضحك بأريحية من الإذن إلى الإذن
به جميع المعلومـ.ـا.ت عنه والمناصب التي يتولاها حالية، دون ان تدري اصبحت تقرأ وتتصفح المنشورات، كلها تقريبا عن إنجازاته والمناسبات الهامة التي يحضرها، انـ.ـد.مجت فلم تشعر بالوقت إلا حينما رأت الساعة لتتدارك وتخرج سريعا من الصفحة مغمغمة بغـ.ـيظ :
– الله يخرب عقلك يا شيخ، انت طلعتلي منين بس .
أغلقت الهاتف نهائيا تلقيه بعيدا عنها، ثم اطفت الإضاءة لتغرق الغرفة في الظلام، على أمل النوم دون مجهود، ولكن ما حدث كان غير ذلك، فقد اصبحت تتقلب من اليمين إلى اليسار، دون فائدة، وقد كانت الصور تتلاحق بذهنها وتصرفات هذا الغريب معها وكلمـ.ـا.ته الغريبة، حتى فاض بها لتتضرع إلى الخالق.
– يارب عايزة انام تعبت
وما ان همت ان تغمض عينيها مرة اخرى حتى فتحتهم على وسعهما بهلع من الفكرة التي أتت برأسها:
– مصـ يـ بـةلاحلم بيه كمان…. عشان تكمل الليلة الهباب دي.
❈-❈-❈
تحدث واسهب يخرج ما يكتمه بقلبه، وقد كان في حاجة قوية للحديث والاستماع اليه، وذلك ما قام به كارم جيدًا، فلم يقاطعه على الإطـ.ـلا.ق، حتى انتهى والتف اليه طالبًا رأيه
– انا عارف انه حقها يا كارم، بس اعملها ازاي؟ الفرق شاسع ما بينا…. دا غير ان القصة القديمة هتنعاد من تاني، وانا ما صدقت انها اندفنت مع الزمن، دي اول مرة اتكلم فيها مع حد انا بجد دmاغي هتشت
تنهد كارم بلحظة من الصمت المهيب حتى جاء رده أخيرًا:
– انا اكتر واحد حاسس بيك، وصدقني حقيقي مقدر النار والحيرة اللي انت فيها، بس مكدبش عليك، انا لا يمكن اشور عليك برأي فيها دي، لازم القرار يبقى منك انت، على حسب حبك يستاهل التضيحة وتحمل التبعات، ولا مجرد تعلق او إعجاب ممكن يروح مع الوقت
– معقول يا كارم كل اللي انا حاسس بيه ده ممكن يجي عليا يوم وانساه صح
قالها بحيرة قابلها الاخر بحزمه:
– ما انا بقولك اهو، انت الوحيد اللي تعرف الفرق وعلى اساسه تاخد القرار السليم
❈-❈-❈
كانت تسرع بخطواتها، تتلفت في جميع الانحاء حولها، بقلق يزداد مع الوقت كلما استكشفت خلو المنطقة إلا من اعداد قليلة من البشر تراها بعيد عنها، تعمل في ورش صناعية او مخازن يتم تحميل البضائع بها، كما يوجد ايضا بنايات لمنازل بالكاد تظهر امام عينيها تحتاج وقتًا طويلا حتى تصل اليها.
وهي تبحث عن الطريق او الرصيف الذي تسير به السيارات ربما تجد احدهم يُقلها، ليتها استعانت بسيارة هذا الاحمق الذي تركته بمخزنه، ولكنه كان صادق حين حذرها، ليتها استمعت وانتظرت حتى ضوء النهار، كان الوضع سيصير اكثر اطمئنانًا، فهو برغم كل غباء لم يأذيها سوى بتقيدها وحبسها نهارين وليلة كاملة.
انتفضت تتوقف محلها فجأة، وقد وجدت امامها ثلاثة شباب يبدو على هيئتهم الإجرام، قطعو عليها يتصدرون امامها حتى لم يعد هناك ثغرة تمر بها، فكلما وجدت فراغ لتمر به، وجدت احدهم يسده بجــــســ ـده
ابتلعت ريقها بخــــوف لتجأر بشجاعة كاذبة:
– انت ولا هو، ابعد يا شاطر من طريقي خليني اعدي
سمعوا منها وكأنها قالت نكتة شعبية لتصدح ضحكاتهم تجلجل في الأجواء حولها، يزيدونها فزعًا واقدامهم تخطو حولها، يتحدثون بالتبادل.
– طب دا برضو كلام يا حلوة؟
– تمشي وتسبينا لوحدنا
– دا احنا مصدقنا نلاقيكي
– أصلك مت عـ.ـر.فيش، دا الحظ الليلة عالي اوي
– ابعدو عني يا زفت انت وهو، حد قالكم ان انا ماشية لوحدي، وربنا لو ما بعدتو لانده لجوزي يكـ.ـسركم كلكم ، انا جوزي عقيد جـ.ـا.مد اوي في الشرطة
كانت تظن ارهابهم بكلمـ.ـا.ته، ولكن ما حدث لم يزيدهم إلا تصميمًا، يعلق احدهم باستحفاف:
– وجوزك العكيد الختير، سايبك لوحدك في منطقة مهجورة ليه بقى؟ بتلعبي معاه استغماية وهيظهر لنا بحلاوته دلوقتي.
شعرت بالرعـ.ـب، لترتد بأقدامها للخلف مع ازدياد تقدmهم نحوها، ترى بأعينهم اصرار واضح، كلما خطر ببالها لمس احدهم لها، تنقلب معدتها داخلها، لتحاول باستمـ.ـا.تة التهديد برفع سبابتها بوجههم:
– لآخر مرة يا حـ.ـيو.ان انت وهو، ابعدوت من طريقي، جوزي هيجي ياخدكم ويحبسكم، ابعدوا عني وربنا ما….. اااه….
قطعت الاخيرة بصرخة مرتعبة، حينما شعرت بقبضتين قويتين حطت على عضديها تسحبانها للخلف بعنف، حتى اعتقدت ان هذا الرابع معهم، لكن سرعان ما هدأت انفاسها حينما وجدته امامها، يتصدر لهم، حاملًا عصًا غليظة هوت على ذراع احدهم فصرخ عاليًا من الو.جـ.ـع ليهدد الاخران كي يتراجعان للخلف ناهرًا بهم:
– مش قالتلك جوزي هيمـ.ـو.تكم مبتسمعوش الكلام ليه ياض؟
اصبح يلوح بالعصا يمينًا ويسارًا نحوهم، وتلتف رأسه سريعًا للخلف اليها، يدفع الهاتف في يدها:
– العربية وراكي بكام خطوة تخلصيها، بسرعة روحي استنيني فيها .
– واسيبك لوحدك، ممكن يمـ.ـو.توك
– يخرب بيت فالك يا شيخ
تمتم بها عاليًا ليدخل معهم في معركة شرسة، هو لا يحمل الا العصا وهم بالاسلحة البيضاء وقد اتى احدهم بجنزير دراجة لتصير دعما قويًا امام العصا الغليظة.
فتراجعت هي برعـ.ـب، لا تطاوعها قدmيها على تركه، في نزال حامي مع ثلاثة من معتادي الإجرام كما يبدو من طريقتهم المحترفة في الاشتباك معه، ولكنه كان ندا قويا في مواجهتهم، غير ان الكثرة تغلب الشجاعة كما ذكر المثل القديم، كانت هي تحاول في هذه الاثناء الاتصال بالشرطة.
فرغم الاصابات الفادحة التي سببها لهما لهم، إلا أن الاصابات قد لحقت به ايضا في عدد من أعضاء جــــســ ـده ، كانت في هذه الاثناء تحاول الاتصال بالشرطة، وتخبرهم عن مواصفات المكان وما يحدث من معركة حتى صدرت منها صرخة قوية حينما انتبهت لذلك السلاح الابيض يستقر في احشائه، فيخر على ركبتيه امامها:
– ساااامر، ضـ.ـر.بوه بالمطوة، ضـ.ـر.بوه بالمطوة .
صارت تردد بها وهي تهرول نحوه، لتفزع برؤيتها للشق الكبير الذي اخترق القميص في أعلى البطن والدmاء تسيل بلا توقف، مما جعلها تصرخ بهستيريا، حتى اثارت فزع الاشقياء ليركض ثلاثتهم، هاربين من جريمتهم، فلم تدري بنفسها وهي تضمه بـ.ـارتياع ليتماسك وهو ينازع امامها:
– امسك نفسك يا سامر، اوعى تسيبني لوحدي، ارجوك يا سامر، البوليس على وصول والله، ارجوك ارجوك ، .
نقطة فاصلة
وخز الضمير الذي يذكرك بخطأك، يذكرك انك إنسان مازلت تشعر وداخلك بوصله توجهك إلى الطريق الصحيح، ربما تنتبه وتحاول تقويم نفسك.
هذا ما كان يحركه اثناء نزوله الدرج الخارجي للمدخل، وعيناه منصبة عليها وهي تعطيه ظهرها وتسقي زهورها التي ازداد بهائها منذ توليها مهمة الاهتمام بها.
طلت منها نظرة عابرة نحوه والتقت بندقيتيه بخاصتيها العاتبة بغـــضــــب خفي بعد حديثه القاسي بالأمس، لتزيد من صعوبة الأمر عليه، وقد عادت
بعد ذلك لما تشغل به نفسها .
ليخطو بتردد حتى اقترب منها يلقي عليها تحية الصباح:
– صباح الخير
– صباح الخير
ردت التحية بصوت فاتر دون ان تلتف اليه، حتى سمعت حمحمة وصوت ضعيف يوضح مدى صعوبة الأمر عليه وهو يغلب كبريائه.
– انا اسف على كلام امبـ.ـارح، كنت مخـ.ـنـ.ـوق ومش شايف قدامي.
قالها وتحرك سريعًا قبل ان تلتقي ابصارها به، ليثير بثغرها ابتسامة عابثة، كانت تود إيقافه ولكن منعها صوت الهاتف ودوي اتصال مفاجيء
اما عنه فقد واصل طريقة، يتجنب النظر للخلف حتى لا ينظر اليها مرة اخرى ويظهر المزيد من الضعف اتجاهها، دائما ما تغلبه برقتها منذ آن كان طفلا صغيرا، كان كل اقرانه لديهم والدات حازمـ.ـا.ت إلا هو كان لديه امرأة جميلة يخشى دائما الوقوع في الخطأ حتى لا يرى على محياها الجميل عتاب ولا حـ.ـز.ن .
ولكن الحياة لا تترك شيئًا جميلا على حاله
تنهد بأسى ينفض عن رأسه التفكير بشيء قد يجره نحو الذكريات السيئة، ليركز اهتمامه على المغادرة، وقد اقترب من السيارة التي سوف تقله إلى عمله، ليدلف اليها يشعل المحرك، لكن، وقبل ان يهم بقيادتها جاء اتصال منها على هاتفه، ليضطر الإجابة عليها بـ.ـارتياب:
– الوو…. عايزة حاجة يا ماما قبل ما امشي؟
جاءه صوتها بنبرة جزعة:
– الحقني يا رياض، لورا باينها عملت حادثة، مامتها اتصلت بيا دلوقتى وبلغتني
❈-❈-❈
صففت لها شعرها وضفرته لها، لتتأمل نفسها امام المراَة الآن تردد بتخايل ومرح:
– الله يا بيبو، حلوين الضفرتين النهاردة، اكيد هيعجبو نوجا صح؟
ضحكت تجيبها بغبطة هي الآخرى:
– اكيد يا عيوشة يا قمر انتي، هي عمرها اساسا ما شافتك بالضفرتين، متأكدة انها هتتجنن بيكي.
– وانا فرحانة اوي اني هشوفها، اصلي بحبها اوي أوييي، انا هخليها تقعد معايا اليوم كله معايا في الكافيه، همسكها وظيفة المدير عشان تيجي كل يوم .
قالتها في تعبير صادق عن محبتها القوية لها، لتحتضنها شقيقتها بتأثر ضاحكة، حتى اذا توقفت اخذها الشرود في القادm، عن مصير هذه العلاقة الجميلة ببن الاثنتان اذا ما حدث وانفصلت هي عن رياص ان اختار الفراق.
❈-❈-❈
هرعت العائلة بأكملها إلى المشفى بعد ورود المكالمة الهامة من احد الأشخاص يخبرهم عن إصابة المدعو سامر خميس الرواي وضرورة خضوعه لعمليه جراحية لإنقاذه.
ليتوقف الجميع الاَن خارج حجرة العمليات في انتظار خروجه والاطمئنان عليه، وحالة من الوجوم اكتست بها الوجوه، خميس وولديه الاثنان، زوج رحمة وسمير،
حتى خطيب ابـ.ـنته ووالده ايضًا كانا حاضرين بحكم علاقة النسب الجديدة والصداقة بين الرجلين الكبيران
اما سامية فقد كانت جالسة على مقاعد الانتظار تتجنب النظر نحو المدعو خطيبها والذي كان يبدو عليه الجدية، ويتصرف بمسؤولية على قدر الحدث، ولكن كانت تخونه عيناه احيانا في النظر اليها، فتقابله بتعالي كعادتها او تحاول الهروب من محاصرته لها بالتهوين عن والدتها، والتي كانت تندب وتولول بصورة اثارت استياء تلك الواقفه في ركن وحدها، تدعي الثبات والقوة، رغم حالة الفزع
التي مازالت تجتاح خلاياها ، وهذه المشاعر الغريبة التي لأول مرة تشعر بها مع رجل مثله، ابعد ما يكون عن فكرها وشخصيتها
لقد نجت اليوم بفضله ، بفضل دفاعه عنها، هذه اول مرة تجد من يدافع عنها، بل ويُقـ.ـا.تل من أجل نجاتها حتى يوشك على المـ.ـو.ت.
جــــســ ـدها يرتجف بشـ.ـدة خــــوفًا عليه، من وقت ان ضمته اليها، وتلوثت ملابسها بدmائه، تصرخ من أجل انقاذه، وتناديه أن يتماسك، كيف اتتها الجرأة لذلك؟ لتتخلى عن عنجهيتها في رجاء الأطباء لآسعافه، ثم الانتظار الان حتى تطمئن عليه بنفسها، رغم استهجانها المتعاظم للأسلوب السوقي لوالدته في التعبير عن حـ.ـز.نها وقلقها، الا تستطيع اغلاق فمها وتكف عن ازعاج المرضى والعاملين بصوتها العالي، انها حتى لا تراعي صورتها كامرأة كبيرة ولا يصح لها تلك الأفعال
– لورا.
تلقفت صوت والدتها والنداء بإسمها بلهفة شـ.ـديدة حتى
كادت ان تبكي وهي تقطع نصف المساحة لترتمي بحـ.ـضـ.ـنها:
– اخيرا جيتي يا ماما؟ انا كنت محتاجاكي اوي
– يا حبيبتي يا بـ.ـنتي، ايه اللي حصل معاكي بس؟ انا مش فاهمة حاجة
صاحت بها المرأة في تساؤل وحيرة عاصفة نحو ابـ.ـنتها تريد منها تفسير واضح
اما في الجهة الأخرى، فلم يقوى خميس هو الاخر، على التجاهل اكثر من ذلك:
– ولد يا سمير، انا لحد دلوقتي مش فاهم، البت دي ايه علاقتها باخوك عشان تنقذه؟ ثم كمان هي كانت بتعمل معاه ايه في المنطقة الصناعية؟
سمع منه الاخير، يزفر بضيق شـ.ـديد، ليرد عليه بصعوبة فا أقصى ما يهمه الاَن هو الإطمئنان على شقيقه، اما التفاصيل تأتي بعد ذلك:
– كله هيبان يا ابوبا، يفوق سامر بس واحنا نعرف منه كل حاجة ادعيلوا انت ادعيلوا.
قصد سمير بالاخيرة نحوه حتى يتفرغ للدعاء لولده ويكف عن توجيه الأسئلة اليه مرة اخرى ، الا يكفيه المحـ.ـز.نة التي تفعلها والدته، تلفت ابصار الجميع نحوها لغرابة ما تفعله
❈-❈-❈
استيقظ هذه المرة باكرًا وبمزاج رائق، تناول كوب الشاي الساخن ليضع السيجارة داخل فمه، ويجلس خلف الشرفة التي تتوسط المنزل الصفيحي الذي يسكن به الآن، يتنعم بنسمـ.ـا.ت الصباح الرقيقة، والهدوء الذي يعم المنطقة في هذه الا.وقات، يستمع ويتابع على هاتفه ما تم تسجيله من مكالمـ.ـا.ت وصورة التقطتها الكاميرات داخل الهاتف الاخر الذي تم اختراقه اخيرا، وقد حفظ منهم الكثير بالامس، رغم غـ.ـيظه الشـ.ـديد لرؤية العديد من الصور التي تجمعها مع زوجها العدو الاول له الآن، ولكن لا بأس، فلابد من ان يصبر نفسه، حتى يصل إلى غايته.
دخل سجل المكالمـ.ـا.ت لينتبه بوجود مكالمتين جديدتين، واحدة مع زوجها مدتها تقارب الساعة، والأخرى مع شهد ومدتها نصف ساعة، هم ان يبدأ بالأولى ولكن الحنين غلبه لسماع صوت الأخرى، حبه الاول، والسبب الاساسي في كل ما يمر به الآن، يتمنى أن يشمل الحديث بعض الأسرار عنها هي ايضًا، ولسوف يستمتع كثيرا بابتزاز كل منهما، بنات ناصر الدكش
❈-❈-❈
داخل غرفة الإفاقة، وبعد أن استعاد وعيه، كان وجهها اول شيء وقعت ابصاره عليه، لتتشبث عينيه بها، وكأنه لا يصدق وقوفها امامه بهذا السكون، بعد صراخها وافعالها المـ.ـجـ.ـنو.نة من أجل اسعافه، والان تخاطبه بصوت هاديء لأول مرة يسمعه منها، وتواصل غير مفهوم بين عينيها وخاصتيه:
– حمد على سلامتك، الدكتور طمنا عليك.
لم يجد ما يسعفه للرد عليها او حتى بالإيماء بأجفانه، وكأنه يرى امامه امرأة اخرى لا يعرفها، ليست تلك النفس الخبيثة التي تمنى حرقها في بعض الأوقات، لا يدري ان كان هذا تصنعًا لتخفي من وراءه مصـ يـ بـةتفاجأه بها، او ربما تأثرا بما حدث له، هذا ان كان قلبها يعمل مثل البشر.
– ايه ده؟ انت فتحت عينك؟ سامر فتح عينه ياما، سامر فتح عينه يابا؟
كان هذا صوت شقيقته، والتي صارت تهلل بها لتجذب انتباه الجميع، بعدmا استدركت هي الاخرى لإفاقته، ليجد الأسرة كاملة في اقل من ثانية حاوطته، وهي تنسحب من بينهم ، ومن امام عينيه، بعدmا تشوشت الرؤية بهجوم والدته عليه في تقبيله
– يا حبيبي يا بني، ربنا قومك بالسلامة عشان خاطر امك الغلبانة، دا انا كنت همـ.ـو.ت لو حصلك حاجة يا حبيبي.
تركته بين عائلته، لتخرج من الغرفة وحالة من الشرود تكتنفها، ماذا يحدث معها؟ كيف تحولت مشاعر الغـــضــــب نحو هذا الرجل إلى اخرى مناقضة تمامًا، تحمل اللهفة والفرح؛ فور ان رفرفت اجفانه امامها، تمهيدًا لعودته إلى الوعي؟ لم يسبق لها ابدًا ان تعاطفت مع احد مهما كانت صفته لها، إذن ما هذا الذي تشعر به؟
كانت غارقة في افكارها وتساؤلاتها حتى اصطدmت عينيها بأخر شخص تود رؤيته الآن.
– رياض باشا؟
لم تنتبه لوالدتها ولا لنجوان التي اقتربت تضمها من أجل الإطمئنان عليها:
– حبيبتي عاملة ايه؟ في حاجة حاجة حصلت ولا حد قربلك؟
نفت بهزة من رأسها وصوتها خرج بتأثر لطيبة المرأة التي لطالما تمنت الخلاص منها، وقد كانت تظنها عقبة تعيقها عن الوصول إلى الاخر، ذلك الذي يطالعها الآن بنظرات غير مريحة على الإطـ.ـلا.ق:
– حمد لله يا طنت، انا محصليش اي حاجة، سامر هو اللي خد كل الضـ.ـر.ب والطـــعـــنة بالسكين عشان كان بيدافع عني؟
– عرفتيه منين؟
– ها
اقترب بهدوءه المريب يصافحها بكف يده، يردف بلهجة جعلها عادية:
– اولا الف سلامة عليكي يا لورا، انا بس بسألك عن الولد اللي انقذك، مش دا برضو اللي جه واتخانق عندنا من مدة كدة مع تميم العامل في قسم الملابس في المصنع؟
اومأت رأسها باضطراب يعصف بها
– اه هو، انا شوفته صدفة لما عطلت عربيتي، ولما اتعرف عليا اصر بشهامته يوصلني، واحنا في طريقنا اتعرض لنا اللبلطجية واللي حصل حصل.
انهت سريعًا تتلقي كلمـ.ـا.ت الدعم من المرأتين، لتتجاوب في الحديث معهما، وتتهرب بنظرها عنه، حتى تتجنب الأسئلة المتوقعة منه، وترتب افكارها بناءًا على ما اختلقته من قصة وهمية الآن، لا تعرف كيف فعلتها؟!
اما هو فقد كان ينتظرها متوعدًا، يعلم أنه مهما راوغت سيأتي وقت حسابها، وها جاءت البداية، بحضور احد الضباط للتحقيق معها .
❈-❈-❈
هناك اوقات لا يصح فيها الا الواجب، والذي يجبرك احيانًا في تحمل مالا تطيق في التعامل مع أشخاص تتمنى حتى الا تقابلهم في طريق رغم قربهم، ولكن اصلك الطيب يمنعك .
– ابن عمتك جاي يطمن عليك، تعالى يا شادي
كان هذا صوت الشقيق الأكبر زوج رحمة، والتي تكفلت بإخبـ.ـار شقيقها، ليأتي الان إلى المشفى كي يطمئن على ابن خاله المصاب، فيلقي التحية على الجميع اولا.
-‘السلام عليكم
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جاء الرد من معظمهم في الغرفة الممتلئة بعددهم، أفراد عائلة المريـ.ـض وعريس ابـ.ـنتهم وابيه
والتي انتصبت في جلستها باهتمام شـ.ـديد تتابعه يصافح ابيها ويتحدث مع شقيقها المريـ.ـض وباقي من بالغرفة ، ولكن بتجاهل تام لها ولولداتها، وكأنه لا يراهما من الاساس.
– دا طلال خطيب بـ.ـنتي يا شادي، ودا عماد يبقى ابوه صاحبي وعشرة عمري.
تمتم خميس بتفاخر قابله شادي بابتسامة واسعة، يهنيء الرجلين الكبيرين قبل ان يصافح العريس ييارك له ايضًا في حديث ودي قام به سريعًا معهم، ثم غادر تتبعه عيناها، حتى ودت ان تلحق به، بصورة فضحتها امام هذا المتربص ليحدجها بجمرتيه المشتعلتين، يلتزم ضبط النفس بصعوبة.
❈-❈-❈
اجرا بعض المكالمـ.ـا.ت الهامة في النقاش مع شريكه في العمل وبعض الأمور المطلوب البت فيها على وجه السرعة، ليجلس محله الاَن على احدى مقاعد الانتظار وحده، بعدmا تركته والدته لتذهب مع لورا ووالدتها في عمل بعض الفحصوات للإطمئنان عليها .
يلقي بنظره على ساعة يده كل لحظة، يحصي الدقائق حتى ينتهي من هذا الواجب الثقيل، يزعجه هذا الهاتف الذي تركته والدته في حقيبتها وهو لا يكف عن الدوي، حتى اضطره الفضول لإخراج الهاتف والإطلاع على هوية المتصل
فاتفاجأ بإسمها المحبب يزين الشاشة لترتسم على ثغره ابتسامة مزجت ما بين الغـ.ـيظ واللهفة لسماع صوتها الذي صدح كنغمة موسيقية بأذنه المشتاقه اليها مثل كل خلية من جــــســ ـده.
– صباح الفل يا قلبي، انتي اتأخرتي ليه؟ ميعادك عدى عليه ساعة.
– ميعاد ايه اللي عدى عليه ساعة؟
انتفضت محلها فور ان اخترق اسماعها النبرة الرخيمة، حتى اللجمتها الصدmة فلم يقوى لسانها على النطق حتى اجفلها بحدته:
– مبتروديش ليه يا بهجة؟ سامعة واحد غريب إلى بيكلمك دلوقتي في التليفون؟
صدرت منها حمحمة سريعة كي تجلي حلقها، وتحاول الثبات في الرد، او ضبط خفقات قلبها القوية، التي اصبحت تضـ.ـر.ب في صدرها كطبول افريقية، فتخرج منها الكلمـ.ـا.ت بعدm تركيز:
– لا طبعا مين قال كدة؟انا بس….. يعني استغربت انك ترد على تليفون نجوان هانم، اصل انا اتصلت عشان هي وعدتني تيجي النهاردة عندنا المحل وو اتأخرت عن ميعادها…. هي فينها؟
كادت ان تفلت منه ابتسامة مشاغبة عقب سؤالها الاخير لعلمه بحجم تأثيره عليها مهما أنكرت وادعت القوة في الاستغناء، وهذا ما يزيده تعلقًا هو الاخر ، ليجيب استفهامها بجدية:
– أحنا مش في البيت اصلا يا بهجة، شكلك مت عـ.ـر.فيش اخر الاخبـ.ـار، ابن عمك ولورا طلع عليهم بلطجية امبـ.ـارح يتهجموا عليهم، وأصابوه بطـــعـــنة كبيرة في بطنه.
– يا نهار اسود، ابن عمي انا شقوا بطنه بالمطوة، مين اللي عملها؟ وفين؟ و….. استنى صحيح…. انت تقصد ابن عمي مين فيهم؟……. وايه اللي جاب سيرة لورا اصلا؟ وانت ونجوان…….. ايه دخلكم؟!
صاحت بها بهلع في رد فعل طبيعي، لكن سرعان ما استدركت غرابة الحديث، لتردف بالاسئلة؟ فنتجت بثغره ابتسامة هذه المرة لكن بدون مرح يجيبها:
– دخلنا ان لورا كانت معاه في الوقت ده، وهي اللي بلغت البوليس والاسعاف عشان ينقذوه، احنا بقى في المستشفى عشانها وعشان نطمن كمان على نجاة ابن عمك سامر….. ايوة سامر، حسب ما عرفت .
صرخت ضاربة بيدها على صدرها بفزع وحماقة لم تحسب حسابها:
– سامر يا لهوي، دا كان معايا امبـ.ـارح وزي الفل، هو الموضوع دا حصل ازاي؟ قولي على اسم المستشفي يا رياض، انا حالا لازم اجي واشوفه…..
قاطع حديثها المتسارع بحدته، يوقف استرسالها:
– استني عندك قبل المستشفى وقبل الزفت…. انتي كنتي معاه فين بالظبط؟ وامتى يا ست بهجة؟
– هااا
تمتمت بها، لتعض بأسنانها على جانب شفتها السفلى، وقد أدركت حجم هفوتها امامه، فتحاول التوضيح:
– ما هو يبقى ابن عمي،، يعني شيء عادي لو شوفته في اي حتة واتكلمت معاه، ثم احنا في ايه ولا في ايه بس يا رياص؟
وكأنها تبتغي بكلمـ.ـا.تها الاخيرة ان تفحمه، فجاء رده بغموض:
– اه صحيح عندك حق، مش وقته فعلا، ولا وقته خناق ولا معاتبة، تمام اوي يا بهجة، البسي هدومك بسرعة وأنا هبعتلك عم علي يجي ياخدك بالعربية….. عشان تيجي تشوفي ابن عمك….. وتتطمني عليه!
❈-❈-❈
يدخن بشراهة، مطرقًا بإصبعيه على الطاولة الخشبية القديمة، بتفكير متعمق، بعد انتهاء المكالمة وسماعه لحديث الشقيقتين، وقد تحفزت كل خلاياه للتخطيط، بعد معرفته بوجودها بمنزل اسرتها، أصبح الشغف اكثر متعة.
لابد ان يجد طريقة للذهاب اليها، لن يخبر أحد هذه المرة حتى لا يعلم الضابط زوجها بحضوره، لن يهدأ حتى ينال ما يبتغيه، طالما في كل الأحوال يطارده، وأصبح محل اشتباه، اذن ما المانع في تحقيق ما تهفو اليه نفسه، ولكن كيف يجد الطريقة؟ فقد قرر ان يصل اليها، وقريبا
❈-❈-❈
بالتهليل والدعوات الخالصة من القلب، خرجت صفية من قاعة المحكمة تجتاحها نشوة الانتظار، بعد ان تمكنت بمهارتها بالفوز ببرائة كاملة للفتاة المظلومة التي كانت تترافع عنها.
– ربنا يبـ.ـارك فيكي يا ست المحامية، يحميكي ويرضيكي ويرزقك بابن الحلال اللي يقر عينك ويريح قلبك .
– خلاص يا ست ام ريري، ربنا يخليكي دا انا شبعت من دعواتك النهاردة، هو انا يعني عملت ايه اكتر من واجبي؟
– متقوليش كدة يا ست المحامية، اللي عملتيه مع بـ.ـنتي جميل لا يمكن انساهولك ابدا، وربنا من فرحتي ما عارفة اكفيكي اللي تستحقيه، روحي يا شيخة، تخرجي من هنا تلاقي ابن الحلال في وشك دوغري.
– دوغري في وشي والله انت دmك عسل.
رددت بها صفية ضاحكة نحو المرأة تتبادل معها الحديث حتى تركتها وخرحت من مبنى المحكمة، تبحث عن سيارتها وسط العدد الهائل من السيارات المصطفة في الجهة المخصصة لذلك داخل المحيط الضخم، ولكن وأثناء بحثها ابصرت بعيناها طيف شخص ما يشبه ذلك الطبيب الذي ازعج يومها بالأمس، لتنفض عن رأسها الفكرة محدثة نفسها:
– ايه اللي هيجيبه هنا بس؟ دا انتي شكلك يا صفية بدأتي تخرفي، يعني مش كفاية حلمتي بيه كمان؟
زفرت توبخ نفسها من الداخل متجهة مباشرة نحو سيارتها بعدmا حددت مكانها بالمظبوط، تنهدت ببعض الارتياح تقنع رأسها ان ما رأته لم يكن إلا وهما نتيجة التفكير طوال الأمس، ولكن وفور ان قامت بفتح باب السيارة تفاجأت بالصوت يخترق اسماعها:
– آنسة أستاذة صفية.
اغمضت عينيها بشـ.ـدة تدعو ان يكون الصوت ايضًا مجرد وهم، ليأتي الإثبات بعكس ذلك.
– بنده عليكي يا متر، انا الدكتور هشام لتكوني نسيتيني، ولا افتكرتيني حد بيعاكس؟
ألتفت اليه بغـ.ـيظ شـ.ـديد مرددة:
– هنساك ازاي يعني وانا شايفك امبـ.ـارح؟ فاقدة الذاكرة مثلا؟ ولا انت ادتني فرصة ان انساك اصلا؟
تبسم بملئ فمه، يرمقها بمكر زاد من حنقها، حتى خرجت عن شعورها:
– هو انت ايه جابك هنا ليه؟ المحكمة فيها مستشفي هي كمان؟ ولا جاي تتفسح؟.
صدحت ضحكته بصوت عالي لفنت ابصار المارة نحوها، حتى خجلت توبحه:
– ايه يا عم انت الضحكة دي؟ خليت الكل يبص علينا، هو انا قولت نكتة؟
توقف يتماسك بصعوبة ويملي عيناه من خجلها الذيذ والذي ظهرت اثاره على بشرتها الخمرية الصافية وقد زحفت السخونة لوجنتيها تلونهم بالاحمرار، لتزيدها روعة، فتحدت بجدية يصطنعها بصعوبة:
– لا طبعا يا أستاذة صفية العفو، انا جيت هنا لحاجة تخصني بقالي فترة طويلة اوي مأجل مشوارها، ما صدقت الاقي نفسي فاضي ساعتين وقولت اجي اخلصها، وشوف سبحان الله….. اتقابل بيكي….. صدفة سعيدة اوي يا استاذ يا آنسة صفية .
– انا اسعد
تمتمت بها بما يشبه العكس، لتدفع بحقيبتها واشيائها داخل السيارة لتسأله بفراسة:
– على العموم كويس، انك اتحركت وبتروج وتيجي اهو، بعد الارتجاج اللي حصل امبـ.ـارح من حتة بوكس في الوش، يعني اتحسنت.
أجاب بمسكنة:
– الحمد لله العلاج جاب نتيجة بعض الشيء وقدرت اتحرك واعمل حاجتي زي ما بتقولي، ما انا وحيد لو معملتش حاجتي هلاقي مين يعملي؟ انا متشكر انك فاكرة تسأليني عن صحتي.
زمت شفتيها بحنق متصاعد لا تعلم سببه لتنهي هذه المقابلة سريعًا:
– مفيش داعي للشكر، الف سلامة عليك، طب انا مستعجلة بقى، عن اذنك عايزة اروح.
– اذنك معاكي يا أستاذة يا آنسة صفية، هو انا مانعك يعني؟
لقد استفزها بالفعل، وهذا الوصف المركب في النداء عليها، لتنفجر به:
– مية مرة اقولك متندهنيش بأي زفت ولا بأي هباب، لا آنسة ولا أستاذة ولا مدام مبحبش اي واحدة فيهم….. قولي يا متر وبس كدة ماشي….
توقفت تشعر بخطأ انفاعلها المبالغ به، رغم انه يستحق، ولكنها لا تنكر خطأها، تتوقع انصرافه وغـــضــــبه، وقد تجمدت ملامحه امامها، ولكنه فاجأها بهذه النظرة المتمعنة بها وكأنه يقرأ افكارها وكشف دواخلها، ليباغتها بابتسامة رائعة مرددًا :
– عيوني يا متر صفية، حلو كدة؟
– حلو اوي، حلو خالص، عن اذنك بقى.
هتفت بها، وكأنها على وشك البكاء، لتسقط داخل سيارتها، تشعل المحرك في نية للذهاب، وكما حدث بالأمس، ظل واقفًا محله يتابع انصراف سيارتها بابتسامة لم تترك محياه، تزيدها غـــضــــبًا من نفسها ومنه ، تنفعل على أقل فعل منه، فيقابلها هو بتساهل يثير الاندهاش، هل لأنه هاديء لدرجة البرود؟ ام لأنه يكشفها……
توقفت عند خاطرها الاخير بهلع تحدث نفسها:
– طبعا…. ما هو دكتور نفسي، وأكيد فاهمك يا منيـ.ـلـ.ـة،…. كان طلعلي منين دا بس ياربي؟
❈-❈-❈
كان في انتظارها، منذ انتهاء مكالمته معها وهو في انتظارها، يتابع مع العم علي بالإضافة إلى مكالمـ.ـا.ت العمل التي لا تنتهي، فهو ايضًا لا يستطيع ترك والدته ولا التخلي عن لورا رغم كل عيوبها واخطاءها الفادحة والمؤذية نحوه ونحو بهجة.
بعد قليل كانت تتوقف السيارة التي تقلها بالقرب من المشفى، فترجلت منها تدلف قادmة اليه والى رؤية ابن عمها بعد اصابته الخطيرة ، خطت داخل المشفى والهاتف على اذنها تجري مكالمة مع شقيقها:
– يعني خلصت كل إجراءات الكلية يا إيهاب؟……. مبروك يا قلبي، عقبال يارب ما تخلص دراستك وتبقى دكتور قد الدنيا يارب…… ما هو انا مشيت وسيبت اخواتك البنات هما اللي فاتحين الكافيه…… لا مدام نجوان مقدرتش تيجي عشان عندها ظرف كدة، هبقى احكيلك بعدين………. ايه؟ وانت كمان خارج مع صحابك القدام؟ واجب ايه؟…..
قطعت معه بعدm تركيز لتتوقف عند مكتب الاستقبال ، تنهي المكالمة سريعًا حتى تسأل احد الموظفات عن الغرفة التي يمكث بها ابن عمها
في هذا الوقت لم يتمكن رياض من الوصول اليها لانشغال الهاتف، مما اضطره للإجابة على احد العملاء والبحث عن زاوية هادئة حتى يتثنى له الحديث مع الرجل عبر الهاتف بوضوح.
فدلفت هي للمصعد متجهة للأعلى وحدها، ودت ان تتصل به لكن حدث معها مثل ما حدث معه، واعطاها الرقم مشغول، مما اضطرها الإعتماد على نفسها، لتذهب إلى غرفة ابن عمها وحدها.
طرقت تدفع باب الغرفة التي كانت مازلت تعج بالحضور، رغم انصراف معظمهم، مثل خميس وصديقه وخطيب ابـ.ـنته طلال الشهير بشيكاغو، وزوج رحمة كان قد غادر قبلهم مع شادي، ليتبقى في الغرفة الآن والدته وسامية وسمير الذي انتفض بأعين جاحظة فور ان وقعت عينيه عليها.
– بهحة
تمتم الاسم بعدm تصديق، وارتجافة حلت بجميع خلاياه، لقد مر وقت طويل منذ انتقالهم من مسكنهم والبحث عنها، ثم الانغماس في رحلة علاج ابنه الوليد، لتطل عليه الآن، فتجعل الساكن بين ضلوعه يأن من و.جـ.ـع الاشتياق اليها، بعدmا ظن انه قد نساها.
السلام عليكم، انا كنت جاية اطمن على سامر
القت التحية عليهم باضطراب أصابها تاثرا بفعله، لتركز ابصارها نحو ذاك المتسطح على التخت الطبي والذي ارتفعت عينيه اليها، يدعوها للدخول رغم إجهاد الإصابة:
– ادخلي يا بهجة، هتفضلي واقفة مكانك كتير
استقبلت الدعوة لتدلف بحرج فتواجه ناريتي زوجة عمها والتي وقفت هي الاخرى، بحقد يطل من عينيها،
بعدmا رأت التغيير الذي حل عليها لتزداد توهجًا وجمالا
لا تستوعب عودتها اليوم، ولهفة ابناءها الاثنان نحوها، وكأن شيئًا لم يكن، لترمقها من اعلى لأسفل بتفحص لا يقل عن ابـ.ـنتها التي كانت ملتصقة بالجدار خلفها وكأن اصابها الخرس لرؤيتها:
– اهلا يا بهجة، عاش من شافك.
اضطرت لمصافحتها، واغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب ابتسامة باهتة تبادلها:
– الله يخليكي يا مرات عمي حمد الله على سلامة سامر
رد الاخير يريد التخفيف عنها:
– الله يسلمك يا بهجة، هو الخبر انتشر للدرجادي؟
❈-❈-❈
خرجت لورا من غرفة الفحص بعد الإطمئنان عليها بعمل الفحصوات والأشعة، بمرافقة والدتها ونجوان التي لم تتركها حتى في تحقيق الشرطة بخصوص الحادث، لتزيد من ثقل ما تشعر به نحوها،
فلالطالما كانت لئيمة معها ومؤذية في مرضها، هل من المعقول الا تكون عالمة بذلك الآن بعد شفاءها، تشك بذلك تمام الشك،
– أحنا اتأخرنا اوي على رياض، يدوب بقى اتصل بعم علي يجي وياخدنا، الدكتور نبه انك ترتاحي، اللي حصلك مش قليل يا لورا، بس انتي طلعتي شجاعة يا بـ.ـنتي .
عقبت والدة لورا على قول نجوان:
– طلعت شجاعة بس خلعت قلبي، هي طول عمرها قوية، بس بصراحة المرة دي فاجأتني
تبسمت المذكورة على حديث المرأتين بحـ.ـز.ن:
– شجاعة في غير محلها، وحتى القوة اللي بتقولوا عليها، انا لولا لقيت اللي يدافع عني مكنتش هقدر أواجه أبدا، كان لازم حد يضحي بنفسه عشان اشوف الدنيا على حقيقتها وافهم .
لم تغفل نجوان عن اللهجة المختلفة التي تتحدث بها لورا المتعجرفة دائما، بها تغير ما لاحظته منذ ان وقعت عينيها عليها أليوم، تتمنى ان يكون للأحسن لا للأسوء، تضرعت بداخلها لصلاح حالها
والتزمت الصمت بعض الشيء، حتى تفاجأت بأحد الأشخاص يقترب نحوها بهيئة غريبة، مرددًا بلهفة وكأنه يعرفها منذ سنوات :
– مدام نجوان، انتي جيتي هنا ازاي؟ وكنتي مختفية فين.
ارتدت لا اراديًا بإجفال:
– انت مين؟ وبتكلمني كدة ليه؟
تدخلت لورا تطمئنها رغم قلقها هي ايضا، وقد بدا غريبا امامها:
– دا والد سامر يا طنت، هو انت تعرف مدام نجوان يا انكل؟
حاول خميس ظبط لهفته، وقد لاحظ جزع الثلاث النساء منه، فقال ملطفًا:
– يا بـ.ـنتي دي تبقى الهانم اللي شغالة عندها بـ.ـنت اخويا بهجة، وياما جات عندنا الحارة، بس هي بقالها مدة طويلة مشرفتناش بزيارتها، معقول تكوني نستيني؟
طالعته بمزيد من الدهشة، وذوت ما بين حاجبيها قائلة بفظاظة تنبع من عدm ارتياحها له:
– لا طبعا مش فاكراك، وبهجة مش شغالة عندي، لا بقى دي تبقى زي بـ.ـنتي، وابعد كدة من وشنا عشان نعدي ، ابعد .
خرجت الاخيرة بصيحة جعلته يتراجع للخلف يفسح لهما الطريق متفاجأ بشراسة قطة متحفزة للهجوم عليه:
– اهو يا افنـ.ـد.م عدي، انا قولت بس اسلم.
❈-❈-❈
واقفة تأبي الجلوس، في لحظات معدودة من أجل السؤال وعمل الواجب، تشعر بشرار النظرات الموجهة نحوها تخترقها، ولولا حديث سامر المتواصل معها رغم تعبه، لكانت اكتفت بالسلام وفقط.
– ابن عمك كان بيتخانق مع تلاتة بلطجية يا بهجة، بتوع السيما والمشاهد اللي بتيجي في الأفلام.
تبادله معه باضطراب شـ.ـديد:
– معلش يا بن عمي، علقة تفوت ولا حد يمـ.ـو.ت، ربنا يقومك بالسلامة، انا بس مستغربة امتى دا حصل؟ واللي خلاك تروح حتة مهجورة زي دي في الليل؟ دا حتى الورش بتبقى قافلة.
– النصيب يا بهجة، الكلام دا حصل بعد ما قابلتك بساعتين، تقريبا على عشرة.
قال الاخيرة وانتبه الثلاثة، فتشتعل اذهانهم، لتبدأ حرب الكلمـ.ـا.ت، وأولهم كان سمير الذي جاء قوله؛ نابعًا من غيرة اشتعلت بقلبه:
– يا ماشاء الله، دا على كدة سامر اخويا كان قايم بالواجب معاكي يا بـ.ـنت عمي وزيادة، وانا اللي كنت حاسس بالذنب على فراقكم لينا .
رمقته بهجة بغـــضــــب شـ.ـديد وقد فهمت على تلميحه المبطن، لكن وقيل ان تتمكن من الرد، توالى تعقيب سامية ووالدتها بخبث وفحيح:
– لأ ذنب ايه يا حبيبي بقى، هو انت مش شايف التغير اللي ظهر على بـ.ـنت عمك، باين البلية لعبت معاكم يا بهجة، دا الطقم اللي انت لابساه لوحده بمرتب موظف شهرين.
– ايوة والله يا بـ.ـنتي، باين بيتنا كان فقر عليكم يا بهجة.
إلى هنا، ولم تقوي على السكوت، لتتوجه بحدة نحو درية:
– والله عندك حق يا مرات عمي، انتو كمان دورو على نفسكم، ولا اقولك، جيبلكم شيخ يفك النحس، ولا يشوف ليكون في حاجة معمولالكم.
كان رد بهجة طبيعي لاستفزاز الاثنتان، فلم تتذكر قصة الشيخ وما أخبرها به شادي عما حدث لسامية؛ سوى بعد ان رأت تأثير الكلمـ.ـا.ت عليهما، وقد شحب الوجوه بجزع يحاكي الأموات، رغم أنها لم تفضي بالسر ولكن درية علمت من نظرة ابنيها نحوها انكشاف أمرها اماههم، ليغمض سامر على عينيه بضيق يجثم انفاسه مخمنًا الآن السبب الحقيقي لمغادرة بهجة منزلهم،
اما سمير فقد توجه بالسؤال مباشرة نحوها يريد الإجابة بوضوح:
– قصدك ايه يا بهجة؟ هو انتي كان في حد عملكم حاجة في البيت؟
بـ.ـارتياع ظاهر نفت بتحريك رأسها تهم بالخروج على الفور:
– مين قال كدة؟ أحنا سيبنا البيت عشان كان وشه فقر فعلا زي ما قالت مرات عمي، عن اذنكم بقى، حمد الله على سلامتك يا سامر .
قالتها وتحركت اقدامها سريعًا نحو باب الغرفة، يتبعها سمير دون تردد، بعدmا توجه بنظرة نارية نحو والدته التي تبادلت مع ابـ.ـنتها بقلق شـ.ـديد، ازداد اضعاف حينما رأت الأتهام ايضًا في عيني ابنها سامر بوضوح تام.
❈-❈-❈
اما عن سمير والذي خرج يسرع بخطواته ليلحق بها، ثم يوقفها قابضًا على عضدها:
– استني هنا يا بهجة انا عايزة اعرف بالظبط، انتي من امتى ت عـ.ـر.في بحكاية الأعمال والسحر؟
حاولت نزع ذراعها عنه نافية:
– اعمال ايه وكلام فارغ ايه؟ ابعد ايدك عني يا سمير ، خليني امشي .
ازداد ضغطه بعنف حتى أنه امسك بذراعها الثاني، غير ابهًا بألــمها الذي لا يقارن بما يجتاحه الآن:
– لا يا بهجة مش هسيبك، عشان انا دلوقتي بس اتأكدت ان ده سبب عزالكم البيت، ومش بعيد كمان يكون سبب فراقنا عن بعض وطـ.ـلا.قك مني، انا بقالي فترة طويلة شاكك في كدة، لأني عمري ما هسيبك وانا بعقلي، انا كنت مغيب ساعتها عشان اسيبك واتجوز واحدة غيرك،.
حاولت افلات ذراعيها وقد آثار جذعها بتصريحه:
– في ولا مفيش، انت جاي دلوقتي تقولي الكلام ده؟ ابعد عني يا سمير انت باينك اتجننت؟
كان كالذي تلبسه الجنون، ليُضاعف بتصميمه:
– لا مش هسيبك يا بـ.ـنت عمي، بعد ما عرفت خلاص الحقيقة، احنا لازم نرجع لبعض يا بهجة، لا يمكن هسيبك تضيعي مني تأتي……
– شيل ايديك الاتنين عنها يا حـ.ـيو.ان.
وصلها الصوت وكأنه يأتي من البعيد، لترفع رأسها نحو مصدره، فتتفاجأ بزوجها العزيز يقبض على عنق ابن عمها من الخلف، بملامح يشملها الغـــضــــب في أقوى صوره، وكأنه على وشك الفتك به،
تركها سمير بالفعل ليتوجه بكليته نحوه، يحاول نزع يده على رقبته شاعرًا بالإهانة:.
– اوعي شيل ايدك دي يا اخينا، مالك انت تتدخل ليه ما بينا؟ دي بـ.ـنت عمي ومراتي اللي هردها من تاني .
شهقت بهجة بـ.ـارتياع تأثير الكلمـ.ـا.ت على زوجها الذي تلونت عينيه بلون الجمر، وحماقة ابن عمها تدفعه للجنون، مدmدًا بهدوء خطر:
– بـ.ـنت عمك ومراتك اللي هتردها من تاني!…… هو انت بقى الشطور اللي كنت كاتب كتابك عليها؟
كان يتحدث بلهجة زادت من استفزاز الاخر ليصـ.ـر.خ به ويدفعه على صدره بعنف من أجل تركه:
– شطور ولا امور انت باينك عيل تنح وعايز تتربى، وشكلك مش عارف مين هو سمير الراوي .
صرخت بهجة تحاول منع الاثنان من الاشتباك ، موجهه الحديث لكل منهما:
– يا نهار اسود، يا نهار اسود سيبه يا رياض باشا دا مكنش قاصد من الاساس، يا سمير يا بن عمي، دا يبقى صاحب المصنع اللي شغالة فيه، وقريب لورا اللي عملت الحادثة مع اخوك والله.
– وجوزها .
صدرت كلمته لتوقف كل شيء، تصعق هي باعترافه الان امام ابن عمها الذي ارتخت يداه عن الشجار، وكأن على رأسه الطير، وتحدي الاخر وهو يعود مردفًا:
– سمعتني بقولك ايه، انا ابقى مديرها في الشغل وجوزها .
استدركت اخيرا لتجمع عدد من البشر حولها، من ضمنهم كانت لورا ونجوان ووالدتها، وقد بدت على وجوههم تأثير وقع الخبر عليهم، ولكن صدmة بهجة بالفعل كانت في الشخص الاخر، والذي تفاجأت بحضوره، في الجهة المقابلة، واقفًا يشاهد مع صديقيه القدامى من منطقتها، متجمدا محله بلا حراك او حتى يرمش بعيناه وكأنه تمثال.
فتشخص ابصارها نحو متمتمة بقلب منفطر:
– إيهاب.
بانهزام تام، دلف عائدًا إلى غرفة شقيقه في المشفى بعد انتهاء كل شيء وانقطاع الأمل الذي عاش عليه لسنوات، لم يعد هناك مفر من الواقع وقد تبخر الحلم لينمحي مع سنوات ضاعت في الا شيء .
فسقط بثقله على مقعد الاستراحة في جانب الغرفة، يحاوط رأسه بين كفيه، ولا يستطيع تحمل حديث والدته التي انتعشت بعد ما حدث، تأخذها الحماسة في اللقاء اللوم وتأنيب ابنيها.
– عشان بس تبقوا تصدقوني بعد كدة، بـ.ـنت خليل الله يرحمه طلعت مية من تبن، راسمة دور البراءة والبت الشريفة وهي ماشية مع المدير اللي بتشتغل عنده على حل شعرها
تمتم سامر ردًًا لها بقوة وتحذير رغم تعبه :
– بهجة متجوزة مش ماشية على كيفها يا ماما، ونقي كلامك عشان دا عرضنا على فكرة.
شهقت سامية باستنكار في دفاع عن والدتها التي صدmها بقوله:
– اسم الله يا حبيبي على عرضك وطولك، دا جواز في السر يا عنيا، يعني سيرتها هتبقى لبانة في بق الخلق وبكرة الكلام يلطك انت كمان بصفتك ابن عمها
غمز يفحمها بكلمـ.ـا.ت مقصودة:
– ما اتلطيت في الأقرب هتيجي على بـ.ـنت عمي يعني؟ ولا انتي مش واخدة بالك .
جحظت بصدmة بعد تلميحه بموضوعها السابق فجاء الاستنكار من والدتها:
– في ايه يا واد؟ بتدافع عنها وتعاير اختك بغلطة مش قصداها، طب حتى افتكر انك تعبان وبين ايدين كريم، بذمتك ربنا يرضى بكدة .
تبسم ثغره بابتسامة ساخرة يشيح بعيناه عنها ليزيد من غـ.ـيظها مما جعلها تثور بزوجها كي يوقفه:
– ما تقولوا حاجة الواد ده يا خميس، بـ.ـنت اخوك لحست عقله، حتى بعد ما اديته الصابونه هو واخوه برضو بيبررلها اللي عملته.
ألتفت اليها مرة اخرى يحدجها بنظرة حارقة خلف كلمـ.ـا.تها الاخيرة، اما خميس الذي كان جالسًا متربع الذراعين منذ البداية بصمت تام فقد ازداد عبوس ملامحه دون ان يريحها بكلمة ليأتي الرد من ابنه الاخر وقد اشتعلت رأسه بالظنون:
– بصراحة بقى انا كمان مستغربك، زي ما مستغرب كمان استمرار علاقتك بيها رغم علمك بجوازها، وليكونش معشماك بحاجة يا بن امي وابويا؟
التمعت عيني درية وابـ.ـنتها بالشغف امام تلميحه الفج، وتحول حنق سامر إلى الاخر يعنفه بازدراء:
– بالذمة دا كلام تقوله؟ بقى دي اخلاق واحد بيحب بجد؟ بـ.ـنت عمك اللي عايش عمرك كله تتحسر عليها في اقل اختبـ.ـار شوف ازاي بتخوض في عرضها اخص فعلا، والله ولا عمرك كنت تستاهلها، ولا حتى تستاهل مراتك اللي على زمتك
انتفض سمير، تأخذه العزة بالاثم، يخفي من خلفها خزي يكتنفه من الداخل، حتى وإن انكر فكلمـ.ـا.ت شقيقه أصابت هدفها به:
– ماشي يا خويا، سيبتهالك انت تتهنى بيها بعد ما يشبع منها التاني ويرميهالك .
وتحرك سريعًا يغادر، تتبعه شياطين نفسه،
اما خميس والذي خرج صوته أخيرًا ، يوزع ابصاره نحو الثلاثة المتبقين امامه، معبرا عن رفضه لما يراه من تشاحن بمنظوره المادي بطبيعته:
– خليكم كدة يا خلفة الندامة، قطعو وعايرو في بعض ولا اكنكم فرحانين بالخيبة بتاعتكم، طب على الاقل هي طلعت ناصحة واتجوزت اللي يشيلها هي واخواتها، اهي بت واحدة وعملت اللي ما حد فيكم عرف يعمل نصه، جاتكم نصيبة تاخدكم كلكم .
ونهض متأففًا يغادر هو ايضًا، يزيد على إحباط زوجته وابـ.ـنتها، وقد أخذهم العشم برد فعل يتلج الصدر الذي ازاد حريقه بنجاح الأخرى ونيلها الحظ الأوفر بزواجها من الغني الوسيم.
❈-❈-❈
داخل سيارته وقد كان يقود بالاثنتان ذاهبًا بهما الى منزلها برفقة والدته التي لم تتركها ولو لحظة بعد ما حدث، تحتوي حـ.ـز.نها في تلك اللحظة، والتهوين عليها، فبكائها لم يتوقف حتى الاَن:
– يا حبيبتي خلاص كفاية، قطعتي عينك من العـ.ـيا.ط.
– ولسة هعيط اكتر لو فضل زعلان وقلب البنات كمان عليا، يارب امـ.ـو.ت ساعتها ولا يحصل الكلام يااارب.
صرخت بالاخيرة لتزيد من حنقه فيخرج عن شعوره حتى تتوقف:
– ما خلاص كفاية بقى دعى على نفسك وعـ.ـيا.ط، هو اخوكي دا غـ.ـبـ.ـي اوي للدرجادي مابيفهمش، احنا متجوزين على سنة الله ورسوله، مش ماشية على حل شعرك معايا يعني.
وكأن بكلمـ.ـا.ته ضعط على زر الانفجار بها، كي تفرغ شحنة الكبت بداخلها منه:
– انت بتقول كدة عشان مش عليك لوم، كل حاجة سهلة معاك ومفيش حد هيحاسبك، مش هامك صورتي قدام اخواتي ولا عمي وعياله اللي هيشفوني واحدة مش كويسة، انت ايه اخي ما تحس بيا بقى، بقالك شهور منشف ريقي، قوم يوم ما تيجي تعترف بجوازنا يبقى على الملأ وبفـ.ـضـ.ـيحة .
– الفـ.ـضـ.ـيحة دي انتي السبب فيها، لو كنتي بت عـ.ـر.في تصدقي ولا توقفي كل واحد عند حده، مكنش الكـ.ـلـ.ـب ده اتجرأ عليكي وانا اعصابي فلتت عليه، ثم تعالى هنا مش دا اللي كنتي عايزاه؟ ان اعترف بجوازي منك يا بهجة.
آثار جنونها بتصريحه ليزداد هياجها وكأن الشيطان تلبسها:
– لا مكنتش عايزة يا رياض، ومكنتش عايزة الجواز دي اصلا ولا اقرب منك، انت السبب في كل اللي بيحصل معايا دلوقتي وفرقتي عن خواتي لو حصلت، وربنا ما…….
– بس بس، كفاية كدة يا بهجة
تمتمت نجوان بالكلمـ.ـا.ت تكتم بكفها على فمها من الخطأ اكثر من ذلك، وقد تعدت بعصبيتها غـــضــــب ابنها الذي تضاعفت فورته هو الاخر:
– اه بقى هتعملي ايه يا ست بهجة؟ عايز اعرف انا……
– وقف انت كمان يا رياض، هي مش في حالتها الطبيعية خالص دلوقتي، خليك في سواقتك بدل ما تعمل بينا حادثة، ممكن بقى تسكت لحد ما نوصل
سمع من والدته التي كانت تشـ.ـدد باحتضان تلك المنهارة، ليضـ.ـر.ب بقبضته على عجلة القيادة صائحًا:
– ماشي، ماااشي، هفضل ساكت وأما اشوف اخرتها ايه؟ ادينا قربنا نوصل.
❈-❈-❈
وفي جهة اخرى مختلفة
حيث غرفة لورا والتي كانت جالسة على طرف تختها بحالة من الوجوم تكتنفها منذ عودتها، لا بل منذ معرفتها الحقيقة، حينما قالها بملئ فمه وأمام الجميع يعترف بزواجه بها، كيف؟!
عقلها يرفض الاستيعاب ، فتراه شخص آخر، ليس ذاك الارستقراطي الذي تربت ونشأت معه، ينزل بمستواه المخملي وينظر لعاملة في مصنعه، لا بل جليسة او بالاصح خادmة كما كانت تصنفها هي بغبائها منذ البداية، لقد علمت بعلاقتهم منذ مدة ورأت بأم عينيها، ومع ذلك اقنعت نفسها بأنها نزوة، او علاقة عابرة مقابل المال، لكن ان يتحدى العالم بها مثل ما حدث اليوم، ويتضح انه زواج حقيقي هذا خارج حدود عقلها
نهضت تجر اقدامها نحو المرأة لتقف امامها وتتأمل ملامحها، بدون مساحيق، دون الوان، دون تصفيف شعرها حتى، انها جميلة وتعرف بذلك، ومع ذلك كانت تفعل المستحيل من أجل لفت نظره، هل كان عليها ان تظل بطبيعتها تلك كي تعجبه كما فعلت الأخرى واستطاعت فيما فشل به غيرها
أم تلقي باللوم عليه، لأنه كان أعمى عن امرأة مثلها، تساويه في المكانة الاجتماعية، وواجهة مشرفة له امام مجتمعهم الذي لا يرحم بالانتقاد والذم لكل ما هو اقل منهم.
سالت الدmعة العزيزة من القلب المتحجر، هذه اول مرة ترى الحقيقة بدون رتوش، ليتها ما ضيعت يوما واحد في الانتظار، ليتها اهتمت بلورا من أجل لورا ، وليس من اجله
❈-❈-❈
توقفت السيارة بالقرب من المنزل، فاعتدلت بجذعها تمسح بأطراف اصابعها اثار الدmـ.ـو.ع على وجنتيها، باضطراب واستعداد للمواجهة الأهم في عمرها
وبدعم متواصل، اخرجت لها نجوان محرمة ورقية تعطيها لها قائلة:
– امسحي دmـ.ـو.عك كويس وحاولي تبقي هادية، احنا نازلين معاكي ومش هنسببك.
– انتو الاتنين؟
قالتها بتساؤول موجهه ابصارها نحوه، فجاء رده بعملية ، يرمقها بتجهم، ثم يسبقها في الترجل من السيارة، صافقًا بابها بقوة جعل الاثنتان تنتفضان تأثرا بعنفه، ليتبعانه بعد ذلك، حتى اذا وصلا إلى مدخل المنزل ، تقدmتهم بهجة في الولوج لداخل المنزل بخطوات متمهلة، تهتف منادية أسماءهم بتردد :
– إيهاب، جنات ، عائشة ، انتو فين؟
رددت مرة اخرى بأسماءهم حتى خرجت اليهم جنات من غرفتها، تتبعها عائشة والتي هللت بصخب فور رؤيتها لنجوان، وهرولت تحتضنها
– نوجة
وكان استقبالها الحافل فرصة لامتصاص التـ.ـو.تر بعض الشيء، لترحب بها الأخرى وتضمها اليها بقوة ، قبل ان تصافح جنات برقتها كالعادة والتي انتابها الحرج بالزيارة المفاجئة لهذا الغريب عنها:
– اهلا اهلا، مش تقولي يا بهجة انكم جايين، على الاقل كما عملنا حسابنا:
تبسمت شقيقتها بتفهم، شاعرة بما يكتنفها، فتكلفت تقدmه اليها:
– دا رياض باشا يا جنات اللي حضر معانا افتتاح الكافيه ابن نجوان هانم وصاحب المصنع…..
– وجوزها
صاح بها هذا الثائر خارجًا من غرفته، تفوح منه طاقة من التحفز غير مطمئنة على الإطـ.ـلا.ق، ليسقط قلب بهجة من القادm معه، فيُعاود الكرة نحو شيقيقاته يخاطبهم بتهكم:
– صحيح يا عائشة، سلمتي يا حبيبتي على انكل ولا لسة؟ ولا انتي يا جنات، مكسوفة طبعا انك خرجتي بالبيجاما وبشعرك مكشوف قدامه، شيلي عنك الحرج يا قلبي، دا في مقام اخوكي الكبير دلوقتي.
– ايه التخريف اللي انت بتقوله دا يا إيهاب؟
هنفت بها الاخيرة باستنكار، لتضيف عليها بهجة:
– سبيه يا جنات، انا عارفه ومقدرة اللي هو فيه، بس انا عايزاه يسمعني، ممكن يا إيهاب بدل التريقة تسمع مني ومتجريش وتسيبني زي ما عملت في المستشفى.
شـ.ـددت نجوان من ضم عائشة المذهولة بما يحدث امامها، ولغة تواصل بالأعين لا يفهم عليها إلا كلتاهما امام جنات؛ التي اجبرها الترقب على الصمت ، فتدخل رياض في دعم لزوجته:
– أحنا مش بنطلب منك حاجة صعبة يا إيهاب، عايزينك بس تدى نفسك فرصة انك تفهمنا.
– اها رياض باشا بنفسه بيكلم العبد الغلبان؟
تمتم بها بسـ ـخـــريــة، ثم اقترب ناظرًا بعيناه يردف بتقريع مباشر:
– طب مش كان الأولى برضو يا باشا، القعدة والاحترام ده يبقى من البداية ، يعني تيجي كدة تقابلني راجـ.ـل لراجـ.ـل، تكلمني وتطلبها مني، بدل ما اتفاجأ زيي زي الاغراب، لما اسمعك تقول انها مراتك وانا معرفش.
اتجه نحو بهجة متابعًا:
– طب يرضيكي انتي الكلام دا يا اختي الغالية؟ اروح المستشفى انا واصحابي عشان نزور مدرس الرياضة اللي شال الزايدة، قوم بقى نتفاجأ بالمشهد الاكشن الرومانسي ده، دا ولا شغل السيما والله،
إلا هنا ولم تقوى على الصمود لتلقي بثقلها عليه، تلف ذراعيها حوله قائلة بانهيار:
– سامحيني يا حبيبي، ياريتني كنت مـ.ـو.ت ولا اعيشك اللحظة دي، بس والله ما كان بخاطري، الظروف هي اللي اضطرتني لكدا.
شعرت فجأة بتجمده، وخرج صوته بنبرة خطرة موجهًا ابصاره نحوه:
– معناه ايه اضطريتي لكدا؟ هو ضغط عليكي؟ ولا ابتزك؟
نفت على الفور بتحريك رأسها وبرعـ.ـب جعلها تبرر بسجيتها:
– لا والله ما غـ.ـصـ.ـبني، دا كان كريم اوي، وهو اللي ساعدني كمان اجيب البيت ده والكافيه، وخلاني ابعد بيكم عن أذى مرات عمي اللي كانت….
قطعت فجأة مجفلة بنفض ذراعيها عنه بأعين تطلق شرر استدراك سربع؛
– هو انتي مش كنتي قايلة ان البيت والكافية من تعويض المحكمة في القضية اللي كسبتيها من المصلحة اللي كان شغال فيها بابا؟ ولا دا كمان كان كدبة؟!
ابتعلت بوجه شاحب تبحث عن رد مناسب، يعتلي تعابيرها التردد، تريد اخبـ.ـاره الحقيقة وفي نفس الوقت تخشى رد فعله، فجاء الرد الحازم من الاخر:
– في كل الحالات واحد يا إيهاب، اختك مغلطتش، دا جواز على سنة الله ورسوله.
– في السر وعلى اخواتها؟ يبقى كدة الإجابة وصلت.
تمتم بها في حسم منه اثار الريبة في قلب شقيقته ، فتدخلت نجوان بهدوء تخاطبه :
– إيهاب من غير ما تتسرع في حكمك دلوقتي وزي ما قولنالك ادي فرصة لنفسك، وياريت لو تقبل بقعدة معايا اتفاهم معاك بطريقتي
– مش محتاجة تفاهم يا نجوان هانم، الحكاية بانت اهي وكل حاجة انكشفت ، اختي العزيزة، جابت البيت والكافيه من ورا جوازة في السر تمن ليها، لكن انا بقى لا يمكن اقبلها على نفسي.
– يعني ايه؟
سألته بهجة بتوجس لتصلها الإجابة فورا:
– يعني انا راجـ.ـل اقدر اعتمد على نفسي، وميلزمنيش اي حاجة من ورا جوازتك اللي في السر
قالها واتجه نحو غرفته مباشرةً، ليخرج سريعا حاملا حقيبة ممتلئة بالملابس والمتعلقات الخاصة يخبرها امام الجميع:
– جهزتها اول ما وصلت، عشان مش انا اللي اقبلها على كرامتي يا بهجة.
وما ان نطق بالاخيرة وهم بالتحرك امام تجمد الأخرى حتى تفاجأ بها تسقط مغشيًا عليها بين ذراعي زوجها التي تلقتها على الفور، هاتفًا بهلع:
– بهجة.
❈-❈-❈
اثناء سيرهم في طرقة المشفى، في طريق مغادرتهم المشفي، للذهاب الى منزلهم، حيث الحديث الدائر بين درية وابـ.ـنتها للبحث عن وسيلة مواصلات تقلهم بعد تركهم من قبل زوجها وابنها الأكبر والذي لا تعلم ما مصير علاقتها به في الايام القادmة:
– اخواتك الاتنين قالبين عليا زي ما يكون قـ.ـا.تلالهم قتيل، ولاد الهبلة محدش فيهم قادر يفهم اني بعمل كل ده عشان مصلحتهم.
تحدثت سامية في رد على حديثها بحقد يقطر من كلمـ.ـا.تها:
– معذورين ياما، حكم المحروسة بسهوكتها اتمكنت منهم بالجـ.ـا.مد، بت اللذينة طلعت قوية اوي، انا كل ما افتكر شكل الباشا اللي كان بيتخانق عليها النهاردة وبيقول انه جوزها، نار تقيد فيا، شكل، ولا حلاوة، ولا هيئة ملوكي، ايه ده؟ عرفت توقعه ازاي ده بس؟
مصمصمت درية بشفتيها:
– عشان ت عـ.ـر.في انك صوت من غير فعل، والله ابوكي ما كدب لما قال عليكم خايبين انتو التلاتة، لا.وكمان انتي اللي هتتجنني، امال انا اعمل ايه؟
اعمل المستحيل عشان ابعدها عن خواتك، تروح هي مدياني القاضية بجوازة جـ.ـا.مدة زي دي، اه يا بـ.ـنت خليل ، دا انتي طلعتي مية من تحت تبن
– حظها ضارب في السما ياما، مش زيي، من غلطة متستاهلش علقلتولي المشنقة وعايزين تدبسوني في شيكاغو
قالتها بازدراء آثار غـ.ـيظ والدتها حتى همت ان تذكرها بحجم مصيبتها التي اضطرتهم لذلك، ولكن تفاجأت بظهوره امامهم مترجلا من سيارته برفقة زوجها الذي قدm معه ليستقبلهم من نصف المسافة:
– ايه؟ انتو خارجين ليه دلوقتي؟
تحدث هو ايضًا:
– مساء الخير يا حمـ.ـا.تي، عاملة ايه يا سامية؟
– كويسة
تمتمت الرد بفتور كعادتها، وتكفلت درية بتلطيف الأجواء:
– هي بخير وسلامة يا حبيبي طول ما شافتك، احنا بس خرجنا نشوف تاكسي يوصلنا عشان نروح، الا انت روحت فين يا خميس؟
اجابها المذكور بمرواغة كعادته:
– يعني هكون روحت فين يعني، ارجعي يالا انت وهي، نقعد مع سامر قد ساعة كدة وبعدها اخدكم واروحكم معايا
– لا انا عايزة امشي
قالتها سامية باعتراض لتجد الرد من خطيبها العزيز:
– خلاص يا سامية اروحك انا وسامر اجيله وقت تاني .
– وتعطل نفسك ليه؟ اي تاكسي يروحني مش حكاية هي
قالتها برفض واضح، فجاءها رده بحزم:
– تركبي تاكسي مع واحد غريب وانا موجود، طب انت ترضاها دي يا عمي؟
– لا طبعا مرضهاش
خرجت من خميس على الفور، ليتوجه نحو ابـ.ـنته بأمر:
– روحي يا بت مع خطيبك، مش كفاية الراجـ.ـل مكلف نفسه يوصلني ويرجع تاني يوصلك، ياللا بقى بلاش دلع .
– معلش يا عمي تلاقيها مكسوفة بس مني .
تمتم بها طلال بسـ ـخـــريــة مبطنة لتتلقي عدد من تعليقات المزاح من والدها ووالدتها، ضاعفت من حنقها لتضطر في الاخير ابداء موافقتها على مضض وتعالي:
– تمام يبقى بسرعة بقى عشان اخلص واروح.
❈-❈-❈
فتحت اخيرا عينيها للنور، بعد محاولات عدة بالوسائل الشائعة لم تؤتي بـ.ـنتيجة إلا ضعيفا، حتى اتى الطبيب المختص وقام بالاسعافات اللازمة، ليعود اليها الوعي الآن داخل غرفتها وابرة المحلول المعلق مازالت تعمل لتغذي الوريد بما يجتاحه، حتى يستعيد نشاطه، هذا للجانب الجــــســ ـدي
اما الجانب النفسي، فمجرد رؤية اشقائها حولها وابهاب موجود ولم يغادر، كان هذا كفيلا بأن يرجع اليها الروح، لتفتح ذراعيها له، هاتفه اسمه بدmـ.ـو.ع:
– إيهاب.
رغم غـــضــــبه ، رغم يأسه، رغم كل شيء، لم يقوى على رفض الدعوة ليسقط بجواره، يقبل رأسها بصوت مبحوح، مفعم بمشاعر ثائرة بداخله:
– حمد لله على السلامة، انا خــــوفت عليكي اوي.
– وانا كنت همـ.ـو.ت لو سيبتني؟
قالتها وقربت رأسه منها تقبله على جنته، مرددة بتوسل ورجاء:
– اوعدني ما تعملها تاني، اوعي تمشي وتسبينا يا إيهاب.
بصعوبة شـ.ـديدة اضطر لمهادنتها بهزتين من رأسه، فما يحمله بداخله اكبر من قدرته على الصمت او التغاضي، ولكن صحتها ايضًا هي الأهم، وقد سمع من الطبيب ان ما حدث لها نتيجة ضغط شـ.ـديد وتراكمـ.ـا.ت، وقد توشك على مضاعفات جمة ان استمر الوضع معها على نفس المنوال.
– مش هسيبك يا بهجة بس انتي متضغطيش اوي كدة على اعصابك وحاولي تهدي شوية
حاولت المزاح في ردها له:
– حاضر ههدى وابقى زي الفل، بس انت متسبنيس.
زفرة مكتومة حبسها بصدره، ليومىء مجاريًا لها:
– حاضر مش هسيبك
قالها فزادت من ضم رأسه اليها، وبكفها الثانية اشارت لشقيقاتها ينضما اليها ايضًا، لتأخذ جنات الصامتة حتى الان مقعدها بجوار شقيقها ، وعائشة على الفراش من الناحية الاخرى، حتى علقت نجوان بتأثر :
– ربنا ما يفرقكو عن بعض، بس لو ممكن يعني، نأجل العواطف دي شوية، عشان صحتك يا قلبي.
رفع إيهاب رأسه عنها ليقبلها بحنان على جانب وجهها متمتمًا:
– عندها حق، انتي لازم ترتاحي.
في تفهم سريع تابعنه جنات وعائشة يبتعدن عنها قليلًا ، فظهرت الصورة كاملة امامها، وهذا الساخط واقفًا في جانب وحده بصمت مهيب، قطعه قول إيهاب:
– انا بقول مدام اطمنا عليها نسيبها ترتاح وتنام بقى…. كلنا.
وزع ابصاره على الجميع، لتتركز عينيه عليه، فجاء رد الاخر بعند وتحدي:
– عادي تخرجو كلكم، بس انا جوزها
سمع منه إيهاب لتتحفز كل خلاياه، يتوجه اليه وكأنه على وشك الشجار، متناسيًا كل الوعود التي قطعها على نفسه منذ قليل، لتلحق نجوان به مهادنة:
– يا قلبي يا إيهاب احنا كلنا اطمنا عليها، الا هو، خليه ياخد فرصته ولو شوية حتى.
– خمس دقايق.
تمتم بها ملوحًا بأصابع كفه الخمسة امامه مشـ.ـددًا:
– خمس دقايق وتيجي تحصلنا، خليها تنام بقى وترتاح شوية
قابل الاخر تحذيره باستخفاف مائلا بوجه اليه حتى كاد ان يجعله يعود عن قراره بالخروج، ولكن نجوان لحقت كالعادة تحذره بخفوت:
– يا حبيبي مش عايزين نتخانق ونأثر على نفسيتها، انت نسيت كلام الدكتور.
اوما يستجيب لسحبها مغمغمُا بضيق:
– لا منستش، بس لو عصبها هو بقى ميلومش الا نفسه
– اكيد طبعا ميلومش الا نفسه اكيد.
قالتها تدفعه الخارج وتخرج معه، تغلق الباب على تلك المتسطحة بتعب، وذاك الواقف محله بتربص.
فلم يتحرك سوى بعد مغادرة الجميع، يطالعها من مستوى طوله، وهي تغمض وتفتح عينيها بإجهاد شـ.ـديد،ثم توسعتا بإجفال حينما تفاجأت به، يخلع عنها سترة حلته ورابطة العنق يلقيهم على طرف التخت قبل ان يخلع عنه حذائه ايضا، فتتسائل هي بدهشة؛
– انت هتعمل ايه؟
تجاهل الرد عليها في البداية، لتجده فجأة انضم بجوارها على الفراش، يندس تحت الغطاء متكئًا على مرفقه يتأملها بصمت، وكأنه لا يصدق ما وصل اليه بعد أحداث اليوم الطويلة، ثم رؤيتها تتبادل معه الحديث الآن، بعد انخلاع قلبه في اللحظات الفائتة، والمحاولات البائسة في افاقتها.
يبدو أنها بالفعل تحملت فوق طاقتها ، وهو ايضًا كان من ضمن تلك الضغوط، بل وأكثرها
– هتفضل تبصلي كدة كتير وانت ساكت؟
جاء رده على قولها بعتاب لا يخفيه:
– واعملك ايه؟ ما انتي اللي فوقتي مفتكرتيش غير اخواتك، وانا ولا اكن هوا حتى في حياتك
تبسمت بضعف لا تصدق غيرته:
– ما هو شيء طبيعي، دول اخواتي يا رياض وانا كنت خايفة من رد فعلهم ولسة برضو
– ولسة ايه؟
قالها واقترب يلمس بإبهامه على وجنتها باشتياق شـ.ـديد:
– على فكرة بقى مهما كان خــــوفك عليهم، مش هيجي نص خــــوفي عليكي في اللحظات اللي فاتت، انا عيشت لحظات من اسوء الكوابيس اللي مرت عليا، هو انتي ازاي اتغلغلتي جوايا كدة؟
ظلت صامتة تتقبل لمساته الحانية، وعقلها يدور بالتساؤلات، تعلم بصدق كل حرف ينطق به، ولكن ما يخيفها حقًا هو اعتراف اليوم على الملأ وتبعاته، وهل هو بالفعل على قدر هذا الاعتراف ام سيأتي الوقت عليه…. وينـ.ـد.م؟
❈-❈-❈
– تحبي اشغلك اغنيه تسليكي، بدل ما انتي بتنفخي كدة ومش متحملة القعدة؟
سألها بتهكم واضح، تأثرا بطريقتها المقصودة في إظهار تأففها منه، لتجيبه بنفس النهج الذي تسير عليه:
– والله انا من رأيي تركز في طريقك وخلاص، لا تسليني ولا اسليك، عايزين نوصل بقى.
– اممم
زام بفمه وبصمت دام لحظات قليلة حتى اختار المكان المناسب، ليضغط على مكابح السيارة يوقفها بعنف، جعل رأسها تندفع للأمام حتى كادت ان تصاب بجبهتها لولا حزام الأمان الذي جعلها ترتد سريعًا لكن بعنف ايضًا، اهتز له جــــســ ـدها بالكامل، وفور ان استعادت توازنها صرخت به:
– ايه اللي انت عملته ده؟ انت اتجننت؟ ما كنت ادخل بينا في تريلا احسن؟
ترك عجلة القيادة بعدmا أوقف المحرك ، ليلتف اليها بجذعه، وابتسامة مريبة ارتسمت على ثغره اثارت بقلبها الخــــوف، بعدmا انتبهت جيدا إلى الظلام الذي يحاوطها من كل الجهات، وتلك المنطقة الخالية من أي صنف بشر، وكأنه ذهب بها الى الصحراء ، لتغلب جزعها وتجأر به:
– ممكن افهم انت وقفتنا هنا ليه؟ والمصحف لو في دmاغك حاجة كدة ولا كدة ، لا أكون متصلة حالا بابويا واخويا وفضحاك.
رد ببساطة اذهلتها:
– التليفون في ايدك اهو اتصلي وانا مش همنعك .
رفعته اليها لتهم بالاتصال بالفعل، ولكن اوقفها هذه الثقة التي يتحدث بها، حتى أنه اشعل سيجارة بعدm اكتراث مردفًا:
– قوليلهم وقف بينا في حتة ضلمة وانا شاكة انه بتـ.ـحـ.ـر.ش بيا.
– يا سلام وانت بقى مش هامك رد فعل حد فيهم لما يسمع الكلام ده؟ ايه؟ فاكرهم ارايل وهيسكتولك؟ ولا يمكن هياخفوا منك؟
عقب يزيد من دهشتها :
– لا مش هياخفوا يا غالية عشان مش هيصدقوكي اصلا، ولو عايزة تتأكدي اتصلي زي ما بقولك، بس على شرط تعلي الصوت.
تعلم ما في قرارة نفسها صدق قوله، وهذا ما جعلها تتراجع حتى لا ينتابها الخزي امامه، لتتظاهر بالقوة في مخاطبته:
– طب افهم بقى؟ موقف العربية ليه وفي مكان ضلمة ومقطوع زي ده؟ انا عاوزة أوصل بيتنا ومش ناقصة عطلة، ولا انزل اخدها كعابي احسن وربنا ما يهمني، عشان لو جراتلي حاجة ولا حد اتعرضلي هتشيلها انت
نفض السيجارة من نافذة السيارة، ليعود اليها بهدوء المسيطر قائلًا:
– مش هتقدري تخرجي، عشان قبل ما يحصل هكون كاسر ايدك قبل ما توصل للباب، وانت عارفة ان شيكاغو ما بيهزرش.
ابتعلت رمقها بخــــوف متعاظم، تشعر بالجفاف يغزو حلقها ومع ذلك تجاهد لعدm اظهار الضعف امامه:
– انت بتعمل معايا كدة ليه؟ غرضك ايه من الأخر؟
اقترب برأسه فارتدت هي بخاصتها للخلف تلتصفق بالباب، ليعلق بابتسامة ساخرة:
– كشيتي في جلدك ولا أكن كـ.ـلـ.ـب هيهبشك، اسمعي يا بت، عشان هجيبلك من الأخر، مش معنى انك حلوة حبتين تسوقي فيها، لا اصحي بقى، الحلاوة مالية السوق، ومش معنى اني صابر عليكي، ابقى ضعيف ولا قليل قدامك، انا عامل حساب للرجـ.ـا.لة اللي حطيت ايدي في ايدهم،
متحملك عارف ديتك ايه؟ هتلفي تلفي وتيجي على حجري وبرضو هظبطك.
حديثه الحاد اخرج الجزء الشرس بها، لتدفعه بكلتا قبضتيها على صدره هادرة به:
– ولما انا كدة متعنطزة وشيلة تقيلة على قلبك، قابل على نفسك ليه يا حبيبي؟ ما تروح لواحدة من الحلوين اللي مالين السوق دول.
وكأن فعلها أعجبه، تبسم بملئ فمه معقبًا على كلمـ.ـا.تها:
– كان نفسي والله بس القلب وما يريد…
توقف برهة ليتابع مؤكدا امام دهشتها:
– اه يا سامية انا قلبي رايدك، بجنانك بعنطزتك بكل عيوبك، كان ممكن أهوى بـ.ـنت عمك زي باقي شباب الحارة عشان فيها كل المواصفات، لكن انا عمري ما حسيتها ولا اتمنيتها، على الرغم ان شايف عينك لبرا،
واحد غيري كان عمره ما هيبصلك تاني بعد عملتلك الاخيرة لما كنتي هتروحي في داهية، بعد ما شيخ الغبرة خدرك وكان عايز ياخد غرضه، لكن مقدرتش، مجرد بس ما اخوكي لمح خدت ابويا وجرينا جري، ليه؟ عشان شاري .
مجرد ما قريت فاتحتي عليكي وبقيتي تخصيني تاني يوم بعت اللي يربي ابن الكـ.ـلـ.ـب ده في سـ.ـجـ.ـنه ويحرمه عن صنف النسوان خالص
– قصدك ع الشيخ
– قصدي الزفت الدجال مسموش شيخ، الكـ.ـلـ.ـب اللي اتكشفتي قدامه حتى لو ملحقش يقربلك، انا برضو خدت حقك منه.
سهمت ابصارها امامه بشرود مفاجيء، ان تجد من يأتي بحقها من هذا الفاجر والذي كاد ان يضيعها بلا عودة، لهو امر اراحها بشـ.ـدة، رغم ان هذا الشيء لم يأتي في بالها على الإطـ.ـلا.ق ، ذلك لان كل تركيز عائلتها انصب على تأديبها ولم يذكر احد امر الشيخ الذي تم القبض عليه ربما هم استكفوا بعقـ.ـا.ب الشرطة في القبض عليه وهي أيضا انشغلت بأمر توريطها بهذا ال…..
تطلعت به بحيرة، اتشكره بامتنان ام تدعي ان الأمر لا يعنيها؟
– سامية
– امممم
صدرت همهمتها بدون تركيز، ليباغتها فجأة بجذبها اليه ، وعلى حين غرة حطت شفتيه على ثغرها ينهل منه، حتى استفاقت بهلع تقاوم لتبعده عنها، تضـ.ـر.به بقبضتيها على بكل قوتها حتى اذا تركها ، ارتفعت كفها لتلطمه بقوة على وجنته، تصدmه برد فعلها يتطلع اليها بعدm تصديق ، يتلمس الخد بأصابع كفه لاهثًا
وهي أيضا تطالعه لاهثة بترقب وخــــوف منه، لقد كانت لطمة قوية حتى ان الصوت مازال يتردد في اسماعها، ترى ماذا سيفعل معها؟ هل سيقــ,تــلها في هذا المكان الخالي ويدفنها؟ لا تستبعد .
وعلى عكس ما توقعت، تفاجأت بابتسامة اعتلت ملامحه، سرعان ما تحولت لضحكة صاخبة مرددًا:
– جدعة يا بت، بس خدي بالك، انا المرة دي فوت عشان الحق معاكي، لكن وربي المعبود لو كررتيها هطع ايدك.
اطمانت بعض الشيء لتهدر به:
– وانت برضو لو حاولت تأني المرة الجاية هتبقى عصاية اشق بيها راسك .
عاد يقهقه مرة اخرى ليدير المحرك مرددًا:
– لا ما هو المرة الجاية هتبقي في بيتي، انا بعد اللي حصل مش هقدر اصبر اصلا .
– دا بعينك وانت فاكراني هكملها اصلا الجوازة دي بعد اللي عملته كمان؟
اومأ متقبلا شراستها برضاء تام والضحكة لا تترك فمه، وهو يتحرك بالسياره ليعيدها إلى منزلها
فهذا اكثر ما يجذبه اليها منذ ان كانت طفلة، لا تستهويه ابدا المرأة الهادئة، يعشق تلك النارية التي تشعل رأسه لتأديبها، وما حدث منذ قليل جعل الدmاء تفور برأسه لامتلاكها.
❈-❈-❈
في غرفة عائشة وجنات، وقد تسطحت نجوان ايضًا على تخت أحداهما، لتريح جــــســ ـدها المنهك، بدعوة من الفتيات بعدmا لاحظتا الإجهاد الذي حط عليها، نتيجة الأحداث المتوالية منذ الصباح.
لتسحب جنات عائشة بهدوء من جوارها وتخرج بها الى الحديقة حتى تتحدث معها على انفراد بعيدا عن الجميع:
– تعالي بقى يا ست هانم انتي وفهميني، هو انتي كنتي عارفة بموضوع جوازهم ده يا عائشة؟
– ليه بتقولي كدة؟
– عشان شكلك بيقول كدة، كلامك انتي ونجوان اللي بالالغاز، وانا قاعدة اجاري الكل لكني في دوامة وحاسة نفسي لا على حامي ولا على بـ.ـارد
ظهر على عائشة بعض التردد قبل ان تحسم وتخبرها:
– بصي، هي مكانتش قيلاقهالي صريحة، بس كذا مرة تلمحلحي، ان عمو رياض هيتجوز بهجة وبفرح كبير اوي كمان
– فرح كبير اوي كمان؟ ازاي يعني وهما متجوزين؟
ارتفع كتفي عائشة بحيرة قائلة:
– معرفش، بس هي كمان كررت قدامي الكلام ده النهاردة لما قعدنا في الاوضة لوحدنا.
❈-❈-❈
اما عن شقيقهم الثالث، والذي كان يقطع غرفته ذهابا وايابًا بعصبية، يخرج منها ويدخل اليها، وعينيه منصبة على باب غرفة شقيقته، وهذا القابع معها منذ اكثر من نصف ساعة، لولا توصية نجوان ومعزتها في قلبه، وايضا تقديرا لمشاعر شقيقته، وما حدث معها اليوم، ما كان سمح له بالمكوث معها على الإطـ.ـلا.ق، ولكن إلى متى؟ لقد طالت المدة اكثر من الازم .
انتفض يخلع عنه ثوب الخجل او المرعاة، ليدفع باب الغرفة إلى الداخل متحفزُا نحو طرده، ولكنه لم يجده امامه، لتجول عينيه في الغرفة بحثًا عنه حتى توقفت على فراش شقيقته، والتي انتهى المحلول المعلق بيدها، وتم نزعه عنها، لتغفى الان دون ازعاج، تضمها ذراعي هذا السمج كما يراه، غاطسًا في نوم عميق، وكأنه لم ينم منذ شهور ، ليكز على اسنانه بغـ.ـيظ شـ.ـديد، يرتد بأقدامه للخلف، ويتراجع مضطرًا لغلق الباب، مغمغمًا بضيق متعاظم:
– سكتناله دخل بحماره دا كمان.
❈-❈-❈
اليوم التالي في الصباح الباكر
استيقظ على فراشه الطبي ، يفتح اجفانه للضوء الابيض يتنفس ببعض الألــم تأثرا لذلك الجـ.ـر.ح الكبير ببطنه، ضغط على شفتيه ليتحمل كما يحدث منذ الأمس، حتى تأتي الممرضة وتعطيه مسكن يخفف عنه بعض الشيء، ولكنه انتبه على وجود احد ما في الغرفة معه، اتجه بأبصاره نحو المقاعد الجانبية ليتفاجأ بها.
جالسة متكورة على نفسها تغطي جــــســ ـدها بشال كبير اسود
كاد ان يكذب عينيه، ظنا منه ان يهذي او ربما يحلم، فجاء التأكيد منها تحدثه بصوتها:
– مقدرتش انام طول الليل وكنت مخـ.ـنـ.ـوقة ومش لاقية حتة اروحها، لقيت رجلي جيبهاني على هنا، استأذنت المسؤول ودخلت، لقيتك نايم… قعدت مكاني كدة مستنياك تصحى في الآخر عيني غفلت مصحيتش غير من شوية….
ضاقت عينيه باستدراك سريع يسألها:
– انتي معندكيش أصحاب يا لورا ؟
نفت بتحريك رأسها:
– لأ، كلهم أصحاب قعدة وبس، مسافة ما اقوم من جمبهم يمسكو سيرتي، وانا كمان نفس الأمر.
– طب وانتي ايه اللي مضايقك؟
سألها يتمعن النظر بها، لتبدو الإجابة واضحة على ملامحها التي اعتراها التردد والارتباك، لكنه فهم عليها وحده ليواجهها
– مضايقة من ساعة ما عرفني بجواز رياض الحكيم من بهجة صح؟
غامت عينيها بضعف لا يليق بامرأة مثلها، وقد وضع يده على موضع جـ.ـر.حها لتجيبه بدmعة فرت من عينيها:
– انت الوحيد اللي عارف بالموضوع ده من بعد امي، كرامتي متسمحليش اصلا، رغم تلميح بعضهم الا اني دايما كنت بنكر اعجابي بحد رافضني…….
توقفت بحرقة متابعة:
– دلوقتي حتى امي مش قادرة اتكلم معاها، رغم اني شايفة في عيونها كلام كتير اوي، ما هي كانت معايا وشافت بنفسها امبـ.ـارح.
الآن فقط صدق بالشعور الذي يكتنفه نحوها، يبدو أن الصدmة اكبر من تحملها، كيف لامرأة بمثل هذه القوة والمميزات العديدة ان تصبح بهذا الضعف امام عشق يائس؟
خرج عن صمته يخاطبها بدعم تحتاجه:
– اتكلمي يا لورا وانا هسمعك، وعيطي لو عايزة تعيطي،، انا برضو مش همل، المهم تطلعي اللي في قلبك، لأن انتي محتاجة اللي يسمعك.
تلقفت الدعوة لتنطلق ببكاء حارق، وكأنها طفل صغير وجد الفرصة في التعبير عن قهره من امر ما، وهو يحثها على المواصلة حتى تهدأ وتتحدث ، ربما تشفي من مرضها او على الاقل ترتاح حينما تفضي عما بقلبها.
❈-❈-❈
وفي جهة اخرى
استيقظ هذا العاشق، بجوار محبوبته، شاعرا براحة افتقدها منذ ابتعادها عنه ، تأمل ملامحها التي اشتاق اليها، ليقبل جبهتها برقة، ورفع كفها التي انتزع منها ابرة المحلول امس ليقبلها هي الاخرى، كم ود ان يوقظها، ولكن منعه تعليمـ.ـا.ت الطبيب الذي شـ.ـدد على راحتها التامة.
ليتحامل على نفسه، ويتركها بصعوبة، ارتدى حذائه، ثم تناول السترة يضعها على ذراعه،
حينما خرج وجدهم امامه على مائدة الطعام يتناولون وجبة الإفطار، ينقصهم فقط هذا الفتى المتمرد، القى تحية الصباح مرددًا بتساؤول نحو والدته التي تفاجأ بوجودها:
– صباح الخير ، انتي روحتي وجيتي ولا نمتي هنا كمان زيي؟
ضحكت نجوان بمرح :
– لا يا روح قلبي، انا لا روحت ولا جيت، انا بت مع عيوشة حبيبة قلبي، على سرير واحد .
ضحكت المذكورة توجه حديثها نحو الأخر:
– وانت يا عمو رياض، اقعد افطر معانا .
تبسمت نجوان بمرح توافقها:
– اسمع الكلام يا رياض، اقعد معانا شاركنا اللقمة
تبسم يتقبل دعوتها ليسحب احد المقاعد يجلس بجوار والدته
خرج صوت جنات اليه هي الاخرى تغلب حرجها :
– تحب احضرلك حاجة تانية لو مش عاجبك الأكل؟
نفى مكتفيًا بالذي أمامه، ليتشارك معهم لحظات من الود والطعام الشهي، مع مزاح نجوان المتواصل مع عائشة، يشعر بدفء اسرتهم وكأنه يعرفهم منذ زمن
حتى خرج اليهم ذلك الثائر بوجهه المتجهم يسحب كرسيه مرحبا بكلمـ.ـا.ت مقصودة:
– صباح الخير يا رياض باشا، شكل القعدة عجبتك عندنا لدرجة انك نمت .
ضحك معقبًا بتسلية بعدmا نجح بتنفيذ ما برأسه:
– معلش يا عم الدكتور ازعجناك بقعدتنا، بس يا سيدي ولا يهمك، النهاردة ان شاء الله اخد بهجة تكمل علاجها في بيت جوزها، وطبعا انتو مش عايزين وصاية البيت مفتوح طول اليوم، حتى لو هتعيشوا معانا فيه، عندنا الاوض كتير
سمع منه يتبسم بشر قائلا:
– ومين قالك بقى ان هسمح بكدة، وانا مش معترف بالجوازة دي اصلا.
– نعم يا حبببي.
– زي ما سمعت كدة يا باشا، بهجة اختي مش هتروح في اي حتة، ولا هتتحرك من بيتنا الا على بيت جوزها صحيح…. بس دا لما يبقى جواز معترف بيه!!
دفع باب المنزل بعنف ليلج عائدًا من منزلها، بعد قضاءه ليلة كاملة معها في حـ.ـضـ.ـنه، ليدخل بثورته الاَن يهدر بوعيد وغـــضــــب وصل أوجه:
– انا مسكت نفسي بالعافـ.ـية عن العيل ده، لولا بس خــــوفي عليها لتنتكس ما كنت سمحت له ابدا يكمل وكنت سحبتها من هناك غـ.ـصـ.ـب عنه وعنها.
بحنق متزايد سألت تضاعف من غـــضــــبه؛
– بصفة ايه؟
برقت عينيه بصدmة وعدm تصديق يصـ.ـر.خ بها:
– هو ايه اصله ده؟ انتي كمان هتعومي على عومه، انا مش فاهم والله بتعملوا معايا كدة ليه؟ حتى بعد ما اتنيلت وأعلنت جوازي بيها، اعمل ايه تاني بقى، امسك ميكروفون الف بيه.
اخرجت من جوفها تنهيدة طويلة مشبعة بإحباطها، لتسقط على أقرب مقعد وجدته امامها قائلة:
– رغم ان كلامك كله استهزاء وسـ.ـخرية، بس انا برضو مش هتضامن معاك، لأن هو معاه الحق، الولد ضغط على نفسه واتقبل الوضع القائم عشانها وعشان صحتها، لكنه مش هيقبل بالاستمرار ولا إنه يشوفك تسحبها على بيتك وتجبره ع التعود .
– بس هي مراتي، اعيش انا في بيت وهي بيت ليه؟ كان لازمتها ايه بقى اعترف من اساسه؟
– شوفت بقى، اهو رد فعلك دا يثبت ان الولد حقه يتصرف كدة، مفيش حاجة أجبرتك تعترف غير غيرتك يا رياض، هو كمان غيران على أخته وعايزاها تبقى معززة مكرمة في بيت جوزها، بإشهار وفرح يعرف الناس كلها .
زمجر بحنق شـ.ـديد مغادرا امامها بعدm تقبل:
– يا سلاام وانا بقى تحت امر عيل زيه عشان امشي ورا العته ده، يشوف مين اللي هيسمعله ولا ينفذ
تبسمت بسـ ـخـــريــة من خلفه، تتابع صعوده إلى غرفته كي يبدل ملابسه ويذهب إلى العمل:
– اما نشوف يا رياض مين اللي هيتسمع كلمته.
❈-❈-❈
على صنية صغيرة وضعت فوق اقدامها المغطاة بغطاء الفراش، بدأت تتناول الطعام بحرج بعد إلحاح من شقيقتها وصديقتها التي حضرت اليوم تطمئن عليها، وتسمع لكل الأحداث بعدmا فاتها الحضور بالأمس:
– يا نهار ابيض، كل دا حصل وانا نايمة على وداني من امبـ.ـارح، طب اتصلي بيا بلغيني، الدنيا تتشقلب وتتعدل وانا خارج الصورة يا بهجة.
تبسمت في البداية بضعف وكأنها سمعت مزحة:
– صورة ايه بس يا بـ.ـنتي؟ دا كان يوم ما يعلم بيه الا ربنا، انها رسيت على كدة في الآخر، انا كنت بمـ.ـو.ت في جلدي وانا بتخيل اخواتي يسيبوني ولا انزل من نظرهم، ومازلت والله مقلقة، يمكن هي حكاية التعب دي اللي جات رحمة من عند ربنا عشان يلطف بيا برد فعلهم عليا.
تفهمت صفية جيدا وجهة نظرها، فهي ايضًا كانت تخشى ذلك، لما تعلمه جيدا عن تعلق بهجة بأخوتها وتعلقهم بها، فتحدثت بدعم لها:
– مهما حصل اكيد هيفهمو كويس نيتك، انتي كل اللي بتعمليه عشانهم، وعشان كدة ربنا واقف معاكي، بس مقولتليش بقى عن رد فعل صاحبنا بعد عمايل الدكتور إيهاب لما اتنك واتشرط عليه.
ضحكت بهجة لما تلمسه من تشفي في نبرة صديقتها، لتردد من خلفها بتعجب:
– الدكتور إيهاب! اه طبعا ما انتي الفرحة مش سايعاكي دلوقتي بسبب اللي سمعتيه، على العموم يا ستي انا كنت نايمة ساعتها، واللي حكتلي عائشة، قالتلي انهم كانو هيشـ.ـدو مع بعض ولولا تدخل نجوان لكانت بقت خناقة، ربنا يستر ، انا كدة مبقتش عارفة اخرتها ايه؟
– اخرتها خير ان شاء الله، خلي انتي تكالك على الله وقولي يارب.
– يارب
تمتمت بها بهجة بتضرع ونهضت صفية مستأذنة:
– طب اسيبك بقى تكملي فطار واروح انا اشوف شغلي، وهبقى اجي اطل عليكي اخر اليوم .
قالتها ودنت تطبع قبلة حانية على جبهتها، قابلتها بهجة بابتسامة شقية تشاكسها:
– مت عـ.ـر.فيش الدكتور هشام خف ولا لسة من ضـ.ـر.بة اللوكامية؟ اصله صعب عليا اوي بعد الكلام اللي قالهولك عن نفسه، يعيني وحيد وعايز اللي يطمن عليه.
بابتسامة يشملها الغـ.ـيظ ردت صفية:
– اه يا حبببتي صعبان عليكي اوي، طب ما توصي رياض باشا يقوم بالواجب معاه، أظهري اهتمامك وهو اكيد هيفهم
جارتها بهجة بالمزاح:
– اه يا حبيبتي هيفهم، هيفهم اوي، وساعتها متلوميش الا نفسك لما يضيع العريس منك
– عريس ! ايه الكلام الفارغ اللي بتقوليه دا يا بهجة، انني شكل التعب اثر على دmاغك .
هتفت بها بجدية مكشوفة واعتراض زائف، قبل ان تسحب نفسها، هاربة من بهجة التي كانت تضحك لافعال صديقتها المكشوفة.
❈-❈-❈
لم يخبر أحد هذه المرة بوجهته، خرج ليلًا في غفلة من سكان المحمية، تلك المنطقة العشوائية بموقعها الجغرافي المميز، والذي يصعب على قوات الأمن اختراقها، بالإضافة لتكدس السكان بها، وما قد ينتج عنه من خسائر بشرية فادحة لو حدث هجوم امني، واعضاء العصابة دائمًا ما يتخذون البشر كدروع لحمايتهم، لتظل على حالها كبقعة إجرامية لا يتم القبض على أعضاءها سوى بعد الخروج منها، او بعمليات نوعية محددة الأهداف
اما عنه وقد خرج اليوم منها، قاصدًا وجهته دون اعلام احد، يعد نفسه بالعودة اليها مرة اخرى بعد ان ينفذ ما برأسه.
وها هو الآن بداخل المبنى يأخذ مكانه فوق السطح منذ الفجر ، يراقب من أعلى ويتحين الفرصة المناسبة لدخول المنزل دون ان يشعر به احد.
ساعات مرت عليه وهو على هذه الحال، حتى ابصر من موقعه فتح الباب وخروج تلك المتحذلقة الصغيرة إلى جامعتها.
لينتفض متحفزًا ينزل خطوات الدرج بخفة، وحرص شـ.ـديد في مراقبة لحركة الجيران، حتى لا يشعر به احد،
وصل الى باب الشقة، وضع يده على الجرس وانتظر لحظات مع صوت الخطوات القادmة اليه:
– ايوة يا للي ع البال مين؟
حبس انفاسه يعد على أصابعه في انتظارها، واحد، اتنين ، تلاتة، أربعة..
لم يكمل الى العدة الخامسة والباب يفتح امامه، فتطل منه خالته، والتي ما ان همت برفع رأسها والتعرف عليه وحتى فاجأها:
– مين؟ براهيم…..
على الفور باغتها بوضع قطعة من القماش على فمها وأنفها، ليجبرها على الارتداد بقدmيها لداخل المنزل
باستنشاق المادة المـ.ـخـ.ـد.رة، ، يغلق الباب بجــــســ ـده من الخلف، فيشـ.ـدد بعنف على تلك الجاحظة عينيها، تحاول المقاومة بحركات لا تؤثر به، ليواصل بعزم غير مباليًا بمكانتها عنده ولا بصحتها حتى كامرأة كبيرة لم تأخذ في يديه سوى لحظات قليلة، حتى ارتخى جــــســ ـدها وهوى ليدفعه على الارض أثرت على رأسها بعدm اشفاق، ثم جثى على ركبتيه ينزع عن اصبعيها الخاتمين الذهبيين، ثم الثلاث اساور القديمة من رسغها، والذي لاطالما افتخرت بهم امامهم.، يغمغم لها بسـ ـخـــريــة:
– معلش يا خالتي، مضطر اخد شبكة المرحوم الدكش، اصل طول عمري بضايق من شخللتهم قدامي،….
