رواية خطايا بريئة هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ميرا كريم في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية خطايا بريئة لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية خطايا بريئة هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية خطايا بريئة تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية خطايا بريئة من الفصل الاول للاخير بقلم ميرا كريم
في ذلك الحي الراقي الذي يتلبس بثوبه الأخضر والمعتق على أرصفته تلك الأشجار اليافعة التي تستيقظ عليها العصافير صباحًا لتعزف تلك الأنشودة الهادئة التي عكر صفوها صوت تلك الأنغام الغربية التي صدحت من داخل أحد المنازل التي تتباعد عن بعضها حتى يتمتع قابعيها بتلك الخصوصية المميزة.
فكانت هي تتمايل بِجسدها على أنغامها وهي تتطلع لأدائها المثير في المرآة بِكل غــــرور وكأنها لم ترى أنثى أجمل منها على وجه الأرض فهي تتمتع بِبشرة حنطية تشابه لون سنابل القمح وعيون سوداء ساحرة تشبه سماء الليل ولكن ليس النجوم هي ما تسطع بها بل المكر و الفتنة الخالصة، مررت يدها بين خصلاتها الفحمية الهوجاء التي تتعدى خصرها النحيل ومنحنياتها التي تخفيها تحت كنزتها الواسعة وذلك البنطال الفضفاض، ثم زفرت بِضيقٍ وهي تتذكر تعليمـ.ـا.ته الصارمة بشأن ملابسها فهي حقًا سأمت كبته لحريتها، لطالما طمحت أن تعيش حرية مطلقة كالفراشة دون قيود ولكنه يتعمد ردعها، لتواسي ذاتها أنها لابد ان تتقبل منه أي شيء ولكن بِشرط أن لا تدخل والدته بِقراراته وعلى ذكرها أتاها صوتها من خلف باب غرفتها:.
وطي الصوت شوية يا نادين
يلا الفطار جاهز هتتأخري على جامعتك
نفخت أوداجها بِغـ.ـيظٍ وصاحت متأفأفة بعدmا أطفأت ضجيج جهازها اللوحي:
طيب، جاية، جاية
قلبت عيناها بِملل وأخذت تلملم بكُتبها ليطرق باب غرفتها بِطرقات تعلم صاحبها، لتزيح الحنق عن ملامح وجهها وتستبدله بِبسمة واسعة وتهم بفتح الباب قائلة وهي تراه يستند على الحائط أمامها و يربع يده:
صباح العسل، طب والنعمة وحـ.ـشـ.ـتني والبيت كان مضلم من غيرك.
رفع حاجبه بِمكر فهو يعلمها ويعلم تلك الطريقة الملتوية خاصتها كي تؤثر عليه وتفلت من العقـ.ـا.ب بعد كل خطأ ترتكبه:
صباح الأونطة اللي ما بتدخلش عليا بعد كل مصيبة
شهقت بِبراءةٍ و عقبت:
أَونطة ليه بس ده أنا كيوت خالص ومش بعمل حاجة
هز رأسه وقال في تهكم وناعستيه البُنية تشملها:
لأ ما هو باين راجعة بعد نص الليل و استغليتي سفري يومين وعيشتي حياتك فاكراني مش هعرف
ابتلعت ريقها وأجابته بِثقة مبالغ بها:.
كنت بذاكر مع نغم والوقت أخدني، مأجرمتش يعني وبعدين انت عارف نغم وعارف إن أحنا أصحاب من زمان وأظن واثق تمامًا في أخلاقها لتستأنف بِتمرد وهي ترفع حاجبيها المنمقين:
وبعدين هي أمك لازم تقومك عليا ده بدل ما تقولي حشـ.ـتـ.ـيني و يا نادو
تلاشى هدوءه و جز على نواجزه وهو يقبض على ذراعها قائلًا بنبرة صارمة يحفها التحذير:.
عيب كده، ومش هي اللي بلغتني، وأخر مرة أحذرك ملكيش دعوة بيها و مسمهاش أمك، كلمة مش لطيفة علشان تطلع من بـ.ـنت متربية زيك، فاهمة
هزت رأسها بِقوة وقالت تدعي الوداعة:
الست الوالدة ارتحت كده ممكن بقى تسيب إيدي بتو.جـ.ـعني
قالت أخر كلمة وهي تسبل عيناها بِنظرة عتاب لم يستطيع الصمود أمامها، ليتركها ثم يزفر بِضيقٍ و يلعن نفسه و يكوب وجنتها قائلًا بعدmا استعاد هدوءه بعض الشيء:.
نادين امي خط أحمر وأنتِ عارفة ده فبلاش طريقتك دي أنا مش بحبها علشان بتطلع أسوء ما فيا...
ابتلعت غصة بِحلقها وأومأت له بِطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمته البشوشة الدافئة تلك التي لا تفارق وجهه إلا بسبب حنقه منها:
حقك عليا
أومأت له ليستأنف بِنبرة صادقة:
على فكرة بقى حشـ.ـتـ.ـيني و يا نادو.
تنهدت في عمق وهو يشملها بِناعستيه التي تفيض بِمكنونها التي تعلمه جيدًا، ثم شهقت في خفوت وهو يقترب يضع قبلة عميقة أعلى وجنتها، يقسم أنه لم يكن بنيته سوى أرضائها ولكن كيف الصمود أمامها وهي بكل تلك الفتنة، وجد نفسه يحاوط خصرها ويقربها منه و دون أي مقدmـ.ـا.ت آخرى كان يدفنها بين ضلوعه وكأنه يطمئن ذلك النابض بِصدره انها معه ولن يستطيع أحد نزعها منه، تصلب جسدها وزادت وتيرة أنفاسها عنـ.ـد.ما غرس وجهه بين خصلاتها الهوجاء قائلًا بإنتشاء وبِصوتٍ متهدج اربكها:.
كنت بَعد الدقايق علشان أرجعلك وأشم ريحتك واطمن انك معايا
أبتسمت بسمة ناعمة وهي تدفعه بِرفق وقالت ووجهها يشتعل خجلًا:
يامن هتأخر على المحاضرة الأولى
أومأ لها وتفهم خجلها بِبسمةٍ مريحة بينما هي فرت من أمامه تسبقه إلى طاولة الطعام.
لسة زعلانة يا بـ.ـنتي...؟
جملة قالتها ثريا والدة يامن أثناء تناولهم الطعام لترد هي بِبرود ساخر تعمدته وكأن تحذيره لها قد تبخر:
محدش يعرف يزعلني يا مرات بابا.
زفر يامن بِقوةٍ و وضع شوكته من يده بِعصبية محدث صوتًا قويٍ أجفلها و.جـ.ـعل نظراتها تهتز بتوجس وإن كاد يفقد أعصابه ويوبخها ككل مرة على تطاولها مع والدته، ولكن والدته ربتت على ساقه من تحت الطاولة كي يهدء بينما هي لاحظت حركتها تلك لتنبسط معالم وجهها وتفتر عن بسمة مفعمة بالانتصار الذي لم يدوم حين قال بِنبرة آمرة:
أعملي حسابك مفيش مذاكرة برة البيت تاني
أعترضت بِعصبية:.
بس انا مبعرفش اذاكر لوحدي و نغم معاها مراجع وبتشرحلي اللي مش بفهمه
= خلاص خليها هي تجيلك
نفت برأسها وبررت:
باباها مش هيرضى انت عارف هو مشـ.ـدد عليها أزاي
ليزفر أنفاسه ويقول بِقرار قاطع:
خلاص قوليلي أسماء المراجع دي وبكرة تبقى عندك وأي حاجة مش فهماها هساعدك أنا فيها
كادت تعترض مرة آخرى ولكنه صرخ بها بنبرة صارمة تعرف جيدًا أن لا رجعة فيها:
من غير اعتراض، كلامي يتسمع.
أحتدت نظراتها السوداية أكثر وهي ترمق والدته بِحقدٍ بائن أحـ.ـز.ن ثريا كثيرًا عنـ.ـد.ما كللته بِكلمـ.ـا.تها المسمومة:
يارب تكونِ أرتحتِ يامرات بابا
عقبت ثريا بِطيبة مستنكرة:
أنا يا بـ.ـنتي ده انا نفسي أشوفكم أحسن الناس
رفعت حاجبها المنمق مستنكرة قولها وكادت ان ترد بِعجرفة كعادتها لولآ صوت ارتطام كوبه الزجاجي بلأرض الذي زاحه بغـــضــــب أعمى تخشى تبعاته ورغم ذلك تعاند:
= نادين ولا كلمة كمان واتفضلي اسبقيني على العربية.
دبت الأرض بِقدmها وتناولت كُتبها ثم انصاعت له تاركته يشرد في آثارها بِضيق فحقًا هو سأم من طباعها تلك وحديثها اللاذع مع والدته وكأنها تتعمد أن تثير غـــضــــبه وتخرجه عن طوره، فهو إلى الآن لا يعلم فيما أجرمت والدته لتعاملها هكذا رغم كل ما كابدته في رعايتها بعد وفاة أمها وجلب أبيها للعيش معهم انتشله من شروده صوت والدته الحنون وهي تربت على يده:.
معلش يا حبيبي بكرة تعقل وربنا يهديها والله أنا بدعيلها في كل صلاة، دي بـ.ـنت الغالي ومعزتها من معزته انا بس صعبان عليا حالها
أزاح غـــضــــبه جانبًا و قبل يدها وقائلًا بِحنوٍ:
بالله عليكِ متزعليش منها نادين قلبها أبيض هي بس مندفعة وأكيد متقصدش تضايقك
= مش زعلانة يا حبيبي ربنا يعلم انا بحبها أد ايه
رفع حاجبه بِمشاكسة وقال بفخر واعتزاز ليس ابدًا بِموضعه:.
لازم تكونِ بتحبيها يا ماما دي مرات أبنك حبيبك وبكرة تبقى أم عياله...
آما على بُعد عدة امتار من ذلك الحي الراقي نفسه وخصةً بتلك الشقة ذات الذوق الرفيع التي أشرفت هي على تصميم كل ركن بها كي تكون كيانها الصغير الذي يجمعها به وبأطفالهم و تكتفي بهم عن العالم أجمع
فنجدها تتحرك في رشاقة وبِخطواتٍ مفعمة بالنشاط تحضر طعام الفطور، شهقة خافتة صدرت منها عنـ.ـد.ما شعرت بيده تحاوطها من الخلف وصوته الذي صدر خشن أثر نومه:
يا صباح الجمال.
بادلته تحية الصباح بِبسمة هادئة بعدmا التفتت له:
صباح الخير، شكل مزاجك رايق النهادرة يا حسن
غمز حسن بتسلية وقال بِنبرةٍ مشاكسة يعلم انها تخجلها:
يخربيت حسن دي اللي بتطلع من بؤك شبه الرصاص وبترشق في قلبي
ابتسمت تلك البسمة الرقيقة التي تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيع بسمتها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث بأفكاره ونواياه
حسن سرحت في ايه!
انتشله صوتها الناعم مما جعله يجيبها وهو يقترب من وجهها بِبطءٍ ويشـ.ـدد أكثر على خصرها لتصبح هي وهو لا شيء يفصلهم وكأنهم جسد واحد:
عيون حسن وقلب حسن من جوة
تنهدت تنهيدة حارة وتساءلت بنبرتها الناعمة تلك وعيناها تغوص بِعينه البُنية القاتمة بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته دائمًا:
بتحبني يا حسن؟
اومأ لها دون تفكير وكأن الأمر اعتيادي بالنسبة له و دون أن يؤكد بِكلمـ.ـا.ت هي بأمس الحاجة إليها مال يلتقم شفاهها بِقبلة عاصفة كانت كافية ليمنحها جوابها
الله، الله يا سي بابي بقى سيبنا هنمـ.ـو.ت من الجوع وبتدي مامي سكر.
هتفت بها شيري أبـ.ـنتهم بنزق طفولي وهي تربع يدها وتمط فمها، فصل هو قبلته بأنفاس لاهثة ونظر لبعثرتها وحرجها الذي أصبح جلياً على وجهها وكأنها تم القبض عليها لتوها بالجرم المشهود، هز رأسه ساخرًا وقال لأبـ.ـنته بِعتابٍ طفيف:
هو انا معرفش استفرض بمراتي ابدًا واخد منها سكر يا لمضة
نفت الصغيرة بِرأسها واجابته بِحروفٍ متكـ.ـسرة:
لأ خد مني انا السكر أنا أحلى منها.
قهقه حسن بِقوة على طفلته وحملها يقضم وجنتيها الشهية قائلًا في مزاح جعل الصغيرة تقرقر ضاحكة وهو يتوجه بها إلى الخارج:
ده انا همـ.ـو.تك يا لمضة وههريكِ سكر لغاية ما تقولي حرمت يا بابي
أبتسمت رهف وهي تشاهد ذلك المشهد الذي لم يتكرر كثيرًا بسبب إنشغال زوجها المستمر، لتحمل الأطباق وتلحق بهم.
أوصلها إلى جامعتها دون ان يتفوه بِبـ.ـنت شفة تاركها تمارس لعبة التجاهل خاصتها فهو على يقين تام انها غاضبة منه، يقسم انها تخرج أسوء ما فيه، وتعلم أنه لا يقبل التجاوز ابدًا بِحق والدته وقد حذرها العديد من المرات ولكن تتعمد ان تعانده وتلقى بِتحذيراته عرض الحائط انتشله من عاصفة افكاره صوتها المتمرد:
متجيش تاخدني هاخد أوبر مع نغم.
زفر انفاسه دفعة واحدة و اوقف السيارة ينظر لها نظرات حادة مشتعلة وهي تلملم أشياءها وإن كادت تفتح باب السيارة قال بإصرار وهو يقبض على يدها:
انا هاجي اخدك زي كل يوم
نفخت اوداجها وصرخت بوجهه بِعناد كعادتها بعدmا نفضت يده:
مش عايزة و سبني براحتي محدش هياكل مني حتة وياريت بلاش تعيش الدور اوي كده يا يامن انت بتعمل اللي عليك واكتر.
أزاح نظارته الشمسية كاشف عن ناعستيه الثائرة بعدmا استفزته بِتمردها المعتاد واعتراضها الدائم ويستطرد بكل ثقة وكأنه يذكرها غافل كون ذلك السبب سبب شقائها:
أنا مش عايش الدور يا نادين دي وصية ابوكِ ليا و ده حقي اللي الشرع سامحلي بيه طول ما انتِ على ذمتي، وكلمة كمان هاخدك أروحك وهحلف مفيش جامعة تاني.
نفخت أوداجها بِقوة من تهديده الصريح لها وفي أقل من دقيقة واحدة كانت تترجل من السيارة و تركض بعيد عنه بِخطواتٍ عصبية جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو ينظر لآثارها فلمَ تعارضه دائمًا وتجبره على تهديدها في كل مرة، لمَ لم تتفهم كونه يفعل ذلك لأنه يعشقها ويغشى عليها من تلك النسمـ.ـا.ت العابرة بِجانبها ترى إن لم يكن والدها فعل ما فعله قبل مـ.ـو.ته كانت بادلته مشاعره هل كانت ستتفهم خــــوفه عليها دون وصية أبيها تنهد بِعمقٍ وهو يمسد ذقنه بِحركة ملازمة له ما أن اختفت عن أنظاره وتأكد أنها أصبحت بالداخل ثم شرع بالقيادة غافل عن ذلك القابع بِسيارته وعينه تطلق شرار يكاد يحرقه بِموضعه.
أبتسمت بزهو وهي ترى نظراتهم المُسلطة عليها و إن كادت تخطوا نحوهم اوقفها صوت صديقتها:
نادين عاملة أيه؟
قالتها فتاه سمراء هادئة الملامح وتزين وجهها بِحجابٍ يتناسب مع ملابسها المُحتشمة
أهلًا يا نغم
أجابتها بِعدm تركيز وعيناها عليهم لا تحيد عن موضعهم، لاحظت نغم نظراتها وقالت بِتوبيخ:
نفسي تسيبك من شلة الفساد دي وتركزي في الدراسة ومع جوزك
= بس متقوليش جوزك...
قالتها بتأفف وبِعدm رضا لترد نغم بِعقلانية:.
ده الواقع اللي لازم تتقبليه وتحترمي قواعده...
هزت رأسها بلا مبالاة وأخبرتها:
سيبك بقى، مش كل ما تشوفيني تقعدي تسمعيني كلمتين انا هروح أشوف الشلة وهبقى اكلمك علشان أخد منك المحاضرات اللي فايتاني
= لأ روحي سلمي عليهم وهستناكِ تحضري معايا المحاضرة الأولى مش هتحرك إلا رجلي على رجلك
قلبت نادين عيناها بسأم من إصرار صديقتها بينما.
تنهدت نغم وهزت رأسها بلا فائدة وهي تراها تنضم لهم ليرحبوا بها بِحفاوة كبيرة وبسمـ.ـا.تهم جميعًا تفيض إعجاب.
فتلك هي نادين ولن تتغير بتاتًا منذ أيام الدراسة؛ فطالما كانت تتمرد على كل شيء وتعشق دور القيادية لكي تكون دائمًا محط انظار كل من حولها، رغم انه يوجد الكثير أجمل منها لكن لا أحد يستطيع يضاهي جاذبيتها وفتنتها وخاصًة عنـ.ـد.ما تضحك تلك الضحكة الرنانة التي تطلقها لتوها و تقسم انها تجعل القديس يرتكب أفظع الخطايا من أجلها.
بينما عند صاحب البُنيتان القاتمة لاحظ وجوم أبنه أثناء جلوسه على طاولة الطعام ليتسأل مستفهمًا:
مالك يا استاذ مكشر ليه كده على الصبح
صدر صوت شريف المتذمر:
الباص هيفوتنا، وانا جعان
ليبعثر حسن خصلات الصغير ويسأله في عتاب:
طيب حقك علينا أخرنا معاليك مفيش بقى صباح الخير الأول
= صباح الخير يا مامي
قالها الصغير وهو يوجه نظراته لوالدته دون أن يعير ابيه اهمية مما جعل حسن يستغرب فعلته ويتسأل من جديد:.
انت لسة زعلان علشان مرحناش الساحل
هز الصغير رأسه بنعم ليبرر حسن :
بس أنا وعدتك إني...
قاطعه الصغير بتذمر:
انت بتكدب و مامي قالت الكـ.ـد.اب بيروح النار
نزل قول الصغير عليه كدلو ماء بـ.ـارد مما جعله يتناوب معها النظرات كي تنوب عنه وتدخل ككل مرة، التقطت نظراته و وجهت الصغير:
عيب كده بابا مينفعش يتقاله كده اتأسف فورًا
= سوري يا بابي.
أومأ له تزامنًا مع رنين هاتفه وكعادته نظر لشاشته بِعيون زائغة وببديهية قام برفض المكالمة و نهض من مقعده قائلًا:
انا لازم اجهز عندي اجتماع مهم
= مش هتفطر يا حسن؟
هز رأسه ب لا وهو ينظر لها نظرة غريبة لم تستنبط منها شيء وتوجه لغرفة النوم دون ان يتفوه بِبـ.ـنت شفة وكأن تأثير تلك الجملة التي صدرت بكل براءة من صغيره حركت شيء ما بداخله و.جـ.ـعلت ضميره يتأكله.
نظرت هي لظهره بِضيقٍ واسترسلت بنبرة حانية معاتبه وهي تكوب وجه صغيرها:
كده برضو يا شريف تزعل بابي
ده بيحبك وملوش في الدنيا غيرنا وبعدين هو عنده شغل ولازم نعذره، بابي اول ما يفضى هياخدنا في المكان اللي تشاوره عليه هو وعدنا بكده وبابي عمره ما وعد وخلف وعده غير لو حاجة غـ.ـصـ.ـب عنه
أومأ لها الصغير في تفهم واعتذر مرة آخرى لتهدر رهف بنبرة آمرة غير قابلة للحياد كأي أم:.
طب يلا كل واحد يخلص طبقه بسرعة علشان منتأخرش
إنصاعوا لها لتنظر لهم بعيون ساهمة تفكر به وبذلك التغير الذي طرأ عليه في الآونة الأخيرة.
جلست بين أصدقائها بكل زهو منفردة بتلك الأضواء التي تسلط عليها بِغياب نادين تلك المتبجحة من وجهة نظرها التي تستحوذ على اهتمام كل من حولها
أوعوا متجوش يا شباب هزعل منكم ده بابي عامل بـ.ـارتي تجنن هيفوتكم نص عمركم لو مجتوش
قالتها بتفاخر واضح لهؤلاء الذين يجلسون متراصين حولها على الطاولة
لترد أحد أصدقائها وتدعى منه بِمجاملة:
أكيد يا ميرال هنحضر نادو قالت انها جاية كمان والبـ.ـارتي أكيد هيبقى يجنن.
أبتسمت ميرال ببهوت وقالت بِغـ.ـيظٍ:
نادو، متأكدة انها مش هتيجي أصل بيقولوا خطيبها راجعي متـ.ـخـ.ـلف ومش بيرضى يخرجها لوحدها
قهقهوا جميعًا على حديثها لتتسأل أخرى ساخرة:
ايه الجو القديم ده، معقول لسه في رجـ.ـاله كده!
= مفيش ياقلبي وعلشان كده يستحق يبقى مع نادين الراوي
فاجأتهم جميعًا بعدmا قطعت حديثهم بِكل غــــرور وكأن لا يوجد أنثى على وجه الأرض غيرها
أبتسمت ميرال بسمة مغتاظة وهمهمت بِحقد:.
متتكسفيش وقولي أنه مش بيثق فيكِ، عادي يعني
قهقهت بكامل صوتها الأنثوي المفعم بالفتنة واقتربت كأنها تخبرها سر من أسرار الحرب:
عذراكِ يا بيبي اصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك، مش كده يا طارق.
باغتته بِجملتها ذلك الذي كان يجلس يشاهد ما يحدث بِثبات رغم تلك النيران المستعرة بداخله لينظر لها نظرة قـ.ـا.تلة ثم دون مقدmـ.ـا.ت نهض تاركهم ومعالم وجهه قد تجهمت بِشكلٍ واضح مما جعل ميرال تزوغ نظراتها وتتناوبها بين الجميع الذين كانوا يتهامسون ويعتلي وجوههم بسمة ساخرة تعلم المغزى منها.
بينما هي ابتسمت بأنتصار بعدmا وجدت أنها بتلك الجملة أربكتها و اشعلت النيران بقلبها و.جـ.ـعلت عيناها تقدح لتوها وتهز ساقيها بطريقة هستيرية كي تكبح غـــضــــبها لتضيف نادين بِمكر وهي تضع يدها على فمها مدعية البراءة:
أيه ده هو انا ضايقتك، سوري يا ميرال بجد
جزت ميرال على نواجزها وتمنت لو جذبتها من خصلاتها ومرغتها بالأرض ولكن نادين دائمًا ما تكون ردود أفعالها أسرع:.
طب يا جماعة أنا لازم أمشي ومتقلقيش انا هكون اول الحضور في عيد الميلاد لتميل على إذن ميرال هامسة بِخبث تجيده:
وهجيب الرجعي المتـ.ـخـ.ـلف بتاعي معايا علشان أثبتلك العكس
ذلك آخر ما تفوهت به تاركة ميرال تلعنها بِسرها و تستشيط غـــضــــبًا وتقسم انها سترد لها الصاع صاعين.
لحقت به للغرفة لتجده يتحدث بالهاتف بِصوتٍ خفيض للغاية وما أن رآها تـ.ـو.تر وبِسرعة البرق كان ينهي محادثته، اوقفها الأمر لبرهة عاندت فيها أفكارها وسألته:
هتتأخر يا حبيبي
هز رأسه وهو يرتدي ملابسه وقال بِتبرير:
انتِ عارفه انه غـ.ـصـ.ـب عني المشروع أخد كل وقتي ولازم يتسلم كمان اسبوعين وخايف ملحقش وادفع الشرط الجزائي
احتضنت ظهره وقالت داعية كي تخفف عنه:.
= هتلحق يا حسن ربنا يقويك معلش هانت بكرة ربنا اكيد هيكافئك على تعبك
استدار لها وكوب وجنته الممتلئة قائلًا بأمتنان:
والله يا قلب حسن مش عارف من غيرك ومن غير فلوسك اللي ادتهالي كنت هعمل ايه...
= انا اللي من غيرك ولا حاجة يا حسن ربنا يخليك لينا وبعدين فلوسي هي فلوسك
تنهد بِعمقٍ ومال على وجنتها يقبلها و وعدها:
أدعيلي يا رهف، وإن شاء الله اول ما اسلم المشروع هرجعلك كل فلوسك وكمان هعملك كل اللي نفسك فيه.
اعترضت هي بكل سلام نفسي:
انا مش عايزة حاجة غير إني أشوفك مبسوط وبتحقق احلامك، انت أهم عندي من نفسي يا حسن
جعد حاجبيه ورفض:
بس ده حقك يا رهف و ورثك من أهلك
عارضته هي بِقناعة وثقة تامة:
أنا وأنت واحد و في الأخر كله هيبقى لينا ولمستقبلنا كلنا مش كده يا حسن
أجابها بعدmا تهللت اساريره وأحتضنها بِقوة:
كده يا قلب حسن من جوة
لترفع رماديتاها وتسأله بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته نحوها دومًا:
بتحبني؟
انتظرت رده ولكن هو لم يجيبها بل فضل أن يؤكد لها بِطريقته التي يجيدها ويظنها أبلغ من الكلام.
غادرت من بينهم بعد حديث تلك المتعجرفة وهي تستشيط تريد أن تنفث غـــضــــبها بأي شيء، لتصعد إلى سيارتها وتقودها بسرعة جنونية إلى ذلك المكان البعيد اعلى تلك الهضبة التي طالما انفردت بنفسها به، وما ان وصلت لوجهتها تدلت من سيارتها واستندت على مقدmتها وظلت فيروزاتها شاردة في تلك الإطلالة الرائعة للبلد من اعلى، و ظلت جملة واحدة هي ما تتردد بِعقلها ( أصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك ).
لتقول في قهر وبِعيون غائمة وهي تتذكر الأحداث السابقة وتلك الفـ.ـضـ.ـيحة التي اوقعتها نادين بها متعمدة وبسببها خسرته:
اقسم بالله لهدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا وبنفس طريقتك يا نادين.
↚
إذا كان يُمكنني إعطاءك شيء في هذه الحياة، كنت سأمنحك القُدرة على رؤية نفسك بعيني، حينها فقط ستُدرك كم أنت شخص إستثنائي بالنسبة لي.
دائمًا ينتصر قلبه على عقله ويأتي به إليها كل صباح كي تكون هي أول شيء يراه قبل أن يبدأ يومه وكم يبتهج عنـ.ـد.ما يجدها مازالت نائمة ك الآن فهي تكون هادئة، مسالمة لا تعاند ولا تتفوه بشيء يخرجه عن طوره كَصحُوها، ظل يتأمل ملامحها الآسرة وخصلاتها الفحمية المموجة التي تفترش الوسادة بشكل يخـ.ـطـ.ـف الأنفاس ويجعله يود أن يحظى بقربها ولكن دائمًا يردعه ذلك الأتفاق اللعين.
الذي دار بينه وبين والدها قبل عامين تنهد بِعمقٍ وهو يعود بذاكرته لذلك اليوم الذي انفرد به و فاجأه بطلبه وهو قابع على فراش المشفى بعدmا ساءت حالته الصحية
flash back
أتجوز بـ.ـنتي يا يامن
=نعم ازاي مش فاهم حضرتك اكيد بتهزر!
أبتسم عادل بسمة باهتة وأردف بكل ثقة رغم أعيائه الشـ.ـديد:.
لأ يا ابني مش بهزر أنا مش هأمن لحد غيرك ولا ينفع أثق في حد غريب، انت تربية أيدي من يوم ما اتجوزت مامتك وشوفتك بتكبر قصاد عيني اتمنيت أنك تكون أبني من لحمي ودmي
= انا فعلًا ابنك، وربنا يعلم معزتك عندي من معزة ابويا الله يرحمه بس حضرتك كده بتحطني في موقف وِحش انا مستحيل اقبل اني اتجوز واحدة غـ.ـصـ.ـب عنها حضرتك عارف أنها مش بتديني حتى فرصة اتكلم معاها ده لما بقولها صباح الخير بتتخانق معايا.
هز عادل رأسه بتفهم رغم هوانه وأخبره بِثقة أكبر بثت بالآخر الأمل:
الحب بيجي مع العِشرة و نادين مش هتلاقي احسن منك ومتأكد انها هتحبك
بس انا...
= من غير بس أبعت جيب المأذون دلوقتي قبل فوات الأوآن...
ليسترسل عادل بنبرة متألــمة راجية تقطع نياط القلب أحـ.ـز.نت يامن و.جـ.ـعلت عينه تغيم بدmعاته التي كانت تنعي حال ذلك الرجل الحنون الذي قام برعايته وكان بمثابة والده:.
أنت عارف إن الدكتور مش مطمني وإن عضلة القلب شغالة بنسبة ضئيلة جدًا ده غير ان مستحيل هدخل جراحة نسبة نجاحها معدومة، نادين ملهاش حد غيري وأهل أمها وأكيد أنت عارف هما طماعين أد أيه، أنا خايف أمـ.ـو.ت وأسيبها ليهم ويستغلوا انها لسة صغيرة خايف يشتروا ويبيعوا فيها وياخدو شقى عمري على الجاهز
ربت يامن على يده بمواساة وقال وهو يمرر يده على وجهه كي يزيح دmعاته ويدعي الثبات حتى لا يزيدها عليه:.
بعد الشر عليك ربنا يخليك لينا
أبتسم عادل ببهوت وأخبره بيأس لأبعد حد:
أنا عملت حصر لكل أملاكي وكتبتهم بأسمك والمحامي قام بكل الإجراءات، بس ده هيبقى دين في رقبتك لغاية ما بـ.ـنتي تتم الواحد والعشرين وساعتها هترد ليها حقها يا يامن زي ما وصيتك، اوعدني يا ابني وقولي انك هتكون أد ثقتي فيك
أومأ له يامن ودmعاته من جديد تأبى الصمود أكثر ولكنه كبحها بأعجوبة وسأل بتوجس:
و هي موافقة؟
ليجيبه عادل :.
أنا ضغطت عليها و هي وافقت بس ليها شرط
تأهب لبقية حديثه ليسترسل عادل جاعل قلبه يتهاوى بين قدmيه:
جوازكم يبقى على الورق بس لغاية ما تتم الواحد وعشرين ويرجعلها حقها وساعتها لازم هي اللي تقرر تتمه ولا، لأ
أبتسم يامن بسمة متألــمة لأبعد حد فماذا كان ينتظر منها، رأى عادل خيبة الأمل تعتلي وجهه ليطمئنه بحنو حقيقي:
صدقني هتحبك زي ما بتحبها بس أديها وقتها.
تفاجأ يامن من حديث عادل فكيف علم بِعشقه لها ألهذا الحد هو مفضوح أمامه ليخبره عادل :
متستغربش حبك واضح في كل تصرفاتك وعلشان كده أنا مطمن ولو مـ.ـو.تت همـ.ـو.ت وانا مرتاح علشان عارف انك هتحطها في عينك.
ليعقد القران بالمشفى وبعد عدة أيام توفى والدها تارك له مسؤولية كل شيء وأولهم تلك العنيدة المتمردة التي يجاهد كي يرودها
End Flash back.
عاد بذاكرته للوقت الحالي بعدmا تململت هي بفراشها وأخذت ترمش بِعيناها ليهمس ببحة صوته المميزة:
صباح الخير
قالها وهو يعتدل بجلسته على ذلك المقعد القريب من فراشها، تأففت بإنزعاج و لم تستطيع التغلب على الكسل المسيطر عليها وأخبرته دون أي مقدmـ.ـا.ت:
مش رايحة الجامعة النهاردة سيبني انام
زفر أنفاسه ونهض يزيح ستائر الغرفة كي يجعل الشمس تفوت تنير عتمتها وقال بِجدية:
النهاردة عندك محاضرتين مهمين لازم تحضريهم.
زمجرت بِغـ.ـيظ من تسلطه الزائد عليها ومعرفته بأدق التفاصيل التي تخصها:
ما شاء الله حضرتك مركز أوي!
= لو مكنتش أركز معاكِ يا مغلباني هركز مع مين!
قلبت عيناها واعترضت كعادتها بِعناد:
أنا بعرف أظبط مع أصحابي وباخد المحاضرات اللي مش بحضرها منهم، ممكن بقى تسبني أنام طلبت بملل وهى تسحب وسادتها وتضعها على رأسها، تنهد عميقٍ من عنادها واستأنف:.
خلاص هسيبك تنامي براحتك بس اعملي حسابك مش هقبل بأي استهتار في دراستك والسنة دي لازم تجيبي تقدير عالي.
انتفخت أوداجها بِغـ.ـيظ من تحذيراته المتكررة وتلك الكلمة التي طالما خصها أبيها رحمه الله بها وتوارثها هو عنه، فكم كان هو مدلل أبيها المثالي، الناجح، المتفوق دائمًا ولذلك أصر انها تدرس نفس مجاله أدارة اعمال كونه قدوة حسنة تقتدي بها هي المستهترة، الفاشلة من وجهة نظره ونظر الجميع، تناولت نفسٍ عميق قبل أن تهدر بِثقة و هي تلملم خصلاتها فوق رأسها بِعشوائية جمدت نظراته على عنقها البض الناعم الذي يزينه عدة شامـ.ـا.ت متفرقة جعلته يجفل لوهلة بِحلم يقظة ليس ببريء بالمرة وكم أراد أن يطبقه بالواقع:.
هجيب تقدير بالعند فيك وهثبتلك إنِ مش مستهترة و إن مش أنت لوحدك اللي كنت بتجيب تقديرات
رفع حاجبه بعدmا تحكم برغبته المُلحة وقال بِتحدي تقصده لكي يحفزها:
لما نشوف يا نادين ، لينظر بساعة يده ويخبرها وهو يتوجه لباب الغرفة:
انا لازم امشي اتأخرت على الشغل، اومأت له بلامبالاه وتمددت من جديد واضعة وسادتها على رأسها، تنهد هو وقَبل أن يخرج أقترح بِترقب:
تحبي نتعشى مع بعض بره؟
ازالت الوسادة عن وجهها واعتدلت بنومتها وتلعثمت بِتوجس من ردة فعله:
مش هينفع أصل عيد ميلاد ميرال النهاردة ووعدتها إنِ هحضر و عايزاك تيجي معايا
نفى برأسه:
لأ، انا قولت ألف مرة ميرال دي مش برتحلها ولا الشلة بتاعتها
بس انا...
= من غير بس...
قالها بقطع أغاظها و.جـ.ـعلها تنفجر به حانقة وهي تنهض وتقف مواجهة له:.
أنا زهقت من تحكمـ.ـا.تك دي، انا مش عيلة صغيرة وكلها كام يوم وابقى حرة نفسي، لتكتف ذراعيها على صدرها وتذكره بِخبثٍ:
أظن أنت فاكر الأتفاق اللي بينا!
أغمض عينه بِقوة و ولاها ظهره وهو يلعن تحت أنفاسه الغاضبة فهي لن تكف عن تذكيره بذلك الأتفاق اللعين الذي فرضته عليه قبل أن تقبل الزواج منه ليشـ.ـدد على قبضة يده يكبح غـــضــــبه ويرد بنبرة حادة تقصدها كي يرهبها ويجعلها تكف عن تمردها وعنادها المعتاد:.
عمري ما نسيت، ومن هنا لوقتها تسمعي كلامي ومتعارضيش وإلا أنتِ عارفة كويس أقدر اعمل أيه...
ابتلعت غصة بِحلقها وهي تلتقط تهديده الصريح لها، لتهمهم بتراجع وتدعي البراءة وهي تنظر لظهره:
بلاش تهددني يا يامن أنا عارفة إنِ عمري ما ههون عليك
تحاشى النظر لها فهو يعلم طريقتها الملتوية تلك بالتأثير عليه، ولكنها زادتها عليه بلف ذراعيها حول خصره من الخلف وسند وجنتها على ظهره وهمسها بِنبرة ناعمة أربكته:.
مش هتعمل كده، صح؟
لم يجيب فقط اكتفى بِتنهيدة عميقة نابعة من صميم قلبه المولع بها فكم أراد ان يضمها إليه ويدفنها بين ضلوعه كي يطمئنها، ويخبرها انه لا يستطيع ايذائها بتاتًا او التخلي عنها ولكنها من تضطره لأرهابها وتهديدها كي يكبح تمردها ويجعلها تنصاع إليه، فمجرد ذكرها لذلك الاتفاق اللعين وشعوره بأنها من الممكن ان تبتعد عنه وترفض اتمام زواجهم يكاد يفقد صوابه، انتشله من شروده همسها بأسمه بنبرة راجية:.
يامن
صدر أسمه من بين شفاهها وكأنه لحن عـ.ـذ.ب أطرب شغاف قلبه مما جعله يتنهد بِحرارة ويلتف لها وهو يحاوط ذراعيها بِرفق:
يبقى بلاش تضغطي عليا بطريقتك دي وتسمعي الكلام، أنا عايز مصلحتك.
غامت عيناها بِبريق لم يفهمه يومٍ وهزت رأسها مما جعله لم يتحمل، جذبها من مأخرة رأسها ودفن وجهها بين ثنايا صدره فكم يعشق ذلك الشعور بقربها وكم يعشق طاعتها له وكأنه عمد أن يرهبها كي يطمئنها ويشعر كونه هو الوحيد التي تلجأ له ليصـ.ـر.خ داخل عقله:
عمري ما أقدر أأذيكِ يا نادين ولو أخر يوم في عمري مش هتخلى عنك.
خرجت من أحضانه الدافئة وهمست بدلال وهي تداعب تلك الشعيرات النامية بذقنه بحركات ناعمة جعلته يبتلع ريقه ببطئ ممـ.ـيـ.ـت:
= حتى لو قولتلك علشان خاطري نفسي تيجي معايا و اتباهى بيك قدام صحابي
لتسبل أهدابها وترجوه بدلال: Please يا يامن ده طلب بسيط وانا اول مرة اطلب طلب زي ده منك
لم يجيبها وظل على ثباته يشاهد عرضها الهزلي بحاجب مرفوع و بملامح جـ.ـا.مدة.
لتهمس هي بآخر ما بجعبتها و تقول بدلال وبعيون يسطع بهم المكر ظنٍ منها أنها تستغل نقاط ضعفه:
نفسي كل الرجـ.ـا.لة اللي حواليا يعرفه إنِ ملكك لوحدك ومتأكدة أن كل البنات تحسدني عليك لو شافوك معايا
نعم هي تتمتع بذكاء أنثوي لا يضاهيها أحد به ولكن هو لا ينطلي عليه تلك الأساليب الملتوية خاصتها، ليبتسم بمكر ويجيبها وهو يبتعد عن هالة فتنتها المهلكة التي تتعمد حصره بها:.
مش هينفع، النهاردة الحد وفي كذا طلبية جاية المطعم ولازم استلمها بنفسي
لتحتد نظراتها الغاضبة نحوه وتضـ.ـر.ب الأرض بقدmها بينما هو لم يكترث
، فقد قرر ان يفض ذلك الوضع الذي يعبث بثباته، ليلثم جبينها بِحركة مباغتة ويغادر دون أضافة المزيد تاركها تستشيط غـــضــــبًا.
احتمال اتأخر النهاردة
قالها حسن بلامبالاه أثناء تناول طعام الفطور لترد هي مستاءة:
ليه بس، يا حسن يعني هقعد طول النهار والليل لوحدي
= أعملك ايه هو بمزاجي ما انتِ عارفة الشغل والمشروع الجديد اخد كل وقتي
اومأت له بتفهم وقالت بود:
ربنا يقويك يا حسن
ليرد بِحماس غير عادي فذلك المشروع سينقله نقلة أخرى تمامًا في مجاله:
هانت يا رهف، مقدرش اقولك انا مبسوط أد ايه
أبتسمت و قالت بِمشاكسة:.
ابقى ادعيلي بقى انا السبب
أبتسم بهدوء وأخبرها بعرفان:
بدعيلك يا حبيبتي وعمري ما انسى وقفتك جنبي
ربتت على يده بِحنان و ابتسمت تلك البسمة الهادئة المليئة بالرضاوباشرت طعامها بينما هو شرد بها لثوانٍ قبل ان تقول بتردد وكأنها مرغمة:
طيب انا هروح النادي انا والولاد بعد المدرسة علشان هقابل سارة
لتتنهد بسأم وتسترسل بِتلقائية تخبره بأدق تفاصيلها كما تعودت:.
أنا مش بحب اخرج انا والولاد لوحدينا بس هي عمالة تزن عليا بقالها كام يوم وعايزة تقنعني بموضوع الشغل ده
رفع بُنيتاه لها ورد بِحياد:
على فكرة انا معنديش مانع والقرار راجع ليكِ
نفت برأسها وقالت بإخلاص غير عادي:
مقدرش انشغل عنك وعن الولاد يا حسن...
حاول هو إقناعها كي تحيد عن عُزلتها تلك:.
بس أنتِ موهوبة يا رهف وحـ.ـر.ام تضيعي تعبك وسنين دراستك على الفاضي ده الكل يشهدلك إنك كُنتِ أشطر مهندسة ديكور في مجالك قبل الجواز
أبتسمت هي بكل نفسٍ راضية وأخبرته بإعتزاز وهي تتطلع لأركان منزلها:
مين قالك إنه على الفاضي كفاية إني بنيت مملكتي معاك ومع ولادي وده عندي كفاية.
أبتسم بسمة عابرة لم تصل لعينه وهو يفكر كم هي روتينية مملة بكل شيء، ليس لها طموح، شخصيتها مسالمة تفتقد للشغف حتى انه في الكثير من الأوقات يمل من أهتمامها الزائد بأدق التفاصيل وتحفظها التي لا تحيد عنه، ليرتفع جانب فمه ببسمة ساخرة فهو رغم كل ذلك رغبته بها تظل متأججة وخصةً عنـ.ـد.ما تشعره بضعفها وحاجتها له و بمدى سُلطته وهيمنته عليها متناقض هو يعلم ذلك تمامًا ولكن ما لا يعلمه أين يكمن الرضا.
حسن، سرحت في ايه؟
= ها، لأ، ولا حاجة ليتنهد ويقترح كي يكـ.ـسر ذلك الروتين الممـ.ـيـ.ـت بالنسبة له:
ايه رأيك خليكِ بكرة وانا هاجي معاكم بقالنا مدة مخرجناش مع بعض
تهللت أساريرها ونهضت تجلس على ساقيه وقالت وهي تتعلق بِعنقه:
بجد يا حسن، طب احلف علشان أصدقك
قهقه على طريقتها وسألها بمشاكسة:
من غير ما احلف انتِ بتصدقيني، ليمرغ أنفه بوجهها و يهمس:
مش كده ولا ايه؟
هزت رأسها بقوة تأكد حديثه وأخبرته بمكنون قلبها بكل عفوية وهي تهيم به:
أيوة بصدقك وعارفة انك عمرك ما تكدب عليا، علشان انت حبيبي يا حسن وكل دنيتي، ربنا يخليك ليا
ابتلع غصة مريرة في حلقه وهو يشعر ان كلمـ.ـا.تها تلك رغم صدقها إلا أنها هوت على قلبه كالسياط و.جـ.ـعلت ضميره ينهش به، ولكن هيء له شيطانه شيء آخر و جعله يهمهم:
رهف ابقي غيري تسريحة شعرك مش عجباني.
زاغت نظراتها وأخذت تتحسس شعرها المنسدل بعدm ثقة يحاول زرعها بها وكأنه يتعمد ان يجعل ثقتها بأنوثتها معدومة ولذلك تبحث دائمًا عن التغير لأرضاءه. ولكن هو ابعد ما يكون عن تفكيرها فهو فقط يتعمد أحباطها كي لا يستشعر كونها أفضل منه وخطائة مثله، يبحث عن نواقصها بدقة شـ.ـديدة حتى يقنع ذاته انها تستحق تلك الخطيئة التي يرتكبها بحقها فهي من وجهة نظره خطيئة بريئة مبررة.
ردت هي بطاعة:
حاضر وهغير لونه كمان.
ربت على وجنتها وانهضها عن ساقه ونهض بدوره كي يغادر لعمله لتذكره وهي تضـ.ـر.ب مقدmة رأسها بخفة:
كُنت هنسى أقولك أصل كلموني من مدرسة الولاد بيفكروك ببقية المصاريف
قلب عينه في ملل وأخبرها وهو يرتدي سترته:
نسيت خالص . أنتِ عارفة إنِ مش فاضي الفترة دي ومضغوط جدًا
ليتنهد بيأس ويعاتبها:.
نفسي تتصرفِ لوحدك ، ليه مدفعتهمش انتِ ما كده او كده الحساب مشترك ومفتوح ليكِ في اي وقت كنتِ سحبتي اللي أنتِ عايزاه وشوفي طلباتهم ايه
مطت هي فمها وقالت بقلة حيلة:
انت عارف الكارت اللي بسحب بيه من Atm الولاد ضيعوه و مش بحب زحمة البنوك ولا كمان بحب أخرج لوحدي، لتتنهد وتستأنف بكل طواعية من اجله:
بس هعمل كده لو هيريحك بس ياريت تكلم مستر فهمي علشان ميعطلنيش كتير.
هز رأسه بتفهم وهو يتناول متعلقاته الشخصية وأخبرها وهو يتوجه لباب الشقة:
هكلمه اول ما اوصل الشركة وهقوله ميرجعش ليا ويعطلك بعد كده
هزت رأسها ببسمة هادئة ليقبل هو وجنتها وتودعه هي بتلك الدعوات الصادقة التي تنبع من صميم قلبها.
في المساء استعدت هي كما طلب منها بعد ان هاتفها وأخبرها أنه انتهى من عمله مبكرًا وقرر ان يعوضها ويأخذها لتناول العشاء معه وها هي تجلس بِجواره داخل سيارته ويتوجهون لذلك المطعم الصغير الذي يمتلكه و لم يقصد غيره يومٍ متحجج بِخصوصية المكان وكون أجواءه شاعرية تريح الأعصاب فنعم هو محق تريح الأعصاب لدرجة تشعرك بالملل ويجعلك تود ان تغفى بِموضعك من رتابته.
تنهدت بِضيق ما ان أوقف السيارة وهي تظن أنهم وصلوا لوجهتهم ولكن جحظت عيناها عنـ.ـد.ما وجدته يصف سيارته أمام منزل ميرال صديقتها
لتهمس بعدm تصديق:
يامن جابتنا هنا ليه؟
نظر لها بتلك العيون الدافئة وقال ببعض التهاون:
مهانش عليا ازعلك و نص ساعة بس ونمشي
لاحظ إشراق وجهها بعد أن كانت متجهمة طوال الطريق ليشعر ببعض الراحة بينما هي قالت في حماس:
حاضر، بس انا مجبتش هدية.
أخرج من جيب سترته علبة مخملية صغيرة وناولها لها قائلًا:
عامل حسابي
هزت رأسها بِسعادة وهي تطالعه ثم تدلوا من السيارة معًا لتلتف له ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تشابك أناملها بخصته وهي تنظر له نظرة ممتنة بينما هو استغرب فعلتها ونظر لأيديهم المتشابكة بعيون باسمة تكاد تفضح مكنونها ليتحمحم يجلي صوته ثم أمال رأسه كي يدعوها للدخول لتبتسم هي بسمتها المهلكة تلك وتسير معه إلى الداخل.
أخذت تهز ساقيها بِعصبية مفرطة وهي تشاهد تلك التي خالفت توقعاتها وأتت لأحتفالها لا والأنكى أنها أتت به لتثبت لها أنها صاحبة السُلطة الكبرى ولا أحد يستطيع تحجيمها، أبتسمت ساخرة وهي ترى أصدقائها يتجمعون حولها ويرحبون بها وكأنهم ليسوا نفسهم من كانوا يسخرون منها منذ قليل حقًا تبًا لنفاقهم قالتها بداخلها وهي تغتصب بسمة مجاملة على ثغرها كي ترحب بها:
أهلًا نورتي يا نادو.
قبلتها نادين وعايدتها بينما ميرال أثنت على هديتها عنـ.ـد.ما أخبرتها نادين بكيد انها ذوق يامن مما جعلها لم تزيح بنظراتها عنه بطريقة لم تعجبه بالمرة وخاصةً عنـ.ـد.ما تخابثت وهي تصافحه:
ذوقك يجنن بس مش في كل حاجة ياخسارة!
قالتها بتهكم وهي تنظر ل نادين من أعلى لأسفل بطريقة متدنية جعلت يامن يضيق عينيه ويتساءل بحدة:
أفنـ.ـد.م، تقصدي أيه؟
رشقتها نادين بنظرة نارية مُشتعلة وبررت ببسمة ثابتة استفزت الآخرى أكثر وهي تميل عليه:
متركزش معاها تلاقيها شربت كتير زي عادتها
ابتسمت ميرال بإصفرار وباشرت حديثها:
انا لسة مشربتش يا نادو وعلشان كده مستغربة خطيبك أصل شكله كيوت خالص مش زي ما بتحكيلنا عنه، أنتِ أكيد ظلماه، لتوجه نظراتها له و تتشـ.ـدق:
أصل نادو بتقول عليك، وإن كادت تتفوه بالمزيد
زجرتها نادين وقالت كي تغير سير الحديث بِدهاء:.
فستانك يخبل يا ميرال وكمان Makeup بس كنتِ محتاجة تزودي شوية Concealer عيونك أصل باين عليكِ مُجهدة من السهر والشرب يا حـ.ـر.ام، قالت آخر جملة بتهكم تقصدته والعجيب أن الآخرى تفهمت إلى ماذا ترمي فهي على دراية تامة أن نادين تعلم عنها أكثر مما ينبغي ولكنها لن تشعرها بلذة الأنتصار وإن كادت ترد سبقتها نادين كعادتها بسؤالها المبطن بالتحذير:
هو فين أونكل عايزة أسلم عليه؟
أبتلعت ميرال ريقها بتـ.ـو.تر عنـ.ـد.ما وجدت أبيها يقترب منهم ويهتف:
أهلًا يا نادين يا بـ.ـنتي
= أزيك يا اونكل أحب اعرفك يامن خطيبي
صافحه يامن بلباقة رغم حنقه من تلك الأجواء التي لم تعجبه بتاتًا ولكنه تحامل على ذاته من أجلها، لتستأنف هي بِدهاء وهي تحتضن ذراع ميرال :
كنت لسه بسأل عليك ميرال علشان أقولك خليها تاخد بالها من صحتها مش عجباني خالص
عقد حاجبيه وسأل أبـ.ـنته في قلق بَين:
حاسة بحاجة يا بـ.ـنتي مالك؟
نفضت يدها ونفت براسها وببسمة بلهاء أخبرته:
بابي أنا كويسة بس نادين بتحب تهزر، ياريت تروح تشوف ضيوفك وتسبني مع اصحابي
أومأ لها ببسمة حانية بينما همست نادين بجوار أذنها بتحدي سافر:
بلاش أنا يا ميرال وبلاش تعلني الحرب علشان أنتِ مش قدها.
ذلك ما تفوهت به قبل ان تجذبه من يده متجهة به نحو حلبة الرقص وتشاركه تلك الرقصة الرومانسية الهادئة التي تعمدت من خلالها أن تكون محط أنظار الجميع تاركة ميرال تلعنها وتلعن غبائها في آن واحد.
صباح يومٍ جديد داخل شركة الإنشاءات التي يملكها صاحب البُنيتان القاتمة فقد كان منهمك بِعمله حينما دخلت هي بطلتها الأنثاوية الصارخة وجلست على طرف مكتبه واضعة ساق ٍعلى أخرى كاشفة عن ساقيها وجزء كبير من فخذيها المرمريتان أمام نظراته التي تأكلها، أبتسمت بِثقة تفتنه بها، ومالت عليه بِجزعها وهمست وهي تلاعب ياقة قميصه:
هديتك وصلت وعجبتني اوي
ارتفع جانب فمه بزهو وقال:
حبيبتي انتِ تشاوري وانا انفذ.
قال آخر جملة بغمزة من بُنيتاه، لتضحك هي قائلة بدلال:
قلبي الحنين انت
ابتسم وبُنيتاه تهيم بها وهمس قائلًا متناسي وعده لزوجته وأطفاله:
أيه رأيك نقضي اليوم مع بعض واسهرك سهرة جنان؟
نفت بأصبعها أمام وجهه يمينًا ويسارًا ثم تحججت:
ماما مش هترضى دي بتبهدلني لما بتأخر بره
= صعب ماما اوي مش كده؟
سألها بِعفوية لم يقصدها ولكنها استغلت قوله وأكدت:.
جدًا دي بتخاف عليا مـ.ـو.ت وعلشان كده مش بخبي عليها حاجة وقولتلها إنِ بكون معاك وقولتلها انك عايز تقابلها
زاغت نظراته وسألها بريبة:
حكيتلها عني...!
أجابته بترقب:
اه هو انت مضايق!
=لأ، بس انا قولتلك رأي في الموضوع ده انا محتاج وقت
لتزفر هي بِضيق وتنهض بِعصبية قائلة:
انا زهقت هفضل مستنية لغاية امتى انت بقالك شهور بتوعدني
هو للدرجة دي انت خايف منها؟
أغمض عينه بقوة يحاول أن يلاحق الموقف رغم حدتها وعصبيتها معه:.
منار بلاش تستفزيني انا مش بخاف من حد، كل الموضوع إني عايز أمهد لها ومش لاقي فرصة مناسبة...
= وانا مفكرتش فيا وانت معلقني معاك بقالي شهور...
حبيبتي بفكر والله بس غـ.ـصـ.ـب عني اعذريني وصدقيني انا بقيت مقدرش اعيش من غيرك و نفسي تبقي ليا النهاردة قبل بكرة، انا بس محتاج شوية وقت
لتهمهم ببراءة لم تكن ابدًا من شيمها وهي تتعلق بعنقه وتلاعب بأناملها أطراف شعره بحركة حثية أرهقته:.
انت عارف إنِ مش انانية ومش عايزه اخرب بيتك، بس انا كمان غـ.ـصـ.ـب عني انا الكل عينه عليا ده غير ان ماما اخدة بالها وكل يوم تسألني
أومأ لها بتفهم، وطمئنها بعينه ثم مال نحو وجهها قائلًا بِغريزة رجولية باحتة:
عارف كل ده واوعدك هتصرف في أقرب وقت بس وافقي و أديني تصبيرة.
بللت شفاهها مما جعله يبتلع ريقه بترقب ولكنها كانت ادهى منه وقالت بغنج قبل أن تتركه وتغادر لمكتبها تاركته يلعن تلك الرغبة المُلحة التي تتملكه نحوها:
متستعجلش يا سُونة...
رفعت حاجبها بِمكر وظلت تلاعب بين اناملها الرفيعة خصلة من شعرها وهي تستمع لصديقتها وهي تقص عليها مدى استياء ميرال منها، لتقهقه هي وتخبرها في غــــرور:
هي اللي جابته لنفسها وفكرت تلعب معايا وكان لازم اوقفها عند حدها
ليأتيها الرد من الطرف الآخر:
من يوم اللي حصل و طارق سابها وهي مش طيقاكِ فاكرة انك أنتِ السبب
رفعت جانب فمها هازئة وتشـ.ـدقت:.
اللي يشوف كده يا منة يقول أنها كانت بتحب طارق وفرق معاها، دي مقضياها وكل يوم بتصاحب واحد جديد
اجابتها منه :
دي بتقول انك أنتِ اللي لفقتي الكلام عليها مع إسلام وعملتِ كده علشان تفوزي ب طارق لنفسك
قهقهت بكل عنجهية وأخبرتها مدعية البراءة:
أنا، مش معقول دي مـ.ـجـ.ـنو.نة رسمي، وبعدين طارق مين ده اللي انا ابصله ده انا معايا راجـ.ـل برقبته ولا أنتِ مشفتهوش بعينك وشوفتي أد أيه بيمـ.ـو.ت فيا.
أجبتها منه بإنبهار وبِتنهيدة حالمة:
بصراحة شوفته يا بختك بيه ده مُز اوي يا نادو والشلة كلها ملهاش سيرة غيركم دي حتى ميرال كانت هتاكله بعنيها وفضلها شوية وتطلع نار من ودانها
قهقهت نادين مُجلجلة ثم أغلقت معها الخط وهي تشعر بلذة الإنتصار.
بعدmا طمئنتها صديقتها بِعفوية أن حيلتها قد تمت مبتغاها وأصبحت حديث الساعة بعد حفل أمس التي تعمدت أن تظهر به في قمة سعادتها بفضله، لا تنكر كونه ساعدها كثيرًا بلأمر فهو وسيم لحد كبير بملامحه الهادئة الرجولية البشوشة وجسده العريض وطوله الفارع و خصلاته البُنية الناعمة و تلك النظرات الدافئة التي يشملها بها وأكدت للجميع أنه مفتون بها وذلك كان مبتغاها لغرض ما في نفسها.
في المساء
كان يجلس في مكتبه داخل ذلك المطعم الصغير الذي يعتز به كثيرًا كونه يملكه من حر ماله بعيدًا عن ممتلكات الراوي التي يديرها فكان
يستند على ظهر مقعده بكل أريحية غير عابئ بكم الملفات المتراكمة أمامه وتحتاج لتدقيقه، فقد كان شارد، يبتسم كل حين وآخر بلا سبب مما جعل صديقه يشاكسه ما ان دخل مكتبه:
والله كُنت بعقلك يا صاحبي أيه اللي حصل؟
= ايه ده إيه الزيارة الحلوة دي اخيرًا افتكرتني.
ابتسم حسن بود وشاكسه:
ياعم متغيرش الموضوع بقول اللي واخد عقلك يتهنى بيه
أبتسم يامن بِبشاشته المعتادة وأخبره بِخفة:
قُر يا بن القُرارة ماهي ناقصة
قهقه حسن وهدر بخفة مماثلة:
يا عم مش بقُر، انا بحسد بس حتى شوف عيني مدورة واسأل على بركاتي
=يا ستار أعوذ بالله
قهقه مرة أخرى وسأله:
بجد مالك، حصل جديد، فضفض انا خِبرة هفيدك
هز يامن رأسه بلا فائدة وقال ساخرًا:.
بعد التصريح الخطير بتاعك ده أخاف أفتح بوقي ده انا بفكر أقطع علاقتي بيك يا فلاتي
بقى كده والله انت اللي خسران وبعدين بطل فلاتي دي هتشبهنا
قهقه يامن و عاتبه:
طالما انت جبان كده وبتخاف من مراتك يبقى تحترم نفسك
نفى برأسه وأخبره ببراءة لا تخص نواياه بشيء:
مراتي دي ست الناس كلها وعلى راسي، بس الموضوع مش بإيدي يا يامن انت راجـ.ـل زي وأكيد هتفهمني.
= أفهم أيه يا حسن مراتك بـ.ـنت ناس وزي القمر ومش مقصرة معاك في حاجة ده غير انها عندها استعداد تعمل علشانك اي حاجه
تنهد بعمقٍ وسايره بِنبرة غامضة:
عارف، وعلشان كده مفيش حاجة هتتغير هتفضل هي أم عيالي وعمري ما افرط فيها
تنهد يامن ونصحه بتعقل:
اتقي الله يا حسن وارضى باللي اتقسملك ولو مراتك فيها عيب مش عجبك حاول تصلحه وبلاش دناوة
لوح حسن بيده وأخبره بسخط:
ياعم أصلح ايه ولا ايه؟
وبعدين وفر نصايحك انت عارف أن دmاغي جازمة ومش هعمل غير اللي انا عايزه
ليصيح يامن بِقلق:
والله انا خايف دmاغك دي توقعك في شر أعمالك و تخليك تنـ.ـد.م و تقول يارتني
ليرفع حسن حاجبيه بِخبث ويصرح وهو يهنـ.ـد.م ياقة قميصه بغــــرور:
لا متقلقش صاحبك حويط
ضـ.ـر.ب يامن كف على آخر بعدm رضا من قناعات صديقه البالية وهدر بيأس:.
= انت غـ.ـبـ.ـي أقسم ب الله، مفيش ست غـ.ـبـ.ـية ومش بتحس بخيانة جوزها، انت اللي غـ.ـبـ.ـي وفاهم انك حويط هي لو شكها اتملك منها هتحطك في دmاغها وساعتها قول على نفسك يا رحمن يا رحيم
قهقه حسن وشاكسه:
اه زيك كده؟
قذفه يامن بالملف الذي أمامه كي يكف عن سخافاته بينما هو تفاداه و انفجر ضاحكًا عنـ.ـد.ما أمره يامن بسأم:
غور من هنا يلا زهقت منك
لينهض كي ينوي المغادرة وقال بمشاكسة كي يستفز الآخر:.
انا اصلًا ماشي علشان المُزة بتاعتي مستنياني في العربية ومش عايز اتأخر عليها أنا بس جيت أثبت حالة علشان لو رهف اتصلت سألتك عني
أمتعض وجه يامن بعدm رضا و وبخه بِحدة:
= وكتاب الله انت وا.طـ.ـي انا بجد مش مصدقك انت ازاي كده؟
رفع حسن منكبيه بلامبالاه وقال وهو يهم بالمغادرة:
ياعم فكك ويلا سلام، واه متنساش تسلملي على خالتي والمُزة بتاعتك اللي مطلعة عينك
مُزة، ومطلعه عيني.
قالها يامن وهو يضـ.ـر.ب كف على آخر ويستغفر بضيق ويدعو له بصلاح حاله وبعد ثوانٍ معدودة ترددت جملته بعقله
ليقر بذاته وهو يتنهد بِعمقٍ ويسند رأسه للخلف على ظهر مقعده:
هي فعلًا مطلعة عيني ياصاحبي.
وعند ذكرها ترأى أمام عينه تلك الرقصة الحالمة التي أهدته اياها امس، ليبتسم بوله تام وهو يتذكر بسمتها الفاتنة تلك التي تفقده صوابه و لمساتها الناعمة حول عنقه، ورأسها الذي توصد صدره مما جعله يخشى ان تفضحه ضـ.ـر.بات قلبه وتصرح بِعشقه الدفين لها، تنهد بِعمقٍ عنـ.ـد.ما داعبت انفه رائحتها المسكرة التي تسكر كافة حواسه لتتسع بسمته أكثر وهو يرفع مقدmة قميصه الأسود الذي يقسم قسمـ.ـا.ت جسده العريض ويشتم موضع رأسها على صدره باستمتاع تام فهو تعمد أرتداء نفس ملابس أمس لأنها تحمل عبقها آثر قربه المُهلك منها.
تعدت منتصف الليل حين أوصلها تحت بنايتها بذلك الحي الهادئ المعتم بعض الشيء فبعد سهرة حالمة استمتعوا بها كثيرًا، نظر هو لها وقال بنبرة لطيفة للغاية:
هتوحشيني لبكره
ابتسمت هي وردت بتنهيدة حارة:
أنت هتوحشني أكتر يا سُونة
تصبح على خير.
وإن همت بأخذ حقيبتها سحب هو يدها ووضع قبلة على ظهر يدها جعلتها تقطم شفاهها وتغوص بعيناها داخل بُنيتاه وهي تحاول أن تتمالك ذاتها ولا تفعل، ليهمس هو بتلك الكلمة التي يبخل على زوجته بها ويمنحها ببذخ لغيرها:
بحبك يا منار.
زفرت هي ودون أن تعطيه أي فرصة للتفاجئ حتى كانت تطبق بشفاهها على خاصته وتقبله بشغف وبجرأة لأول مرة يحظى بها من أنثى مما جعله مشـ.ـدوه من فعلتها لبعض ثوانٍ قبل أن يبادلها تلك القبلة العاصفة التي دامت لعدة دقائق بينهم . ولكن حين شعرت بيده تتجرأ قليلًا أوقفته وانسحبت بأنفاس لاهثة قائلة بتقطع:
آسفة، مكنش لازم اعمل كده
نفى برأسه وهو يحاول أن يتحكم بثورته وقال بتهدج:
حبيبتي انا عارف انك بتحبيني.
وعمري ما هفهمك غلط
أومأت تؤيد حديثه وقالت بنبرة راجية قبل أن تغادر السيارة بِخطوات مسرعة من شـ.ـدة حرجها:
= وعلشان كده لازم تتصرف يا حسن انا مش قادرة أبعد عنك أكتر من كده.
نظر هو لآثارها بغـ.ـيظ بعدmا أججت هي تلك النيران بجسده ليحل رابطة عنقه وينزع سترته ثم يزفر بغـــضــــب لأبعد حد ويضـ.ـر.ب المقود بقبضة يده عدة ضـ.ـر.بات متتالية قبل أن ينطلق بسيارته بسرعة جنونية عائد لمنزله غافل عن تلك البسمة المتخابثة التي تعلوا وجهها الآن وهي تراقبه خِفية من بعيد.
↚
لا تجازف بالكذب على امرأة تؤمن بقوة إحساسها.
نجيب محفوظ.
ظلت تنتظره هي واولادها لعدة ساعات كي يفي بذلك الوعد الذي لم يعيره هو أي أهمية وكأنهم هم أخر أولوياته مما جعلها تشعر بالحنق منه ولكن ليس من اجلها بل من أجل اطفالها الذي لم يبذل أي مجهود ليتقرب منهم أو لتحقيق رغباتهم، كانت تخطوا ذهابًا وايابًا حين
دلف لتوه من باب غرفتهم بِخطوات حثيثة ظنٍ منه انها قد غفت، مما جعله يتحمحم يجلي صوته ويسألها بمزاج عكر:
لسة صاحية ليه؟
أجابته بهدوء عكس ثورة دواخلها وتلك الشكوك التي تعصف بِعقلها و تقترب منه بِخطوات أنثوية ناعمة جمدت نظراته عليها:
اتأخرت اوي يا حسن و قلقتني عليك انا والولاد يظهر انك نسيتنا!
أغمض عينيه بقوة وقال متحجج كعادته:
انا آسف اعذريني انا كنت واعدكم نخرج النهارده بس يامن كان عنده مشكلة وكان لازم اروحله
رفعت رماديتاها له بنظرة طويلة تحاول ان تستشف صدقه وعيناها ترسل له شرارات مشككة:
متأكد، أصل الولاد زعلوا منك...
ابتلع ريقه عنـ.ـد.ما ألتقط تلك النظرة المشككة بعيناها ثم جذبها له قائلًا وهو مازال مُصر على كذبته كي يقنعها:
هراضيهم وهعوضهم عن النهاردة، انا مش بكدب على فكرة و لو مش مصدقاني اتصلي و كلمي يامن هيقولك إني كنت معاه
تنهدت واخبرته بثقة وهي تقاوم احساسها:
مصدقاك يا حسن وعارفة انك عمرك ما بتكدب عليا
تهللت اساريره وحاوط خصرها قائلًا وبُنيتاه القاتمة تهيم بها يتخيلها أنثى آخرى أشعلت غريزته بالفعل:.
طب خلاص بقى بلاش تقفشي
أبتسمت ولكن ببهوت لتسايره، ليتساءل هو بنبرة عابثة:
فين الولاد؟
=زهقوا من الأنتظار و ناموا
هز رأسه وابتلع ريقه ببطء ممـ.ـيـ.ـت وهو يتفرس بها أكثر بعد أن طمئنته فقد كانت ترتدي قميص نوم وردي رقيق للغاية وغير مبهرج ورغم ذلك كان تأثيره مُهلك لرجولته، لترفع رماديتاها الضائعة له حين همس هو:
مسألتنيش النهاردة؟
تناوبت نظراتها بين بُنيتاه وتسألت بعدm فهم:
مش فاهمة؟
أبتلع ريقه بعيون جائعة و قال بِحلق جاف مطالب بسؤالها المعتاد الذي يشعره بحيرتها و ضعفها وهشاشتها التي تفقده عقله وتأجج رغبته بها:
أسأليني بتحبني يا حسن
عقدت حاجبيها مستغربة ولكنها سايرته:
بتحبني يا حسن؟
أومأ لها وسألها سؤال آخر اربكها على الأخير:
هو انتِ إزاي حلوة كده النهاردة؟
أطرقت رأسها بخجل وسألته بعيون حائرة:
النهاردة بس يا حسن
= طول عمرك حلوه.
ليقترب من وجهها و يداعب بيده خصلاتها التي غيرت تسريحاتهم كما أمرها ويقول برضا:
شعرك كده أحلى
أبتسمت برضا كونه أثنى عليها على غير عادته واستندت بكفوفها على صدره المعضل تتفقد ذلك النابض وتأثيرها عليه وهمست بين شفاه المنفرجة من شـ.ـدة رغبته:
عاجبك بجد يا حسن؟
لم يجيبها بل فضل ان يعطيها الجواب كما أراد كي يطفئ تلك النيران المستعرة بداخله بفضل الآخرى.
مكالمة هاتفية اخبروه بها أنه يتوجب عليه الحضور إلى أحد فروع سلسلة مطاعم الراوي بالأسكندرية، وما ان استعد هدر قائلًا:
أنا لازم أمشي يا أمي أشوف وشك بخير
لترد ثريا بِقلق:
يا ابني الله يخليك متخلي حد تاني هو اللي يسافر بدالك انا قلبي بيوجـ.ـعني وانت بعيد عني
أبتسم بِبشاشته المعهودة وأخبرها بود:
مينفعش يا أمي أنتِ عارفة لازم اباشر كل حاجة بنفسي
اومأت له بتفهم واسترسلت:
قولت ل نادين على موضوع السفر ده.
= لأ أبقي قوليلها أنتِ وعلشان خاطري يا ماما خلي بالك منها وبلاش تزعليها
هزت رأسها بقلة حيلة بينما الأخرى تشـ.ـدقت بنزق ما ان خرجت من غرفتها والتقطت حديثه:
محدش يعرف يزعلني متخافش ده انا ازعل بلد
رمقها بِحدة بينما ثريا قالت قبل أن تتوجه لغرفتها:
ربنا ما يجيب زعل يا بـ.ـنتي...
لتربت على كتفه وتستأنف بحنو:
تروح وترجع بألف سلامة يا ابني
أبتسم لها يامن وقبل هامتها وإن غادرت قال بنبرة حادة صارمة:.
مش هتبطلي اسلوبك ده؟
نفت برأسها و ابتسمت تلك البسمة المهلكة خاصتها التي تجعل القديس يرتكب من أجلها أبشع الخطايا، ثم أقتربت منه وتعلقت بعنقه قائلة بِمكر أنثوي لا يضاهيها أحد به:
انا سمعتك وانت بتوصيها عليا وقولت أطمنك مش اكتر
أبتسم على طريقتها الملتوية وكيف بإمكانها أن تحول الدفة لها بكل ذكاء ليقول بنبرة آمرة:
مش عايز مشاكل مع ماما...؟
أومأت له في طاعة وهمست:.
حاضر، تحب أسمعلك التعليمـ.ـا.ت التانية وأوفر عليك
تنهد في عمق وأخبرها وهو يمرر يده بِخصلاتها الفحمية الطويلة بِحنان:
يارب تعملي بيها ومجيش ألقيكِ عاملة مصـ يـ بـةزي كل مرة
هزت رأسها في طاعة يعشقها منها ليسألها بلطف:
تحبي اجبلك حاجة من اسكندرية
هزت رأسها بنعم واخبرته بإشتهاء:
ايوة نفسي في أم الخلول
قهقه هو بقوة وعقب بملامح منكمشة مستغربة:
انا مش عارف ازاي بتحبيها بس حاضر هجبلك.
ليقبل جبينها ويحمل حقيبته وإن كاد يغادر هتفت هي بِبسمتها المعهودة:
لا إله إلا الله
= سيدنا محمد رسول الله
قالها بِنبرة حالمة وهو ينظر لها وكأنه يريد نقش ملامح وجهها وتلك البسمة على جدار قلبه قبل مغادرته، بينما هي بعدmا ابتعد عن انظارها وغادر بالفعل وئدت تلك البسمة التي كانت تجيدها وقد لمعت عيناها بمكر لا مثيل له.
اتفضلي يا مرات بابا عملتلك كوباية عصير انما ايه هتعجبك اوي
قالتها نادين وهي تجلس بجوار ثريا التي كانت تشاهد أحد البرامج بالتلفاز بانتباه شـ.ـديد، عقدت ثريا حاجبيها و سألتها باستغراب:
ده من امتى الرضا ده يا بـ.ـنتي
ابتسمت هي وأجابتها ببراءة مصطنعة:
ابدًا أصلا يامن وصاني عليكِ ومش عايزة ازعله مني
تهللت أسارير ثريا وربتت على يدها بحنو داعية بنبرة صادقة:
ربنا مايجيب زعل ابدًا يا بـ.ـنتي ويهديكم لبعض.
= يارب، ياريت بقى متكسفنيش وتشربي العصير
قالتها وهي تمد يدها بالكوب، لتتناوله منه ثريا وترتشف منه بعد أن شكرتها واستأنفت متابعة برنامجها بينما هي ألتمع سواد عيناها بمكر لا مثيل له ما إن وجدت ثريا تغفى بموضعها بعد عدة دقائق، لتنهض وتزفر براحة وتنظر لها نظرة متشفية لأبعد حد قائلة:
ابقى سلميلي بقى على تعليمـ.ـا.ت أبنك يا مرات بابا.
أصطحبها بِجولة عشق هوجاء أطاح بها عقلها وقلبها والأنكى جسدها ؛فكان متلهف تلك المرة عن غيرها، مُتطلب لا يكتفي، يحثها على الجموح والخروج عن المألوف ومبادلته بجرأة أكثر ولكنها لم تستطع تعدي حاجز خجلها وتحفظها التي تعودت عليه، ربما هو يطلب أمور مباحة لهم و تستهويه بشـ.ـدة ولكن هي تقسم انها تعجز عنها وحياءها يمنعها ولذلك تبرر دائمًا لنفسها أنه يصل لنشوته بالأخير دون أن تتكبد هي عناء المحاولة أو التخلي عن حياءها، تنهدت في عمق وهي تعبث بخصلاته الفحمية كما يفضل أثناء نومه وظلت تتمعن بِملامحه الرجولية بعيون تفيض عشقًا، لتقترب بِحرص من وجهه تتحسس تلك الملامح الحادة بِجاذبيتها فهو ذو بشرة سمراء فاتحة وفك عريض وعيون بُنية قاتمة هي سبب نكبتها، اغمضت عيناها في ضيق عنـ.ـد.ما راودتها تلك الشكوك مرة أخرى لتجاهدها بِصعوبة، فقلبها اللين يخبرها أنه لن يستبدلها بنساء الأرض ربما تلك الشكوك واهية والعطب داخل رأسها وعند تلك الفكرة تنهدت بأرتياح و وضعت قبلة عميقة أعلى فكه ثم دست نفسها بأحضانه وكأنها تهرب من شكوكها غافلة كون تلك الشكوك جميعها بِمحلها.
أما بداخل تلك الشقة المنعزلة التي يجتمعون بها
رفعت هي كأسها التي لم تعلم عدده إلى الآن وتجرعته دفعة واحدة ثم استندت على ظهر الأريكة دون اي ردة فعل عيناها مثبتة على السقف بشكلٍ مريب مما دفع أحدهم ان يسألها بِقلق:
ميرال انتِ كويسة اوعي تكونِ أ?ورتي في الشرب زي كل مرة
ابتسمت ساخرة من اهتمامهم الواهي وهدرت بعدm اتزان:
والله امنية حياتي أخلص من نفسي بس اعمل ايه لسة في عمري بقية وقاعدة على قلبكم.
لتعقب منه :
يا بـ.ـنتي بعد الشر عليكِ
= شر، هو المـ.ـو.ت شر؟
سألت بتيه وكأنها لا تعلم الأجابة، ليرد احدهم ساخرًا:
منعرفش اصلنا ما مـ.ـو.تناش قبل كده
قهقهوا جميعهم بينما زفرت هي ولوحت بيدها بلا مبالاه ونهضت كي تغادر بخطوات متعثرة مما جعل منه تصحبها قائلة:
انا هوصلك...
اومـ.ـا.ت لها بِضعف واستندت عليها إلى أن وصلوا لسيارتها تحايلت منه أن تقودها هي ولكنها اعترضت بشـ.ـدة وأصرت وما ان انطلقت بالسيارة تجمدت منه بمقعدها وظلت ترجوها بذعر:
ميرال، هدي السُرعة، اهدي يا ميرال ووقفي العربية انا هسوق
بينما الآخرى لم تستمع لها بل كانت تعاند وتزيد سُرعتها
كفاية، وقفي العربية يا ميرال هتمـ.ـو.تينا.
ومع الكثير من ألحاحها ضغطت ميرال مكابح السيارة بقوة كي توقفها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تجهش ببكاء مرير جعل منه تقسم ان اصابها الجنون لا محالة، ربتت على ساقيها وسألتها بقلق:
أيه اللي حصل يا مـ.ـجـ.ـنو.نة
نفت ميرال برأسها هدرت من بين شهقاتها:
انزلي...
أصرت منه :
لأ مش هسيبك لوحدك انتِ غـ.ـبـ.ـية وممكن تعملي في نفسك حاجة وانتِ بالحالة دي
ابتسمت ميرال بسمة باهتة لأبعد حد وكأنها فقدت كل شغف الحياة وأجابتها بِنبرة متهكمة:.
خايفة عليا اوي ما انتِ سبتيني زيهم وبقيتي علطول واخدة صف نادين
= انا مش واخدة صفها بس انتِ ظلماها نادين ملهاش علاقة ب طارق ولا بالكلام اللي وصله هي ملهاش مصلحة علشان تفرقكم عن بعض واظن انتِ شوفتِ بعنيكِ خطيبها بيحبها اد أيه
نفت ميرال وصرخت بها:
عرفت تضحك على الكل بس انا الوحيدة اللي فهماها...
زفرت منه بِضيق وهمهمت بمواساة:
فوقي بقى يا ميرال وشيلي الأوهام دي من راسك...
لتصرخ بإنفعال:.
مش اوهام انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة هي اللي فضحت كل حاجة و بوظت حياتي وخليته يسبني
زفرت منه بقوة واخبرتها بوضوح:
هو كان هيسيبك كده او كده انتوا الاتنين كنتوا ضايعين مع بعض، وبعدين دي غلطتك من الأول كان لازم تصارحيه بعلاقتك ب إسلام من الأول
تنهدت ميرال بحرقة جثت على صدرها و غمغمت بقهر وهي تنطق:
كُنت خايفة يسبني ويبعد عني لما يعرف إني كان ليا تجارب قبله.
لتبتسم بسمة متألــمة وبعيون غائمة وتستأنف وهي تتذكر تخلي الجميع عنها:
كُنت خايفة يسبني زي ما كل اللي حبتهم سابوني واتخلوا عني، عارفة انا يمكن أكون أسوء حد في الدنيا بس مستهلش ابقى لوحدي
تعاطفت منه معها بشكل بَين وربتت على يدها تحاول أن تواسيها:
انا عارفة انتِ مريتي بأيه وصدقيني انا مش بهاجمك
أبتسمت ميرال بسمة متألــمة لابعد حد وقالت بنبرة منكـ.ـسرة:.
أنا عارفة إن كل كلمة اتقالت عليا صح وعارفة إنكم شايفني واحدة منفلتة عديمة الرباية كل يوم بتصاحب واحد شكل بس اللي محدش يعرفه إني بدور على حد يعوضني عن حنية أهلي واهتمامهم يعوضني عن ابويا اللي الشغل خده مني ومعندوش وقت ليا ولو عنده هيديه لمـ.ـر.اته اللي يدوب اكبر مني بسنة أو اتنين، أو يعوضني عن أمي اللي رمتني واتنازلت عني في سبيل انها تعيش مع راجـ.ـل تاني وتأسس اسرة من اول وجديد ونست أنها خلفتني اساسًا.
لتتنهد بعمق وتسترسل بأسى:
عارفة انا لما قابلت طارق قولت هبدأ بداية جديدة بعد ما حسيت انه شبهي في كل حاجة حياتي زي حياته محسسنيش إني ضايعة زي الكل بالعكس ده كان متقبلني زي ما انا لتشهق بحرقة وتستأنف بضياع من بين دmعاتها:
انا كل ما ربنا يبعتلي حد أقول بعته علشان يعوضني بيه عن حنية اهلي وخــــوفهم عليا ألاقي نفسي غلطانة وبيطلع زيهم ويسبني
لتواسيها منة :.
صدقيني يا ميرال ده مكنش حب ده وهم مش اكتر، ولو فعلًا كان بيحبك كان سمعك وعطاكِ فرصة تدافعي عن نفسك
تنهدت ميرال ولملمت شتات نفسها قائلة بنبرة تقطر بالوعيد:
مش هاممني رجوعه ليا انا اتعودت على الخسارة بس كل اللي هاممني إني اكشف نادين على حقيقتها قدام الكل.
استعارت ذلك المفتاح القديم من درج مكتبه الذي لم يعطيه اهمية يومٍ ثم تسللت خفية إلى الباب الخلفي للمنزل بعدmا تأكدت أن الحارس بِموضعه الذي لا يغادره أمام البوابة الرئيسية ثم بكل حرص ازالت تلك النباتات العالقة و دست المفتاح بذلك الباب الحديدي الذي تأكله الصدأ وفي غضون ثوانٍ كانت تفر هاربة ولم يلحظها أحد، وبعد عدة خطوات واسعة منها وجدته هناك ينتظرها داخل سيارته الفارهة، صعدت بِجانبه وهي ترفع حاجبها بفخر لنجاح مخططها بينما هو قال بأنبهار وهو ينفث دخان سيجارته:.
برافو عليكِ يا نادو كنت عارف انك مش هتغلبي ابدًا
= عيب عليك دا انا نادين الراوي...
قهقه هو على غــــرورها المعتاد وسألها:
حطيتلها كام حباية؟
رفعت اصبعين امام وجهه وهي تكبت ضحكتها، ليلعنها هو:
الله يخرب بيتك، اوعي تروح فيها كان كفاية واحدة بس هتعمل الواجب
نفت بِرأسها وتشردقت بنبرة حاقده:
مش خسارة في طيبة قلبها، لتستأنف بِحماس غير عادي وهي تسحب من بين أنامله تلك السيجارة الغير بريئة بالمرة وتدسها بين شفاهها:.
طب يلا أطلع بالعربية قبل ما حد يشوفنا وياريت توديني مكان بعيد ميكنش زحمة احنا مش ناقصين جُرص
أبتسم وأخبرها بغمزه من عينه العابثة وهو يشرع بالقيادة:
انتِ تأمري و طارق ينفذ يا نادو...
↚
من يشعر برغبة لا تُقاوم في الإنطـ.ـلا.ق بقوة، لا يُمكنه أبداً أن يرضى بالزحف!
هيلين كيلر.
تعدت منتصف الليل عنـ.ـد.ما وقفت أمام بوابة القصر التي تقطن به مع والدها وزوجته، فظلت تنتظر من الحارس أن يخرج لها ويفتح تلك البوابة اللعينة التي تعيقها عن الدخول ولكن دون جدوى مما جعلها تزفر بنفاذ صبر وتهمم بعدm اتزان:
هو يوم باين من اوله شكلها هي اللي أمرت يقفلوا البوابة.
لتقتد فيروزاتها بغـ.ـيظ فلا أحد سوف يمنعها من ان تدخل لمنزلها حتى وإن كانت تلك الخبيثة زوجة أبيها تراجعت مسافة ليست ببعيدة ودون أي تركيز كانت تزيد من سرعتها وتتقدm تخترق البوابة الحديدية بسرعة جنونية أدت لتحطيم مقدmة السيارة بالكامل وارتدادها بقوة داخلها وتأذي جبهتها أثر ارتطامها بعجلة القيادة.
أحدث الاصطدام جلبة قوية مما جعل كل من بالقصر يهرولون خارجه لاكتشاف ما حدث واولهم زوجة والدها التي هتفت بترقب:
ميرال انتِ كويسة...
هزت رأسها وهي تدلى من السيارة بخطوات مترنحة وقالت بنبرة غير متزنة بالمرة وهي تتحسس جـ.ـر.ح جبهتها:
أنا تمام...
لتضحك ساخرة وهي تتطلع لذلك الحارس الذي خرج لتوه مطرق الرأس وكأنه ينتظر توبيخها ولكنها لن تفعل فهي تعلم أنه مجبور على تنفيذ أوامر الآخرى، لتتنهد و تحول نظراتها تشاهد فداحة فعلتها وتستأنف:
بس العربية مش تمام خالص
ربعت زوجة أبيها يدها على صدرها وقالت بنبرة مشككة وهي ترمقها شذرًا:
أنتِ كمان سـ.ـكـ.ـر.انة
هزت ميرال رأسها وأجابتها بلامبالاة كي تقطع الشك باليقين ولا تدع لها مجال للنقاش:.
ايوة سـ.ـكـ.ـر.انة، ممكن بقى تسبيني اطلع انام علشان مش شايفة قدامي
ردت دعاء زوجة أبيها متهكمة:
يعني مش كفاية راجعة بعد نص الليل لأ وكمان سـ.ـكـ.ـر.انة وقلقتي كل اللي في القصر، ومش عايزة حد يكلمك ده أيه جبروتك ده يا ميرال انا اول ما يوصل باباكِ من السفر هقوله ومش هسكت.
تنهدت ميرال ولوحت بيدها بلامبالاة فأخر ما ينقصها أن تتجادل معها وخاصةً كونها تعلم نواياها وتعلم مسبقًا أن أبيها دون شيء سيقف بصف زوجته ويأخذ موقف ضدها ككل مرة ولكن لا يهم هي تعودت على ذلك واصبحت تتعامل مع الجميع بلا مبالاه لا مثيل لها
لتقول قبل أن تدلف للداخل تحت نظرات دعاء المغتاظة:
بلاش تطلعي عقدك على الحارس بعد ما أطلع، تصبحي على خير.
زفرت دعاء بغـ.ـيظ وهي تنظر لآثارها بينما بينها وبين ذاتها قد قررت أنها لن تصمت وسوف تخبر زوجها بكل شيء حين عودته في صباح الغد.
أما هي فقد استيقظت على صوت هاتفها المزعج الذي لن يكف عن الرنين لتتناوله بتأفأف وترد بِنبرة ناعسة:
الو
= نادين مش بتردي انتِ وماما ليه قلقت عليكم!
هدر بها يامن من الطرف الآخر، لتنتفض من فراشها وتتلعثم بعيون زائغة:
ها، انا، كُنت نايمة
= طب و ماما فين؟
لطـ.ـمـ.ـت خدها بخفة وهي تتذكر فعلتها بلأمس لتماطل و تركض لغرفة ثريا كي تطمئن ان لم يصيبها مكروه، لتزفر براحة ما إن وجدتها تجلس تؤدي فرضها
نادين روحتي فين؟
= ها انا معاك، اطمن هي كويسة بس كانت بتصلي
طيب الحمد لله سلميلي عليها، و خلي بالك من نفسك وانا احتمال كبير أجي النهاردة بليل
قلبت عيناها ساخطة ولكنها أجابته بوداعة:
توصل بالسلامة
لتغلق معه وترتمي على الأريكة تحاول ان تتنفس براحة أكبر ولكن صوت ثريا أجفلها ما انتهت من أداء فرضها:
معرفش مالي يا بـ.ـنتي كابس عليا ابو كابوس ليه ده انا قومت بالعافـ.ـية وعندي صداع هيفرتك دmاغي.
أهتزت نظراتها قليلًا وهي تشعر بشيء من تقريع الضمير وقالت بنبرة مهزوزة:
لو تعبانة، أرتاحي
نفت ثريا برأسها وأخبرتها بطيبة:
لا يا بـ.ـنتي هاخد حباية مسكن وهبقى كويسة
هزت رأسها وكأنها تؤيدها وتطرد ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها حين قالت:
ايوة اكيد هتبقي أحسن ومش هيحصلك حاجة
أقتربت منها ثريا وربتت على ظهرها قائلة في حنان بعدmا اسعدها اهتمامها:
ربنا يخليكِ ليا يا بـ.ـنتي ويحفظك من كل شر.
لوهلة تجمدت نظراتها على وجه ثريا حين شعرت بتلك الدعوة الصادقة نفذت لصميم قلبها ولكنها فرت بقولها:
انا هدخل أوضتي أذاكر شوية، أصل يامن هيجي بليل وعايزة أقعد معاه
أبتسمت ثريا داعية بحنو:
ربنا ما يحرمكم من بعض ابدًا يا بـ.ـنتي، اعملي اللي يريحك أنا هحضرلك الفطار ولو بقيت أحسن هروح أزور رهف ومش هتأخر ساعة وراجعة
هزت نادين رأسها وتوجهت لغرفتها وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها ويهدد ثباتها.
بعد بعض الوقت تمددت على فراشها بعد تفكير مضني بشأن فعلتها و لكنها شعرت براحة غريبة عنـ.ـد.ما هيئ لها شيطانها وبرر لعقلها أنها لم تخطئ فلولا تحكمـ.ـا.ت أبنها لم تكن تضطر لذلك، نفضت افكارها بعيدًا وقررت ان تسترجع أحداث أمس ليعتلي ثغرها بسمة حالمة عنـ.ـد.ما تذكرت كم كانت ليلة مميزة بكل المقاييس لم تحظى بمثلها ابدًا إلا عند سفره
انتشلها من شرودها رنين هاتفها التي ألتقطته وأجابت بصوتٍ خافت للغاية:.
والنعمة انت مـ.ـجـ.ـنو.ن قولتلك متتصلش بيا انت، افرض يامن جنبي ولا أمه انت عايز توديني في داهية
أتاها الرد من الطرف الآخر:
أنا عارف إنه لسه مرجعش واعمل ايه حشـ.ـتـ.ـيني و
= وحشتك ازاي وانا لسه سيباك من كام ساعة يا طارق انت هتستهبل
أنتِ بتوحشيني وأنتِ معايا يا نادو
تنهدت بعمق وبسمتها تكاد تشق وجهها ليستأنف هو:
هشوفك النهاردة كمان
تلاشت بسمتها وأخبرته بِضيق:
لأ، يامن راجع النهاردة.
لم يصلها رده فقط صوت انفاسه الغاضبة لتهمهم هي:
بس ممكن أشوفك بكرة في الجامعة
= لأ مش هاجي، و يلا سلام
قالها بحده مبالغ بها قبل أن يغلق الخط مما جعلها تستشيط غـ.ـيظًا بسبب سيرة ذلك ال يامن الذي عكر صفوهم.
أما عند صاحب البنيتان القاتمة فكان يكاد يجن عنـ.ـد.ما لم تحضر منار اليوم للعمل، حاول محادثتها ربما للمرة المائة ولكن دون جدوى فهاتفها مغلق ولم يتمكن من التواصل معها بأي شكل مماجعله في حالة مزاجية يصعب وصفها فقد دلف لمنزله في المساء بوجه متجهم للغاية ليجدها تستقبله كعادتها في أبهى صورها بذلك القميص الأسود الطويل الذي يناسبها تمامًا ويمنحها جاذبية خاصة بها
حمد الله على السلامة يا حسن.
قالتها رهف بنعومة وببسمة هادئة بينما هو هز رأسه و أجابها بإقتضاب:
فين الولاد؟
أحتل الحـ.ـز.ن عيناها عنـ.ـد.ما لم يعيرها أي اهمية حتى انه لم ينظر لها مما جعلها توضح بهدوء:
خالتو ثريا كانت هنا وشبطوا فيها وبصراحة قولت اريحك من دوشتهم أكيد جاي تعبان ومحتاج ترتاح
زفر بقوة واستطرد قائلًا:
وليه مأخدتيش اذني...
= مش مستاهلة يا حسن ده البيت جنب البيت وهما مش عند حد غريب.
يعني ايه مش مستهلة هو أنتِ متجوزة كيس جوافة، تتفضلي تنزلي تجبيهم
= حاضر يا حسن الموضوع مش مستاهل، انا هغديك الأول وأنزل اجيبهم
صرخ بها بعصبية غير مبررة بالمرة:
دلوقتي ومش عايز أطفح انا أكلت في الشغل
كانت تسايره لأبعد حد لكن عصبيته الغير مبررة معها استفزتها و.جـ.ـعلتها تخرج عن هدوئها وثباتها المعتاد:
أنت متعصب عليا ليه؟
انا مش شايفة أن الموضوع يستاهل دي خالتك مش حد غريب.
زفر بقوة و نزع سترته وقذفها بالأرض وقال بسخط أحـ.ـز.نها:
المشكلة مش انهم مع خالتي، المشكلة فيكِ يا هانم مبت عـ.ـر.فيش تتصرفي في اي حاجة في حياتك لوحدك ويوم ما تفكري تشغلي عقلك، لغيتي وجودي ونزلتي الولاد من غير اذني
بررت هي بتلقائية:
انا عمري ما لغيتك بالعكس أنا مبعرفش اخد أي خطوة غير بعلمك وعمري ما عارضتك
تأفأف هو وهدر بنفاذ صبر وهو يتوجه لغرفته:.
انا عارف ان مفيش فايدة من الكلام معاكِ و أنا اصلًا مصدع ومش فايق فياريت تنزلي تجيبي الولاد وتقصري
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يدلف للغرفة تركها خلفه تنظر لآثاره بِضيق شـ.ـديد ورغبة مُلحة في البكاء تكاد تسيطر عليها ولكنها تمالكت ذاتها ونهضت كي تجلب أطفالها كما أخبرها تجنبًا لتفاقم غـــضــــبه.
جلست تطعمهم بِحنان شـ.ـديد وتقص عليهم أحد قصص الأطفال القديمة في حين هم كانوا يقهقهون تارة ويصـ.ـر.خون تارة آخرى من شـ.ـدة حماسهم، شردت لوهلة بوجههم البريئة وكم تمنت ان ترى أبناء ولدها في المستقبل لتتنهد في عمق وهي تدعوا من تصميم قلبها:
ربنا يريح قلبك يا ابني ويهديهالك ويوعدك بالذرية الصالحة
عشم ابليس في الجنة
قالتها نادين بسرها ما أن استمعت لدعوتها، وهدرت بعدها حانقة من ضوضائهم وتلك الجلبة التي يحدثوها:.
= اففففف بقى تنفع الدوشة دي
ردت ثريا :
معلش يا بـ.ـنتي دول عيال حسن ابن اختي شبطو فيا
= وانا ذنبي ايه إن شاء الله أنا عايزة انام
لترد ثريا وهي تحتضن شيري و شريف الذين كانوا يرشقون نادين بنظرات مهزوزة:
حقك عليا خلاص مش هيعملوا دوشة تاني
لتهتف شيري تلك الطفلة التي لم يتعدى عمرها الست سنوات:
نادين وِحشة وشبه الساحرة الشريرة
ليؤيدها شريف توأمها:
ايوة وِحشة وانا مش بحبها و هقول لعمو يامن كمان مش يحبها.
ربعت يدها وظلت ترشقهم بنظرات متغاظة، بينما
شهقت ثريا و وجهتهم بصرامة:
عيب كده يا حبايبي طنط نادين حلوة، يلا اعتذروا منها
نفوا برأسهم في حين كانت نادين تجز على نواجذها من شـ.ـدة غـ.ـيظها وكادت تصرخ بهم وتعيب بأخلاقهم
لولآ صوت جرس الباب التي ركضت إليه شيري وفتحته هاتفة:
مامي
= اهلًا يا بـ.ـنتي اتفضلي
قالتها ثريا بود ل رهف التي جاءت لتوها لتجيبها رهف :
أنا جاية أخد الاولاد يا خالتو واسفة اني تعبتك.
هما لحقوا يا بـ.ـنتي كنت سبيهم لبليل
= معلش أصل حسن مش بيعرف ياكل غير معاهم
قالتها بضيق وهي تلعن ذاتها لكذبها على تلك السيدة الحنون، لاحظت ثريا تـ.ـو.ترها وفركها ليدها لتسألها بِقلق:
أنتِ كويسة يا بـ.ـنتي
أومـ.ـا.ت في ضعف، لتتنهد ثريا وتربت
على كتفها وسحبتها من يدها كي تجلسها ولكن نادين باغتتهم بِعجرفة كعادتها:.
بتقولك جوزها عايزهم ما تسبيها تروح وتاخد جوز القرود دول معاها وتخلصنا، دي حتى شكلها مكسوفة تقولك أن ابن اختك مش مأمن على عياله عندك
نفت رهف برأسها وكادت تدافع عنه كعادتها ولكن سبقتها ثريا :
متدخليش يا نادين وروحي كملي نومك
رفعت حاجبيها بِغـ.ـيظ وردت كي تستفزها:
النوم راح خلاص بفضل القرود بتوعكم، لتوجه حديثها ل رهف بنزق:
بالله عليكِ ابقي ربي عيالك علشان قرفوني.
لتنهض رهف وتقول بدفاع قوي و بشراسة أم لن تظهر سوى من أجل ابنائها:
انا ولادي متربين احسن تربية ولو سمحتِ التزمي حدودك معايا انا مش مجبرة اتحمل قلة ذوقك، عن اذنك يا طنط
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تأخذ اولادها وتغادر تاركة ثريا تنظر ل نادين بنظرات معاتبة لأبعد حد
ولكن هي لم تكترث بل لوحت بيدها ودخلت غرفتها واغلقت بابها دون اي لباقة في وجهها.
في المساء جلسوا ثلاثتهم على طاولة الطعام يتناولون العشاء فقدظل يمرر نظراته بين والدته الصامتة وتلك التي تدعي انشغالها بأكل ذلك المحار الفريد الذي جلبه لها، انتظر ان يبادر احد بالحديث ولكن دون جدوى مما جعله يتيقن أنهم اختلفوا من جديد ليسأل بهدوء:
خيرررررر ايه حصل احكولي كُلي أذان صاغية
زفرت هي بضيق بينما ردت ثريا بِعقلانية:
محصلش حاجة يا حبيبي احنا زي الفل أهو
= مش باين!
قالها بتوجس وهو ينظر ل نادين
لتستأنف ثريا كي تلهيه عن خلافهم:
خلاص بقى قولتلك مفيش حاجة ويلا احكيلي انت عملت ايه في مطعمك
حانت من نادين بسمة هازئة عنـ.ـد.ما استمعت لسؤالها التي عدلته هي بِعجرفة:
= قصدك مطعمي يا مرات بابا، متنسيش أنو بس بيدير أملاكي بصفة مؤقتة
وانتِ وهو أيه يا بـ.ـنتي ما هو جوزك
ارتفع حاجبيها وقالت بغــــرور وثقة لا مثيل لها:.
على الورق وبس ومش كل شوية لازم افكركم ان القرار بإيدي ومحدش هيعرف يجبرني على حاجة
تناوبت ثريا النظرات بينهم تنتظر منه أن يتفوه بشيء ولكن هو كان يشعر ببركان ثائر برأسه من تمردها التي لن تكف عنه فما كان منه غير صراخه بها:
= نادين كفاية كده وقومي نامي اكيد عندك جامعة الصبح
انتفخت أوداجها وصاحت بعناد:
وإن مقومتش يا يامن هتعمل ايه؟
= متقوميش يا نادين هقوم انا، تصبحوا على خير.
قالها بنفاذ صبر قبل ان تشتد نوبة غـــضــــبه أكثر فهو يقسم انها لو فتحت فمها بكلمة آخرى سيفقد لجام نفسه.
كانت تجلس منفردة كعادتها بغرفتها، ممددة في فراشها دون حراك فقط شاردة بسقف غرفتها حين انتشلها طرقات منتظمة على باب غرفتها لتعتدل وتأذن للطارق إذا بالخادmة تخبرها:
البيه وصل من السفر و عايز حضرتك تحت.
هزت رأسها بطاعة ثم أشرت للخادmة لتنصرف وهي تلعن حياتها فمن المؤكد أن زوجة أبيها أخبرته بما حدث ويريد ان يوبخها كعادته، زفرت بِضيق شـ.ـديد ثم استبدلت ملابسها كي توافيه مثلما أخبرتها الخادmة، وما ان وقفت على أعتاب غرفة مكتبه سمعت صوت زوجة ابيها تزيد بالحديث عليها ولكنها لم تبالي ودخلت قائلة بملامح جـ.ـا.مدة دون أي تعبير يذكر:
حمد الله على سلامتك، حضرتك عايزني
أجابها والدها بحدة:.
انا عرفت اللي حصل أمبـ.ـارح ومش عاجبني اللي انتِ عملتيه
تنهدت هي وأخبرته بهدوء وبملامح واهنة:
آسفة...
زفر أبيها أنفاسه دفعة واحدة وعاتبها:
أنا مش معنى إني سايبك براحتك تنبسطي وتعيشي سنك أنك تتمادى كده أنتِ غلطتي ولازم تتحاسبي
حانت منها بسمة باهتة وأخبرته بأحترام:
اللي تشوفه حضرتك
نظر لزوجته يلتقط نظرتها المحفزة له ضدها وهتف قائلًا:.
مفيش خروج بعد كده غير بعلمي ولازم يكون معاكِ السواق، ومفيش سهر بعد كده ولا شرب فاهمة
أجابته بطاعة وهي تقاوم رغبتها بالبكاء كي لا تجعل الآخرى تشمت بها:
حاضر، عن اذنك
لتنصرف هي بخطوات واهنة بينما الأخرى ابتسمت وقالت لزوجها:
ايوة كده يا بيبي لازم تشـ.ـد عليها شوية علشان ما تخرجش عن طوعك زي أمها.
أومأ لها ببسمة باهتة وبضيق شـ.ـديد وهو يتذكر تلك التي هجرته سابقًا وما كان منه غير يؤيد رأي زوجته ويستمع لكل نصائحها التي يظنها تصب في مصلحة أبـ.ـنته.
صباح يومٍ جديد يخبئ بطياته الكثير فقد أوصلها كعادته كل يوم لجامعتها دون أن يتفوه ببـ.ـنت شفة عن ما حدث بالأمس، فقد وئدت تلك اللهفة التي كان يعود بها من أجلها ولكن هي تظل هي لن تتغير
هتفضل ساكت كده كتير؟
رفع عينه لها وقال بهدوء مصتنع يخالف ثورة عقله:
عايزاني اقول ايه بعد اللي قولتيه امبـ.ـارح!
سطع المكر بعيناها وبررت بِثقة:
انا مغلطتش في حاجة، دي الحقيقة اللي انت مش عايز تستوعبها انت ومامتك.
زفر بضيق واشاح بنظره بعيدًا عنها، فهو مل من طريقتها المتعجرفة تلك و من كبح تمردها ولكن الأدهى أنها ظلت تضغط عليه وكأنها تتعمد ان تخرجه عن طوره بقولها:
يوووووووه بلاش تستفزني بسكوتك ده
ضـ.ـر.ب المقود بِقبضته بنفاذ صبر وهدر بإنفعال:
عايزة تسمعي ايه، عايزاني اقولك صح عندك حق، تمام عندك حق، وانا ولا حاجة و وجودي في حياتك ملهوش اي معنى غير على الورق وبس، ارتحتي كده، ردي عليا.
كان يهدر بكل كلمة بنبرة منفعلة وبأعصاب تالفة لم يستطيع التحكم بها أكثر مما جعلها ترد بغــــرور لا مثيل له وحاجبيها تعلو بزهو:
أيوة ارتحت، بس ياريت انت متنساش ده
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تتدلى من سيارته وتسير بطريق جامعتها مما جعله يشعر بخيبة أمل لا مثيل لها فهل يا ترى حان الوقت لكي ييأس منها أَم سيظل يجاهد دائمًا من أجل قلبه ويحاول ترويدها.
جلست داخل المدرج الخاص بِمحاضرتها ليباغتها هو بجلوسه بجانبها وقوله بجانب اذنها:
يخربيت حلاوتك، حشـ.ـتـ.ـيني و
ابتسمت بغــــرور وارتفع حاجبيها بمكر وسألته بعتاب طفيف:
مش قولت مش جاي
= مقدرتش افوت الفرصة ومشوفكيش يا نادو
قالها بغمزة من عينه العابثة وهو يسحب يدها خِفية ويضغط عليها، لتنتفض هي وتسحبها منه وتوبخه بهمس شرس:
هتفضحنا الله يخربيتك ابعد، المحاضرة هتبتدي
هز رأسه بتفهم ونظر أمامه وقال هامسًا:.
ما تيجي نخلع المحاضرة دي علشان محضرلك مفاجأة حلوة
اومأت له بحركة بسيطة والحماس قد تملك منها، غافلة عن تلك التي تراقبهم من بعيد ولاحظت ما يدور بينهم لتمر بين زملائها وتهدر بحدة ما ان وصلت لموضع جلستهم:
ممكن تقعدني جنب نادين
تحمحم ونهض كي تفوت هي:
طيب براحة يا شيخة نغم انا اصلًا كُنت ماشي
لتهبد كُتبها وتجلس توبخها ما ان انتبهت لها:
بتتكلمي مع الزفت ده ليه؟
اجابتها نادين بعيون زائغة:.
= عادي يا نغم كان بيسألني على حاجة
لتعقب نغم بعقلانية:
نادين انا مش برتاح للشاب ده ولا للشلة بتاعته كلها علشان خاطري ابعدي عنهم
لترد نادين بسأم:
يا بـ.ـنتي ارحميني بقى من الاسطوانة دي، وفكك مني، اقولك انا ماشية وهسيبلك المدرج كله سلام
لتهمهم نغم بِنبرة متحسرة على صديقة عمرها:
= ربنا يهديكِ يا نادين ويبعد عنك ولاد الحـ.ـر.ام.
كان يقود سيارته بطريق منزلها مما جعلها تتسأل بتوجس:
ده طريق بيتي انت بتهرج صح
نفى برأسه وقال بغمزه من عينه:
عارف، ومتقلقيش عايزك تثقي فيا
زفرت انفاسها بتـ.ـو.تر عنـ.ـد.ما توقف أمام بناية فاخرة تبتعد بشارع واحد عن موقع منزلها، و دعاها ببسمة واسعة تفيض بالعبث ان تدلى من السيارة بعدmا تدلى هو وفتح بابها:
يلا يا نادو انزلي.
ابتلعت ريقها بحلق جاف وهي تشرأب برأسها وتتناوب نظراتها بينه وبين البناية بتردد كبير وخاصةً عنـ.ـد.ما حاول هو طمئنتها:
أنتِ بتثقي فيا مش كده، متخافيش انا...
تنهدت كي تحفز ذاتها وقاطعته بثقة وبغــــرور كعادتها وهي تتدلى من السيارة:
انا بثق في نفسي أكتر يا طارق متخلقش اللي يغـ.ـصـ.ـبني على حاجة انا مش عايزاها.
لمع سواد عينه بعبث ماكر و بسط يده كي تتقدm بخطواتها لتبتسم هي بِغــــرور وتسير أمامه بخطى واثقة رغم التـ.ـو.تر الذي يعتري دواخلها وشعورها أن ما تفعله خطأ لا محالة ولكن شيطانها برر لها وأدعى براءة خطيئتها فهل ياترى يوجد خطايا بريئة كما يدعون أبطالنا، لا أظن ذلك ولكن دعونا نمهلهم الوقت الكافي لكي يستوعبون بأنفسهم.
↚
التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون , لذا تغافل مره وتغابى مرتان.
وليم شكسبير.
جلست على طاولة الطعام دون ان تنبس ببـ.ـنت شفة فقط تعبث بطبقها دون ان تمسسه، اجفلها سؤال والدها ما ان جلس بِجوارها:
ما روحتيش الجامعة ليه معندكيش محاضرات ولا ايه؟
رفعت فيروزتها له وأخبرنه بإقتضاب وبملامح واجمة:
مش عايزة مليش مزاج ومتفقة مع منه هقابلها في النادي
تنهد فاضل بعدmا أزعجه بهوتها وأخبرها بحنو وهو يربت على يدها الآخرى المسنودة على الطاولة:.
متزعليش مني إني اتعصبت عليكِ انا عايز مصلحتك وخايف عليكِ يا ميرال أنتِ بـ.ـنتي الوحيدة وحالك مش عاجبني
حانت منها بسمة هازئة وأخبرته وهي تستند بأريحية أكثر على مقعدها وتربع يدها:
بأمارة أيه يا بابي!
جعد أبيها حاجبيه وسألها بعدm فهم:
يعني ايه؟
أجابته بتهكم تقصدته:
تعرف ايه عني وعن حياتي تعرف أيه عن اللي بيريحني وفعلًا في مصلحتي...
أجابها والدها بنفاذ صبر وهو ينظر بساعة يده:.
حبيبتي ممكن نأجل الكلام ده لبعدين أنا متأخر
هزت رأسها ببسمة متألــمة وأضافت بإحتياج شـ.ـديد:
على فكرة انا اهم من شغلك ومن حقي اتكلم معاك، واحس بوجودك في حياتي...
تنهد والدها وبرر ببراءة:
حبيبتي كل اللي بعمله ده ليكِ ولمستقبلك وللأيام الجاية
نفت برأسها بأعصاب تالفة وصاحت بيأس تملك منها:
أنا اللي ليا النهاردة وميهمنيش الأيام الجاية، مش يمكن متجيش و مبقاش موجودة ومفرقش مع حد.
=يالهوي بعد الشر عليكِ ليه بس بتقولي كده ياست البنات!
قالتها مُحبة رئيسة الخدm وهي تدلف لتوها تحضر لها كوب من عصير الأفوكادو التي تفضله
ليؤيدها والدها:
تعالي شوفي الكلام الفارغ ده يا مُحبة وعقليها
لتعقب مُحبة بحنو حقيقي وهي تضع الكوب الذي بيدها على الطاولة:
ربنا يخليكِ ويحفظك بلاش تفولي على نفسك يا ست البنات
تنهدت ميرال وردت:
لو فعلًا زي ما بتقولي يا دادة يسمع كلامي ويعمل اللي يريحني
دافعت مُحبة بِعشم:.
ده أبوكِ يتمنالك الرضا ترضي يا بـ.ـنتي مش كده برضو يا فاضل بيه
هز والدها رأسه يؤيد حديثها وتأهب لابـ.ـنته وهو يحسها بنظراته أن تخبره بما تريد
لتتلعثم هي بنبرة شبه راجية:
انا محتجاك يا بابي ومحتاجة وجودك جنبي، تعالا نسافر أي حتة ونغير جو سوا
تحمحم والدها يجلي صوته وقال بنبرة آسفة:.
حبيبتي أنا مش فاضي حاليًا وكمان دعاء عندها شغل واجتماعات في الجمعية ممكن نأجل الموضوع ده شوية أكون استعديت، بس لو مخـ.ـنـ.ـوقة ومش عايزة تصبري ممكن تاخدي صحابك ودادة مُحبة علشان تاخد بالها منك وتروحي المكان اللي يريحك ومتقلقيش كل مصاريفكم عليا
شعرت بالحـ.ـز.ن كونه لم يقدر إحتياجها وفضل ان يعوضها بطريقته التي يظنها هو كفيلة أن تعوضها عن كل شيء حتى حاجتها له ولأهتمامه.
لتنكس رأسها وتركز نظراتها الحزينة على طبقها مما جعل مُحبة تتطلع ل فاضل بضيق وبعدm رضا وتعاتبه بصوت خفيض للغاية:
ياريت هم الدنيا كله فلوس يا بيه
لم يهتم بتمتمتها بل أشار لها ان تنصرف وبالفعل أنسحبت وعادت للمطبخ لتباشر الخدm تزامنًا مع نزول دعاء زوجة ابيها والقائها تحية الصباح عليهم وجلوسها على طاولة الطعام بجانب ابيهاوهي تسدد له نظرة ذات مغزى التقطه و قال بتعجل وهو ينهض من مقعده ينوي المغادرة:.
كلام أمبـ.ـارح يتنفذ بحذفيره ومش عايز استهتار، عربيتك خدوها تتصلح الصبح تقدري تاخدي أي عربية من الجراچ عم مؤنس عنده ظروف و وأخد أجازة دعاء اتصرفت و جابت واحد ينوب عنه عقبال ما يرجع، هو شاب محترم وانا اتأكدت من هويته بنفسي عايزك تعامليه كويس وانا بلغته بكل المطلوب منه
أومأت له بطاعة دون أي مجادلة وكانها فقدت شغف الحديث من الأساس ليغادر والدها وإن كادت تنهض هي الآخرى كي تغادر باغتتها دعاء ببسمة متشفية:.
برافو يا ميرال لازم تسمعي كلام باباكِ هو عايز مصلحتك
حانت منها بسمة هازئة فتلك ال دعاء قد تعدت حدودها معها وتمادت على الأخير ولابد من ردعها:
اوعي تفتكري إني مش عارفة أنتِ بتحاولي تعملي أيه.
ولأخر مرة بحذرك بلاش تتدخلي بيني وبين بابي، أنا سكوتي ده مش ضعف مني وأنتِ عارفة كده كويس أنا بس بكبر دmاغي و بحاول اتغابى علشان بابي شيفاه مبسوط معاكِ لتنحني منها وتضيف بمغزى جعل نظرات الآخرى تزوغ وتتوجس خِيفة منها:
أنتِ عارفة إني لو حطيتك في دmاغي هتخسري كتير يا دعاء فياريت تبطلي تدخلي في اللي ملكيش فيه.
لتعتدل بوقفتها وتسحب حقيبتها وتخرج تاركة دعاء تستشيط غـــضــــبًا منها فهي تعلم انها ليست هينة ولكن تتغافل ليس أكثر.
تجنن يا طارق
هتفت بها في حماس شـ.ـديد مما جعله يرد بِسعادة:
= عجبتك يا نادو
أومأت برأسها تؤكد ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب، فحقًا اعجبتها تلك الشقة الواسعة ذات الأثاث العصري الراقي وتلك الألوان الهادئة المحاطة بها، ليستطرد طارق :
الشقة دي هتشهد على حبنا يا نادو
انا جهزت كل ركن فيها وأتمنيت من قلبي انها تعجبك
تنهدت في عمق وقالت وهي تنظر لمحيط المكان:.
بس ليه قريبة من البيت كده انا كنت عايزة ابعد
أجابها بعيون مسبلة وهو يقترب منها بِحرص ويرفع يده يحاول أن يتلمس وجهها:
انا قولت كده احسن علشان نعرف نتقابل براحتنا في اي وقت متاح ليكِ
أزاحت وجهها بعيد عن لمساته ثم أبتعدت عنه عدة خطوات و ضحكت بصخب جعله مشـ.ـدوه ثم تمتمت بغــــرور لا مثيل له:
نتقابل، وهنا، ومين قالك إني هرضى، يظهر أن دmاغك راحت بعيد يا طارق.
قلص المسافة التي صنعتها وتمسك بيدها قائلًا بنبرة يحفها الرجاء:
= نادو أنتِ عارفة إني بحبك ونفسي اتأكد أنك انتِ كمان بتحبيني ومفهاش حاجة لما نتقابل هنا بدل ما بنبقى خايفين حد يشوفنا
حانت منها بسمة ماكرة لأبعد حد وأجابته بدهاء وهي تنفض يده دون أي تهاون:
يبقى بلاها خالص، مش لازم نتقابل من الأساس
زفر بقوة من فعلتها ثم نفى برأسه برفض وقال بتراجع:
لأ مقدرش يا نادو ، ده انتِ بتوحشيني وانا معاكِ.
مررت يدها بخصلاتها وردت بكل غــــرور وبنبرة تقطر بالدهاء:
يبقى متحاولش، وبلاش حركات المراهقين دي معايا وأحترم ذكائي...
أمتعض وجهه وشعر بالضيق الشـ.ـديد من حديثها فلم تجرأ أنثى من قبل على ان تراوغه هكذا وتتجاهل مشاعره لذلك الحد فطالما كان هو من يتجاهل ويسخر واحيانًا يترك، ولكن معها كل شيء مختلف فهي قوية صعبة المنال والأنكى من كل ذلك واثقة حد الجحيم وذلك حقًا ما يآسره بها، نفض أفكاره سريعًاوسألها بترقب شـ.ـديد لعلها تبث به الأمل:
طيب على الأقل قوليلي حقيقة مشاعرك ليا أنتِ عمرك ما قولتيلي انك بتحبيني.
نظرت له نظرة ساحرة جعلته يظن انها ستجيبه وتريح قلبه ولكنها تشـ.ـدقت قائلة وهي تتوجه لباب الشقة:
انا هتأخر، لازم توصلني للجامعة تاني علشان يامن هايجي ياخدني من هناك
زفر بِضيق ومرر يده في خصلاته بعدmا هدmت هي آماله وتجاهلت سؤاله لا والأنكى انها تفوهت بأسم ذلك الغـ.ـبـ.ـي امامه مما جعله يشعر ان قلبه يتأكل من شـ.ـدة غيرته ولكن ماذا يفعل هو ليس بيده شيء سوى الأنتظار ليفوز بها.
وقف ينتظرها أمام الحرم الجامعي بطلته الرجولية المبهرة، يستند على مقدmة سيارته واضع يده بجيب بنطاله ويخفي حبات قهوته بنظارة شمسية عريضة ذادته جاذبية على جاذبيته، زفر بنفاذ صبر وهو يتطلع لساعة يده فقد
تأخرت اليوم على غير عادتها، لمح نغم من بعيد ولوح لها ببسمة هادئة، لتقترب منه بتـ.ـو.تر وهي تضم كُتبها لحـ.ـضـ.ـنها وتهمهم مُرحبة:
اهلًا يا استاذ يامن أزي حضرتك.
= تمام الحمد لله، قوليلي فين نادين اتأخرت ليه كده النهاردة؟
ها، أصل، نادين...
كانت تتلعثم بشكل ملفت جعله يتوجس قائلًا:
حصل حاجة يا نغم؟
نفت برأسها وكادت تخترع له كذبة ملائمة ولكنها حمدت ربها انها وجدت نادين تقترب وتقول بثقة أجادتها:
Sorry
كُنت في المكتبة ومأخدتش بالي من الوقت
زفرت نغم بأرتياح بينما هو أومأ لها بملامح جـ.ـا.مدة دون تعبير يذكر وعرض على نغم مجاملًا:
تعالي هنوصلك
لترد وهي تتناوب النظرات بينهم:.
لأ انا هاخد تاكس
ليصر هو:
انا قولت هنوصلك يلا مش عايز اعتراض متبقيش شبه صاحبتك
لتتذمر نادين :
ومالها صاحبتها مش عاجباك ولا ايه؟
زفر أنفاسه دفعة واحدة وهو ينزع نظارته ورشقها بنظرة حادة قبل أن يصعد للسيارة فأخر ما ينقصه هو الجدال معها مرة آخرى، لتنكزها نغم بذراعها و وبختها بصوت خفيض للغاية:
اتكلمي عدل هو مايقصدش حاجة.