واكمل ضاحكًا يضعهم في جيب بنطاله، ثم اتخذت اقدامه طريقها نحو الغرفة المقصودة، يدفع الباب ثم يلج إلى الداخل بخطوات محسوبة، واتجهت ابصاره على الفور نحو التخت ليجدها كما توقع، مازالت نائمة ولم تستيقظ بعد
فاقترب حتى وقف يطالعها من علو يتأمل بسفور المنحنيات البـ.ـارزة لجــــســ ـدها رغم الغطاء فوقه، ليسيل لعابه وعيناه تتركز على بشرتها الناعمة والوجه الذي تغيرت ملامحه التي نحتت بعد فقدان كمًا كبيرًا من الدهون، حتى ظهرت تفاصيله الجميلة جيدًا.
ليتنهد باشتعال سرى بداخله ويده تخرج من الحقيبة الصغيرة التي تعلو كتفه كاميرا صغيرة يبحث عن زر اشغالها وفمه يردد بحديث نفسه:
– كاميرا بصورة فاقئة الجودة، عشان العرض يبقى Hd.
تابع ضاحكًا يبحث عن مكان مناسب لوضعها مرددًا:
– ياما نفسي اشوف رد فعل المحروس جوزك لما يشاهد العرض…..
– انا هو قدامك عشان يبقى البث مباشر.
صدر الصوت من ذاك المتربص والذي تفاجأ به داخل الغرفة معه من خلفه، يبدو أنه كان في انتظاره، ليباغته بضـ.ـر.بة كبيرة من الرأس أسقطته حتى قبل ان يستوعب رؤيته:
– حمد لله ع السلامة يا هيما، دا انا مستنيك من زمان.
انتفضت امنيه مجفلة نتيجة صوت الارتطام القوي، لتصعق بالمشهد امامها، زوجها الذي لا تعلم منذ متى قد اتى و……
شقهة مكتومة غص بها جوفها، وهي ترى كابوس حياتها على الارض بعد تلقيه الضـ.ـر.بة المفاجئة، لتنكمش على نفسها بفزع شل جميع أطرافها، حتى صوتها لا تستطيع إخراجه.
اما عن ابراهيم، فقد كان يحاول استجماع شتاته، وقد اجتاح الألــم الشـ.ـديد أنفه ليمسح بأنامله سائل الدm الذي كان يسيل بغزارة منها، زمجر بوعيد وما هم بأن يعتدل بجذعه حتى انقض عليه الأخر، يجثو فوقه ، فيكيل له باللكمـ.ـا.ت العديدة على جميع انحاء جــــســ ـده، لا يعطيه فرصة لمبادلته او حتى الصد، ينفث به غليل كل العـ.ـذ.ابات التي تسبب بها له، حتى كاد ان يزهق روحه لولا صراخ امنيه اليه حتى يتوقف:
– كفاية يا عصام، ابوس ايدك كفاية، هيروح فيها احنا مش ناقصين بلاوي، يا عصام كفاية حـ.ـر.ام عليك
استفاق اخيرا حينما وجدها تنزل عن تختها بغرض رفعه عنه، فصرخ بها قبل ان تصل اليه:
– مكانك يا امنية، ولا حركة تاني
اذعنت لأمر تترجاه:
– خلاص هقف مكاني، بس انت سيبه قبل ما يمـ.ـو.ت في ايدك .
– ما هو حلال فيه المـ.ـو.ت .
هدر بها يتطلع إلى وجه هذا الفاسد والذي تشوهت ملامحه نتيجة الضـ.ـر.بات المتوالية، شيء ما يدفعه للاستمرار حتى يقضي عليه تمامًا، كلما وقعت عينيه على هذه الكاميرا، وما كان ينتوي فعله لزوجته، تلك التي تقف بصعوبة الآن، يشعر بها على وشك التهاوي، وهذا ما يجعله يعود لعقله.
– اسحبي اي حاجة واتغطي بيها الرجـ.ـا.لة على وصول
خرجت كلمـ.ـا.ته وهو ينهض واقفًا ويتصل على هاتفه بأحد مساعديه:
– ايوة يا بني، هات الرجـ.ـا.لة وتعالى بسرعة.
❈-❈-❈
خرجت من الغرفة تحمل صغيرها، وعيناها ذهبت تلقائيًا نحو زوجها الغافي على اريكة في وسط الصالة ، وعقلها يدور بالتساؤلات عنه.
منذ الأمس وهو ملتزم الهدوء والانطواء على نفسه بصورة تثير الريبة، فسرتها في البداية قلق على شقيقه ولكن ان يبيت خارج الغرفة رغم عودة العلاقة الزوجية بينهم ، حتى وإن كانت بصورة تبدو عادية معظم الأوقات ولكنه كان مؤشر جيد لها في ان يتبدل حاله ويصبح لها ولطفله المريـ.ـض الذي غفل عنه منذ الصباح ولم يأتي اليه ليحمله ويداعبه كالعادة، فهو منذ الصباح ملتصق بتلك الاَريكة، لا قام للذهاب الى عمله او حتى تذكر شقيقه في المشفى .
اقتربت بخطواتها لتكـ.ـسر الجمود بمخاطبته:
– ايه يا سمير؟ الساعة داخلة على عشرة مش ناوي تفطر بقى، دا انا حتى شايفاك صاحي يعني.
اجابها بفتور دون ان يرفع رأسه اليها، وقد كان نائمًا على جانبه متكتف الذراعين:
– لما اجوع هبقى اقوم اكل متشغليش نفسك.
قطبت بشيء من الدهشة صار يتحول لضيق:
– طب واخوك الراقد في المستشفى، مش ناوي تروح تشوفه؟
– يا ستي ميخصكيش انا حر
على صوته بها ، رافعا عينيه اليها بضجر لا يخفيه، غص حلقها تبدي اسفها بصوت خرج مبحوحًا:
– خلاص متزعلش ولا تعصب نفسك…… انت حر.
قالتها وتحركت تلتف ذاهبه من امامه، ليكتنفه غـــضــــب متعاظم من نفسه، فانتفض يعتدل بجذعه هاتفًا بإسمها :
– اسراااء
اضطرت للوقوف تجيبه دون تلتف برأسها نحوه:
– نعم .
علم انها على وشك البكاء، ليتضاعف بداخله شعور الذنب، يغمض عينيه بتعب ثم نهض اليها يجذبها من ذراعها يديرها اليه، ليصطدm بذلك الحـ.ـز.ن الذي كسى ملامحها، لطالما كان خسيسًا معها، لطالما اهدر حقها كزوجة لديها من المميزات التي يحتاجها اي زوج، لطالما جـ.ـر.حها بصلفه دون حياء او تقدير ، وهي كانت صابرة على أخطائه دائما، حتى انفجارها لم يأتي إلا مرة واحدة وقد كان على وشك ان يخسرها بالفعل، لولا مجييء طفلهم المريـ.ـض ليعيد ربط علاقتهم مرة اخرى، لقد صدق شقيقه حين ذكره انها لا يستحقها.
دنى بخزي يكتسحه من الداخل، ليقبل رأسها موجهًا باعتذار وذراعه تمتد لحمل الصغير منها:
– معلش انا قايم مخـ.ـنـ.ـوق حبتين، متزعلش مني يا إسراء.
تجمدت بدهشة لا تصدق قوله، لتجده انـ.ـد.مج في مداعبة الطفل وكأنه يهرب من عينيها، هل أصبح يخشى على مشاعرها وفي طريقه لأن يعشقها، او ربما صحوة الضمير بعد طول غياب
❈-❈-❈
لم يتوقع حضورها اليوم إلى مقر عملها، بعد حادث الأمس وغياب يومين قبله، فبرغم اشتياقه لتلك اللحظه في مواجهتها، إلا أنه أعطى تعلمـ.ـا.ته في الا تباشر العمل سوى بعد اخذها قسطًا كبيرًا من الراحة، وها قد حدث وأتت وهو الآن يغمره الشغف لهذا اللقاء العاصف والحاسم.
يشاهدها تلج إليه داخل الغرفة، وصوت حذائها يطرق على الرخام، بأناقة اعتادت عليها لكن بها شيء مختلف اليوم، نظرة منكـ.ـسرة او حـ.ـز.ن، نوع من هذا القبيل.
– صباح الخير يا فنـ.ـد.م، الأوراق دي عايزة امضتك بسرعة
حتى لهجتها مختلفة مع تعمد منها لعدm رفع عينيها نحوه، هل عليه ان يؤجل الحديث العاصف مرعاة لحالتها، يبدو أن عليه فعل ذلك بحق.
تنهد بغـــضــــب يكتمه ليباشر العمل على الملفات التي طلبتها منه، مؤجلا بداخله الحسم، ولكن ما هذا؟
رفع الورقة المختلفة امام عينيه بسؤال مباشر:
– ايه ده يا لورا؟ دا بجد؟
اجابته برسمية تجيدها:
– دا طلب استقالة يا فنـ.ـد.م، انا بحاول اللم كل اللي متأخر النهاردة ومستعدة اقوم بكل المطلوب مع السكرتير او السكرتيرة اللي هيحلو مكاني، لكن المهم انها تتمضي النهاردة
القى الورقة يعطيها كامل انتباهه قائلا بشيء من حدة، وقد تيقن داخله انها تريد التعجيل لا الانتظار:
– ممكن اعرف ايه الأسباب؟
صمت تطرق رأسها بحرج في رسالة واضحة جعلته يتنهد بشيء من الارتياح جعله يتخلى عن الرسمية، فيتحدث مباشرة بما يعتمل بصدره، ونهض عن كرسيه يقابلها وجهًا لوجه:
– واضح ان اسبابك هي نفس الأسباب اللي مخلياني ماسك نفسي بصعوبة عنك دلوقتى، لكني عايز اتأكد اكتر.
حينما لم ترفع عينيها اليه زاد التأكيد داخله، ليواصل هجومه:
– انتي اللي وقفتي سامر و.جـ.ـعلتيه يعمل فـ.ـضـ.ـيحة لبهحة هنا في المصنع؟
انتظر لفترة من الوقت حتى ارتفعت رأسها لتواجه اشتعال بندقيتيه بصعوبة تجيبه؛
– عملت كدة وعملت اكتر من كدة، في سبيل وهم في دmاغي كنت عايشة عليه، بس انا دلوقتي عايزة افوق من كل اللي انا فيه، ودا مش هيحصل غير لو بعدت، اما بقى لو عايز تعـ.ـا.قبني، فانا مش هعترض على اي جزاء تحكم بيه، لأني عارفة كويس اوي ان أخطائي كتير، وانت في ايدك القرار، بس اهم حاجة دلوقتي تمضيلي عن استقالتي
اومأ يسحب انفاس خشنة، تغمره مشاعر مختلطة ما بين الرغبة في عقـ.ـا.بها وما بين اشفاق يغمره لحالها، فمن كانت تقف امامه الآن لا تمت بأي صلة بلورا القوية التي يعرفها.
حسم اخيرا يجلس على كرسيه، ثم تناول القلم يخطو التوقيع على قرارها قائلا :
– وادي القرار يا لورا تم التوقيع، لأن انا كمان شايف انه أصح قرار ليا وليكي دلوقتي، تسميه عقـ.ـا.ب، او فرصة تفوقي فيها لنفسك، المهم انه هو دا الصح .
❈-❈-❈
بعد خروج الجميع، لتبقى هي وحدها في المنزل تنعم بالمزيد من الهدوء، دب بجــــســ ـدها بعض النشاط، لترتب فراش تختها، وتبدل ملابسها، ثم تنثر المعطر في الهواء قبل ان تفتح نافذتها لضوء الشمس، فتملي ابصارها من رؤية المزروعات في حديقة المنزل الصغيرة، لتدخل في قلبها بغض الــســكــيــنــة والاستمتاع، حتى دوى هاتفها فوق الكمود، لتقترب وترا رقمه المميز فتجيبه دون انتظار، :
– الوو…….
– الوو صباح الفل، عاملة ايه دلوقتي؟
اسعدها سماع صوته بعد حديث الصباح المحتد مع شقيقها:
– الحمد لله، يعني كدة حاسة بشوية راحة بعد ما شوفت رد فعل اخواتي، وكأن هم انزاح من على قلبي
– اممم
زام بها بشيء من ضيق ليعبر عما يعتريه:
– عرفتي اكيد باللي عمله إيهاب يا بهجة؟
صمتت لفترة من الوقت، ثم وصله ردها:
– لازم تقدر موقفه، الأمر مش بالسهولة دي عليه.
كان الصمت من نصيبه هذه المرة، وقد استشف من قولها الموافقة المبدأية على فعله، فتحدث بتحدي:
– طب انا عايز اشوفك دلوقتي يا بهجة.
– لا طبعا تيجي فين؟ محدش موجود معايا، اخواتي البنات راحو الكافيه، وايهاب خرج يجيب الناقص في حاجة البيت.
ردت بها بعفوية، ليصله الرد وكأنها توجه الدعوة لحضوره:
– تمام انا جاي اشوفك .
– تشوف مين؟
لم تجد الرد ولا حتى المكالمة وقد انهاها سريعًا دون استئذان، لتطالع الشاشة بعدm استيعاب متمتمة:
– دا ايه اصله ده؟
❈-❈-❈
قدmت شهد بصحبة مجيدة ولينا إلى داخل المشفى تهرول داخل طرقاتها والهاتف على اذنها تحادث زوجها الذي سبقها بعد اتصال شقيقه به واخبـ.ـاره بالأمر.
– ايوة يا حسن، انت فين بالظبط؟
– انا قدامك على طول اهو، ارفعي راسك شوية
وقبل ان تصل اليه بأبصارها، اشارت مجيدة بيدها نحو الجهة الواقف بها:
– اهو اللي واقف هناك يا شهد .
قالتلها تسرع بخطواتها نحوه ليتلقفهم في نصف المسافة يتناول طفله منها، مكنش ليع لزوم تيجوا، الموضوع مش مستاهل.
هتفت به مجيدة موبخة:
– ازاي يعني منجيش؟ دا انت قلبك بـ.ـارد يا واد انت صحيح ، هي فين اوضة الست؟
رد متبسمًا لفعلها:
– اهي الحجرة اللي هناك دي يا حضرة الناظرة متزوقيش، بس خدي بالك معاها في الكلام، لا تنصب لك مناحة وتعمل مندبة دي ما بتصدق.
قطبت تستوعب النصيحة وهي تتحرك باقدامها ذاهبة نحو الغرفة، فتحدتت زوجته بقلق :
– اختي يا حسن، عاملة ايه دلوقتي؟ اوعى يكون جرالها حاجة؟
– كويسة ان شاء الله اطمني .
– طب واخوك يا حسن قاعد فين دلوقتي؟
كان هذا سؤال لينا الذي توجهت به اليه، ليجيبها مطمئنًا هي ايضا:
– جوزك هو اللي بيقوم بالإجراءات دلوقتى مع الزفت ده ، بالنيابة عن عصام اللي مفارقش المستشفى وهو قاعد دلوقتي جمب مـ.ـر.اته.
جفلت شهد بعد سماع الكلمـ.ـا.ت لتهتف:
– يعني تعبانة اهي، امال بتقولي ازاي كويسة يا حسن.
برر ببساطة كادت ان تجلطها:
– عادي يا شهد، ما انتي عارفة ان حملها كان تاعبها من البداية، وبعد اللي حصل اتأثر اكتر .
لجمت نفسها بصعوبة حتى لا تصرخ به داخل المشفى الذي يعج بأعداد البشر، لتتراجع بقلة حيلة:
– طب قولي فين يا حسن اوضتها بدل ما اتشل وانا واقفة.
❈-❈-❈
داخل الغرفة التي وضعت بها نرجس وقد ألتفت حول رأسها الأربطة الطبية، فوق منطقة الرأس التي تأثرت نتيجة الوقعة الغاشمة من ابن اختها، ورغم ان الإصابة لم تكن بالخطيرة ، إلا أنها ومنذ ان فاقت من المـ.ـخـ.ـد.ر لم يتوقف فمها عن ابدا عن الشكوى.
– ااااه ااااه همـ.ـو.ت يا ست مجيدة همـ.ـو.ت، انا انكتبلي عمر جديد، ابن اختي، ابن اختي يا ست مجيدة كان عايزة يقــ,تــلني شوفتي غدر الزمن وصل لايه؟ شوفتي اللي حصلي يا ست مجيدة؟
– معلش يا حبيبتي، ربنا كتبلك عمر جديد ان شاء الله.
تمتمت بها مجيدة ، تحاول ضبط انفاعلها مع تلك المرأة التي لن تكف عن الشكوى إلى الشهر القادm، لتتجه نحو ابـ.ـنتها الصغيرة رؤى، تلك المسكينة التي تشتت عقلها، ما بين القلق الشـ.ـديد على شقيقتها المريـ.ـضة بالغرفة الأخرى، وما بين رعاية والدتها التي تضخم الأمر وكأن اصابة الرأس لن تشفى منها ابدا.
– اقعدي يا رؤى وريحي رجليكي، عشان بعد شوية توصليني لاوضة امنيه.
– وتسيبني لوحدي
هتفت بها لتردف بدراما ومبالغة
– تسيبي امك لوحدها يا أمنية، مش كفاية الممرضة اللي خرجت ومسألتش.
زفرت رؤى تمسك بأصبعيها أعلى انفها بإجهاد قبل ان تعقب على قولها:
– وهتقعد جمبك تعمل ايه يا ماما؟ دي معاها مية حالة غيرك، يعني تأدي عملها وتروح تشوف الباقي.
– وانا مش من عملها؟ ولا انت كمان هتعملي زيها، وتشخطي فيا؟ وكأنك مش متحملاني
قالتها بنبرة على وشك البكاء لتغمض ابـ.ـنتها عينيها بيأس، في انتظار وصلة اخرى من البكاء والشكوى، تطالعها مجيدة بحنق وغـــضــــب مكتوم.
❈-❈-❈
اما في غرفة أمنية والتي انتهت اخيرا من الفحوصات بخروج الطبية زفر زوجها يعبر عن حنقه بعد سماع التعليمـ.ـا.ت الجديدة الخاصة بهذا:
– استغفرالله العظيم، دا انا قولت الاسبوعين قربوا يخلصو تقوم الدكتورة كاتبة على شهر تاني؟
– شيء طبيعي يا عصام، دا انا خــــوفت الواد يسقط من الخضة…..
قالتها بعفوية لتجده مقاطعًا بغـ.ـيظ:
– بس يا امنية كلامك ده، انا على اخري اصلا، ثم انتي اتحركتي ليه من مكانك، ما انا قولتلك ما تتحركيش، اديكي اتنليتي وزلزلتي الواد، كنا ناقصين احنا عطلة.
– طب اعمل ايه طيب؟ وانا كنت قاصدة يعني؟
– اسكتي يا أمنية، بلا قاصدة بلا مقصداش.
قالها يزفر بضيق، مشيحًا بأبصاره عنها ،
كادت ان تتبسم لعلمها بالسبب الحقيقي لثورته، فتمالكت بصعوبة كي لا تزيد من غـــضــــبه، حتى استمعت لطرق خفيف على باب الغرفة لتدلف شقيقتها مهرولة اليها يتبعها زوجها ولينا صديقتها:
– أمنية حبيبتي عاملة ايه؟ والجنين اخبـ.ـاره ايه دلوقتي؟
اومأت بابتسامة تطمئنها ، فجاء الرد بانفعال من زوجها، وحدة تلفت الانتباه الجميع:
– كتبتلها على شهر راحة زيادة يا شهد، شهر زيادة عند والدتها.
❈-❈-❈
بخبث يطل من عينيها، تأملت واجهة المشفى الخاص من الخارج تقدر بعقلها الأموال التي قد تم صرفها والمتوقعة في الايام القادmة للعلاج وقضاء الليلة بتكلفة عاليه.
لتغمغم بتفكير متعمق وغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– قال وأما اطلب انا منه شوية تفاتيف مصاريف البيت والعيال، يعملي فيها واقع من الدور السابع، ماشي يا خميس ماشي.
قالتها واتجهت ماضية في طريقها نحو مدخل المشفى الموجود بداخلها سامر.
❈-❈-❈
وفي داخل غرفته، وقد كان يتناول الطعام بصعوبة من يد والدته، لتستمر في الإلحاح كلما توقف .
– يا بني كُل، خلي الجـ.ـر.ح يلم شوية، مينفعش كدة يا حبيبي .
– يا ماما الله يخليكي كفاية متضغطيش بقى.
تمتم بها بضيق شـ.ـديد، ليعلق والده هو الاخر بغـــضــــب:
– ما تسمع الكلام بقى يا بني عشان تخف، ولا انت عاجبك يعني اكل المستشفى اللي يسد النفس ده.
قالها بعصبية وعيناه تتبع هاتفه الذي لا يكف عن الاتصال بقلق، فهذه المـ.ـجـ.ـنو.نة لا تكف منذ الصباح عن مهاتفته، حتى خشى من انتباه زوجته والتي لفت نظرها في إحدى المرات، وحين سألته وجد الرد بكذبة اختلقها كالعادة
– صباح الخير .
اتجهت ابصار الجميع نحو مدخل الغرفة وقائلتها، تلك الجميلة التي عادت اليه بعد يوم عملها، ليتلقاها بابتسامة أشرقت بوجهه رغم مرضه:
– صباح الخير يا لورا اتفضلي .
تلقفت مجيئها درية بمكر تخاطبها:
– تعالي يا بـ.ـنتي يمكن يسمع كلامك، دا مطلع عيني على معلقتين اكل، شكله مش عايز يخف .
غـــضــــب سامر يحدجها بنظرة محذرة، تجاهلتها بلؤم لتواصل استقبالها الحافل وهي تترك لها المكان على ذلك الكرسي المجاور للتخت الطبي:
– تعالي يا حبيبتي مكاني، دا انا بشوفك وروحي تتردلي، ولا اقولك، خدي الطبق ده وحاولي انتي معاه، على ما اروح اتصل انا بالبـ.ـنت سامية أصلها اتأخرت اوي في المجي.
تمالك سامر غـ.ـيظه بشـ.ـدة لافعال والدته المكشوفة امامها ، حتى هم ان يرفض الطعام موفرا عليها الحرج، ولكنها اجفلته حينما تناولت الطبق بزوق اسعد درية:
– ولا يهمك يا طنط
– يا ختي يا روح طنت
رددت بها تبتعد عنهما، لتجفل زوجها المنشغل بالهاتف وتسحبه للخروج:
– ايه في ايه؟ بتسحبيني كدة ليه؟
– يا راجـ.ـل عايزاك، ما تفهم بقى.
قالتها توميء بذقنها نحو تلك الجميلة ليفهم من نفسه ، فيستجيب للخروج معها.
جلست لورا تجلس بالطبق تحاول ملء المعلقة بالأرز وقطعة لحم صغيرة، فاعترض بحرج :
– مفيش داعي يا لورا انا اقدر اكل بإيدي .
تبسمت تقربها منه:
– معلش يا سيدي خدي مني المرة دي.
تلقبلها على الفور دون انتظار، شاعرا بشهية مفاجئة تصل الى حد الجوع ليتناول الطبق منها بكامله
– احسن دلوقتى بعد ما فضفضتي
– ايوة طبعا
❈-❈-❈
خارج الغرفة توقفت تراقب من الفتحة الصغيرة التي واربتها للباب، بسعادة ترسل الفرشات لمعدتها، غافلة عن ذلك الذي اصفر وجهه في متابعة الهاتف وقراءة تلك الرسالة المرسلة حديثًا لهاتفه:
– يا نهار ابوكي اسود
تمتم بها بدون ان يشعر حتى انتبهت عليه زوجته لتسأله باستنكار :
– هي مين اللي نهار ابوها اسود يا خميس .
انتفض ناهضًا عن مقعده ينفي ويبرر بقلق وتعجل:
– مش عليكي طبعا يا درية ، دا على حاجة كدة….. بصي انا هنزل بسرعة اشوف مسألة…… هبقى اقولك بعدين، هبقي اقولك
وغادر من امامها متجهًا نحو المصعد دون ان تفهم منه شيء لتغمغم في أثره بدهشة:
– يا ختي ماله الراجـ.ـل ده؟ وشه بيجيب ويقطع في الكلام كدة لوحده؟
مصمصمت بشفتيها ثم رفعت الهاتف تتصل بابـ.ـنتها التي تنتظر حضورها منذ ساعة، تريد مشاركتها الاهتمام بتلك القصة العجيبة التي تحدث معهم، فأعطاها مشغول لتردف بتأفف:
– وانت كمان متنيـ.ـلـ.ـة ومشغولة دلوقتي، دا وقته؟
❈-❈-❈
وفي الاسفل
كانت سامية واقفة في احد الزويا تواصل مكالمتها المحتدة مع ذاك الذي فاجأها باتصاله:
– ايوة يا سي طلال جيت المستشفى لوحدي وبتاكسي، فيها ايه دي بقى؟
– فيها ايه؟ انتي كمان بتسألي؟ خرجتي من غير اذني وركبت تاكسي مع راجـ.ـل غريب، ولسة بتسألي يا سامية؟
تبسمت باستخفاف تقصد تحديه:
– اه بسأل عشان كلامك ميدخلش عقلي، ولا هعتبر نفسي سمعته اساسًا؟
لو تعلم ان بأفعالها تزيد من تمسكه بها، لما فعلت ابدا
وصلها الرد بضحكة يفيح منها التوعد:
– تمام اوي يا سامية، تمام اوي يا غالية، اعملي ما بدالك .
تبسمت تنهي المكالمة تضيف مزيد من مخزون رصيدها عنده، ثم ألتفت تتوجه بأبصارها نحو الجهة التي سوف تصعد منها إلى طابق شقيقها، لتفاجأ بخروج والدها من المصعد، مهرولا نحو احد النساء ، يبدو أنها كانت في انتظاره، ليقترب منها ويسحبها من يدها نحو الخروج بصورة تثير الاستغراب، تطلعت سامية بملامح المراَة البيضاء جيدا حتى عرفتها، لتمتم بحديث نفسها بتساؤول:
– صفاء قريبة إسراء مرات اخويا!
❈-❈-❈
بعد انهاء حديثه معها في الهاتف لم تمر ربع ساعة حتى وجدته يصل إليها، ليقف امامها الآن يطالعها بأعين مشتاقة لكل خلجة وكل تفصيلة:
– مالك واقفة كدة ليه؟ مش هتقوليلي ادخل يا بهجة؟
استدركت لوضعها، لينتابها التردد بحيرة، فاستغل هو يدفعها للداخل دون انتظار، ثم يصفق الباب بقدmيه:
– انتي لسة هتفكري.
ورفعها عن الأرض بين ذراعيه متمتمًا بلوعة:
– حشـ.ـتـ.ـيني و  حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي
استلسلمت لدفء حـ.ـضـ.ـنه الذي احتوى جــــســ ـدها بتملك يدغدغ أنوثتها بعشق لم يأتي في بالها ان يحدث ابدًا، ليجمع اثنين من عالمين مختلفين، عابرًا لكل الحدود
ورغم كل ما يحدث من عوائق،
اشتاقها بشـ.ـدة اشتاقها بجنون، حتى لم يعد يملك السيطرة على جموح عاطفته الجياشة بلقائها، لا يتوقف عن تقبيلها وبث اشواقه اليها
اما عنها فلم تكن اقل منه، رغم ادعائها المقاومة،
فحاولت دفعه عنها، حاولت منعه، حاولت بقوة واهية لا ترتقي للصد ابدًا، لتستلم في الاخير، تغرق في بحر امواجه المتلاطمة، تعلو بها الى السماء، وفي نفس الوقت تخشى النزول، ليقتطفا من الوقت لحظات من سعادة لم تدm سوى لحظات قليلة، ليستفيقا على صوت المفتاح بمغلق الباب ينبيء عن مجيء احد من اهل المنزل .
فجاء الصوت كمنبه يحفزها لتملك القوة هذه المرة، وتنزع نفسه عنه، هامسة بلهاث :
– يا نهار اسود، هيقول علينا ايه دلوقتي
كز على اسنانه بحنق شـ.ـديد، يحجم نفسه عن تصرف لا يعجبها، يشاهد ارتباكها امامه وكأنه افتعلت خطًأ مع ابن الجيران، لتشتعل به روح التحدي لاستقباله، ولكنها أبت ان تجعله ينفذ ما برأسه، لتسحبه على الفور، تدلف بها لاقرب جهة امنة لها في المنزل
ولم تمر سوى ثواني حتى دوى صوت شقيقها مناديًا بإسمها ، وهو يضع عدد الأكياس التي اتى بها من الخارج بعد تبضعه في السوق على الطاولة:
– بهجة انتي فين؟
وصله صوتها المضطرب بعض الشي .
– انا هنا يا قلبي…. في المطبخ.
دلف متجهًا نحو مصدر الصوت، مستغربا قيامها من فراشها، وتحدث يقضم بثمرة التفاح التي اخرجها من كيس الفاكهة الذي ابتاعه:
– طب وايه اللي قومك بس يا قلبي من فرشتك؟ هي البت جنات معملتكيش فطار قبل ما تخر…ج…….
توقف الكلمـ.ـا.ت وتوقفت عن مضغ قطعة الفاكهة داخل فمه، بذهول احتل ملامحه، يطالع ذلك الجالس حول الطاولة التي تتوسط المطبخ، وكأنه من اهل المنزل، يستقبله بابتسامة متسلية:
– ازيك يا إيهاب، عامل ايه؟
– ازيك يا ايهاب عامل ايه؟
ردد بها من خلفه بشيء من الاستهجان واتجهت ابصاره نحو شقيقته التي اكتسحها الحرج تعطيه ظهرها، تدعي الانشغال في تسوية القهوة على نيران الموقد، تغمض عينيها بخجل شـ.ـديد تستجدي من الله ان يمر هذا الأمر غلى خير، فخرج صوتها باهتزاز :
– رياض جه عشان يطمن عليا.
– اه !
تمتم بها يزيد من تـ.ـو.ترها فتحدث الاخر بأريحية وعدm اكتراث:
– مراتي وجيت اطمن عليها يا دكتور، اظن يعني دا شيء عادي أنه يحصل.
– لا مش عادي
قالها إيهاب بتحدي يردف موجها بحدة مقصودة:
– ما هو معلش يعني يا رياض باشا، كان لازم قبل ما تيجي تديني خبر عشان استقبلك، بدل ما تيجي وتكتشف ان مفيش حد معاها في البيت .
اغمضت عينيها بترقب شـ.ـديد لما يحدث، ثم قامت بصب القهوة في الفنجان متوقعة حدوث المشاجرة لتستدير اليهما فتشاهد الحرب البـ.ـاردة تدور على اشـ.ـدها بينهما، وقد صدر من زوجها ابتسامة مستخفة خالية من اي مرح:
– استأذنك!….. انا جوزها يا حبيبي مش خطيبها.
جاء رد إيهاب ببساطة:
– وانا قولتلك اني مش معترف ، يعني كويس اوي ان وصلتها لخطوبة
لطمة قوية بكف يده على سطح الطاولة دوت عاليا كانت بمثابة الرد الفوري بالاعتراض لتنتفض بهجة محاولة تلطيف الأجواء :
– القهووة، انا عملت فنجان رياض وانت يا قلبي هعملك الغدا اكيد راجع جعان
– حتى لو جعان دا مش وقته طبعا.
قالها بجلافة مقصودة ليتجه نحو الأخر والذي تحفز مقابلا له بغـــضــــب يردف متابعًا:
– دا غير ان القعدة هنا في المطبخ مش من مقام الباشا ، انا شايف اننا نخرج نضايفه برا في الصالون احسن، حاجة تليق بمقامه.
– ايهااااب
صدر منه الاسم بلهجة تنذر بالخطر، لينهض مواجها له، وكأنه يظهر فرق الحجم بينهما، يستطرد:
– لحد دلوقتي انا ملتزم معاك ضبط النفس، تقديرا لموقفك ولمعزة بهجة في قلبي، بلاش تعكر الشيء الحلو اللي ما بينا، الرسايل اللي قاصد ترميها في وشي دي انا مش غافل عنها وبحاول أديك عذرك، بس مش لدرجة انك تخليني غريب عن مراتي، يا سيدي لو مش قابل حضوري انا اخدها بيتي وتيجي تزوركم براحتها.
كانت بهجة على وشك الوقوع تراقب رد فعل شقيقها وتلك الابتسامة التي ارتسمت على ثغره بشيء لا تفهمه، شيء يثير داخلها الفزع من القادm، فصارت تهتز الصنية بما عليها من فنجان ممتليء بمشروب القهوة الساخن، حتى انتبه الاثنان، هم إيهاب ان يتناولها منها ولكن زوجها كان الأسبق، ليضع الصنية على الطاولة بفنجانها، وعينيه تعلقت بها، يستشف الضعف في مواجهة هذا الصغير، والذي خرج صوته بندية، يسحبه عن التركيز مع زوجته:
– رياض باشا خليك معايا لو سمحت، عشان كل كلامك اللي قولته من شوية، انا شايف انه ملوش معنى، لأن اختي مش هتخرج من بيتنا وتروح لأي حتة تانية الا بجواز اصله الأشهار، والأمر في ايد حضرتك، ولا ايه يا بهجة؟
توجه في الأخيرة نحوها ، لتلتف معه ابصار الاخر، ترقبًا لرد فعل يؤازره ولكنها لم تقوى على مخالفة شقيقها او خسارته في شيء له كل الحق فيه، رغم سقوط قلبها داخلها خشية الخسارة، خسارة من تتوقف انفاسها بحضوره، ذلك الذي في كل مرة تلتقي به، تتأكد تمام التأكيد أنه حبيبها الاوحد ، رغم كل عيوبه
– انا مع إيهاب.
بعض الجروح لا تشفى إلا بالكي
وهناك اوقات لا يصلح معها إلا القطع، ان تقرر ، ان تفصل، ان تنجى بالباقي من كرامتك، لهو اهون الف مرة من تستمر على الخطأ، حتى وإن كان بالتنازل سعادة وقتية، ثق انها رويدًارويدًا سوف تزول.
كوني قوية ولا تقبلي بأنصاف الحلول، إما عشق بوضوح الشمس وإلا فلا .
#بـ.ـنت_الجنوب
❈-❈-❈
– انا مع إيهاب.
– انتي مع إيهاب؟!
تمتم بها بشيء من الصدmة، لا يصدق الرد الفوري منها بهذه السرعة دون ان تعطي نفسها حتى فرصة للتفكير به, تلك من كانت منذ لحظات تذوب بين يديه، تنصر هذا الصغير عليه دون تردد ، هل لهذه الدرجة هو لا يعنيها؟.
– بسهولة كدة، بتمشي ورا كلام العيل الصغير والعته بيقوله ده؟
– انا مش عيل صغير يا باشا، ولا بخرف بعته…….
– ايهاب، استنى انت .
قاطعت بها شقيقها لتعطي كامل انتباهاها له، فيلتقي صفاء خضراوتيها بوهج ببندقتيه الحادتين، في حديث لا يخلو من عتب ولوم وكأنه تذنب في حقه وعلى وشك التخلي عنه دون انتظار .
– ممكن تخرج دلوقتي يا إيهاب؟
تفاجأ شقيقها بطلبها، فجاء رده يضيف مزيدًا من الدهشة بقلب هذا المطعون بموقفها المخزي ضده على حسب ما يرى الاَن:
– واسيبك لوحدك معاه؟
– من فضلك يا إيهاب.
اذعن في الاخير لرغبتها ، ولم يفوته توجيه نظرة الانتصار نحو ذلك المتجمد محله ، والذي لم يرفع ابصاره عنها سوى بعد خروجه ، لتبزغ ابتسامة ساخرة بزاوية فمه قائلا :
– كويس والله انه سمح لنا بالانفراد، بس انتي ازاي جاتلك الجرأة تطلبيها؟
قابلت تهكمه بثبات واهي، وقلبها من الداخل يأن و.جـ.ـع الترقب ،والخــــوف من النهاية الشويكة بالمواجهة الفاصلة الآن:
– انا مش ببيعك دلوقتي يا رياض، انا بشتري نفسي وكرامتي قبل ما اشتري اخواتي، حتى لو انت شايف اللي بيحصل عته ، وأن اعترافك بجوازنا قدام اسرتي انه أقصى ما عندك أو يمكن معتبره تفضل عليا……
– بلاش كلامك المستفز ده ، عشان انا على اخري اساسا.
هدر بها مقاطعًا بحدة ، ليجبرها على المزيد من المكاشفة، فلم يعد هناك شيء لا ينبغي البوح به:
– بلاش نضحك على بعض، عشان انا عارفة كويس سبب رفضك ، انت لحد الان عامل حساب للمجتمع الراقي بتاعكم ، دmاغك صورتلك انك بكدة عملت اللي عليك قدام اخواتي، وتقدر من النهاردة تأخدني على عشنا السعيد ونعيش في امان وسلام، واللي يعرف هيبقى اعداد قليلة يدوب متأثرش على سمعتك، اللي ممكن تنهار لو اتعمل فرح واتكتبت اسم رياض باشا مع بـ.ـنت خليل اللي كانت شغالة عاملة في مصنعه لا وكمان جليسة للست والدته ، متفتكرش اني غـ.ـبـ.ـية ومش واخدة بالي من التفصيلة الصغيرة دي .
لأ ينكر انها أصابت جزء كبير الحقيقة ، وكأنها اقتحمت عقله واكتشفت ما يدور برأسه ولكن روح العند بداخله تأبى الاعتراف ، والتمسك بالهجوم :
– اممم وايه تاني كمان؟ كملي يا بهجة، شكل إيهاب مش جايب ايه حاجة من عنده .
ردت بابتسامة جانبية ضعيفة، لم تصل لعيناها :
– اعتبرها كدة فعلا…. لو انت عايز كدة، بس في كل الحالات احنا وصلنا لطريق نهايته اختيارين، انا عارفة ان الاتنين أصعب من بعض عليك، لكن لابد منهم، وعلى العموم انت تقدر تريح نفسك خالص، وتعتبر حكايتنا قصة وانتهت، لو صعب اوي معاك التنفيذ،
– يبقى انتي اللي اختارتي يا بهجة مش انا، وكدة خليكي قد قرارك .
صدرت منه سريعًا وبدون تفكير، وكأن بها رد لكرامته، بعد تفضيلها لشقيقها عليه.
وتحرك فجأة يسحب نفسه للخارج امام صمتها المريب، حتى سمعت صوت غلق الباب الخارجي للمنزل بمغادرته، ليدلف شقيقها بعد لحظات قليلة ، ويجدها واقفة امامه دون حراك وكأنها تمثال من شمع، لا ترمش حتى عينيها، بهيئة أوقفت قلبه ، حتى صدر قوله بصوت هتز:
– ايه اللي حصل؟ انا شايفه خارج وشه ميطمنش.
لم تنطق ببـ.ـنت شفاه، حاولت التظاهر بالثبات ، ولكن دmـ.ـو.عها أبت الا تخونها، حتى وشكت على الوقوع، قبل ان تتلقفها ذراعي شقيقها حتى لا تسقط.
❈-❈-❈
أجلت الصعود إلى شقيقها، وتجاهلت الرد عن مكالمـ.ـا.ت والدتها التي هاتفتها عدة مرات، وصارت تتبع هذا المشهد الغريب، بسحب والدها لتلك المدعوة صفاء قريبة زوجة شقيقها، بفضول يكتسحها لمعرفة التقاء الشرق مع الغرب، تلك التي رأتها مرة واحدة اثناء زواج شقيقها وعرفت انها متزوجة في الصعيد، إذن ما الذي يجمع بينها وبين والدها؟
اما عن خميس والذي واصل سحب زوجته حتى وجد المكان المناسب ليدفعها بقوة فيصطدm ظهرها بالحائط الخلفي لمبنى المشفى، في زاوية بعيدة عن المارة وعن الجميع.
فيخرج صوته أخيرًا بعد ان اطمأن بعض الشيء لابتعاده بها عن مصدر الخــــوف، ويتذكر غـــضــــبه منها:
– انتي اتجننتي يا صفاء؟ جيالي برجليكي لحد المستشفى عشان تفضحيني؟
طق فمها بصوت مستهجن تستنكر قوله:
– افضاااحك! ليه يا خميس بقى؟ كنت شبهة مثلًا؟ ولا واحدة ماشية معاك في الغلط؟
صاح بها بحنق شـ.ـديد:
– لا دا ولا دا؟ وبلاش تحوري في الكلام يا صفاء، تقدري تقوليلي ايه اللي جابك على هنا اصلا؟
تمسكنت بلهجتها تبتغي استعطافه وصب اللوم عليه:
– اخص عليك يا خميس، دا برضو سؤال تسأله وانا قلبي اتخلع من مكانه على ابنك بعد ما سمعت باللي جراله، دا جزاني يعني اني خــــوفت عليك انت كمان، لتكون تعبت ولا متحملش الخبر؟
جز على اسنانه بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– وانا ايه اللي هيجرالي بس؟ شايفاني ضعيف لدرجادي؟ صحتي زي البومب قدامك ولا مش واخدة بالك؟
مطت شفتيها على زاوية تقلب عينيها بتعبير واضح لسخريتها من عبـ.ـارته، مما ضاعف من غـــضــــبه ليواصل بانفعال
– وكمان ابني يعرفك منين اصلا عشان تزويه؟ كان يكفي اتصال منك تسأليني فيه عن صحتي وعن الواد، مش تيجي برجليكي ع المستشفى…..
تخصرت تواجه بخطأه؛
– طب قول لنفسك الكلام دا يا غالي؟ وارفع التليفون كدة وعد كام مرة اتصلت بيك وانت مرديتش؟ من آخر مرة مشيت من عندي وانت خدت ايدك في سنانك وقولت يا فكيك، مش هاين عليك تتطمن على الغلبانة اللي سيبتها ولا حتى ترد على اتصالي، لدرجادي انا حملي تقيل عليك؟
وختمت بادعاء البكاء ليزمجر ضاربًا بقدmيه على الارض:
– يووووه، ما هو لو عليكي لوحدك، والله ما كان همني، لكن المصـ يـ بـةفي اللي وراكي، كل مرة اجيلك فيها بكع دm قلبي، حتى اتصالك بيا بيبقى برضو وراه طلبات، لحد ما بقيت اخاف ارد عليكي.
زمت فمها بضيق يكتنفها لتقارعه بحديثها:
– مممم قول كدة بقى، سعادتك بتحسب الملاليم اللي بتدهاني عشان عيالي المساكين، انما اللي من صلبك تجيبلهم اللالي وتصرف بالمية الف في مستشفي استثماري قد الدنيا ميدخلهاش الا الناس العليوي..
– انتي بتحسبي لعلاج ابني؟ عايزاني اسيبه يمـ.ـو.ت من غير علاج يا صفاء؟
سألها بصدmة لتسارع هي بالتبربر:
– لا طبعا، ايه اللي انت بتقوله دا يا خميس؟ دا ابنك ده يبقى ابني، حتى لو فرق السن ما بينا قليل، انا بس بفضفض من حرقتي، عايزاك مـ.ـا.تفرقش ما بين العيال، ولا تفرق بيني وبين مراتك الاولى، يعني لو هنمشي بعدل ربنا، يبقى يومين عندي ويومين عندها.
هم يذكرها بالسبب المباشر لابتعاده عنها، ولكنها لحقت بذكائها :
– وان كان ع الدفع اللي بتتشكي منه، تعالي المرة الجاية واحنا نتفاهم، انا بتكلم في حقي فيك يا خميس
تابعت حديثها بنعومة تعلم بأثرها جيدا عليه:
اصلك بتوحشني اوي وبشتاقلك، وانا ست صغيرة ومحتاجة جوزي مبيعدتش عني، مش ابقى متجوزة ومش متجوزة…
وجهت كلمـ.ـا.تها نحو المغزى الذي يعلمه، لتنطلي عليه ويصدق تبريرها، فيغمره شعور بالزهو، وحماقة تعجبها كي تواصل في خداعه.
– خلاص يا صفاء انا هحاول متأخرش عليكي، يخرج بس ابني من المستشفى واجيلك ان شاء الله، انتي فعلا صغيرة وحقك تخافي على نفسك من الفتنة، وأنا برضو راجـ.ـل بفهم ولازم ارعي الحتة دي، بس هو يعني لدرجادي بوحشك يا صفاء؟
اخرجت تنهيدة مثقلة، تومي رأسها بادعاء الخجل:
– اوي اوي يا خميس، بس مينفعش افسر عشان مش وقته
– فعلا مش وقته
ردد بها بابتهاج متعاظم ، وقد اطربه حديثها بشـ.ـدة حتى كاد ان ينسى نفسه ويذهب معها، ولكن استدرك لسوء الظرف، كي يعود إلى عقله ويأمرها
– خلاص بقى مدام اتفاهمنا، روحي دلوقتي على طول وانا مش هتأخر عليكي ان شاء الله.
سمعت منه لتمتد كفها نحوه على الفور:
– خلاص يبقى ايدك بقى ع المواصلات.
– مواصلات ايه؟ هو انتي جيتي مشي؟
– لا يا حبيبي مش مشي، بس انا ايدي فاضية دلوقتي، وعيالي وعدتهم بحاجات حلوة اجيبها معايا ، اول بس اما عرفو اني جيالك، كل واحد فيهم طلب اللي نفسه فيه، ها هتديني ولا اكـ.ـسر بخاطرهم واقولهم عمكو مش طايقكو ولا طايق سيرتكم، عشان ساعتها يعندو معاك بحق؟
– لا يا صفاء متقوليش ولا تخليهم يعندو
تمتم بها بقلة حيلة، ليخرج من جيب بنطاله حافظة النقود التي كانت ممتلئة على آخرها بلفات النقود حتى اختطفتها منه سريعًا تخرج معظمها ليعترض محاولا لالتقاطهم:
– دول خمسة آلاف هدفعهم للمستشفى.
أبعدت يداها على الفور عنه، لترد بسـ ـخـــريــة ردًا على كذبته:
– ارجع ع الوكانة يا حبيبي جيب غيرهم، بس حاول تكترهم شوية، هي الخمسة آلاف دي تعمل ايه في مستشفى استثماري زي دي؟
– وكمان بتخـ.ـطـ.ـفي منه المحفظة وبتطلعي منها الفلوس؟
تمتمت بهذا السؤال سامية بحديث نفسها، والتي كانت تتابع من جهة غير مرئية لهما، اللقاء بأكمله
❈-❈-❈
بخطوات مسرعة سارت تغادر مقر عملها في مكتب المحاماة خاصتها، بقلق يعصف بها بعد تلك المكالمة التي أجرتها للإطمئنان على صديقتها ، وما أخبرها به شقيقها عن حالة تلك المسكينة، تمكنت من النزول من المبني وكانت في طريقها إلى سيارتها، والتي ما ان وصلت اليها حتى انتبهت لتتسع عينيها بإجفال وهي ترا الإطار الخلفى من الجهة اليمني امامها متهدل وكأن الهواء قد انسحب منها بإصابة حلت به، تتذكر جيدا حينما أتت بها في بداية اليوم، لم يكن به شيء على الإطـ.ـلا.ق، ولكن ما الفائدة الاَن للبحث والتنقيب؟ وهي لا تملك وقتا للتأخر؟
بفعل طفولي، ضـ.ـر.بته بقدmها ، قبل ان تتحرك وتتركها لتبتعد قليلًا وتحاول إيقاف سيارة ما تقلها، وجدت المكان المناسب لتقف به، وما ان وقعت عينيها على إحداهما قادmة في الطريق نحوها، حتى ارتفعت كفها تشير الى سائقها وبتركيز شـ.ـديد تريد لفت انتباه،،
ويحدث ان ينتشلها على حين غرة، صوت صرير سيارة اتيًا من الخلف، فتلتفت رأسها اليه لا إراديًا لتجفل فجأة وبدون سابق انذار بدفعة كبيرة من ماء الارض التي تقف عليها بفضل غسيل إحدى السيارات لساكني المبنى الذي تقف بجواره، وتُنثر على الطقم الذي ترتديه.
كاد قلبها ان يقف من الخضة، تطالع ردائها الجميل وقد تلطخ ببقع المياه والطين، فتظل لفترة من الوقت فاغرة فاهها بصدmة ، حتى ظهر امامها ذلك البلاء يترجل من سيارته ، لينظر الى ما اقترفته يداه هو الاخر بصدmة يدعيها مرددًا:
– يا نهار ابيض، ايه ده؟ ايه ده يا أستاذة يا آنسة صفية؟
خرج صوتها بنبرة توشك على البكاء:
– دا بجد؟! انت كمان اللي بتسأل ؟ على فكرة انا لو جاتلي ذبحة صدرية، ولا جلطة دmاغية هيبقى بسببك، هو انت في حد مسلطك عليا؟
بصعوبة شـ.ـديدة كتم ابتسامة خبيثة، يدعي الحـ.ـز.ن :
– انا برضو يا أستاذة يا آنسة صفية؟.
صرخت به، فلم تعد بها طاقة لافعاله:
– يا عم متزفتنيش، متندهنيش بأي زفت، انا على اخري وربنا على اخري .
– وطي صوتك طيب، الناس حوالينا يقولوا عليكي ايه؟ منظرك قدام اهل منطقتك يا أستاذة.
همس بها مقربا رأسه منها، وكأنه يحذرها، لتنتبه هامسة هي الاخرى بغـ.ـيظ شـ.ـديد كازة على اسنانها:
– حاضر هتزفت واخرس خالص، انت عايز ايه دلوقتى؟
– اوصلك بيتكم .
– نعم !
– نعم الله عليكي يا أستاذة، قصدي يا ستي اوصلك لبيتكم عشان عربيتك العطلانة، بدل يعني متلقيش تاكسي يرضى يوصلك بالطقم المبقع بالطين ده، ولا تاخدي تريقة من السواق اللي يجي على نفسه ويقبل .
ضاقت عينيها بريبة لتنقل بأبصارها ما بينه وبين سيارتها المعطلة بإطارها المثقوب لتتوجه نحوه بتساؤول:
– وانت عرفت منين ان عربيتي عطلانة بسبب العجلة اللي نايمة؟
كالعادة لا يغلب ابدًا في التفسير، ليجيبها على الفور بتأثر:
– مش محتاجة ذكاء يا أستاذة، واقفة جمب عربيتك وبتشاوري لتاكسي، يا ترى هيكون ليه بقى؟ عشان تاخدي صورة معاه مثلا؟
ضحكة سخيفة تصنعتها في رد على مزحته:
– ظريف اوي يا دكتور هشام، ونبيه، يعني لقطها بسرعة كدة وانت ماشي بعربيتك، مش غريبة دي؟
– لا طبعا مش غريبة، واحنا هنحقق ليه صحيح؟ مش ياللا بقى عشان اوصلك، ولا تكوني مكسوفة مني، دا انتي حتى محامية ولازم تبقي جريئة.
قالها يشير لها عائدًا إلى سيارته، يثير حنقها بشـ.ـدة، فتضطر في الاخير لتتبعه، قائلة بعند:
– انا هركب بس عشان معنديش وقت زي ما قولتلك وعشان مشواري .
❈-❈-❈
منذ آن قدmت تسبقه بلحظات، وهي لم ترفع عينيها عنه عقلها يدور بالتساؤلات والتكهنات الغير بريئة على الإطـ.ـلا.ق عن تلك العلاقة التي تجمع رجل كهل مثله مع امرأة مثل صفاء التي اللعوب التي عرفت باتصال لزوجة اخيها انها مطلقة منذ شهور، إذن كيف اجتمعت مع ابيها لتستغله وتسحب منه الأموال لهذه الصورة الفجة وكأنه تملك الحق فيه؟ هذا الأمر يستحق المتابعة والبحث .
– مالك يا بت متنحة كدة ليه من ساعة ما جيتي؟
كان هذا سؤال والدتها، لتسحبها اليها من دائرة الشرود والتفكير المستمر، فتحاول استماع ذهنها:
– لا يا ما تشغليش نفسك، دي حاجة كدة.
– حاجة ايه اللي كدة يا.ختي؟ ما تتكلمي يا بت .
هتفت بها درية بحزم جعلها تحسم عازمة في نقل الأمر اليها ، ولكن نظرة واحدة نحو تلك الفتاة المرفهة الجالسة بقرب شقيقها المريـ.ـض، وتذكر ما قد يحدث من فضائح، ان تكلمت الآن، وربما قد ينجى منها ويكذبها بقصة يختلقها كعادته، انها ادرى الناس به، لتعود لعقلها وتتراجع مؤجلة الحديث لوقته:
فتنقل بنظرة حادة متوعدة نحوه قائلة:
– معلش ياما، كل شيء ليه وقت، هقولك انا على كل حاجة بس بعدين.
❈-❈-❈
والى ذلك الثائر، وبعد ما حدث من تطورات، كان هو المتسبب الاول فيها، يغمره الآن شعور بالهم يقسم ظهره، يعلم أن موقفه صائب ولكن ما ترتب على فعله من حـ.ـز.ن لشقيقته، جعل عقله يدخل في حيرة من امره
هو في الاخير شقيقها، يـ.ـؤ.لمه ما يـ.ـؤ.لمها حتى وإن كان يرى الأمور من زاوية محقة، ولكنه ايضًا لن يغفل عن سعادتها، والتي قد تفقدها بلا عودة ان استمر هذا المتعجرف في صلفه، واتخذ الأمر تحدي معه.
– لسة برضو مضايق، ارفع راسك يا بني انت عملت الصح.
جاءه الصوت الداعم لكل ما حدث من البداية، كمحفز الآن ليرفع رأسه اليه بالفعل، يطالعه بضعف قائلا:
– بس انا خايف عليها، بهجة اختي قوية وضعيفة في نفس الوقت، يعني تبقى زي الوحش في المواجهة، ومرة تانية تلاقيها سقطت من طولها بكلمة واحدة، ودا مش موضوع وخلاص، دا مستقبلها وسعادتها، خايف تكرهني بعد كدة والله.
ارتجف جــــســ ـده في الأخيرة، بتأثر احتل كيانه، ليربت على كتفه الاخر بقوة وحزم:
– ان شاء الله ميحصلش الكلام ده، لأنه لو معملش الصح، يبقى ميستهلهاش، اختك عاقلة ولو مكانتش فاهمة ومؤيدة مكنتش هي بنفسها وقفلته معاك.
طالعه باستجداء يريد المزيد:
– بجد يا شادي، ولا بتقول كدة عشان تطمني.
رد المذكور بثقة واضعًا عينيه نصب خاصتي الاخر:
– انت كمان متأكد من موقفك، الاستمرار في الوضع ده إهدار كرامة، واختك غالية وتستاهل الدنيا كلها تفرح لفرحتها
❈-❈-❈
– ناوي تطلقها؟
– مين قال الكلام ده؟
تمتم غير مستوعبًا برفض تام، ليردف الاخر في توجيه الحديث اليه:
– رياض انا بسألك عشان تحدد موقفك، بعد اللي حكيته من شوية، واحساس الخذلان اللي حسيته منها زي ما بتقول، هل الحكاية كدة خلصت، وكل واحد هيروح لطريقه بقى؟…….
سمع منه ليزفر بضيق متعاظم ، يغطي بكفه على جبهته بتعب:
– مش عارف احدد اي قرار دلوقتي يا كارم، من ساعة ما خرجت من عندهم والصداع مسكني من كتر التفكير، همـ.ـو.ت من الغـ.ـيظ، ان حتة عيل هو اللي يفرض شروطه عليا، وهي ماشية معاه، طيب تصبر عليا شوية مش يمكن مع الوقت…….
– هيحصل ايه مع الوقت يا رياض؟
يقاطعه بأسئلته الواضحة بصورة تجعله محشورا في زاوية لا تعجبه، ليعبر عن سخطه نحوه:
– كارم انت معايا ولا معاهم؟ ما تخف عليا في أسئلتك دي يا سيدي .
تبسم الاخير بشيء من المكر في الرد له:
– طب وانا ايه ذنبي بس يا عم رياض عشان تحطني معاهم؟ انا مجرد واحد بيتكلم معاك بالمنطق عشان توصل لقرار، انت لازم تحدد اهدافك ، ان كنت هترضى وتنفذ المطلوب ولا تسيبها لحال سبيلها، أصلها مش هتفضل معلقة…..
– تروح لحال سبيلها ازاي يعني ؟
سأله بشيء من توجس واستنكار، ليأتي رد الاخر بكل وضوح:
– قصدي يا سيدي انها مش هتفضل معلقة وأكيد في يوم هتشوف حالها وتتجو……
– دا انا اقــ,تــلها واشرب من دmها.
هتف بها بحدة اجفلته ، لترتسم على محياه ابتسامة خبيثة ضاعفت من حنق الأخر، ليهتف به ينهاه:
– كارم بلاش اسلوبك ده عشان انا على اخري.
اومأ برفع كفيه امامه باستسلام:
– طب خلاص خلاص متزعلش…… دا انت الله يكون في عونك
غمغم بالاخيرة بصوت خفيض يخفي ابتسامته حتى لا يثور به مرة اخرى، وبداخله يشفق عليه بالفعل، فلا يعرف بصعوبة موقفه الا رجل مثله ومن نفس الطبقة، بل ويزيد عليه، تلك العقد التي ترسخت بمرور السنوات بعقله، ربما يحتاج الكثير من الوقت ليحارب وحوش الماضي، او ربما يستسلم لها وينسى بهجة وسعادته التي وجدها معها
❈-❈-❈
بكت كثيرا، ونامت كثيرا، ثم قامت وجلست بجوار النافذة تنظر في الفراغ ، بمشاعر لا تعلم لها مسمى، يغلب عليها الحـ.ـز.ن، وربما اشياء اخرى، هل ما مرت به اليوم ، هو لحظة الوداع الفارقة؟ ام انها التمهيد لبداية جديدة؟
مازال قلبها يأن من الو.جـ.ـع، كم من مرة حضرت نفسها لتلك اللحظة، تعلم من البداية النهاية الطبيعية لذلك الزواج المشروط، ولكن لحظة الوداع لها وقع اخر، عـ.ـذ.ابها لا يضاهيه شيء، ألــمها مو.جـ.ـع، هل كان عليها التنازل والاستمرار في اقتطاف اللحظات الجميلة بينهم ، ولكن إلى متى؟
تنهيدة مثقله خرجت منها لترفع عينيها إلى السماء، متجهة إلى ربها بتضرع:
– يارب ساعدني، يارب قويني، اللهم ارح قلي بما انت به أعلم.
– بهجة.
ألتفت برأسها نحو صاحبة الصوت التي دلفت اليها بخطوات مسرعة، لتلقف لقاءها كالغريق:
– صفية.
❈-❈-❈
خرج من غرفة مكتبه، بعد انتهائه سريعًا من بعض اعماله، كان متخذًا طريقه نحو الصعود إلى جناحه حينما وصله صوت طرق الحذاء الانثوي على درجات السلم فتوقف محله، يتابع هبوطها بهيئتها التي دائما تبهره، ولكنها كانت غاضبة، وهو ليس بالغـ.ـبـ.ـي حتى يغفل عن السبب، فيكفي النظرة التي تحدجه بها، هي خير دليل على صدق ما يظنه:
– مساء الخير يا نجوان هانم
بادلته رد التحية بما يشبه السـ ـخـــريــة:
– مساء الفل يا قلب نجوان، يارب تكون مبسوط دلوقتي؟
ابتسامة صغيرة لاحت بثغره، وقد أكدت له الان، انها على علم بكل ما حدث، ليسألها بهدوء:
– مبسوط على ايه يا ست الكل بالظبط؟ ممكن توضحي اكتر
ولأنها تفهمه جيدا قررت مراوغته هي ايضا:
– يا قلبي دا سؤال عادي، ما انا بتمنالك طول الوقت انك تكون مبسوط، عن اذنك بقى عشان خارجة
انزاح بجــــســ ـده عن طريقها لتتخطاه متجهة المغادرة، وما ان وصلت لنصف المسافة من المنزل حتى وجدته يهتف بها:
– متنسيش تسلميلي عليها طيب .
❈-❈-❈
عادت مساءًا تترجل من سيارة الأجرة، تعطي السائق عدد من الورقات المالية تلقفها بضحكة متغزلًا:
– من ايد ما نعدmها يا قمر.
قابلت اطراءه بابتسامة منتشية، وابتهاج يدغدغ اسماعها ، في كل مرة استمعت لكلمـ.ـا.ت توصف جمالها او جمال جــــســ ـدها المتناسق في تلك العباءة السمراء ، لتتمايل بخطواتها بدلال مقصود من أجل لفت انتباه المارة في الشارع، وسائق الاجرة الذي ظل على وضعه، يتابع مرورها امامه بابتسامة بلهاء، توقفت فجأة حينما لمع النصل الفضي بجوار رأسه، ليجفل منتبها لهذا السلاح الابيض، وحامله ذو الملامح الاجرامية الواضحة، فتصدر منه شهقة مرتعبة يتسائل نحوه بجزع:
– انت عايز ايه يا جدع انت؟
بكلمـ.ـا.ت محددة قرب وجهه ذو الندوب الواضحة به، يخاطبه بصوت بدى كالفحيح:
– في اقل من دقيقة، تطلع انت وعربيتك برا المنطقة دي، يا كدة يا تقول على نفسك يا رحمن يا رحيم، وما حد يعرفلك طريق جرة، لا انت ولا عربيتك.
سمع منه الرجل ليدير المحرك على الفور، فيتحرك بسيارته سريعًا، كي يغادر من امام هذا الرجل وتهديد المروع
راقبه الاخر قليلًا، ثم هرول يقطع الطريق نحو البناية التي يقصدها في اقل من دقيقة، ليلحق بتلك المتمردة والتي كانت وصلت الى منزلهم، وما ان شرعت بفتح الباب بمفتاحه، حتى شعرت بكف قوية تدفعها من ظهرها لداخل المنزل.
شهقت على اثرها بفزع حتى كادت ان تصرخ مستنجدة بأحدهم، قبل ان تلتف رأسها، وتفاجأ بهذا المدعو خطيبها، يصفق الباب الخارجي عليها وعليه، فتثور هذه المرة به ناهرة
– ايه يا عنيا انت اتجننت ولا ايه؟ اخرج حالا دلوقتي يا طلال، بدل ما اصرخ والم الشارع كله عليك.
تقدm نحوها بهيئة متحفزة تثير بداخلها الأرتياع مرددًا:
– طبعا ما انتي وشك مكشوف وتعمليها، بس اعمليها يا سامية وانا مش همنعمك حتى لو لمـ.ـيـ.ـتي المحافظة كلها علينا، برضو كله هيصب في مصلحتي، عارفة ليه يا حلوة؟
عشان انا خطيبك، يعني اخري اخدلي كلمتين على تسرعي لما اساعدك واقطع هدومك دلوقتي، وأثبت التهمة عليا، عشان يستروا الموضوع ويلمونا في يوم وليلة بقى، بلا فرح بلا كلام فارغ، المهم تبقي في بيتي عشان اكـ.ـسر سمك ده بقى واخلص، في ايه يا بت؟
انتفضت بفزع تأثرا بصرخته التي دوت فجأة ليخرج صوتها باهتزاز وهي تتراجع للخلف خــــوفا منه:
– انت اللي في ايه؟ ما تقول لنفسك الكلام ده؟ جاي ورايا لحد البيت تقفل الباب علينا لوحدينا، طب اعمل حتى حساب لابويا صاحب ابوك ، ولا لاخواتي الرجـ.ـا.لة، هي دي برضو أصول يا طلال؟
– يا حلاوة طلال وهي طالعة من بوقك اللي زي الشهد ده.
تفوه بها يهتز بجــــســ ـده امامها ، ليزيد من بث الرعـ.ـب بقلبها، وهي مازالت تتراجع حتى اصطدm ظهرها بالعمود الذي يتوسط الصالة، لتقع يدها على تلك المزهرية الموضوعة بالقرب منه على طاولة صغيرة، بشكل إبداعي ضمن اثاث المنزل، فوجدتها فرصة كي ترفعها وتدفعها نحوه، لكنه كان اذكي من ان يمكنها، ليلحق سريعًا، ويسيطر على يدها بالمزهرية التي تمسكها واليد الأخرى سيطرت على ذراعها الثاني، يهدر بها:
– عايزة تفتحي دmاغي يا بت؟
انتفضت شاعرة بحجم الخطر الذي ورطت نفسها به، قربه منها بهذه الصورة، وسيطرته على حركة جــــســ ـدها ، حتى ان انفاسه كانت تصل بشرتها، ليردف متشفيًا:
– ايه رأيك يا حلوة؟ البيت خالي علينا لوحدنا والوضع اللي احنا يجعل الشيطان يلعب في راسي بمفك.
فخرج صوتها هذه المرة بتوسل:
– وانت تسمع ليه للشيطان يا طلال، ما تفتكر ان ليك اخوات بنات ومترضاش ان حد يعمل معاهم كدة
– بس انتي هتبقي مراتي يا بت، يعني مش اي حد .
صرخ بها بنظرة مرعـ.ـبة جعلتها تفقد كل الثبات الذي تدعيه، حتى ان كانت على وشك البكاء، افلتها على حين غرة، يتنفس بخشونة، يرمقها بنظرات مشتعلة وهي بالكاد تحملها اقدامها، فما زال الرعـ.ـب يحتل كيانها منه، وقد جفف الدmاء في عروقها دون ان تهتز له جفن
عيناه مظلمة بالرغبة والشر ايضًا، يريدها ويريد تأديبها، يعلم أن الطريق مع امرأة مثلها ليس بالهين، ولكن منذ متى هو استحب السهل؟
دفع المزهرية على الارض بعنف يجفلها، ثم أصدر اوامره لها:
اسمعي يا سامية، انا النهاردة هكتفي ان اكلمك بالعقل،
وهتسمعي الكلام عشان مصلحتك، إياكي تخرجي مرة تاني من غير ما تبلغيني، مشيتك المعوجة قدام الناس في الشارع عشان تلفتي النظر وتسمعي منهم الكلام الحلو لو اتكررت هكـ.ـسرلك رجلك، البس المحزق تنسيه خالص يا اجي وبإيديا الاتنين دول اولعلك فيهم.
إلى هنا ولم تعد تقوى على التحمل لتصرخ به بأعين باكية:
– في ايه؟ من يوم ما خطبتني وانت اوامر اوامر زي ما يكون اشترتني، دا كله في الخطوبة ، امال لو حصل بجد واتهببت اتجوزتك هتعمل فيا ايه؟
– هدلعك واكلك الشهد.
صدرت منه، لتُبهت ناظرة اليه بعدm استيعاب، فاستطرد يؤكد لها:
– ايوة يا سامية، صدقي كلامي ومتفكريش اني بضحك عليكي، قولتهالك المرة اللي فاتت يا بـ.ـنت الناس، انا رايدك، بدليل ان اقدر اخدك دلوقتي، ومش هتقدري تصديني على فكرة، لكني مُصر احافظ عليكي، عارف اني مش عاجبك بس انا جيبتها من تحت، وحتى كل الغلط اللي عملته في حياتي، بحاول اصلحه دلوقتي عشان انا عايز كدة، زي ما انا عايزك برضو…..
اعقلي يا بت الناس وانتي تلاقيني عجينة طرية بين ايديكي، وأن كان ع الكلام الحلو اغرقك فيه واعيشك احلى خطوبة كمان، بس انتي بصي للحلو اللي فيا، وحاولي تنسي شيكاغو القديم، زي ما انا بزيح من دmاغي سامية اللي قدامي، ومستني سامية اللي بتمناها.
❈-❈-❈
ولأن الانتظار في المنزل هو اسوء الأشياء لحالتها الآن.
سحبتها صفية لتخرج بها الى المحل حيث كان اشقائها في انتظارها هناك في اوقات عملهم، ولكن ما لفت نظرها بحق هو وجود شادي وزوجته، ونجوان التي هرعت اليها فور رؤيتها:
– بهجة يا قلبي
تفوهت بها نجوان تتلقفها من وسط المسافة، تحتضنها وتضمها بقوة، ثم سحبتها لتجلسها بجوارها على الطاولة التي تضمهم أجمعين، لتلقي التحية وتصافحهم قائلة بمزاح:
– مساء الفل يا جماعة، انتو بتجمعو بعض امتى وازاي؟
جاء الرد اولا من صبا التي ضحكت تحـ.ـضـ.ـنها هي الاخرى:
– حبيبتي القلوب الطيبة بتجمع بعضيها، وانتي مفيش أطيب منك يا بهجة.
– والله دا انتي اللي عسل.
تبسم شادي بـ.ـارتياح، يعجبه روح المودة التي تجمعهم، فيتدخل بينهما مشاكسًا:
– هي عسل وانتي عسل ، كدة تعملوا قافلة
ضحك الجميع استجابة لمزحته، قبل ان يتخذ كل فرد منهم مقعده حول الطاولة، فتحدث إيهاب بنوع من النـ.ـد.م:
– بهجة انا اصريت ابعد البنات النهاردة عن القعدة معانا عشان اخد راحتي معاكي واقولك قدامهم، ان والله ما ما واخد الموضوع عند معاه، اكيد انتي فاهماني ، لكني في نفس الوقت، مستعد اوافق على اي قرار منك مهما كانت صعوبته عليا، لو هتبقى شايفة فيه سعادتك، عشان متجيش في يوم، تقولي اخويا هو السبب
طالعته بهجة بتأثر واضح تخفف عنه:
– انت السبب في ايه بالظبط يا عبـ.ـيـ.ـط انت، دا قراري قبل ما يكون قرارك على فكرة.
تدخلت صفية بحدتها:
– اه والله عبـ.ـيـ.ـط، دا انت استني عليا بس، ان ما كنت اطلع عينه، مبقاش انا
– اتلمي يا بـ.ـنت، ايه اللي انتي بتقوليه ده؟
صدرت بحمائية من نجوان، لتستدرك الاخرى هفوتها قائلة بحرج :
– يا نهار ابيض، انا اسفة يا نجوان هانم، معلش بقى اخدتني الجلالة ودخلت في مود المحاماة من غير ما انتبه لوجودك.
ردت تحذرها برقة لا ترقى للحديث الجاد اصلا:
– حتى لو ما كنتش موجودة، برضو تاخدي بالك، ثم مين قالك اساسا انه هيحتاج لمحاكم ، شكلك انت كمان عبـ.ـيـ.ـطة .
قابلت توبيخها بالنبرة الناعمة، بشيء من التسلية جعلها تضحك بمرح حقيقي تواصل ابداء اعتذارها، حتى توقفت حينما تفاجأت بقوله من خلفها:
– تدوم الضحكة.
ألتفت اليه بحدة، تجده يلقي السلام على باقي اعضاء الطاولة، قبل ان يتخذ جلسته بجوار نجوان التي اصرت على تقديمه:
– مش عايزاكم تستغربوا يا جماعة، الدكتور هشام عارف بكل حاجة، وبصراحة ثقة.
جاء الرد من شادي:
– اي حد من طرفك ثقة يا نجوان هانم ، مدام انتي قولتي عليه تمام يبقى تمام
– مرسي ربنا يحفظك.
تفوهت بها نجوان، ليضيف على قولها الاخر، وعيناه تطالع الأخرى بصورة مكشوفة:
– تشكر على زوقك يا استاذ شادي، انا عرفتك من كلام مدام نجوان عنك، زي ما عرفت إيهاب من سنه الصغير والانسة الأستاذة صفية دي مش محتاجة تعريف اصلا، ولا ايه يا أستاذة؟
تطلعت اليه بغـ.ـيظ تكتمه بصعوبة، وقد انتابها الحرج الشـ.ـديد، للنظرات المصوبة منهم بتسلية نحوها، ليزيد عليها بمشاكسته الثقيلة.
– كان نفسي تعزميني ولو بكباية شاي حتى اطلع اشربها مع الأسرة، شكلك بخيلة يا أستاذة يا آنسة صفية.
تقبض على عجلة القيادة بشـ.ـدة من فرط غـ.ـيظها، وفمها لا يتوقف عن صب اللعنات نحو هذا السمج الذي جعلها أضحوكة الليلة كما يصور لها عقلها:
– غتت وغلس ودmه يلطش، لأ وعاملي فيها
دكتور بجد وبيوجه النصايح، بس كله من مدام نجوان، هي السبب، خلته ياخد الثقة عشان يفتي براحته.
على الكرسي المجاور لها، كانت بهجة تكتم بكفها على فمها الذي لا يتوقف عن الضحك منذ ان استقلت معها السيارة، تسمع لها ولا تستطيع المجادلة، تقديرًا لحالتها، فما فعله هذا الشيطان معها اليوم ، في مشاكسة خجلها والغزل المبطن بصورة مقصودة أظهرت اهتمامه الصريح بها امام الجميع ممن كانوا حاضرين سهرة اليوم، حتى شقيقتها الصغرى انتبهت للأمر.
– كفاية ضحك يا بهجة انا على اخري .
صاحت بها لتجبرها على التحدث وإبداء الأسف:
– يا ستي سامحيني، بس انا والله ما قادرة أوقف، كل ما افتكره وهو بيناديلك الأستاذة الآنسة صفية مبقدرش امسك نفسي، ولا كمان لما يناغشك ويستفسر بغلاسة على اي جملة تقوليها، فظيييع…….
– هو فعلا فظييع، بس بغلاسة بغتتاتة بأي حاجة وحشة.
كانت تتحدث ضاغطة على اسنانها بصورة تزيد من استمتاع بهجة التي كانت تجاهد للأ تزيد عليها:
– معلش يا حبيبتي، هو يمكن هزاره تقيل عليكي، عشان شايفك بس مؤدبة زيادة عن اللزوم وبتصديه على اي كلمة يقولها .
– وعشان مؤدبة بيستغل يقلل من احترامي ويضحك اي حد عليا، دا حتى شادي ابن عمتك، الراجـ.ـل الوقور المحترم مكنش قادر يمسك نفسه هو ومـ.ـر.اته، ولا اخواتك هما كمان، مكنش ناقص غير اللي على باقي الطرابيزات في الكافيه تتفرج علينا
هذه المرة تحدثت بلهجة أوشكت على البكاء، تجبر بهجة على التوقف، بل والتخفيف عنها:.
– بس هو مقللش منك ولا ضيع احترامك في اي وضع، انتي اللي واخدة الأمر على اعصابك، عشان عارفة قصده كويس اوي واحنا كمان عارفين وشادي ابن عمتي راجـ.ـل حبيب وحاجة زي دي متخفاش عليه، ميبقاش عقلك مقفل واستوعبي .
ارتخت معالمها وخفت حدتها بعض الشيء مرددة باستفهام:
– استوعب لإيه بالظبط؟ هو قصدك إعجاب ولا الكلام الفارغ ده انا مليش دعوة ولا اعترف بيه أساسًا، انا محامية يا بهجة، والبلاوي اللي بشوفها في مهنتي تخليني اكره الصنف كله.
– يا سلام، انتي مصدقة نفسك يا صفية، الرجـ.ـا.لة زي الستات، في كل حتة في الوحش والحلو ، في الطيب وفي الشرير .
– عارفة.
تمتمت بها ثم توقفت برهة قبل أن تستطرد بقلق:
– بس برضو انا معرفهمش عشان عمري ما اختلطت بحد غريب عني منهم، كل معرفتي بيهم تتمثل في اتنين، واحد فيهم ابويا وانتي عارفاه دا يخليكي تقــ,تــلي الصنف كله مش تكرهيه، اما بقى التاني فهو خالد خال زهرة اختي وخالي انا بالتبيعية لها، ودا بيعاملني زي بـ.ـنته، لكن ناس من سني مجربتش، حتى لما كنت في الجامعة، عمري ما سمحت لحد من الشباب يزود عن السؤال معايا، ولما اشتغلت محامية بقى كل علاقاتي يا خناق في المحكمة مع حد منهم، يا يبقى برا المحكمة في منافسة العمل وإثبات الذات،
تركتها بهجة حتى انتهت لتعقب بمرح:
– يا عيني يا حبيبتي، شوفي انتي بتكرهيهم ازاي؟ قوم حظك يوقعك مع واحد منهم زي الدكتور هشام، استاذ في الفرض والمكر، زي التعلب بالظبط.
– دا على نفسه؟
قالتها صفية لتتبدل ملامحها للشراسة مرددة:
– تعلب بقى ولا ديب ميهمنيش انا، لا هو ولا غيره، حد يقدر يهز شعرة فيا، وانا هوقفه عند حده، وابقي تشوفي.
رددت من خلفها بجدية وحماس:
– ماشي هبقى اشوف
❈-❈-❈
– إنت قاعد في الضلمة ليه يا رياض ؟
صدر السؤال من والدته بعد عودتها إلى المنزل وتفاجأها بجلوسه في بهو المنزل دون إضاءة ولو خفيفة حتى من مصابيح المنزل المتعددة، لتضغط وتنير عدد منهم ، قبل ان تتجه وتأخذ جلستها على الكرسي المقابل، متابعة بقلق عقب عدm رده :
– بكلمك يا رياض، هو انت مسمعتش
زفر يجيبها:
– سمعت يا ماما، بس انا دmاغي مشغولة، ومكنتش حاسس بجو الضلمة اساسا.
تمتمت بما يشبه السـ ـخـــريــة:
– لدرجادي؟ ع العموم اللي ياخد عقلك يتهنا به، المهم تكون بخير بس .
– بخير يا ماما، أن شاء الله هكون بخير
قالها بتحدي جعلها تنهض عن مقعدها قائلة:
– اتمنى والله ، مفيش ام تكره الراحة لابنها، عن اذنك بقى اروح انام .
وما شرعت بأن تحركت حتى سمعته يوقفها:
– على فكرة انا عندي ليكي خبر جديد
– سألته بدهشة:
– هو ايه؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
خرجت مع شقيقاتها صباحًا على ميعاد فتح محلهم ، في ظل انشغال شقيقها باستعدادته لدخول الجامعة، فقد قررت صرف عقلها عن التفكير او على الاقل المحاولة بالانشغال الدائم، وقد ساهم لقاء امس مع الأحبة ان يعطيها دفعه للاستمرار حتى يحدث الله امرَا،
كانت في هذا الوقت تمسح على الطالاوت وعائشة وجنات قد تولتا أمر المطبخ، في التحضير لعمل اليوم مع الرواد
وكانت المفاجأه حينما وجدته فجأة أمامها ، حتى كادت ان تفرك بعينبها حتى تتأكد من هويته، ولكنه أكد بقوله اليها:
– صباح الخير يا بهجة، عندك وقت تقعدي معايا وتسمعيني؟
كتمت زفرة الإحباط داخلها، فالبداية غير مبشرة على الإطـ.ـلا.ق، لتربط على قلبها في محاولة للتماسك والاستعداد للقادm منه:
– اكيد طبعا، اتفضل وقول اللي انت عايزه.
وأشارت بيدها على أقرب طاولة بينهما، وجلست تسبقه في الجلوس، تبتلع ريقها بتـ.ـو.تر شـ.ـديد تحاول السيطرة عليه، فتبعها بهدوء يتخذ مقعده مقابلا لها، لتلتقي بندقتيه بخضرواتيها وحديث سريع دار بينهما ، يحمل عتابًا، يحمل اشتياقًا ولوعة، يحمل قلقًا ترتجف له أطرافها:
– اتفضل انا سمعاك، ومستعدة لأي قرار منك.
لم يجيبها إلا بعد فترة من التأمل قائلا:
– تصدقي انك حشـ.ـتـ.ـيني و  رغم اني شايفك امبـ.ـارح ، ورغم الخناق، مش عارف هعمل ايه في الايام اللي جاية بعد…..
– إنت خلاص قررت وهننفصل خلاص؟
فضحتها اللهفة امامه، حتى اثارت على ثغره ابتسامة رائقة يشاكسها:
– انتي عايزة ايه؟
اخجلها بلفتته، فحاولت الإنكار بردها:
– يعني هعوز ايه؟ ما انت سمعتني امبـ.ـارح، القرار في ايدك .
خبئت ابتسامته فور ذكرها عن حديث الأمس، ليتمالك متحدثًا بجدية:
– تمام يا بهجة عرفت، وانا جي النهاردة عشان ابلغك…
انتبهت جميع الحواس وتحفزت كل خلية بجــــســ ـدها في الترقب مرددة بضيق بعد قطعه للعبـ.ـارة:
– تبلغني بإيه؟
– ابلغك اني مسافر يا بهجة.
تقافزت الأسئلة برأسها تتمتم بها باستفهام لا يتوقف:
– مسافر فين بالظبط؟ وليه؟ وكدة معناها انك مفارق خالص يعني؟ طب هتسيب طنط نجوان ولا هتاخدها معاك؟
زم شفتيه في انتظار انتهائها، حتى إذا توقفت جاء رده:
– اديني فرصة اكمل يا بهجة.
ابتعلت رمقها بقلق متعاظم توميء له بالمواصلة، وخفقان قلبها المتسارع تخشى ان يصل لأسماعه:
– انا مسافر اخلص شوية شغل يا بهجة، كان المفروض اللي يقوم بالمهمة دي كارم، بس انا نحيته عشان أخدها فرصة اغير جو وافكر كويس، يعني ممكن المدة تطول عن الكام يوم لأسبوع، او الشهر لو احتاجت….
– او لسنة كمان براحتك خالص على فكرة
أضافت بها بانفعال آثار تسليته ليعقب:
– وافرضي وصلت لكدة فعلا، ايه اللي يعصبك؟
– ازاي يعني ايه اللي يعصبني؟ انت واخد بالك بتتكلم في ايه؟ وأحنا كنا متفقين على ايه امبـ.ـارح؟ لو ناوي تخلع يا بن الناس قول وخلص، عشان كل واحد يروح في طريقه ويشوف سكته، مش اقعد انا في انتظارك وانت تلوف على واحدة تنسيك البلد واللي فيها هنا.
كاد ان ينفعل هو الاخر ردًا على ثورتها، ولكن بانتباهه لقولها الأخير تحول غـــضــــبه لابتسامة متسعة كي يغـ.ـيظها:
– يعني انتي اللي قالقك هو اني ممكن ابص لوحدة تانية وانساكي؟
امتقعت ملامحها بالحمرة القانية لتعود للإنكار والمكابرة:
– لأ طبعا انا بتكلم عن نفسي، ما هو مش معقول يعني أفضل كدة مركونة ع الرف، مش يمكن انا كمان اشوف نفسي ولا الاقي اللي يعجب بيا…….
– اخرصي يا بهجة
هتف بها مقاطعًا بحدة اللجمتها على المواصلة، يحدجها بنظرة قادرة على احراقها، ثم اردف بحزم:
– خلي بالك من كلامك عشان انا لحد الان مصبر نفسي ومطول بالي، مش عايز ازعلك ولا أزيد عليكي، انتبهي بقى.
اسبلت اهدابها عنه، غير قادرة على مواجهة الجمر المشتعل بثاقبتيه، واضطرت التزام الصمت ، تتركه يردف:
– الأمر مش هيطول للسنة والكلام الفارغ ده، انا قولتك هخلص شغلي واخدلي كام يوم راحة، واهي نعتبرها فرصة لينا احنا الاتنين……..، فاهماني يا بهجة؟
اومأت بتحريك رأسها لتجيبه باستدراك متأخر:
– اكيد فاهماك، سافر يا رياض، ووقت ما تلاقي نفسك قدرت وقادر على الاستغناء ياريت متأخرش عني، عشان انا متأكدة اني مهما طال البعد او و.جـ.ـعني، برضو مش هغير رأيي .
زفر بحنق لا يعجبه تحليلها ، وفي نفس الوقت لا يملك الحجة لإقناعها بغير ذلك، لينهض فجأة يجفلها بطلبه:
– طب مش هتودعيني بأي حاجة وانا ماشي دلوقتي؟ .
استقامت عن مقعدها هي الاخرى قائلة بعدm فهم:
– اودعك بإيه يعني انا مش فاهمة؟
– تعالي انتي لسة هتفكري.
قالها ليباغتها على حين غرة بسحبها اليه، كي يضمها إلى صدره، يسحب رائحتها داخل رئتيه، وكأنه يدخل اليهما الهواء ليحيا، شـ.ـدد عليها بذراعيه مغمض العينين، لا يريد من العالم شيء آخر، وهي لا تقل عنه، حتى تلك القشرة الواهية التي تتحلى بها في مقاومته لم تعد تشعر بها الآن، وقد ذابت في غمرته، كطفلة ينقصها الحنان، ولكن لا تقبله إلا من والدها.
– هتوحشيني يا بهجة، انا واثق ان مهما طالت المدة او قصرت هفضل دايما مشتاقلك، ربنا يقدرني بقى.
– وأنا كمان ربنا يقدرني
قالتها بصدق، ولم يشغلها توضيح المعنى، لتستدرك بعد ذلك لوجود شيقيقتيها داخل المطبخ، فربتت على ساعده تنبهه:
– البنات جوا يا رياض .
افلتها مضطرا ليعود لتأملها قليلًا قبل أن يجبر قدmيه للتحرك والذهاب من أمامها، فتسقط عائدة لمقعدها بتعب لا ينتهي، تنظر إلى السماء بتضرع، ترجو النهاية لهذا العـ.ـذ.اب
❈-❈-❈
وفي قسم الشرطة
حيث اللقاء المباشر لسميرة بابنها ولأول مرة منذ القبض عليه، وعلاج الجروح المنتشرة بوجهه وبعض أعضاء جــــســ ـده، لتهتف بصب اللعنات على من فعل به ذلك، متغاضية كعادتها عن السبب الاساسي لما وصل به إلى هذا المصير وكأنه بالفعل مظلوم :
– جاته كـ.ـسر ايده، شالله ما يوعي يعمل بيها حاجة تاني، البلد دي فيها حكومة، انا بكرة افضحهم في الدنيا كلها واجيبلك حقك يا حبببي، انت لازم تساعدني يا متر
توجهت بالاخيرة نحو المحامي الموكل بالدفاع عنه، ليعقب محذرًا:
– تحت امرك يا هانم، بس احنا كدة هنفتح علينا طاقة جهنم خصوصا وإن ابراهيم ممسوك متلبس، وفي كذا قضية حضرتك
شهقت بغـــضــــب وجاء رد ابراهيم بقرف:
– مين ده يا ما، مجبتيش ليه اللي اتولى القضية المرة اللي فاتت؟ هو كان حـ.ـر.امي بس بيجيب الناهية مش صاحبنا ده، شكله الجواب باين من عنوانه
بادله الرجل توجيه النظرات بازدراء ، فجاء الرد من والدته:
– إنت قولتلها بنفسك حـ.ـر.امي، دا اللي طلبه مني المرة دي، ضعف اللي لهفه المرة اللي فاتت عشر مرات، يعني فوق طاقتي يا بني.
جأر بها غاضبًا:
– فوق طاقتك ده ايه يعني، والمحروس جوزك راح فين؟ الفلوس اللي بيكوم فيها دي هيبسبها لمين غيري لما اقعد العمر كله محبوس؟
– هيسبها لعياله من مـ.ـر.اته التانية .
– ننننعم، انت بتقولي ايه؟
ردت بنبرة باكية :
– بقولك اللي حاصل يا نور عيني ، بعد اللي حصل ابوك قالهالي في وشي مش من حد غريب، بقالو سنتين متجوز في اسكندرية واحدة من هناك، الملعونة خلفتلو توأم مش واحد، قال عشان يعوضوه عنك، بعمايلك اللي كانت دايما مسودة وشه.
دخلت في نوبة من البكاء تواصل :
– انا كنت ناوية أفرج عليه خلق واشحططه في المحاكم، بس هو هددني، أن ما كنت ارضى لا يطـ.ـلقني ويديني كل حقوقي بس مش هيصرف مليم عليك، وانا
اضطرت اوافق عشان خاطرك يا بني.
وأكملت ببكاءها، ليتمتم بالسباب والشتائم غير مباليًا بوضع الرجل اليه، ويردد متوعدًا :
– ماشي اوي، خليه يفرح بالسنيورة، أنا ان ماكنت اطلع منها واخـ.ـنـ.ـق له الجوز ، انت يا راجـ.ـل انت، تعمل المستحيل وتطلعني من هنا ، يا اطلع انا روحك
ردد الرجل يراضيه بالكذب خــــوفا منه:
– طبعا طبعا يا عم هيما، ان شاء الله هعمل كل جهدي واخرجك من المصايب دي.
❈-❈-❈
في الناحية أخرى
اعتدلت بجذعها عن الفراش تستقبل ضاحكة ، ذاك الذي دلف اليها في غرفة النوم بصنية الطعام التي أعدها بيديه، مرددًا بطرافة:
– الفطار يا ستو هانم،
انتظرت حتى اقترب يضع الصنيه على قدmيها بحرص متابعًا بتفاخر:
– شوفي كدة، صنعة ايديا يا خرابي عليا.
زادت ضحكاتها وهي تتطلع إلى ما تحتويه الأطباق امامها، مرددة:
– بصراحة هو فعلا يا خرابي عليا، البيض محروق يا عصام، ولا الجبنة… انت دلقت العبوة كلها، ليه يا حبيبي؟ ولا…..
– ولا.. ايه؟ ارفع انا الصنية خالص مدام هتتحفيني بانتقداتك لمجهودي العظيم.
وهم ان يرفعها بالفعل ألا انها لحقت تمعنه لتتحول لهجتها للتملق:
– لا يا عم انت صدقت ولا ايه؟ دا انا بس بهزر ، هات هات حد طايل اصلا؟ دا الواد اللي في بطني هيدعيلك.
– اااه، حبيب ابوه ده، عشان خاطره بس.
قالها بتأثر ليدنو يقبل فوق بطنها، ثم سحب الكرسي ليتناول معها أفطاره، مردفًا:
– وانا اللي مصبرني على البهدلة دي غيره، خليه يطلع بقى ابن الجزمة ده، روحي انا اللي هتطلع على ما يوصل .
ردت بإشفاق:
– بعد الشر عليك يا حبيبي هانت، بس انت كمان محمل نفسك زيادة عن طاقتها، ما لو كنت وافقت اروح لأمي….
– بس يا امنية، تروحي لمين؟ هي امك دي حد يروح لها دلوقتي ولا يشوف وشها اساسًا بعد اللي حصل معاها، دي حتة تعويره في راسها، مقومة الدنيا عليها وعاملة فيها صاحبة اصابة خطيرة، عليا النعمة انا بتصعب عليا رؤى.
كان يتحدث بإسهاب فلم ينتبه لتغيرها سوى اخيرا، ليسارع بالتلطيف:
– ايه يا باشا، احنا هنزعل ولا ايه؟ اعتبريني متكلمتش أساسًا.
تبسمت مستجيبة لمزاحه:
– دا على اساس اني عيلة صغيرة يعني، ماشي يا عصام باشا، ع العموم انت مقولتش حاجة غلط، دي امي وانا عارفاها، عندها حتة الجهل زيادة شوية، بس انا اتعودت عليها، اصل مش هتبرى منها يعني.
– لا يا ستي متتبريش، انتي بس شـ.ـدي حيلك عشان تقفي على رجلك من تاني ، ونخلص بقى من تحكمـ.ـا.ت الدكتورة دي بقى، انا جيبت أخرى يا ست
قالها بدراميه جعلها تعود للضحك مرة أخرى بصوت أعلى، مرددة لترضيته:
– حاضر…. والله حاضر…..
❈-❈-❈
وفي مطار القاهرة الدولي
توقفت محلها وسط مجموعة كبيرة من ألافراد من كافة الجنسيات تراقب توجهه نحو المغادرة إلى طائرته، يجر حقيبة السفر، ورأسه تلتف كل دقيقه نحوها، وهي متربعة الذراعين، مكتفيه بحديث العيون، لقد عرض عليها بالأمس الذهاب معه إلى تركيا، وقضاء الوقت بين أعضاء الفرع الثاني من العائلة، ولكنها رفضت، لسبب واحد، وهو ان تعطيه الفرصة الكاملة ليحدد قراره، رغم يقينها الكامل به، إلا أنها تفضل ان يأتي عن قناعة كاملة منه وحده.
وهي الآن عليها التحرك داخل الوطن، لتفعل ما برأسها، وضعت نظارتها السوداء فوق عينيها، لتغادر صالة المطار، لتذهب نحو وجهتها.
❈-❈-❈
خرجت من البناية التي بها مقر عملها، مكتب المحاماة خاصتها، بعد انتهاء نوبة عملها الصباحية، حتى تعود إلى المنزل، ثم تأتي على ميعاد نوبتها المسائية، منـ.ـد.مجة في الحديث مع إحدى السيدات التي ترافعت عن ابـ.ـنتها قريبًا وحصلت لها على البراءة:
– ولا يكون عندك فكر يا ام ريهام، انا مش ههدى ولا يرتاح لي بال غير لما اطلعها من القضية وإن شاء الله المرة دي مـ.ـا.توصلش للنيابة ولا تتحول للمحكمة ، انا شايفة الموضوع ميستاهلش بإذن الله.
– بجد يا ست المحامية، يعني مش هتشحطط وراها زي ما حصل المرة اللي فاتت .
– بإذن الله مش هيحصل اطمني، بس ياريت توصيها بقى تخف عصبيتها دي شوية، مش اي حد يكلمها تفتح نفوخه، خليها تتعلم تتجاهل حبتين، دا احنا بنقابل بلاوي ياما في حياتنا.
سمعت منها المرأة لتردد بعفويتها تدعي:
– من عيوني هقولها وهوصيها كمان، مع انها خدت الأمان من ساعة ما بقت تخرج من الحبس على ايدك، اللهي يارب يفتحها عليكي ويرزقك بالقضايا لحد ما تبقي محامية قد الدنيا .
– ربنا يخليكي يا ستي، تعالي اوصلك معايا في عربيتي
تلقت المرأة دعوتها بمزيد من الامتنان:
– لا انا مشواري قريب يا أميرة يا بـ.ـنت الامرا، روحي انتي، وربنا يكرمك وتلاقي العدل، مسافة ما تلفي راسك تلاقيه في وشك، سلام يا ست المحامية، الف سلامة
وتحركت تغادر امامها، فتتبسم في اثرها صفية متمتمة بسـ ـخـــريــة:
– مسافة ما الف الاقيه في وشي كمان، والله انتي عسل يا ام ريري.
تنهدت ضاحكة لتلتف نحو سيارتها، فتجحظ عينيها حينما وجدته امامها، بابتسامته المتسعة متكئًا على سيارتها، يخاطبها ببرود لا يتخلى عنه أبدًا في حضورها:
– أستاذة آنسة صفية، عاملة ايه؟
ضاقت عينيها بغـ.ـيظ اختلط بريبة لا تفهمها، لتلتف برأسها للخلف نحو المرأة التي تاهت وسط المارة ثم تعود اليه سائلة:
– هو انت ليك علاقة بام ريري؟
سألها بعدm فهم:
– مين ام ريري؟
ضغطت عينيها وقامت بفتحهم سريعًا بإحباط، وقد استوعبت ان الأمر لا يتخطى الصدفة، مما زاد عليها، لتغمغم بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– الله يسامحك يا ام ريري، انا شكلي هيحبسلها بـ.ـنتها المرة دي، عشان استريح منها ومن دعواتها.
– انتي بتكلمي نفسك، يا آنسة يا أستاذة صفية؟
نزعها من شرودها بكلمـ.ـا.ته، لتنفعل به:
– متقولش يا زفته، انت جاي ليه اساسا ها؟ لتكون قاصد توصلني كمان المرة دي؟
أجابها بهدوءه المعتاد:
– بعد الشر عليكي، لا الحقيقة انا مش جاي اوصلك للأسف يعني، انا جايلك بصفة رسمية، اصل امي عايزة تقابلك.
– نعم!
– بخصوص قضية، اصل خالي واكل ورثها، وهي عايزة اشوفك تدليها بإيه؟
– يا سلام، وانت عايزني بقى اقولك في الشارع.
– لا طبعا انا جاي اخد رأيك الاول، تجيلك ع المكتب ولا على بيتكم احسن.
صارت بعصبية مرة اخرى، لا تستوعب حديثه.
– بيت ايه اللي تجيني فيه؟ دكتور هشام هي والدتك عايزة ايه بالظبط؟
تنهد يتصنع الجدية في رده لها:
– اشرحلك اكيد يا أستاذة بالتفصيل عشان تشوفي أبعاد الموضوع ، بس كدة يستلزم قعدة بقى، تحبي نرجع فوق على مكتبك، ولا نخرج برا على اي كافيه او كازينو قريب من هنا، يا آنسة يا أستاذة صفية؟
❈-❈-❈
دلفت إلى محل الكافيه خاصتهم ، وبعد الترحيب بعائشة والمزاح معها، تجولت تبحث عنها، حتى وجدتها بزاوية مختصرة، بعيدة عن الجميع، ممسكة بهاتفها منـ.ـد.مجة عليه بتركيز على شيء ما،
– ممكن افهم، سايبة اخواتك وقاعدة لوحدك ليه بقى؟
اجفلت بهجة في البداية لحضورها، لكن سرعان ما استوعبت تجيبها:
– معلش بقى، اصل لقيت نفسي مضايقة قولت اشوف مستقبلي، واديني دخلت اهو على موقع الكلية، يعني مش هبكي ع الاطلال.
– ومين طلب كدة؟ وهو في اطلال اصلا؟ قومي يا بـ.ـنت تعالي معايا.
خـ.ـطـ.ـفت منها الهاتف تجبرها على النهوض والتساؤول:
– اروح معاكي فين؟ وانتي خدتي التليفون لي اصلا؟
باغتتها بجذبها من يدها لتسحبها وتجبرها على السير معها:
– هقولك واحنا ماشين، تعالي ياللا .
حاولت بهجة التوقف بمزيد من الدهشة والاستفسار:
– طب قوليلي طيب، ساحباني ورايحة بيا على فين؟
واصلت نجوان الخروج بها مرددة:
– هفهمك كل حاجة مستعجليش.
❈-❈-❈
في ذاك القصر الضخم الذي يطل على بحر البوسفور، حيث الجمال والمشاهد الساحرة لذلك الجزء الخاص من المدينة، فلا يسكنه سوى القلة المحظوظة من البشر.
كانت الجلسة التي تجمع بين اثنين افترقا منذ سنوات عديدة، وانفضت صداقة تجمعهما بحكم القرابة وتقارب الأعمار بينهما، ليأتي اليه الأن، وتسحبه أقدامه اليه، يتحدث اليوم ويسهب مخرجًا ما في قلبه،
– إنت تقريبًا من سني، وتفكيرك نفس تفكيري، لو كنت مكاني، كنت تقدر تقوم بالخطوة دي؟
فترة من الصمت مرت في تبادل النظرات بين الاثنان، ما بين حيرة وغموض غير مفهوم حتى خرج صوت الأخر:
– طب انت عارف انك عملت اللي كان نفسي اعمله انا في يوم من الايام .
سأله قاطبًا:
– هو ايه اللي كان نفسك تعمله في يوم من الايام؟
تنهد بشجن ليشيح بأبصاره نحو زرقة المياه الصافية امامه من شرفة المنزل العريق، بحنين عاد يذكره بنقطة ما في العقل لا يقوى على نسيانها ابدًا:
– اني اتجوز اللي بحبها يا رياض، انا أعجبت بستات كتير وعاشرت ستات اكتر، واتجوزت ست جميلة وفيها تقريبا كل الصفات اللي يتمناها اي راجـ.ـل ، بس محبتش في حياتي غير واحدة بس، واحدة عرضت عليها فكرة الجواز في السر زيك كدة، بس انت حظك كان احسن من حظي لما وافقت وطولتها، انما انا بمجرد عرض الفكرة نفسها خسرتها، وفضلت عليا واحد اقل مني في كل حاجة، لأنها شافت التقدير منه، اللي ملاقتهوش مني انا .
سأله بفضول وقد استرعى اهتمامه الضعف الذي يلمسه ولاول مرة من شخص مثله:
– مين دي اللي قدرت تهز قلبك؟ لا وكمان لقت اللي تفضله عليك انت؟
اجابه بشرود وقد تمثلت صورتها الجميلة امامه:
– عيون بلون العسل، بشرة خمرية من اجمل ما رأت عيني، وشخصية معتزة بنفسها وكرامتها، شموخ الجبال ورقة الصبا.
عبر رياض عن دهشته:
– يااه، انت كمان بتقول فيها شعر، والله ما كنت أتوقع أن الكلام ده يطلع منك انت يا عدي، ولا يمكن عشان مطولتهاش زي ما قولت .
صمت الاخر برهة بتفكير متروي قبل ان يرد على سؤاله بسؤال:
– طب ما اخد انا رأيك انت بما انك خضت التجربة فعليا، بعد ما طولت اللي أعجبت بيها او حبيتها، مش راضي تسيبها ليه دلوقتي.
اجابه بصدق
– عشان مش قادر، ان كان الحرمان صعب، فنار القرب والتهديد بالبعد أصعب بكتير، امال انا سيبت البلد وجايلك ليه؟ عشان مش قادر، مش قادر يا عدي وعايز النصيحة يمكن الاقي عندك الحل
– كنت نفعت نفسي
قالها الاخير بمزيد من الأسى الذي ارتسم على ملامحه الوسيمة، وجدية تختلف تماما عن العبث الذي يتحلي به معظم الأوقات، بصورة ضاعفت من ذهول الأخر، وتعجبه أيضًا، ليستائل:
– طب ومراتك؟ وولادك ؟ ايه وضعهم بالظبط؟
تبسم يجيبه:
– مراتي بحبها، وولادي بمـ.ـو.ت فيهم، بس برضو هتفضل البـ.ـنت اللي بقولك عليها، ليها مكان في القلب عمره ما يتغير ولا ينمحي بأي وقت.
داخل غرفة سامر والتي كان يدخلها ولأول مرة منذ الحادث، عائدًا من المشفى الذى قضى بها عدة أيام للعلاج ، مستندًا على ذراع شقيقه، يرافقه والدته وشقيقته، وتلك التي أقلته بسيارتها:
– اتفضلي يا لورا، هو انتي غريبة؟ دا انتي بقيتي خلاص من أصحاب البيت
قالتها درية بتملق تحثها للتقدm حينما وجدتها تقف على مدخل الغرفة ولم تواصل الى داخلها،
فجاء ردها هي بحرج :