ويلا أمري لله هاجي معاكم إلا تقــ,تــلوا بعض في السكة ليصعدوا للسيارة ايضًا غافلين عن ذلك الذي يتتبعهم بعينه منذ بادئة الأمر بقلب يتأكله من شـ.ـدة غيرته.
استقلت السيارة واغلقت بابها بقوة وأمرت السائق بعصبية مفرطة:
وديني النادي.
أومأ له السائق في طاعة وشرع بالقيادة دون أي حديث فقط صب كافة تركيزه على الطريق تنفيذًا لأوامر رب عمله الصارمة ولكن ماذا يفعل بفضوله الذي جعله يرفع بندقيتاه و يسترق النظرات لها من خلال مرآته الأمامية، لاحظ انها ليست على ما يرام فكانت ملامحها واجمة بشـ.ـدة وتهز قدmيها بتـ.ـو.تر شـ.ـديد أشعره بالريبة ولكنه لم يهتم فما شأنه هو ليعود من جديد ويصب كافة تركيزه على الطريق، بينما هي كانت حالتها ترثى لها تفرك جبينها وكأنها تحاول أن تجاهد شيء ما برأسها فحقا سأمت من تجاهل الجميع لها وشعورها الدائم كونها غير مرغوب بها، زفرت بقوة بعدmا شعرت ان كافة مقاومتها قد ذهبت ادراج الرياح وانها حقًا بحاجة ماسة لوسيلة تنتشلها من ذلك الواقع المرير وتوقف ضجيج رأسها، سحبت حقيبتها بأيدي مرتعشة وظلت تبحث بداخلها بعصبية مفرطة ولكن لم تجد ضالتها لتلعن تحت انفاسها بقوة وتصرخ آمرة:.
لف وارجع، عايزة اروح الدقي
جعد حاجبيه الكثيفين مستغرب وسألها بتوجس:
تحت أمرك، بس هو حضرتك كويسة
وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهدرت منفعلة وبأعصاب تالفة:
أنت هتحقق معايا ملكش فيه وتسوق وأنت ساكت
زفر انفاسه غاضبًا وقد اشتدت عروق يده الممسكة بعجلة القيادة وتمتم بغـ.ـيظ:
بداية مشرقة بالتفاءل، شكلي مش هعمر في الشغلانة دي زي اللي قبلها...
ألتقطت حديثه وقبل ان تتفوه بشيء كان هو يضغط على مكابح السيارة بقوة و يعود أدراجه محدث فوضى عارمة بالطريق لتصرخ هي به:
انت اتجننت بتعمل ايه؟
أجابها بكـبـــــريـاء وبصوت أجش:
هرجع جنابك للقصر واسلم مفاتيح العربية لوالدك الله الغني عن شغلنتكم
زفرت بقوة وقالت بنبرة شبه راجية كي تلاحق الأمر لكي لا يغـــضــــب ابيها ويمنعها من الخروج كليًا:
اسمع انا مش قصدي انا بس مضايقة و عمري ما اتعصبت على حد بيشتغل معانا.
أعجبه جملتها الآخيرة وشعر انها ليست متعالية كما يظهر عليها ليلتفت لها يطالع تلك الفيروزتان التي تفيض بحـ.ـز.ن بَين جعله يصمت هنيهة قبل ان تهمس هي معتذرة:
أنت شكلك ابن بلد وجدع خلاص بقى
تنهد في عمق وهو يفرك ارنبة انفه وقال بتراجع:
حصل خير يا انسة انا تحت أمرك...
= شكراً.
اومأ لها برحابة وانطلق بها مرة آخرى بينما هي زفرت بإرتياح واستندت على مقعدها تنتظر أن يوصلها لتجلب ذلك الشيء الذي يساعدها على التحكم في ذمام نفسها.
كانت مغتاظة منه ترشقه بنظرات قـ.ـا.تلة وهو يتجاهلها تمامًا وكأنها غير مرئية بالنسبة له وبالطبع لم يعجبها ذلك، فقد كان يتبادل مع نغم الحديث بكل رحابة دون أي انفعال او عصبية بل كانت بسمته تزين وجهه بشكل جعلها دون قصد تتمعن به بطريقة هي ذاتها تجهل المغزى منها
لتقول نغم وهي تشاكسها كي تتبادل معهم اطراف الحديث عوضًا عن سكوتها المقيت ذلك التي لم تتعود عليه:
انتِ ايه رأيك يا نادين ؟
= ها رأي في أيه...؟
لا ده أنتِ مش معانا خالص!
زفرت بنفاذ صبر وهدرت:
نغم اخلصي واتكلمي
أجابتها نغم :
انا قولت لأستاذ يامن انك تقضي اليوم معايا وهو وافق
نظرت له كي يأكد حديثها ولكنه اكتفى بهز رأسه واخبرها بإقتضاب وبملامح جـ.ـا.مدة وهو يركز نظراته على الطريق:
وبالمرة تجيبي المراجع والكُتب علشان أجبلك زيها.
زفرت بغـ.ـيظ وحولت نظراتها لنافذة السيارة كي لا تزيد الوضع سوءٍ فهو يتعمد ان يتجاهل حديثها و يذكرها بقراره السابق ويثبت لها أن سُلطته هي الأقوى رغم كل ما تفوهت به سابقًا.
شعر بالريبة من المكان التي طلبت ان يتوقف به وظل يتسأل بسره لماذا اتت لتلك المنطقة الشعبية التي تخالف تمامًا بيئتها ولماذا أصرت ان ينتظرها بعيدًا، تكاثرت الأسئلة برأسه مما جعله يلعن تحت انفاسه ذلك الفضول اللعين فما شأنه هو أنتشله من شروده صعودها للسيارة وقولها:
تقدر تمشي يا اوسطا.
قالتها وهي تدس ما جلبته بحقيبتها خفية ثم ضمتها لصدرها وكأنها تحوي على سبيل راحتها الوحيد بتلك الحياة وإن كادت تسند ظهرها للخلف وتجلس بأريحية أكثر أجفلها صوته الأجش:
= محمد، قالها وهو يلتفت نصف التفاتة جعلها تنتفض بطريقة استغربها بشـ.ـدة ولكنه كرر موضحًا:
اسمي محمد تقدري تناديني بيه
رمشت عدة مرات ثم هزت رأسها وردت:
انا ميرال فاضل
= اتشرفت بحضرتك يا انسة ميرال تحبي اوصلك فين؟
قالها وهو يعتدل في جلسته ويشعل محرك السيارة، مما جعلها تجيبه بلا أي شغف وبنبرة كئيبة:
رجعني البيت.
لاتعلم لمَ تشعر براحة عارمة بذلك المنزل ربما لأنه يذكرها بأيام طفولتها او ربما لأن نغم هي الشخص الوحيد الذي تبقى على طبيعتها معها وتعود تلك القديمة البريئة التي لا يشغلها شيء
فقد جلست تلاعب خصلة من شعرها الطويل بأناملها وعيناها شاردة بنقطة وهمية بالفراغ لتباغتها نغم متسائلة:
مالك يا نادين بتفكري في أيه؟
تنهدت وأخبرتها بتهكم:
هيكون فأيه يعني أكيد في الحرباية وابنها.
= عيب كده يا نادين ده جوزك وميصحش تقولي على مامته كده
امتعض وجهها وقلدت طريقتها ساخرة:
عيب تقولي على مامته كده، والنبي اتنيلي علشان جبت أخري منه ومن امه
زفرت نغم بلا فائدة من تمرد صديقتها وسألتها من جديد بترقب:
طب مش هتقوليلي كنتِ فين؟
لتتأفأف هي بعصبية:
يووووه بقى يا نغم قولتلك كنت في المكتبة انسي بقى الله يكرمك دmاغي ورمت من أسئلتك مش هيبقى انتِ وهو عليا.
لتتنهد نغم وتربت على ساقيها قائلة في محبة خالصة لها:
خلاص مش هسألك تاني، بس عايزاكِ ت عـ.ـر.في ان يامن بيحبك، أديله فرصة وحاولي تفهميه
أعترضت بعصبية من جديد:
انتِ ليه مش عايزة تفهمي يامن ده لو أخر راجـ.ـل في الدنيا مستحيل أحبه...
= ليه بس والله ده حد كويس اوي!
هزت رأسها بعدm اقتناع وأخبرتها متهكمة:
حد كويس، والذُل اللي بيذله ليا ده تسميه أيه وكبته لحريتي ده اسميه ايه؟
= هو بيعمل كده علشان خايف عليكِ وصدقيني اللي بيحب بيعمل أكتر من كده
نفت برأسها واسترسلت بنبرة مختنقة وكأن صديقتها دون قصد دعمت ذلك البركان الخامل بداخلها للأنفجار:
هو خايف على الفلوس مش عليا، خايف على الثروة العظيمة دي تفلت من تحت ايده
= انتِ بتبصي للأمور من زاوية واحدة يا نادين مش يمكن بيحبك بجد ومش عايزك تبعدي عنه
لوحت بيدها بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها وقالت بحنق:.
عمري ما حبيته ولا عمري هنسى انه مفروض عليا، وعمري ما هنسى أن امه كانت السبب في مـ.ـو.ت أمي
تفوهت بأخر جملة وهي تضع يدها على عيناها وجسدها بدأ ينتابه تلك الرجفة المصاحبة لتلك الذكرى المريرة التي تترأى امامها من جديد الآن ولن تقدر على مواجهتها مرة آخرى
أبتلعت نغم غصتها وأقتربت منها بينما هي أنكمشت تحاوط نفسها بذراعيها وصرخت بهستيرية ودmعاتها تدفق كالحمم تحرق قلبها قبل وجنتها:
مش عايزة أفتكر، مش عايزة.
أحتضنتها نغم و واستها:
حقك عليا انا عارفة أنتِ مريتي بأيه وحاسة بيكِ والله مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وقالت بنحيب قوي يدmي القلب وهي تدفن وجهها بصدر صديقتها:
لأ محدش عارف أنا مريت بأيه، محدش حاسس بيا، كلكم بتهاجموني وبس
= انا مش بهاجمك يا نادين أنا بنصحك علشان نفسي تسامحي وتنسي وتبدأي صفحة جديدة
نفت برأسها وهي تشعر انها على حافة الجنون وقالت بنبرة ممزقة لأبعد حد:.
أنا عمري ما هسامحهم ومش هسيبهم يدmروني زي ما دmرو امي أنا هاخد حقي وحق أمي منهم ولو أخر يوم في عمري، هفضل أكره الست دي وأكره أبنها...
هزت نغم رأسها تسايرها وظلت تمسد على ظهرها كي تهدأ، لتستكين الآخرى بين أحضانها وكأنها بحاجة لذلك التقارب ولكن دmعاتها كانت لا تنضب بعدmا ظل يترأى أمام عيناها من جديد شريط ذكرياتها الأليمة ورغم مقاومتها للصمود إلا أن رغبتها في الأنتقام ظلت تتفاقم بداخلها أكثر فأكثر غافلة أن الشيطان هو من يهيئ لها ان كافة أفعالها ويوهمها انها ليست خطايا فادحة بل هي بريئة مبررة بنية الأنتقام غافلة كون لا يوجد خطايا بريئة فالخطيئة تظل خطيئة مهما تعددت مبرراتها.
غابت هي لعدة أيام وتركته يتلوى من لوعته عليها، فمنذ أخر لقاء جمعهم وما حدث داخل سيارته وهو لا يستطيع التواصل معها، لا يعلم ما اصابه ولا متى احبها لتلك الدرجة هو كل ما يعلمه أن شيء كالمغناطيس يجذبه لها فهي تتمتع بشخصية قوية، ناجحة، جريئة، تعرف كيف تجعله مهوس بها ربما كما يقولون الممنوع مرغوب وكان ذلك القول بمحله تمامًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها، انتشله من دوامة افكاره وشروده الذي اصبح ملازم له في الآونة الأخيرة صوتها الناعم وهي تبادر كعادتها المهتمة متغاضية عن عصبيته معها بلأمس:.
هتفضل على الحال ده كتير؟
نفى برأسه وأخبرها بإقتضاب:
مالو حالي انا كويس
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها ثم كوبت وجنته قائلة:
احكيلي يا حسن أيه اللي مضايقك شاركني وبلاش تحمل نفسك فوق طاقتها
انزل يدها بِضيق وتأفأف قبل ان ينهض ويتوجه للشرفة:
يووووووه عايزاني أقول ايه وانا عارف أن عمرك ما هتفهميني
لحقت به و احاطت خصره من الخلف وطبعت قبلة اعلى ذراعه وهمست بنعومة لا تليق إلا بها:.
والله هفهمك جرب تتكلم مش هتخسر حاجة
انزل يدها وابتعد متذمرًا:
معنديش طاقة للكلام و لو سمحتِ سبيني لوحدي محتاج اراجع شوية تصميمـ.ـا.ت
تنهدت بِعمق من حدته الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها ولكنها كعادة قلبها اللين ألتمس له الأعزار وهمست بإصرار عجيب لتكـ.ـسر حالة الكآبة التي هو عليها وتقترح:
طيب هعملك قهوة، وهقعد معاك انا بحب اتفرج عليك وانت بتشتغل ونتكلم شوية بعد ما تخلص.
لم يشغل باله بأهتمامها وكأن أي شيء يصدر منها هو إعتيادي و لن يشكل فارق معه ليزفر في ضيق و يغمض بُنيتاه بقوة ويمرر يده بين خصلاته بنفاذ صبر وهو يظن انها تتعمد ان تضيق عليه الحصار بثرثرتها المعتادة وان تطلعه على أتفه الأمور ليصيح بها بصوت جهوري منفعل ارجفها:
مش عايز اتكلم، انا مش طايق نفسي ومعنديش طاقة لرغيك ولا للملل بتاعك ده.
ؤد حماسها بِبراعة و.جـ.ـعل الحـ.ـز.ن يحتل عيناها بعد حديثه الطاعن لها مما جعلها تشعر أن الأرض تدور بها وانها تكاد تفقد توازنها ولكنها تماسكت وغمغمت في ضيق شـ.ـديد وبنبرة مهزوزة:
متعصب ليه؟ انا بحاول أشاركك بس انت بقيت صعب ومش عاطيني فرصة لأي حاجة ومش قادرة افهمك ولا عارفة اراضيك ازاي...
قالت جملتها الأخيرة وهي تمسد جبهتها برفق وتستند على طرف مكتبه مغمضة العين،.
نبرتها تلك جعلته يتراجع عن حدته حتى انه أقترب منها وحاوط ذراعيها قائلًا بنبرة لينة بعض الشيء:
أنتِ لازم تعذريني انا مضغوط واعصابي تعبانة الفترة دي.
لمَ هي دائمًا مطالب منها ان تتحمل وتتغاضى وتدعه يستغل لين قلبها في حين هو لم يهتم ولم يشغل باله يومٍ بها حتى انه لم يكلف نفسه واعتذر منها بطريقة لائقة بل استغل كونها لاتملك غيره ويهينها بتلك الطريقة التي تهدm كبريائها، نفضت أفكارها سريعًا و هزت رأسها بضعف وهي تتزحزح بجسدها كي تفلت يده قائلة بإقتضاب وبِملامح باهتة وهي تتحامل على نفسها:
كمل شغلك براحتك انا مش هتطفل عليك تاني ولا هضايقك.
كادت تتعثر ولكنه لحق بها ودعمها بذراعيه وهو يتسأل بقلق:
أنتِ كويسة
= كويسة وهروح انام
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تدفعه برفق و تغادر غرفة مكتبه بخطوات ضعيفة واهنة بينما هو نظر لآثارها وهو يلعن تسرعه وحدته معها حتى انه شعر ببعض من تقريع الضمير، يعلم ان لا ذنب لها ولكن ماذا يفعل هو يكاد يفقد صوابه ويخرج عن طوره بسبب اختفاء الآخرى.
أشرق صباح يومٍ جديد على تلك التي تململت لتوها بنومها على صوت هاتفها و تناولته وردت بنعاس دون ان ترى رقم المتصل ليصل لها صوته العابث من الطرف الآخر:
يا صباح العسل
= انت اكيد اتجننت انا قولتلك متتصلش بيا غير لما انا اطلبك
قالتها بذعر حقيقي وهي تنهض من الفراش وتوارب باب غرفتها تتفقد محيطها
ليرد هو:
اعمل ايه بتوحشيني يا نادو.
ابتسمت في مكر كعادتها وردت عليه بكل غــــرور وهي تبتعد عدة خطوات عن الباب بعدmا أمنت محيطها:
مش ذنبي، وبعدين انت عارف يامن هنا ومبعرفش أخرج
= هتجنن يا نادو نفسي تخلصي منه وتبقي ليا لوحدي و وقتها هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا بس نفسي تثقي فيا
تناولت خصلة من شعرها الطويل واخذت تبرمها بين اناملها وهي تجيبة بكل ثقة بصوت خفيض:.
انا بثق في نفسي اكتر يا طارق وأظن انت أكتر حد عارف إني مغـ.ـصو.بة على الوضع ده علشان أرجع حقي
زفر طارق واقترح في ضيق:
سيبيه يا نادو وانا هعوضك عن فلوس ابوكِ احنا مش هنحتاجها انا كل يوم بيعدي وأنتِ في بيته ببقى هتجن
حانت منها بسمة مستخفة وأخبرته برفض قاطع:
مستحيل أعمل كده اللي بيني وبينه مش فلوس وبس
زفر هو في ضيق من الطرف الآخر وقال بإستمـ.ـا.تة:.
ماشي يا نادو وانا معاكِ للأخر، بس شوفي طريقة تخرجي بيها انا عايز أشوفك.
التمعت عيناها بزهز وهي تستشعر لهفته وتمسكه بها التي لم تحظى بها أنثى قبلها فهو دائمًا من يتهافت الفتيات عليه وكم يحلمون بفرصة معه ذلك الوسيم ذات الجاذبية الطاغية والشخصية المرحة المنفتحة التي تميزه بجانب الثراء الفاحش الذي ينعم به بفضل أبيه ومركزه المرموق ولذلك أعجبها كثيرًا ولكن ظلت ميرال عائق في طريقها ليهيء لها شيطانها أن صديقتها ستتخطى الأمر و لن يفرق معها إن تركها وستجد غيره فطالما حقدت عليها بسبب تلك الحرية المُطلقة التي تحظى بها على عكسها تمامًا، وذلك السبب تحديدًا جعلها تبرر لذاتها انها الأفضل دائمًا وأنها وحدها من تستحقه وستكون جديرة به ولذلك دبرت مكيدتها ببراعة لتكون معه كي ترضي ذلك النقص التي طالما شعرت به كون كل شيء يفرض عليها ومن حقها ان تختار شيء واحد بمحض ارادتها وحقًا لا تكترث كون اختيارها صائب أَم لا هي فقط تريد ان تثبت لذاتها انها متحررة و أفضل بين الجميع ولا أحد يستطيع الفوز عليها وسحب الأضواء منها، ولذلك لن تخسره و راوغته في مكر:.
اوعدك، هحاول
= نادين
صرخ هو بها بنبرة جهورية وبعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شـ.ـدة ذعرها.
↚
لا يمكن أن تصل لليقين دون شك ولا نجاح بدون فشل ولا للسكينة دون اضطراب ولا لأي شيء دون حب.
نادين
صرخ هو بها بِنبرة جهورية، بعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شـ.ـدة ذعرها ولكنها تماسكت وادعت الثبات قائلة:
في ايه؟
قبض على يدها وتسأل من بين أسنانه:
فين مفتاح الباب الوراني، أنتِ بتخرجي وانا مش هنا صح؟!
تنفست الصعداء كونه لم ينتبه لمحادثتها واستغرق الأمر منها ثانية واحدة كي تجيبه وهي تدعي البراءة:.
لأ طبعًا أخرج أيه، وبعدين مفتاح ايه اللي بتسأل عنه أنا ماخدتش حاجة
لم يقنعه جوابها وصرخ بوجهها بِغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يؤرجحها بقوة بين قبضته:
كـ.ـد.ابة، ومش مصدقك المفتاح مش في مكانه ومحدش بيدخل مكتبي غيرك انتِ وأمي
نزعت يدها من بين قبضته بقوة وقالت بنبرة متمردة ثابتة:
مش هكدب عليك ومعرفش مفتاح ايه اللي بتسأل عنه.
مرر يده على ذقنه وهو يشعر أنه يكاد يخرج عن طوعه و الشكوك تعصف برأسه مما جعله يهدر بنبرة حادة قاطعة تعلم هي جيدًا ان لا رجعة بها:
قسم بالله يا نادين لو اللي في دmاغي طلع صح هيكون حسابك عسير معايا وساعتها متلوميش غير نفسك
ابتلعت غصة بِحلق جاف من تحذيره الصريح لها ولكنها ألتزمت الثبات وتساءلت بدهاء كي تحول الحديث لدفتها كعادتها:
أيه اللي في دmاغك! انت بتشك فيا؟
جز على نواجذه وهز رأسه دون أي تفكير وقال:.
أنا مكنتش بشك فيكِ بس من هنا ورايح هشك يا نادين وصدقيني مش هيبقى في مصلحتك ابدًا
ليغادر غرفتها بِخطوات قاسية يأكلها الغـــضــــب بينما هي زاغت نظراتها وارتمت على الفراش وهي تلعن غبائها كون لم يسنح لها الوقت لكي تعيد المفتاح لمكانه، لتنفخ أوداجها عنـ.ـد.ما سقطت عيناها على هاتفها الملقي على الأرض ولحسن الحظ لم يصيبه ضرر لتنحني تلتقطه وهي تلعن ذلك ال طارق هو ايضًا فكاد يفـ.ـضـ.ـح أمرها.
بينما في أحد قرى الصعيد كان يجلس رجل في عقده السادس ذات لحية وشارب كث وبنية عريضة وهيئة قاسية لا تعرف اللين، تجعل كافة أهل
قريتهم تهابه وتحسب له ألف حساب، فكان يجلس داخل مندرة داره حين دلف إليه أخاه سائلًا بوجل:
كيفك يا أخوي؟
نظر له عبد الرحيم واجابه بِعجرفة:
أحسن منِك يا جلب أخوك خير چاي ليه؟!
أجابه سعيد شقيقه الأصغر في قلة حيلة:.
والله يا خوي وشي منِك في الأرض، بس أعمل ايه الحوچة واعرة و أني محتاج جرشين انت عارف مصاريف الدوا والحُكمة كتير وانا مبقاش حيلتي غير خلجاتي اللي عليا
زغره عبد الرحيم واطلق ضحكة صفراء متشفية قائلاً:
واه أني مش عارف أيه العشم ده چايبه منين عاد! بعد اللي حُصل منِك، دلوقت چاي تطلب مساعدتي نسيت إنك عصيتني و وجفت مع چوز خيتك ضدي وغـ.ـصـ.ـبتوني اسلمه أرضها.
تأهب سعيد وهو يتذكر ذلك الحدث منذ سنوات ورد بِصدق دون ادنى مجاملة:
العشم ده علشان انت اخوي ولا دي كمان نسيتها يا عبد الرحيم وايوة انا وجفت مع عادل چوز خيتك علشان ده حج ربنا وأنت كنت عايز تضلله وتقبل تاكل حقها في الأرض
سطع الحقد بعين الأخر وقال من بين أسنانه:
وأنت كنت مفكر حالك حامي الحمى أنت والبومة مرتك لما وجفتوا جصادي
احتدت نظرات سعيد عند ذكر زوجته وهدر منفعلًا:.
انا مقدر أنك اخوي الكبير بس ميصُحش تتعدى الأصول وتجيب سيرة مرتي، وبعدين انت عارف ان هانم كانت أجرب واحدة لخيتك وكانت على علم بكل حاچة وعلشان إكده كانت بترد غيبتها
صدر من فمه صوت ساخر متهكم وأضاف وهو ينهض من جلسته ويربت على منكب أخيه:.
ياريت تكونوا مرتاحين بعد ما كل حاچة ما راحت؛ أهو چوزها خد كل املاكه واملاك اختك وكتبها بأسم واحد غريب عنِنا وكمان چوزه البنية وخلاه يكوش على كل حاچة بأس المره السو اللي اتجوزها
ضـ.ـر.ب سعيد كف على أخر وقال بعدm رضا:
دع الخلج للخالج ملناش صالح والبت مرتاحة مع جوزها واظن انت كل فترة بتروح تطل عليهم بنفسك.
أومأ له عبد الرحيم بِحنق من سذاجة أخيه ثم رفع طرف جلبابه وجلس مرة أخرى على الأريكة بأريحية أكبر قائلًا بمسايرة كي يفض ذلك الحديث الذي لم يروقه بالمره:
ربنا يسعدهم يا خوي، وأعذرني مش هعرف افك ضيجتك أنا داخل على انتخابات ومحتاج كل جرش معايا
أطرق سعيد رأسه في حرج وقال وشعور الخذلان يفتك به:
عذرك معاك يا خوي، عن اذنك ألحج صلاة الظهر في الچامع
= مع السلامة يا خوي والجلب داعيلك.
قالها عبد الرحيم بِبسمة مصطنعة وملامح مقتضبة وهو يتتبع أخاه بعينه إلى أن غادر ليهمس بغـ.ـيظ وبِعيون يسطع بهم المكر:
ورحمة غالية بـ.ـنت امي وابوي لأرجع مالها تحت يدي تاني وأطرد الغريب من العز اللي عايش فيه هو وأمه.
ظلت الشكوك تعصف به حين لم يجد المفتاح الذي اكتشف اختفائه بالصدفة، حين اتاه الحارس صباح اليوم وطلبه منه كي يهذب النباتات النامية عليه ويزيل الحشائش الضارة كيفما يفعل كل فترة وآخرى كي لا تعيق فتح الباب إن لزم الأمر، وحين لم يجده بدرج مكتبه ثارت ثائرته ولم يتحمل تلك الشكوك التي داهمته، و رغم نكرانها إلا أن قلبه يخبره أنها هي وراء اختفائه، ولكن كيف!؟
هل حقًا تخرج دون علمه!؟
وإن صدق حدسه فإلي أين تذهب ومع من!؟
ظلت الشكوك تتأكل رأسه مما جعله يشعر أنه سيهوي على حافة الجنون إن لم يجد تفسير منطقي للأمر، انتشله من حالته تلك دخول الحارس له مهرولًا ومنكس الرأس:
لامؤاخذة يا بيه والله ما عارف عقلي خرب ولا ايه؟!
عقد يامن حاجبيه بوجه متجهم للغاية جعل الأخر يبتلع ريقه بتوجس قائلًا وهو يمد يده له:.
لقيت المفتاح معايا، والله يا بيه ما فاكر خدته امتى من جنابك بس الحمد لله أننا لقيناه قبل ما الصنايعية يجوا يركبوا الباب الجديد
تعلقت ناعستيه الثائرة بالمفتاح لثوانٍ معدودة قبل أن يلمح طيف خلف باب مكتبه، ليتنهد في عمق ويقول بنبرة ثابتة تخالف ضجيج رأسه:
حصل خير يا مُسعد وملوش لزوم تخليهم يغيروا الباب تقدر تنضف الزرع اللي حوليه وبعدين ترجعلي المفتاح تاني.
وعند سماعها لجملته الأخيرة تسللت لغرفتها وأقفلت بابها بِحرص شـ.ـديد ثم تنفست بإرتياح وكأنها أزاحت حمل ثقيل عن كاهلها، لتحل رابطة شعرها وتبعثره بيدها وهي ترتمي على الفراش تتذكر كيف حاكت مكيدتها بعد خروجه من غرفتها بالصباح
Flash back
فقد تسللت دون ان يلحظها أحد إلى موضع جلسة الحارس الذي ما أن لمحها هرول مترقب لأوامرها، لتأمره هي بنظرات زائغة وهي تمسد جبهتها مدعية الألــم:.
عم مسعد عندي صداع ممكن تجبلي حاجة من الصيدلية
= تحت أمرك يا هانم ثواني والدوا يكون عندك
قالها وهو يرفع طرف جلبابه ويهرول خارج بوابة المنزل مسرعًا، بينما هي تقدmت بِخطوات حريصة بعدmا أمنت محيطها وتقدmت لغرفته الملاصقة للبوابة تبحث بعينيها عن سلسلة مفاتيحه وما أن وجدتها زفرت بـ.ـارتياح وهي تتمم ما خططت له كي تغطي على فعلتها
End flash back.
عادت مرة آخرى للوقت الحالي وهي تبتسم بسمة متهكمة منتصرة لأبعد حد وهي تخرج من تحت وسادتها تلك النسخة المستخرجة حديثًا من ذلك المفتاح المنشود الذي بسببه تأخرت في إعادة النسخة الأصلية منه، لتتسع بسمتها وهي تظن أن لا أحد يضاهي مكرها ولكن مهلًا افعلي ما تشائين وسوف تتأكدي بنفسك انك أغبى أنثى على وجه الأرض ولا أحد يتمنى ان يكون بموضعك حينها.
مرت بضع ايام عليه منذ عمله معها يوصلها لجامعتها ويعود بها دون اي جديد تصعد للسيارة ثم تسند رأسها على زجاج النافذه وتظل شاردة وكأنها مغيبة بعالم آخر فقط تتأمل الطريق بعيون خاوية يفيض منها الحـ.ـز.ن، حاول مرارًا وتكراًر أن يجذب معها أطراف الحديث ولكنها تجيبه بإقتضاب شـ.ـديد ولم تلقِ له بال مما جعله يقرر ان يكف عن ذلك الفضول اللعين الذي ينتابه نحوها ولكن كيف وهو يلمح من مرآته الأمامية الآن دmعاتها تنسل من عيناها وملامحها باهتة بشـ.ـدة جعلته يتحمحم يجلي صوته الأجش كي يصدر لين ولا يفزعها ككل مرة:.
حضرتك فطرتي؟
لم يريد ان يسألها مباشرةً كي لا تتخذ موضع الهجوم بل فضل أن يراوغها بطريقة أخرى كي يسبر اغوارها وبالفعل حاز على انتباهها حين رفعت فيروزتها تطالع عينه المُسلطة عليها في المرآة وهزت رأسها ب لا، ليبتسم هو ويقول في حماس غير عادي:
ولا انا بصراحه همـ.ـو.ت من الجوع
ممكن نخبط طبقين فول من على العربية لو تحبي...؟! وبيتهيئلي لسة معانا وقت قال جملته الأخيرة وهو يتفقد الوقت بساعة يده
= فول!
قالتها بِتلقائية وهي تعتدل بجلستها
مما جعله يشعر بسخريتها ويؤكد بدفاع:
اه فول، ماله الفول ده هو مسمار البطن زي ما بيقولوا وكله بروتين احسن من اللحمة والفراخ
نفت برأسها بعدmا شعرت انه سيتفهم أنها تتعالى عليه:
مش قصدي والله انا باكله عادي وداده مُحبة تعملهولي علطول بس متعودتش أكله من برة وخصوصًا من على عربية يعني
جعد حاجبيه الكثيفين وأخبرها بِحماس وبنبرة مشاكسة بعض الشيء كي يحفذها:.
لأ لعلمك بقى من على العربية بيكون ليه طعم تاني ويا سلام بقى لو معاه بصلتين كده ياه والله جوعتيني قال أخر جملة بإشتهاء وهو يضغط على شفاه السفلية
فكانت تعبير وجهه المنعكسة بالمرآة ونبرته تلك كافية لتجعلها تبتسم دون وعي مما جعله يأخذها أشارة لموافقتها ويؤكد وهو يسحب عدة محارم ورقية وناولها لها دون أن يلتفت كي لا يخجلها:
لو في دmـ.ـو.ع تانية أجليها للبصل الله يخليكِ إلا العربية هتغرق بينا.
اتسعت بسمتها وتناولت منه المحارم تمسح وجهها قائلة:
ماشي بس على ضمانتك
أجابها هو ببسمة مشاكسة:
متقلقيش لو حصلك تسمم؛ غسيل المعدة عليا.
نظرت نظرة مترددة إلى الطعام الموضوع أمامها وهي تراه يأكل بشهية غريبة ويلوك الطعام باستمتاع جعلها تتساءل هل حقًا شهي لذلك الحد، تنهدت وهي تستند على مقعدها الخشبي الذي يتوسط الرصيف أمام عربة الطعام وهي تنوي تذوقه والتأكد بذاتها وإن كادت تشرع بالأكل فانتفضت مذعورة من صوت مذياع أحد البائعين المتجولين وهو يصيح:
روبابيكيا
ابتسم وهو يبتلع ما بفمه وقال كي يطمئنها:.
متخافيش يا آنسة دي ناس على باب الله وبتسعى على أكل عيشها.
هزت رأسها وهي تتمعن بذلك البائع وما تحويه عربته الخشبية من قطع متهالكة وإن صح القول خردة بالية لا نفع منها، عقدت حاجبيها مستغربة وهي تلحظ وجه الرجل الذي لفحته الشمس ويبدو عليه الأرهاق الشـ.ـديد ورغم ذلك لن ييأس ويظل يهتف بتلك الكلمة الغريبة على مسامعها، بتفاني غريب جعل نظراتها تتبع عربته الخشبية إلى ان اختفى عن ناظريها وحل محله هؤلاء الأطفال بالجانب الآخر من الشارع؛ فكانوا يمررون الطابة لبعضهم والحماس جلي على وجههم لتبتسم بسمة عابرة على سعادتهم وحماسهم البادي عليهم، في حين هتف أحد الصبية على زميله بتعصب:.
تعال العب معانا هيغلبونا
رد الآخر عليه وهو يركض نحو فرن الخبز القريب:
هجيب عيش لأمي الأول، استنوني يا عيال
كانت تتبع الصبي بعيناها
حين وجدته يحشر وسط حشـ.ـد من الناس يقفون بصفوف غير منتظمة ويجاهدون وهم ينتظروا دورهم في الحصول على ذلك الخبز الذي هو من وجه نظرها لا يستحق العناء للحصول عليه
لاحظ هو شرودها وتتبع نظراتها قائلًا:
متركزيش يا انسه ويلا مدي ايدك علشان هنتأخر على جامعتك.
تعلقت عيناها به وتسألت من وجهة نظرها السطحية للأمور:
هما ليه بيتعـ.ـذ.بوا كده في الشمس ومتحملين الأنتظار ما يقدرو يشترو عيش من السوبر ماركت ومن غير تعب عادي
قهقه هو بقوة حتى بانت غمازته مما جعل نظراتها تحتد وهي تشعر انه يهينها بسخريته، بينما هو أجابها مبرر بعدmا تهادت ضحكاته:.
الناس دي غلابة يا انسة وهما هنا علشان الدولة مدعمة العيش ليهم؛ علشان يسد جوعهم، ده في منهم بياكلوه حاف من غير غموص و بيباتوا حامدين شاكرين
اشرأبت برأسها وسألت بتلقائية لم تتعمدها:
ليه هو طعمه حلو اوي كده؟!
كبت ضحكته بِصعوبة وأجابها متهكمًا وهو يرفع حاجبيه ساخرًا:
أمال ايه ده مليان فيتامين
هزت رأسها مرة أخرى واستندت على ظهر مقعدها وهي تشرع بلأكل حين قال بنبرة راضية مفعمة بالكـبـــــريـاء:.
على فكرة انا واحد من الناس الغلابة دي وعلشان كده بقولك أن اللقمة اللي بتيجي بعد تعب و جوع بيبقى ليها طعم مختلف محدش يعرفه غير اللي عارفين قيمة الصبر والرضا
أبتسمت من تحليله البسيط للأمور و تلقائيته معها وقالت وهي تغمس طرف المعلقة بطبق الفول وتدسها بفمها:
هو انا اكيد مجربتش اللي بتقول عليه ده بس طعمه حلو
هز رأسه وأخبرها مشاكسًا:
لا انتِ فاهمة غلط انا مش عازمك عند الخواجة كنتاكي انتِ لازم تواكبي المكان.
عقدت حاجبيها غير مستوعبة شيء من حديثه، بينما هو كان يقطع لقمة كبيرة من رغيفه قائلًا بِحماس ادهشها:
بصي لازم تعملي مركبة كبيرة وتغطسيها في الطبق زي كده هتحسي بطعمه احلى
قالها وهو يدس لقمته بفمه ويحسها بعينه أن تجرب مما جعلها بالفعل تقلده وهي تبتسم بسمة واسعة لا تعرف كيف تسربت من كآبتها المعتادة.
كانت الأجواء هادئة بينهم بعد آخر مشادة فهي تتصنع الغـــضــــب وهو يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادm معها وتخرجه عن طوره كعادتها، خرج من شروده على صوت والدته التي انتهت مكالمتها مع رهف لتوها:
رهف صوتها مش عاجبني...
انتبه لحديثها وسألها:
ليه يا أمي بتقولي كده! هي قالتلك حاجة
أجابته بِفطنة:
يظهر أن حسن مزعلها
وهي انا عارفاها طول عمرها كتومة وعمرها ما هتشتكي
اجابها بِحسرة على حال صديقه:.
حسن غـ.ـبـ.ـي وبيستغل ان رهف ملهاش حد غيره ومش هتقدر تسيبه
لتؤيده ثريا بِحـ.ـز.ن على حال تلك المسكينة:
بس ليها طاقة وبني أدmة لازم يراعيها ويحترم نفسه ده لو لف الدنيا ميلقيش حد زيها، أنا مش هسكت انا بعز رهف زي بـ.ـنتي ولازم أبهدله دي ملهاش غيرنا بعد مـ.ـو.ت أهلها
تنهد هو وقال في ضيق:
ياريت يا امي ت عـ.ـر.في تفوقيه قبل فوات الآوان.
أما عنها فقد وضعت الهاتف من يدها وظلت شاردة بعيون تفيض بالأسى فكم أرادت ان تبوح وتخفف عبء قلبها ولكن دائمًا ما تخشى على صورته أمام احد حتى ولو كانت لتلك السيدة الحنون التي بمثابة والدته، تنهدت بعمق بعدmا لفت انتباهها صراخ أبنها على شقيقته؛ يؤنبها على كـ.ـسرها لأحد ألعابه في حين صغيرتها كانت تبكي بقوة آلمت قلبها و.جـ.ـعلتها تتدخل كي توجهه وهي تحتضنها وتمسد على ظهرها:.
حبيبي متزعقش لأختك عيب كده هتزعلها منك وهي بتحبك...
ليرد الصغير بِتلقائية:
هي غلطت، وانا بزعق زي بابي
افحمها حديثه و.جـ.ـعلها تشعر أن الأرض تدور بها، بينما خرجت ابـ.ـنتها من بين أحضانها وأخبرته بِنبرة باكية:
مش كان قصدي وبلاش تزعقلي علشان مش هكلمك تاني
ليجيبها الصغير:
طب مش تزعلي مني، واعملي زي مامي.
غامت عيناها تحاول ان تتمالك اعصابها فكم أستطاع ابنها رغم صغر سنه إلا أنه ذكرها انها تقدm كبريائها تحت قدm أبيه، نفضت افكارها بعدmا تدخل قلبها اللين كالعادة وقالت معاتبة لأطفالها:
احنا مينفعش نقلد الكبـ.ـار يا شريف
وأخر مرة تزعل اختك، العبوا مع بعض، واللعبة اللي اتكـ.ـسرت هجبلك غيرها، يلا صالحها
راضى شريف شقيقته لتبتسم الآخرى بأسنانها المنقوصة وتخبره في مرح:
تعال نلعب استغماية.
= بس انتِ اللي تستخبي وانا هدور عليكِ
لتشجعهم رهف وتقترح:
طيب ايه رأيكم انا هلعب معاكم وانتو الاتنين تستخبوا.
ليهللون بسعادة ويذهبون من أمامها لتنظر آثارهم بحـ.ـز.ن شـ.ـديد على ما توصل له حال زوجها ويؤثر بالسلب عليها وعلى أطفالها، فقد تفاقم الأمر بينهم حتى انه أصبح غير محتمل، طوال الوقت شارد، حزين، لا تعلم ما حل به، ينفعل من كلمة صغيرة وتثور ثورته إِن حاولت الأقتراب منه، بل والأنكى من هذا انه يتصيد لها الأخطاء ويظل يؤنبها مما جعلها، بائسة منطفأة طوال الوقت تدعوا الله ان يفك كربتها.
استعدت للذهاب لجامعتها بِحماس كبير على غير عادتها، ربما لكونها طوال الليل تسترجع أحداث أمس المثيرة بالنسبة لها و.جـ.ـعلت الفضول يدفعها نحو كل شيء وقعت عيناها عليه، أبتسمت بسمة عابرة وهي تتذكر أحاديثه العفوية التي تحمل منطق غريب خاص به ورغم أنها لم تستوعب الكثير؛ إلا أن منطقه راقها وكم شعرت بالخزي من سطحية أفكارها مقارنة به هزت رأسها تنفضه عنها كي تستأنف تصفيف شعرها أمام مرآتها كي لا تتأخر ولكن، اجفلها صوت إشعار قادm من هاتفها من ذلك الحساب الوهمي التي انشأته خصيصًا كي تتبع به شخص بعينه دون ان يعلم هويتها، تقلصت ملامحها وهي تطالع.
شاشة هاتفها تنظر إلى تلك الصورة العائلية التي تضم سيدة جميلة ذات فيروزتان تشابه خاصتها، ورجل ذات وجه بشوش للغاية يحاوط خصرها من جهة وصبي وفتاة من جهة أخرى، فكم كانت الصورة مفعمة بالألفة وكم كانت نظرات السيدة لأبنائها وزوجها مفعمة بالفخر والأعتزاز، شهقة قوية خرجت من جوفها تنعي حالها وتبعها صراخها بقوة وقذفها لأنينة العطر خاصتها بالمرآة تهشمها محدثة ضجة قوية جعلتها تصرخ وتصرخ وهي تضع يدها على اذنها وتنهار جاثية على ركبتيها غير عابئة بقطع الزجاج المتناثرة حولها وهي تنتحب بألــم و بحرقة جثت على صدرها فماذا فعلت هي كي تتخلى عنها وتكتفي بهم؟!
أليس من حقها ان تتمتع بذلك القرب مثل ابنائها؟!
على ماذا تعـ.ـا.قب هي لاتعلم ولكن كل ما تعلمه أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قـ.ـا.تل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها.
↚
كل ما في هذا الكون، قابل للتغير؛ رجاءًا لا تطلب مني الثبات..!
بكوفسكي تشارلز.
على ماذا تعـ.ـا.قب هي؟ لاتعلم، ولكن كل ما تعلمه، أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها، لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قـ.ـا.تل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها فقد قربت قطعة الزجاج من معصمها ببطء شـ.ـديد بأيدي مرتعشة وهي قاب قوسين أو ادنى من تحقيق غرضها لولآ تلك اليد القوية التي دفعت ما بيدها وتلاها صراخها:.
يا لهوي، يالهوي بتعملي ايه يا ست البنات عايزة تمـ.ـو.تي نفسك
رفعت نظراتها الباكية وصرخت بانهيار تام وبنبرة هستيرية:
سبيني يا داده انا حياتي متفرقش مع حد سبيني امـ.ـو.ت وارتاح
استغفرت مُحبة ودmعاتها تنسل تشاركها بأسها ثم اسرعت بجلوسها في جوارها بعدmا ازاحت بعض القطع بطرف تنورتها الفضفاضة وضمتها في حنو شـ.ـديد مواسية:
استغفري ربنا يا ست البنات عايزة تمـ.ـو.تي كافرة و تغـــضــــبي ربنا
فكرت بالأمر لثوانٍ عدة قبل أن.
تنفي برأسها ودmعاتها مازالت تنهال على وجهها صارخة بقهر:
بس، انا تعبت ومش عايزة اعيش لوحدي
أجابتها مُحبة في عطف:
أنتِ مش لوحدك، كلنا جنبك يا بـ.ـنتي استهدي بالله واستغفري ربنا وبلاش الأفكار السودا دي تسيطر عليكِ
خرجت ميرال من أحضانها وصرخت بعدm اقتناع:
لأ أنا لوحدي وأفكاري مش سودا تقدري تقوليلي.
ذنبي ايه يا داده الست اللي جابتني للدنيا اتخلت عني وهاجرت برة البلد وعايشة حياتها مع جوزها وعيالها ونستني، نستني يا داده
قالت أخر جملة بنبرة ممزقة وهي ترفع الهاتف أمام نظرات مُحبة التي أحتل البؤس ملامحها وجذبت الهاتف من يدها وهي تراها تتكور على ذاتها و تضم ركبتيها لصدرها، لتصيح بها معاتبة:.
بلاش تعملي في نفسك كده يا بـ.ـنتي والله هي ما تستاهل ظفرك، وانا قولتلك الف مره بلاش تتابعي أخبـ.ـارها مش بتاخدي منها ومن سيرتها غير و.جـ.ـع القلب
زاد نحيبها وقالت بِصوت مختنق يأس لأبعد حد وهي تتأرجح في جلستها للأمام والخلف بعدm اتزان:
حاولت والله ومعرفتش، معرفتش يا داده
= طب استهدي بالله يا بـ.ـنتي.
قالت جملتها وهي تقترب منها تحاول السيطرة على حالتها تلك بين أحضانها ثم أخذت تربت على ظهرها بحنان بالغ، وهي تقرأ لها بضع آيات من كلمـ.ـا.ت الله العزيز كي تبث بها السَكينة، دقائق عدة مرت حتى هدئت وصعدت لفراشها، وإن اطمئنت مُحبة انها غفت نظفت الفوضى و خرجت وهي حائرة هل تخبر والدها أن يتدخل ويعرضها على مختص كي لا تكرر محاولاتها مرة آخرى أم لا، في حين شعرت هي بخروجها رفعت نظراتها نحو حقيبتها التي تجاور فراشها ثم تناولتها، تخرج منها تلك الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة التي تنتشلها من ارض الواقع و تجعل عقلها في سبات دون أن يزعجها بذلك الضجيج المزعج الغير محتمل، وبالفعل دست حبتان دفعة واحدة بفمها وارتشفت بعدها بضع قطرات المياه من الكوب الذي يعتلي كمودها ثم تكورت على ذاتها من جديد وظلت ساهمة بيأس تستقبل حالة اللامبالاة والسبات التي تتملك منها بكامل ارادتها.
بينما هي خرجت من غرفة ميرال والحـ.ـز.ن يفترش ملامحها حتى انها لم تنتبه لصوت دعاء وهي تتسأل بِسـ ـخـــريــة:
مالها الهانم صريخها جايب أخر القصر
قالتها وهي تربع يدها على صدرها بنظرة شَامتة جعلت مُحبة تغتاظ وتقرر انها لن تخبرها الحقيقة كاملة كي لاتجعلها تتشفى بتلك المسكينة:
ملهاش، دي بس المراية اتكـ.ـسرت وهي يا حبة عيني اتخضت مش اكتر
قلبت دعاء عينيها بملل قائلة:.
بصراحة أنا اعصابي تعبت منها الحمد لله أن فاضل سافر الصبح ومحضرش اللي حصل كان زمانه قاعد جنبها
لوت مُحبة شـ.ـدقيها بعدm رضا وقالت متهكمة بنبرة ساخرة:
سلامة اعصابك يا هانم، عن اذنك هروح أبلغ السواق أنها مش رايحة الجامعة
اتسعت عين دعاء واعترضت بخبث وهي تتحرك من أمامها:
لأ خليكِ انا هبلغه بنفسي
ضـ.ـر.بت مُحبة كف على كف داعية وهي تنظر لآثارها:
ربنا يديكِ على أد ضميرك ونيتك السودا.
أما هي فقد حضرت أطفالها لمدرستهم وبعد أن أوصلتهم جلست على الفراش تتأمله وهو مستغرق بالنوم وكانها تعاتبه، غـ.ـبـ.ـية هي وربما تكون مسالمة لحد كبير ولكن ماذا تفعل بقلبها الذي يهيم به رغم كل شيء، انتشلها من شرودها رنين هاتفه لتتناوله كي تكتم صوته و لا يقلقه تجنبًا لعصبيته، ولكن اتسعت عيناها عنـ.ـد.ما لم تتمكن من التحكم بِشاشته، حتى رقم المتصل لم يظهر، تنهدت في ضيق بعدmا تيقنت انه يُفَعل برنامج حماية خاص عليه، شعرت بالريبة من فعلته و ظلت ساهمة وكأنها تجاهد لتبحث له عن مبرر منطقي تقنع به عقلها ولكن لم تجد، جاهدت افكارها سريعًا عنـ.ـد.ما توقف رنين الهاتف وكادت تعيده لموضعه أعلى الكومود ولكنه باغتها بصراخه عنـ.ـد.ما شعر بها:.
ماسكة تليفوني ليه؟
= كان بيرن يا حسن فقلت اسكته معرفتش
جذبه من يدها و وبخها:
بطلي بقى فضولك ده
لوهلة تعلقت رماديتاها به تود ان تجد أي لين بِملامحه ولكن لم تجد سوى الجمود إلى أن فتح شاشة هاتفه وتبدلت هيئته القاسية تمامًا لبسمة واسعة، وعيون لامعة بوميض تعلمه جيدًا وطالما خصه بها وحدها، لتهمهم بريبة وافكارها تعصف بها:
خير يا حسن
وئد بسمته وأخبرها بتـ.ـو.تر:.
مفيش دي مكالمة شغل ياريت تروحي تحضري الفطار علشان نازل
تبًا لك أيها العقل توقف عن العمل، حقًا بدأت ترهقني، وتودي بثباتي، لا هو لن يفعل، لن أهون عليه، هو يعشقني انا اعلم ولن يستبدلني بنساء الأرض، فأين سيجد انثى تعشقه كيفما افعل انا؟! كفاك، شكوك حتمًا العطب بك لا به.
رهف، سرحتي في ايه بقولك حضري الفطار يلا انا متأخر؟
هدر بها بِحدة أجفلتها و.جـ.ـعلتها تهز رأسها وتذهب مسرعة من امامه لتحضر الطعام قبل ان تثور ثورته عليها.
كان يقف خارج بوابة القصر يستند على مقدmة السيارة وكل فنية وأخرى ينظر لساعة يده ويتسأل لمَ تأخرت لهذا الحد على غير عادتها، يقسم انه اعتاد عليها وأصبح ينتظر الصباح كي يراها ويشبع فضوله نحوها، فلا ينكر أنه إلى الآن يستغرب لمَ فتاة مثلها حزينة وانطوائية لهذا الحد رغم كل ما تملك من رفاهية، انتشله من شروده قول زوجة أبيها:
ميرال مش رايحة الجامعة.
تقلصت ملامح وجهه وكاد يسأل عن السبب خــــوفًا ان تكون مريـ.ـضة أو أصابها مكروه ولكنه تراجع بأخر لحظة وهو يلعن فضوله المقيت الذي يجعله يتدخل فيما لا يعنيه
اخبـ.ـار اختك ايه؟
انتشله سؤالها من أفكاره مما جعله
يحمحم يجلي صوته ويخبرها في مجاملة:
تمام الحمد لله بعتالك السلام
أبتسمت هي وقالت بتعالي:.
أختك كانت زميلتي في الجامعة قبل ما تتجوز وبصراحة لما قابلتها بالصدفة و عرفت ظروفها واللي حصل لجوزها، وأنك انت اللي بتصرف عليها وعلى بـ.ـنتها ومش لاقي شغل صعبت عليا وقولت انت اولى من الغريب وعلى الأقل هتفهمني وتنفذ اللي أقولك عليه
ابتلع غصته وهو يلعن بسره تلك الظروف التي جعلته يقبل بعرضها، من اجل شقيقته وبـ.ـنتها وقال:
انا تحت امرك يا مدام دعاء وبنفذ كل اللي طلبه فاضل بيه مني.
نفت دعاء بأصبعها أمام نظراته وأخبرته متهكمة:
أنا اللي مشغلاك مش فاضل ولازم تسمع كلامي انا قبل منه
تأهب لحديثها وعقله يخبره انها ستقول شيء لم يعجبه، وبالفعل صدق حدسه حين قالت بنبرة آمرة:
كل تحركات ميرال يكون عندي علم بيها وقبل ما تفكر تعترض افتكر إني أقدر أقطع عيشك
زفر انفاسه حانقًا من تهديدها و عقب بدفاع وبنبرة مفعمة بالكـبـــــريـاء:
أولًا الأرزاق على الله يا هانم.
ثانيًا بقى انسة ميرال مبتروحش في حتة غير جامعتها ومش موضع شك وبصراحة مش شايف داعي لقلقك
أطلقت دعاء ضحكة صفراء هازئة وعقبت بِخبث:
يظهر أنك بتتخدع في الناس بسرعة
ودور الضحية والبؤس اللي هي عيشاه ده دخل عليك
مرر يده على وجهه بعدm رضا وهو يستغفر بسره كي لا يتهور بالحديث ويخسر عمله بينما هي
قلبت عينيها وهدرت مبررة:
باباها علطول مشغول يأما مسافر، وانا عايزة مصلحتها بحكم إني مرات باباها وفي مقام امها.
حانت منه بسمة ساخرة حاول كبتها بصعوبة ولكن لم يتمكن من كبت صراحته الممزوجة بالسـ ـخـــريــة:
امها ازاي بس؟! قولي كلام منطقي يامدام ده اللي يشوفها يقول عليها اكبر منك
تأففت هي هادرة بنفاذ صبر بعدmا احرجها:
يوووووه اسمع هزود مُرتبك وكمان هخلي فاضل يثبتك بدل عم مؤنس
مسد جبهته بإبهامه وسبابته وقال بمسايرة فقط:
هفكر...
كانت تتحرك داخل مطبخها بحركات آلية وهي تشعر أنها ليست على ما يرام، فكان عقلها يعج بالكثير ولكنها تجاهلت وتمسكت بعقيدة قلبها، حتى أنها تجاهلت ذلك الدوار الطفيف الذي أصبح ملازم لها وتحركت أمام أحد المرايا بردهتها تهنـ.ـد.م شعرها وتتفقد منامتها الرقيقة ببسمة هادئة وكأنها تحفز ذاتها ثم توجهت لغرفة النوم كي تخبره أنها انتهت من إعداد الفطور، تسمرت قدmاها وكأن علق بهم جوال من الرمل شل حركتها عنـ.ـد.ما استمعت لصوته الخفيض وبسمته التي تكاد تشق وجهه، عاندتها افكارها من جديد وشعرت برجفة تنتاب أوصالها من أحتمال أن تكون بمحلها، أقتربت بِخطوات حثيثة لعلها تستبين نوعية الحديث ولكن لم يصلها شيء سوى ( موافق بس متبعديش تاني ).
تلك الجملة زلزلت كيانها ولم تجد لها تفسير سوى واحد فقط قلبها يرفضه وها هو يعلن عصيانه عليها بذلك الوجيب الذي يطرق ك طبول حرب ضارية تخشى أن تسقط طريحة على آثارها، حاولت الثبات قدر المستطاع و باغتته بسؤالها:
بتكلم مين؟
التفت لها بعيون زائغة وبتـ.ـو.تر التقطته هي بوضوح وهمهم بتقطع:
ده، ده، يامن
= طب هات التليفون هسلم عليه.
قالتها في محاولة بائسة منها أن تكتشف مدى صدقه ولكنه كان أمكر منها حين قال وهو مازال يضع الهاتف على اذنه:
رهف بتسلم عليك، سلام بقى علشان معطلكش اكتر من كده
ليغلق الخط ويلقي بالهاتف بأهمال قائلًا ببسمة متـ.ـو.ترة:
كُنت باخد رأيه في شوية حاجات، و بيسلم عليكِ وعلى الولاد...
لم تقتنع فجوابه غير منطقي مقارنة بالجملة التي استمعت لها، فما كان منها غير سؤاله بوجل:
متأكد يا حسن أنه يامن مش حد تاني؟!
لوح بيده امام وجهها وتسأل منفعل كأنها سبته لتوها:
حد تاني مين؟
اسعفها قلبها بذلك المبرر الواهي التي وجدت ذاتها تصرح به:
واحدة زميلتك مثلًا وبتخبي عليا علشان مضايقش واغير عليك
قالتها بوهن والخــــوف يفترش معالم وجهها وكم تمنت أنه يؤيدها و يطمئنها ولو بكلمة واحدة، ولكن خابت كافة ظنونها عنـ.ـد.ما صدرت منه ضحكة هازئًا ورد بنبرة مستخفة لأبعد حد:.
بقولك أيه انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة وأنا مش فايقلك على الصبح، واقولك كمان سديتي نفسي مش عايز افطر انا همشي من وشك علشان ترتاحي
قالها بحدة مبالغ بها وهو يفتح خزانته ويخرج ملابسة يرتديها على عجالة ويغادر أمام نظراتها المشـ.ـدوهة الغير مستوعبة، فكانت تشعر أنها ضائعة، مشتتة تحارب تلك الخيوط التي تحاول أن تترابط برأسها وتهدد ثباتها واستقرار كيانها.
بينما هو كان بعيد كل البعد عن حالتها تلك فها هو بعد وقت قليل من مغادرته لمنزله؛ ينعم بقرب تلك المثيرة و يعاتبها بود شـ.ـديد لأبتعادها عنه و.جـ.ـعله يكاد يفقد آخر ذرة تعقل به، يستمع لتبريرها الواهي و يحاول طمأنتها أنه أخذ قراره ولا شيء يستطيع أن يردعه عن ما نوى وها هو يجلس لتوه مع والدتها ويتفق معها على أتمام زواجه منها بعد أن وافق على تلك الشروط المبالغ بها التي أصرت عليها كي تؤمن مستقبل ابـ.ـنتها كما تدعي.
اسدل الليل ستائره معلن عن تلك الحرب الضارية التي تدور برأسه فقد.
تململ في فراشه يجافيه النوم بعد محاولات شتى كلها باءت بالفشل؛ فبعد أخر مشادة بينهم؛ يتعمد ان يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادm معها، هو على يقين تام انها غاضبة من أجل شكه بها وتنتظر مبادرته ولكن لم يشغله ولم يهتم، فماذا كانت تنتظر منه؟ هو كاد يجن وحقًا هو غير أسف بشأن ذلك بل مازالت الشكوك برأسه ولم يزيحها إلا أن يتأكد بطريقته، ولكن ماذا بشأن قلبه الذي يعصاه ويميل لها، كما يحدث الآن تمامًا عنـ.ـد.ما وجد ذاته ينهض من فراشه متأففًا وكأنه يأس وترك الذمام له يسوقه أمام غرفتها، يلح عليه ان يسترق لها بعض النظرات التي تجعل خفقاته تستكين بِموضعها ويتأكد انها مازالت معه، مما جعله ينصاع دون مماطلة فقد فتح باب غرفتها بِحرص شـ.ـديد بعدmا تأكد من نوم والدته ثم اشرأب برأسه يتأملها، كانت مستغرقة بنومها بشكل فوضوي للغاية وخصلات شعرها تغطي وجهها بشكل جعله يتوق إلى يزيحها حتى يتمكن من رؤية وجهها وبالفعل ذلك ما فعله وجد نفسه كالمغيب يقترب و يجثو على ركبتيه بجانب فراشها ويزيح بيده خصلاتها بِحنو شـ.ـديد فكم كانت ملامحها جميلة هادئة بنومها.
عكس تمامًا طبيعتها وهي بكامل وعيها وكم راقه بشـ.ـدة سكونها ذلك حتى انه وجد نفسه يصرح لها هامسًا وكأنه لم يقوى على مواجهتها بِصحوها:
بحبك يا نادين وعمري ما حبيت حد غيرك، ليرفع خصلة من شعرها الطويل و يستنشقها بعمقٍ راجيًا:
أوعي تخذليني وتخوني ثقتي فيكِ
تململت بنومها مما جعله ينهض على الفور ويغادر كي لا تشعر به فأخر ما يريده الآن هو أن يتجادل معها من جديد.
في صباح اليوم التالي
أحضر لذاته كوب من القهوة وجلس يحتسيها على طاولة الطعام داخل ذلك المطبخ ذات الطابع الأمريكي، تناول هاتفه برتابة وظل يتفقد مواقع التواصل الإجتماعي، شعر بها تجلس على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك الكونتور الرخامي امامه، تصنع عدm الأنتباه لها في حين هي تحمحت:
هتفضل تتجنبني كده كتير؟
لم يرفع عينه لها بل أخبرها بِصدق ببحة صوته المميزة وهو مازال يصب كافة تركيزه على شاشة هاتفه:.
كده افضل أحنا كل ما نتكلم نتخانق وبصراحة زهقت من الخناق ومن طريقتك
ارتفع حاجبيها المنمقين بِمكر لا يضاهيها أحد به واقتربت تستند بظهرها على طرف الطاولة أمامه تحاول أن تستحوذ على اهتمامه قائلة:
المفروض انا اللي ازعل مش انت؛ علشان شكيت فيا!؟، بس على العموم خلاص سامحتك علشان مش بحبك مكشر بيبقى دmك تقيل.
حانت منه بسمة هازئة وأسند ظهره بأريحية أكبر على مقعده يتأملها بِصمت مريب يخالف ضجيج رأسه فمتى ستكف عن طريقتها الملتوية تلك التي تستخدmها عنـ.ـد.ما تريد شيء فنعم هو يحفظها عن ظهر قلب وعلى يقين تام بكافة طرقها وقد أعتاد عليها.
تابعت هي كي تؤكد له يقينه نحوها:
طيب انا زهقانة وعايزة أخرج ممكن ولا هتعترض كالعادة؟
حانت منه بسمة عابرة وسألها وهو يربع يده ويرفع أحد حاجبيه:
عايزة تروحي فين...؟
أبتسمت وقالت ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب:
عايزة اروح اعمل شعري
تعلقت عينه الناعسة بخصلاتها الهوجاء وكأنه يخشى شيء بعينه ولكنه لم يعقب، لتبتسم هي بدهاء وهي تلتقط نظراته، ويلمع سواد عيناها وخاصةً عنـ.ـد.ما وافق قائلًا وهو ينهض:
عشر دقايق وتكونِ جاهزة هوصلك.
أومأت له ومازالت محتفظة ببسمتها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تصعد لمستواه على أطراف أصابعها وتطبع قبلة خاطفة على وجنته و تركض كي تستعد بينما هو جلس مرة أخرى وتطلع بآثارها وهو يشعر انها ستفقده صوابه بتصرفتها المتناقضة.
كانت تظن أنه سيوصلها ويغادر لعمله وتتمكن هي من مواعدة طارق الذي لن يكف عن الإلحاح ولكن الآخر أصر أن ينتظرها أمام مركز التجميل، لتلعن هي وتقرر انها تضايقه ايضًا كما فعل وعكر صفوها
لتخرج بعد بعض الوقت بخطوات واثقة نحوه وتقول بمكر تجيده:
ايه رأيك في اللوك الجديد؟
كانت نظراته ثابتة عليها بشكل أثار ريبتها و.جـ.ـعلها تترقب لردة فعله، بينما هو أخبرها بإقتضاب خالف كل توقعاتها:
حلو...
= ها يعني عجبك بجد؟!
اجابها وهو يضع نظارته يخفي ناعستيه الثائرة ويشرع بركوب السيارة:
أي حاجة عليكِ بتبقى حلوة، ممكن تتحركِ علشان ارجعك البيت واروح اشوف شغلي
تنهدت بإحباط من ردة فعله واقترحت ببراءة مصطنعة:
انا ممكن أروح لوحدي عادي، لو متأخر؟!
= يلا يا نادين بدل ما أجيبك من ديل الكـ.ـلـ.ـب اللي انتِ عملاه ده
قالها بنبرة ساخرة وهو بالكاد يتحكم بأعصابه، لتصعد بجانبه وينطلق بها عائد إلى المنزل.
يا لهوي، عملتي أيه في شعرك يا بـ.ـنتي؟
هدرت بها ثريا ما أن رأتها لتبرر وهي تمرر يدها بِخصلاتها القصيرة:
دي الموضة يا مرات يا بابا
= يا حول الله يارب موضة أيه بس يا بـ.ـنتي ده زينة البـ.ـنت شعرها
نفخت اوداجها ولم تعطي لحديثها أي أهمية ودخلت غرفتها، لتضـ.ـر.ب ثريا كف على آخر وتقول وهي تلحق ب يامن إلى غرفة مكتبه:
رجعت ليه يا بني مش عندك شغل
= آه يا أمي بس نسيت ملف مهم ورجعت علشان اخده.
هزت رأسها بتفهم وأردفت وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة:
البـ.ـنت بتعند يا يامن...
تنهد وأخبرها بقلة حيلة:
عارف يا أمي وعلشان كده محبتش أبينلها إني أتضايقت من قص شعرها
لتتنهد والدته وتقترح بِفطنة:
أسمع يا بني عايزاك متضغطش عليها، سيبلها الحبل شوية، نادين متربية وعمرها ما هتغلط، هي مش مقدرة خــــوفك وحاسة انك مفروض عليها، يمكن وقتها يا ابني، تحس أنها مش مجبورة وتقدر حبك.
مرر يده بِخصلاته البُنية وأخبرها ببعض التردد فهو لا يضمن ذاته عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها:
هحاول يا أمي.
تردد بدل المرة ألف وهو يتطلع لرقمها المسجل الذي أخذه من والدها سابقًا لكي ينسق معها مواعيد العمل، فظل يجاهد تلك الرغبة التي تلح عليه أن يهاتفها منذ أن أخبرته مربيتها انها ليست على ما يرام ولن تذهب اليوم ايضًا لجامعتها انتابه القلق وأراد حقًا أن يطمئن عليها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهو يلعن ذلك الفضول الذي يدفعه نحوها فما شأنه هو! ليقذف الهاتف من يده على الفراش ثم يزفر أنفاسه حانقًا عنـ.ـد.ما تذكر حديث تلك الصفراء له وظل يتساءل أيعقل! أن يكون حدسه نحوها بغير محله رفض عقله التصديق بتاتًا وظل ساهمًا، يفكر بتروي غافل عن تلك التي كانت تتابعه منذ دقائق وجلست بِجانبه متسائلة وهي تضع كوب من الشاي الساخن على الكومود خاصته:.
مالك يا محمد من ساعة ما جيت الضهر وأنت مش على بعضك
زفر أنفاسه وأخبرها بنبرة مختنقة:
مفيش يا شهد مضايق شوية وفي موضوع شاغلني
=ايه اللي شاغلك هو حد ضايقك في الشغل؟
تسألت هي بِخــــوف مترقبة وهي تربت على ساقيه، تعلقت عينه بها بعدmا لامس خــــوفها الجلي على نبرتها وقال مطمئنًا:
متقلقيش مفيش حاجة كل الموضوع أن صحبتك دي مش نزلالي من زور ومستغرب كنتِ مصحباها ازاي
ابتسمت شهد بعدmا أزاحت خــــوفها جانبًا واخبرته:.
أحنا كنا في جامعة واحدة وزمايل بس مكناش قريبين من بعض وبالصدفة قابلتها وحكيت لها عن ظروفي وقررت تساعدك
هز رأسه بتفهم وأخبرها مشاكسًا:
طيب طمنتيني انكم مش صحاب اوي علشان بس لو حبيت اجيبها من شعرها متزعليش عليها
لطـ.ـمـ.ـت صدرها وصاحت:
لأ الله يخليك اوعى تعمل كده وتقطع عيشك بأيدك ده احنا مصدقنا من يوم ما اتخرجت وانت دايخ على شغل وأديك شايف الحال بعد وفاة فايق
تنهد وجذبها يقبل جبينها قائلًا بنبرة حنونة:.
متقلقيش، مفيش حاجة مخلياني ماسك في الشغل ده بأيدي و سناني غيركم وإذا كان على صاحبتك أمري لله هسايرها بس لغرض معين في دmاغي ويا رب أكون غلطان
وعند لفظه لأخر جملة صدح رنين هاتفه وعنـ.ـد.ما التقطه اتسعت عيناه مذهولًا عنـ.ـد.ما وجد رقمها، ليتحمحم يجلي صوته كي يصدر لين ورد وهو يهب واقفًا امام نظرات شقيقته المستغربة:
انسه ميرال تحت أمرك.
لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا:
ألحقني...
↚
كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد.
انسه ميرال تحت أمرك
لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا:
ألحقني...
فرت الدmاء من عروقه وتسارعت وتيرة أنفاسه وتساءل بوجل:
خير حضرتك أنتِ كويسة؟!
أجابته بِضياع وبنفس النبرة المرتعشة الواهنة:
انا مش كويسة، أنا، كُنت، أصل مش عارفة اسوق، ارجوك تعالا.
مسد جبهته بإبهامه وسبابته وكأنه يحاول يستوعب شيء من حديثها الغير متزن كي يتدارك الأمر وخاصةً عنـ.ـد.ما سقطت عينه على ساعة الحائط و وجدها تعدت الواحدة صباحًا:
قوليلي أنتِ فين؟دقايق وهبقى عندك.
قالها بِعُجالة شـ.ـديدة وبكامل صوته الأجش وهو يأخذ حافظة نقوده و يتناول ملابسه يرتديها مهرولًا و يخرج من منزله غير عابئ بتلك الأسئلة التي تنهال عليه من شقيقته، فقط كل ما يشغله هو أن يصل لصاحبة الفيروزتان البائسة ويطمئن عليها.
استقل سيارة أجرة كي يصل لها في أقل وقت ممكن وها هو وصل لتوه لتلك المنطقة النائية بعد الشيء التي أوصلها بالقرب منها سابقًا، ولسوء حظه رفض السائق أن يدخل بها متحجج بتأخر الوقت وكونها غير آمنة، تفهم موقفه وهو يلعن تحت انفاسه غاضبًا فماذا تفعل هي بذلك المكان وبذلك الوقت؟
تدلى من السيارة بعد ان أعطاه أجرته كاملة ثم خطى خطوات واسعة يبحث عنها وسط ذلك الهدوء المريب و عتمة المكان، ضوء قوي لفت نظره من الخلف ليلتفت يرى مـ.ـو.تور يقترب و يجلسون على ظهره أثنان يبدو عليهم عدm الاتزان يرددون كلمـ.ـا.ت تلك الأغنية الشعبية الركيكة الصادرة من المسجل خاصتهم، مروا من جانبه ولكن شعر بالريبة عنـ.ـد.ما وجدهم يبطئون سرعتهم بقرب سيارة تصطف بِجانب الطريق وتدلوا يحومون حولها، زفر بقوة وهو يدعوا الله أن تخيب ظنونه ولكن بالفعل صدقت عنـ.ـد.ما اتضح لون السيارة بفضل الضوء الصادر من المـ.ـو.تور وتأكد انها هي، مما جعله يطـ.ـلق العنان لقدmه كي يصل لها.
بينما على الجانب الآخر قال أحدهم يخاطب الآخر وعينه مصوبة تخترق زجاج النافذة المغلق على تلك المنكمشة بوهن والذعر يحتل معالم وجهها:
دي هتبقى ليلة أخر روقان يا زميلي
ليؤيده الآخر بنبرة ثقيلة تدل على عدm اتزانه وهو يطرق على زجاج نافذتها المغلق:
افتحي العربية يا مُزه أنتِ بتاعتنا الليلة.
نفت ميرال برأسها وهي تنتفض من شـ.ـدة رعـ.ـبها وهي قاب قوسين أو ادنى من أن تفقد وعيها لولآ صوته الأجش الذي تسربل لمسامعها طمئنها:
استهدوا بالله يا شباب العربية تخصني واللي جواها دي تبعي وهاخدها وامشي من غير مشاكل
قالها بكل رزانة دون ذرة تهور واحدة كي لا يعرضها للخطر ولكن لسوء حظه لم يعجبهم حديثه ودفعه أحدهم بصدره قائلًا:
نعم، انت مين ياض دي منطقتنا والمُزة دي تلزمنا، غور من هنا.
لم يتزحزح شبر واحد من موضعه وقال بنبرة محذرة قوية وهو بالكاد يتحكم بنفسه كي لا يفتك بهم:
مش همشي وقولتلك العربية باللي فيها تبعي خلينا نمشي والطيب أحسن.
حانت من آحدهم بسمة إجرامية يعلمها جيدًا واتخذ حذره منها حين أشهر أحدهم مديته الفضية بوجهه يهدده بها وحينها حقًا لم يشعر بذاته إلا وهو يقبض على رسغ الأول ويلويه خلف ظهره ويضغط عليه بكل قوته حتى سقطت المدية من يده ويعاجل الثاني الذي يكاد يهجم عليه بركلة قوية استهدفت معدته و.جـ.ـعلته يتهاوى على الأرض يتلوى من شـ.ـدة الألــم، ليدفع الأول عنه و يباغته بركلة قوية جعلته يغتاظ ويهجم عليه يسدد له عدة ضـ.ـر.بات في أماكن متفرقة جعلت محمد يتفاداها قدر المستطاع ولكن مع ذلك نال جسده العديد منها قبل أن تثور ثورة غـــضــــبه واصبح اعنف واشـ.ـد أصرار حين سيطر هو بحركة مباغتة و اعتلاه وظل يكيل له حتى أنهكه على الأخير و أصبح نتيجة الشجار حتمية له ولكن في غفلة منه كان يتناول الثاني المدية ويجـ.ـر.حه بها بذراعه كي يترك زميله وبالفعل ذلك ما حدث عنـ.ـد.ما زمجر بقوة يلعنهم ونهض عنه يتفقد ذراعه ليستغلوا الأمر وفي لمح البصر كانوا يفرون من أمامه بالمـ.ـو.تور الخاص بهم مثل الجذران المذعورة.
لينظر هو لآثارهم بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يلعنهم بصوت جهوري ويتوجه لها صارخًا:
افتحي الزفت العربية خلاص مشيوا
نفت برأسها بطريقة هستيرية وبهيئة مذرية للغاية فكان بؤبؤ عيناها متسع وترتجف بشكل جعله يتفهم ما بها
ليتناول نفس عميق كي يهدأ ثم قال بعدmا أجلى صوته كي يصدر لين كي لا يفزعها أكثر:
أنسة ميرال أهدي أنا معاكِ وهما خلاص مشيوا، أفتحي العربية وخلينا نمشي من هنا.
قال آخر جملة وهو يهز رأسه يحفزها بنظرات مطمئنة جعلتها تنصاع له وتفتح بابها بأيدي مرتعشة، ليمد لها يده كي يساعدها على النزول كي تفسح المجال له لقيادة السيارة وتجلس بالجهة الآخرى ولكنها همست بنبرة واهنة ضعيفة للغاية:
مش قادرة اتحرك
ضاقت بندقيتاه يحاول ان يستشف ما بها وكم أراد أن يصرح بتلك الشكوك التي تعصف برأسه نحوها ولكنه اكتفى بسؤالها:
حاسة بأيه طيب تحبي نروح مستشفى نطمن عليكِ.
نفت برأسها بطريقة هستيرية وقالت برفض قاطع وهلع ظهر جلياً على ملامحهاولسوء حظها بطريقتها تلك أكدت له ظنونه:
لأ ملوش لزوم، أنا هبقى احسن بس روحني
مهلًا الآن تفهم ما بها، هي ليست بكامل وعيها ويبدو أنها تعاطت شيء ما يفقدها السيطرة على جسدها، زفر انفاسه دفعة واحدة واحتل الغـــضــــب معالم وجهه وهدر منفعل:
حاولي تنقلي على الكرسي اللي جنبك.
أومأت له وبالفعل أزاحت جسدها للجهة الآخرى، ليتخذ هو موقعه خلف الموقد و بعصبية مفرطة أدار السيارة وباشر بالقيادة غير عابئ بجـ.ـر.ح يده فقد كل ما كان يشغله كيف خانه حدسه نحوها وخالفت كافة ظنونه وعند وصوله لتلك الفكرة تذكر حديث زوجة أبيها الذي يبدو أنه صادق ليعلن تحت انفاسه وهو يرمقها شذرًا وهي تسند رأسها وتغمض عيناها ولا يعلم هل سقطت في سبات عميق أم فقدت وعيها.
بعد عدة ساعات وبعد بزوغ الفجر رمشت بعيناها تحاول جاهدة أن تسترد كامل وعيها لتجد ذاتها مازالت داخل السيارة المصفوفة جانب الطريق قرب منزلها، وتراه هو يستند على مقدmة السيارة وشاخص بنظراته لبعيد
أعتدلت بِجلستها وهي تمسد جبهتها لعلها تخفف ذلك الألــم الذي يفتك برأسها ولكن دون جدوى، ليصدر منها آنه متألــمة جعلته ينتبه لها ويعود أمام المقود قائلًا بوجوم شـ.ـديد دون ان ينظر لها:.
كويس انك فوقتي علشان معرفتش ادخلك القصر ازاي وانتِ بالحالة دي
صوته أعادها لرشـ.ـدها و.جـ.ـعل الأحداث تتوافد أمام عيناها مما جعلها تنظر له بِضياع بأعين متسعة قائلة:
أنا آسفة، اعصابي كانت بايظة و مكنتش عارفة اسوق ومفيش غيرك جه في بالي اكلمه
هز رأسه بِملامح ثابتة وأخبرها بعملية شـ.ـديدة:
انا تحت امرك بس لازم فاضل بيه يعرف باللي حصل
نفت برأسها بقوة وتمسكت بذراعه ترجوه غافلة عن جـ.ـر.حه الذي آلمه حين فعلت:.
لأ ارجوك يا محمد، بلاش تقول ل بابا
جز على نواجذه بقوة ولم يعد يتحمل أكثر ليحتل الألــم معالم وجهه ويسحب ذراعه من قبضتها مما جعلها تستغرب فعلته ولكن عنـ.ـد.ما انتبهت ولاحظت شق قميصه وتلك القطرات الحمراء التي جفت عليه صرخت بهلع:
أيدك مالها انت اتعورت؟!
نفى برأسه واخبرها من بين اسنانه بنفاذ صبر:
بسيطة خليني اوصلك واخلص من اليوم ده...
قالها وهو يشعل المقود ويشرع بالقيادة ولكنها منعته راجية:.
استنى ارجوك، اوعدني متقولش لبابا عن اللي حصل
زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يمسد جبهته بسبابته وابهامه قائلًا:
مقدرش اوعدك بحاجة
أغمضت عيناها بقوة ثم أجهشت بالبكاء وهي تعتدل بِجلستها وتخفي وجهها بكفوفها وكأنه بجملته تلك قطع خيوط أملها، ولكنه باغتها:
غير لو قولتيلي كُنت بتعملي ايه في المنطقة دي بعد نص الليل؟!
هو خمن السبب ويكاد يكون متأكد منه مليون بالمائة، ولكنه أراد أن يستمع لتبريرها التي كانت عاجزة هي عنه الآن ولم يصدر منها شيء غير صوت شهقاتها التي ظلت تتعالى دون انقطاع.
شعر بالضيق لرؤيتها هكذا ولكن لا يستطيع ان يخالف ضميره وقد أخذ قراره ولن يتراجع، فحقًا هو لا يريد أن يقحم ذاته بشيء لا يعنيه، تفعل ما تفعله ومن المفترض أن والدها هو من يتخذ إجراء معها، أما هو لا يخصه هو فقط مجرد سائق يقوم بعمله لا أكثر:
أنا هرجعك القصر و لما يرجع فاضل بيه هبلغه بنفسي وهو يتصرف أنتِ خالفتي أوامره وخرجتي لوحدك ده غير انك مكنتيش في وعيك نهائي وانا مينفعش أخالف ضميري واسكت.
أزاحت يدها تطالعه بِضياع وبعيون كلون الدmاء قائلة بنبرة مختنقة باكية:
بلاش ارجوك واوعدك مش هتتكرر تاني
نفى برأسه بعدm اقتناع مما جعلها تهمس بنبرة واهنة يائسة لأبعد حد وهي تنظر له نظرات غريبة لم يتفهمها ولكنها زلزلت قاع قلبه:
على العموم شكرًا انك ساعدتني، انا عارفة إني غلطانة واستاهل كل اللي يجرالي.
ذلك آخر ما قالته قبل أن تنكمش تستأنف وصلة نحيبها وهي تستند برأسها على زجاج نافذتها بوهن شـ.ـديد وبوجه شاحب يحاكي المـ.ـو.تى، أما هو كان يطالع هيئتها بملامح متأثرة متعاطفة وخاصًة بعد أن استشف صدق نبرتها المغلفة بالنـ.ـد.م مما جعله يكاد يخرج عن ثباته ويتراجع عنـ.ـد.ما داهمه ذلك الشعور الغريب تجاهها ولكنه لعن غبائه ولعن كل شيء حوله وتلك الهواجس التي تراوده ويستحيل حدوثها، ليزيح كل شيء جانبًا و ينطلق بها جهة القصر وهو ينوي أن لا يتراجع عن قراره.
أما داخل ذلك المنزل الذي يعج دائمًا بالمشاحنات فقد
كانت هي باهتة ليس ككل يوم تتحرك بحركات متهدلة إلى طاولة الطعام مما جعله يلاحظ ذلك بوضوح ليضيق عينه وكأنه يحاول سبر اغوارها بينما هي جلست بعيون منتفخة قليلًا أزعجته و.جـ.ـعلته يسألها بِقلق حقيقي:
كنتِ بتعيطي ليه؟
نفت برأسها وهي تتناول قطعة من الخبز وتباشر فطورها مما جعله يزفر بضيق و يشيح بنظره عنها فرؤيتها هكذا تألــمه بل تعتصر قلبه، لتنظر ثريا لها وتسألها بِود حقيقي:
إيه اللي مزعلك يا بـ.ـنتي قوليلي انا زي أمك
نفخت اوداجها وصرخت بها بِعجرفة وقوة تخالف ما تشعر به:
مفيش حد زي أمي، وياريت كفاية تمثيل لغاية كده انا زهقت منك انتِ وابنك
زمجر لاعنًا ثم صرخ بها كي يردع تمردها:
نادين كفاية كده اسكتِ.
لتعترض وهي مازالت محتفظة بتمردها:
مش هسكت، مش هسكت يا يامن واعلى ما في خيلك اركبه
شهقت ثريا بينما هو كان يشعر أن كل خلية به تنتفض من فرط عصبيته ليجذبها من ذراعها ويدخلها غرفتها تحت مضضها وتلويها بين يده ومناجاة ثريا له كي تمنعه تخــــوفًا أن يؤذيها، ولكنه طمئنها بنظراته وهو يدفع الآخرى ويغلق الباب، طالعته هي بغـ.ـيظ وبنظرات مشتعلة حين صرخ بها بنفاذ صبر:
أنتِ عايزة ايه؟
ارحميني انا اعصابي تعبت ومبقتش مستحمل، قوليلي بتعملي ليه كده؟!
اجابته منفعلة وهي تلوح بيدها:
أنت عارف، وامك كمان عارفة، انا بكرهكم يا يامن، بكرهكم
شعر وكأن خنجر مسموم انغرس بقلبه من تصريحها، ولكنه يحفظها عن ظهر قلب ويعلم أن يوجد شيء يعكر صفوها ولذلك تتحامل عليه وعلى والدته، ليحتل الحـ.ـز.ن عينه ويقول بثبات اجاده:
مطلبتش منك تحبينا، انا وامي كنا بنحاول نواسيكِ مش اكتر
حانت منها بسمة ساخرة وردت بنبرة ممزقة:.
اللي يشوف كده يقول إنكم قلبكم عليا...
كانت تكبت دmعاتها بصعوبة بالغة ولكنها بطبيعتها القوية هدرت بوجهه دون أي لباقة:
اطلع بره وسيبني لوحدي
لا يعلم لمَ لم ينصاع لها بل وجد نفسه يقترب منها و يجذبها بقوة داخل أحضانه ويقول بحنو حقيقي:
عيطي يا نادين يمكن ترتاحي.
دفعته وارادت الخروج من بين يده ولكنه لم يعطيها فرصة لذلك وانزلق معها حين نزلت على ركبتيها على الأرض و شـ.ـدد أكثر على جسدها وهو يهمس بنبرة مطمئنة و يطبع قبلة حنونة على منبت شعرها:
اهدي، علشان خاطري، انا جنبك انا عارف ان انا أخر واحد في الدنيا عايزاه جنبك بس والله مش هضايقك، أهدي...
استكانت بين يده وأجهشت ببكاء مرير جعله يمسد على ظهرها صعودًا وهبوطًا بطريقة حانية جعلتها تغمغم من بين دmعاتها:.
النهاردة ذكرى وفاة ماما، أنا عايزة اروح ازورها
زفر بضيق شـ.ـديد وظل يلعن نفسه ربما للمرة الألف فكيف غفل عن ذلك اليوم وهو يعلم أهمـ.ـيـ.ـته بالنسبة لها،
ليخرجها من بين يديه ويمسح دmعاتها بأطراف انامله قائلًا بأسف حقيقي:
الله يرحمها، حقك عليا والله نسيت، هخدك دلوقتي ونزورها وهعملك كل اللي انتِ عايزاه بس بلاش أشوف دmـ.ـو.عك دي تاني.
أومأت له باكية بينما هو لم يتحمل رؤيتها هكذا ليجذبها مرة أخرى لأحضانه ويهمس بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه:
دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني يا نادين ، انا عمري كله فدى دmعة واحدة من عينك، أهدي و انا والله مش هضغط عليكِ تاني ولا هضايقك...
تشبثت به بقوة و دفنت وجهها بين ثنايا عنقه بطريقة أربكته للغاية و.جـ.ـعلت وجيب قلبه يتعالى، بينما هي كانت مأخوذة بتلك الطمأنينة التي تشعر بها الآن، ولكن ازعجها خفقات قلبه المتعالية لتضع يدها على موضعه وكأنها بتلك الحركة البسيطة تريد طمئنته دون قصد لتخرج من بين يديه ببطء ممـ.ـيـ.ـت لكليهما وخاصًة عنـ.ـد.ما اشتبك بـ.ـارود عيناها مع لهيب ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه الذي لم يجرؤ ابدًا عن الإفصاح لها به، بينما هي كانت نظراتها حائرة، ضائعة، مشتتة، هائمة بوجهه القريب للغاية منها وهي تشعر بنبضة عاصية صادرة من خافقها تشارك صخب قلبه، دام تعانق عيناهم لعدة دقائق مما جعل وتيرة أنفاسه تتعالى شيء فشيء وهو يستغفر بسره فذلك القرب المهلك منها سيجعله يفلت زمام نفسه ويستغل تلك الحالة النادرة التي هي عليها ليزيح بعينه ويقول بتهدج وبثبات بالكاد تقمصه:.
أنا مقدر حـ.ـز.نك، بس صدقيني البكى مش بيرجع اللي راح
هزت رأسها بحركة بسيطةودmعاتها مازالت تنسل على وجنتها تستغرب ذلك الشعور التي لأول مرة يراودها، ليمرر هو أبهامه على وجنتها يزيح تلك الدmعات النادرة ويقول ببحة صوته المميزة:
هستناكِ برة عقبال ما تجهزي.
اومأت له بطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمة حانية و ينزل يدها التي مازالت تستقر على موضع خافقه ويلثمها بحنو شـ.ـديد تحت نظراتها الضائعة و ينهض ويغادر، لتظل هي تنظر لظهره بنظرات هي نفسها لاتعلم مكنونها ولكن كل ما تعلمه انها شعرت براحة غريبة بين يديه وبراحة أكبر من احتوائه لها وتفهمه سبب خروجها عن طورها.
نورتي يا ماما ثريا والله
قالتها رهف مُرحبة بتلك السيدة الحنون التي أتت خصيصًا لكي تطمئن عليها، ولكن رهف بطبعها اخبرتها ان كل شيء على ما يرام مما جعل ثريا تتسأل مشككة:
يا بـ.ـنتي اتكلمي انا زي أمك وقلبي واكلني عليكِ ده انا ما صدقت يامن خد
نادين وخرجوا علشان أجيلك
أبتسمت رهف ببهوت وأخبرتها وهي تناولها كوب العصير التي حضرته من أجل ضيافتها قائلة ببعض التردد وعدm ثقة زرعها بها:.
متحرمش منك يا ماما كل الحكاية بس أن حسن متغير...
شهقت ثريا وتساءلت بتوجس:
شوفتي عليه حاجة؟!
هزت رأسها كونها لا تملك جواب قاطع، رغم العديد من المواقف التي أثارت ريبتها نحوه ولكن لا يوجد لديها دليل قاطع يدينه، قطع صراع عقلها سؤال ثريا من جديد:
انا عارفة انك عاقلة يا بـ.ـنتي ومش عايزة تخربي بيتك بإيدك بس فضفضي يمكن ترتاحي، ده انتِ خاسة النص و وشك أصفر زي اللمونة.
أبتلعت رهف ريقها بحلق جاف وأصرت على موقفها كي لا تضعه بموقف سيء أمام خالته قائلة بثبات مصطنع:
لو في حاجة كُنتِ انتِ أول واحدة قولتلها، انا بس تعبانة شوية وفي دوخة غريبة كده بتجيلي
شهقت ثريا بقلق وقالت معاتبة:
طب مستنية ايه؟ لازم تكشفي وت عـ.ـر.في فيكِ أيه انا بكرة الصبح بعد ما توصلي الولاد هاخدك واخلي الدكتور يطمني عليكِ.
أومأت رهف بامتنان حقيقي فكم اسعدها اهتمامها وقلقها الذي لم يخصها أحد به قط منذ وفاة اهلها، لتحتضنها قائلة بعيون غائمة متأثرة:
ربنا يخليكِ ليا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه
تنهدت ثريا وهي تربت على خصلاتها بحنو قائلة بنصح:
اسمعي مني يا بـ.ـنتي محدش هينفعك هو اه حسن ابن اختي بس ميستهلش تهملي نفسك بسببه، لازم تاخدي بالك من صحتك محدش هينفعك.
هزت رهف رأسها بتفهم وهي تخرج من احضانها وتجفف دmعاتها قبل أن يصل هو بمزاج رائق للغاية مرحبًا:
اهلًا يا خالتي ايه المفاجأة الحلوة دي والله وحشاني
زغرته ثريا ثم لوت شـ.ـدقيها وقالت معاتبة:
المفروض الصغير هو اللي يسأل على الكبير مش العكس يا ابن اختي
تحمحم وبرر وهو يجلس بجوار رهف يحاوط كتفها بلطف مخالف لحالته السابقة:.
حقك عليا والله مشغول وعلى أخري المشروع لازم أسلمه كمان كام يوم هي رهف مقالتلكيش أن طالع عيني ولا ايه!
كانت جملته الأخيرة بمثابة معاتبة صريحة لها كونها لم تغطي عليه كعادتها مما جعلها تهدر بدفاع تؤيده وكانها مبرمجة على فعل ذلك:
اه فعلًا كان مشغول اوي معلش اعذريه
أومأت ثريا بمسايرة وحستها بعيناها أن تتركهم لحالهم وبالفعل نهضت قائلة وهي تنظر لساعة يدها:.
انا هنزل استنى الولاد تحت البيت الباص زمانه على وصول
وإن غادرت قالت ثريا بحدة دون أي تهاون:
اسمع يا ابن اختي من غير لف ولا دوران، مراتك أصيلة وبتحبك اتقي الله فيها وارجع لعقلك
ابتلع رمقه بوجل وتسأل بعيون زائغة:
هي اشتكت ليكِ؟
نفت ثريا وقالت مدافعة:
انت عارف انها كتومة ومش بتتكلم بس انا اللي مش عاجبني شكلها مطفية كده على طول سرحانة حتى الكلام بيطلع منها بالعافـ.ـية
زفر بـ.ـارتياح قائلًا بسخط:.
هي مهملة في كل حاجة حتى صحتها مترميش اللوم عليا يا خالتي
وضعت ثريا يدها على فمها بغير رضا وهدرت منفعلة تنهره:
مهملة ازاي يعني ده جزاتها أن بيتك وعيالك زي الفل دي قايدة صوابعها العشرة شمع لجنابك وانت ولا مقدر
بلاش تتحاملي عليا يا خالتي الله يخليكِ انا مش ناقص ويعلم ربنا أنا مش مقصر معاها في حاجة واللي بتطلبه بيجلها.
مش بالمجايب مراتك عمرها ما كانت مادية واظن انت اكتر حد عارف ده، هي محتجاك انت؛ تشاركها وتقرب منها، دي ملهاش غيرك ولازم تكون أحن واحد في الدنيا عليها وتحتويها وتساعدها في مسؤولية عيالك
تأفف هو وقال بنبرة ساخطة وبفكر رجل شرقي مازال متمسك ب عـ.ـر.فية أفكاره:.
والله انا راجـ.ـل ومش فاضي للملل ده انا كل اللي عليا أجيب فلوس وألبي كل طلباتهم، وبعدين هي مش بتعمل حاجة زيادة لا ليا ولا لعيالها ده واجبها وشغلها المفروض عليها والستات كلهم بتعمل كده المفروض تحمد ربنا
تنهدت ثريا وهي تشعر بالغـ.ـيظ من تفكير ابن شقيقتها العقيم لتهدر بجدية شـ.ـديدة:.
صوابعك مش زي بعض، وأنت مش عارف قيمة النعمة اللي في ايدك مراتك أصيلة و راضية ومفتحتش بؤها بكلمة علشان بتحبك بس يا ابني، الواحدة مننا ليها طاقة و تقدر تغفر كل حاجة في الدنيا إلا الخيانة
هب واقفًا بتـ.ـو.تر بالغ ألتقطته ثريا فور قولها و.جـ.ـعلها تتيقن أنه مذنب لا محالة خاصةً عنـ.ـد.ما قال بعيون زائغة:
أنا مش بخونها ويوم ما هفكر اعرف واحدة عليها هيبقى بالحلال.
شعرت ثريا بوخذة بقلبها من حديثه وترأى أمام عيناها حياتها السابقة ومصير غالية الذي إلى الآن تشعر بالأسى عليها لتقول بنبرة حزينة وعيون غائمة على أثر تلك الذكرى البعيدة:
وساعتها يبقى ليها حرية الأختيار يا تقبل يا ترفض تكمل معاك، وصدقني حتى لو كان بعلمها وبرضاها في الحالتين هتكون خسرتها ومش هتستحمل تشوفك مع غيرها.
احتدت عينه من حديثها الذي لم يروقه بالمرة ولكنه على اقتناع تام انها لا تستطيع تركه مهما فعل ستتقبل خطيئته التي يظنها بريئة، مبررة، ومباحة له ولا يحق لها الاعتراض ولكن ماذا إن تركته هل سيتقبل هو ذلك، حقًا لم يفكر في ذلك الاحتمال من قبل
انتشله من شروده قولها بتحذير قبل ان تهم كي تغادر:
أوعى تفتكر انها ملهاش حد وأنها ضعيفة تقدر تكـ.ـسرها لأ أنا أول واحدة هقف في وشك وصدقني وقتها هتبقى أنت الخسران.
ذلك آخر ما تفوهت به تاركته متخبط يلعن تحت انفاسه ويجلس وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية في عصبية شـ.ـديدة فهي نجحت وبشـ.ـدة في أن تسربل شيء من التردد وربما الرهبة في نفسه بعد حديثها.
كان يطالعها بعيون حزينة وهي تذرف الدmعات أمام قبر والدتها و تشكوا لها بالكثير، تعمد أن يبتعد قليلًا ليترك لها مساحتها الخاصة ولكن رؤيتها منهارة هكذا يفقده صوابه لا يتحمل دmعاتها ولا هوانها ذلك بل تعود عليها متمردة قوية سليطة اللسان، انتشله من شروده صوتها المختنق أثر البكاء:
انا خلصت ممكن نمشي.
هز رأسه لها ببسمة دافئة وألتقط يدها برفق تحت نظراتها المشتتة وسار بها للخارج، لتغمغم هي بعد صعودهم للسيارة:
أنا عايزة أروح
نفى برأسه وقال وحبات القهوة خاصته تشملها بدفء واحتواء لا مثيل له:
لأ اليوم بتاعك اطلبي اي حاجة وانا انفذها من غير جدال
حانت منها بسمة عابرة وسألته بترقب:
أي حاجة، أي حاجة؟
هز رأسه بتأكيد لتسترسل هي بمكر وكأنها تبدلت لتوها لتلك المتمردة من جديد:.
عايزة عربية انت عارف ان بابا كان معلمني السواقة
ابتلع غصة بِحلقه وهمهم بعدm اقتناع:
بس انا بخاف عليكِ يا نادين ومش...
قاطعته هي:
ها أنت وعدتني من غير جدال
تنهد بعمقٍ ومرر يده على ذقنه قائلًا بعدmا تذكر نصيحة والدته:
مش هخلف وعدي بس ليا شروط
ضحكت تلك الضحكة الآثرة للقلوب وصفقت بِحماس جعل قلبه يتراقص على صخبها قائلة بمكر وبعيون لامعة:
أخيرًا، انا موافقة والله على كل شروطك بس انت نفذ.
هز رأسه وابتسم ببشاشته المعهودة وهو ينطلق بسيارته إلى أقرب معرض للسيارات كي يلبي طلبها، بينما هي ظلت طوال الطريق تسترق النظرات له و تجاهد تلك النبضة العاصية بقلبها التي تنبأها بشيء لطالما تخــــوفت منه وتكاد تمـ.ـو.ت قهرًا إن حدث.
اسدل الليل ستائره على ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا، فكان مُمدد بفراشه بجوارها يحاول ان يتوقع كافة الاحتمالات الواردة بشأنها فلا ينكر بعد مغادرة ثريا وذلك التهديد الصريح منها، شعر بشيء من الرهبة يتملك منه ليجد ذاته يتودد لها على غير عادته في الآونة الأخيرة قائلًا بلطف وهو يقترب منها يداعب وجنتها لتكف عن تصنع النوم:.
رهف ، رهف أنا عارف إنك سامعاني ومبت عـ.ـر.فيش تنامي قبلي ليتردد قليلًا ثم يقول بتقطع وكأنه يمَن عليها باعتذاره:
أنا، آسف
رفرفت هي بأهدابها تؤكد له يقينه، وابتسمت بسمتها الناعمة التي رغم بهوتها الآن إلا أنها تجعله يشعر أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث دومًا بأفكاره ونواياه.
لم تعقب هي بل ظلت تعاتبه بنظراتها مما جعله
يتنهد عميقٍ ويقترب أكثر منها مبررًا:.
انا عارف اني زودتها بس كنت مخـ.ـنـ.ـوق وأنتِ بتضغطي على أعصابي
ردت بنبرة متألــمة تفيض بالعتاب:
انا عمري ما قصدت أضغط عليك، انا كنت بحاول أشاركك واخفف عنك بس انت مش مديني فرصة
ليبرر من جديد بذلك السبب الواهي الذي يحاول ان يقنعها به ولا يمل من ذكره:
اعصابي مشـ.ـدودة من الشغل و اعذريني لو كنت بخرج عن شعوري.
ليرفع يدها يلثمها ويستجديها بعينه ان تغفر له، فما كان منها غير أن تتهاون معه ولكن ماذا بشأن مكالمته وادعائه الغير منطقي حقًا لا تريد المجادلة معه ولكن وجدت ذاتها تتساءل من جديد بقلب يكاد يهوي بين ضلوعها:
لما كنت بتتكلم وقلتلي يامن كان هو فعلًا...
ابتلع رمقه بحلق جاف وأخذ يمرر يده بخصلاته الفحمية وكأنه يبحث عن كذبة مناسبة تقنعها ثم قال بكل تبجح وثقة كي يسايرها:.
بصراحة، كانت مكالمة شغل من واحدة من اللي بيشرفوا على تنفيذ المشروع بشركتي ومرضتش اريحك لما سألتيني علشان حسيت انك بتشكي فيا و كنت مخـ.ـنـ.ـوق منك ومن اسئلتك الكتير.
حقًا كانت تستمع له مذهولة من تبريره ومن كيفية حياكته للأمر، المفترض أنها الآن تكون سعيدة كونه كشف لها حيلته واراح قلبها ولكن وجدت ذاتها مشتتة لا تعلم كيف استطاع أن يتقن كذبته لذلك الحد وكيف هي كانت غافلة عن مهارات التمثيل لديه لتضيف بإصرار وكأنها تود أن تسد كل الثغرات بعقلها حتى لا يثور عليها:
بس انت قولت انه يامن حتى قولتله رهف بتسلم عليك؟!
تأفف في ضيق من اسئلتها التي تكاد تودي بثباته و تفضح أمره وهدر منفعل وهو ينهض يواليها ظهره:
افففففف بقى مش هخلص من أسئلتك دي، كانت قفلت ساعتها، وقولتلك كنت قاصد أضايقك زي ما ضايقتيني
أغمضت عيناها بقوة تحاول كبح أفكارها وتقبل الأمر دون جدال أكثر، فلا يوجد لديها خيار آخر على أي حال لتنهض تقترب منه وتقول بقلة حيلة وهي تضع يدها على ذراعه:
أنت كل دنيتي يا حسن بلاش تعمل كده وتستغل إني مليش غيرك.
التفت لها وهو يشعر بِشيء من تقريع الضمير ثم رفع يدها يلثمها مرة أخرى وقال برهبة بثتها به ثريا بجدارة:
حقك عليا، انا مقدرش استغنى عنك، أوعي تسبيني
كوبت وجهه بين راحتيها بعدmا تدخل قلبها اللين كعادته:
مقدرش انت روحي يا حسن ربنا ما يحرمني منك.
أبتسم وهو يأمن على دعوتها، ثم احتضنها بقوة وكأنه يريد ان يكفر عن خطيئته بحقها، استكانت هي بين احضانه وكأنه هو مخبأها الوحيد وحصن أمانها متغاضية عن كل شيء بلين قلبها.
حمقاء هي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن دائمًا تجد له مبرر لكافة افعاله ولمَ لا وهي ليس لها أحد سواه، فقد نشأت ببيت عمها وربيت مع أبـ.ـنته بعد وفاة عائلتها بحادث مروع اودى بحياتهم، وحين تزوجت هي توفى عمها وسافرت ابـ.ـنته مغتربة مع زوجها بأحد بلاد الخليج لتبقى هي وحيدة دون ملجأ او سند غيره.
تبسمت الشمس في كبد السماء معلنة عن يوم جديد يخبئ في طياته الكثير فقد.
استعدت هي بنشاط على غير عادتها وقررت انها هي من ستقوم بإيقاظه اليوم، تجهزت مرتدية بنطال أزرق من خامة الجينز ويعتليها كنزة وردية ذات حملات رفيعة وحذاء رياضي يماثل لون كنزتها وقد اجلت سترتها لحين خروجها، لتنظر مرة أخيرة بالمرآة وتبعثر خصلاتها القصيرة كي تبدو هوجاء كما تفضلها ليلفت نظرها أضاءة هاتفها التي تتعمد ان تضعه على وضع الصامت طوال الوقت بسبب غباء طارق الذي لن يكف عن إلحاحه الذي حقًا كاد يصيبها بالسأم تجاهلت الهاتف تمامًا و توجهت بخطى واسعة نحو غرفته ودلفت دون حتى أن تطرق بابها، وحينها وجدت ما لم تحسب حسابه قط لتتعالى وتيرة انفاسها وظلت تتراجع للخلف وهي تشعر بأن كل خلية بجسدها تنتفض من شـ.ـدة ذعرها حين سقطت عيناها عليه هو بطلته القاسية التي لا تعرف اللين وبعيناه التي يسطع بها المكر قائلًا:.
كيفك يا بـ.ـنت غالية توحشتك؟
↚
أنّ المرأة يسحرها أولًا الأمان الذي يزرعه الرجل من حولها، بعدها كل شيء يأتي من تلقاء نفسه.
كيفك يا بـ.ـنت غالية توحشتك؟
ابتلعت غصتها و همست بجزع:
خالي!
چرى ايه يا جلب خَالك مش هتسلمي عليا وتحبي على يدي ولا إيه؟
هزت رأسها بِبسمة باهتة وتقدmت في ثبات تصافحه متجاهلة جملته الأخيرة:
اهلًا يا خالي القاهرة نورت
زفر بقوة عنـ.ـد.ما لم يروقه سلامها البـ.ـارد الخالي من الإحترام بتاتًا بالنسبة له وهدر وهو يطالعها بنظرات خبيثة من أخمص قدmيها حتى رأسها:
منورة بناسها يا بت غالية وين چوزك وكيف مهملك مايعة إكده.
شملت ذاتها بنظرة عابرة بعدmا تفهمت المغزى من حديثه وكادت تجادل ولكن اتى رد يامن ملاحق لها:
أنا هنا أهوه يا حاج عبد الرحيم نورتنا
قالها يامن وهو يخرج من المرحاض عاري الصدر يلف منشفة عريضة حول خصره وأخرى صغيرة يجفف بها شعره، لتشهق هي في خفوت وتزيح بنظراتها بعيدًا مما أثار ريبة عبد الرحيم وهو يرد سلام يامن بِبرود دون لباقة:
اهلًا بالغريب ليحول نظراته لها ويتسأل بخبث بَين:
مكسوفة من چوزك إياك.
استغرق الأمر ثانية واحدة كي تلاحق الموقف بهز رأسها وقولها بمكر لا يضاهيها احد به:
لا يا خالي انا بس خــــوفت يبرد علشان الشباك مفتوح
لتهرول إلى النافذة المفتوحة وتغلقها ببسمة متـ.ـو.ترة تحت نظراته الفاحصة
ليهز رأسه وهو يلتقط طرف جلبابه ويقول وهو يتوجه نحو الأريكة المقابلة للفراش ويجلس عليها:
عندك حج يا بت غالية چوزك بَرّدك ومن حجك تنخلعي عليه.
تناوبوا النظرات المتـ.ـو.ترة بينهم قبل أن يضيف عبد الرحيم وهو يسند ظهره بأريحية ويطوف بعينه محيط الغرفة:
بس الأوضة زينة وعفشها مليح
ليركز نظراته على الفراش ويقول بخبث بَين و بنوايا بعيدة كل البعد عن البراءة:
بس السَرير ده ضيج حبتين بيساعكم ده يا ولاد
ابتلعت هي غصة بحلقها وتوارت خلف ظهره وهي تتفهم الغرض من سؤاله، بينما يامن نظر لها نظرة مطمئنة وهدر بكل ثبات:.
اه يا حاج كله تمام، وكويس أن الأوضة عجبتك أصلها ذوق نادين وكل حاجة من اختيارها هي.
قال آخر جملة وهو يجذبها من خلف ظهره ويحاوط خصرها ويضمها إليه بطريقة اربكتها، ولكن دائمًا ما يكون ردود أفعالها سريعة، لتسايره وتبادله بإحاطة خصره ايضًا ورغم تـ.ـو.ترها والرجفة التي انتابتها عنـ.ـد.ما لامست جسده العاري تحت يدها إلا أنها استحضرت بسمتها المعهودة التي حاولت أن تكون أكثر دفء أمام عينه من أجل أن يكتمل المشهد الدرامي أمام ذلك الذي كان يتآكلهم بنظراته وتحمحم قائلًا بنبرة غليظة مستنكرة:.
اتحشم وروح استر نفسك وألبس خلجاتك يا غريب والله عار عليك تستجبلني وأنت زلط إكده
تنهد يامن بثبات بينما كادت هي ان تبتعد عن مرمى يده ولكنه ضغط أكثر على خصرها كانه يود ان يطمئنها ويجعلها تتمسك بثباتها كونه بجانبها وسيتولى الأمر ليرد بنبرة قوية مبطنة بمغزى وصل للآخر بكل وضوح:
والله يا حاج أنا في أوضة نومي ومع مراتي، وانت على راسي، بس المفروض كنت استقبلك في الصالون مش هنا.
زفر عبد الرحيم انفاسه دفعة واحدة وهو يلعن بسره ذلك الذي يدعوه غريب كونه احرجه بلباقة وخرب تخطيطه فكم تمنى أن يجد شيء واحد فقط يدل على أن حياتهم ليست طبيعية كأي زوجين، ليتحمحم يجلي صوته بخشونة ثم قال وهو ينهض من جلسته:
عندك حج يا غريب بس اعذرني كنت متوحش بـ.ـنت خيتي ومجدرتش أصبر لما أمك فتحتلي باب الدار وچريت أدعبث عليها.
لم يشغله حرف واحد مما تفوه به غير نعته بالغريب مما جعله يهدر قائلًا بنبرة جادة وبملامح ثابتة:
يامن اسمي يامن يا حاج مش غريب واظن سهل مـ.ـيـ.ـتنسيش
ضاقت عين عبد الرحيم وعقب بنبرة مغتاظة بشـ.ـدة:
واه مغلطتش في البخاري إياك
قطع حديثه دخول ثريا وقولها بوجوم شـ.ـديد:
أنت هنا يا عبد الرحيم انا عملتلك الشاي وخرجت ملقتكش
أجابها بِخبث وهو يتناوب نظراته بينهم وكأنه يسبر أغوارهم:
كنت بَطُل بدي اطمن على بت خيتي.
لترد نادين بنبرة متسرعة مهزوزة تضاهي رجفة جسدها:
انا كويسة الحمد لله يا خالي وفي احسن حال مع جوزي
هز عبد الرحيم رأسه بخيبة أمل وهو ينظر لهم نظرات مشككة وكانه يريد ان يخترق بها دواخلهم
لتتدخل ثريا بتهكم بعدmا لوت شـ.ـدقيها:
أديك اطمنت والحمد لله تعالى بقى أشرب الشاي بتاعك قبل ما يبرد
وسيبهم يكملوا لبس ويحصلونا.
أومأ لها وسبقها بِخطواته لتنظر هي لهم نظرة مطمئنة وتلحق به مغلقة باب الغرفة خلفها، ليزفر هو أنفاسه دفعة واحدة بإرتياح بينما هي جلست على أقرب مقعد قائلة بعيون زائغة وبجسد ينتفض:
انا خايفة
أجابها بنبرة مطمئنة وهو يجثو امامها و يحاوط ذراعيها بحنان:
انا معاكِ وخــــوفك ملوش داعي
صوبت نظراتها المشتتة إليه وقالت بتوجس:
زيارته غريبة وكلامه أغرب.
تنهد وهو يمرر يده على طول ذراعيها كي يهدئها قائلًا بنبرة حنونة بثت بها بعض السَكينة:
اهدي هو مش اول مرة يزورنا اكيد شوية وهيمشي انا عايزك تثقي فيا هو ميعرفش الاتفاق اللي بينا احنا قدامه زي اي اتنين متجوزين وحياتنا طبيعية لازم نأكد له ده
طالعت ناعستيه بضياع وتساءلت بذعر حقيقي وهي تكوب وجهه بين يدها:
وافرض عرف ان جوازنا على الورق وبس هتسيبه ياخدني معاه؟
نفى برأسه بقوة وكانه ما تقوله هي المستحيل بعينه وهدر بنبرة قاطعة وهو يصعد لمستواها و يجاورها جاذب رأسها يدفنها بين ثنايا صدره العاري قائلًا بنبرة واثقة مطمئنة:
مش هيعرف ابوكِ الله يرحمه أمني عليكِ ومستحيل أخل بوعدي ليه ولا ليكِ
ليأتيه سؤالها الذي اشعره لأول مرة انها تود ان تنتمي له:
افرض اخدني وغـ.ـصـ.ـب عليك تطلقني؟
نفى برأسه من جديد وكأنه على حافة الجنون وقال بِفطنة:.
خالك كل اللي يهمه الفلوس و هو عارف ان كل املاكك بأسمي، مستحيل يعمل كده...
اهدي ومتخافيش انا جنبك يا نادين مستحيل اسيبك.
قال جملته الأخيرة وهو يطبع قبلة حنونة على قمة شعرها ويضمها له أكثر مما جعلها دون ارادة منها وكأنها بحاجة لذلك العناق حاوطته وأغمضت عيناها كي تزيح كافة الافكار السوداوية بعيدًا عن رأسها، بينما هو كان في قمة سعادته فكم يعشق سكونها بين يديه وتلك الحالة الفريدة التي هي عليها الآن ليغمض عينه ايضًا ولكن وهو يلعن تلك الخفقات الصاخبة التي تفضحه دائمًا وتزعزع ثباته أمامها، وبالفعل تأكد أنه افتضح عنـ.ـد.ما انتفضت بعيدًا عنه وهي تشعر بتـ.ـو.تر بالغ فيبدو أنها تيقنت لتوها أن تلك الحرارة التي كادت تحرقها منبعثة من جسده العاري التي كانت تجول بعيناها عليه الآن دون وعي، ليبتسم هو و كأنه يقرأ أفكارها مما جعلها تتراجع خطوتين للخلف وهي تضع خصلة من شعرها خلف اذنها وتتحاشى النظر له، كم أراد أن يشاكسها ويستغل الموقف لصالحه ولكنه كعادته كبح أفكاره العابثة جانبًا، و تفهم خجلها ببسمة هادئة وغير سير الحديث كي لا يزيدها عليها:.
اول مرة تيجي أوضتي من نفسك! كنتِ عايزاني؟
اومأت له وأخبرته بتـ.ـو.تر وهي تواليه ظهرها وتجاهد تلك النبضة العاصية بخافقها:
كُنت جاية أصحيك
طالع ظهرها لوهلة مستغرب ذلك التغير المفاجئ وهدر قائلًا وهو ينهض يرتدي ملابسه:
بس انا صاحي من بدري وعملت رياضة كمان.
جعدت حاجبيها المنمقين باستغراب فتلك المعلومة لم تكن تعلمها عنه ربما لأنها لم تنهض باكرًا مثله ولذلك لم تلحظ ممارسته للرياضة قط، لتخبره وهي مازالت تواليه ظهرها:
انا بكره الصحيان بدري، بس قولت ألحقك علشان تكون معايا وانا بجرب العربية بس خالي بقى الله يسمحه نشف دmي
ضيق ناعستيه وباغتها بسؤاله وهو ويتذكر جملة عبد الرحيم التي أغاظته:
هو أنتِ كنتِ هتخرجي كده بلبسك ده؟
نفت برأسها واخبرته بملل وهي تقلب عيناها:
لا طبعًا انا عارفة تعليمـ.ـا.تك كويس انا كنت هلبس بليزر طويل علشان متتعصبش كالعادة
لثوانٍ لم يصلها رده حتى انها كانت تشعر بحركته اثناء حديثه ولكن الآن صوت خطواته يقترب شيء فشيء لتحتبس انفاسها وتغمض عيناها وهي تسير لخارج الغرفة:
انا هستناك برة.
لتتأوه بقوة عنـ.ـد.ما كادت تتعثر بطرف الطاولة التي تتوسط غرفته ولكن يده سندتها وجذبتها لترتطم بجسده عوضًا عن ارتطامها بالأرض، شعرت بملمس صدره العريض الخشن تحت راحيتها التي استندت بهم الآن دون قصد كي تتفادى السقوط لتفتح عينها بترقب شـ.ـديد ووجهها يشتعل كجمر ملتهب تحت نظراته التي تتفرس بها باستمتاع شـ.ـديد وبسمة متسلية تزين محياه قائلًا:
انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة؟
بتجري ليه.
أطلقت سراح انفاسها المحتبسة ما أن رأته ارتدى بنطاله وقميص يبدو انه لم يسنح له الوقت لإغلاق أزراره وثأثأت بنظرات مهزوزة وبقلب يرتجف لا تعلم ما به:
قولت علشان تلبس كُنت هستناك برة...
= انا لبست خلاص خليكِ دقيقتين وأخرج معاكِ
كادت ان تتذمر كعادتها ولكنها وجدت ذاتها تهز رأسها بطاعة، ليبتسم هو ويبتعد كي ينهي ارتداء ملابسه أمام نظراتها الثابتة التي لا تنم عن أي شيء سوى تشتتها.
أما هي فظلت ملازمة غرفتها منذ عودتها وحمدت ربها كون زوجة أبيها تبيت اليوم عند والدتها، فكانت حريصة للغاية أن لا يراها أحد واكدت على الحارس عدm اخبـ.ـارها وبالفعل لم يجادلها وكأنه مدين لها باعتذار مسبقًا أغمضت عينيها بقوة وهي تدعوا الله ان لا يفتضح أمرها ولكن كيف و مُحبة تجلس فوق رأسها وتنهال عليها بأسئلتها:
ريحي قلبي وقوليلي حصل ايه؟
وكنت فين؟ ودm مين ده اللي على هدومك؟
سؤالها الأخير حاز على كافة أنتباهها مما جعلها تنهض تتفقد ملابسها التي نزعتها عنها فور وصولها، لتغمض عيناها بقوة وهي تشعر بتقريع الضمير مما أصابه بسببها لتقرر أن تحدثه تطمئن عليه وبالفعل تناولت هاتفها وطلبت من مُحبة بلطف:
داده انا كويسة ومحصلش حاجة متقلقيش، هحكيلك بعدين بس ممكن تسبيني دقيقة لوحدي.
انصاعت لها مُحبة وغادرت وهي تهز رأسها بعدm رضا بينما هي نقرت على شاشة هاتفها وطلبت رقمه وانتظرت بتـ.ـو.تر بالغ أن يجيبها.
في تلك الأثناء كان هو ممدد على فراشه يستجدي النوم كي يهرب من تساؤلات شقيقته التي صرعت بها رأسه وهلعها منذ رأت هيئته الرثة حين عاد للمنزل، ولكنه طمئنها واخبرها انه شجار بسيط وجـ.ـر.حه سطحي وقد تم تقطيبه ولا داعي للقلق؛ لتتركه بمفرده كي ينال قسط من الراحة التي لا يعلم أين السبيل لها بعد ما حدث زفر في ضيق وهو يتناول هاتفه وعلم هوية المتصل لينتفض من فراشه ويظل يمسد جبهته بتردد كبير حسمه بقوله وهو يفتح الخط:.
خير حضرتك
ابتلعت غصتها وتسألت وهي تشعر بخزي من نفسها:
أنت كويس؟
تمام
وجـ.ـر.ح ايدك؟
قولتلك بسيطة كلها كام غرزه مش مستاهلة
انا كنت قلقانة وحابة اطمن عليك
ألجمه حديثها و لا يعلم بما يجيبها، لتستأنف هي بِعرفان:
انت حد جدع اوي وانا بجد آسفة
قالت جملتها و كادت تغلق الخط لولآ انه باغتها بأخر شيء توقع ان يصدر منه:
بلاش تأذي نفسك
فرت الدmـ.ـو.ع من فيروزتاها أجابته بنبرة مختنقة بعبراتها يسودها اليأس:.
نفسي ملهاش قيمة عندي ولا عند أي حد
زلزلت قاع قلبه للمرة الثانية وظل يتسأل لمَ كل هذا اليأس ولمَ فضوله اللعين يدفعه لاستكشافها، حقًا لا يعلم كل ما يعلمه أنها خالفت توقعاته وأثبتت له كالجميع انها ليست محل ثقة.
بكرر اسفي مرة تانية...
جملتها تلك انتشلته من مداهمة افكاره وإن كاد يجيب اغلقت الخط دون ان تنتظر رده مما جعله يلقي بالهاتف بِجانبه ويلعن تحت انفاسه فحقًا هي تشتته للغاية فماذا يفعل هل يخبر ابيها وينصاع لرغبة ضميره أم يصمت كي لا يضعها بموقف سيء يزيدها سوء على سوءها.
ظل يطالعها بنظرات كارهة وهو يحتسي كوب الشاي الخاص به مما جعلها تسأله بنبرة جادة لا تحمل شيء من الود:
خير يا عبد الرحيم أيه سر الزيارة المفاجئة دي
غص برشفته وسعل بخفة ثم قال بخبث:
واه ده دار چوز خيتي الله يرحمها واچي وجت ما حب يا ثريا
حانت من ثريا بسمة هازئة وقالت متهكمة:
هو انت كنت بتجي بيته تسأل عليه وهو عايش علشان تيجي بعد مـ.ـو.ته، ده انت ياراجـ.ـل مكلفتش خاطرك وحضرت دفنته.
احتدت نظراته بمكر وقال متحججًا:
جولتلك كان حداي مصالح واعرة ومجدرتش أدلى وجتها
لوت ثريا شـ.ـدقيها وقالت متهكمة:
انت مجتش علشان عرفت أن كل املاكه بقت بأسم ابني وكل تخطيطك راح على الهوا
زمجر غاضبًا وعقب بحدة:.
إيه حديتك الماصخ ده تخطيط إيه اللي تجصديه لو في حد خطط فهو أنتِ يا ثريا خدتي الراجـ.ـل من على مرته وعصتيه عليها وخلتيها مـ.ـو.تت روحها من جهرتها، لع وكمان اجنعتيه يكتب كل اللي وراه واللي جدامه بأسم ابنك ويچوزه البِنَية
تهجم وجه ثريا عنـ.ـد.ما استحضر هو تلك الذكريات البعيدة التي لطالما تشعر نحوها بالحـ.ـز.ن والأسى الذي انعكس على نبرتها الآن:
حسبي الله ونعم الوكيل.
ده اللي عقلك المريـ.ـض صور هولك أنما الحقيقة ربنا وحده اعلم بيها وقادر ينصفني
ارتفع جانب فمه ببسمة هازئة وهمس بسره:
تجتل الجتيل وتمشي في چنازته مرا واعرة
في تلك الاثناء دخل يامن برفقة نادين لغرفة الصالون ليجد والدته منكسة الرأس ويظهر الحـ.ـز.ن بَين على قسمـ.ـا.تها ليتسأل بوجل:
في ايه يا امي مالك؟
نفت برأسها وبالكاد ابتسمت بسمة عابرة واخبرته وهي تنهض:
سلامتك انا هروح احضر الفطار اقعد مع خال مراتك.
ليقاطعهم عبد الرحيم وهو ينهض:
لع أنا مش جاعد هروح الترب أجرا الفاتحة ل غالية وبعدين ورايا كذا مُصلحة إكده وهعاود في الليل أبيت معاكم واتوكل الصبح بمشيئة الرحمن
ابتلعت نادين غصتها بتـ.ـو.تر بالغ واخبرته بِمجاملة عابرة تخالف رغبتها:
خليك أفطر معانا الأول يا خالي ملحقتش أقعد معاك
ربت عبد الرحيم على ذراعها قائلًا:.
هعاود تاني يا بـ.ـنت غالية وخليها عشا عاوز وكل من يدك واشوف ليك نفس في الطبيخ كيف أمك ولا وكلك ماصخ كيف المصاروة
تناوبت النظرات بينهم بضياع، فهي لا تفقه شيء بتاتًا في أمور إعداد الطعام، ولم تجرء قط على دخول المطبخ او حتى التجربة، ولعلمه بذلك أبتسم هو بسمته المطمئنة ذاتها و حسها انه سيتولى الأمر مما جعلها تتلعثم قائلة بتـ.ـو.تر:
ها، اه، حاضر يا خالي هطبخلك احلى أكل
تسلمي يا جلب خالك.
ليغادر هو تاركهم يتنفسون الصعداء وتقول ثريا وهي تتنهد بضيق:
انا هروح احضر الفطار علشان متأخرش على رهف
ليعقب هو وهو يطالع تلك التي ارتمت على احد المقاعد و تتنفس براحة أكبر منذ خروج خالها:
لأ يا امي متتعبيش نفسك انا و نادين هنفطر برة وبالمرة هروح المطعم اجيب اكل من هناك علشان بليل
أومـ.ـا.ت ثريا وتحركت لغرفتها بينما نادين أزاحت التـ.ـو.تر الذي سببه خالها لها جانبًا وهبت تصفق بحماس وكأنها عادت لطبيعتها لتوها:.
اكيد هنروح بالعربية الجديدة مش كده
ابتسم و وافقها ببسمة واسعة:
ايوة يا مغلباني بس بشرط تسوقي بعقل انا مش مستغني عن عمري
هزت رأسها و هرولت تحضر سترتها بحماس ظهر جلي على قسمـ.ـا.تها وما زادها غير فتنة بعينه وهي تسحبه للخارج بحماس طفولي وكأنها مازالت تلك الطفلة ذات الجدائل الطويلة التي عشقها منذ الوهلة الأولى.
أما هي فقد دخلت غرفتها بخطوات واهنة والحـ.ـز.ن يكسو ملامحها، متأثرة بتلك الذكريات البعيدة الذي تعمد عبد الرحيم أن يضعها نصب عيناها من جديد لتجلس على طرف فراشها وتلتقط صورة زوجها الراحل وتعود بذاكرتها لما حدث منذ عدة سنوات مضت.
فكان والد يامن أحد مردين المواد الغذائية التي يتعامل معهم عادل من اجل مطعمه وكانوا تربطهم صداقة قوية انعكست عليهم بشكل إيجابي و.جـ.ـعلت ثريا تتقرب منها ويتبادلون الزيارات والمجاملات فكانت غالية شخص مريح غير متكلف بالمرة.
وطالما كانت البسمة لا تفارق ثغرها، وبعد وفاة زوج ثريا لم تتركها غالية قط بل تقربت منها و واستها وتوطدت علاقتهم أكثر ببعض حتى انها كانت تقص لها كل شيء حتى عن مرضها الذي اخفته عن الجميع واولهم زوجها،.
حاولت ثريا إقناعها أن تخضع للعلاج ولكن غالية لم تقتنع قط وخاصةً عنـ.ـد.ما علمت ان مرضها الخبيث نسبة الشفاء منه لن تتعدى عشرون بالمائة ولذلك كانت تنتظر مصيرها المحتوم بأي وقت مما زاد حالتها النفسية سوءٍ وحين علم عادل بالأمر أصر على خضوعها للعلاج ولكنها تمنعت وبشـ.ـدة وكان ذلك سبب خلاف دائم بينهم، حاولت ثريا حينها أن تخفف عنها ولا تتخلى عنها وتساندها كما فعلت هي حين وفاة زوجها ولكن غالية فاجأتها برغبتها حين قالت لها:.
أنا مش خايفة من المـ.ـو.ت يا ثريا بالعكس انا كل يوم بستناه أنا بس اللي مخــــوفني هو بـ.ـنتي و عادل هيعملوا ايه بعدي
تنهدت ثريا و واستها بنبرة حزينة متأثرة:
ربنا يخليكِ ليهم يا غالية بعد الشر عليكِ، لو بس تسمعي الكلام وترضي تاخدي جلسات العلاج
ابتسمت غالية بشحوب واخبرتها بيأس:
مش عايزة اتعـ.ـذ.ب على الفاضي و عايزة أشبع من نادين الكام يوم اللي فضليلي في الدنيا وافضل جنبها مش وسط المستشفيات والكيماوي والعيَنين.
مش يمكن يكون في أمل
حانت منها بسمة باهتة لابعد حد واخبرتها بيأس تمكن منها:
ويمكن لأ...
المهم دلوقتي إني هطلب منك طلب واوعي ترديني مكـ.ـسورة الخاطر
ماعاش ولا كان اللي يكـ.ـسر بخاطرك
عايزاكِ أنتِ اللي تربي بـ.ـنتي بعد مـ.ـو.تي
ربتت ثريا على يدها وقالت بحسرة وبحـ.ـز.ن حقيقي:
بلاش سيرة المـ.ـو.ت، محدش هيربي بـ.ـنتك غيرك
نفت غالية برأسها وترجتها بعيون تفيض بالدmع:
ريحيني يا ثريا و وافقي.
تنهدت ثريا وتساءلت بعدm استيعاب ودmعاتها تنسل بحسرة على صديقتها:
( لا حول ولا قوة إلا بالله) عايزاني اوافق على ايه بس؟
لترد غالية بإصرار وبكل رضا:
تتجوزي عادل.
تلك الجملة كانت كفيلة ان تزلزل كيانها وتعيدها للوقت الحالي وتجعلها تشعر بقلبها يعتصر بين ضلوعها بسبب ما حدث بعد ذلك فكم تمنت ان يكون مصيرها مختلف ولكن خانتها عزيمتها و.جـ.ـعلتها تكرر إنهاء حياتها بنفسها عوضًا عن انتظار المـ.ـو.ت أن يأتيها، نفضت دmعاتها وهي تترحم عليها وتدعوا لها بالمغفرة ثم نهضت كي تستعد لكي توافي رهف كما وعدتها.
جلست على طاولة الطعام بعيون ساهمة متغاضية عن ثرثرة دعاء التي كادت تصيبها بالضجر لولآ صوت والدها الذي أتاها نجدة لها:
صباح الخير يا ميرال
نهضت وعانقته بقوة قائلة بإحتياج وبنبرة واهنة:
وحـ.ـشـ.ـتني يا بابي
ربت فاضل على ظهرها وقال بحنو:
ده هو يومين بس اللي غبتهم يا بـ.ـنتي لحقت اوحشك
هزت رأسها بين احضانه التي هي حقًا بحاجة لها ولأحتواءه وقالت مؤكدة:
متسافرش تاني وتسبني
اجابها والدها ببسمة حنونة:.
حاضر يا ستي مش هسافر تاني ولو سافرت هاخدك معايا طالما بوحشك
صكت دعاء اسنانها واعترضت:
ايه الدلع ده! هو انت بتسافر تتفسح ولا علشان الشغل
خرجت ميرال من احضانه تنظر لها بإستياء لم تكترث الأخرى
وأضافت بخبث وهي تنظر له نظرات ذات مغزى يعلمه جيدًا:
ودراستها والجامعة اللي بقالها كذا يوم مش بتروحها، المفروض انك تعارضها و تخاف على مستقبلها اكتر من كده
هز فاضل رأسه وأيد زوجته:
دعاء عندها حق مستقبلك اهم.
ليه مش بتروحي الجامعة
كم شعرت بالخذلان من حديثه التي أثبت به أن زوجته هي صاحبة السُلطة الأكبر على قراراته، مما جعلها تنظر ل محبة التي تقف بالزاوية تحسها أن تساندها وهي تجلس على طاولة الطعام من جديد وتتلعثم قائلة:
كنت تعبانة شوية
ليتساءل فاضل بحدة:
وليه محدش بلغني
لتلاحق محبة الحديث التي تابعته من بادئته وأدركت بفطنتها أن أحد الخدm يتلصص لصالح دعاء لذلك تعمدت اغاظتها:.
حقك علينا يا بيه أصل كنت ملخومة بيها و دعاء هانم من ساعة ما سافرت وهي عند ولدتها ومتعرفش حاجة
أومأ فاضل بتفهم بينما ظلت دعاء ترشق محبة بنظرات مغتاظة جعلت محبة تشعر ببعض الارتياح
وخاصةً عنـ.ـد.ما وجدت فاضل تجاهل حديث تلك الصفراء و وظل يربت على ظهر ابـ.ـنته بحنو ويطمئن عليها في حين ميرال كانت تبتسم ببهوت وتخبره انها اصبحت بأفضل حال،.
ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهيه السُفن فقد اندثرت بسمتها الباهتة و تهدجت انفاسها بذعر بَين حين رأته يقترب من جلستهم ويهدر قائلًا في عملية شـ.ـديدة:
حمد الله على سلامة حضرتك يا فاضل بيه
اهلًا يا محمد اخبـ.ـارك ايه؟
تمام يا فنـ.ـد.م انا جيت علشان...
قطع حديثه عنـ.ـد.ما تعلقت عينه بها يرى تلك النظرة الراجية بفيروز عيناها وكم كان يجاهد ضميره حين استأنف بعملية شـ.ـديدة تحت نظرات الجميع المترقبة:.
علشان اطمن على آنسة ميرال واشوف إذا هتخرج النهاردة او لأ
تهللت أساريرها وهي تنظر له بامتنان حقيقي ثم هتفت وهي تلملم أشياءها:
انا بقيت كويسة، وهروح الجامعة
هز رأسه لها واستأذن بأدب وسبقها إلى الخارج بينما هي قبلت وِجنة مُحبة دون عن الجميع وهرولت تلحق به لتدعوا مُحبة بسرها:
ربنا يصلح حالك ويريح بالك يا بـ.ـنتي.
شكرًا
قالتها بإمتنان حقيقي وهي تصعد للسيارة، مما جعله يتنهد بملامح واجمة وهو يتحاشى النظر لها:
انا متعودتش اشوف الغلط واسكت عليه والاستثناء ده مش هيتكرر تاني والمفروض انتِ اللي ت عـ.ـر.في مصلحة نفسك...
اومأت له واخبرته بنـ.ـد.م:
انت عندك حق اوعدك مش هعمل كده تاني انا ساعات بيبقى عزيمتي ضعيفة و استسلم لكن وعد مش هأذي نفسي زي ما طلبت مني
هز رأسه بملامح مازالت واجمة وأخبرها بإقتضاب:
تمام.
ابتسمت ببهوت وقالت بِعرفان للجميل وهي تراه يشعل مقود السيارة بيده المضمدة:
انت جدع اوي وعمر ما في حد عمل علشاني كده ابدًا وعلشان كده نفسي نبقى صحاب
نظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ثم قال بعملية شـ.ـديدة وبكامل صوته الأجش المفعم بالكـبـــــريـاء وهو ينطلق بها:
آسف مفيش حاجة في قاموسي اسمها اصحاب، انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجـ.ـل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان.
احتل الحـ.ـز.ن عيناها وتراجعت للخلف تحتضن حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة، فكم طـــعـــنها قوله وأكد لها أنها سيئة ومرفوضة و الجميع ينفر منها ويتخلى عنها.
بينما هو لعن نفسه ربما للمرة الألف بعد المائة انه احرجها ولكن هو لا يريد أن يقحم نفسه بها أكثر ويتوهم بشيء يستحيل حدوثه، فهو يعلم ذاته تمام المعرفة ويعلم أن ليس باليسير ابدًا ان تتمكن أنثى أن تزعزع ثباته وتجعله يخالف ضميره لأول مرة بحياته من أجلها.
كم كانت تود أن تحلق بالسماء من شـ.ـدة سعادتها عنـ.ـد.ما اخبرها الطبيب بذلك الخبر السار، وكم شعرت بالامتنان لتلك السيدة الحنون التي شاركتها فرحتها وسعادتها واهدتها الكثير من النصائح بشأن سلامتها قبل ان توصلها وتغادر لمنزلها وها هي تجلس بأنتظاره تهيأ له الأجواء كي تخبره متغاضية عن كل ما حدث وهي تظن أنه باعتذاره منها بلأمس سيعود لسابق عهده.
وعنـ.ـد.ما اتى استقبلته بلهفة كعادتها وانتظرت ان يستفسر منها عن زيارتها للطبيب ولكنه لم يكلف ذاته حتى بمكالمة هاتفية او حتى سؤالها عند وصوله مما جعلها تشعر بالضيق من عدm اكتراثه، وظلت تنظر له نظرات معاتبة وهو يجلس بجوارها على الاريكة بردهة منزلها ويسلط كافة تركيزه على هاتفه مما جعلها تتنهد بصوت مسموع لفت انتباهه و.جـ.ـعله يتساءل ببرود:
مالك يا رهف مش على بعضك ليه؟
رفعت نظراتها له واخبرته بعتاب وهي تزيح الهاتف من يده لتستحوذ على انتباهه:
أنت ليه مكلمتنيش النهاردة في التليفون؟
مط فمه ورد بلامبالاه:
عادي يعني مجاش في بالي
ابتلعت غصة مريرة بحلقها وأضافت بنبرة متخاذلة:
بس انا قولتلك إني رايحة للدكتور الصبح
أغمض عينه بقوة وبرر بذلك السبب الواهي الذي لا يكف عن ذكره:
اه نسيت معلش كان عندي اجتماع طويل وكنت مشغول.
تعلقت رماديتاها الضائعة به تود لو تجد الصدق بعينه ولكن لم تجد شيء يقنعها بحجته فمنذ كذبته السابقة وهي اصبحت تشكك بكل كلمة تصدر منه، نفضت افكارها سريعًا وارغمت ذاتها على التصديق حتى لا تفسد سعادتها، ولكنه لم يكتفي بذلك الصراع اللعين الذي يضعها به بل زادها عليها بقوله باستخفاف:
قالك ايه اكيد مش حاجة خطيرة يعني اكيد قالك انك مهملة في اكلك وكتبلك على شوية فيتامين مش اكتر.
ارتفع جانب فمها ببسمة متخاذلة وردت مستنكرة:
لأ يا حسن اطمن مش حاجة خطيرة
هو فعلًا كتبلي على فيتامينات بس مش علشان انا مهملة في اكلي علشان حاجة تانية
تأفف هو بسأم وهدر بنفاذ صبر:
أففففف، مـ.ـا.تتكلمي علطول من غير لف ولا دوران انا اتخـ.ـنـ.ـقت من الملل بتاعك ده
غامت عيناها من عصبيته الغير مبررة وقالت ببسمة باهتة وبنبرة تلاشت منها سعادتها بفضله وبفضل نظراته القاسية المترقبة:
انا حامل يا حسن...
أبتلع ريقه بحلق جاف ثم تسأل بنظرات مهتزة:
أنتِ متأكدة!
أكدت ببسمة باهتة:
ايوة يا حسن الدكتور أكدلي وحتى ماما ثريا كانت معايا
كويس
قالها وهو ينهض يوليها ظهره بنبرة مقتضبة وبملامح واجمة ؤدت سعادتها على الأخير و.جـ.ـعلتها تتساءل بترقب:
أيه اللي كويس، أنت مش مبسوط إني حامل
مرر يده بخصلاته الفحمية وأخبرها بعتاب وهو يتناول علبة سجائره ويشعل واحدة وينفث دخانها بقوة:
أنتِ ليه مخدتيش رأي قبلها
أجابته بصدق:.
أنا مكنتش مخططة لده بس أنت عارف إني ساعات بنسى أخد الحبوب
حانت منه بسمة ساخرة وصرخ بِسخط:
علشان انتِ مستهترة يا هانم انا زهقت منك، على العموم اللي حصل، حصل
أدعت هي الثبات وقالت بنبرة صامدة بالكاد خرجت منها:
انا مش مستهترة وبعدين دي ارادة ربنا وحـ.ـر.ام نعترض عليها
تأفأف هو هدر بغـ.ـيظ وهو يلوح بيده:
أنا مش معترض و مش هقدر اغير مشيئته
قبضت على قميصه القطني من الخلف وقالت بنبرة راجية متأملة:.
أنا مبسوطة يا حسن بلاش تكـ.ـسر فرحتي انا نفسي يبقى عندي ولاد كتير منك ونفسي كلهم يطلعوا شبهك، نفسي يبقى ليا عزوة و انا وانت نربيهم سوا ويبقوا أحسن ناس في الدنيا
زفر أنفاسه دفعة واحدة ورد عليها بنبرة جـ.ـا.مدة خالية من أي مشاعر وهو يطفئ سيجارته في المنفضة أعلى الطاولة:
تمام يا رهف، مبروك.
لم يمنحها فرصة حتى للرد بل تفوه بتلك الكلمـ.ـا.ت الجافة وغادر من أمامها إلى غرفة النوم تاركها تنهار على أقرب مقعد، تنزع عنها قناع التماسك والصلابة التي تدعيها دائمًا وتشهق بحرقة جثت على صدرها و تنفجر باكية بدmعات حارقة متألــمة تنعي فرحتها التي وئدها هو ببراعة، فنعم يوجد كثيرون مثلها يتوقعون الكثير ولا ينالون إلا الخذلان ومع ذلك يصمدون كي يحيوا بسلام في حين أن دواخلهم أرق من ورقة شجر ذابلة في خريف رجل لم يقدر قط، ولكن ياترى الى متى؟!
داخل الحرم الجامعي وخاصًة بالكافتيريا جلست هي وحيدة شاردة بعد انتهاء محاضراتها تسترجع حديثه الذي مازال يتردد برأسها بلا انقطاع فكم شعرت بالخزي من نفسها وم فعلتها، تقسم انها تجاهد كي لا تستسلم للأمر لكن دون جدوى تجد ذاتها مسلوبة الارادة نحو تلك الحبوب التي تجعل طنين رأسها يهدأ وحقًا حينها كانت بأشـ.ـد الحاجة لها ولذلك لم تفكر في عقبات الأمر، ورغم انه احرجها بمنطقه الغريب ذلك التي بالكاد تتفهمه إلا أنه جعلها تشعر نحوه شعور غريب لم تستطيع تفسيره قط.
( انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجـ.ـل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان).
شعرت بالضيق عنـ.ـد.ما تكررت جملته مرة أخرى داخل رأسها مما جعلها تتساءل هل حقًا حديثه صادق هل أي رجل غيره كان سيفعل ما فعله لا تظن ذلك فهي تعرفت على الكثير و لم يفعل أحد من أجلها شيء يذكر أو حتى قام بنصحها كما فعل هو لتحين منها بسمة ساخرة متألــمة وتبرر لذاتها ربما العطب بهم و لم يصح اطـ.ـلا.ق عليهم لقب رجـ.ـال من بادئة الأمر.
أما على الجانب الآخر كان يحاول مرارًا وتكرارً ان يتواصل معها ولكن دون جدوى تتجاهل كافة اتصالاته مما جعله يزفر انفاسه بِغـ.ـيظ شـ.ـديد ويدس هاتفه بجيبه و يتوجه للكافيتريا وعندها لمح ميرال تجلس منفردة بذاتها تأرجح كوبها بين اناملها وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ لا يعلم لمَ وجد ذاته يقترب منها فربما شيء من بقايا ضميره هو من ساقه لها ليقول بنبرة ماكرة وهو يجلس بجانبها:
ازيك يا ميرال.
نظرت له نظرة جانبية ثم أجابته بإقتضاب:
كويسة
نظر لها نظرة متفحصة يرى كيف تبدل حالها وذبل جمالها واصبحت صورة شاحبة بلا روح لتلك التي كانت مفعمة بالطاقة والنشاط ليتسأل:
مش باين انك كويسة...؟
حانت منها بسمة هازئة من سؤاله وكأنه يهتم وتسألت بضعف:
أيه صعبانة عليك بعد ما سبتني؟
زاغت سوداويتاه وأخبرها بظنه العقيم نحوها الذي هيأه له شيطانه حينها و.جـ.ـعله مبرر قوي لتركها:.
مش عايز اتكلم في اللي فات انا معتقدش إني فرقت معاكِ وأكيد مش هتغلبي وهشوفي غيري
غامت عيناها وشعرت بوخزة بقلبها من إهانته ولكنها لملمت شتات نفسها قائلة كي تحافظ على بقايا كبريائها:
أنت فعلًا مفرقتش ويمكن منه عندها حق أنت مجرد وهم وانا كان نفسي اصدقه لتغتصب بسمة ثغرها وتستأنف:
وانت عندك حق هشوف غيرك بس المرة دي هحاول اختار صح وعمري ما هفكر ارجع لواحد زيك.
احتدت نظراته وهدر منفعل وهو يقبض على يدها بقوة آلمتها:
اللي زي ده كنتِ هتمـ.ـو.تي وترجعيله ولا نسيتي، وعلى فكرة بقى انا اللي ميشرفنيش حتى يتقال إني كنت على علاقة بيكِ، انا معايا اللي أحسن منك وبحبها وقريب اوي هرتبط بيها
استفزها حديثه للغاية مما جعلها تنهض تنفض يده و تثور بغـــضــــب وهي تلوح بوجهه بطريقة لفتت كافة الأنظار لهم و.جـ.ـعلت الهمهمـ.ـا.ت تتعالى حولهم:
طالما بتحبها جاي تسأل عليا ليه، عايز مني ايه؟
احتدت سوداويتاه وزمجر غاضبًا:
= اهدي على نفسك انا غلطان إن واحدة زيك صعبت عليا و كُنت بحاول أواسيكِ
حانت منها بسمة هازئة وقالت وفيروز عيناها يطـ.ـلق شرار لا مثيل لها:
شكرًا اوي وفر مواساتك لنفسك لما اللي انت فاكرها احسن مني تسيبك وتديك اكبر مقلب في حياتك، لتميل على أذنه قائلة كي تشتت عقله وتضغط على كـبـــــريـاءه ك:.
فُوق، قبل فوات الآوان، نادين مصيرها، وحياتها مربوطة بغيرك وعمرها ما هتضحي بكل حاجة علشان تبقى معاك واكيد هتسيبك
أغمض عينه بقوة يحاول ان يتمالك زمام نفسه بعد حديثها وهو يستغرب كيف علمت بأمر نادين مما جعلها تلاحظ تشتته و تبتسم بتشفي وتغادر بخطواتٍ ثابتة تخالف ما تشعر به إلى الخارج، بينما هو أحتل الغـــضــــب عينه وظل يضغط على قبضة يده بعصبية مفرطة وهو يلعنها ويلعن تلك الشكوك التي أثارتها بعقله.
اقترب فايز احد رفاقه المقربين وكاتم أسراره ما ان وصل لتوه ولاحظ الحالة التي هو عليها:
في ايه مالك...؟
نظر لصديقه ثم هدر بغـــضــــب شـ.ـديد والشكوك تتأكل عقله:
بـ.ـنت ال، دي حلال فيها الفـ.ـضـ.ـيحة فورت دmي
تنهد صديقه وهو يجلس بجواره وأخبره بسأم:
تاني مش خلصنا بقى من حكايتها وشبكت مع اللي انت عايزها
ما هو ده اللي مخليها هتتجن إني مع نادين وقال ايه عاملة قلبها عليا وبتنصحني وبتقولي هتسيبك
ليقول صديقه بإستغراب:.
بصراحة مش قادر استوعب ازاي كانوا أصحاب وبيحقدوا على بعض كده
قال طارق بعد أن أزاح كوبها التي تركته بغـ.ـيظ:
محدش يعرف السبب بس كان لازم أعمل نفسي مصدق اللي اتقال عليها علشان اخلع بشياكة و أبقى مع نادين
ليجيبه صديقه بِجدية:.
أنا معاك أن نادين تستاهل بس يمكن ميرال عندها حق متنساش أنهم كانوا اصحاب وهي تعرفها اكتر منك، وبعدين انا لغاية دلوقتي مش عارف انت ازاي قابل على نفسك الوضع ده، يا ابني اللي تبقى مع راجـ.ـل وتصاحب عليه واحد تاني دي تبقى مش تمام وتتوقع منها أي حاجة
زفر طارق بحنق وكأن حديثه صديقه يرفض ان يخترق عقله وقال بإقتناع تام:
هي مغـ.ـصو.بة عليه ومش بتحبه وبعدين هي عجباني اوي وهمـ.ـو.ت عليها.
لتحتد سوداويتاه ويضيف بتوعد قـ.ـا.تل عنـ.ـد.ما تذكر تجاهلها له:
متقلقش انا هعرف أخليها زي الخاتم في صباعي...
↚
أعلمُ أني لن أكونَ قويةً على امتدادِ الطريق، لذلكَ أريدكَ أن تأخذَ بيدي وتردني إلى الصواب، أرجوك، كُن معي لنمضي معاً إلى آخر المشوار.
خولة حمدي
(في قلبي أنثى عبرية).
توجهت بخطوات مهزوزة نحو السيارة وهي تدعوا الله ان لا يتلاشى ثباتها وتنهار قبل وصولها، لمحها من بعيد ليشعل المقود تمهيدًا للانطـ.ـلا.ق عنـ.ـد.ما تصعد، وحين فعلت نظر لها عبر مرآته الأمامية نظرة خاطفة كانت كفيلة أن يلحظ شحوبها ورجفتها المسيطرة عليها وانكماشها، ورغم أن هيئتها محـ.ـز.نة للغاية إلا انه ازاح افكاره وذلك الفضول اللعين بعيدًا فهو قد حسم أمره وقرر أن لا يقحم ذاته بها أكثر هو فقط سائق لديها ويؤدي عمله ليس أكثر، بينما هي كان الكثير من الضجيج برأسها فهنا أبيها الذي خذلها في الصباح أثر نظرة واحدة متسلطة من زوجته، وهنا اصدقائها الذين يتهامسون عليها، وهناك في زاوية بعيدة مظلمة يظهر هو يخبرها بكل فخر أنه فضل آخرى عليها أما الصوت الطاغي داخل رأسها هو صوت الإحتياج فماذا كانت تنتظر من كل هؤلاء غير الخذلان إذا كان والدتها التي أتت بها لتلك الحياة قد خذلتها وتخلت عنها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تجهش بالبكاء وتضع كفوفها على رأسها وتضـ.ـر.ب عليها عدة ضـ.ـر.بات متلاحقة وكأنها تود كبح ذلك الضجيج الذي يجعلها تفقد السيطرة دائمًا وتخور ارادتها.
اوقف هو السيارة بِجانب الطريق والتفت لها متسائل بإسترابة:
آنسة ميرال مالك، اهدي
نفت برأسها بطريقة هستيرية وزاد نحيبها وهي مازالت تضـ.ـر.ب على رأسها مما جعله ينحني بِجزعه من جلسته ويجذب يدها كي تكف عن ما تفعله:
اهدي، هتأذي نفسك
تلوت من قبضته و صرخت بانهيار وكأنها مغيبة تخاطب تلك الأصوات برأسها:
كفاية اسكتوا، تعبت، تعبت.
كان هجومها شرس لم يتملك السيطرة عليها من موقعه وخاصةً أنها ظلت تدفع يده التي تحاول منعها بقوة اشعرته بوخز قوي بجـ.ـر.ح يده مما جعله يصيح بكامل صوته الأجش:
أهدي، بقولك هتأذي نفسك رفق قوله بهرولته خارج السيارة وفتحه لبابها ثم أنحني بجزعه كي يصل لها ثم استطاع بجدارة ان يتفادى دفاعها ويقبض على رسغيها بين قبضته وهدر بنبرة صارمة نفضتها واعادتها شيء من وعيها:
استهدي بالله كده، واهدي.
لثوانً معدودة حاولت ان تتحكم بوتيرة أنفاسها وهي تطالع تلك النظرة الصارمة بعينه وقبضة يده التي تعتصر رسغها ثم اومأت له كي تسايره و قالت بنبرة مهزوزة بعدmا ركزت نظراتها على حقيبتها بِجوارها:
ههدى بس عايزة ميا، هاتلي ميا، او عصير أي حاجة.
التقط نظراتها واستنبط ما تود فعله، ولذلك هز رأسه ليسايرها وترك رسغيها ثم انسحب من أمامها تارك بابها دون ان يغلقه بينما هي حتى لم تمهل ذاتها فرصة لكي تتأكد من ابتعاده واخذت تبحث بحقيبتها ولكن مع تلف أعصابها صرخت بنفاذ صبر وفضت محتوياتها كاملة على المقعد بعشوائية عارمة حتى أن ما تبحث عنه سقط بجانب قدmها بأرضية السيارة وحين همت بأن تلتقطه كانت يده القوية تسبقها إليه ونظراته المتخاذلة تكاد تحرقها بموضعها مما جعلها تصرخ بإحتجاج وبأعصاب تالفة:.
هات الحبوب
نفى برأسه وهو يطالعها شذرًا بعدmا تيقن أن ما بيده هو سبب نكبتها
ليحتل الغـــضــــب قسمـ.ـا.ت وجهه ويهدر من بين أسنانه:
هي دي اللي بتعمل فيكِ كده؟
لتصرخ به بإنفعال شـ.ـديد:
ملكش دعوة، وهات الحبوب
استفزه قولها ليصـ.ـر.خ بوجهها:
بس انتِ وعدتيني مش هتأذي نفسك
نفت برأسها بهستيرية وصاحت مستنكرة بيأس وبعزيمة انعدmت لديها وهي تحاول أن تجذب يده لتستحوذ على ما بها:.
محدش قالك صدقني، حياتي وانا حرة فيها ولو عايز تقول ل بابي قوله بس اديني الحبوب
لأ، مش هسيبك تضيعي نفسك وتحـ.ـز.ني اهلك عليكِ
قالها بإصرار عجيب وهو يعتدل بجسده خارج السيارة ويفض ما بيده على الأرض ثم دهسها تحت قدmه حتى أصبحت هي وتراب الطريق سيان، مما جعلها تشهق من جديد بخيبة أمل وتنزل من السيارة خارة على ركبتيها تتطلع تحت قدmيه باكية وتستفيض بنبرة واهنة متألــمة زلزلت قاع قلبه ككل مرة:.
حـ.ـر.ام عليك، دي هي الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مشغلش عقلي، الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مفتكرش أنها سابتني واتخلت عني، بتخلينى انسى انشغال ابويا وتحكمـ.ـا.ت مـ.ـر.اته فيه، لتشهق بحرقة جثت على صدرها وتستأنف من بين عبراتها الحارقة:
بتخليني انسى كل الكلام اللي اصحابي بيقوله، بتخليني انسى أني وِحشة و عمر ما حد حبني ولا اتمسك بيا، ليه عملت كده، ليه حـ.ـر.ام عليك؟
كان يستمع لها ومع كل كلمة يشعر ان قلبه ينتفض بين أضلعه حـ.ـز.نًا عليها وتأثرًا بانهيارها حتى انه غامت عيناه وانخفض لمستواها قائلًا بنبرة متعاطفة وهو يحاوط ذراعيها ببعض التحفظ:.
أنتِ مش وِحشة ومحدش معصوم من الغلط، ومش معنى ان كل اللي حواليكِ خذلوكي و مقدروش قيمتك يبقى تفرطي فيها وتعلقي أخطائك على شماعتهم، افتكري ان في ربنا قادر يعوضك بالأحسن، بلاش تيأسي وتستسلمي للقرف ده، قاومي مش علشان حد، علشان نفسك أنتِ
رفعت فيروزتاها الباكية له بِضياع تحاول أن تستوعب حديثه التي شعرت انه خاطب نقطة كامنة بعقلها،
لتتحجج بنظرات زائغة وهي تضـ.ـر.ب كفوفها على الأرض الترابية بيأس:
حاولت كتير وفشلت.
ليجيبها بإصرار وبنبرة واثقة كي يبث بها بعض التفاؤل المنعدm لديها:
كلنا بنفشل بس بعد كل مرة لازم يبقى عندنا اسباب مش أعذار، الفشل بيبقى فرصة تانية علشان نبدا من جديد بس بعزيمة اقوى
لتهمس هي بقلة حيلة وبإحتياج لا مثيل له:
بس انا تعبت ومش عارفة أكمل لوحدي
أبتلع غصة بحلقه و وجد ذاته يصرح ضارب بقاموسه وتعقله عرض الحائط:
انا معاكِ
صمتت لوهلة تسترد أنفاسها واستكانت تكفكف دmعاتها قائلة بعدm استيعاب:
أنت.
صحاب زي ما طلبتي مني...
ليحمحم بحرج ويستأنف وهو يمسد جبهته بإبهامه وسبابته:
واضح أن شغلي معاكِ هيقلب كل الموازين
لاحت بسمة باهتة على ثغرها بعدmا لامس حديثه بطريقة ما اوتار قلبها، ليبتسم هو أيضًا ويحثها بعينه أن تنهض معه وبالفعل انصاعت له ليجلسها على طرف المقعد الخلفي ولكن ظلت قدmيها على الأرض ليجلس القرفصاء أمامها ويقول بنبرة هادئة يحاول بث السَكينة بها:.
استهدي بالله كده، وحاولي تتنفسي وإن شاء الله هتبقي أحسن وكله هيبقى زي الفل
تعلقت عيناها الباكية به تود حقًا ان تصدق أن كل شيء سيكون أفضل، ليطمئنها هو بعينه ويطلب منها متوجسًا:
هجبلك ميا متتحركيش من مكانك
هزت رأسها بضعف وتتبعته بعيناها وهو يركض للمحل القريب يجلبها منه ثم بلمح البصر عاد لها و حثها أن تتناول القليل منها لكي تهدأ ولكن هي رفعت يدها المرتجفة تلتقطها منه ولكنها تراجعت.
عنـ.ـد.ما وجدتها متسخة أثر تراب الأرض التي كانت تفترشها منذ قليل.
ليتفهم هو ويهم بفتح الزجاجة ويقوم بجذب يدها و فركها برفق بين يده أثناء سكبه للمياه عليها وإن انتهى وجد ذاته دون وعي او ذرة تفكير وكأنه يتعامل مع ابنة شقيقته حين تبكي ويريد ان يراضيها فقد قام بإزاحة خصلاتها المتهدلة على وجهها بفوضوية يضعها خلف أذنها بحرص شـ.ـديد كي يفسح المجال ليده التي سكب عليها القليل ايضًا ان تمر على وجهها الملطخ بالدmـ.ـو.ع مرة وراء مرة ثم مد يده لها بعلبة المحارم الورقية، ولكنها لم تنتبه فكانت تنظر له بضياع و شـ.ـدوه تام مما يفعله حتى انها لم تعترض بل كانت مأخوذة بكل رد فعل يصدر منه تجاهها ورغم أن نظراته وحتى صوته الأجش يبدو صارم وجاد للغاية إلا أنه مغلف بالاهتمام الذي تفتقده بشـ.ـدة.
أما هو لا يعلم ما أصابه و.جـ.ـعله يضـ.ـر.ب بكل قراراته السابقة عرض الحائط، ربما كونها استرسلت معه بالحديث وشعر بمعاناتها وصدق حديثها، وعنـ.ـد.ما ألتقط نظراتها الضائعة وجد ذاته يهيم بها وكأنه مغيب وسلبت منه كافة إرادته وشيء ما هناك بخافقه يخبره أن لا مفر من التورط بها، قطع ذلك التواصل البصري الذي يشتته لحد كبير و
تحمحم يجلي صوته كي يصدر لين بعض الشيء وهو يزيح بنظراته بعيدًا عنها:
بقيتي احسن.
حركت رأسها بضعف وتناولت المحارم من يده ببسمة باهتة بعدmا استعادت ثباتها بعض الشيء ثم همست:
عايزة اروح بعد أذنك
أومأ لها ونهض من جلسته بينما هي عدلت وضعية جلستها داخل السيارة واغلقت بابها ثم تكورت على ذاتها واغمضت عيناها كي تحفز ذاتها وتتغاضى عن إلحاح عقلها.
إما هو انحنى يلتقط شيء ما من الأرض ودسه بجيبه خِفية ثم جلس بموقعه خلف المقود وقبل أن يشرع بالقيادة كان ينظر من مرآته الأمامية وهو يلعن ذلك الشعور الغريب الذي يداهمه نحوها.
كان في قمة سعادته وهو برفقتها ويرى حماسها وذلك الجانب الطفولي منها أثناء قيادة السيارة، حتى انها على غير عادتها ألتزمت بكافة تعليمـ.ـا.ته بشأن توخي الحذر من الطريق و كانت مُطيعة، تستمع له دون اعتراض أو مجادلة وكم يعشق طاعتها وتلك البسمة الآسرة التي تزين ثغرها لتوها وهي تجلس بِجانبه وتبادله النظرات من حين لآخر بطريقة غريبة لأول مرة تصدر منها ورغم غرابتها شعر ببصيص أمل يتسربل لداخله من تجاهها ولذلك كان ممتن لوالدته ولتلك النصيحة الغالية منها التي أتت نفع مع متمردتته، بعد انتهائهم من تناول الطعام داخل المطعم الصغير الذي يملكه، تنهد في عمق وسألها ببسمة هادئة وهو يشرأب برأسه باهتمام:.
الاكل عجبك؟
هزت رأسها وأجابت ببسمتها الآسرة التي تعبث بثباته:
جدًا، طعمه يجنن وكمان تناسق الطبق وطريقة تقديمه حلو يظهر أن الشيف ده متمكن وعنده خبرة كفاية
أبتسم وشرد لوهلة ببسمتها تلك ثم أخبرها بعفوية شـ.ـديدة كأنهم زوجين حقًا ويشاركها تفاصيل يومه:
دي بـ.ـنت جديدة بقالها كام يوم بس في الشغل وبصراحة فاجأتني رغم انها مشتغلتش في حتة قبل كده
وأدت بسمتها تدريجيًا وهدرت بعدm رضا:.
ازاي يعني مشتغلتش في حتة قبل كده انت أزاي بتجازف كده بسمعة مطعمك وتشغل اي حد معندوش خبرة
تنهد من جديد وبرر لها:
البـ.ـنت كويسة وانتِ شهدتلها بده وهي كانت محتاجة شغل وانا متعودتش أرد حد محتاج مساعدة
كنت ممكن تساعدها بطريقة تانية غير انك تجازف.
قالتها وهي تقلب عيناها وتستند أكثر على ظهر مقعدها تطالع محيط المكان الخالي من الزبائن ولم يشغره غيرهم ليلفت نظرها تقدm امرأة ممشوقة القوام ذات ملامح هادئة وحجاب يزين رأسها وترتدي مريول مطبخ نقش عليه أسم مطعمه لتتقين أنها هي التي يعنيها فنظراتها نحوه تدل على امتنان عظيم، ولكن ليس ذلك الغريب بالأمر بل عنـ.ـد.ما وجدته يتتبعها بنظرات هادئة مُرحبة وقوله ما أن وقفت أمامه وحيتهم بمجاملة:.
اهلًا يا رقية أخبـ.ـارك إيه؟
أجابته رقية بإمتنان:
تمام يا يامن بيه مش ناقصني حاجة والبركة في ربنا ثم حضرتك طبعًا
أومأ لها دون أي تكلف وتساءل بعملية:
طيب الحمد لله، قوليلي بقى اخبـ.ـار الأوردر بتاعنا اللي هيروح البيت أيه؟
ابتسمت واجابته:
جاهز يا فنـ.ـد.م زي ما أمرت وأنا اللي نفذته بنفسي، وبصراحة ممنونة لثقة حضرتك واتمنى الأكل يعجب مدام ثريا
تنهد وأضاف ببسمته البشوشة بكل عفوية:.
لا متقلقيش هيعجبها، انا واثق من ده علشان عجب نادين
تناوبت رقية النظرات بينهم ببسمة ممتنة استقبلتها نادين بأخرى متعالية وتلاها قولها بعجرفة دون أي لباقة:
اه فعلًا، بس ده ميمنعش انه مفهوش أي شيء مبتكر يستاهل المدح الزايد بتاعك
قالتها وهي تشملها من اخمص قدmها حتى أعلى رأسها بطريقة لم تعجب يامن قط، و.جـ.ـعلته ينظر لها نظرة صارمة تعرف المغزى منها حين قال رأيه بصدق كي يلاحق الموقف:.
ويمكن ده سر حلاوته وسبب ثقتي انه هيعجب امي علشان يشبه أكلها
كانت رقية مستاءة من نظرات نادين لها ومن عجرفتها معها وكادت أن ترد رد يليق بها ولكن وجدته يتحدث بالنيابة عنها لتعلق عيناها به بامتنان، فرغم منصبه وسُلطته على العاملين داخل مطعمه إلا انه متواضع غير متكلف، ومراعي للجميع ليس معها فقط.
أما عن متمردته فقد اعتلى حاجبيها المنمقين من طريقة حديثه ومن تلك النظرات اللعينة التي تشمله بها الأخرى، و لا تعلم لمَ شعرت أن نيران تتآكل أحشائها وإن كادت تثور عليه كعادتها كان يخرسها بإرساله لها نظرة صارمة تعرف هي المغزى منها ولذلك تمالكت زمام نفسها وزفرت انفاسها دفعة واحدة بغـ.ـيظ وازاحت رأسها بعيدًا عنه، بينما هو مسد ذقنه يحاول تهدأت ذاته و استرسل بعملية شـ.ـديدة وهو يوجه حديثه ل رقية التي لاحظت ما يحدث وأطرقت رأسها احترامًا لرب عملها:.
تمام، شكرًا ليكِ يا رقية ومتزعليش نادين خانها التعبير مش اكتر...
اومأت رقية وقالت بعزة نفس قبل أن تنصاع له وتنصرف:
ولا يهم حضرتك، انا مزعلتش ده رأي آنسة نادين حفزني اكتر إني اطور من نفسي و اوعد حضرتك إني هجتهد و اشتغل على نفسي، عن اذنكم
وإن غادرت هدر هو منفعل بنبرة صارمة لا تعرف الحياد وهو يشـ.ـدد على قبضة يده بعصبية:
ليه اتعمدتي تحرجيها؟
ردت عليه بغـ.ـيظ شـ.ـديد وهي تلوح بيدها:.
انت محموق ليها ليه كده وبأي حق تبرر وتحرجني قدmها
جز على نواجذه وهدر بحدة وهو يضـ.ـر.ب بقبضته على الطاولة:
علشان محدش مجبر يتحمل طريقتك المستفزة دي، كان ممكن تقولي كلمتين تجبري بيهم خاطرها وتراعي بيهم مشاعرها لكن أنتِ دايمًا مبتفكريش غير في نفسك وبس
قلبت عيناها بغـ.ـيظ وهاجمته بعصبية شـ.ـديدة:
طريقتي مش مستفزة انت اللي طريقتك غريبة مع كل اللي شغالين عندك وبتخليهم يتعدوا حدودهم وكمان بتتساهل معاهم.
زفر انفاسه دفعة واحدة وهدر بجدية شـ.ـديدة وبثقة وقناعة خاصة لطالما تريد أن تزعزعها به:
انا مش مُتساهل بس يمكن اكون رحيم علشان ربنا هيحاسبني ومسمهاش شغالين عندك اسمها شغلين معايا لأن من غيرهم مكنش زماني عملت حاجة لوحدي، واظن متاكدة ان الشغل كله ماشي زي الساعة
نظرت لمحيطهم الفارغ وصدر صوت متهكم من فمها وقالت بنفس تمردها وعنادها الذي دفعها ان تضايقه عن عمد كيفما يفعل معها:.
أنت سياستك غلط ومش مقتنعة بيها وبكرة اثبتلك إني اقدر اعمل اللي انت مش عارف تعمله لما أملاكي ترجعلي قريب اوي.
لم يروقه حديثها بالمرة فهي تتعمد ان تقلل منه ومن مجهوداته في كل شيء حتى مشاعره تتجاهلها فحتى انها لم تلحظ أنه بكل مرة يأتي بها إلى هنا يوقف العمل ويخلي المكان من أجل أن تكون رؤياها شيء حصري له ويتمتع بقربها منه بعيدًا عن أي ضجيج يعكر صفو لحظاته معها منفردًا، ولكن الأنكى من كل ذلك أنه يحترم رغبتها ولا يريد فرض مشاعره عليها ولكنها تتعمد ان تخرجه عن طوره وتذكره مرارًا وتكرارً بذلك الاتفاق اللعين والقرار المنتظر منها الذي كلما اقترب موعده تتعمد أن ترهبه وكأنها تعلم ان روحه ستغادر جسده حينها، ولذلك وجد نفسه يصرح لها بعزة نفس دون تردد بنبرة جادة للغاية تضاهي بجديتها وواقعيتها أفكاره الحالية:.
صدقيني انا مستني اليوم ده بفارغ الصبر ويمكن اكتر منك، بس الفرق اللي بيني وبينك أني عمري ما فكرت اقلل منك ولاقــ,تــل طموحك علشان عارف انك عنيدة وهتتحققي كل اللي بتتمنيه، و وقتها، ليبتلع غصة في حلقه ويقول بمحايدة تنافي إرادة قلبه الثائر بين أضلعه:
هبقى فخور بيكِ وبنجاحك حتى لو مبقناش مع بعض.
لاتعلم حين تفوه بتلك الجملة الأخيرة شعرت بتلك النبضة العاصية تعلن عن صخبها من جديد ولكن الأن بشكل مقبض للغاية جعلها تنظر له بنظرة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها، بينما هو تهجمت معالم وجهه للغاية بعدmا وئدت سعادته كعادتها وهدر بنبرة آمرة وهو يهب واقفًا:
لازم نرجع البيت قبل خالك أنا هجيب حاجة من المكتب واحصلك على العربية.
هزت رأسها وحين تحرك من أمامها ظلت تمرر يدها بخصلاتها القصيرة وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يحتلها.
أما هي كانت تحضر الطعام بآلية شـ.ـديدة، دون أي حماس كالسابق فبعد ان وأد فرحتها بالأمس لم تكف عن التفكير بردة فعله وهجومه وتحامله عليها وكأنها مذنبة وأرتكبت خطيئة فادحة بحملها منه، تنهدت بعمق وتسألت بداخل عقلها لمَ يا ترى لم يهتم ولا يشغل تفكيره قط بها في حين هو وأطفاله شغلها الشاغل بتلك الحياة، و كيف استطاع أن يتركها للآن دون حتى ان يكلف خاطره ويعتذر منها او حتى يطيب خاطرها فمنذ علمه بخبر حملها بالأمس وهو ينفرد بذاته بغرفة مكتبه ولم يتفوه معها ببـ.ـنت شفة، ، تقسم انها تكاد تجن من تصرفاته ولكن كيف الخلاص من لين قلبها.
وعند تلك الفكرة تعالى رنين هاتفها لتتناوله وتجيب برتابة دون أن تلقى بال أن تطلع على رقم المتصل:
الو
اتاها صوت أنثوي من الطرف الأخر:
رهف وحشيني اوي
تهللت أساريرها و هتفت بسعادة تخالف حالتها السابقة بعدmا تيقنت أنه صوت ابنة عمها الراحل التي تربت ببيته:
سعاد انتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و
لتعاتبها سعاد من الجانب الأخر:
لو كنت وحشتك كنتِ كلمتيني ده انا اللي كل مرة بكلمك.
تنهدت في ضيق فهي تعلم كونها مقصرة للغاية بالسؤال ولكن ماذا تفعل وزوجها واطفالها اصبحوا شغلها الشاغل واصبحت تكرث حياتها لهم بكل طواعية:
حقك عليا والله الولاد و حسن واخدين عقلي ومخلينى مش مركزة في حاجة ابدًا
ولايهمك على العموم انا في مصر نزلت اجازة انا و الولاد وهنشبع من بعض
أبتسمت بإتساع وهللت بسعادة:
بجد فرحت اوي انا بجد مفتقداكِ جدًا يا سعاد والأجازة دي جات في وقتها هو انتِ في البيت القديم.
اه هناك هستناكِ انتِ والولاد
تمام هقول ل حسن وهاجي على طول.
اغلقت معها وهي تشعر بسعادة عارمة فطالما كانت سعاد أبنة عمها أقرب شخص لها قبل مغادرتها للبلاد، وكم هي سعيدة الأن بعودتها حتى انها شعرت بالحماس من جديد وانهت إعداد الطعام في وقت قياسي وعنـ.ـد.ما ترجته ان يذهب معها، رفض بشـ.ـدة وثار غـــضــــبه عليها، متحجج أن أمرهام بالعمل يشغل تفكيره ويود اتخاذ قرار متأني به، ولذلك اضطرت ان تذهب وتصطحب أطفالها معها غافلة ان القرار المنتظر ذلك سيقلب كافة موازين حياتها، ولكن دعونا نتأمل انها ستصبح في نصابها الصحيح.
عادت للمنزل ولكن وهي ساهمة لم تتفوه بشيء طوال طريق فبعد الحديث الذي دار بينهم لا تعرف ما اصابها ولمَ شعرت بتلك الوخزة الغريبة بقلبها كل مـ.ـا.تعلمه أنها ستمـ.ـو.ت قهرًا إن كان ما تشعر به بِمحله، قطع شرودها صوت عبد الرحيم قائلًا أثناء جلوسهم أربعتهم يتناولون الطعام:
نفَسك في الوكل زين يا بت غالية.
ابتسمت بسمة مجاملة وركزت نظراتها بداخل صحنها دون أن تعقب، ليتناوب عبد الرحيم النظرات بينهم و يتسأل بمكر وهو يلوك ما بفمه:
واه كنكم واكلين بَلم إِياك، اوعاك تكون مزعل مرتك
تحمحم هو وخرج عن صمته وقال بثبات وببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها وهو ينظر لها:
حد يزعل روحه يا حج
سايرته هي وبرد فعل سريع منها تمسكت بذراعه وقالت ببسمةعابرة:
لأ يا خالي احنا كويسين و يامن مش مزعلني ولا حاجة بس انا مُجهدة شوية.
نظر ليدها التي تعانق ذراعه ونظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ولكنها أجلت تفسيرها ورسمت بسمة واسعة على ثغرها كي يكتمل المشهد أمام خالها الذي لم ينطلي عليه الأمر وضيق عينه متسائل بِفضول دون أي لباقة:
اوعاكِ تكونِ حِبلة يا بت غالية و تورطي حالك
نفت برأسها مستنكرة قوله، ليتابع هو بعجرفة:
براوة عليكِ اوعاكِ تغلطي دلوقت أصبري لما حقك يرجعلك وتخلصي علامك.
إلى هنا وكفى حقًا نفذت طاقته من ذلك الرجل المتعجرف الذي لايفقه شيء في لباقة الحديث ولا الذوق العام ففي كل زيارة له يتعمد ان يرمي الحديث كي يثير غـــضــــبه ويجعله يخرج عن طوره وحقًا الآن نجح بذلك فقد ترك الشوكة من يده محدث صوت مزعج وهدر بحدة وبملامح متهجمة للغاية:.
اظن دي حاجة تخصني انا ومراتي ومحدش ليه انه يتدخل فيها، وأسف جدًا لحضرتك بس لهنا وكفاية انا عارف طريقتك وعارف بتحاول توصل لأيه فمتحاولش احنا مرتاحين كده ومتقلقش حقها هيرجعلها انا لايمكن اقبل جنيه واحد مش من حقي
احتدت نظرات عبد الرحيم من حدة الآخر وتعمده لإحراجه وكم اراد ان يستغل الموقف لصالحه، ولكن هو ليس بهذا الغباء كي يخرب كل شيء الآن ليتصنع الحرج ويبرر ببراءة كاذبة:.
واه انا مش بَخونك وخابر ان حجها هيرچع أنا بس بوعيها البت صغار ومتعرفش مصلحتها
حانت منه بسمة ساخرة على نواياه الخبيثة التي تفوح من حديثه وقال بنبرة متهكمة قبل أن يغادر طاولة الطعام ويتوجه لغرفته:
لأ واضح اوي خــــوفك على مصلحتها، عن اذنكم شبعت و هدخل انام
ليرسل لها نظرة صارمة ويخبرها بنبرة آمرة:
خلصي أكل وحصليني
ابتلعت غصة بحلقها و اومأت له بطاعة وحين دلف لغرفته حاولت ان تلطف الأجواء وتلاحق الموقف بذكاء:.
اطمن يا خالي انا مش صغيرة وكلها كام يوم وهكمل الواحد وعشرين ومتقلقش انا عارفة مصلحتي كويس ومش مركزة غير في دراستي و يامن عمره ما حاول يضغط عليا
تابعت ثريا حديثها وعقبت متهكمة:
يارب تكون ارتحت يا عبد الرحيم أهي بـ.ـنت اختك بنفسها طمنتك ياريت بقى تريح نفسك
احتدت نظرات عبد الرحيم أكثر فأكثر وهو يشعر أن مقته لهم يتفاقم فهم يعيقون ما يطمح به دائمًا وخاصًة ذلك ال يامن الذي يتعمد أن يردعه ويؤد كافة محاولاته.
تنهدت ثريا وهي تتجاهل نظراته التي تعلم انها مفعمة بحقد دفين لا شيء سيغير قناعته به وهدرت قائلة ل نادين:
انا جهزت أوضة الضيوف لخالك ياريت تبقي توصليه هناك بعد ما يخلص اكله انا هقوم اخد علاجي واصلِ ركعتين لله
هزت رأسها وما ان دخلت غرفتها قال عبد الرحيم بنبرة خبيثة وهو يربت على منكبيها بغرض طمئنتها وحثها أن تبوح له ببواطنها نحوهم:
معرفش أنتِ كيف معاشرة المرا دي و ولدها دول يا يا ستار خلج واعرة.
استشفت ما يحاول فعله ولكنها أجابته بدهاء يضاهي دهائه وبعيون يسطع بهم المكر:
ابدًا يا خالي دول طيبين اوي وانا بحبهم ومرتاحة معاهم
زفر انفاسه دفعة واحدة بحنق وهو يشعر أن ابنة شقيقته لا نفع منها الآن، ويقرر انه سينتظر قليلًا حتى يعيد لها ذلك الغريب مالها وحينها يقسم انه لن يتوانى في تخريب زيجتهم مهما كلفه الأمر.
مساء الخير يا دكتور
هتف بها محمد وهو يدلف لتوه لغرفة الكشف بذلك المستوصف الخيري القريب من منطقته ليرد الطبيب مُرحبًا:
اهلًا يا محمد خير طمني عليك اخبـ.ـار جـ.ـر.حك ايه؟
ما انا جايلك علشان تبص عليه يظهر كده ان في غرزة اتفتحت
وليه الاستهتار مش تاخد بالك، تعالا ابصلك عليه واشوف لو محتاج خياطة من جديد
تمام.
قام الطبيب بفحصه وبالفعل وجد أحد الغرز قد حُلت لذلك أعاد تقطيبها واستبدل ذلك الضماد الملطخ بالدmاء بأخر معقم، ليشكر محمد الطبيب ويتحمحم بتردد قائلًا:
هو ينفع اطلب منك خدmة يا دكتور
هز الطبيب رأسه برحابة ليسترسل محمد وهو يخرج من جيب بنطاله ذلك الشريط الفضي الذي فض منه تلك الحبوب اللعينة سبب نكبتها:
عايز اعرف دي حبوب ايه؟
ألتقط الطبيب الشريط من يده يقرأ ما سُجل على ظهره ثم نظر له نظرة متوجسة ذات مغزى جعلت محمد يبرر قائلًا:
انا عارف النظرة دي معناها ايه؟ مش انا، ده واحد صاحبي بياخذه و عايز يبطله
تنهد الطبيب وهدر بعملية شـ.ـديدة:
النوع ده من الحبوب يندرج تحت بند الليسرجيك او(LsD) وتصنيفه جدول اول يا محمد لأنه من اقوى الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة اللي تأثيرها سلبي على المخ
تهجمت ملامحه بعدmا صدق حدثه وتسأل وهو يمسد جبهته بأنفعال:.
ممكن تفسرلي اكتر يا دكتور يعني بيعمل ايه؟
أومأ الطبيب برأسه واجابه:
كل عقار بيختلف عن التاني في التأثير والضرر بس(LSD).
بيعمل اضطرابات في المزاج وبيفصل الإنسان عن الواقع وفي الأغلب بيفقده السيطرة على جـ.ـسمه وعلى قدرته على التفكير وتقدير الأمور ده غير الهلوسات المرئية والسمعية، والقلق والتـ.ـو.تر ونوبات الذعر بس العوارض دي مش ثابتة يعني ممكن تختلف من شخص للتاني حسب نسبة التعاطي اللي للأسف لو زادت بيبقى الأمر خطير جدًا و مبنقدرش نتنبأ بتأثيره.
ابتلع محمد غصته ونظر للطبيب نظرة متوسلة وكانه يريده أن يفض كل ما في جعبته دفعة واحدة، ليسترسل الطبيب:
معظم اللي بيلجأ للنوع ده بيبقى عايز يهرب من الواقع لأن الاعتماد النفسي فيه اكبر من الجسدي، أعرض صاحبك على دكتور نفسي يا محمد واكيد هيفيده ويقدر يساعده.
هز محمد رأسه متفهمًا ثم تنهد بعمق وهو يتذكر حالتها التي كانت عليها، لينقبض قلبه بشـ.ـدة ويصـ.ـر.خ بين ضلوعه أن لا يتخلى عنها ويرأف بها، فقد أيقن لتوه أن لا مفر منها وقد تورط بها بفعل نخوته وضميره اليقظ دائمًا.
كان يدور حول نفسه بعصبية مفرطة يشعر بالحنق من ذلك الرجل المتعجرف الذي أخرجه عن طوره ولكن هو ليس نادm على حدته معه فهو يستحق هو من تدخل فيما لا يعنيه وحقًا كان يشعر أن نيران مستعرة تتأكل قلبه حين ادعى أنه ينصحها، فهل هي بحاجة لنصيحته!
بالطبع لا، هي تعلم ماذا تريد والكثير من الأوقات يرى ذلك في عينيها وحتى انها تتعمد ان تذكره كل حين وآخر كي تبقيه دائمًا حائر، مهدد بفقدانها.
انتشله من حالته تلك دخولها إليه وقولها بهجوم سأم منه:
انت ازاي تحرجه كده هو اول مرة تعرف خالي وتعرف طريقته؟
أغمض عينه واخبرها بعصبية وبنفاذ صبر وهو يلوح بيده:
خالك يستاهل علشان بعد كده ميدخلش في اللي ملهوش فيه
لوهلة تأملت حالته ثم حانت منها بسمة اعجاب واضحة جعلته يستغرب ويتركز بنظراته عليها ويسألها بحنق:
ممكن اعرف بتضحكي ليه؟
أجابته ومازالت محتفظة بتلك البسمة الآسرة التي تعبث بثباته:
بصراحة عجبتني اوي.
تنهد بسأم وتحرك لخزانته دون أن يعقب بشيء فهو فهو يعلم طرقها الملتوية تلك ولن تنطلي عليه
كانت تتابعه بعيناها وقد اختفت بسمتها تعلم انه غاضب منها ورغم ذلك تكابر وتعاند وتوجه الدفة لها قائلة:
انا مش بكلمك على فكرة ولسة زعلانة
اعتلى جانب فمه ببسمة ساخرة وهو يتناول منشفته وملابسه البيتية بغرض التوجه للمرحاض كي يزيح عنه إرهاق يوم مليء بالضغوط وقال غير مباليًا:
براحتك و اعملي اللي يريحك مبقتش تفرق.
اتسعت عيناها وتسألت متسرعة:
يعني ايه مبقتش تفرق، اللي يسمعك يقول إني بتلكك انت اللي احرجتني قدام حتة بـ.ـنت ملهاش لازمة وكمان قعدت تمجد فيها قدامي ولا عملت اعتبـ.ـار ليا
ابتسم هازئًا ورد منفعل:
انتِ اللي عمرك ما احترمتي مشاعر حد ومعتقدة ان مطلوب من الكل يحترم جنابك
تأففت هي بغـ.ـيظ وردت بعنجهية:
انت مكبر الموضوع ليه دي حتة طباخة فاشلة وغـ.ـصـ.ـب عنها لازم تحترمني
هز رأسه بلا فائدة وهو يمرر يده على وجهه ثم قال بسأم:.
مفيش فايدة عمرك ما هتتغيري
قالها وهو يتوجه لباب المرحاض وإن كاد غلقه، دبت هي بقدmها الأرض وقالت بتمرد كعادتها:
اه مش هتغير يا يامن علشان انا صح، انا رايحة اوضتي تصبح على خير
اشرأب برأسه واخبرها بتهكم تقصده كي يثير اعصابها كما تفعل معه:
وماله اعملي اللي يريحك بس متنسيش لما خالك يطمن عليكِ بليل تقوليله جوزي المفتري طردني من الأوضة وياريت تخليه ياخدك في ايده وهو ماشي.
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغلق باب المرحاض، تاركها فاغرة الفاه تحاول أن تستوعب ما استشفته من حديثه، وإن فعلت تـ.ـو.ترت كثيرًا ولعنت ذاتها فكيف لم تفكر في ذلك الأحتمال من قبل.
كانت تشعر بشعور غريب من الألفة خلال لقاء ابنة عمها وكم كانت منبهرة بها عنـ.ـد.ما أخبرتها عن انجازاتها في العمل مع زوجها و دعمه لها لتحقيق طموحها و.جـ.ـعلها أن تكاتفه بكل أعماله في مجال ترويج العقارات، وكم كانت هي كفأ في ذلك فهي شخصية مفعمة بالطاقة والطموح وتملك طرق مميزة للأقناع، فمازالت كما هي لم تتغير كما عاهدتها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تتذكر نفسها القديمة وكم غيرتها تلك السنوات، تنهدت بعمق وهي تنظر له نائم بجانبها لتبتسم بسمة باهتة معاتبة لأبعد حد فبرغم كل يصدر منه تجاهها إلا انها خجلت أن تستفيض مثل ابنة عمها وتخبرها بمستجداتها حفاظًا على شكله الأجتماعي أمامها، نفضت أفكارها بعيدًا وهي مازالت تتأمله و همست بتضرع قبل أن تغلق عيناها كي تتحايل على النوم:.
ربنا يهديك ويصلح حالك ويخليك ليا ولولادك يا حسن.
تمكنت المياه الدافئة ان تزيح غـــضــــبه وتهدأ اعصابه لحد كبير وعنـ.ـد.ما انتهى راهن ذاته عليها وهاهي منكمشة داخل فراشه كما توقع تمامًا دون أن يكلف ذاته المجادلة معها، وكم يروقه ذلك الشعور عنـ.ـد.ما يتعمد ان يرهبها كي تلجأ له بكامل ارادتها، حانت منه بسمة ماكرة اخفاها سريعًا وهو يلحظ تـ.ـو.ترها وانفاسها المضطربة حين اقترب من الفراش وتسطح بجوارها، لتنتفض هي تصيح بريبة شـ.ـديدة:
هو انت هتنام جمبى؟
تصنع عدm الفهم، وقال بثبات:
نعم يعني ايه؟
أضاءت نور الأباجور القريب وقالت وهي تعتدل بِجلستها:
انا مش هعرف، نام على الكنبة وسيب السرير
نفى برأسه قائلاً بعناد كي يغـ.ـيظها:
مش هسيب سريري واحمدي ربنا إني هرضى انيمك جنبي
رفعت حاجبيها واعترضت وهي تنهض من الفراش تقف أمامه وتضع يدها بخصرها:
انت تطول تنام جنبي اصلًا.
كانت نظراته تتجول على جسدها ويعتلي ثغره بسمة ماكرة وهو يلاحظ أنها ترتدي قميص بجامته القطنية التي تصل لبداية ركبتها مما جعله يقول متهكمًا:
وكمان لابسة البجامة بتاعتي لأ ده انتِ داخلة على طمع بقى
تـ.ـو.ترت تحت نظراته وبررت باندفاع:
خــــوفت اخرج من الأوضة ألقيه برة واضطريت استلف هدوم من عندك
فرك ذقنه وهو يتأملها أكثر وهدر بعبثية جعلتها تبتلع ريقها بتوجس شـ.ـديد:.
طب اللي يستلف ده مش يكمل الشياكة ولا البنطلون ملهوش نصيب و مش قد المقام زي صاحبه
قطمت شفاهها وهي تنظر لمرمى بصره و وجدت ذاتها تتـ.ـو.تر وتبرر وهي تضع خصلات شعرها خلف اذنها:
أصله كبير عليا اوي وكنت هتكعبل بيه
طب يلا تعالِ نامي علشان هنصحى الصبح بدري نودع خالك
قالها ببحة صوته المميزة ولكن بنبرة لينة جعلتها تشعر من جديد بتلك النبضة العاصية تطرق بين أضلعها لكنها عاندت ذاتها ونفت برأسها قائلة بتمرد كعادتها:.
مش هنام، نام انت وملكش دعوة بيا
لتسير نحو الشرفة وتفتحها على مصراعيها وتقف تواليه ظهرها تستقبل نسمـ.ـا.ت الهواء العليل بزفرة قوية حانقة وهي تجاهد ذلك الشعور المريب الذي بدأ يتسربل لها شيء فشيء.
أما هو تنهد بعمق ثم أطفأ الإضاءة وتمدد على الفراش يضع يديه تحت رأسه يتأمل ظهرها وتلك الخصلات المتراقصة مع الهواء التي مازال يعشقها رغم قصرها، وكم تمنى لو أن يدفن وجهه بها ويتمتع بذلك العبق الفريد الذي يفوح منها كي يتناسى ما حدث بينهم اليوم، فرغم حنقه منها إلا أنه على يقين تام انها لن تتخلى عن عنادها وتمردها وتعتذر منه، نعم يشعر بالسأم من طريقتها وحديثها اللاذع ولكن كيف لعاشق مثله أن يصمد أمام انين قلبه.
تنهد وزفر انفاسه دفعة واحدة بنفاذ صبر ثم دون أي تفكير منطقي وجد ذاته يفقد السيطرة على جسده و ينهض ودون اي تمهيد كان يحاوط خصرها من الخلف ويدفن وجهه بين خصلاتها مغمض العينين وكأنه وجد الآن ضالته
شهقت هي بخفوت و تململت بين يده، ولكنه همس بالقرب من أذنها بطريقة اربكتها:
اهدي يا نادين، وبطلي تعاندي وتكابري اكتر من كده
نفت برأسها وقالت بتـ.ـو.تر تحاول أن تتخلص من يده التي تطوقها:.
مش بكابر انا مش غلطانة، ولوسمحت سبني براحتي لما احب انام هبقى انام على الكنبة
زفر انفاسه الساخنة التي لفحت وجهها وقال بهمس وبنبرة بثت بها القشعريرة وهو يدس انفه أكثر بين خصلاتها:
بس انا محتاجك، وصدقيني مش هفرض عليكِ حاجة عايزك تثقي فيا
همست بأسمه بأنفاس مضطربة:
يامن احنا بينا اتفاق وانت وعدتني انك عمرك ما هتخل بيه.
عارف وانا لسة عند وعدي بس انتِ مراتي ومن حقي على الأقل احس بوجودك جنبي نفسي اتنفس معاكِ نفس الهوا، ليتنهد بحرارة و يلثم جيدها ويقول بعدها بتهدج:
عارفة لما ببعد عنك شوية بعد الدقايق واتمنى محسبش الوقت ده من عمري، انا مش بحس براحة غير وأنتِ جنبي، قلبي بيبقى عايز يطمن بيكِ، تسارعت وتيرة أنفاسها عنـ.ـد.ما مرر شفاهه على طول عنقها واستكمل همسه المثير:.
بلاش تحرميني من قربك، تعالي نضحك على الزمن و نوقفه ونسرق منه شوية وقت بعيد عن كل حاجة، ليبتلع غصة ملتهبة بحلقه ويضيف راجيًا اياها بأخر شيء يخشى حدوثه:
سبيلي ذكريات علشان لو سبتيني أعيش عليها
لمَ تخفق هكذا ايها القلب رجاءً تمهل قليلًا، فلن تستطيع ان تجعلني أحيد عن غايتي حتى وإن كان صوت دقاتك تقرع كطبول حرب الآن فأنا لن أتهاون و سأظل صامدة امامه مهما حاول استمالتي، لا، لن أضعف فهو يحاول خداعي.
ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما صدر منها كان مختلف بتاتًا وهي ذاتها لم تجد مبرر له، فقد ألتفت لتواجهه وتسألت بتشتت لا تعلم مصدره:
الصبح في المطعم قولت لو مبقناش مع بعض، ودلوقتي بتقولي لما تسبيني
هو انت ليه متأكد إني هسيبك
تنهد تنهيدة حارقة نابعة من صميم قلبه وصرح لها قائلًا بثبات وهو يكوب وجنتها وينظر لها نظرة حانية مفعمة بصدق مشاعره:.
علشان عارف ان دي رغبتك وصدقيني عمري ما هتردد ولا هفرض نفسي عليكِ ويمكن عارف انك هتتخطيني ومش هفرق معاكِ بس خليكِ متأكدة أني عمر ما مشاعري نحيتك هتتغير هتفضلي أنتِ البـ.ـنت العنيدة أم ضفاير طويلة اللي كبرت قصاد عيني وتمنيت تبقى ليا و أكتفي بيها عن الدنيا كلها.
غامت عيناها لوهلة و لا تعلم لمَ شعرت بصدق حديثه و وجدت ذاتها لأول مرة تقبل على شيء دون تفكير ودون أي غرض خبيث منها، فقد وضعت يدها على يده التي تكوب وجنتها وتنزلهم تضعهم حول خصرها ثم دون أي مقدmـ.ـا.ت أخرى كانت ترتمي بحـ.ـضـ.ـنه تتشبث به بقوة تعاند ذلك التمرد الذي يود أن يسيطر عليها وكم مقتت ذلك التناقض بذاتها ولكنها بررت أنها تفعل كما قال هو يسترقون من الزمن بضع الذكريات التي سيحيا عليها حين تنتصر عليه وتحقق غايتها، غافلة انها هي من ستفعل حينها.
دام عناقهم الحميمي لعدة ثوانً كانت كفيلة أن تبث به الدفء، و السَكينة ولكن دائمًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته، لتشهق هي بقوة عنـ.ـد.ما انحنى بجزعه و وضع ذراعه تحت ساقيها وحملها وسار بها نحو الفراش لتصيح متذمرة:
يامن نزلني متفقناش على كده
ششششش اهدي وياريت تلغي عقلك ده شوية ومتفكريش كتير علشان مفيش مفر هتنامي في حـ.ـضـ.ـني.
نفت برأسها ولكن لم يمهلها فرصة للاعتراض ليضعها على الفراش بحرص شـ.ـديد ثم يتمدد بجوارها ويضمها إلى صدره وكانه يريد أن يزرعها بين أضلعه، حتى انه ظل يمرر يده بين خصلاتها نزولًا لظهرها بحنان بالغ جعلها في غضون دقائق تتخلى عن تلك الحرب الضارية برأسها والتـ.ـو.تر الذي كان يتملك منها ويحل موضعه سَكينة ودفء جعلها تسقط في سبات عميق وكأنها لم تحظى بهم من قبل، بينما هو ظل يتمعن بها بوله تام وهو يشعر بقلبه يستكين مطمئن بين أضلعه لقربه منها ويحثه ان يستمتع بتلك اللحظات الفريدة التي هو على يقين تام أنها لن تتكرر مرة آخرى.
اهتزاز هاتفه الذي يعتلي الكومود اجفله و.جـ.ـعله يتنبأ أن مكالمة واردة ليلتقط الهاتف بنعاس شـ.ـديد وما ان علم بهوية المتصل، تردد كثيرًا؛ فبعد معرفته بحمل زوجته وحديث ثريا تسربل له شيء من الرهبة وكان يفكر جديًا في التراجع وحتى انه تجاهل كل اتصالتها ولكن كيف وهي لن تكف عن ملاحقته ومحاولاتها الشتى طوال اليوم ان تهاتفه، حسم أمره و نهض بخطوات حثيثة من الفراش بعدmا تأكد انها نائمة ثم تناول هاتفه و تحرك خارج الغرفة يغلق بابها بحرص ثم توجه نحو المرحاض وقام بإعادة الإتصال قائلًا بصوت خفيض منفعل:.
أنت اتجننتي يا منار ازاي تتصلي بيا في وقت زي ده؟
أتاه ردها المغتاظ من الطرف الآخر:
انت بتتهرب مني مش كده؟ ايه رجعت في كلامك ولا ايه؟
تحمحم وإن كاد يراوغها، قاطعته هي متهكمة:
ولا تكون خايف من مراتك يا بشمهندس
مرر يده بخصلاته الفحمية واجابتها بنفاذ صبر وبنبرة منفعلة جعلتها تتراجع عن حدتها:
انتِ عارفة إني مش بخاف من حد بس مش عايز و.جـ.ـع دmاغ.
يبقى بلاش تعمل كده انا كنت هتجن لما مردتش عليا ومجتش الشغل وبصراحة لو مكنتش رديت كنت هجيلك البيت واللي يحصل يحصل
قالتها بطريقة مغلفة بالتهديد ألجمته و.جـ.ـعلت الحديث يتوقف في حلقه وخاصةً عنـ.ـد.ما أضافت بنبرة واثقة للغاية:
انا مش هسمحلك تبعد عني يا سُونة ومعنديش حاجة اخسرها بعدك
زمجر غاضبًا وقد اعتلت نبرة صوته قائلًا:
انتِ بتهدديني يا منار؟
شهقت وقالت ببراءة مصتنعة وبنبرة مفعمة بلأثارة تعرف تأثيرها عليه:.
ابدًا يا حبيبي انا بس بعرفك إني بحبك ومقدرش اعيش من غيرك، ونفسي ادلعك يا سُونة واعرفك يعني ايه سعادة، عارف نفسي في ايه دلوقتي؟
تنهد وسألها بترقب بعدmا تمكنت من استمالته بطريقتها:
في ايه؟
نفسي تبقى في سريري دلوقتي علشان أثبتلك انا بحبك أد أيه، انا محتجاك أوي يا سُونة.
قالتها بجرأة غير عادية وبنبرة مثيرة مغوية لطالما طمح ان يحظى بها من قبل مما جعل انفاسه تتهدج ويهمس بغريزة ذكورية بحتة متناسي قراره السابق وضارب بكل شيء عرض الحائط:
انا كمان همـ.ـو.ت عليكِ ومبقتش قادر
اجابته هامسة ومازالت محتفظة بنبرتها المثيرة:
امتى يا سُونة انا كمان مبقتش قادرة اعيش من غيرك
هانت يا قلب سُونة انا هكلم مامتك علشان نستعجل كتب الكتاب
قلبي الحنين انت، بحبك يا سُونة
وانا كمان بحبك ياقلب سُونة.
قالها بلطف شـ.ـديد دون أي تفكير منطقي منه وكأن غريزته هي من تولت أمر كل شيء، ليغلق الخط ويبتسم بسمة واسعة وهو يشعر بالانتشاء لمجرد تخيل الأمر بعقله ليزفر أنفاسه دفعة واحدة و دون ذرة تفكير أكثر كان ينزع ملابسه البيتية ويقف تحت المياه الجارية يود أن يطفئ تلك النيران المستعرة التي نشبتها ببراعة في جسده.
ولكن ماذا عن حرقة قلبها هي تلك التي كانت تقف واهنة بملامح شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى مستندة على باب المرحاض من الخارج وقد استرقت السمع لكل كلمة تفوه بها من الداخل، فهل ياترى ماذا سيكون موقفها وماذا ستكون ردة فعلها هل ستبكي وتنتحب مثل كثير من النساء في موقف مشابه، أَم ستصمت وتقدm كبريائها كعادتها تحت قدmه بكل طواعية، مهلًا دعونا نتمهل بتوقعاتنا لأن جميعها ليست بمحلها.
↚
على قدر حب المرأة يكون انتقامها، وعلى قدر غباء المرأة يكون سقوطها.
(شكسبير).
اخبرني ما هي خطيئتي، التي تعـ.ـا.قبني عليها، بما قصرت، وكيف تمكنت بكل قسوة ان تختزل سنوات عمري، وآمالي التي تخليت عنها من أجلك، ماذا ينقصني كي لا استحق إخلاصك لي، أخبرني بربك لمَ، وأرح انين قلبي المدmي بطـــعـــنة خيانتك.
ذلك ما كان يصـ.ـر.خ به عقلها وهي تقف تستند بثقل جسدها على باب المرحاض من الخارج وكأن ساقيها أصبحوا كالهلام ولم يعدوا يستطيعون حملها، فكانت عيناها جاحظة، ملامحها شاحبة، وأنفاسها كانت متلاحقة لا تستطيع التحكم بوتيرتها، وحتى جسدها يرتجف وأسنانها تصطك ببعضها وكأنها تعاني إحدى نوبات الفزع.
ورغم انها كانت قاب قوسين أو أدنى من أن يغشي عليها إلا أنها تماسكت وكتمت صوت أنفاسها بيدها كي تحفز ذاتها للقادm فلابد أن تواجهه وتصرخ بأعلى صوتها لمَ أيها الخائن!
وإن كادت تطرق باب المرحاض الذي يتوارى خلفه كي تعلن ثورتها تدخل عقلها صارخًا ماذا تتوقعين منه هل سيخضع تحت قدmك ويبرئ خطيئته أم سينكر الأمر ويختلق كذبة مناسبة يقنعك بها وإن عارضتِ وأصريتِ بناءً على ما سمعتيه بأُذنك؛ حينها سيتهمك بالجنون.
ولذلك أنصتي إلي و تراجعي...
وبالفعل فعلت ذلك بأخر لحضة ملبية رغبة عقلها فهو محق؛ فلن تخوض حرب تعلم أن سر نجاحها الخُدعة وهو خير أهل لذلك، وإن لم تثبت بدليل ملموس ضده سيظل على نكرانه ولن يعترف بخطيئته.
وبعد تفكير طاحن دام لثوانٍ معدودة وجدت ذاتها.
تجر قدmيها و تتحامل على ذاتها متوجهة لغرفة أطفالها تدلف للداخل وتغلق الباب خلفها، وظلت كلمـ.ـا.ته التي كان يغدق بها الأخرى تتردد برأسها مرة بعد مرة فما كان منها غير تنفي برأسها بهستيرية وكأنها تود ان تنفض ما يتردد بها بعيدًا، ولكن الوضع ازداد سوء عليها عنـ.ـد.ما شعرت أن خافقها يعتصر بألــم بين ضلوعها لتصدر من بين شفاهها المرتجفة آنة ممزقة بقهر لا مثيل، وتخور بها قدmيها بوهن شـ.ـديد على أرضية الغرفة وهي تدعو الله أن يرأف بها من أجل أطفالها، ومع أبتهالها ودعواتها كانت تحرك جسدها للأمام والخلف بحركات غير متزنة ولكنها بطريقة ما وجدتها داعمة لها، كي تتماسك وتستطيع أن تلملم تلك الخيوط أكثر فأكثر داخل رأسها، وكم ارادت حينها ان تصرخ وتصرخ وتطلق العنان ل عبراتها ان تنفث عن ما يختلج بأحشائها ولكنها جاهدت بقوة و أبت أن تدع دmعتها تفر تنعي حالها، وقد اقسمت أنها لن تتهاون بحق ذاتها بعد الأن ولن تكون مثيرة للشفقة كغيرها،.
لدقائق معدودة كانت مازالت تحت وطأة صدmتها ساهمة في نقطة وهمية في الفراغ و لم يصدر منها أي ردة فعل تذكر إلا أن استمعت لصوته يصيح بأسمها، فقد انتفضت من جلستها ومسحت وجهها بيدها كي تستعيد ثباتها ثم نهضت وتوجهت لفراش طفلتها تضمها لصدرها وتدعي استغراقها في النوم، وما ان فتح هو باب الغرفة صدر من فمه صوت ساخر ألــمها ودون اي اكتراث او أدنى شك منه كان يغلق الباب مرة آخرى ويتوجه لغرفة نومه بمزاج رائق للغاية وهو يمني نفسه أنه سيرى تلك المثيرة في الغد.
أما هي فقد ضمت أطفالها لحـ.ـضـ.ـنها وظلت طوال الليل متشبثة بهم وكأنها تستمد منهم القوة لمواجهة القادm.
أما عند تلك المتمردة فقد شعرت بلمسات ناعمة تدغدغ حواسها، وبأنفاس ساخنة تلفح وجهها، ولكن كان النعاس يسيطر عليهاوكأنها لم تنعم بذلك الدفء من قبل ومع صوت دقات قلبه وجدت ذاتها تفرج عن سوداويتها وتستوعب الأمر تدريجيًا فهي بفراشه وبجانبه وها هو يطالعها بنظرات حالمة تشتتها وتزعزع عزيمتها، حاولت أن لا تكترث ولكن كيف وهو يهمس بتلك البحة المميزة بصوته أمام وجهها:.
صباح الخير يا مغلباني و مطيرة النوم من عيني
ابتلعت رمقها ببطء ثم ابتسمت بسمة باهتة وهي تحاول أن تعتدل بنومتها وتخرج من حصار يده التي تطوقها بحميمية تكاد تودي بثباتها، ولكنه رفض ذلك بشـ.ـدة وشـ.ـدد عليها أكثر يرفض فك وثاقها ببسمة مشاكسة وترتها كثيرًا وخاصةً أن وجهه قريب للغاية من وجهها الذي تشعر به يشتعل لتوه ولا تعلم هل من شـ.ـدة غـــضــــبها، أَم خجلها.
اتسعت أبتسامته المشاكسة وهو يتمعن بها وكم راقه الأمر بشـ.ـدة وحمسه لخطوة تالية فقام بدس أنفه داخل خصلاتها وتناول نفس عميق من اريجيها ثم تحرك ببطء ممـ.ـيـ.ـت برأسه و وضع قبلة عميقة مفعمة بالحب على وجنتها مما جعلها تنتفض بين يده وتتعالى وتيرة انفاسها وتدفعه برفق من منكبيه قائلة كي تراوغه وتفض ذلك القرب الخطير الذي يعبث بها:
انت صاحي من بدري.
نفى برأسه وهمس بعذوبة وهو يسبل اهدابه كي يزيدها عليها أكثر ويتمتع بردود افعالها:
انا منمتش اصلًا، مكنش ينفع افوت ثانية واحدة في النوم وانتِ جنبي
رفعت نظراتها المشتتة إليه وتلك النبضة العاصية بقلبها تطـــعـــن بها، لتجد ذاتها تتمعن به بطريقة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها وتقول متسرعة بأخر شيء توقعت ان يصدر من بين شفاهها:
للدرجة دي بتحبني؟
تنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه وأجابها بصدق مشاعره وهو يتيه بليل عيناها ويغلغل أنامله بسلاسل شعرها بحركة حنونة بعثرتها:
الحب كلمة تافهة، بسيطة، ملهاش أي معنى قصاد اللي بحسه نحيتك
ليحل وثاق خصرها بيده الأخرى ويسحب يدها ويضعها على خافقه ويقول بنبرة حالمة مفعمة بالمشاعر:
حاسة بدقاته، بتصرخ باسمك
وبتعلن عصيانها عليا وبتنتمي ليكِ، انتِ الروح لروحي وكل دنيتي يا نادين.
قال أخر جملة بهمس مهلك وهو يستند بِجبهته على خاصتها وناعستيه الثائرة تتركز على شفاهها وكم تشجع حين وجدها تغلق عيناها بتنهيدات حارة أثلجت قلبه و جعلته يتأمل أن تدعه يتذوق رحيقها.
أَما هي فقد انتابتها قشعريرة لذيذة بكافة حواسها وهي تشعر بأنفاسه الساخنة تلفحها وشفاهه المتعطشة تكاد تلامس شفاهها، لوهلة واحدة فقدت ارادتها و اغمضت عيناها وتمنت أن تتخلى عن ما برأسها وتشاركه تلك المشاعر الصادقة التي بعثرتها للتو ولكن تمردها سيطر عليها وخاطبت قلبها بأخر لحظة
أُصمد أيها القلب، إِياك أن تنخدع.
وحينها أزاحت رأسها بعيدًا عنه تجاهد كي تتحكم بوتيرة انفاسها و تحرك رأسها دليل على رفضها، وكم أحـ.ـز.نه الأمر و.جـ.ـعله يطالعها بنظرة عميقة معاتبة بعد ان أبتعد بجسده عنها واستند بظهره على جذع الفراش فما كان منها غير أن تنتفض وكأن اصابتها صاعقة من السماء وتقول بأنفاس مضطربة تذكره باقتراح أمس الذي بررت به استكانتها بين يديه:
أظن سرقنا وقت كفاية من الزمن ولازم نرجع لأرض الواقع.
تنهد بضيق شـ.ـديد بعدmا تمكنت ببراعة بوئد سعادته وحالة الهيمنة التي كان عليها، فحقًا سأم من عدm اكتراثها لمشاعره ولكن دائمًا يوجد داخله يقين خاص أن لا شيء يمنح بالقوة فحتى هو لن يرضى أن تسايره فقط، هو يريد إقرارها بانتمائها له نابع من قرارة نفسها، ولذلك لن يضغط اكثر عليها ولن يفرض عليها مشاعره مرة آخرى
نهض من الفراش مواجه لها وقال بخزي من نفسه و ببسمة باهتة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها على فمه:.
عندك حق، انا مكنش لازم اتعشم في اكتر من كده انا يدوب جوزك على الورق بس
جعدت حاجبيها المنمقين من تلك النبرة التي استشفتها بصوته، ولا تعلم لمِ وجدت قلبها يرق له، ولكنها عاندت مشاعرها وتمردت بقولها تؤيد يقينه الدائم نحوها:
انت صح...
تعلقت ناعستيه الثائرة بها وأضاف بمغزى وهو يربت على ذراعها:
ياريت كان قرار قلبي بأيدي، صدقيني مكنتش هتردد ثانية.
نفضت يده بعدmا فهمت المغزى من قوله وقالت متأفأفة كي تفض ذلك الحوار الذي يزعزع ثباتها:
يووه مش وقت كلامك ده، زمان خالي صحى ومستنينا علشان نفطر معاه
وانا كمان عندي محاضرات ومش عايزة اتأخر عليها
قالتها وهي تتناول ملابسها خاصًة الأمس من جانب الفراش وتتوجه بخطى واسعة نحو المرحاض تاركته يستشيط غـــضــــبًا من عنجهيتها و يلعن قلبه الذي يميل لها.
بينما هي ما أن أغلقت الباب جلست على طرف حوض الاستحمام بتشتت تجاهد تلك الحرب الضارية بين عقلها اللعين وتلك النبضة العاصية بقلبها.
كانت بحالة يرثى لها منذ عودتها للمنزل بلأمس، فقد كانت مجهدة تجاهد إلحاح عقلها وحالة التعود التي تمكنت منها في الآونة الأخيرة، فمنذ ما دار بينهم لم تنم ولم يغمض لها جفن وظلت تلك اللحظات الحانية منه تترأى أمام عيناها وحديثه المشجع يتردد بعقلها يحثها على الأمتناع عن تلك الحبوب اللعينة التي تسلبها كافة إرادتها، لا تنكر انه تمكن من إقناعها وأثر عليها بمنطقه، ولكن دون إرادة تشعر أنها بأمس الحاجة لها الآن.
انتشلها من حالتها دخول زوجة أبيها إليها قائلة بتهكم وهي تشعل الأضاءة كي تنير تلك العتمة التي تسيطر على الغرفة:
هي الهانم معندهاش جامعة ولا ايه هتفضلي نايمة كده كتير
طالعتها ميرال دون اكتراث واستكانت من جديد تدثر جسدها بالفراش ولكن
دعاء استهجنت فعلتها وصرخت بها:
انا بكلمك لازم تحترميني وتردي عليا
لم تجيبها ايضًا بل لم تعطيها اهمية من الأساس مما جعل دعاء تستشيط غـــضــــبًا وتهدر بتوعد مليء بالخبث:.
طيب انا لازم اخلي فاضل يشوف صرفة في قلة ادبك و استهتارك ده
بـ.ـنتي مش قليلة الأدب يا دعاء
قالها فاضل بحدة وهو يقف على أعتاب الغرفة و مُحبة تقف خلف ظهره
ارتبكت دعاء وقالت وهي ترشق
مُحبة شذرًا فهي تعلم انها هي من اتت به لهنا:
انا مش قاصدي وبعدين انا عايزاها تروح جامعتها وتبطل استهتار لكن يظهر كلامي معجبهاش بدليل انها منطقتش بكلمة من ساعة ما دخلت الأوضة ومقدرتنيش
تنهد فاضل بعمق وهو يدعوها للخروج بيده قائلًا:.
اتفضلي يا دعاء وياريت بعد كده متدخليش في حياة بـ.ـنتي و متضغطيش عليها
ربعت دعاء يدها ورفعت حاجبيها تستشيط غـــضــــبًا من هجومه الغير معتاد عليها، لتقول بتهكم كي تذكره بِمعضلته:
واللهي انا بحاول اساعدك علشان متخرجش من تحت طوعك زي امها وتدور على حل شعرها
لطمة قوية نزلت على وجنتها كالصاعقة جعلتها ترتد للخلف من شـ.ـدتها تزامنًا مع شهقة مُحبة المتفاجئة و قوله بصوت جهوري منفعل:
اخرسي و متفتحيش بؤك بكلمة تانية فاهمة.
وضعت يدها على موضع صفعته غير مستوعبة ما حدث صارخة بوجهه:
انت بتمد ايدك عليا يا فاضل !
وبحذرك لو مخرجتيش دلوقتي مش هخليكِ على ذمتي يوم واحد
كانت تستمع لكل ما يدور وهي مغمضة العينين تدعو الله أن تفقد وعيها كي تهرب من ذلك الواقع المرير التي ترفضه ولكن عنـ.ـد.ما ذكرت دعاء والدتها لم تشعر بذاتها إلا وهي تنتفض من الفراش متسألة بتوجس وبنبرة واهنة:
انتِ قولتي ايه؟
أجابتها دعاء بغـ.ـيظ كي تشعل فتيل الماضي وتحرق قلبه وقلبها كي تفض غليلها:
اللي سمعتيه واللي ابوكِ عمره ما اقدر يعترف بيه امك هـ.ـر.بت علشان راجـ.ـل تاني ورمتك
جز فاضل على نواجذه وكادت عينه تطلق شرار ولكنها لم تتأثر فهي تعلم أن حالة الغـــضــــب التي هو عليها ستتلاشى نهائيًا عنـ.ـد.ما تستغل مدى تأثيرها عليه، ولذلك نظرت له نظرة طويلة معاتبة ثم أضافت قبل أن تخرج من الغرفة:
انا هخرج بس اللي حصل ده مش هعديه يا فاضل.
أطرق فاضل رأسه بينما هي التوي ثغرها وتحركت لخارج الغرفة وما أن وصلت لموقع مُحبة مالت برأسها عليها قائلة بنبرة كارهة متوعدة:
إن شاء الله لسانك ده هقطعهولك قريب يا حيزبونة
صدر من فم مُحبة صوت ساخر ثم لوحت بيدها بلا مبالاه وتحركت من امامها كي لا تتمادى معها وتخسر عملها، لتضـ.ـر.ب دعاء الأرض بحذائها وهي تستشيط غـــضــــبًا وتقسم انها ستجعلهم جميعًا يدفعون الثمن.
بينما هي كانت تحاول أن تستوعب ما تفوهت به تلك الصفراء لتوها فما كان منها غير أن تتساءل بعيون زائغة و بتوجس شـ.ـديد:
الكلام ده صح يا بابي
زفر فاضل انفاسه بحنق ثم هز رأسه يؤكد لها، لتشهق هي بعدm استيعاب وترتمي على أحد المقاعد بالزاوية قائلة:
يعني امي اتخلت عني بسببه؟
جلس فاضل بالمقعد المواجه له يحتضن رأسه بين يده ويتنهد تنهيدات مثقلة بذكريات ماضي أليم يخجل من ذكرها ولكن لابد أن تخبرها الحقيقة الآن على أي حال، فبعد أن أخبرته
مُحبة بمحاولة انتحارها وحالات الهياج التي تنتابها قرر أن يزيح ذلك العبء الثقيل من فوق كاهله:
حاولت كتير اخبي علشان صورتها في عينك متتهزش وقولت كفاية عليكِ ت عـ.ـر.في أنها انانية، وكنت بقول فكرتك عنها انها كده أحسن بكتير ما تكون خـ.ـا.ينه.
تهدلت دmعاتها بحـ.ـز.ن يدmي القلب وصرخت مشككة وهي تنهض وتتحرك بعدm اتزان:
انت اكيد غلطان انت بتقولي كده علشان اكرهها ومفكرش فيها اكيد داده قالتلك، صح
نفى برأسه وصرح لها:.
دي الحقيقة يا ميرال انا لما اكتشفت علاقتها بالتاني واجهتها وكنت فاكر انها هتنكر أو تركع تحت رجلي وتطلب مني اسامحها بس هي كانت بجحة وبررت انها بتحبه وكمان طلبت الطـ.ـلا.ق علشان تبقى معاه؛ كنت هقــ,تــلها بس خــــوفت اسيبك لوحدك بوصمة عار العمر كله وعلشان كده قررت اعـ.ـا.قبها بطريقة تانية، محستش بنفسي غير وانا بضـ.ـر.بها وبكـ.ـسر البيت كله وبعد كده طردتها وطلقتها ورفضت اخليها تاخدك معاها ورغم أنها حاولت كتير تأثر عليا أنها تاخدك بس انا رفضت، ولما فكرت فيكِ وشُفت أد ايه أنتِ محتجاها قُلت حـ.ـر.ام احرمك منها؛ فخيرتها انها تبعد عنه وتعيش ليكِ وبس وكنت هتكفل بيها بس هي رفضت واخترته، وقتها كان غـــضــــبي عاميني وكبريائي بينقح عليا و مقدرتش امنع نفسي من اذية الراجـ.ـل اللي فضلته عليا؛ خسرته شغله و لفقت له قضية وقبل ما يتم الحكم فيها هرب برة البلد و أخدها معاه.
نفت برأسها بهستيرية وتسألت من جديد ولكن تلك المرة بنبرة مختنقة معاتبة من بين شهقاتها الحارقة:
وانا كان ذنبي ايه في كل ده ليه كل واحد فيكم قرر يعند و ينتقم من التاني بيا
انت حرمتني منها وهي اثبتت لك انها محت الماضي ونست وجودي، واكتفت براجـ.ـل تاني وبحياة تانية عن الدنيا كلها
نهض فاضل وحاول تهدئتها بعيون مثقلة بالحـ.ـز.ن:.
ده كان اختيارها يا بـ.ـنتي وانا عمري ما فكرت أأذيكِ انا عملت كل ده علشان احافظ عليكِ هي كانت عايزة تاخد من الدنيا كل حاجة بس انا مكنش هاممني غيرك
ارتمت على طرف الفراش و وضعت يدها على وجهها وظلت تنتحب بقوة وكانها فقدت عزيز لتوها، مما جعل دmعاته تشاركها بؤسها و يجاورها ويحتضنها قائلًا بحنو وبملامح متهدلة بحـ.ـز.ن وحديث محبة يتردد بعقله يذكره بمحاولة انتحارها وكيف كان سيفقدها لولآ تدخلها في اللحظة الأخيرة:.
حقك عليا، انا عارف أن الشغل واخد كل وقتي وبعيد عنك بس كل ده علشانك وعلشان اضمن لك مستقبلك، اهدي يا بـ.ـنتي علشان خاطري انتِ الحاجة الحلوة الوحيدة في حياتي وعايش علشانها بلاش تعملي في نفسك وفيا كده ليقبل رأسها بحنو ابوي ويستأنف بقلب أب يخشى فقدان فلذة كَبِده:
سامحيني يا بـ.ـنتي لو كنت بقسى عليكِ؛ بس ببقى خايف تسبيني وتبعدي عني زيها
نفت برأسها وهي بين احضانه واخبرته من بين شهقاتها الواهنة:.
انا عمري ما هسيبك يا بابي انا مش زيها...
ربت فاضل على ظهرها بحنان ودثرها أكثر بأحضانه وهو يشعر بالخزي من أفعاله السابقة التي كان يظنها بنوايا بريئة وخاصةً كونه أخفى الحقيقة عنها، غافل كون معرفتها للحقيقة بذلك التوقيت سيقلب كافة موازينها.
أَما عن ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا.
فقد استيقظ للتو من نومه وتمطأ وهو ينظر بساعة الحائط ليجدها لم تتعدى السابعة بعد لينفض نفسه كي يستعد للقاء مثيرته كما خطط بلأمس ولكنه تفاجأ من السكون الذي يعم المكان على غير المعتاد، بحث بعينه عنها بالمطبخ وباقي الشقة فلم يجدها ليتوجه لغرفة أطفاله ليجدهم مازالوا نائمون ولم يستعدوا بعد لمدرستهم، لعن تحت أنفاسه الغاضبة فأين ذهبت يا ترى أتته الإجابة مخطوطة بخط يدها على ورقة علقتها على باب المبرد تخبره بها بكلمـ.ـا.ت مقتضبة للغاية أن يجهز أطفاله ويعد لهم الفطور.
كور الورقة بين يده وألقاها على مداد ذراعه وهو يلعنها بسره فهي حتمًا تريد أن تخرجه عن طوره فمنذ متى وهي تخرج دون علمه لا والأنكى ما الشيء الذي جعلها تتخلى عن التفاني في واجباتها على غير عادتها، زفر بغـــضــــب يمرر يده بخصلاته الفحمية وهو يحاول أن يهاتفها ولكن أتاه رنين الهاتف من داخل الغرفة ليتيقن أنها تركته بالمنزل ولم تأخذه معها وحينها جن جنونه منها، وبعد بعض الوقت يأس و لم يكن أمامه غير تنفيذ ما خطته له بسخط تام وهو يتوعد لها حين عودتها.
فقد انهكوه أطفاله بـ.ـارتداء ملابسهم وتحضير حاجياتهم، حتى أنه وقف كالتائه يفتح المبرد ويغلقه لايعلم بما يبدأ او ماذا يعد لهم بينما أطفاله كانوا يتذمرون ويطالبون بالطعام مما جعله يأخذ القرار بأن يعد بعض الشطائر البسيطة لهم، فقط خبز وجِبن سيفي بالغرض، وإن انتهى من مشاحنات اطفاله وضجيجهم اليومي الذي جعل رأسه تدق ك الطبول اوصلهم لعربة المدرسة الذي كان سائقها مستاء من تأخيرهم الغير معتاد بالمرة ليضطر أن يعتذر منه و.
يعود للبيت وهو يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد.
تنهدت بأرتياح عند مغادرة خالها وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عنها، وبعد أن تحضرت اخبرته انها ستذهب لجامعتها فما كان منه غير الموافقة و أغدقها بتعليمـ.ـا.ته المعتادة التي تحفظها عن ظهر قلب، وحين غادرت المنزل واستقلت سيارتها مبتعدة مسافة كافية عن المنزل لفت انتباهها سيارة فارهة تعرف هوية مالكها تمام المعرفة تتبعها و تحاول أن تلحق بها وإن اقتربت بالفعل حثها سائقها على التوقف فما كان منها غير أن تنصاع لرغبته وتتوقف بجانب الطريق وهي تلعن تحت انفاسها،.
ثوان معدودة وكان يفتح باب سيارتها و يجاورها قائلًا بغـ.ـيظ:
ما انتِ حلوة أهو وبتخرجي لوحدك، لأ وكمان البيه جايبلك عربية وفك حصاره عليكِ أمال منفضالي ليه؟
زفرت حانقة وأجابته بسأم:
دي أول مرة أخرج بالعربية لوحدي و كنت هكلمك...
احتدت سوداويتاه بعدm تصديق وهدر مشككًا وحديث ميرال بشأنها يتردد برأسه:
واللهي عليا برضه الكلام ده يا نادو
نفخت أوداجها وقالت متحججة:.
طارق انا كان عندي مشاكل الفترة اللي فاتت ومكنتش فايقة وبعدين انا نبهت عليك الف مرة متتصلش بيا بس أنت كنت بتتغابى وكنت هتودينا في داهية
زمجر غاضبًا وهو يضـ.ـر.ب على تابلوه السيارة منفعل:
انا كنت هتجن وانتِ ولا على بالك انا بقالي كذا يوم بحاول اكلمك واخر ما زهقت فضلت واقف تحت بيتك وشوفتك وأنت خارجة معاه وضحكتك من الودن للودن
اعتلى حاجبيها وتساءلت بغـ.ـيظ:
انت بتراقبني يا طارق
أجابها بنبرة مفعمة بإصرار مخيف:.
ايوة براقبك وعندي أستعداد اعمل أي حاجة علشان تكونِ معايا
ابتلعت رمقها بوجل من إصراره العجيب ذلك وقالت بدهاء طالما كانت تجيده كي تسايره:
طب ممكن تهدى انا اهو معاك
وهانت يا طارق كلها ايام وهبقى ليك لوحدك
نظر لها نظرة عميقة يحاول ان يستشف صدق حديثها ولكن كيف وهي تبتسم تلك البسمة الآسرة التي جعلت كافة غـــضــــبه منها يتبخر ويذهب أدراج الرياح فما كان منه غير أن يهدأ ويسحب يدها بين يده قائلًا:.
انا بحبك يا نادو وبحس بنار بتاكل قلبي لما بتكوني معاه، وبجد مبقتش قادر أصبر لما يجي اليوم ده
رغم أن لهفته و حديثه ارضى غــــرورها ولكن لا تعلم لمَ شعرت بالنفور منه وحتى انها جذبت يدها التي يحتضنها لتوه مستنكرة فعلته بملامح مشتتة تفهمها هو انها خجل حين عقبت وهي تضع خصلاتها خلف اذنها بتـ.ـو.تر ظهر جليًا على وجهها:
حاسة بيك بس أنت عارف ان كل حاجة مفروضة عليا ومش بإيدي
أومأ لها متفهمًا لتضيف هي ببهوت:.
طيب خلاص متزعلش
ابتسم بدوره لتشاركه هي ببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبتها على ثغرها قائلة بحماس مصطنع:
طب ممكن بقى تنزل تركب عربيتك وتخلينا نلحق المحاضرة
ماشي يا نادو أنتِ تأمري وانا أنفذ لغاية لما أشوف أخرتها معاكِ
قالها بنبرة عابثة مصحوبة بغمزه من عينه قبل أن ينصاع لها بينما هي ما أن تدلى من السيارة اندثرت بسمتها و لعنته ولعنت ذاتها ربما للمرة الألف بعد المائة فكل شيء حولها يشتتها ويزعزع قناعاتها السابقة.
كان يدور حول نفسه كالثور الهائج عنـ.ـد.ما مرت عدة ساعات على غيابها ولا ينكر أن قلبه تأكله وشعر بالقلق عليها و أنقبض بشـ.ـدة بعدmا يأس من محاولات الاتصال بكل من خطر بباله أن يهاتفه ويسأل عنها ولكن لم يتوصل لشيء فالكل أخبره أنهم لم يروها ولا يعلمون شيئاً، مماجعل الظنون تغزو كيانه بالكامل ويقرر أن ينزل و يبحث عنها بنفسه ويدعو الله أن تكون بخير ولم يصيبها سوء ولكن تبدد ذلك الشعور بتاتًا وحل محله غـــضــــب عارم حينما وجدها تفتح باب الشقة، وعندها انقض عليها والشرار يتطاير من قاتمتيه يسألها:.
كنتِ فين يا هانم؟
أجابته بثبات أجادته وبنبرة هادئة تثير الريبة:
مكنتش؟
نعم، أنتِ بتستهبلي
قالها بنبرة قوية نفضتها وهو يقبض على رسغها مما جعلها تنفض يده بكل هدوء مُصرحة له بنصف الحقيقة:
كنت مخـ.ـنـ.ـوقة شوية ومحتاجة افصل علشان اجدد طاقتي
ضـ.ـر.ب كف على آخر ساخطًا وهدر من بين أسنانه بغـ.ـيظ:
يا برودك أنتِ سايباني هنا محتاس مع عيالك وبتروقي على نفسك ده ايه الاهمال بتاعك ده.
احتل الحـ.ـز.ن تقاسيم وجهها الذابل الذي لم يلحظه ولم يعطيه أي اهتمام وأجابته منفعلة على غير عادتها:
انا عمري ما كنت مهملة، وبعدين فيها ايه لما خليتك تشاركني يوم واحد وتتحمل مسؤولية ولادك، ما انا عمري ما اشتكيت وشايلة كل حاجة على كتافي وياريت بشوف تقدير منك
عقب بكل تبجح وبتفكير رجل شرقي متمسك ب عـ.ـر.فية أفكاره:
تقدير ايه اللي انتِ مستنياه!
ده واجبك يا هانم وكل الستات بتعمل كده.
حانت منها بسمة متخاذلة لابعد حد وقالت بعتاب لأول مرة يصدر منها تجاهه:
وانت واجباتك ايه يا حسن؟
انك تعيش لنفسك وبس مش كده؟
ياريت قبل ما تتحامل عليا و تتهمني بالإهمال تفكر ألف مرة في اللي عليك
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدلف لغرفتها وتغلق بابها
تاركته يزمجر غاضبًا ويحاول أن يستوعب ماذا حل بها وحين اسعفه عقله انها من الممكن أن تكون علمت بشأن الأخرى، تقلصت معالم وجهه و انتابته الرهبة مرة أخرى.
بينما على الجانب الأخر كانت هي تستشيط غـــضــــبًا عنـ.ـد.ما لم يأتي للعمل ولم يحاكى والدتها كما وعدها و حتى كافة اتصالاتها يتجاهلها إلى ان اغلق هاتفه تمامًا، فكم متردد ذلك ال حسن واستنفذ وقتها فكلما ظنت انها أثرت عليه بطريقتها المتلاعبة واصبح كالخاتم بأصبعها يتهرب منها ويماطل ولذلك قررت انها لن تجلس مكتوفة الأيدي فلم تتعود على الخسارة بتاتًا ولذلك هدرت متوعدة بعدmا يأست من مهاتفته:.
ماشي يا حسن وحياة أمي لخليك تركع تحت رجلي تطلب الرضا
لتبتسم متشفية وهي تتخيل الأمر، وكم راقتها تلك الفكرة العابثة التي حاكتها برأسها.
أما هناك بأحد قرى الصعيد فقد وصل عبد الرحيم حانقًا من تلك الزيارة التي لم تجدي نفعًا ولم تأتِ بثمارها وها هو يجلس على طاولة الطعام برفقة زوجته تلك المرأة ضخمة البِنية مخيفة الملامح التي تتلفح بالسواد و يجاورها ولدهم، أثناء تناول العشاء، ليشرع حامد في الحديث بملامح بشوشة وبود يخالف طباع أبيه الفظة:
توحشناك جوي يا بوي
أومأ له عبد الرحيم وتسأل وهو يجول محيط داره:
فين مرتك الپور؟
تحمحم حامد بعدm رضا من ذلك اللقب الذي يطـ.ـلقه والده على زوجته نظرًا لعدm إنجابها وأخبره بضيق شـ.ـديد:
عند امها في سوهاج جالت هتوديها لحكيمة شاطرة
التوى فم ونيسة بينما لوح عبد الرحيم بسأم قائلًا:
واه جولتلك ألف مرة طلجها واچوزك ست ستها تچبلك الواد بس انت لساتك مصمم عاد تزعج في أرض پور مفيش منيها صالح
لتعقب ونيسة مشككة:
شكلها سحراله يا عبد الرحيم
نفى حامد برأسه مستنكرًا وقال مدافعًا:.
دي غلبانة يا اما وهتحبني بلاش تظلميها
وبعدين هملوا الحديت ده دلوقت ممنوش فايدة عاد ده قضاء ربنا وانا راضي بيه
هزت ونيسة برأسها تنصاع لولدها ثم وجهت سؤالها لزوجها:
جولي ايه اخبـ.ـار زيارتك لبت غالية مفيش چديد
نفى عبد الرحيم برأسه وأخبرها بحنق:
مفيش يا ونيسة وده اللي جاهرني، الغريب وامه شايلينها على كفوف الراحة وحتى البت بذاتها جالت انها مرتاحة معاهم
لتعقب ونيسة بخبث يضاهي خبث زوجها:.
واه وانت هتهملها إكده وتسيب مال خيتك يا عبد الرحيم يروح للعجربة وابنها.
تجشأ عبد الرحيم بصوت مقزز وأجابها بعدmا سطع المكر بعينه:
متجلجيش يا ام حامد انا بس مستني يرچعلها أملاكها و وجتها هيكون خرابها على يدي
ليربت على يد حامد ويخبره بنبرة تقطر بالخبث بذلك الحلم القديم الذي خربه عادل عليه قبل مـ.ـو.ته:
بكرة هطلجها من الغريب غـ.ـصـ.ـب عنِها وهچوزهالك يا ولدي واهو زيتنا في دجيجنا
ليبتسم بسمة سامة تقطر بنواياه الخبيثة:.
و وجتها حج خيتي هيبجى تحت يدنا، احنا اولآ بيه من الغريب والعجربة أمه
غص حامد بطعامه وجحظت عينه من نوايا أبيه الغير بريئة بالمرة وكاد أن يعترض ويرفض المشاركة بلأمر ويبرر أنه يعشق زوجته ولا يريد أن يستبدلها بأخرى لولآ أن زغرته
ونيسة بنظرة قاسية جعلته يبتلع اعتراضه بجوفه وهو يلعن سطوتهم عليه وضعفه أمامهم.
فياترى ماذا تخبأ الأيام القادmة لكِ أيتها المتمردة الغـ.ـبـ.ـية، هل ستعدلِ عن افكارك البالية وتتركيه يفرض عليكِ حصون أمانه المشيدة أم ستنفذي ما برأسك وتقعي فريسة لأطماعهم.
↚
القوة ليست دائماً فيما نقول ونفعل..
أحياناً تكون فيما نصمت عنه، فيما نتركه بإرادتنا، وفيما نتجاهله..
? نيلسون مانديلا.
اطمأنت على أطفالها و أطعمتهم وقامت بكل الأمور الروتينية ككل يوم ولكن دون أن تعطيه أي أهمية فكانت تكتفي فقط بإيماءات رأسها وبسمـ.ـا.ت باهتة دون حديث مما أثار ريبته و.جـ.ـعله يتوجس خِيفة من حالتها تلك فهي دائمًا لا تكف عن الثرثرة حتى تسرع رأسه، لا ينكر أنه كاد يفقد أخر ذرة تعقل به من شـ.ـدة قلقه عليها أثناء غيابها فلأول مرة تكون هي موضعه وحينها عذرها حين يتغيب ولم يطمئنها، تنهد تنهيدة مضطربة وهو ينظر لها أثناء تسطحه بجانبها داخل الفراش، فكان يسند ظهره على جذعه ويدعم رأسه بأحد كفوف يده، والأخرى ينفث بها دخان سيجارته حانقًا وهو يستغرب كونها تغط في نوم عميق قبله فهي على غير طبيعتها بتاتًا اليوم ولذلك السبب تحديدًا داهمته الشكوك بشأن علمها بأمر الآخرى، ولكن وجد ذاته يستبعد الأمر ويرفض عقله حتى التفكير في احتمالات حدوثه، ليطفئ سيجارته داخل المنفضة أعلى الكومود ويميل بجزعه عليها ويضع قبلة حانية اعلى رأسها هامسًا بأخر شيء توقع أن يصدر منه:.
كنت هتجنن النهاردة من غيرك
اوعي تسيبيني يا رهف
لايعلم لمَ تفوه بذلك، ولكن شيء ما كامن بداخله يخبره أنه يكن الكثير لها، ربت على خصلاتها وطالعها بنظرة نادmة مغلفة بشيء من تأنيب الضمير ثم وجد ذاته يجذبها إليه ويحتضنها بقوة وكأنه يكتمل بها كي ينفض شيطانه و يعاند هواجسه وينقم عليها.
أما هي كانت تدعي النوم وتشعر بكل ما يصدر منه ولكنها كانت منهكة في التفكير تسترجع احداث الصباح فمع اول خيوط النهار وجدت ذاتها تود ان تفر تُروح عن ذاتها ورغم أنها لا تحبذ أن تطلع أحد على اسرار بيتها كي تحافظ على صورته ولكن تثاقل العبء عليها وشعرت انها بأمس الحاجة أن تبوح ويشاركها أحد ويقوم بنصحها ولطالما كانت تثق في سعاد وبحكمتها ولذلك توجهت لها دون أن تدع مجال للتراجع، فقد قصت عليها ما حدث و استمعت سعاد لها بكل اهتمام إلى النهاية ولكن بالطبع حيائها منعها من ذكر الكثير و سعاد لم تضغط عليها بل تفهمتها وهدأت من روعها حتى انها انصاعت لرغبتها وانكرت وجودها حين هاتفها يسأل عنها، ونصحتها بالأخير أن تتروى في الحكم عليه فهي للآن تجهل هوية الأخرى وتجهل نواياه بشأن أخبـ.ـارها، وكم اراحها الأمر حين واستها بقولها انها من الممكن ان تكون نزوة عابرة لاتستحق هدm بيتها من أجلها، ورغم كافة نصائحها إلا أن جملة واحدة هي ما كانت تتردد بذهنها(دوري وراه، واوعي تستسلمي وتسبيه لغيرك).
ولذلك وجدت ذاتها.
تستغل أنه استغرق في النوم، وتنهض بحذر شـ.ـديد من الفراش وتتناول هاتفه المغلق و تتوجه به لخارج الغرفة وهي تقسم أن قلبها سيسقط بين قدmيها من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها، اتخذت أحد الأركان المظلمة بزاوية ردهاتها مخبأ لها وكم كانت أناملها ترتجف وهي تضغط على زر تشغيله، ثوان معدودة وصدق حدثها حين وجدته يؤمن شاشته برقم سري، لتترقب بذعر حقيقي وهي تلعن تحت انفاسها فلم تتوقع كونه حويط لذلك الحد؛ وكيف تفعل وهي لم تبحث خلفه قط وتثق به ثقة عمياء.
أطلقت زفيرمتقطع من فمها وحاولت السيطرة على رجفة يدها المتعرقة من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ونقرت على شاشته بعض الأرقام التي تتوقع أنه استخدmها ولكن مرة وأخرى بلا جدوى، لوهلة اتتها فكرة عابرة لتجرب تاريخ إنشاء شركته ولسوء حظه وحُسن حظها استجاب الهاتف لها، ارتمت على أقرب مقعد وهي تشعر أن ساقيها كالهلام ولم يعدو يحملوها عنـ.ـد.ما تفقدت أحد مواقع التواصل الاجتماعي لديه(whatsapp)، ورغم حيطته الشـ.ـديدة التي تفاجأت بها فقد غامت عيناها وعلت وتيرة أنفاسها وكادت تفقد السيطرة على رجفتها حين وجدت عدة محادثات مشتعلة من رقم يسجله هو بأسم يامن كي يضلل فعلته ولا يثير شكوكها عنـ.ـد.ما تهاتفه، فكان يغازلها وتتدلل عليه، يغدقها بتلك المشاعر والأقاويل المعسولة التي يبخل عليها بها ويمنحها ببذخ لأخرى، وعنـ.ـد.ما تابعت و سقطت عيناها على تلك الكلمـ.ـا.ت التي تخبره بها أن والدتها هي من منعتها عنه الفترة السابقة حتى يتخذ قرار قطعي بعلاقتهم، حانت منها بسمة متألــمة غير متزنة بالمرة وهي تتأكد من تاريخ المحادثة الذي يطابق تاريخ تلك الأيام التي انقلب حاله بها رأسًا على عقب، ولكن لم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل كانت مشـ.ـدوهة واضعة يدها المرتجفة على فمها تحاول عدm افلات تلك الشهقة الخافتة التي صدرت من بين شفاهها عنـ.ـد.ما وجدت رسالة آخرى تؤكد ما سمعته فكم تخبره تلك المدعوة انها تعشقه ولا تطيق صبرًا حتى يعقد قرانهم وكم هي ممنونة له كونه سيلبي كافة شروط والدتها، تجمدت نظراتها على شاشة الهاتف لثوان وهي تشعر بتوقف العالم من حولها فكيف، ومتى، ولمَ!