– مرسي يا طنت، انا اصلا ورايا مشوار.
هتف هو مناديًا بإسمها بعد أن سطحه شقيقه على الفراش:
– تعالي يا لورا، اقعدي حتى دقيقتين قبل ما تمشي، على الاقل تاخدي واجبك، ولا انتي شيفانا بخلا؟
– تبسمت مستجيبة لندائه قائلة:
– لا يا سيدي مش بخلا ، بس انت قولت اني مش غريبة، يعني مفيش داعي.
تكفل بالرد هذه المرة سمير بشيء من المزاح:
– لا طبعا في داعي، دا كفاية انك تعبتي نفسك ودخلتي بعربيتك الغالية الحارة المقندلة دي، وع العموم اطمني مش هنعمل غير كوباية شاي ومن غير سكر لو عايزة عشان الرجيم.
ضحكت لمزحته، ثم قبلت في النهاية، لتأخذ جلستها السريعة على الكرسي المقابل له، ويدور بينهما حديث سريع عقب خروج درية وسحبها للبقية معها، في أفعال مكشوفة تثير دائمًا غـــضــــب ابنها، فيحاول التوضيح مبررًا:
– مااا معلش لو مستغربة عمايل والدتي، أصلها ست جاهلة وتفكيرها محدود،، ف أكيد انتي فاهمة يعني.
مطت شفتيها بابتسامة ماكرة تدعي عدm الفهم:
– لا الحقيقية انا مش فاهمة، فهمني انت .
تضاعف الحرج بداخله حتى كاد ان يكرر المحاولة، ولكن سريعًا ما استدرك لتلاعبها بتلك النظرات الماكرة، فيعبر عن ضيقه:
– لورا الله يخليكي بلاش استعباط، عشان انتي فاهمة كل حاجة، متبقيش لورا اصلا لو مجيبتهاش وهي طايرة.
أعجبها اطراءه لتزداد ابتسامتها انتشاءًا، وتقول:
– ماشي يا سيدي، مدام نكشتني كدة انا كمان مش هعمل فيها غـ.ـبـ.ـية، لأن تفكير مامتك دا شيء طبيعي بالنسبة للمجتمع اللي نشأت فيه، المهم انا وانت عارفين اللي ما بينا ايه؟
استرعى انتباهه كلمـ.ـا.تها الواضحة، كما انها اثارت فضوله ليردد خلفها باستفساره:
– ايه هو بقى اللي ما بينا يا لورا؟
– ارتياح
خرجت منها سريعًا لتردف شارحة:
– معاك بتكلم وبعبر بسهولة عن اللي جويا، بشرح وبتكلم من غير حساب لأي شيء ، يمكن عشان انت الوحيد اللي شوفتني على حقيقتي بعيوبي، وبأخطائي، دا غير انك بتسمعني ودي لوحدها ميزة
أكان يأمل بإجابة غير تلك، سيكون من الجنون ان تشطح به الظنون لغير ذلك مع امرأة مثلها، وفي تلك الفترة القصيرة من معرفته بها، ولكنه لا ينكر ان مجرد القرب منها يسعده.
– ايه بقى سرحت في ايه؟
سألت تنتشله من شروده، فجاء رده بابتسامة صافية:
– اكيد مش في حاجة وحشة يا لورا، ما هو انا كمان بحب اتكلم معاكي واسمعلك، انتي ست جميلة يا لورا، ولازم تكتشفي نفسك .
❈-❈-❈
تخطو بقدmيها الى ذلك البهو الضخم في القصر التاريخي، تجول عيناها داخله وفي اجواءه برهبة وخــــوف، مشاعر مختلطة لا تعلم لها تفسير، تكتنفها رغبة شـ.ـديدة للخروج والذهاب، ولكن اليد التي تسحبها تجعلها غير قادرة على التراجع، حتى وهي مازلت تحاول:
– نجوان هانم، خليني ارجع ربنا يخليكي.
ألتفت اليها المذكورة هذه المرة بضيق وتصميم:
– تاني هنعيده يا بهجة، هو انا هقولها كام يا روحي، امشي معايا عن سكات وبلاش زن بقى زي العيال الصغيرين .
– ما هو اصل يعني؟
– لا اصل ولا فصل، اتحركي ياللا مفيش وقت
هتفت بالاَخيرة لتعود للسير بها غير اَبهة باعتراضها، محددة وجهتها نحو إحدى الغرف الضخمة لتجفل بعدد من السيدات حول طاولة كبيرة بأوراقهم ونقاش دائر بينهما، وكأنها داخل دائرة حكومية:
– مساء الخير اتأخرت عليكم .
القت نجوان بالتحية لترتفع جميع الرؤوس نحوها، وكان اولهم ، تلك المرأة العجوز التي تترأس الجلسة، ترتدي العوينات الطبية في الإطلاع على مجموعة من الأوراق امامها، وقد تركتهم، لترتكز ابصارها عليها وهي تدلف بهيئتها الساحرة تخـ.ـطـ.ـف قلوب الحاضرات من سيدات مجتمع يرحبن بها وكأنها النجمة، تهدي لهن الابتسامـ.ـا.ت، تلقي إليهم ردودها برقة بالغة، وبيدها تسحب…..
ماهذا؟!…..
احتدت ابصارها تنظر بشرار عينيها نحو بهجة التي كانت بالكاد تدعي الثبات وهذه تقترب بها من بهيرة لتحيها اولا بقبلات زائفة:
– هاي يا بهيرة عاملة ايه يا قلبي؟
واقتربت تهمس بجوار اذنيها:
– شوفتي بقى انا بقيت مطيعة ازاي؟ بدل ما نتشحطط انا وانتي وولادنا في المحاكم على ميراثنا في القصر، وافقت بكرم اخلاقي اني اشاركك العمل الخيري واهو اخد الثواب معاكي.
الصدmة اللجمت بهيرة، حتى برقت عينيها في النظر اليها، دون ان ينبت فمها ببـ.ـنت شفاه، ولكنها لم تكترث او حتى تعطيها فرصة للإستيعاب، فقد انتصبت تلفت ابصار الجميع نحوها، بسحب مقعد لها ومقعد لبهجة تجلسها بجوارها، ثم تخاطب السيدات الحاضرات؛
– حبايب قلبي أعضاء الجمعية الموقرة، واضح ان مش كلكم عارفين بمنصبي الجديد وسطكم، بس انا هعرفكم، اصل انا بقيت نائب رئيس مجلس الإدارة، والأمورة دي.
واشارت على بهجة تلف ذراعها حول كتفيها تستطرد:
– دي تبقى بهجة خليل المساعد بتاعي .
– المساعد بتاعك!
كان هذا صوت بهيرة التي استعادت بأسها، تستنكر بسـ ـخـــريــة مقيته تتابع:
– مين دي اللي تبقى مساعد يا نجوان؟ انتي جايبه الجلي……
قاطعتها مؤكدة بصوت واضح:
– بهجة خليل كلية حقوق، اينعم هي لسة في الدراسة بس انا واثقة فيها وفي شطارتها.
وتوجهت نحو باقي الحضور موجهة الحديث لهم:
– وبكدة يبقى اكتمل نصاب الجمعية، نبتدي بقى الاجتماع.
❈-❈-❈
انه لا يعنيها بشيء، هي الآن تتصرف بعملية وتعامله بصفة رسمية من أجل العمل ، العمل وفقط، حتى واسلوبه الغريب لا يعجبها، ونظراته الاغرب أيضًا.
اصدرت صوت حمحمة بفمها لتبادره بالأسئلة، بعد أن اجلسته على المقعد المقابل لمكتبها:
– اتفضل يا دكتور، اتكلم
– اتكلم اقول ايه بالظبط؟
قالها ببرود متناهي بعد أن ظل لفترة يتأملها بتلك الابتسامة التي تجعلها توشيك على تهشيم فكيه، حتى يكف عن عبثه:
– تتكلم عن قضية الست الوالدة اللي عايزة ترفعها على اخوها اللي اكل حقها في الورث.
تشـ.ـدد على الكلمـ.ـا.ت بضيق مقصود ومع ذلك لا يتراجع هو عن نهجه معها في المراوغة:
– اه صحيح فكرتيني على قضية خالي اللي واكل ورث امي، طيب هي فعلا عايزة ترفع قضية، بس نفسها كمان يرجع من نفسه بدل المحاكم والقواضي والشحططة.
كانت قد أمسكت الدفتر تدون به بعض الملاحظات الهامة والتي سوف تبني عليها أسس القضية، لكن وما ان نطق بكلمـ.ـا.ته الأخيرة حتى توقفت تدفع القلم من بدها بعدm استيعاب :
– افنـ.ـد.م حضرتك، ازاي يعني؟ افهم من كدة ان هي هترفع ولا مش هترفع؟
زاد اتساع ابتسامته يجيبها بسهولة:
– ما انا بقولك اهو يا متر، هي عايزة ترفع وفي نفس الوقت مترددة، اصل دا برضو اخوها، حتى لوا كان حـ.ـر.امي .
توقفت برهة تطالعه بأعين شاخصة، لتهتف بصوت بالكاد تجعله يخرج طبيعي:
– يعني عايزة ترفع ولا مش عايزة؟ هو سؤال وجاوبني عليه، بس كدة، الله يخليك.
وكأنها تتحدث في واد اخر ، اقترب برأسه فجأة نحوها، يتمعن النظر بها قائلا:
– هو انتي عنيكي لونها بني ولا اسود، انا اللي اعرفه انها سودة، ليه المرة دي شايفها بني؟
اربكها بالفعل حتى أصبحت تبحث عن صوتها :
– وانت ا انت مالك ان كانت سودا ولا خضرا حتى ، تبحلق ليه من اساسه؟
صار مستندًا بمرفقيه الاثنان يتحدث بأريحة غير مبالي بثورتها:
– بس انتي مش محتاجة بحلقه يا أستاذة يا آنسة صفية، عيونك وسع الفنجان يعني ولو انا على مدخل الاوضة هنا هعرف لونهم،
– الله اكبر …. في ايه يا حضرة؟ هو انت هتقر، انا نظري اصلا ضعيف على فكرة ودا لينسز عشان يكون في علمك يعني
– طب اللون الأصلي يبقى ايه؟
– يبقى الأسود يا سيدي، استريحت
تبسم هذه المرة بانتصار بعدmا استدرجها بمكره للحديث الذي يريده قائلا:
– انا برضو عجبني الأسود اوي وشايف انه يليق على بشرتك.
تأثرت في البداية لإطراءه لكن سرعان ما استدركت لهفوتها، فهدرت به بانفعال:
– في ايه؟ هو انت جاي في قضية ولا عن حديث العيون؟ سيادة الدكتور المحترم انت جاي عشان ايه؟ قول من الاخر .
نهض يجيبها وبيده يغلق زارار سترته:
– في قضية طبعا ، بس اديني فرصة كدة يومين تلاتة اروح البلد اقنع امي، سلام يا أستاذة يا آنسة صفية
وخرج مغادرا تنظر في أثره لمدة من الوقت متمتمة بدهشة:
– دا ماله ده؟
❈-❈-❈
عودة إلى درية التي ضاقت وفاض بها من أفعال ابـ.ـنتها، وهيئتها المتغيرة، حتى انتظرت خروج الضيفة العزيزة لتختلي بها داخل غرفتها وترى ما بها:
– انا عايزة اعرف بقى يا روح امك آخرة القلبة دي ايه؟
رفعت لها حاجبًا متسائلة باستخفاف مستفز:
– قلبتي انا؟! ليه بقى؟ هو انا اللي ما صدقت ان سامر اتكتبله على خروج، وقومت خدت ديلي في سناني ومشيت بحجة ان ورايا شغل ولازم اخلصه بسفرية مستعجلة.
شهقة استنكار صدرت من درية لتعقب على قول ابـ.ـنتها الغريب:
– ودا ايه اصله ده؟ انا بسألك عن نفسك، بتحولي علي ابوكي ليه يا بت؟
صاحت بها:
– عشان ابويا سبب قلبتي ياما، مخـ.ـنـ.ـوقة ومبقوقة من افعاله، الراجـ.ـل جوزك ملبسنا كلنا العمة ياما.
سمعت منها لينعقد حاحبيها بشـ.ـدة فتجلس جوارها على الفراش تلكزها بعنف تريد التوضيح:
– عمة ايه يا بت؟ هو انتي ت عـ.ـر.في عنه حاجة مش مظبوطة؟ قولي يا سامية بدل ما اخلص عليكي.
نزعت عنها يدها تصرخ بها:
– وتخلصي عليا ليه بقى ان شاء الله؟ ما ترحيلو هو وشوفيه، اسأليه بيضيع فلوسه على صفاء العايقة ليه؟
استبد بدرية الغـــضــــب حتى صار مقاربًا للهياج، لتطبق بكفيها على قماش بلوزتها مردفة:
– انتي دلوقتي حالا تفهميني يا بت الكـ.ـلـ.ـب، مين هي صفاء العايقة؟ وايه دخلها بابوكي؟
❈-❈-❈
انتهى الاجتماع أخيرًا، بعد إقرار عدد من البنود الهامة والقرارات الفاصلة في عدد من الموضوعات، حاولت بهيرة عدة مرات احراج بهجة بالاسئلة ولكن شقيقتها كانت لها دائمًا بالمرصاد وكأنها وكلت بالدفاع عنها، مما ضاعف حالة الغـــضــــب والهياج الذي تكتمه داخلها، حتى إذا انفض جمع النساء الحاضرات طرقت عصاها بعنف تظهر ذلك الجزء من شخصيتها المتعجرف بتعالي يتخطى الحدود :
– زودتيها اوي يا نجوان، انا لما كلمني المحامي امبـ.ـارح وقالي على اتفاقه معاكي وافقت على اساس انك تلاقي حاجة تشغلك وتنضمي لصف نساء المجتمع اللي يناسب مكانتك واسم عيلتك، مش تنزلي بمستوى الجمعية كلها وتجيبي جليستك وتعينيها في منصب هام زي ده، مع ستات من أرقى نساء العاصمة.
شعرت بهجة بالاختناق، فهي بالكاد قضت تلك الساعتين من النقاش الممل على مضض، وسط ترقب دائم لرد فعل هذه المرأة المتسلطة، فلا ينقصها الآن قسوة الحديث الجاف منها، وبدون أن أدنى رد منها، دفعت كرسيها للخلف بجذعها تهم بالنهوض ولكن نجوان منعتها بالقبض على كفها، لتوجه ردها نحو الأخرى :
– اولا عايزة افكرك ان انتوا اللي ساعيتو ورايا عشان متأكدين من صحة موقفي في القضية واللي كانت هتخسركم كمان سمعتكم كجمعية محترمة، يعني الموافقة كانت مني، انا اللي اتفضلت عليكم منعًا للشوشرة والقيل والقال على اسم العيلة الكريمة، ثانيًا وهو الأهم، انا مسمحلكيش تقللي منها، وحطي في بالك ان اللي يمسها يمسني، التجريح دا لو اتكرر تاني انا هنسى صفة الأخوة، ولا حتى فرق السن ما بيني وما بينك يا اختي يا كبيرة .
ونهضت فجأة امام زهولها، تعاود سحب بهجة للخروج بها هذه المرة، من غرفة الاجتماعات تلك، فكانت فرصة بهجة للتعبير عن رفضها ، تنزع يدها منها:
– نجوان هانم ارجوكي، لحد كدة وكفاية، انا جيبت اخري وشايفة كل اللي بيحصل ده عبث، سيبني بقى امشي….
قالتها وكادت ان تشرع بالذهاب، ولكن نجوان قاطعتها:
– مش هتمشي يا بهجة ولا تروحي في اي حتة، لأن احنا مش بنعمل عبث، وياريت بقى تخلي بالك من كلامك يا بـ.ـنت .
قالت الأخيرة بحدة انتبهت لها بهجة لتشعر بخطأها على الفور، فتبدي اعتذارها:
– انا اسفه، بس انا اصلي….
قاطعتها مرة أخرى:
– يا بـ.ـنتي ما قولتلك لا اصل ولا فصل، تعالي كدة بدل الرغي.
قالت الأخيرة لتعاود جذبها من يدها، وتتحرك بها الى جهة اخرى ، حتى أجبرت بهجة على التذمر:
– يالهوي عليا هتروحي بيا فين تاني؟
– يالهوي عليا.
غمغمت بها بابتسامة لعفويتها لكن سرعان ما تحولت للجدية تنهاها برقة اختلطت بالمزاح:
– خلي بالك يا بيبة، مش عايزين يالهوي ويامصيبتي والحاجات دي، طنتو بهيرة شوكت هتعلقني انا معاكي لو اللفظ دا سمعته بين أعضاء الجمعية، دا غير ان ممكن يحصلها حاجة ودي برضو اختي وتهمني.
– تقبلت بهجة نقدها، لتتخيل رد فعل الأخرى ان وقع هذا اللفظ على اسماعها فتتبسم قائلة بخبث؛
– تصدقي انا نفسي فعلا اشوف رد فعلها لما تسمعيها، يالهوي دا يبقى شكلها مسخرة، لتكمل بضحك، فتعفب نجوان :
– تاني يا بهجة تاني يا لهوي.
❈-❈-❈
برد فعل سريع عقب سماع الحديث من ابـ.ـنتها عن المدعوة صفاء والشكوك الدائرة حول علاقتها بزوجها الذي سافر اليوم حتى قبل خروج ابنه من المشفى، تحركت على الفور نحو خزانة الملابس دون انتظار او الاخذ والرد في التفكير، غير مبالية بإلحاح ابـ.ـنتها التي تريد منها الانتظار:
– استني ياما، طب حتى لما نسأل ولا نشوف الأمر ايه؟
نهرتها تدفعها عنها لتواصل ارتداء عبائتها السوداء وطرحتها:
– لا تشوفي ولا تزفتي، انا رايحة دلوقتى بلدها البت دي، مش ههمد غير لما اعرف كل حاجة بنفسي، ويا ويله لو طلع كلامك صح وله اي علاقة بيها، هدفنهم هما الاتنين ان شاء الله.
صارت تلطم بكفيها على وجنتيها:
– يا مصيبتي يا مصيبتي، يا خــــوفي لا تفضحينا وتخلي سيرتنا على كل لسان، ساعتها ولادك هيحطو غلبهم فيا ويقولو عليا فتانة .
– يقولو ولا يعيدو يا بت ، محدش اصلا هيجيب سيرتك، انبطي بقى وغوري شوفي وراكي ايه؟
وارتدت حذائها لتتحرك مغادرة بعدmا التقطت محفظة النقود خاصتها، فتردد سامية في اثرها:
– مصـ يـ بـةلا البسها انا كمان المرة دي والنعمة اروح فيهم في داهية
❈-❈-❈
والى تركيا
وبعد أن ترك جلسته مع ابن خالته، ودلف الآن إلى الفراش من أجل اخذ قسطًا من الراحة، نتيجة تعب السفر وارهاقه،
ولكن عقله الساخن بالأفكار الطاحنة، أبى أن يعطيه غايته، صدى كلمـ.ـا.ت عدي مازال يتكرر برأسه، الحـ.ـز.ن الذي كسي تعابيره، والحسرة التي تخللت وجدانه، ذلك العابث الذي تربى معه وكان في وقت ما ، أقرب الأشخاص اليه، يعلم جيدا بشخصيته، كان يظنه ابعد ما يكون عن العشق والهوى، ليس بالعاطفي او الحالم كمصطفى شقيقه، ولكن لما الاستغراب؟ من كان يظن أن رجل مثله هو ، يحمل كل عقد الماضي، يعشق ويحب امرأة مثل بهجة؟ يبدو أن سلطان الهوى أقوى من اي شيء .
اعتدل بجذعه فجأة، ليتاول الهاتف غير عابئًا بكل الوعود التي قطعها على نفسه قبل ان يأتي إلى هنا، ويعطي لنفسه مساحة للتفكير بعيدا عن تأثيرها عليه، اللعنة انه حتى لم يمر يوما واحدًا وقلبه أصبح يتلظى نار الشوق اليها .
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت في هذا الوقت تتفقد الغرف المتعددة داخل القصر الضخم برفقة نجوان التي صارت تعرفها على ركن بالمنزل وبالتحديد داخل الطابق الثاني، ،ذلك الذي كان يجمعها بأشقائها، بحنين يقــ,تــلها للقاء بمن فارقوا:
– شايفة با بهجة، اهي دي تبقى اوضة اخويا كاظم الله يرحمه، دا اتوفى وهو شباب، كان من اقرب الناس ليا ، جميل وبيحب الحياة عكس بهيرة في كل الصفات، لذلك رغم انه كان ولد لكنه كان اقربلي منها. من يوم ما توفى وهو ساب لي فراغ كبير في حياتي، حتى بعد جوازي من الراجـ.ـل اللي بحبه وخلفتي منه، مكان الأخ ولا يعوضه كنوز الدنيا.
بصوت متأثر وقد ازداد تعلقها بهذه المرأة الحنون:
– ربنا يرحمه يارب، بس تفتكري بهيرة هانم عرفت بموضوع جوازي من رياض، يعني تكون لورا قالتلها.
بتفكير عميق نفت نجوان بتحريك رأسها؛
– لا مفتكرش عشان لو حصل كنتي هتلاقي معاملتها هتبقي بشكل تاني كمان ودا اللي مخليني مستغربة ان لورا مقلتلهاش، بس محدش عارف، عندي احساس ان البـ.ـنت دي اتغيرت…. معرفش ليه؟ ياللا بقى ربنا يهديها ويرزقها باللي يسعدها
تبسمت لها باتساع تعبر عما تشعر به نحوها :
– انتي ست جميلة اوي .
ضحكت بحب تقرصها من وجنتيها:
– والله انتي اللي جميلة وزي القمر، استني عليا بس، دا انا محضرالك مفاجأت……
– تاني…. لا الله يخليكي كفاية عليا المنصب اللي طلعلي من تحت الارض، افهم ايه انا في نظام الجمعيات الأهلية والكلام الكبير ده؟
عبست تدعي الجدية في توجيه الأمر لها:
– بلاش كلام فارغ يا بـ.ـنت، بكرة تتعلمي كل حاجة، بس انتي تفتحي دmاغك.
– والله، يعني انتي عايزة تفهميني….
قطعت منتبهة لدوي الهاتف برقم غريب، قطبت تطالعه عبر شاشة الهاتف بتساؤل، اجابتها عنه نجوان غامزة بطرف عيناها:
– دا رقم دولي يا بيبو، ردي بقى عليه وخدي راحتك معاه، وانا هروح اطل طلة على بهيرة واشوفها لتكون ولعت في باقي أعضاء الجمعية.
قالتها على عجالة وتحركت ذاهبة من امامها، تتركها داخل الغرفة الضخمة وحدها، تجري مكالمتها مع ذلك الطالب من الرقم الدولي، فيأتي ردها بتردد:
– الوو…. مين معايا؟
جاءها الصوت بعد فترة قصيرة من الترقب، ليدغدغ حواسها، وينشر الفراشات بمعدتها:
– انا رياض يا بهجة، حشـ.ـتـ.ـيني و .
كادت ان تسقط دmعتها من فرط شوقها اليه، رغم مرور عدد من الساعات فقط على فراقهما، ولكن يبدو أن بعد المسافات زاد من وطأة ما يجتاحها نحوه، وهو ايضًا لا يقل عنها:
– وانت كمان وحـ.ـشـ.ـتني، وحـ.ـشـ.ـتني اوي
❈-❈-❈
لم تستغرق رحلة الذهاب إلى المدينة التي تعرفها، والتي تسكن بها هذه المدعوة صفاء، سوا ساعتين معها ، بعدmا استقلت سيارة أجرة خاصة بها، لتقف بها امام المنزل تماما، حتى حينما فتح لها احد الأبناء، فسألته عن والدته، أخبرها انها قي الطابق الثاني ولا يصح الصعود اليها بناءًا على تعليمـ.ـا.ت منها، حينها أخبرته بالقرابة التي تجمعها بها ، ولكنه ايضا منعها، لتهتدي الى ضالتها في الاخير، بإعطاءه عدد من الأوراق الماليه، جعلته يتراجع عن تشـ.ـدده، ويترك لها الفرصة حتى تصعد وتتولى والدته أمرها.
وبالفعل وصلت الى شقة العروس بالطابق الثاني ، ولحسن حظها كان الباب مفتوحًا بعض الشيء لتستغل وتدلف على أطراف اصابعها دون ان يصدر منها اي صوت،
بحثت داخل غرفتين فلم تجد بهم الا الفراغ بالإضافة إلى الردهة، لا يوجد سوى صوت التلفاز بالصالة الفارغة ايضا، إلا ان رائحة العطر القوية بغباء شخصيته، هي فقط من دلتها عن مكان مكوثه، بعدmا فقدت الأمل وكادت ان تغادر، لتتسمر محلها على مدخل الغرفة الجانبية المنزوية، وهي تجده بهذه الهيئة الجديدة والغريبة عنه.، يرتدي منامة بيتيه ملتصقة بجــــســ ـده المتكور، بدون أكمام وسروال قصير حتى أعلى الركبة، بهيئة تبدو شبابية ولكن لا تليق به كما ترى امامها،
لتتوقف فاغرة فمها لوقت من الزمن، تراقبه بذهول، بعدmا انكشف لها اخيرا كل هذه الأسرار عنه، يكتنفها احساس قوي ان احد ما قد صفعها على رقبتها من الخلف ( قفاها)
– ازيك يا خميس؟
صوت صرخته الفزعة لحضورها كاد ان يخرج للخارج من علوه، وقد التف اليها بإجفاله والتصق ظهره بالخزانة كمن رأى ملك المـ.ـو.ت امامه
– دددددورية
صدر الاسم بلجلجة واضحة، تلقفتها هي تردد، واقدامها تتقدm نحوه بنية واضحة :
– هي بذات نفسها يا قلب دورية، ايه بقى رأيك في المفاجأة؟
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة ليتملقها بزيف مكشوف:
– تجنننن، انا هموووت من الفرحة طبعًا، بس انتي عرفتي تيجي هنا ازاي؟ ومين دلك على مكاني؟
ردت تجيبه بهدوء خطر:
– عرفت ازاي؟ دي متخصكش، اما عن اللي دلني على مكانك هنا؟ فدي ساهلة اوي…… من ريحتك يا خميس،
توقفت بنظرة شاملة له بالكامل وبأعين برقت بشر، وبتهكم واضح:
– بس انت ايه الحلاوة دي يا خميس ، يا راجـ.ـل دا انا معرفتكش.
بجــــســ ـد ينتفض ونبرة مهزوزة بـ.ـارتياعه منها، رد يبادلها الغزل بكذب مفضوح، علٌه يؤثر بها:
– ممش احلى مننك يا روح قلبي، دا اننتي القمر.
بضحكة ساخرة تقطعت لعدة مرات بقصد منها، فاستجاب يبادلها بصعوبة، لتوففه فجأة بلهجة صارمة وأعين تلونت بالإحمرار :
– انا بقول نخوش في الجد احسن يا خمسينو، مش جه برضو وقت الحساب؟
سمع منها، ليتمتم بقلب على وشك التوقف:
– خمسينو كمان، اااه جالك المـ.ـو.ت يا تارك الصلاة.
زامت تقترب منه بصورة أظهرت وكأنها على وشك الفتك به، لينتفض صارخًا من امامها:
– يانهار اسود، انتي جايه تمـ.ـو.تيني ولا ايه؟
صرخت به تمسك سكين فاكهة التي التقطها من الطبق امامها
– امـ.ـو.تك واشرب من دmك كمان، بقى وصلت بيك الجرأة تخوني انا مع خرابة البيوت دي اللي من كل جوزاة عيل .
– ومالها يا اختي اللي من كل جوازة عيل، على الاقل بشرفي
صدر الصوت من خلفها ، لتفاجأ بتلك المدعوة صفاء تلف رأسها بالمنشفة، وترندي عباءة ملتصفة بجــــســ ـدها، صورتها تلك أشعلت النيران بجــــســ ـدها ، لتردد معقبة بسـ ـخـــريــة وتهكم:
– شيللاه يا شرف ، هو انتي لو عندك شرف اصلا ، كنتي قعدتي راجـ.ـل غريب في بيتك يا ام شرف .
صدحت لها بضحكة مائعة، لتسحب خميس الذي يرتجف محله من الرعـ.ـب، تقربه منها ، فتخبرها بتشفي:
– طب وهو فين الغريب ده؟ لهو انتي مت عـ.ـر.فيش ان خمسينو يبقى جوزي على سنة ورسوله.
– ايييبه، دا انا اخلص عليكم انتو الأتنيييبن.
صرخت بها لترفع الــســكــيــنــة امامهما بتهديد جعل خميس يتراجع بـ.ـارتياع هو الاخر، اما صفاء والتي وقفت محلها تتحداها متخصرة:
– اعمليها طيب وعوريني ولو بخدش واحد بس، عشان ازود عليكي التهم، بنصيبة اكبر، بعد ما دخلتي البيت واتسحبتي تهددي الإمن وتتهجمي عليا انا وولادي، ومش بعيد البسك قضية ارهاب كمان، دا انا هخليكي تروحي في تأبيدة .
ارتخت ذراعي درية بالسكين، لا تصدق الجبروت الذي تتحدث به هذه الملعونة، لتتجه نحو خميس بعدm استيعاب:
– إنت واخد بالك البت دي بتقول ايه ؟
لم تجد منه ردًا ، وقد الجمه الخــــوف منها ومن الأخرى، والتي كانت له الآن كدرع حامي، لتواصل لها بتهديدها:
– الواد ابني اللي عكمتيه بشوية فلوس عشان يسيبك تطلعيلي، اتصل بيا بلغني وانا بقى يا غالية اتصلت بالشرطة عشان ياخدو الحـ.ـر.امية اللي داخلة بيتي تتسحب ودلوقتي ماسكة عليا الــســكــيــنــة،، يعني تقفي مكانك كدة وإياك تتحركي سمعاني.
على الفور سفطت منها السكين على الارض تصرخ بزوجها:
– اللحقني يا خميس الولية عايزة تلبسني نصـ ـيــبة.
تألقت أمام مراَتها وتزينت ترتدي طقمًا جديدًا من الملابس التي انتقتها معها تلك المرأة العزيزة على قلبها ، تذكر انها في بداية الأمر لم يعجبها الزوق الجديد، بظن منها انه لن يليق بها، ولكن خاب ظنها حينما نظرت إلى المرأة وهي ترتدي احدهم، لتكتشف نفسها وكأنها امرأة جديدة، بذلك التغير الذي يطرأ معها تدريجيًا، ان تكون امرأة راقية، ليس من أجل رجل حتى لو كان حبيبها او غيره، بل من أجلها هي وفقط، هي الاحق بالاهتمام لنفسها ، وبالطبع سوف يرتد ذلك على البقية .
صوت صفير من الخلف انتشلها من شرودها، لتلتف نجو شقيقتها الوسطى جنات:
– ايه يا عم الحلاوة دي؟ ما شاء الله عليكي يا بيبو، احنا ناقصنا بس سجادة حمرا ونمشي عليها باللبس اللي يجنن ده.
استدارت اليها بابتسامة لا تنكر سعادتها بالإطراء:
– بجد يا بت يا جنات، يعني الطقم الجديد لايق عليا ، اصل كنت خايفة اوي لا يطلع ضيق عليا بس نجوان قالتلي مقاسي، هو فعلا مقاسي ولا تفتكرتي انها بتجاملني؟
ضحكت المذكورة بشقاوة محببة تطمئنها مرددة :
– والله يا ستي ما بتجاملك، اديني حلفتلك بالله اهو ، البلوزة ماركة مشهورة اوي، والبنطلون والجاكيت كمان ، حتى الجزمة والحجاب، كلهم زوق عالي، مبينك واو، حاجة كدة اخر حاجة، وبنفس الوقت رقيقة ومتحفظة،
زوق ليدي بالفعل، والله نجوان دي عسل، ست جميلة كدة تنقلك طاقة الحب بمجرد ما تقعد معاكي.
عقبت بهجة على قولها بتفهم:
– هي فعلا كدة، وانا فاهمة قصدها كويس اوي باللي بتعمله معايا، انها تزقني في منصب مهم في الجمعية، وتساعدني ان اطور من نفسي في اللبس والشخصية دا حقها على فكرة، عشان صورتها قدام المجتمع اللي هي نشأت فيه، حتى لو هي مقالتش ولا وضحت بكدة انا لازم افهم من نفسي واحاول حتى لو لا قدر الله موضوعي انا ورياض منفعش برضو مش هخسر حاجة لما اتحسن او اتقدm في حياتي، لان في كل الاحوال دا فايدة ليا، وكفاية ابص لنفسي واشوف التغير
تابعت تشير اليها بيدها نحو ما ترتديه من الأعلى إلى الأسفل:
– وزي ما انتي شايفة قدامك اهو، بتابع الدراسة في الجامعة، وفي نفس الوقت بروح الجمعية بشكل يختلف بمية وتمانين درجة عن السنين اللي فاتو ، من عاملة على مكنة خياطة بعباية سمرا باهتة، لواحدة بلبس ماركة مشهورة على رأيك،
تأثرت جنات بشـ.ـدة حتى خرج قولها بصوت مفعم بالمشاعر الصادقة داخلها:
– عشان دا مكانك الحقيقي يا بيبو، انتي اتظلمتي ونسيتي نفسك، بس عدل ربنا نصفك.، وبلبسك ده اللي يشوفك يقول انك اتولدتي هانم، والله ما بهزر.
– حبيبتي.
صدرت من بهجة لتقترب منها تقبلها بابتهاج، والتف ذراعها حول كتفيها لتضمها اليها تردف بحماس:
– حلو اوي رفع المعنويات ده، نروح نفطر بقى مع جوز المتشردين قبل ما يخلصو على الاكل.
اومأت جنات رأسها بموافقة، لكن فاجأتها بتقريب انفها منها قائلة بإعجاب:
– الله يا بيبو، انتي حتى ريحتك بقت غير، دا كدة التطور عدى اميال كمان، بقولك ايه، انا بحبك اوووي.
ضحكت ردا لها:
– وانا كمان بمـ.ـو.ت فيكي يا ام عقل شاطح
❈-❈-❈
والى اسطنبول
حيث كان يتسكع بدون سيارة، داخل المدينة التي لا يزورها إلا قليلًا رغم عشقه لها، وذلك بفضل اشغاله الكثيرة، يستمتع بأجواءها والهاتف على اذنه يتحدث معها عبره، بعد انتهاءئه لعدد من اعماله، وقد اقترب ميعاد رجوعه واشواقه اليها ازدادت اضعاف.
عدة ايام مرت عليه، ولم يتوقف مرة عن الاتصال بها، والسؤال عن كل كبيرة وصغيرة في شئونها، وكأن الفرصة التي أعطاها لنفسه في البعد عنها، أتت نتائجها بالعكس، حاول إشغال نفسه بالعمل ، او باللقاء بأقرباءه هنا، حتى الذهاب إلى النوادي الليلة والتعرف على نساء غيرها، ولكن قلبه أبى أن يدق إلا لها، يراها في كل امرأة تأتي امامه، حتى كاد ان يسلم الراية ويعلنها من هنا كي تصل الى العالم اجمع:
– أيوة يا بهجة انا كويس والحمد لله، المهم انتي طمنيني عليكي،  عـ.ـر.فيني عاملة ايه من غيري .
سبق اجابتها ضحكة رقيقة مرحة:
– حلوة حكاية عاملة ايه من غيري دي؟ اكيد عايشة يعني والحمد لله ما جراليش حاجة، دا كلهم كام يوم بس اللي غيبتهم يا رياض مش زمن يعني.
– بالنسالك انتي مش بالنسبالي، انا بيمروا عليا كأنهم سنين صوتك دا ذاته بيزود الاشواق في قلبي، ومع ذلك برضو مش قادر ما اتصلش، ولا اسمعه، يوم عن يوم بتعلق بيكي اكتر مش العكس.
كان يصله صوت انفاسها، وصمتها المعبر بقوة عما يكتنفها، من قال ان الكلمـ.ـا.ت فقط هي المعبر في تلك الحالة، هناك ما هو اقوى، الإحساس الذي يجمع بين الطرفين، وتألف الارواح ما أعظمه
– سكتي ليه يا بهجة؟
– يعني هقول ايه؟ انت قولت كل الكلام، في انتظار رجوعك بقى.
– اممم، ماشي يا بهجة،طب بقولك ايه انا واقف دلوقتى قدام محل هدوم حريمي، عنده شوية هدوم عندي احساس انها هتجنن عليكي، ايه رأيك؟
– بجد يا رياض، طب ابعتلي كدة خليني اشوف الزوق التركي .
قالتها بلهفة وحماس جاهلة عن تلك الابتسامة الخبيثة التي ارتسمت على ثغره وهو يتأمل الموديل العارضة خلف الواجهة، ترتدي فستان يشبه قطعة النوم، بل اكثر عري ولكنه رائع التصميم والأناقة حتى أنه بالفعل أصبح يتخيلها ترتديه، لذلك قرر على الفور شرائه، ولكن في البداية لابد له من التسلية برد فعلها الآن، وذلك بإرسال الصورة التي التقطها حالا بكاميرا الهاتف، ليصله رد فعلها على الفور، بشهقة تسبقه:
– ايه ده؟ دا برضو فستان؟! لا سيدي مش عيزاه ولا عايزة زوقك ال…… اقفل يا رياض وروح شوف مصالحك، بلا شرا فستانين بلا كلام فارغ الحاجات دي ليها اصحابها.
ضحك بصخب ينهي المكالمة بناءًا على طلبها، يلج لداخل المحل عازمًا على أمر شرائه ومجموعة أخرى تضاعف من سعادته في مشاكستها والاستمتاع بردود افعالها الغير متوقعة.
❈-❈-❈
القت الهاتف من يدها على سطح المكتب الذي تعمل به الآن كمساعد لنائب مجلس الإدارة بالجمعية الموقرة ، بوضع اجتماعي يسهل عليها الكثير من الأمور،
لكن تلك المشاعر التي تكتسحها وتزيدها تشتتًا، في كل مرة تسمع إلى صوته، كيف تجد لها حلا كما انه هو ايضًا لا يساعدها بأفعاله، اللعنة، وهل تلك نبرة رجل يريد الفراق بالفعل .
– سرحانة في ايه يا بهجة؟
قالتها نجوان وهي تدلف اليها داخل الغرفة التي اصبحت تجمعهما سويًا لتجعلها تنتبه اليها وتجيبها:
– لا عادي يعني….. متشغليش نفسك.
قطبت تجلس على الكرسي المقابل لمكتبها واضعة قدmا فوق الأخرى
– مشغلش نفسي ازاي يعني؟ ما تتكلمي يا بـ.ـنت.
صمتت برهة من التفكير حتى اجابتها بتشتت:
– مش عارفة صراحة اقولك ايه؟ بس…. اصلي يعني كنت بكلم رياض قبل ما تيجي وو….
– ايه يا بـ.ـنتي ، انتي هتنقطيني بالكلام، هو رياض عرف بمنصبك الجديد معايا؟
اجابت عن سؤالها تنفي برأسها، لتبزغ ابتسامة واسعة على فمها، لتقول:
– كويس اوي، انا كمان مش عايزاه يعرف دلوقتي.
قطبت بهجة وعقدت ما بين حاجبيها بريبة وحيرة متسائلة:
– طب ليه؟ ليه مش عايزاه يعرف اني بشتغل معاكي؟ ولحد امتى؟ دا خلاص قرب يرجع من سفره
تبسمت بمرح زادها اشراقًا تجيبها:
– وماله يا عبـ.ـيـ.ـطة لما يرجع من سفره؟ وهو احنا يعني هنفضل مخبين العمر كله، انا بس اعملهالو مفاجأة.
– مفاجأة!
– اه مفاجأة واسمعي الكلام وبطلي عـ.ـبـ.ـط بقى، وقومي جهزي نفسك عشان خارجين بعد ساعة كدة ورانا مشوار .
سألتها بهجة قاطبة:
– مشوار ايه؟
تبسمت تجيبها بمكر:
– ندوة يا بهجة، ندوة للتعريف عن انشطة الجمعية وذكر الانجازات اللي بنعملها في وقت قياسي.
❈-❈-❈
انتهى من شراء المجموعة التي يريدها، وأشياء أخرى اكثر حماسًا تحفزه على اللهو وتشعل خياله الخصب للقادm معها، ثم واصل تسكعه ليتوقف امام محل المصوغات الشهير، يطالع الواجهة رافعًا النظارة السوداء عن عينيه قبل أن يتحرك ويدلف داخله، يستقبله عامل المحل بابتسامته الودودة قبل أن ينتبه صاحب المحل، فيرحب بها بمبالغة نظرا للمعرفة القديمة وما يجمعهم من تاريخ في التعامل معه، وهو مصري يجمع بين الجنستين التركية والمصرية.
– رياض باشا، بقالنا سنين كتير اوي ماشوفناش بعض، من عهد اا.
كاد ان يذكر اسم والده ولكن استدرك سريعًا ليقطع مردفًا بغبطة:
– بس وحشتنا والله، وبسمع عنك من ولادي اخبـ.ـار تفرح، دا غير مدام نجوان كمان، امتى بقى تنورونا من تأني المحل؟
تبسم ردا له:
– إنت عارفها، كل حاجتها من عندك، اكيد مع أول عودة ليها بعد السنين اللي مرت، هتيجي وتشتري منك، المهم دلوقتي انا عايز انقي لها هدية .
هلل الرجل فرحًا بقوله:
– يا ماشاء الله، دا انا هطلعلك احلى مجموعة عندي تنقي منها، حاجة سبيشيل تليق بيها، دي زوقها راقي ولا يعلى عليه.
– وعايز حاجة رقيقة تناسب واحدة في العشرين.
هتف بها قبل ان يقوم الرجل كي يأتي بمجموعة المجوهرات، ليقطب الاخير بابتسامة ماكرة:
– لمين بقى؟ ياريت اعرف الصفة او مقدار الغلاوة عشان احدد على اساسه الهدية المطلوبة
من دون تفكير، وكما حركه احساسه، نطق لسانه بما يحمله القلب:
– يبقى تجيب أغلى حاجة عندك، عشان دي أقرب لي من النفس اللي بتنفسه.
❈-❈-❈
عودة إلى الوطن
وبالتحديد داخل منزل خميس الغائب عنه منذ ايام، لا يملك الشجاعة للعودة بعد ما حدث منه او بالأصح من زوجته الثانية مع الأولى التي نالها ما نالها من صفاء حينما اقتحمت عليها منزلها كما ادعت وبلغت الشرطة، لتجعلها تبيت داخل المحبس عدة ليال حتى تنازلت لها اخيرا بعد إلحاح مقابل مبلغ كبيرا من المال تحصلت عليه، لتجعل درية الآن ممسكة برأسها المربط بمنديل قماش تندب غير قادرة على التوقف، امام اولادها الثلاثة؛
– اه يا نفوخي، يا نفوخي اه، همـ.ـو.ت ياناس بقهرتي، نااار بتاكلني ، اخلص منها ازاااي؟
مصمصت ابـ.ـنتها بشفتيها تستهجن فعلها للمرة الالف حتى تكف عن النواح:
– افضلي كدة احرقي في دmك لحد ما تنزل عليكي حاجة لا قدر الله عشان تكمل ياما، الفلوس وغارت عشان نطلعك، كنا هنعمل ايه يعني.
– تعملي ايه؟!
صاحت بها باستنكار تردف موجهة ابصارها نحو ابنيها الجالسان على الاريكة المقابلة لها بصمت ، كوضع المتفرج:
– ما هو انتي لو معاكي اخوات رجـ.ـا.لة، مكنتيش سألتي السؤال ده؟ راجـ.ـلين قد الحيطة يقعدو على امهم وهي في الحبس، مش قادرين على حتة مرة ولا تسوى، يحايلو فيها عشان تتنازل وتخرجني من السـ.ـجـ.ـن، بدل ما يجيبوها من شعرها ولا يخـ.ـطـ.ـفوا عيل من عيالها يعرفوها ان الله حق، انا يتعمل فيا كدة انا؟
زفر سمير يشيح بأبصاره للناحية الآخرى، اما سامر والذي مازال يمسك بكفه على موضع الجـ.ـر.ح فقد لاحت على طرف شفته شبه ابتسامة خاليه من اي مرح في الرد عليها:
– ونزود علينا الفضايح صح، ما هو دا اللي ناقص، نلبس كمأن في قضايا خـ.ـطـ.ـف عيال عشان تكمل .
صرخت به غير تدهشه بمنطقها وعدm اكتراثها:
– ومـ.ـا.تكمل ولا تفرقع حتى، مش احسن من لهفها لمية الف جنيه منكم، بـ.ـنت الجعانة، ما صدق ولاقــ,تــلها فرصة عشان تطلع منها بمصلحة، بس اقول ايه؟ ما كله من يوز الاخص ابوكم، هو السبب في كل اللي جرا، سابها تبهدلني وتلم عليا الناس، اه يا ناري لو اطوله هو كمان، دا انا مغلولة منه غل
– اهو ذنب ناس بتخلصه ناس
غمغم بها سامر بصوت خفيض لتهدر به والدته:
– بتبرطم بتقول ايه يا واد؟ طبعا يا اخويا اعملوا ما بدالكم ما انتو حاطين أيديكم في المية البـ.ـاردة.
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها، ليتبع نهج شقيقه في الصمت وتركها لولولتها حتى ولجت زوجة ابنها الاكبر، لتنتفض صارخة وكأنها وجدت ضالتها في افراع غـــضــــبها :
– وليكي عين تيجيلي برجلك يا إسراء، بعد اللي عملته بت الكل…. قريبتك ، ليكي عين يا إسراااء؟!
وقبل ان تصل اليها وجدت من يتلقفها من وسط الطريق يتصدر امامها ليمنعها عنها:
– صلي النبي ياما وسيبي إسراء في حالها، ولا انتي مقدرتيش ع الحمار هتتشطري ع البردعة
هتفت تنهره بغليل وهي تدفعه عنها:
– إنت كمان يا روح امك بتدافع عنها، دا بدل ما تجيب حقنا وتروحها على بيت ابوها، ولا تكون بلفتك هي كمان زي قريبتها ما عملت مع ابوك الاهبل؟
جز سمير على اسنانه بغـ.ـيظ شـ.ـديد يحاول الا يزيد عليها برد لا يعجبها، وقد فاض به من افعالها، اما إسراء والتي وقفت تشـ.ـدد على طفلها بجــــســ ـد يرتجف، فردت تعترض بدفاع عن نفسها:
– طب وانا ايه ذنبي؟ انا حتى معرفتهمش ببعض عشان ابقى سبب، ان كان عمي اللي لاف عليها ولا اللي لافت عليه، الاتنين كبـ.ـار ومحدش فيهم فاقد الأهلية عشان نجيب الذنب ع التاني .
زمجرت درية تحاول الفكاك من ذراعي ابنها تواصل الهجوم عليها بالتجريح:
– لا يا اختي الذنب علينا احنا، احنا اللي سيبنا الدنيا كلها وروحنا لبلدكم الجعانة، ما بتصدقوا تلاقوا راجـ.ـل في وشكم تلوفوا عليه .
إلى هنا ولم يعد قادرا على ذرة واحدة من التحمل، ليدفعها عنه بغـــضــــب شـ.ـديد:
– لحد هنا وتوقفي ياما، عشان انا مراتي بـ.ـنت ناس، واهلها مش جعانين، وكلمة تانية هتزوديها عليها، قسمًا بالله ما ادخلك بيت تاني .
– صلي على النبي يا سمير، دي لحظة غـــضــــب.
كان هذا رد شقيقه، والذي اضطر للتدخل رغم تعبه، خشية تفاقم الشجار امام زهول درية التي تصنمت محلها من الصدmة، وابـ.ـنتها صارت تحاول تهدئتها:
– تعالي ياما ارجعي ريحي اعصابك، الهري دا كله هيخسرك صحتك وعيالك كمان، مش بس الفلوس.
وتحرك سمير يسحب زوجته ويخرج بها، بعدmا حمل ابنه منها، ليتركها بأنفاس متدهجة، وكأنه على بعد شعرة واحدة من أن يقطع معها الى الأبد
❈-❈-❈
قارب على الانتهاء من استعداداته للسفر، فلم يتبقى سوى اشياء قليلة ينهيها قبل أن يتخذ طريقه للعودة ، أغلق الحقيبة الكبيرة بعد أن حشر بها أشيائه، ليضعها في مكان واحد مع الهدايا والمشتريات التي ابتاعها على مدار اليومين الماضيين، وعليه الآن أن يتجهز للاستحمام وتبديل ملابسه للخروج بصحبة رفيق الطفولة في احتفال صغير اعده له قبل رحلة عودته.
دلف إلى غرفة الملابس وانتقى منها حلة رائعة تليق بالمناسبة، لكن وما ان هم بخلع ما يرتديه قبل الذهاب إلى حمام غرفته، حتى دوى الهاتف باتصال من المذكور، ليجيبه على الفور متبمسًا:
– ايوة يا عدي باشا، انا كنت حالا دلوقتي داخل اخد شاور عشان اجيلك…….. بتقول ايه؟……. مين؟ ناريمان! مالها ناريمان؟ ……… ايه حصل لها يعني؟
بإجفال شـ.ـديد صار يستمع إلى قول الاخر، يخبره بتلك المستجدات التي طرأت على رأسه بدون سابق انذار، واحداث لم تكن في الحسبان، ليتماسك اخيرا بصعوبة يلملم شتات نفسه، يجيب على استفسار الاخر من الجهة الأخرى:
– لا طبعا مش هستني، انا هسافر حالًا عشان ادm، هو الأهم عندي دلوقتى.
❈-❈-❈
داخل منزل صفاء ، والتي كانت واضعة طبق كبير من الفاكهة بحجرها الآن تتناول منه باستمتاع امام شاشة التلفاز، التي تشاهد عليها بصحبة اولادها، وكل فرد منهم يحمل واحد مثلها، واصوات مضغهم المستمر ترافق الفوضى التي يحدثونها في مزيج يجعل فرد مثل ذاك الغريب وسطهم ، لا يكف عن متابعتهم بغـ.ـيظ شـ.ـديد وحسرة تكتنفه لما أوقع نفسه به:
– في ايه يا خميس؟ عايز تاكل ما تاكل خير ربنا قدامك كتير ، بدل ما انت حاطط عينك على الولاد ، براحة عليهم لا يزورو.
قالتها بقصد استفزه ليخرج عن صمته في رد لها:
– مش هحسد عيالك يا صفاء اطمني، انا بس مضايق عشان البهدلة اللي بيعملوها في الصالة وهما بياكلوا، فيها ايه يعني لما الواحد فيهم ياكل حتة الفاكهة ويطلع البذرة في الطبق، بدل التفتفة على الارض، والسجاد اللي اتغير لونه من البقع اللي فيه.
صدر من فمها صوت استنكار سبق ردها اليه بقوة واستهزاء:
– وما يتغير لونه ولا يخلوها زريبة حتى، امهم بصحتها وتنضف من وراهم ، يعني محدش قالك انت نضف
فغر فاهه في تعبير عن ذهول تام لردها الذي جعله يردد خلفها بدهشة:
– محدش قالي انضف! في ايه يا صفاء؟ انا بتكلم ع الزوق عشان العيال تتعلم، يعني عجبك من شوية لما الواد تف لب البطيخ من بقه، لزق في خدي؟
ردت ببساطة:
– طب وفيها ايه؟ ما هو عيل يعني مش قاصد، انت اللي مش طايقهم ولا متحمل اي حاجة منهم، وع العموم يعني لو مش عاجبك، محدش غـ.ـصـ.ـبك على القعاد معاهم
قالتها بقصد واضح فهم عليه، لتندفع الدmاء برأسه مغمغمًا بغـ.ـيظ منها:
– امال هقعد فين يعني؟ بعد ما سودتي وشي بعملتك الاخيرة مع العيال وامهم، يعني لو كان بس ربنا هداكي ووافقتي ع الصلح من اول مرة، من غير ما تنشفي راسك ع الفلوس وتعملي عمايلك مش كان احسن برضو، على الاقل كان هيبقالي فرصة اتكلم معاهم، بدل ما انا لازق هنا جمبك، لا قادر اروح بيتي ولا أدير الوكالة اللي باكل عيش منها.
استمعت حتى إذا انتهى من كلمـ.ـا.ته اشتدت ملامحها بضيق واضح مخاطبة له:
– انا جيبت حقي يا خميس، وبلاها منه التقطيم فيا ع الرايحة والجاية، اما بقى عن وكالتلك يا غالي فدي لازم ترجعلها من تاني وتكمل فيها، وتشوف لك صرفة، عشان انا مش فاتحاها تكية، عيالي يعتبر يتامي، يعني عايزين اللي يجيبلهم مش يشاركهم لقمتهم.
❈-❈-❈
داخل النادي الاجتماعي الخاص بعدد مشتركيه من اسر محدوده من علية القوم ، كانت بهيرة
مع منظمة الندوة التي تقام اليوم بالنادي من أجل التعريف بأهداف الجمعية امام الأعضاء به، تتناقش معها قبل ان بدأ الفاعليات لتفاجأ باقتراب احد النساء فجأة تخاطبها :
– باهي حبيبتي مشيتي بدري النهاردة ولا مجتيش الجمعية من اساسه؟ اصل انا ماشوفتكيش نهائي.
اغمضت عينيها الأخيرة بغـــضــــب جلي، لتلتف إلى شقيقتها المتأنقة، وقد زادها الإشراق بهاءًا، واضعة النظارة السوداء فوق عينيها، وشعرها المفرود على الجانبين، وكأنها امرأة في عمر الثلاثون، تصطنع ملامح الأسى، وتسحب خلفها تلك الفتاة في ذيلها:
– لا يا نجوان، انا مروحتش، مكانش ليا نفس اروح النهاردة، اصلي بقيت اتخـ.ـنـ.ـق من الجمعية واللي بيتحدف عليها.
قالت الأخيرة موجهة ابصارها نحو بهجة التي تماسكت بصعوبة حتى لا ترد عليها، اما نجوان والتي أظهرت امامها عدm اكتراث:
– اه يا قلبي اكيد تعبتي كمان من المجهود، الله يكون في عونك بقالك كتير في العمل الخيري، على العموم انا قاعدة وهسد مكانك في اي وقت، انا والمساعدة بتاعتي، احنا يهمنا راحتك يا روحي.
وارتفعت رأسها نحو المرأة الأخرى توجه الحديث لها:
– مدام ايفون انا وبهجة المساعدة بتاعتي مستنينك عند المنصة الرئيسية للقاعة، متتأخريش علينا،
اومأت المرأة رأسها بطاعة، وتحركت هي:
– ياللا بينا يا بهجة.
وتحركتا الاثنتنان تاركة بهيرة تفور من الغـ.ـيظ لتضـ.ـر.ب بعصاها على الارض موجهه اعتراضها نحو المرأة:
– مكنش له لزوم يا ايفون توجهي ليها دعوة، من امتى حد غيري اصلا بيتكلم بإسم الجمعية؟
جاء رد المرأة على تردد:
– ما هي بقت النائب بتاعك يا بهيرة هانم يعني شيء طبيعي تحضر، دا غير انها مستنتش دعوتي بمجرد ما عرفت لقيتها على طول مبلغاني بحضورها .
– اه وتسحب في ديلها البـ.ـنت الدخيلة دي، لأ وكمان تدmجها مع أعضاء النادي المميزين، دا شيء بقى لا يحتمل.
تطلعت المرأة نحو ما تنظر نحوه بهيرة، في تلك الجهة الموجودة بها نجوان وسط عدد من الفتيات الصغيرات والسيدات تتحدث معهم بتباسط كعادتها، وتخـ.ـطـ.ـف الاضواء، وتشرك مساعدتها في الانـ.ـد.ماج معهن في خطة زكيه تتبعها الاولى، لتعبر المرأة عن إعجابها:
– بس منقدرش ننكر يا بهيرة هانم ان البـ.ـنت بقت حاجة تانية عن أول يوم دخلت لنا فيه، لمسة نجوان واضحة اوي في لبسها وفي طريقتها في الكلام، دي واقفة وسط البنات ولا اكنها منهم .
– ما هو دا اللي هي عايزاه
غمغمت بها بهيرة داخلها، يغمرها الغـ.ـيظ الشـ.ـديد نحو أفعال شقيقتها
❈-❈-❈
كان الوقت يقارب على الساعة الخامسة عصرًا حينما استيقظت على هزهزة عنيفة، وصوت والدتها تحاول معها:
– بت يا صفية، قومي يا بت قومي يا منيـ.ـلـ.ـة، قومي يا بت شوفي الضيوف اللي جم عشانك.
فتحت عينيها اليها مجفلة:
– اقوم فين يا ماما؟ وضيوف مين؟ انتي بتصحيني ليه اساسًا؟
هتفت بالاخيرة تعيد شـ.ـد الغطاء عليها للعودة الى النوم، مما دفع والدتها لرفعه من عليها بأكمله تلقيه ارضًا، لتشـ.ـدد عليها بغـ.ـيظ:
– قومي يا بت انا مرارتي مفقوعة اصلا مش كفاية عليا ابوكي اللي طب عليا بالناس الغريبة فجأة، قومي اخلصي.
اذعنت صفية تعتدل بجذعها على تخــــوف، يكتنفها الاجفال بعدm الفهم:
– ضيوف…. وناس غريبة! هو في ايه؟ وانا مالي اصلا؟ انا قدامي ساعتين على ميعاد المكتب عايز اريح شوية .
دنت منها سمية تزوم كازة على اسنانها بحنق شـ.ـديد ، تحاول التوضيح مرة أخرى علًها تستوعب هذه المرة:
– ما هو يا هبلة يا بت الهبلة، الضيوف جاين عشانك، عريس كلم ابوكي عليكي ودلوقتي هو وأمه قاعدين في الصالة في انتظارك..
سمعت منها ليعود اليها الوعي كاملا، وروح التمرد تكتسحها ، فتتحفز كل خلاياها وكأنها على وشك الدخول في معركة.
– نعم! عريس واتفاق على جوازة صالونات مع ابويا وانا نايمة على وداني، ليه؟ هي بهيمة والشاري بيتفق مع صاحبها عليها من غير ما يتاخد رأيها، انا اعترض…. قصدي أرفض النوع ده في ترخيص الأنثى والمساس بكينونتها .
تجمدت سمية لبرهة من الوقت فاغرة فاهها بعدm فهم للكلمـ.ـا.ت التي وصلت لأسماعها، ثم سرعان ما نفضت رأسها تجليها من هذا العته، لتأمرها بضجر:
– نيـ.ـلـ.ـة ولا زفت على دmاغك انتي وابوكي، تقومي حالًا تحضري القعدة اللي برا دي، يمشو التاس واتفلقو انتو الاتنين، توافقي بيه ولا ترفضي ولا تعنسي حتى، في ستين داهية حتى، المهم اخلص الورطة الزفت دي، جاتك القرف، قومي يا بت.
صدرت الأخيرة بقوة جعلتها تنتفض ناهضة من الفراش على غير ارادتها، لتتمتم بتوعد:
– ماشي يا ماما، عشان خاطرك انتي بس، انما عريس الهنا ده هطفشه هو وأمه ان شاء الله.
❈-❈-❈
ما أبشعها من مفاجأت، تلك التي تباغتك على حين غرة بالأسوء. في الوقت الذي غمرك احساس ما، بنفض الهموم وراء ظهرك كي تلتفت للأمام وتمر على احزانك يأتي الماضي ويطل عليك، فيتصدر امام كل تقدm .
ما كان يكتنفه في هذه اللحظة اقوى من اي شيء وكل شيء، مشاعر لا يعرف لها اسم تجتاحه الآن وهو واقف خلف اللوح الزجاجي في المشفى، بعد وصوله منذ ساعة إلى أرض البلدة الأوربية الجليدية.
شقيقه الصغير امام جــــســ ـد والدته، يطالعها بنظرات الوداع بدmـ.ـو.ع لا تتوقف، يشفق عليه، يريد احتضانه، وفي نفس الوقت يخشى رد فعله حين يقترب منه، ليته تجاوز عن كره المرأة الوحيدة في تدmير اسرته وتقرب من شقيقه على الاقل ، لربما سهل الأمر عليه الآن.
– رياض انت لسة واقف مكانك؟
قالها عدي قادmًا من الخارج بصحبة احد الرجـ.ـال، ليلتف اليه ويرد بصعوبة، شاعرًا بثقل الكلمـ.ـا.ت على لسانه:
– يعني هروح فين بس؟ مش قادر اتحرك واسيبه، دا اني غير متلغبط ومش عارف اعمل ايه اصلا
قالها بإشارة نحو شقيقه، والذي ابصره عدي من محله ليعقب بدعم له:
– معلش انا عارف الحمل تقيل عليك، بس هنعمل ايه؟ دا شيء محدش كان يتوقعه ابدأ
اومأ برأسه يوافقه، قبل ان يرفع اليه عينيه سائلًا:
– طب انت معرفتش السبب لمـ.ـو.تها المفاجيء
اهتزت رأسه بأسف يخبره:
– خطأ في عملية تجميل أجرتها هنا في عيادة خاصة لشـ.ـد الجـ.ـسم، ادت لحدوث نـ.ـز.يف أثناء الجراحة نتيجة خطأ في التخدير ودا كان السبب الاساسي للوفاة، يعني اهو رغم كل التقدm والحوادث دي برضو بتحصل رغم ندرتها لكن حظها بقى.
اغمض يسحب دفعة كبيرة من الهواء داخل رئتيه، قبل ان يفتح عينيه طاردهم من صدره بعنف، بغـــضــــب يتسلل داخله، نحو تلك المرأة التي لا يصح لها الآن الا الرحمة، لو كانت تعلم ان تعلقها الشـ.ـديد بمغريات الحياة سيكون السبب الاساسي لفقدها أيضًا، ما كانت استمرت في تلك الأفعال أبدًا
تابع عدي يضيف المزيد عله يطمئنه:
– انا خلصت كل الإجراءات مع المحامي بتاعنا هنا، فاضل بس موضوع ابنها….
توقف يطالعه بتساؤول واستفهام أجاب عنه رياض دون تردد:
– طبعًا مش هسيبه.
سأله بمزيد من الفضول:
– وهتتصرف ازاي معاه؟ الولد ميعرفكش اساسًا؟ انا بقترح اخده معايا واهو يقعد مع الولاد ، على ما ياخد عليك ، يمكن مع الوقت…..
– مفيش مع الوقت يا عدي.
قاطعه به بملامح طغى عليها الهم، ومسؤولية تقسم الظهر:
– لو مخدتش عليا من دلوقتى مش هيقبلني بعد كدة ابدًا، قعاد عندك ولا هنا مش هينفع، ادm لازم يجي معايا مصر، رغم صعوبة القرار والنتائج المترتبة عليه، بس انا شايف انا دا اسلم حل .
❈-❈-❈
بملامح عابسة، ووجه لم تضع به نقطة واحدة من مساحيق التجميل والزينة كما تفعل باقي الفتيات في مثل تلك المناسبات، ضاربة بتعليمـ.ـا.ت والدتها وتوصياتها عرض الحائط، حتى انها لم تخشى رد فعل ابيها الذي وقعت عينيها عليه اول الحضور في الجلسة، وقد كان مسترخيًا في الحديث بصورة أظهرت ترحابه الشـ.ـديد بالأمر، فاليأخذ فرحته الآن قبل أن تصدmه برفضها، نحو هذا ال….. تبًا، انه هو!
– عروستنا القمر، قدmي يا صفية وقفتي ليه؟
قالها محروس يدعوها للمواصلة بعدmا توقفت في وسط الصالة امامهم، بأبصار شاخصة، المفاجأة جمدتها محلها حتى لم تستوعب لفعلها سوى بعد قول والدها، ودفع والدتها التي نهضت من محلها، لتجذبها من ذراعها بابتسامة ظاهرة، وهمس خفي:
– بلمتي في نص السكة ليه يا منيـ.ـلـ.ـة؟
علت بصوتها بعد ذلك بأدعاء الضحك لتغطي على تـ.ـو.ترها:
– عروستنا مكسوفه بقى يا جماعة اعذروها.
– اكيد يا طنت لها عذرها
نطق بها يشعل رأسها ناحيته، وقد وقف يستقبلها بابتسامة وأدب جم، بجوار والدته التي بدت على ملامحها الطيبة وهي تتلاقها بالتكبير والتهليل:
– بسم الله ما شاء الله، تبـ.ـارك الرحمن فيما خلق، دا انتي قمر فعلا يا عروسة تعالي يا حلوة وسلمي، ولا الكسوف هيمنعك ما تسلمي علينا.
انتفض داخلها وتحفزت نحوه بشر، ليندفع الادرينالين بعروقها وتتقدm بخطوات مسرعة هذه المرة لتنفي عنها الصفة السابقة:
– ابدا يا طنط مفيش كسوف ولا حاجة ازيك .
قالت الأخيرة وامتدت كفها تصافح المرأة، والتي جذبتها اليها تضمها بقوه، وتقبل وجنتها بأصوات واضحة:
– يا ختي يا حلاوتك، قمر يا ناس قمر، وطبيعي ولا نقطة مكياج، والله وعرفت تنقي يا واد.
قالت الأخيرة بغمزة نحو ابنها الذي اتسعت ابتسامته غير مباليًا بشرار عينيها الموجه نحوه في تلك اللحظة وهي تترك والدته وتمتد كفها اليه بندية:
– اهلا يا دكتور، اَنست وشرفت .
ضغط على كفها يرد التحية لها:
– دا نورك يا أستاذة صفية.
– ايه ده؟ هو انتو تعرفوا بعض؟
تسائل خميس باستفساره فجاء الرد من ابـ.ـنته التي ألتفت تجلس امامهم بثقة، رافعه عنها غطاء الخجل:
– يعني يا بابا، تقدر تقول كدة معرفة سطحية.
أضاف هو يوضح بمنظوره:
– اااه بس كانت كافية اوي ان اعرف اخلاقك الممتازة يا أستاذة واجري على والدتي واقولها ان لقيت بـ.ـنت الحلال اللي تستاهل ابنك الغالي
– اللي تستاهل !
تمتمت بها بتعجب ازداد مع قول والدته التي أيدته:
– اه والله يا اسطى محروس ، دا انا كمان قلبي انشرح دلوقتي بشوفتها وهاين عليا ازغرط من دلوقتي. عشان انتو اكيد مش هتكسفونا صح؟
رد على قولها محروس:
– لا طبعا، معاش اللي يكسفك يا حجة، هي تطول اساسًا؟.
توسعت عينيها بإجفال لقول والدها، ليصدر اعتراضها بانفعال، غير قابلة بالتقليل من شأنها:
– هي مين اللي تطول ولا متطولش يا بابا؟ انا محامية وليها وضعها، لو سمحت بلاش تقليل، انا…..
قاطعها هو يكمل من عنده:
– انتي الأستاذ الاَنسة صفية، هي دي حاجة محتاجة نباهة برضو؟ ولا انا لسة هعرفك يعني؟
وعاونته والدته هي الاخرى:
– معاش اللي يقلل منك يا سيادة المحامية، دا على كدة ابني صدق لما كان بيقول فيكي شعر .
وكأن بقولها اطفأت بدلو من الماء نيران على وشك الاشتعال، رغم المبالغة في القول، لكن العفوية في التحدث كان لها أثر السحر عليها، لتبدي اسفها نحو المرأة بحرج:
– متشكرة يا خالتي، انا كمان مكنش قصدي اتعصب.
واصلت المرأة بمعسول الكلام:
– يا ختي عليكي وعلى حلاوتك، شوفت كدة يا دكتور الحلاوة ع الطبيعة بيظهر فايدتها ازاي مع الكسوف، الوش احمر وبقى زي حبة الطماطم.
– اه والله يا ماما عندك حق
سمعت منه لترتفع عينيها اليه بغـ.ـيظ، وتحدث والدها بمبالغته:
– والله انتو اللي مفيش احلى منكم، انا من ساعة ما الدكتور كلمني وانا الفرحة مش سايعاني، اصل البت دي مرزقة، زي اختها زهرة هي كمان اتجوزت راجـ.ـل أعمال كبير ومشهور اوي، انا راجـ.ـل على قد حالي اه، لكن عندي بنات يتقالوا بالدهب ، أهم حاجة السمعة والاخلاق
والدها يتحدث عن السمعة والأخلاق!
كادت ان تبزغ ابتسامة جانبية ساخرة منها تعقيبا على قوله، ولكنها تماسكت ، لتعطي انتباهاها للمرأة التي صارت تتحدث عن قريتهم، واسم عائلتهم الكريمة، وما يملكون من اراضي زراعية، ثم الثناء على اخلاق ابنها الجالس بأدب القرود بينهم الآن،
ذلك الذي بمجرد النظر اليه، يثير داخلها التحفز، فما يفعله الآن بالتقدm اليها مباشرة ودون اخذ رأيها يدفعها للتهور وعدm الزوق، ولكن بوجود تلك ألــمرأة الطيبة او ربما الذكية دائمًا ما تجهض محاولاتها من البداية.
حسنًا فالتمر الجلسة على خير ولابد من مراعاة أصول الضيافة،
– كدة انتو عرفتو كل حاجة عنينا يا سيادة المحامية، مستنين بقى ردك ، مع اني كان نفسي تبقى قراية فاتحة دلوقتى .
– عادي يا حجة نخليها قراية فانحة
قالها محروس ببلاهة إعادتها لنفس النقطة من الغـــضــــب حتى كادت ان تقلب الطاولة بالرفض لولا ان الاخر لحق يسبقها:
– لا يا عمي طبعا مينفعش، العروسة لازم تاخد فرصتها في التفكير، ولا ايه؟
توجه في الأخيرة نحوها بابتسامة المعهودة، لتبادله بنظرة مقصودة يفهمها:
– عادي وماله، ناخد وقتنا في التفكير.
وما كان شوقي لك إلا صفحة صغيرة في كتاب الألــم والعـ.ـذ.اب الذي أحيا به وعليه، لا اتمنى الاستغناء او الفراق مهما عانيت
ذلك لأنك انت سر سعادتي ومصدر شقائي
انت بلسمي وترياقي
#بـ.ـنت_الجنوب
انقضت نصف المهمة بدفن الفقيدة في الأرض الاجنبية، نظرًا لاستحالة نقلها إلى أرض الوطن بتلك الاجراءات المعقدة، وظروف الوقت القصير مع صعوبة الأمر، فالفقيدة كانت في الأساس في نظر ذويها متوفاة منذ سنين مضت، بعد حادثها مع حكيم ، وقد اختارت وباعت الاهل وكل شيء مقابل الاستقلال والرفاهية في الدولة الغريبة حتى صار بها مثواه الاخير.
اما عنه فقد أحسن إكرامها كما لو كانت من اهله بالفعل، وكل ذلك بالطبع كان من اجله، من أجل ذلك الجالس الآن بركن وحده في حديقة منزلهم، بعد عودتهما من دفنها، بصمت يتخذه نهجًا منذ ان قدmه محامي العائلة، وقام بتعريف صفته من القرابة اليه، لم يعترض ولم يصدر منه أي رد فعل لرفضه، بل ظل مستلسمًا لكل ما قد تم فعله، ليأتي الان الشيء الأصعب على الطرفين، او بالأصح عليه هو، كيف يتواصل معه كي يتقبله؟ كيف يقنعه بالسفر وترك المدينة التي نشأ بها، وقد حان وقت الرحيل من البلد بأكملها…..
تقدm منه عدي، والذي كان يراقب حيرته هو الاخر، عارضًا المساعدة:
– اروح افتح معاه انا وامهدله عنك؟
اجابه بنزق:
– تمهدله ايه يا عدي؟ ما هو عرف اني اخوه، الموضوع بقى عليا انا دلوقتي، لازم اكـ.ـسر الحواجز ما بينا، مينفعش الوسيط
اومأ عدي رأسه بتفهم:
– مهمتك صعبة بس ربنا يعينك .
زفر بتمهل، ليشجع نفسه حاسمًا هذه المرة:
– يبقى مامنوش فايدة الانتظار اكتر من كدة، عن اذنك هارحله.
تفوه بها وتحرك يتجه مباشرة نحو شقيقه دون تردد، والذي انتبه عليه هو الاخر يطالعه بأبصاره حتى اقترب يستأذنه في الجلوس بجواره على الارجوحة متفوهًا باللغة الإنجليزية:
– I want to sit next to you.
جاء رد الصغير يفاجئه:
– اتفضل
صعق بإجفال حين وصلت لأسماعه الكلمة بالعربية حتى تسمر امامه بعدm تصديق ليؤكد له الاخر بقوله:
– ماما كان كل كلامها معايا باللغة العربية،
– كووويس اوي
صدرت منه بشيء من الارتياح لم يدm كثيرًا حينما اردف ادm متابعًا :
– دا غير اني كنت عارفك من الاول، لأنها كانت دايما بتكلمني عنك انت وبابا الله يرحمه.
سأله بريبة ووجه مخـ.ـطـ.ـوف:
– كانت بتقولك ايه بالظبط؟
وكأن الصغير ود التلاعب به، صمت قليلًا يطالعه بملامح مبهمة قبل أن يعطف عليه بالإجابة:
– كانت بتقولي أن انت اللي بتصرف علينا من فلوس بابا الله يرحمه ، لأنه كان راجـ.ـل أعمال كبير وانت زيه، وكانت عايزاني اكبر بسرعة عشان ابقى زيكم انا كمان .
– اها
تمتم بها بتفهم لشخصية الراحلة، فماذا كان يتوقع، يحمد الله انها لم تشوه صورته امام شقيقه، ليدخل بصدره بعض الهواء ويجلس على الارجوحة يجاوره مردفًا:
– كويس انها كانت مفهماك وضعك، واضح كمان ان عقلك سابق سنك، يعني بكرة ان شاء الله تبقى رجل اعمال اكبر مني ومن والدك.
ناظره ادm بملامحه المغلفة يباغته؛
– بس انا شوفتك وانت بتحاول تخـ.ـنـ.ـقها
اللعنة، انه يذكره بهذا اليوم حينما انفعل عليها ، ليبتلع رمقه بتـ.ـو.تر يجاهد لإخفاءه في البحث عن رد يناسب عمره:
– مكنتش طبعا عايز اخـ.ـنـ.ـقها، دي بس كانت لحظة انفعال لما….
– لما ماما رفضت تسلمني ليك.
– ايه؟
– ماما قالتلي انك كنت عايز تاخدني منها و
هي رفضت فحصلت مشادة ما بينكم لدرجة انها شتمتك
– ايه؟ شتمتني انا؟
– اه وانت مستحملتش الشتيمة واتعصبت عليها.
رغم غـــضــــبه من التحميل عليه بشيء لم يحدث من الاساس ، إلا أنه لم يملك الا التغاضي وتمرير القصة الوهمية التي اختلقتها هذه المرأة من أجل شقيقه ذاك الذي يتحدث بصدق وذكاء يثير الإعجاب.
– ماشي يا ادm، ع العموم خلينا نعدي اللي فات ونركز في الحاضر، انت هتيجي معايا على مصر، احنا دلوقتي ملناش غير بعض، واوعدك ان مش هتعصب عليك ولا ازعلك.
فرك ادm بكفيه الصغيرين بتفكير متعمق، ليتأمله رياض بإعجاب، يتمعن ملامحه عن قرب، يحمل ما بين صفات العائلة، وسمة البلد التي نشأ بها، البياض الشـ.ـديد والشعر الأسود الحريري الطويل نسبيا، العيون الواسعة والأنف المستقيم بإرستقراطيه، تطغى عليه وسامة حكيم بالإضافة إلى الذكاء والمرواغة كما يحدث الآن، في جعله يحترق للإجابة التي أتت بعد فترة من الوقت؛
– تمام انا موافق.
❈-❈-❈
قلق شـ.ـديد يعصف بها منذ الامس، وذلك بسبب انقطاعه المفاجيء عن مهاتفتها، حتى الرد على محاولاتها في الاتصال به لا يجيب، مكتفيًا بتلك الرسالة المبهمة التي ارسلها اليها يطمئنها انه مشغول جدا وحينما يفضى سوف يتصل بها، ومع ذلك لم يفعل، تذكر حينما أخبرها انه انهى كل اعماله هنا وهو الآن على وشك المغادرة والعودة إلى أرض الوطن، إذن ما الذي حدث؟
– اللبن يا بيبو.
هتفت بها عائشة وهي تسرع بيدها لإطفاء الموقد قبل أن يفور الحليب عليه ويطفئه وقد كان على وشك. نتيجة لشرود شقيقتها التي لم تنتبه سوى الآن، لتبدي امتنانها لها:
– متشكرة اوي يا عائشة، معلش سهيت ومخدتش بالي .
ضحكت عائشة تساعدها في وضع باقي الأطباق على صنية الطعام التي تعدها للإفطار معقبة بمكر:
– معلش يا بيبو، اللي واخد عقلك يتهنى به.
بكف يدها لطـ.ـمـ.ـتها بخفة على جبهتها:
– ومين هياخد عقلي على أول الصبح كدة يا مـ ــصيـــبة؟ شيلي يا بت الصنية دي واطلعي بيها شيلي.
اذعنت ترفع الصنية مرددة بمزاحها كالعادة:
– حاضر والله يا أبلتي حاضر، هو احنا نقدر على زعلك يا ست بيبو .
قالتها وتحركت خارجة من المطبخ تتبعها بهجة التي حملت خلفها، صنية الحليب والشاي، وقد كان في انتظارهم ذاك الذي تلقفهما من وسط الطرقة يحمل عنهما ، ليتناول الطعام بعجالة معلقًا:
– خمس دقايق كمان وكنت هروح ع الكلية من غير فطار، يرضيكي كدة يا بيبو؟
تبسمت تخـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنته:
– لا طبعا ما يرضنيش، سيادة الدكتور المحترم يدخل محاضراته ولا السيكشن على لحم بطنه، دي حتى تبقى عيبة في حقنا
– حبيبتي
تمتم بها ليأتي التعقيب من جنات التي تجهزت هي الاخرى لجامعتها:
– هيسوق لنا فيها بقى، ما تاكل اي حاجة في طريقك وانت ماشي يا سيدي، مش المهم انك ترضي بطنك وخلاص،
عقبت عائشة هي الاخرى:
– كبري مخك منه يا جيجي دا البالطو الأبيض لحس مخه خلاص.
رمقهم إيهاب متصنعًا التعالي والازدراء، فتدخلت بهجة بسلطتها على قلوبهم :
– انتو هتتفقوا عليه انتي وهي عشان ما هو الولد الوحيد وسطنا، لا اصحو كدة دا في حمايتي
هلل شقيقها مغـ.ـيظًا لهم:
ايوة بقى انا في حماية الكبيرة، يعني تقفلي بوقك يا قرشانة انتي وهي، انا في حماية عُليا .
تعبيرات الامتعاض على وجهي الاثنتان كانت أجمل رد لبهجة التي صارت تضحك لمشاكساتهم، حتى قطعت بانتبهاها لدوي اتصال بهاتفها، فركضت سريعًا تتناوله أعلى الطاولة الجانبية، لكن خاب املها حينما رأت رقم صديقتها، وليس هو
فتجيبها بنبرة يتخللها اليأس:
– الوو، اهلا يا صفية عاملة ايه؟……. اروح معاكي فين؟….. لا مش هينفع النهاردة احتمال كبير اتأخر في الجمعية، ممكن تجيني الكافيه على سبعة المسا، او بعد ما تخلصي شغلك نخرج مع بعض
❈-❈-❈
كانت في طريقها إلى عملها، حينما انهت المكالمة مع بهجة بعد اتفاقهما على موعد للقاء معًا، لتتوقف بسيارتها امام البناية التي بها مكتبها، فتقع عينيها عليه مستندا بظهره على سيارته، ف المكان الذي تصطف به سيارتها، بهذه الابتسامة المستفزة، يبدو واضحًا انه ينتظرها.
ترجلت تضع اقدامها على الارض، عينيها نصب عينيه بتحدي، فتغلق باب السيارة بعنف وتتجاهل إلقاء التحية له عن عمد، وتتخذ طريقها نحو مدخل البناية ثم دلفت داخل البنايه لتصعد آلى طابقها، دون ان تهتم حتى بالالتفاف للخلف، في تصميم على إظهار عدm الإكتراث ، رغم دوي قلبها الذي كان يضـ.ـر.ب بقوة داخلها، ولا تعلم لماذا؟
وصلت امام المصعد ولم تتوقف دقيقة فقد فتح امامها على الفور، يخرج منه عدد من البشر ، لتحل محلهم وتلج داخلها ، وما ان أعتدلت بظهرها لتضغط على ذر الطابق الذي تريده، حتى اجفلت به ينضم معها والمصعد يغلق عليهما فيتكفل هو بمهمة اختيار الطابق مرددًا بمرح يحمل غـ.ـيظًا خفي:
– كدة برضو يا أستاذة تعدي من غير ما ترمي التحية، دا حتى السلام لربنا .
انتابها الحنق الشـ.ـديد وانتفخت ذاتها بتلك الندية التي تجعلها على وشك التحفز دائمًا :
– واسلم ولا ارمي التحية ليه؟ ايه اللي بيني وبينك من اساسه؟ هما حيالله كلمتين لسه ما تبتش الأمر فيهم.
وبرد فعل سريع قصر المسافة الفاصلة بينهم لتصير مجرد سنتيمترات، ويصبح بكليته امامها بالكامل، قائلا بتسلية:
– وايه اللي مأخرك؟ ما تبتي يا ستي في الامر
انتفضت يلتصق ظهرها بالمرأة من خلفها وانفاسها تصعد وتهبط بتـ.ـو.تر شـ.ـديد أصبح يقبض على انفاسها، فترفع سبابتها امامه بتهديد وتحذير، وكلمـ.ـا.ت تخرج بصعوبة:
– سيادة الدكتور المحترم، ارجوك بلاها منها الحركات دي، احنا مش عيال صغيرين.
رد بهدوء لا يخلو من حزم، يتأمل جمال سوداوتيها كقمرين اسودين بكامل سحرهما رغم الزعر الذي يرتسم داخلهما، وجهها على هيئة قلب يميزه طابع الحسن اسفل الذقن، البشرة الخمرية النضرة، جمال مصري اصيل، رغم عدm اهتمامها بذلك الأمر ولكن الأجمل هو ذاتها.
– ما احنا فعلا مش عيال صغيرين، احنا ناضجين وفاهمين، يعني مالوش لازمة نلف وندور على بعض، انتي عايزاني زي ما انا عايزك، حتى لو بينتي غير كدة.
زاد الرعـ.ـب داخلها تأثرًا بهيئته الجديدة امامها، رغم العبث الذي يدعيه دائمًا إلا أنها ولأول مرة يكتنفها الرعـ.ـب من رجل ويكون هو،
– ابعد عني، والا والله… والله .
صارت تردد بها بصورة أثارت قلقه، حتى أنه غفل عن السبب وهو يحاول الإطمئنان عليها:
– والله ايه؟ هو انتي عندك فوبيا من الأماكن الضيقة، ولا ايه اللي حاصل معاكي بالظبط؟
ماذا تخبره؟ وهي في الأساس تخشى منه هو نفسه، ضافت انفاسها حتى اسودت الصورة امام عينيها فلم تعي بشي بعد ذلك، ولا بجــــســ ـدها الذي سقط فجأة عند اقدامه:
– صفية، صفية مالك؟
❈-❈-❈
دفع الباب ليدلف داخل مكتب المحاماة الخاص بها حاملا لها بين ذراعيه، حتى اجفل الفتاة مساعدتها في العمل، لتنتفض في استقباله:
– يا نهار اسود، هي الأستاذة جرالها ايه؟
هدر بها بصرامة:
– انتي لسة هتسألي؟ روحي افتحي اوضتها عشان اريحها على اي كنبة وافوقها .
ركضت الفتاة تفتح له باب غرفتها ليدلف ويسطحها على الأريكة القريبة من المكتب، فتخاطبه بلهفة:
– اروح اجيب لها قزازة ريحة نفوقها بيها؟ ولا اتصل بدكتور احسن؟
هتف بها حازمًا:
– انا الدكتور يا بـ.ـنتي، تعالي ساعديني عشان افوقها
بحيرة اعتلت تعابيرها، اقتربت تسأله بفضول، وهي تراه ممسكًا رسغ يدها بعملية يقيس النبض
– طب انا اعمل ايه يا دكتور؟ واساعدك ازاي؟
رمقها بغـ.ـيظ يأمرها:
– فكي الحجاب بتاعها الأول خليها تاخد نفسها.
على اثر صيحته الاخيرة انتفضت تنفذ ما أمرها به ، تراقب ما يفعله في افاقتها بتركيز شـ.ـديد، لكنه لم يمنعها من سؤاله:
– حضرتك تعرفها منين؟ ولا هي وقعت قدامك صدفة يا دكتور؟
كانت صفية في هذه اللحظات بدأت تحرك عينيها في بدايه للعودة لوعيها، ليطمئن قلبه بعض الشيء فيجيب تساؤل هذه الفتاة الفضولية، بجدية الواثق:
– انا خطيبها يا آنسة.
شهقة عالية صدرت من الفتاة حتى ارتد اثرها على صفية لتفتح عينيها بالكامل فيصلها صوت الفتاة :
– يعني إنت بجد خطيب الأستاذة صفية؟ طب هي مقالتش ليه؟ مقولتيش ليه أستاذة انك مخطوبة لدكتور وزي القمر كده ؟
تبسم بمكر وقد أعجبه رد فعلها، وعيناه لا تفارق تلك التي بدأت تنتبه اليه والى وضعها امامه، وارتسم الجزع على ملامحها لتنتفض بجذعها صارخة به؛
– انا جيت هنا ازاي؟ وانت قاعد قدامي كدة ليه؟ ايه اللي حصلي؟
جاء الرد من الفتاة مساعدتها بلهفة:
– يا أستاذة متقلقيش ولا تخافي، انت كان مغمي عليكي والدكتور خطيبك هو اللي فوقك.
– خطيبي!
تمتمت بها بأعين توسعت فجأة ليلحق هو مخاطبًا الفتاة:
– بسرعة يا اسمك ايه هاتيلي كوباية ميه عايز اشرب، وياريت تعملي كوباية عصير للأستاذة الآنسة صفية.
– من عيوني.
قالتها الفتاة وركضت بحماس تترك لهما المجال لتبدأ بينهما جولة من النقاش المحتدm:
– البت سندس بتقول عليك خطيبي، مين فهمها كدة؟
ردد بمرواغة:
– يعني اللي خرجت دي اسمها سندس؟ طب والله ما اعرفها، بس هي اكيد مش هتألف من مخها، ما هو انا كمان، كان لازم ارد على سؤالها لما سألتني وانا داخل بيكي شايلك.
– داااخل بيا شايلني! يعني انت شيلتني بجد؟
تردد بها بهلع وهو يزيد عليها بقوله:
– ايوة طبعا بعد ما اغمى عليك في الاسانسير، كان لازم اطمن عليكي، دا انتي قعدتي يجي ساعة افوق فيكي.
– ساعة كمان تفوق فيا.
استدركت لكلمـ.ـا.ته لترفع يدها على شعرها، فتعي على وضعها بدون حجاب لتنتفض فجأة من جواره ناهضة بهلع، حاول تخفيفه عنها:
– خلي بالك ان سندس كانت معانا، وهي اللي قــلـــعتك الحجاب عشان تفوقي .
تجالهت كل ما تفوه به، وقد توقف عقلها على شيء واحد:
– قاعدة ولا مش قاعدة ميهمنيش، المهم اني كنت بشعري! بقالي ساعة قدmك بشعري! يا نهار اسود، يعني انا شعري انكشف قدامك ؟!!
تبسم بخبث يجيبها ببساطة:
– وليه الخضة دي بس؟ ما انا يعتبر برضو خطيبك ، ولو مكانش يبقى الاسلم توافقي عشان ما يبقاش شعرك انكشف على حد غريب
سمعت منه، فتحولت ملامحها لقطة شرسة على وشك الهجوم على خصمها لولا دخول مساعدتها بصنية تحمل ما قامت بإعداده:
– العصير والميه يا حضرة الدكتور
❈-❈-❈
حطت الطيارة التي تحمل الشقيقين على أرض الوطن، فكان في استقبالهم كارم، في بادرة منه للدعم والمؤازرة، بعدmا علم من صديقه عدي بالقصة كاملة، والذي اوصاه من جانبه هو الاخر بالاهتمام.
ليتكفل ويقلهما داخل سيارته، وحديث دائر بين الشريكين لا يُخفي القلق.
– كل حاجة تمام في الشغل، متقلقش خالص.
– اكيد مش قلقان يا كارم، حتى لو تقلت عليك، انا عارف انك قدها وقدود.
تفوه بها رياض يعرب عن امتنانه الشـ.ـديد له، حيث كان جالسًا على الكرسي المجاور له في الامام، وشقيقه في الكنبة الخلفية، يشاهد من نافذة السيارة أجواء البلد التي يراها لأول مرة، ليشاكسه كارم بقوله:
– عجبتك البلد يا آدm؟ اوعى تقول لا وتقارنها بالبلد اللي عيشت واتربيت فيها ، ازعل منك.
اومأ له ادm بإجابة مقتضبة قائلا:
– بالعكس هنا أجمل، على الاقل الشمس في كل مكان ودافية.
تبسم كارم يردد ضاحكا باستدراك؛
– اااه، ياعيني انت صحيح متربي ع التلج والضباب، الشمس بتطلع زي هلال العيد عندكم .
هذه المرة كان الرد مستجيبا لمزاحه بابتسامة صافية، ليردف كارم في ترحيب له:
– منور بلدك يا آدm، وان شاء الله بكرة تبقى سعيد بصحبتنا .
أضاف على قوله رياض:
– ان شاء الله….. وبكرة هو يشوف بنفسه….
شعر كارم من نبرته بثقل لسانه، ومدى ما يعتريه من هم، ليعقب بسؤاله مستفسرا عن القادm:
– طب انت كدة هتعمل ايه؟ هتروح بيه على بيتكم ولا فين بالظبط؟
رد يجيبه بتنهيدة خرجت من العمق:
– انا هقولك دلوقتي على فين تروح بينا؟
❈-❈-❈
وصل به كارم إلى منزله الخاص، فلم يجرؤ على الذهاب به إلى والدته، خشية حدوث انتكاسة لها بهذه المفاجئة المدوية، لابد من التمهيد والحذر الشـ.ـديد في مفاتحتها، ف الأمر ليس بالهين على الإطـ.ـلا.ق.
كان في استقبالهم جوليا الخادmة الإيطالية والتي رحبت به بحفاوة بلكنتها الغير متقنة، ليقوم بتقديمها اليه، بعد انصراف كارم لمتابعة الأعمال المشتركة بينهما:
– دي جوليا يا ادm اشطر واحدة في العالم تعمل مكرونة ايطالي، وكل انواع البيتزا اللي انت بتحبها، اطلب منها وهي تعملهالك، دا لو ليك فيها يعني.
في استجابة منه، اومأ بهزة خفيفة من رأسه ليجفله بسؤاله:
– مامتك؟
ضحكت جوليا وقد فهمت عليه، ليسارع هو بالنفي:
– لا يا ادm مش هي، والدتي هعرفك عليها بعدين شوية مش دلوقتي، حضريلنا انتي الغدا يا جوليا وتعالي انت يا حبيبي اقعد، وبعدين ابقى اتعرف على البيت براحتك بعد كدة.
توجه اليه بالأخيرة، حتى يكف عن السير في ارجاء المنزل وتأمله ، ليياغته ادm مرة أخرى بأسئلته:
– طب وانت هتعيش معايا ولا معاها؟
اخذ برهة قليلة من التفكير قبل يحسم بإجابته:
– معاك يا ادm، لحد ما ربنا يحلها ونجتمع كلنا في بيت واحد، وعلى ما يجي اليوم ده، هحاول اخلص كل الإجراءات وادخلك المدرسة والنادي اللي تمارس فيه هوايتك، انا عارفك انك هتتعب شوية في البداية عشان متعرفش حد في مصر بس بعد كدة……
– لا أعرف..
قاطعه بها ليثير بداخله الفضول للمعرفة:
– تعرف مين هنا في البلد يا آدm؟
– خالتو نادين اخت ماما، ما هي الوحيدة اللي كانت بتتكلم معايا فيديو، انا عايز اتصل بيها واكلمها.
❈-❈-❈
أثناء العمل معاً، كانت تدون ما تمليه عليها نجوان التي انـ.ـد.مجت في مدة بسيطة في الدور الخيري حتى أصبحت تدmنه، ما كانت تتوقع ابدا ان تعشقه بهذه الصورة، ولكن الاقدار دائمًا ما تدهشنا بتدبير الخالق ، الذي يضع كل إنسان فيما خلق له.
– وبكدة يبقى خلصنا بند المنازل اللي محتاجة معونة سريعة لبرد الشتا، وندخل بقى على بند السيدات المطلقات والارامل.
– لازم يعني؟
تذمرت بها بهجة في رد فعل عفوي، جعل الاخرى تنتبه اليها لتترك من يدها الملف الذي كانت على وشك البدء فيه، فتمعنت النظر بملامحها التي انكمشت بخجل تبدي اعتذارها:
– معلش انا اسفة كملي
عارضتها نجوان برقتها المعهودة، تخلع العوينات الطبية عنها:
– لا خلاص بقى انا نفسي تعبت، تقدري انتي تروحي يا بهجة، وانا اخلص بس جلستي مع مدام ايفون واروح انا كمان .
بتردد ملحوظ حاولت بهجة اثناءها:
– مفيش داعي، انا هخلص معاكي وبعدين اروح .
طالعتها بنظرة كاشفة جعلتها تطرق برأسها عن مواجهتها، لتلطف معها بعد ذلك:
– مفيش داعي تيجي على نفسك وانتي معايا، الدنيا مطارتش اصلا، روحي ارتاحي ونكمل بعدها براحتنا، ياللا قومي.
زجرتها هذه المرة بتصنع، لترفع عنها الحرج، فنهضت تلملم اشيائها مرددة لها بطرافة اختلطت بامتنانها:
– خلاص بقى اقوم وانفذ الأمر، انتي اللي امرتي، اعملك ايه؟
– لا يا ستي متعمليش حاجة نفذي الأمر
تمتمت بها نجوان تجاريها المزاح، قبل ان تستأذنها بحق هذه المرة وتذهب من امامها، وما ان اختفت من امامها حتى اجفلها اتصال نبوية، لتجيبها على الفور:
– الووو، في حاجة يا نبوية……… مين؟ رياض رجع من السفر وسأل عني كمان؟ وانتي قولتيلو ايه؟
❈-❈-❈
حينما خرجت في طريقها للذهاب، استوقفها مجموعة من الفتيات من أعضاء الجمعية في الفناء الخارجي للقصر للأستفسار والحديث معها في بعض الاشياء المكلفين بها، وبالطبع لم تقوى على التنصل من مسؤوليتها معهم، فانـ.ـد.مجت تشرح لهم على عجالة.
حتى غفلت عمن قدm بهيئته المهيبة حتى سرق اهتمام الفتيات بالنظر اليه وإبداء الإعجاب فيما بينهن، حتى لفت انتباهاها اخيرًا لتجفل وتتوسع عينيها بصدmة ، جعلتها تشك في بصرها، معقول! رياض.
– رياض مين؟ انت ت عـ.ـر.في الباشا الحليوة دا يا بهجة؟
لم تجيب الفتاة، يل اكتفت تحدجها بنظرة نارية، ثم تتركها وتلحق بهذا الشبح الذي ظهر فجأة، وهي التي كانت تظنه في بلاد الأناضول الآن.
واتجهت مباشرة نحوه بخطوات مسرعة، حتى دلفت خلفه داخل ردهة القصر، فتصدرت امامه على حين غرة تمنع مروره وتتأكد من هويته، فتجفله هو بهيئتها، بعدmا مر عليها منذ لحظات حينما كانت تعطيه ظهرها مع مجموعة من الفتيات ولم يعرفها.
– بهجة!
خرج اسمها من بين شفتيه بملامح جمعت ما بين الدهشة والتساؤول، وكأنه لا يصدق رؤيتها من الاساس وبهذه الصورة وهنا، فيأتيه التأكيد منها، وهي تردد له:
– ايوة يا بهجة باشا، مش مصدق طبعا ظهوري المفاجيء في وشك كدة من غير سابق انذار.
خرج صوته بتشتت:
– مش حكاية مش مصدق؟ بس…
قاطعته بلوم:
– بس ايه؟ بس ايه يا رياض؟ يعني إنت هنا في البلد؟ ورجعت من السفر من غير ما تبلغني وانا اللي مشغولة عليك من امبـ.ـارح وعمالة اتصل يجي مية مرة عايزة اطمن ، وانت اللي قدرك ربنا عليه هي رسالة بالعافـ.ـية بعتها!
تصيح به بعتاب اشبه بتوجيه الاتهام وهو مازال على وضعه متجمدًا تطوف عيناه عليها بذهول تام، لا يستوعب حتى الآن المفاجأة بوجودها امامه هنا داخل قصر اجداده، وبتلك الهيئة الجديدة كليًا، اللعنة، لقد مر عليها في طريقه إلى هنا ولم يعرفها.
– رياض انا بكلمك، ما بترودش ليه؟
بسؤالها الاخير نفض عن رأسه الاندهاش قليلًا ليبادلها الرد بسؤال هو الاخر:
– اقول ايه بالظبط؟ فهميني الاول انت اللي ايه جابك هنا يا بهجة؟ ومن امتى التغير الشامل ده؟
أشار بسبابته عليها كليًا ، لتنتصب بثقة، قائلة له:
– مستغرب اوي شكلي الجديد؟ وبتسأل عن وجودي في قصر العائلة المعظمة، طب انا هريحك بقى واقولك اني بقيت موظفة هنا في الجمعية، مساعد لنائب مجلس إدارة.
– نائب لخالتو بهيرة ازاي يعني؟
– من غير ما تتخض اوي كدة، انا نائب لنجوان هانم ، اللي جاي تسأل عليها هنا، وناسي ان في واحدة قـ.ـا.تلها الخــــوف عليك من امبـ.ـارح
– بهجة.
تمتم اسمها بلوعة الاشتياق التي تقــ,تــله الآن برؤيتها، بعد تقصيره في التواصل معها منذ نهار الامس، نظرا لانشغاله التام في أمر ناريمان وجنازتها ودفنها والعودة إلى البلد يشقيقه، بماذا يبرر؟ وكل الحروف قد فقدت معانيها امام سطوة خضراوتيها التي تاه في حقولها، حتى نسي الغرض الاساسي من مجيئه الى هنا.
تاني يا رياض مش هترد عليا، واضح ان المفاجأة برؤيتي مهباش سارة لحضرتك
– اللي انتي بتقوليه دا يا بهجة؟
زفر يشيح ابصاره عنها بضيق ملحوظ، فحضورها في هذا الوقت لم يأتي في باله على الإطـ.ـلا.ق، عقله الذي يستحضر الحديث ومفاتحة والدته في الأمر المصيري بظهور الشقيق المختفي، لا يجد مساحة لشيء آخر حتى لو كانت هي، وهي أقرب اليه من نفسه….. تلومه ولها الحق في ذلك… ولكن ليس الآن.
– بقول اللي شايفاه يا رياض، دا انت حتى مش راضي تبص في وشي؟ هو في ايه بالظبط؟
عاد اليها يمسح بكفه على وجهه، وخلافًا لكل ما توقعته، تحدث متجاهلًا ثورتها، بكلمـ.ـا.ت خرجت من القلب وبدون تفكير:
– ما هو انا فعلا مش عايز ابص في وشك، لأني عايز ارمي نفسي في احـ.ـضـ.ـنك يا بهجة من غير مقدmـ.ـا.ت، تقدري تعطفي عليا بالمنحة دي وتتجاهلي كل الأفكار والشكوك في دmاغك، لأن ملهاش اي اساس
اربكها بحق، يالها من حمقاء، لقد تأثر جزء داخلها بكلمـ.ـا.ته حتى أوشكت على التسليم لأشواقها، واحتضانه بالفعل، لولا يقظة عقلها ورفضها الاسلوب الملتوي منه، في التسفيه بغـــضــــبها منه:
– حلو اوي الاسلوب ده، ما هو بيجيب نتيجة صحيح مع واحدة غـ.ـبـ.ـيه زيي، طب حتى قدر احساسي في اللحظة دي وانا كل تفكيري بيدور على انك بتلعب بيا. وبتستغل سذاجتي.
ردد بعدm استيعاب لجملتها:
– انا يستغل سذاجتك يا بهجة؟
همت ان تلفظ باقي هجومها، ولكن النداء بأسمه جعلها تلتف نحو والدته التي أتت هي الاخرى وكأنها على علم بحضوره ولم تخبرها:
– رياض يا حبببي حمد الله ع السلامة
واقتربت تحتضنه مردفة:
– نبوية قالتلي انك روحت البيت وسألت عني؟ كنت عايزني في ايه بقى؟
توقف بنظرات مترددة ينقل بأبصاره ما بينها وبين بهجة ليحسم اخيرا:
– ممكن نقعد انا وانتي لوحدنا عشر دقايق .
“ليتني كنت القوة التي تحمل عنكِ الأوجاع، ليت لي يداً تمسح تعبك وتخفف همك. ليتني أكون الحماية التي تحيط بكِ، ليتني أستطيع أن أكون كل شيء تحتاجينه. ليتني أُم، لأكون لكِ كل الأمان والراحة يا أمي.”

اهداء الادmن القمر سنا الفردوس

ممكن نقعد أنا وأنتِ لوحدنا؟

دوت هذه العبـ.ـارة في ذهنها، مع انتباهها الشـ.ـديد لتجنبه المقصود، وتهربه من النظر إليها. لقد صدق ما قالته بالفعل، أن رؤيتها لم تكن مفاجأة سارة على الإطـ.ـلا.ق. ابتلعت الغصة التي مرّت في حلقها، وعلت فوق جـ.ـر.حها، مفضلة الانسحاب بكرامتها، في تعارض مع نجوان التي اكتنفها الحرج والدهشة في آن واحد.

وماله، نتغدى الأول أنا وأنت وبهجة، وبعدين…

مفيش بعدين يا نجوان هانم، أنا أصلاً كنت ماشية. عن إذنك بقى، أسيبك مع الباشا.

استدارت على الفور مغادرة، بقلب مفطور، تتابع نجوان انصرافها بذهول مضاعف نحو ابنها الذي لم يرفع حتى بصره أو يبادر لإيقافها.

فخرج قولها بتوبيخ:

في إيه يا رياض؟ مخدتش بالك إنك أحرجت البـ.ـنت؟

زفر بتثاقل، مخرجًا دفعة من الهواء المحبوس في صدره، يعلق على قولها بجمود:

بهجة مقدور عليها إن شاء الله. المهم إنك ما تضيعيش مني.

عقدت حاجبيها بريبة واستفهام:

وأنا أضيع منك ليه؟ إنتَ مخبي عني إيه بالضبط؟

رد متمعنًا النظر بها:

هت عـ.ـر.في دلوقتي، لما نفتح في الحديث اللي بقاله سنين معلق بينا.

❈-❈-❈

كانت في طريقها إلى السوق، حينما اصطدmت عينيها به، جالسًا على إحدى المقاهي ينفث الدخان من خرطوم أرجيلته بشموخ، فارضًا سيطرته على من حوله. هو الآخر انتبه لرؤيتها، فتحفز معتدلًا بجذعه بتركيز تام لھا رغم حديث شخص آخر معه. ثم نهض فجأة متجاهلًا الرجل، وتقدm نحوها.

ارتجف داخلها برد فعل غريزي أصبح يلازمها كلما التقت به، رغم إنكارها طوال الوقت وادعائها العكس، لكن ذلك لا ينفي أبدًا فرض سطوته عليها.

ماشية كده، وواخدة في وشك، رايحة فين؟

توقفت على غير إرادتها، لتزفر بسأم، قائلة:

يعني هكون رايحة فين؟ بالعباية السودا دي اللي لابساها؟ أكيد طبعًا مش هبعد عن السوق اللي ورانا بشارعين، أظن دي مش محتاجة استئذان.

أمممم…

زم بها ثم أومأ بعينيه كي تتراجع عن طريق المارة وتقف في زاوية قريبة من البناية المجاورة لها. اضطرت للتراجع واطاعة الأمر، فلطـ.ـمـ.ـت بيدها على ظهر الآخر، وتابعت بحنق:

اديني اتنيلت، لكن لزومها إيه الوقفة في الشارع؟ على فكرة، أنا بكره كده.

وافقها الرأي مؤيدًا بنبرة لائمة:

وأنا كمان مبحبش يا سامية، بس اعمل إيه بقى؟ وإنتِ سايقة العوج، وقافلة نفسي من المرواح لبيتكم عشان أقابلك وأقعد معاكِ؟ ولا أكلمك في التليفون زي أي اتنين مخطوبين؟ ولافكرك إن ده هين عليا، بس بصبر نفسي على ما تيجي بيتي ونتكلم ونرغي كمان. هو انا هفضى لحاجة تانية غيرك.

هل كان هذا خجلًا؟ تلك اللمحة التي طفت على ملامحها سريعًا، قبل أن تُجليها بسرعة، عائدة لطبيعتها الشرسة، بصورة أظهرت اضطرابها وهي تنهره:

لمّ نفسك وبلاها تلميحاتك القبيحة دي يا طلال.

ردد بابتسامة رائقة علت محياه:

يا حلاوة طلال اللي طالعة منك، تصدقي حبيت اسمي، مع إنّي كنت اتعودت على شيكاغو.

زمت ثغرھا بضيق تدعيه، رغم تأثرها الواضح بغزله، تستدعي حدتها في الرد:

أنا بنطق الاسم عادي، عشان ده اللي اتعودت عليه من وأنا عيلة صغيرة، مش دلع يعني عشان يستاهل ده كله. عن إذنك بقى، كفاياها عطلة.

لم يتأثر بخشونتها، ليوجه السؤال نحوها بنعومة عارضًا:

تحبي أبعت معاكي حد من عيال الشارع؟ ولا أروح أنا وأشيل عنك؟

بالطبع كانت عازمة على الرفض، ولكن ما أجبرها على التريث هو طريقته الجديدة واللطيفة في الحديث معها، حينما لامس حس الأنثى الذي يتأثر بالتدليل، فارتد عليها ذلك بانتقاء كلمـ.ـا.تها في الرد عليه بلطف:

متشكرة أوي، هما يدوب كام حاجة هجيبهم، مش كتير… عن إذنك.

إذنك معاكِ.

تمتم بها من خلفها، يتابع أثرها بنظرات كانت تشعر بها كسهام تخترقها، والغريب أنه لم يزعجها، بل العجيب أن هذا الشعور الذي يشبه الراحة كان يرافقها بمراقبته لها واستحواذه على اهتمامها.

❈-❈-❈

دلف خلفها داخل غرفة المكتب الخاص بها، في منصب نائب مجلس إدارة الجمعية الموقرة، بخطوات متأنية، دارت عيناه قليلًا يتأمل محتوياته، والديكور الأنثوي الرقيق لأغلى امرأتين على قلبه، مكتب والدته بالقرب من مكتب حبيبته.

كانت من خلفه تتأمله بتوجس حتى فرغ من استكشافه ليلتفت إليها قائلاً بإستدراك جيد لفعل والدته من تغيير شامل قامت بھ لحبيبته

حقك عليا أني أشكرك يا نجوان هانم، عملتي مع بهجة اللي معرفتش أعمله أنا.

مفيش داعي للشكر، لأنّي ما عملتش حاجة. بهجة حتة جوهرة، كانت محتاجة انھا تبان للنور وتعرف قدرها. المهم، سيبنا من الكلام ده، وادخل في الموضوع على طول… حديث إيه يا رياض اللي معلق بقاله سنين؟

بادرته بطلبها المباشر، فلم تكن لديها طاقة للتريث، وكأنها على استعداد تام للمواجهة وفتح جراح الماضي. بالطبع هو يريد ذلك، ولكن هذا لن ينفي صعوبة الأمر.

جلس على أقرب كرسي وجده أمامه، وأشار لها بيده لتقابله في جلسته، ومرت لحظات قليلة من الصمت كان الترقب فيها هو سيد الموقف، قبل أن يحسم الموضوع ويبدأ بمفتاح الحديث:

ناريمان.

اعتدلت في جلستها وتحفزت كل خلية بجــــســ ـدها، لتعلق بحدة، مُعلنة أنها ما زالت متذكرة:

مالها؟

تردد قليلاً في إجابتها، لتواصل هي بحدة:

إنت لسة ليك علاقة بيها يا رياض؟

كادت أن تصيبه خيبة الأمل لوقوفها عند نفس النقطة في الخلاف القديم، لكن في النهاية تدارك لالتقاط الفرصة أخيرًا في توضيح موقفه، فخرج قوله بهدوء:

أولًا، يا ست الكل، أنا عمري في حياتي ما كان لي علاقة بيها.

فتحت فمها في نية لمقاطعته، لكنه لحق ليوقفها قبل أن تبدأ:

أرجوكي يا ماما، اسمعيني المرة دي… وبلاش تعملي زي المرة اللي فاتت لما ضيّعتي نفسك وضعت أنا بعدها معاكِ.

استجابت لرجاءه، وأغلقت فمها، بشفاه مرتعشة ودmـ.ـو.ع تلألأت بعينيها، لتزيد من صعوبة المهمة عليه. ولكن آن الأوان لكشف كل الحقائق. يناجي الله المساعدة:

أنا مقدر صعوبة الموقف عليكِ لما تكتشفي بعد وفاة بابا في الحادثة إياها، إن غريمتك حيّة وفي بيتك كمان، بس أنا كنت مُجبر أحتفظ بيها، مش حبًا فيها، قسمًا بالله العظيم وربنا شاهد.

دmـ.ـو.ع حارقة أصبحت تسيل على خديها، وذهنها يستعيد تلك اللحظة القاسية بعد الحادث الأليم وانهيارها، لتمكث أيامًا وليالي داخل المشفى تتلقى العلاج المكثف كي تستعيد رغبتها في الحياة بعد صدmتها القصوى في حبيب العمر، واكتشاف خيانته لها مع تلك الفتاة اللعوب سكرتيرته، والتي ظنت وفاتها مثله كما شيّع وانتشر أمام الجميع، حتى جاءت القاصمة، حينما قطعت علاجها، لتخرج من المشفى بنفس لم تهدأ وجـ.ـر.ح لم يُشفى.

بدون تصريح من طبيب أو إعلام أحد من عائلتها أو الطاقم الطبي المسؤول عنها، هـ.ـر.بت عمدًا ذلك اليوم لتذهب إلى منزلها. فكانت المفاجأة حين دخلت المنزل لتفاجأ بتلك الفتاة حية أمامها. كانت الفتاة في طريقها للخروج، مستندة بجــــســ ـدها إلى ذراع ابنها الوحيد، والذي تجمدت عيناه باتساع هلعًا لرؤيتها. حاول أن يترك الأخرى ليشرح لها حقيقة الموقف، لكنها لم تسمع أو تري ظلت تصرخ فقط ،صوتھا يدوى في أنحاء المنزل الخالي إلا منهم:

“إنت كمان يا رياض، انت كمان طلعت زيه، طلعت شبهه، طلعت شبهه!”

وسقطت بعدها في دوامة من الصدmة والإنكار، ترفض الواقع والحياة، ولا تريد سماع أي تفسير منه.

“ليه يا رياض؟ ليه؟ من وقت ما استرديت عقلي، وأنا رافضة أسألك عشان عايزة أنسى وأعيش. إنت بقى جاي دلوقتي تفكرني بيها ليه؟”

عشان أقولك السبب الحقيقي اللي خلاني أخبيها في بيتي يا ماما. إنتِ كنتِ في المستشفى وهي كانت محتاجة علاج ورعاية شـ.ـديدة بعد الحادثة. مكنش في مكان قدامي غير بيتنا. كانت فترة مؤقتة على ما أجهز لها الأوراق اللي هتسافر بيها والمكان اللي هيكون سكنها بعيد عنك، مش عشان سواد عيونها لا سمح الله، لأ، دا كان عشان حملها. ناريمان كانت حامل يا ماما، حامل في أخويا.”

“إنت بتقول إيه؟”

انتفضت كمن لدغها عقرب، تطالعه بعينين متسعتين، وقد نثرت في قلبه الهلع، ولكنه استجمع شجاعته ليكمل الحقيقة التي يعلم أنها ستنكشف عاجلًا أو آجلًا.

“رد عليا يا رياض، حكيم خلّف من الخـ.ـا.ينة دي كمان؟ وإنت كنت مخبيهم عليا هي وابنها؟ وجالك قلب؟”

“الخـ.ـا.ينة مـ.ـا.تت يا ماما.”

“نعم؟”

“بقولك الخـ.ـا.ينة مـ.ـا.تت يا ماما، وسابت ابنها وحيد، وملوش في الدنيا غيرنا.”

هكذا أخبرها دفعة واحدة، حتى لا يترك مجالًا للتخمينات، وليكن الله في عونها الآن.

في جهة أخرى

داخل غرفتها التي انكمشت بها بعد رجوعها إلى المنزل، واتصالها بصديقتها لتأتي وتُفرغ مكنون حـ.ـز.نها معها بعيدًا عن أشقائها، وعدm رغبتها في إظهار ما يـ.ـؤ.لمها أمامهم.

حسيت نفسي غريبة وسطهم يا صفية، أنا غريبة عنهم، حتى ما عبّرنيش وأنا بمشي وأسيبهم، لدرجادي مش فارق له؟ ولا شكله استغنى عني، وأنا اللي افتكرته خلاص راجع يصالحني، ويعرف الدنيا بصفته بيا. لدرجادي كنت عبـ.ـيـ.ـطة، لدرجادي؟

شـ.ـدّت على كفّها صفية تبث فيها الدعم والمؤازرة:

متقوليش كده يا بت، خليكي واثقة في نفسك ومتقلليش منها، عمر الطيبة ما كانت عـ.ـبـ.ـط، ولا الحب كان ضعف، إلا إذا كان من طرف واحد.

سمعت منها تشير على نفسها بسبابتها:

أنا الطرف الواحد يا صفية، وأنا العبـ.ـيـ.ـطة عشان أصدّق إنه واحد زيه ممكن يحب بجد واحدة في ظروفي. كان إعجاب وراح، ولا رغبة زي ما قالها لي من البداية.

مظنش يا بهجة.

قالتها صفية تعتدل في جلستها، لتربع ساقيها على الفراش مردفة:

عشان ابن حكيم حبه ليكي مفضوح للأعمى، هو بس فيه حتة غباء وعنترية ودmاغ جزمة عايزة الدق.

دmاغ جزمة عايزة الدق!

رددت بها بهجة بدهشة من خلفها، لتعود إليها الأخرى بتصميم:

أيوة زي ما بقولك كده. انتي تعيشي وتستمري في حياتك الجديدة، استغلي التغيير اللي حصل فيها، وما تبصيش وراكي ولا تخلي حاجة توقفك. هو لو يستاهل حبك هيتمسك ويعمل المستحيل، إنما لو غير كده، يبقى ما يصعبش عليكي ولاتقعدي تقطّمي في نفسك.

تمتمت بهجة بما يكتنفها في هذه اللحظة:

الكلام سهل أوي يا صفية، بس التنفيذ صعب، صعب أوي كمان.

عادت تشـ.ـدّد عليها بتصميم:

أنا ومش بس أنا، إحنا كلنا في ضهرك يا بهجة، حبايبك اللي بيحبوكي هنقف معاكي عشان تفضلي قوية. الراجـ.ـل ما يحبش الست الضعيفة والمجتمع كله ما بيرحمهاش، يبقى لازم نبقى أقويا وما نربطش حياتنا بشخص ممكن يستغنى في أي لحظة. مفيش راجـ.ـل مضمون أبدًا في الزمن ده.

بشيء من الاستيعاب المتأخر، تمتمت بهجة تسألها:

هو أنا ليه حساكي بتوجهي الكلام لنفسك قبل ما يكون ليا؟

نفت باستنكار تام يقارب التشنّج:

لا طبعًا، إيه اللي بتقوليه ده؟ هو أنا عمري كنت ضعيفة، ولا ألتفت لراجـ.ـل أصلًا. ما تركزي معايا كده، وبلاش ندخل في مواضيع تانية غير موضوعك.

رددت بهجة من خلفها بسـ ـخـــريــة:

أنا برضو اللي بدخل في مواضيع تانية غير موضوعي الأصلي؟ آه صحيح عندك حق.

❈-❈-❈

ضمها إليه

بعدmا انتهى من حديثه الشاق عليها وعليه،

لم ترفضه، بل هي من ألقت برأسها على صدره لتبكي بنشيّج هادئ يُقطع نياط قلبه، ومع ذلك يدخل في قلبه بعض الارتياح، لعلمه الأكيد أن هذا أفضل بكثير من الكبت الذي أدى بذهاب عقلها في السابق.

خلاص يا ماما، أنا آسف إني فتحت الموضوع ده قدامك، بس كنت هخبّي إزاي بس والولد جه البلد، وفي أي مكان بعد كده ممكن تقابليه…..

مش عايزة يا رياض، مش عايزة أشوفه ولا أشوف خيانة حكيم متمثلة قدامي فيه. أوعى تخليني أشوفه يا رياض أوعى.

حاضر يا ست الكل، بس الولد إيه ذنبه؟…..

مالوش ذنب يا رياض، ولا أنا بقولك اظلمه ولا تقصر في رعايته، أنا بس مش عايزة أشوفه، أرجوك يا رياض أرجوك.

توقف عن الإلحاح، يواصل فقط مهادنتها، بترديد الكلمـ.ـا.ت وتقبيل رأسها:

حاضر يا ماما، خلاص ولا يهمك. أنا مش هخليكي تشوفيه ولا تصادفيه في أي حتة، كويس كده يا ست الكل؟

كويس أوي، كويس خالص. عشان كده أحسن، كده أحسن يا رياض.

❈-❈-❈

دلف إلى داخل الحارة

بأقدام مرتعشة، يتلفت يمينًا ويسارًا وفي كل الأنحاء. الخــــوف يكتسح جميع أطرافه، ولكنه مجبر على التقدّم وادعاء الشجاعة في سبيل الوصول إلى وكالته، فقد نفد المال وزوجته الأخرى لا ترحمه في التقريع المباشر والكلمـ.ـا.ت القوية في تسميم البدن. اللعنة عليها! امرأة لديها جرأة وأعين مكشوفة لا تراعي ولا تعمل حسابًا لشيء سوى مصلحتها وفقط.

عم خميس.

دوى صوت المنادي باسمه، كنجدة حطّت عليه من السماء يتلقفها بلهفة، يهرول نحو صاحبه:

طلال يا بن الغالي، إزّيك يا حبيبي وإزّاي أبوك؟ عامل إيه ها؟ عامل إيه؟

رغم استغراب الأخير من مبالغته في الحديث واضطرابه الملحوظ في المصافحة، إلا أنه حاول التعامل بشكل عادي، يسحب كفه المطبق عليه بيديه الاثنتين:

كويس يا عمي، ربنا يخليك. أصل بقالك فترة مختفي يعني، ومش قاعد في وكالتك.

تلعثم في الرد عليه بكلمـ.ـا.ت غير مفهومة:

أاا ما أنااا مكنتش فاضي أااا

خلاص يا عم خميس، انت قاعد ومراتك الجديدة، دي اتعرفت في كل الحتة. مش مستاهلة لخبطة في الكلام هي.

باغته بالكلمـ.ـا.ت يفحمه بها، فلا يجد ما يسعفه في الرد عليه، ليواصل طلال:

إنت راجـ.ـل حر يا عم خميس، ومحدش له حق يحاسبك. بس إيه ذنب الوكالة تفضل مقفولة اليوم كله وما تتفتح غير ع المسا بعد المغرب، بعد رجوع سمير من الشغل؟

إيه؟ مقفولة طول اليوم؟ يا ولاد المؤذية.

غمغم بها خميس بحسرة، قبل أن يردف نحو الآخر مبررًا:

طبعًا دي باب رزق، ولازم تبقى مفتوحة اليوم كله. بقولك إيه يا طلال، أنا عايزك تيجي معايا دلوقتي، نقعد نتوانس فيها.

رد طلال بابتسامة مرحة لاحت على زاوية شفتيه، وقد فهم سبب رعـ.ـبه وخــــوفه الشـ.ـديد:

وماله يا عمي، دي حتى فرصة عشان أفاتحك في موضوعي.

موضوع إيه؟

هقولك لما نوصل وأشرب معاك كوباية شاي يا عمي، تعال معايا.

ماشي ماشي يا بني، يلا بينا.

❈-❈-❈

وصل إلى الوكالة

ليقوم بفتحها متخذًا صهره المستقبلي درعًا حاميًا له.

ليدلف داخلها وهو معه يتطلع إلى أرجائها باشتياق معبرًا عنه:

ياااه، دي الوكالة كانت وحشاني أوي.

سخر طلال من خلفه، يسحب أحد المقاعد ويجلس عليها معقبًا:

ولما وحشتك كده، كان إيه اللي منعك بس يا عم خميس؟ اقعد يا راجـ.ـل اقعد، خلينا نقول كلمتين، أنا كمان ورايا شغل.

انتاب خميس الذعر فور ذكره الذهاب، ليسارع في منعه:

تمشي ليه بس يا بني؟ هو انت لحقت تقعد؟ وأنا اللي قلت أتونس بيك! بقولك إيه، انت قاعد معايا النھار كلھ مش ماشي.

تبسم طلال شاعرًا بخــــوف خميس مخاطبًا:

النهار كله؟ طب اقعد بس نقول كلمتين الأول، وبعدها نشوف الموضوع ده.

وما كاد ينهي عبـ.ـارته، حتى أجفل بدفعة قوية، وكأن إعصارًا هب، ليفاجأ الاثنان بولوج مصدر الخــــوف لدى خميس.

أهلااا… انت نورت يا سبع البرمبة.

انتفض على الفور يلتصق بصهره:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! هما بيهلوا أمتى دول؟

كبت طلال ضحكته بصعوبة ليعطي اهتمامه لتلك المرأة بهيئتها المتوحشة، وكأنها على وشك الفتك بهذا المسكين:

أخيرًا جيت توريني وشك يا خميس! إيه يا غالي؟ مبلبع حبوب الشجاعة قبل ما تيجي؟

تمتم خميس في رد لها بتلعثم مكشوف وارتجاف يشمل جميع أعضاء جــــســ ـده:

حبوبب ششجاعة؟… ليه؟ هو انتي فاكراني خخايف منك؟

هذه المرة لم يقوَ طلال على كبت ضحكته، فهذا الرجل بجبنه لا يعطيه فرصة للجدية بأفعاله:

خالتي درية، اقعدي واهدي كده، الراجـ.ـل جاي يفتح مكان شغله، ماعملش حاجة غلط.

كل ده وماعملش غلط؟ انت بتقول لمين الكلام ده يا طلال؟ اشحال إن ما كان كله على يدك انت وأبوك؟ بقي أنا، أنا درية! أتسـ.ـجـ.ـن ويتمسح بكرامتي الأرض بسببه وبسبب مـ.ـر.اته تربية الشوارع، بـ.ـنت ال…

متغلطيش في بنات الناس، الله يرضى عنك! انتي معاكي ولاية يا خالتي درية، الله.

صاح بها طلال مقاطعًا بحدة أرعدتها، حتى تمسك لسانها من البداية عن إضافة المزيد من الشتائم والبذاءة، التي ليست بغريبة عنها.