أهذا ما تستحقه هي، هاجمتها أفكارها وتصارع قلبها مع عقلها كي يجعله يتوارى قليلًا لكي يستوعب الأمر ولكن الأمر فاق استيعابها لتعاندها دmعاتها تلك المرة وتفر من عيناها ولكن ليس لتنعي حالها بل حاله هو وبما سيحل به منها إن لم يعدل عن نواياه.
بتعملي ايه عندك يا رهف؟
صوته أوقف قلبها و.جـ.ـعل الدmاء تهرب من اطرافها ولكنها لملمت فتات نفسها ودست بحركة بديهية هاتفه بجيب منامتها وقالت بثبات بالكاد اجادته وهي تضع يدها تجفف دmعاتها متظاهرة انها تتفادى الأضاءة القوية التي اشعلها لتوه:
مش جايلي نوم، هو انت صحيت ليه؟
كان يفرك عينه بنعاس ولم يلحظ هيئتها ولذلك أجابها:
رايح الحمام.
اومأت له بهدوء عكس انتفاضة دواخلها وحـ.ـز.ن عيناها مما جعله يقترب منها كي يستشف ما بها وهو ينحني بجذعه عليها و يكوب وجنتها بين يديه:
انتِ كويسة، تعبانة او حاسة بحاجة
أيهمك أمري الآن تبًا لتبجحك، كيف استطعت خداعي لذلك الحد وكيف كُنت غافلة انا عن خطيئتك بحقي، ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما نطقت به كان:
بتحبني يا حسن.
صدر سؤالها بنبرة مهزوزة ضائعة وهي تبحث داخل بُنيتاه عن شيء يخصها، أو ربما شيء يخفف ذلك الألــم اللعين التي تشعر به الآن ينخر قلبها.
يعلم ان سؤلها متكرر ولكن لا يعلم لمَ شعر بالريبة الشـ.ـديدة منه تلك المرة، ولذلك قرر يطمأنها بتلك الكلمـ.ـا.ت التي لم تخمد ألــمها بل ألهبتها أكثر:
أنتِ أم ولادي وعِشرة عمري يا رهف ازاي مش بحبك، اكيد طبعًا مش محتاجة سؤال يعني.
لمَ بربك لم تنطق بها دون تلك المبررات الاعتيادية خاصتك، لمَ لم تخبرني إياها مفعمة بالحب مع نظرة حانية من عينك انا بأشـ.ـد الأحتياج لها الآن.
استراب من شرودها وانقبض قلبه حين راودته تلك الأفكار مرة آخرى ولذلك تـ.ـو.تر و سألها بعيون زائغة مترقبة:
رهف، مالك النهاردة مش طبيعية ليه؟
فاقت من ذلك الصراع بداخلها على سؤاله من جديد لتتدارك الأمر وتهز رأسها بأن كل شيء على ما يرام.
يعلم انها لطالما كانت صادقة معه واضعف بكثير أن تخفي اي شيء عنه ولذلك وجد نفسه يبتسم ويجذبها لمستواه ويحتضنها بلطف قائلًا ببعض من تأنيب الضمير:
أنا عارف إني كُنت عصبي اوي الفترة اللي فاتت وضغط على أعصابك سامحيني و حقك عليا، كان غـ.ـصـ.ـب عني، انا...
انحصر الحديث بحلقه ولا يعلم بما يبرر لتربت هي على ظهره بتفهم وبِملامح شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى قائلة بثبات بالكاد اجادته:
متحاولش تبرر، انا فاهمة كل حاجة.
أخرجها من بين يده ببسمة واسعة وقال وكأنه يَمنٌ عليها بِمشاعره:
بحبك...
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت شغفها بمشاعره، ليهمس هو بعبث ليس بمحله ابدًا قبل أن ينهض و يتوجه للمرحاض:
استنيني في اوضتنا عشر دقايق مش هتأخر عليكِ.
أومأت له وعادت لغرفة نومهم بخطوات وئيدة متعثرة، وقبل أن تغلق هاتفه من جديد لتعيده لموضعه كانت تسجل الرقم على هاتفها، وإن انتهت وضعته كما كان، و تمددت على الفراش وهي تحمد ربها انه لم ينتبه لفعلتها، لتحتضن جسدها بذراعيها وتهمس لذاتها كي تحفزها على ما هو قادm بعيون تفيض ألــم وبقلب مدmي دmٍ:.
انا قوية، قوية، مش هنهار، أكيد نزوة، اكيد مش هيعمل فيا كده، مش هسيبها تاخده مني، اهدي يا رهف وافتكري ولادك لازم تبقي قوية علشانهم، كانت تجاهد ذاتها كي تظل على ثباتها و لا تشعره بشيء حين عودته ورغم هشيم دواخلها إلا أنها بالفعل تمكنت من ذلك ببراعة.
أما في صباح يومٍ جديد داخل الحرم الجامعي
فقد كانت نظراته وبسمـ.ـا.ته العابثة تصدر كل حين وأخر لها اثناء يومهم الدراسي، مما جعلها تشعر بالحنق منه وكم أرادت أن توبخه على غبائه فهو يكاد يفـ.ـضـ.ـح أمرهم بحركاته الصبينية تلك،.
زفرت وهي تهبد كتبها اعلى الطاولة داخل كافتيريا الجامعة وجلست تنفخ أوداجها بقوة بمزاج عكر للغاية بفضل ذلك الغـ.ـبـ.ـي الذي يجلس على بعد منها وعينه لا تفارق موضعها وكم اغـــضــــبها ذلك و.جـ.ـعلها حقًا تسأم منه
مالك يا نادين سرحانة في ايه؟
قالتها نغم باهتمام صادق وهي تجاورها وتتبع مرمى بصرها، مما جعل نادين تجيبها بتـ.ـو.تر:
مفيش موضوع تافه متشغليش بالك.
لاحظت نغم ما بها وألتقطت نظرات الآخر التي تظهر بوضوح أمام الجميع مما جعلها تقول بانفعال:
الحـ.ـيو.ان اللي هناك ده هو السبب مش كده
نفت نادين برأسها ونظرت إلى ما تشير إليه نغم بعينها وثأثأت بتـ.ـو.تر:
ها قصدك طارق، لأ
زفرت نغم وأخبرتها بِفطنة:
اصله بجح وعينه متشالتش من عليكِ، وبرغم انه عارف انك مكتوب كتابك وفي عصمة راجـ.ـل لكن معندوش ذرة نخوة ولا رجولة
ابتلعت نادين رمقها بوجل وأجابتها تدعي عدm الاكتراث:.
وانا مالي هو ميشغلنيش اصلًا
تنهدت نغم وربتت على يدها المسنودة على الطاولة قائلة بثقة ليست ابدًا بِمحلها:
انا بثق فيكِ وعارفة انك ذكية ومش هتغلطي ابدًا، انا بس واجبي إني أنبهك الولد ده سمعته وحشة وكل الجامعة بتتكلم عن مغامـ.ـر.اته وكفاية اللي عمله في صحبتك.
ثقتها التي تفوح من حديثها جعلت نادين تشعر بالخزي من نفسها حتى أن ملامحها قد تهدلت بحـ.ـز.ن بَين ذكر نغم بتلك الطفلة البائسة ذات الضفائر الطويلة التي فقدت والدتها مما جعلها تنتشلها بقولها المتلهف:
نادين مالك انتِ كويسة
أومأت لها نادين ببسمة باهتة تقاوم ذلك الشعور الذي داهمها متسائلة:
صحبتي مين؟
ميرال نسيتيها ولا ايه؟ والله البت دي صعبانة عليا جدًا ولما بشوفها قلبي بيوجـ.ـعني.
شيء ما هناك بأحشائها حثها على التساؤل مرة أخرى:
ليه مالها ميرال؟
تنهدت نغم واسترسلت بكل عفوية:
البـ.ـنت علطول قاعدة لوحدها وكتير بنات بيشفوها في الحمام بتعيط ده غير أن محدش سيبها في حالها وأولهم سي زفت ده من يومين كان بيرخم عليها وفرج عليها كافتريا الجامعة كلها وكل واحد ترجم الحكاية على مزاجه وطبعًا هو مش خسران حاجة بس البـ.ـنت المسكينة دي من ساعتها مظهرتش واكيد علشان عارفة ان سيرتها بقت على كل لسان.
زاغت نظراتها تجاهد بقايا ضميرها وتساءلت مستغربة بنبرة مهزوزة بعض الشيء:
ليه متعاطفة معاها مش يمكن زي ما بيقولوا عليها؟
نفت نغم برأسها وقالت بِفطنة وصلاح نية:
معتقدش، وحتى لو؛ ربنا يهديها، بس عارفة رغم أنها من الشلة اياها إلا أن احساسي بيقولي أن جواها كويس ومحتاجة بس حد ياخد بأيدها وبعدين ربنا ما بيفوتش و كل اللي بيتكلموا عنها ممكن يبقوا مكانها في يوم من الأيام.
كانت مع كل كلمة تطـــعـــن بها دون قصد حتى أنها أيقظت بحديثها ضميرها الكامن بعيد يتوارى خلف تمردها وعنجهيتها، مما جعلها تشعر بالحنق من ذاتها فماذا لو كانت هي بموضعها؟ طال تفكيرها في حديث صديقتها التي تجهل تمامًا أنها هي الرأس المدبر لكل ما يقال
ولا تعلم حينها لم شعرت بالخزي من ذاتها فحقًا لا تعلم لمَ كل شيء حولها يتكاتف كي يزعزع قناعتها
غيرت نغم سير الحديث وهي تناولها دفتر من حوزتها:.
سيبك بقى من الكلام ده، خلينا في المهم انا نقلتلك كل المحاضرات اللي فاتتك هنا ولو مش فاهمة حاجة ابقي كلميني اشرحها لك
حاولت نادين قدر المستطاع الثبات والتخلي عن تلك الحالة الغريبة التي تتملك منها وقالت بود و ببسمة صادقة:
هو أنتِ علطول جدعة كده...
أبتسمت نغم وأجابتها بمحبة خالصة لها:
احنا مش اصحاب يا نادين احنا اخوات ولازم نخاف على مصلحة بعض.
اومـ.ـا.ت نادين بامتنان وقبل أن تتفوه بأي شيء آخر كانت منه تجلس على طاولتهم قائلة بعتاب:
اهلًا يا بـ.ـنتي فينك مختفية ليه ده الشلة هتتجنن من غيرك
كادت نادين تجيبها لولآ نغم سبقتها بهجوم:
ويتجننوا ليه إن شاء الله من غيرها
اجابتها منه بنبرة مستخفة:
براحة عليا يا شيخة نغم أنا مش قدك
تأففت نغم وصاحت بها:
اتكلمي كويس ولازم ت عـ.ـر.في أن نادين مش شبهكم انتوا شلة منفلتة والجامعة كلها ملهاش غير سيرتكم.
تدخلت نادين كي تلاحق الموقف:
نغم اهدي ومتكبريش الموضوع مش مستاهل
زفرت نغم بغـ.ـيظ من ردها فكم أرادت أن تؤيدها ولكنها كعادتها أثبت لها انها لن تتخلى عن تسليط الأضواء الخادعة عليها لتنهض وتجيبها وهي تلملم كُتبها:
هو فعلًا مش مستاهل انا ماشية قبل ما تفقعي مرارتي اكتر من كده، سلام.
حاولت نادين منعها ولكن نغم لم تستمع لها مما جعل نادين تستاء مما حدث فطالما كانت نغم مميزة بالنسبة وكم تعشق حين تكون معها على سجيتها بعيدًا عن كل شيء.
غريبة اوي نغم دي معرفش انتِ مصحباها ازاي!
قالتها منه مستغربة بنبرة تحمل السـ ـخـــريــة بطياتها مما جعل نادين تقول بدفاع قوي وكأنها عادت لسابق عهدها:
ملكيش دعوة بيها و متجبيش سيرتها نغم طريقة تفكيرها مختلفة عنكم وملهاش في حوارتكم.
خلاص مش هفتح بؤي بس بجد يا بختها نادين الراوي بذات نفسها بتدافع عنها
قلبت عيناها بسأم وزفرت حانقة:
سيبك بقى من كل ده وقوليلي ايه الأخبـ.ـار؟
اشرأبت منه برأسها وكأنها ستخبرها سر من أسرار الحرب وتابعت:
هقولك اصل الجديد كله عندي يا نادو.
خلاص بقى يا دعاء انتِ اللي استفزتيني وقولتي كلام مايتقلش
قالها فاضل بعدmا مل من مراضتها كثيرًا ولكنها لم تقبل بعد ان تغفر له حتى أنها هتفت بغـ.ـيظ:
كان لازم بـ.ـنتك تعرف حقيقة أمها وبعدين انا مغلطتش و مهما عملت يا فاضل مستهلش انك تمد ايدك عليا قدام بـ.ـنتك والحيزبونة اللي اسمها مُحبة
زفر فاضل في ضيق واسترسل كي يبرر لها:.
حقك عليا اتعصبت وكمان كنت زعلان على البـ.ـنت تخيلي محبة قالتلي انها كانت عايزة تمـ.ـو.ت نفسها لولآ لحقتها في أخر لحظة
شهقت دعاء متفاجأة:
هي حصلت تمـ.ـو.ت نفسها بـ.ـنتك اتجننت
زفر بضيق وأضاف:
انا مش متخيل إني كنت هخصرها يا دعاء علشان كده طلبت منك متضغطيش عليها، البـ.ـنت نفسيتها متدmرة حاولي تقربي منها وتصحبيها
مطت دعاء فمها بحركة مدللة وعاتبته:.
بعد ايه بقى ما انت ضـ.ـر.بتني وكسفتني قدامهم يعني ده جزاتي إني كنت خايفة على مصلحتها
ربت فاضل على خصلاتها بحنان وطلب منها راجيًا:
لأ، بس انا مش عايز نضغط عليها بعد كده سبيها براحتها يا دعاء انا معنديش استعداد اخسرها، ده انا كمان بفكر اعرضها على دكتور نفسي
أومأت له بنعومة مغلفة بالفتنة تعرف تأثيرها عليه وهمست بدلال وهي تستند على صدره و تعبث بأزرار قميصه:
حاضر بس ده ميمنعش اني لسة مخصماك.
ابتسم هو وسايرها بكل طواعية:
قوليلي ايه يراضيكِ؟
طلبت بعدmا التمعت عيناها بوميض يعلمه جيدًا ويعلم ما سيأتي بعده:
تشتريلي البيوتي سنتر اللي كان نفسي فيه وتكتبه بأسمي
تنهد هو وأومأ برأسه يوافق على مطلبها ولكنها لم تكتفي كعادتها وتابعت:
ومش بس كده عايزة أغير العربية
تنهد فاضل بقلة حيلة وعقب:
ماشي كل طلباتك مجابة.
لتتهلل أساريرها وتحتضنه وهي تشعر بسعادة عارمة كونه سيحقق لها أحلامها التي كانت تظنها بعيدة كنجوم السماء لولاه
بينما هو لم يكن حانقًا بسبب تطلُبها بل يتفهم تمامًا أن تلك المعادلة الصعبة بينهم وتلك الفجوة بين اعمارهم لم تكن تندثر لولآ المال ولذلك لديه يقين دائم انه كفيل ان يعوض به كل شيء.
لم يعد يحتمل ان يراها امامه دون ان يحدثها او يتمتع بقربها فهو يقسم ان طوال اليوم كان يود أن يجذبها من بين الجميع ويصـ.ـر.خ بأعلى صوته انها حبيبته، ولكن مجبور هو على الصمود من أجلها ورغم أنها صعبة المراث وإلى الآن لم تريح قلبه بكلمة واحد، إلا أنه لن ييأس فلم يتبقى شيء على تحقيق غايتها، ورغم تفهمه وتشـ.ـديدها عليه إلا أنه وجد ذاته ينتظرها خارج الحرم الجامعي يود أن ينعم ولو دقائق بقربها، فكان يستند على مقدmة سيارتها ينتظرها بكل حماس دون أن يحسب حساب ذلك الذي كان يقترب من موضعه تزامنًا مع خروجها واقترابها من السيارة.
فقد تخشبت قدmيها وهي ترى ذلك الغـ.ـبـ.ـي ينتظرها
وعلى فمه بسمة عابثة تكاد تصيبها بالغثيان
وإن كادت تسير نحوه كي تنهره اتسعت عيناها حين لمحته من بعيد و كرد فعل سريع منها لوحت له ببسمة واسعة كي تنبه ذلك الغـ.ـبـ.ـي أمامها وتحثه على الابتعاد وبالفعل تفهم حانقًا وانسحب بخفة وهو يشعر أن الغيرة تفتك به.
لتسرع هي بخطواتها نحو يامن كي تلهيه وتسأله بعيون زائغة:
ايه المفاجأة دي
أبتسم هو وأجابها:.
كنت في مشوار قريب من هنا و قولت اشوفك قبل ما تروحي
هزت رأسها وهي تجول بعينها تتأكد أن ذلك الغـ.ـبـ.ـي تفهم الوضع وإن لم تجد أثر له تنفست بأرتياح، استراب من ردة فعلها وسألها:
مالك بتدوري على حد
نفت برأسها وحاولت أن تستعيد ثباتها قائلة:
لأ ابدًا حبيت المفاجأة
تنهد يحاول أن يتغاضى عن تـ.ـو.ترها المبالغ به واقترح:
طيب تحبي نشرب قهوة في اي كافيه
ها اه قهوة...
قالتها قبل أن تزفر وتطلب راجية:.
بس نشربها واحنا بـ.ـنتمشى على الكورنيش
هز رأسه موافقًا وسار نحو سيارتها قائلًا:
معنديش مانع بس خلينا نروح بعربيتك علشان عربيتي ركنتها بعيد عن الزحمة
أومأت له ببسمة ماكرة وقالت مشككة:
والله تلاقيك لا كنت في مشوار ولا حاجة وبتشتغلني
قهقه هو وأجابها بمشاكسة:
على طول قفشاني كده
لتتسع ابتسامتها الآسرة وتسأله بكل غــــرور:
تنكر إني وحشتك
تنهد تنهيدة عميقة وأجابها وهو يشرع بالركوب بفتح الباب الذي يوازي بابها:.
مقدرش أنكر يا مغلباني
لتلتلمع عيناها بزهو لا مثيل له و تجلس خلف الموقد وتنطلق به، غافلة عن عيون الآخر التي تتربص بها وتتوعد بأشـ.ـد الوعيد إن كانت تتلاعب به.
أنتِ كويسة؟
سؤال لعين كاد يفتك برأسه ليعرف أجابته وقد كتبه برسالة نصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي(whatsapp) لأكثر من مرة وقام بحذفه، فمنذ ما حدث في أخر مرة اوصلها بها وهو لا يعلم شيء عنها وقد أخبرته مربيتها انها لن تغادر المنزل ولن تذهب لجامعتهامما جعله يكاد يجن ويطمئن عليها، حقًا لا يعلم ما حل به ولا يريد تفسير الآن كل ما يعلمه أنه قطع وعد لها ولابد أن يفي به.
ولذلك تشجع وضغط على شاشة هاتفه ليتم الأرسال وعندها وجد نفسه يتلهف لردها بشـ.ـدة ولكن بلا جدوى لم تجيبه حتى شعر باليأس وفكر جديًا أن يهاتفها مباشرتًا وفي خضم أفكاره وجد الهاتف يُأخذ عنوة من يده بواسطة يد صغيرة سارقة يعرف صاحبتها فمن غيرها فاطمة ابنة شقيقته المشاكسة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات، رفع حاجبيه بغـ.ـيظ من فعلتها ولكنها رمقته بطرف عيناها قائلة بتذمر طفولي:
زهقانة و عايزة العب يا خالو.
هز محمد رأسه وضـ.ـر.ب كف على آخر بقلة حيلة عنـ.ـد.ما وجدها بالفعل تقوم بتشغيل احد الالعاب التي ترغمه أن يحتفظ بها على هاتفه، لينقض عليها مشاكسًا يقبض على مقدmة ملابسها من الخلف:
بت انتِ رخمة ليه كده مش تستأذنيني الأول قبل ما تاخدي التليفون من ايدي مش يمكن موافقش
رفعت عيناها الشقية له وثأثأت:
انت خالو، و مش تقولي لأ
واللهي ده أيه العشم ده يا اوزعه!
شهقت واستنكرت قوله:
انا مش اوزعه، يا ابو رجلين طويلة.
هز رأسه بلا فائدة و ضـ.ـر.بها بخفة على جبهتها قائلًا:
بَطلي لماضة احسن هعلقك في النجفة
نفت برأسها قائلة وهي تمط فمها وتنظر له نظرة جرو وديع:
مش ههون عليك يا حمود
قهقه محمد على شقاوتها وتلك الطريقة التي تحدثت بها ليوافقهاقائلًا:
ماشي يا اوزعه بس جيم واحد بس علشان تروحي تكتبي الواجب
قهقهت هي بحماس وجرت نحو الفراش تتوسطه تدعوه بمشاكسة:
ماشي تعال بقى ألعب معايا.
فما كان منه غير ان ينصاع لها ربما يلهي ذاته ويكف عن التفكير في صاحبة الفيروزتان البائسة.
أما هي فقد قررت أن تتم ما برأسها بعد أن علمت هوية صاحبة الرقم التي سجلته و.جـ.ـعلت أحد أصدقاء سعاد أن يساعدها و يأتيها بكافة المعلومـ.ـا.ت عنها فقد اكتشفت أن غريمتها صائدة رجـ.ـال و تعمل لديه بشركته ولذلك لم تتردد وخاصةً انه اخبرها في الصباح انه سيذهب ليعاين أحد المواقع التي يشرف على تنفيذها و وها هي.
تقف امامها بكل ثبات وثقة تتأمل هيئتها بتدني تعمدته، تحاول ان تجد ما يميزها عنها، ولكنها واقفة الآن أمام امرأة تناقضها بكل شيء، فهي ذات خصلات شقراء مموجة وعيون حادة ماكرة تلمع بالثقة وانف شامخ وشفاه منتفخة قامت بطلائها بلون قاني لم تجرؤ هي حتى أن تضعه لزوجها، أما هيئتها فكانت ترتدي جيب قصير للغاية يظهر ساقيها ببذخ وبلوزة بيضاء تلتصق على منحنياتها.
عكس هيئتها تمامًا فهي بسيطة الملامح وملابسها محتشمة لحد كبير ولكن ذلك لا يمنع جاذبيتها وجمالها الألهي فهي تتمتع ببشرة خمرية وعيون رمادية وخصلات بُنية متوسطة الطول تناسبها كثيرًا، قد تكون لا تتمتع بذلك الجسد الصارخ بالأنوثة كالذي لدى الآخرى ولكن لنقول أن جسدها متناسق بفِتنة خاصة بها، قطعت منار وصلة تأملها قائلة:
افنـ.ـد.م مين حضرتك...؟
تنهدت رهف وظلت تتمعن بها بشعور لا يضاهيه شيء قط، فأسوء شيء من الممكن أن يحبط المرأة ويهدm كبريائها انها تضع ذاتها مقارنتًا بأنثى أخرى لا تمت لطبيعتها بشيء و الأنكى أن زوجها مال لها رغم كم التناقض بينهم، طال صمتها مما جعل منار تزفر حانقة من نظراتها الغير مبررة:
في حاجة حضرتك؟
أجابتها رهف بنبرة واثقة وهي تجلس مقابل لها:
فيه حاجات، وعلشان كده جيت يا أنسة، مش انسة برضو ولا انا غلطانة؟!
رفعت منار نظراتها لها وأخبرتها ببسمة خبيثة:
غلطانة...
أممم اكيد مُطلقة، مش كده، او ممكن عانس ياحـ.ـر.ام
قالت أخر كلمة بأسف مصتنع وهي تمط فمها مما جعل الآخرى ترشقها بنظرات حاقدة مشتعلة، لتسترسل رهف وهي تنظر لها بتدني واضح:
على العموم في الحالتين حقك!
لم تفهم منار إلى ماذا ترمي وسألتها بغـ.ـيظ:
حق ايه مش فاهمة وانتِ مين اساسًا علشان تتكلمي معايا كده؟
احتدت نظرات رهف بشراسة قتالية هي ذاتها استغربت أنها تكمن داخلها واستطردت قائلة وهي تشرأب برأسها نحوها تتعمد أن ترهبها:
حقك تستغلي أي فرصة و تكشفي لحمك وتعملي في نفسك البِدع علشان تعوضي حظك براجـ.ـل زي جوزي
مهلًا الأن تفهمت كل شيء فتلك هي زوجته الساذجة وقد تفهمت لمَ يتهرب منها ولذلك
أطلقت ضحكة صاخبة ثم أجابتها بكيد وهي تضع ساق على آخر:.
مش محتاجة استغل الفرص يا مدام، وبعدين جوزك هو اللي هيتجنن عليا ومش ذنبي أنك مش مالية عينه
نخرت الغيرة قلبها ولكنها تمالكت ذاتها وردت بتدني أغاظ الأخرى و.جـ.ـعلها تطلق شرار من عيناها:
لو مال ليكِ فهو معذور أصل الحاجة الرخيصة بتبهر و بتزغلل العين لترفع سبابتها أمام نظراتها وتحذرها بجدية شـ.ـديدة جعلت الآخرى تريد الفتك بها:.
القرار راجع ليكِ، ابعدي عنه أحسنلك، علشان اللي بتخططيله ده مش هيحصل، خليكِ عاقلة ووفري على نفسك الفضايح والجُرص
فاهمة ولا اعيد تاني، قالت تحذيرها الأخير وهي تعتدل في وقفتها وترشقها بنظرة قـ.ـا.تلة متوعدة من عيناها حتى انها غادرت دون ان تعطي فرصة للآخرى أن ترد
لتصرخ منار بغـ.ـيظ وتتوعد لها:
يا أنا يا أنتِ يا رهف هانم.
أما هي فبعد أن خرجت من مكتبها كادت تخور قدmها من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ولذلك احتمت بأحد الأركان وأخذت تحاول أن تطلق زفرات متتالية كي تهدأ من روعها فيبدو أن قناع الشجاعة والقوة التي كانت تتقمصه سقط عنها وإن استعادت شيء من ثباتها هرولت للخارج وهي تحمد ربها أنها استطاعت أن تتخطى تلك اللحظة الحاسمة بحياتها.
بحاول ابقى كويسة
كلمة مقتضبة ظهرت على شاشة هاتفه كإشعار مما جعله ينتفض مرة واحدة ويجذب الهاتف من يد الصغيرة متحججًا:
يلا يا طمطم كفاية لعب انت وعدتيني تكتبي الواجب
نفت فاطمة برأسها واجابته بِلماضة:
عايزة ألعب شوية كمان وبعدين عادي ما انت وعدتني من شهر توديني الملاهي ومودتنيش
زفر محمد بنفاذ صبر و وعدها من جديد كي يتخلص منها ويتفرغ لمحادثة تلك التي تحتل كافة تفكيره:.
حقك عليا، و وعد لو كتبتي الواجب؛ هوديكِ بكرة
صفقت في حماس وقفزت على الفراش بسعادة عارمة ثم انصاعت له، ليزفر هو براحة ويتطلع لهاتفه ليجدها مازالت متصلة ليراسلها على النحو التالي قائلًا:
قلقت عليكِ وكنت متردد أكلمك
غاب ردها مما جعله يلعن تسرعه ولكن أتاه اخيرًا مطمئننًا:
ياريتك ما ترددت انا بجد محتاجة اتكلم مع حد
زفر براحة وباشر محادثتها بواسطة الكتابة:.
وانا معاكِ وهسمعك للأخر و تأكدي أن وقت ما تحتاجيني هتلاقيني
انت جدع اوي يا محمد وبجد شكرًا على كل حاجة.
ابتسم بحبور من مدحها وكم شجعه ذلك أن يطالب ب إجابات صريحة لتلك التساؤلات برأسه ولكنه كعادته لم يشأ أن يضغط عليها خــــوفًا أن تتخذ موضع هجوم ضده ولذلك لعن فضوله اللعين نحوها وقرر أن يتركها تخبره مـ.ـا.توده هي، وبالفعل ذلك ما حدث و استرسلت بالحديث معه لساعات عدة دون أي شعور بالوقت وكم كان هو متفهم يستمع لها دون كلل يحاورها بعقلانية شـ.ـديدة ويحفزها ان تتخطى كل شيء وتبدأ من جديد وهو يشعر أن نخوته و وعده لها بالمساعدة هم الدافع وراء اهتمامه لا يعلم أن بمكان هناك بصدره يتورط بها رويدًا رويدًا،.
بينما هي كانت تشعر بأمتنان عظيم له كونه أَنس وحدتها وكان وجوده يشبه لهيب شمعة انارت عتمتها، غافلة أنها لن تدوم طويلًا وستذوب قهرًا من أجلها.
عاد لشركته وهو يتعمد أن يلهي ذاته عنها ويتهرب من مواجهتها متحجج بإنشغاله ولكنها دخلت بثورتها قائلة:
اتفضل دي استقالتي أنا لا يمكن استنى في الشركة دي دقيقة واحدة بعد اللي حصل
أغمض عينه بقوة كي يهيأ ذاته كي يواجهها ولكن كيف الخلاص وهي تقف الآن أمامه بكامل اثارتها و تتخصر بجسدها، مما جعله يبتلع ريقه ويسألها بثبات بالكاد تمكن منه:
إيه اللي حصل؟
ألتقطت نظراته التي ارضت أنوثتها وتقصعت أكثر بوقفتها قائلة بإنفعال:
انا عرفت ليه بتتهرب مني، يا سيدي لو عايز ترجع في كلامك مكنش ليه لازمة تبعتلي مراتك تبهدلني وتتهمني بالرخص
أندثرت نظراته وشحب وجهه وبرقت عينيه وهب واقفًا يهمس بعدm استيعاب:
رهف، مستحيل!
مستحيل ليه مش انت اللي باعتها
حل رابطة عنقه وهو يشعر أن الارض تميل به وقال بنظرات مهتزة بعدmا تأكد أن شكوكه بِمحلها:.
ابعتها فين انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة انا معرفش انها عارفة اصلًا، ورغم إني شكيت بس عمري ما اتوقعت انها تجيلك هنا
ادعت الوداعة واسبلت عيناها بعتاب وقالت بنبرة متألــمة اجادتها:
ده كل اللي يهمك، ومش هامك انها بهدلتني وسمعتني كلام زي الزفت بسببك لأ وكمان هددتني وعينها بعيني من غير ما تعمل اعتبـ.ـار ليك
لتجهش بالبكاء وتقول وهي تنظر له نظرات تعرف تأثيرها عليه:
ترددك هو السبب لو كنت صارحتها من الأول مكنتش حطيتني في موقف زي ده.
لتمسد جبهتها وتترنح وكأنها ستفقد وعيها مما جعله يهم إليها يدعمها بذراعيه فما كان منها غير أن تستند على صدره وتسبل عيناها أكثر تدعي الوهن:
انا همشي من شركتك وهخرج من حياتك كلها وهدوس على قلبي، وياريت تنساني زي ما هحاول أنساك يا سُونة
إلى هنا وقد ذهبت مقاومته أدراج الرياح، فكيف لذكر مثله أن يصمد أمام أنثى منكـ.ـسرة تحبه مثلها، ليجد ذاته يضـ.ـر.ب بكل شيء عرض الحائط ويقول وهو يتأكلها بعينه:.
لا مش هقدر، صدقيني حاولت كتير أنساكِ وابعد عنك معرفتش...
مرغت وجهها بصدره كالقطط وقالت تدعي الوداعة وهي تشهق ودmـ.ـو.ع التماسيح خاصتها تتراقص على وجنتها:
بس هي مش هتسبني في حالي دي هددتني
نفى مستنكر قولها واجابها بفكر عقيم وهو يمرر يده بين خصلاتها الشقراء:
متقدرش تعمل حاجة رهف أضعف من كده بكتير، وطالما عرفت خلاص يبقى مبقاش في حاجة أخاف منها وغـ.ـصـ.ـب عنها لازم تقبل
يبقى لو بتحبني تستعجل وتكتب عليا.
اومأ لها كالمغيب تحت وطأة رغبته، مما جعلها تبتسم وتصرح له بهمس مغري للغاية وهي تقترب بشـ.ـدة من وجهه:
بحبك يا سُونة ومقدرش اعيش من غيرك.
لم يمهلها لقول المزيد فقد جذبها من مؤخرة رأسها وأنقض بشراسة على ثغرها وكأنه يود أن ينفث عن تلك الرغبة المُلحةالتي تكاد تقضي عليه، ولكنها لم تكن به رحيمة ابدًا، فقد بادلته بجرأة غير عادية وأججت تلك الرغبة أكثر فأكثر فما كان من جسده غير ان يطالب بها ويتحرك من تلقاء نفسه يعتصرها و يستبيح بيده الماجنة أن يتحسس كل أنش بجسدها؛ وهي بالطبع لم تمنعه تلك المرة بل كانت تتعمد أن تثيره أكثر بآناتها وملامسته بحميمية وخبرة مسبقة حتى جعلته منتشي حد الجحيم لا يقوى على التحمل أكثر وبالطبع ذلك ما كانت تخطط له عنـ.ـد.ما كان يتهرب منها؛ فتعمدت هي أن تشعله حد الأحتراق لنيلها ثم تتركه يتوسل قطرة غيث تطفأ ناره المؤججة؛ وبالفعل تمكن شيطانه أن يسيطر عليه واستغل لحظة ضعفه وبرأ تلك الخطيئة التي مهما ادعى أنها بريئة لم تكن أبدًا؛ إلا ماجنة آثمة بحق زوجته.
كم كان الوقت يمر سريعًا وهو برفقتها فقد احتسوا القهوة ثم سارو معًا للكثير من الوقت حتى ألــمتهم اقدامهم وقررو يستريحون على أحد المقاعد الرخامية على ضفاف النيل، ورغم انه كان يأمل أن تتجاذب معه أطراف الحديث ولكنها لم تنبس ببـ.ـنت شفة فقد كانت فقط شاردة وكأنها تفكر في معضلة عويصة تؤرقها، وهو لم يريد أن يفرض حصاره عليها بالحديث بل فضل أن يمنحها مساحتها الخاصة ويكتفي كونه برفقتها دون جدل.
أما هي كانت بعالم موازي مليء.
بالتخبطات لا تعلم ما يحل بها فقط كل تعلمه أن بداخلها صخب يؤرقها وكم تتمنى أن تتخلص منه و تنعم بشيء من السَكينة والأطمئنان، لوهلة شعرت بفراغ بجانبها، وإن كادت تبحث بعيناها عنه وجدته يقف على مقربة يبتاع تلك الحلوى التي تعشقها، حانت منها بسمة حنين تحمل بين طياتها الكثير فكم ذكرها ذلك المشهد بطفولتها حين كانت تركض على البائع وتجبر والدتها ان تبتاعها لها وحين تنفذ رغبتها بالحصول على أكثر واحدة كانت تحتضنها تنعمها بدفئها وتخبرها بحنو أنها ستؤذي اسنانها، لكنها لم تقنع قط إلا أن خربت اسنانها بالفعل ولكن ليس بفضل دلال والدتها فقد كانت رحلت حين ذاك، بل بفضله هو فكلما كان يغـــضــــبها ويريد مراضاتها يجلبها لها.
انتشلها هو من دوامة ذكرياتها قائلًا وهو يمد يده بلفافة وردية كبيرة هشة من الحلوى:
عارف انك بتحبي غزل البنات
تناوبت نظراتها المشتتة بين الحلوى وبينه وتناولتها من يده واخذت تنظر لها بعيون مسبلة تغيم بالذكريات، تفهم هو ما أصابها ولكونه يعرفها عن ظهر قلب قال مواسيًا وهو يربت على ظهرها:
عارف أنها وحشتك بس مفيش حاجة بأيدنا غير ندعيلها.
كانت تقرص على شفاهها وتطرق رأسها دون أن تعقب حتى أنه ظن انها لن تفعل ابدًا ونـ.ـد.م حين جلب لها تلك الحلوى التي يعلم بما ذكرتها لذلك وجد ذاته يعتذر وهو يرفع بأنامله خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها بحركة حانية للغاية:
اسف مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وهمست بنبرة تحمل بطياتها الكثير من الألــم:
عمري ما نسيت علشان تفكرني
تنهد بعمق وهو يلعن ذاته بسره وصمت كي لا يزيدها عليها بحديثه، وبعد عدة ثوانٍ همست هي:.
فاكر زمان كنت لما بزعل وتحب تصالحني؛ تجبهالي لغاية ما سناني كلها سوست بسببك
أبتسم بحنين لتلك الأيام وقال مشاكسًا كي يستغل الأمر ويخفف عنها:
فاكر يا مغلباني، كنتِ مطلعة عيني بتتلككي ليا دايمًا ولو قولتلك صباح الخير من غير قصد كنتِ بتمسكِ فيا وانا كنت كل مرة أجري اجبهالك من مصروفي علشان تصلحيني
استعادت رباط جأشها وحانت منها بسمة صادقة نابعة من قلب تلك الطفل ذاتها حين أخبرته:
أنت كنت رخم وبتاخد حاجتي.
فاكر يوم عيد ميلادي و العروسة بتاعتى اللي حسن جبهالي عملت فيها ايه
ابتسم حين تذكر حنقه من أبن خالته المتلاعب حينها، وتذكر فعلته الشنعاء بتلك الدmية المسكينة ولكنه أنكر قائلًا ببراءة:
مش فاكر؟
وكزته هي بكتفه قائلة في غـ.ـيظ:
لأ فاكر، يومها صحيت من النوم لقيت العروسة مقصوص شعرها ومتشخبط على وشها وفستانها مقطع ومربوطة بحبل من رقبتها فوق سريري وانت قولتلي انها روح شريرة.
أنفجر هو ضاحكًا عنـ.ـد.ما تذكر كيف كانت مذعورة حينهاوظلت لأيام تجبر ابيها أن ينام برفقتها وهي مقتنعة تمامًا بحيلته.
وكزته مرة أخرى بكتفه ولم تستطيع منع نفسها من مشاركته ضحكاته قائلة بلا فائدة:
طول عمرك رخم
أجابها مشاكسًا:
أنتِ اللي كنتِ مبتسمعيش الكلام اعملك ايه قولتلك بلاش تاخديها منه وإني جايبلك واحدة أحلى منها بس انت عاندتي ورمتي عروستي واخدتي بتاعته وطلعتيلي لسانك.
كان يتحدث بعفوية تامة وحركات جسده متناغمة تمامًا مع بسمته البشوشة الهادئة التي تزين وجهه مما جعلها دون أي تعمد وجدت ذاتها تهيم به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزداد وجيبها، استكانت ملامحه حين ألتقط نظراتها ووجد ذاته يغوص بدفء عيناه بليل عيناها المشتتة وكم تمنى أن يرى بصيص أمل بداخلها ولكنه كان كالغريق الذي يظن أن نجاته تعتمد على المعافرة و قدرة تحمله على الصمود.
دام ذلك التواصل البصري لعدة ثوان كانت كفيلة أن تجعل ذلك الصخب الذي يعتمرها يسَكن ويهدأ تمامًا، حتى انها وجدت ذاتها تصرح له دون أي تفكير مسبق:
تعرف إني مبقتش أخاف منك
حانت منه بسمة حالمة تجيش بما يختلج بصدره وأجابها بنبرة صادقة للغاية وهو يرفع يدها ويلثمها ببطء أمام نظراتها المشتتة:
آسف لو اتعمدت اخــــوفك قبل كده، كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك.
ليتنهد تنهيدة حارة مثقلة وهو يحتضن كفها البـ.ـارد بين راحتيه ويستأنف بنبرة تدل على قلة حيلته في عشقها:
صدقيني غـ.ـصـ.ـب عني ببقى عايز أطمنك بعديها وأخبيكِ بين طيات روحي جنب قلبي وأحميكِ حتى من نسمـ.ـا.ت الهوا اللي بتعدي جنبك، أنت الروح لروحي يا نادين و وجودك جنبي دليل على حياتي.
كانت تستمع له بعيون لامعة وقد لامست كلمـ.ـا.ته الصادقة شغاف قلبها وزعزعزت قناعتها بكل براعة وحينها دق ناقوس الخطر وأعلن عن بدء تلك الحرب الضارية بين قلبها وعقلها ولكنه لم يمهلها الوقت لذلك فقد جذبها بقوة إليه ودفنها بين جنبات صدره واضعًا قبلة حانية على قمة رأسها وكأنه يود أن يكلل تلك اللحظات بقربها، بينما هي كانت تنوي أن تدفعه عنها وتحجج كون ذلك غير لائق بالطريق ولكن لحسن الحظ كان المكان معزول خالي من أي مارة، مما جعلها تستكين وتشعر بطمأنينة غير عادية وكأن صدره هو المأوى والمأمن الوحيد لها.
انتظر أن تتفوه بأي شيء من أجل أن تخلد تلك اللحظات بذاكرته ولكن طال صمتها مما جعله يهدر بمشاكسة وهو يأخذ قطعة كبيرة من الحلوى ويدسها بفمها:
مش هتنطقي ولا ايه؟ فين لسانك السبعة متر دلوقتي يا مغلباني؟
لملمت شتاتها وتناولت نفس عميق كي تحفز ذاتها ثم خرجت من بين يده مبتسمة بمكر وهي تستمتع بذوبان السكر بفمها قائلة وهي تتناول قطعة أخرى بتلذذ غير عادي:
كَلته القطة يا رخم و قوم بقى جبلي واحد تاني.
قهقه من جديد وقال وهو يمط فمه:
طِفسة
رخم
قالتها ببسمة مشاكسة وهي تخرج لسانها له و تدفعه كي ينهض عن المقعد و يمتثل لرغبتها، ليضـ.ـر.ب هو كف على آخر وتتعالى صوت ضحكاته، فرغم أنها ستتم الواحد وعشرون بعد أيام معدودة إلا أنها مازالت بمشاكسة تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة التي أحبها منذ أن سقطت عينه عليها.
بينما هي أخذت تتناول الحلوى بتلذذ لا مثيل له مستمتعة بتلك اللحظات التي تظنها لم تؤثر بها ولن تجعلها تحيد عن ما برأسها
↚
أنا دائما أستغني فلا تثق بي أبدا مهما بدوت لك مهتم فإن يدي لا تلوى وقلبي لا يهان وأنا لا أسقط فلا تراهن على قلبي أبدا.
نيرو.
ظلت تتملل بالفراش بِجانبه تنظر لظهره بحـ.ـز.ن أصبح يحتل كافة كيانها رغم صمودها، فكانت مترقبة لردة فعله و تعلم أنه لم يغفى بعد وتشعر بصوت انفاسه الغير منتظمة، تعلم أن تلك ال منار أخبرته بما حدث، والآن تنتظر منه أن يواجهها، ويعتذر عن خطيئته بحقها ولكنه لم يبادر للآن مما جعلها لم تتحمل أكثر لتزفر بنفاذ صبر وتهدر وهي تجلس على طرف الفراش:
اتكلم يا حسن يمكن ترتاح وتريحني...
زفر بقوة وأزاح الغطاء عنه وقال وهو يسحب علبة سجائره كي ينفث واحدة منها:
عايزاني أقول ايه ما انتِ طلعتي عارفة كل حاجة وروحتِ هددتيها ومعملتيش ليا أي اعتبـ.ـار
ابتلعت غصة مريرة بِحلقها من تبجحه وهدرت محتجة:
أنت جوزي وانا مأجرمتش أنا كنت بدافع عن بيتي وعنك
صدر من فمه صوت ساخر ينم عن سخطه وهدر متبجحًا وهو يطفئ سيجارته بالمنفضة اعلى الكومود ويهب واقفًا:.
انا كنت خايف ت عـ.ـر.في لكن طلعتي خبيثة وعارفة وبتمثلي عليا و بعد عملتك دي خلتيني أصمم اكتر
برقت عيناها وعاتبته بإنفعال مغلف بِخيبة أمل:
يعني ايه!؟ده بدل ما تعتذر وتنـ.ـد.م على خيانتك ليا
أجابها بثقة عارمة بذلك المبرر الواهي الذي يظنه يبرئ خطيئته وهو يلوح بيده امام وجهها:
أنا مخنتكيش انا بحبها، بحبها يا رهف وهتجوزها علشان مش هعرف اعيش من غيرها واظن ده شرع ربنا وحقي.
نزل حديثه عليها كالصاعقة ورغم أنها كانت تضع احتمالات عدة لردود فعله ولكنها لم تتوقع قط أن يخبرها بكل تبجح أنه يحب آخرى، مما جعلها تثور قائلة:
و أنا مفكرتش فيا؟
أنتِ مالك، زي الفل ومفيش حاجة ناقصاكِ...
صرخت به بعصبية مفرطة:
ناقصني انت يا حسن، ليه تخلي واحدة تانية تشاركني فيك...
أجابها باقتناع تام هيأه شيطانه له:
افهميني أنا مقدرش استغنى عنك ولا عن ولادي بس هي حاجة تانية...
نفت برأسها ووضعت يدها على اذنها ترفض ما تسمع وكأنها بأسوء كوابيسها، لتصرخ معاتبة بقهر:
بس انا مقصرتش معاك في حاجة
مقولتش أنك مقصرة
لملمت شتاتها قدر المستطاع كي لاتنهار أمامه وتهدر المتبقي من كبريائها الذي دهس تحت قدmه، وقالت كمحاولة أخيرة منها كي تقنعه يحيد عن ما برأسه:
فكر في ولادك وفي البيبي اللي جاي في السكة، بلاش تهد الكيان اللي ببنيه من سنين، صدقني دي نزوة وهتعدي.
نفى برأسه بعدm اقتناع وقال بيأس دون أن يراعي وطأة كلمـ.ـا.ته الطاعنة عليها:
مش نزوة، انا حاولت اسيبها وابعد لكن مقدرتش
ليكوب وجهها الشاحب بين راحتيه ويقول وكأنه بذلك يطمأنها غافل كونه طـــعـــنها لتوه بسكين ثلم:
صدقيني مفيش حاجة هتتغير، هبقى معاكِ ومع الولاد، مش هتحسِ بفرق، وهعدل بينكم
حقًا ستعدل بيننا، يا لك من رحيم، عطوف، أيها الخائن أتظن أني سأقبل بفُتاتك التي سوف تَمنّ عليِ بها، لا، وألف لا.
ذلك ما كان يدور برأسها عنـ.ـد.ما
نفضت يده وهدرت بشراسة لم تكن ابدًا تعرف إنها تكمن بداخلها:
أنا مستحيل أقبل بوضع زي ده
زفر بنفاذ صبر وأخبرها بإصرار مقيت:
و انا مش هتردد و خدت قرار ومش هرجع فيه
تمسكت مكان خافقها الذي يعتصر بين ضلوعها من إصراره المقيت ذلك وقالت بتماسك رغم الوهن التي تشعر به:
قرارك ده هيخسرك كتير اوي يا حسن.
لتترك الغرفة وتتوجه لغرفة أطفالها بينما هو لوح بيده يستهتر بوعيدها غافل أن زوجته ليست بضعيفة ولا ساذجة كما يعتقد هو، هي فقط تتهاون من أجله ومن أجل اطفالها مما جعله يظنها لقمة صائغة غافل أنه بإصراره ذلك أظهر شخصيتها الدفينة التي كانت تتوارى خلف رداء الطاعة والولاء له.
صباح الخير
قالتها هي ببهوت أصبح ملازم لها وهي تشرع بركوب السيارة بعدmا ألح عليها بلأمس أن تخرج من عزلتها، أبتسم هو وألتفت برأسه لمقعدها قائلًا بتشجيع بث بها السرور:
صباح الفل على عيونك، الحمد لله انك اقتنعتي أخيرًا وخرجتي
ليعتدل في جلسته ويسألها بترقب وهو يشعل موقد السيارة:
ها على فين العزم حضرتك؟
مطت فمها وأخبرته بعفوية:
محمد احنا بقينا اصحاب شيل التكليف لو سمحت وناديني بأسمي.
أبتسم من ذلك اللقب التي تطلقه على تقربهم، فهو إلى الأن غير مقتنع؛ كونه عكس ما تربى عليه، فداخله قيم راسخة أن لا يجوز تقارب رجل وامرأة تحت مسمى صداقة
ولكن يقسم أنه لا يعلم ما حل به ولا يود أن يجد تفسير الأن غير شيء واحد فقط هو كونه وعدها بالمساعدة ولابد أن يفي بوعده، وليست شفقة منه عليها بتاتًا بل بدافع نخوته وشهامته ك رجلّ
محمد سرحت فى ايه؟
انتشلته من مداهمة أفكاره ليتحمحم يجلى صوته الأجش قليلًا ويرد:
معاكِ يا ميرال
تنهدت بعمق، وصدى جملته يتردد بعقلها ورغم بساطة كلمـ.ـا.ته إلا أن تأثيرها كان يستقر في أعماقها ويشعرها براحة عارمة، وإن لاحظت نظراته المترقبة عبر المرآة قالت بنبرة هادئة:
عايزة أروح النادي
مفيش جامعة النهاردة.
باغتها بسؤاله، لتنكمش معالم وجهها وتجيبه باقتضاب بعدmا تذكرت مشادتها مع طارق وما سينتج عنها من همهمـ.ـا.ت وقصص واهية هي في غنى عنها:
لأ مش هروح
لاحظ ما أصابها ولكنه لم يريد أن يضغط عليها في معرفة السبب الحقيقي لرفضها، يعلم انها ستخبره ولكن من ذاتها ولذلك قال بلطف وهو ينطلق بها:
اللي يريحك.
استعد للذهاب إلى عمله بِمزاج عكر للغاية بسبب مواجهته لها الليلة الماضية، لوهلة شعر ببعض تقريع الضمير ولكن ذلك لم يغير شيء من قراره، تجمدت نظراته وهو يراها مشرقة ككل يوم تجلس على طاولة الطعام وتطعم أطفالها بحنو شـ.ـديد وهي تقص لهم أحد القصص الخيالية لتشجيعهم على الطعام، أبتسم دون شعور فهي دائمًا تخالف توقعاته فقد ظنها ستحـ.ـز.ن وتكتئب وستنقم عليه ولكنها ابهرته بثباتها و.جـ.ـعلت يظن أنها قد أذعنت لرغبته كما توقع، انتشله صوتها الناعم وهي تهتف برحابة:.
صباح الخير يا حسن
ابتلع ريقه بِحلق جاف ثم أجابها بتلعثم:
صباح، النور
=بابي
صرخ بها أطفاله وهم يركضون إليه لينحنى لمستوى كل منهم ويحتضنهم قائلًا بحنو:
قلب بابي وحشتوني
لترد شيري بغـــضــــب طفولي:
أنت كمان يا بابي بس أنا زعلانة منك علشان مشغول علطول ومش بتخرجنا ولا بتلعب معانا.
سايرها حسن وهو ينظر ل رهف كي تلاحق الموقف معه وتدافع عنه أمام اطفاله كما تفعل دائمًا ولكنها تجاهلت نظراته وظلت على ثباتها المستفز بالنسبة له تدعي انشغالها بتناول الطعام:
حاضر اوعدك هنخرج وهنعمل كل اللي انتوا عايزينه
ليعقب شريف :
أسكتِ أنتِ، علشان انا هقول لبابي حاجة مهمة
اشرأب حسن برأسه ليهمس شريف بإذنه:
جبتلي اللعبة اللي وعدتني بيها يا بابي
اغمض حسن عينه بأسف وقال معتذرًا:.
نسيت، معلش اوعدك او ما افضى هجبهالك علطول
يبقى عمرك ما هتجبها
قالها شريف بنزق وهو يمط فمه و بينما شيري اكتفت بنظرة مستاءة له جعلت وجهه يشحب و يتناوب النظرات بينهم ويعجز عن الرد لثوان قبل أن تهتف هي:
يلا يا ولاد هنتأخر على (bus ) المدرسة
وقبل أن ينصاعوا لها ويحملون حقائبهم ويتبعوها قال شريف وهو يطرق رأسه بأسف:
أنت مش بتحبنا يا بابي
شعر بغصة تتكون بحلقه وهو ينظر لأثرهم وحقًا شعر بالخزي من نفسه.
وحين عادت هي بعد بضع دقائق وجدته يجلس شارد على أحد مقاعد طاولة الطعام دون أن يمسس شيء من طبقه، تحاشت النظر له وتعمدت أنها تظل على ثباتها وهي تضب المائدة دون أن تعطي عدm تناوله لفطوره أي أهمية على غير عادتها مما استفزه أكثر و.جـ.ـعله يضـ.ـر.ب الطاولة بقبضة يده ويصـ.ـر.خ بهياج:
انا عارف أنتِ بتحاولي تعملي ايه
انتِ ازاي خبيثة كده، تقومي الولاد عليا علشان تحسسيني بالتأثير وأرجع في كلامي.
هزت رأسها بنفي قاطع وصرخت بوجهه بِشراسة لم يعتادها منها:
انا مش عايزاك ترجع في قرارك، بس من هنا ورايح أنت مجبر تتحمل نتيجة افعالك لوحدك...
لتتركه وتدخل غرفتهاوتغلق بابها بوجهه، ليزئر هو بغـــضــــب ويزيح الأطباق التي أمامه بيده محدث ضجيج أجفلها من موضعها ثم يغادر منزله وهو يصطحب معه مزاجه العكر.
داعب انفها رائحة عطره الممزوجة برائحة القهوة الشهية التي يعُدها خصيصًا لها كل صباح، لترمش عدة مرات لتجده يجلس بالمقعد المجاور لفراشها يتأملها كعادته لتقول هي بمشاكسة ممزوجة ببعض الغــــرور:
خدت عليا وعلى أوضتي اوي حضرتك
أبتسم وأجابها وهو يجلس بِجانبها و يزيح خصلاتها المبعثرة عن وجهها:
هتوحشيني
رفعت عيناها له وتسألت بترقب وهي تعتدل وتجلس تستند على جذع الفراش:
مسافر.
أومأ لها بقلة حيلة وأخبرها وهو يناولها كوب القهوة الممزوجة بالحليب خاصتها:
كلموني الصبح في توريدات جديدة ولازم أبقى موجود واستلمها بنفسي...
ليتنهد بعمق ويقول ببحة صوته المميزة التي تشتتها و.جـ.ـعلتها تكاد تغص برشفتها:
خلي بالك من نفسك يا مغلباني
احتمال اتأخر المرة دي ومش هعرف هرجع أمتى.
سعلت بخفة ثم وضعت الكوب أعلى الكمود وتعلقت عيناها به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزيد وجيبها لتجد ذاتها دون أي تفكير مسبق وعلى غير عادتها تجذب يده بين راحتها وتقول بصدق لا تعلم كيف صدر منها:
هتوحشني
تهللت أساريره وهو ينظر ليدها التي تحتضن يده وهمس بعدm تصديق:
بجد هوحشك.
هزت رأسها وهي تتحاشى النظر له، فما كان منه غير أن يجذبها لصدره ويدس أنفه بين فجوة عنقها ثم يتنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه المُولع بها ويهمس بعدها بنبرة صادقة لأبعد حد:
بحبك يا نادين، بحبك يا روح روحي ولو عليا نفسي ما فرقيش لأخر يوم في عمري.
تلك المرة الأولى التي يقولها صريحة لذلك الحد فسابقًا كان يلمح أو يذكر تشبيه مجازي لمشاعره ولكن الآن قال تلك الكلمة التي استقرت بأعماقها وزعزعت كافة قناعتها، و.جـ.ـعلت مقاومتها تتلاشى وقبل أن يصـ.ـر.خ عقلها سبقه قلبها.
إِياك! أن تطلب مني الصمود أيها العقل، فتلك النبضات العاصية تورق سَكينتي ولم أعد أحتمل ضجيجها، حتى حصوني التي شيدتها كي أُأَذرك بها أصبحت أنقاض بالية، لا نفع منها أمام هيمنته الطاغية عليها فحابًا بالله توارى خلفي لمرة واحدة وارأف بي وكف عن صخبك الغير محتمل.
وعند تلك النقطة تخلت عن مقاومتها وأغمضت عيناها وشـ.ـددت على عناقه أكثر، بينما هو كان يتنفس أريجها المميز باستمتاع تام وكأنه يريد أن يختزنه برئته لأطول وقت ممكن.
دام عناقهم لثوان معدودة ولكونه يعلم أن عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته قرر أن يفض ذلك القرب المهلك بالنسبة له، ولكن وجد ذاته كالمغيب ينثر قبلات متقطعة محمومة على سائر عنقها البض التي تزينه الشامـ.ـا.ت، والغريب بلأمر أنها لم تعترض ولم تنفر منه بل شعرت أنها تبدلت لآخرى لا تمت لها بصلة حين تجاوبت تحت وطأة تلك المشاعر الجياشة التي يغدقها بها، فقد تعالت وتيرة أنفاسها و وجدت ذاتها تمرغ جانب وجهها مع وجهه المدفون بين ثنايا عنقها بتجاوب وبنعومة أفقدته عقله و.جـ.ـعلته قلبه يطالب بالمزيد، والمزيد كان يكمن بين شفاهها التي أنهل عليها بقبلة هادئة، حالمة، تحولت لأخرى شغوفة متلهفة لأبعد حد وكأن ترياقه يكمن بين رحيق شفاهها، شعر برجفتها بين يده ومحاولاتها الفرار من حصار شفاهه ولكنه مازال لم يكتفي ويطمع بالمزيد ليكوب مؤخرة عنقها كي يدعم رأسها ويداعب بأطراف انامله خصلاتها بحركات حثية جعلت القشعريرة تنتابها ويحتل الخدر كافة جسدها و تعلن عن رايات استسلامها، وحينها تجاوبت معه وبادلته قبلته بشغف لا يقل شيء عن شغفه بها حتى انها كالمغيبة وجدت يدها تتحرك من تلقاء نفسها داخل خصلات شعره بحميمية تكاد تطيح بعقله وتفقده أخر ذرة تعقل به.
فقد دام تلاحم شفاههم لعدة ثوان قبل أن يتعالى رنين هاتفه ليكون هو كجرس تنبيه أيقظ كافة حواسها و.جـ.ـعل وتيرة أنفاسها تتعالى شيء فشيء وهي تدفعه عنها، ليبتعد بمضض وبعيون مثقلة و بأنفاس ثائرة يستند بجبهته على خاصتها ويمرر إبهامه على شفاهها المنتفخة بزهو وهو لا يصدق ما حدث، وقبل أن يقول أي شيء كانت هي كعادتها توئد سعادته وتزيحه عنها وتنتفض راكضة نحو مرحاض غرفتها تغلق بابه وكأنها لا تقوى على مواجهته، حاول أن يسيطر على زمام نفسه بعد فعلتها وكم شعر بالسوء حين فرت من مواجهته واستشعر نـ.ـد.مها ليقول بنبرة متهدجة وهو يلحق بها ويطرق باب المرحاض:.
نادين افتحي خلينا نتكلم، انا عمري ما قصدت أفرض عليكِ مشاعري، بس غـ.ـصـ.ـب عني أنا راجـ.ـل
لم يأتيه ردها بل فقط صوت أنفاسها المتعالية ليزفر بقوة وهويمرر يده على وجه وكأنه على حافة الجنون، ولكونه يعلمها ويعلم طريقة تفكيرها قال بنفاذ صبر وبنبرة مغلفة بعزة النفس متغاضي عن أنين قلبه:
عارف انك نـ.ـد.مانة بس متقلقيش، مش هتعشم وعارف ان اللي حصل ده مش هيغير حاجة.
ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يغادر بخطوات غاضبة يتأكلها الغـــضــــب أما هي فقد تحسست بأناملها شفاهها التي وشمها بقبلته وهي لا تصدق أنها سمحت له بفعل ذلك، لتزفر بقوة وهي تمرر يدها بخصلاتها و تجلس على سور حوض الاستحمام بإنهزام ثم دون مقدmـ.ـا.ت أخرى كانت دmعاتها النادرة تنهمر بغزارة تنعي حالها لسبب هي وحدها تعلمه.
أما عند صاحب البُنيتان القاتمة كان يجلس يباشر عمله حين دخل أحد موظفيه وأخبره:
محتاج توقيع حضرتك يا فنـ.ـد.م
أومأ له حسن وقام بسحب الملفات من بين يده وقام بتوقيعها وهو يقول بِعملية:
احتمال اغيب عن الشركة كام يوم مش عايز تقصير وزي ما سلمنا الوحدة الأولى من غير ولا غلطة عايز العمال يشـ.ـدوا حيلهم علشان الوحدة التانية تتسلم في ميعادها، وياريت تشرف على كل حاجة بنفسك وتعملي تقرير وافي لما ارجع.
تمام يا فنـ.ـد.م حبيت ابلغ حضرتك أن ?يلا العاشر جهزت زي ما حضرتك أمرت.
أومأ له حسن بامتنان ثم أشر له بالانصراف وهو يستند بأريحية على مقعده الدوار فقد قام بكل التجهيزات اللازمة لزيجته وقد قرر أن يتخذ تلك ال?يلا التي يملكها منزل زوجية له مع منار فقد رفضت رهف أن تعيش بها سابقًا متحججة أنها لن تترك شقتها التي أسست كل ركن بها وشهدت على سنواتهم الأولى معًا، زفر بقوة وهو يتذكر حديثها الشرس له الذي يحمل شيء من الوعيد ولكنه حاول طمأنت ذاته أنها أضعف من أن تفعل أي شيء ويعلم أنها مسألة وقت ليس أكثر وستتقبل الوضع.
كان غارق في أفكاره حتى أنه لم يلحظ دخولها وجلوسها على طرف مكتبه إلا أن همست بِغنج:
سُونة سرحان في إيه؟
تحمحم وأجابها ببسمة مبتسرة:
في الشغل هيكون في أيه يعني يا منار
لوت شفاهها المطلية وقالت وهي تميل عليه بِجزعها بطريقة بـ.ـارزة لمنحنياتها المغرية نصب عينه:
كده وانا اللي كنت بفكرك سرحان فيا وفي السعادة اللي هعيشك فيها بعد جوازنا، ده أنا مش مصدقة أن خلاص هنكتب الكتاب بكرة.
تركزت نظراته محل ما أرادت وقال بِغريزة رجولية بحته:
أنا كمان مش مصدق أنك هتبقي بتاعتي يا منار ده أنا كنت هتجنن
بعد الشر عليك يا سُونة
قالتها بهمس مغري أمام وجهه وعينه لم تفارق شفاهها حتى أنه ابتلع ريقه برغبة بائنة وكاد يُقبلها إلا أنها، ألتمع الخبث بعيناها وتراجعت في آخر لحظة قائلة وهي تعتدل في وقفتها:
هانت أصبر وبعدين انت وعدتني ننزل نشتري الشبكة النهاردة
أومأ لها برحابة لتستأنف هي بغنج تجيده:.
أنا كمان عايزاك تشتري معايا لوازم الجواز
لتميل عليه من جديد هامسة بإثارة في أُذنه، وبجرأه تعمدتها كي تلهبه:
لازم ال(Lingerie ) بتاعي تختاره كله على ذوقك يا سُونة
حل رابطة عنقه وأخبرها بتحشرج أثر النيران التي تشعلها به ولم ترضى إضرامها في كل مرة:
تمام، بعد الشغل هروح معاكِ
لتبتسم هي وتضع قبلة عابرة على وجنته قائلة بغنج زائد أنهكه على الأخير:
أحبك يا سُونة.
عرضت عليه أن يرافقها للداخل ولكنه رفض وبعد وقت قليل من جلوسها بمفردها بالداخل كانت تشعر بالضجر الشـ.ـديد، فكرت أن تعود للمنزل تمكث داخل غرفتها وتنعم بعزلتها، ولكنها تخــــوفت حين تذكرت حديثه أنها من الممكن أن تخور مقاومتها وتفقد عزيمتها وتهاجمها تلك الأفكار السوداوية من جديد ولذلك أقتنعت بحديثه وغادرت المنزل وهنا وجدت ذاتها تتذكر أقتراح والدها بعرضها على طبيب نفسي لا تعلم لمَ رفضت ولكنها تعلم أنها لم تفقد عقلها بعد لتكون بحاجة لذلك بدليل أنها ما أن توقفت عن أخذ تلك الحبوب ليومين كاملين تشعر بتحسن ورغم إلحاح عقلها وتعود جسدهاإلا أنها ستقاوم تلك المرة ولن تضعف فهو محق لابد من المحاولة ليس من أجل أحد بل من أجلها هي.
وعنـ.ـد.ما أتى هو بِخاطرها وجدت ذاتها تبتسم وتنهض تهرول للسيارة التي ينتظرها بداخلها لعلها تنعم ببعض الصُحبة بيومها.
ولكن تجمدت ملامحها عنـ.ـد.ما وجدته يوليها ظهره ويتحدث في الهاتف قائلًا:
تمام يا حبيبتي والله هحاول
، انا مقدرش على زعلك
شحب وجهها ووقفت لا تعلم ما بها وحين لاحظ وقوفها بالقرب أغلق المكالمة وقال مستغربًا حالتها:
ميرال مالك حد ضايقك؟
نفت برأسها وقالت بإقتضاب وهي تشرع بركوب السيارة:.
لأ زهقت وعايزة أروح
أومأ بطاعة وإن كاد يصعد إلى السيارة تعالى رنين هاتفه مرة آخرى، تأهبت هي من موضعها داخل السيارة، بينما هو تنهد ورد بنفاذ صبر:
أنا في الشغل عيب كده قولتلك حاضر و كفاية زن
صمت لبرهة ثم أجاب الطرف الثاني بمسايرة:
حاضر اول ما اخلص الشغل هاجي اخدك علطول
وعنـ.ـد.ما أتاه جوابها قهقه بقوة قائلًا بخفة أغاظت تلك التي تترصد مكالمته من موضعها:
بقى كده يا اوزعة وربنا هعلقك بس أجيلك.
ذلك أخر ما نطق به قبل أن يغلق الخط و يصعد للسيارة ويشعل الموقد غافل أنها تكاد تمـ.ـو.ت من شـ.ـدة فضولها وإن كادت تسأله، اتاها صوته الأجش يخبرها بكل أريحية:
آسف بس دي طمطم بـ.ـنت أختي ومن الصبح مفصلتش علشان وعدتها أوديها الملاهي النهاردة
ابتسمت بـ.ـارتياح لا تعلم سببه ثم قالت أول شيء جال بخاطرها دون تفكير:
ربنا يخليهالكم يا محمد
لتصمت برهة وتسأل بتردد:
هو ممكن أجي معاكم.
أبتلع ريقه مصعوق من طلبها الغير متوقع بالمرة وشيء ما في أحشائه يتراقص فرحًا لا يعلم ما حل به، ليجد ذاته يرحب بها وينطلق بالسيارة وعلى وجهه وجهها بسمة لا تنم غير على حماس لا مثيل له.
أبتاع لها خاتم من الذهب الأبيض المرصع بأحجار صغيرة من الألــماس فقد قامت هي بأنتقاءه بنفسها وصممت عليه رغم بهظ ثمنه، فما كان منه غير أن ينصاع لرغبتها.
ولساعات عدة كان يتسوق معها دون تذمر أو كلل بالعكس تمامًا كان مستمتع وسعيد للغاية كونها أرضت غــــروره كرجل وإنصاعت لكل رغباته بكل ما يخصها، انتقى كل ما لفت نظره وآثار غريزته في رؤيته عليها، أما هي فقد فاجأته بأختيارتها لأشياء غير مألوفة له وكم استغرب كم هي جريئة و منفتحة لذلك الحد ولكن لا ينكر أنها راقته بشـ.ـدة وخاصةً أن اختياراتها واثقة لا تتردد بالحصول عليها، تعرف ما تريد على عكس زوجته تمامًا مما جعله ولأول مرة يشعر بالرضا.
وتكاد تتسع بسمته من الأُذن للأُذن وهو يخرج بطاقته الائتمانية ويناولها للمختص كي يسدد منها ثمن مقتنياتها المثيرة كما أطلق عليها وهو يمني نفسه بليالي حالمة جامحة برفقتها بعد زواجه منها.
يوم مليء بالمرح، لم تترك لعبة واحدة ولم تشارك الصغيرة بها وكأنها تماثلها بالعمر، فكانت ضحكاتها عفوية صاخبة تتردد على مسامعه كالحن عـ.ـذ.ب يراقص كل حواسه، وكم راقه عفويتها وبساطتها معه ومع بـ.ـنت شقيقته وها هو يجلس بجوارها يتناولون المثلجات أثناء
مشاهدة الصغيرة وهي تلهو داخل ذلك الركن المؤمن للأطفال.
فقد لوحت الصغيرة لهم بسعادة تدل على استمتاعها، لوهلة تعلقت نظراته ب ميرال وهي تلوح لها ببسمة ساحرة لأول مرة يراها تغلف ملامحها، ليتنحنح كي يجلي صوته ويقول:
طمطم شكلها حبيتك
أجابته وهي مازالت محتفظة ببسمتها:
وانا كمان حبتها اوي واول مره اجي الملاهي وانبسط كده.
أبتسم وبندقيتاه تتعلق بها وهي تلتهم المثلجات التي أصرت انها تكون بنكهة الفراولة التي تشابه حباتها الذي دون قصد وجد عينه تتركز عليها، لتتسع بسمته ويشير على زاوية فمها قائلًا:
هنا في أيس كريم.
ارتبكت وقطمت شفاهها تمسح فمها وهي ترفع فيروزتاها له لتنتفض دواخلها عنـ.ـد.ما وجدت عينه تتجول على ملامحها ببطء وكأنه يدرس تفاصيلها وكم راقتها نظراته المغلفة بالاهتمام التي لم تحظى به من قبل، ومع تشابك نظراتهم دق ناقوس الخطر بعقله يخبره أنه تخطى حدود منطقه، ليزيح عينه بعيدًا ويسألها كي يؤد ذلك الشعور بداخله:
كنتِ بتروحي مع والدك؟
كانت مازالت مرتبكة ولكنها أجابته بنبرة تحمل بين طياتها الكثير وهي تنظر لنقطة وهمية بالفراغ:
لأ بابا كان علطول مسافر أو مشغول و داده مُحبة هي اللي كانت بتوديني الملاهي بعد ما أقعد اتحايل عليها ومكنتش بتركب معايا
لتحين منها بسمة باهتة وهي تستعيد ذكرايتها من جديد:
حتى مرة قعدت أعيط كان نفسي أدخل بيت الرعـ.ـب بس هي مرضتش ابدًا ولما اقترحت أنها تدخل معايا قالتلي انها عندها القلب ومش هتستحمل.
تنهد في عمق ثم مسد جبهته بِسبابته وابهامه وهو يدرك تدريجيًا سبب ما توصلت له، ليجد ذاته ككل مرة يتعلق الأمر بها يضـ.ـر.ب بكل شيء عرض الحائط، ويقترح بحماس وهو يسحبها من يدها بعدmا نزع المثلجات منها:
طب يلا
عقدت حاجبيها وتسألت بشـ.ـدوه وهي تطالع قبضة يده على أناملها:
على فين؟
أجابها ببسمة مشاكسة وهو يجرها خلفه:
هندخل بيت الرعـ.ـب ومتقلقيش العبد لله قلبه حديد وهيدخل معاكِ.
أتسعت بسمتها وهي لا تصدق أنه سيفعلها ولكن عنـ.ـد.ما جلسوا سويًا بعربة واحدة وسارت بهم في ذلك السرداب المظلم لا تذكر شيء غير صراخها الممزوج بضحكاته وتشبثها به كالأطفال تنتفض من شـ.ـدة ذعرها،
غير عابئة أن ذلك القرب يدعم تلك البراعم المتنامية بقلبه.
ترفض وتستنكر كل شيء حتى أنها تمردت على مشاعرها التي تكاد تقــ,تــلها قهرًا.
فمنذ ذكرى وفاة والدتها واحتوائه لها و زيارة خالها وهي لا تعرف ما أصابها، تنظر له نظرات هي ذاتها لاتعرف ماهيتها، تشرد في معاملته وتشعر بالتشتت وخاصةً عنـ.ـد.ما صدق بوعده ومنحها بعض من المساحة لذاتها ورغم حظره وتلك التعليمـ.ـا.ت اللعينة التي يغدقها بها إلا أنها كانت تتغاضى عن ذلك الشعور بداخلها الذي سطع واكتسح تمردها حين سمحت له بتقبيلها لا والأنكى أنها بادلته وكانت مأخوذة بدفء ذراعيه، فقد أدركت حينها أن ذلك الشيء التي طالما تخــــوفت منه قد حدث ولابد أن تسترد عزيمتها من جديد وتتمرد على سطوة مشاعرها التي تنجرف نحوه وعند تلك الفكرة أخذت تلعن ذاتها بصوت جهوري وهي تتدلى من سيارة الأجرة التي أوصلتها لوجهتها وظلت تسأل ذاتها كيف أحتل تفكيرها هكذا وكيف استدرجها و.جـ.ـعلها تتهاون في سبيل انتقامها لتوبخ ذاتها بتمرد كعادتها:.
انتِ اتجننتِ باين عليكِ، اوعي تنسي ده الراجـ.ـل اللي ذَلك هو وأمه وكانوا سبب في مـ.ـو.ت أمك
اوعي تنسي، يا نادين لتتناول نفس عميق وكأنها استعادت لتوها روح الأنتقام بداخلها وذلك التمرد الذي سيكون سبب نكبتها، وأخذت تتأمل أضاءة لافتة المكان المنشود ثم حانت منها بسمة منتصرة متشفية كونها عاندته وتغلبت على كبته لحريتها وتحجيمها فقد
استغلت سفره وكعادتها فرت من المنزل بوقت متأخر بعد أن خدرت ثريا كالمرة السابقة.
رحبوا بها أفراد شلتها وأخذوا يرقصون ويهللون ما ان رأوها، ولكنها لم تعير أحد منهم أي أهتمام فهي هنا لغرض واحد فقط هو أن تعود لتمردها وتنفضه من تفكيرها فقد رقصت، شربت، حتى انها سحبت من أحدهم سيجارة غير بريئة بالمرة وظلت تنفثها، كانت في حالة من الجنون لم تعي لشيء سوى رقصها بين ذلك الحشـ.ـد من الشباب إلى أن شعرت بقبضة من حديد تقبض على ذراعها وتجرها خارج نطاق حلبة الرقص، تأوهت بقوة وصرخت:.
سيب ايدي أنت اتجننت
دفعها بقوة نحو المرحاض وحين دلفوا للداخل أغلق بابه ولم يهتم بتفقد حجراته إن كانت شاغرة، أم لا، فكل ما كان يشغله حينها هو كيف تمكنت من التواجد هنا دون اخبـ.ـاره.
بتعملي ايه هنا وازاي سمحلك تخرجي وليه مكلمتنيش؟
لوحت بيدها وأخبرته بثمالة:
جاية اتبسط، وبعدين أنا مصدقت هو يسافر جاي أنت بتخـ.ـنـ.ـقني.
جذبها مرة آخرى ودون أي مقدmـ.ـا.ت كان يضع رأسها تحت صنبور المياه البـ.ـاردة كي تفيق، دفعته عنها و اعادة صراخها به:
انت مـ.ـجـ.ـنو.ن سيبني يا طارق
أجابها في عصبية وبنبرة قاتمة:
لأ مش هسيبك غير لما تفوقي، وتقوليلي بتتهربي مني ليه؟
تقهقرت بخطواتها وهي تمرر يدها بخصلاتها التي بللت ملابسها و تأففت:
يوووووه، علشان أنت غـ.ـبـ.ـي وهتفضحنا وكمان مش بحب اللي يخـ.ـنـ.ـقني ويفرض عليا حاجة.
لا يعلم لمَ تذكر حديث ميرال لتوه مما جعله يقبض على ذراعيها ويصـ.ـر.خ بها:
أنا مش بخـ.ـنـ.ـقك وبعدين أنا مش زي حد، هو الغـ.ـبـ.ـي مش أنا ولو فاكرة انك هت عـ.ـر.في تستغفليني زي ما بتعملي معاه تبقي غلطانة أنا لحمي مر يا نادو ومش واحدة زيك اللي هتعرف تلاعبني
ابتلعت ريقها بعيون زائغة من تهديده الصريح لها ولكنها لم تود أن تشعره بوطأة حديثه في نفسها لذلك هدرت بثبات مصتنع تدعي عدm الاكتراث:
أنا زهقت من غبائك...
غلت الدmاء برأسه بعد نعتها له بالغـ.ـبـ.ـي مرة آخرى ليقبض على رسغها يعتصره ويجذبها له لترتطم بصدره قائلًا من بين أسنانه:
يعني افهم إيه من كلامك ده؟
تلوت بين يده ودفعته بصدره كي يحل وثاقها هادرة بإنفعال وبشراسة:
أفهم زي ما تفهم وأبعد عني...
احتدت سودويتاه بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يسيطر على حركتها ويقبض على رسغها الأخر يحكم قبضته عليه خلف ظهرها، ومع تلويها بين يده وسبها أياه كان يستغل الأمر لصالحه بدهاء و ينقض بشفاهه الغليظة يُقبلها قبلة قاسية دون أي رحمة، جحظت عينها وظلت تدفعه بكل ما أوتيت من قوة ولكنه كان كالسد المنيع أمام دفاعتها فما كان منها غير أن تقطم شفاهه بأسنانها مخرجة دmائه، ليبتعد هو ويلعنها بفجوج وهو يتحسس فمه الذي يقطر دmٍ وقبل أن يصدر منه أي ردة فعل أخرى كانت تباغته بلطمة قوية على وجهه نزلت كالصاعقة عليه لتهرول هاربة من أمامه وهي تمسح شفاهها بتقزز وتشعر أنها ستتقيأ من شـ.ـدة نفورها و اشمئزازها وقبل أن تهم بالخروج من المكان كان هويحاول جذبها قصرًا، لتصرخ مستغيثة وحينها تدخل أحد أفراد الأمن كي يردعه عنها ولكن طارق ثارت ثائرته وهاجمه وإن تدخل رفاقه وانضم أفراد الأمن لهم تفاقم الأمر وأدى إلى شجار محتد بين الطرفين، ليصبح المكان في غضون دقائق إلى حطام مما جعل مالك المكان يستدعي الشرطة لكي يفض التشابك ويصحبهم جميعًا على قسم الشرطة.
انت بتقول ايه قسم أيه؟
قالها يامن بشـ.ـدوه تام بعدmا تلقى أحد المكالمـ.ـا.ت الهاتفية التي أتته من القاهرة تخبره بتواجدها بأحد الأقسام ليلعن تحت انفاسه الغاضبة ويرتدي ملابسه بعجالة وما أن وصل لسيارته، أجرى مكالمة هاتفية بالمحامي الخاص به وأخبره أن يسبقه إلى هناك وانه سيأتي على الفور، لينطلق بسيارته بسرعة جنونية تارك خلفه عاصفة ترابية تشابه عاصفة قلبه.
ترى ماذا سيكون مصيرها على يده حين يعلم بواحدة من تلك الخطايا التى تظنها هي بريئة مبررة في حين هي لم تكن إلا آثمة، فادحة، في حق ذاتها قبل أي شيء.
حقًا لن أشفق عليكِ أيتها المتمردة وقد آن الآوان أن تجنين ثمار ما زرعته يدك الآثمة.
↚
ما زلتُ أتساءلُ بعد كلِّ هذه السّنوات أين أضع حبّك اليوم؟ أفي خانةِ الأشياءِ العاديّة التي قد تحدُثُ لنا يومًا كأيّة وعكةٍ صحيّة أو زلّة قدmٍ أو نوبة جنون؟ أم أضعه حيث بدأ يومًا؟ كشيءٍ خارقٍ للعادة، كهديةٍ من كوكبٍ لم يتوقّع وجوده الفلكيّون، أو زلزالٍ لم تتنبّأ به أية أجهزةٍ للهزّات الأرضيّة أكنت زلّة قدm أم زلّة قدر؟
رواية(ذاكرة الجسد)
أحلام مستغانمي.
لايعلم كيف قاد سيارته بتلك السرعة الجنونية كي يصل لها فقد كان غاضب لأبعد حد والعديد من السيناريوهات تدور برأسه وتكاد تفحم تفكيره من شـ.ـدة سودويتها، وها هو قد وصل لتوه مهرولًا للداخل بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب وحين وجدها تسير برفقة المحامي في طريقهم للخارج جز على نواجذه بقوة وكور قبضة يده حتى نفرت عروقه وصرخ بأسمها بنبرة قوية جعلتها تتجمد بأرضها:
نادين.
ما أن سمعت صوته ورأته بمرمى بصرها أرتجف جسدها وزاغت نظراتها بخــــوف فكانت هيئته مرعـ.ـبة ولا تبشر بالخير بتاتًا ولذلك حاولت الأحتماء بظهر المحامي وهي متوجسة خِيفة منه، ولكن هو اختصر المسافة بينهم بخطوتان ليس أكثر وهدر بنبرة تقطر بالوعيد:
أنتِ فِكرك في حد هيقدر يحميكِ مني
تدخل المحامي ببديهية كي يحيل بينهم قائلًا:.
اهدى بس يا استاذ يامن هي كويسة وكل الحكاية انها كانت سهرانة مع صحابها وحصل مشاجرة عادية والموضوع اتساوى بشكل ودي قبل ما يتحول للنيابة
أغاظه بشـ.ـدة تبسيطه للأمور رغم فداحتها بالنسبة له، فما كان منه غير بسمة متهكمة وقوله بنبرة غاضبة أرجفت اوصالها و.جـ.ـعلتها تتشبث بظهر المحامي أكثر:
المفروض افرح انا بعد الكلام ده واقول للهانم مراتي كفارة مش كده!
قالها وهو يجذبها بعنف من خلف ظهر الآخر، ويتفاجئ بذلك الثوب اللعين التي ترتديه ويكشف الكثير من جسدها لينظر لها مشمئزًا و يجز على نواجذه حتى ظهر ذلك العرق النابض بجانب فكه وأخذ ينفض في غـــضــــب وهو ينزع سترته ويقذفها بعنف بوجهها، انتفضت هي من فعلته ولكن كرد فعل سريع منها ضمتها إلى صدرها كي تستر بها ذراعيها و تتحاشى تلك النظرات القـ.ـا.تلة بعينه وقبل أن يتفوه المحامي بكلمة أخرى أزاحه من أمامه وجرها خلفه إلى أن وصل لسيارته وحينها دفعها داخلها وانطلق بها إلى المنزل وهو يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد، بينما على الجانب الآخر كان هو يشاهد من بعيد حتى أنه ود أن يتدخل لولآ أن منعه صديقه فايز وتمسك بذراعه بأخر لحظة قائلًا:.
اهدى يا طارق ومتبوظش الدنيا أنت كده هتفضحها، احنا ما صدقنا انها عدت على خير وابوك عطى الأمن وصاحب المكان قرشين وخلاهم مجبوش سيرتها ولا سبب الخناقة
أومأ له طارق يؤيده:
عندك حق كويس انه اتدخل وحل الموضوع قبل ما يكبر ويوصل للإعلام لينظر لآثارهم ويستأنف:
بس أنا خايف يأذيها الغـ.ـبـ.ـي ده
طمأنة فايز قائلًا بمكر:
متقلقش نادو قوية مـ.ـيـ.ـتخافش عليها ليكبت ضحكته وهو يتذكر ذلك المشهد الذي انفرد به ويقول ساخرًا:.
دي رزعتك حتة قلم طبق وشك يا صاحبي
زفر طارق أنفاسه غاضبًا من سـ ـخـــريــة صديقة التي ليست بِمحلها وقال ناهرًا:
أظبط يا فايز أنا مش فايقلك وقولي عملت اللي قولتلك عليه؟
أومأ له فايز بنعم، لتحتد سوداويتين طارق ويقول بنبرة متأملة:
هانت يا نادو بكرة مش هتكونِ غير ل طارق وبس.
نظرت للمرة الألف بعد المائة لهاتفها ولتلك الرسالة التي أتتها اليوم من المصرف تعلمها بشأن حسابها المشترك معه وانه تم سحب مبلغ كبير منه، كادت تجن وظلت تفكر مليًا وعقلها يتأرجح بين أن تواجهه، أَم تصمت كي لا يتخذ حذره، حسمت أمرها حين رأته يدلف بِمزاج رائق للغاية يدندن غير عابئ بها، حاولت الثبات قدر المستطاع واخراس عقلها ولكن وجدت صوت قلبها يخرج متسائلًا:
كنت معاها مش كده؟
زفر أنفاسه وقلب عينه بملل ولم يجيبها بل توجه لغرفة النوم
يفتح خزانته ويسحب أحد ملابسه البيتية مما جعلها تتبعه و تجذبه من ذراعه وتصرخ به:
رد عليا، كنت معاها؟
كان يحاول ألا يعكر صفوه في مجادلة لا نفع منها بالنسبة له ولكن هي لم تصمت بل جذبته من ذراعه وصرخت به مرة آخرى بإصرار عجيب وكأنها لا تعرف إجابة لسؤالها:
رد عليا انا بكلمك.
أغاظه تطاولها، ليتخلى عن بروده ويقبض بقوة على ذراعيها يُأرجحها في عنف بين يده قائلًا بنبرة قاسية أمام وجهها:
عايزة ت عـ.ـر.في ايه ها؟
اه كنت معاها، وهبقى معاها علطول علشان أهرب من القرف والملل اللي أنتِ معيشاني فيه
نزل حديثه عليها كدلو ماء بـ.ـارد في
ليلة قارصة البرودة و.جـ.ـعلها تتحسر على تنازلاتها وعطائها الذي لم يقدره يوم ولذلك كررت حديثه بسـ ـخـــريــة مريرة:
قرف، وملل للدرجة دي أنت جاي على نفسك لأ كتر ألف خيرك.
نفضها عنه متأفف بذلك المبرر الذي هيأه شيطانه له:
يووه متحسسنيش أني مذنب و بلاش دور الضحية ده وحطي في اعتبـ.ـارك انك أنتِ السبب
انكمشت معالم وجهها وتسألت بشـ.ـدوه:
أنا، طب ازاي، انت مش لاقي حاجة تعلق عليها اخطائك غيري مش كده!
نفى برأسه وهدر مبررًا بسخط وبكل ثقة وكأن ما يقوله هو المنطق في حد ذاته:.
لأ انتِ السبب قــ,تــلتي شغفي ووقفتِ حياتي بسلبياتك و روتينك الممل، انا محتاج ست تبقى قوية واثقة في نفسها وعندها طموح واقدر اعتمد عليها، ليصمت لبرهة يوليها ظهره يتحاشى النظر لها ثم يستأنف بمغزى يعلم انها ستتفهمه جيدًا:
والأهم من كل ده تعرف ازاي تسعدني وتراضيني بالطريقة اللي انا حاببها...
كان ينتظر أنهيارها أو غـــضــــبها عليه ولكنها فاجأته بردة فعلها عنـ.ـد.ما أخذت تقهقه بملء صوتها وقولها بنبرة متهكمة جعلته يلتفت مستغربًا:
وعلشان كده فكرت تكافئ الذكر اللي جواك وتتغاضى عن حاجات كتير أوي، يا حـ.ـر.ام...!
قالت أخر كلمة بتعاطف مصطنع وبنبرة هازئة تعمدتها مما جعله يجعد حاجبه ويضيق عينه متأهب لبقية حديثها الذي تفوهت به بالفعل ولكن بعد أن هزت رأسها وأزاحت بسمتها شيء فشيء عن وجهها وبدلتها للأشمئزاز:.
برافو عليك بصراحة اختيارك موفق جدًا ويستاهل أنك تتنازل عن نخوتك وتقبل على نفسك تتجوز واحدة سمعتها زي الزفت، وكل ده ليه؛ علشان أنت حد غـ.ـبـ.ـي واناني ومفرقتش حاجة عن الحـ.ـيو.انات اللي غرايزهم بتتحكم فيهم يا حسن
قالت حديثها دفعة واحدة بوجهه دون لمحة ضعف واحدة بل بشراسة هجومية فاجأته كثيرًا و.جـ.ـعلته.
لم يتمالك أعصابه بعد أن أهانت كبريائه كرجل ببراعة، فما كان منه إلا أن دفعها دفعة قوية من شـ.ـدتها سقطت على الفراش بخلفها متأوها مغمضة العينين، ليصـ.ـر.خ هو بها بإصرار مقيت نخر قلبها وزاد من آلامها:
برضو مش هت عـ.ـر.في تخليني اغير رأي يا رهف وانا غلطان إني كنت بحاول اطيب خاطرك وابرر ليكِ واعملي حسابك كتب كتابي بكرة وهاخدها واسافر.
لو كانت الكلمـ.ـا.ت تقــ,تــل لكانت الآن لقت مصرعها على يده ولكنها صمدت رغم أنين قلبها، فلن تصرخ ولن تنهار باكية حتى لا تشمئز من ذاتها وتصبح مثيرة للشفقة أمامه، ولذلك لملمت شتاتها هادرة وهي ترفع رأسها بشموخ متحدية إياه بنظرات مستنفرة ضاربة بكل شيء عرض الحائط في سبيل أن تحتفظ ببقايا كبريائها الذي دهس تحت قدmه:.
لو فاكر باللي انت عملته ده أثبت أنك راجـ.ـل تبقى غلطان، انت عملت كده علشان انا عريت حقيقتك البشعة اللي عمري ما اكتشفتها غير دلوقتي، لترشقه بنفور وتضيف بحسرة وبنبرة ممزقة من شـ.ـدة خذلانها:
ياه أد ايه كنت مخدوعه فيك وشيفاك حاجة كبيرة اوي بس دلوقتي انا خلاص الغشاوة اللي على عيني اتشالت وبقى عندي الجرأة إني أقولك بعلو صوتي انا مش عايزة أكمل معاك، طلقني يا حسن.
قالت آخر جملة بصوت جهوري وبإصرار عجيب أجفله و جعل الدmاء تغلي برأسه
لينقض على ذراعيها يرفعها لمستواه قائلًا برفض قاطع وبنبرة هستيرية:
طـ.ـلا.ق انا مش هطلق وميهمنيش أنتِ شيفاني ازاي وغـ.ـصـ.ـب عنك لازم تتقبلي الوضع الجديد لأن
مش من حقك تعترضي أنا راجـ.ـل يعني اتجوز مرة واتنين وتلاتة كمان؛ ده حقي وشرع ربنا.
رغم كل الأعاصير التي تضـ.ـر.ب بكيانها من تبريره للأمر إلا أنها صرخت في عناد و بشراسة لم تكن ابدًا من طباعها:.
مش هيحصل و هتطلقني غـ.ـصـ.ـب عنك
صدر من فمه صوت ساخر مستخف ثم قال بعد أن هيأ له شيطانه ضرورة تذكيرها بسُلطته ومدى ضعفها و قلة حيلتها أمامه ولذلك تعمد أن يرهبها كي لا تجرأ على التفوه بتلك الترهات مرة آخرى:
خليكِ عاقلة يا رهف وحافظي على بيتك وعلى عيالك ومتخلنيش أعمل حاجات تو.جـ.ـعك
استشعرت التهديد بنبرته مما جعلها تنظر له بعيون أبية ترفض أن تذرف الدmعات هدرًا من أجله، وعقبت على حديثه بترقب:
قصدك إيه؟
أبتسم منتشيًا ونفضها عنه و أجابها بتهديد مقيت بعدmا أزاحها من أمامه وتوجه للفراش يتمدد عليه بكل اريحية غير عابئ بأنين قلبها:
مفيش طـ.ـلا.ق وإياك تنطقي بيها مرة تانية ده لو عايزة تحافظي على ولادك في حـ.ـضـ.ـنك.
أصابها حديثه بمقــ,تــل فقد تفهمت إلى ماذا يرمي فهو يستغل غريزتها كأم ويتحامل عليها كي يرهبها و تتقبل خطيئته بحقها فكانت شاحبة، متسمرة، مشـ.ـدوهة تتساءل من ذلك الشخص الذي يقبع أمامها، فلأول مرة تشعر انه غريب عنها ولم تعرفه قط، وحينها اسعفها عقلها أن لا تشعره بوطأة حديثه في نفسها كي لا يستغل الأمر أكثر وإن كادت تستعيد رباط جأشها كي ترد عليه صدر من فمه صوت ساخر مرة أخرى وهو يظن أنه أصاب هدفه ولذلك استأنف متجبرتًا:.
خليكِ عاقلة احسنلك يا أم الولاد، وياريت تسبيني أنام علشان بكرة يوم طويل ومحتاج ابقى فايق
حانت منها بسمة متألــمة لأبعد حد ثم تمسكت بإطار الباب كي يدعم وقفتها وقالت بتماسك وبإصرار عجيب للصمود استغربه هو كثيرًا:
لو فاكر انك بتلوي دراعي بالولاد فأنت غلطان، متنساش أنك ابوهم يعني هتخاف عليهم زي بالظبط وعلى فكرة أنت اللي هضطرني اعمل حاجات تو.جـ.ـعك.
كررت نفس جملته وهي ترشقه بموضعه وكأنها تريد أن تخبره كون الموازين ستقلب عاجلًا أم أجلًا، حتى انها لم تنتظر رده بل غادرت الغرفة تاركته يحاول يستوعب حديثها وحين فعل استخف عقله بها وطمأنه انها أضعف بكثير من أن تفعل ظنًا منه أن لا خيار أمامها.
أتقِ شر الحليم إذا غـــضــــب تلك المقولة كانت تنطبق عليه تمامًا الآن حين باغتها بصفعة قوية ارتدت هي على آثارها، فقد عصت أوامره وخرجت دون أخبـ.ـاره بذلك، والأدهى أنها كانت داخل ذلك المكان الموبوء بتلك الملابس الكاشفة التي ترتديها الآن، وضعت يدها على وجهها وبرقت عيناها وفغر فاهها و لم تستوعب أنه تطاول عليها بالضـ.ـر.ب لتوه ولكنه لم يمهلها الوقت الكافي كي تستوعب بل باغتها بصفعة آخرى أشـ.ـد وطأة من قبلها، تأوهت بقوة وترنحت بوقفتها ولكن يده دعمتها بقبضة من حديد صارخًا بوجهها بغـــضــــب قـ.ـا.تل:.
رغم إني عارف كل عيوبك بس أخر حاجة كان ممكن اتخيلها انك تطلعي كـ.ـد.ابة ومش قد ثقتي فيكِ
أحتدت نظراتها وزادت قتامة وهدرت متشفية وهي تلوث بيدها وتدفعه بصدره كي يتركها:
آه يا يامن كذبت وهفضل أكذب طول ما أنت ذللني وفارض كل حاجة عليا
لم يتزحزح قيد أنملة عن موضعه بل اشتدت يده أكثر على ذراعيها وهو يشعر ببركان ثائر برأسه من تبجحها، ليقول من بين اسنانه بنبرة صارمة لا تعرف المزاح:.
لو اللي كنت بعمله علشانك قبل كده كان اسمه ذُل فأنا بقى هوريكِ الذُل الحقيقي يا بت الراوي و وحياة أمي لخليكِ تكرهي اليوم اللي اتكتبتي فيه على أسمي
رغم الرعـ.ـب الذي بثه حديثه في نفسها إلا أن تلك المتمردة بداخلها استنكرت:
مش محتاج تخليني أكرهه لأن أنا فعلًا بكرهه، وبكرهك أنت كمان وبكره أمك، وكل حاجة منك
صفعة آخرى كانت رده على حديثها الساخط الذي أصابه بمقــ,تــل و.جـ.ـعله يلعن قلبه اللعين الذي مال لها.
تأوهت هي بقوة وسقطت على المقعد الذي خلفها ثم هدرت بشراسة عدائية:
متمدش ايدك عليا انا بكرهك...
بكرهك.
ومع تكرارها لتلك الكلمة اللعينة لم يشعر بذاته إلا وهو يختصر المسافة بينهم بخطوة واحدة ويميل بجزعه عليها قابضًا بقوة على فكها حتى تكف عن التفوه بشيء أخر يثير اعصاب اكثر؛ ولكنها لم تستسلم وظلت تتلوى تحاول المناص من قبضته التي تكاد تحطم فكها وإن يأست رفعت عيناها المتمردة له هادرة بجنون وبأخر حيلة لديها طنًا منها أنه سيفلتها غافلة كونها تأجج نيران غـــضــــبه أكثر:.
عمري ما حبيتك ولا هحبك ولو أخر يوم في عمري هفضل أكرهك
إلى هنا وطفح به الكيل فقد نفرت عروقه وتوحشت نظراته
وكأنه تبدل لشخص أخر لا يمت للآخر بصلة مما جعل الرعـ.ـب يزحف لقلبها رغم القوة التي تدعيها، ليزيدها هو عليها حين هسهس أمام وجهها بنبرة غاضبة نابعة من اعماق الجحيم:.
محدش طلب منك تحبيني، بس غـ.ـصـ.ـب عنك أنتِ مراتي وانا الحقيقة الوحيدة اللي في حياتك وعندي استعداد أثبتلك ده حالاً وبدل ما يكون اللي بينا على ورق هيكون واقع كل متفتكريه تكرهي نفسك ألف مرة
مزج قوله بنظرة ذات مغزى جعلت الدmاء تفر من وجهها فتهديده الصريح جعلها تدرك أنها لم تحسب حساب شيء كهذا من قبل، ليفحمها هو أكثر:
وساعتها أنا اللي هرميكِ وهخرجك من حياتي لأن ميشرفنيش أكمل مع واحدة كـ.ـد.ابة وبجحة زيك.
كان التحذير يقطر من كل كلمة يتفوه بها حين كانت تطالعه تبحث عن ذلك المتفهم المراعي الذي لم يتحامل على مشاعرها ولكنها لم تجد له أثر وحينها أدركت انه لن يمزح بوعيده، ورغم ذلك وجدت تلك المتمردة بداخلها تستنكر ولكن بصوت خرج مهزوز ترتجف حروفه وهي تخرج من فمها:
متقدرش، تعمل، كده.
حانت منه بسمة مريبة لأبعد حد ومال بثقل جسده عليها يثبت ساقيها بركبتيه دون أن يترك فكها بيد وبالأخرى كان يكبل يديها خلف ظهرها، صرخت هي وحاولت أن تنفضه عنها ولكن كان هو سد منيع لا يتزحزح قيد أنملة عن موضعه، لم تأخذه بها رحمة بل طالع بعينه الثائرة الخــــوف الذي يشع من عيناها رغم عنادها وقال بكل ثقة امام وجهها:
لأ أقدر، تحبي تراهني عليا...
أغمضت عيناها بقوة من أنفاسه الغاضبة التي لفحت وجهها، ليصرح من جديد وهو يقرب وجهه أكثر من وجهها:
انطقييييي تحبي أثبتلك دلوقتي واوريكِ انا أقدر على أيه؟
خارت دفعاتها وذهب تمردها أدراج الرياح حتى أن تساقطت دmعاتها النادرة بغزارة وهي تنفي برأسها بحركة هستيرية جعلته يزئر بغـــضــــب ويلعنها وكأنه لم يقتنع برفضها لينهض عنها جذبها معه إلى غرفتها غير عابئ بصراخها الممزوج بنحيبها ولا ضـ.ـر.باتها ليده القابضة على ذراعها في محاولة منها أن تفلته من بين قبضته وهي تظن أنه سينفذ وعيده، أما هو فكان يحاول أن يسيطر على جماح نفسه بقدر المستطاع كي لا يفعل ما برأسه ويثور لكـبـــــريـاء رجولته ولأمتلاكها حقًا، فقد لعنها مرة أخرى تحت انفاسه ولعن ما توصلت له أفكاره بفضلها وحين دخل لغرفتها دفعها عنه بتقزز وكأنه ينفض افكاره معها، تراجعت هي بجسدها وبنظرات تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـباً أنكمشت في زاوية الفراش تشعر أن كل خلية بجسدها تنتفض فلأول مرة تراه غاضب لذلك الحد وينتابها الهلع من تصرفاته وحين كادت تتنفس الصعداء كونه ابتعد عدة خطوات عنها أجفلها بفتح خزانتها وسحب كافة أثوابها المعلقة وأخذ يشق بهم بعصبية مفرطة جعلتها تصرخ و تندرج في نوبة بكاء هستيرية، ولكنه لم يهتم فكان الغـــضــــب الذي يعتريه يسيطر على كافة حواسه لدرجة أنه استمر على ما يفعله دون أي شفقة، أنكمشت على ذاتها أكثر وهي تشهق شهقات متقطعة و تراه يجذب جهازها اللوحي بين يده ثم دون أن يعطيها مجال لتوقع ردة فعله كان يضـ.ـر.ب به الحائط عدة ضـ.ـر.بات ألحقت الضرر الأكيد به و.جـ.ـعلته لا يصلح بتاتًا، ليلقي به أرضًا ثم يقترب منها بخطوات قاسية يتأكلها الغـــضــــب جعلتها تنكس رأسها بخــــوف وتحمي وجهها بذراعيها كطفلة صغيرة تخشى العقـ.ـا.ب، ورغم أن رؤيتها كذلك اعتصرت قلبه إلا انه لم يتهاون وصرخ بها بأنفاس ثائرة غاضبة:.
خرجتي ازاي من البيت؟
نفت برأسها ورفضت أن تجيب لتحين منه بسمة مخيفة لأول مرة ترتسم على فمه ويقول بثقة لا مثيل لها:
هعرف، و وحياة أمي مش هرحمك يا نادين واعملي حسابك مفيش خروج من اوضتك، ومفيش تليفون ولا نت ولا جامعة هتفضلي محبوسة هنا لغاية ما تتعلمي الأدب، فاهمة.
اومأت له بحركة هستيرية و بعيون منكـ.ـسرة دامية من شـ.ـدة نحيبها مما جعله لوهلة يتذكر تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة ذاتها حين كانت تفتقد والدتها وتتذكر كيف رحلت عنها فدائمًا ما كان يواسيها ويطمئنها أنه بجوارها ولكن الآن كيف يفعلها بعد كل ما صدر منها فما كان منه غير لعنها ولعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة ثم مغادرته الغرفة وأغلاقه بابها بالمفتاح الخاص به من الخارج، لتصرخ هي بهستيرية مرة وراء مرة وهي لا تصدق أن ذلك هو ذاته الذي تمرد قلبها من أجله، ليخور جسدها وتستسلم لنوبة بكاء مرير يفطر القلب ويدmي الروح، أما هو فلم يشعر بذاته إلا وهو يقف خارج غرفتها و يضـ.ـر.ب الحائط بقبضة يده بقوة كي ينفث عن تلك البراكين الثائرة من شـ.ـدة الغـــضــــب الكامن بأحشائه وتكاد تتأكل روحه معها.
بعد بعض الوقت وقد هدأ قليلًا
وتذكر والدته فقد توجه إلى غرفتها كي يطمئن عليها ولكنه تفاجأ كثيرًا عنـ.ـد.ما وجدها تغط في سبات عميق رغم كل الضجيج الذي كان يعم المنزل، اقترب منها يطالعها عن كثب ولكنه وجد كل شيء طبيعي لا يثير الريبة مما جعله يحسم أمره ويتركها ويغادر لذلك الحارس الغـ.ـبـ.ـي الذي لم يخبره بخروج تلك اللعينة.
تقدm من مكان جلسته وصرخ بصوت جهوري رج الأجواء:
انت يا مُسعد يا زفت.
هب مُسعد من رقدته وهمهم بطاعة رغم النعاس المسيطر عليه:
تحت أمرك يا بيه...
قبض يامن على تلابيب جلبابه وصاح بِعصبية:
عايز اعرف كنت فين لما نادين خرجت...
جحظت عينا مُسعد وقال بصدق:
والله يا بيه انا مـ.ـا.تحركت من مكاني وعيوني ما غفلت لحظة عن البوابة وعربية الهانم أهي مركونة قدام جنابك
جز على نواجذه بقوة وهدر وهو على حافة الجنون:
أمال خرجت أزاي، لبست طاقية الاخفى.
والله يا بيه ما ليا ذنب وربنا يعلم إن كل كبيرة وصغيرة ببلغك بيها انا لحم كتافي من خيرك
قالها مُسعد بنبرة مسالمة وصدق بالغ لامسه يامن ليتركه ويقول بنفاذ صبر:
خلاص ابعد دلوقتى من وشي...
أومأ له مُسعد وانصرف بينما هو ظل يدور حول ذاته لثوانِ معدودة قبل أن يتذكر شيء بعيد احتاط هو له، وكم تمنى أن لا يكون بمحله ولكن ها هو يتفقد تسجيلات كاميرات المراقبة التي وضعها بتكتم تام بعد واقعة أختفاء المفتاح الخاص بالباب الخلفي للمنزل وكم كان يطمح أنها تكون مجرد ظنون واهية لا أساس لها من الصحة، ولكن كيف وهو يرى صورتها تحتل الشاشة وهي تتسلل منه للخارج، توقف الزمن به يحاول أن يستوعب الأمر لدقائق مرت عليه دهرًا من الخذلان وحينها كان حقًا بحالة هياج لا مثيل له ولم يشعر بذاته غير وقدmيه تأخذه لسيارتها الحمراء ينظر لها بغـ.ـيظ شـ.ـديد ودون أي مقدmـ.ـا.ت او لحظة تفكير واحدة كان يسحب تلك الآلة الحادة من جانب بوابة البيت وينهل عليها بضـ.ـر.بات قوية حطمت أجزائها إلى أشلاء وهشمت زجاجها إلى شظايا وكأنه فعل ذلك كي ينفث عن غـــضــــبه بها عوضًا عنها، لترتجف هي أكثر وتضع يدها على أذنها عنـ.ـد.ما وصلها الضجيج الذي أحدثه وتيقنها لفعلته وتستسلم لنوبة بكائها من جديد وهي تكاد تمـ.ـو.ت بجلدها.
تمددت بجانب أطفالها ودثرتهم بين أحضانها وظلت تقبلهم أثناء نومهم قبلات حانية متفرقة وتشتم رائحتهم ودmعاتها قد أبت الصمود أكثر وهطلت كي تفضح هشاشتها وضعفها فهم اغلى شيء على قلبها وقطعة من روحها ولن تستطيع أن تبتعد عنهم دقيقة واحدة رغم أنها ادعت عكس ذلك منذ قليل أمامه ولكنها لم تود أن تجعله يبتز غريزة الأمومة داخلها ولذلك كان لابد من التحلي بالثبات أمامه كي لا يستغل الأمر ويتخذها كنقطة لضعفها، فحديثه المقيت مازال يتردد صداه بداخل عقلها، عقلها الذي لأول مرة يثور منذ سنوات بشيء يخصه و يداهمها لتوه بالحقائق عنـ.ـد.ما تساءلت هل حقًا سيفعل ما استشعرته من نبرته المحذرة ويحرمها من أطفالها؟
أجابها عقلها بمنطقية بحتة.
ولمَ لا بعد كل ما صدر منه فقد خذلك واختزل سنوات عمرك التي كرستها له هباءٍ، يعلم الله انكِ لم تقصري معه بشيء وكنتِ تبذلين كل ما بوسعك من اجل ارضائه انا لا اخبرك أنك كاملة فالكمال لله وحده فأنتِ تعلمين انكِ منقوصة بالنسبة له ولكن لمَ يا ترى لم يحاول إكمال ذلك النقص بكِ، لمَ لم يتحمل ويتقبلك مثلما تفعلي أنتِ، هو حتى لم يكلف ذاته عناء المبادرة بل فضل أن يبدلك بأخرى فتبًا له ولسخطه و أنانيته لا تستسلمي وسايريه للنهاية ولكن بعد أن تشيدي حصن قوي تحتمي به أنتِ وأطفالك، أيظنك ساذجة وستتقبلين الهزيمة وخسارة كل شيء لا أنتِ قوية وأنا واثق بقدراتك على التحمل لا تيأسي، افاقت من خطاب عقلها وهي تؤيده بشـ.ـدة قائلة بوعيد وبإصرار لا مثيل له:.
وحياة ولادي اللي معنديش في الدنيا اغلى منهم لهدفعك التمن غالي اوي
إذًا، هو من أنشب الحرب؛ فليتحمل فداحة خسائرها فحقًا كانت تريد أن تحيا بلا منازعات تنغص صفو حياتها ولذلك كانت تتهاون وتتنازل عن أبسط حقوقها ولكن هو لم يقدر ذلك بل اتخذه كحق مشروع له وسـ.ـخط عليها وأصبح يبرئ كافة خطاياه بحقها.
مثله كمثل بعض الرجـ.ـال يتحدثون عن ما شرعه الله بحقهم وهم بالأساس جاهلون بتعاليم دينهم و واجباتهم حتى فرائضهم يقصرون بها فحقًا عجبًا لكم معشر الرجـ.ـال تحللون ما يستهواكم فقط...
طارق
صدر صوت أبيه صارخًا به بقوة اجفلته و.جـ.ـعلته يستدير يرد عليه في طاعة:
نعم يا بابا
=بتتسحب زي الحـ.ـر.امية ليه وبتهرب فكرك اللي حصل ده هعدهولك
قالها ابيه بنبرة قوية صارمة تخص رجل سياسي مخضرم قوي الشكيمة، مما جعل طارق يقترب منه قائلًا في تبرير:
بابا محصلش حاجة انا كنت سهران مع صحابي و...
قاطعه ابيه بصرامة:
سهران مع صحابك ولا مع بـ.ـنت عادل الراوي
أبتلع طارق ريقه بتـ.ـو.تر وأجاب أبيه:.
نادين من ضمن أصحابي وكانت معانا
صفعة قوية كانت رد أبيه الرادع له وتلاها صراخه به:
انت فاكرني نايم على وداني يا ولد انا كل كبيرة وصغيرة بتجيلى وانا قاعد في مكتبي
فكرك أنا معرفش بعلاقتك بيها ولا بالشقة اللي واخدها جنب بيتها مخصوص علشانها
أغمض طارق عينه بقوة وهو يتحسس وجنته التي انطبع عليها أصابع ابيه بالأحمر القاني وقال مبرارًا:
الموضوع مش زي ما حضرتك فاهم انا بحبها يا بابا.
زمجر أبيه بغـــضــــب وهدر بصرامة شـ.ـديدة:
أنت اتجننت بتحب واحدة متجوزة أنت يظهر أن السنين اللي عشتها مع امك بره نسيتك ازاي تبقى راجـ.ـل وتحترم أن احنا في مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده
تحمحم طارق قائلًا:
منستش يا بابا ومش ذنبي ان كل واحد فيكم عايش في مكان ومشتتني معاكم، وبعدين أطمن هي هتطلق علشان مش بتحبه وابوها اللي كان فرضه عليها قبل ما يمـ.ـو.ت
طالعه أبيه بنظرة صقرية نافذة ثم قال بجدية شـ.ـديدة:.
انت عارف لو كان الخبر ده انتشر واتسرب للإعلام كان هيحصل إيه؟
تخيل كده عناوين الأخبـ.ـار اللي كانت هتنتشر وهتمس سمعتي ومركزي السياسي الحساس
حاول أن يبرر من جديد ولكن أبيه أخرسه قائلًا بصرامة و بقرار قاطع كحد السكين:
طول ما هي على ذمة راجـ.ـل تاني يبقى تبعد عنها نهائي وتحط في اعتبـ.ـارك لو محصلش هرجعك تعيش مع امك انا زهقت من مشاكلك و فضايحك اللي ملهاش اخر.
حاول طارق أن يجعله يعدل عن قراره فهو يفرض عليه الأبتعاد عنها وهو حقًا لا يود ذلك مطلقًا:
بس يا بابا انا
من غير بس ده أمر مش بخيرك
وبحذرك متغلطش علشان متشوفش مني تصرف تاني مش هيعجبك ابدًا.
قاطعه ابيه بنبرة قوية صارمة جعلته ينكس رأسه دليل على طاعته الجبرية، قبل أن يغادر إلى غرفة مكتبه تاركه يهوى على أحد المقاعد يفكر كيف سيتمكن من التخلص من ذلك ال يامن في أقرب وقت كي يحظى هو بقربها، و حينها سيحاول جاهدًا إقناع أبيه بشأنها مهما كلفه الأمر.
صباح يومٍ جديد يخبئ بين طياته الكثير
فقد كانت هي جالسة على طاولة الطعام وبسمـ.ـا.ت هادئة ترتسم على ثغرها كل حين وآخر كلما تذكرت يومها معه، فحقًا أعادها ذلك اليوم إلى طفولتها التي لم تحظ بها أي اهتمام، فقد استمتعت كثيرًا برفقته وبرفقة الصغيرة فكل شيء حينها كان مميز كثيرًا، توردت وجنتها خجلًا عنـ.ـد.ما أتت ومضة أمام عيناها تذكرها حين كانت تصرخ بهلع وتحتمي به وكأنه هو درع أمانها الوحيد.
لاتعلم متى أكتسب ثقتها لذلك الحد ولكن تقسم أنها لم تقترب من رجل لذلك الحد سوى أبيها والغريب بلأمر أنها شعرت أنها في موقعها الصحيح بل ايضًا شعرت بالكمال لأول مرة منذ زمن بعيد فلا تنكر أنه يؤثر بها ويمتلك منطق غريب يثير فضولها، فكل شيء معه يكون مختلف، مميز لحد كبير وبرغم أن الوضع يظهر مربك لها ولكنها لم تشعربذلك بل تجد ذاتها على سجيتها وتتصرف بتلقائية بحتة وكأن صداقتهم منذ قديم الأزل، نعم، (صداقة)ذلك المسمى البديهي لتقاربهم ولكن لمَ يستنكر قلبها تلك الفكرة حين ترددت صوت ضحكته الخشنة المفعمة بالرجولة داخل رأسها الآن و دغدغت مشاعرها و.جـ.ـعلت ابتسامتها الهائمة تتسع دون دراية بتلك التي تترصدها وهدرت متسائلة:.
خير يا ميرال مالك؟
أخرجها من شرودها صوت دعاء الساخر بعدmا انضمت لتوها لطاولة الطعام، تنهدت هي واستندت على ظهر مقعدها وأجابتها:
عادي يا دعاء انا كويسة
اعتلى جانب فم دعاء ساخرًا وهدرت بتطفل كعادتها متقمصة دور الأم المهتمة الذي لا يناسبها بالمرة:
كويسة ازاي وأنتِ كل ساعة بحال ده غير أنك مسهمة وبتضحكي من غير سبب، بجد حالتك بقت صعبة و مـ.ـيـ.ـتسكتش عليها انا معرفش ليه رافضة فاضل يعرضك على دكتور نفسي.
زفرت ميرال حانقة وردت بإندفاع وهي تهب واقفة تنوي المغادرة:
انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة علشان اتعالج ومش مضطرة أدخل معاكِ في جدال يضايقني ويغير مودي وياريت ملكيش دعوة بيا...
تنهدت دعاء بضجر من طريقتها وإن كادت تتحدث مرة أخرى تدخل فاضل الذي أنضم لهم لتوه:
متعصبة ليه بس يا حبيبتي؟
تنهدت ميرال بعمق وهي تنظر ل زوجة أبيها وقالت:
اسأل مراتك يا بابي كل ده علشان لقتني سرحانة شوية بتقولي لازم تتعالجي.
اعتلى حاجب دعاء ودافعت عن ذاتها قائلة:
انا مكنش قصدي اللي هي فهمته انا كنت عايزة اطمن عليها وأعرفها مصلحتها
زفر فاضل بقوة ورشق دعاء معاتبًا
فطالما طلب منها أن تدعها وشأنها ولا تضغط عليها ولكن هي بادلته نظراته بأخرى ذات مغزى جعلته يتحدث ولكن موجه حديثه لأبـ.ـنته:
دعاء بتحبك وعايزة مصلحتك زي بالظبط ويمكن شايفة يا بـ.ـنتي أن ده حل مناسب.
رغم أنها تعلم مكانتها بقلب أبيها وتشعر بحنوه عليها إلا أنها تعلم ايضًا أن زوجته تملك سُلطة عليه ولطالما كان ينحاز لها ويبرر تدخلها المقيت بحياتها كونه خــــوف يصب في مصلحتها، وحقًا هي سئمت كل شيء لذلك تأففت بنفاذ صبر:
يووووه كفاية بقى انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة، مش مـ.ـجـ.ـنو.نة، وكفاية تضغطوا على اعصابي
حاول أبيها منعها ولكنها لم تستمع له بل جذبت حقيبتها وركضت نحو الخارج وهي تشعر أن ضجيج رأسها يعود من جديد.
كان يقف هو ينتظرها ككل يوم ولكن اليوم كان يتلهف لرؤيتها على غير عادته فمنذ أمس لم تغب عن تفكيره لحظة واحدة حتى انه لم يبالي بمنطقه الذي يحثه على عدm التورط بها و دون ارادة منه وجد ذاته لا يود أن يفكر في مسمى أخر لمَ يحدث بينهم، واخذ يقنع ذاته أن شهامته فقط ووعده لها هم السبب بتلك المشاعر المتضاربة التي تجتاحه نحوها، تنهد بعمق وببسمة هادئة وهو يلمحها من بعيد تهرول نحوه، ولكن عنـ.ـد.ما لاحظ هيئتها شعر أنها ليست على ما يرام، ولذلك خبت بسمته تدريجيًا وقبل أن يسألها مابها كانت تصعد إلى السيارة وتجلس بالمقعد بجانبه وتقول بنبرة استشف الحـ.ـز.ن بين طياتها:.
اطلع بالعربية لو سمحت
أومأ لها بطاعة وحاول جاهدًا أن يكبح فضوله اللعين نحوها غافل أن ذلك الفضول سيكون سبب نكبته.
وها هي بعد بعض الوقت شاردة تستند على مقدmة السيارة في ذلك المكان النائي على تلك الهضبة الشاهقة التي كلما ضاقت بها السُبل تأتي إليها، فبعد مغادرته معها طلبت منه أن يوصلها لهنا، وظلت هائمة بعيد في عالم آخر لا تعبئ أن فضوله يكاد يفتك به ليعلم ما بها والعديد من الأفكار السوداوية تداهمه، وعنـ.ـد.ما يأس من صمتها قرر أن يكبح فضوله، وتساءل بنبرة صدرت مهتمة للغاية وهو يقترب من موضعها:.
هتفضلي ساكتة كده كتير؟
تنهدت ولم تجيبه، ليتنهد بنفاذ صبر ويتمهل بضع ثوانٍ ثم يقول بنبرة هادئة وهو يركز نظراته على تلك الإطلالة الرائعة التي تكشف البلد من عليائها:
مش عايز اضايقك ولا قصدي اتطفل عليكِ، بس لو أنتِ حابة تفضفضي معنديش مانع اسمعك وللنهاية.
لم تجيبه أيضًا بل كانت تتنهد تنهيدات مثقلة وتغمض عيناها وكأنها بعالم موازي ولا تكترث غير لنسمـ.ـا.ت الهواء التي تداعب وجهها و.جـ.ـعلته دون أي قصد يهيم بها وبتلك الخصلات التي تتراقص مع الهواء وتراقص قلبه معها بسنفونية غريبة غير منطقية بالمرة بالنسبة له،
لعن غبائه حين أطال النظر لها ثم ازاح برأسه بعيدًا كي ينفض تلك الهواجس التي يستحيل تحقيقها وإن كاد ينسحب لداخل السيارة ويتركها لخلوتها همست هي بضياع:.
هو انا مـ.ـجـ.ـنو.نة يا محمد
جعد حاجبيه الكثفين مستغربًا سؤالها ثم تحمحم يجلي صوته الأجش وأجابها:
لأ أنتِ مش مـ.ـجـ.ـنو.نة يا ميرال
=أمال ليه دعاء شايفة كده وبتخلي بابي يضغط عليا علشان اروح لدكتور نفسي
قالتها بنبرة متخاذلة وبعيون حزينة جعلته يتنهد بعمق ويجيبها بعقلانية شـ.ـديدة:
أنتِ مش مـ.ـجـ.ـنو.نة ومش كل اللي بيروحو لدكاترة نفسيين مجانين، كل الحكاية أنك محتاجة حد يساعدك تفهمي نفسك و ترتبي أفكارك ويغير نظرتك السطحية للأمور.
تنهدت تنهيدة آخرى مثقلة وعيناها تتعلق به ثم قالت في إحباط:
مش محتاجة حد يقولي إني فاشلة ومستهترة وبغلط كتير انا عارفة ده كويس ومتأكدة إني مستهلش أن حد يحبني ولا يتمسك بيا
جملتها الأخيرة زلزلت قاع قلبه و.جـ.ـعلته دون أي مقدmـ.ـا.ت يصرح بتلقائية وهو يطالعها ببندقيتاه التي تفيض بالاهتمام:
بس دي مش حقيقة أنتِ تتحبي واللي ميعرفش يحب ولا يتمسك بحد زيك يبقى مشكلته هو لأنه أكيد مبيعرفش يميز.
نمت شبه بسمة على طرف شفاهها من إطرائه وكم شعرت بالراحة بعدها حين استأنف:
وعلى فكرة بقى كلنا بنغلط مفيش حد معصوم من الخطأ وطالما اعترفتي بأخطائك وبعيوبك ومخبتهاش أو نكرتيها يبقى دي بداية طريق التغيير.
حاولي متفكريش في كلامهم عنك ولا رأيهم فيكِ خليكِ انتِ اللي رقيبة لنفسك وقبل ده كله لازم ترمي كل حاجة وراكِ ومتفكريش غير في اللي جاي ومستقبلك وعلشان ده يحصل لازم تتصالحي مع ميرال وتحبيها لأنها فعلًا تتحب.
كان يتحدث بإندفاع دون تفكير حتى انه لم يلحظ أنه كان يلمح لها بشيء هو ذاته يستنكره و لم يستوعبه عقله بعد، أما هي فقد اتسعت بسمتها وهي تستمع له ومأخوذة بحديثه ودون وعي منها وجدت ذاتها تقول بعفوية شـ.ـديدة:
انت ازاي كده؟
عقد حاجبيه بعدm فهم، لتستأنف هي دون أن تعير أنه أصبح على المحاك:.
كل حاجة معاك بتبقى بسيطة وسهلة وليها ألف حل أنا ببقى مبهوره بتحليلك للمواقف الصعبة اللي بمر بيها وبصراحة رغم أن ليك منطق غريب بحاول استوعبه معظم الوقت لكن بحس براحة أغرب لما بكون معاك
ارتبكت قليلًا وأطرقت نظراتها وأخذت تلملم خصلاتها وتضعها خلف أُذنها بخجل من تسرعها، ولكنه حثها بعينه على المتابعة قائلًا:
كملي يا ميرال؟
زحفت حمرة طفيفة على وجهها وهي تطالع بندقيتاه والاهتمام الذي ينضح بها واستأنفت:.
أنا عمري ما وثقت فحد بالسرعة دي بس مواقفك معايا أثبتتلي أنك راجـ.ـل بجد وانك جدير بالثقة دي وبجد انا بحمد ربنا أنك في حياتي يا محمد
تلك المرة لم تزلزل قاع قلبه بحديثها بل عصفت به و.جـ.ـعلت كافة قناعاته تنهارإلى أنقاض، وبدل أن يسعد بتلميحها وجد ذاته يشرد و يمسد جبينه بأبهامه وسبابته كي يكبح تلك الهواجس برأسه.
لاحظت شروده وهمست بترقب:
محمد سكت ليه؟
عنـ.ـد.ما همست باسمه بتلك الطريقة أغمض عينه بقوة يجاهد كي يصمد ولا يتخلى عن عقلانيته وإن استعاد رباط جأشه قليلًا ابتسم ببهوت وتسأل كي يغير مجرى الحديث الذي يتخطى حدود منطقه:
يعني أفهم من كده اني عرفت أقنعك
أومأت له بنعم ثم أجابته بنبرة مترددة بعض الشيء:
اقتنعت بس عايزة اطلب منك طلب قبليها
هز رأسه بترحاب، لتستأنف وهي تلامس أطراف أنامله المسنودة على مقدmة السيارة وتقول وفيروز عيناها يلمع بنظرة راجية:.
اوعدني أنك متبعدش عني يا محمد مهما حصل
انتفضت دواخله من لمسة يدها وعجز عن الرد امام رجاءها فما كان منه غير أن يومأ لها وعيناه تغوص ببحر عيناها وكأنه مسلوب الإرادة حتى انه وجد أنامله تتحرك من تلقاء ذاتها وتضم أناملها بين راحته وكأنه بذلك شابك أقدارهم معًا ثم قال بنبرة مبهمة بالنسبة لها:
محدش بيهرب من قدره يا ميرال.
ابتسمت بـ.ـارتياح رغم حديثه الذي لم تفهم المغزى منه، ونظرت لتعانق ايديهم بنظرة حالمة بها بصيص من التفائل والأمل وشيء ما هناك بصدرها يؤكد لها أن ذلك المصطلح الذي أطلقته على تقاربهم لا يليق ابدًا على تلك المشاعر التي تأكدت انها تكنها له.
أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة، فقد جافاه النوم وظل على وضعيته تلك حتى ساعات الصباح الأولى، يجلس على حافة المسبح بعيون دامية و وجه شاحب، شارد في نقطة وهمية بالفراغ وشريط حياته يمر أمام عينه يجعله يلعن ذلك القلب الذي مال لها، انتشله من شروده صوت مُسعد الحارس:
أنت كويس يا بيه
أومأ له يامن وأخبره بإنهاك:
مش كويس بس مش مهم المهم إني مبقتش مغفل.
طالعه مُسعد بحـ.ـز.ن وهو ينهض ويدخل المنزل ضارب كف على أخر من تبدل حال رب عمله.
بينما هو حين دلف للداخل شعر بالريبة عنـ.ـد.ما لم يجد والدته مستيقظة كعادتها مبكرًا، لا يعلم لمَ أحتل الخــــوف قلبه وإن ذهب لغرفتها وجدها كما هي تغط في سبات عميق، حاول افاقتها برفق ولكن بلا جدوى ليتناول هاتفه ويهاتف الطبيب والقلق يكاد يفتك به، ولكن لصدmته عنـ.ـد.ما أتى وعاينها وأخبره أن كل مؤشراتها الحيوية بخير وأنها فقط تغط في نومٍ عميق ولا داعي للقلق، وكونه يعلم تلك اللعينة تمام المعرفة أتاه هاجس عابر جعل الشكوك تتقاذف برأسه وأقسم إن كانت بمحلها لن يتهاون ابدًا في حق والدته.
↚
قمة الخذلان أن أعلمك أول دروس الوفاء، وتلقينني أنتِ أقسى دروس الغدر، أن أوفيك كل حقوق العشق، وتسلبيني أنتِ كل حقوقي الإنسانية لأدور حول نفسي في حلقة مفرغة، أبحث عن الأسباب والمسببات.
صفع باب غرفتها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كان يقلب الغرفة رأسٍ على عقب؛ يبحث عن شيء بِعَينه.
أما هي شهقت بفزع وانتفضت من فراشها متخذة أحد زوايا الغرفة كملجأ لها تنكمش به وهي تظن أنه أتى ليعنفها مرة أخرى، ولكنه لم يعيرها أي أهمية بل كان يبحث بكل مكان، الأدراج، والخِزانات وبين طيات الأرفف، ولكن دون جدوى إلى أن لفت نظره حقيبتها التي كانت ترتديها بالأمس ملقاة بزاوية الغرفة، انقض عليها ومد يده يسحب هاتفها المغلق يضعه في جيبه ثم فض كافة محتوياتها على الأرض بنفاذ صبر؛ وحينها تأكدت كافة ظنونه.
جثى يتناول المفتاح المزعوم وتلك العلبة البلاستيكية التي من الوهلة الأولى علم فحواها والغرض من استخدامها لينهض و يختصر المسافة إليها بخطوتان ليس إلا ويصـ.ـر.خ وهو يجذبها من خصلاتها بعصبية مفرطة ويلوح بما تحوي يده أمام نظراتها:
ده أكيد مفتاح الباب الوراني اللي كنتِ بتهربي منه وتستغفليني، إنما بقى الحبوب دي بتاعة ايه انطقي؟
كانت تكاد تمـ.ـو.ت من شـ.ـدة ذعرها حين انفضحت فعلتها فكانت شاحبة ونظراتها زائغة تعجز عن الرد وكل ما كانت تفعله هو محاولتها حماية وجهها كي لا ينال من صفعاته مجددًا، ليصـ.ـر.خ هو بنفس السؤال من جديد وهو يجذب خصلاتها للخلف أكثر بطريقة قاسية جعلتها تصرخ وتتعلق بيده راجية أن يتركها ولكنه كان في اوج غـــضــــبه وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد ويود أن تؤكد هي:
ردي عليا حبوب ايه دي؟
فرت دmعاتها وهي تغمغم مستنكرة:
مع، رفش.
ليضـ.ـر.ب الحائط خلفها بقوة ويصـ.ـر.خ بوجهها بصوت جهوري روجت له جدران المنزل:
كـ.ـد.ابة، ت عـ.ـر.في دي حبوب منومة دي اللي بتحطي منها لأمي علشان تخرجي مش كده...
نفت براسها بطريقة هستيرية مستنكرة الأمر ولكن نظرة واحدة داخل عيناها أكدت له انها كاذبة مما جعله ينهرها بحدة وهو يرج بها من خصلاتها غير عابئ بصراخها ولا بكائها المكتوم بسبب أن بعض الخصلات فارقت فروة رأسها أثر قبضته:.
أد ايه انتِ زبـ.ـا.لة وانا غـ.ـبـ.ـي علشان وثقت فيكِ...
تعلقت بيده وترجته من بين شهقاتها الباكية:
انت بتو.جـ.ـعني، سيب شعري.
زئر بقوة وهو يجاهد كي لا يفلت زمام غـــضــــبه أكثر فما كان منه غير أن نفضها عنه وكانها تثير اشمئزازه ثم أخذ ينطر أنامله كي يخلص تلك الشعيرات العالقة بينهم وهو ينظر لها نظرة قـ.ـا.تلة جعلتها تخور على ركبتيها وتضع يدها على وجهها وتنخرط في بكاء مرير تنعي به حالها وما توصلت له، بينما هو كان كالثور الهائج الذي لم يرى أمامه فقد قام بتحطيم كل ما طالته يده داخل الغرفة حتى أنه حمل مقعد تسريحتها وقذفه بالمرآة محدث على أثر تحطيمها ضجيج قوي تردد صداه في أرجاء الغرفة و.جـ.ـعلها تصرخ بجزع وتحاوط رأسهاغافلة انه بفعلته تلك ينفث عن غـــضــــبه عوضًا أن يؤذيها، فلم تهدأ صرخاتها قط إلا حين جثى على ركبتيه أمامها وصرخ بهياج شـ.ـديد وهو يقبض على ذراعيها يؤرجحها:.
أنا كتير قولتلك وحذرتك أمي خط أحمر بالنسبالي،
ولو كنت بتنازل في حق نفسي مش هتنازل في حقها هي ابدًا
كانت عيناها دامية من شـ.ـدة بكائها وكادت انفاسها تخبو بصدرها من شـ.ـدة شهقاتها ولكنه لم تأخذه بها شفقة فقد تمادت وحقًا فاق الأمر قوة أحتماله ولذلك هزها بقوة أكبر هادرًا بصوت قاسي خالي من أي تهاون بتلك التساؤلات التي عجز عقله عن استيعابها:
أنتِ إيه الجبروت والسواد اللي جواكِ ده؟
ده جزات الست اللي ربتك وراعتك بعد مـ.ـو.ت امك!
قوليلي عملت ايه تستاهل عليه كده؟
طب ضميرك مأنبكيش من نحيتها؟
طب ازاي كنت بتحطي عينك في عينيها وبتتعاملي معاها وأنتِ بتأذيها، انتِ للدرجة دي وِحشة وانا كنت مخدوع فيكِ؟
لتتهدج نبراته ويستأنف باشمئزاز وكأنها تثير غثيانه هو ينفضها بقوة جعلتها تسقط على الأرضية متألــمة:
أنا بجد نـ.ـد.مان وقرفان من نفسي إني حبيت واحدة زيك.
كانت تستمع لحديثه وضميرها ينهش بها وكأنه كان في غفوة واستيقظ لتوه، وحينها تدخل عقلها وهاجمها بتلك المبررات من جديد شعرت أن الأمر يتخطى قدرتها على التحمل ولذلك وضعت يدها على اُذنها وصرخت بانهيار تام بصوت مختنق بعبراتها:
كفاية، كفاية بقى
تطلع لانهيارها بعيون جـ.ـا.مدة، قد اندثر بها ذلك الدفء الذي كان يعتمرها ثم قال بنبرة قاطعة كحد السكين وهو يخطو بعيد عنها:.
انتِ لسه ما شوفتيش حاجة ومن هنا ورايح هخليكِ تجربي الذُل اللي على أصله يا بـ.ـنت الراوي
ليغادر غرفتها ويغلق خلفه بابها ويوصده بمفتاحه دون أن يرأف بها وبنحيبها ولا لصرخاتها المو.جـ.ـعة وكأنها بدلت لين قلبه المُولع بها إلى آخر صلد كالجلمود بفضل أفعالها التي يهيئها لها شيطانها كونها بريئة مبررة في سبيل انتقامها.
أما في أحدى قرى الصعيد فقد
كان يهرول فرحًا بعودة محبوبته بعد غياب دام لعدة أيام مرو عليه بصعوبة بالغة من دونها
فكان قلبه يهفو لها يسبقه حين وجدها تدلف لتوها إلى ردهة المنزل وتركض لترتمي بين يده قائلة بنبرة ملتاعة:
توحشتك جوي يا حامد
دثرها حامد بين أحضانه أكثر وأخبرها بإشتياق ولوعة تشابه لوعتها:
وأني كما توحشتك يا جمري وأيامي كانت غابرة من غيرك.
قطمت قمر طرف شفاهها ورفعت رأسها له تسأله بعيون كحيلة تفيض بالعشق:
توحـ.ـشـ.ـتني صُح يا حامد؟
تنهد هو تنهيدة حارة مفعمة بالمشاعر وهو يكوب وجهها الصبوح بين يده وقال بوله تام:
ايوة يا جلب حامد الليالي كانت عاتمة من غيرك ومصدجت رچعتِ تاني تنوري سمايا يا حبة الجلب
اتسعت بسمة قمر من ذلك الغزل الذي يغدقها به زوجها ويهون الكثير عليها وقالت بنبرة تقطر بمكنونها وهي تمرغ وجهها بكف يده الذي يحاوط وجهها:.
ربنا يخليك ليا يا حامد
لوت ونيسة فمها يمينًا ويسارًا بعدm رضا وهي تدلف لتوها هي وزوجها لردهة المنزل
بينما ضـ.ـر.ب عبد الرحيم الأرض بعصاه الأبنوسية قائلًا بحدة كي يقطع تلك اللحظات الحالمة بيهم:
واه چرى أيه كانكم مايعين إكده اللي ينضركم يجول بجالكم سنين متفارجين مش كام يوم
تحمحم حامد بحرج، بينما هي أطرقت رأسها وسحبت طرف وشاحها تغطي به فمها من شـ.ـدة خجلها وهرولت نحوهم تقبل أيديهم احترامًا وتبجيل لهم قائلة:.
كيفك يا بوي وكيف صحتك
والله توحشتك يا أْما ونيسة
رفعت ونيسة طرف فمها بحركة مستنكرة ولم تعقب و اكتفى عبد الرحيم بهز رأسه كونه بخير واستأنف حديثه الخالي تمامًا من اللباقة:
طالما متجدرش على بعدها إكده ياولدي كنت عجلها وجولها تجعد في دارها وبلاها علاچ ولا حُكَمة وتضيع وجت على الفاضي
ابتلعت هي غصة مريرة بحلقها من تجريحاته المستمرة بشأن عدm إنجابها وقالت بنبرة متحشرجة على حافة البكاء:.
إن شاء الله متكونش على الفاضي المرة دي؛ الحَكيمة طمنتني وجالتلي إن في أمل ابجى حِبلة
حانت من عبد الرحيم بسمة هازئة ورد ساخطًا:
بعد جد أيه يا جمر لما شعر ولدي يشيب
أطرقت هي رأسها ولم تستطيع أجابة سؤاله فما كان منها غير أن تنسحب قائلة بنبرة منكـ.ـسرة:
العلم عند ربنا يا بوي، ما تواخذنيش أنا تعبانة من الطريج ومحتاچة ارتاح.
كان هو صامت احترامًا لشخص أبيه فلا يجوز أن يتعدى حدود الأدب ويعاتبه أمام زوجته ولكن عنـ.ـد.ما غادرت هي نظر لآثارها في ضيق شـ.ـديد وهدر مدافعًا في محاولة بائسة منه كي يجعل أبيه يكف عن تسلطه:
ليه تكـ.ـسر بخاطرها أكده يابوي مَرتي ست البنات وعَاجلة ولو هتروح للحُكمة فده علشان انتوا ضغطين عليها و مش مجتنعين إن مش بايدها حاچة
لم يعجبه الأمر ولذلك عقب على حديث ولده بسخط:
بكفياك يا ولدي مرتك أرض پور ومفيش منيها رچا.
بس هحبها ولو لفيت الأرض كلتها مش هلاجي ضفرها وإذا كان على الخِلفة أنا راضي بحكمة ربنا ومش عاوز من الدنيا غيرها
قالها حامد بحمقةٍ شـ.ـديدة جعلت ونيسة تضـ.ـر.ب على صدرها بحسرة، بينما عبد الرحيم صاح متجبرتًا:
والله وچه اليوم اللي تناجرني فيه يا حامد وتجف جصادي
زفر حامد في ضيق وقال مبررًا:.
يا بوي أنا مليش في الدنيا غير رضاك ورضا أمي بس هي مرتي وكرامتها من كرامتي ويعز عليا تچرح فيها وتنجرزها بالحديت في الرايحة والچاية بالله عليك يا بوي لو بتعز ولدك صُح بكفياك
احتدت نظرات عبد الرحيم القاتمة وسايره:
ماشي يا ولدي لما أشوف أخرتها معاك
ليستأذن حامد كي يصعد لزوجته وما أن غادر قالت ونيسة بعدm رضا وهي تولول:
جولتلك سحراله ومصدجتنيش يا عبد الرحيم.
بينما هو جلس على أحد المقاعد يسند ذقنه على عصاه الأبنوسية وهو يفكر كيف يتمكن من كسب ولده لصالحه حتى لا يخسر وِده ويخرج عن طوعه ويعيق ما يطمح له.
حجك عليا يا حبة الجلب
قالها حامد بحنو وهو يربت على ظهرها كي يراضيها، ولكنها جففت دmعاتها وقالت والحـ.ـز.ن يغلف صوتها:
أنا اللي محجوجالك يا حامد انا اللي معرفتش أچبلك حتة عيل يشيل أسمك.
واه خلاص بقى جفلي على السيرة الماصخة دي، وبعدين يا بت الناس مش جولتي الحكيمة قالتلك إن العلاچ الچديد ممكن يجيب نتيچة وأن المسألة مسألة وجت يبقى لازم نصبر وربك هيچبر، وحتى لو ربك مأذنش أني راضي ومكتفي بيكِ انتِ بتي وحبيبتي وحبة جلبي من چوة.
ابتسمت من بين بكائها وهي تشعر بقلبها يتراقص فرحًا من تفهم زوجها وحبه لها الذي يغلف كل أفعاله وحتى حديثه ورغم أنها تعلم أن لأبويه سُلطة عليه ويخشى سخطهم ولكنها تعذره فهو حنون، لين القلب ولذلك لن تتحامل عليه أكثر وخاصةً بعد أن استرقت السمع لدفاعه المستمـ.ـيـ.ـت عنها قبل أن تدلف لغرفتهم، لتقول بحب:
ربنا ما يحرمني من طيبة جلبك ولا حنيتك يا حامد
ولا منيكِ ياجلب حامد.
طب ايه جوليلي وريحي جلبي روحتى لعمي سعيد زي ما جولتلك
أومأت له بنعم وقالت بصوت خفيض للغاية تحسبًا أن يستمع لهم أحد:
ايوة زرته في المستشفى في سوهاچ انا وامي وعطيته الفلوس زي ما جولتلي وفكيت ضيجته وخالة هانم بعتالك السلام وبتجولك كتر خيرك
وهو كيف صحته يا جمر؟
تنهدت قمر وقالت بتفائل:
ادعيله يا حامد وإن شاء الله هيبجى كويس
أومأ لها وتمتم بتضرع:
ربنا يشفيه ويعافيه و يجومه بالسلامة.
أمنت هي على دعواته، ليباغتها هو بجذبه لها من خصرها وقوله بنبرة مشاغبة:
طب أيه مفيش حاچة علينا ولا أيه؟
لم تتفهم حديثه وتساءلت:
هاتجصد أيه؟
ليتساءل مرة أخرى ولكن بشغب أكبر وهو يتفرس بمعالم وجهها:
بجالك كام يوم غايبة يا بت الناس
تنهدت واجابته بقلة حيلة وهي تستند على صدره:
واه انا عجلي مش دفتر
يبجى افكرك
شهقة خافتة صدرت من فمها حين أنحنى بجذعه عليها وحملها قائلًا وهو يتوجه بها للفراش:.
إني بجى فاكر وحاسب بعدك عني بالدجيجة والثانية يا جمري وعلشان إكده هعوضهم كلاتهم دلوجت
ليضعها على الفراش كي ينعم بنعيم قربها كيفما شاء فحقًا كان يحترق من شـ.ـدة توقه لها أما هي فكانت مأخوذة بلهفته عليها وحالتها لا تختلف كثيرًا عنه غافلة أن القدر يخبأ لها فاجعة ستودي بذلك القرب وربما للأبد.
استيقظت ثريا بعد عدة ساعات وهي تشعر بألــم مبرح برأسها، وقد أخبرها يامن كل شيء وعن فعلت تلك اللعينة بها، وحينها ضـ.ـر.بت صدرها وقالت بملامح متقلصة شـ.ـديدة الحـ.ـز.ن وكأنها تعاتب شخص تلك اللعينة:
ليه كده بس يا بـ.ـنتي هونت عليكِ، انا مش مصدقة كل ده يطلع منك!
أجابها هو بأنفعال:.
لأ صدقي الهانم كانت بتخدرك ومفرقش معاها انها بتأذيكِ بالحبوب دي والله اعلم المرة الكام اللي عملت كده، ده غير انها كانت بتستغفلني وبتخرج من ورايا، ده أنا جايبها من القسم وكانت سـ.ـكـ.ـر.انة طينة أنا كويس إني مسكت نفسي ومقــ,تــلتهاش.
كان يتفوه بكل كلمة بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يشعر أنه على حافة الجنون، مما جعل ثريا تربت على ظهره قائلة بمواساة:.
اهدى يا ابني واستعيذ بالله من الشيطان الرچيم، هي الغلط راكبها وتستاهل اكتر من كده كمان، بس مش معنى كده أننا نمـ.ـو.تها بالحيا دي أمانة في رقبتنا علشان خاطري هات مفتاح اوضتها هطمن عليها
نفى برأسه وشياطين الجن والأنس تتقاذف أمام عينه ثم زفر حانقًا:
لأ يا أمي و متحاوليش انا لا يمكن ارجع في كلامي
عاتبته ثريا من جديد راجية وهي تربت على ظهره:.
متخليش غـــضــــبك يعميك أنا مش هلومك ومش هتدخل في اللي بينكم بس خليني أطمن عليها
أعترض مجددًا ولكن تلك المرة بنبرة قاطعة غير قابلة للتفاوض:
لأ يعني لأ دي واحدة متستهلش قلقك ولا خــــوفك عليها وانا هخليها كده مش هي شايفة أن أنا ذللها خليها تجرب الذُل وانا بقى عايزها تعترض علشان أكـ.ـسر دmاغها واخلص من قرفها
عاتبته ثريا بنظراتها ولكنها لم تعقب فهي تعلم أن ما فعلته ليس هين بالمرة ولا يصح أن يمر مرور الكرام.
لن تغمض له عين طوال الليل وظل يتقلب بفراشه الذي يخلو منها وهو يستجدي النوم ولكن دون جدوى يقسم أنه لا يعلم ما أصابه ولكن عنـ.ـد.ما حل الصباح برر لذاته انه فقط تـ.ـو.تر عادي بسبب حماسه الزائد لما هو مقبل عليه فقد نهض و أخذ يحضر حقيبته ويستعد لذلك اليوم الميمون بالنسبة له وحين انتهى اخذته قدmيه إلى غرفة اطفاله كي يودعهم قبل مغادرته وحين سقطت عينه عليها تتوسطهم ووجد أثار الدmـ.ـو.ع على وجنتها شعر بشيء من تأنيب الضمير فهو يعلم أنه زادها عليها حين هددها بهم ولكن هيأ له شيطانه أنه الحل الأمثل كي يجعلها تتقبل الأمر وظن أنها حتمًا ستفعل مع الوقت.
فقد قبل جبين ابنائه أثناء نومهم ثم مال عليها يضع قبلة اعلى خصلاتها هامسًا في خفوت بالكاد يسمع و بصراحة نابعة من بقايا ضميره غافل كونها تدعي النوم:
انا عمري ما اقدر احرمك منهم بس غـ.ـصـ.ـب عني كان لازم أضغط عليكِ علشان متعارضيش قراري ومتسبنيش، أنا مقدرش اتخيل حياتي من غيرك...
ذلك آخر شيء قاله قبل أن يربت على خصلاتها ويغادر تاركها تفتح عيناها تنظر لأثره بعيون غائمة متألــمة و دون أن تأخذ لحظة تفكير واحدة نهضت من الفراش متوجهة للنافذة تتوارى خلف ستائرها كي تشيعه بنظرات أخيرة وهو يغادر ولكن لصدmتها وجدت الآخرى تنتظره بكامل بهائها، أما هو كان يبتسم لها بإتساع وكأن تلك الصفراء هي مصدر سروره الوحيد، وقبل أن يصعد إلى السيارة حانت منه نظرة خاطفة لنافذتها جعلتها تتراجع للخلف عدة خطوات و تتعالى وتيرة أنفاسها بشكل غريب وكأنها تعجز عن التقاط الهواء ثم ارتمت على أحد المقاعد تحتضن جسدها بذراعيها كي تحفز ذاتها على الصمود ولا تنهار ولكن كان الأمر مؤلم يفوق احتمالها فقد عصتها دmعاتها وتهدلت هاربة من سـ.ـجـ.ـن عينها كي تفضح هشاشتها ومع حالة الانهيار العارمة التي اصابتها هاتفت سعاد ابنة عمها وإن اتاها الرد غمغمت من بين شهقاتها المقهورة التي تدmي القلب:.
انا اخدت قراري خلاص وعايزاكِ تساعديني
أتاها رد سعاد المترقب من الطرف الأخر:
بس قرارك صعب يا رهف ومينفعش ترجعي فيه ولا يكون في نـ.ـد.م بعديه
أجابتها بإصرار عجيب لم يكن من طباعها يوم بعدmا تذكرت جملته الصادقة التي صدرت منه وهو يظنها غافية غافل كونه طمئنها دون أن يشعر و.جـ.ـعلها تقرر أن لا شيء سيردعها فحقًا فاض بها وقد اتى اليوم لتثور حفاظًا على بقايا كبريائها الذي دهسه تحت قدmه:.
عارفة عواقب قراري كويس ومش هرجع فيه، لتبتلع غصة مريرة بحلقها تكاد تخـ.ـنـ.ـقها و تستأنف بنبرة متألــمة وبقلب مدmي يقطر دmًا:
هو اللي اضطرني لكده انا
لازم ادفعه التمن يا سعاد وغالي اوي.
مر أكثر من اسبوعين عليها وهي تشعر بتحسن كبير منذ أن توقفت عن تلك الحبوب اللعينة التي كانت تسلبها إرادتها، فرغم محاولاتها السابقة بالامتناع عنها إلا أنها كانت سابقًا تفشل فشل ذريع ورغم علمها أن تناولها كان ناتج عن تعودها، لا إدmانها ولكن كانت تتلاشى إرادتها و تستسلم لطنين رأسها وتظن أن بها خلاصها؛ فسابقًا لم يكن لديها هدف أو شيء يحفزها ويدعم عزيمتها ولكن الآن أصبحت هو يمثل كل ذلك لها بل أصبح محور تفكيرها، ورغم انه مُتحفظ معها ولم يحيد عن منطقه ولا طباعه الثابتة إلا أنها تشعر بالاهتمام يغلف كل أفعاله وحقًا أصبحت مأخوذة به و بكل شيء يصدر منه.
فها هي منذ أن صعدت للسيارة ولم تشيح بفيروزاتها عنه وكأنها تراه للمرة الأولى مما جعله يرتبك قليلًا ويقول بثبات اثناء قيادته:
مش ملاحظة انك متكلمتيش من ساعة مركبتي العربية
أجابته بتنهيدة حالمة:
مش عايزة اتكلم وحاسة إني عايزة ابصلك وبس.
مسد جبهته بسبابته وابهامه بإرتباك أصبح ملازم له الآونة الأخيرة بفضلها وبفضل تلميحاتها التي تأخذ مجرى آخر يخشاه ومازال عقله يستنكره فلم يعقب بل صب كافة تركيزه على الطريق، ولكنها زادتها عليه حين همست ببسمة ناعمة:
انا عايزة احكيلك على حاجة
تأهب لحديثها وحثها بعينه أن تسترسل، لتبتسم بعيون لامعة وتخبره:.
انا مبسوطة إني سمعت كلامك وروحت للدكتور بصراحة ارتحت اوي بعد ما اتكلمت معاه، وكمان اتبسطت أن بابي فضى نفسه مخصوص وجه معايا تعرف إن دي أول مرة أحسه قريب مني وخايف عليا بجد.
أبتسم وأجابها بعفوية دون أن يحيد نظراته على الطريق:
محدش في الدنيا هيحبك أكتر من ابوكِ وام...
ابتلع باقي حديثه ولعن تسرعه ولكنها تفهمت وهدرت بعدmا انطفأت لمعة عيناها واندثرت بسمتها:
مش شرط يا محمد أنا أمي محبتنيش.
أغمض عينه بقوة يلعن غبائه ثم صف السيارة بجانب الطريق وقال بنبرة حانية مفعمة بالاهتمام:
احنا قولنا ايه؟
مش هنبص ورانا تاني وهنفكر بس في اللي جاي، واللي محبناش ولا اتمسك بينا دي مشكلته هو؛ علشان احنا ناس جميلة وتتحب وهو حد مبيعرفش يميز وميستهلش حتى نفكر فيه ونحـ.ـز.ن نفسنا.
رغم أن حديثه متكرر بالنسبة لها ولكن صيغة الجمع الذي نطق بها جعلتها تشعر براحة و طمأنينة لا مثيل لها، ليشرق وجهه من جديد وتفتر شفاهها عن بسمة هادئة ثم قالت بإقتناع:
أنت عندك حق.
رفقت قولها بسحبها لحقيبتها وأخراج هاتفها ثم أخذت تنقر على شاشته عدة مرات إلى أن توصلت لذلك الحساب الوهمي التي تتبع به أخبـ.ـار تلك السيدة التي لا تستحق لقب والدتها وقبل أن تضغط على حذف الحساب شعر هو بترددها وتشوش نظراتها وحينها تفهم ماذا تنوى أن تفعل فما كان منه غير أن يربت على يدها ويشملها بنظرات محفزة تفيض بالاهتمام، استقبلتها هي ببسمة هادئة ودون أي لحظة تفكير أخرى كانت تقوم بالنقر مجددًا وتحذف ذلك الحساب من هاتفها وهي تنوى أن تستمع لنصيحته ولا تهتم بما مضى، فربما هو محق وهي ليست بذلك السوء ومن الممكن أن تحظى بالحب ولكن السؤال هو هل سيمنحها قلبه أم فقط ستحظى بذلك الأهتمام تحت مسمى أخر لا يمت بتاتًا لتلك المشاعر التي أصبحت تكنها له.
برافو عليك انا فخور بيكِ و بإرادتك
قالها هو لينتشلها من دوامة أفكارها التي نفضتها عنها الآن و ابتسمت بسمة صافية مفعمة بالتفاؤل قائلة:
عارف نفسي في ايه...
لوهلة تعلقت بندقيتاه بها قبل أن يتساءل باهتمام كعادته:
أيه؟
أجابته بحماس وببسمة مشرقة:
نفسي تأكلني فول من على نفس العربية زي المرة اللي فاتت بصراحة وحشني اوي اعمل مركب زيك واغطسها في الطبق وياريت بقى لو معاها بصلتين ياه والله جوعت على السيرة.
قالت أخر جملة بإشتهاء غريب وهي تقطم شفاهها السفلية تقلد طريقته ذلك اليوم ليقهقه ضاحكًا بتلك الطريقة الخشنة المفعمة بالرجولة التي دغدغدت حواسها و.جـ.ـعلت بسمتها الهائمة تتسع شيء فشيء حين قال:
لسة فاكرة، ده انا حسيت يومها من كتر أسئلتك إنك من كوكب تاني
هزت رأسها مستنكرة واجابته بتنهيدة عميقة:.
فعلًا كنت مستغربة ولما أنت اتكلمت معايا وبقيت تجاوبني الصورة وضحت قدامي، يعني مثلًا: الحاجات التافهة والبسيطة بالنسبالي؛ اكتشفت انها كبيرة اوي وليها قيمة عند ناس تانية، وعرفت إن كفاح الناس البسيطة دي وصبرهم هو قمة الرضا.
تهادت ضحكاته تدريجيًا وهو يستمع لها وكم راقه انه استطاع أن يؤثر حديثه بها، لتضيف هي بخجل وهي تلملم خصلاتها وتضعها خلف اذنها:.
أنت خلتني اشوف الدنيا من منظور تاني يا محمد أنا مش عارفة ازاي عرفت تأثر عليا كده بس كل اللي أعرفه إني اتعلقت بيك لدرجة إني بستنى كل يوم الصبح علشان بس اشوفك واتكلم معاك
تبًا لقناعاته ولحدود منطقه فكيف الصمود أمام عفويتها وتلميحاتها المتكررة له، حقًا كان ضائع يتمنى لو يجد قشة يتشبث بها وتنقذه من الغرق داخل بحر عينيها ولكن لم يجد سوى تلك المشاعر الطاغية التي ثقلت قلبه و.جـ.ـعلته يعافر كي لا يغرق بها.
فقد دام تشابك نظراتهم لعدة ثوانٍ حالمة أرادت هي لو لم تنتهي ولكنه أحبطها و أزاح رأسه بعيد عنها يغمض عينه بقوة يحاول أن يسيطر على ارادة ذلك النابض بصدره فيبدو ان البراعم النامية بقلبه، تفتحت، وأينعت وأصبحت مزدهرة رغم محاولته الشتى لوأدها.
تنهدت هي بعمق وقاطعت مداهمة أفكاره قائلة كي تخفي حرجها:
طيب انا جعانة هتوديني ولا لأ.
اوما لها ببسمة باهتة لم تصل لعينه ثم انطلق بها ليلبي رغبتها وهو يتيقن تمامًا أن ما كان يخشاه و يظنه يستحيل حدوثه قد تخطى حدود المنطق والعقل وحدث بالفعل.
أما عن صاحب البنيتان القاتمة فقد نال ما طمح وقد مر اسبوعين على عقد قرانه من الآخرى وها هو ينعم بقربها
بكل الطرق الممكنة، غارق حد النخاع في إرضاء ذلك الذكر بداخله، مأخوذ بكل شيء بها جرأتها، طريقتها في تدليله، جموحها معه، فهي امرأة واثقة تعلم ماذا يريد دون أن يطلب وقد أجادت التعامل معه ومع متطلباته
فبعد ليلة جامحة فاقت كل توقعاته كالمعتاد سند ظهره على جذع الفراش متمتمًا بأنفاس متهدجة:.
يخربيتك هتجيبي أجلي بالشكل ده
أطلقت هي ضحكة متغنجة وهي ترفع الغطاء على جسدها قائلة:
انت لسة شوفت حاجة ده انا هجننك يا سُونة
اكتر من كده هتعملي ايه بس ده احنا مخرجناش من باب الأوضة غير كام مرة تتعد على الصوابع.
مطت فمها وسألته وهي تعبث بأناملها على صدره:
هو انت زهقت يا سُونة
نفى برأسه وقال مبرراً وهو يمرر يده بخصلاتها الشقراء:
ابدًا بالعكس انا عمري ما حسيت إني مبسوط غير معاكِ بس يعني أنتِ أخدة تليفوني ومش عطيالي فرصة حتى أطمن على الولاد ولا الشغل
تأففت هي:.
يوووووه بقى الولاد مش لوحدهم وأمهم معاهم ما انت كتير بتسافر وتسيبهم ومفيش حاجة بتحصل، والشغل في كذا حد يقدر يمشيه من غيرك، وبعدين احنا في شهر العسل ومينفعش حاجة تاخدك مني
وبعدين انا مصدقت بقيت ليا يا سونة.
قالت أخر جملة بنبرة مثيرة للغاية وهي تطبع قبلة محمومة على شفاهه كانت بمثابة دعوة صريحة له، وحينها اقنع ذاته بحديثها و وجده منطقي لحد كبير ليقرر انه لن يفكر بأي شيء الآن سوى أن يشبع غريزته ويلبي دعوتها التي لا يعلم عددها لليوم.
أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة، فمنذ ذلك اليوم المشؤوم وهو يلتزم بوعده لها و يذيقها مّر صنيعها، يحتبسها بالغرفة و لم يسمح لها أن تطأ قدmيها خارجها قط، ورغم إلحاح والدته المستمـ.ـيـ.ـت ليعفو عنها إلا أنه لم يقبل ولم يتهاون بتاتًا حتى أنه منع والدته أن تتدخل بلأمر مرة أخرى، وكأنه يود أن يمنحها هُدنة مع ذاتها كي تفكر بكل ما اقترفته من خطايا وتنـ.ـد.م عليها، لا ينكر أن قلبه اللعين يعلن عصيانه عليه كل ليلة وخاصة عنـ.ـد.ما يستمع لنحيبهامن خلف باب غرفتها، ولكن كيف التهاون معها بعد كل ما اقترفته فغـــضــــبه منها مازال يطغي على كل شيء حتى ارادة قلبه.
فقد تناول صنية الطعام من والدته ككل يوم دون أن يعير نظراتها الراجية ولا الحاحها أي أهمية.
ثم توجه لغرفتها يدس المفتاح بالمكان المخصص له ويديره زافرًا بقوة ما أن وطأت قدmه داخلها وهو يتوقع انه سيجدها بالفراش ككل يوم عنـ.ـد.ما يأتي إليها بالطعام وتتصنع النوم ولكنه وجد فراشها يخلو منها، لتنكمش معالم وجهه ويضع الطعام أعلى الطاولة بجانب طعام الصباح التي لم تمسسه ويلعن ذلك العند المستوطن بها وهو يبحث بناعستيه الثائرة عنها، لفت نظره شرفة حجرتها المواربة ليخطو نحوها بخطى واسعة وما أن فتح بابها كاد قلبه يهوي بين قدmيه عنـ.ـد.ما وجدها باهتة بملامح منطفأة فرت منها كافة ألوان الحياة وتجلس على سور شرفتها تدلي قدmيها خارجها.
و رغم الخــــوف الذي تسلل لقلبه انه من الممكن أن يفقدها إلا انه يعلم انها تحاول تستعطفه وتستحوذ على اهتمامه ليس إلا؛
ولذلك لم يتخلى عن جموده معها و هدر بمكر وهو يستند على السور بكفوف يده ويشرد في نقطة وهمية بالفراغ:
معتقدش أنك بالغباء ده، و بتفكري تنتحري، بس لو ده اللي وصلتيله بتفكيرك مش هعارضك بالعكس أنتِ كده هتوفري عليا كتير وتريحيني.
كونه يعلمها تمام المعرفة تعمد أن يستفزها بحديثه ويشعرها أن ما تفعله لن يؤثر به، فإن استشعرت هي عكس ذلك ستستغل الأمر لصالحها
وبالفعل كانت فِطنته بمحلها حين رفعت عيناها الغائرة له وهمست بصوت مازال يحمل بطياته حفنة من التمرد وهي تتخلى عن جلستها وتقف في مواجهته:
لأ متقلقش انا مش غـ.ـبـ.ـية، ومش هخليكم ترتاحوا مني زي ما ارتحتوا من امي.
رغم تلميحها المبطن الذي جعل التساؤلات تتقاذف برأسه إلا أنه أجل التفكير به وقد اعتلى جانب فمه هازئاً من نجاح حيلته وقال بلامبالاة فاجأتها و وخزت قلبها:
واحدة بسواد قلبك لازم تفكر كده بس على العموم افهميها زي ما أنتِ عايزة مبقتش تفرق.
أبتلعت غصة بحلقها وكادت ترد ولكنه سبقها بنبرة بـ.ـاردة خالية من أي دفء أصابت قلبها بالصقيع:.
الأكل عندك، وبراحتك لو عايزة متكليش، أنا بس بخلص ضميري علشان لو حصلك حاجة محسش بذنبك
قالها وهو يخطوا خارج الشرفة دون أن ينظر لها نظرة واحدة تنم عن قلقه أو اهتمامه مما جعل عيناها تغيم و تنظر لآثاره بنظرات غائرة يحتلها الحسره، و تتساءل أين ذهب لين قلبه و تهاونه معها ألهذه الدرجة كانت أفعالها مخزية و.جـ.ـعلته يمحي تلك المشاعر التي كان يكنها لها!
هل مقتها لتلك الدرجة التي تجعله لا يطيق حتى النظر لها، مهلًا لمَ تهتم الآن! فمن المفترض أن تنقم عليه أكثر بعد أن عنفها وقسى عليها، مهلًا ايضًا لمَ تشعر بتشتت عظيم يحتل كافة كيانها ولمَ ذلك الفراغ الموحش ينخر أحشائها!
أيا ترى بسببه وبسبب حديثه السابق الموبخ لها هل من الممكن أن يكون محق وهي بذلك السوء الذي أصبح يراها به. حقًا لا تعلم هي ضائعة مشتتة بين ألــم قلبها وهواجس عقلها الذي يبرئ كل أفعالها ويقنعها أنها مبررة في سبيل انتقامها وعند وصولها لتلك الفكرة وجدت ذاتها تنخرط بنوبة بكاء مرير وهي تتيقن أنها لم تؤذي أحد سوى نفسها.
أما هو فقد حاول اقناعها ان تعيد له هاتفه ولكنها رفضت ورغم أنه ود بشـ.ـدة ان يطمئن على أطفاله إلا انها استطاعت بطريقتها أن تؤثر عليه وتقنعه انهم بخير وهاهو ينتظرها كي تتحضر ليصحبها لتناول العشاء فقد أشعل أحد سجائره واخذ ينفث دخانها بنفاذ صبر فقد تأخرت كثيرًا وحقًا سأم الأنتظار ولكنه لم يستطيع أن يعترض حتى لا يفسد يومه الحافل معها،.
ولكن حين خرجت له تدلى فكه وهو يراها ترتدي ذلك الثوب الذي يلتصق على جسدها وكأنه جلد ثان لها وهدر قائلًا:
ايه ده انتِ هتخرجي كده؟
أعتلى حاجبيها وقالت بثقة وهي تتطلع لهيئتها بالمرآة أمامه بكل ثقة:
اه يا سُونة ماله كده!
هب واقفًا وأجابها بحدة:
ماله ايه، وزفت ايه؟ الفستان ضيق جدًا ده لبستيه ازاي بالصابونة، مستحيل اسيبك تنزلي كده روحي غيريه
زفرت حانقة واعترضت:.
بس هو عاجبني ومش هغيره وبعدين مالك يا سُونة ما أنا كنت بلبس زيه قبل ما نتجوز وكنت بتتهبل عليا
تأفف بغـ.ـيظ وبكثير من التناقض قال وهو يطفئ سيجارته المشتعلة بكعب حذائه:
الوضع اختلف، دلوقتي أنتِ مراتي وشايلة اسمي.
قهقهت هي بصخب وإجابته دون حياد عن رأيها:
بس أنا مش هغيره ومتهيئلي أنت اتجوزتني كده وقبلت تشيلني أسمك؛ وانا برضو كده ومش هغير ستايلي ونمط حياتي علشان أفكار رجعية ملهاش قيمة.
لم يروقه حديثها وهدر منفعل:
منار مش بحب الاسلوب ده
حانت منها بسمة مغوية أثناء اقترابها منه وقالت بإثارة وبنبرة متلاعبة وهي تعبث بأناملها المطلية داخل تلك الشعيرات الظاهرة من فتحة قميصه:
اهدى يا سُونة متتعصبش وتبوظ مودي وبعدين أنا هبقى معاك ومفيش حد هيقدر يرفع عينه فيا علشان معايا أجمد راجـ.ـل في الدنيا وكفاية اوي أنك مالي عيني.
ختمت حديثها وهي تضع قبلة عابرة أعلى فمه كي ترضي تلك النزعة الذكورية التي حفزتها بكل براعة دون أي عناء منها وإن كاد يطالب بالمزيد دفعته برفق وببسمة ماكرة نفت بسبباتها أمام وجهه وقالت بهمس مغري للغاية:
مش دلوقتي لما نرجع.
لتضيف بنبرة تقطر بالفتنة وهي تقرص وجنته:
هستناك في العربية ياريت متتأخرش يا سُونة علشان بتوحشني.
قالتها وابتعدت عنه تسحب حقيبتها كي تسبقه دون أن تعطيه أي مجال للرد وكأنها تود أن تثبت لذاتها قبل منه أنها لن تخضع وتكون نسخة ثانية من تلك الغـ.ـبـ.ـية التي سخط عليها.
كانت حريصة على افتتانه بها بكل الطرق أثناء سهرتهم، تتلاعب على اوتاره بكل حرفية وتعلقه بها أكثر بتلك الطريقة التي رغم فجوجها إلا أنها كانت تجدي نفع معه فقد تعمدت أن تجعله دائمًا تواق لها مستخدmة أحد حيلها الذكية التي تأكدت من تأثيرها حين همست بأذنه بطريقة موحية بما ستفعله معه حين عودتهم...
فقد تصلب جسده وتتثاقل انفاسه وهو يشعر بنيران مستعرة تشتعل به؛ ولذلك قرر في التو أن ينهي سهرته كي ينالها.
ليؤشر للنادل ويعطيه بطاقته الائتمانية كي يسدد ثمن فاتورة الطعام
وهو يخبره أن يتم الأمر بعُجالة كونه لا يستطيع الأنتظار اكثر، وبالفعل هرول النادل كي ينفذ طلبه ولكن عاد له بعد بضع دقائق قائلًا:
آسف يا فنـ.ـد.م تقريبًا البطاقة الإئتمانية بتاعة حضرتك مفهاش رصيد
تفوه بها بأسف بعدmا كرر المحاولة لاكثر من مرة، ليجعد حسن حاجبيه ويسأله بعدm استيعاب:
نعممممممممم، أنت متأكد اكيد المشكلة عندك!
نفى النادل وهو يناوله البطاقة مرة آخرى قائلًا:
حضرتك تقدر تتأكد بنفسك
لتتسأل هي بتهكم وببسمة صفراء دون أن تعطي صدmته أي اهمية:
ازاي كده يا سُونة معقول أنت بجلالة قدرك معكش رصيد
هب واقفًا وأجابها:
لأ، اكيد المشكلة من عندهم ياريت تسبقيني على العربية
أومأت له وغادرت بينما هو رفض عقله الاستيعاب و أصر أن يحاول بنفسه لعدة مرات ولكن دون جدوى.
ليضيق بُنيتاه القاتمة بعد أن فطن للأمر الذي لم يتوقع أن يصدر منها حتى في أبعد أحلامه، وتوحشت نظراته وهسس بنبرة متوعدة شـ.ـديدة الغـــضــــب:
عملتيها يا رهف...
↚
التراكمـ.ـا.ت سمّ بطيء يقــ,تــل أي علاقة بصمت. لا تختبروا قوّة تحمّل الآخر، لا تعوّلوا على حبّه الكبير، وقلبه الأكبر. لا تتجاهلوا نفاذ صبره، لا تتوقّعوا أن تكون هناك صفحات جديدة دائما، فلا تدرون متى تأتي الصفحة الأخيرة. قد يبدو كلّ شيء على ما يرام بالأمس، فتصحُون على ثورة عارمة صباحا.
ممكن اعرف في ايه؟
قالتها هي ما أن دلفو سويًا لغرفة الفندق بعدmا ظل طوال الطريق صامت و وجهه متجهم بشكل مريب جعل الكثير من الشكوك تنتابها، فقد حاول هو السيطرة على ذاته بصعوبة بالغة ونفى برأسه وأجابها بإقتضاب:
مفيش...
لتتسأل من جديد بريبة أكبر:
طب ايه حكاية الرصيد دي طلع فعلًا المشكلة من عندهم
أومأ لها بنعم وأخبرها كاذبًا كي لاتزيدها عليه وتشعره بمدى غبائه:
اه المشكلة من عندهم الجرسون حمار ومكنش عارف يتعامل
هزت رأسها وعقبت بعد أن زفرت بـ.ـارتياح واقتربت بخطواتها المتغنجة منه:
طب خلاص ايه اللي مضايقك وغير مودك كويس أنه طلع الغلط عندهم وإلا كان هيبقى الموقف بايخ اوي يا سُونة.
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـب بسمة على فمه واومأ لها بمسايرة وهو يحمد ربه أنه كان يحمل بضع نقود ورقية بحوزته للاحتياط وبالكاد غطت فاتورة العشاء، ليتناول نفسٍ عميق ويزفره على مهل ثم يمرر يده بين خصلاته بأعصاب تالفة قائلًا وكأنه يتوسلها:
هاتي التليفون يا منار عايز اطمن على الولاد
جعدت جبينها و تأففت من جديد:
يووووه انت مش بتزهق قولتلك لأ، وبعدين ولادك مش لوحدهم لترفع حاجبيها وتضيف وهي تتخصر أمامه متهكمة:.
اوعى تكون رهف هانم وحشتك ومش قادر تقعد من غير ما تطمن عليها
كان يشعر ببراكين ثائرة برأسه من شـ.ـدة الغـــضــــب ورغم ذلك تمالك نفسه وقال بنبرة آمرة بعض الشيء:
هاتي التليفون ومش عايز زن أنا على آخري والموقف اللي حصل ضايقني بما فيه الكفاية
لوحت بيدها أمام وجهه وهدرت دون أن تعير غـــضــــبه أي اهمية:
هو أيه اللي حصل وأنت ليه مكبر الموضوع كده ده مجرد سوء تفاهم ولا في حاجة مخبيها عليا...
زفر حانقًا من جديد وهدر منفعل:.
مفيش زفت مخبيه عليكِ وبلاش تزني أنا بكره الزن وهاتي التليفون
لم تراه غاضبًا من قبل لهذا الحد واستغربت أن موقف تافه كهذا يكون هو سبب غـــضــــبه ولثقتها بثرائه وما يملكه من نقود لم تشكك بتاتًا بصحة حديثه و عاندت بثقة:
لأ، ده شهر عسلي ومش هخلي المملة مراتك تاخدك مني وتتسهولك لما تكلمها
احتدت بنيتاه القاتمة وهدر من بين اسنانه بنفاذ صبر وبآخر حيلة لديه:.
مش هكلمها هي، هكلم يامن وهخليه يطمني على الولاد هاتي التليفون يا منار ومتعصبنيش اكتر من كده
زفرت بضيق من إصراره ولم تريد أن تعاند أكثر كي لا تفسد الأمر بأوله فرغم تخــــوفها من استعطاف رهف له إلا انها تثق تمامًا بأسلحة انوثتها الفتاكة التي تجعله يرضخ لها ويصبح كالخاتم بإصبعها ولذلك وافقت قائلة بخبث وهي تحتضن وجهه:
خلاص متتعصبش يا سُونة انا برضو عندي قلب وعارفة أنك اب و ولادك لازم يوحشوك.
لتسير بضع خطوات ثم تفتح خزانة الملابس وتدس يدها بين طياتها تخرج هاتفه وتناوله إياه قائلة بوداعة لا تليق ابدًا بها:
كلم يامن ومتنساش تسلملي عليه وتقوله انا نفسي اتعرف عليه وعلى خالتك
تناوله من يدها بتلهف شـ.ـديد وقام بفتحه لتميل هي على وجنته تقبلها ثم تقول بنبرة ذات مغزى مغري:
هاخد Shower وهستناك في السرير متتأخرش عليا يا سُونة
هز رأسه ببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها،.
لتبتسم هي وتخطو نحو المرحاض، بينما هو ما أن تأكد من إغلاقها الباب دلف للشرفة وأغلق بابها عليه ثم قام بالنقر على شاشة هاتفه يطلب رقم رهف وهو ينوي أن يصب جم غـــضــــبه عليها ولكن لصدmته كان هاتفها مغلق وحتى هاتف المنزل الأرضي لم تجيب عليه مما جعله يستشيط غـ.ـيظًا ويتيقن أنها تتعمد أن تتجاهله، وإن تذكر أنه لم يعد معه مال كافي لسداد حساب الفندق قام بمهاتفة يامن وقبل أن يطلب منه العون سأله عنها وتحجج كونه اضطر للسفر وتركهم ولكن يامن أخبره أنه لا يعلم شيء ولم تقم هي بزيارتهم منذ وقت طويل ليستشيط هو أكثر ويكاد القلق يفتك به ولكن دائمًا ما يتدخل شيطانه مبرراً كونها تكيده ليس أكثر وتتعمد إفساد سعادته ورغم تلك الأعاصير التي تضـ.ـر.ب برأسه إلا انه لم يخبر يامن بأي تفاصيل خاصة عن فعلته فقط طلب منه أن يرسل له المال بأي طريقة، و وعده انه سيشرح له فيما بعد وحين أغلق معه زفر حانقًا وأخذ يمرر يده بخصلاته بفوضوية هادرًا بغـ.ـيظ:.
أنا ازاي غـ.ـبـ.ـي كده ونسيت موضوع الحساب ده
ليكور قبضته بقوة ويضعها بين أسنانه كي يتحكم بزمام نفسه كي لا يفتضح غبائه أمام الآخرى وتشعر به، ثم أغمض عينه وأخذ يهدأ نفسه ولكن من داخله يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد حين عودته الذي قرر أن تكون فور إرسال يامن للمال في صباح الغد.
تنهيدات مُسهدة ونظرات هائمة كانوا يتبادلونها وهم يستندون على مقدmة سيارتها في المكان ذاته أعلى تلك الهضبة العالية التي تكشف البلد من عليائها فرغم عزلة المكان إلا أنها تشعر براحة عارمة به فقد أصرت عليه أن يأتي بها إلى هنا ورغم غيوم السماء و برودة الجو وتلك اللفحات البـ.ـاردة إلا أن كان دفء قلوبهم يكفي العالم أجمع فكانوا غير عابئين بشيء وكأنهم بعالم أخر يهيمون به بمشاعر تشابه غيوم السماء التي انذرت لتوها بهطول الأمطار مصطحبة معها عاصفة هوجاء من المشاعر المتأججة بينهم فشهقت هي حين شعرت ببضع قطرات الماء على وجهها وقالت بعفوية تشبه عفوية الأطفال:.
الله مطر
مسح على وجهه وقال وهو ينظر لما حل بالجو وكأنه فاق لتوه من غفوة قلبه:
عجبك كده مش كنت روحتك احسن من البهدلة دي
نفت برأسها واخبرته ببسمة واسعة وهي ترفع رأسها للسماء وتفرد ذراعيها ترحب بالمزيد:
انا جيت هنا مخصوص علشان كده، انا بحب المطر أوي يا محمد بحب ريحته وبحس براحة غريبة بعديه
أبتسم لتبريرها المرهف وقال:
بس الجو برد عليكِ.
نفت برأسها وظلت تدور وتدور حول نفسها ببسمة واسعة واستمتاع غريب دغدغ حواسه و.جـ.ـعله يتأملها بنظرات والهة يردد بداخله
كم أود أن أشاركك جموحك، وصخبك وسعادتك الآن، كم أود إطـ.ـلا.ق العنان لنفسي وأغدق دون حُسبان، ياليتني أستطيع أن ادثرك بين طيات صدري وأناصفك أنفاسي بكل امتنان.
امنحك لحظات لا تليق سوى بكِ و أبوح لكِ بمعسول الكلام ولكن يوجد حديث يعجز عنه اللسان فأنا عاشق يعلم أن كافة أحلامه يستحيل تحقيقها ويجب أن تظل طي النسيان.
لا يعلم كم مر من الوقت وهو يتأملها ولكن ما يعلمه أن قلبه يهفو لها حد العناء.
فقد تنهد بعمق ولعن تلك الحالة الغريبة التي أصبح عليها و تلك المشاعر التي لم يعد يستطيع التحكم بها وتعدت حدود عقله ومنطقه وكل ما نشأ عليه حين نزع سترته وتقدm منها يضعها على ظهرها، وقبل أن يسحب يده تراجعت هي خطوة واحدة للخلف وألصقت ظهرها بصدره وضمت يده الممسكة بالسترة حولها بحركة تلقائية للغاية أربكته و زادت من وجيب قلبه حين لفت رأسها كي تواجه وجهه وقالت ببسمة والهة متيمة تحت وطأة نظراته الحانية المفعمة بالاهتمام:.
عارف أن أنا أسعد واحدة في الدنيا اللحظة دي
غرق في بحر عينيها دون وعي وتمنى أن لن ينجو أبدًا وهي تميل برأسها لتواجه وجهه أكثر حتى تعانقت انفاسه واستأنفت بنبرة حالمة مفعمة بالسعادة غير عابئة بزخات المطر التي كانت تزف حديثها:
علشان جمعت بين أكتر تلات حاجات بحبهم، المكان ده، والمطر، وأنت يا محمد.
زلزلت قاع قلبه بل عصفت به و.جـ.ـعلت ارادته وعزيمته للصمود ذهبت ادراج الرياح من وطأة تصريحها الخطير له، ورغم ان لسانه عجز عن الرد إلا أن بندقيتاه كانت تعصاه و تهيم بها وكأنها تود أن تمتعه بتلك اللحظة الفريدة المميزة، فكانت عيناها تدعوه دعوة صريحة للبوح؛ ولكن الأمر كان عليه ليس بيسير ابدًا فمكنون قلبه بمثابة وعد صادق وهو لم يتعود أن يصدر وعود يستحيل أن يفي بها، يأست من رده وكم شعرت بالإحباط حين تحمحم و أزاح برأسه بعيد عنها لتحل وثاق يده من حولها ويتراجع هو بضع خطوات للخلف قائلًا بجدية شـ.ـديدة وبصوت مرتبك:.
لازم نمشي الوقت اتأخر و المطر بيزيد
حانت منها بسمة باهتة بعدmا اندثرت لمعة عيناها وهزت رأسها بطاعة ليسبقها لداخل السيارة، ليحتل الحـ.ـز.ن من جديد عيناها وهي تظن انه لم يبادلها مشاعرها غافلة كونه أصبح غارق بها ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك فنعم هي تعدت حواجز قلبه وحدود منطقه ولكن يستحيل أن يتخطى هو تلك الفجوة الطبقية بينهم.
رغم ذلك الفراغ الموحش الذي يخيم على قلبها ويكاد يبتلع روحها إلا انها كانت تقاوم كي تصمد وتستعيد عزيمتها وتقف في مواجهة مع ذاتها لتردع ذلك التشتت المريب الذي أحتل كافة تفكيرها و.جـ.ـعلها تستغرب ما يحل بها، وحين أشتد الصراع بين ألــم قلبها وهواجس عقلها انتصر من له سُلطة كبرى عليها فقد اسعفها بتلك الذكريات الأليمة التي يحتفظ بها بين طياته منذ زمن بعيد ودعم ظهورها ذلك اليوم الممطر الحافل بتلك الأصوات المرعـ.ـبة التي طالما ذكرتها بتلك الليلة المشؤومة حين توفت والدتها، فكانت ترفع رأسها تنظر لعطاء السماء وهي تجلس على أرضية شرفتها البـ.ـاردة دون أن تعير أن أطرافها تكاد تتجمد من برودة الجو بل كل ما كانت تعيره أهمية هو أن تعاند تأثير تلك الذكرى التي كلما راودتها سلبتها انفاسها و.جـ.ـعلت الرجفة تسيطر عليها وينتابها حالة من الهلع مثل تمامًا ما حدث معها في ذلك اليوم فكان كل شيء يمر أمام عيناها وكأنه حدث منذ قليل وليس من سنوات طويلة فإلي الأن تتذكر أدق التفاصيل بتلك الليلة البـ.ـاردة التي لم تنعم بعدها بدفء ابدًا.
flash back
كانت ليلة ممطرة، يلفحها الصقيع وصوت الرعد يتسلل إلى مسامعها أثناء نومها، فزت هرعة من فراشها تفرك عيناها وتسير نحو غرفة والدتها بخطوات وئيدة وهي تأمل أن تدثرها بأحضانها وتنعمها بدفئها الذي لا يضاهيه شيء ولكن عنـ.ـد.ما وصلت إلى باب الغرفة الموارب قليلًا استمعت لذلك الحوار المحتد بين أبويها:
أنا تعبت منك ومش عارف أعمل ايه علشان اقنعك.
قالها عادل بحدة وبنفاذ صبر جعل غالية ترد عليه بنبرة منفعلة شـ.ـديدة الإصرار:
عمري ما هقتنع يا عادل دي حياتي وانا حرة فيها
لأ مش حرة يا غالية ولو مرضتيش هجبرك وهيبقى غـ.ـصـ.ـب عنك، ومش معنى اني وافقت على رغبتك وسمعت كلامك يبقى كده عملتي اللي عليكِ تجاهي وتجاه بـ.ـنتك
نفت غالية برأسها بعدm اقتناع وصرخت بهستيرية:.
اللي حصل ده كان علشانك أنت وعلشان اديك فرصة تعوض كل اللي معرفتش ادهولك أنا عارفة أني قصرت معاك وأنت صبرت معايا كتير بس ياريت كان بإيدي علشان خاطري يا عادل بلاش تضغط على اعصابي انا مش عايزة اتعـ.ـذ.ب أكتر من كده، صدقني مش هقدر اتحمل اللي أنت بتطلبه مني...
يووووووه انتِ تفكيرك غلط، وانا يأست من عنادك ولعلمك بقى لو فضلتي على إصرارك هخالف رغبتك وهقول لبـ.ـنتك وساعتها بقى هخليها تعرف اد ايه امها ضعيفة وانانية ومبتفكرش غير في نفسها.
قالها بنفاذ صبر وهو يغادر الغرفة ويترك المنزل بأكمله دون أن يلحظ كون نادين تنكمش في أحد الزوايا و وصلها كل ما دار بينهم.
نظرت نظرة معاتبة لأثر أبيها وكم شعرت بلاستياء حينها كونه يتشاجر مع والدتها ويحـ.ـز.نها، ثم سارت خطوتين داخل الغرفة لتجد والدتها تجثو على ركبتيها بإنهزام تام وتبكي بكاء مرير جعل الدmع يتكون بعيناها أيضًا ويتهدل من سودويتاها التي كانت مفعمة بالبراءة حين غمغمت بحـ.ـز.ن:
ماما.
رفعت غالية رأسها المنكسة بضعف وكفكفت دmعاتها وفتحت ذراعها تحث ابـ.ـنتها أن تقترب، وبالفعل انصاعت لها نادين وارتمت بين أحضانها لتدثرها غالية بحب وتهمس بحنو شـ.ـديد وهي تمرر يدها على ظهرها كي تكف عن بكائها التضامني معها:
انا كويسة يا قلب ماما متعيطيش انا بس اعصابي تعبانة وبابا مُصر يفرض عليا ال...
ابتلعت باقي حديثها بمرارة وصمتت وكأن شيء اقوى منها يمنعها عن الايضاح اكثر، لتربت نادين على ذراعها بحركة حانية بريئة و ببكاء تشارك به بؤس والدتها حين استأنفت:.
هو مش قادر يفهم اني خايفة، خايفة اوي، خايفة اتعـ.ـذ.ب يا نادين أنا اتعـ.ـذ.بت كتيير اوي وكل يوم بستنى قدري يخبط على بابي، كل يوم بنام وببقى خايفة مصحاش، سامحيني يا بـ.ـنتي انا عارفة إنك اتظلمتي بأم زي بس أنا تعبت، والله تعبت ومبقتش قادرة استنى اكتر من كده.
كانت تتحدث ومع كل كلمة تتساقط دmعة حارقة من عيناها التي ذبلت من شـ.ـدة بكائها الواهن ورغم أن نادين لم تتفهم حديثها وماذا تقصد به إلا أنها كانت على دراية تامة أن والدتها ليست على ما يرام بتاتًا وانها تمر بشيء يفوق قدراتها على التحمل ولذلك تشبثت اكثر بها و قائلة ببراءة وبعيون تفيض بعبراتها وهي تمسح براحتها الصغيرة وجه والدتها:
متزعليش يا ماما أنا بحبك ومش هزعلك وبلاش تعيطي علشان انا بعيط زيك.
زاد نحيب والدتها وضمتها لها ولم يصدر منها شيء بعدها سوى تلك الكلمـ.ـا.ت التي ترجوها بها أن تسامحها وتغفر لها على شيء هي تجهله و لم تذكره والدتها قط وحين استيقظت صباح اليوم التالي علمت لمَ طلبت والدتها غفرانها.
فكان جسدها مسجي على ارضية الغرفة باستسلام غريب حين هرعت نادين لها متلهفة:
ماما نايمة ليه على الأرض.
لم يأتيها ردها بل كانت ساكنة لم يصدر منها شيء بتاتًا، لتغمغم هي من جديد بنبرة مرتعشة للغاية مغلفة بالقلق:
ماما مش بتردي عليا ليه أنتِ زعلانة مني
ايضًا لم يصدر منها شيء مما جعلها تهزها وتصيح بنبرة راجية:
ماما قومي وردي عليا، أنتِ مش بتردي على نادو ليه...! ماما...
كانت تهز بجسدها المسجي أمامها تستجدي ردها او صدور أي ردة فعل منها ولكن والدتها كانت شاحبة، جسدها كقطعة ثلج ومتيبس لحد كبير، وشفاهها تميل للزراق، فكان رؤيتها هكذا أكبر بكثير من قوة احتمال طفلة بنفس عمرها لم تستوعب بعد فكرة المـ.ـو.ت، ولذلك اخذت تمرر كفوفها الصغيرة على وجهها تزيح خصلاتها جانبا وتربت على وجنتها وهي ترجوها بنبرة هستيرية غير متزنة بالمرة:.
انتِ نايمة شوية وهتقومي تاني انا عارفة انك بتحبي نادو ومش هتهون عليكِ تسبيها قاعدة لوحدها، ماما أنا بخاف اقعد لوحدي، ماما ردي عليا و قومي اتكلمي معايا وانا مش هزعلك تاني وهخاصم بابا علشان زعلك، ماما ردي على نادو، ماما.
لا شيء أيضًا وحينها شعرت بشلالات متدفقة تسيل من عيناها دون وعي و انتابتها رجفة قوية جعلت أسنانها تصطك ببعضها وكأن كافة حواسها ادركوا الأمر إلا عقلها آبى واستنكر، لتنفي برأسها مرة وراء مرة و تردد من بين أسنانها وهي ترفع رأس والدتها مستخدmة كل قوتها كي تضعه بحجرها وتظل تربت على خصلاتها قائلة بنبرة مرتعشة غير مستوعبة من هول الفاجعة:
خلاص، مترديش ونامي هتبقي احسن...
ظلت تتمتم كلمـ.ـا.ت غير مرتبة وبعدm اتزان وهي تظن ان والدتها ستنهض بعد قليل وتنعم بدفها من جديد ولكن استمر الأمر لعدة ساعات مرو عليها بصعوبة بالغة على أمل حدوث معجزة من السماء.
في تلك الأثناء دلف عادل للمنزل وحين دخل لغرفتها وجدها تجلس على الأرض تحتضن رأس زوجته وتربت على خصلاتها بملامح شاحبة وعيون دامية تخبره بجنون وهي تضع سبابتها المرتعشة على فمها:
ششششش ماما نايمة، شوية وهتصحى.
تقلصت معالم وجه عادل من هول المنظر وهرول بلهفة ملتاعة يطالع هيئة زوجته ويلحظ علب الحبوب الدوائية الفارغة تغطي ارضية الغرفة، ليربت على وجنتها زاعقًا باسمها بهلع وبأعصاب تالفة يجس نبضها ولكن دون جدوى.
استغرق الأمر دقيقة واحدة كي يتيقن أن روحها فارقت جسدها لينهار باكيًا ويحاوط رأسه ينعي خسارته لزوجته ورفيقة دربه مغمغمًا:
ليه يا غالية ليه حـ.ـر.ام عليكِ ليه عملتي في نفسك كده وسبتيني.
كانت تشاهد كل ما يحدث بنظرات زائغة غير مستوعبة ولكن حين تفوه ابيها تأكدت أن والدتها فارقتهم ولن تنهض بعد اليوم وحينها صرخت صرخات هستيرية ممزقة لأبعد حد قطعت نياط القلب:
لأ، لأ، لا ماما مش هتسيب نادو، ماما مش هتسيب نادو مش هتهون عليها ماما
حاول عادل تهدئتها وأن يجعلها تبتعد عن جسدها ولكنها كانت تضم رأسها وترفض تركها وهي بحالة صدmة عارمة.
من شـ.ـدة وطأتها سقطت مغشي عليها وكأن عقلها قرر الفرار وأصر على إستنكار الأمر، فبعد تلك الفاجعة علمت أن والدتها تناولت جرعات كبيرة من حبوب دوائية مختلفة أدت إلى أرتفاع مفاجئ في ضغط الدm و تمزق في كافة الأوعية الدmوية مما أدي إلى وفاتها...
لتمر هي بفترة عصيبة بعدها استدعت تدخل أخصائي نفسي كي يؤهل طفلة مثلها لتقبل الأمر، ورغم انها كانت تستجيب للعلاج إلا أن ظل عقلها لا يستسيغ الحوار الذي دار بين أبويها ولم تجد تفسير له وحين سألت ابيها ذات مرة رفض أن يوضح لها واخبرها ان تلك رغبة والدتها، ولكن عنـ.ـد.ما أحضرها والدها لمنزل ثريا واخبرها بزواجه منها ظنت أن ذلك ما كان يخفيه ويحاول أن يقنع والدتها به قبل تخليها عن حياتها فمن وجهة نظرها حينها أن ابيها سبب نكبت والدتها إلا أن مع كثير من خطوات التأهيل ساعدتها كثيرًا لتخطي الأمر فكان ابيها يدللها كثيرًا و يغدقها بحنانه كي يعوضها عن ما فقدته فيظل هو رغم كل شيء أبيها وكل ما لديها ولذلك لن تنقم عليه هو بل وضعت العبء على كاهل ثريا ومن بعدها أبنها.
End Flash Pack.
عادت بذاكرتها للوقت الحالي وهي تشعر بذات الشعور الذي انتابها حينها فقد اخذت أسنانها تصطك ببعضها وتضم ركبتيها إلى صدرها ودmعاتها الملتهبة عرفت طريقها إلى وجنتها تكويها من شـ.ـدة حرقتها، تحتضن جسدها بذراعيها وتظل تتحرك بحركة غير متزنة للخلف وللأمام لعلها تطمئن ذاتها وتبث بجسدها الــســكــيــنــة والدفء التي لم تنعم به منذ رحيل والدتها ومـ.ـو.ت أبيها سوى بقربه وعند تلك الفكرة المتناقضة تمامًا بالنسبة لها وجدت عزيمتها تخور بل وتتلاشى تمامًا فرغم انه أهانها وعنفها إلا أنها تود لو أن يكون بجانبها الأن يواسيها مثل السابق ترتمي بين يديه وتستجدي ذلك القرب المطمئن لها ولكن أين هو الآن!
فقد زادها عليها وفرض عليها عزلة جبرية جعلت الذكريات تنتهك روحها.
بعد أن هاتفه ابن خالته قام بتدبر الأمر من أجله، وبعد عدة ساعات مضنية من التفكير الدؤب رفضت عينه أن تستسلم للنوم وقد انتابه حالة من الأرق الغريب بسبب تلك الأجواء التي بالخارج، فظل يتقلب على جانبي الفراش يتوسل قلبه أن يكف عن صرخاته المنافية لقرار عقله ولكن بلا فائدة ليزفر حانقًا ويتسطح على ظهره بالأخير ويتأمل سقف غرفته يسترجع بعقله تلك الهيئة التي كانت عليها، لا ينكر أن الخــــوف احتل قلبه حينها وتوجس خِيفة من ردود أفعالها ولكنه يثق انها لن تستسلم بتلك السهولة فكم تمنى أن يستشعر أي نـ.ـد.م من تصرفاتها او حديثها ولكنه لم يجد غير ذلك التمرد المعتاد الذي كان يقطر من كل كلمة تتفوه بها فهي مثل ما عاهدها دائمًا عنيدة يابسة الرأس و لا تعترف بخطئها؛ ولكن شعور دفين بداخله يخبره أنها عكس تلك القوة الواهية التي تدعيها دائمًا، ورغم دلاله المسبق وتهاونه معها و تغاضيه عن الكثير إلا انها تمادت كثيرًا تلك المرة وإلى الآن لم يجد مبرر منطقي لكل ما تفعله لوهلة تذكر جملتها حين ذكرت والدتها ولكن لم يستوعب ماذا تقصد فطالما جمعت علاقة طيبة بين والدته و والدتها حتى زواج والدته من ابيها كان بناءً على رغبة والدتها فكان كل شيء على مرأى ومسمع منه ومازال يتذكر كل شيء حدث حينها للآن،.
زفر حانقًا عنـ.ـد.ما استمع لصوت الرعد المتكرر بالخارج ليهب من فراشه ويقف يزيح الستائر القاتمة عن نافذته ويتطلع من زجاجها المغلق إلى السماء وكأنه يرجو ربه أن يرأف بها فهو يعلم أن صوت الرعد يخيفها ويصطحب معه تلك الذكرى المريرة التي مهما ادعت انها تخطتها لم تفعل فطالما كانت تصر على أبيها أن يظل بجانبها حين تكون الأجواء مشابهة ومن بعد وفاته كانت تلتصق به دون أن تبرر خــــوفها ولكنه كان يستشعر ذلك من رجفتها وشحوب وجهها،.
ظل صامد لكثير من الوقت ولكن قلبه اللعين ساقه إلى غرفتها وهو يوهمه أن نظرة عابرة لها لا تضر، وحين فتح باب غرفتها لفحات من الهواء البـ.ـاردة استقبلته ودون أن ينظر لفراشها ويتأكد من وجودها به كان يهرول نحو تلك الشرفة المفتوحة على مصراعيها كي يغلقها ولكن لصدmته وجدها متكورة داخل زاويتها بشكل مريب ينم عن كونها ليست على ما يرام ابدًا فكانت مغمضة العينين وشاحبة شحوب المـ.ـو.تى، هرول إليها صارخًا بحدة من استهتارها وهو ينحني بجذعه ويقبض على ذراعيها كي ينهضها معه:.
ايه الجنان ده بتعملي في نفسك ليه كده؟
كانت حالتها يرثى لها حين حاولت دفع قبضته عنها بإيدي مرتعشة قائلة بنبرة ضعيفة بالكاد صدرت من بين اصطكاك أسنانها:
ملكش دعوة بيا...
زفر هو حانقًا عنـ.ـد.ما تيقن ما بها وتحسس بيده جبينها فجسدها يكاد يحترق من شـ.ـدة حرارته ليلعن ذلك العند المستوطن بها ثم دون أن يمهلها وقت لاستيعاب الأمر كان يضع يده خلف ساقيها ويحملها، شهقة خافته صدرت من فمها كانت أخر شيء صدر منها قبل أن تسقط رأسها على صدره فاقدة لوعيها مستسلمة لذلك الظلام الذي باد دفعاتها و وأد أي صلة لها بالواقع.
كان يشعر أن جسدها يكاد ينصهر بين يديه وهو يضعها بالفراش و يدثرها بالغطاء ثم دون أضاعة أي وقت كان يهاتف الطبيب ويطلب منه الحضور في أسرع وقت ورغم سوء الجو بالخارج إلا أنه أتى بوقت قياسي وقام بفحصها واوصى لها بعدة عقاقير طبية تفيد حالتها، وحين غادر الطبيب جلست ثريا بجانبها بملامح متهدلة حزينة تضع قطع القماش البـ.ـاردة على جبهتها بِمحاولة بائسة منها أن تزيح تلك الحرارة الناشبة بجسدها ولكن دون جدوى، لترفع نظراتها المؤنبة له وتقول:.
الحرارة مش عايزة تنزل؟
كان يجلس هو منكس الرأس بجانب فراشها دون أي ردة فعل تذكر، لتصرخ والدته من جديد:
بقولك أتصرف الدكتور قال الحرارة غلط عليها
رفع عينه المُرهقة التي يحتلها الحـ.ـز.ن ولم يقوى على الحديث فقط توجه بخطواته نحو المرحاض الملحق بغرفتها وملئ حوض الاستحمام بالماء ثم عاد بخطواته وغمغم لوالدته:
روحي يا أمي حضريلها لقمة علشان تاكل وسبيني معاها انا هتصرف.
تناوبت نظراتها المتوجسة بين تلك المحمومة المُلقاه بحالة يرثى لها وبينه واعترضت:
مش هسيبها معاك وقسم ب الله لو حصلها حاجة عمري ما هسامحك يا يامن.
زفر بقوة وقال وهو يفرك ذقنه بتـ.ـو.تر:
أمي هي غلطت بلاش تدافعي عنها وتاخدي صفها
لتجيبه ثريا بدفاع وحماية كأي أم:
برضو ده ميدكش الحق تمد ايدك عليها وتحبسها وحتى لو غلطانة نقــ,تــلها يعني!، أنت ابني اه لكن عمري ماهسمحلك تفتري عليها دي أمانة عادل و غالية و وصوني عليها انا لو سكت؛ كنت بقول هي غلطت ومكنش ينفع تعدي اللي حصل بالساهل وكان لازم تهدى وتفكر بعقلك لكن أنت نسيت وصية أبوها وقسيت عليها.
أغمض عينه بقوة يحاول أن يسيطر على عصبيته وأخبرها بتنهيدة مثقلة بالهموم:.
أمي أنتِ عارفة أنِ عمري ما كنت مفتري و إني ضدد المبدأ أصلًا بدليل إني كنت بتحمل عجرفتها وتجـ.ـر.حاتها وبطول بالي عليها على أمل انها تتغير بس انا راجـ.ـل جبت مراتي بعد نص الليل من القسم بعد سهرة هايلة في مخور يعني رقص وشرب وما خفي كان أعظم لأ وكمان بتستغفلني وكانت هتأذيكِ بالحبوب اللي بتخدرك بيها، والله أعلم للمرة الكام اللي عملت فيها كده وبعد كل ده بتقوليلي افتريت عليها لأ انا مفترتش ولو ابوها نفسه مكاني كان هيعمل أكتر من كده.
ليكوب رأسه بين كفيه ويقول بنبرة ممزقة مثقلة بالكثير من الألــم:
انا من ساعة ما ابوها وصاني عليها وانا حاسس إني شايل هم الدنيا كله فوق كتافي وانا تعبت ومش عايز حاجة غير إني ارتاح.
تنهدت ثريا ونهضت من جلستها تربت على ظهره بعدmا فرت دmعاتها حصرتًا عليهم ثم دون أضافت المزيد توجهت للمطبخ بينما هو رفع رأسه ينظر لموقع رقدتها بتنهيدات حزينة مثقلة تنعي حظ قلبه، ثم دون إضاعة أي وقت كان يقترب منها و ينحنى بجزعه عليها يجفف بيده حبات العرق المتلألئة على جبينها و يضع يده تحت ساقيها والأخرى بظهرها، ويحملها لتسقط رأسها و تتراخى يدها تتأرجح في الهواء بين يده و تأن بخفوت وتهمهم بعدة كلمـ.ـا.ت لم يفهم منها شيء سوى منادتها لوالدتها.
ليزفر مرة أخرى من صحة يقينه نحوها ويتوجه بها للمرحاض وهو يشعر أن قلبه يكاد يحترق معها.
وضعها داخل حوض الاستحمام بعناية شـ.ـديدة لتشهق هي بخفوت وتأن بوهن و تتشبث بذراعه بقوة و تغمغم بضعف:
بردانة يا يا، من
زفر أنفاسه دفعة واحدة عنـ.ـد.ما صدر أسمه من بين شفاهها بتلك الطريقة المتوسلة المحمومة ثم مال بجذعه عليها وجلس على حافة حوض الاستحمام يحاوطها بيد كي يدعم جلستها و باليد الأخرى يزيح خصلاتها القصيرة عن وجهها قائلًا بأهتمام رغم كل شيء:
هتبقي كويسة...
ظلت تهز رأسها بضعف وتقاوم كي يخرجها من الماء ولكن لم ينصاع لها بل كان يغمر جسدها بالماء أكثر مما جعلها تتشبث به بقوة أكبر وهي تجهش ببكاء واهن إن دل على شيء دل على هشاشتها التي تتوارى دائمًا خلف رداء التمرد والقوة التي تدعيها، كوب وجنتها بكف يده وتمتم بنبرة مهزوزة بعض الشيء تأثرًا بهوانها وهو يمسح بإبهامه موضع سريان دmـ.ـو.عها:
بلاش بكى، هتبقي كويسة
نظرت له نظرة ضعيفة منكـ.ـسرة.
لأبعد حد يقسم انها المرة الأولى التي يراها بعينها فقد ألــمت قلبه و.جـ.ـعلته يشعر ب أعاصير تضـ.ـر.ب دواخله من وطأتها، فهو يعلم انه قسى عليها ولكن لن يغشم حاله هي تستحق وهو ليس نادm على ردة فعله بل مازال غاضب حد الجحيم من فعلتها ولكن سيجبر ذاته أن يضع كل هذا جانبًا الآن إلى أن تتحسن حالتها، دام تواصلهم البصري عدة ثوانٍ قبل أن تغلق عيناها ويخور جسدها وتسقط رأسها على صدره، لم يتحرك هو بل ظل مستكين على وضعيته الغير مريحة بالمرة من أجلها و لمدة عدة دقائق وحين.
شعر أن حرارتها قد انخفضت بعض الشيء أنتشلها من المياه وأجلسها على ساقيه وهو يستند على سور حوض الاستحمام، تعلقت هي بعنقه وهي بين الوعي ولا وعي ليتناول هو أحد المناشف ويجفف خصلاتها ثم يخبرها:
لازم تغيري هدومك.
أومأت له بضعف وبعيون مسبلة بأرهاق جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو يتمنى لو يتبرأ من ذلك العاصي بين أضلعه الذي يطـــعـــن به ويخبره أن يرأف بها ليزفر أنفاسه على دفعات متتالية كي يستعيد رباط جأشه ويحملها من جديد ولكن تلك المرة لم تتأرجح يدها في الهواء بل تعلقت بعنقه وأرجحته هو بين غـــضــــبه منها ومن فعلتها وبين قلقه وخــــوفه عليها وهي بتلك الحالة، ليجد ذاته يزفر حانقًا مرة آخرى وكأن تضيق به أنفاسه ثم نظر لأعلى وكأنه يناجي ربه أن يرأف بنكبة قلبه ويعينه عليها.
↚
لم أُحبك يومًا لأن أيامي تجري بشكلٍ جيد، أو لأن في حياتي فراغًا بشكل أو بآخر. أحببتك بأكثر أيامي إحباطًا، أحببتك بمُنتصف يأسي، وفي إزدحام يومي، ومن بين جميع أفكار عقلي، كنت أنت دائمًا حيلتي الوحيدة التي أتمسك بها لأنجو من هلاك أفكاري.
ودعته بنظرات تفيض بمكنون قلبها لعله يشعر بها ويشاركها إياها ولكنه كان ثابت بشكل حقًا احبطها و.جـ.ـعلها تظن كونه متلبد المشاعر غافلة أنه يجاهد ذاته من أجلها،
فكانت تسير بخطوات بطيئة وهي ساهمة تستعيد تلك اللحظات الرائعة التي كانت بها برفقته داخل رأسها لولآ صوت أبيها الذي أجفلها:
كل ده تأخير يا بـ.ـنتي
أنتبهت لحديثه ونظرت لموقع جلسته على ذلك المقعد الوثير بزوايا الردهة وردت بنبرة آسفة وهي تسير نحوه:.
اسفة يا بابي الوقت عدى بسرعة ومحستش بيه
تنهد فاضل وقال بحنو:
هدومك مبلولة من المطر طبعًا مش هتبطلي بقى العادة الغريبة دي، أنتِ خلاص كبرتي
نفت برأسها بمشاكسة وجلست على أحد المقاعد بجواره قائلة:
لأ أنا مش هكبر ابدًا
قهقه فاضل وشاكسها:
ازاي بقى ده انتِ بقيتي عروسة وبعدين افرضي اتجوزتي جوزك يقول ايه جوزناه عيّله.
رفعت ميرال منكبيها وأخبرته بنفس النبرة المشاكسة التي جعلت أبيها يشعر بالسعادة كونها استعادت بسمتها ومشاكستها من جديد:
طب لعلمك بقى يا سي بابي أنا مش هتجوز غير راجـ.ـل بجد يعرف يحتويني بكل حالاتي، ويشاركني فيها كمان، أصل انا مش عايزة راجـ.ـل ينتقدني ويقلل من أي حاجة بعملها بالعكس عيزاه يبقى فخور بيا و بأتفه انجازاتي
لتتنهد تنهيدة حالمة وهي تتذكر ذلك المتلبد صاحب البندقيتان وتضيف:.
والاهم من كل ده يكون بيحبني.
ربت فاضل على كتفها وقال بحنو شـ.ـديد داعيًا:
ربنا يصلح حالك يا بـ.ـنتي و يكرمك بالزوج الصالح، عارفة يا ميرال أنا نفسي اشوفك مبسوطة وعندي أستعداد اعمل علشانك أي حاجة في الدنيا بس أشوف ضحكتك دي على طول
اتسعت بسمتها وقالت وهي تنهض تميل عليه و تحتضنه:
ربنا يخليك ليا يا بابي وميحرمنيش منك
=ده ايه الحب ده كله؟
قالتها دعاء متهكمة وهي تنضم لهم، لتخبو بسمة ميرال وتقول وهي تخرج من احضان ابيها:.
تصبح على خير يا بابي
احتدت نبرة دعاء وقالت متهكمة من تجاهلها لها في الآونة الأخيرة:
إِذا جاءت الملائكة فرت الشياطين ولا ايه يا ميرال...
حانت من ميرال بسمة ساخرة وأخبرتها وهي تتخطاها كي تصعد لغرفتها:
لو تقصدي نفسك بالشياطين فعندك حق، تصبحي على خير
نظرت دعاء لآثارها بغـ.ـيظ وقالت بحدة لزوجها:
عجبك كده، خليك مدلعها ومقويها.
هز فاضل رأسه بعدm رضا وأخبرها بدفاع قوي نابع من عاطفته الأبوية:
دي بـ.ـنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا يا دعاء ومعنديش أغلى منها علشان ادلعه
=يوووه بقى، ما أنا كان نفسي اجبلك بيبي و اتحايلت عليك ألف مرة نروح للدكتور سوا نعرف المشكلة فين وانت اللي مش راضي
أغمض فاضل عينه بإنفعال من إصرارها المقيت التي لا تكف عنه وقال بحدة قبل أن ينسحب هو أيضًا ويصعد لغرفته:.
احنا اتكلمنا كتير في الموضوع واخدنا في قرار نهائي واظن ان ده كان واحد من شروطي قبل الجواز وانتِ وافقتي عليه ياريت بقى تقفلي السيرة دي ومتتكلميش فيها تاني.
دبت الأرض بقدmيها وزفرت بقوة وهي تنظر لظهره وهو يبتعد عنها، فرغم أنها تملك سُلطة عليه و تتمكن بسهولة من إقناعه بأي شيء إلا أن ذلك الأمر فشلت به فشل ذريع فكلما تطرقت لهذا الأمر يرفض رفض قاطع دون سبب مقنع بالنسبة لها و رغم عطائه السخي معها إلا أن هيأ لها شيطانها أن تطمع في المزيد، لتهمس بعيون تلمع بوميض الخبث:
مش هيأس يا فاضل ومش هخلي بـ.ـنتك تكوش على كل ده لوحدها.
أما عن صاحب القلب الثائر التي أنهكته تلك المتمردة فقد كان يسير بها إلى تلك الاريكة القريبة كي يضعها عليها بشكل مؤقت لحين استبدال ملابسها تحسبًا لعدm بل الفراش وقبل أن يضعها قال بأهتمام:
هنادي ماما تساعدك
نفت برأسها التي تستقر على صدره بوهن وبعيون مغلقة وهي تتشبث به أكثر دليل على رفضها مما جعله
يتنهد بعمق ويقول وهو يجلسها برفق دون أن تحل هي يدها عن عنقه:
أنا مش هعرف اتصرف.
نفت هي مرة أخرى وكادت تجهش بالبكاء وتزوم بطريقة جعلته يشعر بالضيق من تيبس رأسها فما كان منه غير أن ينسل من بين يدها ويذهب كي يحضر ملابس جافة لها، وقبل أن يباشر بالأمر أغلق إضاءة الغرفة كي لا يشعرها بالحرج فيما بعد، ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه مطلقًا فنعم العتمة كانت تخيم على الغرفة وتحجب رؤيته ولكن ماذا عن شعوره بملمس جسدها تحت يديه وماذا يفعل بتلك القشعريرة التي اجتاحت جسده ونشبت به نيران مستعرة تفوق حرارة جسدها بمراحل عدة فكان الإرتباك يسيطر عليه وحتى أنفاسه اضطربت حين داهمته الكثير من الأفكار العابثة، ولكنه كان يجاهد كي لا تخور ارادته نحوها لدرجة انه انهى ما يفعله بوقت قياسي ونهض بعدها يضيء الإضاءة مرة أخرى زافرًا بـ.ـارتياح وهو يغلق عينه بقوة كي يستعيد رباط جأشه ويحملها مرة أخرى كي يضعها على الفراش وحين فعل دثرها جيدًا بالغطاء وقبل أن يقرر أن يبتعد عن هالتها باغتته هي وتمسكت بيده الممسكة بحافة الغطاء، تصلب جسده من فعلتها و وقف يتناوب نظراته بين يدها الممسكة بخاصته وبين عيناها التي بالكاد تكاد تفتحهم، ودون أن يصدر منها شيء وجد نفسه يطمئنها وكأنه يعرف ما تود قوله:.
هغير هدومي علشان اتبلت وارجعلك.
افلتت يده وهزت رأسها بحركة ضعيفة واغلقت عيناها وغفت من شـ.ـدة وهنها بينما هو تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير وغادر إلى غرفته كي يبدل ثيابه، وحين عاد لغرفتها من جديد و جد والدته تجلس بجوارها وهي تتمتم بالدعاء لها بصدق نابع من صميم قلبها، تحمحم هو وأخبرها بهدوء وهو يرمق تلك التي تسقط في سبات عميق:
بقت أحسن
أومأت ثريا وأخبرته بصوت خفيض كي لا تقلقها:.
السخونية نزلت شوية الحمد لله بس كان نفسي أأكلها حاجة تسند قلبها وهي يا حبة قلبي غرقانة في النوم ومش هاين عليا اقلق منامها واصحيها
هز رأسه بتفهم وقال:
إن شاء هتبقى احسن لما تصحى ليدلك مؤخرة عنقه ويقول بنبرة رغم ثباتها إلا ان ثريا تيقنت ما يغوص بها من قلق يحاول أن يخفيه:
تقدري تروحي ترتاحي يا ماما انا هقعد جنبها
كانت تعلم أن ابنها يجاهد ذاته من أجل تلك الغافية ولذلك لم تعترض بل وافقت قائلة:.
ماشي يا حبيبي ولو احتجت حاجة نادي عليا
ابتسم بسمة عابرة وأومأ لها، لتتركه والدته و يجلس هو على المقعد بجانب فراشها ينظر لها أثناء نومها بنظرات عميقة وبتنهيدات حارقة يستغرب تلك البراءة التي تشع من ملامحها الآن وتنافي أفعالها فمن يراها بتلك الهيئة الملائكية ينخدع بها مثله تمامًا.
وأثناء شروده ومداهمة أفكاره تململت هي بوهن وسعلت عدة مرات قائلة بضعف:
عطشانة.
هب واقفًا وملأ كوب من الدورق الذي يعتلي الكومود وناولها إياه
ولكنها حاولت ان تعتدل وفشلت، جلس بجانبها ومد ذراعه خلف ظهرها يرفع جسدها قليلًا كي يدعم جلستها بيد وباليد الآخرى قرب كوب الماء من فمها لترتشف هي منه وعيناها الواهنة معلقة عليه وإن أنتهت وضع الكوب على الكومود وسحب يده من خلف ظهرها كي يمددها من جديد ولكن كان لها رأي آخر فقد مالت برأسها على صدره وتشبثت بكتفه وقالت بنبرة متعبة شـ.ـديدة الأحتياج:.
خليك جنبي
تجمدت نظراته من طلبها ورد بنبرة هادئة نسبيًا خالية من أي لين وهو يظن أنها حيلة آخرى من حيلها الملتوية للتأثير عليه غافل كون أحتياجها صادق غير مصتنع:
ارتاحي يا نادين أنتِ تعبانة ومش في وعيك.
لم تستوعب حديثه وكانها بعالم آخر ولم تعي لشيء سوى قربه فقد رفعت نظراتها المسبلة الواهنة التي بالكاد تفتح وأخذت تنظر له بطريقة جعلته يلعن تحت انفاسه المضطربة فهو يعلم أنها ستلقي بثباته عرض الحائط وخاصةً أن ذلك الخائن بين أضلعه مازال يتأثر بها و يطـــعـــن به من أجلها؛ فحقًا كان الوضع مربك وخاصةً عنـ.ـد.ما صدر منها تلك الهمهمـ.ـا.ت الخافتة التي تتوسله بها و وخزت قلبه فنعم، يعشقها، بل مهوس بها رغم بشاعة افعالها ولكن عزة نفسه وكبريائه كرجل أقوى من رغبته ومن ارادة ذلك اللعين الذي يود أن يتبرأ منه لذلك دفعها عنه برفق وقال بنبرة ثابتة جاهد كي يتقنها:.
مش عايز...
كانت هي رغم وهنها وكونها ليست بكامل وعيها إلا أنها أصرت عليه وترجته بضعف من جديد وكأنها كغريق يتعلق ب طوق نجاة:
خليك علشان خاطري
تعلقت بُنيتاه الثائرة بعيناها وهو يقسم انه لن ينخدع مرة أخرى وحاول بكل ما اوتي من قوة ان لا يضعف ويظل يقاوم تأثيرها عليه ولكن تفاقم الأمر وزاده ارتباك حين همست بأسمه بتلك الطريقة التي تعبث بثباته بعدmا مدت يدها تحاوط خصره:
يامن، خليك.
تثاقلت أنفاسه وطلب منها بإضطراب وهو يحل يدها قبل أن يفقد سيطرته:
نادين، انتِ مش في وعيك
لم تستوعب حديثه وكأنها بعالم آخر بين الوعي ولا وعي فقد مالت أكثر وأكثر حتى أختلطت انفاسها المحمومة بأنفاسه الثائرة وهمست من جديد:
متسبنيش انا محتجاك.
أغمض عينه بقوة وزادت وتيرة أنفاسه حين ثبتت هي جبهتها على خاصته ولامست شفاهه مما جعله لم يستطيع الصمود أكثر امام هالة فتنتها فقد فر ثباته وتلاشت عزيمته وتوارى عقله وما يحويه من غـــضــــب لدقائق وهو يشعر بشفاهها الدافئة تتحرك بنعومة على خاصته تقبله قبلات سطحية متقطعة وبين كل واحدة وأخرى كانت تهمس بأسمه راجية.
ودائمًا وابدًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته فكيف الصمود أمام هالة فتنتها، ليجد ذاته يلبي رغبتها ولكن على طريقته فقد جذبها إليه من مؤخرة رأسها وتناول شفاهها الدافئة بنهم شـ.ـديد وبطريقة قاسية وكأنه يود أن يـ.ـؤ.لمها كما آلمته حين خذلته ولكن عنـ.ـد.ما آنت متألــمة داخل فمه أخذت قبلته منحنى أخر فتباطأت حركة شفاهه بتناغم شـ.ـديد وبحميمية جعلتها تذوب بين يديه وتبادله وهي مغيبة تحت وطأة هيمنته الطاغية عليها، ليجذب جسدها المحموم له بتملك شـ.ـديد و يغرس يده بين خصلاتها وأخذ يداعب بأنامله فروة رأسها بحركات حسية جعلتها تأن مستمتعة بين شفاهه التي تدعم تلك الرغبات الدفينة بها لتتعلق بعنقه وتتشبث به بقوة وكأنها تخبره بطريقة حسية أن لا يبتعد مما جعله يتعمق بقبلته أكثر فأكثر وكأن رحيق شفتيها هو ترياقه الوحيد؛ فكانت لحظات مميزة غاصو بها في أنهار جارفة من المشاعر التي تستثير الحواس الكامنة.
فقد شعر هو بناقوس الخطر يدق عقله ويخبره أنه سيفقد سيطرته إن استمر الوضع أكثر لذلك فصل قبلته بأنفاس مضطربة لاهثة بالكاد يستطيع تنظيمها واستند بجبهته على منحدر أنفها ثم مرر إبهامه على شفاهها المنتفخة أثر قُبلته قائلًا بتحشرج وهو يرى تبعثرها:
بتعملي فيا كده ليه حـ.ـر.ام عليكِ؟
لم يصدر منها شيء مما جعله يتفهم ما أصابها ليجذب رأسها تتوسد صدره العريض ويسند ظهره للخلف ساحبها معه يحاوطها بيد وباليد الآخرى يمررها بين خصلاتها القصيرة بحركة حسية مطمئنة جعلتها تغفى من جديد بين يده بينما هو كان لا يصدق كل ماحدث للتو وظل يكرر المشهد برأسه لعدة مرات إلى أن غلبه سلطان النوم هو ايضًا.
صباح يومً جديد داخل الحرم الجامعي
كانت تخطو بخطى واسعة نحو كافتيريا الجامعة كي تجلب أي شيء يساعدها على التركيز في بادئ ذلك اليوم العصيب المليء بالمحاضرات ولكن اوقفها صوته:
أنسة نغم
توقفت ترمقه بنفور ظهر بَين على ملامحها وهدرت بجدية شـ.ـديدة:
أفنـ.ـد.م
تحمحم طارق بحرج من جديتها الزائدة وسألها:
كنت هسألك على نادو أصل من فترة حصل مشكلة وكلنا قلقنين عليها.
جعدت ما بين حاجبيها وهي تضم كُتبها إلى صدرها واستفسرت بقلق:
مشكلة ايه؟
= طب ممكن نقعد واحكيلك اللي حصل
أسفة مش بقعد مع حد اتكلم وخلصني
أخبرها طارق بما حدث ولكن بالطبع أخفى الجزء الذي يخصه فمنذ ما حدث وهو يكاد يجن و يحاول التواصل مع نادين بشتى الطرق لكن بلا جدوى حتى انه توصل به الحال إن يمكث أمام منزلها لعله يلمحها فقط ولكن كافة محاولاته باءت بالفشل.
وكونه يعلم أن جميع أفراد شلتهم لا أحد يكترث لها ولا يجرؤ للذهاب لمنزلها خــــوفًا من ردة فعل ذلك الغـ.ـبـ.ـي ولذلك لم يكن أمامه غير الشيخة نغم كما يطـ.ـلقون عليها:
هتساعديني نطمن عليها
نظرت له شذرًا من أعلاه لأخمص قدmه وقالت بجدية شـ.ـديدة:
أكيد أنتو اللي اقنعتوها تخرج معاكم وبسببكم حصل كل ده
نفى برأسه قائلاً:
لأ، أنتِ فاهمة غلط
قاطعته هي بنبرة آمرة وهي ترفع سبابتها بتحذير:.
مش عايزة اسمع حاجة وابعدوا عنها نادين مش شبهكم، وانت بالذات ملكش دعوة بيها نادين مكتوب كتبها وجوزها بيحبها وصدقني كل اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة
هز رأسه يسايرها وهو يدعي البراءة:
صدقيني مفيش حاجة بيني وبينها بس هي زميلتنا ولازم نطمن عليها، ارجوكِ بلاش تفهميني غلط
زفرت بنفاذ صبر وأخبرته قبل أن تغادر:
كنت بتمنى اكون فهماك غلط بس للأسف نواياك فضحاك وباينة في عينك.
نفخ أوداجه وزفر بنفاذ صبر مما جعلها تخبره بحدة وبذات النبرة الآمرة:
ياريت تطلعها من دmاغك و تدور على حد شبهك
لتغادر هي تاركته يجلس على اقرب مقعد ويخرج هاتفه وينقر على شاشته إلى أن توصل لشيء بعينه، لتنمو بسمة آملة على محياه ويصر أكثر على ما برأسه فلن يبتعد مهما كلفه الأمر وحتى إن ضاقت به السُبل فا هو يملك بين يديه دليل قاطع كونها تخصه هو.
رفرفت بأهدابها الكثيفة وأفرجت عن سوداويتها ببسمة حالمة أفترت عنها شفاهها قبل أن تشعر بشيء يعيق حركتها و بأنفاس دافئة تداعب جانب وجهها، مالت بنظراتها قليلًا لتجده يغط في سبات عميق بجانبها و يدفن أنفه بين خصلاتها جحظت عيناها وتعالت وتيرة انفاسها عنـ.ـد.ما لاحظت ما ترتديه واتت ومضات متقطعة من ليلة أمس أمام عيناها، لتشهق بخفوت وتتحسس شفاهها بصدmة عارمة فكم ظنت انه حلم ليس أكثر، لتلعن ذاتها وتلعن كل شيء، تقسم أنها لا تعلم ما أصابها ولا تعلم لمَ طلبت منه أن يظل بجانبها حتى مبادرتها لا تجد لها تفسير بتاتًا كل ما تعلمه أنه يشتتها ويجعلها تتأرجح بين أنتقامها وذلك الشعور الغريب التي إلى الآن تستنكره، فكانت شاردة تسترجع كل ما حدث بوجه يشتعل لا تعرف هل من خجلها أم غـــضــــبها غافلة عن حبات قهوته التي كانت تشملها لبضع ثوان قبل أن يتحمحم بنبرة صوته المميزة المتحشرجة بعض الشيء بسبب نومه:.
أنتِ كويسة
نظرت له ببهوت وهي مازالت ساهمة ليمد انامله يتحسس جبينها ويقول بـ.ـارتياح حاول ان يخفيه عنها:
مفيش حرارة
ليعتدل بنومته ويسألها بثبات وهو يتعمد أن لا يتطرق لمَ حدث بينهم كي لا يخجلها:
حاسة انك احسن
ابتلعت غصة بحلقها وردت عليه بأخر شيء توقعه منها وهي تجلس نصف جلسة:
هو أيه اللي حصل انا مش فاكرة حاجة
تعمدت أن تتصنع جهلها مما جعله.
يجعد حاجبيه ينظر لها يظن انه يهيء له ما سمع ولكن لكونه يعلمها تمام المعرفة تفهم أسباب ادعائها.
لم تنتظر حتى رده واستأنفت وهي مطرقة الرأس كي تغير سير الحديث بنبرة مازالت تحمل لمحة من ذلك التمرد اللعين:
أنا عارفة إن اسبابي عمرها ما هتقنعك، بس عايزاك تعرف ان مكنش قصدي أأذي مامتك.
يعلم أن لا فائدة منها فرأسها يابس ولن تتغير على أي حال، ولكن شيء ما بداخله كان يخبره أن يوجد سبب خفي وراء أفعالها وترفض البوح به، وحتى إن باحت فذلك لم يغير شيء فخطئها فادح بالنسبة له مهما كان أسبابه وبالطبع يصعب عليه أن يمرره بتلك السهولة فإن كانت تظن أن تقاربهم ليلة أمس سيؤثر عليه ويجعله يتغاضى فحتماً هي مخطئة، فقد تنهد بعمق وهو يشملها بطريقة مبهمة لم تستشف هي منها شيء إلا حين تفوه قائلًا:.
وفري اسبابك لنفسك علشان مستحيل اصدقك تاني ولو كنتِ فاكرة إن بطريقتك دي هتخلينى نرجع زي الاول فأنتِ غلطانة
رفعت سودويتها المشتتة له وإن كادت تتفوه مدافعة عن ذاتها باغتها هو بصرامة وبنبرة ثابتة وهو يوليها ظهره ويجلس على طرف الفراش ويسند مرفقيه على ساقيه:
قراراتي مش هرجع فيها...
لتعترض هي بتمرد وبنبرة اندس بين طياتها لمحة من العتاب الخفي:.
بس أنت عـ.ـا.قبتني ومديت أيدك عليا لأول مرة واظن ده كفاية علشان تثبت سُلطتك عليا...
زفر حانقًاوأخذ يفرك ذقنه ثم التفت ينظر لها نظرة مبهمة أربكتها و.جـ.ـعلت عيناها تغيم وهي تبحث عن دفء عيناه ولكن لم تجد شيء غير الجمود الذي جمد أطرافها حين قال وهو يهب واقفًا دون أي لمحة تهاون واحدة:.
مش أنتِ اللي تقرري وأي حاجة صدرت مني نحيتك فكانت رد فعل منطقي لمصايبك أنا عمري ما كنت همجي معاكِ وطول عمري بحترمك وعمري ما فكرت اهينك بس انتِ اللي أضطرتيني لكده وخرجتني عن شعوري.
ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن يغادر تاركها تنظر لأثره بملامح بائسة حزينة بسبب تبريره للأمر حتى أنه لم يمهلها وقت كافٍ ليستمع لردها التي عجزت عنه فكان من المفترض أن تثور عليه لتوها لتعنيفه لها وتنقم عليه أكثر ولكن شيء ما بداخلها كان يود شيء أخر، حقًا لا تعلم ما أصابها فهي مشتتة ضائعة لا تعلم أين الصواب أتتمرد عليه من جديد وتنقم عليه وتظل تتمسك بهواجس عقلها أم تنصاع لأنين قلبها و تصرخ بكل صوتها وتطلب منه أن يغفر لها خطيئتها، حقًا هي في حالة صراع ترثى لها ولكن يا ترى متى ستتوقف تلك الحرب الطاحنة التي تفتك بها.
أما عنه فقد اقنعها بصعوبة بالغة أن لابد من العودة وقطع عطلتهم لأسباب تخص العمل فقد تعذر عليهم التواصل معه لذلك لجئوا ل يامن بالنيابة عنه وأخبره بضرورة حضوره لمقر الشركة، نعم كذب عليها ولكن ليس أمامه خيار أخر فقد وعدها أن يعوضها فيما بعد ورغم انها غاضبة منه إلا انه لم يلقي لها بال الآن فكان كل ما يشغله هو الآخرى التي تجرأت على فعل ذلك به، وهاهو يصل تحت بنايته للتو ويتوعد لها أشـ.ـد الوعيد حتى انه صفع باب سيارته وأخذ يدك الأرض تحت قدmه، و حين فتح باب شقته بمفتاحه زعق بهياج شـ.ـديد:.
ررررررهف أنتِ فين يا هانم
ررررررررررهف.
لم يأته رد مما جعله يستشيط أكثر ويخطو نحو غرفتها ولكن لم يجدها ليخطو نحو غرفة أطفالة وهو يزعق بأسمائهم أيضًا ولكن بلا جدوى فكان كمن أصابه نوبة هلع لتوه حين أخذ يبحث في كل أنش بالشقة ولم يجد لهم أي أثر، هاجس عابر اتى برأسه وكم تمنى أن يكون كاذبًا ولكن لسوء نكبته لم يجد أثر لأغراضهم ايضًا. تنبأ عقله أن من كان يستخف بقدراتها قد تركته وبكامل إرادتها لا والأنكى أنها سلبت منه أطفاله وكافة ماله، وحينها تصلب جسده وجحظت عيناه بصدmة عارمة غير مستوعب أن رهف المنكـ.ـسرة، الضعيفة خاصته استطاعت أن تتركه فطالما كان يثق في قلة حيلتها ولكنها حقًا افحمته بفعلتها.
التي لم يتوقع حدوثها في أسوء كوابيسه، فما كان منه غير أن يعدو للخارج وهو يقسم أنه لن يدعها تتخلص منه بتلك السهولة وتسلبه كل شيء فلابد أن يجدها مهما كلفه الأمر.
صباح الخير يا بـ.ـنتي
قالتها ثريا وهي تدلف لغرفتها وبيدها صينية الطعام،
في بادئة الأمر استغربت نادين كونه لم يوصد الباب كعادته ولكن ثريا اوضحت لها وهي ترى نظراتها مُسلطة على الباب:
متقلقيش مش هيحبسك تاني أنا حلفت عليه وهو وعدني
لتستأنف وهي تجلس مواجهة لها على الفراش وتضع الطعام أمامها:.
والله يا بـ.ـنتي كان على عيني انا غُلوبت معاه بس أنتِ عارفاه على أد حنيته على أد ما زعله وِحش ولما بينشف دmاغه مفيش حد بيعرف يقف قصاده
كانت نادين تطالعها بنظرات مشـ.ـدوهة تستغرب أنها تحدثها دون أن تبدي سوءها من فعلتها، ولكن ثريا أخبرتها وهي تدس بفمها ملعقة الحساء:.
أنا عارفة انك غلطانة وغلطتي في حقي بس أنا مش هعاتبك دلوقتي انتِ دلوقتي في مِحنة ولازم ابقى جنبك، هستنى لما تشـ.ـدي حيلك علشان ت عـ.ـر.في تقنعيني بأسبابك...
ابتلعت ما بفمها وقالت وهي منكسة الرأس بحرج:
مكنش قصدي أأذيكِ أنا...
قاطعتها ثريا وهي تدس قطعة من لحم الدجاج بفمها:
قولتلك هنتعاتب بعدين، المهم دلوقتي انك تاكلي علشان تاخدي العلاج و تشـ.ـدي حيلك.
أومأت لها نادين بطاعة لم تكن ابدًا من شيمها، وهي تحاول جاهدة أن تتغاضى عن أفعالها الحانية التي توقد تلك النيران المتأكلة بضميرها.
بتقولي ايه يا نادين معقول؟
هدرت بها نغم بتعجب بعدmا ذهبت لزيارتها ولكن بالطبع لم تخبرها أن طارق هو من حثها على ذلك، لتؤكد نادين:
بقولك انا اللي بادرت وخليته يبـ.ـو.سني يا نغم أنا مش عارفة عملت كده ازاي أنا مكنتش في وعي وهو استغل تعبي
تنهدت نغم وأخبرتها بعقلانية:.
يا بـ.ـنتي ده جوزك، هو اه مش مستحب لكن يحل ليه وبعدين بلاش تقولي استغل ضعفك وتعبك هو ممكن مشاعره اللي خلته يعمل كده انتِ عارفة انه بيحبك وبعدين ده راجـ.ـل يا نادين وليه طاقة بلاش تظلميه ما انتِ بقالك سنين عايشة معاه في بيت واحد عمره ما فكر يلمسك من غير إرادتك
لتتذمر هي بعدm اقتناع:
يووووه بقى مش عارفة انا من ساعتها وانا هتجن
= اهدي يا نادين واحمدي ربنا انه ماقــ,تــلكيش بعد عملتك السوده دي.
تنهدت نادين وأخبرتها وهي تمرر يدها في خصلاتها:
بس هو مقصرش معايا ودغدغ العربية والتابلت وخد التلفون ومد ايده عليا ده حتى ما أعتذرش بعديها ولا هان عليه يقول أنه غلطان
لتجيبها نغم بكل واقعية:
هو فعلًا غلط وضـ.ـر.ب الزوجة حـ.ـر.ام شرعًا بس كمان عدm طاعتك ليه ومخالفة أوامره حـ.ـر.ام...
وبعدين خليكِ واقعية شوية وا عـ.ـر.في أن أي راجـ.ـل مكانه كان عمل كده متنسيش اننا في مجتمع شرقي والرجـ.ـا.لة فيه دmها حامي.
هزت نادين رأسها وتلك المتمردة بداخلها تتولى الرد عنها:
بس ده مش مبرر مقنع بالنسبالي، كان يقدر يعـ.ـا.قبني بألف طريقة إلا انه يمد ايده عليا
زفرت نغم بقوة وأخبرتها و هي تعكس الأمر وتوضح الصورة لها:
وأنتِ كمان كان في ألف طريقة علشان تكسبيه بيها، بس انتِ كنت بتستهتري وبتعاندي لمجرد العند، وهو كان بيتحملك وبيطول باله عليكِ.
تقدري تقوليلي ايه اللي كان غـ.ـصـ.ـبه غير انه بيحبك و اوعي تقوليلي فلوسك، فلوسك دي ملهاش قيمة قصاد كبريائه كالراجـ.ـل ولا قدام أذية امه بسببك أنا لغاية دلوقتي مش قادرة اصدق انك عملتي كده
لوحت نادين وعارضتها:
يوووووه بقى أنتِ متحاملة ليه عليا، قولتلك مكنتش عايزة أَأذيها، شكلي انا اللي غلطانة إني حكتلك من الاساس وبعدين يا شيخة نغم لو انا وِحشة كده مصحباني ليه ما تقطعي علاقتك بيا وتريحي نفسك.
نظرت لها نغم نظرة معاتبة لأبعد حد وردت بعقلانية وهي تكاد تنهض و تنوي المغادرة:
عارفة أنا كل مرة أقول أيه اللي مصبرني عليكِ ومخليني أصحبك لغاية دلوقتي رغم كل البلاوي اللي اعرفها عنك، بس بقول يمكن ربنا عايزني أفوقك يا نادين وابقى مرايتك اللي اعريكِ قدام نفسك، انا نفسي تبطلي تتحاملي عليه وعلى الست الطيبة اللي ربتك هما مش سبب نكبتك يا نادين وملهمش دخل بالأفكار اللي في دmاغك.
زفرت نادين بضيق وغامت عيناها وهي تتمسك بذراعها تمنعها قائلة بنـ.ـد.م حقيقي:
آنا آسفة يا نغم والله مش قاصدي أزعلك أنتِ عارفة إني مش برتاح غير ليكِ، لتفر دmعاتها وهي تسند ظهرها على جذع الفراش وتقول بتشتت وضياع طفلة فقدت أبويها ولا تعلم أين سبيل آمانها:.
انا مش عارفة مالي متلخبطة وتايهة علشان خاطري بلاش تزعلي مني، انتِ معاكِ حق، وانا عارفة بس غـ.ـصـ.ـب عني بلاقي نفسي بعاند، بكره تحكمـ.ـا.ته بكره سُلطته عليا، فكرة أنه مفروض عليا دي بتخليني عايزة اهرب، وأخرج عن المألوف ديمًا، وحتى لما بعاند معاه كان بيكـ.ـسرني ويفرض سُلطته عليا وعمره ما سأل نفسه انا بعمل كده ليه، انا موافقاكِ على كل حاجة بس هو سبب نكبتي فعلًا هو و الست الطيبة اللي انتِ تقصديها سبب مـ.ـو.ت أمي، لتشهق ببكاء مرير وتضيف بنبرة مختنقة تدmي القلب:.
الست دي كانت اقرب واحدة لأمي ومع ذلك غدرت بيها و ضحكت على ابويا وطمعت فيه لنفسها واتجوزته لو مكنتش هي عملت كده مكنش زمان امي مـ.ـو.تت نفسها، ومكنش زمانها سابتني ولا اتخلت عن حياتها
فرت دmعات نغم بتضامن معها وقالت وهي تجلس من جديد بجانبها ولكن تلك المرة تحاوطها وتربت على ظهرها قائلة بمواساة:
ده قدرها وآجالها كده وربنا سبحانه وتعالى قال: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدmون).
ادعيلها بالرحمة وأنسي كل اللي فات وابدأي صفحة جديدة مع نفسك وبصي لحياتك من منظور تاني متفضلش طول عمرك باصة وراكِ علشان عمرك ما هتيجي خطوة لقدام.
اومأت لها من بين نحيبها لتشـ.ـدد نغم على احتضانها وتمسد على ظهرها وتظل تحفزها على العمل بنصيحتها غافلين عن تلك التي استمعت لجزء كبير من حديثهم دون قصد، فقد نخر الألــم قلبها وتثاقل عقلها بالذكريات المريرة وقررت ان تخالف وعدها ل غالية فلامجال من أخفاء الأمر أكثر طالما الأمر ينغص عليهم صفو حياتهم فلابد أن تخبرها بكل شيء وتدعو أن يسامحها الله كونها ستنقض وعدها.