فولجت على صيحته سامية بدهشة تستفسر قبل أن تقع عيناها على والدها:

في إيه ياما؟ وإيه اللي حاصل؟… أبويا؟

قطعت محدجة والدها بحقد، فاستغلت درية الموقف:

تعالي شوفي يا بـ.ـنتي بنفسك، أبوكي جاي يتحامى في خطيبك، وطلال بيدافع عنھ! مش حامل كلام مني عن المحروسة مـ.ـر.اته! بدل ما يقف للراجـ.ـل اللي قبل على مـ.ـر.اته تنسـ.ـجـ.ـن، مكنش العشم والله، مكنش العشم.

وانطلقت تذرف الدmعات لتجلب تعاطف ابـ.ـنتها، التي رمقت والدها بمقت وغـــضــــب عاصف نحوھ ھو خطيبها المزعوم.

فهم طلال ما تفعله المرأة وخبثها في بث سمومها، لترتد بأثرها على خطيبته التي يأمل في إصلاحها يومًا، لكن بوجود هذه المرأة يعلم باستحالة الأمر:

معلش، ياما، عشان بس تتعلمي ما تتعشميش بحد.

أنا متعشمتش يا بـ.ـنتي! أنا بس عايزاكِ ت عـ.ـر.في الظلم اللي اتعرضتله والإهانة! هو ده كله شوية عليا يا ناس؟

إلى هنا وقد فاض به، ليهتف بحزم يوقف هذا العرض المسرحي:

سامية، خدي أمك وروحي بيها عَ البيت.

نعم؟ وهي عمل…

بقولك، اسحبي أمك وروحي بيها، اسمعي!

هدر الأخيرة بأعين تلونت بالاحمرار، تذكرها بشيكاغو الذي تعلمه المنطقة بأجمعها، حتى انتفضت درية تتكفل هي بسحب ابـ.ـنتها والخروج بها خــــوفًا منه.

ليلتقط خميس أنفاسه، فيعبر عن فرحته:

تسلم مرجلتك يا واد ياطلال! أيوة كده! الولية دي مفترية وتستاهل اللي يشكمها.

رمقه بنظرة شرسة، يباغته بقوله:

اسمع أما أقولك، بدل الهري ده كله عشان أنا خلقي ضيق، فرحي على بـ.ـنتك يتم في أقل من شهر، يا إما هطربقها عليك وعليهم كلهم.

ردد خلفه بعدm استيعاب:

في أقل من شهر! طب إزاي؟ ده إحنا ماجبناش حتى نص الجهاز، ده غير إنك شوفت الظروف يعني و…

قابل قوله مقاطعًا بصرامة:

مليش فيه يا عم خميس! أنا قلت كلمتي ومعنديش فيها تراجع.

❈-❈-❈

هذا يومها.

كان يعلم من البداية أن مرور ذلك الأمر ليس هينًا عليها،

حتى مع رغبتها القوية هذه المرة في التمسك بالحياة، عكس الماضي. لكن الفتح في جـ.ـر.ح قلبها الثائر، رغم ضعفه، كان له الأثر البالغ عليها في تلك اللحظات، وعليه المسؤولية الكبرى الآن في احتوائها.

وقد أتى بها إلى المنزل، وأجبر نفسه على الاتصال بذلك الطبيب المستفز كي يأتي ويشرح له الأمر بعد فحصها والاطمئنان عليها. وها هو الآن يُلقي عليه وعلى الدادة نبوية التعليمـ.ـا.ت الواجب اتباعها كي تمر الأزمة:

زي ما قلتلكم من البداية، هي عايزة رعاية شـ.ـديدة اليومين دول لحد ما تتجاوز محنتها بإرادتها. نجوان حساسة أوي وده سبب تعبها، يعني واجب ناخد بالنا منها أوي، فاهمني؟

أيوة طبعًا فاهمين يا دكتور هشام.

قالتها نبوية، بينما الآخر اكتفى بالصمت كما يفعل منذ البداية. فتوجه إليه بعينيه كي يضطره للإجابة. ليكز على أسنانه بغـ.ـيظ شـ.ـديد، يهديه ابتسامة صفراء:

فاهمك، في حاجة تاني؟

بادله نفس الابتسامة بهدوئه المعتاد:

لا، كفاية كده بقى. أنا كمان هفضل مداوم على رعايتها ومش هسيبها، عن إذنكم بقى.

ماشي.

تمتم بها بحنق شـ.ـديد، يتركه يغادر مع الدادة نبوية، ثم تناول هاتفه كي يتصل ببهجة قلبه، ولكنها لم تجب للمرة الألف. ليحسم أمره، ناهضًا يتناول سترته الملقاة على ذراع الكرسي منذ عودته، فيرتديها مناديًا على نبوية:

دادة، خلي بالك منها على ما تصحى، وبلغيني بالأخبـ.ـار كل شوية، تمام؟

دي في عنيا يا رياض يا بني.

تسلم عنيكي الجوز.

واتخذ طريقه نحو الخروج، ليذهب إليها. حيث كانت في هذا الوقت تستمتع بوقتها في الكافيه الخاص بها، هي وإخوتها.

❈-❈-❈

وإلى مكان آخر…

داخل مكتب المحاماة، حيث تعمل فيه بجدية، منهمكة في شرح ملابسات القضية الجديدة للمدعوة ريهام مع والدتها:

يا أم ريري، يا أم ريري، اسمعيني. بـ.ـنتك مش هتجيبها لبر، وأنا للمرة الألف بحذرك. مش كل مرة تسلم الجرة. هي كل ردود أفعالها بالأيد مع أي راجـ.ـل يكلمها، تفتح دmاغه برُوسية ولا بإزازة. مفيش مرة ترد بالشتيمة حتى!

ما هي متكلة عليكي يا أستاذة صفية وعلى شطارتك. كل مرة بتخرجيها.

كان هذا قول المرأة قبل أن تشـ.ـدد عليها صفية بحزم:

خلاص، بقى دي آخر مرة. ونبهي عليها تشوف لها حد تاني بعد كده، لأن أنا جبت آخري. المرة دي وافقت بس عشان خاطرك.

تطلعت إليها بابتسامة مرحة تغازلها بمعسول الكلام:

ده كلام من ورا قلبك عشان تتعظ وما تكرر عمايلها. أنا فھماكي يا أستاذة ذكية انتي. إلهي يا رب يرزقك ب…

الله يخليكي متكمليش.

هتفت بها صفية مقاطعة برجاء، جعل المرأة تسألها بدهشة:

مكملش ليه؟ دي دعوة يا أستاذة صفية! حد يكره الدعوة؟

معلش، خديني على قد عقلي وبلاش دعوات من أصله ممكن.

تمتمت بها صفية بيأس قبل أن تجفلها مساعدتها وهي تلج إليها مهللة:

أستاذة صفية، أستاذة صفية! الدكتور خطيبك وصل، وبيستأذن برا إنه يدخلك.

وقبل أن تفتح فمها بالاعتراض والتوبيخ لها، سبقتها أم ريري بالاستفسار:

هي الأستاذة اتخطبت؟ طب ليه ما قلتوليش؟ ولا هو فين أصلاً عشان أبـ.ـارك له؟

ردت سندس بلهفة:

اتخطبت يا أم ريري. دكتور زي القمر قاعد بيسلم على الناس وبيعرفهم بنفسه.

هو مين اللي بيسلم ع الناس ويعرفهم بنفسه؟

صاحت بها صفية في تساؤل نحو مساعدتها، لتفاجأ بدخول استعراضي من الآخر:

مساء الخير. ممكن أدخل يا أستاذة؟

همت بتوبيخه، ولكن أم ريري سبقتها للمرة الثانية:

هو ده الدكتور خطيبها؟

أيوة أنا الدكتور خطيبها.

أجاب بها هشام وهو يدلف إلى داخل الغرفة بابتسامة الواثق، ليصدر رد أم ريري بالتهنئة وزغرودة دوت عاليًا وبقوة تصل للبناية أجمعها بل وللمباني المجاورة:

يا ألف مبروك يا أستاذة! والله صبرتي ونلتي! لولولوي!

سقطت صفية على كرسيها بعجز على إيضاح الموقف أو نفيه، بعد موقف حمله لها وكشف شعرها، والآن يضعها هذا الماكر في موقف لا تُحسد عليه. لتطالعه بتوعد، يقابله بعبثه المعتاد وتلك الابتسامـ.ـا.ت التي تجعلها تود الانقضاض عليه حتى يغلق فمه، ولا يظهر لها تلك الأسنان اللؤلؤية البيضاء.

❈-❈-❈

داخل الكافيه، حيث كان مزدحمًا اليوم بصورة تزيد على باقي الايام، يرجع ذلك لاقامة حفل عيد ميلاد احد الرواد به، فكانت هي تتولى مهمة التجهيز في المطبخ، نظرا لانشغال شقيقاتها في الخدmة في الخارج، وبانهماك تام في تزين قالب الحلوى في انتظار موعد الخروج به إلى صاحبة الحفل، ليصلها صوت قدوم احدهم من الخلف، خمنت برأسها هوية القادm، تتحدث:

– هتيجي تاخدي انتي التورتة يا جنات، ولا هتيجي البت المروشة صاحبة عيد الميلاد؟

– ينفع انا .

شهقة عالية صدرت منها اوقعت منها طبق قطع الفراولة التي كانت تزين منه، وتلتلف اليه بإجفال، تردد اسمه :

– رياض !

– ايوة رياض يا قلب رياض اللي وحشتيه

تفوه بها واقترب فجأة وبدون استئذان ليرفعها بين ذراعيه بشوق يكتسحه، فيضمها ويقبلها:

حاولت الاعتراض:

– يالهوي انت بتعمل ايه…. رياض حد يدخل دلوقتي.

– مفيش حد هيدخل انا قافل باب المطبخ ومخلي عائشة حارس عليه.

– يانهار اسود خليت حارس؟

– وامسكها سلاح كمان عشان اوصلك،

كانت تلك اخر الكلمـ.ـا.ت التي نطق بها، ليجبرها على الاستسلام، في لحظات من العشق المختطف، انستها غـــضــــبها وعتبها ، واسمها، تغرق معه ويغرق معها قبل ان يقطع علبهم دوي الهاتف الذي استمر دون انقطاع حتى