كان يعلم أنها لن تلجأ إلا لها ولذلك كان يطرق على باب شقتها زاعقًا ما أن فتحت له:
هي فين...
جعدت سعاد حاجبيها وادعت جهلها:
انت بتزعق ليه، ايه الهمجية بتاعتك دي
أزاحها عن طريقه وهدر غاضبًا:
أنتِ لسة شوفتي همجية ده انا هفضحكم واخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكِ انت وبـ.ـنت عمك
تأهبت سعاد بعدائية وهدرت بشجاعة لطالما كانت تميزها:
اعلى ما في خيلك أركبه ولو فاكر أني هخاف من واحد زيك تبقى غلطان...
جز على نواجذه وصاح بغـ.ـيظ:
لأ لازم تخافي علشان أنا متأكد مليون في المية ان ده من تدبيرك أنتِ، مراتي أضعف من أنها تعمل حاجة زي كده من نفسها
حانت من سعاد بسمة متهكمة وأخبرته بتشفي واضح وهي تربع يدها على صدرها:
صدقني لو في حد ورا قرارها ده فهو أنانيتك وقهرك ليها
لم يعجبه حديثها بالمرة حتى ان معالم وجهه تقلصت وهدر بعروق مشـ.ـدودة وبعيون يحتلها الغـــضــــب وهو يلوح بيده امام وجهها ساخطًا:.
أنا مش ناقص مواعظ وحكم من جنابك، وبعدين ده انا اوديها في ستين داهية دي سرقتني وخـ.ـطـ.ـفت ولادي
رفعت سعاد حاجبيها وهدرت بغـ.ـيظ شـ.ـديد وهي تلوح بيدها امام وجهه دون أن تهاب غـــضــــبه:
رهف مش حـ.ـر.امية ومحدش بيخـ.ـطـ.ـف ولاده، انت اللي...
كادت سعاد أن تسبه وتفش غليلها منه ولكن رهف قاطعتها بعدmا خرجت لتوها من احد الغرف و استمعت لجزء من مشادتهم:
سعاد كفاية لو سمحتي.
كبحت سعاد رغبتها بصعوبة بالغة عنه، فكان هو جاحظ العينين يستنكر ما كانت تنوي أن تتفوه به، وما أن صدر صوت رهف اختصر المسافة بينه وبيها بخطوتان وجذبها من ذراعها هادرًا:
عجبك الفضايح دي وقلة القيمة ماشي يا رهف بقى انا يتعمل فيا كده...
شهقت سعاد وقالت بدفاع مستمـ.ـيـ.ـت وهي تندفع نحوه:
انت اتجننت عايز تمد ايدك عليها كمان
ليرد هو متجبرتٍ:
دي مراتي واكـ.ـسر دmاغها لو خرجت عن طوعي.
جذبت رهف ذراعها من قبضته وقالت بنفاذ صبر:
كفاية بقى، ياريت تتكلم بأسلوب احسن من ده علشان نوصل لحل
ترك ذراعها و ولاها ظهره يمرر أنامله بخصلاته بطريقة فوضوية كي يهدأ، بينما هي طلبت من سعاد بعيون راجية:
سبيني معاه يا سعاد لو سمحتي
كادت أن تعترض سعاد فهي تخشى ان يؤذيها ولكن رهف طمئنتها بعيناها وحثتها على تركها، لتنصاع لها قائلة بنبرة عدائية وهي تشمله بنظرة تحذيرية:.
تمام انا هجيب حاجات من السوبر ماركت قبل ما الولاد يرجعوا من المدرسة، عشر دقايق ومش هتأخر عليكِ
أومـ.ـا.ت لها رهف، وحين غادرت هدر هو بنبرة غاضبة للغاية:
سحبتي الفلوس كلها ليه؟
أجابته بنبرة ثابتة عكس ثورة دواخلها:
وايه المشكلة هو مش أنا وأنت واحد وأنت دايمًا تقولي خدي اللي انتِ عايزاه...
جز على نواجذه و صرخ بإنفعال:.
رررررررررررررهف بلاش استفزاز وديتي الفلوس فين؟ وازاي في البنك محدش رجعلي ده انا هوديهم في داهية
وضحت وهي ترفع منكبيها ببرود تعمدته و استفزه بشـ.ـدة:
هما نفذوا تعليمـ.ـا.تك انت نسيت انك أنت بنفسك قولتهم ينفذوا كل أوامري و ميرجعوش ليك.
جذبها من ذراعها الاثنين بعنف وصرخ أمام وجهها وهو يأرجحها بين يده:
انتِ مخططة بقى لكل حاجة...
أد ايه أنتِ خبيثة، أنا ازاي كنت مخدوع فيكِ!
نفضت يده التي تعتصر ذراعها وقد تخلت أخيرًا عن دور الثبات التي تدعيه وهدرت موضحة بكل ثقة:
انا مش خبيثة، دي فلوسي وفلوس ولادي وانا أخدت حقهم...
زئر بقوة من استفزازها وتناول أحد المزهريات القريبة وقذفها بالحائط خلفها مماجعلها تنكمش وتحمي رأسها كردة فعل تلقائية منها.
ليثور هو وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد:.
أنا مش قادر أصدق ازاي يجيلك الجرأة وتعملي كده، اكيد ده تخطيط سعاد هانم بـ.ـنت عمك هي اللي عصتك عليا وخلتك تسرقيني.
رفعت جانب فمها هازئة من اتهامه، وحقًا أصبحت تمقت دور الضحية التي يتقمصه وكأنه ملاك اُنزل و لم يخطئ مطلقًا فسابقًا كانت تتركه يتحامل عليها ويعلق عليها كافة اخطائه وينسبها لها ولكن الأن قد زالت تلك الغشاوة التي تحجب رؤيتها ولن تسمح له أن يؤذيها أكثر لذلك رشقته بنظرات متخاذلة كي تذكره بفعلته وردت بنبرة مفعمة بالثقة:
أنا مش محتاجة حد يعصيني كل الحكاية إني عرفتك على حقيقتك.
ومالها حقيقتي بقى يا هانم مش عجباكِ دلوقتي علشان قررت اعوض النقص اللي أنت مش عارفة تكمليه بزوجة تانية
كفى، حقًا اكتفيت، ذلك ما صرخ به عقلها و.جـ.ـعلها تهاجمه بحديثها بشراسة قتالية فاجأته كثيرًا و.جـ.ـعلت نيران غـــضــــبه تتأجج أكثر:
النقص في دmاغك وفي رجولتك مش فيا.
جز على نواجذه من اهانتها و وهدر من بين اسنانه وهو يربت على وجنتها بشيء من القسوة و بطريقة مستخفة:.
احترمي نفسك أحسنلك انا بس عامل اعتبـ.ـار أنك حامل ومش عايز اتغابى عليكِ، خليكِ عاقلة يا رهف ورجعي الفلوس وارجعي بيتك ويا دار مادخلك شر.
تراجعت برأسها لتبتعد عن مرمى يده بملامح متقلصة نافرة و لوهلة أخذت تتأمل وجهه بنظرة مطولة وكأنها تراه لأول مرة. شعر بالريبة من نظراتها وضيق قاتمتيه وهو لا يستسيغ ردود أفعالها التي تجرأت للتو وانفجرت به قائلة بكل ثقة وهي تتعمد أن تنظر داخل عمق عينه بتحدي بائن وكأنها أرادت أن تكشف الستار عن تلك القناعات التي تبدلت بداخلها بفضله:.
انت عارف ايه مشكلتك أنك حد تفكيره محدود عمره ماعرف ازاي يرضى باللي ربنا قسمه له، ده غير انك كنت بتضغط عليا بكل قوتك وأنت عارف إني هتحمل، كنت بتستغل حبي ليك وإن مليش حد غيرك وبتستقوى عليا ونسيت أن ليا طاقة وكنت دايمًا بتتحامل عليا وتطلعني مذنبة لغاية مخلتني فعلاً اصدق اني حد وِحش ومـ.ـيـ.ـتعاشرش، خليت ثقتي في نفسي معدومة من كتر ما بتنتقضني وتعدل عليا حتى ولادي مسلموش من أذاك وتصرفاتك أثرت بالسلب على نفسيتهم وسلوكهم.
لتتناول نفس عميق مثقل بالكثير وتضيف وهي تهز رأسها ببسمة ساخرة تحمل الكثير من الخذلان:.
وكأن كل ده مكنش كافي ليك علشان تأذيني و دوست على كرمتي بجزمتك واتهمتني بالنقص علشان تروح تترمى في حـ.ـضـ.ـن واحدة تانية و معملش حساب لأي حاجة غير انك ترضي غريزتك وبس، والمفروض إني اتحمل برضو وأصبر علشان مليش غيرك. لأ . انا بعترفلك انا السبب كنت مغيبة وخليتك تستغل نقط ضعفي و اديتك الفرصة أنك تطـــعـــن انوثتي وتدوس عليا لكن دلوقتي انا فوقت واتشالت الغشاوة من على عيني و مستحيل اسيبك تاخد حقي وحق ولادي وتضيعه على واحدة تانية، بأكدلك بعلو صوتي لهنا، ولأ، وألف، لأ كمان، أنا مش هرجع قرش واحد ليك، وعمري ما هرجع بيتك تاني ولو كنت طلبت الطـ.ـلا.ق مرة عمري ما هتذللك تاني وهعرف ازاي اخلص منك.
كانت تتحدث بتشنج و دفعة واحدة وبنبرة رغم ثباتها ولكنها كانت محملة بالألــم والخذلان بين طياتها فكل انش بداخل هشيمها يحفزها على الصمود حتى عيناها كانت أبية ترفض أن تذرف الدmـ.ـو.ع هدر من أجله فيكفي ما فاضت به في الأيام السابقة ونعت به حظ قلبها فكانت في صميمها تقرر أن تثأر لكبريائها وتتخلى عن لين قلبها وتتحلى بالقوة التي كانت تتوارى دائمًا خلف رداء الطاعة والولاء له فيبدو أنها كانت تدخرها ليوم كذلك كي تواجهه بما كان يغوص بقلبها ويثقل خفقاته حد العناء.
حديثها كان متحدي له و مهين لكبريائه كرجل ولذلك صرخ بها بهياج شـ.ـديد وبجبروت مقيت سينـ.ـد.م عليه:
عمرك ما هت عـ.ـر.في تخلصي مني و اسمعي بقى، طـ.ـلا.ق مش هطلق وهسيبك كده زي البيت الوقف وغـ.ـصـ.ـب عنك يا رهف لازم ترضي بالأمر الواقع.
نفت برأسها برفض قاطع وبعيون متحدية، وإن كادت تعترض باغتها هو:.
بلاش تتسرعي وفكري في ولادك وعلشان خاطر العِشرة اللي بينا هطلع معاكِ جدع و هديكِ مهلة تهدي وتشيلي الافكار المسمومة دي من دmاغك وفي ظرف يومين أتنين تكوني رجعتي بيتك ومعاكِ الفلوس يأما قسم بالله ليكون ليا تصرف عمره ما هيعجبك ابداً
اجابته بإصرار وبكل ثقة دون أن تفكر حتى بوعيده وكأنها خططت لشيء آخر يردعه:
مش هرجع أنا مستحيل اعيش تاني مع واحد زيك.
زمجر من جديد بنفاذ صبر وهو يحكم قبضته على ذراعها بغـــضــــب أعمى وشيطانه مازال مُصر كونها أضعف من تلك القوة التي تدعيها وأهون من ذلك الإصرار المقيت:
هوريكِ الحقير ده هيعمل ايه؟
لما تنزلي ولادك وميرجعوش لحـ.ـضـ.ـنك تاني و وقتها وحياتك لهخليكِ تبوسي رجلي علشان ترجعيلي تاني
عند ذكر ابنائها احتل الخــــوف عيناها و شعرت بغريزتها الأمومية تنهش بها وتحثها على شيء ترتعب أن تضطر له ليصدر صوتها مهزوز بعض الشيء حين قالت:.
متقدرتش تاخدهم...
صدر من فمه صوت ساخط كعادته عنـ.ـد.ما يستخف بشيء وهسهس أمام وجهها:
لأ اقدر وهتشوفِ ازاي هقنع الدنيا كلها انك حـ.ـر.امية وقليلة الأصل و ولادك ساعتها هما اللي هيتبرو منك ويستعرو أن أنك أمهم واحدة شبهك
نفت برأسها بعدm استيعاب وصرخت به:
انت ازاي حقير كده.
غـــضــــبه أعماه على الأخير من تطاولها معه فكان يشعر بغلّ وغـ.ـيظ شـ.ـديد جعله لم يتحكم بردود فعله حين دفعها بكل غلّ واسقطتها على تلك الأرض الصلبة القاسية التي ما إن ارتطمت بها صرخت صرخة مدوية من شـ.ـدتها جعلت سعاد التي كانت تتسلق درج البناية بروية تهرع لها، وإن فتحت باب الشقة و وجدتها طريحة بالأرض صرخت به ودفعته بقوة خارج منزلها قائلة بعدائية شـ.ـديدة:
منك لله يا حـ.ـيو.ان، اطلع برة ومتورناش وشك تاني.
حانت منه بسمة متجبرتة وصدر من فمه ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به وهسهس بوعيد قبل أن يغادر:
همشي، وهما يومين بس يا رهف وتنفذي اللي قولت عليه أحسن ما هوريكِ الحقير اللي مش عجبك ده هيعمل فيكِ ايه
ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن تدفعه سعاد دفعة أخيرة خارج باب شقتها وتغلق الباب بوجهه بكل قوة جعلته يستشيط أكثر وأكثر وهو يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب.
بينما هي كانت مازالت طريحة بأرضها حين هرولت لها سعاد قائلة بنبرة نادmة متحسرة على ما أصابها وهي تحاول أن تساعدها كي تنهض:
مكنش لازم اسيبكم سوا بس أنتِ اللي اصريتي
لم تعقب بل كان وجهها يشحب تدريجيًا وهي تشعر بمغصة قوية ببطنها لتثني ساقيها وتحتضن أسفل معدتها بذراعها وكأنها تواسي ساكن احشائها على الصمود مثلها ولكن هو كان له رأي أخر.
فقد قطمت شفاهها السفلية بقوة وأغمضت عيناها و هي تشعر بالألــم يزيد رويدًا رويدًا
وحينها تفسد جبينها بالعرق و انهمرت دmعاتها بقهر لا مثيل له وهي تشعر بأنسلاخ قطعة من روحها.
لتصرخ صرخة ممزقة نابعة من أعماق أحشائها التي يبدو انها حتى هي رفضت أن تحتفظ بشيء يخصه.
لتغمغم بقهر وبنبرة مرتعشة واهنة من شـ.ـدة الألــم:
اه ه ه ه ه ه ه ه ه ألحقيني يا سعاد...
↚
ما قد يبدو لك خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح فيما بعد مسؤولاً عن إتمام اعظم إنجازات حياتك”.
(أحلام مستغانمي).
بعد صرختها المدوية شهقت سعاد بقوة وبرقت عيناها وصاحت بجزع وهي ترى بقعة من الدmاء تلوث ملابسها:
رهف، انتِ بتنزفي!
نفت رهف برأسها بضعف وكأن عقلها يرفض أن يستوعب أن تلك الخيوط الدافئة التي شعرت بها تنساب على فخذيها ماهي إلا بشارة خسارتها. فما كان منها غير أن تغمغم بقهر وهي تحتضن اسفل بطنها وكانها تحاول أن تتمسك بما كان يسكنها:
البيبي هيروح يا سعاد أه ه ه ه
ه ه ه ه ه ه.
تأوهت بقوة وهي تشعر أن الألــم يتعدى قوة احتمالها، فكانت حرفيًا تشعر بأن شفرات حادة تمزق أحشائها فما كان منها غير أن تستسلم لذلك الظلام الذي سحبها بداومته وأسقطها فاقدة للوعي، تاركة سعاد في حالة من الهلع تصرخ بإسمها وتربت على وجنتها ولكن دون جدوى فكانت هامدة وملامحها شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى مما جعل سعاد تهب بأعصاب تالفة تتناول الهاتف لطلب المساعدة ودmعاتها تنهل من عيناها تشوش رؤيتها. طرقات قوية على باب الشقة فزعتها واسقطت الهاتف من يدها بعدmا حاولت جاهدة السيطرة على ارتجاف يدها كي تتحكم بشاشته ولكن لم تفعل لتهرول راكضة تفتح الباب بتلهف شـ.ـديد لتجد حارس البناية يقف أمام باب شقتها وعدة أشخاص من جيرانها يقفون على مقربة منه وقبل أن تطلب المساعدة صدر صوت الحارس قائلًا:.
لامؤاخذة يا ست سعاد السكان سمعوا صوت زعيج وصراخ من حداكم خير في حاجة
هزت رأسها بقوة واندفعت بالحديث مستنجدة:
ايوة حد يلحقني بـ.ـنت عمي قاطعة النفس
وقبل أن تستأنف حديثها اندفع شخص من بين الحاضرين وأخبرها أنه طبيب وبعد أن تخطاها للداخل جثى على ركبتيه وتحسس نبض رهف وعاينها معاينة سريعة بعيون خبيرة وقال بعملية:
لازم تتنقل للمستشفى فورًا النبض ضعيف والنـ.ـز.يف لازم يوقف.
وافقته سعاد بحركة من رأسها وهي تنتحب بقوة على حال رفيقتها،
لتندفع سيدة من جيرانها وتدعى كريمة وتقول بتعاطف:
يا حول الله يارب، مستني أيه يا ابني البـ.ـنت هتروح مننا اتصرف
أجابها بسرعة بديهية:
انا عربيتي تحت البيت هخدها على المستشفى فوراً.
قالها وهو ينظر بعينه على ارجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء بعينه وإن وجد غايته خطى نحو طاولة الطعام التي تتوسط الردهة وسحب ذلك المفرش الثقيل ووضعه على جسدها المسجى ارضًا ثم انحنى بجذعه وحملها برفق و هرول مسرعًا إلى الخارج وقد تبعته سعاد باكية لا تفكر بشيء فقط تدعو لها تاركين خلفهم تجمع جيرانهم الذي انتشر بينهم الكثير من الهمهمـ.ـا.ت والأقاويل المتعاطفة.
ممكن تهدى علشان أفهم
قالها يامن بنفاذ صبر بعدmا حضر حسن لتوه وظل يدور حول نفسه كالثور الهائج
ليجيبه هو بانفعال:
أنا ازاي كنت مغفل كده، دي خططت ونفذت وأنا شبه الأهبل مخونتهاش
= يا اخي اهدى بقى خَيلت امي فيها ايه يعني لما خدت شوية فلوس من حسابك
أنت هتقولي فيها ايه بقولك الهانم سرقتني وسحبت كل فلوسي ده غير أن بـ.ـنت عمها مقويها ومخلياها عايزة تتطلق
تناول يامن نفس عميق وقال باستغراب شـ.ـديد:.
انا مش مصدق أنك بتتكلم عن رهف!
ليتهكم حسن بعدmا صدر من فمه ذلك الصوت الساخر المعتاد:
لأ صدق رهف الطيبة المنكـ.ـسرة اللي كلكم كنتوا بتيجو عليا علشانها طلعت خبيثة وسرقتني لأ وكمان سابت البيت وبتقولي مستحيل ارجع اعيش مع واحد زيك...
زفر يامن بقوة وقال بفطنة وبنبرة ماكرة:
بقولك ايه متلفش وتدور عليا أنا حافظك كويس، هات من الأخر وقولي عملت أيه وصلها لكده!
زاغت عين حسن بتـ.ـو.تر ومرر يده بخصلاته الفحمية وهو يتيقن أن لا مفر من إخبـ.ـاره بالحقيقة كاملة، ولذلك تحاشى النظر له وقال بنبرة مهتزة بعض الشيء:
ما أجرمتش، انا عملت زي ما شرع ربنا قال واتجوزت...
جعد يامن حاجبيه وكرر بعدm استيعاب:
اتجوزت...
أكد حسن باقتناع تام:
ايوة اتجوزت ده حقي وبعدين هي اللي كانت مقصرة معايا و اضطرتني لكده
ضـ.ـر.ب يامن كف على آخر وتمتم بعدm رضا موبخًا اياه:.
مقصرة ايه يا ضلالي دي مراتك قايدة صوابعها العشر شمع علشانك، بطل بقى ترمي عليها واتقي الله واعترف أنك أنت اللي دنيِ وميملاش عينك غير التراب
لوح حسن بيده وقال وشيطانه يغشى على عينه وهو يشعل أحد سجائره كي ينفث بها غـــضــــبه:
انا مش دنيِ انا حبيت منار وبعدين مبسوط معاها و رهف غـ.ـصـ.ـب عنها لازم تتقبل الوضع برضاها او غـ.ـصـ.ـب عنها خلاص اللي حصل حصل مفروض تعيش وترضى وتربي عيالها.
تأفف يامن من طريقة تفكير ابنة خالته العقيمة وقال بجدية شـ.ـديدة:
أنت قررت تتجوز وتستغل اللي الشرع حلله ليك بس هي كمان من حقها تختار يا تقبل او متقبلش وصدقني في الحالتين انت اللي خسران لأن لو قبلت هتفضل تنغص عليك عيشتك و عمرها ما هتنسى أنك كـ.ـسرتها واتجوزت عليها ولو مقبلتش وصممت على الطـ.ـلا.ق يبقى شتت عيالك و خربت بيتك وضيعت الست الأصيلة اللي طول عمرها مستحملاك رغم طباعك الزفت.
فارت الدmاء برأسه من حديثه ليجد نفسه يصـ.ـر.خ بهياج شـ.ـديد بعد أن خُيل الأمر برأسه:
مش هيحصل، ولادي هاخدهم منها غـ.ـصـ.ـب عن عينها، وهجبرها ترجع بيتها وترضى بالأمر الواقع بس طبعًا بعد ما تبوس رجلي وتعتذرلي وترجعلي كل قرش خدته
زفر يامن بقوة من تَجبرت ابن خالته وهدر قائلًا بحدة:.
أنت باين عليك اتجننت عايز تغـ.ـصـ.ـبها وتلوي دراعها بالعيال علشان تتقبل جوازك ده إيه الجبروت اللي أنت فيه ده يا اخي! وبعدين ما الفلوس بتاعتها وكل اللي انت وصلتله ده كان بفضلها ولا أنت نسيت
لم يعجبه الحديث وانفعل قائلًا بحمئة غـ.ـبـ.ـية:
يوووه بقولك ايه انا غلطان اني جتلك وأنا عارف أنك عمرك ما هتفهمني ولا هتقف في صفي، ليصدر من فمه ذلك الصوت المتهكم ذاته ويقول بفظاظة أثارت اعصاب يامن على الأخير:.
وبعدين محموق اوي وعامل فيها حامي الحمى واللي يشوف كده ميقولش أن العز اللي أنت فيه ده مش من فلوس مراتك اللي اتجوزتها وهي مغـ.ـصو.بة عليك ومبتقبلكش ورغم كده لسة عندك أمل تبصلك نظرة رضا واحدة علشان تترمي تحت رجليها
شعر أن بركان نيرانه مستعرة تنهش به بعد حديثه وزمجر بطريقة تدل على أنه يحاول كظم غـ.ـيظه حين قال وهو يرفع سبابته أمام وجهه بتحذير:
كلمة كمان يا حسن وقسم بالله مهيحصلك طيب.
صدر ذلك الصوت المستخف من فم حسن وقال وهو يجذب الأخر من حاشية ملابسه بطريقة مستفزة:
متعرفش تعمل حاجة و ده أخرك
وبعدين متعملش عليا راجـ.ـل وروح اتشطر على اللي أنت مش قادر تحكمها الأول
لكمة عاتية كانت رد يامن الرادع له بعد حديثه المقيت الذي أصاب صميم كبريائه ببراعة وتلاها صراخه به بنبرة حادة منفعلة للغاية:.
أنا راجـ.ـل غـ.ـصـ.ـب عنك على الأقل انا عمري ما هقبل على نفسي ولا على كرامتي أخد قرش واحد من فلوسها وحقها هرجعه على داير المليم لكن الدور والباقي عليك اللي أخدت فلوسها وروحت اتجوزت عليها بيهم، ولأ كمان مش عاجبك وبتبجح وعمال تجـ.ـر.ح يمين وشمال ومش عامل حساب لأي حاجة، يا جبروتك يا اخي
كان حسن مشـ.ـدوهًا من ردة فعله غافل أن بحديثة ذلك كشف الستار عن بواطن الألــم بقلب يامن وعزز سبب شقائه.
ليقول بتأهب وهو يدلك فكه ويحركه يمينًا ويسارًا كي يخفف من وطأة الألــم الذي احتله أثر لكمته:
هي حصلت تمد ايدك عليا طب واللي خلقك لقطعهالك يا(***)
سبه بلفظ نابي جعل يامن يستشيط غـــضــــبًا ولكن الأخر لم يكتفي بذلك بل اندفع
كي يهجم عليه ليتمسك كل منهم بملابس الأخر وإن كاد الشجار يحتد أكثر بينهم صرخت ثريا واندفعت تحيل بينهم:
يالهوي، يالهوي هي حصلت تمدو ايدكم على بعض صلوا على النبي يا ولاد ايه اللي حصل.
صاح يامن بحنق وهو يؤشر بيده على الأخر:
اسألي الحـ.ـيو.ان ده وشوفيه قال ايه
تسألت ثريا بجزع وهي توجه نظراتها ل حسن:
ايه اللي حصل يا بني ليه تقفوا لبعض كده ده انتوا طول عمركم اخوات
تأفف حسن وأخبرها بحدة:
ابنك اللي استفزني لما نسى إن أنا اللي ابقالو و واقف في صف الخبيثة مراتي اللي سرقتني.
لم تستوعب ثريا مـ.ـا.تفوه به وتساءلت من جديد:
ازاي يا ابني رهف سرقتك فهمني
لم يمهله يامن الفرصة لكي يوضح لها بل اندفع قائلًا:
البيه اتجوز عليها وزعلان علشان خدت فلوسها اللي ادتهالو وطالبة الطـ.ـلا.ق
لطـ.ـمـ.ـت ثريا اعلى صدرها وشهقت متفاجئة بينما استأنف يامن وهو يوجه حديثه له بحدة:
تصدق وتؤمن بإيه انت مش بني ادm انت انسان براس تور ومراتك خسارة فيك وليها حق تطفش من بجاحتك و(***) وكلامك اللي زي السم.
قالها بإنفعال وهو يغادر المنزل بأكمله كي لا تثور ثائرته أكثر...
تارك ثريا تعاتب الأخر الذي كان يقف بعيون تقدح بنيران الغـــضــــب:
اللي بيقوله يامن ده صح يا ابني
تأفف هو ساخطًا ولوح بيده هادرًا بتبجح دون أي لباقة او احترم لتلك السيدة الماثلة أمامه:
يووووووه أنتوا فلقتوني، اه صح، ومحدش ليه فيه، وانا غلطان اصلًا إني جيت البيت ده.
قالها وهو يخطو نحو الخارج بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب وكأنه فقد تقدير الأمور وترك لتلك الغريزة الذكورية بداخله أن تسيطر على كافة قراراته وتلغي عقله؛ فهو يظن أنه لم يخطئ بتاتًا وأن خطيئته مبررة غافل كونه فعل كل ذلك فقط كي يرضي غــــرور الذكر الذي بداخله ويشعره بالكمال.
أما في المساء فكانت مازالت تلازم الفراش ولم تتعافى كليًا حين أتت ثريا واحضرت معها الطعام ووضعته بجانبها،.
لاحظت نادين وجوم وجهها واستغربت كونها لم تتحدث معها فقد كانت تجلس بذلك المقعد القريب من فراشها وتحاول جاهدة أن تهاتف رهف لتطمئن عنها ولكن بلا جدوى فهاتفها مغلق مما جعل القلق ينهش بقلب ثريا التي كانت ملامحها متهدلة ورأسها منكس بحـ.ـز.ن بَين أثار فضول نادين وخاصًة انها استمعت لصراخ يامن خارج غرفتها ولصوت حسن ايضًا ولكنها لم تستشف شيء محدد
لذلك تساءلت بعيون زائغة:
خير يا مرات بابا هو ايه اللي حصل؟
تنهدت ثريا وأخبرتها بأسى:
مش خير يا بـ.ـنتي حسن اتجوز على مـ.ـر.اته و يامن ما رضهوش الوضع
حانت منها بسمة ساخرة وقالت مستخفة:
وفيها ايه؟
تعجبت ثريا وقالت بتلقائية شـ.ـديدة دون أن تفكر بتبعات حديثها:
= ازاي بس يا بـ.ـنتي ده خرب بيته بإيده ومفكرش في ولاده ولا في مشاعر مـ.ـر.اته اللي طول عمرها سنداه و واقفة جنبه دي غلبانة و متستاهلش كده ابدًا.
دفاعها المستمـ.ـيـ.ـت عن رهف ورؤيتها لها كضحية كان بمثابة نزع فتيل لذلك البركان الخامل من الذكريات البائسة بداخلها، فكيف تدعي المثالية الآن وهي ارتضت على أمها نفس المصير من قبل لذلك باغتتها متهكمة:
وأمي هي اللي كانت تستاهل مش كده يا مرات بابا
رغم تهكمها ولكن صدر سؤالها بقهر وبنبرة متخاذلة جعلت ثريا تنفي برأسها وتغيم عيناها قائلة بأسى:.
أمك دي كانت ست الناس كلها وكانت تستاهل كل خير وربنا يعلم كنت بعزها أد أيه
يالكِ من سيدةٍ عطوف ذو قلب حاني حقًا إن لم أكن على يقين تام أنك سبب نكبت والدتي لكُنت صدقت تلك البراءة التي تقطر من حديثك
ذلك ما كان يدور برأسها وهي تطالعها بعيون لائمة احـ.ـز.نت ثريا و.جـ.ـعلتها تتيقن أن تلك هي اللحظة المناسبة لتبوح لها.
بينما نادين لم تصمت واستأنفت بنبرة كارهة يحفها لوم مقيت نهش قلب ثريا:.
وعلشان كده خـ.ـطـ.ـفتي جوزها ومـ.ـو.تيها بحسرتها
دافعت ثريا عن ذاتها:
انا يا بـ.ـنتي حـ.ـر.ام عليكِ انتِ ظلماني
احتدت نبرة نادين وهي تفرغ ما بجعبتها:
محدش اتظلم غيري انا وامي يا مرات بابا، امي كانت بسببك مش بتنام ودmعتها مكنتش بتنشف على خدها، أنتِ اللي كرهتيها في الدنيا لما عصيتي ابويا عليها وخلتيه كل يوم يتخانق معاها بسببك
فرت دmعات ثريا هاربة على وجنتها واستنكرت:
محصلش، مكنش بسببي، في حاجات كتير أنتِ متعرفهاش يا بـ.ـنتي.
نفت نادين برأسها وقالت وهي تضع صنية الطعام اعلى الكومود و تحاول أن تنهض من الفراش:
مش عايزة أعرف ومعنديش استعداد اسمع منك حاجة وحتى لو سمعتك مش هصدقك
تمسكت ثريا بيدها تحاول أن تستعطفها قائلة:.
علشان خاطري يا بـ.ـنتي اسمعيني انا عمري ما كُنت وِحشة كده ربنا وحده اللي يعلم أمك كانت زي اختي ومن يوم ما عرفتها وانا واقفة جنبها وعمري ما أذتها ولا شافت مني حاجة وِحشة، اسمعيني يا بـ.ـنتي وانتِ حرة يا تصدقي يا لأ بس المهم إني أكون ريحت ضميري.
حانت من نادين بسمة متألــمة لابعد حد فعن أي ضمير تتحدث هي، وتعمدت أن تترك الفراش كي تبتعد وتوفر عليها عناء أن تحيك كذبة واهية تقنعها بها وتدافع بها عن ذاتها، ولكن ثريا لم تيأس وقالت بصدق شـ.ـديد:
انا كنت اقرب واحدة لأمك قبل ما تمـ.ـو.ت مكنتش بترتاح لحد غيري، وعلشان كده انا أول حد عرف بخبر مرضها اللي كانت رافضة تقوله لحد حتى لأبوكِ وقتها
جعدت نادين حاجبيها المنمقين وقالت مستنكرة:.
أنتِ بتقولي ايه امي مكنتش تعبانة
نفت ثريا برأسها وتقدmت منها عدة خطوات تسحبها معها كي تجلسها بجوارها واستأنفت:
صدقيني يا بـ.ـنتي انا مش هكدب عليكِ، لتتنهد بعمق وهي تتذكر تلك الذكريات الحزينة التي كلما تذكرتها تشعر بلأسى على رفيقتها وتستأنف بعيون باكية:.
امك كانت ست مفيش منها اتنين وكانت علاقتنا ببعض زي الأخوات كنا بنزورها وبتزورنا كان بينا ود زي الأهل بالظبط لغاية ما جه فترة عليها حالها اتقلب و مبقناش عارفين مالها وزنها كان بيقل وعلطول حزينة وسرحانة ده غير انها بقت منعزلة وحابسه نفسها في البيت ولما كنت اروح ازورها كانت تقعد تعيط وتقولي انها حاسة بالذنب علشان مقصرة مع عادل و محملاه فوق طاقته وهو مستحملها، حالتها كانت مطمنش ابدًا بس أنا فضلت وراها ومكنتش بسيبها لغاية ما في مرة كنت عندها وتعبت اوي ولقيتها بتاخد مسكنات وحبوب تانية كانت بتخبيها من عادل ولما اصريت عليها وحلفتها إني مش هفتح بوقي قالتلي أن عندها المرض الخبيث وفي مرحلة متأخرة وإن الحبوب دي هي اللي بتخليها تعرف تتحمل الو.جـ.ـع وتتعايش معاكم من غير ما تتحسسكم أنها تعبانة، وقتها حاولت اقنعها تتعالج بس هي كانت رافضة وبتقول انها أضعف بكتير انها تخوض مراحل العلاج على الفاضي.
نفت نادين برأسها بجنون وصرخت قائلة وهي توجه لها أصابع الاتهام:
كدب، كدب أنتِ بتقولي كده علشان تبرأي نفسك، أمي مكنتش تعبانة
هزت ثريا رأسها وأخذت تربت على خصلاتها القصيرة بحنو شـ.ـديد مسترسلة بلا يأس كي تقنعها:.
ميهمنيش أبرء نفسي في عينك أد ما يهمني أنك ت عـ.ـر.في الحقيقة. أمك كانت بتحبك وكُنت أنتِ نقطة ضعفهاوكانت دايمًا تبرر أن معندهاش استعداد تقضي الباقي من عمرها في المستشفيات ومع العَينين كانت شايفة أن وجودها جنبك بالدنيا كلها وكأنها كانت عايزة تشبع منك قبل ما ربنا ياخد أمنته
نفت برأسها من جديد وهي في حالة صدmة عارمة تحاول أن تستوعب تبعاتها بعيون تغرغر الدmع بهم وبقلب ممزق ينعي فراقها.
لتستأنف ثريا وهي تتناول كفوف يدها وكأنها تدعمها وتأذرها:
حالتها النفسية كانت بتسوء يوم عن يوم، وفي الوقت ده ابوكِ كان هيتجنن ويعرف فيها أيه وكان دايمًا بيلتمسلها الأعذار بس هي كانت مصممة أن مفيش حد يعرف علشان مـ.ـيـ.ـتهمهاش بالجُبن والضعف انها رافضة العلاج.
وفي مرة كنت بزورها طلبت مني، صمتت لبرهة تتطلع لملامح نادين المستنكرة تتوجس خِيفة من مدى استيعابها للأمر، ولكن الأخرى أخبرتها بنبرة مختنقة متحشرجة على حافة البكاء:
كملي طلبت منك أيه؟
أجابتها ثريا بتلعثم بعض الشيء:
اني اتجوز أبوكِ واربيكِ.
نزعت يدها من بين راحتها بعنف وانتفضت من جلستها وهي تنفي بسبابتها مستنكرة الأمر بكامل صوتها:.
لا لا لا لا لا لا لا مستحيل أصدق انتِ بتكدبي عليا صح، كل ده من نسج خيالك أمي اكيد مكنتش بالسذاجة دي
أنتِ كـ.ـد.ابة وانا مستحيل أصدقك
تنهدت ثريا بعمق وقالت بنبرة حزينة بائسة:
الله يسمحك يا بـ.ـنتي، بس ربنا يعلم إني مكدبتش عليك ولا عمري قصرت معاكِ أنا رعيت ضميري وحافظت على امانة أمك ليومنا ده ومفيش يوم فرقت فيه بينك وبين ابني.
لا تعلم لمَ استشعرت الصدق من حديثها و وجدت ذاتها تود أن تعرف المزيد ولذلك قالت بنبرة مختنقة مغلفة بأنين قلبها:
كملي
هزت ثريا رأسها واستأنفت:.
انا عارضتها موافقتش وحتى ابوكِ رفض وقتها وكان هيتجنن لما اضطرت تقوله وحلفته ميجبلكيش سيرة عن مرضها كانت فاكرة أنها لم قالتله هتخليه يقبل بس هو رفض وكان علطول بيحاول يأثر عليها انها تتعالج بس هي خيرتنا يأما نتجوز انا وهو يأما مش هتتعالج، وقتها كنا عملنا كل حاجة علشان ترجع في كلامها بس هي كانت دmاغها ناشفة ومكنش قدامنا غير نوافق علشان بس نريحها وتقبل تتعالج
لتفر دmعة من عين ثريا وتستأنف بألــم:.
لكن هي مكنتش أد كلمتها ومقدرتش تتغلب على خــــوفها وده كان خلاف دايم بينها وبين ابوكِ
لغاية ما في يوم جالي وقالي أنه اتخانق خناقة كبيرة معاها بسبب رفضها وأن يأس من اقناعها واضطر انه يتهمها بالأنانية ويهددها انه هيقولك علشان يأثر عليها مجاش في باله ابدًا أنه هيخسرها بعدها.
مهلًا الآن ترابطت خيوط الحقيقة مع بعضها فما قصته هي لتوها هو ذاته ما استمعت له بتلك الليلة المشؤومة التي لا تنساها مهما حيت، فكانت تستمع لها بأنفاس متعالية وبعيون دامية يهطل منها دmعات حارقة متألــمة تنعي بها سنين عمرها التي اضنتها وهي تسعى لأنتقام واهي ليس له أي أساس من الصحة، أيعقل!
لا محال أن تستوعب كم الحقائق تلك دفعة واحدة فحقًا قد تلفت اعصابها على الأخير ولم يعد باستطاعتها غير البكاء لتقترب ثريا منها كي تواسيها وتشاركها بؤسها ضامة إياها بقوة لدفء أحضانها، ودmعاتها تنسل تضامناً معها، فما كان من نادين غير أن تتشبث بها و
يتعالى على أثر ذلك الحـ.ـضـ.ـن الحاني نحيبها الحارق التي كانت تكتم صرخاته وشهقاته المتقطعة بصدرها، وكأنها تنعي بتلك الطريقة كل شيء حتى نفسها.
كانت تقف مفطورة من البكاء أمام غرفة العمليات لا تستوعب ما آل له حال رفيقتها، فجارهم الطبيب اتى بها إلى المشفى التي يعمل بها وقام بإسعافها بنفسه. تأهبت عنـ.ـد.ما وجدت بابها يفتح ويظهر الطبيب، لتهرول له متسائلة:
طمني عليها الله يخليكِ
تنهد وأخبرها بملامح آسفة:
هتبقى كويسة بس للأسف البيبي نزل ربنا يعوض عليها
شهقت سعاد وزاد بكائها بينما هو واساها قائلًا:.
قدر الله وما شاء فعل المهم انها بخير ولسه العمر أدامها
أومأت سعاد وشكرته من بين دmعاتها:
ونعم بالله، انا متشكرة اوي يا لمساعدتك مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه
أجابها برحابة:
انا معملتش حاجة غير الواجب
حمد الله على سلامتها تقدري تدخليلها بعد ما ينقلوها أوضة عادية ولو احتجتوا حاجة انا موجود وهتلاقيني في مكتبي
اومأت له بامتنان وتساءلت وهي تكفكف دmعاتها:
بس انا متشرفتش بأسمك.
أبتسم بسمة عابرة وعرف عن ذاته وهو يعدل من وضع نظارته الطبية:
أنا دكتور نضال تـ.ـو.فيق
اهلًا بحضرتك انا سعاد العشري
هز رأسه بمجاملة وببسمة عملية غادر ليباشر عمله، تاركها تحاول أن تتمالك اعصابها كي تهون على رهف وتواسيها في خسارتها.
بعد مرور ساعات الصباح الأولى التي قضتهم صاحبة الفيروزتان في جلسة علاج مع طبيبها النفسي الذي كان يسعى جاهدًا أن يحفزها على الصمود ويساعدها كي تغير مسار أفكارها وأولوياتها.
فكانت تشعر براحة عارمة في كل مرة عن ما قبلها. حتى انها تعودت أن تذهب دون أبيها وقررت أن تعتمد على ذاتها فقرار التغير نابع من ذاتها ولابد أن تتحمل تبعاته وحدها،.
أما هو فكان ينتظرها بلا كلل أسفل بناية الطبيب وعنـ.ـد.ما أتت لموضع السيارة وصعدت بجانبه تساءل بنبرة مهتمة:
إيه الأخبـ.ـار طمنيني؟
هزت رأسها ببسمة واسعة وأخبرته وهي تجلس بزاوية المقعد بمواجهته:
كله تمام، مقدرش اقولك ببقى مرتاحة أد ايه بعد ما باجي هنا وبيبقى عندي طاقة إيجابية تكفي العالم كله
بادلها بسمتها وعقب بتحفيز:
طب ياريت بقى نوفر الطاقة الإيجابية الجميلة دي للمذاكرة علشان خلاص الأمتحانات على الأبواب.
أجابته هي بنبرة مفعمة بلأمل:
انا فاتني كتير بصراحة بس هحاول أعوض الأيام اللي جاية
اومأ لها وإن كاد يشعل موقد السيارة تساءلت بريبة:
هتوديني فين؟
رفع منكبيه وقال بإعتيادية:
هروحك...
نفت برأسها وأخبرته وهي تلملم خصلاتها خلف أذنها بخجل:
مش عايزة أروح...
لتتلجم لهنيهة تحت وطأة نظراته المتأهبة لباقي حديثها وتستأنف بعدها:
انا عايزة اروح معاك البيت.
صُدm من مطلبها، وخُيل له أنها تمزح ليس أكثر فمن المؤكد أنها ليست بتلك الوقاحة كي تقصد ما وصله، ولذلك تدخل عقله و هدر قائلًا بكامل صوته الأجش وبحدة أجفلتها:
بيت مين، أنتِ أكيد بتهرجي صح، هو عادي كده تروحي مع أي حد بيته فوقي الله يخليكِ وقولي كلام منطقي انتِ بـ.ـنت ناس وميصحش
شهقت بتفاجئ من ما استشفه بالخطأ من مطلبها وهدرت بغـ.ـيظ شـ.ـديد تدافع عن ذاتها وهي ترفع سبابتها بوجهه:.
انت بتقول إيه، يظهر أنك أنت اللي اتجننت انا مكنش قصدي اللي وصلك كل الحكاية أن طمطم وحـ.ـشـ.ـتني وكنت عايزة أشوفها واقعد معاها و اتعرف على أختك، بس يظهر أنك فسرت كلامي غلط وبجد نـ.ـد.مانة إني طلبت طلب غـ.ـبـ.ـي زي ده، واتفضل تقدر تروحني
قالت أخر جملة وهي تعتدل بجلستها وتشيح بنظراتها عنه، مما جعله يزفر حانقًا ويلعن تسرعه، ويعتذر قائلًا:.
أنا آسف، بس اصل انتِ ساعات بتعملي وبتقولي حاجات بتطير برج من عقلي، يعني مينفعش تقولي لشاب هروح معاك البيت اكيد لازم يفهم غلط
نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بنبرة معاتبة:
أنا عفوية ومش متعودة أفكر في الكلام قبل ما اقوله ومش ذنبي أن تفكيرك رجعي
رجعي ده ابن اختك صح.
رفعت حاجبيها تستغرب انه يمزح بينما هو كان يحاول أن يسخر من ذاته ليس منها فهنا تكمن نكبته فتلك الفوارق الطبقية بينهم وطبيعة نشأتهم تجعل الكثير من الأمور لا تتوافق بينهم وهو كان يعلم ذلك جيدًا ولذلك لم يتجرأ ويمنى نفسه بحلم يستحيل تحقيقه. نفض أفكاره المنطقية بعيدًا وأجابها بقناعة تامة:
ميرال انا تفكيري مش رجعي انا اتربيت على كده في أصول الواحد مينفعش يتعداها.
زفرت حانقة ثم قالت بكل ثقة:
محمد انت ليك منطق غريب بحاول استوعبه على أد ما اقدر بس أنا بعيد عن منطقك وبعيد عن الأصول وعن اللي أنت اتربيت عليه؛ انا بثق فيك لدرجة إني أأمنك على حياتي كلها وعارفة ومتأكدة أنك مستحيل تأذيني او تخذلني ابدًا.
اتوسلك كفى، قلبي لم يعد يحتمل. ذلك ما صرخ به عقله ولكن ما تفوه به كان:
هروحك
قالها وهو يجاهد كي يفر هاربًا من فخ عيناها ويتصنع الثبات بينما هي.
تنهدت وهزت رأسها بطاعة حين شرع بالقيادة وأخذت تنظر عبر زجاج نافذتها للطريق بملامح محبطة وعيون اندثرت بها تلك اللمعة الشغوفة بفضله.
أما هو فكان يمسد جبهته بأبهامه وسبابته وعقله يخبره بمنطقية باحتة أن لا يجوز أن تتواجد بمنزله ويسمح لها أن تقتحم حياته البسيطة لذلك الحد، ولكن برر قلبه أنه يضخم الأمور فهي تود الذهاب من اجل ابنة شقيقته ولا مانع من زيارة عابرة لا ضرر منها وخاصًة أنه محال أن ينفرد بها مع وجود شقيقته والصغيرة وعند تلك الفكرة وجد ذاته يضـ.ـر.ب بقرارات عقله وبحدود منطقه عرض الحائط،
وهمهم قائلًا دون أن يحيد نظراته عن الطريق:.
بتحبي البامية
استغربت سؤاله ونظرت له بطرف عيناها دون ان تجيب، ليباشر هو حديثه بنبرة مشاكسة:
براحتك أصل البت شهد عليها طاجن بامية أنما أيه تاكلي صوابعك وراه وياسلام بقى لو بالليمون، بس ياخسارة مفيش نصيب وطلعتي مش بتحبيها
جاهدت كي تكبح بسمتها وقالت وهي تدعى الخصام:
بحبها واوي كمان بس يظهر أنك بخيل ومش عايز حد يشاركك في الطاجن.
قهقه بقوة بتلك الضحكة الخشنة المفعمة بالرجولة التي تعبث بثباتها في كل مرة وتبث قشعريرة لذيدة بأوصالها وخاصًة عنـ.ـد.ما صدر صوته الضاحك مشاكسًا:
نبيهة بسم الله ما شاء الله عليكِ وبتفهميها وهي طايرة وبصراحة، اه انا طفس واوي وحاسبي بقى لحسن جوعت على السيرة
عقدت حاجبيها وناوشته وهي تنكمش على ذاتها:
ايه هتتحول وتاكلني!
قهقه من جديد وقال بغمزة عابثة من بندقيتاه:
متقلقيش مليش في الحلو.
نكست رأسها كي تخفي أشتعال وجهها من إطراءه المحسوس لها ولم تعقب فقط تبتسم وتنظر لكل شيء عداه بينما هو كان يشعر أن على حافة الهاوية وأن صموده بدأ يتلاشى شيء فشيء و.جـ.ـعلته يسير في درب من دروب الجنون فتصرفه ذلك لم يكن راضياً عنه ولكن ماذا يفعل أمام فتنتها وتأثيرها عليه. تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير صدرت منه عنـ.ـد.ما تذكر شقيقته فبماذا سيبرر تلك الزيارة المفاجأة يقسم أن أي شيء سيخبرها به لن يخيل عليها.
ليزفر بقوة ويدعو الله بسره أن يمر الأمر بسلام فهو لا يضمن ردود فعل شقيقته.
ترى هل ستتقبل وترحب بها أم ستجن كعادتها وتطردهم معًا.
↚
ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة، و لكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها
إتيان جلسوت.
مرت ساعات النهار الأولى وهي نائمة كمدًا لم تشعر بشيء غير انها تود أن تمنح عقلها هُدنة ليستعيد عمله، رفرفت بأهدابها الكثيفة بتثاقل شـ.ـديد تحاول أن تستفيق بالكامل وتنهض ولكن كان الأمر عسير عليها و الصداع يفتك برأسها وعينها متورمة أثر بكاء أمس فكانت تنتحب إلى أن غلبها النوم من شـ.ـدة الوهن بين احضان ثريا التي ظلت ملازمة لها طوال الليل ولم تتركها إلا عنـ.ـد.ما تأكدت أنها بخير.
مسدت جبهتها لعلها تخفف من حدة ألــم رأسها ولكن بلا جدوى تحاملت على ذاتها كي تنهض من الفراش وأخذت عيناها تدور بمحيط غرفتها وهي تنعي وحدتها فكم كانت تأمل ان تستيقظ وتجد أحد بجانبها يطمئنها ويخبرها أن كل ما حدث ما هو إلا كابوس مزعج يستحيل تحقيقه وأن كل شيء سيكون على مايرام وعلى ذكر الحاجة لم يأتي أحد بخاطرها سواه لتجد عيناها تتركز على ذلك المقعد القريب ببأس شـ.ـديد وبعيون حزينة ذابلة تتذكر حين كانت تجده في السابق يجلس عليه يطالعها بتلك البسمة الهادئة المريحة التي تقطر بمكنون قلبه حقًا هي بآمس الحاجة له ولكن اين هو؟ فقد تبدل حاله بفضل أفعالها ورغم أن مازالت هواجس عقلها لم تتبدد نهائي إلا أن حاجتها له في كل وقت عصيب يمر عليها أكدت لها أنها تكن له الكثير ولم تملك الجرأة ليومنا هذا كي تعترف بذلك، حاولت نفض افكارها وهي تنهض من الفراش تعاند تلك الحرب الضارية التي تود أن تنشب من جديد بداخلها و.
قبل أن تخطو خطوة واحدة
لفت نظرها ذلك المغلف الكبير الموضوع أعلى الكمومود بجانب فطورها، مدت يدها تسحبه لتجد ورقة بخط يد ثريا تعتليه وتخبرها بها أن ذهبت للاطمئنان عن رهف وان ذلك المغلف يحتوي على إثبات حديثها.
وعليها أن تطلع عليه، وبالفعل ذلك ما فعلته فقد فضت محتواه على الفراش وأخذت تتناول كل ورقة على حدى تمرر عيناها على محتواها، واحدة تلو أخرى برويه شـ.ـديدة و حينها تملكتها صدmة عارمة فقد وجدت فحوصات طبية بأسم والدتها وتقارير توضح حالتها لا والأنكى أن يوجد تقرير موثوقة من طبيب نفسي يؤكد إصابتها بإكتئاب حاد بتاريخ مسبق لوفاتها بعدة أشهر...
كل ذلك كان بمثابة انتفاضة لعقلها واختزال قوي لهواجسها البالية؛ فبين يدها دلائل قاطعة لا تقبل الشك مطلقًا.
فقد حاوطت رأسها وانهمرت دmعاتها البائسة وأخذت تهز رأسها وكأنها تدعم استيقاظ عقلها من غفوته ومداهمته لها بتلك التساؤلات دون هوادة.
هل مقتها لهم كان هباءً؟
هل حقًا نواياهم نحوها كانت بريئة؟
هل تلك السيدة التي حقدت عليها طوال سنوات كانت ضحية ظنونها وهواجسها الواهية.
فهل تلوم ذاتها أم تلوم والدتها على قرارها المجحف الذي شتتها و.جـ.ـعل الشيطان يعبث برأسها لسنوات، حقًا كانت ضائعة تنهمر دmعاتها ببأس لا مثيل له فليس من اليسير عليها أن تقتنع كون كل قناعتها السابقة بالية و كانت جميعها لا محل لها.
علمت من يامن أنها تركت منزلها وتقبع مع سعاد بمنزلها القديم لذلك توجهت إلى هناك كي تطمئن عليها ولكن عنـ.ـد.ما وصلت لهناك وطرقت على باب الشقة عدة مرات لم يأتيها جواب وحينها أحتل القلق قلبها وكادت تخرج الهاتف من حقيبتها كي تهاتفها ولكن صوت الحارس أنبهها:
الست سعاد مش هنا
=خرجوا يعني؟
لأ يا ست هانم دول في المستشفى من ليلة إمبـ.ـارح والست رهف كانت بعافـ.ـية
لطـ.ـمـ.ـت ثريا اعلى صدرها وتساءلت بجذع:.
يالهوي، رهف، طب مستشفى ايه وانا أروحلها
أجابها الحارس:
والله يا ست هانم ما اعرف بس ست كريمة جارتهم اكيد عارفة علشان ابنها الدكتور هو اللي وداهم هناك وحتى الولاد الصغار عندها
=تعالى وصلني لشقتها.
أومأ لها بطاعة واتبعها لهناك لتخبرها كريمة بكل شيء وتطمئنها على الأطفال أنهم بامانتها لحين عودتهم لتذهب ثريا بعدها للمشفى بعد أن هاتفت يامن وأخبرته بتعب رهف لكن دون ذكر تفاصيل واوصته أن يترك عمله ويعود للمنزل كي ينوب عنها برعاية نادين فهي بحاجته الآن دون عن أي وقت سبق.
أما عن ذلك الساخط فقد كان يتعالى رنين هاتفه مرة بعد مرة وفي كل مرة يتعمد أن لا يجيب مما جعلها تزفر حانقة وتصيح به:
يوووه تليفونك ده صدعني مش معقول كده مـ.ـا.ترد يمكن حاجة ضروري.
لوح حسن بيده وأخبرها ببسمة ماكرة وهو يتأمل رقم يامن الظاهر على شاشته يظن أنه يهاتفه كي يعتذر منه غافل كونه يريد أن يعلمه بشأن زوجته ولكن الأخر كان الأمر أبعد ما يكون عن تفكيره لدرجة أنه ألقى بالهاتف على المقعد بجانبه دون أي أهمية لتجلس هى على ساقيه و تتعلق بعنقه متسائلة بخبث كي تسبر أغواره:
مالك يا سُونة انت من ساعة ما رجعنا وأنت مش طبيعي خالص معقول كل ده بسبب الشغل.
تنهد بعمق وأخبرها وهو يداعب وجنتها ببسمة باهتة كي يسايرها:
أنا عارف إني قطعت شهر العسل بس اوعدك هعوضك وهاخدك أي مكان تشاوري عليه بس كام يوم كده أخلص من مشاكل الشغل
أومأت له وقالت بدلال أنثوي ماكر وبنظرات معاتبة:
لما أشوف يا سُونة أصلك بصراحة بقيت بتوعد ومبتـ.ـو.فيش
يعني قولتلي هنسيكِ أسمك ومش هنشغل عنك وأديك اهو سبتني أمبـ.ـارح لوحدي ولما جيت بليل كنت متعصب ونمت علطول.
حقًا أخر ما ينقصه هي فلم يستطيع مسايرتها أكثر لذلك هدر متأفف:
يوووووه خلاص بقى يا منار أنا مخـ.ـنـ.ـوق و مش ناقصك
تفاجأت من حدته الغير مبررة معها ولكنها تداركت الأمر بدهاء حين مالت عليه وحاوطت وجنته وقالت بنبرة مفعمة بالإثارة تعلم تأثيرها عليه:
بس أنا ناقصاك يا سُونة وعايزاك، وعندي استعداد انسيك كل اللي مضايقك.
تفهم إلى ماذا ترمي فما كان منه غير أن يتفرس بمفاتنها التي تظهرها ببزخ أمام عينه التي غامت بالرغبة لتوها حين بادرت هي بتقبيله، ليجد ذاته كالمغيب تحت وطأتها يبادلها ولكن كانت قبلته لا تعرف اللطف ابدًا ولا تمت للحميمية بشيء فكانت قبلة عنيفة آلمتها و سلبتها أنفاسها غافلة كون عقله ليس معها بل مع الأخرى و يتخذها هي وسيلة كي يفرغ بها شحنة غـــضــــبه من تلك التي يظنها خبيثة وخدعته وهي أبعد ما يكون عن الخداع.
دفعته هي بصدره بعنف عنـ.ـد.ما زادت قسوته وتعدى حدود احتمالها وصرخت به وهي تتحسس شفاهها التي تقطر دmًا:
انت اتجننت ايه اللي حصلك!
مرر يده بخصلاته بعصبية بعدmا نظر لشفاهها المدmية وقال بأنفاس ثائرة وبكل تبجح:
قولتلك مش في المود وأنت اللي اصريتي اتحملي بقى
جعدت حاجبيها من تبجحه وقالت بغـ.ـيظ شـ.ـديد وبنبرة واثقة وهي ترفع سبابتها بوجه:
أنت أيه الأسلوب الغريب ده المفروض تعتذر على الأقل، مش انا اللي اتعامل كده.
واعمل حسابك أخر مرة هسمحلك تعاملني بالوحشية دي
ذلك آخر ما قالته قبل أن تتركه يستشيط غـــضــــبًا من كل شيء حوله ويركل أحد المقاعد بقدmه ويدور حول نفسه وهو يشعر انه على حافة الجنون إلى أن تعالى رنين الهاتف مرة أخرى، ليتناوله ويرد بنبرة متعجرفة خالية من أي لباقة:
عايز ايه انت كمان؟
لهنيهة لم يأتيه رد حتى ظن أنه أغلق الخط ولكن الأخر كان يحاول تحجيم اعصابه قدر المستطاع فالغرض من مهاتفته هو إرضاء ضميره ليس أكثر لذلك قال بإقتضاب ومن بين أسنانه:
وانت اللي زيك بيتعاذ منه أيه يا بجح، انا مش هعتبك دلوقتي أنا بس بكلمك علشان ارضي ضميري واعمل بأصلي؛ مراتك تعبانة و في المستشفى من امبـ.ـارح
احتدت نظرات حسن وتساءل باستخفاف:
مستشفى ايه وتعبانة مالها ما كانت مِفرعنة امبـ.ـارح؟
اجابه يامن بنفاذ صبر:.
مستشفى (، ) و معرفش حاجة تانية، سلام
ذلك أخر ما تفوه به قبل ان يغلق الهاتف بوجهه مما جعل حسن يستشيط غـ.ـيظًا منه وهو يأخذ متعلقاته ويهرول ليذهب لها تارك شيطانه اللعين يحيك برأسه العديد من السيناريوهات.
لم تنبس ببـ.ـنت شفة فقط دmعاتها تنسل من عيناها دون أي رد فعل يذكر حاولت سعاد و ثريا التخفيف عنها ومواساتها ولكنها لم تنتبه لكلمة واحدة منهم بل كانت ساهمة بعيون فارغة وكأنها فقدت كافة شغف الحياه بعد خسارتها.
رهف علشان خاطري بلاش تعملي في نفسك كده، طب ردي عليا او عيطتي وخففي حمولة قلبك هترتاحي.
قالتها سعاد بمحاولة بائسة منها أن تجعلها تخرج عن حالة الجمود تلك ولكن بلا فائدة فلم تجيبها، لتغمغم ثريا بأسى وبملامح متهدلة شـ.ـديدة الحـ.ـز.ن:
لا حول ولا قوة إلا بالله كان مستخبيلك فين ده بس يا بـ.ـنتي
لتعقب سعاد بحمئةٍ:
أبن أختك هو سبب كل ده منه لله ربنا ينتقم منه.
نكست ثريا رأسها ولم تجد حديث مناسب ترد به لذلك ألتزمت الصمت وايضًا سعاد التي كان يصعب عليها رؤية رفيقتها بتلك الحالة وكم تمنت لو تستطيع أن تخفف عنها...
كان ذلك الصمت الذي ساد أجواء الغرفة ما هو إلا هدوء ما قبل العاصفة فقد شهقوا بقوة مفزوعين عنـ.ـد.ما اندفع الباب وظهر ذلك الساخط قائلًا بحمئة ليست ابدًا بمحلها:
عملتيها يا رهف ونزلتي اللي بطنك وفكرك هتخلصي مني
ده انا هسود عيشتك.
اندفعت سعاد كي تردعه عنها صارخة وهي تدفعه بصدره:
أبعد عنها مكفكش اللي حصلها بسببك، منك لله
دفعها عنه بغل قائلًا بوعيد احمق وهو يحاول أن يتهجم على تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة:
هي لسة مشافتش حاجة مني وانا هعرفها ازاي تعند معايا
لتدخل ثريا ناهرة إياه:
اتهد بقى هتعمل فيها أيه أكتر من اللي عملته.
اشتد الحوار بينهم ما بين لوم و وعيد غافلين كونها تخلت عن حالة الجمود التي عليها بمجرد رؤيته وكأنها استوعبت الأمر الأن فقد تعالت وتيرة انفاسها واتسعت عيناها بهلع عنـ.ـد.ما مر ذلك المشهد الأليم وهو يدفعها ويهددها أمام عيناها من جديد لتنطلق صرخة حارقة متألــمة من أعماقها الممزقة و تضع يدها على وجهها تخفي عيونها وتهز رأسها بطريقة هستيرية وكأنها فقدت صوابها صارخة بكامل صوتها:.
مش عايزة أشوفك، ابعد عني بكرهك، بكرهك، بكرهك
في تلك الأثناء كان نضال في طريقه لمغادرة المشفى بعد انتهاء وقت عمله ولكن تناهى إلى مسامعه صراخ يصدر من غرفتها ليهرول لهناك ويصيح بحده ما أن رأى حالة الانهيار التي هي عليها وتجمهر بعض العاملين أمام باب الغرفة يحاولون ردعه الأخر:
هو في ايه بالظبط انت فاكر نفسك في بيتكم دي مستشفى يا استاذ يا محترم وميصحش تعلي صوتك ولا تتصرف بالهمجية دي.
أجابه حسن بتبجح وهو يزيح بيده أحد العاملين الذين يحيلون بينهم:
أنت مالك انت انا ازعق في المكان اللي يعجبني وبعدين الهانم اللي قدامك دي مراتي وسقطت من غير علمي وانا عايز المسؤول هنا علشان هخربها على دmاغكم كلكم
تجهمت معالم نضال وهو ينظر له نظرة مشمئزة مستنفرة وهدر بإنفعال:
مراتك سقطت بسبب تعنيفك ليها وده اللي هكتبه في التقرير الطبي ده غير محاولتك دلوقتي بالتعدي عليها.
تجاهل ذلك الوعيد المبطن بحديثه ولم يفكر سوى بجملة تعنيفك لها مما جعله يعقد حاجبيه ويتسأل بعدm استيعاب:
يعني ايه مش فاهم؟
لوح نضال بيده وتوجه لها وقال بصوت جهوري للممرضين الذين هرولوا على صوت صراخها ولم يتمكنوا من تهدئتها:
حد يجبلي حقنة مهدئة واقفين تتفرجوا على أيه!
وبلغو الأمن يطلعوا الأستاذ ده بره
احتدت نظرات حسن بغـ.ـيظ وهدر معترضًا:
انا مش هتحرك من هنا غير لما أفهم
أجابته سعاد بنفاذ صبر وبهجوم شرس:.
انت هتستهبل كل اللي حصلها ده بسببك رهف سقطت لما زقتها أنت السبب في إجهاض البيبي...
نزل حديثها عليه كالصاعقة، وفرغم أنه لم يسعد بخبر حملها ولكنه لم يتعمد ابدًا أن يكون سبب في خسارته.
فقد أبتلع رمقه بحلق جاف وزاغت نظراته بين تلك المسكينة التي تنتحب وتصرخ به كي يغادر وبين الجميع ثم تراجع عدة خطوات للخلف وكأن الأرض تميل به تزامنًا مع صراخها المتكرر الذي رج أرجاء المشفى:.
أخرج مش عايزة اشوفك تاني بكرهك يا حسن، بكرهك وعمري ما هسمحك...
نظر لانهيارها بعيون زائغة وبقايا ضميره ينهش به يخبره أنه بفعلته تلك قد يخسرها للأبد لذلك برر قائلًابنبرة مهزوزة متلجلجة:
رهف، انا مكنش قصدي...
لتدخل ثريا آمرة إياه بحده:
مش وقته الكلام ده امشي البِنية مش طايقة تشوفك
=يا خالتي انا مكنش قصدي هي اللي استفزتني وقتها و...
كاد يستأنف تبريره المقيت وكعادته يحمل تلك المسكينة عبء ما حدث لولآ أن ثريا قاطعته بحدة وبنبرة صارمة:
اخرس ومتفتحش بؤك ومن النهاردة تنسى أن ليك خالة والمسكينة دي ذنبها في رقبتك و ربنا اسمه العدل وهينتقملها منك علشان انت خسيس و متستاهلش ضفرها.
مرر يده بخصلاته وهو يشعر بأن الدmاء تغلي برأسه ويعجز عن التفكير ليمنح انهيارها نظرة مطولة وشيء من بقايا ضميره ينهش به فلم يتوقع في أسوء كوابيسه أن يتوصل به الأمر لهنا. ليسعفه عقله العقيم ويتدخل شيطانه كعادته ويبرر له أنها هي من استفزته و.جـ.ـعلته يفقد سيطرته على ذاته لذلك الحد الذي جعله يتسرع ويدفعها دون أن يفكر في عقبات للأمر.
قطع تفكيره تكرار نضال وهو يحاول جاهدًا أن يسيطر على حالة تشنج جسدها كي يوخزها بإبرة المهدئ ولكن كان الأمر عسير عليه فكانت نظراتها الكارهة مصوبة نحو ذلك المقيت وتصرخ بحرقة لا مثيل لها:
قولت طلعوه بره علشان تهدى
كان يود أن يعترض من جديد لولا أن ثريا زجرته وحثته على المغادرة ليهز رأسه بمسايرة ويقول وأحد أفراد الأمن يقبض على ذراعه:
تمام همشي بس برضو مش هت عـ.ـر.في تخلصي مني يا رهف وهرجعلك تاني.
دفعه اثنان من أفراد الأمن للخارج فلم يقاومهم بل تركهم يسيروا به خارج المشفى دون أي مقاومة وكأنه هو من طمح بالهروب وقد ساعدوه دون أن يشعروا
بينما هي خار جسدها ومقاومتها تدرجيًا مع تسربل العقار الطبي بوريدها وتهدلت جفونها ساقطة في حالة من السبات المؤقت
وعنـ.ـد.ما اطمئن الجميع عليها اجتمعت سعاد ب نضال بمكتبه وهي تنوي أن تتخذ إجراء رادع لذلك المقيت كي تحمي ابنة عمها من بطشه.
يالهوي هي حصلت جيبلي نسوان البيت يا محمد
قالتها شهد بتسرع عنـ.ـد.ما سحبها محمد لأحد الغرف الجانبية بعدmا دلف ب ميرال من باب شقتهم وترك الصغيرة هي من تستقبلها
كتم محمد فمها بكف يده كي لا تتفوه بالمزيد ناهرًا إياها بحده:
انا قولت مـ.ـجـ.ـنو.نة، نسوان مين يا شهد عيب عليكِ هو اخوكِ بتاع الكلام الفارغ ده اهدي علشان أفهمك
اومأت له بعيون متسعة وما أن زحزح يده عن فمها قالت بتسرع دون تفكير:.
تفهمني ايه، اوعى تكون ضارب ورقتين عـ.ـر.في وجاي هنا لأ البيت ده طاهر وهيفضل طول عمره طاهر
نفخ محمد أوداجه وباغتها بقرص اذنها قائلًا بغـ.ـيظ وهو يجذبها منها:
اتكتمي الله يخرب بيتك ايه اللي بتقوليه ده
تأوهت بقوة وجذبت راسها كي يفلت اذنها قائلة بألــم:
ودني هتطلع في ايدك وبعدين اعملك ايه ما هي ملهاش تفسير غير كده
أجابها بنبرة جدية وهو يخفف ضمة أنامله على أذنها شيء فشيء:
لأ ليها بس اتهدي واسمعي وشغلي عقلك الأول.
هزت رأسها تحثه على تركها وكتمت بيدها فمها كي تقنعه أنها ستستمع له، ليتنهد هو ويترك اذنها ويقول بنبرة هادئة حاول أن يخفي بها ارتباكه:
دي بـ.ـنت الراجـ.ـل اللي شغال عنده
دmاغك مترحش لبعيد كل الحكاية أنها كانت عايزة تشوف طمطم وتتعرف عليكِ
تساءلت شهد بحاجب مندهش:
وهي تعرفنا منين؟
أجابها محمد وقد بدأ الارتباك يسيطر عليه:
كنت واخد بـ.ـنتك الملاهي وكانت معانا...
شهقت شهد بتفاجئ وقالت ببسمة واسعة:.
يعني دي ميرال اللي البت طمطم حكتلي عليها طب ما تقول كده من الصبح
أومأ لها بتأكيد وأضاف برجاء محسوس:
علشان خاطري يا شهد استقبليها كويس ورحبي بيها وبلاش جنانك ده
تنهدت شهد وأجابته وهي تضيق عيناها:
من عيوني يا اخويا انت تأمر بس لو طلعت معوجة ومناخرها في السما هكرشك أنت وهي و طمطم ذات نفسها
هز رأسه بلا فائدة وقال مشاكسًا وهو يسحبها من مؤخرة ملابسها كي تستقبل ضيفته:.
لا من الناحية دي انا مطمن، انجري بقى قدامي يا مـ.ـجـ.ـنو.نة اتأخرنا عليها وعيب كده.
عاد كما اخبرته والدته وهو يستغرب لمَ طلبت منه ذلك الطلب الغريب في ذلك التوقيت بالذات ولمَ أصرت عليه بالهاتف أن يظل بجوارها، لمَ قالت له أنها بحاجته الآن! فمنذ متى وهي تكون بحاجته هي لم تلقِ بال له من الأساس وإن كانت تفعل لم تكن ارتكبت تلك الأفعال المشينة بحق والدته وبحقه،.
تنهد بعمق عنـ.ـد.ما تناهى إلى مسامعه صوت بكاءها وأخذ يجول بعينه في محيط المنزل يبحث عنها ليزفر بقوة كي يمهد ذاته لأحد حيلها التي يظن أنها تفتعلها كي تؤثر عليه وتجعله يحيد عن قراراته ويتبع الصوت وصولًا لمرحاض غرفة والدته استغرب ما الذي أتى بها هنا ولكنه طرق على الباب وقال بجمود أصبح يتقمصه بالآونة الأخيرة معها:
نادين اخرجي؟ انا عارف انك بتمثلي وعارف انك أنتِ اللي خليتي أمي تكلمني.
لثوان سكت صوت نحيبها وظن أنه نجح في كشف حيلتها وقبل أن يدرك الأمر كاملًا اتاه صوت فوضى بالداخل لم يخمن مصدرها وقبل أن يستكشف الأمر بنفسه فتحت هي الباب برأس مطرقة وحاولت أن تتخطاه، نظرة خاطفة بالداخل لأرضية المرحاض كانت كفيلة أن تجعله يجن جنونه ويظن كونها كان تود أن تلحق بنفس مصير والدتها ليهرول خلفها يجذبها من ذراعها صارخًا بحدة:
كنتِ بتحاولي تعملي ايه؟
حمت وجهها بذراعها الآخر تخــــوفًا أن تنال أحد صفعاته وهزت رأسها كونها لم تفعل شيء، وغر قلبه عنـ.ـد.ما فعلت ذلك وكم لعن ذاته كونه جعلها تخاف بطشه لهذا الحد فحقًا هو الأن نادm كونه شيد بيده عائق أخر يجعلها تتحامل عليه وتنفر منه، ليبتلع غصة مريرة بحلقه وتتهدل ملامحه و ينظر لها بعيون اندثر جمودها و تسربل بها الدفء من جديد حين ترك ذراعيها وتسأل:
امال علب الدوا اللي في الأرض دي ايه؟
انزلت يدها بترقب ثم أجابته بنبرة مختنقة وبعيون منكـ.ـسرة واهنة تفر منها دmعات متباطئة:
عندي صُداع وكنت بدور على حاجة تضيعه بس ملقتش، ولما أنت خبطت العلب وقعت من ايدي على الأرض.
الإنكسار الذي كان يظهر جليًا على هيئتها وعيونها الدامية التي تأكد كون بكائها استمر لوقت كبير وغير مفتعل و.جـ.ـعل قلبه يتوسله كي يعود ل لينه ويرأف بها، وقبل ان يصدر منه كلمة واحدة كانت تتحرك بتؤدة مبتعدة عنه وهي تمسد جبهتها وتسير نحو غرفتها،
ليتنهد هو تنهيدات عميقة مثقلة ويرفع نظراته لأعلى وكأنه يناجي ربه كي يعينه على نكبة قلبه.
أما هي فبعد عدة دقائق كانت تجلس على طرف فراشها وهي تشعر بالخزي من ذاتها بعدmا رأت بأم عيناها كيف أصبح يشكك بكل افعالها بسبب غباءها، نكست رأسها وأغمضت عيناها تتوسل ذلك الألــم أن يحل عنها ولكن كان يشتد ويشتد لدرجة انها وجدت دmعاتها تفر متألــمة معها، يده الممدودة جعلتها تنتبه لوجوده معها بالغرفة فقد رفعت نظراتها الباكية إليه حين صدر صوته ذات البحة المميزة الذي يزعزع ثباتها قائلًا:.
جبتلك حبوب مُسكنة هتريحك وعملتك قهوة...
هزت رأسها بأمتنان وتناولت الحبوب اولًا من يده ووضعت اثنان منها بفمها ثم ارتشفت بعدها الماء، اخذ هو الكوب من يدها حين انتهت ثم أعطاها قدح القهوة لترفعه هي على فمها ترتشف منه بضع رشفات صغيرة مستمتعة فكم اشتاقت القهوة الممزوجة بالحليب من صنع يده، بينما هو توجه يغلق ستائر الغرفة كي يكبح حدة الضوء عن عيناها ويساعدها على تخطي الألــم ثم ذهب واغلق نور الغرفة وقبل أن تصيح وتذكره انها تكره الظلام وتكره أن تكون بمفردها به شعرت به يجلس خلفها على طرف الفراش ويده أخذت طريقها لمؤخرة عنقها يدلكها بحركات دائرية حسيسة تعرف كيف تصل لمراكز الألــم، بينما هي أغمضت عيناها بقوة واستسلمت لمحاولته في مساعدتها ورغم أن الصُداع مازال يفتك بها إلا أن لمساته الحانية جعلتها تستجمع شجعتها وتهمس بأسمه بنبرة مغلفة بالاحتياج جعلت طبول قلبه تقرع من أجلها:.
يامن...
لم يمنحها فرصة لقول شيء بل قاطعها بنبرة حانية مطمئنة افتقدتها منه بشـ.ـدة:
ششششش متتكلميش، مش وقت كلام وحاولي ترخي اعصابك هتبقي أحسن.
هزت رأسها بطاعة جعلته يتنهد تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير وهو يستمر بما يفعله إلى أن سَكن الألــم وحل محله الطمأنينة التي عبرت عنها دون كلمـ.ـا.ت حين تراجعت بجسدها حتى جعلته يلتصق بجذع الفراش ومالت برأسها على صدره العريض تود أن تستمع لدقات قلبه كي تتأكد كونها مازالت تنتمي لها، ثم تشبثت به بقوة وانكمشت بين أحضانه وكأنها مازالت تلك الطفلة الصغيرة صاحبة الضفائر الطويلة التي كلما فعلت كارثة او افتعلت شيء خاطئ تفر إليه وتستنجد به وكأنها كانت لا تدرك مسبقًا كونه هو مأواها الحصين ومصدر أمانها وأدركت ذلك الآن فقط، بينما هو دون حاجته لأسبابها فكان دائمًا وابدًا يعشق ذلك الشعور التي منحته اياه الأن دون مجهود منه كالسابق فطالما كان يتعمد أن يرهبها كي يناله منها، ولكن بعد أن حمت وجهها اليوم وتخــــوفت من بطشه أقسم أنه لن يرهبها بعد الأن ولن يقسوا عليها مرة أخرى مهما فعلت سيتركها هي من تقرر كل شيء فإن أرادت ملجأه تأتي له كما حدث الأن بكامل ارادتها.
كانت ساهمة وكأنه أتى بها لعالم موازي لا يمت لعالمها بشيء فكانت نظراتها منبهرة تتأمل كل شيء بتمعن شـ.ـديد بدءٍ من منطقتهم الشعبية التي تضج بالضجيج إلى كل ركن تقع عيناها عليه بمنزلهم المتواضع فكان الأثاث والفرش رغم بساطته إلا انه اشعرها براحة غريبة ودفء لم تشعر به قط بقصر أبيها
ما تاكلي يا ميرال ولا اكلي مش عجبك.
قالتها شهد وهي تقدm لها الطعام بحفاوة كبيرة و بترحاب اشعرها بالألفة وانتمائها لحيث يكون.
لتبتسم بأمتنان و تنفي برأسها وتقول بعفوية:
لا ابدًا يا شهد، يسلم ايدك الأكل طعمه حلو أوي أنا كنت فاكرة محمد بيبالغ لما قالي أكلك حلو بس بصراحة طلع معاه حق
تنهدت شهد وقالت بمحبة خالصة لأخيها الذي يجلس بجانبها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة:.
ده قلب أخته ومليش في الدنيا غيره وعلطول كده طالع بيا السما ورافع من روحي المعنوية
تناوبت ميرال نظراتها بينهم وبين يد شقيقته التي تستقر فوق يده وكم تمنت أن تكون محلها فهي تقسم إن فعلت وتشبثت بها لن تفلتها مداد الدهر ولكن متى، وكيف، وهو يتجاهل كافة تلميحاتها ويتعامل معها بثبات غريب حتى جعلها تظنه متلبد المشاعر و بلا قلب،.
كانت تتطلع له أثناء شرودها بطريقة جعلت شهد تشعر بالريبة منها وخاصةً عنـ.ـد.ما وجدت شقيقها يرتبك ويدعي انشغاله بالطعام حين قالت:
محمد جدع وراجـ.ـل بجد يُعتمد عليه ربنا يخليكم لبعض يا شهد وميحرمكوش من بعض ابدًا
اجابتها شهد بمجاملة تحمل رسالة مخفية بين طياتها:
يارب يا حبيبتي، ويرزقك بأبن الحلال اللي بتتمنيه.
اندثرت بسمتها لثوانِ و تعلقت عيناها به وكأن كافة امنيتها تختصر عليه، بينما هو شعر بانقباض قلبه عنـ.ـد.ما خيل برأسه انتماءها لرجل آخر ليحتج قلبه بين احشائه صارخًا عنـ.ـد.ما منحته تلك النظرات الناطقة التي تزلزل قاع قلبه وتطيح به ورغم انه قاوم وجاهدًا ذاته كي يخفي ما يختلج بداخله ولكن عينه آبت أن تتهرب منها ككل مرة بل أخذت مداد من بحر عيناها جسر طويل المدى كي يروي قلبه الذي اصبح يهيم بها.
دام تشابك نظراتهم لثوان معدودة قبل أن تدس شهد بفمه ملعقة ممتلئة بالأرز قائلة:
كُل يا حبيبي دي مش اكلتك
تفاجأ من فعلتها لا والأنكى أنه غص بالطعام وسعل بقوة على آثارها، لتشهق ميرال وتناوله كوب الماء الموضوع أمامها ويتناوله ويرتشف عدة رشفات منه بينما شهد هبت واقفة تضـ.ـر.ب على ظهره بقوة قائلة:
يالهوي يارتني ما نطقت باين عليا حسدتك
زجرها محمد كي تكف عن مزاحها وابعدها عنه منزعج:.
يا ستار عليكِ خلاص بقيت كويس وبطلي هزار البوابين ده كُنتِ هتمـ.ـو.تيني
لوحت شهد بيدها وجلست قائلة وهي تغمز له بعيناها:
يعني ده جزاتي كنت هتروح في شربة ميه قولت ألحقك
هز رأسه بلا فائدة فهو يعلم ماذا تقصد بحديثها لذلك زجرها وقال ببسمة متوعدة تعلم ما يحل بعدها:
خلاص يا شهد حصل خير بَطلي رغي وكُلي وسيبي الضيفة تاكل
بدل ما أقسم بالله هعلقك زي ما بعلق بـ.ـنتك في النجفة.
قهقت الصغيرة بينما تراجعت شهد ومطت فمها وأنبته وهي تدعي الحـ.ـز.ن:
كده يا حمود اختك حبيبتك تهون عليك تهزقها قدام المفعوصة دي
حانت منه بسمة مشاكسة وقال بحنان اخوي يكفي العالم أجمع وهو يميل يقبل جبهتها:
لا متهونيش طبعًا ده انتِ تاج راسي يا ام الاوزعة
امتعض وجه الصغيرة واعترضت وهي تربع يدها بنزق طفولي:
يوووه أنا مش اوزعه
رفع حاجبيه وقال مشاكسًا وهو ينهض:.
حقك عليا يا ام نص لسان، انا شبعت هقوم اعملكو كوبيتين شاي كُشري أنما أيه عجب
أيدته شهد بينما هي تساءلت بكل عفوية:
شاي وكُشري طب ازاي بتحط بدل السكر عدس و رز
قهقه بكامل صوته وشاركته شهد وحتى الصغيرة مما جعلها تشعر بالحرج الشـ.ـديد وتقول متلعثمة:
هو يظهر انا فايتني كتير، مش كده!
اجابها هو مشاكسًا:.
كده، بس معذورة أصلك من كوكب تاني بس هفهمك وامري لله هو مش كُشري بالمعنى الحرفي هما سموه كده علشان بيتحط الشاي والسكر وبعدين يتحط عليهم الميا المغلية على البـ.ـارد كده من غير ما يغلوا مع بعض لكن طعمه شاي عادي زي بتاعكم
أومأت له بتفهم بينما الصغيرة عقبت في لماضة:
ده انتِ باين عليكِ ابيضة خالص يا طنط ميرال ومت عـ.ـر.فيش حاجة
برقت عين ميرال وعاتبتها بلطف عفوي وهي تقرصها من وجنتها:
حتى انتِ يا طمطم ده أنا بحبك.
مطت الصغيرة فمها وهبت تجلس على ساقيها وتتعلق بعنقها قائلة بتضامن عاطفي:
وانا كمان بحبك، لتؤشر على محمد وتستأنف بخفة:
هو أبو رجلين طويلة ده هو اللي وِحش وبيغلس علينا كلنا
ضيق عيناه بغـ.ـيظ وتقدm من جلستها قائلًا وهو يقبض على منكبيها و يرفعها لأعلى تزامنًا مع شهقة ميرال ومحاولتها التمسك بها وبين صراخ شهد:
تعالي بقى مين ده ابو رجلين طويلة يا اوزعة يا ام نص لسان ده أنا ساكتلك من الصبح.
ردت طمطم بشجاعة ليست بمحلها:
أنت يا حمود يا حبيبي أبو رجلين طويلة ومفيش في البيت أطول منك
اعتلى حاجبيه بشقاوة وسار بها رافعها لأعلى بيد وبالأخرى أخذ يدغدغها بها لتقرقر هي ضاحكة وترجوه كي يتوقف بينما هو قال مشاكسًا وبسمته مازالت تزين وجهه:
هتقولي حرمت ولا اعلقك بدل النجفة
لتصيح الصغيرة مستسلمة:
حرمت، حرمت مش هعمل كده تاني
لينزلها وتفر لأحضان ميرال من جديد قائلة:
برضو رجليك طويلة.
قهقهوا جميعًا على مشاغبتهم سويًا
بينما ضـ.ـر.ب هو كف على آخر متمتًا بغـ.ـيظ:
ماشى يا طمطم الكـ.ـلـ.ـب مش هسيبك غير لما اقصرلك لسانك ده، بقى انا رجليا طويلة، ولا التانية اللي بتقولي عدس ورز وبتقولي فايتك كتير ده فاضل شوية وتقولي متنساش الكمالة وبتزعل لما بقولها أنتِ من كوكب تاني.
عن زعل يتحدث هو! كل ما في الأمر أنها لا توده دائمًا يشعرها باختلافها عنه لذلك بررت وهي تدثر طمطم بأحضانها:.
انا من نفس الكوكب بس أنت اللي ليك مصطلحات غريبة بحاول أفهمها
كاد أن يرد لولآ أن شهد قاطعته:
خلاص يا محمد وهي هتعرف منين كلامك ده بَطل و روح اعمل الشاي ومتنساش القرنفل
هز رأسه بشكل درامي وقال وهو مازال محتفظ ببسمته المشاكسة:
أمري لله انا هروح بس حقنٍ للدmاء وعلشان خاطر الحلو.
انفجروا ضاحكين على دعابته أما هي فكانت تعلم انه يقصدها هي بالحلو لذلك كانت تشعر بسعادة عارمة كونها لأول مرة ترى ذلك الجانب المشاكس من شخصيته مما جعلها تهيم بأثره دون قصد
غافلة عن عيون شهد التي لاحظت ما يفيض من نظراتها وكم تمنت أن يكون حدسها صادق نحوها فقد أحبتها كثيرًا وراقها تواضعها وعفويتها الصادقة في التعامل معهم.
كان في حالة من حالات الصراع النفسي تارة يعاتب ذاته على ما بدر منه بحقها وتارة يغشم حاله انه لم يخطأ وما حدث كان رد فعل لاستفزازها فهو لم يتعمد بتاتًا ما حدث ولكن عقله العقيم تناسى حديثها و مواجهتها الصريحة له بقناعتها التي تبدلت حتى حديث ذلك الطبيب له لم يعطيه اهتمام و هيأ له أنها سوف تتفهم أعذاره من أجل استقرار أطفالهم فهناك يقين راسخ داخله يخبره أنها مازالت تعشقه وسيصعب عليها تخطيه رغم ادعائها عكس ذلك.
زفر حانقًا دخان سجارته التي لا يعلم عددها لليوم واستند بجذعه على أحد الارائك التي تتوسط ردهة منزله وقد قرر أن يبيت عليها اليوم ويفر من منار فلا ينقصه دلالها وحقًا لم يكن بمزاج راق كي يتودد لها او يراضيها الآن فعقله يضج بالكثير واخر ما ينقصه هي لتشتد مداهمة تلك الحرب الطاحنة برأسه وتكاد تفتك به، ويقرر أن يذهب في الغد بحجة أن يطمئن على أطفاله ويتسأل اين يمكثون أثناء تواجدها بالمشفى ويحاول أن يؤثر عليها ويقنعها بأعذاره وهو يعتقد أنها ستغفر له كما تفعل على الدوام عنـ.ـد.ما يقنعها انه لم يتعمد الأمر.
غافل كون الحريق الذي انشبه بقلبها ألتهم كل شيء بأحشائها له ولم يتبقى حفنة واحدة كي تتشفع له.
عاد بها لقصر أبيها دون أن تتفوه بشيء طوال الطريق فقط بسمة هادئة تعتلى ثغرها وهي تتذكر تفاصيل يومها معه فلأول مرة تنعم بدفء اسري وترى ترابط صادق مفعم بالمحبة بهذا الشكل وكيف تفعل وهي ربيت وحيده وبين اسرة مفككة لم تحظى ابدًا في كنفهم بالاهتمام والدفء والسَكينة التي شعرت بها بمنزله البسيط. انتشلها من شرودها صوته الأجش:
وصلنا يا ميرال.
رفعت نظراتها له بتيه قبل أن تلحظ توقف السيارة بها أمام بوابة القصر لتجلس بزاوية المقعد كي تكون بمواجهته وتقول بإمتنان:
شكرًا على اليوم الحلو ده بجد انبسطت معاكم اوي
هز رأسه ببسمة هادئة ثم تمتم بتلقائية:
فعلًا كان يوم حلو و شهد اتبسطت انها اتعرفت عليكِ أصل من يوم الملاهي و طمطم مبطلتش كلام عنك
اتسعت بسمتها وهمست بعفوية شـ.ـديدة بعدmا تذكرت ذلك اليوم الذي طبع في ذاكرتها للأبد:.
ياه اليوم ده كان حلو بشكل، تعرف إني عمري ما هنساه ابدًا
أَيدها بحركة من رأسه بينما هي استأنفت
بنبرة صادقة مفعمة بمكنون قلبها:
أي حاجة بشاركك فيها بتبقى مميزة بالنسبالي و أي حاجة ليها علاقة بيك لازم احبها حتى أختك وبـ.ـنتها حبتهم جدًا و كنت مبسوطة معاهم وكأني اعرفهم من سنين واتمنيت لو كُنت بـ.ـنتمي ليك زيهم يا حمود.
تلجم لسانه عنـ.ـد.ما خصته بذلك اللقب المحبب على قلبه وابتلع ريقه بحلق جاف لم يصدق أن تلميحها له أصبح أكثر وضوحًا بهذا الشكل، أتظنه غـ.ـبـ.ـي لهذا الحد! لا هو ليس كذلك فقد غرق بها منذ الوهلة الاولى ولكنه كان يجاهد كي يبدو عكس ذلك ولكن الآن تداعت عزيمته على الأخير ولم يبقى بها ذرة ثبات واحدة فلو عليه كان يود أن يصرح الآن ويعلن للعالم أجمع كونها هي من زلزلت قاع قلبه ونسبت ملكيتها له، ولكن ماذا يفعل إن تفوه بمشاعره ستكون بمثابة وعد صريح لها ولم يتعود أن ينقض الوعود وكيف لا يفعل وتلك الفوارق اللعينة تعيقه وتحيل بينه وبينها.
أما هي فقد اصابها إحباط من عدm رده فكم ودت لو صرخت الآن بوجهه وأخبرته أنها لا تطيق حالة التلبد التي هو عليها ولكن خشيت ردة فعله فماذا لو لم يبادلها حقًا! هل سيظل صديقها كما يطـ.ـلق على تقاربهم أم ستخسره حينها! حقًا هي تخشي أن تفقده لذلك تتعمد أن تلمح له وتنتظر ليبادر هو
ولكن يا ترى إلى متى سيدوم انتظارها
تنهدت تنهيدة مُسهدة بضجيج مشاعرها ثم قالت والإحباط يحتل معالم وجهها:
تصبح على خير يا حمود.
لم تنتظر أن يجيبها وتدلت من السيارة لتجد
زوجة ابيها تتربص بهم و تقف تربع كتفيها اعلى صدرها وتنظر لهم نظرات حادة مشتعلة أثناء اقترابها من موضع السيارة متسائلة بخبث:
كنتِ فين وراجعة منين ولا هو علشان باباكِ مشغول بتستغلي الوضع وعايشه حياتك
قلبت ميرال عيناها واخبرتها بسام فأخر شيء ينقصها هي:
ملكيش دعوة بيا لو سمحتي واظن بابي بنفسه قالك قبل كده متدخليش في اللي يخصني.
قبضت دعاء على ذراعيها قائلة بحدة ما أن حاولت ميرال تخطيها:
تعالي هنا عيب لما تسيبني وتمشي وانا بكلمك
نفضت ميرال يدها وصاحت بغـ.ـيظ وهي تسير للداخل بخطوات واسعة:
قولتلك ملكيش دعوة بيا
كان يشاهد ما يحدث من جلسته خلف الموقد ولكنه لم يشأ أن يتدخل فتلك الصفراء لا يروقه طريقة حديثها بتاتًا ويغشى أن يزلف لسانه معها
ولكن لسوء حظه أنها بادرت بفتح باب السيارة وقالت بنبرة آمرة استفزته:
انزل وقولي الهانم دي كانت فين؟
تدلى من السيارة وهو يلعن ذلك الموقف الغـ.ـبـ.ـي الذي وضعته به، فماذا يخبرها الان أيخبرها انها كانت بمنزله! لا بالطبع لن يفعل بل حاول ان يتصنع الجهل قائلًا:
انا سواق مش دادة حضرتك وكل اللي بعمله إني استناها في المكان اللي بتقولي عليه لكن معرفش بتروح فين
اعتلى حاجب دعاء بغـ.ـيظ وحذرته:.
اسمع أنا مش مرتحالك واظن أمرتك قبل كده توصلي كل تحركاتها بس أنت طنشت وانا صابرة عليك بس علشان اختك لكن قسم بالله لو ما تكلمت وقولتلي الهانم دي بتعمل ايه من ورانا لكون طرداك وقاطعة عيشك
جز على نواجذه بقوة كي يتحكم بلجام نفسه ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه فقد وجد كـبـــــريـاءه يصـ.ـر.خ قائلًا دون أي تفكير بعقـ.ـا.بات شيء:.
قولتلك قبل كده الأرزاق على الله يا هانم وبعدين انتِ مش ولية أمرها ولو في حاجة أنا بنفسي هبلغ فاضل بيه ابوها
اغتاظت من حديثه وهدرت:
بس أنا مرات باباها ومن حقي...
لأ مش من حقك، انتِ مش أمها بلاش تعيشي دور مش بتاعك يا هانم...
قاطعها هو بحمئهةٍ ودفاع مستمـ.ـيـ.ـت جعلها تهدر بتعالي وهي تستشيط غـ.ـيظًا منه:
انت واحد وقح وانا غلطانة إني عطفت على أمثالك أتفضل أنت مطرود واستغنينا عن خدmـ.ـا.تك وياريت متورناش وشك تاني...
استغفر ربه بسره ثم قال وعينه يشتعل بها الغـــضــــب:
ت عـ.ـر.في لو مكنتيش واحدة ست أنا كنت عرفت ارد عليكِ
شملته بنظرة متدنية وقالت باشمئزاز وهي تؤشر بسبابتها صعودًا وهبوطًا على هيئته:
انا اللي غلطانة إني عملت قيمة لأمثالك
جز على نواجذه بقوة فلأول مرة يتعرض لموقف مشابه فقد تم اهانته والتقليل منه بشـ.ـدة حتى أنها أشعرته بمدى ضئالته، لذلك رد بحمئةٍ شـ.ـديدة وبدmاء حامية:.
امثالي يا هانم اللي مش عجبينك كنتِ انتِ واحدة منهم ياريت متنسيش اصلك وإذا كان على الشغل يغور مبقاش يلزمني اصلًا
ليخرج مفتاح السيارة ويفتح التابلوه الخاص بها يخرج رخصتها ثم بكل كـبـــــريـاء وعزة نفس ناولها إياهم قائلًا بنبرة قوية اجفلتها:
شكرًا لعطف سَعادتك الله الغني يا هانم...
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغادر ويقرر أن لا عودة من جديد بعد إهانته فحديث تلك الصفراء له كان بمثابة صفعة قوية ليعرف حجم ذاته.
ورغم صرخات قلبه بعدm ترك من ملكته إلا أنه أخذ يقنع ذاته أن ما حدث كان صائبًا ولابد أن يبتعد فتلك الفوارق الطبقية بينهم اسوارها عالية يصعب عليه تخطيها لذلك لايجب أن يغشم حاله اكثر ويغرق بها دون أمل.
استيقظ في صباح اليوم التالي بمزاج عكر للغاية فأخذ حمام دافئ يساعد عضلاته المتشنجة وأعصابه المشـ.ـدودة على الاسترخاء وحين انتهى لف خسره بأحد المناشف العريضة.
ثم خرج لينتقي ملابس له كي يذهب ل رهف كي يبرر فعلته، ولكن عنـ.ـد.ما فتح الخزانة لم يجد شيء بها مما أثار حنقه للغاية و.جـ.ـعله يصيح بأسمها ولكن لم يأتيه رد لذلك خطى نحو غرفة نومهم وما أن فتح بابها وجدها تسقط في سبات عميق ولم تلقِ بال لشيء، وكزها بغـ.ـيظ قائلًا:
منار فين هدومي؟
تأففت هي اثناء نومها وسحبت الوسادة تضعها على وجهها قائلة والنعاس يسيطر عليها:
افففف بقى عايزة انام بتصحيني ليه.
احتدت نبرته وقال بحده وهو ينزع الوسادة عنها:
قومي وكفاية دلع فين هدومي؟
تأففت من جديد ولوحت بيدها بلامبالاه واخبرته:
يوووه لسة في الشنط
بيعملوا ايه في الشنط لسه مش المفروض يترتبوا في الدولاب
نفخت هي أوداجها وقالت وهي تنفض الغطاء عنها كاشفة عن ذلك القميص النبيذي الذي يكشف منحنياتها ببزخ أمام عينه أثناء جلستها الموحية وكأنها توريه ما فات عليه عنـ.ـد.ما تركها بالفراش وحدها:.
ده مش شغلي انا يا سُونة ده شغل الخدامة وأنت لغاية دلوقتي مجبتليش حد اعملك ايه يعني
لم يكن بمزاج يسمح له أن يلق بال لهيئتها، بل استغرب حديثها وقال وهو يعقد حاجبيه:
افنـ.ـد.م، أنتِ مراتي و ده شغلك وبعدين خدامة ليه انا متعودتش إن يكون حد غريب وسط بيتي ويقيد حريتي
تنهدت ثم قالت بعتاب وبنبرة متصنعة تدعي الحـ.ـز.ن:
انت مش بتحبني ومش بتفكر في راحتي، وبعدين مش كفاية مزعلني ومنكد عليا وانا لسه في شهر العسل.
قالت آخر جملة وهي تخفي وجهها وتتصنع البكاء مما جعله يزفر حانقًا و يجاورها مبررًا:
انا مش ناقص نكد واللي فيا مكفيني وبعدين انا جوزك مفهاش لو امتصيتِ غـــضــــبي واتحملتيني
رغم تبجحه حتى في تبريره ولكنها تداركت الأمر بدهاء بعدmا ازحت يدها عن وجهها وراحت تجلس بين ساقيه هامسة بنبرة باكية:
انا مش بحب العنف اوعدني متكررش اللي حصل ده تاني و تزعلني منك انا بحبك يا سُونة.
قالت أخر جملة وهي تحاوط خصره وتستند برأسها على صدره العاري فما كان منه غير أن يشملها بذراعيه قائلًا:
خلاص حقك عليا
هز رأسها على صدره وهمست من جديد ولكن بنبرة مغوية وهي تعبث بأناملها المطلية بين شعيرات صدره:
خلاص سامحتك، اصلك وحـ.ـشـ.ـتني اوي يا سُونة ومش قادرة وانت بعيد عني
ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر وامسك يدها العابثة بين قبضتيه قبل أن تضطره أن ينجرف معها وتحجج قائلًا:.
انتِ كمان يا قلب سُونة حشـ.ـتـ.ـيني و بس أنا لازم انزل علشان عندي مشوار مهم
خرجت من بين يديه واعتلى حاجبيها بتساؤل:
مشوار ايه إن شاء الله
أجابها وهو يحاول أن يبدو ثابت في رده كي يقنعها:
هروح اشوف الولاد واطمن عليهم ومش هتأخر.
التوى ثغرها وزفرت قائلة:
ماشي بس متتأخرش عليا علشان بتوحشني
أومأ لها ونهض من جانبها هادرًا:
طب انا هروح اشوف فين الشنط وانتِ حضري الفطار
نفت برأسها واخبرته بلا مبالاة:
انا مش بحب افطر لو انت عايز اعملك ساندوتش أنا هكمل نوم
قالتها وهي تتمدد من جديد وتواليه ظهرها ليزفر هو حانقًا ويتوجه للغرفة كي يفض الحقائب ويرتدي ملابسة وإن انتهى اتاه صوت جرس الباب وتلاها خبطات قوية عليه جعلته يهرول متوعدًا:.
في ايه يا اللي بتخبط ما براحة...
ابتلع باقي صراخه بجوفه عنـ.ـد.ما فتح الباب و وجد اثنان من العساكر يرتدون الزي الرسمي ويقفون أمام باب منزله وقبل أن يسأل ماذا يريدون بادر واحد منهم قائلًا بنبرة قوية اجفلته:
أنت حسن طايل
جف حلقه واجابه بعيون زائغة:
ايوة أنا في ايه...
أجابه العكـ.ـسري برسمية شـ.ـديد وهو يباغته ويقبض على ذراعه ويسحبه للخارج:
اتفضل معانا عندنا أوامر بظبطك وإحضارك للقسم فورًا.
↚
لا بأس بقليل من الحـ.ـز.ن في مقابل أن تتخذ قراراً صحيحاً تبني عليه حياتك، أحياناً تكون القرارات القاسية هي السبيل الوحيد لواقع أفضل و حقيقي، الوقت يعالج كل شيء و يهدm كل شيء، حتى الذكريات الجميلة و أنبل العواطف تمـ.ـو.ت و يحل محلها نوع من الحكمة البـ.ـاردة التي تجعل كل شيء يهدأ
أحمد خالد تـ.ـو.فيق.
كانت متحمسة للغاية لرؤيته حتى أنها لم تعطي أهتمام لتناول الفطور مع أبيها وزوجته رغم إلحاحه عليها بل كانت كل ما توده هو أن تراه وتنعم بصُحبته، تجهمت معالم وجهها عنـ.ـد.ما لم تجده بداخل السيارة ينتظرها فأخذت تبحث عنه بمحيط حديقة القصر لعله هنا أو هناك ولكن بلا جدوى لتقرر أن تسأل الحارس عنه قائلة:
هو محمد مجاش النهاردة؟
هب الحارس من موضعه أمام البوابة وأجابها:
لا ياهانم محمد أمبـ.ـارح شـ.ـد مع ست دعاء و مشى.
تقلصت معالم وجهها وقبل أن يكمل حديثه كانت تهرول للداخل من جديد هادرة بنبرة هجومية لزوجة ابيها:
انتِ اللي طردتيه مش كده ازاي تاخدي قرار زي ده من غير ما ترجعيلي
رمقتها دعاء ببسمة متشفية وكادت ترد لولآ تدخل فاضل بمحاولة بائسة منه أن يهدأ روعها:
اهدي يا بـ.ـنتي متعصبة ليه كده؟
كادت ميرال تجيبه لولآ أن دعاء
سبقتها قائلة بنبرة تحمل خبث مقيت بين جنباتها وهي تدعي عليه كي تجعل عودته مستحيلة للعمل مرة آخرى:.
السواق ده أنا اللي مشغلاه وأظن إني أنا برضو اللي مشيته مش فاهمة فين المشكلة وبعدين الولد ده وقح وقل أدبه عليا وكان لازم اطرده
دافعت ميرال باستمـ.ـا.تة عنه:
محمد مش قليل الأدب واكيد أنتِ اللي استفزتيه وبعدين هو من يوم ما جه هنا وهو شغال معايا وانا مرتاحة معاه ليه تمشيه
تكاثرت الشكوك برأسها من دفاعها عنه وحمئتها الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها، لتنظر لها نظرة مطولة كي تسبر أغوارها وتقول وهي تضيق عينيها:.
ومالك متعصبة كده ده حتة جربوع لا راح ولا جه وميستاهلش حمقتك دي كلها يا ميرال
استنكرت ميرال بإنفعال:
محمد مش جربوع ومش من حقك تقللي منه أو من أي حد كلنا بشر زي بعض
نفخت دعاء أوداجها وزجرت زوجها الذي كان يتابع بصمت مقيت حوارهم المحتد وكأنه كان ينتظر أشارتها كي ينوب الرد عنها بما اقنعته مسبقًا:
مفيهاش حاجة يا ميرال وبعدين دعاء عندها حق الولد غلط وكان لازم تطرده...
أنت بتصدقها يا بابي دي كـ.ـد.ابة...
ميرال عيب كده واعملي اعتبـ.ـار ليا وبعدين لو عايزة سواق خلاص عم مؤنس خلصت اجازته وهيرجع الشغل يبقى يوصلك ويجيبك
اعترضت هي:
بس أنا كنت مرتاحة مع محمد يا بابي
تنهد فاضل وهو يطالع ساعة يده وينهض كي يغادر:.
ياريت متكبريش المواضيع وتديها أكبر من حجمها لو مش عايزة مؤنس خلاص اللي يريحك وانا معنديش مشكلة أنك ترجعي تسوقي تاني بنفسك عربيتك في الجراچ من يوم ما بتوع الصيانة رجعوها وهي مركونة ابقي خديها لو حابة، أنا اتأخرت على الشغل وعندي اجتماع مهم لازم امشي.
ذلك أخر ما قاله قبل أن يضع قبلة على وجنتها ويغادر بخطوات متعجلة تاركها متسمرة بأرضها تطالع آثاره بنظرات متخاذلة متسائلة إلى متى سيظل يتحيز لزوجته ويتحامل على رغباتها؟
لتختم دعاء الموقف بخبث لا مثيل له وهي تقترب تربت على ذراعيها بأهتمام زائف تدعي أنها تريد مصلحتها:
اوعي تسمعي كلام ابوكِ وترجعي تسوقي بنفسك أنتِ سواقتك متهورة خالص وانا بخاف عليكِ اصبري يومين واجبلك سواق احسن منه.
نفت ميرال برأسها واخبرتها بنبرة مستنفرة:
ابعدي عني أنا مش عايزة حاجة منك...
غادرت هي بينما دعاء حانت منها بسمة شيطانية وهسهست بوعيد:
يظهر أن في حاجات فايتاني يا ميرال ومعرفهاش عنك بس ملحوقة ومسيري أعرف وساعتها لو اللي في بالي كان صح يبقى يا ويلك مني انتِ والجربوع بتاعك.
كان يسير برفقة العساكر بمضض شـ.ـديد يعترض على معاملتهم العنيفة معه ويستغرب لمَ يشعرونه أنه قبض عليه بالجرم المشهود لتوه، فكان يسستشيط غـ.ـيظًا ولم يكف عن سخطه وعجرفته طوال الطريق عنـ.ـد.ما يأمره أحد العساكر بالسير دون مماطلة حتى كانوا يجروا به او يدفعوه من ظهره وكأنه كالدابة التي تجر كي تلقى مصيرها المحتوم.
أمشي من سكات احسنلك قولنالك هتعرف كل حاجة من حضرت الظابط سليم بيه الكومي.
قالها أحد العساكر وهو يدفعه داخل مكتب
ذلك الضابط الذي يجلس خلف مكتبه بكل عنجهية ووقار بتلك البِنية الضخمة والملامح القاسية التي تجعل كل من تسقط عينه عليه يرهبه بشـ.ـدة فأقل ما يقول عنه إن هيئته مرعـ.ـبة تبث الرعـ.ـب في النفوس وبالفعل ذلك ما حدث عنـ.ـد.ما سقطت عين حسن عليه حين أدى العسكري التحية وقال برسمية:
تمام يا فنـ.ـد.م تم ضبط و إحضار حسن طايل زي ما أمرت ودي بطاقته.
قالها وهو يضع أثبات الشخصية الذي أخذه منه مسبقًا على مكتبه
رفع سليم نظراته الثاقبة إليه وتناول أثبات الشخصية وأشار للعسكري بالانصراف بينما حسن
ابتلع ريقه وهو يرى نظراته المرعـ.ـبة تكاد تخترقه وقال:
ممكن افهم انا هنا ليه؟
شبح بسمة متغطرسة ظهرت على فم سليم وتلاها قوله بحدة أجفلت الأخر:
مكنتش عايز تشرفنا ولا أيه يا حسن!
قال أخر جملة بحاجب مرفوع بترقب جعل حسن يبتلع ريقه ويجيبه بشجاعة مصطنعة:.
أنا معترضتش بس أكيد في غلط انا مش مجرم ومعملتش حاجة واللي حصل معايا ده مش قانوني وأنا مش هسكت
قالها بإنفعال استفز سليم و.جـ.ـعل الجحيم يستعر في حدقتيه حين قال بنبرة حادة واثقة بثت الرعـ.ـب بالآخر:
مش هتسكت! هتعمل إيه مثلًا أحب اعرف؟
زاغت نظرات حسن من عنجهيته ونظراته المرعـ.ـبة التي تحمل تحذير مبطن فما كان منه غير أن يتراجع في الحديث قائلًا:
أنا من حقي اعرف جبتوني ليه هنا انا معملتش حاجة.
حانت من سليم بسمة متهكمة وسـ.ـخر قائلًا بكل عنجهية:
جبت ورا بس ماشي هعديها بمزاجي وهجاوبك، في محضر تعدي متحرر ضدك من السيدة رهف حسين بتتهمك فيه أنك اتعديت عليها واتسببت في إجهاضها يعني هتشرفنا شوية.
أبتلع رمقه بحلق جاف واتسعت عينه بذهول لم يستوعب كلمة واحدة مما تفوه به ولكن سليم أكد حين بدء في نقل بياناته إلى ذلك الورق أمامه ثم تساءل بعدها برسمية شـ.ـديدة كي يدون أقواله:
س: ما هو قولك فيما هو منسوب إليك؟
كاد يستأنف لولآ أن الآخر قاطعه وهو
ينفى برأسه ويقول بنبرة غير مستوعبة ويبتسم بسمة مقيتة ليست بمحلها:
أنا مش مصدق اكيد فيه حاجة غلط انا معملتش حاجة ومجتش جنبها دي هي اللي سرقتني
زفر سليم بنفاذ صبر وهدر محذرًا:
خلي بالك كل كلمة هتقولها هتتحاسب عليها وياريت ترد على أد السؤال وبس
استنكر حسن وقال بإندفاع:
أنا كمان عايز حقي ولازم تسمعني انا وهي كان حسابنا مشترك وسحبت الفلوس و...
كاد أن يسترسل بتفاصيل أكثر لولآ أن سليم قاطعه بحده وبرسمية بالغة:
القانون لا يحمل المغفلين يا بيه وبعدين مدخلنيش في مواضيع فرعية مليش فيها أنا سألتك سؤال محدد وتجاوب عليه
أيه قولك فيما هو منسوب إليك؟
كرر سؤاله مرة أخرى ليصر حسن على موقفه كونه لم يفعل شيء وحين انتهوا من أخذ اقواله قال سليم وهو يؤشر له:.
تعالا امضي والتحريات هتثبت من فيكم صادق ومن هنا لوقتها هتشرفنا في الحبس لغاية ما تتعرض على النيابة وتحقق معاك
حبس ايه أنت بتخرف مستحيل يحصل رهف مستحيل تسـ.ـجـ.ـني وبعدين انا معملتش حاجة...
كان يتحدث بهستيرية وبنبرة منفعلة وهو يشعر أنه على حافة الجنون يحاول تبرئة ذاته ولكن سليم لم يتحمل بطبيعته الملولة وضـ.ـر.ب على سطح المكتب ضـ.ـر.بة قوية أخرست الآخر، وتلاها صراخه به بنفاذ صبر:.
هو مين اللي بيخرف أنت هتتصاحب عليا يا روح أمك، ابقى وفر كلامك ده لما تتعرض على النيابة ومن هنا لوقتها تبلع لسانك ومسمعش صوتك.
انحصر الحديث بحلقه و وقف ينظر له بنظرات زائغة غير مستوعبة
ليصيح سليم بعدها بصوت جهوري رج الجدران بإسم أحد أمناء الشرطة:
يا مطاوع
هرول مطاوع إلى داخل مكتبه ليأمره سليم بنبرة صارمة للغاية:
غوره من وشي و خدوه على الحبس.
حاول حسن الاعتراض من جديد بينما كانت قبضة مطاوع رادعة له فكان يجره جر.
بينما سليم جلس خلف مكتبه وتناول أحد سجائره يشعلها ثم تناول هاتفه ينقر على شاشته برقم أقرب أصدقائه وإن أتاه الرد قال:
حصل و الراجـ.ـل ده شكله بجح وعينه يدب فيها رصاصة وأنكر بس متقلقش هيتعمل معاه الصح يا دكتور الحريم
اتاه الرد متبوع بصوت قهقهة من الطرف الأخر:
يا دي النيـ.ـلـ.ـة هو أنت بتعايريني يا سليم
أجابه سليم بخشونة:.
اعملك ايه ما أنت دون عن التخصصات كلها اخترت تخصص مهبب شبهك
شبهي، بسم الله ما شاء الله عليك ثابت على وضعك مبتعرفش تزوق الكلام ابدًا
وازوقه ليه انا مبحبش النحنحة زيك
نحنحة كمان! لا يا عم انا هقفل أحسن بكرمتي
كرمتك في ذمة الله من زمان اساسًا بلاش تعيش الدور
قهقهوا سويًا وبعدها أتاه سؤال الطرف الآخر عابثًا كعادته:
ماشي نتكلم جد شوية بقى وقولي أيه أخبـ.ـار ورق العنب الملفوف؟
نفرت عروق سليم وصاح بعدm رضا من سخريته المبطنة التي تمس أموره الشخصية:
نضال اظبط ومتخليهاش تخرب عليك عارف لو كنت قدامي كنت عرفتك تمامك
متتحمقش يا صاحبي انا كنت بناغشك بس
طب يلا انا مش فضيلك وعندي شغل سلام.
أغلق الخط معه وقبل أن يستأنف سليم عمله حانت منه بسمة عابرة محملة بالحنين وهو يتذكر تلك الفاتنة التي أسرت قلبه واستطاعت أن تروضه لها ببرائتها فمهما حاول أن ينكر الأمر إلا أنه حقًا أشتاق لها ولكل شيء بمدينته.
بينما عند الأخر كان يهاتف سعاد ويخبرها أن تطمئن ابنة عمها أن ذلك المتبجح سينال جزائه على أتم وجه.
كان يجلس على أحد الارائك المريحة بغرفة مكتبه يسترجع كل ما حدث بينهم وتلك الحالة المزرية التي كانت عليها وهو يلعن ذاته ويلومها كونه هو من أوصلها لذلك، طرق على الباب انتشله من شروده ليعتدل بجلسته ويأذن لوالدته بالدخول
لتتقدm ثريا منه وهي تحمل قدح ساخن وتمد يدها به قائلة:
الشاي يا حبيبي
أبتسم وشكرها وهو يتناوله من يدها ويهم بالأرتشاف منه:
يسلم ايدك يا امي
ربتت ثريا على كتفه وجاورته متسائلة:.
قولي اتكلمتوا في حاجة
عقد حاجبيه وأجابها:
لأ كانت تعبانة ومتكلمناش ليه بتسألي
هزت ثريا رأسها بتفهم وأدركت كونها لم تقص عليه أي شيء بعد لذلك مهدت له قائلة بتريث:
عايزاك تسمعني وتركز معايا علشان هحكيلك على اللي سمعته منها ويمكن لما تعرف تعذرها و تنسى وتسامح كل اللي حصل وتبدأ صفحة جديدة.
تنهد بعمق ووضع ما بيده على الطاولة الصغيرة أمامه وتأهب قائلًا:.
مش فاهم أيه اللي جد دلوقتي علشان تقوليلي الكلام ده بس هسمعك
ردت ثريا:
هقولك يا حبيبي على كل حاجة بس اوعدني أنك تسمعني للأخر
أومأ لها كموافقة ضمنية لحديثها بينما هي استرسلت وقصت عليه كل ما استمعت له من حديث دار بين نادين وصديقتها وما اتهمتها به بعدها.
أخذت سيارتها من الجراچ ثم انطلقت بها بسرعة جنونية إلى منزله بعدmا يأست أن تهاتفه ولم يجيبها وما أن وصلت طرقت باب شقته عدة طرقات وإن فتح الباب لها لم تمهله وقت للتفاجئ وهدرت قائلة:
أنت إزاي تمشي من غير ما تقولي
ابتلع غصة مريرة بحلقه وأجابها بكـبـــــريـاء شامخ:
كان مستحيل استنى دقيقة واحدة بعد اللي مرات ابوكِ قالته
أومأت له وأخذت تلملم خصلاتها قائلة بتـ.ـو.تر:
طيب خلينا ندخل ونتكلم.
برر قائلًا دون أن يفسح مجال لها لتفوت للداخل:
شهد و طمطم مش هنا ميصحش تدخلي
اومأت له بتفهم وقالت بنبرة آسفة:
محمد انا معرفش هي قالتلك ايه بس أنا بعتذر بالنيابة عنها حقك عليا أنا وارجع الشغل
نفى برأسه واخبرها بعزة نفس أبية:
مبقاش ينفع يا ميرال
عقدت حاجبيها واعترضت:
ليه، محمد علشان خاطري أنا هقنع بابي وارجع الشغل وملكش دعوة بيها أنت عارف أنها بتتعمد تضايقني وبس.
أغمض عينيه بقوة يلعن ذلك المرتجف بين اضلعه وأجابها بقرار قاطع صدmها:
صدقيني مبقاش ينفع كده احسن ليا وليكِ
نفت برأسها واخبرته بعيون غائمة:
محمد متعملش فيا كده أنت وعدتني و قولتلي مش هسيبك مهما حصل
= أنتِ مبقتيش محتجالي وبقيتِ أحسن، ومع ذلك لو احتاجتي أي حاجة هتلاقيني تحت أمرك
تقلصت معالم وجهها وتمتمت بجنون وبأعصاب تالفة:
أنا لو محتاجة حاجة هيبقى أنت يا محمد.
اضطربت أنفاسها وهي تقاوم رغبتها في البكاء واستأنفت بتحشرج وعيناها تتوسل عيناه:
أنا محتجالك جنبي ويمكن يكون اكتر من الأول
رغم أن كل ما يصدر منها أعتصر قلبه ولكنه تحامل على نفسه كي يبدو ثابت أمامها فلابد أن يوقف تلك الفوضى التي يخشى من تبعاتها الأن ويصرح بقناعاته:
انا حتة سواق كان شغال عندك بلاش تديني أكبر من حجمي وبكرة هتنسي إن كان ليا وجود أصلًا.
هزت رأسها وباحت له بكل عفوية وبثقة متناهية وهي تصوب نظراتها الراجية داخل عمق عيناه:
أنا عندي استعداد انسى كل حاجة إلا أنت، انت الحاجة الوحيدة اللي عايزة افتكرها وعمري ما هسيبها تضيع مني
أنا مش هعرف أعيش من غيرك علشان خاطري أرجع الشغل وخليك جنبي.
رقص قلبه بأعترافها وبدلًا أن يسعد هو بذلك تهدلت معالم وجهه واحتل الحـ.ـز.ن عينه فياليته يستطيع فكل ما يحدث حوله ينبهه أن لا سبيل لهما، لذلك قال بثبات وبنبرة متلبدة تخالف ضجيج قلبه ودوافعه الأصلية:
مش هينفع يا ميرال اعفيني طلبك ده صعب وعمري ما هقدر أرجع بعد ما اتهنت
تمسكت بذراعه بحركة تلقائية راجية جعلت عينه تتركز على موضعها ثم توسلته من جديد بنبرة مهزوزة ضائعة تنم عن مدى حاجتها له:.
علشان خاطري انا، هو انا مستهلش تتنازل علشاني، ومستهلش تكون جنبي، وجدت الرفض مازال بعينه لتصرخ بجنون وكأن فاض بها الكيل من تبلده:
أنت أزاي مش حاسس بيا...
وهن صوتها وارتعش وهي تستأنف بصدق نابع من صميم قلبها:
-أنا ب
اسكتي.
كادت أن تصرح بمشاعرها لولآ أنه قاطعها بنبرة متماسكة صامدة للغاية كي لا يجعلها تزيد أنين قلبه أكثر فهو يشعر الأن بعجز شـ.ـديد يقيد كافة حواسه ويمنعه أن يسايرها فذلك الحاجز الطبقي اللعين بينهم يستحيل تخطيه لذلك يجب أن يؤد ذلك العشق الوليد بمهده:
متكمليش وبلاش تصعبيها عليا...
ولو زي ما بتقولي يبقى دي مشكلتك لوحدك متحملنيش ذنبها.
لو كانت الكلمـ.ـا.ت تقــ,تــل لكانت سقطت الآن طريحة بأرضها، فقد شعرت بدوار يلفح رأسها حتى انها تمسكت بإطار الباب بملامح باهتة كساها حـ.ـز.ن بَين أعتصر قلبه و.جـ.ـعله يلعن ذاته وقلة حيلته ربما للمرة الألف بعد المائة حين همست بنبرة متخاذلة لا مثيل لها:
ياه للدرجة دي؟
لم يمنحها فرصة لتعاتبه بل ود أن يبتر الحديث كي لا تخور ارادته ويضعف أمامها:.
ميرال لو سمحتي أنا معنديش كلام أزيد من اللي قولته ياريت تقدري موقفي وتحترمي رغبتي وتتفضلي بقى علشان ميصحش وقفتنا كده
نظرت له نظرة مطولة مؤنبة ثم قالت:
همشي يا محمد ومتقلقش أنا متعودة أنت مش اول حد يخذلني
ركضت من أمامه باكية لاترى شيء أمامها حتى أنها لم تلحظ شهد و طمطم أمام البناية بل كانت كل همها أن تبتعد عن هنا وتلملم فتات نفسها...
بينما هو كان يسند جبهته على زجاج نافذته ينظر لآثار سيارتها بعيون غائمة وبقلب منفطر يأن من شـ.ـدة الألــم.
قولتلها ايه يا محمد
قالتها شهد بعدmا دلفت لتوها من باب الشقة، ليغلق عيناه بقوة يعتصرها ثم يمسح على وجهه قائلًا بعقلانية:
قولتلها اللي مفروض كان يتقال يا شهد
عاتبته شهد قائلة:
بس البـ.ـنت شكلها بتحبك بجد ليه تعمل كده كنت عطيت نفسك فرصة وحاولت علشانها
نفى برأسه وقال ببسمة يائسة منعدmة الأمل تعلو ثغره:.
فرصة ايه اللي بتتكلمي عنها يا شهد بصي حواليكِ وانتِ ت عـ.ـر.في أن أي فرصة ليا معاها معدومة أنتِ مت عـ.ـر.فيش ابوها مين ولا ساكنة في قصر شكله ايه مهما حاولت وكافحت عمري ما هوصل لربع المستوى اللي معيشها فيه
وبعدين أنتِ عارفاني وعارفة أني عمري ما كنت ندل ولا بلعب ببنات الناس
يبقى على ايه هعلقها واعشمها بكلام مش هيقدm ولا هيأخر، كده أحسن ليا وليها يا شهد وبلاش تلومي عليا لومي على الظروف والحظ ولومي على الفقر.
وساعتها هت عـ.ـر.في أن الحب رفاهية متخلقتش للي زي
لم تقتنع شهد بحديثه وعارضته قائلة بمنطق يفوق واقعية منطقه:
الحب ميعرفش فوارق يا محمد ولو هي بتحبك هتتمسك بيك و هتقصر عليك الطريق وأنا شايفة أنها بتحبك وده واضح زي الشمس من نظراتها وكلامها عنك وبعدين محدش ليه سُلطة على قلبه أنت كمان بتحبها يا محمد متكابرش واعترف...
زادتها عليه وعرت الحقيقة الكامنة بداخله أمام نفسه حتى أنه أجابها بإندفاع دون ذرة تردد واحدة:.
ايوة بحبها بس غـ.ـصـ.ـب عني، أفهميني وبلاش تتحاملي عليا
تنهدت شهد بضيق وقالت معاتبة:
أنا مش بتحامل عليك أنا عايزة أفوقك قبل ما تضيعها من ايدك
وتعيش العمر كله بذنبها و هتنـ.ـد.م أنك محاولتش علشانها، اللي عملته ده هروب وانا متعودتش عليك جبان اخويا اللي زرع جوايا المبادئ والقيم متعودتش منه أنه يهرب من مشاكله طول عمره بطّل في نظري وعارفة ومتأكدة انه مش هييأس وهيجاهد ويعافر علشان اللي بيحبها تكون ليه.
حاول أن يدافع عن ذاته من جديد قائلًا بواقعية بحته:
أنا مش جبان يا شهد بس الظروف اقوى مني
عارضته شهد من جديد:
متحججش بالظروف، الظروف أحنا اللي بنخلقها علشان نبرر ضعفنا، انا لما اتجوزت فايق كان صنايعي ومش متعلم وانا كان معايا شهادة ومع ذلك لما اتقدmلي أنت بنفسك قولتلي أن الفلوس مش كل حاجة وإن الأهم منها الأخلاق والأصل الطيب والحب
لتختم حديثها وهي تربت على كتفه:.
هون على نفسك يا خويا ومتكابرش محدش بيهرب من نصيبه وخلي عندك
عشم في ربنا وربك كريم ما بينساش حد وقادر يجبر بخاطرك
ونعم بالله يا شهد
لتتركه وتدلف لأحد الغرف بينما هو كان يزفر أنفاسه دفعة واحدة يحاول أن يستعيد رباط جأشه ويفكر مليًا فقد تمكنت شقيقته من جعله ينظر للأمر من منظور أخر ربما سيغير كافة قناعته فيما بعد.
فهل ياترى سيكون الحب سلاح رادع ليحطم تلك الأسوار العالية أم سيسحق ويصبح ركام تحت انقاضها.
كانت تفر من كل شيء بالنوم وكأن ليس لديها المقدرة على تخطي الأمر وتبديد كل قناعتها بيوم وليلة.
رائحة عطره المميزة أنتشلتها من سباتها و.جـ.ـعلتها ترفرف بأهدابها لثوان قبل أن تستفيق بالكامل وهي تظن أنه يهيأ لها أنه يجلس على مقعده المعتاد وينظر لها ولكن أتى صوته ذات البحة المميزة ليؤكد لها:
مش كفاية نوم!
حانت منها بسمة غير مستوعبة وهي تتأمله من رقدتها فكم اشتاقت له و لكل شيء كان يفعله بالسابق وحرمها منه الآونة الأخيرة بفضل أفعالها التي حين تذكرتها الآن اندثرت بسمتها وقررت أن تفر هاربة بادعائها للنعاس:
لأ مش كفاية وعايزة أنام...
كونه يعلمها عن ظهر قلب تفهم تهربها ولذلك اقترب من فراشها وجاورها قائلًا وهو يزيح بيده خصلاتها القصيرة ويضعها خلف أُذنها:
متعودتش عليكِ جبانة.
همست بعيون مغلقة وبرأس مطرق ينم عن خزيها من نفسها:
أنا مش جبانة بس حاسة إني ضايعة ومتلغبطة
تنهد تنهيدة مثقلة وأَذرها بنبرة حانية لأبعد حد:
أنا معاكِ، ومهما كنتِ متلغبطة وضايعة عايزك ت عـ.ـر.في إني هفضل جنبك وإني برة التوهة دي؛ أنا نقطة ثابتة في ارضك
فرت دmعة من عيناها ولم تستطيع أن تجاري ذلك الإهتمام والحنو البالغ الذي رغم أنها بأمَسْ الحاجة له إلا أنها أصبحت تشعر أنها لا تستحقه بسبب أفعالها.
شملها هو بدفء عينه الذي عاد من جديد وأخذ يمسح بإبهامه على وجنتها كي يزيح دmعاتها، بينما هي تمسكت بكامل يده ووضعتها على وجنتها وهمست بنبرة واهنة، منكـ.ـسرة يحفها النـ.ـد.م:
آسفة، والله آسفة، أنا مستحقش اهتمامكم ولا أي حاجة عملتوها علشاني أنا بعترف إني كنت غـ.ـبـ.ـية.
زفر هو حانقًا وكم شعر بغصة مؤلمة تحتل حلقه ليباغتها بجذبه لها من ذراعيها ويجعلها تستقر بين أحضانه و يدثرها بين ثناياه وكأنه يريد أن يتقاسم معها ما تشعر قائلًا:
أنتِ فعلًا غـ.ـبـ.ـية بس بطلي عـ.ـيا.ط أنتِ عارفة أن دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني
زاد نحيبها من تأكيده للأمر وهي بين احضانه لدرجة أن بدل أن يجعلها تكف عن نحيبها تضامن معها وغامت عينه تأثرًا بها.
فقد دام عناقهم لعدة دقائق إلى أن توقف نحيبها واستعادت رباط جأشها، ليهمس بعدها وهو يأخذ نفس عميق من عبق خصلاتها:
أنا لازم أسافر اسكندرية النهاردة واحتمال أرجع بليل
خرجت من بين يديه واعترضت بهزة من رأسها، ليبتسم هو ويكوب وجنتها مقترحًا:
أيه رأيك تيجي معايا، يعني بقول آن الآوان أنك تشوفي الشغل ماشي ازاي هناك وفرصة تغيري جو
هزت رأسها دليل على موافقتها، بينما هو قال بإهتمام بالغ قبل أن ينهض:.
طيب تقلي هدومك علشان الجو هناك اسقع من هنا
كانت تتيه بأثره وبذلك الدفء الذي حاوطها به وكم أرادت أن تخبره أنها أدركت أخيرًا أن لا ملجأ لها سواه ولا تريد أن تنتمي لشيء عداه ولكن رغم كل شيء كان مازال هاجس يأن برأسها ويحثها أن لا تبوح الآن
فمازالت بقايا تلك القناعات تؤثر بها غافلة أن بعد سفرتها معه سوف تقــ,تــلع بيدها كافة هواجسها وقناعاتها البالية من جذورها.
وقف بملامح مشمئزة نافرة في زاوية ذلك المكان الموحش ذات الرائحة العطنة التي امتزجت بأنفاس المساجين المجبولة برائحة العرق الكريه الذي يثير الغثيان وخاصًة أن المكان لا يتمتع بتهوية جيدة سوى تلك الفتحة الصغيرة المغطاة بأسلاك حديدية تسمح بدخول القليل من الهواء، فحقًا كان الجو خانق لدرجة أنه كان يصعب عليه التنفس ورفض الصمود أكثر فقد طرق على ذلك الباب الحديدي الذي زج منه وصرخ مستنجدًا:.
خرجوني من هنا أنا معملتش حاجة، بتخـ.ـنـ.ـق ومش عارف اتنفس، حد يفتحلي الباب ده ه ه ه ه ه الريحة مقرفة خرجوني من هنا...
نهره أحد الأمناء من خلف الباب:
اهدى يا مستجد وشوية وهتاخد على المكان كلها كام ساعة والنهار يطلع
نفى برأسه وهو يشعر انه قاب قوسين أو أدنى أن يفقد صوابه،
ليقترب أحد السـ.ـجـ.ـناء منه ويقول بنظرات إجرامية متفحصة:
جرى ايه يا زُمل مـ.ـا.تنشف كده ما كلنا في الهوا سوا، دي شكلها أول سابقة ليك وعلشان كده مستغرب المكان.
زاغت نظرات حسن وأجابه بنبرة متقززة مستنفرة وهو يشعر أن الدوار لعين سيطر عليه و شعور الغثيان يكاد يفوق قوة احتماله:
بقولك ايه يا بتاع أنت ابعد عن وشي انا قرفان و متنيل مش طايق نفسي ومش فايق اتكلم مع امثالك
نمت بسمة شيطانية على فم الآخر وهدر مستهزئًا وهو يوجه حديثه لأتباعه:
يظهر أن المستجد ملوش فيها يا رجـ.ـا.لة ولازم نعمله تشريفة تليق بيه وتعرفه مين أمثالي
جعد حسن معالم وجهه وقال بإنفعال:.
تشريفة أيه؟ اللي هيفكر بس يلمسني هوديه في داهية
قهقهوا الرجـ.ـال من حوله وأخبره أحدهم:
هو في داهية اكتر من اللي احنا فيها...
ليقول شخص أخر متوعدًا:
كل المستجدين لازم يتعلم عليهم علشان ميعرفوش يرفعوا عينهم في كُبـ.ـارتنا وبصراحة أنت اللي لعبت في عداد عمرك وتستاهلها.
تراجع حسن عدة خطوات للوراء وهو يشعر بتعنية شـ.ـديدة ولكن رغم ذلك كانت يحاول أن يتماسك ويتوجس خِيفة من ردود أفعالهم وعنـ.ـد.ما ضاق الحصار وكادوا يتكالبون عليه تقلصت معدته وطردت كل ما بجوفه على الأرض مما جعلهم يسخرون منه وتتعالى اصوات ضحكاتهم، أما هو فكان يشعر انه يحتضر فكان ينحني يتمسك بمعدته وكأنها حتى هي كانت تتآمر عليه وتدفعه أن يتقيأ روحه مع عصارتها.
فبأشارة من أحدهم كان يستغلون ما أصابه بدفعه بقوة جعلته يسقط طريح وسط ما نتج عنه فكان عاجز عن مواجهتهم حتى أو التصدي لهم نظرًا لكثرة عددهم وكونه يشعر أنه ليس على ما يرام ابدًا فكانت حالته مذرية للغاية أثارت غثيان كل من كانوا يشمئز هو منهم، حتى أنهم ابتعدوا عنه وعن ما خلفه باصقين عليه وتاركينه يشعر بمهانة لا مثيل لها.
↚
اتخذ من الفشل سلما للنجاح ومن الهزيمة طريقا الى النصر ومن المرض فرصة للعبادة ومن الفقر وسيلة الى الكفاح ومن الالام بابا الى الخلود ومن الظلم حافزا للتحرر ومن القيد باعثا على الانطـ.ـلا.ق.
مصطفى السباعي.
كان يحتضن يدها طوال الطريق وأثناء قيادته للسيارة وكأنه يطمأنها بطريقته أنه لن يفلتها مهما حدث، بينما هي كانت تسترق له النظرات كل حين وأخر وهي تشعر براحة عارمة فهو كما عاهدته يساندها دون طلب وكأنه يسكن احشائها وعلى دراية تامة برغباتها وأحتياجتها
أكثر من نفسها.
فقد استغرق الطريق لهناك أكثر من ساعتين إلى أن وصلوا إلى ذلك الفرع الضخم الذي ينتمي لتلك المجموعة التي يديرها، صف السيارة وترجل منها ببسمة هادئة وفتح الباب لها قائلًا بحركة مسرحية اضحكتها:
حمد الله على السلامة يا مغلباني نورتي مطعمك
تدلت من السيارة وهي تضم سترتها بأحكام على جسدها حين هبت تلك النسمـ.ـا.ت البـ.ـاردة، ثم قالت بإنبهار وهي تطالع المكان من الخارج:.
واو بجد المكان تحفة يا يامن أنت عدلت فيه، أزاي بقى حلو كده أنا بقالي سنين مجتش هنا
أومأ لها وأخبرها بزهو:
أومال انتِ فاكرة يامن العشري بيلعب ده انا لسة هبهرك لما تشوفي المكان من جوه
أبتسمت بسمة واسعة وهو يحتضن من جديد كف يدها ويسير بها للداخل، فحقًا كانت منبهرة بكل شيء فكان المكان ضخم للغاية ذات ثلاث طوابق لكل طابق ذوق خاص يشع بالرقي والفخامة.
وأثناء مشاهدتها لساحة المكان رحب بهم أحد العاملين قائلًا بحفاوة:
أهلًا يا نادين هانم والله المكان نور بأصحابه
أومأت له نادين ببسمة مجاملة وهي تستغرب كيف علم هويتها وكانت ستمرر الأمر مرور الكرام وتبرر أن يامن هو من أخبره بقدومها ولكن تفاجأت أن كل العاملين يعلمون من هي مما أثار حفيظتها و.جـ.ـعلها تميل على أُذنه متسائلة:
هما عرفوا منين إني نادين الراوي صاحبة المكان
حانت منه بسمة حانية وأخبرها مشاكسًا:.
وهل يخفى القمر
يامن بَطل رخامة وجاوبني
حانت منه بسمة مشاكسة وأدعى عدm معرفته ودعاها بحماس:
تعالي افرجك على بقية التعديلات.
أومأت له وسارت معه بجولة سريعة وحين وصلت للطابق الثالث فغرت فاهها وجحظت عيناها مما رأت فكان محيط المكان مفعم بأضاءة هادئة تبعث الراحة للعين وتتزين الطاولات بالشموع وصوت موسيقى كلاسيكية ناعمة تنتشر بأجوائه مما جعل بسمتها تتسع شيء فشيء وهو يخبرها أن ذلك الطابق يطـ.ـلق عليه العاملين طابق العشاق وقبل أن تعبر عن مدى روعة المكان تجمدت نظراتها وتيبست قدmاها وهي ترى صورة لها بعرض الحائط محاطة بأنوار خافتة تتركز عليها بطريقة رائعة تخـ.ـطـ.ـف الأنظار.
أخذ الأمر ثوانِ عدة تستوعب ثم همست بشـ.ـدوه تام:
يامن ده أنا...
تنهد هو تنهيدة مُسهدة وأجابها وهو يشـ.ـدد على يدها ويشملها بدفء عيناه:
اه أنتِ يا مغلباني كنت لما باجي هنا بتوحشيني وبفضل أَعد الثوانِ علشان أرجعلك، وصورتك كانت بتصبرني وتهون الوقت عليا لغاية ما أرجع واطمن قلبي بقربك.
غامت عيناها تأثرًا به بحديثه فكم لامت ذاتها على تجاهلها لتلك المشاعر الصادقة التي تفوح من افعاله وقد كانت بكل جبروت منها تتجاهلها بل وتتخذ منها نقطة لضعفه، انتشلها هو من دوامة أفكارها حين حضر رجل في العقد السادس من عمره ويدعى حلمي وهو من ينوب بإدارة المكان في غياب يامن:
أهلاً يا يامن بيه المطعم نور بس أنا عاتب على حضرتك ليه مبلغتناش أن نادين هانم هتشرفنا كنا فرشنا الأرض ورد.
ابتسمت هي بمجاملة بينما يامن هدر بجدية:
معلش تتعوض يا حلمي وكويس أنك جيت عايزك تقعد مع نادين وتفهمها الشغل ماشي إزاي وخلي بالك هي مش هدلعكم زي و كلها ايام وهتبقى مكاني.
بهتت ملامحها لثوان قبل أن يقول حلمي:
تحت أمرك يا يامن بيه بس والله هتقطع بينا واتعودنا عليك
أبتسم يامن وأجابه بمشاكسة:
والله وأنا ما هصدق أرتاح منكم ومن مشاكلكم اللي مبتخلصش...
قهقه حلمي بينما استأنف يامن:.
الحق لازم يرجع لصحابه هما أولآ بيه
أيده حلمي:
عند حضرتك حق بس اوعدنا كل ما تنزل اسكندرية تزورنا
أومأ له يامن واكد قائلًا:
أكيد يا راجـ.ـل يا طيب
طيب تأمرني بحاجة تانية
اه بلغهم في المطبخ يجهزولنا غدا وبعد كده عايزك تجبلي ملفات التوريدات أراجعها وياريت لو تبعتلي المحاسب على المكتب
أومأ له بطاعة بينما هي ما أن غادر همست بترقب:
هو انت بتتكلم ليه كده كأنك هتسبني لوحدي.
نفى برأسه وأجابها بثقة وهو يسير بها لأحد الطاولات القريبة:
وقت ما تحتاجيني هتلاقيني وبعدين متقلقيش الحج حلمي مش هيسيب صغيرة أو كبيرة غير وهيفهمهالك بس الأول ناكل علشان نعرف نشتغل
نفخت أوداجها وهي تجلس على أحد المقاعد فليس ذلك مغزاها من السؤال فكانت تريده أن يخبرها أنه سيظل معها حينها ولكنه لم يتطرق قط لذلك مما جعلها تصاب بحالة من الذعر المستتر رفضت أن تعبر عنه.
حتى أنها ظلت ملازمة الصمت أثناء تناولهم للطعام أما هو فلم يحاول أن يفرض عليه حصار الحديث بل كان كل ما يفعله أنه يدس بفمها ويضع بطبقها كل ما تطوله يده بحنو شـ.ـديد واهتمام فائق.
وبعد الكثير من الوقت الذي مر عليها كانت تشعر.
بالضجر الشـ.ـديد حين استفاض مساعده وأخذ يشرح حيثيات العمل وحقًا لم تستوعب حرف واحد مما حاول أن يوصله لها فكان عقلها وحتى نظراتها منشغلة بذلك المنكب على تلك الملفات على بعد خطوات قليلة منها وكم حمدت ربها أن الآخر أنتهى بعد أن صرع رأسها وغادر المكتب لتظل هي ثابتة على تلك الأريكة التي بزاوية بعيدة بمكتبه تراقب معالم وجهه الصارمة والجدية لحد كبير اثناء مناقشتة مع العاملين بسير العمل وإعطائهم أوامر قاطعة بتنفيذها وكم لامت ذاتها سابقًا حين اتهمته بسوء إدارته وقللت من شأنه، لم تمر دقائق وأنشغل مرة آخربمراجعة الأمور المالية مع المحاسب المسؤول عن ذلك، فكان يعمل دون كلل وبمثابرة غريبة جعلتها لا تستطيع أن تزيح بعيناها عنه ولكن هو لم ينتبه لها بل كان يصب كافة تركيزه على ما يفعله.
انصرف المحاسب من المكتب بعد وقت ليس بقليل ابدًا أشعرها بالملل، بينما هو رفع رأسه وأخذ يدلك عنقه بأرهاق بَين واصبح جلي على وجهه مما جعلها تنهض وتقترب منه مستندة على حافة المكتب في مواجهته قائلة:
أنت بتتعب اوي مكنتش فاكرة الشغل صعب كده وبعدين ده شغل فرع واحد أومال بتعمل أيه في الفروع التانية وازاي عارف توفق بينهم كده.
حانت منه بسمة هادئة وهمس بدفء بعدmا أزاح الأرهاق عن وجهه وتمسك بيدها يدثرها بين راحتيه:
ولا يهمك كله يهون علشانك يا مغلباني.
تأملته بنظرات نادmة تشعر بالخزي من ذاتها و تلعن تشكيكها به كونه يطمع بها وينسب أملاكها له كما كانت تعتقد، ولكن قد حدثها مساعده عن مثابرته التي رأتها بأم عيناها لتوها، وعن كونه يبذل مجهود خرافي كي يصبح ذلك الصرح بهذا الشكل الرائع والمشرف وكم وبخت ذاتها حين ادركت أنه رغم مجهوده إلا أنه لم ينسب شيء لذاته بل أخبر كل العاملين أنه ليس المالك الأصلي بل أنه يديره فقط والأغرب أن جميعًا يعلمون كونها هي مالكته.
سرحتي في أيه؟
أنتشلتها جملته من شرودها مما جعلها تحاول نفض تلك الأفكار التي تؤلمها وتشعرها بالخزي من نفسها ثم أبتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وطلبت أول شيء جاء بخاطرها:
أنا عايزة أروح أشوف البحر
أومأ لها ببسمة دافئة و وعدها بذلك قبل عودتهم.
أما عن صاحبة الفيروزتان فقد ظلت ملازمة غرفتها وقد قررت أن تعود لعُزلتها من دونه فكانت تشعر بحـ.ـز.ن لا مثيل له تبكي تارة، وتارة أخرى تنعي حظ قلبها فقد خذلها أكثر شخص لم تتوقع منه ذلك، وكيف تفعلها وهو مالك قلبها صاحب المواقف الرجولية الحاسمة التي شكلتها من جديد وأصلحت فسادها، فحقًا لا تستوعب إلى الأن كونه تخلى عنها بتلك السهولة وصرح بطريقة غير مباشرة انه لا يكن لها المشاعر؛ فماذا عن نظراته الحانية التي كانت تفيض بلأهتمام وماذا عن مؤازرته لها في أشـ.ـد أوقاتها وماذا عن أفعاله، ونصحه، واحتواءه، وتحفيزه، ومشاكسته الحثيثة لها.
حقًا تشعر أنها على حافة الجنون من تناقضه وكم حاولت أن تجد تفسير لكل ذلك ولكن دون جدوى، فكان صراع محتد يقام برأسها ولا تستطيع ردعه حين تعالى رنين هاتفها بنغمة تخصصها لرقمه وعندها كفكفت دmعاتها وهرولت بلهفة عارمة تتناول هاتفها وهمست بصوت مازال يحمل أثار البكاء:
محمد...
أتاه الرد من الطرف الأخر مخالف لكل توقعاتها:.
أنا شهد يا ميرال أنا خليت طمطم تاخد منه التلفون بحجة اللعب علشان أكلمك وبصراحة أنا عندي علم باللي حصل بينكم
أفتكرتك هو
هو حالته صعبة يا ميرال من ساعة ما مشيتي وهو قافل على نفسه ومش عايز يتكلم
هو ليه بيعمل فيا كده يا شهد أنا بحبه والله بحبه ومش هعرف اعيش من غيره
هقولك بس عايزاك توعديني بحاجة الأول...
كانت تشعر بالتشتت والضياع في آن واحد فكيف لتلك القناعات والهواجس التي عششت بداخلها لسنوات أن تندثر بيوم وليلة وتدرك كونها جميعها بالية، حقًا الأمر يصعب عليها تصديقه او استيعابه دفعة واحدة فمن ناحية والدته التي لم تخدع ابيها كما اعتقدت وتزوجته برغبة من والدتها ومن جانب أخر علمها بمرض والدتها واستسلامها وكون كافة الخلافات التي كانت تدور بينها وبين أبيها جميعها كانت لأجل أن تخضع للعلاج وليس كما اعتقدت هي، أما هو فقد أدركت كونها كانت تتحامل عليه هباءٍ وتتجاهل مشاعره وعطائه ولا تقدر احتوائه لها في سبيل ذلك الأنتقام اللعين الذي لامحل له من الصحة وكم لعنت ذاتها على غبائها فاليوم اقــ,تــلع كافة قناعاتها وأثبت لها دون قصد أنه لن يطمع بها ولا بأموالها بل أن أملاكها عبء ثقيل على كاهله.
كان ذلك ما يدور برأسها وهي تجلس بجواره تتأمل على مداد بصرها مياه البحر الهائجة التي تشابه ثورة دواخلها، بينما هو كعادته احترم صمتها واراد أن يعطيها مساحتها الخاصة ولا يتطفل عليها فقط كان يجاورها يستمتع بتلك اللفحات البـ.ـاردة التي تثلج قلبه المولع بها رغم كل شيء، فنعم اندثر غـــضــــبه وحاول أن يتناسى كل ما مر به معها سابقًا فوالدته أخبرته بدوافعها ورغم أنه كان يود أن يعاتبها بشأنها ولكنه فضل أن تبادر هي عنـ.ـد.ما تكون مستعدة لذلك، وبالفعل توقعه كان بمحله حين همست هي:.
كُنت عارف أن أمي هي اللي طلبت من مامتك تتجوز أبويا
تناول نفس عميق وأجابها:
اه كنت عارف
لتعاتبه هي:
وليه مقولتليش...
نظر لها وقال بنبرة رغم ثباتها ولكنها استشفت بها عتاب خفي:
علشان عمري ما جه في بالي أن تفكيرك يوصل بيكِ لكده ولا كنت اتخيل انك تظني في أمي ظن سوء رغم كل اللي عملته علشانك
زاغت نظراتها ونكست رأسها وبررت وهي تشعر بالخزي من ذاتها:
بس أنا مكنتش أعرف بمرض أمي ومكنتش اعرف بالتفاصيل دي كلها.
لتغمض عيناها بقوة وتوضح دوافعها قائلة:
أنا كل حاجة كانت مفروضة عليا وأولهم فراق أمي، وسكوت ابويا، حتى أنت كنت مفروض عليا علشان كده كرهت حياتي ونقمت عليها واتمردت عليكم
لتتنهد بتثاقل وتضيف سبب خزيها مسبوق بدmعاتها:
بس طلعت غـ.ـبـ.ـية وظلمتكم و عارفة انكم كرهتوني وعمركم ما هتسامحوني ابدًا.
كانت تتحدث ومع كل كلمة دmعة حارقة تهطل من عيناها وهي حقًا تلعن غباءها وتنـ.ـد.م على كل افعالها المخزية، بينما هو وقف مواجه لجلستها وكوب وجهها قائلًا بنبرة حنونة متفهمة لأبعد حد:
ششششش اهدي دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني يا نادين، انسي وارمي اللي فات ورا ظهرك وافتحي صفحة جديدة مع نفسك وإذا كان على أمي هي بتحبك ومش زعلانة منك ومهما عملتي مش هتكرهك علشان محدش بيكره ولاده.
رفعت عيناها الباكية له وتساءلت بترقب شـ.ـديد وبقلب يرتجف بين جنباتها ترقبًا لإجابته:
وأنت؟
تنهد تنهيدة محملة بتلك المشاعر التي تجيش بصدره ثم تناول يدها و.جـ.ـعلها تستقر على موضع خافقه وكأنه أراد يطمئنها أن دقاته مازالت تناجي بإسمها وتنتمي لها ثم قال بنبرة دافئة مفعمة بالحب بثت بها السَكينة:
اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح، وقولتلك قبل كده أنتِ الروح لروحي يا نادين و وجودك هو دليل حياتي.
حانت منها بسمة متألــمة من بين دmعاتها وهي تشعر أن ذلك الحب الذي يفيض من عينه و يشع من حديثه هي ليست جديرة به ولا تستحقه بالمرة، فيكفي أنها تذكرت ذلك اللعين طارق وما أقدmت عليه في سبيل انتقامها وهواجسها الواهية لذلك همست بخزي من ذاتها وبنبرة مرتعشة واهنة يحفها النـ.ـد.م:
بس انا مستهلش حبك...
انا مستهلش حاجة ابدًا، يارتني مـ.ـو.ت مع أمي ولا كُنت عملت كده فيك وفيا.
لم يتوقع انهيارها لذلك الحد واستغرب كثيرًا إصرارها كونها لا تستحق حبه، ولكنه لم يكن أمامه غير أن يهدأ من روعها ويحاول تهدئتها، فقد حاوط بكفوفه وجنتها وثبت نظراتها الباكية عليه وقال بنبرة رغم صرامتها إلا أنها كانت مغلفة بأحتواء لا مثيل له:
بعد الشر عليكِ إِياك أسمعك تقولي كده تاني
نكست نظراتها ولم تستطيع مواجهته، ولكنه باغتها صارمًا وهو يثبت رأسها لأعلى كي يرى عيناها بوضوح:.
بصيلي، وبطلي عـ.ـيا.ط أنتِ قوية وعمري ما هسمحلك تضعفي وانا جنبك، أنتِ مش وِحشة ومش معنى أنك غلطتي تبقي متستهليش كلنا بنغلط ومحدش معصوم من الغلط وكلنا نستاهل فرصة تانية، أنا كمان غلطت و عايزك تسامحيني كنت غـ.ـبـ.ـي عمري ما حاولت اعرف سبب نفورك مني وكرهك لأمي وكان كل اللي شاغلني ازاي اكبح تمردك واقف قصاد عنادك ومجاش في بالي ان ممكن يكون ليكِ دوافع وكل اللي بتعمليه ليه سبب، أنا بجد آسف لو اتعمدت اخــــوفك واهددك بس صدقيني كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك، وآسف كمان علشان خليتك تخافي مني.
اندثر نحيبها وظلت تطالعه بنظرات مغلفة بالحب وصافية لا تحمل أي ضغينة لأسبابه التي عددها، ليستأنف هو حديثه بنبرة واهنة متألــمة تنم عن أن ما سيصرح به أكثر شيء لا يتمنى حدوثه:
بس اوعدك عمري ما هكرر أخطائي تاني ولا هفرض نفسي عليكِ والقرار لسة بإيدك وأنا عارف أنك تقدري تتخطيني وتبدئي من جديد.
وضعت كفوف يدها على يده التي تحاوط وجهها وقالت بمشاعر توقف عقلها أخيرًا عن إنكارها و قرر أن يجعلها تبوح بها بقناعة تامة:
أنت فعلًا غـ.ـبـ.ـي، علشان مقدرتش تفهم إني كُنت بعاند نفسي وبكابر علشان مستسلمش لحبك أنت كنت السبب في الحرب اللي كل يوم تقوم جوايا بين عقلي اللي رافض سيطرتك وسُلطتك عليا وبيدور على أي طريقة يتمرد بيها عليك وبين قلبي اللي عصاني و حَبك.
كان يستمع لها بملامح مشـ.ـدوهة غير مستوعب كونها تكن له المشاعر وتعترف الآن بكل طواعية بحبه فكان الأمر يصعب عليه استيعابه؛ لذلك تساءل بترقب:
قولتي أيه؟
أجابته بصدق وبنبرة حالمة مغلفة بالمشاعر وهي تمرغ وجهها بكف يده كالقطط بوداعة:
لو كان الزمن رجع بيا تاني كنت هختارك أنت، أنا بحبك يا يامن بحبك.
دmعت عيناه وكاد يظن انه يهيأ له، ولكن نظراتها الصادقة التي تفيض بالحب جعلته يتيقن من كون الأمر ليس من نسج خياله فكان يشعر انه لامس السماء من شـ.ـدة سعادته حتى أن قلبه كان يرفرف بين أضلعه كالطير الذي أطلقوا سراحه احتفالًا بسلام موطنه.
فما كان منه غير أنه جذبها إليه واحتضنها ثم قبل أن تبادله هي عناقه حملها عنوة وظل يدور ويدور بها صارخًا بكل ما يعتمل بصدره من مشاعر جياشة غير عابئ للناس من حوله:.
ياه أخيرًا أنا مش مصدق يا قلب يامن قوليها تاني وتالت ورابع عايز اسمعها، أنا عايز الدنيا كلها تسمعها معايا
أبتسمت هي تلك البسمة الآسرة التي طالما أوقعته بها وقالت عنـ.ـد.ما توقف عن دورانه دون أن يجعل قدmيها تلمس الأرض وقد شـ.ـدد على عناقاها أكثر حتى شعرت أنه يود أن يدفنها بين ثناياه:
بحبك يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
قلبي هيقف ياعالم قالت بتحبني، نادين بـ.ـنت الراوي اعترفت وقالت بتحبني، بتحبني أنا.
كان يتحدث بجنون وبنبرة هستيرية وكأنه فقد صوابه من شـ.ـدة سعادته فقد نال لتوه تلك الكلمة التي ستحرر قلبه الأسير وتجعله يطـ.ـلق العنان لتلك المشاعر الجامحة التي كان يكبح الكثير منها كي لا يتحايل على مشاعرها، بينما هي تشبثت به وهي تشعر بشعور رائع لا يضاهيه شيء قط.
فكانت لحظات حالمة مفعمة بالرومانسية جعلتهم يهيمون بها متناسين كل شيء غير عابئين بتجمهر المارة حولهم و تعالي الهمهمـ.ـا.ت بينهم، ولكن عنـ.ـد.ما لاحظت هي همست وهي تخفي وجهها بعنقه:
فضحتنا يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
أنتِ لسة شوفتي جنان ده أنا هبهرك، ليفصل عناقه لها وينزلها دون أن يفلت خصرها ويقول بصوت جهوري وبطريقة درامية جعلهتا تود أن تنشق الأرض وتبتلعها من شـ.ـدة الخجل:
بلاش سوء نية يا جماعة والنعمة مراتي، محدش يفهمني غلط.
تعالت ضحكات كل من كان يحيط بهم فمنهم من تمنى لهم صلاح الحال ومنهم من أخذ يتمنى لهم السعادة الدائمة ومنهم من كان يصور ما حدث تخليدًا لذلك المشهد الفريد.
فقد أخفت وجهها بكتفه من شـ.ـدة الحرج حين تمسك بيدها ورفعها لفمه يلثمها وكأنه أراد أن يكلل تلك اللحظة الحالمة لتطبع بذاكرتهم للأبد قبل أن يصحبها ويغادر المكان بينما هي كانت تحمد الله كونه منحها فرصة أخرى كي تبدأ من جديد وأزال تلك الغشاوة عن عيناها فتقسم أنها لن تستسلم لشيطانها مرة أخرى فقد أدركت أخيرًا أن خطيئتها لم تكن بريئة ولم تكن مبررة كما كانت تعتقد بل كانت أَثمة ويتوجب عليها أن تتوب عنها وتطلب الغفران من ربها قبل أن تودي بها وتجعلها تخسر أكثر شخص يعني لها و لا تتمنى خسارته.
أما عن ذلك الساخط صاحب الحالة المذرية فقد مر عليه الليل بصعوبة بالغة لدرجة أنه كان يشعر أن حتى الوقت يتأمر عليه ويرفض أن يمر، ولكن حين اتى الصباح ومر عليه أربع وعشرون ساعة كاملة حمد ربه كونه سيرى النور مرة أخرى، وقبل ترحيله إلى النيابة كي يتم التحقيق معه استغل تلك المكالمة التي يمنحها روح القانون للمحتجزين وهاتف يامن كي ينجده ويجلب أحد ينوب بالدفاع عنه ولكن لم يتمكن من التواصل معه لذلك اضطر أن يهاتف منار ويخبرها بما حدث ويطلب منها أن تبعث له محامي كي يؤازره ويلحق به لسرايا النيابة وبالفعل بعد يوم طويل بين تحقيقات وإجراءات روتينية استنفذت طاقته بالكامل تم إخلاء سبيله بضمان محل إقامته لحين النظر بالقضية التي حدد لها جلسة بعد شهر من تاريخه.
فقد عاد لمنزله بملامح منهكة يجر أذيال الخيبة خلفه حين استقبلته منار حانقة:
ممكن أعرف انت ازاي تخبي عليا حاجة زي دي
لم يجيبها بل كان يطالعها بعيون غائرة متخاذلة يستغرب كيف تناست أن تتسأل عن حاله أولًا قبل ان تغدقه بتلك الأسئلة المقيتة خاصتها لذلك همس بعتاب وبنبرة لائمة:
طيب مش تطمني عليا الأول يا منار
قلبت عيناها و تأففت قائلة باستخفاف وبلا مبالاة ذكرته بمواقف مشابهة:
افففف هيكون حصلك إيه يعني!
كادت تقترب منه ولكن اقشعر وجهها ووضعت يدها على فمها قائلة بتقزز وبنبرة مشمئزة جعلته يود أن تنشق الأرض وتبتلعه بجوفها:
يععععع إيه القرف ده ريحتك بشعة...
كان يظن أنها ستتلهف عليه ولكنها نفرت منه ولم تكلف ذاتها حتى أن تتصنع الأهتمام من أجله لذلك تحرك بخطوات وئيدة متخاذلة وقال بصوت منهك وهو يتخطاها للداخل يقصد المرحاض:
اعمليلي حاجة تريح معدتي وياريت تحلي عن دmاغي وتخليكِ بعيدة عني انا أصلاً مش فايقلك.
دبت هي الأرض بغـ.ـيظ وغمغمت ما أن أغلق باب المرحاض:
ماشي يا سُونة بتتشطر عليا أنا، كنت اتشطر على المسهوكة السُهونة بتاعتك اللي رمتك في الحبس.
عاد بها بعد ليلة حالمة لم يكن في ابعد خيالاته أن تكون بتلك الروعة وأن يحظى بتلك الكلمة التي أحيته بها، فقد أطفئ المقود ونظر لها وهي غافية بجانبه بنظرات متمعنة عاشقة ثم همس ببحة صوته المميزة وهو يزيح بأنامله خصلاتها التي تدلى على وجهها:
نادين وصلنا حمد الله على السلامة
رفرفت بأهدابها حين وصلها همسه وردت بنبرة ناعمة تحمل أثر النوم:
الله يسلمك يا يامن.
حانت منه بسمة ماكرة وتساءل بمشاكسه وبعيون مُسبلة:
يامن حاف كده
قصدك إيه مش فاهمة
يعني مفيش حبيبي، روحي، قلبي، عشقي، أي حاجة من الحاجات اللي كنت بسمع عنها دي وهمـ.ـو.ت واجربها
نكست رأسها بخجل وضحكت تلك الضحكة التي استعادت رونقها من جديد وأصبحت أكثر فتنة من ذي قبل وهمست:
أنت اكتر من كل دول ومفيش كلمة هتديك حقك
تهللت اساريره بشـ.ـدة و هتف بخفة أضحكتها:
ياريتك ما نطقتي قلبي حاسس بيه هيقف حتى شوفي...
سحب كف يدها ووضعه موضع خافقه لتشعر هي بصخبه تحت يدها وتقول:
بعد الشر عليك يا حبيبي
باغتها مشاكسًا وهو يشـ.ـدد على كف يدها الذي مازال يستقر على صدره:
حبيبي، يالهوي عليا وعلى اليوم اللي مش هيخلص غير وهو جايب أجلي
سحبت يدها وهدرت بخجل وهي تقطم شفاهها:
بَطل رخامة بتحرجني ويلا ننزل
علشان نقفل البوابة باين عليه عم مُسعد نام ونساها
نفى برأسه وقال بعيون مُسبلة تهيم بليل عيناها وبتنهيدات مُسهدة اربكتها:.
نادين طول عمري مؤدب مش كده! واظن انك تشهديلي بده وعمري ما فرضت عليكِ حاجة
أومأت برأسها تؤيد حديثه وهي تستغربه بينما هو أكمل بنبرة عابثة وعينه لاتحيد عن غايتها:
أصل اللي هعمله دلوقتي ملهوش دعوة بالاحترام واحتمال يخليكِ تغيري رأيك
وقبل أن يصدر أي شيء منها كان هو ينقض على شفاهها يقبلها قبلة حالمة، متمعنة، بنهم شـ.ـديد ينم عن تلك المشاعر التي يشعر بها تثقل قلبه وتكاد تقضي عليه إن لم يعبر عنها.
استجابت هي له وبادلته قبُلته بحالمية شـ.ـديدة حتى أنها كانت تضم رأسه بأناملها وتعبث بين خصلاته البُنية بحركات صدرت تلقائية منها ورغم ذلك أهلكته و.جـ.ـعلته يود أن يلتهمها
فدام تلاحم شفاههم لوقت ليس بقليل قبل أن تفصل هي قبلته وتهمس بأنفاس متلاحقة بالكاد تستطيع تنظيمها:
مـ.ـجـ.ـنو.ن...
مرر إبهامه على شفاهها بزهو وهمس بأنفاس ثائرة وهو يتفرس بها بنظرات متيمة:.
عايزك تتعودي على الجنان علشان مفيش حاجة هتقدر تحجمني وتخليني اخبي مشاعري بعد النهاردة
حانت منها بسمة باهتة لم تصل لعيناها فقد ذكرها حديثه في تلك السنوات التي اهدرتها بتمردها عليه، فحقً كانت غـ.ـبـ.ـية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فكيف كانت غافلة عن ذلك الشعور الرائع بقربه وعن تلك السعادة الغامرة التي تنعم بها الآن.
وبعد جلد ذاتها لعدة ثوانِ همست وهي تكوب وجنته بنبرة نادmة:.
هتغير يا يامن وأوعدك هنعوض كل اللي ضاع مننا بس أنت ساعدني واوعدني أنك مش هتسبني مهماحصل
نفى برأسه وكأن ما قالته هو المستحيل بعينه وقال بكل إصرار دون لحظة تردد واحدة وهو ينزل كفوفها ويضع قبلة حانية على منهم:
اسيبك، ده أنتِ روحي يا نادين حد يسيب روحه
نمت بسمة هادئة على ثغرها وعقبت بنعومة:
ربنا يديمك ليا يا حبيبي
تحمح هو يجلي صوته وكرر مشاكسًا:
حبيبي تاني، لأ كده كتير عليا وأنا بصراحة مش ضامن نفسي.
قالها وهو يميل برأسه من جديد عليها ولكنها دفعته بدلال قائلة:
لأ كفاية فضايح النهاردة ويلا ندخل البيت قبل ما حد من الجيران يشوفنا.
توقف عن عبثه بمضض شـ.ـديد فمازال لم يرتوي ويقسم أنه لو استمر لأخر العمر لن يكتفي منها بينما هي أبتسمت تلك البسمة الآسرة التي تأسر قلبه وتدلت من السيارة فما كان منه غير أن يتبعها غافلين عن تلك العيون القاتمة التي كانت تتربص بهم من بادئة وصولهم وظل صاحبها يتوعد لهم بأشـ.ـد الوعيد.
صباح يومً جديد يحمل بين طياته الكثير لذلك العقلاني الذي لم تغفل عينه لدقيقة واحدة منذ ما حدث فقلبه يأن بين أضلعه ولم ينفك عن التفكير بها منذ الأمس وكم ناجى الله كي يرأف بها وبقلبه الذي ينتمي لها رغم قناعاته.
فكان بمزاج عكر للغاية حين حاولت شقيقته تقنعه بأن يعمل على أحد سيارات الأجرة التي يملكها جارهم بشكل مؤقت إلى أن يجد عمل بأجر أفضل فما كان منه غير الموافقة وبالفعل اليوم هو أول يوم له وقبل أن يخرج بالسيارة من منطقهم وجدها تقف أمامه وتلوح بيدها كي يتوقف، تجمدت نظراته لوهلة لايستوعب كونها تغاضت عن حديثه الرادع لها بلأمس وظهرت أمامه من جديد ورغم أن قلبه ارتعش أحفالًا لرؤيتها إلا أن ملامحه ظلت صامدة حين توقف وصعدت هي بجانبه قائلة باقتضاب دون أن تنظر له:.
عايزة اروح عين شمس لو سمحت
استغرق الأمر منه بضع ثوانِ كي يستوعب ما تحاول أن تفعله ولكنه فشل في فهمها لذلك هدر متسائلًا:
بتعملي ايه هنا يا ميرال مش اتكلمنا امبـ.ـارح
تنهدت بعمق واجابته بكل إصرار وبنبرة مقتضبة:
مقتنعتش، واتفضل وصلني علشان متأخرة وعندي محاضرات
ضـ.ـر.ب كف على آخر وقال بسـ ـخـــريــة مريرة:
أنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة رسمي
رفعت منكبيها وردت دون لحظة تردد واحدة:.
قول اللي أنت عايزه قول إني معنديش كرامة وقول كمان إني فرضت نفسي عليك وعلى بيتك وعلى حياتك بس انا مصدقت لقيتك وعمري ما هفرط فيك، وبعدين أنت قولت أن دي مشكلتي لوحدي بس الحقيقة أن دي مشكلتك أنت لأنك قولتلي قبل كده إني اتحب وإن كل اللي معرفوش يحبوني العيب فيهم مش فيا وانا اتعودت أصدقك.
نعم قال ذلك مسبقًا وهو لا يحيد عن رأيه فياليتها تعلم أنها أصبحت تسري بدmائه سريان الدmاء ولكن ماذا عن قلة حيلته ولذلك عليه أن يثبت ويدعي عدm الفهم كي لا يفتضح أمره:
يعني إيه مش فاهم؟
زفرت في ضيق من تلبده الذي مازال يصر عليه واعتدلت بجلستها وقالت وهي تضم حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة لكي تظل على إصرارها ولا تيأس ثم قالت:.
يعني تسوق وتوصلني من سكات و اعمل حسابك انك هتلاقيني مستنياك هنا كل يوم
ومتقلقش شغل العداد بتاعك وهحاسبك زي الزباين العادية
مرر يده على وجهه وقال بكل عقلانية:
اللي بيحصل ده غلط وأنتِ مش مدركة الوضع كويس
أجابته هي بثقة استمدتها منه مسبقًا وبنبرة تقطر بالإصرار:
لأ مدركة وعارفة الوضع اللي أنت تقصده كويس يا محمد ومش فارق معايا حاجة وعندي استعداد أقف قدام الدنيا كلها علشان تفضل جنبي.
حديثها لم يبدو منطقي له ولم يستوعبه عقله لذلك قال بنبرة صدرت منه حادة بعض الشيء:
أفضل جنبك بصفتي أيه؟
كانت تشعر بمعاناته وتشعر بتلك الحرب الضارية التي تقوم داخله وكونها تعلم أنه مازال متمسك بمنطقه وقناعاته الراسخة إلا أنها حاولت أن تؤثر عليه قائلة:
مش لازم نحط مسمى لقربنا، خليه اللي بينا مش مشروط وأنا عمري ما هتحامل عليك ولا هفرض عليك حاجة، وعلشان خاطري أدي فرصة لقلبك يقرر بالنيابة عنك...
نظر لها نظرة عميقة مطولة ورغم ذلك التشتت التي رأته في عينه إلا أنها كانت تشعر أن خلف ذلك التردد شيء يعنيها ويكنه لها فما كان منها غير أن ترسل له بفيروز عيناها نظرات مطمئنة مفعمة بالإصرار جعلته يهمس بتنهيده مثقلة وهو ينظر لأعلى يناجي ربه كي يلهمه الصواب:
حـ.ـر.ام عليكِ يا ميرال أنتِ بتصعبيها عليا
جاوبته وهي تلامس ذراعه بحركة عفوية لم تتعمدها ورغم ذلك زلزلت دواخله و.جـ.ـعلت عينه تغرق ببحر عيناها:.
صدقني أنت اللي بتصعبها على نفسك وعليا انا مش فارق معايا حاجة غيرك...
إصرارها وتمسكها به جعل بصيص من الأمل يتسربل لتلك القناعات ويزعزع ثباتها، وعندها تذكر حديث شقيقته بشأن السعي من أجلها و أدرك أن تمسكها به لذلك الحد سيدعمه ويجعله يفعل المستحيل كي يكون جدير بها؛
لذلك قرر أن لا ينهك نفسه بالتفكير أكثر فهو يعلم ما عليه فعله:
أنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة وجنانك ده معرفش هيودينا على فين.
أبتسمت وعيناها تهيم به ثم قالت بإصرار عظيم نابع من تلك المشاعر الجارفة التي تكنها له:
مش مهم هنروح على فين المهم أننا نبقى مع بعض وتتمسك بيا زي ما أنا متمسكة بيك.
تنهد تنهيدة مُسهدة وأتسعت بسمته وهو يشملها بأهتمام وفيض عيناه وكم تمنى حينها أن يبوح بما يختلج بقلبه لها ولكنه منع ذاته فلن يصرح ويعطي ذلك الوعد الصريح منه إلا إذا كان جدير به وفي استطاعته مجابهته والتصدي لكافة عقباته بينما هي كانت تشعر بحالة من السلام النفسي غير عادية فلولا محادثة شهد لها بالأمس وحديثها عن مخاوفه وتلك القناعات الراسخة التي يتمسك بها لم تكن تعلم فيما يفكر ولم تكن تشعر بتلك المعاناة التي تدور برأسه، فحقًا هي لا تكترث كونه لم يبوح لها بمكنون قلبه فيكفيها أنها ترى ذلك في عيناه وفي كافة أفعاله، فهي تعشقه ولا سبيل لها من دونه لذلك يتوجب عليها أن تحترم تلك القناعات الراسخة بداخله، فقد شعرت بموافقته الضمنية لها كي تظل بجواره وذلك كافي لها بل أكثر من كافي كي تشعر بالراحة والأمان.
كأس يتبعه أخر حتى أصاب بحالة من الثمالة يرثى لها وكأن تلك الطريقة الوحيدة التي تلهيه كونها جعلته اغبى رجل على وجه الأرض، فمنذ تلك الليلة المشؤمة وهو يكاد يجن كي يتواصل معها ولكن لم يحدث ذلك حتى صديقتها الذي اضطر أن يسايرها كي تطمأنه عنها لم تريحه بل عاملته بطريقة فظة للغاية استفزته ولكنه صمد كي لا يجعل الشُبهات تحوم حوله، ولكن اليوم وكعادته في الآونة الأخيرة كان يقف أمام منزلها بصورة متوارية على أمل رؤيتها والاطمئنان عنها؛ وبالفعل حالفه الحظ ووجدها تعود برفقة الأخر وياليته لم يراها بأم عينه حينها وهو يقبلها داخل السيارة، يقسم حينها كان سينقض عليه وهو يظن أنه يتودد لها و يرغمها على ذلك ولكن لصدmته حين أمعن النظر داخل السيارة وجدها هي تبادله بكل طواعية مما جعل شيطانين الأرض جميعًا تتراقص أمام عينه وهو يدرك انها كانت تتلاعب به لذلك حاك شيطانه برأسه خطة جهنمية سوف تطيح بعدوه اللدود وتجعلها تأتي راكعة تحت قدmه كي يرضى بها بعد أن يتخلى عنها الأخر.
خير يا صاحبي في أيه جيبني على ملا وشي ليه؟
قالها فايز وهو يجاوره على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك البـ.ـار العريض بأحد الأماكن الليلية التي يجتمعون بها، زفر طارق حانقًا وأخبره بشر:
عايز منك خدmة
أجابه فايز برحابة:
أنت تأمر يا طارق قولي عايز أيه؟
هقولك بس الأول عايزك تراقبلي ميرال وتعرفلي مصاحبة مين وايه أراره
استغرب فايز وقال متهكمًا:
ميرال إشمعنا أنت حنيت ليها ولا ايه؟
نفى طارق برأسه وأخبره بعيون قاتمة تقطر بالخبث:
لأ، بس في دين قديم ولازم يسد و ميرال هي حلقة الوصل اللي هتقضي على نادين الراوي.
↚
المرأة التي تسرق عقل الرجل أذكى من التي تسرق قلبه لأن الرجل لديه ألف قلب وعقل واحد
ديستـ.ـو.فيسكي.
بعد مرور اسبوعين.
كان هو بحالة يرثى لها فبعد ذلك اليوم المشؤوم الذي باته بالحبس وهو يتوافد عليه الكوابيس المرعـ.ـبة كل ليلة وقد ساءت نفسيته لدرجة كبيرة وخاصًة كونه لم يستطيع بشتى الطرق أن يجدها بعد ما حدث ولا يعلم شيء عن ابنائه مما جعله يكاد يفقد صوابه ويشعر أن شيء كبير ينقصه، ورغم أن الأخرى تحاول أن تحتل تركيزه بشتى الطرق إلا انه يشعر بفتور غريب نحوها، حقًا يستغرب ذاته فمن كانت سابقًا لا يلقِ لها بال ولم يهتم بها يوم؛ أصبحت هي محور أفكاره الآن فقد أصبح لايفعل شيء سوى التفكير بها وكيف أصبحت بعد خسارتها، ورغم أنه يحمل سخط عظيم تجاهها كونها صَعدت الأمر ولكنه يكاد يجن ويطمئن عليها وعلى أطفاله، ولكن كعادته تدخل شيطانه وبرر له انها تثير أعصابه وتثأر لكبريائها لا أكثر بفعلتها وسوف تعود وحينها سيتمكن من التأثير عليها فمازال يكمن بداخله هاجس كونها لا تستطيع العيش دونه وسوف تتفهم اعذاره ككل مرة وتعود إليه وحتى أنه توقع انها ستتنازل عن ذلك البلاغ اللعين الذي سيتسبب في مقاضاته. حقًا التفكير كان ينهكه بشـ.ـدة لدرجة انه أهمل عمله و جعل أحد العاملين ينوب عنه في كل شيء على أمل أن يجدها ويضع حل لمعضتله معها.
ولكن إلى الآن لم يحدث ذلك مما جعله في مزاج عكر طوال الوقت وتثور ثائرته من أقل شيء وبالطبع الأمر لم يعجبها بتاتًا لذلك اعترضت قائلة وهي تقف أمامه وتتخصر بجسدها:
هو أنت هتفضل في الحال ده لأمتى إن شاء الله أنا زهقت
أجابها بنفاذ صبر وهو يطفأ سيجارته التي لا يعلم عددها لليوم بالمنفضة:
ابعدي عني يا منار أنا مش ناقصك
لوحت بيدها وردت متهكمة:.
كل ده بسبب المسهوكة بتاعتك أيه يعني لما أختفت شوية هي بتعمل كده علشان تغـ.ـيظك شوية وهترجع دي حركات ستات بايخة وأنا عارفاها
تنهد بضيق وأجابها بثبات حاول أن يتقمصه وثقة ليست ابدًا بمحلها:
عارف أنها هترجع هي أَجبن من أنها تهرب بولادي، هي بس بتكدني علشان كنت سبب في خسارة اللي في بطنها بس ملحوقة هتروح مني فين مسيرها ترجع
لوحت بيدها وقالت باستخفاف مقيت:.
يوووه بقى خلاص اللي حصل حصل وبعدين مراتك دي مملة أوي ومكبرة الموضوع وعطياه فوق حجمه، وبعدين دي المفروض تحمد ربنا علشان البيبي نزل بدل ما يبوظ جـ.ـسمها و تعاني مع الوَش والزن والمسؤولية و و.جـ.ـع دmاغ.
ظل لثوان قتامة بُنيتاه متعلقة بها بملامح جليديدة لا تنم عن شيء، ولكن بداخله كانت المقارنات تطرح لتنهكه أكثر فأكثر فكل مدى ويكتشف أن شتان بينهما، يعلم أن ذلك سر اعجابه بها في بادئة الأمر فكان يظن أنه سيرضي غــــرور ذاته ويجد الكمال الذي طالما طمع به ولا ينكر كونها ارضت ذلك الذكر الذي بداخله واشبعت رغباته الجامحة ولكن لمَ يشعر بالفتور الأن تجاهها فهل فعلًا احبها كما ادعى وأخبر الجميع، حقًا لايعلم اجابة لسؤاله فكل ما يشعر به هو الخواء.
طال شروده ولم يعجبها الأمر فهي تعلم انه يفكر في الأخرى لذلك حرضته بنبرة تقطر بالخبث:
إنت هتفضل ساكت كده المفروض تلاقيها و تخرب الدنيا على دmاغها علشان البلاغ الزفت اللي قدmته ضدك
زفر بضيق ورد وهو يمرر يده بين خصلاته الفحمية:.
أنتِ ناسية أنهم مضوني في القسم على عدm تعرض وبعدين هلاقيها فين دي من يوم اللي حصل وهي فص ملح وداب ومش عارف اوصلها لا هي ولا بـ.ـنت عمها حتى الولاد مش بتوديهم مدرستهم ومسبتش حد غير وسألته عليهم وسبت رقمي مع كل المحلات اللي حولين البيت علشان لو ظهرت يكلموني وبرضو مفيش فايدة.
قلبت منار عيناها من سيرة تلك الخبيثة التي خربت عليها مخططها وعكرت صفو حياتها التي كانت تتخيلها ستكون أكثر رغدًا عن ذلك الوضع المقيت الذي سئمت منه ومن مماطلته واعذاره الواهية لها فهي تشعر بسر خطير خلف تصرفاته تلك لذلك قررت أن تستغل أسلحتها الأنثوية كي تسبر أغواره وها هي تجلس على ساقيه وتتعلق بعنقه قائلة بنبرة مغوية ماكرة:.
متقلقش يا سُونة هترجع هتروح فين يعني أنت بتقول أن ملهاش حد، وبعدين سيبك منها بقى وخليك معايا أنا ذنبي أيه تنكد عليا
أنا زهقت يا سُونة أنت طول الوقت سرحان وقاعد لوحدك ومش معايا خالص وكل ما أطلب منك حاجة تقولي بعدين وأنا مش متعودة منك على كده أنا كنت اللي بشاور عليه بتجبهولي أيه اللي حصلك!
زفر بسأم من محاولتها الشتى التي أصبحت تصيبه بالضجر في بعض الأحيان وقال بمسايرة:.
حاضر يا منار أوعدك هنفذلك كل طلباتك بس اديني شوية وقت اشوف حل للمصيبه اللي الهانم التانية وقعتني فيها
عقدت حاجبيها وهبت واقفة تربع يدها اعلى صدرها قائلة بعتاب يغلفه بعض الإنفعال:
نعم وأنا مالي وبعدين أنت بتحجج بس علشان مش عايز تجبلي حاجة، انا بجد مصدومة فيك مكنتش فاكرة انك هتبقى بخيل كده، ده من ساعة ما حطتلي المبلغ التافه ده في الفيزا بتاعتي قبل ما نتجوز مطلبتش منك أي حاجة.
حانت منه بسمة ساخرة على تبسيطها للأمور فذلك المبلغ التافه التي ذكرته الأن يعد ثروة لأحدهم، ولكن ماذا يفعل كان مغيب تحت وطأة رغبته فتبًا لذلك الشيطان اللعين الذي عبث برأسه حينها
يووووه انت هتفضل ساكت كده أنا متأكدة إن في حاجة وأنت مش عايز تقولها، ده حتى الشغالة أنا اللي عطتها مرتبهاومصروف البيت كمان، وحتى شغلك الموظفين قالبين عليك الدنيا ومسؤول الشئون المالية اتصل اكتر من مرة.
زفر حانقًا من إلحاحها المقيت الذي لا ينقصه بتاتًا وقال:
مفيش زفت مخبيه عنك وياريت تحلي عن دmاغي أنا مش فايقلك
قالها بنفاذ صبر و بملامح صارمة اغاظتها و.جـ.ـعلتها تتأفف قائلة:
أفففف بقى انا زهقت منك ومن طريقتك دي، مش دي الحياة اللي كنت متخيلاها معاك
هب واقفًا بعدmا ثارت ثائرته وقبض على رسغها قائلًا من بين أسنانه:
بقولك ايه ده اللي عندي وبلاش تستفزيني علشان انا مش طايق نفسي ومضمنش ممكن اعمل ايه.
نظرت له نظرة قوية غير خاضعة وردت وهي تجذب يدها من بين قبضته بكل ثقة:
هتعمل ايه يعني أنت متقدرليش على حاجة، ولو فاكرني شبه المسهوكة بتاعتك هسكتلك واحط كرامتي تحت رجلك تبقى غلطان
زمجر غاضبًا من تصديها له ومجابهتها له كلمة بكلمة:
اخرسي و مترديش عليا و متجبيش سيرتها وابعدي عن وشي
رشقته بنظرات متوعدة وقالت قبل أن تكف عن المجادلة:
هبعد يا سُونة بس صدقني أنت اللي هتخسر.
لم يكن يريد أن يحتد بينهم الحوار لهذا الحد ولكنها من تستفزه بفضولها وتلك الأسئلة اللعينة التي لا يود أن يخوض بها.
فهو على يقين تام إن علمت بشأن أخذ رهف لماله لن تصمت وسوف تهزأ منه وتقيم قيامته لذلك كان يتعمد أن يخفي عنها إلى الأن، فقد تجاهل ما قالته كعادته وأخذ يفكر في تلك الألتزامـ.ـا.ت التي تثقل كاهله فكيف سيتمكن من الإيفاء بها وهو صفر اليدين لا يملك قِرش واحد في حسابه المصرفي فلولا انه وجد مبلغ بسيط في خزنة شركته لم يكن يعلم كيف كانت ستمر تلك الأيام القليلة عليه، فكان يشعر أن رأسه تكاد تنفجر من كثرة التفكير يحاول جاهدًا إيجاد حل وفي أسرع وقت قبل أن يسوء الأمر أكثر.
طرقات على باب غرفتهم قطعت تفكيره ليسمح للخادmة بالدخول وفور دلوفها للغرفة قالت:
في واحد مُحضر من المحكمة عايز حضرتك يا بيه
شحب وجهه وهرول إلى الأسفل وقد تبعته منار وما أن قابله قال ذلك الشخص برسمية شـ.ـديدة:
استاذ حسن طايل ياريت توقع على استلام الاعلان ده
نابت هي عنه السؤال:
إعلان إيه ده؟
أجابها وهو يناوله القلم كي يوقع بالاستلام:
قضية طـ.ـلا.ق للضرر من قِبل السيدة رهف حسين.
لاحت على ثغرها بسمة متخابثة أخفتها سريعًا، بينما هو كانت الصدmة حليفته فقد شحب وجهه أكثر وزاغت نظراته وشعر بالصقيع يداهم اطرافه التي تحكم بها بصعوبة كي يضع توقيعه على الورق فكان يشعر بالأرض تميل به ولا يستوعب كونها مقتته لهذا الحد الذي يجعلها تريد مقاضاته والطـ.ـلا.ق منه في آن واحد، فيقسم أن آخر شيء كان يريد أن يتوصل له هو خسارتها!
أما عن رهف فيبدو أنها لا تشاركه تلك الرغبات الساذجة بل اتخذت قرار قاطع لا رجعة فيه وكيف يكون؛ وقرارها نابع من مستنقع الأفعال المشينة و الخذلان الذي أغدقها به تحت وطأة تلك الخطايا التابعة لفعلته.
هو مش انا قولتلك متجيش واقعدي في البيت ذاكري امتحاناتك قربت
قالها محمد معاتبًا بعدmا باغتته ككل يوم وصعدت إلى سيارة الأجرة التي يعمل عليها قبل أن ينطلق بها من منطقتهم
لترد هي عليه ببسمة مشاغبة مفعمة بالحياة:
حاولت ومعرفتش وبعدين اعمل ايه يعني وحـ.ـشـ.ـتني يا حمود
مـ.ـجـ.ـنو.نة اقسم بالله
طيب وايه الجديد ما أنا عارفة وبعدين متحاولش تنكر أن جناني ده بيعجبك
حانت منه بسمة واسعة وعقب على مشاكستها ومنغاشتها اللطيفة:.
للأسف ما باليد حيلة
اتسعت بسمتها ثم طلبت بحماس:
طيب يلا بينا انا جعانة وعايزة أفطر فول من على العربية.
رفع أحد حاجبيه وقال مشاكسًا:
أنتِ داخلة على طمع بقى وشكلك هتضـ.ـر.بيلي اليوم ومش هشتغل بالتاكس
مطت فمها وتسائلت بترقب:
هو أنت زهقت مني يا محمد
زفر بقوة وأجابها وهو يشملها ببندقيتاه:
ميرال أنا عمري ما اقدر ازهق منك بس ده أكل عيشي ولازم احترم الراجـ.ـل اللي أمني عليه واديله حقه
تنهدت بضيق واعتدلت بجلستها ثم قالت بعدm رضا:.
أنا مقولتش حاجة بس بصراحة الشغل ده مش عاجبني وأنا كتير قولتلك أكلم حد من معارف بابي يشوفلك شغل غيره وأنت بترفض
مسد جبهته بأبهامه وسبابته وطفر بواحدة من تلك القناعات التي يرفض أن يتنحى عنها:
أنتِ عارفة أنا برفض ليه، واظن قبل كده وعدتيني أنك مش هتفرضي حاجة عليا
اعترضت وهي تجلس بزاوية المقعد كي تراه بوضوح:
يا حمود ما أنت دايخ على شغل غيره ومش لاقي، فيها أيه لما اساعدك!
ميرال خلاص قولتلك مش هقبل بأي مساعدة منك وياريت تقفلي الموضوع ده نهائي
قالها بعزة نفس أبية و بكامل صوته الأجش ولم يعي أنه أجفلها و.جـ.ـعلها تنظر له نظرات معاتبة ألــمت قلبه و جعلته يلعن ذاته ويدرك الموقف معتذرًا بسرعة متناهية:.
آسف، والله آسف مكنش قصدي اتعصب عليكِ بس أنتِ عارفة رأي في الموضوع ده علشان خاطري يا ميرال بلاش نتكلم فيه تاني انا قدmت الsv في كذا شركة ولغاية دلوقتي محدش رد عليا بس أنا مش هيأس وهدور تاني وتالت ورابع على شغل وإن شاء الله هلاقي.
لامس صدق أسفه شغاف قلبها وكونها تشعر بتلك الحرب الضارية المقامة داخله ألتمست له الأعذار ولكن ليته يصدق أنها لا تكترث لدوافع حربه بل كل ما تكترث له، هو؛ لذلك تفهمته وردت بنبرة هادئة وهي تضع يدها على يده المسنودة بجانبه:
إن شاء الله يا حمود واوعدك طالما بيضايقك الموضوع ده مش هتكلم فيه تاني وخليك متأكد إني هفضل معاك لو لأخر العمر.
تعلقت عينه بموضع يدها وكم اراد أن يعانق أناملها الآن ويخبرها أنه ايضًا لن يفلتها، ولكن ليتها هي ايضًا تستوعب أن تلك القناعات الراسخة بداخله لاتجيز هذا، ولذلك يقسم أنه سيفعل المستحيل ليكون جدير بها وحينها لن يسمح لشيء أن يكبح تلك المشاعر المتأججة والمكبوتة بصدره عنها، يأست أن يجيبها ومن نظراته لموضع يدها تفهمت ما يدور برأسه لذلك ربتت على ظهر يده بحركة حثية مطمئنة جعلته يرفع نظراته ويغوص في بحر عيناها بنظرات تعلم ما يفيض منها رغم صموده وعدm بوحه بها ولكنها كانت كفيلة أن تجعلها تنعم بذلك الآمان التي لطالما كانت تبحث عنه، طال تشابك نظراتهم لبضع ثوانٍ قبل أن يتدارك هو ذاته ويزيح عيناه عنها بقليل من الارتباك وحينها زفرت هي واعتدلت من جديد بجلستها قائلة بنبرة مشاكسة كي تلهيه عن تلك الأفكار الطاحنة برأسه:.
طيب يلا بقى انا مـ.ـيـ.ـتة من الجوع يا حمود متبقاش بخيل وكمل جميلك
تنهد تنهيدة مُسهدة بضجيج قلبه وحانت منه بسمة هادئة اختطفت قلبها حين قال:
حاضرأمري لله لما أشوف أخرتها معاك يا حلو.
لملمت خصلاتها ببسمة خجولة بفضل ذلك الإطراء المحسوس منه بينما هو أنطلق بها كي يلبي رغبتها، غافلين عن تلك السيارة التي تتبع خطاهم منذ عدة أيام وذلك الشخص بداخلها الذي رفع هاتفه للتو ونقر رقم من وكلته بذلك يخبرها بكل التفاصيل ويؤكد لها أن كافة ظنونها بمحلها تمامًا.
أيام مرت عليها بصعوبة بالغة بعد خسارتها فكانت صبح وليل تنعي حظها وتلعن حياتها حتى كادت تجف دmعاتها ولكن مع مرور بضع أيام استعادت رباط جأشها و استوعبت تدريجيًا أن تلك ارادة الله وحتمًا أن هناك حكمة خَفية وراء خسارتها؛ لذلك رضت بما كتب لها واحتسبته عند الله. فربما حدث ذلك لينتشلها من سباتها ويجعلها تثور لكبريائها قبل أن تهدر سنوات أخرى مغيبة تحت وطأة رجل مثله.
رهف وبعدين معاكِ هتفضلي سرحانة كده كتير
قالتها سعاد كي تحفز رهف التي كانت ساهمة طوال الوقت بعد ما حدث وكأنها بعالم منعزل لا يمت لعالمهم بشيء، تنهدت رهف ببسمة باهتة و طمأنتها:
هبقى كويسة يا سعاد متقلقيش عليا ومتستهونيش باللي مريت بيه ولسة أثره فيا
نفت سعاد برأسها و واستها وهي تجلس بجوارها وتربت على يدها:.
والله مش مستهونة بيه، أنا عارفة أن اللي حصل صعب عليكِ بس لازم تقوي نفسك علشان ت عـ.ـر.في تاخدي حقك وتقفي على رجلك من تاني
أومأت رهف بعيون أصبحت فارغة لا شيء يسكنها سوى الحـ.ـز.ن ثم اجابتها:
متقلقيش مبقاش ينفع أضعف تاني واتهاون في حق نفسي أصل الضـ.ـر.بة اللي مبتمـ.ـو.تش بتقوي يا سعاد وأنا لازم ابقى قوية علشان خاطر ولادي
تنهدت سعاد وقالت بتشجيع:.
طب يلا قومي ألبسي علشان نخرج الولاد انا لما صدقت ولادي الاندال رجعوا من عند حمـ.ـا.تي وعايزة اخرج معاهم قبل ما الاجازة تخلص
نكست رهف رأسها وهمهمت معتذرة:
آسفة يا سعاد بوظتلك أجازتك ولخمتك معايا في مشاكلي وخليتك انشغلتي عن ولادك.
زفرت سعاد ونهرتها قائلة:.
أنتِ بتقولي أيه احنا أخوات يعني مفيش بينا الكلام ده ده انا بحمد ربنا اني نزلت في التوقيت ده علشان ابقى موجودة معاكِ وإذا كان على الولاد فمتقلقيش عمـ.ـا.تهم وجدتهم غرقوهم فُسح وخروجات
أبتسمت رهف بإمتنان عظيم لها بينما هي استأنفت قائلة:
يلا بقى الله يخليكِ قبل ما صاحبتك الزنانة ما تيجي وتو.جـ.ـع دmاغنا وتستعجلنا
همهمت هي بدفاع:.
هي سارة زنانة بس جدعة كفاية أنها عطتنا مفتاح الشاليه بتاعها وخلتنا نقعد فيه طول الفترة اللي فاتت وجوزها هو اللي قام بكل إجراءات القضية
أيدتها سعاد:
الحمد لله أن جوزك ما يعرفهاش أوي ولا يعرف تفاصيل عنها وبعدين أنا معاكِ هي جدعة بس ده ميمنعش انها زنانة يا رهف ده أنا دmاغي بتورم لما بشوفها
ابتسمت رهف بينما استأنفت سعاد وهي تنهض تفتح خزانة الملابس تنتقي بعض الملابس لها:.
بس عايزة الحق أنا شايفة أنها صح، يعني لو سمعتي كلامها ونزلتي اشتغلتي معاها في المكتب بتاعها الشغل هيساعدك تتخطي المرحلة دي من حياتك وهيرجع حماسك وثقتك في نفسك
تنهدت رهف تنهيدة مثقلة وأجابتها:
سارة كتير كانت بتلح عليا زمان بس أنا كان عندي أولاويات تانية أنا وعدتها بس الأول أنا محتاجة شوية وقت أرتب حياتي من أول وجديد
عقدت سعاد حاجبيها وتساءلت وهي تقترب و تجاورها من جديد:
بتفكري في أيه؟
زفرت هي نفس ثقيل من على صدرها وقالت بصمود قوي رغم هشيم دواخلها:
لازم أرجع مش هفضل هربانة منه ولازم اوجهه ده غير أن الولاد لازم يرجعوا للدراسة كفاية الوقت اللي ضاع
نفت سعاد بعدm اقتناع:
إزاي بس يا رهف وافرضي اتعرضلك و أذاكِ تاني ده انا كنت شايلة هم حضورك جلسات المحكمة تقوليلي هرجع وأوجهه انا مش موافقاكِ ابدًا
حانت من رهف عابرة وأخبرتها بقوة نشبت بداخلها بعد نكبتها:.
متقلقيش عليا مفيش حاجة ممكن تأذيني اكتر من اللي عمله فيا، وبعدين انا اخدت حذري منه وهو مش غـ.ـبـ.ـي علشان يورط نفسه تاني معايا
هزت سعاد رأسها واقترحت:
خلاص نبقى نشوف شقة بعيد ويكون هو ميعرفش عنوانها أَأمن
نفت رهف برأسها وأخبرتها بصمود غريب وإصرار أغرب:
لأ انا هرجع البيت اللي اتربيت فيه واعيش هناك أنا والولاد أنتِ عارفة إني بحب الشقة وبرتاح فيها، ده يعني لو معندكيش مانع.
لأ طبعًا ده بيتك، لتتنهد وتضيف وهي تربت على كتفها:
رغم خــــوفي عليكِ بس مفيش قدامي غير إني ادعيلك، دي حياتك أنتِ وليكِ مطلق الحرية فيها وأنا بثق فيكِ ومتأكدة انك هت عـ.ـر.في تتصرفي وتاخدي قرارات صح وهتقدري تتخطي كل اللي فات.
أبتسمت رهف وأخبرتها بإمتنان وهي تحتضنها:
مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه يا سعاد ربنا يخليكِ ليا.
أما عنها فقد اندثرت هواجسها وقناعاتها تمامًا ولم يتبقى شيء منها سوى ذلك النـ.ـد.م الذي يفتك بها وتحاول جاهدة التكفير عن أخطاءها تجاهه وتجاه والدته وكم لامت نفسها كونها كانت غافلة عن كل تلك السعادة والدفء التي تنعم به الأن، فبعد تلك الليلة الحالمة التي طبعت بذاكرتهم للأبد تغيرت معاملتها له بنسبة كبيرة فقد اصبحت تطيعه بكل شيء بلا نقاش، وتتفهم خــــوفه عليها بكل طواعية، حتى أنها اعتذرت من ثريا وأبدت نـ.ـد.مها فما كان من ثريا غير أن تتفهمها وتلتمس لها الأعذار وترشـ.ـدها إلى الصواب وتؤكد لها أنها مهما فعلت ستظل ابـ.ـنتها التي تربت على يدها، فكان الأهتمام والحنو الذي يغدقوها به جعلها تلعن ذاتها في اليوم ألف مرة كونها اهدرت كل ذلك الوقت وهي مغيبة تحت وطأة انتقام واهي وشكوك بالية ليس لها أي اساس من الصحة إلا برأسها.
أما عن صاحب الناعستين الدافئة فقد أصبحت بسمته لا تفارق وجهه بتاتًا من حينها وكأنه وجد ضالته بعد سنوات شقاء فكان في أوج سعادته وهو يلحظ تغيرها الجذري معه ومع والدته فذلك المنزل الذي كان يضج دائمًا بالمشاحنات والضجيج أحتله السلام أخيرًا واصبح الحب هو من يسوده.
فحتى هو كان له مبادرة في ذلك التغير حين غير سياسته السابقة معها بعد أن أخذ عهد على ذاته أنه لن يرهبها مرة أخرى فبعد اعترافها الصريح له أطمئن قلبه وسَكن بين أضلعه ولم يعد بحاجة لهذا، فقد أصبح يشاركها تفاصيل يومه ويتلهف لردود أفعالها، يتحين الفرص كي يشاكسها و يستمتع بخجلها، وكما وعدها لم يفرض عليها أمر فقد سمح لها ان تذهب لجامعتها وقد أعاد لها هاتفها وابتاع لها جهاز لوحي أخر حتى أنه أهداها سيارة أخرى احدث موديل بنفس لونها المفضل ولكنها فاجأته عنـ.ـد.ما قالت له انها لاتريد أي شيء سواه، فلم تجربها حتى بل كانت لا تخطوا خارج باب البيت إلا برفقته هو، فحتى جامعتها أعرضت عن الذهاب لها وهاتفها لم تقم بفتحه إلى الآن، لاينكر أن الأمر اشعره بالغرابةقليلًا كونه مخالف لطبيعتها ولكنها كانت تؤكد له أنها لاتريد شيء أن يشغلها عنه وتريد أن تعوض كل ما فاتها معه وبقربه.
فهمتي يا مغلباني ولا في حاجة تانية واقفة معاكِ
قالها هو حين انتهى من شرح أحد المواد التي تطوع بتدريسها لها. بينما هي كانت بعالم موازي تهيم به قائلة:
فهمت يا حبيبي
ابتلع ريقه وزاد وجيب قلبه من ذلك اللقب التي اصبحت تمنحه اياه وقال وهو يهيم بليل عيناها:
يالهوي عليا وعلى حبيبي اللي بتطلع منك أنتِ عايزة تجيبي أجلي يا نادين مش كده
نفت برأسها مستنكرة وقالت وهي تضع يدها على وجنته تتحسسها ببطء ممـ.ـيـ.ـت:.
بعد الشر عليك يا قلب يا نادين بلاش علشان خاطري تقول كده تاني
أبتلع ريقه ببطء تحت وطأة اناملها التي تكاد تفقده ثباته وأومأ لها بهزة صغيرة من رأسه، ثم رد ببحة صوته المميزة التي تعشقها:
أنتِ أزاي كده أنا مش مصدق أنك هي!
حانت منها تلك البسمة المهلكة خاصتها التى لطالما اوقعته بها وأخبرته بقناعات جديدة اكتسبتها بفضل أخطائها السابقة:.
لأ أنا هي يا حبيبي بس الأول كنت بتحاما بعقلي ومفكرة إني قوية ومفيش حاجة تغلبني لكن دلوقتي أنا لغيت عقلي علشان اكتشفت ان كل اللي كان بيسيطر عليا بيه ملهوش اساس وأن القوة اللي كنت بتقمصها دي مكنتش غير إني بعاند نفسي علشان معترفش بضعفي قدامك وتأثيرك عليا انا بجد نـ.ـد.مانة على الوقت اللي ضاع مننا بسببي بس اوعدك هنعوض كل حاجة مع بعض من تاني ومش هخلي دقيقة تفوت إلا وأنا جنبك.
حديثها جعل قلبه يتراقص بين أضلعه فلم يمنحها حتى فرصة لتتفاجأ حين جذبها لتجلس على ساقه ودثرها بحـ.ـضـ.ـنه هامسًا بعشق خالص لها:
أنا حاسس إني أسعد واحد في الدنيا صدقيني مش عايز حاجة تانية غيرك أنتِ كل احلامي يا نادين
وضعت قبلة اعلى كتفه التي تسند رأسها عليه ثم همست بنبرة صادقة لأبعد حد:
وأنت حياتي كلها يا يامن أنا مليش غيرك اوعى تبعدني عنك.
أبعدك! ده أنا نفسي أزرعك جوة قلبي واخبيكِ عن الدنيا كلها قولتلك ألف مرة أنتِ الروح لروحي يعني لو بعدتي أمـ.ـو.ت
تنهدت براحة لا مثيل لها وهي تضيق حصار ذراعيها حول عنقه بطريقة حميمية أكثر بثت بداخله ذبذبات لذيذة و.جـ.ـعلته.
يشـ.ـدد يده حول خصرها ويدفن أنفه بين خصلاتها يتناول عدة أنفاس مطولة من أريجها المميز بإنتشاء تام وبعيون مغلقة مستمتعة فقد لامست كلمـ.ـا.تها الصادقة شغاف قلبه و.جـ.ـعلت تلك المشاعر تتأجج بداخله أكثر فأكثر فهو يعلم أنه اصبح يستغل الفرص ليكون قريب منها لذلك الحد ولكن ماذا يفعل فعزيمة ثباته تقل يومٍ عن يوم وخاصةً أمام تصريحها الصادق لمشاعرها و تغيرها الجذري معه وطاعتها التي يعشقها منها وتجعله يصبح مهوس بها.
شعرت أن العناق سيأخذ منحنى أخر لذلك حاولت فصله ولكنه كان متشبث بها بقوة وكأنه يخشى فقدانها لتهمس هي بنعومة وبنبرة راجية راقته بشـ.ـدة و.جـ.ـعلته يود مشاكستها أكثر:
يامن، وبعدين معاك ابعد وبلاش تحرجني مامتك هتشوفنا.
دفن وجهه أكثر بين ثنايا عنقها وكأنه مغيب و لم يستمع لها من الاساس، دفعته بقوة أكبر ولكن هو كسد منيع لايحيد عن موضعه، فقد كان يمرغ وجهه بعنقها دون أن يلثمه يكتفي فقط بتحسس ملمس جلدها الناعم بشفاهها المتعطشة، مما جعل القشعريرة تدب بكافة جسدها ورغم ذلك قاومت مرة آخرى قائلة بتقطع وبعيون مسبلة وهي تستند براحتها على صدره الذي يعج بضجيج قلبه:
يامن، ابعد.
لم يكترث برجائها بل صعد بشفاهه لوجهها وأخذ يقبله قبلات حارة متفرقة هامسًا من بين كل واحدة وأخرى:
قلب يامن، وروحه، وعقله أنتِ
همسه الخطير شتتها و.جـ.ـعل وتيرة انفاسها تتعالى حين أقترب من ثغرها ينوي تقبيلها، لا تعلم ما أصابها كل ما تعلمه أنها أغمضت عيناها تترقب قُبلته، راقه استسلامها كثيرًا لرغبته وإن هم وكادت شفاههم تتلاحم نفضهم صوت ثريا:
انتو فين يا ولاد؟
نهضت عن ساقه وأبتعدت عدة خطوات عن موضع جلسته وهي تشعر أن ساقيها كالهلام لايستطيعوا حملها أَما هو أعتدل في جلسته وهنـ.ـد.م قميصه وتناول الأوراق وتصنع انشغاله بها وكأنه لم يفعل شيء
لتدخل ثريا وبيدها كوبين من العصير الطازج قائلة وهي تضعهم على الطاولة:
لسة بتذاكرو، ما كفاية بقى يا ولاد وتعالوا اقعدوا معايا
لتزجر يامن وتقول:
سيبها تشم نفسها شوية يا ابني.
أيدتها وهي تحرك يدها امام وجهها تستجدي الهواء فقد أصبح وجهها يشتعل من شـ.ـدة خجلها:
اه قوليله يا ماما ثريا أحسن هيحصلي حاجة
عقبت ثريا بمحبة خالصة لها:
بعد الشر عليكِ يا بـ.ـنتي إن شاء الله اللي يكرهك
لاحت على ثغره بسمة عابثة ورفع حاجبيه وأجابها بِمغزى تعلمه هي تمام المعرفة:
عندي حاجات مش بتهاون فيها يا أمي وأظن هي لازم تبقي عارفة كده كويس من دلوقتي.
قال جملته الأخيرة وهو يغمز لها بتسلية مما جعل سوداويتها تتسع وتبتلع ريقها بتـ.ـو.تر اكبر فكانت تكاد تمـ.ـو.ت من الخجل وهي ترى نظرات ثريا لها وتلك البسمة التي تعلو وجهها وتدل أنها تتفهم ماذا يعني لذلك تلعثمت قائلة وهي تؤشر له بحركة متوعدة دون أن تلتقطها عيون ثريا:
ها، اه، وماله.
أبتسم هو بعبثية تامة بينما ثريا تناوبت النظرات بينهم ثم تنهدت بأرتياح وهي تراهم بتلك السعادة التي طالما تمنتها لهم فقد لاحظت تغير نادين بنفسها من انسجامهم و معاملتها لها في الآونة الأخيرة؛ لذلك تشجعت قائلة وهي تتجه لأحد المقاعد القريبة وتجلس عليها:
طيب مش ناوين تفرحوا قلبي بقى يا ولاد
تركزت نظراتهم عليها ولم يجرأ احد أن يبادر بالرد ولكن ثريا حاصرتهم بحديثها قائلة:.
قصدي يعني الحمد لله الأمور اتصلحت بينكم ومفيش داعي للأنتظار اكتر من كده انا نفسي اشوف ولادكم قبل ما أمـ.ـو.ت
هرول إليها وانحنى على يدها يقبلها قائلًا بعتاب:
بعد الشر عليكِ يا أمي بلاش سيرة المـ.ـو.ت الله يخليكِ أنتِ عارفة مبحبهاش
ده قدر ومكتوب يا ابني ومحدش هيخلد فيها أنا بس نفسي تفرحوا قلبي واطمن عليكم واشوف ولادكم ومش عايزة حاجة تانية من الدنيا
بينما هي اقتربت من موضعهم وقالت وهي تضع قبلة على رأس ثريا:.
بعد الشر عليكِ يا ماما ثريا ربنا يخليكِ لينا
حانت من ثريا بسمة حانية شملتهم الاثنين بها ثم قالت بتحفيز:
يبقى تسمعوا كلامي وتفرحوا قلبي
توردت هي واعتلت البسمة وجهها وأخذت تفرك بأناملها بينما هو كان ينظر لها نظرات مفعمة بلهفة قلبه التي جعلت ثريا تباغتهم قائلة:
البيت ده من ساعة ما مـ.ـا.ت عادل ومدخلتهوش الفرحة وأنا عايزة فرح كبير يتحاكى بيه البلد كلها
تنهد تنهيدة مثقلة بضجيج قلبه ثم قال ببسمة هادئة:.
أنا معنديش مانع بس المهم رأي العروسة
اتسعت بسمتها ونكست رأسها لتؤكد ثريا:
السكوت علامة الرضا مش كده يا نادين
زاغت نظراتها بينهم وقطمت شفاهها وأومأت برأسها بنعم لتتهلل اساريره وينهض يتمسك بيدها قائلًا بلهفة لامثيل لها:
بجد موافقة
تحمحمت هي بخجل وأكدت:
اه موافقة بس..
كادت تستأنف ولكنه قاطعها بتفهم:
عارف هيبقى بعد امتحاناتك و بعد عيد ميلادك يعني كمان شهرين.
وافقته ببسمة واسعة ولكنها بعد وهلة اندثرت تدريجيًا حين تذكرت واحدة من مخاوفها وطفرت بها:
بس أنت ناسي خالي هنعمل فرح كبير أزاي واحنا مفهمينوا أن جوازنا طبيعي
دلك مؤخرة عنقه وكأنه تذكر أمره الآن ولكنه أصر قائلًا بعدm اكتراث وبكل ثقة:
محدش ليه حاجة عندنا أحنا هنعمل اللي عايزينه وهو يخبط دmاغه في الحيط إنتِ مراتي بفرح او من غير فرح وكل الدنيا عارفة كده.
إصراره وتلك الثقة التي يتحدث بها طمئنتها فطالما كان هو جدير بثقتها لذلك هزت رأسها بموافقة جعلت أساريره تفرج بشـ.ـدة و.جـ.ـعلت ثريا تطلق زغروتة تنم عن مدى سعادتها ومبـ.ـاركتها لهم بينما هي كانت تنظر لفرحته ببسمة باهتة لم تصل لعيناها بسبب ذلك الخــــوف الذي يسكن قلبها من شيء لطالما نـ.ـد.مت عليه وتهـ.ـر.بت منه فهي تعلم إنه إن علم به لن يغفر لها بتاتًا وعند تلك الفكرة شعرت بوخزة قوية بقلبها فحقًا أخر شيء تريده هو خسارته لذلك حاولت طمئنت ذاتها أنها ستحل الأمر ومن المؤكد أن طارق سيتفهم رغبتها فلابد أن تغلق كافة صفحات الماضي وتبدأ من جديد ولكن هل ياترى ستسير الأمور كما تأمل هي أم سيكون للقدر رأي أخر.
يعني أيه فهمني أنا مش مستوعب ولا كلمة من الهري ده أنا بقولك مكنش قصدي ودي أول مرة اتهور وأمد ايدي عليها ما كل الرجـ.ـا.لة بتضـ.ـر.ب مراتتهم إشمعنا أنا اللي هتحبس
قالها حسن بغـ.ـيظ شـ.ـديد للمحامي وهو يدور حول نفسه كالثور الهائج، مما جعل المحامي يستأنف قائلًا:
قانون الأحوال الشخصية بيأكد أن ميشترطش أن يكون الضرر متكرر بيكفى أنه يقع الضرر من الزوج ولو مرة واحدة.
وبعدين للأسف موقفك ضعيف جدًا لأن مرفق بالتقرير الطبي محضر إثبات حالة بالواقعة
زمجر غاضبًا وقال وهو يشوح بيده ساخطًا:
وأنت لازمتك ايه إن شاء الله اتصرف شكك في التقرير او شوف أي ثغرة واستغلها
تنهد المحامي الخاص به بضجر من فظاظة اسلوبه وقال موضحًا:
الموضوع مش عند يا استاذ حسن القانون في صفها دي جنحة والمفرض هيتنظر فيها كمان 15 يوم فعايزك تهدى علشان نحاول نلاقي حل وياريت تتحكم في اعصابك.
مرر يده بين خصلاته وهو يشعر أن الحصار يضيق عليه ثم قال بعدmا هدأ من حدة نبرته وتساءل متوجسًا:
ايه اللي مفروض يحصل؟
أجابه المحامي بعملية تامة:.
في جنح مشابهة بتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن سنة أو دفع غرامة مالية بس احنا ممكن نطـــعـــن في الحكم بعديها أما بقى بالنسبة لقضية الطـ.ـلا.ق فإذا تضررت الزوجة من عشرة زوجها بأن آذاها بالضـ.ـر.ب أو بالسب او بالهجر او وإكراهها و إجبـ.ـارها على فعل محرم شرعا فإنها بتستحق التطليق للضرر وعلشان ده يحصل لازم تتوافر عدة شروط
تأهب بنظراته وأشار له بيده أن يستأنف حديثه ل يضيف الأخر:.
يشترط في إيقاع الطـ.ـلا.ق للضررتقرير طبي بنفس تاريخ وقوع التعدي وقبل أن يمر عليها 12 ساعة.
ولازم يكون التقرير الطبي مطابق لما ورد في المحضر اللي تم تحريره من حيث نوعية أثار الضـ.ـر.ب وللأسف كل ده مستـ.ـو.في ومفيش ثغرة ممكن نشكك فيها، وحتى لو كنا قدرنا نعمل ده متنساش أن كان في شهود على الواقعة. ليتوجس المحامي من رد فعله وهو يستأنف: الوضع للأسف مش لصالحنا وطبعًا بعد عدة جلسات القضية هتاخد مجراها المحكمة بتحكم ليها بكافة حقوقها الشرعية والمادية.
كان يكاد يجن وهو يستمع له وعند تلك النقطة التي ذكرها ثارت ثائرته وضـ.ـر.ب على سطح المكتب قائلًا:
حقوق أيه! دي هي اللي طالبة الطـ.ـلا.ق.
ده مش خُلع يا استاذ حسن الفرق بينهم كبير...
حانت منه بسمة هازئة مستخفة ليست بمحلها تمامًا وهدر بعدm اتزان وهو يمرر يده بخصلاته يشعر بفوران رأسه:
على أي وضع مش هيحصل انا مش هطلق لو وقفت على شعر راسها
زفر المحامي وأخبره بتروي ناصحًا:.
استاذ حسن انا شايف أنك تحاول تحل الموضوع بشكل ودي وتحاول تقنعها تتنازل قبل ما الموضوع يتصعد اكتر من كده
زفر حسن حانقًا ثم أومأ له بتفهم وغادر مكتبه بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب وهو ينوي أنه سيبحث عنها ويجدها مهما كلفه الأمر قبل موعد المحاكمة غافل كونها قررت أن لا تختبأ منه بعد اليوم وبكامل إرادتها ستواجهه وتتصدى له.
مر يومين لا غير بعد حديثها مع سعاد بشأن عودتها وها هي قد عادت لذلك المنزل الذي لطالما تشعر به بالراحة فقد كانت تحضر أطفالها للذهاب لمدرستهم بعد أيام من الانقطاع، فقد قررت أنها ستعتمد على ذاتها وتقوي عزيمتها دون خــــوف أو رهبة فلم يعد شيء يرهبها كسابق عهدها
حانت منها بسمة هادئة مليئة بالفخر وهي ترى ابنائها يتناولون الفطور بكل طواعية دون أي ضجر او شغب على غير عادتهم مما جعلها تقول وهي تجاور شريف:.
ساكتين ليه يا ولاد مالكم انتو كويسين؟
أومأو لها، وبادر شريف بإندفاع كعادته:
أحنا كويسين علشان أنتِ بقيتِ كويسة يا مامي وبطلتي تعطيتي
وقررنا أننا عمرنا ما هنزعلك ولا هنتخانق تاني علشان متزعليش
لتؤيده شقيقته:
ايوة أحنا كنا زعلنين عليكِ وكنت انا و شريف بنقعد نعيط قبل ما نام.
غامت عيناها التي يسكنها الحـ.ـز.ن وقد جذبتهم لأحضانها فتلك الفترة التي تعافت بها أدركت أنها كانت تؤثر بالسلب عليهم دون قصد منها لذلك قالت بحنو وبصوت متحشرج على حافة البكاء وهي تقبل قمم رأسهم بالتناوب:
حقكم عليا، الفترة اللي فاتت كانت صعبة عليا اوي وبعدين أنا عمري ما أزعل منكم أنتو كل حياتي ياولاد ومليش غيركم
قبلتها شيري من وجنتها وقالت ببراءة متناهية:.
واحنا بنحبك يا مامي ومش عايزينك تزعلي تاني ولما يرجع بابي من السفر هنخاصمه علشان هو اللي علطول بيزعلك
نفت رهف برأسها وقالت بدافع أمومي بحت كي لاتشوش تفكير ابنائها:
لأ يا شيري بابي مش هو السبب أنا كنت تعبانة شوية وعلشان كده كنت بعيط لكن بابي بيحبكم وهيجبلكم حاجات حلوة كتير لما يرجع من السفر
صفقوا بحماس طفولي واتسعت بسمـ.ـا.تهم لتستأنف هي:
يلا بقى علشان منتأخرش كملوا فطار.
إنصاعوا لها وباشروا تناول طعامهم بحماس بينما هي اندثرت بسمتها تدريجيًا وانفلتت دmعة من عيناها أخفتها سريعًا وأخذت تنعي بسرها حظها وحظ ابنائها
فنعم كذبت، ولكن ليس من أجله هو، هي على يقين تام أنه لا يستحق أي شيء ولكنها فعلت ذلك من أجل ابنائها فلن تزرع ضغينة بقلوبهم لأبيهم وتشوش تفكيرهم بذلك السن الصغير بل كانت تفضل أن تمهد لهم أمر رغبتها في الأنفصال عنه تدريجيًا كي لا يؤثر بالسلب على نفسيتهم.
كانت تصحبهم وهي تقبض على كفوفهم الصغيرة براحة عارمة كأنها تحتضن العالم بما فيه بين يديها، خطوة خطوتان بعيدة عن مدخل البناية وتيبست قدmيها عنـ.ـد.ما وجدته أمامها
لوهلة شعرت بإنقباض قلبها ولكن كفوف صغارها وتمسكهم بها جعلها تصمد و تطالعه بنظرات بـ.ـاردة جوفاء خالية من كل شيء.
اختصر المسافة بينهم بخطوتان حين لاحظوا ابنائه تواجده وهرولو إليه هاتفين بفرحة:
بابي وحشتنا.
جثى حسن على ركبتيه وشملهم بين ذراعيه يضمهم لصدره بإشتياق عارم هاتفًا:
وحشتوني اوي يا ولاد عاملين أيه كنت هتجنن عليكم؟
رد عليه شريف ببسمة واسعة:
أحنا كويسين أنت رجعت من السفر امتى؟
لتشاركه شيري ايضًا:
وياترى جبتلنا ألعاب حلوة زي ما ماما قالتلنا
اخرجهم من بين ذراعيه و
جعد حاجبيه مستغربًا ولكنها أرسلت له نظرة ثابتة تحثه بها على مسايرتهم فما كان منه غير أن يقول:.
لسة راجع، واه جبتلكم العاب بس في البيت نسيت اجيبها معايا لما نرجع مع بعض هتشفوها
قال أخر جملة وهو ينظر لها نظرة مترقبة جعلت جانب فمها يعتلي ساخرًا ثم قالت دون أن تعيره أي اهمية أو توجه له حديث:
يلا يا ولاد عربية المدرسة وصلت.
أومأو لها بطاعة، ليضع هو قبلة على جبهة كل منهم ثم يودعهم لتصحبهم هي إلى عربة المدرسة وما أن اطمأنت عليهم عادت ادراجها تحت نظراته، فكاد يجن حين وجدها لم تعطيه أي اهمية وتتخطاه وفي طريقها لساحة البناية ليهرول قابض على ذراعيها قائلًا بنبرة رغم حدتها إلا انها كانت تحمل العتاب بين طياتها:
كنتِ فين انتِ والولاد أنا دورت عليكِ هو للدرجة دي وصلت بيكِ يا رهف؟
نفضت ذراعه بشراسة هجومية لم تكن ابدًا من طباعها وقالت وهي تدفعه بصدره كي تبعده عنها بكل ما اوتيت من قوة:
إِياك تفكر تلمسني تاني ولا تقرب مني
أنت فاهم
ثارت أنفاسه واحتدت نظراته وتراجع خطوتين بعيد عنها يستغرب تلك الشراسة التي اصبحت عليها، و رفع يده بأستسلام قائلًا بنبرة تحمل سخط عظيم:
مش هقرب بس احنا لازم نتكلم تعالي نطلع فوق ومنفرجش الناس علينا
تقلصت معالم وجهها وردت برفض قاطع:.
مستحيل يجمعني بيك مكان واحد من تاني...
زفر انفاسه دفعة واحدة واحتدت نظراته حين برر بكل تبجح:
أنا عارف أنك زعلانة على البيبي بس أنا مكنش قصدي تخسريه...
وبعدين انتِ اللي استفزتيني و خلتيني معرفش اسيطر على اعصابي.
حانت منها بسمة تحمل بين طياتها سخريرة مريرة فهو كعاهدته يعشق أن يتقمص دور الضحية ويضع العوار عليها، لذلك قررت لأول مرة تجعله يليق عليه ويناسبه أكثر حين وقفت في مواجهته قائلة بثقة وبقوة اكتسبتها بعد نكبتها:
وفر اعذارك يا باش مهندس أصلها احتمال تنفعك قدام النيابة.
تفاجئ من حديثها كثيرًا فكانت واثقة بشكل أثار ريبته ولكن كعادته هدر متعجرفًا:
انتِ أزاي طلعتِ خبيثة و قليلة الأصل كده وعايزة تسـ.ـجـ.ـنيني وتطلقي مني علشان غلطة مش مقصودة
هل هذا المسمى الصحيح لكم الخذلان الذي اغدقها به، هل من المفترض أن تتعاطف مع حديثه وتصدق على نواياه، ألهذا الحد يظنها ساذجة!
انت جاي عايز ايه؟
قالتها وهي تربع يدها أعلى صدرها و ترشقه بنظرات قـ.ـا.تلة استفزته و.جـ.ـعلته يهدر متبجحًا:.
أنتِ مراتي وجيت علشان أخليكِ ترجعي عن اللي في دmاغك وانا مسامحك بس خلينا نرجع زي الأول
اصدرت صوت متهكم من فمها يشبه ذلك الذي كان يستفزها به حين يستخف بها و قالت بعدها ببسمة ساخرة وبنبرة لا تحمل لمحة ضعف واحدة:
زي الأول، وكمان أنت اللي مفروض تسامحني، تصدق ضحكتني.
هو أنت فاكرني ساذجة للدرجادي علشان مقدرش اميز واغلط نفس الغلطة مرتين، انا ربنا بيحبني علشان شال الغشاوة من على عيني وعرفتك على حقيقتك لتندثر بسمتها تدريجيًا وتستبدلها بأخري نافرة وتستأنف حديثها:
أنت اللي جابك هو أنك خايف تتحبس يا باش مهندس
لتتهكم قاصدة اثارت أعصابه كما يفعل معها:
بس أنا عذراك أصل وصلني أن قاعدة الحجز معجبتكش ومعدتك يا حـ.ـر.ام ما اتحملتهاش.
أحتدت نظراته وجز على نواجزه بقوة، يلعن ذلك اليوم بكل مافيه وهو يستغرب من أين علمت بتلك التفاصيل وكيف لها أن تتشفى به بتلك الطريقة فذلك منافي تمامًا لطباعها لذلك قال بنبرة تقطر غـ.ـيظًا:
كله بسببك، وبعدين أنتِ أزاي شمتانة فيا كده، يا خسارة يا رهف لأول مرة من يوم ما اتجوزتك تخلفي ظنوني أنا كنت فاكر أنك عمرك ماهتخلي الأمور تتفاقم بينا لغاية كده كنت فاكر أنك عاقلة وأصيلة ومش هيهون عليكِ تسـ.ـجـ.ـني ابو ولادك.
ظلت على ثباتها ولم تؤثر بها تلك المسرحية الهزلية خاصته فقد طفر بنواياه الحقيقية دون ان يقصد؛ لذلك أجابته بكل ثبات وبنظرات متحدية شامخة:.
رهف القديمة مبقلهاش وجود فمتحاولش تستعطفها علشان مش هرجع في اللي عملته وانت لازم تاخد جزاتك ومن هنا ورايح إياك تتعرضلي وإلا هبلغ عنك ولوفاكر انك ممكن تلوي دراعي بالولاد فالحضانة وفقا للقانون ليا لغاية سن الحضانة يعني مش هتعرف تضغط عليا بيهم وخصوصًا إني اقدر أثبت أنك مكنتش أمين عليا وبالتالي عمرك ما هتكون أمين عليهم.
اللي بيني وبينك المحاكم واظن انت فاكر إني طلبت منك الطـ.ـلا.ق قبل كده وأنت رفضت فمتلمش غير نفسك أنت اللي اضطرتني لكده علشان اعرف أخلص منك.
لطالما كان يثق في قلة حيلتها ويظنها ستتفهم وتسامح كعادتها بلين قلبها ولكن حقًا افحمته بتلك الثقة والقوة التي تقطر من حديثها حتى أنه استغرب أين اندثرت تلك الهادئة المتفهمة قليلة الحيلة التي كانت لا تتحامل عليه مهما فعل، فكيف تبدلت هكذا في غضون أيام واين ذهب لين قلبها، فكان الأمر يصعب عليه استيعابه فأخر شيء كان يريده هو خسارتها لذلك وجد ذاته بدلًا أن يثور عليها يعاتبها قائلًا:.
تخلصي مني يا رهف لدرجة دي أنا وِحش ومتعاشرش ومشفتيش مني حاجة حلوة
لمعت عيناها بنظرة كارهة، مستنفرة وأخبرته بلا اكتراث يشابه ذلك الذي لطالما اغدقها به:
مبقاش فاضل شيء جوايا يتشفعلك ولا باقي عليك، أنا اكتشفت إن لو في جوايا طاقة للحب فنفسي و ولادي اولآ بيها.
لا يعلم لمَ شعر بوخزة مؤلمة بقلبه حين وجد تلك النظرة بعيناها التي تنم انها بالفعل مقتته، هي من كانت تستجدي حبه وأهتمامه من كانت يمثل العالم بعيناها أصبحت الأن تمقته لدرجة أنها ستتخلى عنه وتخرج من حياته للأبد، وعند تلك الفكرة وجد عقله يصـ.ـر.خ مستنكرًا ودفعه كي يقترب بضع خطوات منها يحاول أن يؤثر عليها ولكنها تراجعت مثلهم واشارت له بيدها هادرة بتحذير قوي:
إياك تقرب...
رد بنبرة تلاشت منها الحدة تمامًا وحل محلها الخــــوف وكأنه أدرك للتو كونها جادة في قرارها:
أنتِ لسة مراتي يا رهف بلاش تعملي كده فينا بلاش تخربي بيتنا علشان خاطر ولادنا
نفت برأسها بعدm اقتناع وردت متهكمة:
غريبة دلوقتي فكرت في ولادك وفي خراب بيتك، أنا عشت سنين بعافر لوحدي علشان أحافظ على بيتك بس أنت عمرك ما قدرت ده، الذنب ذنبك لوحدك واللي زرعته بأيدك هتحصده.
رمش بعينه يحاول ان يستوعب الأمر فهي محقة وهو كان على دراية تامة بذلك ولكنه كان يبرر تغاضيها وتحاملها كونه فرض عليها وحق مكتسب له، لعن ذاته بسره ولعن غبائه واستهتاره بها وهدر بترقب وبعيون غامت بالحـ.ـز.ن لتوها:
خلينا نبدأ من جديد أنا مقدرش اتخيل حياتي من غيرك.
رفعت منكبيها بعدm إكتراث وأخبرته دون ذرة تردد وكأنها تبدلت لآخرى غريبة عليه:
مش مشكلتي، علشان أنا من هنا ورايح مش هقدm تنازلات و هعيش لولادي و لنفسي وبس
غامت عينه وهو يشعر بشعور لأول مرة يداهمه وقال بنبرة متقطعة غير مستوعبة:
أنت بتقولي كده علشان واخدة على خاطرك صح، طب خلينا نقعد ونتفاهم ونوصل لحل تاني أنا متأكد أنك لسة بتحبيني وتقدري تسامحيني.
مستحيل اللي كـ.ـسرته جوايا مستحيل يتصلح الطـ.ـلا.ق احسن ليا وليك بدل ما نأذي بعض اكتر من كده.
ذلك اخر ما تفوهت به قبل أن تتركه وتسير لداخل البناية تاركته مشـ.ـدوه ينظر لآثارها بعيون غائمة وبقلب ثائر أدرك الأن فقط أن يقينه بشأنها لم يكن بمحله فثورتها تلك لم تكن سوى لتراكمـ.ـا.ت عديدة كانت تتغاضى عنها وتتهاون من أجل ان تحيا بسلام وتحافظ على كيانها ولكن هو لم يقدر ذلك يوم بل تمادي في طغيانه. ويبدو أن قد حان الوقت كي ينال جزائه.
طرقات منتظمة على باب الشقة جعلت الصغيرة تهرول تفتح الباب لتجد سيدة تقول من طرف أنفها:
ماما موجودة يا شاطرة
أجابتها طمطم وهي تتطلع لذلك الفراء الثمين التي تضعه على ذراعيها بأنبهار تام:
ايوة ثوانِ وانديهالك هو ده فرو أيه ده حلو اوي
صدر سؤالها عفوي للغاية وببراءة كانت تتلمس بأناملها الصغيرة ملمسه مما جعل الأخرى تنفض يدها بقرف وتأمرها بشمئزاز:
أففف ابعدي ايدك هتوسـ.ـخيه وروحي نادي امك وخلصيني.
مين يا طمطم على الباب
قالتها شهد وهي تخرج من المطبخ وتحمل بيدها مغرفة الطعام التي كانت تعده لتوها وما أن اقتربت فغر فاهها واتسعت عيناها عنـ.ـد.ما علمت هويتها وهمست بشـ.ـدوه:
دعاء
حانت من الأخرى بسمة متعجرفة وهي ترشقها بتدني واضح وقالت بنبرة تحمل التحذير بين طياتها:
أه دعاء مش هتقوليلي اتفضلي يا شهد متهيئلي في عندي كلام مهم لازم تسمعيه، ده لو عايزة مصلحة أخوكِ.
↚
ليس كل شيء في القلب يقال، لذلك خلق الله التنهيدة، الدmـ.ـو.ع، النوم الطويل، الإبتسامة البـ.ـاردة، ورجف اليدين.
نزار قباني.
هو ده أخر المعروف يا هانم أنتِ واخوكِ
قالتها دعاء بنزق بعدmا استقبلتها شهد وادخلتها تجلس بردهة منزلها.
عقدت شهد حاجبيها وردت مستفهمة:
قصدك إيه يا دعاء تعالي دوغري أنا لا بحب اللف ولا الدوران
أجابتها دعاء بغـ.ـيظ:
أنتِ عارفة أنا بتكلم عن ايه...
تنهدت شهد وضـ.ـر.بت على فخذيها قائلة بنفاذ صبر:
اللهم ما طولك يا روح ما تخلصي يا دعاء وتقوليلي سر الزيارة الغريبة وايه الكلام المهم اللي عايزة تقوليه؟
أجابتها دعاء بنظرة تحمل خبث مقيت:
أخوكِ لافف على بـ.ـنت جوزي و فاكرها هبلة وهيعرف يضحك عليها وياخد فلوسها بس انا عمري ما هسمحله بده
شهقت شهد وأردفت بدفاع قوي وهي تلوح بيدها:
نعم قِرشين أيه اللي اخويا طمعان فيهم، حَد الله يا حبيبتي بينا وبين فلوسكم
قلبت دعاء عيناها وتأففت قائلة:
أففف أيه الحركات البلدي دي يا شهد هو انتِ مش هتتغيري ابدًا.
وايه اللي يغيرني إن شاء الله هو في حد بيتبرى من أصله وبعدين يا تتكلمي كلام عدل يا متتكلميش
قلبت دعاء عيناها من تلميحاتها التي تتفهم المغزى منها وردت بمسايرة:
أنتِ اتحمقتي ليه كده هي ملهاش تفسير تاني تقدري تقوليلي واحد زيه هيبقى عايز أيه من واحدة زيها غير الفلوس
احتدت نبرة شهد وهي تجيبها:
اخويا مش خسيس ومش كل الناس بتحسبها زيك يا دعاء
ضحكة صاخبة مستفزة صدرت من دعاء وتلاها قولها بنبرة هازئة:.
زي، مهما كانت حساباته نجوم السما اقربله منها، ومهما خطط وحاول يعلقها بيه مستحيل هيحصل أي حاجة من اللي بتحلموا بيها، اخوكِ لئيم يا شهد ودلوقتي بس عرفت مكنش راضي يبلغني ليه بتحركاتها علشان كانت بتبقى معظم الوقت معاه وكان فاكرني مش هكتشف المؤامرة بتاعته
زمجرت شهد وهدرت بإندفاع وبنبرة متأهبة وهي تلوح بيدها:.
قسم بالله لو ما لمتي لسانك لكون شـ.ـداه من بؤك ولفاكِ بيه، انا اخويا راجـ.ـل بيفهم في الأصول ومش بتاع مؤامرات ولا الكلام الفارغ ده، وبعدين صوابع مش شبه بعض ومش علشان انتِ كده يبقى كل الناس بتفكر زيك
قالت آخر جملة بإندفاع و بطريقة متهكمة قاصدة أن تذكرها بما كانت عليه قبل زواجها مما جعل دعاء تستشيط غـ.ـيظًا وتهب من موضعها قائلة وهي ترفع سبابتها أمام وجهها بتحذير مقيت:.
أنا مش هنزل لمستواكِ وارد عليكِ أنا بس جاية اقولك خلي اخوكِ يبعد عنها احسن له
انتِ بتهدديني يا دعاء وبعدين أنتِ بتتكلمي بأي صفة أنتِ ملكيش سُلطة عليها
نفت دعاء بسبابتها أمام وجهها وقالت بكل خبث:.
ابوها مش بيكـ.ـسرلي كلمة وزي الخاتم في صباعي واكيد رأيه مش هيختلف عن رأي، وعلشان أنا جدعة وبحكم المعرفة القديمة اللي بينا مجبتلوش سيرة وجيت علشان اخليكِ تعقلي اخوكِ وتخليه يعرف أن نجوم السما اقرب من اللي بيخطط ليه.
ضـ.ـر.بت شهد كف على أخر من تسلطها المقيت و وتهميشها لشخص زوجها وهدرت بوجهها بنبرة مندفعة مفعمة بالكـبـــــريـاء افحمت الآخرى:.
اسمعي أنتِ بقى، محمد مفيش أعقل منه والكلام ده سابق لأوانه وبعدين محدش عارف النصيب فين ولو ربك عايز يجمعهم هيجمعهم حتى لو أهل الأرض كلها اعترضت؛ مشيئته بس هي اللي هتكون...
لتربع يدها على صدرها وتقول بتهكم تقصدته كي ترد لها ما بدر منها في حق شقيقها:
وانا برضو علشان جدعة هعمل نفسي مسمعتش حاجة منك ولا شوفتك من الاساس ده انا حتى مش هطردك من بيتي زي ما طردتي اخويا وهسيبك تمشي من نفسك.
قالت آخر جملة وهي تتوجه لباب شقتها وتفتحه على مصراعيه كدعوة صريحة لها أن تغادر مما جعل دmاء الآخرى تفور من شـ.ـدة غـ.ـيظها وتخطوا نحوها وهي تضم ذلك الفراء الثمين على جسدها و ترشقها بنظرات متعالية قائلة من طرف انفها بنبرة تحمل تحذير مقيت:
كنت فاكركِ هتبقي عاقلة وهتقدري الموقف بس يا خسارة طلعتي غـ.ـبـ.ـية ومحدش هيدفع التمن غير اخوكِ.
لوت شهد فمها وقالت بإندفاع وبنفاذ صبر دون أن تعطي تحذيرها أي اهمية:
والنبي يا دعاء الواحد عنده مرارة واحدة ومش حمل نفشة ريشك دي الله يسترك طريقك اخضر وخلصينا
جزت دعاء أضراسها بقوة من استخفافها بها وعجرفتها معها وغادرت بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب، بينما هي اغلقت الباب بعدها وجلست على اقرب مقعد.
تشعر بالقلق يزحف لقلبها ولكنها طمأنت ذاتها أن ما فعلته هو الصواب فما تطلبه تلك الصفراء منها يعد مستحيل بالنسبة لها فكيف ستفعلهاوهي ذاتها من أثرت عليه كي يتمسك بحبه وزرعت به الأمل للآتي، بالطبع لن تخبره وستتركه ينعم بقرب مالكة قلبه فلديها يقين تام ان الله سيتكفل بكل شيء.
بعد مرور عدة أيام مروا بسلام على تلك التي تتطلع لذاتها بالمرآة وهي تبتسم بسمة راضية لهيئتها فقد وعدها اليوم أنه سيصطحبها لتناول الغداء ليروح عنها عناء المذاكرة ويجعلها تعود بطاقة جديدة لها فلم يعد إلا أيام قليلة تفصلها عنها وحقًا هي كانت بأمس الحاجة لتخفيف شـ.ـدة أعصابها، ولذلك تحضرت بحماس شـ.ـديد وانتقت أحد الفساتين التي احضرها لها على ذوقه الخاص عوضًا عن التي مزقها سابقًا وتستعد بأبهى صورها.
فقد مررت يدها بين خصلاتها التي أصبحت تقوم بتمليسها في الآونة الأخيرة وتخلت عن تجعيدها وعن تلك الهيئة المتمردة التي كانت تتعمد أن تظهر بها، سحبت قلم الحمرة و وضعت القليل منه على شفاهها تزامنًا مع طرقه لباب غرفتها، رجفة لذيذة سرت بجسدها عنـ.ـد.ما هرولت تفتح له الباب ورأت نظراته المتمعنة لها وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة قال هو بنبرة عابثة وبنظرة اعجاب واضحة:
يخربيت جمالك، هو في جمدان كده.
حانت منها تلك البسمة المهلكة التي لطالما أوقعته بها ليعقب بعدها بخفة وببسمة بشوشة واسعة:
كمان بتضحكي، شكلي داخل على أيام سودة ليرفع نظراته لأعلى ويستأنف راجيًا وهو يرفع يده:
يارب أنا على أخري عدي الكام يوم دول على خير من غير ما اتهور
نكزته بكتفه وهمست بوجه يشتعل من شـ.ـدة الخجل:
بَطل يا يامن ويلا بينا أنا خلاص جهزت.