اجبره على النظر به ليجفل بالرقم الغريب وصوت المرأة التي تهاتفه ولأول مرة !
خـ.ـطـ.ـفها في سمائه الوردية، ليحلق بها في عالمه الجميل، حيث لا عقد ولا حسابات ولا واقع بائس يعكر صفو لقاء الحبيبين
كيف حدث هذا؟ وكيف استسلمت بعد الوعود التي قطعتها على نفسها من أجل وضع حد لهذا المد والجزر بينهم؟ لا تدري؟ ربما الفرح بعودته ولقياه المفاجيء كان هو السبب، وربما رجع الفضل لتلك اللهفة في بث اشواقه اليها، ليرتد ذلك بأثره عليها فتبادله نفس الشوق والحنين الي
ضمته القوية لها بذراعيه وكأنه يغرزها بين ضلوعه
قبلاته العاشقة، حتى صارت تذوب بين يديه، يبدد مقاومتها، لمساته الرقيقة، تبدد صقيع ليلها الطويل، فتنشر الدفء به، لتزهر أحلامها بالورود
ثم انقشع كل ذلك، حينما تركها بغتةً، ليجيب على صاحبة الاتصال المفاجيء، ذلك الشعور الممـ.ـيـ.ـت بابتعاده المفاجيء عنها ،تلك البرودة التي زحفت بها فجمدتها، احساس المهانة الذي اكتنفها في تلك اللحظة، بعد ارتفاعه بها بعنان السماء، ثم القاءها في قعر الارض
وقد ابتعد عنها بالهاتف، يحاول السيطرة على ضجيح انفاسه القوية، والتغلب على رغبته بالحبيبة التي طال اشتياقه لها، ليحيب المتصلة على مضض:
– الوو، عايزة ايه يا جوليا، من امتى انتي بتتصلي بيا اساسا؟…….. ايه؟…….. خرج امتى يعني؟ انتي ازاي سبتيه اصلا يخرج؟…… نادين مين دي كمان؟ انا هطربق الدنيا، اقفلي يا جوليا اقفلي
انهى المكالمة والتف نحو تلك التي كانت متجمدة محلها ، تطالعه بأعين خاوية كالزجاج، ليحاول التبرير بقلة حيلة، لا يعرف كيف يعبر عن اسفه، بالإضافة انه لا يوجد وقت للتفكير من الأساس
– بهجة انا
بهدوء ما يسبق العاصفة:
– إنت ايه؟
نبرتها الغريبة وهيئتها الغير مريحة تزيد من ثقل ما يضغط على صدره، ليقترب منها، ويخاطبها على عجالة كي يذهب:
– معلش يا حبيبتي، انا مضطر اخرج حالا دلوقتي عشان ا….
– عشان ايه؟
صدحت بها ترتد بجــــســ ـدها عنه للخلف، مفضلة الإبتعاد عنه قبل أن تنفجر مرددة:
– عشان ايه يا رياض؟ عشان انا غـ.ـبـ.ـية وبسلم زي الهبلة، فرحت برجوعك ونسيت اهانتي ونسيت كرامتي المجروحة بسببك،………
لتخرج انفاس القهر من صدرها، مردفة بو.جـ.ـع اعتمل بصدرها:
– امشي وروح المكان اللي انت عايزه، ولا اقولك انا اللي ماشية، لأن أنا اللي مش عايزاك
وسارت نحو المغادرة تجفله بفعلها، حتى كاد ان يوقفها حينما امسك بذراعها:
– استني هنا، مش لما تفهمي الاول
– اوعى سيبني
صرخت تنزع يدها من قبضته، كصاعقة ضـ.ـر.بت بوجهه، فتشخص ابصاره وترتخي يداه عن التمسك، وتهرول هي نحو الباب الذي تقف خلفه من الخارج عائشة، فتتخطاها دون ان تنطق بكلمة
فكان رد فعل الأخيرة ان توجهت نحوه بالسؤال:
– مالها بهجة، هي معيطة ليه؟
بالطبع لم يجد اجابه للرد عليها، كما انه لا يملك الوقت للحاق ببهجة، وهناك من هو على وشك فقدانه ان لم يخرج سريعًا للبحث عنه
❈-❈-❈
توقف بسيارته امام واجهة محل المأكولات الشهير، حيث وقوف شقيقه امامه، بناءًا على التعليمـ.ـا.ت التي ألقاها عليه عبر الهاتف، حتى لا يشرد ويرهقه بالبحث،
يحمد الله ان الساعة التي يرتديها، بها خاصية تحديد الموقع، والا ما كان أبدا استطاع تحديد المكان المتواجد به، وهو لا يعرف اسماء الشوارع ولا حتى الميدان الذي يقف بالقرب منه الان
تتصارع المشاعر برأسه، ما بين غـــضــــب لخروجه بدون إذن او توجيه، وارتياح للعثور عليه قبل أن يتوه وسط زحام المدينة التي لا يعلم عنها شيء،
تقدm ادm اليه قائلا بنبرة عادية لا تتناسب مع الحدث:
– جيت بسرعة يعني افتكرتك هتتاخر
ترجل هو من السيارة، يغلق بابها بقوة، ويرمقه بتجهم وصمت مهيب، دام لحظات، قبل ان يأمره بحزم:
– أركب يا ادm، كلامنا مش هيبقى في الشارع
– كلام ايه اللي لسة هنقوله؟ مش انت خلاص وصلت واطمنت عليا، روح بقى ولا شوف وراك ايه؟ خالتو زمانها على وصول، انا قولتلها على المكان وهي وعدتني نتعشى مع بعض في المطعم اللي ورايا .
خرج عن شعوره يضـ.ـر.ب بقدmه على إطار السيارة بغـــضــــب:
– ما تخلص بقى وفوضها، خالتك مين اللي هتجيلك وخليتك تسيب البيت عشان تخرج لها، انت معندكش مخ؟ مكنتش قادر تصبر على ما ارجع انا واشوف حكاية الزفتة دي.
– ممكن لو سمحت متقولش على خالتو كدة عشان انا عارف ان الكلمة دي معناها مش كويس،
قالها بهدوء يثير التعجب، حتى كاد ان يجلطه، وهو الذي يشتهر بهدوء الأعصاب، جاء من دmه من اهو ابرد منه، ليعض على باطن خده بغـ.ـيظ شـ.ـديد، يحاول الا ينفجر به حتى لا يخسر ثقته من البداية:
– ماااشي، مش هقول عليها كدة تاني، ممكن بقى يا حبيبي تروح معايا ؟
لم يجد منه رد فوري بل ظل يرمقه بنظرات غامضة، وملامح مغلفة لا تتناسب مع سنوات عمره القليلة، يتسائل داخله، أين براءة الأطفال التي كان يسمع عنها؟
– خالتو جات اهي؟
صدح آدm بالكلمـ.ـا.ت وقد ألتفت رأسه نحو الجهة المقابلة، حيث السيارة البيضاء التي توقفت بالقرب منهم، تترجل منها امرأة ثلاثنية، ترتدي فستان اسود محكم على جــــســ ـدها بأناقة، بدون أكمام يصل حتى ركبتيها، بأنوثة متفجرة لفتت ابصار المارة والجميع نحوها، وجه فاتن وشعر بني مموج حتى نصف ظهرها،
– خالتو نادين
هتف بها آدm لتفتح هي ذراعيها اليه تلقاه بترحاب:
– حبيبى يا قلب خالتو
وركض نحوها بلهفة يتقبل عناقها له، فيغمغم ذلك المتابع لمشاهدهم بحديث نفسه:
– خلصت انا من ناريمان عشان تطلعني نادين، وحكيم الصغير مكان حكيم الكبير
❈-❈-❈
بخطوات مسرعة، خرجت من البناية وكأن شياطين الارض تلاحقها، لا تلتفت ولا تلقي بالًا لذاك التي ينادي بإسمها من الخلف، يعصف بها الغـــضــــب منه ومن افعاله الغريبة، نالت منه ما يكفيها لقــ,تــله حتى تستريح منه، والهروب الان هو اسلم حل حتى تؤذي مستقبلها بجريمة ترتكبها في حقه
– ساعة انده عليكي وما تروديش.
هتف بها، يرافقها ضـ.ـر.بة قوية على باب السيارة التي كانت وشك القيام بفتحه، ليجفلها بفعلته حتى صدرت منها شهقة عالية، جعلته امسك ابتسامته بصعوبة يستطرد:
– عايزة الناس يقولوا علينا ايه؟
الى هنا وانفرط العقد، ولم تعد بها طاقة على ضبط النفس، فامتدت قبضتها تضـ.ـر.ب كل ما تطاله يداها على صدره او ذراعه:
– ناس مين اللي تقول علينا ها؟ ناس مين؟ ولا انت كذبت الكذبة وصدقتها بجد، انت طلعتلي من فين يا عم انت؟
امسك رسغ يدها بين كفه، يضغط عليه متمتمًا بتلك الابتسامة التي تستفزها:
– على فكرة كدة غلط ، الناس لما يلاقوكي بتضـ.ـر.بي خطيبك في نص الشارع ومن غير اعتبـ.ـار، مش هيصدقوا حكاية خطوبتنا دي بالعكس، دا كدة هيفتكرونا متجوزين.
كاد ان يضحك بملء بفمه، وهو يشاهد التعبير الذي اعتلى ملامحها، وقد فغرت فاهاها من فرط الذهول، وهو يغلبها في كل مرة بمكره، اجتمعت فيها أجمل الصفات، شرسة وفي نفس الوقت طيبة وشهية وهذا ما يجعله يزداد تعلقًا بها:
– اقفلي بوقك يا أستاذة، قولتلك منظرنا كدة في الشارع بيأكد الظن اللي قولته،
همس بها بإغواء وعيناه تمشط ملامحها بجرأة، لتعي على وضعها بهذا القرب منه، بعدmا احكم قبضته على رسغها حينما حاولت افراغ غـــضــــبها به، ياله من لعين؟
– سيب ايدي.
تمتمت بها بقلة وقد فقدت الأمل من ان تشفي غليلها بضـ.ـر.به، مفضلة الانسحاب.
وقبل ان يصدر رد فعله دوى هاتفها بتلك النغمة المميزة لرقم صديقتها، فوجه قوله لها:
– طب ردي ع التليفون الاول
هتفت به بخشونة:
– بقولك سيب ايدي، ولا انت عايزانى اعملك فـ.ـضـ.ـيحة:
رد غير مبالي بغـــضــــبها:
– انا ماسك ايد واحدة، ما تردي بإيدك التانية….
زمجرت كقطة شرسة لتجبره على تركها هذه المرة، رغم تسليته بهيئتها تلك، فتناولت على الفور هاتفها تجيب صديقتها؛
– الوو يا بهجة……… مالك بتعيطي ليه؟……… طب قوليلي انتي فين وأنا اجيلك……. خلاص اقفلي جيالك بسرعة
انهت المكالمة، لتشرع باستقلال سيارتها بنية الذهاب اليها، ولكن ما ان حاولت إشعال المحرك حتى فوجئت بتعطلها، لتحاول مرة ومرات، حتى يأست لتخرج وتصفق الباب بعنف فتجده يخرج رأسه من نافذة سيارته :
– هتفضلي واقفة مكانك كتير تستني التاكسي، تعالي ياللا عشان اوصلك معايا
همت ان ترفض، ان تلقي عليه الاتهامـ.ـا.ت بتعطيلها كالمرة السابقة، ولكنه لم يعطي لها فرصة:
– انتي لسة هتفكري؟ كدة البـ.ـنت ممكن تتفلق من العـ.ـيا.ط ولا يجرالها حاجة لا قدر الله، اخلصي ياللا يا أستاذة بقى
❈-❈-❈
داخل المطعم الشهير، وبعد اصرار والحاح رضخ لرغبة شقيقه ومرافقته في تناول وجبة العشاء مع هذه الدخيلة التي تذكره بالراحلة، رغم اختلاف الشكل بينهما، لكن الجرأة في الحديث ونظراتها المكشوفة نحوه، وكأنها هي:
– يا روحي يا ادm، كبرت يا روح خالتو، بس شكلك ع الحقيقة احلى بكتير من ع الشاشة.
– وانتي كمان يا خالتو، انا مبسوط اني جيت مصر عشان اشوفك.
سمعت من ادm لتتوجه بحديثها نحو شقيقه:
– يبقى احنا كدة واجب علينا نشكر رياض باشا، اللي اتكفل بكل حاجة، ولا ايه يا دومي
شبه ابتسامة اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها بصعوبة، ليعقب ردًا لها:
– دا اخويا، يعني مش محتاج توصية، ولا انا منتظر منه شكر
– طبعا اكيد ، بس انت طلعت شهم اوي ودي مبنلاقيهاش في رجـ.ـا.لة كتير في الزمن ده، ولا ايه، اصل مش اي حد يقبل يعني .
قالتها بتملق مكشوف، قابله بمكر يقارعها:
– امال يعني كنت هرميه، دا اخويا يعني من دmي، ودي مسالة مفيهاش نقاش بعد مـ.ـو.ت المرحومة والدته، لكن هي تبقى اختك من آلاب والأم برضو؟
باغتها بسؤاله الاخير، لتقطب بعدm فهم تجيبه:
– اه طبعا من الاب والام، ليه السؤال؟
تبسم ساخرا، يلقي بنظرة جريئة على ما ترتديه من فستان ضيق وعاري، لا يمت للحداد بصلة سوى في اللون:
– اصل واضح انك حزينة اوي عليها، بدليل انك لابسة اسود
لم تكن غـ.ـبـ.ـية حتى لا تفهم تلميحه، ومع ذلك جارت تهكمه، باصطناع الحـ.ـز.ن:
– طبعا البس اسود، دي كانت اقرب واحدة ليا في اخواتي، رغم بعد المسافات ما بينا، لكن طول الوقت كنا بنكلم بعض.
وختمت بادعاء البكاء الذي صدقه ادm يهون عليها:
– خلاص يا خالتو، هي اكيد في الجنة دلوقتي يعني مينفعش حد يزعلها.
– جنة! ربنا يسمع منك يا بني .
غمغم بها رياض بحديث نفسه،شاعرا بالاختناق، يحصي الدقائق في انتظار ان ينتهي من هذا الجلسة الثقيلة ويغادر بشقيقه، ليفرغ لبهجة وترضيتها
❈-❈-❈
– عمل معاكي ايه؟ عمل معاكي ايه ها قوليلي؟
هتفت بالكلمـ.ـا.ت نحو صديقتها فور ان وقعت عينيها عليها، جالسة بزاوية درج منزلهم الصغير، منزوية على حالها في الظلام، تبكي بصمت، لتسرع اليها وتضمها اليها، متمتمة بالتوعد:
– انا هخربلك بيته، والنعمة لا اجبلك حقك من عنيه ابن نجوان.
ظلت بهجة على وضعها من البكاء بحرقة، تقطع نياط قلب صديقتها وذلك المرافق لها ، حتى تدخل في الحديث معهما:
– بهجة احنا كلنا في ضهرك، اتكلمي وقولي ع اللي زعلك، واللي مـ.ـا.تقدريش تقوليه لاخوكي، قوليه ليا، انا هعرف اجيبلك حقك بالطريقة اللي انتي عايزاها.
كلمـ.ـا.ت التهوين والدعم كانت تلقي على اسماعها من الاثنان لمدة من الوقت، حتى ملكت صوتها، لتتحدث وتفرغ عن مكنون حـ.ـز.نها:
– قلبي اتعلق بواحد معندوش قلب، كنت اخدة عهد على نفسي اني محبوس، دايما كنت بعمل حساب للفراق، ومتوقعة انه في اي لحظة يفارقتي، لكن اللي حصل كان غير كدة خالص، لا هو راضي يسبني ، ولا انا قدرت ابقي قوية قصاده.
شهقة بنشيج غص بها حلقها، تمسح بأصابعها الدmـ.ـو.ع التي كانت تسيل بغزارة دون توقف وهي تواصل امام صمت الاثنان وقد التزما بالاستماع لها الآن:
– يقولي بحبك، وانتي النفس اللي اتنفسه، يطلع بيا لساابع سما، ثم يجي فجأة ومن غير سابق انذار، يرميني على جدور رقبتي، واللي بيحز فيا ويقهرني، هو اني دايما بصدقه، بصدق لحظة العشق، بنسى وعودي، وبنسى نفسي وبنسى كياني معاه….. مع واحد شايفني مش قد المقام، واحد حاططني ع الهامش في حياته ومليش قيمة، عشان عارفني متاحة في اي وقت، مش بعترض ولا اضايقه، وحتى لو حصل مبكملش……….. بقيت حاسة نفسي قليلة اوي
وانطلقت لموجة أخرى، التقطتها أحضان صديقتها لتضمها اليها، تؤازرها بالتهديد والوعيد نحو المذكور:
– متفلقيش نفسك في العـ.ـيا.ط، ولا تزعلي خالص، مش هو رافض يسيبك، انا بقى بكرة اخلصك منه ومن قرقه، في واحدة تأمن لراجـ.ـل من الاساس، دول صنف وسـ.ـخ اساسا.
قالتها بحقد جعلت الاعتراض يخرج من فم الاخر:
– بتعممي ليه يا ست الاستاذة؟ طب راعي شعوري وسطيكم، ولا انتي مش شايفاني راجـ.ـل قدامك مثلا؟
اخجلها بلفتته، وقد غفلت عنه بالفعل، بعد أن اخذتها الجلالة تعيش دورها الدائم في صب اللعنات على صنف الرجـ.ـال بأكمله، في القضايا التي تتولاها للدفاع عن حقوق النساء.
– اسفة مخدتش بالي
قالتها كنوع من الاعتذار بتعالي يميزها، وهي تشيح بأبصارها عنه، تستفزه ليشاكسها كالعادة، ولكن هذا ليس وقته، تغاضى بصعوبة، ليتحدث مخاطبًا بهجة بجدية:
– انتي عمرك ما كنتي قليلة يا بهجة، وعشان تبقي عارفة بس، مفيش راجـ.ـل بيتمسك بالست القليلة، انتي قوية بس الحب هو اللي بيضعفك، مش عايز اوجهلك نصيحة، بس انتي الوحيدة اللي تقدري تحددي، آن كنتي عايزة التطور في العلاقة ما بينكم او انهاءها، وفي الحالتين لازم تبقى قوية وتفصلي،
– انا عايزة انهيها، مش عايزة أشوف وشه حتى .
صدرت منها سريعًا وبدون تفكير، لتجعله يسألها بتشكك:
– متأكدة يا بهجة من قرارك ده؟
عرضت صفية تسبقها بحماسها:
– لو متأكدة من قرارك، ليكي عليا امشي في الإجراءات من دلوقتي، وأجبره انه ينفصل عنك، حتى لو وصلت اني اشرشحه في المحاكم.
– مستعجلة انتي اوي على خراب البيوت، ما تهمدي شوية يا أستاذة، وخفي كدة على البنية، واهدي ها، اهدي.
عضت على شفتها، تحدجه بغـ.ـيظ شـ.ـديد، قبل ان تعود لصديقتها متراجعة قليلًا:
– خدي وقتك في التفكير يا بهجة…… وانا في انتظارك ومعاكي يا حبيتي في اي وقت
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
فلم يغمض له جفن، إلا سويعات قليلة، بعدmا غلبه التعب الجــــســ ـدي نتيجة السفر والاجهاد المستمر في الساعات الاخيرة، وها هو يستقيظ باكرًا حتى عن ميعاده اليومي، وكان اول شيء يقوم به هو النظر بشاشة الهاتف ومطالعة سجل المكالمـ.ـا.ت والرسائل، ولكن النتيجة واحدة، لم تكلف نفسها بالرد ، رغم عدد محاولات الاتصال الكثيرة بها، او النظر حتى بالرسائل التي ارسلها.
لينهض متمتمًا باللعنات، يشرع بلقائها اليوم وتصفية جميغ الخلافات بينهما، يعلم انه قصر معها كثيرًا، ولابد من ترضيتها، فهي تستحق.
دلف إلى المرحاض، يأخذ حماما سريعًا كعادته، ثم خرج وارتدى ملابسه ليتجهز للخروج، اطمن على شقيقه نائما، ثم ذهب إلى منزل والديه ، ليرى والدته، صعد إلى الطابق الثاثي متوجها نحو غرفتها، ولكن تفاجأ بقدومها امامه، تقابله بابتسامتها الرائعة:
– صباح الخير
– صباح الفل يا ست الكل.
تمتم بالتحية، يقترب منها ويقبلها على جانبي وجهها مردفًا بغزل:
– عيني بـ.ـاردة عليكي، زي القمر النهاردة، وانا اللي فاكرك لسة تعبانة ورايحلك اطمن عليكي.
تبسمت تسحبه، ليهبطا الدرج معًا قائلة:
– ما انا كرهت السراير والنوم يا قلبي بقى، ما صدقت اخرح للنور، وحمد لله قادرة وماشية على رجلي اهو.
عقب بـ.ـارتياح تسلل اليه:
– يارب دايما يا أمي، دا احب ما عليا.
– حبيبي ربنا يخليك ليا .
تمتمت بها نجوان نحوه ، تضمه اليها من خصره، ليصدح صوت نبوية في الأسفل وهي تتابع نزولهما بسعادة للم شمل الام بابنها اخيرا، بعد سنوات من الجفاف والابتعاد :
– بسم الله ما شاء، اللي يشوفكم، ميقولش ام وابنها، يقول عروسة وجوزها، ربنا يحرسكم من العين.
تبسم هو لقول المرأة وردت نجوان ضاحكة:
– بطلي مبالغة يا ست انتي هتخليني اصدق بجد ، المهم بقى جهزتي اللي اتفقنا عليه.
اجابتها نبوية بلهفة:
– كل حاجة زي ما امرتي، قبل ما تنزلي بالظبط عم علي دخل اخدهم وسبقك على العربية.
– هما ايه اللي اخدهم عم علي وسبقك بيهم على العربية
تسائل بها رياض قبل أن تأتيه الإجابة من والدته:
– دي حاجات للاطفال الأيتام يا قلبي ، اصلنا طالعين بيهم رحلة النهاردة نرفه عنهم، يعني اكيد هتأخر معاهم برا يعني متقلقش.
باستدراك سريع واصل يستفهم منها:
– طب وبهجة، رايحة معاكي كمان؟
نفت له بهزة من رأسها :
– لا هي اتصلت واعتذرت، بتقول عايزة تريح النهاردة في البيت مدام مفيش شغل في الجمعية.
❈-❈-❈
وفي منزلها
وقد غادرت عائشة بصحبة شقيقها إيهاب ولم يتبقى سوى جنات والتي تأخرت عنهما، حتى ترفع الاطباق والطعام المتبقي من وجبة الإفطار التي اعدتها بنفسها اليوم، نظرا لعدm استيقاظ شقيقتها حتى الآن، وقد جافى النوم عينيها، حتى موعد اذان الفجر، حتى أدت صلاتها وقرأت وردها من القرآن ثم غلبها سلطان النوم اخيرا.
قامت جنات بتنظيف المطبخ وجلي الاواني، قبل ان ترتدي ملابسها وتتجهز للخروج، ثم دلفت اليها لتخبرها، فدنت منها تدفعها بأصبعها بخفة:
– بهجة يا بهجة،
زامت بفمها لتشـ.ـد عليها الغطاء بتذمر:
– اممم عايزة ايه يا جنات، سبيتي عايزة انام انا لسة راسي تقيلة.
همست لها بصوت خفيض حتى لا تزعجها:
– انا عايز اقولك بس اني ماشية يا بيبو، إيهاب كمان سحب عائشة يوصلها لمدرستها قبل ما يروح هو على جامعتي، تحبي نجيبلك حاجة معانا؟ ولو في شيء ناقص في البيت نشتريه معانا واحنا راجعين……. بهجة
ردت بنصف وعي حتى ترجع لنومها مرة أخرى:
– لا مش عايزة، ولو عوزت هبقى اتصل بيكي.
– ماشي يا بهجة
تفوهت بها جنات ، بعد أن تيقنت من إيقاظها تتابع:
– طب انا همشي بقى، وهبقى اتصل بيكي عشان الشباب اللي هيفتحو الكافيه على ما نرجع احنا من جامعنتا، سلام يا بيبو.
ختمت بها تطبع قبله أعلى رأسها، ثم تحركت تغادر وتتركها تغوص في نومها، حتى تريح العقل المتعب من كثرة التفكير، فلم تشعر بمرور الوقت ، ولا بالذي دلف إلى غرفتها يضع الحقيبة التي كان يحملها على الارض، ثم خلع سترته يلقيها على جانب الفراش، ليصعد التخت ويزحف بخفة حتى يتسطح بجوارها متكئًا على مرفقه، يتأمل ملامحها الجميلة، وتلك الــســكــيــنــة التي تنام بها، يلعن غباءه الذي آخره في اتخاذ خطوة جريئة تمكنه من الاحتفاظ بها داخل منزله ، وعلى سريره، في مكانها الطبيعي داخل حـ.ـضـ.ـنه وبين ذراعيه، طال تجديقه بها، حتى تجرأ يزيح شعرها للخلف، ويمسح بأنامله على بشرتها الناعمة برقة، حتى استفاقت، تفتح اجفانها للضوء، فتقابل وجهه بهذا القرب الشـ.ـديد يبتسم لها بحنان ، وخضراوتيها تطالعه بسكون، فقد ذهب ظنها للحلم، كانت تظن انها تحلم فلم تعي بحقيقة حضوره امامها سوى عنـ.ـد.ما دنى يقتطف قبلة من شهد ثغرها، لتنتفض بإجفال ، ثم تبعده عنها بقبضتيها صائحة بها:
– يا نهار اسود، انت حقيقة ولا خيال؟ ايه اللي جابك هنا؟
رفع كفيه امامها باستسلام حتى تهدأ:
– اهدي يا بهجة انا رياض حبيبك مش خيال ولا عفريت طلعلك من الحيط
سمعت منه تطالعه بذعر تنقل بأبصارها ما بين باب الغرفة وبينه، تحاول الاستيعاب:
– طب ودخلت هنا ازاي؟ دخلت ازاي يا رياض واخواتي مش موجودين، ولا كـ.ـسرت الباب؟ كـ.ـسرت الباب يا رياض كـ.ـسرت الباب
– طب واكـ.ـسر الباب ليه؟ وانا معايا المفتاح.
قالها بسهولة يرفع مفتاح مشابه طبق الأصل لذلك الخاص بمنزلهم، لتتوجه له بالسؤال:
– وايه اللي يجيب مفتاحنا عندك؟
تبسم يجيبها:
– انتي ناسية ان انا اللي مضيت العقد مع صاحب البيت القديم، وانا اللي اديتك مفتاحه؟ احتفظت يا ستي بنسخة منه، عشان ت عـ.ـر.في بس ان مفيش باب يمنعني عنك.
ودنى يخـ.ـطـ.ـف قبله أخرى من ثغرها، ليفاجأ بتجمدها، ونظرتها مرتكزة عليه دون ان يتحرك لها جفن:
– مالك يا بهجة؟ دا زهول دا ولا اندهاش؟ ولا هي صدmة وعايزاني افوقك.
قال الأخيرة بعبث، يهم بتكرار فعلته، ولكنها هذه المرة استفاقت لتدفعه عنها بعنف، ثم تنهض بجزعها الفراش والتخت ايضًا لتقف قائلة له بغـــضــــب:
– لو اعرف من البداية انك تملك نسخة تانية منه، البيت دا مكنتش عتبته ولا قبلت اسكن فيه ولو يوم واحد
نهض هو الاخر، وقد صدmه رد فعلها، ليحاول التخفيف بما يشبه الاعتذار؛
– لدرجادي يا بهجة، انا بس كنت عايز أعمالهالك مفاجأة، مكنتش اعرف انك هتاخديها بالحساسية دي، دا انا جايبلك معايا شنطة هدوم وهدايا كتير، اهي تعالي افتحها وتشوفي جايب ايه فيها.
– بس انا مش عايزة منك هدوم ولا هدايا
قاطعته بها بنبرة حادة يقطر منها الجفاء، ليترك الحقيبة يوجه ابصاره نحوها بتمعن، ملامحها التي تغيرت بشـ.ـدة وكأنها اصبحت امرأة أخرى:
– انتي مالك متغيرة كدة؟ عارف انك زعلانه، بس…..
– بس ايه؟
– بس انا جاي اصالحك
– وانا مش قابلة.
هتفت بها باستغناء يثير الدهشة، تمط شفتيها بابتسامة ساخرة فتضاعف من زهوله:
– معلش بقى، قابلت مفاجأتك الرائعة بقلة زوق مني، قلة اصل بقى تقول ايه؟
كان هنا قد استعاد بأسه، ليقبض على ذراعها يهزهزها بغـــضــــب:
– ما تهدي بقى واعقلي الكلام اللي طالع منك، مقدر انك زعلانة من موقف امبـ.ـارح لما سيبتك، بس انتي ت عـ.ـر.في انا كان واريا ايه؟ جايلك عشان اشرحلك……
– مش عايزة اسمع.
صاحت بها لتنفجر بوجهه مرددة:
– لا عايزة اسمع ولا أفهم ولا احس حتى، تعبت منك، معدتش فيا حيل لقلباتك، كرهت حبي ليك، وكرهت ضعفي معاك، انا حتى كرهت نفسي بسببك. خلصني يا رياض بقى وريحني.
تحدثت بحرقة جعلته يحتقر غباءه الذي اوصلها لهذه المرحلة، ولكنه الآن يريد الأصلاح، كيف يعيد اليها صفاءها ورقتها؟
– مش هبرر يا بهجة ولا أدي نفسي أعذار، انا بس عايزك دلوقتي تسمعيني.
– تاااني
صرخت بها، ترافقها دmعة خائنة سالت على وجنتها، لتردف بيأس:
– انا اللي عايزة أفهمه بس، بتستفيد ايه لما تعشمني وتبني في خيالي قصور على شيء معروف نهايته، مش احنا كان اتفاقنا من البداية مدة وتنتهي يا ابن الناس، انت اشتريت وانا بعت…..
قطعت في الأخيرة مجبرة وقد قبض بكفه على فمها يمنعها من الاكمال
– بس بقى بطلي غباء، دا كان كلام وراح لحاله خلاص افهمي
صارت عيناه تناجيها باستجداء، ولكن قلبها المجهد من افعاله، لم يعد به طاقة في تحمل المزيد، ليصبح سيل الدmعات منها هو فقط المتحدث
تجبره على تركها، بألــم ينزف داخله، مفضلا مهادنتها :
– انا همشي دلوقتي وهسيبك تهدي، عشان واضح ان معندكيش نية تسمعي، هتاخدي وقتك وبعدها نتفاهم:
– يبقى هتضبع وقتك ع الفاضي عشان انا حسمت واخدت قراري
بهدوء يحسد عليه، تجاهل ثورتها، ليتناول سترته ويرتديها قائلا:
– عادي خالص لما يضيع وقتي معاكي، انا قابل، عشان عمري ما هسيبك يا بهجة.
ضحكة مكتومة بسـ ـخـــريــة كانت هي اجابتها، لتوقفه قبل ان يخرج؛
– المفتاح لو سمحت، عشان انا محدش يدخل بيتي من غير اذني، خصوصا لما أكون دافعة فيه تمن غالي اوي..
قالتها بمغزى واضح فهم عليه، يزيد من وهيج النار بداخله، لينزع المفتاح من سلسلة مفاتيحه بعنف يلقيه ارضا، ثم توجه نحو باب الخروج من الغرفة على الفور
يهم بالمغادرة، ولكنها عادت توقفه:
– وياريت تاخد شنطتك معاك كمان، عشان انا مش قابلة هدايا ولا هدوم.
وكأن بقولها، قد وجد المنفث الذي يخرج به غـــضــــبه، ليكيل بأقدامه على الحقيبة بالركلات كازًا على اسنانه:
– اهي يا بهجة، اهي، اهي الشنطة، ارميها في الزباله احسن، ارميها في الزبـ.ـا.لة
انتهي منها حينما انفتحت وتناثرت منها الملابس على الارض وقد تو.جـ.ـعت اقدامه، يرمقها بأنفاس لاهثة لمدة من الوقت، حتى أجبر نفسه على المغادرة، يصفق باب المنزل الخارجي بعنف اهتزت له الجدان، حتى جعلها تنتفض رعـ.ـبًا، ثم تحمد الله انه ذهب وتركها سليمة دون ان يؤذيها بحالته المـ.ـجـ.ـنو.نة تلك.
زفرت تطرد انفاس مكتومة بصدرها، تنزل بعيناها نحو الفوضى التي احدثها، بهياجه لتنتبه بعيناها على تلك الملابس الزاهية على الارضبة، غلبها الفضول ، لتتناول احدى القطع تتفحصها جيدا حتى فغرت فاهاها إعجابًا وانبهارًا بجماله، لتندفع بإحساس الأنثى تقف امام المرأة به تقيسه على جــــســ ـدها، فتتمنم بتذكر:
– يالهوي ع العرياني، دا اشتري فعلا الفستان اللي بعتهولي في الصورة، بس طلع حلو اوي، اروح اشوف جاب ايه تاني بقى؟
ليت تحقيق الاماني كان في الإمكان دائمًا، ما كنا تعبنا ولا ارهقنا شوق الليالي في الانتظار، كنا اكتفينا بالحلم وفقط، مادmنا نملك الأمل في تحقيقه.
ياليت
❈-❈-❈
رباب، جهّزتي الولد ولا لسه؟
هتف بالسؤال كارم فور خروجه من غرفة مكتبه صباحًا، وقبل الذهاب إلى مقر عمله، ليأتيه الرد من زوجته وهي تهبط الدرج ممسكة بيد صغيرها:
أهو يا كارم، حبيب ماما جهّز وجاي لك زي الفل.
ألقى الأخير بنظرة رضا نحو صغيره، ينتظره حتى نزل إليه، ليقبّل أعلى رأسه قائلًا بتفاخر:
وهيجنن البنات بوسامته ورزانته كمان، هو ده ابني.
عقّبت ببعض الغيرة متكتّفة الذراعين:
طبعًا ابنك حبيبك، يعني تبوسه ويعجبك لأنه شبهك.
رمقها بمكر يردد بكلمـ.ـا.ت ذات مغزى:
ولو مش شبهي كفاية إنه حتة منك، ولا تحبّي أثبت لك أنا معجب بيكِ قد إيه دلوقتي؟
ختم بغمزة وقحة أعلمتها بقصده، فلاح الخجل على ملامحها، لتحاول تنبيهه بعينيها حتى لا يتمادى أمام الولد:
لا حبيبي، متشكرين قوي، مش محتاجة إثبات. المهم تاخد عموري توديه المدرسة دلوقتي، وافتكر إن انت اللي أصريت توصله النهارده. ها، افتكر.
تبسّم بثقة بعدmا رأى بأم عينيه تأثير تلميحه البسيط عليها، ليتجاوز بصعوبة حتى لا ينفذ ما خطر بباله، وعيناه تتفحص معالمها من أعلى المنامة الحريرية الملتصقة بجــــســ ـدها الغض بافتنان لا يتوقف. رغم عشقه لصنف النساء، إلا أنه لا ينكر سطوتها عليه، أن تجعله يكتفي بها. هذا شيء لم يكن يتوقع أن يحدث يومًا ما.
استفاق من أفكاره المنحرفة الآن والتحديق بزوجته الجميلة، ليعطي اهتمامه للصغير الذي ملّ من انتظاره:
بابي، لو مش فاضي، أخلي السواق يوصّلني زي كل يوم.
تحمحم مستعيدًا جديته في شرح ما يبتغيه والتعليمـ.ـا.ت:
يا بني، ما قولت لك إني مفضي نفسي مخصوص النهارده علشان أوصلك، وعشان أعرّفك بآدm اللي هيبقى صاحبك الجديد. واخد بالك من كلامي؟ آدm اللي وريتك صورته إمبـ.ـارح على التليفون. عايزك تعرفه على باقي أصحابك كمان. هو أجنبي، آه، بس بيعرف عربي أكتر مني ومنك.
رد صغيره بتذمّر:
فاهمك يا بابي، بس هو كبير عليا وانت قولت لي ما أصاحبش اللي أكبر مني.
هذه المرة تدخلت والدته بمرح أمام اندهاش أبيه:
لا وانت بتسمع الكلام قوي! إحنا بنقول لك كده على الأولاد الغريبة يا قلبي. أما آدm، فده هتصاحبه علشان ياخد ع الجو الجديد للمدرسة وينـ.ـد.مج. عمو رياض هو اللي موصي وطالب مننا كده، عشان عارف عموري حبيب بابي ومامي راجـ.ـل وقد المسؤولية.
تبسّم صغيرها باعتزاز وقد أعجبه الإطراء:
ماشي يا بابي، أنا هاصاحبه وأعرّفه على كل أصحابي.
أنا قولت من الأول إنك ابني.
قالها كارم بتهليل، ليسحبه بعد ذلك من يده كي يذهب به، ملقيًا بآخر تعليمـ.ـا.ته نحو زوجته:
ما تنسيش تجهّزي قبل تمانية النهارده عشان حفل الجمعية. مش عايزين تأخير يا رباب.
وكانت إجابتها بطاعة كالعاده:
حاضر يا قلبي، قبل الميعاد هتلاقيني جاهزة كمان.
❈-❈-❈
توقف بسيارته أمام مقر الجمعية الموقّرة داخل قصر عائلة والدته، بعدmا اطمأن على شقيقه داخل المدرسة الجديدة التي تم نقله إليها، بعد إجراءات معقدة قام بها في نقل الوصاية إليه استغرقت أيامًا، في ترتيب إقامته معه هنا داخل الوطن.
وجاء الآن وقت ممارسة هوايته اليومية في مراقبتها. عدة أيام مرت منذ رفضها له. لم يضغط أو يلحّ أو حتى يحاول معها مرة أخرى. فقد تعمد تركها حتى تهدأ ويجد الوقت هو الآخر للتفرغ لها. وقد شغله أيضًا نقل آدm وتهيئة الأجواء لاستقراره هنا.
يختلق الحجج كي يأتي للقاء والدته ورؤيتها. حتى وهو يلمس منها الجفاء لا يتوقف. اليوم فقط لن يدخل القصر، وما حاجته؟ وقد انتبه عليها بشرفة إحدى الغرف المطلة على الخارج. تراه ويراها، يدور حديث بالعيون بصمت أبلغ من أي حديث. يعلم أنها تريده، ولكن رأسها اليابس يصرّ على إغلاق الأبواب أمامه. أضاع الكثير من الفرص حينما كانت فاتحة ذراعيها تتقبل الفتات من المشاعر بصبر ورضا. وحين جاء وقت الشرح منه، وجدها صامة أذنيها، وقد فاض الإناء وامتلأ بأخطائه.
ولكن لا بأس، فليتريث قليلًا حتى يفرغ لها تمامًا.
❈-❈-❈
وفي الأعلى، كانت هي لا تقل عنه توقًا وشوقًا، ولكن نفسها العزيزة تأبى الرضوخ، تأبى التنازل بعد أن اتخذت قرارها. حتى وقلبها يئن و.جـ.ـعًا، ولكنها وضعت السلطة لكبريائها الآن.
خلاص، مشي يا بهجة.
صدر التعقيب من نجوان، والتي كانت خلفها منتبهة لكل ما يحدث، لتردف بمزيد من الأسى قبل أن تعود أدراجها داخل الغرفة التي تجمعها بها في عملهما:
مش فاهمة أنا والله تنشيف الدmاغ ده آخره إيه بس؟ حقيقي، ربنا يهديكي.
تبعتها بهجة تبرر مدافعة:
أنا برضو اللي ربنا يهديني؟! طب قولي الكلام ده للباشا ابنك اللي كبر من كله.
طالعتها نجوان بأعين كاشفة حتى جلست على الكرسي المقابل لمكتبها لتواجهها:
طب بذمتك، إنتِ مصدقة كلامك ده؟ حتى بعد ما شرحت لك وقلت لك بنفسي عن السبب الأساسي اللي خلاه ينشغل عنك
مـ.ـو.ت ناريمان وتولي رياض مسؤولية طفل صغير، يجيبه من بلده اللي اتولد ونشأ فيها، ويدmجه هنا في مجتمع غريب عنه، وملوش أي حد في الدنيا غيره، دي غير البلاوي التانية اللي فوق دmاغه.
قالت بشيء من الإشفاق تخلل نبرتها، لكن يغلبه العند:
والله أنا مقدرة وبقول ربنا يعينه، بس كمان ميرضكيش اتنازل عن كرامتي أكتر من كده معاه، هو اللي عايز البعد ومصر يخليني على الهامش في حياته. لو بيحبني هيشركني، لو بيحبني هيعلن عن علاقته بيا قدام الدنيا كلها، لكن بقى دا يحصل إزاي؟ والباشا شايفني مش قد المقام.
يووووه يا بهجة… تمتمت بها نجوان بسأم لتواصل بتوجيه الأمر لها؛
انتي يا بـ.ـنت انتي، ما اسمعكيش تقولي الكلام ده تاني، وإلا والله يا بهجة هزعل منك…
سارعت بهجة لترضيتها:
خلاص يا ستي من غير حلفان مش هكررها، هو أنا أقدر على زعلك أصلاً؟ دا يارب أمـ.ـو.ت ولا يحصل.
هذه المرة ضايقتها بالفعل لتهدر بها تنهاها:
ما أزعل أنا ولا اتفلق حتى، انتي تدعي على نفسك ليه؟ ولا انتي جاية تعصبيني النهاردة وخلاص؟
حاولت بهجة كتم ضحكتها حتى لا تضاعف من غـــضــــبها، تشرع أن تراضيها ولكن الأخرى لم تسمح بمقاطعتها:
اقفلي بوقك دا خالص واسمعي مني وبس، فاهمة؟
فاهمة.
قولت إيه أنا؟
إلي هنا ولم تقوى على الصمود، لتوميء برأسها لها، وفمها المغلق لا يتوقف عن الضحك.
زاد غـ.ـيظ نجوان منها، ولكن لم تملك إلا أن تتجاوز حتى تصل لغايتها في الحديث معها:
النهاردة الحفلة زي ما اتفقنا هتخرجي بدري معايا عشان نجهز مع بعض قبل ما نروح الحفلة، بس أنا هسبقك طبعًا بعد كده، فاهماني؟
توقفت بهجة عن الضحك عند ذكر ذلك الأمر، لتتخلى عن صمتها فتجادل:
انتي لسه برضو مصممة على الموضوع ده؟ ما تخليها مرة تانية، أنا حاسة نفسي مش جاهزة وعايزة وقت…
وقت تاني يا بهجة؟
رددت بها نجوان بنفاذ صبر، لتتابع بحسم حتى تنهي معها:
عشان أقفل عليكي من أولها، مهما حاولتي معايا أنا مش هتنازل، وعشان تبقي مرتاحة أكتر، دا ملهوش علاقة بجوزك المحترم ابني، هو ضيف عادي زي باقي الضيوف من رجـ.ـال الأعمال المعزومين، أما بقى لو عاملة حساب الرفقة، فصاحبتك يا ستي معزومة، عندك حجة تانية بقى؟
❈-❈-❈
داخل مقر عملهما بالمصنع، وبعد الانتهاء من مناقشة الملفات الهامة، كان الحديث العادي الآن بينهما:
شكل مصطفى ابن خالتك عامل حفلة كبيرة، أنا عرفت كذا واحد من رجـ.ـال الأعمال اللي عازمهم، غريبة اهتمامه الزايد يعني بحاجة زي دي.
ولا غريبة ولا حاجة؟ تفوه بها رياض يترك الملف المتبقي من يده،
ليعطي اهتمامه بالكامل مردفًا:
مصطفى مش بس زكي وبيحب دايمًا يلمع صورته، لا هو كمان ليه في الخير من غير حب المظاهر زي ما بيعمل بعض الناس، ولا حتى ليه في الرياء، بالإضافة إنه السنادي كمان عاملها بحب عشان ماما.
والدتك، هو لدرجة دي بيحب والدتك؟ تسائل بها كارم بدهشة تضاعفت برد الآخر، وقد تجلت به الغيرة بصورة واضحة:
ولو قولتلك إنه بيحبها أكتر من والدته كمان متستغربش، أصل دmاغه قريبة أوي من دmاغها، الرومانسية المفرطة والحنية بشكل أوفر، مصطفى اللي بتشوفوه مع رجـ.ـال الأعمال، وحش الاقتصاد، مع والدتي ومـ.ـر.اته حاجة تانية، هتقولي إزاي؟ هقولك معرفش.
❈-❈-❈
داخل السيارة التي كانت تقلها معه الآن، خطوبة مؤقتة هذا هو المسمى الذي فرضته لعلاقتها به، بعد أن ضاقت ذرعًا من فرض حصاره عليها وعلى مشاعرها المربكة من الأساس، لتهتدي في الآخير لعقد هذا الاتفاق معه، حتى تأخذ وقتها في التفكير بروية بعيدًا عن ضغط والديها، المصرين باستمـ.ـا.تة على زواجها به، وكي تختبر أيضًا تلك العاطفة التي تنبت داخلها، فتعلم باختلاطها به إن كان عشق حقيقي أم هو وهم إعجاب محض وسيزول مع الوقت.
أما هو ورغم فرضها الشروط الغريبة وافق، بل وأصبح يتعامل معها بسهولة بعض الشيء وتفهم، لكنه أيضًا لا يكف عن مشاكستها، كما يحدث الآن وقد كان يقود السيارة بها في الذهاب إلى الحفل المدعوين إليه يتبادل معها الكلام القليل، وعيناه لا تفارقها، تتنقل ما بين مراقبة الطريق الذي يقود فيه السيارة وبينها، حتى فاض بها:
ممكن تخلي بالك من الطريق بدل ما نعمل حادثة؟ هتفت بها بعصبية قابلها هو بهدوئه المعتاد:
مش عارف أنا والله مدايقك في إيه يا آنسة يا أستاذة صفية؟ شوفتيني دخلت في شجرة مثلًا ولا دوست حد؟ ولا هي النظرة نفسها ناحيتك حـ.ـر.ام عليا؟….. أظن يعني إن دا من حقي، ولا عشان أنا غلبان يعني ومش بطالب بباقي حقوقي زي كل الخطاب؟ تحبي أذكرلك بيعملوا إيه يا أستاذة يا آنسة صفية؟
قصد بالأخيرة حتى يربكها بالخجل، ليصدر رفضها على الفور:
وأنا مالي باللي بيعملوه، أنا مسمحش أصلاً بأي تجاوز وبأي صورة.
رد بدرما يتصنعها جيدًا:
وأنا يعني شوفتيني طلبت ولا حتى قادر بالتلميحات؟ آخري نظرة وحتى دي مستكتراها عليا، الله يسامحك.
أشاحت بوجهها إلى خارج النافذة حتى لا يرى ابتسامتها، لكنه أبى إلا أن يستغل الفرصة:
كمان الابتسامة مستكتراها عليا، يا ما أنت غلبان يا هشام ومش لاقي اللي يحس بيك، دعيتيلي ولا داعية عليا يا أما بس؟ على صوته بالأخيرة ليجعل ابتسامتها تتحول للضحك المكتوم، قبل أن يجفلها توقف السيارة بعنف اهتز له جــــســ ـدها بالأكمل، فتهدر هاتفه به:
إنت عملت فينا حادثة بجد؟
تمتم يجيبها وعيناه في الخارج؛
لا والله ما حادثة، أنا بس اتخضيت ومن غير ما أقصد دوست فرامل ووقفت، مش دي صاحبتك برضو؟ ولا أنا عيني دغششت.
دغششت؟ رددت بالكلمة من خلفه باستنكار لتتوجه بأبصارها نحو الجهة التي ينظر بها، وصديقتها القادmة نحوهما، بطلة مبهرة سلبت اهتمام جميع المارة والأشخاص من حولها، حتى هذا الجالس بجوارها عقب بذهوله:
يا وعدي عليك يا ابن حكيم، مش بعيد قلبك يقف بعد ما تشوفها الليلة دي.
إنت بتعاكس صاحبتي؟
نعم! التف إليها بعدm تركيز ليفاجأ بها رافعة حاجبها بشر مرددة:
بسألك يا دكتور، لا تكون بتعاكس صاحبتي؟ أصابه شيء من الاضطراب اللذيذ، شيء يقارب الاستمتاع بهيئتها الخطرة تلك، لمجرد نظرة منه نحو صديقتها، اللعنة أتكون قد أصابتها غيرة!
مبترودش ليه؟ أنا بكلمك على فكرة. ضحك بمكر يجيبها:
ما أنا خايف أصارحك باللي واصلني من فعلك دلوقتي تحرجي وتولي وشك مني بعد ما تاخدك الجلالة كالعادة، وأنا مكدبش عليكي، عاجبني أوي شكلك كده.
همت تثور به منكرة ما فطنت إليه من تلميحه، ولكن منعها وصول بهجة لتنضم معهما داخل السيارة، والتي رددت فور دخولها حينما لامست بحاستها نوعًا من التـ.ـو.تر بينهما:
با ساتر على وقفة الشارع وقرفها، الحمد لله إنكم وصلتم أخيرًا، إنتو مبلمين كده ليه؟ لتكونوا متخانقين؟
صدر السؤال بتوجس جعل صفية تسارع بالنفي:
لا يا قلبي مش متخانقين ولا حاجة، دا العادي بتاعنا أصلاً.
أيوة العادي بتاعنا أصلاً. ردد بالكلمـ.ـا.ت من خلفها ليضيف عليهم بخبثه:
بس إنتي إيه الحلاوة دي يا بهجة، أقسم بالله ما عرفتك في البداية، إنتي كده عديتي الكل، وربنا اللي يشوفك يقول بـ.ـنت زوات بحق.
تبسمت لغزله ولكنها أيضًا لم تغفل صديقتها في الثناء عليها والإطراء:
يا سيدي متشكرين على ذوقك، بس إنت معاك القمر يا دكتور، ملكة جمال وعلى طبيعتها، مش زينا إحنا يا غلابة، دي كلها لمسات نجوان، أفهم إيه أنا في ذوق الهوانم؟ أهي ليلة تعدي وخلاص.
لا إنتي هانم وست الهوانم يا بهجة متستهونيش بنفسك. قالتها صفية في رد لها، ليأتي الرد من الآخر:
وإنتي كمان ملكة جمال على طبيعتك، هي مكدبتش على فكرة. أجفلها بجديته، لتغزو السخونة وجنتيها بخجل، ويصيبها اضطراب مباشر في البحث عن رد مناسب أو الصمت غير قادرة على مواجهة جرأة عيناه القادرة على اكتشاف سبر أغوارها، لتنقل نظرها نحو صديقتها وكأنها تبتغي العون، لتشفق بهجة، وتتوجه نحو هذا الماكر بما يشبه الأمر:
أنا كده هتأخر على الحفلة يا دكتور هشام، ناوي توصلنا ولا ننزل ناخد لنا تاكسي؟ أصل أنا مش همشي من غيرها عشان تبقى عارف.
سمع منها ليعود على الفور لعبثه:
لا طبعًا إزاي؟ دا أنا أخدكم معايا كعابي ولا أسيبكم تروحوا من غيري، واحدة هانم والتانية ملكة جمال أسيبكم بقى لوحوش المدينة، دا كلام برضو، دا كلام.
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها أسفل العقار الذي دخلته قبل سابق، وها قد أتتها الفرصة، لتحضر الاحتفال بعقد قران شعبي، بدعوة من أحد أفراده المقربين لها، حتى الآن لا تجد وصفًا لهذه العلاقة التي تجمعها به، لكن جل ما يميزها هو الارتياح، الارتياح في الحديث معه دون حسابات أو عقد، تبوح بكل ما يعتمل بقلبها معه، دون تفكير أو تديير.
وجدته في مدخل العقار وكأنه كان ينتظرها، ليستقبلها بكلمـ.ـا.ته:
افتكرتك بتهزري والله ومش هتيجي.
تبسمت تقترب منه، وتعطيه العلبة المغلفة ليحملها عنها مرددة:
وأنا بعد ما وعدتك يا عم سامر، تفتكر إن هخلف بوعدي مثلًا؟ دا أنا أصلاً جاية وكلي حماس أشوف الفرح الشعبي.
صدحت ضحكته وهو يصعد معها الدرج الأسمنتي في طريقهما نحو المنزل مرددًا:
والله إنتي طيبة، بقى كتب كتاب عملتيه فرح شعبي، مصـ يـ بـةلتكوني حاطة في دmاغك كمان، رقاصة وأغاني مهرجانات. لكزته بقبضتها بخفة على ذراعه معارضة استخفافه:
بطل بقى، أنا مش هبلة لدرجة دي يعني، فرح ع الضيق يعني بنات بيرقصوا داخل البيت بينهم وبين بعض مش كده برضو.
زام بفمه بتفكير متعمق، ثم صارحها بقوله:
اممم حتى دي مضمنهاش، أصل البت أختي دي عقلها طاقق، ولحد دلوقتي عمالة تعترض على خطيبها، لولا بس قارصين عليها عشان الواد راجـ.ـل وقد كلمته، مكنتش كملت الخطوبة أصلاً.
كان قد وصلا إلى مدخل المنزل المفتوح على آخره، في استقبال المهنئين، وقعت عينيها على العروس التي تحتل مقعدها في الواجهة، فظهرت أمامها بالكامل، بالزينة الصارخة والفستان الحريري الملتصق بجــــســ ـدها بصورة فجة، فعقبت لورا بفراسة ساخرة:
واضح أوي إنها مغـ.ـصو.بة بدليل إنها فرحانة بإمكانياتها.
تمتمت الأخيرة بصوت خفيض، لتدلف إليها وتحضر الحفل الجديد عليها.
❈-❈-❈
داخل الحفل الضخم الذي تم إقامته بمقر الجمعية، ليزيده عراقة وهيبة، وبترتيب عالي الجودة من مصطفى عزام، الذي أعطاه كامل اهتمامه خلافًا عن كل المرات السابقة وكأنها سنة مميزة بالنسبة له، بمقصد غير معلن ولكن فهمت عليه والدته، بعدmا رأت بأم عينيها ما جعلها تزداد حقدًا وغيرة، لتعبر عما يعتريها من غـــضــــب مكتوم أمام مساعدتها:
شايفة يا إيفون، الكبير العاقل لافف إيد نجوان على دراعه وبيلف بيها يقدmها للجميع وكأنها عروسته مش خالته، حتى مـ.ـر.اته الغـ.ـبـ.ـية ماشية معاهم ومبسوطة باللي بيعمله.
تطلعت إيفون نحو الجهة التي تقصدها بهيرة، لتعقب بذكائها المهني البحت:
وماله يا بهيرة هانم، الظهور المميز لنجوان بعد الغيبة سنين طويلة، وحضور نور بصفتها نجمة كبيرة، بالإضافة طبعًا للدور الكبير اللي قايم بيه مصطفى والحفل الضخم برموز البلد المهمين اللي عازمهم، دا كله يصب في زيادة شهرة الجمعية، وعلو سعرها وزيادة نشاطها أكتر وأكتر.
زيادة نشاطها أكتر وأكتر. تمتمت بها بهيرة تلوي بغـ.ـيظ شـ.ـديد شفتيها التي ترسم بها الابتسامـ.ـا.ت في مجاملات مع الجميع دون ود حقيقي، لترفع رأسها فجأة بقدوم الأشخاص المفضلين إليها، كارم وزوجته، وابن شقيقتها رياض، والذي قادته أقدامه إليها بعد الترحاب ومصافحة بعض الأشخاص الذين يعرفهم من أعضاء الحفل.
رياض حبيبي. رددت بها بحنين تفتح ذراعيها إليه، وكأنها تجد به المأوى أو ربما البديل، لتجبره على مبادلتها العناق لكن بحرص:
أهلا يا خالتو، عاملة إيه؟
ردت بود مبالغ فيه:
أنا كويسة أوي يا حبيبي لما شوفتك، ياريتك معايا كل يوم، أنت بتوحشني أوي يا بني. اضطر في الأخيرة أن يدعي التصديق، رغم تعجبه الشـ.ـديد من طريقتها، ليوميء برأسه في استجابة لحديثها والرد بمجاملة، قبل أن تنقل أبصارها نحو المرافقين له:
وأنت يا كارم ومراتك القمر دي، كل مرة كده تزيدي حلاوة عن المرة اللي قبلها يا رباب.
مفيش حلاوة من بعدك يا هانم.
علقت بها رباب لتأخذ دورها في مجاراة المرأة العجوز مع زوجها، في حديث متبادل، لا يخلو من التملق والمجاملات الزائفة في تلك اللقاءات، أما رياض، والذي احتفظ بطبيعته الجليدية فقد انـ.ـد.مج هو الآخر في الترحيب بعدد من الأشخاص الذين يعرفهم، وشعور بالضيق يجثم على أنفاسه، وهو يتابع هذا المدعي في الاستحواذ على والدته، وعدm تركها حتى تتنبه إليه ولحضوره، يتساءل عن غياب بهجة، لقد كان يتوقع حضورها اليوم كما سمع من والدته، لو يعلم من البداية عن غيابها، ما كان حضر من الأساس.
هذا ما خطر بعقله قبل أن يجفله وعلى حين غرة ظهورها أمامه بطلة ملائكية جعلت الرؤوس تلتف ناحيتها، ليس لتفوقها في أناقة الرداء الذي ترتديه وفقط، ولا بزينة الوجه، التي جعلته فتنة وقبلة للنظر، بها هالة تخـ.ـطـ.ـف الأبصار نحوها، عروس من الأساطير، أو أميرة أتت من عالم الخيال.
يا نهار أبيض! معقول دي بهجة؟ كان هذا تعليق كارم الذي غمره الذهول هو الآخر، حتى صدر منه الاستفسار، لتعلق زوجته هي الأخرى:
مين بهجة دي؟ بـ.ـنت حد نعرفه؟
جاء الرد من بهيرة التي امتقعت ملامحها بمقت شـ.ـديد:
لا يا روحي عمرك ما هت عـ.ـر.فيها، عشان دي مجرد مساعدة لنجوان في الجمعية، عاملاها لعبتها وكل يوم بتفرضها على الوسط بعد ما كانت جليسة عندها، أكيد اللي معاها دا يبقى خطيبها.
مراتيييي. صدرت من رياض لينهض فجأة مؤكدًا على الكلمة:
بهجة تبقى مراتي يا بهيرة هانم، ياريت تخلي بالك من كلامك بعد كده عنها.
قالها وتحرك ذاهبًا، غير آبهٍ بوقع الخبر على المرأة العجوز، والتي شخصت أبصارها، وانسحبت الدmاء من بشرتها بهلع، لا تصدق ما وصل إلى أسماعها، صدmة حلت بها أفقدتها النطق والسؤال عن صحة ما سمعته.
❈-❈-❈
أما عن بهجة، والتي بالكاد استطاعت تخطي تـ.ـو.ترها، بدعم صديقتها التي لا تتركها، والطبيب هشام الذي ذهب ليأتي إليهما بكوبين من العصير، وقبل أن يصل إليهم، جاء هو ليخـ.ـطـ.ـفها من بينهما ويسحبها من يدها دون استئذان، حاولت صفية إيقافه لكن هشام منعها، أما بهجة فقد صارت تهمس مرددة له بحرج:
إيه ده في إيه؟ ساحبني كده ورايح بيا فين يا رياض؟ رياض منظرنا قدام الناس، رياااض. لم ينطق ببـ.ـنت شفاه، بل واصل سحبها غير مكترثٍ بنظرات البشر التي تستغرب فعله.
ليدلف بها داخل إحدى الشرف الواسعة للقصر والمطلة على الحديقة، ودفعها عنه، لتصبح مقابلة له، فتواجهه بانفعالها:
أفنـ.ـد.م حضرتك، ساحبني زي البهيمة قدام الناس، ولا مراعي حتى منظري قدام أعضاء الجمعية اللي شغالة معاهم.
ميهمنيش. قالها ببساطة ضاعفت من حنقها:
بس أنا بقى يهمني، ولا يمكن أسمح لحضرتك بأنك تهز صورتي ولا تقلل من احترامي، وقبل ده كله، أنا لازم أحافظ على سمعتي.
ضاقت عينيه بشر، وانتفخت أوداجه بطاقة من الغـــضــــب قادرة على إحراق الأخضر واليابس، يطالع نظرة التحدي بعينيها، وذلك الاستخفاف المقصود منها، ليطبق على ذراعها بعنف مهددًا:
من غير حلفان يا بهجة لو ما لمـ.ـيـ.ـتي نفسك ومشيتي دلوقتي حالًا وسيبتي الحـ.ـيو.ان اللي برا ده مع البت المسترجلة اللي معاه، لا أعملك فـ.ـضـ.ـيحة وأنت المسؤولة.
نزعت يداه عن ذراعها للتخصر أمامه وتدهشه بفعلها:
أولًا هو مش حـ.ـيو.ان، بل بالعكس، دا دكتور محترم، ومحترم أوي كمان، وثانيًا بقى، أنا مقبلش إنك تتكلم كده عن صاحبتي، ولا عشان هي لسانها طويل وبتقف زي الشوكة في الحلق قدام الرجـ.ـا.لة الظلمة.
بما يشبه الصدmة، أشار بسبابته نحو صدره:
إنتي تقصديني أنا بالكلام ده؟ أنا في نظرك ظالم يا بهجة. ارتفع كتفيها وارتخيا بمراوغة تجيبه:
والله أنا بتكلم عن الظلمة، لو أنت شايف نفسك كده هعملك إيه؟
لاحت بثغره ابتسامة ساخرة يعقب:
واتعلمتي اللوع كمان يا بهجة، بعد ما كنتي قطة مغمضة.
والمغمض مسيره يفتح. قالتها تقرب وجهها منه في مقارعة له، غافلة عن تأثيرها على قلبه المشتاق بلوعة، منذ أن رآها تلج إلى داخل الحفل بهيئتها الساحرة تلك، تخـ.ـطـ.ـف أبصار الجميع نحوها وهي تمر كالملكة برفقة هاذين الغـ.ـبـ.ـيين. كم ود لو يخـ.ـطـ.ـفها من بينهم أو يسحبها من يدها ويخرج بها، رغم وجود الحضور من أصدقائه ومعارفه، ولكنه أضحى لا يضمن رد فعلها، كما يحدث الآن وقد بعثر كيانه ونسي حتى غـــضــــبه، بعد أن كان على صفيح ساخن منذ دقائق، لمجرد نظرة واحدة منها، وهذا الدلال الذي صارت تتعمده في كل مرة تخالفه، وكأنها تستمتع باحتراقه.
بهجة يلا. جاء الصوت من مدخل الردهة الصاخبة بأعداد الحضور، لينتشله من لحظته، ويعيده إلى نقطة الصفر، ليلتف إلى صاحبها بأعين مشتعلة، قابلها الآخر بابتسامة سمجة وكأن الأمر لا يعنيه، تساعده تلك المتحذلقة:
الدكتور هشام وراه العيادة، مش عايزين نأخره بقى يا بهجة. في رد منها، تبسمت إليهما بملء شـ.ـدقيها:
عيوني جاية أهو. قالتها وهمت تتحرك ذاهبة إليهما، ولكنه أوقفها يقبض على رسغها يتمتم كازًا على أسنانه:
هقــ,تــلك الاتنين، هقــ,تــلك الاتنين يا بهجة. رفضت تنفض يده عن ذراعها بعنف:
والله لما نبقى نكلمك ولا نمس طرفك حتى، ابقى اعمل اللي أنت عايزه يا باشا، أما دلوقتي، أنت ملكش حاجة عندي، خليك مع البشوات اللي من مستواك وسيبني أنا مع الناس اللي من طينتي، عن إذنك بقى.
.
وتركته وذهبت دون أن تلتف برأسها حتى إليه، إلى متى سيصبر على عنادها؟ لولا الخــــوف من أن يمس اسمها بفـ.ـضـ.ـيحة، ما كان تركها من الأساس، لكن فليتحلى الآن بالتروي حتى يعيدها إليه، وإن لم يكن بخاطرها سوف يجبرها. وليحدث ما يحدث بعدها.
❈-❈-❈
صدحت أصوات الزغاريد تسمع لآخر الحارة بعد انتهاء عقد القران الذي حضره عدد من الرجـ.ـال من أقارب العروسين وعدد من النساء والجيران، ليغادر الآن معظمهم، ولا يتبقى إلا القليل.
خميس، الذي قضى الوقت في تـ.ـو.تر دائم وقلق، دلف إلى ابـ.ـنته بصحبة عريسها ووالده ليبـ.ـارك لها على عجالة:
مبروك يا قلب أبوكي، مبروك. تقبلت سامية قبلاته على جانبي وجهها لاويّة فمها، لتهديها ابتسامة صفراء:
الله يبـ.ـارك فيك يا بابا.
صنع الابتسامة هو الآخر ليبـ.ـارك لخطيبها الذي أصبح زوج ابـ.ـنته الآن:
وانت يا جوز بـ.ـنتي يا غالي، ربنا يتمملكم بخير. أسيبكم أنا بقى.
قال الأخيرة بقلق فور أن تقابلت عينيه بعيني زوجته الحادة بخطر. لحق به سمير قبل أن يخرج من باب الشقة، ليوقفه قبل أن يخرج:
استني شوية يا با، طب حتى أقعد شوية مع عريس بـ.ـنتك، ولا هي أمي هتاكلك يعني؟
سمع منه، لتلتف رأسه إلى الخلف نحوها، ليعود إليه مؤكدًا بهلع:
قادرة وتعملها يا بني، سيبني يا حبيبي . العمر مش بعزقه، وأنا مش مضحي بعمري. سلام يا بني. تركه سمير يغادر ليعود إلى الجمع المتبقي من أفراد عائلة العريس وقد انسحب معظمهم أيضًا، ليتركهم هم أيضًا ويذهب إلى رعاية طفله داخل غرفته، وكانت زوجته منشغلة في هذا الوقت بإعداد الطعام داخل المطبخ.
أما طلال، الذي اتخذ مقعده بجوار عروسه فاردًا ذراعيه على الأريكة التي تمضها معه بأريحية غير عابئ بعبوسها، بل ظل تاركًا لها المجال، تتحدث مع هذه، وترقص مع تلك، وهو يدخن سجائره مراقبًا لها بصمت. حتى أتى دور لورا في توديعها بعدmا أهدتها أسورة جميلة أبهرتها حتى صارت تتفاخر بها أمام الفتيات صديقاتها، والاتي انسحبن هن الأخريات بحرج منها، لتصفو في الأخير الجلسة عليها وعليه، ويأتي دوره في الحديث:
شكلها عجبتك أوي الأسورة أكتر من شبكتك؟
صارت تلوح برسخها الملتف حوله الأسورة، ترفعها أمام عينيه بإعجاب واضح.
جميلة وحاجة روعة بهواتي كده، مش زي الشغل البلدي.
ضحك بسـ ـخـــريــة منتبهًا لتلميحها المقصود، وعلى حين غرة أمسك بيدها يطبق عليها داخل قبضته بتهديد واضح:
النهاردة كتب كتابنا يا عسل، يعني بلاها منها الحركات المكشوفة، ولا إنتِ عايزة نكد حتى في ليلة حلوة زي دي؟
حاولت نزع يدها من قبضته الحديدية، تنهره بحنق:
بذمتك دي عمايل واحد مش عايز نكد؟ سيب إيدي يا طلال بدل ما أعلي صوتي وانده على حد من اللي قاعدين في المطبخ بيجهزولك العشا.
أصدر صوت رفض من فمه قائلًا:
مش قبل ما تصالحيني يا سامية، النهاردة أنا عريس، وإنتِ بقى نكدتي عليا، أنا برضو بقيت جوزك وميصحش تقللي مني.
والله، وأنت بقى عايزني أصالحك إزاي إن شاء الله؟ تمتمت بها تعوج شفتيها بإستهزاء، ليجفلها هو بإيقافهم عن الكلام من الأساس، حينما حط بخاصتيه عليِهما، ليباغتها بهجوم كاسح وسريع زلزل كيانها، وأفقدها القدرة على التفكير، حتى لم تعِ لنفسها سوى بعد لحظات من الصدmة، لتضـ.ـر.به بقبضتيها على كتفيه، حتى إذا تركها أخيرًا رفعت كفها تبتغي تكرار فعلتها الأولى في لطمه، ولكنه لحق ليمسك على رسغها بعنف، يردف بحزم:
لا يا حلوة متنسيش نفسك بدل ما توحشك، إنتِ دلوقتي بقيتي مراتِ وأنا وعدتك إني مش هلمسك غير في بيتي، بس دي اعتبريها هدية كتب الكتاب، أصل بصراحة بقى……
توقف يتابع بنظرات تشملها بجرأة وقد ارتخت قبضته:
بصراحة بقى مقدرتش أمسك نفسي، ما أنا برضو بشر وإنتِ بطل يا بت.
دفعته بكلتا يديها التي نزعتهم من قبضته على صدره بعنف وملامح شرسة جعلته يزداد إنبهارًا مرددًا:
آه، معلش نفوتلك دي يا بطل، ما أنا برضو بمـ.ـو.ت في شراستك.
زفرت تشيح بوجهها عنه، تدعي الغـــضــــب، ولكن من داخلها جزء ما سعيد بإطراءه، وتلك الصفات التي تدلل أنوثتها، رغم كرهها له، تكرهه بالفعل، ومع ذلك لم تبغض قبلته، أو حتى تصمم على قرارها برفض عقد زواجه بها.
وكأنه قرأ أفكارها، هتف ينادي والإبتسامة أترسمت على وجهه بوضوح وعيناه مرتكزة عليها:
العشا يا حمـ.ـا.تي، أصل أنا جوعت أوي، أووي.
❈-❈-❈
وعودة إلى الحفل الآخر، وقد انضمت بهجة إلى الطاولة التي تجمع الصفوة من نساء المجتمع، تاركة الطبيب وصديقتها للانفراد بجلستهما معًا بعد أن سحبتها نجوان لتجلسها على المقعد المجاور لها رغم رفضها في البداية، وكأنها تُصر على إظهارها للجميع، وتمسك نفسها بصعوبة عن ذكر صفتها الأصلية، في تحد لشقيقتها الغاضبة وابنها الحانق من تجاهل الاثنتين له.
لا يرفع عيناه عنهما مهما تحدث مع أحدهم، أو انشغل بأمر ما، وكأنها الحرب البـ.ـاردة بينهما، لا أحد يعلم بنهايتها.
حتى التقت عيناه بأخر إمرأة يتمنى لقاءها الآن:
نادين! ردد بالاسم بعدm تصديق وعيناه منصبة نحوها، حتى انتبه شريكه إلى الجهة التي ينظر بها، وتلك المرأة التي تخـ.ـطـ.ـف الأبصار بهيئتها الملفتة بفستان أسود يضيق على معالمها، وينعكس على بياض بشرة سيقانها الظاهرة بسخاء من الفستان القصير، ليعقب بمرح:
أوعي بقى، إيه يا عمنا، هو إنتِ الليلادي موعود ولا إيه؟ الأولى بهجة وجمالها الأسطوري، ودلوقتي نادين صاحبة الإمكانيات الجبـ.ـارة، لا رورو أنا كده أحسدك.
زفر بضيق يشيح بوجهه للناحية الأخرى، حتى لا تنتبه إليه، يحذره كازًا على أسنانه:
لم نفسك يا كارم، أنا مش ناقصها دي كمان، دي ما هتصدق تلاقيها حجة لو شافتني، ولا أقولك أنا همشي أحسن.
للأسف اتأخرت. قالها كارم، والآخر ينهض من جواره ليهم بالذهاب، ليصعق بها أمامه مباشرة:
رياض باشا، مش معقول، أنا متوقعتش حضورك النهاردة. تبسم بضيق معقبًا:
معلش بقى، أصل أنا مليش أوي في أعمال الخير، أنا جيت مجاملة، وعلى العموم أنا كنت ماشي أصلاً.
شرع في التحرك ولكنها أوقفته بقولها:
ليه بس؟ ولا هي إذا حضرت الشياطين يعني؟ دا أنا حتى كنت عايزة أكلمك على آدm، أصل اتصل بيا النهاردة ومعجبنيش.
ماله آدm؟ سألها بقلق على شقيقه.
هقولك كل حاجة بس تسمحلي أقعد؟ أومأ بموافقة:
اتفضلي حضرتك، أنا عايز أسمع منك، على العموم دا كارم شريكي في الشغل، يعني مش حد غريب.
تشرفنا يا كارم باشا. ألقت بالتحية نحو كارم وهي تسحب كرسي الطاولة لتجلس عليه، فتبسم الآخر يجيب تحيتها:
الشرف لينا إحنا أكيد، أنا هقوم أشوف مراتي بقى أصل ده ميعادنا عشان نروح، عن إذنكم.
وتحرك مغادرًا ، ليترك رياض وحده، يجلس مقابل هذه المرأة ليعرف غرضها، وفي الناحية الأخرى اشتعل زوج زمرديتين صافنتين بغـــضــــب، توجه سؤالها نحو نجوان الصافنة هي أيضًا برؤية تلك المرأة ذات الهيئة الغير مريحة على الإطـ.ـلا.ق:
ودي مين الحلوة دي؟ وإيه علاقتها برياض؟ تسائلت بها بهجة، ليأتيها الرد من نجوان:
أكيد دلوقتي نعرف يا بهجة، مع إني حاسة زي ما يكون شوفتها قبل كده، بس فين معرفش.
“في قلب كل انتظار، تتراكم الآلام والأحلام، وبين كل لحظة وأخرى، ينبض القلب بشوقٍ يتجاوز حدود الزمن. نحن لا ننتظر لقاءً عابرًا، بل لحظة يتوحد فيها ما تفرق، ويعود فيها كل شيء كما كان. لا تزال أرواحنا معلقة بالأمل، تتمنى أن يتحقق الوصال، ليعيد للروح دِفأها، وللقلب سكينته، ويغسل ما تركه البعد من جراح.”
اهداء الادmن القمر/ سنا الفردوس
❈-❈-❈
ما زالت أجواء الحفل الضخم مستمرة بفعاليات مبهرة تأخذ بعقول الحضور وانـ.ـد.ماجهم معها، بخلاف البعض ممن لم ينتبه لأي شيء منها، فهناك ما يشغله.
كفاية بص على صحبتك يا صفية، هي مش عيلة صغيرة على فكرة ولا هتوه في الشارع.
هتف الطبيب هشام بتلك الكلمـ.ـا.ت، بعد أن فاض به منها ومن تهربها الدائم، ليغمرها ارتباك جاهدت بالإنكار حتي تغطي عليه كعادتها معه:
وأنا كنت عملت إيه يعني؟ شوفتني سيبتك وقعدت معاها على الطرابيزة مثلا؟ ردد مستمرًا في مواجهتها:
ما هو ده اللي أنتي عايزاه فعلاً يا صفية، إنك تقومي وتروحيلها مع إنها أساسًا مش واخدة بالها منك، لأن فيه اللي شاغلها عنك، وده حقها طبعًا، زي ما أنا من حقي ألاقي من خطيبتي الاهتمام لما أقعد معاها. صفية إحنا كده مش هنتقدm ولا خطوة في خطوبتنا المؤقتة، ولو أنتي غايتك كده من الأول، أرجو إنك تبلغيني من البداية عشان ما يبقاش مجهود ورايح في الهوى.
هذه المرة لم تجد عذرًا في قاموسها فحاولت التلطيف:
غايتي إزاي يعني؟ ما هو لو كده، ما كنت رفضت من الأول وريحت مخي.
أمممم. زام بفمه ثم مال بجذعه نحوها على الطاولة، يزيدها إرتباكًا:
طيب ولما هو كده يا صفية مبتدينيش الفرصة ليه عشان أقرب وأكـ.ـسر الحواجز اللي واقفة ما بينا؟ أنتي حتى رافضة نخرج مع بعض لوحدنا وعلى طاولة تجمعنا زي ما هو حاصل دلوقتي.
ما أنت قولت بنفسك، ادينا قاعدين لوحدنا أهو.
قاعدين في قاعة مليانة بالناس، ولولا صاحبتك هي اللي أصرت تسيب لنا المجال شوية، مكنتيش سمحتي إنه يحصل أبدًا، أنتي حتى رنة التليفون بتردي عليا بالعافـ.ـية وبكلمـ.ـا.ت محدودة، بتخافي لا أتجاوز معاكِ في الكلام للخط اللي أنتي رسماه لعلاقتنا يا أستاذة يا آنسة صفية.
بصعوبة شـ.ـديدة وجدت صوتها لتجادل رغم علمها بصدق حديثه:
للمرة الألف بقولهالك، أنا لو رافضة المبدأ من البداية مكنتش من الأساس وافقت، يمكن بخجل في بعض الأحيان.
بعض الأحيان!
شـ.ـدد على الكلمة بتهكم ليضيف بمشاكسته:
طب قولي معظم الأحيان يا صفية عشان تبقى واقعية أكتر، وأنا صابر عليكي عشان متأكد إنك عايزاني، لكنك قافلة على نفسك وعلى قلبك يا صفية، رغم إن اللي زيك اتخلقت للحب، لأن فيكِ كل الصفات اللي يتمناها أي راجـ.ـل… إلا عقلك طبعًا.
مالو عقلي إن شاء الله؟ مـ.ـجـ.ـنو.نة مثلاً ولا مـ.ـجـ.ـنو.نة؟ صدرت منها بعفوية واستفاقة سريعة، بعد أن غيبتها قليلًا كلمـ.ـا.ت الغزل، ليسارع هو بتوضيحه:
لا، عاقلة يا صفية وست العاقلين بس دmاغك متبتة على ثوابت حطيتيها في دmاغك ومش قابلة تغيريها، يعني أقرب مثال دلوقتي أهو، سبتي كل الكلام الحلو ومسكتي في الجملة الأخيرة على أساس إنها شتيمة، عارفة يا صفية لو تبصي كويس لنفسك في المراية هتكتشفي حاجات حلوة كتير فيكي، وأولها جمالك طبعًا.
حركت رأسها بتعبير يدل على سأمها، ترفض تصديق كلمـ.ـا.ته من داخلها:
يا عم بقى، رايح جاي تقولي جمالك، أنا شايفة نفسي عادية على فكرة وراضية وحامدة بنعم ربنا عليا.
وإيه جاب سيرة الرضا في كده؟ أنا بقولك اكتشفي نفسك وجمالك، مش بطالب إنك ترضي باللي قاسمهولك ربنا، ده شيء عادي أصلاً ومفروغ منه. تفوه بها بتعجب من منطقها، ليقترب برأسه أكثر، يركز بالنظر داخل خاصتيها مردفًا:
طب حاجة بسيطة كده، محدش قالك قبل كده إن عيونك الواسعة دي عاملة فرق جـ.ـا.مد في وشك؟
اتقالت لي كتير طبعًا.
بجد يا صفية.
أيوة والله بجد، ستي رقية ربنا يخليها، عشان ما أنا يعني أشبه زهرة اختي رغم إننا مش من نفس الأم، وأمي لما تبقى راضية عني في ساعة رواق، وأبويا بقى لما يطلب مني أقرا المكتوب على علب البرشام اللي بيجيبه على الفاضي وعلى المليان، مجرد بس ما أقوله إن التعليمـ.ـا.ت اللي عليها بتحذر الاقتراب منها للي زيه، على طول ألاقى الجملة اللي ماسكها عليا من وأنا عيلة صغيرة، عينين بقر من غير نظر.
يخرب بيته.
متقولش كده يا هشام ده أبويا.
أبوكِ مين يا صفية؟ ده وباء مش أب.
صدرت منه بانفعال زاد من حـ.ـز.نها، ليزفر بضيق متعاظم يكتمه داخله، ثم غير دفة الحديث:
خلاص سيبك وكبري، المهم خلينا في أختك زهرة، زي ما ذكرتِ قبل كده إنها اتجوزت راجـ.ـل أعمال، ده ميخليكيش تاخدي ثقة في نفسك، بما إنك تشبهيها؟
دب الحماس بها لتجيبه بحب وعفوية:
عمو جاسر اتجوزها عشان حبها بجد ومبصش لأي فرق ما بينهم، غير كده برغم إني شبهها، لكنها برضو أجمل مني، ده كفاية شعرها الطويل ولونه سواد الكحل.
ما أنتي كمان شعرك حلو.
أيوة بس ميجيش نص شعرها…
قطعت فجأة، تستدرك حماقتها، فتخضب وجهها بالحمرة الشـ.ـديدة من الخجل، لتصمت مسبلة عينيها غير قادرة على مواجهته، فتبسم يشاكسها:
مكدبش عليكي يا صفية، أنا من يوم ما شوفتك بشعرك ده اللي أنتي مستهونة بيه، وصورتك دي مش بتفارق خيالي أبدًا.
بطل كلامك المستفز ده يا هشام؟
مستفز ليه طيب وأنتِ خطيبتي؟ ثم إن ده شيء غـ.ـصـ.ـب عني ومش قادر أتخطاه، إن الله جميل يحب الجمال.
ارتعشت شفتيها بعجز في البحث عن رد مناسب لتوقِفه عن إخجالها، أمام استمتاعه الظاهر بهيئتها تلك، لتتمتم بقلة حيلة في الأخير وهي تشيح بوجهها عنه.
يووووه بقى.
❈-❈-❈
أما عن تلك المحترقة بنيران العشق، فقد كان اهتمامها منصبًا فقط عليه، سارق قلبها وعقلها أيضًا، عيناها لا تفارقه ولا تفارق جلسته مع تلك المرأة الغريبة، ذات الجــــســ ـد المغوي بمعالم وتضاريس هي المسكينة؛ لا تملك حتى نصفها، ولا تستطيع إزاحة بصرها عنه، فكيف بحاله هو الرجل، تبًا للكـبـــــريـاء الذي يمنعها من أن تذهب إليها الآن وتجرها من شعرها حتى تبعدها عنه، ليتها ما تحدته منذ قليل، ليتها تهاونت معه ولو قليلًا حتى تجد مساحة من التفاهم، حتى تذهب إليهما وتنفذ ما برأسها.
خليكي كده زي العبـ.ـيـ.ـطة قاعدة غير تاكلي في نفسك، ولا أقولك روحي جيبيلهم لمون أحسن، يروق عليهم ويرطب الجو. كانت تلك كلمـ.ـا.ت نجوان والتي عادت إليها بعدmا تركتها منذ دقائق للترحيب بمجموعة أخرى من الأشخاص برفقة نور التي لم تتركها هي ولا زوجها، والتي علقت تتدخل بينهما بفضول:
هما مين اللي تجيبلهم لمون؟ إيه الحكاية بالضبط؟ أشارت لها بذقنها للأمام حتى تريها المقصود من الحديث، قائلة بانفعال:
اتفضلي شوفي بنفسك، مين الست دي يا نور؟ ومين اللي عازمها؟ هي اللي زي دي أساسًا ليها في الخير؟ استغفر الله العظيم يارب.
ضحكة مكتومة اعتلت ملامح الأخيرة في البداية، وعيناها تذهب نحو المذكورة وجلستها على طاولة واحدة مع رياض، لتعقب بتفهم لحالتها:
آه، أنتي قصدك على نادين، وهي إيه اللي عرفها برياض صحيح؟
أنتي بتسأليني أنا؟! ده أنا عرفت اسمها بس منك دلوقتي. صدرت منها بانفعال وبحة صوت علت نسبيًا حتى لفتت أبصار الطاولة المجاورة لهم، لتجبر نجوان على تنبيهها:
خلي بالك يا بـ.ـنت، أنتي كده هتفضحينا. ضغطت على شفتها السفلى بغـ.ـيظ لتتوجه بأبصارها نحو الأخرى والتي اشفقت تراضيها:
أنا آسفة يا بهجة لاني مش مركزة، بس أكيد يعني، هتكون اتعزمت من طرف مدام إيفون، وده لأن جوزها المرحوم كان بيساهم في أعمال خير كتير من اللي بتقوم بيها الجمعية، أصله كان راجـ.ـل غني جدًا، بس بصراحة كان عجوز أوي….
طبعًا وأكيد بعد ما ورثت فلوس العجوز، دلوقتي بتدور على صحة الشباب، باينة مش محتاجة ذكاء، والله باينة….
تمتمت بالكلمـ.ـا.ت وهي تحدث نفسها معهما، لتوجه الحديث إلى نجوان بنبرة لائمة:
لكن أنتي هتسكتي ع المسخرة دي؟ يعجبك يعني كده؟ دي واحدة شكلها جاية تلوف على ابنك، واخدة بالك من شكلها، عندها قاعدة صواريخ تدmر أجيال.
قالتها بمغزى واضح كاد أن يضحك الاثنتان، ولكن هيئتها المزرية ألجمتهما عن ذلك، وانتفضت نجوان ناهضة من جوارهن قائلة:
قاعدة صواريخ ولا دmار شامل حتى، أنا البـ.ـنت دي مش مريحاني من الأول، وعندي إحساس قوي إني أعرفها مش فاهمة ليه، هروح أشوفها وأنتِ يا بهجة حصليني مدام كرامتك واجعاك أوي.
قالت الأخيرة بغـ.ـيظ لم تعطي بهجة له بالًا ، وقد نبت الحماس داخلها لترجوها:
يا ريت الله يخليكي، أجي وراكي ولا أروح معاكي، المهم أطب فوق روسهم. وما أن أنهت كلمـ.ـا.تها وهمت نجوان بالتحرك، حتى فاجأها حضور مصطفى:
إيه يا ست أنتي وهي قاعدين هنا ليه والناس كلها بتسأل عنكم؟ قالها ليمسك بأيدي الاثنتين زوجته وخالته الحبيبة، يبتغي سحبهما كما يفعل منذ بداية الحفل، فحاولت نجوان الاعتراض متحججة ببهجة:
استني يا مصطفى، البـ.ـنت سايباها طول الوقت لوحدها.
وتقعد لوحدها ليه؟ تعالي يا بهجة ات عـ.ـر.في ع الناس معانا، هو أنتي لزقتي ليه في الكرسي يا بـ.ـنتي؟ تلقت دعوته الكريمة لترفضها ببعض الذوق، وقد تسلل الإحباط داخلها:
لا روحوا أنتم، أنا أساسًا جاية مع صاحبتي وخطيبها الدكتور هشام. وأشارت نحو الطاولة التي تجمع الإثنان بالقرب منها، حتى إذا تحركوا في الأخير لتركها، ألقت إليها نجوان بوعدها:
خمس دقايق إن شاء الله ورجعالك، إنتظريني.
منتظراكي. تمتمت بها على مضض، وداخلها فوران وغليان، تعد نفسها إنها إذا تأخرت عن خمس دقائق، سوف تذهب إليها ولو تسببت حتى بفـ.ـضـ.ـيحة لهذه الأفعى المتلونة وله أيضًا، فهو يستحقها.
❈-❈-❈
بجمودٍ يحسد عليه، كان جالسًا أمامها غير مكترثٍ بأفعالها المقصودة في إظهار فتنتها الطاغية، تغمرها الثقة وهي تمثل كتلة أنوثة متفجرة أمامه، ولا يكلف نفسه بإرضائها ولو بنظرة إعجاب.
تتخذ أدm حجتها في حديثٍ عنه غير مفهوم، بمماطلة حتى لا ينتهي الحديث سريعًا، والحق يقال، هو في الأصل لا يحتملها وكاد بالفعل أن ينهض من بداية جلستها ولكن يمنعه ذلك الشعور بالانتشاء الذي أصبح يتشعب داخله، منذ أن انتبه لنظرات بهجة من خلفه، تظهر احتراقًا يستمتع به، بعد تحديها له منذ دقائق وعدm إكتراثها، ينتظر رد فعل منها إذا زاد الوضع بينه وبين نادين عن ذلك، ولكنه أيضًا قد أصابه الملل.
مدام نادين، ممكن توضحي أكتر؟ ما كدبش عليكِ، أنا لحد دلوقتي ما فهمتش حاجة . ماله آدm بقى؟ هو اشتكالك من أكل جوليا؟
ضيقٌ واضح ارتسم على ملامحها، وهي تجده يغلق عليها بكلمـ.ـا.ته المحددة، إسهابها في الحديث عن أمر آدm الذي لم تشرح حالته حتى الآن كما يجب بقصد منها، لتواصل بطريقتها المائعة:
يا رياض باشا، هو ما اشتكاش من جوليا، بل بالعكس، الست قايمة بالواجب وزيادة معاه في كل الأكل اللي بيطلبه منها، بس الطفل زي ما انت عارف مش كل حاجة يحبها ننفذهاله، وأنا بعرض عليه يجي عندي ولا أجي أنا بنفسي أشرف على الأكل اللي بتعمله عشان الأكل يكون صحي.
قطب جبينه وتحركت رأسه باستفهام، قائلًا بحدة:
أنا ملاحظكِ كذا مرة تكرري في حكاية الأكل الصحي دي، آدm بياكل أكل بيتي ومصري مع اللي بتعمله جوليا من أكلات إيطالية، مفيش أكل من برا عشان تخافي عليه؟
متزعلش مني يا رياض باشا، بس أنا فعلاً لازم أخاف عليه، دا مريـ.ـض مناعة يعني أقل حاجة تضيعه….
استني عندكِ وقفي… مين دا اللي مريـ.ـض مناعة؟
قاطعها بغـــضــــب شـ.ـديد يريد التأكد من المعلومة التي سقطت منها ببساطة وكأنها تتحدث عن الطقس، حتى جعلها ترتبك في الرد:
آآ، إيوه، مرض مناعي عنده، هو مش صعب يعني على فكرة، كل الحكاية إنه بيحتاج كشف دوري وتحاليل كل مدة يشوفها الدكتور المختص، واهتمام زيادة بالأكل الصحي وبعض التعليمـ.ـا.ت اللي يمشي عليها، هو آدm ما قالكش؟
هتف بها، وبأنفاس خشنة يحاول السيطرة بصعوبة على غـــضــــبه:
لأمتزفتش… مرض مناعي يا أستاذة وأنتِ جاية تكلميني عنه دلوقتي؟… ولا إيه لزومه الكلام معاكِ أصلاً؟
ثم نهض من أمامها فجأة، يهم بالمغادرة دون استئذان، فنهضت هي الأخرى تلحق به:
طب أنت ماشي دلوقتي ورايح فين؟
وصله صوتها المستفز بالتساؤل، وهو في قمة غـــضــــبه منها الآن حتى كاد أن يفحمها برد يخجلها لتساهلها في أمر هام كهذا ولكنه انتبه على قدوم بهجة بصحبة والدته فتراجع عما في رأسه ليلتف إليها يجيب بنبرة متوازنة بعض الشيء:
هاخده وأطمن عليه طبعًا، دي مش محتاجة إنتظار، إحنا عندنا المستشفى بتاعتنا يا نادين.
طب أنا رايحة معاك.
همّ أن يرفض ولكن منعه التساؤل الذي صدر خلفه من نجوان:
رياض…، ما جِتش ليه تسلم عليا؟
استدار إليها ينتقل بالنظر نحوها ونحو بهجة قلبه وسر عـ.ـذ.ابه:
معلش بقى، ما أنا شايفكِ من ساعة ما وصلتِ مشغولة مع مصطفى بيه في الترحيب بالضيوف، ومرة تانية مع بهجة هانم، على العموم أنا كمان ماشي دلوقتي.
ماشي رايح فين؟ ومين دي؟ عرفنا بيها الأول.
صدرت من بهجة بتسارع ودون إنتظار، حتى كاد أن يتهكم في حديثه لها، ولكنه التزم الجمود حتى ينتقم منها لإنتظاره لها كل هذا الوقت، مغلبة العناد عليه كالعادة:
دي خالة آدm وهي جاية معايا دلوقتي تطمئن عليه وتشوفه، عن إذنكم بقى معلش.
وتحرك دون أدنى تفسير آخر، يغادر أمام صدmة بهجة التي اتبعت بعينيها تلك المرأة التي ترمقها بانتصار وهي تلحق به، لتتمتم هي بانهيار:
شايفة عمايله، قاصد يشلني أنا فاهماه والله فاهماه.
وعلى عكس ما توقعت من تجاوب منها في هذا الأمر الحيوي والقاسي، تفاجأت بتغير نجوان، وقد اعتلى ملامحها شيء من الحـ.ـز.ن تغمغم وكأنها تحدث نفسها:
خالة آدm، يعني دي أخت ناريمان؟ وأنا اللي كنت بكذب إحساسي من ساعة ما شوفتها، يعني هي فعلاً قاصدة ابني دلوقتي.
التقطت قولها لتضيف بعصبية وعدm توازن:
أهو بقى، أديكي فهمتيها لوحدك، هتسكتيلها ها؟ هتسكتيلها بقى هتسكتيلها؟
ردت نجوان بتعب وقد فاض بها:
اسكتي أنتِ الأول يا بهجة وخليني أفكر.
❈-❈-❈
داخل غرفة الطبيب المختص، وبعد أن أجبر شقيقه على الذهاب معه إلى المشفى وفحصه، كانت الساعة تتعدى الواحدة ليلاً في انتظار نتائج التحاليل والأشعة التي تم عملها، والصغير لا يكف عن التذمر بجوار خالته التي لم تتركه حتى الآن.
أووف بقى، عايز أرجع أنام على سريري في أوضتي، أنا هفضل سهران لحد إمتى؟
تطلع عليه رياض بحنق، يمنع نفسه بصعوبة علي ألا ينفجر به، ذلك الصغير الأحمق وخالته المستهترة، تبا لهذا الحظ الذي أوقعه مع هذه العائلة.
أووف تاني بقى، عايز أمشيييي.
إلى هنا وفقد السيطرة ليهدر به بغـــضــــب عاصف:
وبعدين بقى؟ يعني مش كفاية إنك خبيت عني موضوع مهم زي ده؟ مش قادر تصبر علي ما تطلع نتيجة التحاليل ويطمنا الدكتور عنك؟
عادي وافرض ما طلعتش كويسة ودا المتوقع، إيه اللي هيحصل؟
قالها ببساطة أثارت دهشة شقيقه وضاعف من غـــضــــبه، فتدخلت نادين تزيد الطين بلة:
متستغربش، أصله ياما تعب منه الموضوع ده مع مامته، وفي كل مرة كان بياخد كام يوم في المستشفى وتحت الرعاية وبعدها يخف عادي…
عادي!!
تمتم بها بذهول يكاد أن يطيح بعقله، لا يصدق هذا البرود الذي تتكلم به، وشقيقه متضامنًا معها وكأن الأمر يخص شخصًا آخر غيره:
كلامها حقيقي، أنا فعلاً مرات كتير بدخل المستشفى لما بتعب، كام يوم وبيعدوا، أنا أصلاً راجـ.ـل وبتحمل.
صاح به رياض بنفاذ صبر:
راجـ.ـل في المرض؟! إنك تستهتر بيه وتاخدها عافـ.ـية إنك ما يهمكش… مين مفهمك الكلام ده أصلاً؟ الأحسن إنك تسكت يا آدm ومتعصبنيش، أنا فيا اللي مكفيني.
سمع آدm ليزعن لأمره ويكف عن الكلام، يشيح بوجهه للناحية الأخرى، ولا يعطي بالًا ولا أهمية لهذا الأمر الجلل، حتى دلف الطبيب كي يخبرهم بـ.ـنتائج التحاليل، طارقًا على الباب بخفة قبل أن يتحدث:
رياض بيه، ممكن كلمتين على انفراد لو سمحت؟
سبقه آدm بهدوءه الغريب:
وتكلمه ليه على انفراد؟ أنا صاحب الحالة، يعني لو في حاجة تبلغهالي أنا مش هو.
سهم الطبيب بـ.ـارتباك، ولم يعرف بما يجيب، فجاء الرد الحازم من رياض الذي يمسك نفسه بصعوبة على الانفجار:
اتكلم هنا قدامه يا دكتور، متخبيش عنه أي شيء الله يخليك.
سمع منه الطبيب ثم اقترب يتحمحم، مزعناً لامره، يقول:
طيب أنا هتكلم بشكل مبسط عشان توصل لدmاغ طفل بعمرك، وبما إنك شجاع هقولك بكل صراحة إن التحاليل مش مبشرة، لابد من الرجوع لعلاجك ومراعاة الاهتمام بأكلك الصحي، وبالنصائح اللي هكتبهم دلوقتي، ماشي يا بطل.
تمام عادي.
قالها ببساطة كادت أن تجلط شقيقه، ولكنه لا ينكر إعجابه بالبأس الذي يتميز به ذلك الصغير رغم عدد سنواته القليلة، والأجمل من كل ذلك أنه أيضًا لا يملك فقط الصفات الشكلية لوالده الراحل، بل والشخصية كذلك، بالمميزات والعيوب، وما أصعب الأخيرة حينما يتعلق الأمر بالصحة، وقد علم بعد ذلك من الطبيب حينما انفرد به بالفعل بعد ذلك بعيدًا عنهم، بحقيقة المرض، الذي يستوجب اهتمامًا مضاعفًا وإلا تطور الأمر إلى أشياء غير محمودة على الإطـ.ـلا.ق.
❈-❈-❈
وصلنا يا بهجة، ناوية تنزلي ولا تكملي معانا؟
قالها الطبيب هشام بعد أن توقف بسيارته أمام البناية التي تسكن بها، يقصد بمزاحه أن يفك جمودها، وذلك الشرود الذي يتلبسها منذ البداية، لتضيف صديقتها أيضًا:
أنا بقول تكمل معانا أحسن، بس نروح على بيتنا بقى نرغي براحتنا للصبح، إيه رأيك يا بيبو؟
تبسمت بهجة، تترك الهاتف الذي انشغلت به منذ استقلت السيارة معهما، وتضعه في حقيبة يدها:
والله إنتِ رايقة يا صفية، هو أنا فيا دmاغ أصلاً يا بـ.ـنتي للرغي، إلا إذا كنتِ عايزة نكد؟
قالتها وهمت أن تغادر، تمسك بيدها على مقبض الباب، فجاءها التعقيب من الطبيب هشام:
طب ما تنكدي علينا قبل ما تنزلي وتمشي، إحنا ناس بنحب النكد أصلاً، خصوصًا لما يخص ابن حكيم، ولا إيه يا سيادة المحامية، مش برضو نفسك بتتفتح على شغل المحاكم، أول ما تسمعي عن أي مشكلة ما بينهم؟
لم تتقبل صفية هذه المرة مزاحه، ليأتي ردها بضيق:
لا طبعًا مش لدرجة دي يعني، أنا إينعم متغاظة منه، لكني مقبلش الخراب ما بينهم، ده جواز بشرع ربنا مش أي ارتباط وخلاص.
يكملك بعقلك يا غالية. قالها هشام بتسلية، قابلتها بعبوس وعتاب، ليأتي رد بهجة في الأخير:
طب وإذا كانت نيته كده فعلاً، هتعملي إيه؟ رياض باين عليه زهق واللعبة خلاص خلصت، ده حتى اتصالي بيه مش معبره.
سألتها صفية:
ليه بتقولي كده؟ أجابتها بنبرة يغلفها الحـ.ـز.ن:
عشان ده اللي حاصل فعلاً، شكله لقى البديل، واحدة متاحة وفاتحة دراعتها ليه بحجة ابن اختها، وهو أكيد مصدق، ست بحق وحقيقي تملى العين.
قصدك على الست اللي روحت معاه؟ سألها هشام، فجاءت إجابتها بحسرة:
أيوة هي يا دكتور، شوفي هيئتها إزاي؟ لأ ولقت حجتها عشان تتلزق فيه، ابن اختها اللي طلع في البخت فجأة….
توقفت برهة، لتردف بيأس وبيدها تدفع باب السيارة للخروج:
يلا بقى، كل واحد بياخد نصيبه، سلام ولا تصبحوا على خير أحسن. وما همت بأن تنزل بقدmيها كي تترجل من السيارة، حتى فاجأها قول الطبيب.
بس اللي أعرفه إن ابن حكيم مش من الرجـ.ـا.لة التي تجري ورا النوع ده من الستات، لأنه ياما قابل في حياته أجمل وأحلى منها كمان، لكنه في الآخر مخترش غيرك يا بهجة، ولا دي كمان عايزة إثبات؟
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي،
استفاق يفتح عينيه داخل الغرفة التي يغفى بها ولأول مرة، على تخت واحد جمعه مع شقيقه الصغير، بعد أن غلبه النوم بالأمس ليبيت جواره. لم يكن أبدًا ذا قلب ضعيف، ولا تخيل في مرة أن يجمعه شيء معه سوى إرسال النقود كي يتربى وينشأ في كنف والدته، حتى وهو يعلم بطبعها غير السوي. ولم يكن يعطي بالًا لهذا.
لكن شعور الأمس، بتلك القبضة التي تعصر فؤاده، منذ علم بالمرض الذي أصابه منذ نعومة أظافره، بل ويكيف نفسه على العيش به دون شكوى أو تذمر. طفل صغير يتحمل ما لا يطيقه الكبـ.ـار، وهو الذي ظل لعدد من السنوات ناقمًا على والديه، بل والعالم أجمع، بسبب تلك الأحداث المؤسفة التي تركت أثرها عليهم، ولكن لم تمس صحته، وحتى المال الذي ضاع، عوضه هو في مدة قليلة. الآن فقط يشعر بالامتنان نحو والده، بعد أن ترك له تلك القطعة النادرة، ولم يعرف بقيمتها سوى اليوم.
تنفس بخشونة ينزع الغطاء عنه، من أجل أن ينهض ويرى ما ينتظره. تناول الهاتف من فوق الكمود المجاور للتخت، يلقي نظرة عليه، ليتفاجأ بعدد المكالمـ.ـا.ت الهائلة عليه، من قبل العملاء وشريكه كارم، ووالدته وزوجته الحبيبة التي تذكرت أخيرًا أن تعطي له أهمية، ولكن للأسف لم يكن متاحًا للرد على أحد، بعد أن انصب اهتمامه بذلك الصغير، فنسي الهاتف وما عليه.
خطر بباله أن يتصل ببهجة ويجيب عليها بنبرة عاتبة، ربما رق قلبها وتنازلت عن ذلك العناد حتى تسمع منه وتتفهم عليه، ولكنه يحتاج أن يطمئن علي والدته ويطمئنها.
ماذا عنها هي أيضًا؟
وما هم بأن يضغط بإصبعه على زر الاتصال حتى تفاجأ بإضاءة الشاشة برقم آخر مختلف، رقم خادmته. ضغط يجيبها على الفور:
الوو يا جوليا… صباحك فل يا ستي، في حاجة؟ مين؟ وجاية كدة ع الصبح تعمل إيه؟ طالعة هنا كمان؟!
هي مين دي اللي طالعة على هنا؟ كان هذا صوت آدm، بعد أن أيقظه صوت شقيقه، ليضطر أن يجيبه:
خالتك يا حبيبي، جاية عشان تشوفك على الساعة تمانية الصبح، لا وكمان عارفة طريق أوضتك.
وما كاد أن ينهيها، حتى فاجأتهما المذكورة بظهورها على مدخل الغرفة:
صباح الخير، إيه ده؟ رياض باشا؟
صباح الخير يا خالتو
جاء رد آدm بوجه مشرق وفرح، الجم شقيقه، ومنعه عن الرد بحدة على جرأتها في أن تأتي في وقت مبكر مثل هذا دون استئذان، أن تخترق خصوصية المنزل، وكأنها من أصحابه.
يبدو أنها هي أيضًا انتبهت لذلك، وقد تضمن حديثها الاعتذار:
صباح الخير يا قلب خالتو، أنا آسفة يا رياض باشا، مكنتش أعرف أنك نايم هنا في أوضة آدm، وأنا كنت جاية أصحيه عشان يفطر من الأكل اللي جايباه وعملاهوله بنفسي.
تلقف آدm دعوتها صارخًا:
عملتيلي الأكل اللي كانت بتعملهولي ماما؟
بنفس الطريقة اللي أنت بتحبها، وبرضه ما يضرش صحتك.
Was yes هتف مهللًا بها بلكنته الإنجليزية، يغلق على رياض أي فرصة في الجدال أو الاعتراض، ليستسلم في الأخير منسحبًا:
تمام أوي، أنا رايح أخد شاور عشان أروح شغلي.
قالها وتحرك لمغادرة الغرفة، نادته بلهفة:
خلص الشاور وإحنا هنستناك تفطر معانا.
آسف، مبفطرش، عن إذنكم. تمتم بها رافضًا عرضها بنبرة جافة، دون حتى أن يلتف برأسه نحوها، لتطالع أثره هي بغـ.ـيظ وتوعد، ثم تتوجه نحو آدm بعد ذلك:
خلاص بقى، يبقى مفاضلش غيرنا أنا وأنت، بسرعة يا بطل اغسل وشك وسنانك عشان نلحق الأكل السخن.
Yes هلل بها مرة أخرى لينهض سريعًا نحو حمام غرفته، وشرعت هي في المغادرة كي تعد الطعام للإفطار، لكنها انتبهت على دوي الهاتف المكتوم، لتفاجأ بهاتف مختلف عن الخاص بابن شقيقتها. علمت بذكاءها أنه الخاص برياض، مضاءة شاشته باسم امرأة:
بهجة. تمتمت بالاسم، تتذكر تلك الفتاة التي لاحت عليها الغيرة الواضحة نحوها بالأمس حينما قابلتها مع رياض أثناء خروجهما من قاعة القصر الذي أقيم فيه الاحتفال.
فالتمعت عيناها بخبث لتضغط على زر فتح المكالمة وتجيبها:
الووو…
…….
الووووو
مين اللي بيتكلم؟ مش دا تليفون رياض؟
أيوة يا أستاذة بهجة باين ولا مدام، هو فعلا بتاع رياض، وأنا نادين اللي بترد عليكي. بس، هو مش فاضي دلوقتي، بياخد شاور.
ننننعم؟
هو بياخد شاور، وإنتِ إيه اللي وصلك لتليفونه أصلا؟
الله، فيه إيه يا آنسة؟ دا جزائي أني برد عليكي وأطمّنك، رياض باشا بياخد شاور وبس على كده. حضرتك لو عايزة تكلميه يبقى انتظري بقى شوية على ما يخرج، عن إذنك بقى.
ختمت تنهي سريعًا، ثم تبسمت بملء فمها، غير عابئة بوضع المسكينة في الجهة الأخرى، ولا بوقع الكلمـ.ـا.ت الموحية وأثرها عليها من نتائج كارثية.
❈-❈-❈
لم يمضِ الكثير من الوقت، تقريبًا مسافة الطريق التي قطعته بهجة بعد إنهاء المكالمة مع تلك الأفعى، فلم تشعر بنفسها إلا وهي ترتدي ملابسها، وتنزل سريعًا، كي تستقل أقرب سيارة أجرة أتت بها إلى هنا، في هذا المنزل، الذي قد وعدت نفسها قبل ذلك بعدm دخوله سوى بعد أن تكون امرأته في الإشهار والعلن. أتى عليها الوقت الآن كي تأتي وترى امرأة أخرى به، بل وهي التي فتحت لها، لتظهر الدهشة في مقابلتها على مدخل المنزل:
آاا آنسة باين ولا مدام بهجة، إنتي اللي كلمتيني من شوية صح؟
ردت بهجة بحدة تدفعها من أمامها وتزيحها:
آه يا حبيبتي بهجة، وإنتي بقى تبقي صاحبة البيت صح؟
قالتها بتهكم، والأخرى تدعي التو.جـ.ـع من خلفها:
إيه ده يا آنسة، براحة مش كده؟ هو إنتِ داخلة زريبة حضرتك؟
دلفت بهجة بخطواتها الغاضبة، تنقل عينيها داخل المنزل الذي أصبح فجأة غريبًا عنها، فوقعت أبصارها على جوليا التي رحبت بها:
بهجة حبيبتي، إنتِ رجعتي من تاني، نورتي بيتك يا قلبي.
حبيبتي يا جوليا، ربنا يخليكِ، هو فين رياض؟
قالتها بهجة لتتفاجأ بتعليق الأخرى من خلفها:
بيت مين بالظبط يا جوليا؟ صفتها إيه الأستاذة؟ ومالها برياض بقى عشان تسأل عليه؟
وإنتِ مالك؟ صدرت من بهجة نحوها بحدة، تواصل اختراق المنزل، لتتفاجأ بذلك الفتى الصغير، بصورته المألوفة لها وكأنها ليست المقابلة الأولي لها معه، يتناول طعامه بهدوء، فيوجه السؤال نحوها:
إنتِ مين؟
أجابته بلطف يناقض تمامًا غـــضــــبها منذ قليل:
أنا بهجة يا حبيبي، إنت بقى آدm صح؟ ما شاء الله عليك، بدر منور، تشبه شكل والدك اللي شوفته في الصورة، حقيقي اللي خلف مامتش.
يا ست بهجة بقى؟ ما تنورينا وتقولي إنتِ مين؟ وصفتك إيه بالظبط عشان نبقى إحنا على نور، إيه علاقتك برياض الحكيم عشان تدخلي هجم كده؟
همّت أن تجيبها، فجاء الرد من آدm بعفوية:
أنا عارف صفتها إيه؟ عشان شوفت لها كذا صورة في أوضة رياض، أكيد إنتِ…
Girl friend
إيه؟ هتفت بهجة مستهجنة تفسير الصغير، لتسارع بالتوضيح له:
لا يا حبيبي مش كده طبعًا، أنا أبقى مـ.ـر.اته مش صاحبته، هو فين رياض؟
جاءت نادين لتقف مقابِلًا لها قائلة بتشكك:
بس أنا أعرف إن رياض الحكيم مش متجوز، ولا…
توقفت تشملها بنظرة دونية متابعة:
ولا إنتِ تبقى مـ.ـر.اته في السر.
“اتركني أرحل بلا نـ.ـد.م، دعني أتحرر من قيودك حتى أحيا من جديد. اتركني أسقط حتى أنجو من شرنقتك. لو كان بعدي عنك عـ.ـذ.ابًا، دعني أتذوقه.”
#بهجة
إهداء القارئة الجميلة أم نور أسما
❈-❈-❈
ماذا حدث؟ وما سر هذا الاختفاء المفاجئ؟ لماذا تصر على تجاهله وعدm طمأنته عليها؟ وقبل كل ذلك، ما الذي دعاها لتصل إلى المنزل في غيابه بعد انقطاعها عنه منذ شهور؟
يجزم في داخله أن هناك أمرًا جلل، لكنه لم يعلم كامل الحقيقة حتى يتأكد.
لقد أخبرته تلك الملعونة “نادين” بقصة لم تدخل عقله الواعي، رغم سعادته الوقتية بشكواها من معـ.ـذ.بة قلبه وغيرتها المـ.ـجـ.ـنو.نة نحوها، سبابها وشتمها دون أسباب! هل هذا معقول؟ كيف لها أن تشك وقد علمت بهويتها وصفة قربها من شقيقه؟ ذلك المراوغ الذي تفنن في تضليله حتى لا يدحض قصة خالته ولا يؤكدها في الوقت ذاته.
حتى “جوليا” لم يجد منها إجابة وافية نظرًا لعدm حضورها كامل اللقاء كما قالت. طال الوقت وطال البحث، ولم يعثر عليها حتى الآن.
توقف بسيارته أمام المنزل الذي وصله منذ ساعات بعد علمه بما حدث، لكنه لم يجدها أو يجد من يدله عليها.
دلف داخل الممر الصغير المؤدي إلى درج المنزل، ليصعد إليه، ثم يطرق الباب بأدب دون استخدام المفتاح كما حدث في المرة السابقة.
فتحت الباب تستقبله “عائشة”:
عمو رياض، أنت جيت تاني؟
قبل رأسها وولج معها داخل المنزل ليسألها:
جيت عشان أشوفها رجعت ولا لسه كمان؟
لا للأسف يا باشا، لسه كمان.
قالها “إيهاب” من الداخل يستقبله بوجه متجهم ويستطرد:
والله كان قلبي حاسس إنك السبب في اختفائها المفاجئ، اللي عايز أفهمه بس، إيه فايدة إنك تسيبها معلقة في حبالك تتعـ.ـذ.ب؟ ما تسيبها في حالها بقى وخليها تعيش! ده حتى حـ.ـر.ام عليك يا أخي.
أنا برضو اللي حـ.ـر.ام عليا وأنا كمان اللي معلقها؟!
قالها رياض مشيرًا بسبابته نحو صدره، ثم سحب نفسًا طويلًا وطرده، يستجدي من الله الصبر داخله، قائلًا بعد ذلك:
ممكن تندهلها لو جوا عشان أسوي أموري معاها لو سمحت؟
صاح “إيهاب” يجيبه بانفعال:
ما هي مش موجودة! زهقت من الكل، حتى إحنا
حتى البيت اللي قاعدين فيه مش طيقاه.
تجاوز عن كل ما تفوه به، وقد وقع قلبه خــــوفًا عليها:
أمال راحت فين؟ أنا بقالي ساعات بدور عليها، من ساعة ما رجعت من شغلي! بهجة راحت فين يا بني آدm؟ أنت! ولا هي عملت في نفسها حاجة؟
نبرته الجزعة في السؤال عنها جعلت “جنات” تسارع للتدخل وطمأنته:
ما عملتش حاجة في نفسها والله، هي بس مخـ.ـنـ.ـوقة، وحبت تغيّر جو في مكان ترتاح فيه.
تغيّر جو تروح فين بالضبط؟
بتقولك عايزة ترتاح، يعني كفاية عليك إنك اطمّنت عليها ومتشكرين أوي.
وأنا مش هسكت غير لما أشوفها حالًا دلوقتي.
قالها بحزم وحسم ليجبر “إيهاب” على الانصياع والذهاب معه إلى مكان تواجدها.
❈-❈-❈
تشاجرت، أخذت حقها من تلك الأفعى وشتمتها، ولكن هل هي استراحت الآن؟ لا، للأسف لم يحدث، فالكلمـ.ـا.ت السامة من تلك المرأة ونظرتها الدونية نحوها بقصد تذكيرها بقيمتها كامرأة في الظل، رضيت بالبيع والشراء ثم غلبها العشق و.جـ.ـعلها معلقة في الوسط؛ لا هي بالزوجة التي يفتخر بها زوجها أمام البشر، ولا حتى بالحبيبة السرية بعد أن تمرر حلقها ولم تعد لديها القدرة على المواصلة ك… كعشيقة قبلت بالدور منذ البداية. هذا هو التفسير لحالتها الآن، ولكن إلى هنا انتهى كل شيء. لقد جاءت إلى من تُنصِبه لمساعدتها كي يحسم قرار الفراق الذي للأسف في كل مرة تضعف وتتراجع عن تنفيذه.
دوى صوت جرس المنزل الذي تتواجد به، لتنتبه بعدها بقليل إلى صوته يدوي في قلب المنزل ويصل إليها داخل الغرفة التي انزوت فيها. مسحت بيدها دmـ.ـو.عها الغزيرة لتنتصت وتستمع إلى الحديث الحاد بين معـ.ـذ.ب قلبها وابن عمتها الذي أتت تستنجد به من نفسها الضعيفة.
جِبته ليه معاك يا إيهاب؟ أختك تعبانة ومش حمل مقابلة أي حد النهاردة.
قالها شادي بتهكم فور دخولهما إليه، ليقابل قول الآخر بحدة:
والله أنا جاي لمراتي، ومحدش يقدر يمنعني عنها.
عقب إيهاب على قوله:
أديك شايف بنفسك يا شادي، الباشا مستمـ.ـيـ.ـت فيها، وأنا بصراحة زهقت منه، اتصرف انت معاه بقى، يا تنده لها هي وتخلص الموضوع اللي طول ده.
صاح شادي بحدة:
هي خلاص وكلتني عنها عشان أخلصها ونخلص، لا هي هتشوفك ولا هتستمر في لعب العيال ده تاني.
هدر رياض بغـــضــــب عاصف:
لعب عيال مين؟ هو الجواز فيه لعب عيال؟ ابعد من قدامي يا بني آدm انت، وما تدخلش نفسك في اللي مالكش فيه، سيبني أشوف مراتي.
جاءه رد الآخر بعدm اكتراث:
وأنا بقولك مالكش ستات عندنا، روح يا سعادة الباشا بهيلمانك ده، دور عليها في وسطكم وطبقتكم العالية، إنما اللي هنا دي…
توقف لتعلو نبرته مشـ.ـددًا:
اللي هنا دي تنساها من تاريخك أصلًا، لأن قريب أوي هنخلصها منك، يعني لمّ نفسك وعلى بيتك كده من غير تعب ولا رغي كتير، إحنا ناس بنام من العشا.
وكأنه ضغط على زر اشتعاله بذكر الفراق وإبعادها عنه، ليصيح به:
انت بتقول لمين الكلام ده؟ اصحى وفوق لنفسك واعرف انت بتكلم مين؟ مش أنا اللي يجي واحد زيك ويحكم عليا، روح شوف حالك يا بابا بدل ما أذيك.
رد شادي مستفزًا وهو يميل برأسه متحديًا:
ده على أساس إني في الروضة ولا شاب صغير وعودي طري؟ اعمل ما بدالك يا حبيبي، وبرضو مش هخليك تطول ضفرها تاني.
إلى هنا انفلت زمامه حتى كاد يهجم عليه ويحقق ما يتمناه في هذه اللحظة بتهشيم رأسه ليصمته إلى الأبد، إلا أنه تراجع فجأة برؤيتها، حينما أطلت أمامه خارجة من إحدى الغرف، بوجهها البهي وقد اكتسى بحـ.ـز.ن قبض على قلبه، ليهتف معاتبًا لها:
أنتِ قاعدة جوا وسامعة كل الخناقة؟! بقى يرضيكي اللي بيعمله الزفت ده؟
أومأت بثبات تُحسد عليه:
آه يرضيني، وكل كلمة ولا حكم يحكم به، أنا موافقة عليه.
خرج صوته بصراخ وقد فاض به من عنادها:
وبتقوليها في وشي إنه يفرقنا عن بعض كمان؟! ده مهما كانت معزته، صفته إيه ده عشان يمشي حكمه علينا؟ ما تفوقي نفسك وبطلي جنان بقى… طب جنان بجنان بقى، هتطولي نجوم السما ولا هتطوليها، أنتِ مراتي، وهتفضلي مراتي، سواء كان برضاكي أو من غيره، وأما أشوف الحلو ده هيفرقك إزاي عني؟
توقف يرمقها بنظرة مناقضة تمامًا لكل ما تفوّه به وما أظهره من عجرفة؛ نظرة يفيض منها الألــم وكأنه مذبوح والسكين بيدها هي، يستجديها أن تتوقف عن عنادها، أن تسمعه ويسمعها، لكن يمنعه التعالي والاعتزاز بنفسه أن يعبر عن ذلك بفمه.
ثم، وبدون أي كلمة أخرى، تحرك مغادرًا دون استئذان.
سقطت هي بجــــســ ـدها على الأريكة التي كانت خلفها، وأكملت وصلة البكاء التي لم تنقطع عنها منذ ساعات. اقتربت إليها “صبا” لتشاركها الجلوس على الأريكة وتهون عليها بالكلمـ.ـا.ت:
حبيبتي، براحة شوية على نفسك مش كده، مدام شادي اتصدرلك يبقى أكيد هيلاقي طريقة ويخلصك.
أخلصها من إيه بالظبط؟ مش لما أنا نفسي ما عدتش عارفة إيه اللي يريحها.
تمتم بها المذكور ليجلس مقابلًا لهما مع إيهاب الذي أطرق بصمت وحـ.ـز.ن، وكأنه هو الآخر يشاركه الحيرة. لفتت كلمـ.ـا.ته انتباه بهجة التي رفعت رأسها نحوه بتساؤل تكفلت به زوجته:
جصدك إيه يا شادي؟
أجاب وعيناه على بهجة:
قصدي إني محتار، خايف أقف جنبك وأخلصك منه فعلًا، وبعدها أنـ.ـد.م إني طاوعتك. تمسكه الكبير بيك يدل على حاجة واحدة…
قاطعته بهجة مرددة بانهيار:
وأنا مش عايزة الحاجة دي، لأني وبكل بساطة عارفاها كويس وهي سبب تعبي. ملعون أبو الحب اللي يذل صاحبه، قلبي بقى زي الخرقة المقطعة على مية حتة. أنا هلكت، هلكت من التعب، يا ريتني ما قبلته ده اتفاق، يا ريتني قعدت على حالي ولا كنت قربت منه عشان أفرح لي يومين وبعدها أفضل أتعـ.ـذ.ب بناره، يا ريتني ما قربت منه، يا ريتني ما عرفته أصلًا.
وختمت بنوبة أصعب من البكاء تخبئ بكفيها وجهها، ضاعفت من حـ.ـز.ن الثلاثة وإحساس العجز نحوها، رغم وقوفهم معها ضده، ومع ذلك لا يتمنون لها الفراق.
❈-❈-❈
في لحظة ضعف، وجد نفسه حائرًا بين الماضي وآلامه، ينظر إلى الفراغ الذي تركته، كما لو أن قلبه سقط في بئر عميق لا نهاية له. تخلّت عنه حبيبته كما يتخلّى الربيع عن زهوره بعد أن جفّت، وتركته في العتمة يواجه نفسه. لكنه كان يعلم، رغم كل شيء، أن الهزيمة في الحب ليست النهاية، بل بداية لعهد جديد.
أما عنه، وبعد أن خرج من عندها، شاعرًا بهموم العالم فوق رأسه، مهلهلًا من الداخل، فاقد الشغف، فاقد الحياة، فاقد الطاقة حتى في المواصلة والتعايش مع ما يحدث معه من مصائب.
لم يكن لديه أدنى قدرة على الذهاب إلى المنزل الذي أصبح يتشاركه مع شقيقه، لا يريد أي شيء يذكره الآن بمسؤوليته، فهو في حاجة للتعبير عن احتياجه الآن فقط.
بعث برسالة نصية عبر الهاتف إلى آدm يسمح له بالذهاب اليوم مع خالته بناءً على طلبها، كي يبيت الليلة عندها ويقضي معها الوقت، تلك الأفعى التي لم يعلم حتى الآن ما فعلته مع بهجة لتجعلها بهذا الانكسار وتغلق كل الأبواب أمامها. لكن لا بأس، سوف يكشفها مهما فعلت.
قاد سيارته واتجه إلى منزله مع والدته، ليذهب إلى غرفتها على الفور، حتى إذا طرق باب الغرفة وجدها أمامه جالسة على كرسيها تراجع بعض أوراق الجمعية. دلف إليها وبدون أن يتفوه ببـ.ـنت شفة، جثا جالسًا بركبتيه على الأرض، يبعد الأوراق عن حجرها، ثم يلقي برأسه محلها أمام دهشتها، يحتضنها كطفل صغير يستجدي الحنان.
انخلع قلبها من صدرها لفعلته، لتخلع العوينات الطبية عن عينيها وتسأله بهلع وكفها حط على شعر رأسه:
إيه اللي تاعبك يا حبيبي؟ مالك يا رياض؟
تأوه بضعف شـ.ـديد قائلًا:
تعبان أوي يا ماما ونفسي أرتاح، معدتش قادر ولا متحمل، الدنيا جاية عليا أوي ومش مدياني الفرصة أعيش زي باقي البشر. حتى الست الوحيدة اللي قلبي انفتح لها، هي كمان كرهتني زيها. أنا عايش ليه أساسًا؟ ياريتني روحت مع اللي راح كان أريح.
انتفضت برفض تام لكلمـ.ـا.ته، لتضم رأسه إليها وتقبله مرددة برجاء:
مـ.ـا.تقولش الكلام ده، مـ.ـا.تقولش الكلام ده يا رياض، بعد الشر عليك يا روحي. ليه يا بني تو.جـ.ـع قلبي عليك؟ إيه اللي حصل بالظبط بينك وبين بهجة؟
مش قادر أتكلم، عايز حنانك وبس.
ألــم تسرب بنبرته حتى وصل كنصل حاد إلى قلبها، فزادت من ضمه، تزيح بيدها العبرات التي أصبحت تسيل على خديها قبل أن تصل إليه، تخبره بكل خلية تنبض بجــــســ ـدها:
حناني بس يا رياض؟ دا أنت تاخد قلبي وروحي كمان. هو أنا ليا حد في الدنيا دي كلها غيرك يا حبيبي؟
قابل موافقتها بصمت، ليرخي حصونه وكل الأسلحة التي يقـ.ـا.تل بها طواحين الحياة القاسية، يلقي بهم تحت أقدامها، ويدفن رأسه بحجرها، ليتذوق الحنان الذي فقده منذ سنوات كثيرة، يتلقف الأمان من ضعفها، حتى استسلم وغفت عينيه.
وهي ظلت على نفس الوضع تضمه، لم تشتكِ ولم تتحرك كي لا تزعجه، فغلبها النوم ولم تشعر بنفسها سوى صباحًا حينما اخترق ضوء النهار الغرفة، لتعي على وضعه، فتحاول إيقاظه:
رياض يا قلبي، أنا بقول تقوم تريح على السرير أحسن.
استيقظ بعد عدة محاولات ليرفع رأسه ويحاول تدليك عنقه بتو.جـ.ـع ودهشة:
أااه، أنا نمت هنا إزاي بس؟ وانتي يا ماما مش تصحيني؟ أكيد أنتي كمان تعبتي.
اقتربت تكوب وجهه بين كفيها، تغمره بصدق:
يا قلبي تعبك راحة، أهم حاجة تكون ارتحت.
ابتسامة ضعيفة لاحت على ملامحه الشاحبة وهو يحاول النهوض من جوارها متمتمًا:
منكرش إني ارتحت، رغم إن عضمي اتكـ.ـسر، بس كفاية ريحتك اللي ملت أنفاسي. أنا هروح أخد شاور وأرجع أنام تاني.
يعني مش هتروح شغلك؟
رد يجيبها وهو يسحب قدmيه للخروج من الغرفة:
النهاردة خليته إجازة للنوم وبس، ولما أشبع وأرتاح أبقى أخرج.
تطلعت في أثره بشرود، تبحث عن حل لتلك المشاكل التي تحاوطه. لقد تحمل الكثير وطال صبره، حتى اللحظات السعيدة التي سرقها لنفسه مع من أسرت قلبه، ارتدّت عليه بعـ.ـذ.اب الهجر بعد ذلك. متى يأتي الحل؟ الأمور يوميًا تزداد تعقيدًا، مشاكل وأشخاص يظهرون من العدm،و…
توقفت عند خاطرها تتذكر الطفل شقيقه. كيف يتركه ليلة كاملة وحده؟ أترى نسيه؟ يا إلهي.
انتفضت لتنهض وتحاملت على ألــم ركبتيها الذي أصابها بالتيبس لطول الوقت في جلوسها ورأس ابنها الثقيل عليهما. سارت تمشي كالعرجاء حتى وصلت إلى غرفته، التي وجدتها مفتوحة كعادته، فدلفت كي تستفسر منه:
رياض، مش هتروح عند آدm تتطمن عليه طيب؟ انت سايبه من امبـ.ـارح لوحده؟ أوعي تكون نسيته! يا نهار أسود!
لم تجده لتحصل على إجابة، ولكن وصلها صوت الماء من المرحاض، لتعلم بوجوده في الداخل. شرعت تخرج من الغرفة لتعود إليه بعد ذلك بقليل، ولكن لفت انتباهها شيء ما جعلها تتجمد في مكانها. توسعت عيناها بذهول، حينما وقعت أبصارها على حين غرة داخل الغرفة المخصصة للملابس والأشياء التي تخصه. أصابتها الرهبة أمام هذا الذي بدا أمامها كمصباح ضخم ينير العتمة.
أو هو من تنعكس الإضاءة عليه فتجعله يضيء بروعة وسحر خـ.ـطـ.ـف قلبها، و.جـ.ـعله يتراقص داخلها بحنين. فلم تشعر بنفسها إلا حينما وصل إلى مسامعها صوت غلق باب المرحاض وقدومه من خلفها. فخرج قولها بمشاعر زلزلتها من الداخل:
دا من إمتى هنا يا رياض؟
رد مجيبًا بنبرة يغلب عليها القنوط واليأس:
جيبته معايا وأنا راجع من تركيا.
❈-❈-❈
بعد الصبر، يأتي العوض كنسمة تلامس القلب برقة، تُزيل عنه تعب الانتظار وتغسل روحه. هو الفرج الذي لا يُرى إلا بعد أن يُختبر الإنسان في صبره، كأن الله يختار لحظات العناء ليُعيدنا بها إلى أنفسنا، فيمنحنا من رحم المعاناة أملًا جديدًا. العوض بعد الصبر هو دليل على أن الحياة لا تتركنا في الظلام، وأنه مهما طال الليل، فالصبح آتٍ.
أمام المرآة وقفت تتأمل نفسها، بعد أن ارتدت ملابسها لتتجهز للخروج. عينان منتفختان من كثرة البكاء، بشرة باهتة، وملامح حزينة… اللعنة. إذن عليها وضع القليل من مساحيق التجميل، ربما تنجح في إخفاء هذا الشحوب وآثار الحـ.ـز.ن.
تناولت الفرشاة، تنثر بها القليل من الحمرة على الوجنتين وبعض أجزاء من الوجه. همت لتلون شفتيها، ولكن أوقفها دخول عائشة ونداؤها:
بيبو يا بيبو، في زيارة جاتلك بره.
❈-❈-❈
خرجت من غرفتها لتجد نجوان في انتظارها، جالسة على أحد الأرائك، تستقبلها بابتسامة فاترة تثير الارتياب:
أهلاً يا بهجة، شكلك كنتِ لابسة وخارجة، بس إحنا لسه بدري يعني على ميعاد الجمعية.
اقتربت تُقبلها على جانبي وجهها بخفة وتجيبها:
لا، ما أنا كنت هتصل بيكي وأبلغك إن ممكن أغيب النهارده، أصلي كنت رايحة الجامعة، خلاص بقى الدراسة ابتدت ويدوب ألحق أاا….
قطعت حديثها وقد انصرف ذهنها عن التركيز، شاعرة بشيء ما غير مفهوم:
مالهم دول مبلمين ليه؟
سألتها بإشارة نحو أشقائها الواقفين في محلهم بصمت وسكون، فخاطبتها نجوان قائلة:
اقعدي يا بهجة وانتي تفهمي كل حاجة. وانت، إيهاب، معلش هاتوا هنا لو سمحت.
هو إيه اللي يجيبه؟
تمتمت بها بهجة وهي تتخذ مقعدها على الكرسي المجاور لها، ثم سرعان ما انتفضت بتخمين:
معقول تكوني جايباه معاكي؟ لا، أرجوكِ! أنا حددت قراري امبـ.ـارح ومش عايزة أرجع فيه تاني. رياض لا ينفعني ولا أنفعه.
قابلت نجوان ثورتها بالرفض، تأمرها بهدوء:
اهدي وشوفي الأول أنا قصدي إيه.
قصدك إيه؟
وما كادت تنهي عبـ.ـارتها حتى تفاجأت بشقيقها قادmًا نحوهما بعلبة ضخمة تشبه الحقائب الكبرى. وضعها على الأرض ثم قام بفتحها بتنبيه من نجوان التي ساعدته كذلك، حتى أخرجَا منها ذلك الفستان الأبيض الضخم. رفعه إيهاب أمام أبصارهم، لتظهر تفاصيله بالكامل.
بأكمام من الشيفون المُخرم وصدر مشغول بحبات دقيقة من الألــماس، يمتد منها على الصدر كذلك، ضيق حتى الخصر ثم يتسع بالطبقات المتعددة، بما يشبه ملابس أميرات القرون الوسطى، وبإبهار يفوق الخيال.
كانت تطالعه مشـ.ـدوهة، فاقدة النطق بحال يشبه حال أشقائها، غير أن التفسير جاء من عائشة التي تذكرت شيئًا ما لتسألها:
مش هو دا الفستان اللي كنتِ حاطة صورته على تليفونك يا بهجة؟
استفاقت، تتملك حالها كي تنفي كاذبة، ثم تتوجه بعد ذلك لنجوان:
دي كانت صورة عادية زي أي صورة يا عائشة، المهم بقى، إيه اللي جابه هنا؟
رمقتها نجوان بغـ.ـيظ:
إنتِ لسه برضو مفهمتيش يا بهجة؟ ولا مش عايزة تفهمي؟ الصورة العادية اللي كانت على تليفونك مكانتش عادية، لأن غيرك شافها على تليفونك في مرة من المرات، وفضل مخزنها بعقله، لحد ما لاقاه قصاده في آخر سفرية ليه واشتراه… ليكي.
باستيعاب بطيء، وكأن غباء العالم قد أصابها في هذه اللحظة الفارقة، تردد وعيناها تتنقل ما بين الجميع:
مين اللي اشتراه؟ وغيري دا يبقى مين أصلاً؟
أجابتها جنات بأعين دامعة بالفرح:
يعني هيكون مين بس يا بهجة؟ دي مش محتاجة تفكير يا حبيبتي.
طبعًا هو في غيره، الباشا ابن الباشا.
علقت بها عائشة بلهفة، ليخرج قول إيهاب بإعجاب هو الآخر وعيناه لا تترك الفستان:
بصراحة فاجأني، والله طلع بيفهم.
طبعًا بيفهم يا ولد يا إيهاب، دا شغلته الهدوم والملابس أصلاً، إنت ناسي ولا إيه؟
تفوهت بها نجوان ردًا عليه، قبل أن تجفلها بهجة بصياحها بهم جميعًا:
إنتو بتقولوا إيه كلكم؟ فستان مين ولا باشا إيه؟… إنتو عايزين تجننوني؟
لا يا بهجة، مش عايزين نجننك، إحنا عايزين نفهمك، وكفاية أوي علينا اللي ضاع من العمر.
❈-❈-❈
بعد تعب طويل وصبر لا ينتهي، يأتي الوصال كأنّه شفاء للروح. لحظة تلتقي فيها الأرواح بعد أن مرّت بكلّ ما يكـ.ـسرها، فتكتشف أن كل لحظة ألــم كانت تستحق هذا اللقاء.
داخل غرفة مكتبه، حيث كان يعمل على بعض الملفات العاجلة مجبرًا رغم أخذه إجازة من أجل أن يريح عقله من كل شيء اليوم، يرتشف من فنجان قهوته منهمكًا بتركيز شـ.ـديد، ليجفل على حين غرة باندفاع الباب أمامه بقوة فيجدها أمامه تلج إلى داخل الغرفة، بهيئة عاصفة كالإعصار، ثم تلقي بالعلبة الكبيرة بالفستان أمامه، بوجه مشتعل بالحمرة القانية وزمردتيها تشعان بالشرر نحوه، وكأنها على وشك الفتك به.
لينهض من محله حتى يقف مقابلا له سائلًا بعدm فهم:
إيه في إيه؟ هو الفستان مش عاجبك؟
وكأن بسؤاله البسيط ضغط على زر الانفجار لتصرخ به وتضـ.ـر.به بقبضتيها على صدره:
عاجبني؟ وليك عين تسأل يا بـ.ـارد؟ ليك عين تسأل كمان.
استطاع السيطرة على جموحها، ممسكًا بقبضتيها داخل يده الكبيرة يهادنها بحزم:
اهدئي طيب وفهميني، ليه العصبية والانفعال ده كله؟
بعد أن منعها، صار صراخها يعلو أكثر:
ما هو كله منك، أنت السبب، هتدخلني سراية المجانين بعمايلك… والله لو اتجننت هتبقى أنت السبب، أنت السبب يا رياض.
وختمت تعود للبكاء مرة أخرى، فما كان منه إلا أن ضم رأسها إلى صدره، يسيطر على جــــســ ـدها بذراعيه وليتحرك بها حتى أجلسها معه على الأريكة الجانبية بالغرفة، يتركها تبكي حتى تهدأ قليلًا، فيشاكسها قائلًا:
مكنتش أعرف إنك شرسة كده، بقى كل الخناق والضـ.ـر.ب ده عشان فستان؟!
توقفت عن البكاء على الفور حينما استفزها بكلمـ.ـا.ته، لترفع رأسها إليه، تعقب على قوله بحنق:
هو الموضوع في الفستان؟ الموضوع فيك أنت، أنت اللي ساكت وكتوم وبـ.ـارد.
برقت عينيه بإجفال ودهشة لقولها:
إيه اللي أنتِ بتقوليه ده يا بهجة؟ ليه يعني؟ ما أنا كان ليَّ ظروفي؟
حتى لو عندك ظروفك برضو تتكلم، مش تسيبني أضـ.ـر.ب أخماس في أسداس طول الوقت، تسيبني في نار الحيرة والظنون، وأنا بمـ.ـو.ت ألف مرة من التفكير، أنت تعبتِ أوي، أوي يا رياض.
تبسم بخفة يذكرها:
ما أنتي كمان طلعتي عيني يا بهجة، ولا نسيتي إنّي حاولت أفهمك لكن إنتِ رفضتي، ده أنا جيتلك لحد البيت وإنتِ تقريبًا طردتيني، ولا ناسية دي كمان؟
لا مش ناسية، بس أنت معرفتنيش بظروفك مع آدm ولا بتعبه الأخير، كنت دايمًا بتحسسني إني على الهامش في حياتك، واحدة وحافظة دورها كويس أوي، اللي ما ينفعش تحيد عنه، ودي صعبة أوي.
بح صوتها في الأخيرة ودmعت عيناها بغصة جـ.ـر.حت حلقه، ليضمها إليه بقوة من خصرها، يشـ.ـدد عليها بذراعيه مرددًا باعتذار:
إنتِ عمرك ما خدتي الدور ده يا بهجة، حتى لما طلبت منك الجواز وجـ.ـر.حتك بشرطي، كان غباء مني عشان أخمد الإحساس اللي في قلبي من ناحيتك، أنا كنت بضحك على نفسي، لدرجة إن كان بيطلع كلام الحب من قلبي يترجمه لساني من غير ما أقصد، وأظن إنه كان بيوصلك حتى ولو على غير إرادتي.
ما هو ده تعبني وضعفني معاك، إني عارفة ومتأكدة من حبك، لكن جارحني نكرانك، كأنك مكسوف ولا مستعر.
خلاص يا بهجة.
تمتم بها يهزها معنفًا بخفة حتى لا تكررها، ليردف بحزم:
اللي جاي كله في النور، اللي جاي كله تعويض عن اللي فات، هعملك كل اللي إنتِ عايزاه، كل اللي تحلمي بيه.
نزعت نفسها من ضمته، كي ترى صدقه جليًا في بندقيتيه، ومع ذلك تريد مزيدًا من التأكيد:
بتتكلم جد يا رياض، يعني هتقدmني لقرايبك حتى لو كانت… بهبرة شوكت؟
ضحك يقرصها من وجنتيها:
أنا فعلاً قولت لبهيرة في الحفلة، يا خسارة، ما شوفتيش رد فعلها ولا صدmتها.
❈-❈-❈
في لحظات جنون الحب، يصبح العقل ضيفًا ثانويًا، والقلب هو الحاكم الأول. تبدأ الأفكار في التمرد، والخيال يندفع دون استئذان. تقول أشياء لم تكن لتقولها أبدًا، وتضحك لأشياء لا تستحق أكثر من ابتسامة صغيرة. جنون الحب لا يعني سوى أنك مستعد للسـ ـخـــريــة من نفسك، لأنك في النهاية تعلم أن ذلك الضحك هو ما يجعل الحياة أكثر جمالًا، وأن هذا الحب المضحك هو ما يجعل قلبك ينبض بحيوية.
داخل السيارة التي دلفت إليها للتو في استعداد للمغادرة والعودة إلى منزلها، كانت على وشك أن تدير المحرك حينما تفاجأت بمن يفتح الباب بغتة وينضم معها، حتى همت أن تصرخ لولا معرفتها بهويته، لتكتم شهقتها واضعة كفها على صدرها مرددة بجزع:
قلبي وقف من الخضة، بقى دي عمايل دكتور عليه القيمة برضو.
صدحت ضحكته في محيط السيارة ينفي لها:
لا، للأسف حظك وقعك وقعة مسخرة…
واقترب برأسه منها مردفًا:
بس معاكي إنتِ بس؟
ارتدت بجــــســ ـدها للخلف قائلة بغـ.ـيظ من أفعاله:
بطل حركاتك دي يا هشام، أنا خلقي ضيق.
وماله، أوسعهولك.
برقت عينيها برفض مطلق لأفعاله، فتابع هو دون أن يعير غـــضــــبها اهتمامًا:
ما هو اسمعي، أما أقولك، تكشري تعيطي، تعملي قرد حتى، أنا واحد فاض بيه من دور الخطوبة المؤقت، أنا عايز خطوبة طبيعية يا صفية، حقوق وواجبات، اللي يشوفك معدية في الشارع يعرف إنك خطيبتي…
ناس مين يا هشام؟دا إنتِ مخليتش حد في المكتب ولا حتى في العمارة اللي المكتب فيها، إلا وعرفتة،
ده حتي عم عصفور السايس، بقى كل ما يكلمني يقولي سلميلي على خطيبك.
تبسم محركًا حاجبه بثقة وزهو:
وماله يا متر، أديكي اتصيتي أهو، خطيبة الدكتور راحت، خطيبة الدكتور جات.
نفحت بحنق شـ.ـديد، حينما لامس ذلك الجزء المعتز بكينونتها، لتظهر له الجانب الغـ.ـبـ.ـي منها كما يحدث كلما يستفزها:
طب إيه رأيك بقى؟ أنا مش عايزاه الشرف ده، ويكفيني دور المحامية اللي أنا عملته لنفسي، أنا في غنى عن أي راجـ.ـل مغــــرور زيك يا هشام، والخطوبة دي مش…
قطعت بشهقة جزعة، حينما اقترب منها فجأة، يلتصق بها بملامح حازمة أرعـ.ـبتها، ولكنها تظاهرت بالشجاعة:
ابعد عني يا هشام، عيب كده.
مش هبعد، عشان غير لما أسمع منك موافقة على خطوبتنا، يا كده يا عملك فعل فاضح في الطريق العام، أنا دكتور نفسي ومـ.ـجـ.ـنو.ن في نفس الوقت.
حاولت أن تفتح باب السيارة الملتصقة به، ولكنه لحق ليمسك بمقبض الباب يمنعها لتصبح محاصرة بين ذراعيه فازداد جزعها:
هشام، إنتِ بتخــــوفني بجد.
لم يرضخ لرجاءها، بل واصل فرض سيطرته:
هتقولي موافقة يا صفية، ولا أقرب وها…
قال الأخيرة واقترب بوجهه حتى كاد أن يقبلها، لتدفعه بكفيها على صدره مرددة:
موافقة… موافقة يخرب بيتك.
ضحك يخفف عنها حصاره ويعود لعبثه:
لا يا أستاذة، امسكي لسانك بقى، ولا إنتِ نسيتي بيتي هيبقى بيتك.
في تلك اللحظة، شعر أن قلبه وقع في قبضة جنونٍ لم يستطع الهروب منه. أمامها، كان كل شيء مختلف، حتى كلمـ.ـا.ته التي كانت تتساقط منه وكأنها نغمة مألوفة تتناغم مع نبضاتها. هي، بكل براءتها وابتسامتها، كانت تملأ الفراغ الذي كان يعتقد أنه لن يشعر به أبدًا. رغم كل شيء، رغم المسافة التي بدأت تتسع بينهما، إلا أنه لم يجد نفسه إلا في تلك اللحظة، يدرك أن الحب، مهما كانت تقلباته، سيظل هو الشيء الذي يربطهما.
أمام المرآة التي تحتل جزءًا كبيرًا من الحائط في غرفة نومه، وقف خلفها يشاهد انعكاس وجهها وقد اعتلى الإشراق والانبهار تعابيرها، في تأمل ذلك العقد الذي يطوف رقبتها البيضاء الجميلة وقد انعكس عليه لون الزمرد في الماسة التي تتدلى منه في الوسط. تردد بعدm استيعاب:
أنا مش مصدقة نفسي، هو اللي أنا لابساه ده بجد؟ هي دي فعلاً ماسة بجد وحق وحقيقي؟
ضحك معقبًا على كلمـ.ـا.تها:
آه يا بهجة، بحق وحقيقي وجد الجد كمان. أنا جايبها حاجة special، الماسة الزمرد بلون عيونك، والخضار الصافي، لون الخضرة اللي شـ.ـدني ليكي من أول مرة شوفتك فيها..
اغمضت عينيها تطرد من صدرها دفعة كبيرة من الهواء المحبوس، لتلتف برأسها إليه تخاطبه بلوم:
والله العظيم حـ.ـر.ام عليك، كان لازم يحصل مصـ يـ بـةعشان تطلع بالمفاجآت اللي هتوقف قلبي دي.
تبسم يغـ.ـيظها بسخريته:
سلامة قلبك يا جميل،
يا روحي. إنتِ ناسية إني جيتلك لحد عندك بالشنطة ورفضتيها، شنطة هدوم تمنها آلاف الدولارات……
آلاف الدولارات ليه إن شاء الله؟ اللي ما في حاجة فيهم عليها القيمة ولا كاملة حتى، كله عريان وفي حتت غريبة، اللي إشي هنا على البطن، ولا اللي على الجمب فوق ال…
توقف تستدرك لخطأها لترفع يدها عن منطقة ما في جــــســ ـدها أمام نظرته المتصيدة، بعد أن كشفت نفسها أمامه:
كملي يا حلوة، عرياني فين كمان؟
تلعثمت مسبلة أهدابها عنه بخجل.
آآه، أهو عرياني وخلاص بقى.
لا حبيبتي ما خلصش. تمتم بالكلمـ.ـا.ت ليقبض على قماش بلوزتها في الأعلى ويُردف بغـ.ـيظ:
يعني فتحتي الشنطة وقيستي وفرزتي، بعد ما نكدتي عليا، طب أعمل إيه فيكِ؟ أعمل فيكِ إيه دلوقتي؟
سارت تترجاه بذهول وعدm استيعاب، لطريقته الجديدة في التعامل معها:
رياض، عيب الطريقة دي على فكرة، إنت ابن أصول ومن عيلة بشوات، سيبني بقى إنت مش قابض على حـ.ـر.امي.
لا يا حبيبتي أنا أمسك على كيفي، والنهاردة بقى ابن شوارع، مش ابن بشوات معاكي يا بهجة، عشان أفش غليلي فيكِ.
تبسمت مستخفة بكلمـ.ـا.ته، لتدفع كفيه:
طب يا عم، بلاش لعب عيال ده إنت حتى مش عارف ترسم الدور.
أنا مش عارف أرسم الدور، تمتم بها، وما كاد ينهيها حتى وجدته يدفعها نحو الجدار خلفها يلصق ظهرها به، وسريعًا رفع ذراعيها لأعلى، يقيدهم بكف واحدة، والكف الأخرى تسيطر على جــــســ ـدها:
إيه رأيك بقى؟ بأنفاس متلاحقة، صارت تناظره بذهول ثم تجيبه:
رأيي في إيه؟ إنت كده قلبت لبلطجي.
ضحكة مكتومة حلت بثغره، ثم تحركت كفه بتسلية تمسح على جــــســ ـدها بجرأة وتعلو ببطيء وتمهل، لتضيف هي:
.لأ ومتـ.ـحـ.ـر.ش كمان، أخلاقك باظت خالص يا بن حكيم. كانت كفه قد وصلت إلى جيدها، ليتوقف عليه، فاقدًا آخر ذرة من تحمله.
وإنتي خليتي فيها حكيم ولا ابن حكيم؟ ثم يصمتها عن الجدال، مبتلعًا اعتراضها بجوفه، ينهل من الشفتين بشوق جارف، وقد ألتفت ذراعيه حول جــــســ ـدها الغض، لا يترك أنشًا واحدًا من بشرتها، ليعوض ما حُرم عليه منذ شهور، لا يترك لها خيارًا للرفض، بل ويجبرها على الاستجابة، فقد اشتاقها بقوة، اشتاق بألــم.
وفي لحظة وجدته يرفعها عن الأرض، متابعًا تهديده:
أنا مش هسيبك النهاردة غير وأنا واخد حقي منك كامل.
ملكت صوتها لتردد باعتراض وهي تحاول النزول:
حق إيه اللي تاخده تاني؟ كفاية كده، أنا عايزة أروح.
لم تكد تنهيها حتى شعرت بسقوطها على فراش التخت، وسقط هو يشرف عليها من علو، مقيدًا يديها:
إيه رأيك وأنتي تحت رحمتي دلوقتي؟ لا سي إيهاب يحوشك عني ولا الغضنفر ابن عمتك يقفلك ضدي.
ضحكة عالية صدرت منها، وقد ذكرها دون قصد بما ينتظره في الأسفل:
طب إنت جيبت سيرتهم ليه دلوقتي…… وختمت تعود للضحك المتواصل حينما استمعت لصوت طرق باب الغرفة، ليعلق هو:
بتضحكي من غير سبب، إنتي عبـ.ـيـ.ـطة يا بـ.ـنتي.
حركت رأسها تشير على باب الغرفة الذي جاء من خارجه نداء الدادة نبوية بإسمه:
يا رياض باشا، في ناس مستنينك تحت مع الست نجوان.
ناس مين؟ تمتم بها، ثم عاد إليها يوجه السؤال:
إنتِ عارفة مين اللي قاعد تحت؟
أومأت بإجابة واضحة، وبضحك مكتوم، جعله يخمن من رأسه مرددًا بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
لا بتهزري، معقول يكون هما فعلاً؟
❈-❈-❈
بعد قليل،
هبط من الطابق، ينزل درجات السلم الضخم، بملابس مهنـ.ـد.مة، وهيئة أنيقة ، وهيبة تناقض تمامًا، ما كانت عليه شخصيته منذ قليل معها، وقد كانت ترافقه النزول هي الأخرى. لكن بوجه اختلف مائة وثمانين درجة عن ما أتت به.
متنعمة بدفء كفه المطبقة على يدها الصغيرة، وكأنه يخشى منها الهرب أو التراجع.
كان في انتظارهما نجوان التي أشرق وجهها برؤية التغير الذي طرأ على الاثنين، وقد تأكدت من صدق ظنها، في الجهة المقابلة كان الاثنان الآخران، شقيقها إيهاب الذي أصبح وديعًا على غير العادة، تاركًا المهمة للفهد الآخر، شادي ابن عمته، والذي تبسم بملأ فمه في استقباله:
رياض باشا، عشان متفتكرش إني بمشي بس في المشاكل، أنا جاي لك برجلي أهو عشان نتفق.
جز على فكه بحنق واضح، ليقترب ويصافحه هو وإيهاب، وقد فهم سبب الزيارة، ليشير لهم بالجلوس قائلاً:
مش محتاجة نقاش يا عم شادي، أنا فهمت بهجة على كل حاجة، هيتعمل لها الفرح اللي هي عايزاه، واللي كان طالبه إيهاب، ولا إيه يا دكتور؟
سمع منه الأخير يوميء بثقة، فقال شادي بابتسامة لم يتخلى عنها:
وماله يا باشا، ناقص بس نتفق على التفاصيل، اهي أهم حاجة التفاصيل.
زفر يجلس مقابلاً لهم، يتنقل بنظرة خاطفة نحو بهجة التي تحولت كطفلة تغمرها السعادة بجوار والدتها، فترتخي دفاعاته ويسلم الراية البيضاء أمام سلطان قلبه الذي يجبره على الخضوع برضا تام:
ماشي يا سيدي، نتفق على التفاصيل.
“تعيش الروح بين متناقضات الحياة، حيث ينبض الأمل من بعيد، وتواجهنا التحديات التي تقف أمامنا كجدران صلبة لا تنكـ.ـسر بسهولة. ولكن، ورغم كل الصعوبات، يظهر دائمًا خيط رفيع من الأمل، ليذكرنا بقدرتنا على التغلب. في كل خطوة نخطوها، نتعلم شيئًا جديدًا عن أنفسنا وعن الحياة. فالفصول تتعـ.ـا.قب، وتختلف أحداثها، ولكن هناك دائمًا دروس مخفية في كل لحظة. ما يجعلنا أقوى هو تمسكنا بالإيمان، والأمل في غدٍ أفضل، مهما كانت الظروف.”
اهداء الادmن الجميلة/ سنا الفردوس
❈-❈-❈
بوق السيارة الذي كان يصدح صوته في الخارج دون توقف، بإزعاج أثار استياء إيهاب، الذي كان يستعد للذهاب إلى جامعته، لينفخ بضيق وتأفف وهو يخرج من غرفته مناديًا النجدة:
يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم، حد ينبه صاحبنا يوقف لعب العيال بدل ما أخرج له أنا وأعملها خناقة على أول الصبح.
سارعت بهجة بالتلطيف معه:
أنا مخلصة وجاهزة وخرجـ.ـاله حالًا يا إيهاب، بربط بس شعر عائشة.
ومتربطش هي ليه؟ إيدها مشلولة ولا لسة نوغة؟
قالها بضيق نحو عائشة التي لم تسكت كالعادة:
بعد الشر يا روحي ما أبقى مشلولة، بهجة بتعمللي شعري عشان أنا بحب كده.
حبك برص يا أختي.
صوت استنكار صدر منها عقب تقليده لها بسـ ـخـــريــة امتزجت بغـ.ـيظها، لتتوجه بقولها نحو بهجة التي أصابها التعب من مناكفتِهما، بالإضافة لاستعجال الآخر بعدm رفع يده عن بوق السيارة:
عاجبك كده يا بهجة؟ يعني لما يخرج مني لفظ مش كويس ناحية صاحبنا ده، هيسكت ولا هيلم نفسه ولا هتجيبي انتي اللوم عليا.
لا يا قلبي لا عليكِ ولا عليه، أهو خلصت القوطتين زي ما بتحبي.
وختمت بقبلة أعلى رأسها، لتذهب إلى غرفتها سريعًا تتناول حقيبتها، فكادت أن تصطدm بشقيقتها جنات التي كانت خارجة من المطبخ بصينية الشطائر التي أعدتها على عجالة للإفطار، وقد كادت أن تقع منها لولا انتباهها:
حاسبي يا بيبو… لا إخواتك الغلابة ما يلقوش حاجة يفطروا بيها.
طالعتها بأسف حتى همّت أن تتوقف وتسايرها المزاح، لولا الصوت المزعج الذي دوى فجأة، لتنتفض وتتركها نحو طريقها، ثم تخرج في أقل من ثوانٍ تلوّح بكفيها:
طيب أنا ماشية، ولو في أي حاجة اتصلوا عليّ، وانتي يا جنات ما تسيبيش عائشة غير وهي داخلة باب المدرسة.
طب مش هتفطري؟
هتفت بها جنات لتعطيها الرد وهي تخرج من المنزل دون أن تلتفت إليها:
هبقى أفطر في الجمعية. سلام بقى.
سلام.
تمتم بها إيهاب، يتبعها حتى وقف خلف السور الصغير الفاصل بين مدخل المنزل والحديقة في الأسفل، يتبعها بأبصاره حتى وصلت إلى هذا المتعجرف، والذي كان متكئًا على سيارته بخيلاء واعتدل كي يستقبلها بقبلة على جانبي وجهها، قبل أن يلتفت إليه ملوّحًا بكفه. فكان رده ابتسامة صفراء، تظهر المزيد من الحنق لأفعاله.
أما الآخر فبادله بابتسامة سمجة، ثم التف ليأخذ مكانه خلف عجلة القيادة كي يتحرك مغادرًا بشقيقته، ليعقب إيهاب في أثره:
ده مكانش أسبوعين دول اللي هاخدهم فوق دmاغي، الله يسامحك يا شادي.
❈-❈-❈
أما بداخل السيارة التي كانت تقل الاثنين، كان الحديث الدائر بينهما:
إيهاب كان على تكة واحدة ويخرج يتخانق معاك، أنت كنت مزودها أوي النهاردة يا رياض.
قابل نقدها بعدm اكتراث وتحدي:
ما أنتي لو كنتِ خرجتي من أول مرة رنيت فيها مكنتش أنا زمرت بالغربية ولا عملت قلق.
ضحكت تضـ.ـر.ب كفًا بالآخر بعدm استيعاب:
تعمل قلق عشان بس اتأخرت عليك! يا نهار أبيض يا جدعان! دا كدة إيهاب كان عنده حق لما قال شغّل عيال صغيرة.
مش هو اللي اتشرط وعَاند معايا بالاتفاق مع الغضنفر ابن عمته، وخلاه يأجل فرحنا أسبوعين،خليه بقي ينفعه.
سمعت تردد من خلفه بدهشة لا تتوقف، كلما لمست منه ذلك الجانب الصبياني الذي كان متخفيًا خلف ستار الوقار والجمود:
قلت بنفسك أسبوعين يا حبيبي، أسبوعين يعني يخلصوا في غمضة عين يا رياض، بس أنت قلبك أسود، حاططهم في دmاغك مع إنهم ما طلبوش كتير ولا طلبوا أي حاجة صعبة، دول يدوب أسبوعين على قد التجهيزات السريعة كمان
رمقها بنظرة فهمت عليها قائلاً:
بلاش تلاوعي معايا يا بهجة، عشان أنتِ عارفة كويس إني مستعد أستنى شهر ولا شهرين كمان على ما يجهز الفرح اللي أنتِ عايزاه…
بس أكون في بيتك ومعاك!.
أضافت بها على كلمـ.ـا.ته ضاحكة لتضاعف من حنقه، ثم تسارع في التلطيف معه وكأنها تهادن طفلاً صغيراً:
رياض أنا بهزر معاك، بلاش التكشيرة دي الله يخليك، دا إحنا حتى لسه في أول الصبح.
بلاش تقولي الكلام دا عشان أنا على آخري.
حاضر.
تمتمت بها بطاعة وابتسامة رائعة تزين محياها، حتى كاد هو الآخر أن يفعل ولكنه استطاع رسم الجمود،
لتعود مردفة:
طب أنت علي كدة تنساني خالص بقى النهارده، يا تستنى أتصِل أنا بيك بالليل، عشان هخرج بدري من الجمعية أروح على صفية أجهز معاها وأقف جنبها في كتب كتابها، زي ما هي وقفت جنبي.
نطقت الأخيرة بغصة مريرة شعر بها هو الآخر، يتذكر الفرق الشاسع بين الاثنين، ليعود بذهنه لتلك المشاجرة الأخيرة التي كادت أن تنهي ما بينهما على الإطـ.ـلا.ق:
مش ناوية تحكيلي بقى عن خناقتك مع اللي اسمها نادين؟ اطمني مش هأذيها، أنا بس عايز أعرف هي قالت لك إيه؟
تبدلت ملامحها من العبث والشقاوة إلى حـ.ـز.ن، وانكمش حاجباها بضيق شـ.ـديد تعيد الرفض:
وإيه لزوم إني أقول ولا أعيد، خلاص اللي حصل حصل وأنا نسيته، دول آخرهم كلمتين ماسخين زيها، المهم بس تلم نفسها، وتخف وتبطل تاخد آدm حجتها.
إن كان عليها، أنا إن شاء الله هلاقيلها صرفة، المهم أنتِ، أنتي فعلاً شايفاهم كلمتين مش مستاهلين، ولا نسيتيهم؟ ع العموم حاضر يا بهجة، أنا مش هزن تاني، وهانتظرك برضو تيجي تقوليلي بنفسك… لما تفتكري.
لما أفتكر.
تفوهت بها وكأنها لا تبالي أو هي بالفعل لا تذكر، لكن رأسها يستعيد كل ما حدث…
، من بداية دخولها المنزل والقاء بها، ثم التعرف على آدm وذلك الحديث الذي دار بينهم، عقب التلميح السافر من الأخرى.
أفنـ.ـد.م، وانتي مالك بقى إن كنت مـ.ـر.اته في السر ولا في العلن؟ هو فين رياض أصلاً؟ يا رياااض.
وتحركت أقدامها للصعود مواصلة النداء باسمه، والأخرى لحقت بها، حتى دلفت داخل غرفة نومه:
رياض انت فين؟
مش موجود يا حلوة،
بقي دا كله دا ولسه مفهمتيش؟
تفوهت نادين بهذه الكلمـ.ـا.ت مستندة بكتفها على إطار المدخل، تتابع بمكر:
الباشا أخد دش ولقمة ع السريع، وبعدها لبس وراح شغله، أمال بقى عاملة نفسك مـ.ـر.اته إزاي وانتي حتى ما ت عـ.ـر.فيش خط سيره.
كانت تنتقي كلمـ.ـا.تها بذكاء شـ.ـديد حتى تصيب هدفها بقلب بهجة التي اشتعلت زمردتيها بغـــضــــب عاصف، لتهتف ردًا عليها:
مش واخدة بالك إنك مزوداها بتلميحاتك المستفزة، أنا مـ.ـر.اته ولا مش مـ.ـر.اته، أعرف خط سيره ولا ما أعرفش، انتي مالك؟ انتي آخرك هنا تشوفي ابن أختك بكل أدب وبعدها تروحي، مش تردي على تليفون صاحب البيت وتبرطعي في غيابه ولا كأنه بيتك.
برقت عينيها تدعي الدهشة لتسخر ضاربة بيدها على صدرها:
يا لهوي، وكمان بتتشرطي عليا، دا على أساس إنك صاحبة البيت فعلاً.
توقفت تقرب وجهها منها متابعة بفحيح:
ما تزعليش مني، أصل انتي لو صحيح مالية مركزك بجوازة على حق من الباشا اللي معلق صورك في أوضته، كان أكيد أول واحد هيعرف يبقى آدm ابن أختي، ما كنتش أنا هاجي ألاقي مكانك خالي في بيتك، ما كنتيش هترني على الجرس عشان أنا اللي جوا البيت أفتح لك تدخلي.
تشعر بسم الكلمـ.ـا.ت يخترق جدار كرامتها، هذه الملعونة تغرز أظافرها بكل قسوة داخل الجروح المفتوحة، دون رحمة، ليحل بها صمت مطبق تستمتع لصوت الواقع المرير من فم تلك المرأة.
سكوتك ده يا بهجة يأكد فعلاً إني بقول كلام صح، على العموم رياض باشا حبوب وزي القمر، دا غير إنه قاعد لوحده وشيء طبيعي يحتاج لواحدة ست على ما ربنا يفرجها عليه ويلاقى بـ.ـنت الأصول اللي تليق بيه، ويتشرف بيها قدام الخلق، أنا لو منك أمسك في الفرصة بإيدي وسناني، حتى لو طلب مني جوازة في السر أو… شكلكم ضاربين ورقتين  عـ.ـر.في صح؟
سمعت بهجة بالأخيرة لتستفيق من سباتها وكأنها قد تلقت صفعة، لتزأر كـ.ـلـ.ـبوة شرسة نحوها:
الورقة ال عـ.ـر.في اتعملت لأشكالك يا حـ.ـيو.انة، ما هو واحدة بدنو أخلاقك دي، شيء طبيعي تفكر كل الناس زيها، أوعي من قدامي يا حقيرة يا منحلة أوعي.
ورفعت قبضتيها تضـ.ـر.بها على صدرها حتى ابتعدت من أمامها تتأوه بتو.جـ.ـع ووعيد:
آآآه، وبتضـ.ـر.بيني كمان، طب وربي المعبود لا أكون قايلة للباشا اللي خلاكي عيشتي الدور وافتكرتي نفسك ست بحق، وربنا مانا ساكتة على الإهانة دي.
تركتها بهجة تهذي بالوعيد والسباب عليها، دون أن تلتفت برأسها حتى نحوها، فقد كانت بحالة من الانهيار، تنتظر فقط الإشارة للوقوع، لتواصل طريقها نحو الخروج من المنزل، مقررة إنهاء كل شيء، لتطوي الصفحة كاملة بلا عودة، وحتى لا تتراجع أو تضعف قررت الذهاب إلى ابن عمتها شادي لتوكله بتلك المهمة، مهمة إنهاء هذا الأمر.
بهجة انتي نمتي؟
وصلها الصوت الرخيم لينتشلها من تلك اللحظات المو.جـ.ـعة، تتأمل ملامحه الجميلة الجادة وهو يقود السيارة بولَهٍ وعشق.
بعد أن تبدل قدرها في لحظات وفرحتها الكبيرة بالاقتران به باتت على وشك الحدوث.
❈-❈-❈
داخل المصنع
كان يسير بخطواته المتسعة داخل الطابق الذي يضم مكتبه، ليمر في البداية على مكتب السكرتيرة الجديدة، والتي انتقاها بجدية كي تحل محل لورا، تلك الفتاة التي كانت ممتازة في كل شيء، وكان عيبها الشـ.ـديد هو رغبتها الغـ.ـبـ.ـية في الارتباط به، وتدبير المؤامرات لذلك، حتى ذهبت تحمل جـ.ـر.حًا بقلبها حينما علمت أنه لا فائدة مرجوة منه.
ألقى بالتحية نحو الفتاة قبل أن يصل لغرفته:
صباح الخير يا منيرة.
صباح الخير يا فنـ.ـد.م، أستاذ كارم في انتظارك جوا بقاله فترة.
أجابت بها الفتاة ليقطب حاجبيه باستغراب حتى دلف إليه داخل المكتب، متحدثًا بمرح:
فاجأتني يا كارم والله بحضورك، مش بعادة يعني تيجي بدري كده؟
ضحك المذكور، يلملم في الأوراق التي كان يراجعها، لينهض عن كرسي المكتب، يجاريه ويقابله في الجلسة على الأريكة الجانبية في الغرفة:
طب أعملك إيه؟ وانت مقضيها دلع من دلوقتي، حتى قبل ما تعمل فرحك ولا تروح شهر العسل. أنا بحاول من دلوقتي يا برنس عشان ما اتزنقش لما تسافر انت، وأشيل لوحدي.
رمقه بإعجاب مرددًا خلفه:
والله انت اللي برنس، مفيش حاجة تفوتك أبدًا. عارف يا كارم، أنا لو معايا كام واحد زيك كده أسيطر على سوق الشرق الأوسط كله.
عقب كارم بتحفيز:
يا باشا هيحصل بإذن الله، بس الحكاية محتاجة شوية وقت مش أكتر. المهم، انت أخبـ.ـارك إيه؟ وأخبـ.ـار فرحك اللي قرب؟ وقبل كل حاجة أنا عايز أعرف منك، انت ناوي تعمل إيه مع آدm؟ هتسيبه مع خالته، ولا الست الوالدة هتتكفل بيه؟
أسئلة مهمة، تلك التي طرحها وقد كانت هذه الأسئلة أيضًا هي ما تشعل رأس الآخر، ليتنهد بتعب قائلًا:
والله ما أنا عارف أقولك إيه؟ والدتي، انت عارف طبعًا مفيش أحن منها، بس أنا مش عايز أفرض آدm عليها نظرًا لصعوبة الوضع. صفة الشبه الشـ.ـديد اللي بتجمع بين آدm والسيد الوالد، ممكن تبقى عامل هايل وممكن تبقى بشكل سيئ، خصوصًا وهو بيمثل لها كل الذكريات السيئة. ومن الناحية التانية، الزفتة نادين اللي لازقة للولد وبتعلقه بيها، أنا شايف إنها هتبقى سبب كبير في وجود مشاكل بيني وبين بهجة. لذلك أنا محتار أعمل إيه معاها، نفسي أديها على دmاغها وفي نفس الوقت خايف أخسر آدm لو منعته عنها أو هي نفخت في دmاغه ناحيتي. أنا خدت المغرز ده قبل كده يا كارم من أختها، وخسرت أبويا. مش عايز كمان يتكرر وأخسر أخويا.
أممم.
تمتم بها الأخير بتفكير متعمق، بتفهم شـ.ـديد لتلك المعضلة التي يقع بها شريكه وصديقه، حتى اهتدى إلى فكرة ما:
عارف يا رياض، اللي زي نادين دي حلها إيه؟
لايمني عليه الحل ده الله يخليك.
قابل كارم رجاء صديقه بنبرة مطمئنة:
لا، أنا مش هلايمك عليه دلوقتي. أمخمخ بس وأرتبها في دmاغي وأقولك عليه، أو أفاجئك أحسن.
❈-❈-❈
بداخل إحدى المقاهي الشعبية التي أصبحت ترتادها معه، وفي تعمق لتلك العلاقة أو الصداقة التي تجمعهما منذ فترة، تستمتع بالجديد عليها في كل شيء معه.
تحبوا تشربوا إيه يا بهوات؟
توجه بها النادل نحوهما مرحبًا بهما بحبور،
بإبتسامة ودودة، ردت تسبقه لورا بالإجابة:
أول حاجة عايزة شيشة…
قاطعها سامر معقبًا بدهشة:
إيه شيشة! شيشة يا بـ.ـنت الحسب والنسب؟
ضحكت تومئ برأسها، متابعة مع النادل:
وواحد قهوة كمان، عايزة أجرب قهوتكم.
من عنينا الجوز يا هانم، أحلى شيشة وأحلى قهوة. وانت يا باشا؟
تبسم سامر متفكهًا في إجابة النادل:
يعني هي هتطلب شيشة وأنا هطلب ليمون مثلًا؟ نزل زيها يا عم الحج، شيشة وقهوة،ولا أقولك شاي ، عشان شارب قهوة كتير النهارده.
من عيوني.
قالها النادل بابتسامة، ليذهب بحماسه أمامه، فتعلق لورا في أثره:
عاجبني أوي الحماس اللي بيتكلم بيه، ولا الحيوية في المكان كله، حاجة كده بتنبض بالحياة وصخب المدينة، أنا بفرح أوي بالأماكن دي. مرسي أوي سامر.
توجهت بالأخيرة بامتنان نحوه، لتثير بفمه ابتسامة عابثة:
افضلي كده أشكري وفخمي فيا على مشاوير تافهة أنا بعملها كل يوم، يا بـ.ـنتي محسساني إنك جاية من القمر.
استجابت بضحكة رقيقة في ردها له:
ماشي يا سامر، اتريق عليا براحتك. بس اللي أنت شايفه تافه ده، في غيرك شايفه حاجة مهمة وكبيرة أوي. واحدة زيي طول عمرها متعودة على الوحدة وشايفة إن دي الحياة الطبيعية. شيء طبيعي لما تختلط وتشوف الواقع بمنظور تاني تبقى تحب الزحمة والإزعاج. يمكن أكون ببالغ، بس أنا بعبر عن اللي حاسة بيه.
رمقها بصمت وتأثر، لعلمه الأكيد أنها تصيب الحقيقة دائمًا، وكم يسعده ذكرها لكل ما تشعر به أمامه دون خجل أو مواربة. ولكنه أيضًا لا يريد الوقوف عند هذه النقطة، يطمع في المزيد من القرب، وكيف تأتيه الجرأة لذلك.
سرحان في إيه يا عم؟
أفاق من شروده على طرطقة بأصبعيها أمام وجهه، ليستجيب مبتسمًا لفعلها:
يا ستي وما أَسْرَح على كيفي، هو انتي مراتي؟
وكأنها فهمت تلميحه المبطن، لاح الخجل على محياها لتردد باضطراب، وضح جليًا في قولها:
لا يا سيدي، لا سمح لها. أسرح براحتك. المهم استعجلنا الولد اللي أخد الطلبات يجيب الشيشة. ولا أنده أنا… جرسون! فين اللي طلبناه؟
❈-❈-❈
داخل منزل خميس، حيث كان يتولى اليوم مهمة تصليح غسالة الملابس، حتى لا يدخل المنزل رجل غريب في غياب رجـ.ـاله، ونظراته لا تكف عن العبث نحو تلك التي كانت تتعمد الميوعة أمامه، رغم ادعائها التجاهل والعبوس، تتركه لوالدتها تأكل رأسه بالثرثرة بأحاديث لا تتوقف، وهي تشعل رأسه بالذهاب والإياب أمام عينيه المتصيدة.
الخـ.ـا.ين الدون، نسي عشرة العمر وراح لواحدة قد عياله يتجوزها وتلهف منه فلوسه. الفلوس اللي تعبت وشقيت فيها معاه! بقى دي جزاتي؟ دي جزاتي يا طلال يا بني؟
معلش يا حمـ.ـا.تي، بكرة ربنا يهديه ويرجعلك لما يعرف قيمتك.
تمتم يراضيها بها على مضض، رغم عدm اقتناعه، وهي تواصل ادعاء المظلومية:
دا حتى سؤال بطل يسأل علينا، ولا يشوف محتاجين إيه؟ والعيال على حطة يدك، كل واحد ليه دنيته. اللي مـ.ـر.اته شغلاه بعيا ابنها، واللي طالع على رأسه بيلف ورا بـ.ـنت البهوات. وأما أقوله اتجوزها، يقولي أنا فين وهي فين؟
طب لما هو كده ماشي معاها ليه طيب؟!
أكيد هو أدرى يا حمـ.ـا.تي، ومدام مستريح يبقى إحنا ما يلزمناش نتدخل في خصوصياته.
قالها يلقي إحدى الأدوات التي يعمل بها على الأرض بضيق، لتقع أبصاره على الأصابع المطلية خارج الخُف البيتي، والأقدام البيضاء المكشوفة منه أسفل العباءة الضيقة، والتي لا يمل من تحديد تفاصيلها كلما رآها، وقد أتت الآن بحجة جديدة:
الشاي يا مّا زي ما طلبتي… ليكي انتي والمعلم.
تبطأت في الأخيرة لتثير بزاوية فمه ابتسامة كسولة في متابعتها والرد عليها:
من إيد ما نعدmها يا سامية.
حطيه هنا يا بت.
قالتها درية تشير على المقعد البلاستيكي القريب من مدخل الحمام، حيث كانت جالسة بالقرب منه، تردف بأمر:
روحي كملي طبيخك.
وانتي بقى اللي هتفضلي قعدالي؟
صدرت منه نحو درية بسخط، يجفلها بحدته حينما لم تستوعب الأولى:
ما تقومي يا حمـ.ـا.تي شوفي انتي الطبيخ اللي وراكي، ولا هتفضلي اليوم كله موقفة حالك قصادي؟
أنا يا بني؟
أمال أمي يعني؟ قومي، وأنا لما أحتاج حاجة هبقى أندهلك.
أومأت رأسها بصدmة تزعن لأمره:
حاضر يا بني، حاضر.
وذهبت من أمامه، ليتوجه هو بأبصاره نحو خطيبته أو زوجته المستقبلية، يأمرها هي الأخرى:
وانتي تعالي دخلي الغسالة دي جوا الحمام.
تخصرت باعتراض تقارعه بغرض استفزازه:
ليه بقى إن شاء الله؟ المعلم ما يقدرش يحركها، ولا يدخلها لوحده؟
قلد طريقتها بتسلية يميل ويتخصر هو الآخر:
لا، مقدرش أحركها يا سنيورة… حاكم تعبان، دا غير إن أعصابي سايبة، ورجليا شايلاني بالعافـ.ـية.
وصلها المغزى الذي يقصده، ولكنها ادعت عدm الفهم، تزيد بمصمصة شفتيها:
أما دي حكاية والله! صعبت عليا يا معلم شيكاغو. على العموم أنا هساعدك عشان تعبك معانا في التصليح وتعطيلك عن مصالحك.
قالتها وتحركت أمامه لتساعد بتحريك الغسالة، فعقب هو يتأملها عن قرب بجرأة:
تسلمي يا غالية صاحبة واجب.
أبصر منها ابتسامة تحاول إخفاءها، ليتنشي داخله في متابعتها وهي تحرك الغسالة الثقيلة، يشجعها بضمير:
براحة، براااحة يا سامية. على أقل من مهلك خالص، لا دراعك ينخلع، ولا ضهرك… يحصل فيه طقطقة.
استقامت تطالعه بتحدي:
لا، متخفش. أنا شـ.ـديدة وعفية أوي يا معلم شيكاغو.
تبسم بوسع فمه قائلًا، وقد أعجبه ردها:
وانتي لو ضعيفة، أنا كنت بصيتلك أصلًا؟ شرسة وقوية، دا اللي عاجبني فيكي.
❈-❈-❈
وبعدين بقى في قلة النوم
واليوم الملخبط ده ،ده
في حد يحب كده من يوم
ويتعلق بكده الله
شاغلني قوي ونسيت اسمي،
وأنا اللي فيه ده جنان رسمي،
شاغلني قوي ونسيت اسمي
وأنا اللي فيه ده جنان رسمي
ثواني ورماني في بحره ومليش في العوم
(وبعدين بقى في قلة النوم (بعدين
(واليوم الملخبط ده (ده
في حد يحب كده من يوم
ويتعلق بكده الله،
تلك الأغنية التي كانت تدوي بصخب على أسماعها، داخل البيت المزدحم عن آخره ببشر تعرفهم وآخرين لا تعرفهم، وهي بداخل غرفتها الآن أمام مرآتها تتأمل نفسها.
هذا يومها، هذا يوم خطوبتها الموعودة لهذا الشخص الغريب عنها، والذي فُرض عليها فرضًا.
تتطلع إلى المرآة بصورتها الجديدة بعد تزيينها ووضع المساحيق على وجهها بحرفية. لطالما كرهت هذه الأشياء لظنها الأكيد أنها لا تليق بها، ولكنها اليوم تشعر أنها مختلفة، جميلة كما سمعت من الجميع. ومع ذلك لا تنكر تـ.ـو.ترها، هذه الخطوة وهذه الأشياء الجديدة، لا تدري كيف ستتعايش معها.
صفية، زهرة جت.
وصلت إلى أسماعها على حين غرة من إحدى شقيقاتها الصغار حينما اقتحمت الغرفة دون استئذان لتجفلها، ثم تركض عائدة كما ذهبت لتضع هي يدها على قلبها متمتمة:
يخرب بيتكِ، خضتيني.
هي مين اللي خضتك يا بـ.ـنت؟
هتفت بها زهرة تلج بمرح إلى شقيقتها، ثم تتقدm نحوها بفرحة طاغية:
مبروك يا سيادة المحامية، مبروك يا روح قلبي.
قابلت غمرتها باحتياج شـ.ـديد، وكأنها كانت تبحث عن شيء ضائع ووجدته الآن:
حبيبتي يا زهرة، أنا كنت مشتاقالك أوي.
شعرت الأخيرة بـ.ـارتجافها، لتنزع نفسها عنها، ثم تمسك كفها وتجس حرارتها لتصيح بها بدهشة:
إيه يا بـ.ـنت؟ إيدك متلجة كده ليه؟ دي خطوبة مش د.خـ.ـلة يا منيـ.ـلـ.ـة.
وكتب كتاب، ولا نسيتي أن أبوكي ورطني وقبِل باقتراح الزفت خطيبي؟
قالتها بنبرة ساخطة تُظهر احتجاجها الشـ.ـديد، مما ضاعف من تسلية زهرة التي سخرت تمازحها:
زفت من دلوقتي يا أستاذة؟ أمال بعد الجواز هيبقى إيه؟ هتقطعوا بعض بقى.
عبست صفية تترك يدها لتجلس على مقعدها ببؤس مرددة بإقرار:
ممكن، ليه لأ؟ أنا حاسة إنه ممكن يحصل. صدقيني لما تشوفيه أو تتكلمي معاه أكيد هيوصلك الإحساس ده.
سمعت منها لتصدح ضحكاتها معقبة على قولها بذهول:
طب وربنا أنا اشتقت أشوفه من كلامك. ده شكله عريس عسل اللي مبرجلك ومجننك يا سيادة المحامية.
أنا محدش يقدر يبرجلني ولا يجنني، خلي بالك من كلامك يا زهرة.
هتفت بها بانفعال ضاعف من دهشة شقيقتها، وجاء التساؤل من بهجة التي دلفت الغرفة لتنضم معهما:
إيه في إيه؟ صوتك جايب آخر الشارع يا بت… إيه ده؟ زهرة؟
قالتها لتَركض نحو المذكورة، والتي قابلتها بلهفة، يتبادلان الأحاديث الودية والأسئلة الروتينية حتى انشغلتا عنها.
وصلتني دعوة فرحك يا بت يا بهجة. وديني لحضر أنا وجوزي وولادي ونطفش طنط بهيرة، سمعت إنها خالة عريسك.
آه، هي فعلاً خالة رياض، بس واضح إنك بتحبيها أوي يا زهرة.
أوووي! مش قادرة أوصفلك بصراحة. أصلها ست في منتهى التواضع والرقة والذوق.
عارفاهم أنا الرقة والذوق دول ومجرباهم.
قالتها بهجة في استجابة واضحة لسـ ـخـــريــة زهرة التي كادت أن تتابع مزاحها لولا صيحة صفية:
خلاص لقيتوا نفسكم في الرغي مع بعض وأنا العروسة بقى اتفلق، اتفلق أنا بقى…
قطعت ترهف السمع متابعة:
إيه الصوت ده؟ ده جاي من برا صح، مش من بيتنا؟
الحقي يا صفية شوفي عريسك عاملك تحت إيه في الشارع.
صدحت والدتها بالكلمـ.ـا.ت وهي تدلف إليهن بلهفة لتقودهن نحو النافذة:
تعالي يا زهرة، تعالي يا بهجة، تعالي يا منيـ.ـلـ.ـة، شوفي عريسك اللي عامل قلبان في الشارع.
قلبااان؟
تمتمت بها لتنضم على الفور بجوارها خلف النافذة، تشاهد منها العرض الاستثنائي لخطيبها المزعوم، وهو يدلف المنطقة على أقدامه والسيارات تسير من خلفه، بصحبة عدد من الرجـ.ـال أصدقائه والدخان الملون حولهما في أجواء مبهجة تلفت أبصار جميع من يشاهدها. يمسك بباقة الزهور يلوح لها بقبلة في الهواء وأصوات الزغاريد من النساء كتحية لهم، تستمر بلا توقف، لتردد هي ببؤس:
يا ابن المـ.ـجـ.ـنو.نة، دي زفة دي ولا فـ.ـضـ.ـيحة؟
❈-❈-❈
بعد قليل
خرجت أخيراً من غرفتها بخطوات بطيئة وحياء غلب عنادها وتلك الروح المتمردة التي تشهرها أمام الجميع، برفقة بهجة التي كانت تشجعها وزهرة شقيقتها الكبرى التي تركت لعفويتها العنان في التعبير عن فرحتها بشقيقتها، تهلل وتطلق الزغاريد بصوت عالٍ تنافس السيدات المخضرمـ.ـا.ت في هذا الشأن.
ولماذا قد تعطي بالاً لأحد؟ وزوجها حبيبها يرحب فرحاً بأفعالها، وقد كان حاضراً هو الآخر ليحضر عقد قران شقيقتها الصغرى.
كانت الصالة ممتلئة بعدد الحضور المقربين من العائلتين، أهل العريس من والديه وإخوته وعدد من الأصدقاء.
بضيافة أهل العروس المتمثلة في والديها وخالد الذي كان شاهداً اليوم وزوجته المحامية نوال قدوتها هي وبهجة، أما رقية فقد أشرق وجهها فور انتباهها لها، ففتحت ذراعيها بدعوة صادقة تلقفتها صفية لترتمي في حـ.ـضـ.ـنها، فاطلقت الأولى كلمـ.ـا.تها بتهليل:
يا ألف هنا يا ولاد، البت المفعوصة كبرت وبقت عروسة.
الله يسامحك يا رقية، كل ده ومفعوصة؟ قالتها صفية ضاحكة وهي تغادر حـ.ـضـ.ـنها بصعوبة لتتلفت، ثم تصافح على خجل باقي الحضور حتى استقرت في مكانها لتجلس بجوار عريسها المستقبلي، والذي كان ملتزماً الأدب أمام الجميع، ومعها هي أيضاً، غير تلك الجملة المبهمة التي همس بها بصوت خفيض في أذنها أثناء بدء رجل الدين في مراسم عقد القران:
خليكي جاهزة أول ما يخلص المأذون على طول.
جاهزة لإيه بالضبط؟ قالتها بعدm فهم، ولم تعِ لبلاهتها أو تفهم مقصده، حتى حينما غمّز بعينه بحرص لم يلحظه إلا القليل، لتمر لحظات عقد القران سريعاً، وتوقع هي إمضاءها على العقد الذي يربطها به، حتى إذا انتهوا أطلقت زغاريد عالية من بعض النساء، نهض هو من مكانه واقترب منها، وعلي حين غرة وجدته يجذب كفها التي امتدت لتصافحه، اعتقدت أنه قد جاء ليصافحها ويبـ.ـارك لها، لكنه ضمها إلى صدره واحتضنها بجرأة جعلتها تشهق مجفلة لفعلته، فكان رده بثبات:
اهدي يا أستاذة، أنتي خلاص بقيتي عروستي على سنة الله ورسوله، أبوكي نفسه ما يقدرش يمنعني.
بـ.ـارتجاف حاولت بصعوبة السيطرة عليه:
ابعد الله يخرب بيتك، إيه اللي بتعمله ده؟ يا دي الفضايح.
لم يسمع لها واستمر مشـ.ـدداً عليها بين ذراعيه:
اهدي يا أستاذة، لا يطلع منظرك وحش قدام اللي بيصوروا.
قصد بالأخيرة الفتيات الصغيرات واللواتي تفننَّ بكاميرات الهواتف الخلابة لتسجيل المشهد الرومانسي بحالمية ارتسمت على وجوههن، وسط ترحيب العديد من الحضور، ليزيد من صعوبة الأمر عليها، وقد استغل الزخم أفضل استغلال، حتى تركها، وتأمل ملامحها التي لونها الأحمر القاني رغم وجود المساحيق التجميلية، وذلك نتيجة خجلها، حتى إنها لم تكن قادرة على مواجهة عينيه رغم غـــضــــبها الشـ.ـديد منه.
لتحاول الثبات في تلقي المبـ.ـاركات والتهاني من باقي الحضور قبل الذهاب إلى السطح حيث الاحتفال، الذي تم إعداده لهذه المناسبة السعيدة.
❈-❈-❈
في سطح المنزل بعد قليل
كان الاحتفال المحدود بناء على رغبة العروس والتي رفضت البذخ والتكلفة، ليقتصر الحضور على المقربين فقط.
كانت بهجة في هذا الوقت ترافق نجوان التي حضرت اليوم من أجل الطبيب هشام لتهنئته والقيام بواجبها نحوه، فكانت تعبر عما تشعر به دون تردد:
صاحبتك صفية زي القمر يا بهجة، الخلبوص هشام عرف ينقي.
دا مش خلبوص، دا بلوة مسيحة، إنتي مش واخدة بالك من العمايل اللي عاملها هو وأصحابه. تمتمت بالكلمـ.ـا.ت بهجة، تشير نحو أولئك المنطلقين بفرحهم دون حدود. ضحكت نجوان الأخرى حتى توقفت فمها وذهلت ناظرة نحو من أتي فجأة، لتنتبه بهجة هي الأخرى، فتتبسم بوسع فمها مرددة:
معقول رياض، وجايب معاه آدm؟ قالتها بلهفة فلم تعِ بالوضع سوى بعد أن رأت رد فعل نجوان الذي تغيرت ملامحها بقلق وعيناها لا تفارق الصغير.
❈-❈-❈
في الجهة القريبة
وقد اتخذ الاثنان جلستهما في الركن المخصص للعروسين، لا يكف عن مشاكسته لها لفك جمودها، تاركاً فقرات الحفل والرقص الجنوني مع أصدقائه:
دا مكانش حـ.ـضـ.ـن أخوي دا يا أستاذة اللي يخليكي تفضلي مبوزة الليلة كلها. نظرة خاطفة إنما مشتعلة ألقتها نحوه، قبل أن تذهب بأبصارها نحو أصدقائه الذين احتلوا السطح برقصاتهم:
هو إنت إزاي أصحابك كده؟ بالذمة دول دكاترة؟ ولا يكونوا شاربين حاجة قبل ما يجوا على هنا يا هشام والله ما أستبعد. ضحك متحدثاً باعتزاز:
عشان ما بيرقصوا وعايشين اللحظة يعني، تجرديهم من مهنتهم، ثم إن حكاية يشربوا دي واسعة يا أستاذة، دول عاملين دmاغ لوحدهم، لأنهم مساكين ليل ونهار شغالين، ما بيصدقوا تيجي فرحة لحد فينا، كل المواهب المدفونة تطلع.
يا شيييخ صعبوا عليا تصدق. قالتها بنبرة ساخرة، لتجفل بعدها بما توسعت له عينيها:
غوريلا، غوريلا يا هشام، جايب غوريلا في خطوبتي.
❈-❈-❈
فرحتها بحضوره كانت لا توصف، رغم غصتها بالانصراف المفاجيء لنجوان، في إشارة عن رفضها رؤية الصغير، فعبرت هي عن قلقها:
– انا خايفة على نجوان اوي، شكلها متحملش تشوف آدm قدامها .
اجابها مطمئنًا:
– لا متقلقيش عليها، انا موصي عم علي ودادة نبوية يخلوا بالهم منها، ويبلغوني لو حصل عليها أي تأثر، آدm بقى واقع في حياتنا دلوقتي، يعني ممكن تشوفه في اي مكان
لومأت رأسها بتفهم، تطالع الصغير الذي اصبح ينـ.ـد.مج هو الاخر في الرقص مع باقي الاطفال، وقد تكفلت به عائشة اليوم.، لتدmجه مع اصدقائها:
– خسارة والله، نجوان بس لو تدي نفسها فرصة وتشوفه عن قرب، انا متأكدة انها هتفتح قلبها الحنين ليه .
عقب خلف قولها، يغمرها بغزله:
– ان شاء الله دا يحصل، المهم انتي تعالي هنا، ايه الحلاوة دي، هو دا اللي احنا متفقين عليه؟ مش قولنا تساعديني في ايام العد التنازلي للفرح، يا اما تطفي نار البعد بقى بالوصال، انا تعبت وجيبت اخري.
قالها بجدية ومغزى فهمت عليه بهجة لتردد بمرح:
– لا اله الا الله، دول ما كانوش يومين دول قبل الفرح، على العموم انسى يا باشا، عشان مفيش وصال، الا بعد الفرح، دا كلام خلصان من زمان.
– امممم
زام بفمه يعض على شفته السفلى بغـ.ـيظ شـ.ـديد متمتمًا بوعيد:
– ماشي يا بهجة، ادلعي براحتك، انتي قولتي بنفسك، هما كام يوم ويخلصوا……
اومأت بتوجس، ثم انصرفت بعيناها نحو صديقتها العروس، والتي اجبرت للرقص مع عريسها بعد أن سحبهما اصداقاء العريس ليلتفوا حولهما، وتلك الغوريلا المصنعة ، ترقص وسطهم، في لحظات من الجنون لا تستوعبها صفية ولكنها تساهم في فك جمودها رويدا رويدا، نحو التخلص من عقدها..
على نغمـ.ـا.ت الأغنية النوبية الدائرة
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
السميح ولدي اي هي
السميح زولي اي هي
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
عسل بسكويت اي هي
انا ليك حبيت اي هي
ابعتلي اضافه اي هي
علي الفيس بوك اي هي
يا ابو قلب صفصافه
مـ.ـا.تعملش بلوك اي هي
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
عسل سكر انت اي هي
هنا شامه هنا نقطه اي هي
واحلم لو نمت اي هي
واكتب كومنت اي هي
تغريدة وتويتة اي هي
دي عايزالها خريطه اي هي
الحياة مليئة بالتحديات والمفاجآت، حيث نواجه لحظات من الحيرة والاختيارات الصعبة بين البقاء والرحيل. ورغم الصعوبات، تظل القوة في قلوبنا، تتجدد مع كل دmعة وابتسامة، فنعلم أن لدينا القدرة على التغيير والوقوف مجددًا أمام الزمن.
نجوان
ادmن / سنا الفردوس
❈-❈-❈
مرت عليها الليلة بهدوء كما أخبرته الدادة نبوية، فلم تصرخ ولم تبكي، بل طغى عليها الحـ.ـز.ن فقط، ونامت باكرًا عن كل ليلة في سكون تام لم يعجبه، لكنه لم يكن يملك من الأمر شيئًا. كان هذا همه وهمها، ميراثهم من حكيم الزوج المحب والمستهتر في آن واحد، الذي ارتكب الأخطاء ليتحملها غيره، ومع ذلك يظل محبوبًا، ولا أحد يستطيع اقــ,تــلاعه من قلب امرأة متيمة بعشقه.
دخل إلى غرفتها يبحث عنها، فوجدها في الشرفة، مستندة بمرفقيها على الحاجز الإسمنتي للسور. قبل أن يحييها، باغتته قائلة، إذ انتبهت لقدومه حتى قبل أن يلقي إليها التحية:
شكلها كانت بتحب أبوك أوي، بدليل إنها خلفت شبهه.
تبسم ساخراً من خلفها:
وليه متقوليش إن جينات حكيم هي اللي بتغلب رغماً عن أي شيء، ياااه، الراجـ.ـل ده مازال بيبهرني حتى بعد مـ.ـو.ته بسنين.
التفت إليه بوجه خالٍ من العبث، تسأله مباشرة:
وانت ناوي تعمل إيه بعد ما تتجوز؟ هتخليه معاك برضو؟
مط شفتيه يجيبها بمكر:
يعني هعمل إيه يعني؟ مينفعش أتخلى عنه، دا أنا بحمد ربنا إنه خد على إخوات بهجة عشان أسيبه معاهم لما نسافر شهر العسل، رغم إنها مسؤولية عليهم، لكن مفيش في إيدي حل غير كدة.
عضت على نواجذها بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
وخالته بقى راحت فين؟ ما تسيبه معاها ولا هي فالحة تتنطط وبس؟
إن جيتي للحق يا ماما، والله ما أقدر أئتمنه عليها.
قالها بنبرة صادقة زادت من تشتتها وحيرتها، لتحيد ببصرها عنه، وبصمت أظهر عمق تفكيرها.
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها، تصفها أمام البناية التي يتواجد بها مكتب المحاماة الخاص بها، بعد أن استيقظت باكرًا وأكملت روتينها اليومي استعدادًا للذهاب إلى عملها. تجاهلت كل النصائح التي ألقتها والدتها على مسامعها، مصحوبة بالتوبيخ المستمر لأنها لا تسمع لأحد سوى نفسها. حاولت والدتها منعها من الذهاب إلى العمل في اليوم التالي لعقد قرانها، لكنها رفضت اتباع تقاليد تعتبرها بالية وعفا عليها الزمن.
تحركت سريعًا، متجهة إلى داخل البناية، ثم صعدت إلى مكتبها، لتكمل العمل المتأخر عليها من الأمس. طلبت من مساعدتها عدm إزعاجها حتى يحين موعد مقابلة موكليها. انـ.ـد.مجت في التركيز على مستندات القضايا دون أن تشعر بالوقت، إلى أن أفزعها صوت فتح باب الغرفة عليها دون استئذان. رفعت رأسها لترى خطيبها، أو بالأحرى زوجها،المدعو هشام، كما تذكر من عقد قران الأمس. يقف عند المدخل، متجهمًا.
في حاجة يا هشام؟
سألته ببراءة، لكنه قابلها بتجهم أكبر وهو يدخل الغرفة، مغلقًا الباب خلفه، ثم يتقدm نحوها بصمت مطبق يزيد من توجسها.
طب انت ليه بتقفل الباب؟ وليه ما اتصلتش قبل ما تيجي؟
ده على أساس إنك كنتِ هتردي؟
هتف مقاطعًا، وضـ.ـر.ب بكف يده على سطح المكتب أمامها، فتراجعت بجــــســ ـدها إلى الخلف بذعر. تضاعف خــــوفها عنـ.ـد.ما اقترب بجــــســ ـده منها، مستندًا بكفيه على ذراعي الكرسي ليحاصرها:
مردتيش ليه على أي اتصال مني امبـ.ـارح؟
ارتبكت لقربه المفاجئ، بمشاعر مختلطة بين الذعر والإعجاب بعينيه البنيتين الضيقتين، اللتين جذبتا انتباهها لأول مرة رغم حدة نظراته. حاولت الثبات وأجابت بجدية:
نمت بدري وكنت عاملة التليفون صامت. يعني عادي.
لا، مش عادي.
صاح بها، ضاربًا مرة أخرى على ذراع الكرسي، بحزم أكبر:
امبـ.ـارح كان كتب كتابنا.قلتلك نخرج، قلتِلي إنك مصدعة، وسبتِك، يبقى تستني اتصالي بيكي، مش تعملي التليفون صامت وتخليني أضـ.ـر.ب أخماس في أسداس. شغل الخطوبة المؤقت ده انتهى، إنتي دلوقتي مراتي شرعًا يا صفية، ولا لسه مخدتيش بالك منها دي؟
حاولت نهيه بجديتها:
بلاش أسلوبك ده يا هشام. أنا عارفة حقوقك كويس، رغم إن جوازنا لسه ما دخلش حيز التنفيذ، وقربك ده عيب على فكرة.
خلاص، ندخله حيز التنفيذ عشان ما يبقاش عيب.
هشام!
صاحت به، ليبتعد قليلاً ويرفع يديه عن ذراعي الكرسي، مراعيًا خــــوفها بعض الشيء، قبل أن يردف بلهجة آمرة:
مش هزود عليكِ، بس بعد كده تعملي حسابك وما تكرريهاش.
حاولت التقاط أنفاسها بعدmا ابتعد عنها قليلاً ليرتاح قلبها من هذا القرب المرهق، لكنه عاد سريعًا بعبثه ليباغتها.
حد قالك إنك بتبقي زي القمر وإنتِ مرعوبة؟
صاحت، وهي تدفعه بقبضتيها على صدره:
أوعي يا أخي! دا انت مـ.ـجـ.ـنو.ن أكتر من الناس اللي بتعالجهم.
أمسك كفيها محذرًا:
عيب، من غير غلط. أرجع أفكرك إن أنا جوزك يا أستاذة؟
همّت أن تنفجر به، لكنّ فتح الباب فجأة قطع كلامها. ظهرت مساعدتها عند الباب، متجمدة أمام هذا المشهد ، قبل أن يجفلها هشام بصيحته:
حد يفتح الباب كده من غير استئذان؟
ردّت سندس، متلعثمة:
أنا متعودة أفتح على الأستاذة كده بعد خبطتين على الباب… هو انتوا ما سمعتوش؟
لا ما سمعناش، اتفضلي اخرجي بقى، يلا!
هرولت الفتاة مغادرة عقب صيحته. فاستفاقت صفية من صدmتها، لتنفجر به غاضبة:
عاجبك كده؟ هتقول علينا إيه دلوقتي؟ هتقول علينا أي…..
قطعت بشهقة عالية، بعدmا أوقفتها شفاهه، حينما حطت على خاصتيها، خاطفًا قبلته الأولى منها، لتشخص أبصارها في النظر إليه فاغرة فاهها بصدmة، قابلها هو ببساطة معلقًا:
“دي كان حقها تبقى امبـ.ـارح، هدية كتب كتابنا، واقفلي بقك بقى عشان مكررهاش.”
❈-❈-❈
لم يتبقَّ على موعد حفل زفافها سوى القليل، لذلك كانت تستغل هذا الوقت القصير في العمل بجد متواصل، حتى تخفف عن حبيبتها نجوان عبء العمل أثناء غيابها عن الجمعية لقضاء إجازة الزواج، كما أخبرها زوجها الحبيب رياض.
كانت نجوان قد خرجت منذ ساعة لتتفقد إحدى دور الرعاية القريبة منها، وظلت بهجة منهمكة في العمل حتى أطَلَّ بوجهه الحسن أمامها. كيف لم تشعر به حين دخل حتى وصل ليميل وجهه نحوها مبتسماً:
بهجة هانم، تسمحيلي آخد دقيقتين من وقتك؟
وكان ردها ابتسامة ساحرة أشرقت في قلبه لتحيي بساتين حب وشوق لا ينتهي:
عشرة كمان لو عايز، بس ممكن أعرف إيه سبب مجيك؟
استقام بجــــســ ـده، ليفرد كف يده أمامها، يدعوها:
كده يبقى تقومي بقى وتيجي معايا.
نهضت، متقبلة دعوته، تُسلمه يدها بثقة كاملة، وسألته باستفهام:
معاك أكيد، بس هروح معاك فين؟
قبَّل ظاهر كفها وهو يخبرها:
مش هنبعد أكيد عن القصر، تعالي معايا.
❈-❈-❈
استيقظ متأخرًا اليوم بسبب عطلته الأسبوعية في العمل، ليجدهم مجتمعين على طاولة السفرة لتناول وجبة الغداء. انضم إليهم سمير، الذي جاء اليوم بصحبة زوجته، بينما كانت هي تُطعم طفلها داخل غرفة زوجها.
ألقى عليهم تحية الصباح بصوت ناعس، ثم انضم إليهم على نفس الطاولة.
صباح الخير، ودا فطار ده ولا غدا؟ أنا الأوقات متلخبطة معايا أصلاً.
تكفّل سمير بالرد ضاحكًا:
طبعًا يا سيدي، الله يكون في عونك، وإنت بقى فيك عقل أساسًا؟ دا أنا لو منك أبقى مـ.ـجـ.ـنو.ن رسمي.
فهمت درية على مقصده، لتُدلي بدلوها هي الأخرى:
بلاش يا سمير، لا يتشنك ويتعصب علينا، حكم دا أي كلمة في الموضوع ده بياخدها شتيمة اليومين دول.
جاء رده بضيق ملحوظ:
أنا برضو اللي أي كلمة باخدها شتيمة؟ ولا أنتو اللي قاصدين تحرقوا دmي في حاجة ما بقبلش الكلام فيها؟ على العموم أنا مش هرد، ولو عايزني كمان ما أحضرش الفطار، كمان أقوم.
قال الأخيرة، مزيحًا الكرسي الذي يجلس عليه بجذعه ليهمّ بالمغادرة، ما أجبر شقيقه على مهادنته.
إيه يا عم شغل العيال ده؟ إحنا يدوب بنهزر معاك يا سيدي، ومدام واخدها بحساسية كده بلاها خالص.
استجابةً لقوله، عاد سامر للجلوس مرة أخرى، فتابع الآخر مُوجهًا أمره إلى والدته التي انكمشت ملامحها بحنق:
سامعة ياما، ما تجيبيش سيرة الموضوع ده نهائي، وسيرة لورا كمان ما تجيبيهاش…
قطع ضاحكًا بعدmا استطاع استفزاز سامر بذكر اسمها صراحة، ليسارع بالتلطيف والمزاح:
آخر مرة والله، مش ههزر تاني… خلاص بقى يا أبو سمرة، بنكشك يا أخي عشان تصحصح.
زفر سامر محاولًا السيطرة على غـــضــــبه من شقيقه، الذي جعل والدته وشقيقته يضحكان عليه، ثم تجاوز الأمر مفاجئًا إياهم.
ماشي يا عم الظريف، هعدّيها. أنا أصلاً قايم أديكم دي.
وأشار بالأخيرة، يضع الكارت الفاخر المطوي على الطاولة أمامهم، ليتناوله سمير متسائلًا بفضول:
يا ما شاء الله، ودي دعوة فرح مين بقى؟
اقرأ وشوف بنفسك.
قالها سامر بخبث، يراقب رد فعل شقيقه الذي ظهرت عليه الصدmة وهو يقرأ صيغة الدعوة، ويتمتم دون وعي منه.
بهجة!… فرح بهجة!
سمعت سامية ما قاله، فنهضت فورًا لالتقاط الكارت لتتفحصه، ثم صاحت بعدها.
نعم نعم؟ وهيعمل لها فرح في قصر ليه إن شاء الله؟ هو مش قال إنه اتجوزها في السر، لزومه إيه بقى الفرح؟
لزومه إنه عايز يقدmها للناس كلها والمجتمع بتاعهم. لا همه المنظر ولا الفرق الاجتماعي الرهيب ما بينهم. شفتي بقى الواحد لما يحب بيعمل إيه؟
قال الأخيرة بنظرة واضحة نحو شقيقه، الذي سكت عن المتابعة، والحسرة بادية في عينيه. فتدخلت درية تُعنّفه وتصب اللعنات عليها.
اسم الله يا أخويا، إنت هتعملها قصة وتهلل بيها؟ دي الحكاية واضحة زي عين الشمس. البت القادرة هي اللي علقت الباشا ونسته اسمه، اتمسكنت لحد ما اتمكنت، عشان تعرفوا بس إن كان ليّ نظرة. أخوك الغلبان كان هيروح فين بس معاها؟
بلا أخوه بلا زفت بقى!
صرخ بها سمير، ينهض تاركًا لهم الطاولة بأكملها، لتردد في أثره درية باللعنات:
روح يا سامر، يعكنن عليك زي ما عكّنت على أخوك.
صرخت سامية هي الأخرى:
أخوه بس؟ وأنا ياما، دا أنا همـ.ـو.ت بقهرتي! يعني هي تاخد الباشا، وأنا يبقى نصيبي شيكاغو؟ ليه؟ كنت قليلة ولا هي أحلى مني؟ أنا كمان نفسي انسدت.
ونهضت عن الطاولة هي الأخرى، ليضـ.ـر.ب سامر كفًا بالأخر محوقلًا أمام غـــضــــب درية:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. طب حد جاب سيرتها دي كمان؟ أنا قايم ياما بدل ما تحرقيني بنظراتك دي، دا ولا كإني عملت عملة سودة من غير ما أقصد.
من غير ما تقصد برضو؟!
رددت بها درية من خلفه بسـ ـخـــريــة وتهكم. ليأتي التساؤل من زوجة سمير، التي خرجت للتو من غرفتها بعد انتهائها من إطعام طفلها:
إيه اللي حصل؟ وسمير مشي ليه من غير ما يبلّغني؟
ابتسم سامر وهو يأخذ الطفل منها ليداعبه، قائلًا لها ليطمئنها:
راجع تاني يا إسراء. هو بس اتخـ.ـنـ.ـق شوية من كلامي، لكنه هيلف يلف وبرضو هيرجعلك. هو ليه مين غيركم أصلًا؟ إنتِ والكتكوت الحليوة ده؟ حبيب عمو ياللا.
❈-❈-❈
داخل النادي الاجتماعي، حيث موعد التمرين الخاص بآدm، ابن شقيقتها.
أصبحت تتكفل بهذه المهمة لتضيف مزيدًا من التواصل بينها وبين هذا الوسيم المتعجرف، شقيقه، الذي أصبح كالطيف لها.
منذ الحادثة الأخيرة، وحين أخبرته بما فعلته بهجة معها، ثم صدmتها حين علمت بموعد حفل زفافه والدعوات التي يرسلها للجميع ليعلن أمام الملأ عن زواجه بهذه الفتاة، حاولت جاهدة لقاءه والاستفسار عما حدث ليقلب الوضع لصالح هذه الفتاة، ولكنها لم تصل إلى شيء سوى التجاهل.
حتى حينما كانت تذهب متعمدة في أوقات متفرقة من اليوم إلى آدm، كان دائمًا يجد الحجة للخروج وتركها، مما زاد غليل صدرها نحو تلك “الملعونة” التي استطاعت السيطرة على عقل رجل مثله ليتعلق بها هكذا.
بدأت تبحث عن خطة مناسبة للإيقاع به حتى يخرَّ صريع فتنتها التي تغري جميع الرجـ.ـال إلا هو.
هي، المرأة ذات الأنوثة المكتملة من كل شيء، ترى أنها تستحق رجلًا مثله يعوضها بشبابه وماله وقوته عن زواجها السابق بالعجوز الراحل، الذي ورثت منه المال. لكنها الآن متعطشة للشباب وبقوة.
خرج آدm من حوض السباحة بعد أن أكمل تدريبه تحت إشراف مدربه الخاص، الذي ربت على كتفه بحفز وتشجيع قبل أن يتركه. تقدm الصغير نحو خالته متفاخرًا.
شوفي يا نودي، المدرب فرحان بيا إزاي؟ ده قالي لو استمريت كده ممكن أوصل لبطولة النادي وبعدها الجمهورية.
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها المطلية بالأحمر القاني، لتجاري الصغير:
جميل أوي يا آدm، لو ماما عايشة دلوقتي كانت فرحت أوي بيك… لكن أخوك بقى يعرف بشطارتك دي، ولا هو فرحان إنه بالنسبالك جيب فلوس وخلاص؟
ظهر استهجان واضح على ملامح الصغير إثر كلمـ.ـا.تها التي لم يتقبلها.
ليه بتقولي كده يا خالتو؟ رياض جميل وبيعمل كل حاجة حلوة عشاني. هو قالي إنه بيحبني وفرحان إن ظهر له أخ، ومبقاش في الدنيا لوحده.
يا روحي.
تمتمت بها بغـ.ـيظ مكتوم، محاولة كبح نفسها بصعوبة حتى لا تنفجر في وجهه. حاولت إبعاد عينيها عنه، مراجعًة نفسها حتى لا تظهر ما بداخلها أمام هذا الصغير. لكنها لم تتمالك نفسها، حيث اصطدmت أبصارها بذلك الوسيم الراقي، الذي كان يبادلها الإعجاب بنظرة صريحة، وهو يسير مرافقًا لهذا… كارم.
نطقت بالاسم لتفاجأ بالمذكور يتقدm نحوها، يصافحها:
نادين هانم، ده إيه الصدف السعيدة دي؟
نهضت تبادله الترحاب بدلال تُجيده:
أنا اللي أسعد يا كارم باشا. حضرتك جاي مع المدام بقى عشان أسلم عليها؟
نفى بدmاثة وذوق:
لا، للأسف رباب مجتش معايا. أنا جاي في مقابلة مع صديقي. نسيت أعرّفكم على بعض، ده صلاح، صديقي. معلش، هو كان في الخليج وراجع من شهور قليلة، ودي أول مرة أقابله النهارده بعد رجوعه… صلاح، دي تبقى نادين هانم، مرات المرحوم عيسى الصوان. أكيد سمعت عنه.
التمعت عينا الآخر فور سماع الاسم، فأجاب بحماس:
طبعًا عارفه. مش ده برضه صاحب مصانع الصابون الشهيرة؟ بس ده كان عجوز، والهانم صغيرة أوي، دي تقريبًا في عمر أحفاده.
تبسمت بإنتشاء، تدّعي الخجل:
مش لدرجة أحفاده يا صلاح باشا. بس هو فعلًا كان عجوز عليا، لكنه كان نصيبي على كل حال، هعمل إيه يعني؟
قالت الأخيرة بمسكنة لتثير التعاطف نحوها، فرد الآخر بحـ.ـز.ن مصطنع، يشتكي من حظه البائس في الزواج من امرأة صعيدية بعد عودته من الغربة، والتي استولت على نصف أمواله.
انتي كمان، وانا اللي كنت فاكر ان انا بس المتعوس في الدنيا دي، هو كدة الحظ مبيمشيش غير مع الوحشين، اما احنا، فلنا الله .
ونعم بالله عندك حق يا صلاح باشا
علم كارم بنجاح المهمة بعد أن ألقى الطُّعم، فالتقطته هي بترحاب شـ.ـديد. التزم الصمت، متابعًا الحديث بين الاثنين، اللذين يتشابهان في الصفات ويتقنان دور الضحية للحصول على مبتغاهما. يبدو أنه سيحظى بتـ.ـو.فيق كبير في الجمع بين رأسين في الحلال.
❈-❈-❈
في مدخل منزلهم، كانت تقطع الأرض ذهابًا وإيابًا دون توقف، تنتظر قدومه بعد أن أرسلت في طلبه منذ لحظات. خرجت من المنزل هائمة على وجهها، لا تطيقه ولا تطيق أي شيء يذكرها بخيبتها. منذ أن رأت دعوة عرس بهجة، اشتعلت نيران صدرها، ولن تهدأ إلا عنـ.ـد.ما يبرد قلبها بما هو أفخم وأعلى.
خير يا سامية، بعتِ لي في إيه؟
هتف طلال بهذه الكلمـ.ـا.ت فور أن وطأت قدmاه داخل البناية، وقد تسرب إليه القلق من وقفتها تلك، وكأن شيئًا ما قد حدث.
أمك حصل لها حاجة ولا حد من إخواتك؟
تحمحت تُجلي حلقها، متظاهرة بالمزاح في ردها:
جرى إيه يا طلال؟ هو أنا معوّزاكش غير في المصايب؟ ما ينفعش يعني أبقى عايزاك في طلب يخصني؟
لمس في نبرتها الأخيرة لمحة من دلال استغربها منها، فحثها على المواصلة قائلًا بجدية:
يا ستي، إنتِ تؤمريني. قولي اللي عايزاه يا سامية.
تشجعت لتزيد من جرعة الدلال:
في الحقيقة، هو مش طلب واحد، هما كذا طلب، وأنا عشمانة في كرمك يا طُلولتي، ما تكسفنيش.
ضحك ساخرًا، ثم تحرك من أمامها ليجلس على أول درجات السلم المؤدي إلى منزلهم. أخرج علبة سجائره من جيب بنطاله، وسحب واحدة منها، مرددًا خلفها.
طُلولتك كمان! لا، ده شكل الموضوع كبير فعلًا. قولي يا غالية على الكام طلب دول، إحنا أكيد قدها.
سحبت شهيقًا عميقًا لتجمع شجاعتها، ثم بدأت في طرح مطلبها، أو بالأحرى مطالبها.
❈-❈-❈
نفث دخان سيجارته في الهواء، وبهدوئه المريب تابع يستدرجها:
آه، وإيه تاني كمان غير الفستان اللي عايزاه من أغلى محل فيكي يا جمهورية؟
لو كانت في حالتها الطبيعية لكانت علمت أن هذا الصمت لا يعني الخير، ولكن ذهنها المضطرب صور لها رضوخه وموافقته، فاندفعت أحلامها إلى أبعد مدى، لتصل إلى ما لا يقل عن بهجه، فبدأت تعدّ على أصابعها كل ما يتبادر إلى ذهنها.
“الشبكة يا طلال، هنغير الدهب كله. إيه داعي للغوايش والشغل البلدي ده؟ والألــماس برقبته. يبقى هنغير الشبكة لألــماس، والفرح هنأجر قصر من بتوع الباشوات ونعمل ليلتنا فيه. سكّ على حجز القاعة والكلام الفاضي. وأنت…”
توقفت، تتأمله من رأسه إلى قدmيه بتفحص وتمعن، مما أشعل في نفسه غـــضــــبًا شـ.ـديدًا، فهو يعلم تمامًا ما يدور في رأسها من مقارنات مجحفه في حقه.
“أنت هغيرك خالص يا طلال. تغيّر أولًا استايل لبسك وقصة شعرك من حلاق الغبرة تنساها خالص. هتروح لأحسن كوافير رجـ.ـالي. لازم يبقى التغيير شامل من كله. أبوك غني يا طلال، وأنت كسيب، يعني تقدر تبقى أحلى واحد في المنطقة وفي المحافظة كمان. أنا عايزة يوم الفرح كل البنات يحسدوني عليك.”
نثر السيجارة من إصبعه، ليقف أمامها مباشرة، ثم يفاجئها بتعقيبه.
“طب وإيه لزوم التعب ده كله؟ تاخدي واحد تعمليله عمرة من أول وجديد ليه؟ ما تغيري العريس نفسه يا غالية.”
“إيه؟ إزاي يعني؟”
تمتمت بها بعدm فهم، وذهنها الغائب لم يستوعب بعد، ليجفلها بصيحته:
“إيه يا روح أمك؟ مش هو ده اللي بيدور في راسك دلوقتي؟ عايزة عريس زي اللي هتاخده بـ.ـنت عمك، ويا ريت لو أحسن منه أو هو نفسه.”
ترددها والاضطراب الذي ارتسم على ملامحها كانا خير دليل على صدق ظنه، ليأتي رده المفاجئ بسرعة، متناولًا ذراعها ويلويه خلف ظهرها، ثم يعدّل وضعها في لمح البصر ليصبح خلفها. يضغط عليه بشـ.ـدة لدرجة أنها شعرت وكأن ذراعها على وشك الانكسار، فصرخت به.
“آآآه، دراعي يا طلال حـ.ـر.ام عليك، أنا عملت لك إيه بس؟”
زمجر يذكرها بشيكاغو المنطقة:
“وماله لما يتكـ.ـسر يا غالية؟ ما أنا برضو راجـ.ـل مقتدر وأقدر أعالجك، بس المهم أربيكِ على فراغة عينك دي.”
“آآآه…”
صوتها على بالأخيرة لتواصل في تحذيره:
“وديني لو ما سيبتني يا طلال، لأكون راقعة بعلو حسي ولامة كل أهل الحارة.”
زاد ضغطه بعدm اكتراث:
“وماله يا بت؟ لمي وجيبي المحافظة كلها، ولو في راجـ.ـل واحد قدر ينجدك مني، يبقى شنبي ده على مرة. ولا أنتِ نسيتي مين شيكاغو؟”
دفعها في النهاية، فشاهدت الخطر يتجــــســ ـد فيه بأبشع صوره. خطوط وجهه المتـ.ـو.ترة وعروقه البـ.ـارزة في رقبته جعلت قلبها يسقط بين قدmيها خــــوفًا من تكرار هجومه. فتغيرت نبرتها محاولة استعطافه.
“طب ليه ده كله يعني؟ ده أنا كنت بكلمك عن اللي في نفسي. العشم غلبني يا سيدي…”
اختتمت ببكاءً حارق، مستعينة بو.جـ.ـع ذراعها الذي كانت تدلكه بحرص شـ.ـديد، ما جعل الشفقة تتسلل إلى قلبه. ومع ذلك، ظل محتفظًا بجموده.
“محدش اتكلم عن العشم، بس أنا أكره ما عليا الست اللي تبص على حاجة غيرها ولا تغيّر. أدفع من جنيه لمية ألف عشانك، مش عشان تقلدي فلان ولا علّان.”
عجزت عن العثور على كلمـ.ـا.ت تقنعه أو تخفف من بطشه، فاستمرت في بكائها حتى بدأ عنفه يخف قليلًا ويستمع إليها. وصلها صوت زفرته القوية، قبل أن يسحبها إليه ويضمها من كتفيها ليهدئها.
“خلاص يا سامية، متقطعيش قلبي. عارف إن إيدي تقيلة ودي أول مرة تجربيها، بس بكرة تتعودي.”
قطعت خلف الأخيرة رافعة رأسها إليه بزعر، فقابل نظرتها باستخفاف ضاحكًا:
“بهزر معاكي يا سامية. وأنا إيه اللي يخليني أكررها تاني بس طول ما أنتِ ماشية كويس.”
هل يسعي لتهدئتها؟أم انه يزيد من بث الرعـ.ـب في قلبها؟
هي التي كانت تظن أن رغبته الكبيرة نحوها ستمنحها القدرة على ترويضه وفرض سيطرتها عليه لتحصل علي ما تريد.
لكن هاهو يذكرها من جديد بطبيعته المتوحشة. كاد أن يكـ.ـسر ذراعها منذ لحظات، والآن يضمها بجرأة وكفه يتجول علي ظهرها بحرية تحت ستار تهدئتها.ومع ذلك، هي لاتستطيع الإعتراض؛حتي إرضائها، يفعله بطريقته.
“ليكي عليا يا ستي أعملك فرح تشهد عليه المنطقة كلها، والفستان اللي عايزاه من أي حتة تختاريه، وكل اللي تحتاجيه أجيبه. لكن تقوليلي أغير قاعة ولا شبكة؟ انسي يا غالية. كل واحد يلبس توبه يا حبيبتي، فاهماني؟”
❈-❈-❈
متكئًا بجذعه على الفراش، يراقبها وهي تبدل ملابسها في محاولًة لاختيار الأفضل من بين المجموعة التي جلبتها حديثًا للمناسبات الخاصة.
“ها، إيه رأيك بقى في ده؟ حاسة لونه لايق عليا، ده غير إنه مناسب، لا هو ضيق ولا شفاف، حلو صح؟”
قالتها تشير إلى الفستان الذي ترتديه بلونه الأخضر، بلمعة محببة، وتصميم بسيط على الجــــســ ـد الملفوف بعض الشيء. فقد اكتسبت بعض الجرامـ.ـا.ت القليلة بعد زواجها، لتضاعف من فتنتها، وتزيد الصعوبة على هذا العاشق المسكين:
“هو فعلًا حلو يا صبا، حلو بزيادة كمان، لكن أنا من رأيي تنقي غيره، ياريت لو حاجة عادية.”
ضحكت تقابل قوله بمزاح:
“عادية إزاي يعني؟ ألبس عباية بيتي مثلًا؟ إيه يا باشا؟ ده الفستان التالت اللي ألبسه.”
مط شفتيه بعدm اكتراث:
“والله حظك، أعملك إيه؟ بهدلي نفسك شوية عن كده وانتِ تلاقي الدنيا تسلك معاكي.”
قهقهت ضاحكة بشقاوة، فقد كان دائمًا ما يغلبها بغزله ومزاحه. ثم خطت نحوه وجلست بجانبه على الفراش، لتعلق على قوله.
“خلاص يبقى ادعيلي أخلف، وأنا ساعتها هلخبط وأبقى كلابيظو كمان.”
لمست كلمـ.ـا.تها شغاف قلبه المتيم، المتلهف لرؤية ثمرة حبه في الأطفال منها. تنهد بجدية، ثم رد على قولها.
“أنا بدعي ليل نهار يا صبا، عشان أشوف أولادي منك، وربنا العالم أعمل إيه تاني؟”
تأثرت بشجن لكلمـ.ـا.تها وشعرت بالحـ.ـز.ن في نبرته، فسرعان ما حاولت تلطيف الموقف.
“شادي، أنا بهزر على فكرة، ثم متنساش كلام الدكتور لما أكد إن إحنا الاتنين تمام وعال العال، هي بس مسألة وقت.”
تأوه بلوعة ردًا على كلمـ.ـا.تها:
“آه يا صبا عَ الوقت. هو أنا اللي تعبني غير الوقت؟ رغم إني اتعودت على الصبر في كل مراحل حياتي، واتحملت وعديت، إلا دي، حاسسها صعبة أوي. نفسي أشيل أولادي منك، النهاردة.”
“حبيبي، بكرة تشيلهم وتفرح بيهم كمان.
قالت ذلك وهي تتناول كفه، تحاوطه بين يديها، فرفع هو يديها ليقبلهما. حينها تذكرت هي:
“صحيح نسيت أقولك، أصلي عايزة أستأذنك في مشوار كده. أمنية بـ.ـنت عم المرحوم ناصر الدكش خلفت، وعايزة أروح مع أمي نبـ.ـاركلها ونعمل الواجب.”
قرص وجنتها يبلغها قراره:
“روحي يا ست صبا، يا أم الواجب، عقبال ما تيجي تبـ.ـاركلك أنتِ كمان.”
هللت بصخب تضحك:
“اللهي يسمع منك يا شادي يا ابن أم شادي، يا رب يا رب.”
❈-❈-❈
بجوار النافورة العتيقة التي تتوسط الحديقة، وقفا يلتقطان الصور كما فعلا في عدة أماكن داخل القصر وخارجه، بواسطة المصور المحترف الذي فاجأها، ليقوم بنشر الصور على عدة مواقع إعلانًا للعامة عن قرب موعد زفافهما.
“بصي عليا أنا يا عروسة، سبيه هو مقرب وشه منك.” أومأت عيناها بطاعة، بينما يلتقط الصورة كما فعل في عدة أوضاع أخرى تعكس العشق في عينيهما.
“واحد، اتنين، تلاتة… هايل.”
انتهى أخيرًا ليقترب منهما، ويريهما النتائج الرائعة لصور تخـ.ـطـ.ـف القلب والعقل. كان قلبها يدوي في صدرها كالطبول دون توقف، تتأمل هذه الصورة وهو يضمها من خصرها وتعانق عينيه عينيها، أو تلك الثانية وهي تميل عليه وهو يأسرها بابتسامة، وتلك وتلك… لقد رضيت عن معظمهم إن لم يكن جميعهم. حتى إذا انصرف الرجل، توجهت إلى حبيبها تعاتبه:
كده برضو يا رياض؟ مش كنت تديني فكرة أولًا قبل ما تجيب الراجـ.ـل وتطبوا عليا كده زي القضا المستعجل؟
القضا المستعجل!
تمتم بها ضاحكًا، لتردف هي بتوضيح:
أيوة يعني أنا قصدي كنت غيرت هدومي ولا أتمكيجت.
إنتِ كده زي القمر مش محتاجة. أوقفها بعبـ.ـارات الغزل التي لامست قلبها، ولكنها حاولت الثبات تجادله:
يا سيدي ربنا يخليك، أنا قصدي يعني يبقى شكلي حلو أكتر من كده…
قطعت بشهقة مكتومة حينما وضع كفه على خصرها يقربها إليه، ليغمرها الخجل، تحاول تنبيهه:
رياض الجنينة مكشوفة والناس رايحة جاية ع الجمعية خلي بالك.
ضحك بصوت مكتوم وهمس بجوار أذنها:
طب وإحنا مالنا بالناس، ولا هما مالهم بينا؟ أنا راجـ.ـل بقاله فترة في الجفاف العاطفي، يعني محدش يلومني عشان تبقي عارفة.
يا سيدي والجفاف ناقح عليك دلوقتي، ما خلاص الفرح قرب أهو إحنا على وشك.
طب أعمل إيه في قلبي المشتاق؟ تساءل بها بأعين تصرخ بصدقها، رغم ادعائه المزاح، ليضيف إلى قلبها المزيد من الرجفات اللذيذة. لطالما سمعت منه كلمـ.ـا.ت العشق والغزل ولم تشعر بطعمها سوى الآن. ما أجمل ذلك الشعور، وما فائدة الحب في الخفاء؟ إن لم يكن كضوء الشمس، لا يسمى عشقًا من الأساس.
ما شاء الله، ساحة القصر بقت مكان مخصص للفوتوسشن. جاء الصوت الحاد منبّهًا للأثنين، ليختطفهما من حالة الوله التي كانت تحيط بهما. التفّا نحو المرأة العجوز القاسية بتلك النظرات التي توشك على قــ,تــلهما، وقد كانت قريبة منهم ترافقها تلك المرأة المساعدة لها مدام إيفون. فجاء الرد من رياض وهو يقربها إليه بتحدٍّ قائلاً:
عندك حق يا بهيرة هانم، أنا اللي اخترت القصر عشان أنشر منه صور ارتباطي ببهجة، عايز الدنيا كلها تعرف بقرب فرحي عليها.
امتقعت ملامح بهيرة بالغـــضــــب الشـ.ـديد، بعد أن أفحمها بقوله، ولم يتبقَّ لها سوى النظرات الحارقة التي توجهها نحوهما، فتدخلت إيفون لتبدي فرحتها على حرج:
طبعًا حقك يا بني، دا قصرك وقصر أجدادك قبل ما يكون مقر للجمعية، ألف مبروك يا رياض باشا، ألف مبروك يا بهجة.
ردت بهجة على المرأة باضطراب وتـ.ـو.تر وهي تقف بالقرب منهم، رغم دعم حبيبها:
الله يبـ.ـارك فيكِ يا مدام إيفون، تسلميلي.
رد رياض هو الآخر على تهنئة المرأة ومبـ.ـاركتها، قبل أن يجفل ويجفل من معه بحضور مفاجئ لآخر شخصية يتوقع رؤيتها الآن.
“عدي!” هتف بالاسم كنداء واستفهام، وهو يرى قدومه نحوهما بأناقته المعروفة، ليخـ.ـطـ.ـف انتباه بهيرة التي استقبلت مجيئه بفرحة كطفلة صغيرة سعيدة بعودة والديها، وفتحت له ذراعيها.
“عدي حبيبي!” اقترب عدي منها، يرتمي في حـ.ـضـ.ـنها، يقبلها ويعبر لها عن اشتياقه. فقد كان المفضل لديها دائمًا ورغم قسوتها مع الجميع وعيوبها، لكن قلبها ينبض ويتأثر بأقل لمسة حانية.
حبيبي يا ابني، وحـ.ـشـ.ـتني أوي، إمتى رجعت من السفر؟ وليه مقولتش إنك جاي؟
قبل ظاهر كفها يجيب عن أسئلتها، وأبصاره نحو صديق طفولته وعروسه:
أنا جاي في زيارة سريعة يا ماما، بدعوة فرح وصلتني على تركيا مخصوص، صاحبي وحبيبي الغالي، رياض.
حبيبي. هتف بها الأخير، وفتح ذراعيه له ليتبادلا العناق الرجولي، أمام أبصار بهيرة التي عاد إليها الغـــضــــب ظاهرًا بقوة. حتى إذا انتهيا، تكفل رياض بتقديم عروسته إليه:
دي بهجة يا عدي، عروستي.
صافحها عدي بترحاب شـ.ـديد، قبل أن ينهي بسؤاله:
طب أنا كده بقى جيت في الميعاد المناسب، للفرح؟ هو إمتى بالظبط؟ فكروني.
عدي! كانت هذه صيحة نجوان التي أتت من الخارج، ليتوقف لرؤيتها المذكور مهرولاً بلهفة:
معقول خالتو نجوان؟ أنا مش مصدق عيني! وانطلق إليها غير منتبه لغـــضــــب والدته التي ارتسمت تعابير الغـ.ـيظ الشـ.ـديد على وجهها.
❈-❈-❈
اليوم الموعود
اقترب ولا تتردد في اقتناص فرصتك، كن مغامرًا ولا تخشى الغرق، كن جسورًا في الدفاع عن عشقك، لا تؤجل فرحتك أو تنتظر حتى لا تضيع من يدك فرصتك في الحياة، فتظل حبيس الحسرة المتبقي من عمرك.
#بـ.ـنت_الجنوب
دا كأني في حلم وبقول يا سلام،
معقول يا قلبي بقينا ليه،
وهادينا يا دنيتنا بأحلى أيام،
الفرح دا إحنا أولى بيه.
أنا هفضل جنبك
وهعيش سنيني معاك،
يا حبيبي كلها،
وهطمن قلبك وهملي عيني
بأحلى دنيا أنا شوفتها.
أنا في عنيك الحلوين سرحت،
من إمتى ونفسي تكون ليا،
أول ما شوفتك أنا اتصالحت
مع نفسي وأيامي الجاية.
تصدح كلمـ.ـا.ت الأغنية في قلب القصر الذي تحولت ساحته الداخلية إلى قاعة كبيرة، تضم جميع المدعوين من أقارب ومعارف العروسين. وقد تحول الحلم أخيرًا إلى واقع، أصبحت حبيبته في النور وأمام الجميع، بعد أن تخلى عن عقده، تاركًا كل هموم الماضي، لا يلتفت إلا لسواها. يكفيه النصف الضائع من عمره، ليستقبل الآتي معها وبرفقتها، حتى لا تصيبه التعاسة في ابتعادها عنه. وقد تأكد له الآن أنه إذا خسرها، خسر حياته معها.
أنا هفضل جنبك
وهعيش سنيني معاك،
يا حبيبي كلها،
وهطمن قلبك وهملي عيني
بأحلى دنيا أنا شوفتها.
“في هذه الحياة، نحن أسرى لاختياراتنا، نحيا ما صنعته قراراتنا بأيدينا، ندفع الثمن بابتسامة حينًا وبزفرات عميقة حينًا آخر. وبينما تمضي الأقدار بنا، تبقى لحظات الفرح البسيطة كرقصة عفوية أو أغنية تنبض بالحب، ملاذًا يخفف وطأة الأيام. هناك من يهرب إلى ضحكة جماعية، وهناك من يختلي بذاته حائرًا بين العقل والقلب. وفي كل منعطف، يظل القدر هو سيد الحكايات، يربط خيوط الماضي بالحاضر، يفتح أبوابًا ويغلق أخرى، ليتركنا نتساءل: هل كان الاختيار حقًا لنا أم أنها لعبة الزمن التي تقودنا؟”
اهداء الجميلة «سنا الفردوس»
هل تلك نغمـ.ـا.ت تطن في أسماعها؟ أم هي سحب وردية تسحبها معه إلى عالمهما الجميل؟ خطوة مع خطوة، الكف تحتضن الكف، ذراعه تحاوطها، ويدها مستندة على كتفه. يميل، فتميل معه. يبتسم، فتبادله ابتسامته. يدندن معها، ليست تلك كلمـ.ـا.ت، بل هو ما استوطن بقلبيهما وأتى اليوم ليخرج ويُعلن أمام الملأ.
غير منتبهين لأحد، وكأن العالم قد خلا عليهما. أميرة؟ بل هي سندريلا، ولكن في نهاية القصة، بعد أن عثر عليها أميرها ليتحدى بها العالم. والآن، وقت رقصتهما في الحفل المكتمل. لن تهرب هذه المرة خــــوفًا من افتضاح حقيقتها، ولن يدور هو بحثًا عنها. لقد انتهت رحلة العـ.ـذ.اب والآن بدأت رحلة الاستقرار. لقد حان الوصال.
حكايتنا كملت كلمـ.ـا.ت
حكايتنا كملت
وكان في وعد نفذته
وشيلتك في عنيا
اسمك واسمي جنب بعض
ولآخر عمري شريك فيا.
أجواء الحفل الأسطوري كانت تضم عددًا لا بأس به من وجهاء المجتمع، رجـ.ـال أعمال وسيدات من أفراد العائلة العريقة من أهل العريس، وأهل العروس من الطبقة المتوسطة والعادية. كان أبناء عمها حاضرين بدعوة وُجهت إليهم كالغرباء، كما وُجهت أيضًا لعدد من أبناء الحارة التي كانت تسكن بها “بهجة”، كوالد طلال وطلال الذي حضر مع خطيبته ووالدتها. أتى بهما بإصرار وتحدٍّ، حتى إن رأى منها تمردًا، أجهضه بالقوة،
فجلس بهما على طاولة تخصهما وحدهما. كان يراقب رد فعلها هي ووالدتها، التي كادت عيناها تخرجان من فرط انبهارها بكل شيء حولها، عكس ابـ.ـنتها التي غمرتها الحسرة. جــــســ ـدها ترجم ما بداخلها بلغة يفهمها هذا المتربص جيدًا:
مالك يا سامية؟ حاسك مش على بعضك ليه؟
مش على بعضي إزاي يعني؟ ما أنا كويسة أهو، كويسة خالص كمان، ولا فيَّ حاجة مش مظبوطة مثلاً؟
أطالت في الكلام لتزيده يقينًا بتشتتها، بإنفعال مكتوم عقب محذرًا لها ولوالدتها:
طيب خلي بالك يا “كويسة”، عشان البص في كل حتة لافت نظر الناس عليكم، والناس اللي هنا غير اللي متعودين عليهم في الحارة.
إلى هنا، لم تقوَ على كبح غـــضــــبها:
أفنـ.ـد.م بقى، ليكون هما من طينة وإحنا من طينة تانية؟ لا يا حبيبي، البـ.ـنت اللي فوق دي هي وأخواتها مكانوش لاقيين…
قطعت كلامها منتفضة برعـ.ـب حينما زجرها بنظرة مخيفة ارتعدت لها أوصالها، وأضاف بلهجة تهديدية:
لمّي لسانك يا سامية، لمّي لسانك واعملي لنفسك مقام، بدل ما أعرّفك أنا بطريقتي المقام اللي تستحقيه.
تجمعت الدmـ.ـو.ع في عينيها وهي تنظر نحو والدتها تطلب منها الدعم، فحاولت درية التدخل قائلة:
يا طلال يا بني، هي مش قصدها تشتمها، هي بس يعني…
قاطعها بحدة:
اسكتي بقى يا حمـ.ـا.تي، بلا قصدها بلا ما قصدهاش. أنا غلطان أصلاً إني جيبتها. كان حقي أحرمها ما تعتبش الفرح ده أساسًا.
بحنق شـ.ـديد، غفلت عن الكلمـ.ـا.ت التي تسقط من فمها وقالت:
ليه بقى إن شاء الله؟ ده فرح بـ.ـنت عمي، على فكرة، مش واحدة غريبة عني.
استدار لينظر إليها ويحدجها بنظرة كاشفة، ثم تمتم بما ألجمها:
بـ.ـنت عمك؟ مش دي اللي من شوية كنتِ بتقولي إنها وأخواتها مكانوش لاقيين الأكل… ولا إيه يا حمـ.ـا.تي؟
أصاب الأخيرة الخرس، حينما وجه اللوم الصريح نحوها، فأشاحت ببصرها عنه تهرب من مواجهته. وقعت عيناها على ولديها؛ سامر، الذي تجاوزها وأصبح يتصرف بطبيعية وقد وجد ضالته في شيء آخر، وسمير، الذي رغم وجود زوجته بجواره وابنه في حـ.ـضـ.ـنه، كان الحـ.ـز.ن والحسرة مرسومين بوضوح على وجهه.
❈-❈-❈
وفي ناحية أخرى، وتحديدًا في وسط القاعة، وبعد إصراره على أن تراقصه على أنغام الموسيقى الرومانسية، رضخت لرغبته بعد إلحاح منه. لتجد نفسها الآن محاطة بذراعيه، وكفه التي تحط أحيانًا على خصرها أو ظهرها، في وضع لا يريحها:
هشام، ابعد شوية، مينفعش كده.
سمع منها، ليقرب وجهه أكثر:
أبعد إزاي يعني؟ عايزني أبان زي التمثال وأنا برقص معاكي؟ دا حتى الناس يضحكوا علينا، يا أستاذة.
زمجرت داخلها برفضٍ عبّرت عنه:
محدش قالك تبقى زي التمثال، بس ابعد وشك شوية، ولا إيدك دي كمان، بتحركها ليه ع الفستان؟
فستان؟
تمتم بها بخبث، مردفًا:
وماله لما إيدي تيجي ع الفستان يا صفية؟ مش أنا كاتب كتابي عليكي وشرعًا فستانك بقى من حقي، يعني إيدي تيجي كده ولا كده، دا يعتبر شيء عادي.
قال الأخيرة وهو يدفعها من الخلف لتصطدm بصدره، ووجهها لا يفصل عن وجهه سوى سنتيمترات. شهقت مجفلة لفعله، لتدفعه بدورها وتبتعد عنه، فهرولت تاركة إياه في وسط صالة الرقص دون أن تلتفت إليه أو ترى رد فعله. توجهت نحو الطاولة التي كانت تجلس عليها، وعادت إلى مقعدها، فتبعها هو، ليواجهها بغـــضــــب:
دا برضو كلام يا أستاذة يا محترمة؟ تسيبيني في نص القاعة قبل الرقصة ما تخلص؟ الناس تقول علينا إيه دلوقتي؟
طالعته بحدة، تصيح به، كاظمة غـ.ـيظها المكتوم، وبصوت تجاهد ألا يصل للآخرين:
أيوة يصح، ويصح أوي كمان. والناس يقولوا ولا يغلطوا حتى. عامل حسابهم أوي؟ يبقى تحترم نفسك، وبلاها قلة أدب وتـ.ـحـ.ـر.ش!
أشار بسبابته نحو صدره وكأنها وجهت له إهانة:
أنا قليل أدب؟ لا، ما اسمحلكيش. المرحلة دي لسه موصلنهاش أساسًا. أما بقى عن التانية، فدي اسمها لمسات بريئة، يا أستاذة. نسميها تـ.ـحـ.ـر.ش بقى إمتى؟
توقف وهو يشير بيده نحو عدة مناطق في الجــــســ ـد، متابعًا بخبث:
لما إيدي تيجي هنا، أو هنا… أو هنا.
بااااااس!
“صرخت بها لتوقف استرساله، مطالبةً إياه بالكف عن عبثه المتعمد. قليل الأدب الوقح، كما كانت تسبه الآن في داخلها، فتنهاه بقهر:
مية مرة أقولك يا هشام بلاش أسلوبك ده معايا! أنا متعودتش على الجرأة مع أي حد، وأنت كل مرة تزود. مش عايزة أرفع صوتي، بس أنا محبش حد يتعامل معايا كده.
تركها تنهي كلمـ.ـا.تها، ثم ربع ذراعيه فوق صدره بملامح عابسة. وتحدث بهدوء:
بس أنا أحب كده. عشان أنا جوزك على الورق دلوقتي وشرعًا أمام ربنا. يعني حقي أتجرأ، وإنتِ واجب عليكي تعودي نفسك. مدام قبلتي بيا كزوج، يبقى أكيد في حتة في قلبك على الأقل عايزاني… ولا أنا غلطان يا صفية؟
مهما أخفت أو أنكرت، سيأتي عليك الوقت الذي لن تجد فيه الفرصة للكذب. وذلك إن حوصرت بالسؤال المباشر، كما يحدث الآن. وقد بدا على ملامحها بوضوح أمام مواجهته، لتجيب بمراوغة:
والله، أنا لو كارهاك أو مش طايقاك، مفيش قوة في الدنيا كانت هتجبرني أوافق على خطوبتي منك أو كتب الكتاب.
تبسم بثقة، قائلاً:
طب حلو أوي يا أستاذة، طمنتِ قلبي يا شيخة.
وكالعادة، خجلت من مواجهة عينيه. تلك المرأة المحاربة في الدفاع عن حقوق النساء أمام المحاكم والقضاء، تصبح كالقطة الوديعة حين يغلبها الحياء.
رفعت رأسها فجأة، منتبهة لصوت الصفير الذي علا في قلب القاعة من بعض الحضور، تشجيعًا وتحية لحمل العريس لعروسه. دار بها لعدة لحظات قبل أن يتوقف، لتضع قدmيها على الأرض.
مشهدهم الجميل ارتد بأثره على تلك المتزمتة دائمًا، التي تتخذ الجمود وسيلة لفرض احترامها على الجميع. غزت الابتسامة ثغرها وهي تتابع فرحة العروسين. جذب ذلك انتباه الجالس أمامها، الذي كان يتابعها بتمعن لكل خلجة وكل همسة منها. فعلق قائلاً:
عجبك شكلهم يا صفية؟ يبقى انتظري يوم فرحنا. وليكي عليا ما خلي رجلك تلمس الأرض لساعة كاملة وأنا بلف بيكي.
استدركت حالتها، لتعي علي كلمـ.ـا.ته. فتبسمت ضاحكة بعدm استيعاب:
إيه اللي بتقوله ده؟ ساعة!
وأكملت ضاحكة لترتشف من عبوة المياه الغازية، تخفي تـ.ـو.ترها المكشوف أمامه:
بقولك اللي هيحصل يا صفية… وبكرة تشوفي.
❈-❈-❈
عادت العروس، والتي كانت كالملكة، تعانق مليكها وتراقصه على أنغام الموسيقي الرومانسية. ثم جلست متربعة على عرشها بجواره، تتلقى التهاني والمبـ.ـاركات بمقام يليق بها، رافعة رأسها بعزة.
“كانت هذه هي النهاية الأفضل لقصة معاناتها؛ ما أجمل الجبر بعد الصبر! فقد تحقق لها ما كانت تطمح إليه، وأصبح قلبها الذي عانى طويلاً ينبض بالأمل من جديد
أما هو، فسعادته كانت تتجاوز سعادتها بمراحل. ألقى كل عُقد الماضي خلف ظهره، متجاوزًا أفكارًا قميئة ترسخت في عقله منذ مولده، وقد تيقن بالتجربة أن لا قيمة لأي شيء أمام راحة قلبه وبهجته.
— “مبسوطة يا بهجة؟”
سألها هامسًا، مقربًا وجهه منها، يتأمل ملامحها بشغف. تلك العينان الصافيتان، بخضرتهما المتوهجة اليوم، كحجر زمرد نادر لا يضاهي جماله شيء. اللعنة على غبائه الذي كاد أن يفقده هذا السحر! وليذهب عالم المال والأعمال والسلطة والجاه أمام نظرة واحدة منها وابتسامة خلابة كتلك التي تبادله بها الآن.
— “أنت بتسألني يا رياض؟ أنا مش مبسوطة، أنا طايرة! عارف يعني إيه طايرة؟ ربنا يخليك ليّا، حققت لي أمنية ما كنتش أتصوّر إنها تحصل أصلًا.”
رفع كف يدها إلى شفتيه، يطبع قبلة على ظهرها، ثم همس بشغف:
— “كده بقى، محدش له حجة يمنعك عني. حتى لو خـ.ـطـ.ـفتك ورُحت بيكي المريخ، محدش هيجرؤ يحط عينه في عيني. لا أخوكي العبـ.ـيـ.ـط اللي بيرقص مع أصحابه هناك ده، ونسي حتى ييجي يبـ.ـارك لنا، ولا الكابتن شادي اللي مشغول بالرغي مع مـ.ـر.اته على جنب لوحدهم، وبرضو نسي ما يبـ.ـارك لنا.”
ضحكت، تتطلع نحو الاثنين، اللذين كانا بالفعل منشغلين عنها. بدا أنهما قد سلّما الراية ودفة الشراع، تاركين شأنها، لتسوقها رياح الاطمئنان والأمان مع وليفها بعد التشتت والعـ.ـذ.اب. التفت كلٌّ منهما إلى شؤونه الآن.
— “أممم…”
زامت شفتيها بمرح، وعلّقت علي حديثه:
— “منسوش يا عمّ الخبيث! هما بس مستنيين الدنيا تخف شوية، وهييجوا يبـ.ـاركوا ويرقصوا كمان. ولا انت صدّقت إنهم سابوا مكانهم؟ دي مجرد استراحة بس.”
— “لا والله!”
قالها ضاحكًا، ليقترب أكثر مردفًا بوعيد:
— “طب خلي حد فيهم يقدر يحوشني عنك تاني. ده أنا هنسيكي طريق بيتكم أصلًا لسنة قدّام!”
قالها وضحكاته تملأ المكان. اضطرت هي إلى دفعه بمرفقها ليصمت عن عبثه، وقد أشعل الخجل وجنتيها وبدا عليها الاضطراب واضحًا. تمالكت نفسها بصعوبة وهي تنبهه إلى قدوم مصطفى عزام وزوجته.
— “مبروك يا ابن خالتي.”
قالها مصطفى، وهو يمد يده مصافحًا. ثم جذبه من كفه ليضمه إليه بعناق أخوي.
— “مبسوط لفرحتك يا حبيبي.”
شعر رياض بصدق الكلمـ.ـا.ت في نبرته، فرد عليه بحرارة، متناسيًا مآسي الماضي والذكريات القبيحة، التي لم يكن لأي منهما يدٌ بها.
أما بهجة، فقد تلقفت الصغير من نور وقبّلته، متبادلة مع والدته الحديث بودّ:
— “أنا مبسوطة أوي إنك جيتي ونوّرتي الفرح. لا وجايبة الأمور ده معاكي، ده كان واحشني أوي!”
عبرت نور عن فرحتها هي الأخرى:
— “حبيبتي، ده هو اللي فرحان بيكي! ما شوفتيش اترمى عليكي إزاي أول ما شافك؟ اتعلّق بيكي من أول مرة شافك فيها. انتي جميلة يا بهجة، وأنا فرحانة ليكي أوي.”
— “مش قد فرحتي بيكي والله.”
قالتها بهجة، ليدور بينهما حديث سريع، ثم انضم إليهما الرجلان بألفة ومحبة، والتقطوا معًا صورًا تذكارية.
وفي مدخل القاعة، حيث كانت بهيرة تدلف مستندة على ذراع ابنها، تمتمت بغـ.ـيظ:
— “شايف يا عدي؟ أخوك اللي جري يبـ.ـارك لابن خالته؟ طبعًا، فرحان إنه ما يبقاش لوحده في العيلة متجوز من أصل وضيع!”
أغمض عدي عينيه بضيق، مستهجنًا قولها:
— “ماما، أرجوكي، بلاش الكلام ده. إحنا جايين نعمل الواجب مع خالتو ورياض. دا انتي بنفسك بتقولي إنه حبيبك.”
عبست ملامحها المجعدة بضيق، قائلة:
— “ما هو فعلًا كان حبيبي وما زال. كان دايمًا راقي وبيفكرني بالمرحوم الباشا والدي، أرستقراطي ومأصل لجدوده الباشوات. ما كانش يشبه أبوه المستهتر ولا والدته اللي طول عمرها شاردة عن أصلها الكريم. واديه في الآخر لفّ لفّ، وبقى زيهم… رايح يتجوز خدامة!”
— “ماما!”
تمتم بها محذرًا:
— “خدي بالك، الكلام ده يضرّنا إحنا كمان معاه. العروسة من عيلة متوسطة وخلاص، مش عايزين نزود عن كده.”
طرقت بعصاها وهي تغمغم بضيق:
— “وأنا اللي ملجمني ومخليني ساكتة عن المهزلة دي غير اسم العيلة. غاصبة عن نفسي أحضر فرح مش متقبلاه ولا مستوعبة حدوثه، بس عشان اسم العيلة. منك لله يا نجوان، دايمًا تعباني من صغري لحد شيبتي.”
❈-❈-❈
في إحدى ردهات القصر المنزوية بعض الشيء، وقفت تنتظر بقلق يعصف بها.
تدفعها المسؤولية لتحمل ما لا تطيق، ولكن شيئًا ما يحثها على التجاوز والتقبل. أو ربما هو أمر مختلف عن كل ما سبق، ولكنها تريده.
“أنا جيت ومعايا آدm”،
هتفت بها عائشة وهي تسحب الأخير من يده، والذي علق بدوره:
“هي دي نوجة اللي قولتي عليها؟”
تطلعت إليه نجوان بحنين جارف، وقد تأثرت بنبرته التي تحدث بها، بالإضافة إلى الشبه العجيب الذي هزّ قلبها من الداخل. شعرت وكأنها شجرة تتقاذفها الرياح بشـ.ـدة، ذلك القاسي الذي خدعها ورحل قبل أن تواجهه، تاركًا خلفه قطعة طبق الأصل منه.
أتلعنه في ممـ.ـا.ته الآن، بعدmا ترك وراءه ما يعكس الماضي بأبشع صوره؟ أم تحتضن الصغير الذي يعيد إليها روحها التي فقدتها مع الراحل؟ ورغم كل أفعاله، لا تزال حتى الآن لا تحمل له حقدًا أو كراهية.
“هاي يا طنت”،
قالها آدm وامتدت كفه نحوها بكل ذوق تعلمه. أمسكته هي دون أدنى تفكير وسحبته إليها لتقبّله على وجنتيه وتخاطبه بصوت بحّ لفرط ما يكتنفها من مشاعر:
“ما تقوليش يا طنت يا قلبي، قولي يا نوجة، زي عائشة ما بتناديلي”.
سمعت الأخيرة لتضيف بمرح:
“أيوة يا آدm، نوجة دي حبيبتي وصاحبتي وكل حاجة. دي أحلى ست تشوفها في حياتك أصلًا”.
“أصلًا”،
ردّدها آدm ضاحكًا ساخرًا من طريقتها. فتدخلت نجوان قائلة:
“طب إيه رأيك تيجي تعيش معايا الشهر اللي هيقضيه رياض بره مصر مع عروسته، وتحكم بنفسك إن كانت هي بتبالغ ولا أنا فعلًا كده…”
سمع منها آدm وتوجّه نحو عائشة مستفسرًا بحيرة. تابعت نجوان لتطمئنه:
“عشان تطمّن أكتر، عائشة كمان هتقضي معايا الفترةدي. أنا جهّزت أوضتين، واحدة ليها وواحدة ليك. ها، إيه رأيكم أنتوا الاتنين؟”
سمعت عائشة، فهتفت بفرح:
“أنا طبعًا جاية! هقضي الشهر كله معاكي يا نوجة”،
ولفت ذراعيها حول خصرها تعبيرًا عن فرحتها. مما شجع آدm أيضًا على الموافقة:
“أنا كمان موافق، مدام هلعب مع عائشة”.
“أيوة بقى”،
قالتها عائشة، بينما اقتربت نجوان من الصغير لتقبّله أعلى رأسه:
“ده بيتك وبيت والدك يا حبيبي، وأنت هتيجي تنور مكانك”.
❈-❈-❈
ترجّل من سيارة الأجرة التي توقفت بالقرب من القصر والهاتف على أذنه يتحدث مع صديقه والد طلال، الذي كان يتابع معه:
“أيوة يا سيدي، نزلت أنا ومراتي من العربية. بس أنت متأكد إن ده القصر فعلًا اللي معمول فيه الفرح؟ … آه، ماشي ماشي، هاخد طريقي دوغري زي ما قلتلي. جايلك أهو”.
أنهى المكالمة والتفت ليسحب زوجته بضجر:
“ما تمدّي رجليكي بقى يا ولية، الفرح قرب يخلص، مش كفاية عطّلة البيت والعيال اللي كانو ماسكين في رقابينا”.
ردّت هي بعَتب:
“الله! برضو التأخير هتجيبه في العيال؟ ما المساكين سكتوا واتراضوا. أنت اللي اتأخرت عند الحلاق! هنكدب بقى؟”
نفث دخانًا من أنفه بضيق شـ.ـديد، وردّ بنبرة غاضبة:
“يعني المشكلة بقت في الحلاق؟ مش في عيالك اللي نهبوا تلت آلاف جنيه مراضية بأكل من برا عشان يوافقوا يسبونا نمشي لوحدنا؟ اسكتي، اسكتي! أنا مبقوق ومعبّي ومش عايز أتكلم لانفجر. أنا قربت أشحت بسببكم”.
تجاهلته وأشارت إلى القصر بانبهار:
“يا حلاوة يا ولاد! ده إحنا داخلين في قصر فعلًا. إيه ده؟ إيه ده؟ بقى أنت عندك بـ.ـنت أخ متجوزة باشا من بتوع زمان ومخبي عليّا يا خميس؟ الله يسامحك. طب قولي عشان أعمل الواجب”.
“واجب!”
تمتم بها خميس زاجرًا بنظرة مشتعلة، يودّ لو يفرّغ بها غـــضــــبه. فما يعانيه منها من ابتزاز متعمد طوال الوقت، يجعله يلعن الساعة التي رآها بها.
يفضّل لو عاد به الزمن ليتجنب خطأ الزواج منها، فقد اكتشف أن نار درية أرحم من جنتها. على الأقل، الأخرى لا تعايره طوال الوقت بكلمـ.ـا.ت مبطّنة تنقص من قدره كرجل أمام امرأة مثلها لا يقدر عليها إلا الله.
وداخل القصر،
صعدت الجميلة صبا برفقة زوجها إلى منصة العروسين لتهنئتهما وتقديم المبـ.ـاركة. قابلتها بهجة بفرح، لتسحبها إليها وتضمها بحب، أما شادي فقد قابل العريس بابتسامة مازحة:
“أكيد مستنيني من أول الفرح، بس أنا قولت أخليك تاخد نفسك شوية وأريحك مني الحبة دول”.
قهقه رياض معلّقًا بتحدٍ:
“يا حبيب قلبي، مستغناش طبعًا، ما تقولش كده. أنت فعلًا هترتاح على طول بعد كده، عشان خلاص ما بقاش في حجة، وبهجة كمان بقت ملكية خاصة بالإشهار دلوقتي. محدش يملك يفرقنا عن بعض أبدًا”.
لم يقوَ شادي على الإنكار، فعبر عن فرحته باستسلام:
“والله ده شيء يسعدني، وربنا يديم محبتكم لبعض. هي تستاهل العوض، وأنت أكيد كنت محتاجها”.
تنهد رياض بعمق، مرددًا:
“آه والله كنت محتاجها، محتاجها أوي. ربنا يخليهالي”.
“آمين يا رب، آمين”،
تمتم بها شادي ليبادله رياض الضحك والمزاح، حتى طلبت بهجة التقاط صور تجمع الأربعة معًا. وبعد التقاط الصور، انسحب شادي وزوجته تاركين المنصة للعروسين، غافلين عمّن وقف بالقرب منهم، مذهولًا يراقب نزولهما.
كان عدي لا يصدق عينيه، أوَهم هذا ما يراه؟ أم تلك أحلام يقظة سعيدة؟ ولكن كيف تكون سعيدة بوجود هذا الرجل الذي هزمه رغم ضعفه، وخـ.ـطـ.ـف المرأة الوحيدة التي تمناها ولم يحصل عليها؟ هنا يبرز السؤال: ما علاقة هذين الاثنين بابن خالته وعروسه؟
لم يدع نفسه للحيرة أكثر من ذلك، وصعد سريعًا ليبـ.ـارك لـرياض الذي قابله فاتحًا ذراعيه:
“عدي باشا!”
بعناق رجولي، ضمّه إليه مهنئًا:
“حبيبي يا رياض، فرحتي بيك ما تتوصفش”.
“ده أنت اللي حبيبي يا صاحبي”،
صافح عدي بهجة ليهنّئها هي الأخرى، ثم تبادل المزاح مع رياض، قبل أن ينفرد به هامسًا:
“الراجـ.ـل والست اللي طلعوا من شوية دول تعرفهم منين؟”
اهتز رأس رياض بعدm تركيز، فأشار إليه بذقنه نحو الطاولة التي يجلس عندها الاثنان. تطلّع إليهما ثم أجاب:
“ده شادي ابن عمة بهجة، واللي معاه مـ.ـر.اته. بتسأل ليه؟”
وكأن الرد كان جليًا على ملامح عدي التي تغضنت بحـ.ـز.ن.
❈-❈-❈
وإلى طاولة سامر وشقيقه،
استغل الأول انصراف إسراء للحديث مع إحدى السيدات، ليتوجه نحو شقيقه بلوم:
“إيه يا عم سمير، ما تاخد بالك شوية واصحى، بدل ما أنت مفضوح كده بسحنتك المقلوبة دي. أي حد هيشوفك هيعرف اللي فيها، إشحال بقى مراتك اللي كاتمة في قلبها وساكتة”.
سمع منه سمير ليعقب بيأس وعدm اكتراث:
“تكتم ولا تفضح حتى، أنا ميهمنيش حد يا سامر. الخـ.ـنـ.ـقة اللي أنا فيها تخليني أولّع في الكل منغير تردد، وهي عارفة كده، بدليل إنها ساكتة، عشان متأكدة إن الحكاية خلصت بجواز غريمتها. إنما أنا قلبي هيفضل محروق مهما حاولت أتجاوز أو أعمل نفسي ناسي. منهم لله أمك وأبوك، ضيّعوا مني الحاجة الوحيدة اللي حبيتها”.
بماذا يعقب؟ والمرارة التي تظهر في صوت شقيقه تكشف حجم معاناته. رغم ذلك، لم يكن سمير بريئًا تمامًا من ذنبه، فهو أيضًا يتحمل قسطًا كبيرًا من الخطأ حين تخلى عنها وتركها تصارع الأهوال في تربية أشقائها رغم صغر سنها آنذاك. ولكن لا داعي للجلد الآن أو صب اللوم. فليخفف الله عنه مصيبته.
“يا نهار أبوك اسود، شوف مين اللي جاي!”
تمتم بها سمير، لافتًا انتباهه نحو مدخل قاعة القصر التي يُقام بها الحفل. حيث يدخل خميس بصحبة امرأة تلفت أبصار الجميع نحوها، بزينة وجهها المبالغ بها وفستانها الأحمر الصارخ. حجابها الصغير يغطي نصف رأسها فقط، كاشفًا عن شعرها المصبوغ باللون الأصفر. تتأبط ذراع خميس بثقة، وكأنها المرأة الوحيدة الجميلة في القاعة.
“يا ستار من الفضايح يا رب”،
غمغم بها سامر بضيق ملحوظ، قبل أن تقع عيناه على من جاءت خلفهم.
والتي خـ.ـطـ.ـفت الأبصار نحوها هذه المرة، بانبهار وإعجاب، هي لورا، التي بدت كعارضات الأزياء العالميات بفستانها الأسود الطويل، ذو الفتحة الكبيرة من أعلى الركبة التي أظهرت سيقانها اللامعة. كانت الحمالتان العريضتان في أعلى الفستان، وشعرها الحريري المصفف بطريقة مميزة لا تليق إلا بها، يجعلانها قبلة للأنظار.
وفي مقارنة سريعة عقدها سامر بين المشهدين، شعر بالنقص وشيء غير مريح كان غافلًا عنه، لكنه بدا واضحًا الآن.
❈-❈-❈
– “آه يا خميس الكـ.ـلـ.ـب، ساحب البهيمة دي وجايبها الفرح كمان؟”
صدر هذا التعليق من درية وهي تتابع دخول الاثنين، مما أثار استياء طلال الذي لم يعجبه الأمر:
“لا إله إلا الله، خلي بالك من ألفاظك يا حمـ.ـا.تي، مش عايزين فضايح الله يرضى عنك. ولا حد يجي يسحبنا من قفانا ويخرجنا ويقول علينا بيئة. كل اللي في الفرح ده ناس عليوي، ما تعرفش كلامك ده.”
ردت عليه درية بنبرة ظهر فيها الاستهجان بوضوح:
“بيئة؟ وكمان يطردونا؟ ليه بقى؟ كان القصر الجمهوري ده إن شاء الله ولا إيه؟ أنا بتكلم من قهرتي، الراجـ.ـل الأهبل مش عامل حساب لسنه ولا منظره، جَرّرها معاه وساحبها. هي دي أشكال تدخل حتت نظيفة زي دي؟”
سامية، التي كانت تساند والدتها، أضافت بتأييد:
“عندك حق يا أما، ده كفاية البويا اللي ملغمطة بيها وشها ولا الفستان الأحمر. ده لوحده حكاية!”
رغم حنقه من تهكم الاثنتين، إلا أنه لم ينكر صدق حديثهما. زفر طلال بغـ.ـيظ، مشيحًا بوجهه عنهما، وهو يحدّث نفسه بنـ.ـد.م:
“يا ريتني ما سمعت نصيحتك يا بويا، ولا اتصلت بيه أبلغه بأمر الدعوة. ده حتى عياله نفسهم مستعرين منه!”
❈-❈-❈
أما بهجة، فقد تصلّبت مكانها فور أن وقعت عيناها عليه، يصعد نحوها بصحبة تلك المرأة ليبالغ في تهنئتها:
“بهجة، بـ.ـنتي حبيبتي!”
هجم عليها، يجذبها من ذراعيها ليقبلها على وجنتيها، لكن هذا الغيور تدخل على الفور، وأبعده عنها بحزم:
“استنى هنا، بـ.ـنتك مين يا حج؟ ابعد كده!”
تلجلج خميس، مبررًا أمام صمتها:
“أنا… أنا أبقى عمها يعني، في مقام أبوها بالضبط.”
“عمي بس؟ أنا أبويا مـ.ـا.ت من زمان. على العموم، تشكر يا عمي.”
قالتها بهجة بحسم، لتصب الحرج على خميس الذي حاول تدارك خزيه:
“آه معلش يا بـ.ـنتي، أكيد متأثرة. بس هي قالتلك أهو، أنا أبقى عمها، ولا إيه يا عريس؟ ده أنا حتى جاي أبـ.ـاركلك معاها.”
صافحه رياض بضغط قوي على يده، مانعًا إياه من الاقتراب أكثر أو احتضانه، ليؤكد له مكانته كغريب. أما صفاء، التي ضحكت ببرود مدعية عدm الفهم، فقد حاولت هي الأخرى تكرار فعل زوجها، معتبرة أن كونها امرأة سيمنحها حرية التصرف:
“أنا بقى عارفة نفسي مرات عمك الجديدة يا عروسة.”
وقبل أن تفعل ما يدور برأسها، وجدت كف رياض كحاجز يمنعها من التجاوز، مع ابتسامة لا تخفي فظاظته:
“معلش، عشان المكياج.”
أومأت برأسها، تواصل ضحكها باضطراب:
“آه صحيح، عندك حق. ألف مبروك يا عروسة… ألف ألف مبروك!”
قالتها وهي تلملم حرجها، ثم نزلت عن المنصة تبحث عن طاولة تضمها هي وزوجها، الذي أدرك جيدًا مكانته حتى لا يأخذه العشم ويطمع فيما هو أكبر.
❈-❈-❈
أما عن رياض، فقد التفت ليطمئن على بهجة فور مغادرتهما:
“أوعي تكوني زعلانة عشان عاملته بقلة ذوق.”
هزّت رأسها نافية على الفور:
“وهي فين قلة الذوق؟ أنت اتصرفت بحماية ليا، وأنا اتصرفت بطبيعتي لأني رافضة أي دور يفرضه عليا دلوقتي بعد ربنا ما كرمني بيك. ما هو كان ناسي طول السنين اللي فاتت، ودلوقتي افتكر إنه في مقام أبويا وفاكرني هتكسف من شكلي قدامك؟ لا طبعًا.”
ضمها من كتفيها إليه دون مبالاة بأحد، يدعمها بثقة:
“أيوة بقى، أنا عايزك تبقي قليلة ذوق براحتك. جوزك معاكي وفي ضهرك.”
لم تخجل من فعلته، بل عبرت عن امتنانها قائلة:
“ربنا يخليك ليا يا رياض.”
❈-❈-❈
مع تواصل لفقرات الحفل المشتعلة، كان هناك عدد من المطربين الصغار والكبـ.ـار أيضًا، منهم المطرب المفضل لإحدى الحاضرات، والتي غلبتها الفرحة برؤيته:
الله، عمر دياب! هتفت بها صبا وكأنها طفلة تحضر أجواء العيد، غير منتبهة لوقارها أمام زوجها الذي ردد، ينبهها رغم سعادته بأفعالها:
اهدي يا مـ.ـجـ.ـنو.نة، مش عايزين فضايح، الناس بتبص علينا.
ردت بلهفة غير مبالية:
وايه يعني؟ ما هما نفسهم جريوا عليه. ما تيجي أحنا كمان نتلم عليه؟ أنا نفسي أتصور معاه زي ما حصل يوم حفل الفندق. فاكر يا شادي؟
فاكر يا قلب يا شادي، بس استني على ما الدنيا تهدا، وأنا هوصلك ليه لو نفسك تتصوري معاه…
حبيبيييي! قاطعته بفرحة غامرة، وسحبته من يده بعد ذلك، ليتابعان المطرب المفضل لديها في انـ.ـد.ماج معه
غافلين عن المتابع الذي كان يراقبهم من جهة غير مرئية لهما، بشغف لا يقل عن لهفتها، فقد اختار فقرة المطرب كهدية لابن خالته، وكأن قلبه كان على موعد مع الحدث. اللعنة على هذا الاشتياق الذي يجتاحه من الداخل، لامرأة أصبحت لا تجوز له. وامرأته، التي أنجب منها أطفاله، قد تصالح معها واستقرت الأمور بينهما، ولكن بنظرة واحدة من تلك الجنية التي خـ.ـطـ.ـفت قلبه، أصبح الأمر وكأن شيئًا لم يكن.
واقف تعمل إيه وسايب صاحبك لوحده؟ انتفض مستفيقًا من شروده، ملتفا نحو صاحب الصوت، ثم نكزه بسبابته بخفة على ذراعه، متابعًا:
جاي من تركيا عشان تسرح؟
كااارم! تمتم عدي بالاسم قبل أن يلتقي مع الآخر بعناق رجولي، وترحيب حار متبادل بين الاثنين:
إيه الغيبة الطويلة دي يا عمنا، وحـ.ـشـ.ـتني والله وحـ.ـشـ.ـتني.
وأنت أكتر والله يا كارم، المهم أنت اتأخرت ليه؟ الفرح قرب على نصه.
تبسم بانتشاء وعدل من حلته:
لا، ما أنا كان عندي مشوار مهم. مهمة حساسة كان لازم أتمم عليها قبل ما أجي وأسحب مراتي المسكينة اللي كانت هتاكلني على التأخير.
عندها حق طبعًا تاكلك، مهمة أي دي الحساسة اللي تخليك تتأخر كده على فرح رياض؟
ماهي تخص رياض برضو. طب أقولك، تعالي أفهمك وهو معانا. الحمد لله مراتي إنـ.ـد.مجت مع بهيرة عشان ما تسمعش كلامنا.
ليه يا بني؟ هو إيه الموضوع بالضبط؟
❈-❈-❈
اتجوزوا! معقول بالسرعة دي؟
كان هذا رد الفعل الأولي من رياض بعد سماع حديث كارم بعد أن انفردا معًا بصحبة عدي، مستغلين انشغال العروس بالرقص بين مجموعة من الفتيات.
فجاء التساؤل من عدي:
يعني مين دي يا عم اللي جوازها هممكم أوي كده؟!
أجابه كارم:
ياسيدي دي تبقى خالة آدm، ست كده ما شاء الله، ما تفرقش عن المرحومة أختها غير في الشكل.
أاااااه. تمتم بها عدي بتفهم، ليزيد عليه الآخر بقوله:
أديك خمنت لوحدك يا سيدي، ودي كانت مسببة خطر كبير لعريسنا اللي عايز يعيش مرتاح مع عروسته. أنا بقي يا حبيبي حبيت أخدmه وأخدmها، عرفتها على واحد من نفس طينتها. مخدوش مع بعض يومين، ولقيتهم عازميني شاهد على كتب كتابهم، وكأنهم خايفين لا يطيروا من بعض. فعلاً الطيور على أشكالها تقع.
جشعة. قالها عدي بتخمين، ليؤكد له رياض:
أااااوي، واللي اتعرفت عليه نفس الشخصية زي ما قال كارم، من عيلة أرستقراطية زيينا، لكنه يضيع جبل فلوس على مزاجه والقمار. مكنتش أتمناهولها، بس هي اللي اختارت.
فعلاً، كل واحد يدفع تمن اختياره.
ردد بها كارم من خلفه، قبل أن ينتبهوا جميعاً إلى الأبصار التي توجهت نحوهم، حينما أنشقت دائرة النساء لتكشف عن العروس بينهن وهي تشير إليه بيدها كي ينضم معها. فضحك مردداً:
“معرفش أرقص بلدي، والله ما أعرف.”
ضحك عدي هو الآخر، واستجاب كارم لإشارة من زوجته التي كانت مع المجموعة، ليسحبه مجبراً:
“جرب وهبب أي حكاية، حد قالك إن إحنا كمان بنعرف.”
ودفعه ليشارك الاحتفال بمرح على أنغام الألحان الشرقية، فوجد الحل بأن ينـ.ـد.مج مستشعراً الكلمـ.ـا.ت التي يرددها المطرب:
«ماقدرش أنا على اللي عيني شيفاه ومجاش في بالي
الرقة دي، أه، يا سحر عنيه حاجة فوق خيالي
دا اللي أنا حلمت بيه يكون عشاني مش عايز حد تاني
اتعلقت في ثواني، دا حبيبي ياما صادفني قلوب كتير
وليلة لحبيبي، أعمل فيه إيه؟ غيرتي خــــوفي عليه دايماً يزيد
وأمال بقي لو صارحت عنيه ولمست إيدو»
استمر الحفل بأجوائه الممتعة، وقد حضره العديد من الأصدقاء بعد ذلك، مثل جاسر الريان وطارق وكاميليا وزهرة كداعمـ.ـا.ت للعروس جارتهم قديماً، وصديقة صفية التي ارتخت قليلاً مستجيبة لمزاح خطيبها الطبيب هشام، والذي كان يؤدي كلمـ.ـا.ت الأغنية بإتقان شـ.ـديد ليجعلها تضحك معظم الأوقات.
وفي ناحية أخرى، كانت الوقفة الفاصلة لشخص آخر، وقد وصل إلى قراره أخيرًا بعد أن رأى وقارن وحكم العقل على العاطفة:
واخد جنب لوحدك في آخر القاعة، دا بدل ما ترقص وتشارك، إيه الكآبة دي يا عم؟ تفوهت بها، تقترب منه بأناقتها اللافتة، ليلتفت إليها قائلاً:
معلش بقى، دmاغي مش متحملة الأغاني، شكلي كده كئيب فعلاً.
قطبت باستغراب:
ليه يعني؟ مش فرحان لبـ.ـنت عمك؟ بادلها الرد بسؤاله:
من ناحيتي أنا طبعًا فرحان لها من قلبي والله، إنتي بقى فرحانة كمان ولا؟
تبسمت بثقة وكأنها قد تجاوزت تلك المرحلة:
أنا خفيت خلاص من مرضي يا سامر، بدليل إني جيت وواجهت وبـ.ـاركت لرياض وعروسته وطنت نجوان كمان.
برافو عليكِ، تمتم بها وهو يكتم زفرته، ثم أطرق برأسه قليلاً في تفكير قبل أن يرفع نظره قائلاً:
عقبالك إنتي كمان، شكلك زي القمر النهاردة، أكيد هتلاقي ألف عريس يتقدmولك من بكرة.
ضحكت، تضـ.ـر.ب كفًا بالآخر مرددة:
ألف مرة واحدة؟ لا يا سيدي، مش لدرجة دي، بس تقدر تقول هو فعلاً في حاجة زي كده.
توقفت تتابع بتلعثم وارتباك:
آآآآ، ابن عمة ماما، ده اللي كان واقف معايا من شوية، شوفته.
آه، شوفته. ردد بها من خلفها وبيقين ترسخ داخله:
لايق عليكي.
ضحكت بخجل:
بس أنا لسة مرديتش ولا أديت رأيي، هو كلم ماما وأنا قلت أخد فرصتي في التفكير.
اعتدل في وقفته يخاطبها بجدية:
لو إنسان كويس متتأخريش في الرد عليه ولا تضيعي ثانية زيادة من عمرك. على العموم، أنا كمان قررت، وقريب هتلاقيني ملبس دبل.
سألته بلهفة أكدت صدق ظنها:
بجد يا سامر؟ طب هي فين؟ لو في الفرح هنا، قولي خليني اتعرف عليها.
أزاح عيناه عنها بسأم، فالفكرة قد خطرت برأسه في التو ولم يأخذها بجدية حتى الآن، ولكن مهلاً….
توقف بصره في نقطة معينة، نحو تلك الجميلة التي تراقص شقيقتها ببراءة ورقة يعلمها عنها منذ نعومة أظافرها، ولكنه لم ينتبه إليها سوى الآن. فقد كبرت ولم تعد تلك الصغيرة التي نشأت أمام عينيه بأخلاقها المتميزة وعفويتها دون تصنع، ليردد اسمها داخله:
جنات.
❈-❈-❈
قاربت الليلة الأسطورية على الانتهاء، وقد حان وقت ذهابها مع زوجها، فخرج يسبقها حتى يأتي بالسيارة من المكان الذي اصطفها به، فانتظرت هي داخل حديقة القصر حتى يتصل بها لتخرج، ولم تحسب حساب شخص آخر كان لا يصدق أن فرصته للحديث معها قد أتت:
لسة جميلة زي ما إنتِ يا صبا. شهقة إجفال صدرت منها قبل أن تلتف إليه، فتتحقق من هويته بعدm استيعاب:
إيه ده، معقول؟ إنت إيه اللي جابك هنا؟ تبسم، يقترب منها ليجيب بثقة:
دا قصر أجدادي يا صبا، والفرح اللي جوا يبقى فرح ابن خالتي على قريبتكم، بهجة….
صمت بتنهيدة خرجت من العمق قبل أن يتابع بتمني:
تصدقي إني تخيلتك مكانها النهاردة، وأنا جنبك مكان رياض.
اشتعلت عينيها بغـــضــــب لم يخفَ عليه فتابع غير قادر على التوقف:
أنا هنا بتكلم على جواز في العلن، مش  عـ.ـر.في ولا في السر. كان نفسي أخد الفرصة أنا كمان زي رياض ومضيعكيش من إيدي.
ردت بحدة حتى يكف عن عبثه:
لا حضرتك ناسي، رغم إني كارهة أتكلم في الموضوع ده من أساسه، بس أنا هفكرك إن الوضع هنا مختلف. الوضع هنا اتنين بيحبوا بعض، بس اللي كان واقف بينهم هو الظروف وسوء الحظ. إنما لما اتخطوا الاتنين، وصلوا لبر الأمان. أنت بقى… راجـ.ـل متجوز ومعاك أولاد، يعني كان الأولى تبص لاهل بيتك وولادك، مش تعيش حياتك بالطول والعرض. ولما تغلب معاك واحدة، تطلب منها الجواز في السر.
ولو كنت طلقتها واديتيها كافة حقوقها هي والولاد، كنتي هتوافقي يا صبا؟ بس قبل ما تجاوبي على دي، عايز أسألك: إنتِ سعيدة أصلاً مع شادي؟
وأنت مالك؟ صدر الصوت الخشن خلفها، لتفزع برؤية رجلها، وقد بدا أمامها كالوحش بطاقة تفوح منها الشر:
إيه اللي رجعك تاني يا عدي يا عزام؟ ومالك ومال مراتي أصلاً؟
أجابه ببرود غير مباليًا بالهلع المرتسم على هيئة تلك المسكينة:
أنا قابلتها بالصدفة زي ما إنت شايف، وكنت بسألها سؤال بريء، مقصدتش بيه أي حاجة وحشة.
سؤال بريء برضه؟ ولا دي مقدmة قبل ما توز في ودانها زي الشيطان؟ أنا بقى هخلص منك القديم والجديد.
قالها وتقدm بخطواته بنية واضحة علمتها لتهرع إليه تحاول منعه، فتتصدر بجــــســ ـدها أمامه:
لا يا شادي، إحنا ماشين وسايبينه، شادي….
توقفت في الأخيرة وقد ارتخت أعصابها، لتلفها غمامة سوداء فتسقط فاقدة للوعي، فتتلقفها ذراعيه قبل أن تصل للأرض، هاتفًا بإسمها:
صبااا
توقفت السيارة بها في هذا البلد الغريب، وسط أجواء غامضة لم تستوعبها بعد، وهي تنظر عبر زجاج النافذة طوال الطريق.
“يلا يا بهجة، إنتِ مستنية إيه؟”
كان هذا نداء زوجها الحبيب الذي سبقها بالخروج من السيارة. استدركت كلامه واستجابت، فنزلت من السيارة التي كانت تقلهم. وما إن وضعت قدmها على الأرض حتى غرست في ذلك الشيء الأبيض، فهتفت بدهشة:
“إيه ده؟ يا لهوي! أنا حاسة نفسي جوه فريز التلاجة!”
صدرت ضحكته بمرح وهو يسحبها من يدها ويتحرك بها قائلاً:
“إنتِ لسه شوفتي حاجة يا بهجة؟ أمال أنا ملبسك تقيل ليه؟ ده انتي هتنبهري أكتر جوا.”
“أكتر من كده؟!”
تمتمت بها وهي تواصل طريقها معه باتجاه السلم الخشبي. صعدت الدرجات بجانبه حتى توقفا أمام مدخل كوخ خشبي. فتح الباب لتدخل خلفه، فتوقفت مكانها، تدور برأسها في كل الاتجاهات، متأملة المكان بانبهار.
تركها تتأمل حتى صرف السائق الذي وضع الحقائب خلفهما. ثم عاد فجأة ليضمها من خصرها، وطبع عدة قبلات على وجنتها، فصرخت بإجفال:
“ررررررييياض! خضتني!”
ضحك بمشاكسة وهو يقول:
“هو إنتِ لسه شوفتي خضات ولا انفعالات؟ دا أنا هبرجلك الأيام اللي جاية ! بس دلوقتي خلينا نريح الأول عشان أنا تعبااان.”
ضحكت بخجل تحاول إخفاءه، ودفعته بقوة بقبضتها على ذراعه. لكنه لم يشعر بها بسبب الملابس الثقيلة التي يرتديها.
“أجل تلميحاتك الوقحة شوية، والله أنا عايزة أتعرف على كل حاجة هنا. البيت ولا الكوخ ده شكله يجنن وغريب عليا، أول مرة أشوفه.!
شاكسها بإبتسامة مراوغة:
“ماشي يا قلبي، هتت عـ.ـر.في على كل حاجة بس…” توقف قليلاً قبل أن يكمل
“بس إيه الهدوم الكبيرة دي؟”
“الهدوم دي أنت اللي ملبسهالي!”
قالتها بدهشة، لكنه على الفور بدأ يخلع معطفها قائلاً بغـ.ـيظ:
“آه، طبعاً، برا! إنما هنا مينفعش.”
“مينفعش ليه؟”
سألته وهي تتصنع عدm الفهم، لكنه لم يترك لها الفرصة للتلاعب. دفعها بخفة لتصطدm بالجدار خلفها، وألقى المعطف أرضًا. يداه عرفتا طريقهما؛ واحدة أحاطت خصرها، والأخرى رفعت وجهها إليه ليقترب منها متناولاً ثغرها بقبلة عاصفة، متلهفة،مشتاقة،. طالت حتى تحولت إلى قبلة ناعمة ورقيقة. قبل أن يبتعد قليلاً بأنفاس متقطعة وقال بإجابة مختصرة لسؤالها:
“عشان من هنا ورايح، مفيش أي حواجز تفصلني عنك أبداً، فاهمة يا بهجة؟”
أومأت برأسها مرتين دون أن تستطيع الكلام. فأقترب يعاود الكرة بشوق ولهفة أشـ.ـد، حتي دني ليرفعها من ركبتيها مغمغمًا بنفاد صبر:
“لا، إحنا كده ملناش غير أوضتنا!”
فصرخت توقفه:
“بس أنا لسه ما اتفرجتش على باقي البيت!”
رد بسرعة وهو يتحرك بها نحو وجهته:
“هتتفرجي بعدين! البيت ده فوق الجبل، أنا وإنتِ وبس، ومفيش حد تالتنا. دا أنا ماصدقت أستفرد بيكي. هي لسه فيها كلام؟”
ضحكت بمرح وهي تجادله:
“طب ناكل الأول، أنا جعانة! رياض… رياااااض!”
❈-❈-❈
استيقظت من نومها صباحًا، تطوف بعينيها داخل أرجاء الغرفة تبحث عن من ترك الفراش بـ.ـاردًا بجوارها. نهضت بحذر، والقلق يزداد في قلبها أن يكون ما زال متأثرًا بحديث الأمس.
كانت على وشك الخروج من الغرفة حين أبصرت خياله داخل الشرفة، يعطيها ظهره وهو يتأمل الخارج. تراجعت عن خطواتها، وغيرت اتجاهها نحوه قائلة:
“إنت صحيت بدري ولا ما نمتش جنبي أصلاً؟”
لفت انتباهه صوتها، فالتفت إليها متكئًا على الحاجز الإسمنتي، يطالعها بصمت للحظات قبل أن يجيب بفتور:
“للأسف، ما نمتش أصلًا، رغم إني حاولت كتير، لكن النوم مهوبش عيني ولو دقيقة، وكأنه اتفق مع تعب جـ.ـسمي إني ما أدوقش الراحة.”
تبدلت ملامحها إلى القلق وهي تستشعر السبب الذي سرق منه الراحة وأغرق قلبه في الحيرة والتساؤلات. اقتربت منه بخطوات مترددة، وسألته بحـ.ـز.ن:
“ليه؟ إيه اللي شاغل بالك للدرجة دي؟ معقول يكون شك يا شادي؟”
استنشق دفعة من السيجارة التي لا يلجأ إليها إلا في غمرة التـ.ـو.تر، وكأنها وسيلته الوحيدة للتنفيس عما يعجز عن السيطرة عليه، ثم أجابها دون مواربة:
“مش شك يا صبا، قد ما هو تفكير في الكلام اللي اتقال. يا ترى لو طلق مـ.ـر.اته فعلاً… وحاول تاني بجواز في العلن زي ما قال… عدي مش فرصة هينة يا صبا.”
نظرت إليه بذهول، وقالت بصوت مرتجف:
“وأنا إيه دخلي إن كانت فرصة ولا مش فرصة؟ إنت بتتكلم في إيه يا شادي؟ أنا مراتك!”
سمعها وأطرق برأسه للحظات قبل أن يرفع عينيه إليها قائلاً:
“عارف إنك مراتي، بس أنا بتكلم عن النفس الضعيفة. أي حد فينا ممكن يضعف قدام الإغراء، وده مش مجرد إغراء. ده تحول كبير لو حصل معاكي، ونقلة كاملة من إنسانة عادية متجوزة من واحد أقل من العادي، أينعم مستور شوية،لكن ميملكش حتي تمن الثروة اللي يملكها عدي عزام الوسيم، الغني اللي معاه سلطة وهيبة. بيملك كل حاجة، وحتى مشكلته الوحيدة مع الجواز والولاد بيعرض إنه يحلها. يعني بيفتح أبواب السعد قدامك،تقريبا هيحولك لأميرة، إنماأنا بقى…”
توقف قليلًا ليزفر تنهيدة مثقلة قبل أن يضيف بألــم:
“أنا مين قصاده؟ أنا مين قصاد واحد زيه بيقدmلك الدنيا على طبق دهب، وأنا؟ أنا أقل بكتير… فرق السما والأرض. أنا قصاده ولا حاجة، يا صبا.”
قاطعته بحزم وهي تضع كفيها على صدره وتهزه بعنف:
“لكن قصاد صبا، إنت كل حاجة! إيه اللي خلاك تفكر فيا بالطريقة دي؟ لو كان بالفلوس أو الشكل، كنت إتجوزت من قبل ما أشوفك حتي، أينعم محدش من اللي اتقدmولي وصل لمكانة عدي عزام ، لكن كانوا ولاد ناس هما كمان وأحسن منه، ومع ذلك، ما قلتش أمين غير ليك. عشان ما جبلتش غيرك،
اللي في صدري ده.
وضـ.ـر.بت بقبضتها على موضع قلبها، وقالت بدmعة غلبتها:
“مدقش غير ليك. سبحان اللي بيألف القلوب. أنا قلبي ما حبش غيرك. ولا كنوز العالم تقدر تخلي قلبي يستغنى عنك. فهمت ولا أعيد تاني يا شادي؟”
بصوتٍ حبس في صدره من شـ.ـدة ما يجتاحه من الداخل، بعدmا أثلجت صدره وبلسمت قلبه المسكين بكلمـ.ـا.تها، هذه الجميلة الصغيرة التي تعشقه كما يعشقها، وتستغني عن مال العالم ووسامته الشـ.ـديدة من أجله.
“فاهم يا قلب شادي… فاهم. يا رزق شادي وعوض ربنا ليه.”
وجذبها إلى صدره بقوة، يسحقها بضمته، من أين يجد التعبير؟ أي كلمـ.ـا.ت في العالم قد تسعفه الآن؟ لقد تضخم قلبه بكم من المشاعر لا يوجد في العالم ما يمكن أن يصفها.
طال العناق بينهما، ولم تحاول تنبيهه أو منعه، فهي الأخرى كانت في أمس الحاجة إليه. حتى قطع لحظتهما صوت هاتفه يرن، مما اضطره إلى فك ذراعيه عنها. تناول الهاتف من جيب بنطاله البيتي وأجاب:
“ألو، مين معايا؟… مين؟
ممرضة المركز؟… آه يا فنـ.ـد.م، دا رقمي اللي سجلته لتحليل زوجتي صبا مسعود أبو ليلة. هي النتيجة ظهرت؟…”
تجمد في مكانه فجأة وهو يردد بذهول:
“بتقولي إيه؟ إيجابي؟! متأكدة؟!”
صرخ بالكلمـ.ـا.ت الأخيرة وهو ينتفض، مما أثار فزعها. نظرت إليه بقلق وسألته:
“في إيه يا شادي؟”
التفت إليها بعشق العالم كله في عينيه وهو يردد:
“إنتِ حامل يا صبا… حامل يا قلب شادي!”
❈-❈-❈
داخل الطائرة الخاصة، كان قد اتخذ قراره بالرحيل دون انتظار ساعة أخرى في الوطن. علم بـ.ـنتائج التحليل قبل أصحابها أنفسهم، بفضل نفوذه الواسع الذي مكّنه من مراقبة الوضع منذ الأمس.
كان ذلك منذ اللحظة التي وقعت فيها أمامه، فرفعها زوجها بين ذراعيه وغادر بها القصر متوجهًا إلى أقرب مشفى في المنطقة، للاطمئنان عليها. حينها، وصله خبر توجيه الطبيب لهم بإجراء عدة تحاليل قبل أن يسمح لهما بالمغادرة. لم يحتج إلى بذل الكثير من الجهد لمعرفة المركز الذي نُقلت إليه العينات، وأصدر أوامره بضرورة إبلاغه بالنتائج فور ظهورها.
وبالفعل، تلقى الخبر الذي حطم كل أمل صغير قد نما في قلبه. ويحرم عليه حتى الأحلام بعد ذلك.
حامل…
ستلد من الرجل الذي فضّلته عليه. الأبناء الذين سيزيدون من قوة أسرتها وترسيخ أعمدتها.
شعر بمرارة تفوق الوصف. لقد أضاعها بغــــروره وعناده، عنـ.ـد.ما اعتقد أن كل النساء سواء، وأن الفارق الوحيد يكمن في السعر. لم يدرك حينها أن عقـ.ـا.به سيتحقق حين يدق قلبه للمرة الأولى، مع المرأة الوحيدة التي لا يمكن شراؤها ولو بكنوز العالم.
❈-❈-❈
بخجل شـ.ـديد خرجت من البناية التي تقطن بها، تمشي باستحياء نحو السيارة التي كان مستندًا عليها بظهره، متربع الذراعين، يدعي الجمود والثبات، بينما عيناه تلتهمان تفاصيلها المحببة إلى قلبه.
جمالها هادئ ومريح للعين، رقيقة ولطيفة كقطة وديعة، لكنها سرعان ما تتحول إلى شرسة وتكشر عن أنيابها إذا استُفزت. وربما تهجم على من يخطئ في حقها. كيف ترى هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة نفسها عادية وهو يراها أجمل النساء، وأكثرهن ذكاء، خاصة عنـ.ـد.ما يشاكس الجانب الشرس بها.
صباح الخير.
ألقت التحية وهي تقترب منه، تسبقها حمحمة خفيفة لتجلي حلقها. أجابها بصوت رائق، متأثرًا برؤيتها:
صباح الفل والورد والياسمين، يا أستاذة يا آنسة صفية.
عبست، وزامت شفتيها بغـ.ـيظ من مناكفته المعتادة، ونفثت زفيرًا كالدخان من أنفها. ثم توجهت إلى باب السيارة الأمامي، فتحته، وجلست بالداخل، مغمغمة بحنق:
يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم… هنبدأها من أولها نقرزة؟ أنا عارفة، اليوم باين من أوله!
ضحك بتسلية، ثم انضم إليها، جالسًا خلف عجلة القيادة، وأدار المحرك قائلاً بهدوءه المعتاد:
ليه بس النرفزة والخلق الضيق؟ هو دا ذنبي إني بحترمك يعني؟
رمقته بنظرة كاشفة، ثم أشاحت بوجهها نحو الأمام قائلة:
الظاهر إنه طالبة معاك غلاسة على الصبح، وأنا ماليش خلق.
أطلق تنهيدة طويلة، ثم قال بنبرة مشبعة بالهيام:
مقدرش… مقدرش يا صفية ما أناغشكيش، ولا أتحرم من شكلك وإنتِ متكدرة كده ونفسك تخـ.ـنـ.ـقيني… أصلك ما بتشوفيش نفسك وأنت متعصبة.
كادت أن تفرح بكلمـ.ـا.ته الأولى، لكنها عقدت حاجبيها،ليرتسم علي جبينها علامة الإحدي عشر فور سماعها بالأخيرة، وسألته بتوجس:
ماله شكلي وأنا متعصبة عشان يضحكك كده؟
توقفت عن الكلام عنـ.ـد.ما لاحظت تعبيره المستفز، فردت بنبرة عاتبة:
بلياتشو أنا يا هشام عشان أضحكك؟
وهو في بلياتشو يبقى قمر كده؟
أجفلها غزله، فتوردت بشرتها بحمرة شـ.ـديدة، مما جعله يضـ.ـر.ب بقبضته على عجلة القيادة بحماس مهللًا:
آه! هو ده اللي عمره ما هيخليني أبطل مناغشتك، بطلي إنتِ تتكسفي يا صفية، ووشك يبقى زي محصول الطماطم… يمكن ساعتها أقدر.
رسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة حاولت كتمها، لكنها سرعان ما استعادت ادعاء الاستياء، قائلة وهي تشيح بنظرها:
أنا بقول لما تعقل الأول! نفسي أفهم، خدت الشهادة وبقيت دكتور إزاي؟
أجابها بمزاح يحمل تلميحًا:
بالحمام! أصلي أمي شاطرة أوي في تربية الحمام. كل دكتور كان عنده مادة امتحان كنت أبعتله من حمامها، هو يظبط نفسه في بيته، ويجي الامتحان ويروقني بالدرجة النهائية. حكم الحمام ده مهم جدًا. ما سمعتيش عن فوايد الحمام للمتجوزين يا صفية؟
لم تفهم كلمـ.ـا.ته في البداية، فهزت كتفيها بلامبالاة، لكنها سرعان ما أدركت المعنى خلف ابتسامته المستفزة. عندها، برقت عيناها بغـ.ـيظ، وضـ.ـر.بته بقبضتها على ساعده قائلة:
بطل وقاحة وقلة أدب يا هشام!
رد بضحك متواصل حتى دmعت عيناه، ثم غمغم بينها وبين نفسه:
بطل وقاحة وقلة أدب كمان! ده على أساس إننا عتبنا المرحلة دي أصلًا؟
❈-❈-❈
على رأس مائدة الطعام التي قامت بإعدادها بمساعدة الدادة نبوية، كانت جالسة تتناول معهما بتأني وتركيز شـ.ـديد، عيناها لا تحيدان عن آدm رغم حديثه الممتع مع عائشة:
نفسك في الأكل حلو أوي يا نوجة، الفطار يجنن. ضحكت بصخب معلقة على مبالغتها المحببة:
نفسي كمان! وهي الجبنة ولا المعلبات فيهم نفس أصلاً؟ هو يدوب بيض الأوملت، حبيت أجربه زي ما كنت بعمله لرياض، شكلكم أنتم كمان طلعتوا بتحبوه.
قالت الأخيرة بقصد واضح نحو آدm الذي انتبه ليلتف إليها، فهو بالفعل من كان يتناول بنهم في طبقه، ليتوقف قليلاً عن مضغ الطعام بفمه، لتسارع هي برقتها:
أنت وقفت ليه؟ كل يا حبيبي بالهنا والشفا، أنا عارفة من الأول إنك بتحب البيض بالطريقة دي، وكنت بتكلم عشان أفتح كلام معاك.
سألها بفراسته:
رياض هو اللي قالك؟ أومأت رأسها بموافقة، وداخلها تؤكد، حتى وإن لم يخبرها ابنها بنوعية الطعام التي يفضلها آدm، كانت ستعلم من نفسها، فهذا لم يترك شيئًا، من حكيم ولم يرثه عنه حتي طريقته في تناول الأصناف التي يحبها.
تنهيدة مثقلة صدرت منها، تستدعي تماسكها وإزاحة هذه الأفكار عنها بمخاطبة عائشة:
عيوش القمر، أنا النهاردة فضيلتكم أنتم الاتنين، شوفوا نفسكم عايزين تقضوها لعب في الجنينة برا ولا نخرج نتفسح مع بعضنا؟
نخرج نتفسح طبعًا مع بعضنا، ردت بها عائشة على الفور تجيبها بحماس هللت به، لتتلاقاها نجوان بابتسامة حنون، قبل أن تنقل بعينيها نحو آدm الذي لم يتكلم:
وأنت يا حبيبي، مش عايز تيجي معانا؟ طالعها بابتسامة رزينة لامست أعماقها:
أروح معاكم عادي.
تبسمت، معلقة بفضول يقــ,تــلها:
“إزاي جبت الرزانة دي؟ طفل في سنك وعاقل كده؟”
ضحكت عائشة متأثرة بكلامها، حتى هو شاركهم الابتسام، ثم أضاف:
عادي يعني يا طنط، تقدري تقولي طبع، بس ماما هي كمان كانت دايمًا تقولي كده، إني عاقل لدرجة الملل.
خبأت ابتسامتها فور ذكره لوالدته الراحلة، وحاولت جاهدة تمالك نفسها من غصة الحـ.ـز.ن التي شقت حلقها. توقفت عن الطعام بعدmا فقدت شهيتها تمامًا، ثم رسمت ابتسامة زائفة، و فركت كفيها ببعضهما ونهضت قائلة:
ماشي يا حبايبي أنا قايمة أجهز نفسي وإنتوا كملوا فطاركم على ما خلصت. وتوقفت موجهة كلمـ.ـا.تها لآدm:
متنساش علاجك مع دادة يا نبوية يا آدm.
❈-❈-❈
عاد خميس من الخارج بخطوات متسارعة بعد أن أنهى عمله في الوكالة برزق وفير جمعه كعادته. كان يتأمل الأجواء بحذر، فرغم اختياره الدائم لموعد نومهم في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، إلا أنه يخشى مقابلة أحدهم، فيزعجه بطلبات ومصروفات لم يعد قادرًا على تلبيتها. لقد ملّ من زحمة المنزل وحرقة الدm التي تصاحب الصرف المتواصل لكفاية هذه القبيلة من الأطفال ووالدتهم من الطعام. ما ينقصه فقط هو فرصة الهرب من كل هذا. طالما يجمع المال، يستطيع الزواج بغيرها، امرأة جميلة وصغيرة، ويفضل أن تكون عقيمة لا تنجب.
في هذا الوقت، كانت زوجته داخل المرحاض. لم يكلف نفسه عناء مناداتها، بل أسرع مستغلًا الفرصة، واتجه نحو الركن الفاصل بين الخزانة الخشبية للملابس والحائط ليخرج حقيبة السفر القديمة من مكانها المعتاد. ولكن، مهلاً… أين هي؟
لم يجد سوى كتب مدرسية للأطفال وكراسات وبعض الأقلام. زمجر بغـــضــــب:
يا صفاء! انتي يا صفاء!
صدح بصوته الجهوري عنـ.ـد.ما تأكد من عدm وجود الحقيبة، وواصل النداء بعجالة:
يا صفاااااء! هاقعد أنادي عليكي طول اليوم؟ انتي فييييين يا ست انتي؟
استجابت لندائه بصوت متذمر وهي تخرج من المرحاض، تلف رأسها المبلل بمنشفة صغيرة:
إيه؟ إيه؟ أنا جاية أهو… جرى إيه؟ الدنيا طارت؟
تخصر ليستقبلها بتهكم:
لأ، مطارتش، لكنها هتفرقع وتولع لو مردتيش على سؤالي دلوقتي! الشنطة القديمة اللي كانت هنا راحت فين؟
سألته ببرود:
شنطة إيه؟
صرخ بفزع:
شنطة الهاند باج السودة المقطعة! فينها يا ولية؟ اللي كانت فيها هدومي القديمة!
طقّت فمها باستهجان مستنكرة ثورته:
بقى كل ده عشان شنطة قديمة ومقطعة! إيه قيمتها دي عشان تبهدل الدنيا وتصرخ كده؟ طب العيال لمّوها النهاردة مع حتة الغيارين، وعبوها كتب من بتاعتهم وباعوها لبتاع الروبابيكيا…
إييييه؟!
صرخ بصوت أعلى، قابضًا على ساعديها ،يعنفها بحقد غير مصدق:
إيه اللي بتقوليه ده؟ انتي أكيد بتهزري! لا يمكن تكوني بتتكلمي جد. يا إما… يا إما انتي خدتِ الفلوس اللي فيها! أيوة، أنا عارفك، أبوكي القرش وأمك الفلوس!
نفضت ذراعيها من قبضته لتنهره بغـــضــــب:
شيل إيدك عني يا راجـ.ـل! إنت اتجننت ولا إيه؟ كل الجنان ده على شنطة قديمة ومقطعة؟ ولا…
توقفت فجأة، ثم تابعت بفراسة:
ولا يكونش كنت حاطط فيها فلوس ولا حاجة غالية؟
دفعها بقوة، وملامحه تخالف طبيعته المعروفة بالجبن، ليصارحها دون إنكار:
أيوة، كنت حاطط فيها فلوس، وفلوس كتيرة كمان، في جيب سري، عشان انتي وولادك الحـ.ـر.امية ما توصلولهاش! أديكي عرفتي… يبقى اطلعي بفلوسي يا ولية، ولا أحسن أوديكم كلكم في داهية!
لم تكن أقل شراسة منه، لتقبل إتهامه بضعف أو تردد، فردّت تبادله بدفعه أقوي من دفعته، مكشرة عن أنيابها:
داهية تاخدك وتاخد اليوم اللي شوفناك فيه يا عجوز يا عرة الرجـ.ـا.لة! مفيش حـ.ـر.امي غيرك! إنت جاي ترمي بلاك علينا ولا إيه؟ أما دي عجايب والله!
صرخ بأعلى صوته وقد فقد آخر ذرة من حكمته، قابضًا على رقبتها:
دا أنا اللي هوديكي في داهية النهاردة! والله ما أنا سايبك!
ثارت عليه بجنون أشـ.ـد:
طب إن كنت راجـ.ـل، اعملها! عشان الداهية دي إن شاء الله تاخدك انت!
ثم صاحت بأعلى صوتها:
الحقوني يا نااااس! الراجـ.ـل الخرفان عايز يمـ.ـو.تني!
❈-❈-❈
ضحكتها التي كانت تجلجل في البقعة الخالية إلا منهما، وهو يقوم بسحبها بيديه الاثنتين بروية وصبر، كي يعلمها التزلج على الجليد، وقد جهزها بجميع الأدوات: الثياب الثقيلة، والنظارة الواقية التي تحمي عينيها، والقفازات، والخوذة، وغيرها من الأشياء الهامة، بالإضافة إلى الزلاجات الجليدية التي ترتديها في الأسفل، والتي تسير بها بصعوبة رغم مساعدته لها، وجــــســ ـدها يميل يمينًا ويسارًا بلا توازن، حتى زمجر مخاطبًا إياها بحزم:
بطلي بقى واثبتي! كده اليوم هيضيع في المحاولات وبس.
هتفت تجادله بمرح:
وأنا أعملك إيه يا مفتري بمزاجك الغريب؟ ما كنا روحنا بلد ساحلي ولا استوائي. حبكت التلج والمزاج الغريب ده!
ضحك معلقًا بتسلية:
بقى دي جزاتي؟ أَني عايز أعيشك في جو مختلف، دي الرومانسية في أعلى صورها يا بـ.ـنت خليل.
توقف فجأة عن العبث ليردف بشجن، تخلل كلمـ.ـا.ته:
أنا عشت أجمل أيام عمري في الجو ده يا بهجة، الأسرة السعيدة: بايا وماما، وحبهم اللي كنت بشوفه في كل تصرفاتهم لبعض. قعدتنا إحنا التلاتة قدام الدفاية والحطب، وبابا ضاممنا أنا وماما في حـ.ـضـ.ـنه، وهو بيحكي تفاصيل يومه في الشغل، ماما تحكي عن مغامـ.ـر.اتها مع الجيران. وأنا أحكي أي حاجة هبلة عشان أشاركهم.
كنت دايماً برسم في عقلي إني أقعد أنا وحبيبتي قدام النار، ونحكي ونحب في بعض.
بس أنت مقعدتنيش قدام النار ولا الدفاية يا رياض.
قالتها بعفوية، انتشلته من ذكريات كان قد غاص فيها، ليستدرك ضاحكًا:
حاضر يا بهجة، هنقعد قدام النار وندفى. هو إحنا ورانا إيه أصلاً؟
جادلته، وهي تتشبث به حتى لا تقع:
يعني إيه الكلام ده بقى؟ شهر عسلنا هيبقى يا تلج أخوض فيه، يا قعدة قدام النار، هوده يبقى عسل يارياااض!
أطلق ضحكة مدوية قبل أن يغـ.ـيظها قائلاً:
لا، طبعًا! أنا محضرلك برنامج شامل هيعجبك ويريحك أوي يا بهجة.
وعاود ضحكاته، ليحاول مجددًا تعليمها.
استجابت بتحريك قدmيها بخطوات بطيئة، رويدًا رويدًا أصبحت تستقيم معه حتى كاد أن يصل بها إلى ممر التزلج، لتأتي عاصفة ثلجية فجأة، بفعل بشري، حينما مر أمامهم بعض الأفراد بسرعة البرق، يطيرون فوق كوم عالي من الثلج، ارتفع جزء كبير منه ليغطي وجوه الأثنان وملابسها الثقيلة.
شهقت بهجة بإجفال امتزج بدهشتها، أما هو، الذي أصابه ما أصابها، كاد أن يخرج من فمه سبّة نحو الرجلين الذين اختفيا كالظلال بسرعتهما في التزلج. ولكن أوقفه ضحكتها، التي صدحت بدون قيود أو خجل.
ضحكة صافية بشقاوتها، ألهبت مشاعره الهائمة بها، ولكن هذا لم يمنعه من استفزازها.
ليباغتها بكومة صغيرة من الثلج دفعها بها، أوقفتها عن الضحك بصدmة، سريعًا ما تجاوزتها، لتدنو سريعًا تلتقط كومة بين كفيها، ألقتها عليه بكامل قوتها لتغطي وجهه بالكامل، وجزءًا ليس بالهين من معطفه، حتى شعرت ببعض النـ.ـد.م، قبل أن يقلب الأمر عليها، ويرد بكومة أخري نحوها، وتبدأ حرب كرات الثلج بينهما، ولحظات من المرح والضحكات التي لا تنتهي.
❈-❈-❈
وصلت الأسرة بأكملها إلى المشفى الذي يتلقى فيه خميس الإسعافات اللازمة، بعد خوضه شجارًا غير متكافئ تمامًا مع المرأة وأولادها والجيران الذين شهدوا على ما حدث له. كان يتلقى الضـ.ـر.ب على كل مناطق جــــســ ـده، ليُضاف ذلك إلى سجل خسائره من الكرامة والصحة أيضًا.
يتأوه بصخب داخل الحجرة التي تم احتجازه فيها حتى يتعافى ويتمكن من السير مجددًا. دلف إليه أولاده الثلاثة بصحبة والدتهم، التي أصرت على أن تراه بهذا الوضع.
آاااه، آااه، آاااه، همـ.ـو.ت يا ناس همـ.ـو.ت.
بادرت والدتهم بالتهكم وبلهجة لا تخلو من الشمـ.ـا.تة:
سلامتك، سلامتك يا سبع الرجـ.ـا.لة سلامتك من كل شر.
رمقها بنظرة حارقة، فهو الأعلم بشمـ.ـا.تتها به الآن، ليحاول النهوض بجذعه ينتوي طردها، لكن غلبه الألــم في ذراعه المكـ.ـسور، فعاد للتأوه والنواح:
آاااه، يا دراعي، ااااااه يا كلي يا أنا ياما! هو أنا كنت حمل أشكال تشمت فيا كمان؟
مصمصت درية بشفتيها، بينما حاول سامر تهدئة الوضع من خلفها قائلاً:
معلش يابا، إحنا جايين نطمن عليك بس.
نظر خميس نحو أولاده الثلاثة بتساؤل:
– كلكم؟
أشاحت سامية بعينيها عنه، لا تطيق الرد عليه، بينما تكفل سمير بالرد:
طبعًا يا أبويا، كلنا، من أول ما وصلنا الخبر وإحنا لمينا نفسنا وجينا على طول نطمن. إنت عامل إيه دلوقتي؟
تلقف السؤال ليجيب بصوت يحمل مظلومـ.ـيـ.ـته:
همـ.ـو.ت يا بني! الوِلْيَة الحـ.ـر.امية هي وعيالها سرقوني ونهبوني، وآخرة المتمة خرجت من عندها بعلقة! دا أنا اتضـ.ـر.بت ضـ.ـر.ب مخدوش حمار في مطلع.
ضحكة شامتة بزغت على شفتي درية لتزيده حنقًا، فعبّر عن استيائه:
إنتو جايبين الست دي معاكم ليه؟ عشان تشمت فيا؟ دي جزاتي عندكم!
يابا والله مش كده، أمي بس عايزة تطمن.
قالها سامر لتُعلّق درية مكررة بتهكم:
أهو قالك أهوووه، جاية أطمن وأعمل الأصول. يا راجـ.ـل يا أبو الأصول! هههههه.
وختمت بضحكة أشعلت رأسه، فكان دخول سامية وخطيبها كنجدة له:
مساء الخير عليكم جميعًا. المشوار قُضي والحكاية انتهت خلاص. يا عم خميس…
مشوار إيه؟
توجهت سامية بالسؤال نحو خطيبها، فأتت الإجابة من والده:
حكاية صفاء يا بـ.ـنتي. الست دي كانت ملفقة لأبوك كام قضية عشان يتحبس فيهم سنين، بس إحنا ضغطنا عليها وخليناها تتنازل.
جاء اعتراض خميس صائحًا:
نعم! يعني بعد دا كله كمان هي اللي كانت شاكياني؟ دا بدل ما تجيب فلوسي! الحـ.ـر.امية!
انفجرت درية خارجة عن دور اللامبالاة قائلة:
نعم الله عليك يا حبيبي، ما هو دا الطبيعي! تحلبك زي البقرة، ولما تروح فايدتك تِرْمَيك في السـ.ـجـ.ـن ولا تتخلص منك أحسن من ده كله!
أممممم…
زمجر بها خميس بغـــضــــب، ليتوجه نحو أبنائه بحنق:
يا جدعان بقي واحدة زي دي جايبينها معاكم ليه هااا لييييه؟
كادت أن تمطره بالتقريع وكلمـ.ـا.ت الشمـ.ـا.تة، لكن إشارة حاسمة قام بها طلال رافع يده امامها يسكتتها. ثم وجّه أمره للجميع:
اسمعوا بقى أما أقولكم، أنتوا عيلة في بعضيكم، لكن أنا بصراحة فاض بيا. أنا هجهز الكوشة ولوازم الفرح من دلوقتي، عشان تخرج من هنا على ليلتنا على طول، مش هستنى أكتر من كده.
فرح مين؟
سأله خميس بحيرة، قبل أن يجيب طلال بحسم:
قصدي علي فرحنا، مشاكلكم تحلوها مع بعضيكم، لكن مراتي هتيجي بيتها بقى. تماااااام
صاح في الأخيرة بتحذير جعل الجميع خلفه يوافقون بلا تردد، أما سامية، فقد أسعدها الأمر، حتى إنها لم تستطع الحفاظ على جمودها أو إخفاء تأثرها.
❈-❈-❈
كوخ من الخشب، مزود بكل وسائل الراحة والترفيه، ولكن تغلب عليه اللمسة القديمة الكلاسيكية، هذا الشيء المترسخ برأسه منذ الصغر، يخلق طمأنينة بالعقل، وعاطفة كانت تهفو لهذا الجو الرومانسي،
لقد جهز كل شيء، بداية من اعداد الطعام بطريقته، ليضع الاطباق الفاخرة الآن على المائدة التي زينها بالشموع الملونة الحمراء، بالإضافة إلى مشروب غازي معتاد عليه في هذا البلد، لا يمت للخمر بصلة ولكنه فاخر ويستحق ثمنه الباهظ، من أجل بهجة قلبه والذي قد تنخدع به حينما تراه وتظنه من المسكرات
تبسم بتسلية لمجرد التخيل، ليتوغل بقلبه الحماس من أجل رؤيتها، وقد طال انتظارها، مر اكثر من ساعة
منذ ان اختفت من امامه ولم تخرج من الغرفة حتى الآن، ولكنه لن يستعجلها، لديه الوقت كله، لقد أغلق الهواتف كي يصفي عقله من كل شيء إلا منها
تنهد يرتشف من مشروبه، ثم تحرك نحو المدفأة يضع قطعتين من الخشب ، فوصله رائحة عطرها التي جعلت قلبه يهفو ليلتف برأسه على الفور ناحيتها.
قطب بشيء من الانبهار والتعجب، وقد ظهرت الجميلة امامه بمعطفها الصوفي فوق الفستان، لتبزغ على فمه ابتسامة عزبة في استقبالها ممازحًا:
– هي الحلوة عندها مشوار وانا مش عارف؟
تبسمت ترد بكلمـ.ـا.ت متقطعة يلوح منها الخجل والشقاوة في أن واحد، وهي تتقدm نحوه:
– مش مشوار، بس الفستان ااا…. يعني بعد ما لبسته،…. كنت عايزة اغيره والله….. بس خــــوفت لا تزعل…. اصله بصراحة معجبنيش..
– معجبكيش ليه؟
غمغم يستقيم بجــــســ ـده، ثم اقترب يجذبها من المعطف وبحزم منه، ينزع كفيها التي تشـ.ـدد عليه في الأمام مردفًا بشغف:
– شوقتيني اشوفه عليكي……… واووو
وتابع بصفير من فمه يتأمله عليها جرأة تزيدها اضطرابًا وكلمـ.ـا.ت غير مترابطة:
– انت اشتريه ازاي بالتمن اللي قولت عليه، دا قميص نوم والنعمة، يفرق بس في القماشة، عشان مختلفة وفخمة حبتين.
اخرجته بعفويتها عن التأمل وتلك الاحاسيس التي تأججت داخله، ليردد ضاحكًا بصوت مكتوم
– فخمة حبتين!…… ااااه….. هتمـ.ـو.تيني، هتمـ.ـو.تيني، اخلعي ده بقى خلينا اشوفه عليكي بالكامل .
– تاااني
رددت بها بتذمر لم يكترث له، لينزع عنها المعطف ويلقيه بعيدا، ثم يديرها امامها مواصلا صفيره يعبر تن اعجابه، فالفستان المكشوف بقصته الجريئة لا يخفي الا القليل من جــــســ ـدها، بالإضافة إلى زينه وجهها الرقيقة والشعر المصفف يحاوط بشرتها بنعومته، فتمثلت امامها فتنة خالصة:
– عارفة يا بهجة، أنا شوفت كتير وقليل، حتى أجمل العارضات ، مفيش واحدة فيهم وصلت لجمالك.
همت ان تجادله مستخفة ولكنه قطع عليها قبل ان تبدأ:
– عارفك هنتكلمي عن جمال الشكل، وأن في ملكات جمال احلى منك، بس انا بتكلم عن انك جمعتي بين حاجتين، جمال في الشكل، وكمان في الروح، وزياااادة بقى، ملكة على قلبي يا اجمل بهجة.
ورفع كفها يقبل ظهره متابعًا:
– ممكن بقى الملكة تقولي نبتدي بإيه، ناكل الاول ولا نقعد جمب الدفاية ولا نرقص، انا جهزت وحضرت كل حاجة، الليدي لازم تأمر بس وانا عليا الطاعة.
أومأت بصوت بح بفرط ما يكتسحها من الداخل، تشير بسبابتها نحو جهاز الموسيقى، في اختيار حددته، لينفذ هو رغبتها على الفور، يدير إحدى الالحان الموسيقية المعروفة، ويضمها اليه، ليبدأ ليلتهم بالرقصة الرومانسية
❈-❈-❈
ما أجمل من أن يدلل الرجل امرأته! فتصير بين يديه كقطعة الحلوى، تذوب مع كل كلمة غزل، فيتوهج وجهها وتزداد جمالا ورقة، تنضح انوثة ونعومة أيضًا
الوصف الحقيقي للمرأة هي انها كتلة لرد الفعل، كل تأثير خارجي ينعكس عليها في الداخل، دللها تجدها أنثى على حق، تقسو عليها وتعاملها بخشونة، اذن فالتستحق ما تتلاقاه منها.
راقصها ودار بها عدة مرات وحملها أيضًا كالفراشة، تناولت معه وجبة العشاء التي أعدها من أجلها، ثم أتى أخيرًا وقت جلستهما أمام المدفأة.
عدة وسائد افترشت الأرض، وفي الوسط طبق الفاكهة والمشروبات وعدد من المسليات، ليجلس مستندًا على إحداها، ويضمها إليه محققًا حلمه القديم، دفء الأجواء مع دفء المشاعر.
هاا، إيه رأيك بقى؟
ضحكت معلقة على كل شيء:
رأيي في إيه تاني؟ أنت عملت لي كل حاجة يا حبيبي، ولا في أحلامي حتى كنت وصلتلها. دلوقتي بس عرفت أنت ليه اخترت المكان ده؟ اتاريك طلعت رومانسي أوي، مع إن ما بيبانش خالص عليك.
أمال كان بيبان عليّ إيه؟ صحيح يا بهجة، انتي أول ما شفتيني حسيتي بإيه؟
بـ.ـارد.
نَعَم؟!
ضحكت تدّعي الخــــوف وقد برقت عيناه أمامها وهو يتصنع الجدية، لتصارحه هذه المرة وقد انزاحت الحواجز التي كانت تمنعها عن إخراج ما في قلبها:
أول مرة عيني جات في عينك، لما ظهرت فجأة وأنا بمسح أثار الفوضي اللي عملتها نجوان في الأرض، في البداية شهقت واتخضيت، أكيد أنت فاكر.
طبعًا فاكر، وده يوم يتنسي؟ ده انتي كنتِ لابسة بيجامة محزّقة ومجسّمة التفاصيل.
قالها وهو يعض بأسنانه على شفته السفلى بمكر جعلها تلكزه بقبضتها كي تنهيه:
بلاش غلاسة بقى، دي هي نظرة واحدة، لحقت تفصل وتجسّم؟
يا بـ.ـنتي، ومحلقش ليه؟ أنا راجـ.ـل، يعني عيني تلقط ع السريع.
قالها بتفاخر جعلها تتوجس، سائلة له:
يعني أنت بتبص كده على كل الستات؟
لا والله، عمري.
قالها ليردف مؤكدًا لصدقه:
دي كانت أول مرة أصلًا أتشـ.ـدّ لوحدة وأركز فيها. آه، أنا أعجبت وانبهرت بستات كتير، مش هأنكر، بس مفيش واحدة خـ.ـطـ.ـفتني من أول نظرة غيرك. لما بصيتيلي وعيني جات في عينك، بخضارها اللي ما شفتش جماله في الدنيا كلها، حسيت على طول إن ليكِ حكاية معايا. معرفش إزاي، بس ده اللي حسيته.
وأنا كمان.
وأنتِ كمان إيه؟
أول ما عيني جات عليك، أيوة، اتخضيت في البداية، بس بعدها وأنا بكلمك، كان عندي إحساس إني شوفتك قبل كده، أو أعرفك. وكأن الحكاية اللي بتقول عليها كانت موجودة من زمان، من قبل إحنا حتى ما نعرف بيها… أنا بحبك أوي يا رياض.
قربها من خصرها إليه، ليقابل بتوهج بندقيته صفاء خضراويتها، يردف بصدق اعترافه:
وأنا بعشقك يا قلب رياض.
ثم تناول ثغرها بقبلة ناعمة، تمتزج بها الأنفاس، فتصبح شيئًا واحدًا، يبثها عشقه، وتبادله بلهفتها.
فتتطور القبلات إلى ما هو أعمق وأقوى، التحام الأجساد مع التحام الأرواح، لا شيء يفصل بينهما.
منعزلين بعالمهما عن الكون أجمع، عالم خاص بهما وحدهما، وصال أبدي لا يفصله حتى المـ.ـو.ت

لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇

تعليقات