أجابها وناعستيه المسبلة تتركز على ثغرها وتلك الحمرة اللعينة التي تحدد شفاهها وتبرز شامتها التي تزين جانب فمها بشكل مغري للغاية جعله يكاد يفقد ثباته حين قال:
هبطل يا مغلباني بس مش قبل ما تديني تصبيرة على الماشي
تنهدت بلا فائدة من مشاكسته التي لا تنتهي و أومأت بطاعة وهي تضع قبلة خاطفة على وجنته، ولكن الأمر لم يعجبه واعترض قائلًا وهو يحاوط خصرها:
نادين أنا مش ابن اختك بوسي بذمة وضمير انا زي جوزك برضه.
رفعت حاجبيها وهزت رأسها بحركة مدللة جعلته يعقب بعيون يتراقص بها المكر:
خلاص براحتك ابوس انا
وقبل أن تعترض كان ينقض على شفاهها بقبلة حالمة مفعمة بضجيج قلبه المولع بها، ولكن لم يتمادى بقبلته دامت فقط لثوانِ معدودة حين قطعها هو قائلًا بأنفاس متهدجة وهو يستند بجبهته على منحدر انفها و يمسح بإبهامه على شفاهها:
الروچ طعمه حلو أوي ده بأيه بالفراولة.
نفت برأسها وهي بالكاد تستطيع تنظيم وتيرة انفاسها وتنفض تأثيره الطاغي عليها حين خرجت من حيز يده قائلة بعدmا ادركت حيلته:
على فكرة انت رخم
اجابها بغمزة متسلية من عينه:
بس بتمـ.ـو.تي فيا مش كده
ابتسمت وأيدته بحركة من رأسها بينما هو قال بنبرة رغم عبثيتها إلا أنها كانت تقطر بغيرته:
أخر مرة تحطي منه وأنت خارجة أصله ملفت وانا مش بحب كده، ممكن تحطهولي في البيت بس وساعتها أنها هتكفل بالباقي.
قال آخر جملة بنظرة ذات مغزى جعلها تود ان تنشق الأرض وتبتلعها فقد أصبح في الآونة الأخيرة أكثر جرأة من قبل وحقًا الأمر يخجلها بشـ.ـدة، لذلك قررت أن تفر وهي تتناول شالها الثقيل و تسحب حقيبتها تخرج منها عدة محارم تمسح بها بقايا حمرتها التي تعمد أن يلطخهاهادرة وهي تتخطاه:
طيب انا هستناك في العربية علشان انت مبقتش مضمون وانا بصراحة ابتديت اغير رأي عنك وانسى انك كنت مؤدب.
قالتها وهي تهرول بعيدًا عنه بطريقة جعلته ينفجر ضاحكًا بكامل صوته الرجولي قبل أن يلحق بها.
صعدت للسيارة وانتظرته بضع ثوان قبل أن يخرج وتابعته بعيناها يفتح بوابة المنزل الرئيسية ويعود يصعد بجانبها لتتسأل هي:
هو عم مسعد فين وليه سايب البوابة؟
اجابها وهو يشعل مقود السيارة:
تعب وقولتله يسافر بلدهم يريح يومين.
أومأت له ببسمة هادئة وقبل أن تتفوه بشيء كان يحتضن كف يدها كعادته ويباشر بالقيادة ولكن ما أن تحرك بالسيارة وانحنى بها لأخر سور المنزل ينوي أن يسلك الطريق تذكر انه قد ترك هاتفه موصول بالشاحن داخل المنزل ليمط فمه بإستياء ويتوقف بالسيارة قائلًا:
حبيبتي نسيت موبايلي ثوان هرجع اجيبه
تنهدت هي وشاكسته:
عقلك مبقاش فيك خالص الأيام دي
شاكسها ايضًا وهو يقرص وجنتها بتسلية:.
ما البركة فيكِ يا مغلباني ثوانِ مش هتأخر حتى هدخل من الباب الوراني وكويس ان معايا مفتاح الطبلة الجديدة
أومأت له ببسمة متسلية وهمهمت وهي ترفع سبابتها تحذره بخفة:
لو اتأخرت هرجع في كلامي انا اصلا بتلكك
قهقه هو ووعدها انه لن يتأخر وبالفعل تدلى من السيارة وفات للمنزل عبر ذلك الباب الخلفي.
اخرجت هي مرآة من حقيبتها واخذت تعدل من خصلاتها ولكن فتح بابه لترفع نظراتها المبتسمة وهي تنوي أن تشاكسه من جديد ولكن حينها هوى قلبها بين قدmيها واندثرت بسمتها وحل محلها خــــوف عظيم حين رأته يقف أمامها، لتهمس اسمه بجزع:
طارق
اعتلى جانب فمه ساخرًا من ذلك الخــــوف المنطوق بعيناها وباغتها قائلًا وهو يصعد بالمقعد الذي يجاورها:
اه طارق اللي نسيتيه ولا على بالك
برقت عيناها وترجته بأعصاب تالفة:.
طارق مش وقت كلام انزل ابوس ايدك يامن جاي وممكن يشوفك.
نفى برأسه واخبرها وعينه تقدح بالخبث:
خايفة منه للدرجة دي، ولا خايفة عليا؟
حاولت أن تحجج وتسايره قائلة بنبرة مرتعشة وانفاس ناهجة مش شـ.ـدة تـ.ـو.ترها:
انامش عايزة مشاكل الله يخليكِ كفاية اللي حصل يوم Nightclub، انت متعرفش حصلي ايه انا كنت محبوسة و...
قاطعها هو مزمجرًا وهو يضـ.ـر.ب المقود بيده بقوة أجفلتها:.
كـ.ـد.ابة انا بنفسي بشوفك بتخرجي معاه أنا مش نايم على وداني وكل صغيرة وكبيرة بيكون عندي علم بيها وشوفت بعيني اللي حصل بينكم.
قال أخر جملة بنبرة غاضبة تقطر بغيرته وعينه الجحيم يشتعل بها فمنذ ذلك اليوم وهو يكاد يجن ويحاول ايجاد أي تفسير للأمر غير الذي استنتجه عقله ودبر مكائده على أثره ولكن بلا جدوى لذلك كان يمني نفسه كي تخبره هي ويكون لديها تفسير منطقي يقنعه فكان متأهب لردها ولكن هي شل لسانها لدقائق بعدmا زحف الرعـ.ـب إلى قلبها وتفهمت ماذا يقصد، لتبتلع ريقها بحلق جاف تحاول أن تتماسك وتستعين بدهائها كي تفض ذلك الموقف اللعين قبل أن يحصل ما تخشى عقباه:.
أنا، كنت بسايره مش أكتر، ابوس ايدك أنزل دلوقتي وهنتكلم بعدين، في حاجات كتير اتغيرت وأنت معندكش علم بيها صدقني لما هتعرفها هتفهمني وتقدر موقفي
تركزت سودويتاه بها يحاول أن يستشف صدقها ولكن صعب الأمر عليه لذلك هدر بنبرة قوية منفعلة ارعـ.ـبتها:
ايه اللي اتغير يا نادو عايز أعرف دلوقتي...
ابتلعت غصة بحلقها وزاغت نظراتها فإن اخبرته الآن لا تضمن ردود فعله لذلك حاولت مسايرته:.
هنتكلم وهفهمك كل حاجة بس مش دلوقتي ارجوك يا طارق، ارجوك انزل قبل ما يامن يرجع
كانت تتوسله بصدق وبعيون غائمة تكاد تقطر بالدmع مما جعله ينصاع لها ولكن بعد أن قبض على مؤخرة رأسها بقوة واصطحب مع قبضته بعض من خصلاتها و قال بفحيح أمام نظراتها المشـ.ـدوهة من شـ.ـدة خــــوفها:.
همشي وهنتحاسب بعدين بس أوعي تفتكري أنك هت عـ.ـر.في تخلصي مني مش طارق المسيري اللي يضحك عليه بالبساطة دي واعملي حسابك مش هتكونِ غير ليا ولو على جثتي أنا مش هتنازل وهعمل المستحيل في سبيل انك تكوني بتاعتي لوحدي وملكية خاصة ليا وبس، فاهمة ولا لأ
قال أخر جملة وهو يشـ.ـدد أكثر على خصلاتها بطريقة قاسية جعلت الأنات المتألــمة تصدر من فمها ولكنها كبتتها بكف يدها حين رأت الجحيم يستعر بعينه حين كرر بغـــضــــب كاسح:.
فاهمة ولا لأ انطقي
ما كان منها غير أن تهز رأسها من شـ.ـدة رعـ.ـبها وتخــــوفًا من تبعات غـــضــــبه
ليعتلي جانب فمه و يحل قبضته التي كادت تنزع خصلاتها من منبتها ويقول وهو يربت على وجنتها بنبرة تشف كونه ليس سوي بالمرة:
برافو عليكِ يا نادو أنا عارف أنك ذكية وعلشان كده بحبك.
ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يتدلى من السيارة ويبتعد تاركها قاب قوسين او ادنى أن يغشى عليها من شـ.ـدة رعـ.ـبها، فكانت حالتها يرثى لها تحاول ان تلملم شتاتها ولكن وجدت ذاتها تجهش في بكاء مرير تكبت شهقاته بكف يدها لا تصدق ما حدث للتو ولم تتخيل حدوثه حتى في أفظع كوابيسها، وبعد ثوانِ معدودة.
لمحته يأتي من بعيد لتلملم شتاتها وتجفف دmعاتها بسرعة متناهية كي لا تشعره بشيء ولكنه من الوهلة الأولى حين جاورها سألها مترقبًا:
مالك يا حبيبتي انتِ كويسة
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت بسمة هادئة على ثغرها واجابته بتماسك:
اه، يا حبيبي مفيش حاجة
ليجعد حاجبيه ويتسأل بقلق وهو يجذب يدها المرتعشة بين راحتيه:
نادين وشك اصفر و
حتى أيدك بتترعش مالك اتكلمي علشان خاطري.
أومأت له بمعنى أن كل شيء على ما يرام وهمست ببسمة باهتة لم تصل لعيناها وهي تسحب يدها من بين راحتيه وتتناول شالها الثقيل وتضعه على ذراعيها تدثر به نفسها:
مفيش يا حبيبي بس بردت شوية
طب تحبي نرجع البيت
لأ أنا كويسة ودلوقتي هدفى لما تشغل التكييف ونمشي بالعربية.
لا يعلم لمَ شعر بشيء مريب بها ولكنه كذب حدثه وشرع من جديد بقيادة السيارة، بينما هي بادرت بأحتضان يده بقوة وكأنها تريد أن تستمد منه القوة فهي تشعر أنها أصبحت على حافة الهاوية ولابد أن تتشبث بتلك الأرض التي يخبرها دائمًا انه نقطة ثابتة بها.
كان يدور حول نفسه وهو يحادث أحد موظفيه الذي يعتمد عليهم وقد وَكله بأدارة كل شيء في غيابه فقد ثارت ثائرته عنـ.ـد.ما علم أن العمال في أحد المواقع التي تقوم شركته بتنفيذها لصالح اكبر ممول بالبلد يعرضون عن العمل بسبب تأخير أجورهم مما جعله يكاد يجن فكيف سيأتي بالمال ليوفي إلتزامـ.ـا.ت العمل وهو صفر اليدين بِفضلها
حضرتك لازم تتصرف الوقت بيمر ومعاد تسليم الوحدة التانية من المشروع قرب والعمال رافضين يشتغلوا.
قالها حسام مدير شركته التنفيذي بعملية شـ.ـديدة، ليرد عليه حسن بأعصاب تالفة وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية يكاد ينزعهم من فرط عصبيته:
مش عارف أعمل ايه وايه المصايب اللي نازله على دmاغي دي أنا حاسس أن في لعنة صابتني ومش عارف أتصرف.
وعلى ذكر اللعنة اقتحمت هي مكتبه دون أي لباقة و هي تتمخطر بخطواتها بكعب حذائها الرنان وذلك الثوب الذي يمثل حرفيًا جلد ثانِ لها، فكان حضورها طاغي و.جـ.ـعل الصمت يحل على المكان ولم يصدر من أي منهم ردة فعل غير النظرات فأحدهم احتل الغـــضــــب عينه وفارت دmائه بينما الآخر لمعت عينه بنظرة أعجاب واضحة جعلتها تبتسم بسمة متخابثة مغترة بذاتها.
ايه اللي جابك يا منار وبعدين حد يدخل كده مش تخبطي الأول.
اقتربت تتأبط ذراعه أمام نظرات الآخر قائلة بنبرة مدللة للغاية دون أي تحفظ:
وحـ.ـشـ.ـتني يا سُونة وجيت علشان ابقى جنبك وأرجع الشغل تاني
كور قبضة يده يشـ.ـدد عليها كي ينفث عن غـــضــــبه وهدر متسائلًا:
جنبي فين احنا مش اتفقنا مفيش شغل
مطت فمها وقالت بإعتراض:
أنا مقولتش إني موافقة
لتوجه نظراتها المتخابثة ل حسام وتستأنف وهي تمط فمها:
يرضيك يا حسام ابقى مـ.ـر.اته ومساندوش في شغله.
تحمحم حسام بحرج وطرق نظراته بالأرض بعدmا استشف أنها تعمدت أن تخبره:
والله يا فنـ.ـد.م دي حاجة تخصكم مليش دخل بيها
ضحكة صاخبة صدرت من فها وتلاها قولها بنبرة مصطنعة دون أي تحفظ:
أنت اتحرجت ليه كده و وشك جاب ألوان
لم يعجبه بتاتًا ما يدور لذلك هدر بنبرة آمرة وهو بالكاد يتحكم بأعصابه:
حسام اتفضل دلوقتي على مكتبك وهنكمل كلامنا بعدين.
أومأ له حسام بطاعة وغادر بعدmا رشقها بنظرة غامضة جعلتها تبتسم بسمة منتشية مغترة بذاتها، وفي الفور أغلق هو باب مكتبه وتقدm منها بخطوات غاضبة هادرًا بوجهها وهو يقبض على ذراعيها يؤرجحها بين يده:.
أنتِ اتجننتي مش كده أيه القرف اللي أنتِ لبساه ده وايه الفرح اللي في وشك ده وازاي تخرجي من البيت من غير ما تقوليلي وتسمحي نفسك توجهي الكلام لراجـ.ـل غيري وتضحكي بالشكل ده من غير ما تعملي اعتبـ.ـار ليا ولا لشكلي قدامه.
نظرت له شذرًا ثم بكل ثقة دون ذرة خضوع واحدة نفضت يده وهدرت بأعتراض:
قولتلك ألف مرة أن مش مجبرة اعمل كده ولا اغير من نفسي أنت اتجوزتني وانت عارف أن دي طريقتي وده لبسي اللي كُنت بتجنن عليه قبل كده وبتنزل بنفسك تشترهولي
لتربع يدها أعلى صدرها ويعتلي حاجبيها قائلة بنبرة واثقة قوية:.
وبعدين انا مش عيلة صغيرة علشان أخد الإذن منك وقت ما أحب أخرج، و ماله شكلك أنا أَشرف أي راجـ.ـل انتسب لأسمه ولا أنت مستعر مني ومكنتش عايز حد يعرف بجوازنا
زمجر غاضبًا من مجابهتها له كلمة بكلمة ومعاندتها التي لا تكف عنها:.
هو أنتِ ايه كل حاجة عندك ليها مبرر أنا مش مستعر من جنابك بس ياريت تحترميني وتحترمي نفسك قبل ما تفكري تعارضيني وتقفي قصادي والمفروض الكلمة اللي أقولها متعارضنيش فيها وتسمعي الكلام وتنفذيه من سكات من غير مبررات ولا حوارات ملهاش داعي
أه انت عايزني ابقى نسخة من الهانم المسهوكة بتاعتك وألغي شخصيتي زيها
أغمض عينه بقوة يحاول أن يكبح لجام غـــضــــبه وهدر بنفاذ صبر:.
قولتلك قبل كده متجبيش سيرتها وياريت تقصري الشر وتغوري بمنظرك ده من وشي علشان أنا عفاريت الأرض بتتنطط قدامي
لوحت بيدها بكل لا مبالاه وقالت بسخط عظيم:
أنا زهقت من طريقتك دي ومش قادرة اتحملها انت بقيت ملل أوي...
استوقفه أخر ما نطقت به وكم شعر بالغباء، فكم كان مخطئ هو حين ظن أنه أحبها فقد أثبتت له تلك الأيام التي عاشرها بها أن لايوجد أي توافق بينهم سوى في الفراش لذلك هدر بنبرة ثابتة كي يضع الأمور في نصابها الصحيح ويتحكم بأسس تلك الحياة التي أدرك كونه تسرع و ورط نفسه بها:
قولتلك ده اللي عندي ومن هنا ورايح تترزعي في البيت ولبسك المقرف ده تبطليه ومـ.ـيـ.ـتلبس تاني.
أفففف بجد انت أزاي كده أنا مش مجبرة انفذ كلامك انا متعودتش على الخـ.ـنـ.ـقة دي
غـ.ـصـ.ـب عنك لازم تتعودي
زفرت بضيقٍ من طباعة المتناقضة فما كان بالنسبة امر عادي ويطـ.ـلق عليه انفتاح وحرية قبل الزواج الآن يعارضها به من اجل شكله الأجتماعي فقط ليس من أجل نخوته كرجل.
تمام بس أنا مش هقعد في البيت وعايزة ارجع الشغل تاني
زمجر بنفاذ صبر وهو يجلس خلف مكتبه و يتناول أحد سجائره ويشعلها:.
يوووووه اسمعي الكلام ومن غير ما تعارضيني وولو فكرتي تخطي خطوة واحدة برة عتبة الباب من غير ما تقوليلي تاني متلوميش غير نفسك.
ضـ.ـر.بت الأرض بكعب حذائها بغـ.ـيظ شـ.ـديد وببعض الهمهمـ.ـا.ت المعترضة غادرت مكتبه تاركته يطفئ سيجارته في المنفضة الكريستالية بفوضوية عارمة ثم بكل غل حملها و قذفها بالحائط أمامه بكل قوته كي ينفث عن ذلك الغـــضــــب الذي يعتريه لاعنًا حظه وكل ما توصل له بفضل غبائه، فكان يشعر أن العالم أجمع تأمر عليه في آن واحد، فحقًا كانت اعصابه تالفة وعقله منهك لدرجة انه يشعر انه يفقد زمام كل شيء في آن واحد فمنذ رفض رهف له وحديثها الشرس معه وهو يشعر بشعور غريب لم يجربه من قبل فيقسم أنه إلى الآن يرفض عقله أن يستوعب كونها مقتته لتلك الدرجة، حتى أنه وجد بقايا ضميره يعيد كل ما مر أمام عينه ويقوم بتلك المقارنات الحاسمة لتجعله يتدارك شيء فشيء فداحة أفعاله التي ارتكبها في ظل إرضاء غــــروره و إشباع تلك الرغبات التي اندثر زهوها وأصبحت يشعر نحوها بالفتور الآن.
كانت طوال الوقت شاردة ترد على أحاديثه المفعمة بالشغف بإقتضاب أو تكتفي فقط ببسمـ.ـا.ت باهتة مما جعله يشعر بريبة من حالها ويتسأل بقلق:
نادين أنتِ مش طبيعية خالص النهاردة.
ابتلعت غصة بحلقها ونفت برأسها قائلة بثبات بالكاد كانت تتصنعه:
مفيش حاجة صدقني...
تنهد هو بعمق فهو يحفظها عن ظهر قلب لذلك لم يخيل عليه ادعائها، و هدر متفهمًا:
حبيبتي لو انا زعلتك في حاجة قوليلي يمكن مأخدش بالي، بلاش تسكتي علشان ميبقاش في تراكمـ.ـا.ت بينا، وانا اوعدك هفهمك
وأي مشكلة هنتشارك في حلها مع بعض.
تعلقت عيناها النادmة به وكم أرادت حينها أن تصرخ بعلو صوتها وتخبره أنها ليست مستاءة منه بل من نفسها فحقًا هي لا تستحق أي شيء من ذلك الحب والاهتمام الذي يغدقها به، ورغم حديثه المطمئن لها ولكن ياليتها تستطيع أن تزيح ذلك الحمل الثقيل عن كاهلها وتخبره، فكيف وهي تعرفه تمام المعرفة فإذا علم بالأمر لن يتهاون ابدًا فيا ليت الأمر كان شيء لا يمس كبريائه ك رجل ولا كرامته فهي تعلم طباعه جيدًا وذلك ما يقــ,تــلها وينخر احشائها، لذلك وجدت ذاتها تصرح بعيون تكن خــــوف عظيم:.
عارف حتى لو زعلتني أنا جوايا رصيد ليك يدوم العمر كله مهما تعمل هسامحك، مفيش تراكمـ.ـا.ت؛ بس في حب ومواقف كتير كُنت فيها جنبي بتساندني وتقويني أنت سندي وضهري وكل حياتي وأنا من غيرك ولا حاجة يا يامن.
كانت تتحدث دفعة واحدة بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبها الذي يخشى فقدانه. بينما هو كان يستمع لحديثها بعيون لامعة مُولعة بها وبكل حرف تنطق به يشعر أنه يلامس السماء من شـ.ـدة سعادته حتى أنه همس ببسمة واسعة مفعمة بلهفة قلبه:
معقول كل ده انا؟
مهما قولت مش هوفيك حقك.
قالتها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة بحركة مطمئنة مؤيدة جعلته يتنهد براحة ويهدر قائلًا وهو ينحني برأسه يقبل ظهر يدها بقبلة حانية واست قلبها:
انا بحبك يا نادين بحبك
حانت منها بسمة هادئة رغم ذلك الخزي الذي يعتريها من نفسها ثم كوبت يده التي تستقر على يدها براحتها قائلة بتماسك بالكاد تصنعته كي تتهرب من أسئلته المتكررة التي ستفضح أمرها:
طب تعالى نرقص
أومأ لها ولكن استوقفها قائلًا:
استني كنت هنسى.
تأهبت بنظراتها له وهو يسحب يده من بين يدها ويخرج علبة من المخمل الأحمر وفتحها أمام نظراتها لتشهق بتفاجئ حين رأت دبلتين واحدة من الذهب الأبيض المرصعة بفصوص صغيرة من الالماس الذي يخـ.ـطـ.ـف الأنفاس والآخرى فضية بتصميم رجـ.ـالي مميز اعجبها كثيرًا، ليهمس هو بنبرة عاشقة مفعمة بضجيج قلبه:.
آسف إني اتأخرت في الخطوة دي بس كنت عايزك تلبسي دبلتي بإقتناع تام منك من غير أي ضغوط علشان لو دخلت صباعك هتوعديني أنك متقــلـــعهاش ابدًا
هزت رأسها بسعادة منقوصة لطالما كانت تتمنى أن تكون خالية من أي منغصات أو شيء يرهبها ثم تناولتها من العُلبة واخبرته بكل ثقة:
عمري ما هقــلـــعها ولو أخر يوم في عمري.
لتحثه بنظراتها أن يلبسها إياها وبالفعل فعل ذلك ببسمة واسعة جعلتها تود أن ترتمي بين يداه الآن وتجهش بالبكاء ولكن إن فعلت ستخرب سعادته وتجعله يشعر بالريبة من أفعالها أكثر لذلك ألبسته هي ايضًا دبلته وأخبرته بنبرة تقطر بحاجتها لتضمه لا لمَ تفوهت به:
عايزة ارقص معاك.
أومأ لها وسحبها لساحة الرقص التي تتوسط المكان ليحاوط خصرها ويبدأ أن يميل بها على أثر تلك النغمـ.ـا.ت الهادئة بخطوات مدروسة متقنة وهو يشعر أن قلبه يرفرف بين أضلعه بينما هي كانت تشعر بالكمال بقربه فكانت بحاجة لذلك القرب كي يطمئنها ويجعل السَكينة تعود لدواخلها لذلك طلبت بنبرة شبه متوسلة وهي تدفن وجهها بصدره:
احـ.ـضـ.ـني يا يامن.
تنهد بوله تام وشـ.ـدد على خصرها ثم وضع قبلة حنونة على قمة شعرها، لتغمض هي عيناها كي تكبح رغبتها بالبكاء الآن وإفساد سعادتهم وتتمتع بقربه وبتلك اللحظات الحالمة التي ستسكن بذاكرتها للأبد.
بعد وقت قليل وعنـ.ـد.ما طال صمتها همس هو بنبرة هادئة:
فاكرة يوم ما اصريتي ارقص معاك يوم عيد ميلاد صاحبتك
بهتت ملامحها لثوان قبل أن تجيبه:
اه ميرال
تنهد تنهيدة عميقة ثم أخبرها:
اليوم ده كان حلو وعمري ما نسيته.
شعرت بوخزة بقلبها عند تذكر هذا اليوم وكم لعنت أفعالها حينها، ولعنت شيطانها الذي دفعها كي تهدد وتثير أعصاب تلك الرفيقة التي لاتعلم حتى لما فعلت بها ذلك كل ما تعلمه انها كانت تغار من تلك الحرية التي تتمتع بها؛ وحُرمت هي منها حتى انها استكترت عليها الآخر ونزعته منها دون أن تحسب حساب لشيء سوى لترضي غــــرورها وتخرج عن المألوف وتلبي رغبات شيطانها فياليتها كانت تعلم أن شيطانها سيتبرأ منها ومن أفعالها وسيتركها ليكون النـ.ـد.م حليفها وحدها.
سرحتي في ايه؟
قالها وهو يخرجها من بين يديه، لتبتسم هي بسمة مغلفة بالخزي وتجيبه بنبرة نادmة ومتألــمة وضميرها ينهش بها:
أنا كنت غـ.ـبـ.ـية اوي يا يامن وعملت حاجات كتير مش عارفة هعرف اكفر عنها ازاي.
كان يظن أنها تعني غباء أفعالها تجاهه حينها ولم يخطر بباله كونها تقصد شيء أخر لذلك أجابها بنبرة مطمئنة وهو يشملها بدفء عيناه:.
حبيبتي انسي، وبلاش تعـ.ـذ.بي نفسك وتلوميها وبعدين أنتِ وعدتيني انك هتبقي قوية و هنعوض كل اللي فات
تنهدت بتثاقل واجابته ببسمة باهتة على ثغرها وهي تمرغ رأسها على كتفه كي تخفي تلك الدmعة التي فرت منها:
أنا قوية بيك يا يامن اوعدني أنك متكـ.ـسرنيش وتبعدني عنك
تنهيدة عاشقة صدرت منه وهو يضمها له أكثر ثم قال بهمس بصدق وهو يضع قبلة حنونة أعلى شعرها:
أنتِ روحي يا نادين ومفيش حد يعرف يعيش من غير روحه.
تنهدت بقوة وهي تتناول نفس عميق من رائحته المميزة ثم همست بصدق:
بحبك يا يامن ومليش غيرك في الدنيا
وأنا بمـ.ـو.ت فيكِ يا قلب وروح يامن
كانت تلك الكلمـ.ـا.ت المؤججة بالمشاعر هي ختام سهرتهم ولكن ليست ختام متوقع لقصتهم كأي عاشقين؛ بل مازال القدر يخبأ بين طياته الكثير لهم.
انهى عمله و وجد ذاته يذهب لذلك المكان الذي لطالما جمعه بها وبأطفاله، لا يعلم لمَ أتى ولكن كل ما يعلمه أنه تعود عنـ.ـد.ما يضيق به الحال يعود لهنا و يجدها بأنتظاره كي تهون عنه وتنعمه بدفئها، ولكن الآن أين هي؟
فذلك المنزل الذي كان يضج بالحياة أصبح الآن مُوحش دونها.
زفرة قوية نبعت من اعماقه ويخيل إليه انه يراها بكل زاوية فهنا كانت تجاوره وتشاركه تفاصيل يومها، وهنا على تلك الطاولة كانت تدس بفمه الطعام كما تفعل مع صغارها، أما هناك بغرفة مكتبه فكانت تجلس لساعات تتأمله وهو يعمل وكأنه هو اكبر انتصارتها،.
فنعم اشتاقها واشتاق لتلك البسمة الرقيقة التي تمنحه اياها و تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها وسلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويحفز كافة حواسه نحوها.
تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير من النـ.ـد.م وهو يرتمي على فراشه الذي لطالما جمعه بها، لتحين منه بسمة مفعمة بالحنين لتلك الليالي التي كانت تدثره بها بين أحضانها وتساعده على النوم وتمليسها على خصلاته بحركات حانية، ليجد ذاته يجذب وسادتها ويدفن وجهه بها لعلها يجدها خير منه واحتفظت بأريجها بين طياتها فنعم اشتاقها واشتاق لكل تفاصيلها، اشتاق ل رهف خاصته التي كانت تتفهمه دائمًا، فقد ادرك لتوه أن حياته دونها خاوية لا يعد بها دفء ولا سَكينة كالسابق، ورغم أن الأخرى توفر له حياة زوجية كأي زوجين ولكن لا تقارن بحياته السابقة بتاتًا، فتلك التفاصيل لم يلحظ توافرها من عدmه إلا عنـ.ـد.ما عاشر الآخرى فكانت هي تهتم بكل صغيرة وكبيرة تخصه حتى انه كان يُصنف تلك الأمور بالروتينية المملة التي تصيبه بالضجر، ولكن الآن استوعب انه كان ينعم بالكثير والكثير ولكنه لم يقدر ذلك قط بل كان ساخط عليه وانساق خلف أهوائه دون أن يحسب حساب يوم كهذا.
يوم جديد يصحب معه الكثير.
من الأمنيات والأمال لصاحب تلك القناعات الراسخة، فلم تخبره شقيقته بشيء ولم تريد تعكر صفوه وخاصًة انها تراه في أحسن حالاته فا بلأمس أتاه مكالمة هاتفية من أحد الشركات الكبرى التي تعلمه بقبوله بالعمل بها ورغم انه تفاجئ كثيرًا بقبوله بعد تلك الفترة الكبيرة إلا أنها لم تتفاجأ مثله فهي تعلم أن ميرال وراء ذلك فقد اخذت منها كافة التفاصيل وأسماء الشركات التي قدm بها مسبقًا ولم يحالفه الحظ وتوسلتها كي لا تخبره وبالفعل لم تفعل فطالما ذلك يصب بمصلحته لن تمانع فهي تعلم أن الوسطة والمحسوبية هي من لها الأولوية ببلدهم، ولذلك شعرت بالامتنان لها حين دبرت الأمر.
ها ايه رأيك يا شهد حلوة البدلة عليا ولا اغيرها انا مش أخد على لبس البدل وحاسس إني متكتف
انتشلها من شرودها صوت شقيقها لتصب كافة تركيزها عليه وتجيبه بنظرة فخر وببسمة حنونة:
بسم الله ما شاء الله عليك يا قلب أختك قمر والبدلة هتاكل منك حتة
حانت من محمد بسمة حانية وقال مشاكسًا اياها بأحد الأمثال الشعبية القديمة:
القرد في عين أمه غزال
نكزته شهد بكتفه واستنكرت:.
قرد ايه! ده أنت سيد الناس كلها وبعدين امه ده ايه انت عايز تكبرني
قهقه محمد وهو يقرص وجنتها بخفة:
أنت امي واختي وكل دنيتي أنتِ والمفعوصة الصغيرة وعارف محدش هيحبني في الدنيا ويخاف على مصلحتي أدكم
حانت منها بسمة ماكرة وقالت:
ونسيت البت الغلبانة اللي بتمـ.ـو.ت فيك
تنهد تنهيدة مفعمة بالكثير واخبرها:.
منستهاش ولا اقدر عارفة يا شهد انا طاير من الفرحة وحاسس أن الشغل ده جه في وقته، يعني لو الشغل ده ظبط و صاحب التاكس رضى يسلمني طرف بليل الدنيا هتظبط وتبقى تمام
بس ده هيبقى تعب عليك يا قلب أختك ومش هيبقى في وقت كافي علشان ترتاح
حانت منه بسمة متفائلة وقال بنبرة متأملة وهو يقصد صاحبة الفيروزتان اللامعة:
كله يهون علشانها وبعدين أنا مش هرتاح غير لما احس إني جدير بيها يا شهد ، ادعيلي.
ربتت شهد على كتفه وصاحت داعية:
ربنا يسعد ايامك ويكرمك من وسع وتحقق كل اللي بتتمناه يا قلب أختك
وعلى ذكر الامنيات طرق باب شقتهم طرقات راقصة يعلموا صاحبتها لتقول شهد بخفة:
شوفت دعواتي دا انا بركة أهي جت على السيرة والله البت دي بـ.ـنت حلال
طب روحي افتحلها يا بركة
فتحت شهد باب الشقة لتجدها تقف ببسمة واسعة ترتمي بحـ.ـضـ.ـنها ثم تضع قبلة على وجنتها قائلة:
صباح الخير يا شهد حشـ.ـتـ.ـيني و
قهقهت شهد وأخبرتها بمكر:.
انا برضوا اللي وحشتك يا اونطجية ولا الاستاذ اللي جاية تجري علشانه
ضيقت ميرال عيناها وتوسلتها بهمس وهي تتأبط ذراعها:
استري عليا يا شهد
هزت شهد رأسها ببسمة واسعة بينما هي تسألت بلهفة:
هو فين؟
هنا اهو برضو جيتي
قالها وهو يخرج أمامها لتتجمد نظراتها عليه لثوانٍ ثم همست بصوت خفيض وفيروز عيناها يلمع بوهج عشقه:
يخربيت جمالك
لم يلتقط هو همسها ولكن شهد فعلت حتى أنها نكزتها بكتفها، لتحمحم بحرج وتعدل حديثها:
ها اه أصل انا مستحيل اسيبك في يوم زي ده من غير ما ابقى جنبك واشاركك
حانت منه بسمة هادئة تنم عن مدى سعادته بتمسكها المستمـ.ـيـ.ـت به وقال مراوغًا:
طب هتوصليني ولا اخد التاكس.
هوصلك طبعًا بس الأول استنى قالتها وهي تخرج علبة مغلفة من حقيبتها وتخرج منها رابطة عنق تناسب تمامًا لون بدلته، جعد هو حاجبيه الكثيفين وسألها:
أيه ده؟
اجابته بعفوية:
دي Neck tieعلشان تكمل الشياكة
ضـ.ـر.ب كف على أخر وقال بخفة وهو يعقد حاجبيه:
ياه على سوء النية وأنا اللي كنت مفكرها كر?تا
قلبت عيناها وأكدت وهي تقلد طريقته:
يا سلام ما هي كر?تا
اعتلى حاجبيه وأخذ يهنـ.ـد.م من ياقة قميصه قائلًا بغــــرور مصتنع لا يليق عليه:.
عارف أنت فكراني جاهل ولا أيه أنا بكالوريوس تجارة أد الدنيا واخد كورسات وبتكلم لغتين لبلب بس أنا بس اللي بحب اتواضع علشان معقدكيش
اتسعت بسمتها وهزت رأسها هامسة بمشاكسة:
عارفة انك جـ.ـا.مد وشكرًا لتواضعك يا سيدي ممكن بقى تلبسها
أيه لزمتها انا مش بحبها بتخـ.ـنـ.ـقني
لازم تتعود عليها علشان بعد كده لبسك كله هيبقى Formal
هز رأسه بعدm اقتناع لتتكرر هي بإصرار:
حمود بلاش تلكيك لازم تلبسها.
زاد مناقرتهم ومشاكستهم لبعض مما جعل شهد تطالعهم وهي تدعو الله بسرها أن يجمعهم معًا ويكلل ذلك الحب بينهم بنهاية تليق بنقاء قلوبهم
انتشلها صوته الأجش من شرودها:
يا شهد الحقيني وقوليلها حاجة انا بتخـ.ـنـ.ـق من البتاعة دي
حانت من شهد بسمة حانية وقالت بخفة:
اسمع كلام البِنية وبلاش تتعبها معاك وانا هروح اولع شوية بخور علشان يخزي العين قبل ما تنزل
بخور كمان انتو عايزين مني ايه؟
قالها وهو يضـ.ـر.ب كف على آخر و يرى شقيقته تدخل للمطبخ وتقهق على مشاكسته بينما هي كانت تطالعه بنظرات حالمة زلزلت قاع قلبه ككل مرة و.جـ.ـعلته يرتبك قائلًا:
شكلكم اتفقتوا عليا، أمري لله بس أنا مش بعرف اعملها
أنا هعملهالك وأبطل حجتك.
وقبل أن تحصل منه على رد كانت تشب على طرف حذائها كي تضعها حول عنقه ثم وقفت أمامه تركز نظراتها على ما تفعله، بينما هو أغمض بندقيتاه بقوة وهو يلعن تلك الرائحة المسكرة التي تفوح منها وزحفت لكل حواسه اسكرتها و.جـ.ـعلت تلك المشاعر المستترة بقلبه تتأجج شيء فشيء وتدفع تلك الأفكار التي لا تشبهه بالمرة برأسه وتتراءى أمام عينه وتجعله يمني نفسه لو يجوز تحقيقها.
أما هي فأخذت تقوم بمحاذاة أطراف رابطة العنق ولفها صانعة عقدة مرتبة في غاية الأناقة.
وحين انتهت شبت أكثر كي تعدل من موضعها تحت ياقه القميص دون أن تعي أن ذلك القرب اللعين يكاد يفقده صوابه ويزعزع بحدود منطقه ويضـ.ـر.ب به عرض الحائط فكم كان يود أن يلبي رغبة قلبه الآن ويضمها له ولكن عقله ومنطقه لا يجيز ذلك بتاتًا، رفعت هي فيروزتاها اللامعة له حين انتهت لترى نظراته تنطق بذلك الشيء الذي لم يجرأ إلى الآن أن يبوح به، لترسل له هي بعيناها إشارات مطمئنة تخبره بها أن هو كافة أمنياتها و مالك قلبها.
فقد دام تشابك نظراتهم الوالهة معًا لثوانٍ معدودة قبل أن يجد ذاته كالمغيب يهمس بنبرة متوسلة كي تكف عن تلك النظرات التي تزعزع كيانه وتجعل عزيمته تتلاشى شيء فشي:
بلاش تبصيلي كده مش عايز اغرق في بحر عنيكِ...
توردت تحت وطأة نظراته وهمست بخجل وهي تلملم خصلاتها وتضعها خلف أُذنها:
على فكرة أنت غرقت وخلاص
اضطربت أنفاسه وحاول جاهدًا أن يتعقل ولا ينخرط وراء تأثيرها ويستعيد ثباته وهو يدعي عدm فهم تلميحها:.
والمفروض أفهم من كده إيه؟
تنهدت بسأم من إنكاره الدائم ولكن بالطبع لم تيأس بل بادرت كي تحثه على البوح:
مهما حاولت تداري عيونك فضحاك و قالت كل اللي جواك يا حمود مش لازم تنطق بيه، كفاية إني حساه
حانت منه بسمة صافية رائقة من تفسيرها الذي راقه كثيرًا واشعره كونها تتفهمه بشـ.ـدة وتحترم قناعاته، ليهدر مشاكسًا وأحد حاجبيه يعتلي بتسلية:
مش عارف ليه حاسس أني بتدبس بشياكة.
اشتعلت فيروزاتها وناغشته بنبرة مشاكسة تشابه خاصته وهي تتأبط ذراعه:
أنا مش بدبسك انا بس عايزة اطمنك ان مفيش مفر وهفضل لازقة فيك العمر كله
قهقه بكامل صوته الرجولي الخشن بضحكة خـ.ـطـ.ـفت قلبها و.جـ.ـعلتها تتيقن كونها سقطت بحبه ربما للمرة الألف بعد المائة بينما هو ألتقطت نظراتها من جديد وهدأت ضحكاته قائلًا
كي يفض ذلك الحوار الذي يشعر أنه لو طال أكثر من ذلك سيخر أمام تأثيرها ويضـ.ـر.ب بكل شيء عرض الحائط:.
طب يلا نهرب من شهد قبل ما تولع البخور وتخـ.ـنـ.ـقنا بريحته وبعدين انا مش عايز اتأخر في أول يوم شغل.
أومأت له بطاعة ليغادرو المنزل بخطوات مُتعجلة يسبقها ضجيج قلبهم معًا لمبادرتهم أول خطوة في طريق سعيهم لذلك الحلم البعيد.
أما هي فقد كانت تقاوم كل شيء يذكرها به، تحاول أن تصمد من أجل أطفالها اولًا ثم ذاتها فقد كانت تشعر براحة عارمة وكأن عبء ثقيل كان يكمن فوق أعتاقها وانزاح عنها، فلم تعد تتكبد العناء كي ترضي أحد كما كانت تفعل في سابق عهدها بل اصبحت تهتم بذاتها وتفعل كل شيء لإسعادها، فقد علمتها الحياة أن لا تنتظر أحد أن يمنحها السعادة بل لابد أن تجلبها هي كي تكافئ بها ذاتها عن كل ما كابدته وهي تتمسك ب فروض الولاء والطاعة التي كانت تفرض عليها وتجعلها تتغاضى عن ابسط حقوقها و تبدي دائمًا راحته هو عن ذاتها وعن كل شيء يخصها.
فكانت تسير برفقة أطفالها تحتضن كفوفهم بسعادة عارمة بعد أن خرجوا لتوهم من أحد قاعات السينما التي كانت تعرض فيلما كوميديًا وقع اختيارها عليه كونها تفضل تلك النوعية من الأفلام قبل فترة سباتها.
وأثناء سيرهم عبر شريف عن رأيه:
مامي أنا اتبسط أوي والفيلم كان حلو مبطلتش ضحك
لتؤيده شيري:
اه وانا كمان عاجبني وعايزة ادخله مرة تانية وزعلانة أن اليوم خلص وهنروح
مط شريف فمه وأيدها بإندفاع وبعقلانية تعطيه فوق سنه:.
انا كمان مش عايز اليوم يخلص احنا مكناش بنخرج خالص وبابي علطول مكنش بيرضى غير وهو معانا وكان علطول مشغول وبيوعدنا ومش بيخرجنا
أنقبض قلبها عنـ.ـد.ما أتت سيرته، وتذكرت تلك الأيام التي كان يحرم عليها الخروج دونه ويكبت أطفالها، لتحين منها بسمة حانية لأطفالها رغم الحـ.ـز.ن الذي يعتمر قلبها ثم انحنت بجزعها تخاطبهم:
قولنا ايه قبل كده، بابي كان بيبقى مشغول علشان بيشتغل علشانكم وعيب نتكلم عليه كده...
انا اوعدكم هنيجي هنا علطول وهنعمل كل اللي انتو عايزينه
تأهبوا بنظراتهم لتسترسل هي بكل عقلانية وصمود من أجل نفسية أبنائها:
بابي وصاني أجبلك اللعبة اللي نفسك فيها يا شريف وقالي كمان أخدكم الملاهي اللي كان نفسكم تروحوها قبل كده
صفقوا الاثنين بسعادة وهتف شريف متحمسًا:
بجد يا مامي انا مبسوط اوي ولما اشوف بابي ونرجع بيتنا لازم اشكره.
أرتعش فمها وكادت تفقد اعصابها حين ذكر صغيرها أمر العودة لمنزلهم فالأمر ليس بيسير عليها ويثقل قلبها فكيف تخبر أطفال بنفس عمرهم بقرار أنفاصلهاوكيف ستبقى صامدة لهذا الحد أمامهم ولا تضع عوار عليه حتى لا يتأثر نفسية وسلوك أبنائها، لترفع عيناها التي اصبح الحـ.ـز.ن سكينها وترجو الله بسرها أن يمنحها تلك القوة لكي تحقق تلك المعادلة الصعبة وحدها.
مامي سرحتي في أيه؟
انتشلها صوت شيري من شرودها لتبتسم لها وتطمئنها وهي تعتدل بوقفتها:
ولا حاجة يا قلب مامي، يلا بينا بقى علشان اليوم لسه في أوله ونلحق ننفذ كل اللي قولتلكم عليه
لتشـ.ـدد على كفوفهم وكأنها تستمد القوة منهم ثم تسير معهم بخطوات سعيدة متحمسة في سبيل أن تعوض ابنائها وذاتها عن كل ما حرمهم هو منه بكل جبروت وانانية.
عرفت هتعمل ايه ولا اشوف غيرك؟
عيب يا هانم انا خدامك وتحت أمرك واللي عليه القصد تحت عيني وأول ما ألاقي فرصة مناسبة هنفذ وابلغك
تمام يا سنقر وفلوسك هتوصلك زي ما اتفقنا.
انهت مكالمتها وقد اعتلى فمها بسمة متخابثة تنم عن شر مقيت فقد قررت أن ترد الصاع صاعين لتلك المتعجرفة التي اهانتها بمنزلها و أدركت أنها أخطأت بالذهاب لهناك، وكونها استخفت بها أرادت أن تثبت لها أنها تستطيع أن تضع حد لشقيقها بنفسها فسوف تعطيه درس قاسيًا كي يعرف حجمه ولا يتأمل ويبتعد عن تلك الغـ.ـبـ.ـية التي ستخطط لتتخلص منها فيما بعد كي لا تشاركها بتلك الثروة الهائلة التي طالما طمعت بها.
↚
يحدُثُ أحيانًا أن ندفع الثّمن مرّتين، مرّة للحصول على الشيء، وأخرى للتّخلص منه.
مي زيادة.
الخواء هو كل ما يشعر به، لا يفعل شيء إلا أنه يمنح ذاته فترة سبات كي يسترجع أحداث الماضي وياللعجب! لايأتي بذاكرته إلا كل شيء جميل يخصها يتذكر حنانها معه وتفهمها له وتغاضيها عن الكثير في سبيل إرضائه فكان هو أول أولوياتها دائمًا ولكن بكل أسف لم يقدر ذلك يوم بل كان ساخط عليها وعلى كل شيء ولكن الآن حل محل ذلك السخط العظيم نـ.ـد.م أعظم يكاد يفتك به فكان ينفرد بذاته وسط ذلك الظلام الدامس الذي يسود غرفة نومه يتمدد على الفراش بجسد هزيل أفتقد بعض الكيلو جرامـ.ـا.ت ووجه شاحب تحجب رؤيتك عنه تلك الذقن المستطالة بإهمال دون عناية لعدة أيام، وعيون غائرة منهكة من شـ.ـدة التفكير يركزها على سقف الغرفة وهو يلتهم سجائره وكأنه يروح عن ذاته بها وينفث بها عن توابع سخطه، وبالطبع الأمر كان يصيبها بالضجر الشـ.ـديد لذلك لم تصمت بل واجهته حانقة وهي تقتحم الغرفة وتضغط على زر الإضاءة كي تضيئها وتكـ.ـسر تلك العتمة التي أصبح لا يفارقها:.
وبعدين بقى في القرف ده انت بتعمل في نفسك كده ليه!
أنا زهقت من حبسة البيت تعالا نخرج أو نسافر كام يوم نغير فيهم جو
رشقها من طرف عينه وأجابها بوجوم وهو يضع ذراعه حول عينه يحجب الضوء عنها:
الجلسة بتاعة القضية كمان كام يوم عايزاني اخرج واسافر أزاي وسط اللي أنا فيه ده أنتِ معندكيش دm مفروض تراعي شوية وتقدري
قلبت عيناها بسأم ثم تقدmت منه جالسة بجواره قائلة بهمس مغري أمام وجهه التي كوبته لتوها:.
عندي دm وعلشان كده بقولك لازم تخرج من الحالة دي وتغير جو وانا أوعدك هنسيك اسمك مش بس المسهوكة بتاعتك
نفى برأسه وازاح بوجهه بعيدًا عن مرمى وجهها قائلًا وهو يبعد يدها بيد وباليد الآخرى يطفئ سيجارته داخل المنفضة التي تعتلي الكومود ناهضًا يوليها ظهره:
منار أنا مش في ال Mood ومليش نفس لأي حاجة.
رغم غـ.ـيظها وتخيب آمالها؛ إلا أنها لن تستسلم بتلك السهولة فلابد أن تستغل الموقف لصالحها لأبعد مدى لذلك نهضت تحاوط خصره هامسة:
روحلها يا سونة وحاول تقنعها تتنازل
مش راضية حاولت كتير بس هي مصممة
خلاص روح لخالتك واترجاها تقنعها أنت بتقول انها بتحبها وبتعملها خاطر
حل يدها من على خصره ومال على المنضدة يتناول علبة سجائره من جديد يلتقط احدهم ثم يقوم بإشعالها قائلًا بخزي وهو يزفر دخانها:.
مكسوف منها ومن يامن آخر مرة انفعلت وقولت كلام بايخ معرفش طلع مني ازاي، ده غير أن خالتي يوم المستشفى غلطتني فمستحيل هتتعاطف معايا
زفرت هي في ضيق ثم حرضته:
حاول تاني مش هتخسر حاجة، انا بصراحة مش عارفة هي ازاى تتبلى على أبو ولادها كده وتبقى عايزة ترميك في السـ.ـجـ.ـن كده بجد قليلة الأصل مـ.ـو.ت يا سُونة كل ده علشان اتجوزت عليها طب إيه المشكلة هو أنت أول راجـ.ـل يعملها.
تعلقت بُنيتاه القاتمة بها لثوانِ معدودة يحاول أن يستسيغ حديثها ولكن فتات ضميره صرخ قائلًا:
هي ما اتبلتش عليا يا منار انا فعلا كنت السبب في نزول البيبي وحتى في جوازي منك معطتهاش حق الاختيار ده انا فرضته عليها واستقويت وكنت فاكر أنها قليلة الحيلة و هتقبل مع الوقت
اغاظها حديثه بشـ.ـدة لذلك صاحت بنبرة مُحرضة تقطر بالحقد لتلك الماكرة التي أفسدت عليها حياتها:
انت بتبرر ايه؟ هي مش ضحية متخليهاش تقنعك بكده؟
أنت راجـ.ـل وده حقك، هي بقى اللي غـ.ـبـ.ـية واعترضت على شرع ربنا، وإذا كان على البيبي أنت مكنتش تقصد.
أغمض عينه بقوة وارتمى على أحد المقاعد فحديثها يشبه صوت عقله بشأنها ولكن كان صوت ضميره أعلى بكثير وهو من طغى عليه حتى أن سخطه العظيم من تصعيدها للأمر أندثر و وجد ببواطنه ألف سبب يدفعها لذلك فهو حقًا يفتقدها وبشـ.ـدة رغم أنه يكابر للآن ولم يصرح بذلك ولكن عنـ.ـد.ما أبتعدت عنه وشعر أنها مقتته وتود أن تتخلص منه فقط حينها شعر كونها تمثل شيء كبير له لا يمكن الاستغناء عنه، فحياته دونها خاوية لم يعد بها دفء ولا سَكينة كسابق عهدها.
سونة سرحت فأيه؟
انتشله صوتها أثناء جلوسها على ساقيه وتلك القُبلات المغرية التي كانت تضعها على وجهه بكل إغواء منها مستمرة بهمسها كي تجعله طوع لها:
أنا بس اللي بحبك وخايفة عليك وعلى مصلحتك يا سُونة هي عايزة تأذيك ومتستهلش تفكر فيها...
كان حديثها يطابق صوت عقله بشـ.ـدة ولكن فتات ضميره حاول إقناعه أنه هو من أوصلها لذلك.
تمادت هي غير عابئة بتلك الثورة بداخله أما هو فكان يشعر بالضجر مما تفعله فليس بمزاج يسمح له أن يتودد لها حتى أنه كاد يتأفف ويبعدها عنه ولكنها كانت ماكرة تعرف كيف تسلب عقله بأفعالها وتحفز غريزته الذكورية بكامل أسلحتها وحيلها وبالطبع هو كان أضعف من أن يقاوم غريزته ليندرج معها في جولة هوجاء جعلتها تظن أنها ستغنيه عن كل شيء بها؛ غافلة كون استجابته لها بعيدة كل البعد عن أفكارها.
مرت الأيام عليها بصعوبة بالغة حاولت إلا تغادر المنزل مرة آخرى متخــــوفة أن تراه ولكن ها أتى موعد اختبـ.ـاراتها ومجبرة هي على الذهاب لجامعتها وبالطبع ستراه هناك ولذلك كانت التـ.ـو.تر والقلق يسيطر عليها لدرجة انه بعد أن اوصلها يامن إلى هناك هرولت لداخل القاعة وجلست بمقعدها وهي تتلفت يمين ويسار بشكل مضطرب تخشى رؤيته إلى أن
اجفلها صوت منه صديقتها قائلة:.
اخيرًا شوفنا من تاني نادين الراوي فينك يا نادو مفتقدينك جدًا
ردت بمجاملة و ببسمة عابرة:
اهلًا ازيك يا منه
تمام انتِ اللي أزيك دي الشلة كلها هتجن عليكِ من اليوم إياه
هزت رأسها وأجابتها بإقتضاب شـ.ـديد:
انا كويسة
مالت عليها منه وهي تضع يدها تواري فمها الذي يهمس بأُذن قائلة:
ده انتِ فاتك كتير يا نادو واخبـ.ـار الشلة كلها عندي
هزت نادين رأسها واجابتها بعدm اكتراث:
ميشغلنيش ومش عايزة اعرف حاجة يا منه.
زفرت منه بإستياء بعدmا لاحظت ردودها المقتضبة وتغيرها الواضح كوضوح الشمس ثم قالت قبل أن تجلس بأحد المقاعد القريبة:
واضح انك مش في الMood ومش عايزة تتكلمي، على العموم براحتك اشوفك بعدين
تنهدت هي بإرتياح عنـ.ـد.ما جلست بعيد عنها واخذت تهدأ روعها وتطمئن ذاتها داعية الله أن يمنحها القوة اللازمة كي تتخطى ذلك الأمر وتصلح ما ارتكبته بحق ذاتها قبل الجميع.
ثوانِ معدودة وكان هو أمامها يطالعها بنظرات مريبة جعلت الدmاء تتجمد بأطرافها ولكن لحُسن حظها مقعده كان بعيد عنها لذلك تنفست الصعداء وحاولت أن تستعد ثباتها كي تستطيع أن تؤدي اختبـ.ـارتها،
وبالفعل بعد مرور ساعة ونصف من الوقت المقرر انتهت وغادرت ولكنه كان بالمرصاد لها حين لحق بها هاتفًا بأسمها عدة مرات مما جعلها تتجمد بأرضها وكم تمنت لو انشقت الأن وابتلعتها حين استأنف:.
ايه يا نادو متهيئلي قولتيلي هنتكلم ولا رجعتي في كلامك
أبتلعت غصة بحلقها واجابته بثبات تحاول أن تتهرب من مواجهته:
انت اتجننت يا طارق أزاي تنادي عليا كده وتلفت النظر لينا...
اجابها بنفاذ صبر:
مبقاش يهمني وبعدين اعملك ايه مش عارف أوصلك وعايز اتكلم معاكِ
مش وقته يا طارق
لأ وقته انا هتجن وأنتِ ولا على بالك ولازم نتكلم ودلوقتي.
زاغت نظراتها ومررت يدها في خصلاتها تحاول أن تجد حيلة مناسبة لتمهد له الأمر ولكنه لم يمهلها وقت لذلك بل هدر بنبرة نافذة:
بتدوري على حجه مش كده علشان تضحكي عليا بيها
نفت برأسها وقالت أول شيء جاء برأسها:
حجه ايه! لأ كل الحكاية أن يامن بعد اليوم إياه وهو علطول معايا ومش بيفارقني ده غير انه بقى يشك في كل تصرفاتي علشان كده مش بعرف أكلمك.
علقت سوداويتاه بها لثوانِ معدودة يحاول أن يستشف صدق حديثها وبالفعل فعل و فَطن لألعيبها، أما هي فكانت رغم كم التـ.ـو.تر التي تشعر به لكنها تماسكت وقالت بتمهيد حثيث:
طارق عايزاك تعقل وتبطل تراقبني أنت بقيت بتـ.ـو.ترني
ارتفع جانب فمه ساخرًا وصرح بتلك الاستنتاجات التى توصل لها:.
أنا مش مرتحلك على فكرة وحاسس أنك متغيرة، صوتك، ونظرة عينيكِ وحتى لبسك وتسريحة شعرك مش شبه نادو اللي أنا اعرفها اكيد في سبب قوي للتغير الجذري ده، غير شك الغـ.ـبـ.ـي ده فيكِ
اغمضت عيناها بقوة تستجمع شجاعتها وتستعيد قوة شخصيتها قائلة:
اسمع مفيش أسباب بس الوضع كله مبقاش عاجبني أنت تصرفاتك كلها غـ.ـبـ.ـية و انا مش ناسية جرأتك يوم Nightclub، وبصراحة أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن وبقيت أخاف منك.
تخــــوفت أن تخبره بعد أن رأت بأم عينيها توابع غـــضــــبه حين باغتها سابقًا داخل السيارة وارعـ.ـبها بوعيده، فلم تملك تلك الشجاعة كي تخبره أن كافة قناعاتها وأفكارها السابقة كانت واهية وبالطبع لن تتجرأ بتاتًا أن تخبره أنها تعشق الآخر وستتمم زواجها منه بعد عدة ايام فهي لا تضمن ردة فعله ولذلك كانت تحاول أن تستخدm ذكاءها كي تحاول إقناعه بكل الاسباب الآخرى كي تحيد عن السبب الحقيقي، ولكن بالطبع الأمر لم يعجبه بتاتًا لذلك جز على نواجذه وهدر بنبرة غاضبة تقطر بغيرته:.
ايه المشكلة ولا هو حلال ليه وحـ.ـر.ام ليا؟
قلبت عينيها بعدmا تفهمت إلى ماذا يرمي ثم قالت بإندفاع بنبرة تحمل فخر ودفاع مستتر أغاظة بشـ.ـده:
هو جوزي
ابتسم بسمة مسمومة بغـــضــــب أعمى وهسهس متهكمًا:
غريبة، مقولتليش ليه كنت بسايره كالعادة دلوقتي بتدافعي عنه وعن سُلطته الجبرية عليكِ بكل رضى، اتغيرتي كتير يا نادو وتغيرك ده مش مطمني
تأففت هي بثبات وبنبرة قوية كي يكف عن تلك التهكمـ.ـا.ت الصائبة:.
طارق لو سمحت انا اعصابي تعبت منك ومبقتش مستحملة
هز رأسه بحركة غير متزنة بالمرة تنم عن غـــضــــب عظيم وعقب بملامح لا تفسر:
مش هيحصل يا نادو
جعدت حاجبيها بتوجس من تهديده المبطن لها الذي أوضحه بنظرات مشتعلة وبنبرة تقطر بالوعيد:
مش طارق المسيري اللي يتلعب بيه ولو كنتِ فاكرة أنك هتخلصي مني بالسهولة دي تبقي بتحلمي
دار بؤبؤ عيناها برعـ.ـب من تهديده المتكرر وشحب وجهها وإن كادت
ترد اتاها صوت صديقتها.
نادين واقفة مع البني آدm ده ليه؟
قالتها نغم بجدية شـ.ـديدة وهي ترشق طارق بنظرات متدنية اغاظته للغاية وخاصًة حين وجهت حديثها له بنبرة قوية مُحتدة جعلت الانظار تتلفت لهم:
وأنت واقف ليه كده مش نبهتك قبل كده تحترم نفسك وملكش دعوة بيها
جالت نادين بعيناها محيط المكان ولاحقت الموقف:
نغم الله يخليكِ متكبريش الموضوع كل الحكاية أنه كان بيسألني على حاجة وجاوبته خلاص.
تناوبت نغم نظراتها المشككة بينهم وهدرت وهي تلوح له بيدها:
طيب مستني ايه أتفضل
قلب عينه بغـ.ـيظ وقد لعنها بسره ربما للمرة الألف بعد المائة ثم قال من بين اسنانه:
ماشي همشي بس لسة للحديث بقية يا نادو
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يتركها تزفر بإرتياح وتتمسك بذراع نغم مغمضة العينين وكأنها تستجمع ذاتها، نظرت نغم لموضع يدها المرتجفة التي تتشبث بها ولاحظت شحوب وجهها لتسألها بتوجس:.
على فكرة انا مش مصدقاكِ ومتأكده أن في حاجة مريبة أنتِ مخبياها عليا
هزت رأسها وحاولت أن تتماسك كي لا تشعرها بشيء قائلة:
مفيش حاجة غير اللي قولتهالك وبلاش طريقتك دي الله يخليكِ انا اعصابي بايظة لوحدها وعايزة أروح
شعرت نغم بالريبة اكثرمن تصرفاتها وردود أفعالها مما أكد لها أنها تخفي أمر جلّل يصعب عليها التصريح به لذلك طمئنتها قائلة وهي تربت على ذراعها:.
نادين اتكلمي وصارحيني متخافيش، لتستأنف مستفهمة بعقلانية شـ.ـديدة:
الشاب ده لو بيضايقك بأي شكل مينفعش تسكتي ولازم توقفيه عند حده احكيلي وهنشوف حل مع بعض.
نفت برأسها مستنكرة وهي تقطم شفاهها تكتم انين قلبها فليس كل شيء بداخلها تستطيع البوح به وبالرغم من كون نغم تتفهمها وتوجهها للطريق الصحيح في كل مرة تخطئ بها ولكن الآن لا تعلم هل ستتفهمها ايضًا أَم ستتحامل عليها وتوبخها وتزيد أعبائها لذلك قالت كي تفر من ضغطها على أعصابها بنبرة صدرت منها دون قصد متلعثمة:
مفيش حاجة من دي، متكبريش الموضوع، انا عايزة أمشي زمان يامن جه ومستنيني، سلام.
قالتها وهي تخـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنة الآخرى وتركض هاربة بينما نغم فكانت تشعر بشعور مقبض يداهمها وهي تتطلع لآثارها وكم دعت الله أن تكون كل شكوكها بغير محلها.
كان ينتظرها يتلهف كي تطمئنه وها هي تركض إليه وتصعد بجواره ليتساءل بقلق:
ها عملتي ايه طمنيني؟
اجابته ببسمة باهتة:
الحمد لله متقلقش
زفر بأرتياح بينما هي استأنفت بمشاعر جارفة وهي تتمسك بأناملها المرتعشة كف يده وكأنها تتأكد أنه مازال معها و توده ينعمها بتلك الطمأنينة الدائمة التي يهددها ذلك المقيت:
على فكرة وحـ.ـشـ.ـتني...
لاحظ رجفتها وفسر الأمر كونه تـ.ـو.تر عادي بسبب الإختبـ.ـارات لذلك كوب يدها براحتيه بإحتواء وقال ببحة صوته المميزة التي تعشقها وتشعر أنها تنفذ لقلبها:
أنتِ حشـ.ـتـ.ـيني و أكتر عارفة بقالك أد أيه بعيد عني انا عاددهم بالدقيقة يا مغلباني
هامت بوجهه وبتلك الناعستين الدافئة التي تشملها ثم قالت بنبرة معـ.ـذ.بة وبقلب يخشى الفراق:
أوعدني أنك متبعدش عني وان مفيش حاجه هتفرقنا غير المـ.ـو.ت يا يامن.
جعد حاجبيه مستغربًا ذلك الخــــوف الذي يسكن عيناها ويفوح من حديثها، وطمئنها وهو يرفع كف يدها واضع قبلة مطولة بداخله:
أوعدك يا قلب يا يامن بس علشان خاطري بلاش سيرة المـ.ـو.ت
هزت رأسها بحركة بسيطة وعيناها تغرغر بالدmع فحقًا تعشقه ولا تريد خسارته ولكن كيف الفرار من توابع أفعالها،
لاحظ غيوم عيناها و سألها بإسترابة:.
نادين مالك انتِ بقالك كام يوم مش عجباني وعلطول سرحانة أنا مقدر أن الأيام دي مضغوطة بس مش عارف ليه حاسس ان في حاجة شغلاكِ وعلطول مـ.ـو.تراكِ
حاولت أن تستعيد رباط جأشها وقد اخفت دmعاتها سريعًا مستنكرة:
حبيبي مفيش، انا بس أعصابي مشـ.ـدودة بسبب المذاكرة
تنهد تنهيدة مطولة ثم قال محفزًا إياها:
هانت يا حبيبتي خلاص كام يوم وكل ده هيعدي وساعتها هدلعك اخر دلع وهاخدك ونسافر أي حتة تشاوري عليها علشان تريحي اعصابك.
ابتسمت بإمتنان بينما هو قرص وجنتها بخفة قائلًا:
ايوة كده اضحكِ خلي شمسي تطلع
اتسعت بسمتها تلك التي لطالما أوقعته بها رغم بهوتها الآن و قطمت شفاهها بخجل، مما جعله يهيم بها بتنهيدة مُسهدة هامسًا بعبثية تامة:
يالهوي هو في جمدان كده...
نكزته بكتفه كي يكف عن إخجالها بينما هو شاكسها وهو يرفع يده داعيًا:
يارب قويني وعدي الكام يوم دول على خير أنا مش عايز اتهور.
هزت رأسها بلافائدة بينما هو استرسل وهو يشعل مقود السيارة:
ماشي يا مغلباني، وعلى فكرة قبل ما انسى خالك سعيد كلمني وقلق عليكِ لما لقى تليفونك مقفول، بس انا طمنته وقولتله أني هخليكِ تكلميه
أومأت له بينما تساءل هو مستغربًا:
بصراحة مش عارف ليه قافلة تليفونك لغاية دلوقتي ومش لاقي سبب مقنع لده
خار قلبها وبررت متلعثمة:
كنت قفلاه مش عايزة حاجة تشغلني، لتنكس رأسها وتستأنف وكأنها أدركت أن لا فائدة من الهروب:.
بس خلاص هفتحه لما أروح وهكلمه أصلًا هو وحشني أوي هو وطنط هانم أنا فعلًا بقالي مدة مكلمتوش وليه حق يقلق
أومأ لها بتفهم كعادته وببسمة هادئة حانية وانطلق بها، غافلين عن ذلك المتربص الذي كان يقف على بعد منهم يراقب كل شيء وينظر لآثارهم بعيون حاقدة ولم ينتبه إلا عنـ.ـد.ما ربت فايز على كتفه قائلًا:
وبعدهالك يا صاحبي ما تفكك منها
جز هو على نواجذه وأخبره بإصرار مقيت:
بحبها
حانت من فايز بسمة هازئة وقال بِفطنة:.
طارق أنت مبتعرفش تحب متضحكش على روحك أنت بس متغاظ علشان البت شوكتها قوية عليك ومعرفتش تكـ.ـسر منخيرها وسلمت لواحد تاني غيرك، اللي أنت فيه ده مش حب؛ انت بس اتعودت أن مفيش حد ينتصر عليك ولا ياخد حاجة منك ويطلعك خسران
تقلصت معالم طارق واستنكر قائلًا بكل غــــرور وعنجهية:
وحتى لو كلامك صح أديك قولتها مش طارق المسيري اللي يتلعب بيه ويطلع خسران من أي لعبة
هز فايز رأسه بلا فائدة بينما استأنف طارق متسائلًا:.
هي لسة جوة؟
تفهم فايز من يقصد بحديثه ليجيبه حانقًا:
ايوة مخرجتش
يبقى ننفذ اللي اتفقنا عليه...
زفر فايز بعدm رضا واومأ له بينما هو نمت بسمة منتشية على جانب فمه لا تنبأ بالخير بتاتًا.
أنهت اختبـ.ـارها واول شيء فعلته كانت تهاتفه وما أن أتاها صوته الأجش قالت بسعادة عارمة:
حمود خلصت بجد مبسوطة أوي أن أول يوم عدى بسلام
أجابها هو من الطرف الأخر:
طمنيني الأول عملتي ايه؟
الحمد لله حليت كويس واخدت كل الوقت وراجعت اكثر من مرة
طيب الحمد لله انا كنت قلقان ومصدقت خلصت شغل وجيت علشان ألحقك
أتسعت عيناها وتسألت وهي تهرول للخارج:
أنت هنا؟
اه مستنيكِ بره مقدرتش مجيش واطمن عليكِ.
تدرجت وجنتهاوقالت بنبرة شغوفة للغاية وهي تسير بخطوات واسعة كي تلقاه:
ربنا يخليك ليا يا حمود ويحل عقدة لسانك
استمعت لصوت ضحكته من الطرف الآخر، لتستأنف بمناغشة:
بتضحك كمان يارب صبرني
هانت يا حلو
جائت تلك الجملة المفعمة بالطمأنينة لتجعل قلبها يتراقص بين جنباتها وتقسم أنها وقعت بحبه للمرة الألف بعد المائة عنـ.ـد.ما وصلت لموقعه ووجدته ينتظهر بتلك البسمة التي تنم عن ما يكنه لها لتغلق الهاتف وتركض إليه قائلة:.
بجد هانت يا حمود
أومأ لها ببسمة حالمة واخبرها بصدق:
انا عارف أن مهما عملت ومهما كان اللي وصلتله عمري ما هقدر اوصل لربع اللي أنت تستهليه بس أنا دلوقتي بقى ليا دخل ثابت و وظيفة محترمة تشجعني إني اقولك هانت، لتتهدل ملامحه ويقول بتوجس وبقلب يكاد يهوي بين اضلعه من الخــــوف:
بس بصراحة خايف والدك يرفض.
بابي كل اللي يهمه سعادتي وبس وهو وعدني قبل كده انه هيعمل اي حاجة علشان يحققلي أحلامي ويشوفني مبسوطة وأنت كل امنياتي يا حمود وانا مش عايزة من الدنيا غير اني اكون معاك ومتأكدة أن بابي هيوافق لما يعرف انك بتحبني وبتخاف عليا زيه
قالتها بنبرة مفعمة بالثقة وبعيون تهيم به جعلت ملامحه تتمدد براحة ويعتلى ثغره بسمة رائقة قائلًا بحاجب مرفوع مشاكسًا:.
طب هو انا مخدتش بالي وغرقت قبل كده، لكن دلوقتي قلبي حاسس إني بدبس رسمي
اه اتدبست ومش هتخلص مني ابدًا يا حمود أنا خلاص لازقة فيك للأبد.
قالتها بكل إصرار وهي تتأبط ذراعه وتسير معه نحو سيارتها وهم يتبادلون بسمة مفعمة بالأمل اندثرت في توها وأخذت معها بوادر سعادتها عنـ.ـد.ما وقفت على مقربة من سيارتها فلم تفعل شيء سوى أنها تمسكت بذراعه وكأنها تخشى فقدانه وتعلن للجميع تمسكها المستمـ.ـيـ.ـت به، نظر هو لشحوب وجهها ويدها التي تشـ.ـدد على ذراعه بتوجس شـ.ـديد وخاصًة عنـ.ـد.ما اتبع مرمى بصرها ليجد مجموعة من الشباب يقفون حول سيارتها و واحد منهم يجلس على مقدmتها بشكل مستفز وكأنها ملكية خاصة له مما جعله يتسأل بتوجس:.
في ايه يا ميرال انتِ ت عـ.ـر.فيه؟
تلجلجت وهي تناوله مفاتيح سيارتها كي يتولى هو القيادة بالنيابة عنها:
ده طارق زميلي وشلته سيبك منهم وخلينا ناخد العربية ونمشي أنا عايزة اقضي اليوم كله معاك
أومأ لها ببسمة هادئة ولم يعطي الأمر أهمية وعنـ.ـد.ما وصل للسيارة استأذن منه بأدب:
بعد اذنك علشان هاخد العربية
حانت من طارق بسمة هازئة وقال ببرود:
وماله ما تاخدها
أنت قاعد على الكبوت همشي ازاي يا استاذ.
قهقه طارق وأخبره بخبث مقيت وهو ينزل بجسده عنها:
اه معلش يظهر إني اتعودت على القعدة دي وحبتها؛ أصل كنت كتير بستنى صاحبتها
قال آخر جملة بغمزه من عينه جعلت الدmاء تتجمد بجسدها، بينما هو لم يستسيغ عقله ما تفوه به وقد تجهمت معالمه حين تسأل متأهبًا:
نعممممم، تقصد ايه؟
أبتلعت هي غصة بحلقها وحاولت تلاحق الموقف وهي تقف بمواجهة محمد وتتمسك بيده راجية قبل أن يسترسل الآخر بالحديث اكثر ويخرب كل شيء:.
محمد خلينا نمشي لو سمحت وبلاش نضيع وقت اكتر من كده
أزاحها محمد جانبًا بحماية بعيد عن مرمى الآخر قائلًا:
ممكن تصبري و متدخليش خليني أفهم البيه ماله
مط طارق فمه مستخف من صرامته معها وقال بتهكم تقصده كي يستفزه أكثر:
ايه يا ميرال اسمعي كلام صاحبك، واصبري ولا أنتِ علطول كده مستعجلة على الصرمحة
تدخل هنا فايز قائلًا كي يكبح صديقه:.
طارق خلينا نمشي وبلاش تقول كلام ملوش لازمة يا صاحبي وتعمل مشاكل احنا في غنى عنها
هز طارق كتفيه وأخبره ببراءة مصطنعة:
متدخلش أنت، الراجـ.ـل شكله مضحوك عليه ولازم انبهه
زفر فايز بحنق من تصرفات صديقه بينما
إنفعلت هي قائلة وهي تلوح بيدها:
انت مـ.ـجـ.ـنو.ن ايه اللي بتقوله ده!
اعتلى حاجب طارق وهدر بخبث مقيت:
ايه خايفة افضحك قدامه واقول حقيقتك.
كادت ترد لولآ أن محمد اخرسها بنظرة من عيناه جعلتها تتجمد بأرضها حين احتدت نبرته ورأت عروقه تنفر من يده قائلًا بنبرة قوية لا تقبل المهادنة مستخدm كامل صوته الأجش:
لما يكون في راجـ.ـل واقف قدامك لازم تحترمه و توجه كلامك ليه، ولأخر مرة بحذرك متوجهلهاش كلام، أما شغل التلقيح ده فسيبه للحريم واتكلم من غير لف ودوران.
أغاضه أنه يعطيه أوامر بل ويتهكم على رجولته لذلك قرر أن يفض كل ما بجعبته مرة واحدة كي يخرجه عن توره وعن رزانته المستفزة تلك:
أهدى على نفسك وبلاش تتحمق أوي كده اللي مش عايزني اوجهلها كلام دي كانت مقضياها مع نص شباب الجامعة وانا كنت آخرهم تقدر تقول كنت الأكس بتاعها.
توحشت نظرات محمد وفارت دmائه الحامية فحديث ذلك المقيت غير مقبول بتاتًا بالنسبة له ليقبض على حاشية ملابسه قائلًا بحمئة شـ.ـديدة وبنظرات قـ.ـا.تلة يشتعل الغـــضــــب بها:
أنت بتقول ايه يا(***) سمعني تاني كده؟
نمت بسمة متخابثة على جانب فمه عنـ.ـد.ما أدرك أنه نجح في استفزازه، ليتمسك بقبضته في محاولة منه أن يزيحها قائلًا بتبجح لا مثيل له وافتراء جعل قلبها يهوي بين قدmها:.
اللي سمعته، بس نعيد تاني علشان خاطرك، المُزة اللي أنت مصاحبها كنت معاها قبلك وانا اللي سبتها علشان سمعتها اللي زي الزفت و نادين الراوي أقرب صاحبة ليها هي اللي سيحتلها وفضحتها في الجامعة كلها واسأل اي حد هيقولك على فضايحها...
لم يكمل حديثه إلا ووجد لكمة قوية أطاحت به من يد محمد جعلته يترنح بوقفته وتلاها شهقات الجميع تزامنًا مع صرخة قوية منها وتلاها ترجيها له بتلهف وهي تحاول منعه بنبرة متوسلة على حافة البكاء:
اهدى واسمعني يا محمد متخليهوش يستفزك
حانت من طارق بسمة تقطر بالشر وهو يحرك فكه يمينًا ويسارًا أثر لكمته ثم قال بإصرار وبنبرة متوعدة وهو يعتدل بوقفته:
وحياة امي لهدفعك تمن اللي عملته ده غالي اوي يا جربوع
صرخت هي راجية:.
اسكت حـ.ـر.ام عليك يا طارق كفاية، كفاية
لتوجه نظراتها ل محمد تطالع إنفعاله وعروقه النافرة التي تنم عن غـــضــــب عظيم قائلة بنبرة راجية ودmعاتها تنسل من فيروزاتها تستعطفه:
محمد متصدقهوش واللهي انا
مش عايز اسمع صوتك، فاهمة.
قاطعها هو بنبرة قوية وبنظرة صارمة نفضتها و.جـ.ـعلتها تبتلع باقي حديثها عنـ.ـد.ما جذبها من ذراعها و وضعها خلف ظهره موجهًا الحديث لذلك المقيت وهو يقترب من جديد منه ويدفعه بصدره بقوة ألــمت الآخر و.جـ.ـعلت الشر يقتد بداخله ولكنه بالطبع لن يفسد الأمر ويتشاجر معه الآن فتلك ليست غايته:
جاي تقولي الكلام ده ليه دلوقتي ها؟
تمسك بصدره على موضع لكمته ثم اجابه ببسمة مستفزة:.
تصدق أنا غلطان أن قلبي عليك اصل سمعت أنك غلبان واكيد هي بتتسلى بيك زي اللي قبلك وحبيت انبهك علشان متخدعكش بحوار امها ده وتخليك تتعاطف معاها زي وزي كتير قبلي.
كان يشعر ببركان ثائر تتفاقم حممه وتأكل دواخله من حديث هذا المقيت لا والأنكى انه تفاجأ بعلمه لتلك التفاصيل الذي ظن نفسه الوحيد الذي شاركها معها، لذلك كان مشـ.ـدوه لدرجة انه تناوب نظراته بينهم بصدmة عارمة فنعم علم عنها الكثير ولكن لم يخطر بباله يوم كون لها علاقات اخرى قبله كانت تضم نفس التفاصيل التي جمعتهم سويًا وعند تلك الفكرة وجد دmائه الحامية تتفاقم لرأسه كحمم بركان ثائر يكاد ينفجر وتتناثر حممه تحرق الجميع ليمد أنامله يمسد جبهته بسبابته وابهامه يحاول ان يتمالك زمام نفسه كي لا يتهور ولكن كان الأمر ليس بيسير بتاتًا فعقله يستنكر الأمر بقوة ومنطقه يرفضه ولم يصوغه بالمرة لذلك وجد ذاته يلتفت لها متسائلًا وهو يشملها بنظرة دامية مشتعلة تنم عن غـــضــــب جحيمي بالكاد يتحكم بكبته:.
كلامه ده صح؟
نفت برأسها بحركة غير متزنة ولكن رد طارق كان أسرع من ردود أفعالها حين قال:
متقدرش تنكر علشان الجامعة كلها عارفة فضايحها وهم قدامك تقدر تسأل أي حد فيهم هيقولك.
تناوب نظراته المصدومة بينهم وهو يكور قبضة يده بقوة حتى نفرت عروق يده فكم كان يود أن يحطم رأس ذلك المقيت الآن بيده العارية ولكنه تماسك وتحامل على ذاته بكل عقلانية فذلك التهور والأفعال الصبيانية لا تمت لطبيعته بشيء، بينما غمغمت هي بشهقات باكية:
محمد هفهمك
دلك مؤخرة عنقه كي يهدأ من روعه وقال ببسمة متألــمة متخاذلة لأبعد حد قبل أن يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب قبل أن يرتكب جريمة لتوه:.
يا خسارة يا ميرال...
حاولت مناجاته ومنعه من تركها ولكنه لم يمهلها فرصة لذلك بل في لمح البصر كان يختفي من أمامها ليزيد نحيبها وتصرخ بذلك المقيت بأنهيار تام:
ليه، ليه حـ.ـر.ام عليك، عملتلك ايه أنا عمري ما أذيتك ولا أذيت حد ليه تعمل كده.
كانت تتحدث ومع كل كلمة تسبقها دmعاتها الحارقة التي كانت تكوي قلبها قبل وجنتها من شـ.ـدة قهرها بينما هو أخبرها بكل تبجح وبخبث مقيت يتقصد به أن يذكرها بفعلت الأخرى بها كي يشعل بداخلها تلك الضغينة من جديد:.
نادين الراوي قالت جملة في الصميم قالت ميرال مش بتغلب وكل يوم هتصاحب واحد شكل علشان كده متزعليش ودوري على غيره بس ياريت يبقى لارج شوية مش زي الغـ.ـبـ.ـي اللي ايده طرشة ده، وبعدين في داهية ده حتى مش لايق عليكِ ولا على مركز ابوكِ
منك لله يا طارق منكم كلكم لله ربنا ينتقم منكم.
قالتها بنبرة واهنة وشهقات تدmي القلب وهي توجه حديثها للجميع بينما هم كانوا فقط يشاهدون ما يحدث دون أن يتجرأ أحد على أن يتدخل لذلك جرت قدmيها وانسحبت من بينهم باكية تصعد إلى سيارتها ثم انطلقت بها وهي تنعي حظها وتنعي حياتها فحقًا كانت تشعر إِن حقًا فقدته ستفقد معه حياتها لذلك قررت أنها لن تستسلم مهما حدث وسوف تقنعه ببراءة أفعالها.
أخذت قرارها كي تثبت له كونها جديرة به وحدها فحقًا تريد إنهاء تلك الحرب البـ.ـاردة التي أنشبتها تلك الخبيثة من وجهة نظرها كي تفسد حياتها وتخرب ما تطمح له فقد قصدت منزلها وهاهي تقف على أعتابه تطرق على بابها وحين فتح حانت منها بسمة ماكرة أخفتها سريعًا وقالت لتلك التي تطالعها ببسمة مرحبة:
اهلًا حضرتك عايزة مين؟
قالتها سعاد دون دراية بهويتها مما جعل الآخرى تجيبها ببسمة عابرة:
مدام رهف موجودة.
أومأت لها سعاد واجابتها وهي تشمل هيئتها بريبة:
اه رهف هنا أقولها مين؟
انا منار هي عارفاني كويس
عقل سعاد لم يسعفها في حينها و رحبت بها دون أي اسئلة آخرى وقامت باستضافتها بغرفة الصالون قائلة:
اهلًا بحضرتك ثواني وهبلغ رهف.
هزت رأسها ببسمة مجاملة وأخذت تتطلع لمحيط المكان تستكشفه، بينما حين ذهبت سعاد وأخبرت رهف بأسمها ثارت ثائرتها وعاتبتها كونها سمحت لها بالدخول ولكن سعاد بررت أنها لا تعرف هويتها وإن كانت تعلم لم تكن استقبلتها بل كانت وبختها و طردتها شر طردة، تفهمت رهف و اندفعت إلى غرفة الصالون التي استضفتها بها بعدmا شـ.ـددت عليها أن لا تتدخل بتاتًا وتبقى مع الصغار وتترك الأمر لها فقد هجمت على الغرفة قائلة بتأهب وبنبرة شرسة مستنكرة وهي تلوح بيدها:.
أنتِ ليكِ عين تيجي هنا...
عقبت على هجومها بنبرة مفتعلة مسالمة لاتليق عليها بتاتًا:
أهدي، يا رهف لو سمحتي، أنا عارفة أنك مش طيقاني بس لازم تسمعيني ومش هتخسري حاجة
نظرت لها رهف نظرة مطولة تحاول أن تستشف نواياها ثم قالت بنفور وبملامح واجمة:
أنا عمري ما شوفت حد في بجاحتك
اغتاظت من طريقتها ولكنها ثبتت و سايرتها قائلة ببراءة مصطنعة:.
أنا عمري ما اتخيلت أن الموضوع يوصل لكده بسببي، يعني لما اتجوزت سُونة مكنش قصدي اخرب بيتك...
رمشت رهف عدة مرات بأهدابها تحاول أن تتمالك زمام نفسها دون أن تتهور وتسحب تلك المتبجحة من خصلاتها في حين الآخرى استأنفت بكيد:
وحياة سُونة اللي معنديش في الدنيا أغلى منه أنا مش وِحشة ومش علشان اتجوزته وحبيته ابقى خرابة بيوت
حانت من رهف بسمة هازئة وهزت رأسها بسـ ـخـــريــة قائلة:.
بجد أنتِ مصدقة نفسك، ت عـ.ـر.في دلوقتي بس اكتشفت انكم شبه بعض ولايقين على بعض جدًا، كل واحد فيكم عايش دور الضحية و بيكـ.ـدب الكدبة ويصدقها، انتو ازاي كده!
زاغت نظرات الأخرى ودافعت:
يا رهف أنا مليش دعوة بخسارتك للبيبي ولا هو ده من ساعة اللي حصل وهو زعلان وبيحلف أنه مكنش قصده وبعدين اللي في بطنك ده كان ابنه أو بـ.ـنته يعني مستحيل كان يقصد.
حقًا مدى التوافق الذي بينهم افحمها، فتقسم انها كانت مشـ.ـدوهة من ادعائهم للبراءة وتقمصهم لهذا الحد لا والأنكى أن قناعاتهم راسخة لا تتزعزع وتمدهم بثقة لا مثيل كونهم على حق وعلى الأرجح ذلك ما دفع تلك المتبجحة لتأتي إليها لتدافع عنه وتبرر أفعاله وكأنهم لم يكتفوا بعد كل ما حل بها، ولكنها رغم كل شيء لن تستسلم بل ستظل صامدة ولن ينطلي عليها تلك الدراما الهزلية فقد تناولت نفس عميق ملئت به صدرها ثم تساءلت بنظرات قوية ثابتة:.
ياترى هو اللي باعتك تدافعي عنه؟ ولا أنتِ اللي جيتي من نفسك علشان خايفة عليه؟
أبتلعت منار رمقها وأوضحت بنبرة متخابثة لأبعد حد:
انا جيت من وراه، وفعلًا أنا خايفة ومرعوبة عليه سُونة ده قلبي الحنين اللي مقدرش اعيش من غيره وعلشان كده جيت احاول اقنعك تتنازلي عن القضية أنتِ اصيلة و هو برضو ابو ولادك ومش هيهون عليكِ يتبهدل.
لا، إلى هنا ولم تعد تتحكم بأعصابها فتلك المتبجحة تحرق اعصابها وتزيد من انين قلبها، فهي حتى لم تراعي أن تتحدث عنه بتحفظ بل تدعوه بذلك اللقب المستفز أمامها وتصرح بحبها له وتدافع عنه فقط لتكيدها، لذلك اندفعت قائلة بشراسة قتالية اكتسبتها بعد نكبتها:
اتنازل عن ايه؟
أنا مش فاهمة ايه البجاحة بتاعتك دي وايه العشم ده أنت فاكراني ساذجة علشان اصدق الفيلم الهندي بتاعك ده أنت واحدة مادية كل غرضك الفلوس ومصلحتك و بس، وأحب اطمنك البيه اللي انتِ طالعة بيه السما مبقاش يلزمني وإذا كان هيهون عليا فأنا هونت عليه وعمره ما عمل حساب ليا ولا مشاعري ولا أي حاجة عملتها علشانه، وعلشان كده مش هتراجع و احب ابلغك اني سيبهولك وبكامل إرادتي.
انت مكبرة الموضوع اوي يا رهف وعطياه فوق حجمه فيها ايه يعني لو كنتِ قبلتي بالوضع وعشنا كلنا مبسوطين أنا عمري ما كنت هخليه يجي على حقك ولا على حق ولادك
جزت رهف على نواجذها من استفزاز الأخرى لها وقالت بشراسة وبنبرة متشفية كي تثير أعصابها مثلما فعلت معها:
لا شكرًا أوي لكرم جنابك أنا متنزلالك عن حقي فيه، اشربيه لوحدك أما بقى حق ولادي فأنا أخدته تالت ومتلت وسحبت كل فلوسه وسبتهولك على الحديدة.
تقلصت معالم وجهها بريبة وتسألت بعدm استيعاب:
يعني ايه مش فاهمة؟
أجابتها هي بتشفي وبرأس شامخة بكل كـبـــــريـاء وثقة:
اللي فهمتيه حسن بيه طايل بتاعك مبقاش طايل و رصيده بقى صفر...
استنكرت هي:
أنت بتقولي ايه مستحيل
قهقت رهف بعلو صوتها ضاربة كف على آخر ساخرة منها بأسف مصتنع:
يا حـ.ـر.ام يظهر أنه كان مخبي عليكِ ومكنش عندك علم بالموضوع...
لتهدأ ضحكاتها تدريجيًا وتستأنف بتهكم تقصدته:.
بس اعذريه يا منار أصل باين كده انه كان عارف انك اتجوزتيه علشان طمعانة في فلوسه وتلاقيه خاف يقولك علشان متسبيهوش يا حـ.ـر.ام
رفض عقلها الاستيعاب وهمهمت وهي تظن انها تتلاعب بها:
مش مصدقة وعلى فكرة هزارك سخيف
ثارت رماديتاها وهدرت بشراسة وبنبرة هجومية:
عارفة ايه السخيف انك كنتِ فاكراني غـ.ـبـ.ـية هقف اتفرج عليه و هو بيصرف فلوسي وحق ولادي على واحدة زيك رخيصة بتبيع نفسها للي يدفع اكتر.
شحب وجهها وتعالت وتيرة انفاسها بغـ.ـيظ لا مثيل له فمن كانت تظن انها ستكيدها؛ كادتها هي بل افحمتها واتلفت اعصابها وأودت بكافة آمالها وأطماعها وتأملاتها أدراج الرياح مما جعلها تهتف بغـ.ـيظ وبنظرة نارية متوعدة:
أنا أشرف منك وقسم بالله لو الكلام ده طلع صح مش هسكت وهحاسبه انه خبى عليا؟
شهقت رهف بخفوت وتهكمت وهي ترسم صدmة مفتعلة على وجهها:.
هتعملي ايه يا منار عيب مش ده سونة حبيبك وقلبك الحنين اللي متقدريش تعيشي من غيره، أيه غيرتي رأيك بالسرعة دي
ده حتى الست الأصيلة لازم تعيش مع جوزها على الحلوة والمره ولسة العمر قدامكم تقدري تقفي جنبه وتستحمليه علشان يقف على رجليه من تاني ويعوض خسارته.
كانت تتعمد أن تهزء منها كي ترد لها الصاع صاعين ورغم أن مجيئها من الأساس أجج جذوة النيران الكامنة ولم تنطفئ بقلبها ولكن الآن هي أفضل وتقسم أن حديثها ذلك أثلج قلبها واشعرها براحة عارمة لا مثيل لها، أما عن الأخرى فكان وجهها شاحب تجز على نواجزها من شـ.ـدة غـ.ـيظها وحتى أنها عجزت عن مجاراتها أو التفوه بأي شيء كل ما فعلته أنها دبت الأرض بكعب حذائها وغادرت بعدmا رشقت رهف بنظرة ثائرة مشتعلة استقبلتها ببسمة متشفية وبنظرة واثقة لامعة بقوة تنم عن شخصية جديدة تشكلت من جديد بفضل ذلك الساخط وبفضل كم الخذلان الذي أغدقها به في كنفه.
هو فين؟
قالتها ميرال ببكاء مرير وبتلهف وهي تندفع لداخل الشقة بعدmا فتحت لها شهد التي تنهدت وأخبرتها:
في أوضته من ساعة ما جه ومخرجش منها وقافل على نفسه هو في أيه يا ميرال أنتو اتخـ.ـنـ.ـقتوا؟
أيدت ميرال برأسها ودmعاتها تغرق وجهها وتوجهت نحو باب غرفته تطرق عليه راجية:
محمد أفتح وخلينا نتكلم، متعملش فيا كده، محمد، افتح لو سمحت خليني افهمك، محمد علشان خاطر ربنا اسمعني...
كانت تتوسله من خلف الباب بنشيج قوي يقطع نياط القلب ولكنه لم يجيبها ولم يصلها رد منه لتقترب شهد منها تواسيها في حنان وهي تربت على ظهرها بتعاطف بَين:
بس، وحياة الغالين عندك بطلي عـ.ـيا.ط واهدي هو لما بيزعل مش بيحب يتكلم وبيفضل قافل على نفسه لغاية ما يهدى ده طبعه من صُغره...
بس أنا لازم افهمه يا شهد ولازم يسمعني أنا مش عايزة اخسره يا شهد بالله عليكِ متخلهوش يسبني.
زفرت شهد وحاولت تهدئتها من جديد وهي تجرها لردهة منزلهم المتواضعة وتجلسها على أحد الأرائك:
طب اهدي يا ميرال وفهميني
حاولت تنظيم انفاسها وكبح شهقاتها المتألــمة ثم أجابتها بنهنهة متقطعة:.
الكـ.ـلـ.ـب طارق قاله إن كان ليا علاقات قبله، وانا والله مفيش واحد فيهم كان زيه، أنا كنت تايهة يا شهد كنت ضايعة ومش فاهمة، محدش كان بيوجهني ويفهمني الصح من الغلط كنت بدور على الحنية وبدور على حد يعوضني عن الأهتمام اللي اتحرمت منه أنا مكنش حد جنبي كنت لوحدي وهو الوحيد اللي لملم اللي باقي مني وشكلني من جديد أنا لو سابني همـ.ـو.ت، همـ.ـو.ت يا شهد ساعديني علشان خاطر ربنا ساعديني.
كانت تتحدث بإنهيار تام وبنبرة باكية متألــمة جعلت دmعات شهد تفر تضامنًا معها وتضمها لصدرها قائلة بنبرة مواسية:
اهدي يا ميرال، اهدي علشان خاطري هو مش هيسيبك ده هو كمان روحه فيكِ بس كان لازم تحكيله ليه خبيتي عليه
رفعت رأسها قائلة بعيون يكسوها الحُمرة من شـ.ـدة نحيبها:.
خــــوفت اخسره وميفهمنيش، وبعدين أنا أي حاجة حصلت قبل ما اعرفه ملهاش قيمة بالنسبالي و مجاش في بالي أني اتحاسب دلوقتي على طيشي وعلى اختياراتي الغلط، مجاش في بالي أن ربنا هيعـ.ـا.قبني فيه ويبعده عني
هزت شهد رأسها بتفهم بعدmا استشعرت مدى صدقها و طمئنتها:
هيروق والله أنا عارفاه سبيه يهدى وانا هفهمه وإن شاء الله خير
كفكفت دmعاتها بظهر يدها وسألتها بترقب:
بجد هتكلميه
هزت شهد رأسها وأخبرتها بتعاطف وبقلب عطوف:.
أنا مصدقاكِ ومتأكدة انك بتحبيه ومش بتكدبي عليا، هكلمه وهبقى على أتواصل معاكِ بس الأهم من كل ده تركزي في امتحاناتك ومتشغليش بالك
نفت برأسها واخبرتها بضعف وكأنها فقدت شغف كل شيء:
مش هعرف أعمل حاجة ولا أركز وهو بعيد عني
قرصت شهد أُذنها بخفة و وبختها قاصدة تحفيزها:
اجمدي يا بت وبطلي دلع ده مستقبلك وعليا النعمة لو ما شوفتي حالك وركزتي لكون مسخناه بزيادة وابقي قابليني بقى لو كلمك ولا عبرك من الأساس.
لأ يا شهد الله يخليكِ والله لو حصل همـ.ـو.ت من غيره، أنا هعمل كل اللي تقوليلي عليه
قالتها بصدق شـ.ـديد وبعيون باكية متوسلة جعلت شهد تنهرها قائلة وهي تترك أُذنها وتضمها لصدرها بعيون دامعة متعاطفة معها:
يخربيت فقرك قطعتي قلبي اسكتي بقى إلا انا لو اتفتحت في العـ.ـيا.ط مش بتسد وانا اصلًا فرفوشة يا ختي ومليش في النكد.
حانت من ميرال بسمة باهتة من بين نهنهتها لتربت شهد على ظهرها وهي تتنهد داعية ان يتفهم شقيقها ويرأف بتلك المسكينة التي استشعرت مدى صدقها وتعاطفت كثيرًا مع انهيارها بلاه.
أنت ازاي تخبي عليا انها خدت فلوسك؟
قالتها منار بنبرة عدائية وبتأهب ثار أعصابه و.جـ.ـعله يتساءل بتوجس:
عرفتي منين؟
أجابته بغـ.ـيظ:
ده كل اللي يهمك، عرفت منين، أيه مكنتش عايزني اعرف مش كده؟
تأفف هو بنفاذ صبر وهو يجذبها من ذراعها:
ردي عليا وقوليلي عرفتي منين؟
رمقته شذرًا ونتشت ذراعها من قبضته ثم أخبرته بنبرة تقطر بالحقد:
من الهانم بتاعتك اللي غفلتك وضحكت عليك
زمجر غاضبًا وتساءل وقاتمتيه تحتد من شـ.ـدة الغـــضــــب:.
شوفتيها فين؟
لوت جانب فمها وأخبرته ساخطة:
روحتلها لغاية عندها علشان اترجاها تتنازل علشان كنت همـ.ـو.ت من زعلي عليك والهانم قالتلي بكل جبروت أنها خليتك على الحديدة ده غير الكلام اللي زي السم اللي قالتهولي وأنا بحاول أدافع عنك.
مرر يده بخصلاته الفحمية يشعر أنه سيفقد عقله وهدرًا بعدm رضا:
ليه عملتي كده، ليه؟
أجابته بإنفعال مُصرحة بتلك النوايا الغير بريئة بالمرة التي تتواري خلف فعلتها:
روحت علشان بحبك وخايفة عليك وكنت فاكرة الهانم هتغير رأيها لما اتنازل عن كرامتي و اروح اتراجها بس هي اهانتني وغلطت فيك وقالتلي أنك مبقتش تلزمها ورفضت تتنازل.
جلس بأنهزام مكوب رأسه بكفوف يده لا يقوى على استيعاب هذا الكم منها، بينما هي حرضته من جديد:
لما سرقتك سكت ليه؟
أجابها بقلة حيلة:
حسابنا كان مشترك ومكنتش مخونها ومفيش حاجة تدينها
نفخت أوداجها وتساءلت وهي تربع ذراعها وتهز قدmها بإنفعال:
والعمل دلوقتي؟
زفر بقوة ومرر يده على وجهه المكفهر قائلًا:.
مش عارف، الشركة الشغل فيها واقف والعمال في الموقع رافضين يشتغلوا ومواد البُنا مرمية في الموقع ده غير أن المرحلة التانية للوحدات لو متسلمتش في معادها في شرط جزائي ملزم بيه في العقد
حانت منها بسمة هازئة محملة بسخط عظيم من حساباتها وتأملاتها التي ذهبت أدراج الرياح، بينما هو جذبها من جلسته دافن رأسه في بطنها راجيًا إياها بقلة حيلة وهو يحاوط خصرها:
منار دي ازمة وهتعدي خليكِ جنبي انا مبقاليش حد غيرك.
زفرت هي بقوة ودست أناملها بين خصلاته بملامح جـ.ـا.مدة وعيون محتدة من شـ.ـدة غـ.ـيظها وظل يدور برأسها كل الأحداث السابقة لتزيد من حقدها وسـ.ـخطها لكل شيء ثم تقرر أنها لن تظل مكتوفة الأيدي بعد الآن فلابد من إيجاد حل لتلك المُعضلة وفي أقرب وقت ممكن كي تعوض إهدارها للوقت.
فياترى ماذا تخبىء لك الأيام القادmة إيها الساخط على يدها! هل سترأف بك و بمصائبك وتبقى معك أَم ستتركك خائب الرجاء بعدها! حسنًا دعني أبشرك فإن كُنت تظن أن نوائب الدهر تكاثرت عليك وأحنت ظهرك فصدقًا القادm سيكون اعظم.
↚
أفضل إنتقام ممّن تخلى عنك، أن تعيش حياتك جيّداً بدونه.
جويس كارول أوتس.
زفرت انفاسها بسعادة عارمة حين جلست خلف مكتبها بتلك الشركة التي تملكها صديقتها بعدmا ألحت عليها بشـ.ـدة أن تباشر بالعمل معها، وها هي تفرد ظهرها على ذلك المقعد الدوار وتسند ذراعيها على مسانده وهي تشعر بشعور عظيم من الثقة والقوة التي حقًا سلبوا منها بفضله وبفضل فترة السبات التي كانت عليها.
ها المكتب عجبك؟
انتشلها صوت صديقتها سارة التي دخلت لتوها، اعتدلت بجلستها واخبرتها ببسمة واسعة:.
أوي أوي يا سارة المكتب يجنن
طب الحمد لله انه عجبك علشان تشتغلي بنفس كده وتطلعي المواهب المدفونة
هزت رهف رأسها وقالت بحماس أصبح جلي على وجهها:
حاسة إني عندي طاقة كبيرة ومتحمسة اوي وعايزة ابدأ دلوقتي.
تمام انا جهزتلك Files لمجموعة من الclient على مكتبك شوفي تحبي وتبدأي بإيه! والباقي يتوزع على الزملا هتلاقي في ال Files كل المطلوب و detailsكلها فيهم عيادات و كذا ?لا في التجمع والشيخ زايد بمساحات مختلفة و ياريت تشـ.ـدي حيلك معايا علشان اسم شركتنا مترشح لشركة مقاولات كبيرة ولو وقع اختيارهم علينا هنستلم تجهيز الوحدات السكنية ودي بجد هتبقى نقلة كبيرة للشركة وبصراحة أنا متفائلة بيكِ جدًا.
ابتسمت رهف وردت بمكاتفة:
يارب خير يا سارة متقلقيش هتلاقيني شعلة نشاط
أنا متأكده من ده يا رهف أصلا أنا كان حلم حياتي من الكلية إني اشتغل معاكِ واتعلم منك بجد انتِ موهوبة جدًا والشغل بيطلع من تحت ايدك تحفة مفيهوش غلطة
أطرقت اهدابها بخجل من إطرائها وقالت بخفة:
هبتدي أتغر يا سارة وصدقيني أنتِ اللي هتدفعي التمن
قهقهت سارة وقالت بخفة مماثلة:
يا ستي اتغري براحتك وانا تحت أمرك ده انا مصدقت.
ابتسمت رهف من مجاملتها وبررت بإقتناع:
على فكرة بهزر أنا كنت محتاجة الشغل جدًا علشان يرجعلي ثقتي بنفسي و أسفة إني ماطلت في الرد على طلبك بس كان لازم ارتب شوية حاجات و اجيب مربيه كويسة للاولاد علشان ابقى مطمنة عليهم في غيابي أنتِ عارفة أن سعاد اجازتها قربت تخلص ومينفعش اعتمد عليها
لتتنهد وتضيف بعرفان:.
والله ما عارفة من غيركم كنت هعمل ايه، أنتِ و سعاد وجوزك اللي اتولى القضية بجد مش عارفة اشكركم ازاي على وقفتكم جنبي
حانت من سارة بسمة صادقة بمحبة خالصة ثم همهمت وهي تربت على يدها المسنودة على المكتب:
أحنا اخوات يا رهف ومفيش بينا فرق وبعدين أنا مبسوطة جدًا أن قربنا تاني ورجعنا زي زمان.
أبتسمت رهف بإمتنان، لتتركها سارة تباشر عملها بينما هي كانت تشعر أن بقرارها ذلك استرجعت جزء من ذاتها التي فقدتها وفقدت شغف كل شيء معها بفضل ذلك الساخط الذي كانت دومًا تبديه هو عن كل شيء يخصها.
كان ينتظر الصباح بفارغ الصبر بعدmا يأس من محايلة النوم الذي جافاه فطوال الليل كان يقام بداخله حرب ضارية بين رغبة قلبه وبين تلك القيم الراسخة التي ربى عليها فحقًا هي صعبت عليه الأمر كثيرًا فكيف سيتقبل ذلك وهو يكاد يجن كلما هيأ له عقله أنها كانت مع شخص أخر غيره وتشاركه كل التفاصيل التي جمعته بها حقًا كان حزين يشعر بالشتات لأبعد حد يود أن يمنح عقله هُدنة رادعة كي يستطيع اتخاذ قرار صحيح، فقد تحضر لعمله بملامح بائسة وخرج من غرفته قاصد المغادرة ولكن صوت شقيقته استوقفه حين صاحت بإسمه:.
حمود استنى
تنهد ونظر لها دون حديث بينما هي اقتربت منه وربتت على كتفه قائلة:
لسة بدري على شغلك استنى نفطر سوا انا حضرتلك الفطار المتين والشاي على النار
نفى برأسه وأجابها بعيون حزينة بائسة انهكها التفكير:
مليش نفس يا شهد معلش سبيني
زفرت شهد وقالت بإصرار:
أسمع انا سبتك أمبـ.ـارح براحتك ومرضتش اضغط عليك لكن عليا النعمة لو ما فطرت معايا انا والبت لكون مقطعاك العمر كله
أغمض عينيه بقوة وترجاها قائلًا:.
شهد أنا مخـ.ـنـ.ـوق سبيني بالله عليكِ
هزت رأسها وسحبته من ذراعه هادرة بنبرة آمرة و هي تجلسه على طاولة الطعام قسرًا وكأنه صغيرها:
هتسمع الكلام وهتقعد تفطر أنت من أمبـ.ـارح محطتش حاجة في بؤك أنا مش هستنى لما تقع من طولك
لتدس بفمه لقمة مغمسة بالجبن قائلة:
كُل الاكل ملوش دعوة بالزعل وبعدين ايه المشكلة يعني أنت قاهر نفسك ليه؟
تطلع لها وحانت منه بسمة باهتة وهو يلوك ما بفمه لتباغته هي وتدس بفمه بيضة مسلوقة دفعة واحدة قشرتها لتوها ليسعل وهو يجد صعوبة في مضغها وابتلاعها:
كفاية يا شهد أيه اللي بتعمليه ده!
ربتت على ظهره بقوة كعادتها الغاشمة وفرغت له كوب ماء من الدورق الذي يعتلي المائدة وناولته إياه ليرتشف هو منه بضع رشفات ويقول متهربًا:
يخربيت هزار البوابين بتاعك ده كفاية شبعت، وسبيني بقى علشان متأخرش.
مش هتتأخر ومش هتنزل غير وأنت فاطر الفطار التمام وحابس بالشاي كمان
كاد يعترض ولكنها أصرت بشـ.ـدة مما جعله ينصاع لها، بينما هي كانت تنتظر فرصة لتفاتحه بالأمر.
دخلت صغيرتها وجلست دون أن تلقي عليه تحية الصباح فقط جلست وربعت ذراعيها ونظرت له نظرات تحمل العتاب، لذلك تسأل متوجسًا:
مالك يا مفعوصة على الصبح؟
مطت طمطم فمها وقالت معاتبة:.
زعلانة منك يا حمود ومش بكلمك علشان زعلت طنط ميرال وخلتها تعيط وهي طيبة وانا بحبها...
أبتلع غصة بحلقه ونظر نظرة عابرة ل شهد كي تجيب بالنيابة عنه وبالفعل فعلت وقالت لصغيرتها:
دي مواضيع كبـ.ـار يا طمطم وعيب ندخل فيها، ويلا قومي ألبسي لبس المدرسة الأول قبل ما تفطري.
دبت الصغيرة بقدmها الأرض و انصاعت لوالدتها بينما هو اسند أحد ذراعيه على الطاولة وأخذ يمسد جبهته وهو يشعر بألــم رهيب يداهم رأسه، ودون حديث كانت تعلم شهد ما يحتاجه لتحضر له حبة مُسكنة وكوب ماء قائلة وهي تربت على كتفه:
الصداع من التفكير يا قلب أختك، كفاية وارحم نفسك
زفر انفاسه دفعة واحدة وتناول من يدها كوب الماء يرتشف منه بعدmا وضع الحبة داخل فمه
لتستأنف هي:.
أنا عارفة انك عاقل وعقلك كبير، البت بتحبك يا حمود وقطعت قلبي لما حكتلي على اللي حصل
سمعتها...
قالها بنفاذ صبر وهو يتذكر ذلك الشعور القـ.ـا.تل النابع من شـ.ـدة المقاومة الذي أنتابه بالأمس وهو يستمع لكل كلمة تفوهت بها.
واصلت شهد حديثها:
البت بتحبك وبتقول أنها خبت عليك علشان خافت تخسرك
حانت منه بسمة متألــمة وأجابها بعيون تقطر بالحـ.ـز.ن:.
حتى لو كانت قالتلي يا شهد أزاي كنت هتقبل ده ببساطة كده، ليمسد جبهته من جديد كي يخفف حدة الألــم ويستأنف بخيبة أمل:
أنا عمري ما كان ليا علاقات قبل كده، وكان نفسي البـ.ـنت اللي أحبها أكون أنا أول راجـ.ـل في حياتها...
ربتت شهد على ظهره و واسته:
يا قلب أختك هي اعترفت أنها كانت طايشة وأنت اللي شكلتها من جديد.
أنا كان عندي استعداد اتقبل أي حاجة إلا دي يا شهد انا كنت عارف أنها مستهترة قبلي ومنكرش انها اتغيرت بس مجاش في بالي أن كان واصل الاستهتار بيها لكده، صدقيني يا شهد مش سهل استوعب ده وأتخطاه بسهولة.
بس أنت ملكش حق تعاتبها في اللي فات أنت ليك من وقت ما عرفتها، وبعدين انت راجـ.ـل و قدرت تغيرها وهي البت من ساعتها تحت طوعك ومشوفتش عليها حاجة بالعكس دي مش بتكـ.ـسرلك كلمة وطالعة بيك السما يا ولا دي لما بتبصلك عنيها بطلع قلوب
قالت آخر جملة وهي تنكزه بكتفه كي تشاكسه وتخرجه من الحالة التي هو عليها ولكنه لم يتأثر بل
نفى برأسه التي يسيطر عليها تلك الأفكار ال عـ.ـر.فية وقال بحمئة شـ.ـديدة ودmائه الحامية تتدفق بعروقه:.
عارف انها بتحبني، وأنا كمان محبتش غيرها بس لمايوصل الموضوع انه يمس سمعتها والتشكيك في سلوكها يبقى من حقي يا شهد أنا راجـ.ـل شرقي بسيط وعايش في مجتمع ما بيرحمش حد...
صدقيني صعب عليا انا كنت فاكر أن الفوارق الأجتماعية بينا هي العائق الوحيد بيني وبينها بس دلوقتي استوعبت أن في فوارق تانية عقلي مش هيعرف يتخطاها ولو بتحبي أخوكِ بلاش تفتحي الموضوع ده تاني معايا على الاقل دلوقتي.
ذلك أخر ما نطق به قبل أن يغادر تاركها تنظر لآثاره بحـ.ـز.ن وبتعاطف بَين على تقاسيمها فلأول مرة ترى شقيقها على تلك الحالة فكان يتحدث بنبرة متألــمة تفيض بخيبة الأمل مما جعلها تستمع له وتكف عن الجدال وتقرر أنها ستتركه لحين يهدأ على الأخير وحينها ستحاول مرة أخرى ولكن بعدmا يتغلب عليه لوعة قلبه دون مالكته فهي تعلم أن شقيقها يعشقها وسوف يتغلب على تلك القناعات بمفرده.
أما عن صاحبة الفيروزتان التي انطفأت لمعتها من دونه فقد تحضرت لمذاكرة موادها ولكن صعب عليها الأمر فكلما ركزت نظراتها على الورق يترأى ذلك المشهد البغيض أمام عيناها ويذكرها كونها خسرته وعند تلك الفكرة تناولت هاتفها وهاتفت شهد لعلها تريح قلبها وما أن أتاها ردها قالت متلهفة:
شهد كلمتيه
غاب ردها ثم أجابتها متلعثمة:
ها، اه
شهد اتكلمي الله يخليكِ أنا حاسة إني بمـ.ـو.ت بالبطيء.
أنا عيزاكِ تهدي شوية وتصبري كام يوم كده لغاية ما يهدى وبإذن الله خير
سألتها ميرال بضعف وبقلب مرتعب يخشى خسارته:
قوليلي قالك ايه؟
اتاها تنهيدة شهد من الجانب الآخر مما جعلها تتساءل من جديد متوجسة وبعيون غامت لتوها:
يعني كرهني خلاص وصدق اللي اتقاله عني مش كده؟
لأ بس، أصل هو...
هو أيه يا شهد قولي؟
يوووه بقى اسمعي أنا مش هيأس وهتكلم معاه تاني بس عايزاكِ تجمدي وتسبيه كام يوم يهدى، وأنتِ كمان استهدي بالله وركزي في امتحاناتك وبإذن الله خير
فرت دmعاتها وهي تجيبها بصوت مختنق بسبب عبراتها:
حاضر يا شهد بس علشان خاطري لو في جديد قوليلي وطمنيني عليه
حاضر من عيني هكلمك كل يوم و ربنا يصلح الحال
أغلقت الخط وارتمت على فراشها تبكي كمدًا بسبب ما استشفته بنفسها، فيبدو أن لعنة التخلي مازالت تلاحقها.
مش هتقوليلي ادخل يا خالتي
قالها حسن برأس منكس وهو يقف على أعتاب منزلها، بعدmا شجعته منار على ذلك وملئت رأسه بحديثها المسموم وحرضته فكان تأثيرها تأثير السحر عليه بعدmا أوهمته أنها فقط من تحبه وتمـ.ـو.ت رَعبة عليه وعلى مصلحته.
تنهدت ثريا و دعته للدخول دون حفاوة كما كانت تفعل معه في سابق عهدها، ليدخل هو ويجلس على أقرب مقعد قائلًا:
أنا عارف أنك زعلانة مني وجاي استسمحك وابوس على راسك.
جلست ثريا بجواره ناطقة بعتاب:
تبوس راسي بعد أيه؟ بعد ما معملتش اعتبـ.ـار لحد ومشيت بدmاغك
تأفف هو وقال بخزي من نفسه قبل أي شيء:
بالله عليكِ يا خالتي متزوديش همي أنا اصلا مخـ.ـنـ.ـوق وتعبان وربنا عالم بيا
ضـ.ـر.بت ثريا كف على آخر وأنبته:
لازم تتخـ.ـنـ.ـق وتتعب بعد ما بعت الغالي واشتريت الرخيص بأغلى تمن يا ابن اختي
زفر بقوة ومرر يده بين خصلاته الفحمية وقال وهو مغيب متأثر بحديث الأخرى:.
وحتى لو غلطت مستهلش اللي حصل ولا أنها تبعني وتسبني بالسهولة دي، انا روحت اتأسفتلها واترجيتها وحاولت ادافع عن نفسي بس هي رفضت وبهدلتني، وكأن مكفهاش انها خربت البيت و وقفت شغلي لأ كمان عايزة تسـ.ـجـ.ـني
تعلقت عيون ثريا به لثوانِ تستوعب ما تفوه به، ثم قالت بِفطنه:
وده بقى الكلام اللي الحرباية التانية ملت بيه دmاغك
أبتلع رمقه ودافع دون تفكير:.
منار مش حرباية دي الوحيدة اللي قلبها عليا واتنازلت و راحتلها وحاولت تقنعها بس هي مصممة
شهقت ثريا وضـ.ـر.بت صدرها:
يا لهوي وليها عين البجحة دي تروح لغاية عندها، صحيح يقــ,تــلوا القتيل ويمشوا في جنازته
منار خايفة عليا وراحت علشان خايفة اتحبس
التوى فمها يمنًا ويسارًا ونهرته حازمة:
هتفضل طول عمرك غـ.ـبـ.ـي و وِدَني يا ابن اختي كلمة توديك وكلمة تجيبك لغاية ما بقيت خايب الرجا.
سقطت كلمـ.ـا.تها الجارحة عليه كدلو ماء بـ.ـارد لينتفض قلبه حين قرع ضميره ويقول بعتاب ليس للشخص الصحيح وكأنه يترأى له صورة رهف امامه ويعاتبها:.
انا مش غـ.ـبـ.ـي، أنا ضايع ومتلخبط وحاسس أن حاجة كبيرة ومهمة اوي نقصاني لا عارف آكل ولا أشرب ولا أنام كل ما أفكر إني وصلتها أنها تكرهني للدرجة اللي تخليها عايزة تأذيني، أنا كنت مش بهون عليها ده لما كنت بكح بس كانت بتعمل مناحة وتفضل قاعدة فوق راسي معرفش جابت القسوة دي منين وعايزة تحرمني منها بعد كل الحب و العِشرة اللي بينا أنا لغاية دلوقتي مش مصدق ولا عارف هي اتغيرت كده أزاي دي بقت واحدة تانية أنا عمري ما عرفتها.
تنهدت ثريا بأسى وقالت في حسرة:
كتر القسوة يا ابني بتعلم الجفا وأنت اللي وصلتها لكده رهف مفيش احن من قلبها بس أنت مرحمتهاش بأي عين عايزها ترحمك ده انت كتير استقويت عليها وياما نصحناك بس أنت ولا كان في بالك وكنت ماشي بدmاغك وروحت اتجوزت عليها بفلوسها ومهمكش كـ.ـسرة نفسها
تناول علبة سجائره يشعل احدهم وينفث دخانها وقال بنبرة نادmة تقطر بالخزي:.
عارف يا خالتي وبعترف إني كنت غـ.ـبـ.ـي وحاولت كتير أدافع عن نفسي واعتذرلها بس هي راكبة دmاغها ومصممة وطلعت قليل الأصل وعايزة تسبني وتخرب بيتي
شهقت ثريا واستنكرت بدفاع قوي:
والله ما حد قليل الأصل غيرك وتصدق حلال فيك، وبعدين غريبة قهرك اوي أنها عايزة تسيبك وطلبت الطـ.ـلا.ق طب ما ده حقها زي ما كان حقك تتجوز عليها
أنا مغلطتش وده شرع ربنا لكن هي غلطت لما خدت الفلوس وسابت بيتها من الأول.
اه قول بقى أن كل اللي حرقك انها رجعت فلوسها و ورثها اللي اهلها سبهولها وأنت استوليت عليه بكل قوة واستقدار دي يا وا.طـ.ـي عمرها ما حسبتك ولا قالتلك رجعلي فلوسي وكانت مأمناك على روحها ومالها بس أنت طلعت خسيس واتنمردت على النعمة وكـ.ـسرت قلبها
زمجر غاضبًا ودس السيجارة بداخل المنفضة هادرًا:
ابوس ايدك كفاية أنا تعبت واعصابي مبقتش متحملة كلامك، أنتِ مفروض تبقي معايا.
أنا مع الحق والحق بيقول أن حقها ورجعلها أما بقى طـ.ـلا.قها منك فهي حرة ومحدش يقدر يجبرها تعيش معاك بالعافـ.ـية بعد عملتك السوده معاها
استطرد في عتاب وبملامح تملك منها اليأس بسبب عدm تعاطفها معه:
يظهر إني غلطت لما جتلك وكنت فاكرك هتفهميني وتواسيني يا خالتي
تنهدت ثريا بأسى وقالت بنفس العتاب:.
وأنا كان نفسي تفوق يا ابن اختي قبل ما تخسرها وكان نفسي تعرف تصلح غلطك بس يظهر أنك مصمم ولسة ماشي بدmاغك، ويظهر برضو أن الكلام مفيش منه فايدة وعلشان كده قول نواياك وقول جيت ليه وعايز مني ايه؟
رغم صعوبة شعور الخزي الذي يكنه لنفسه، ورغم النـ.ـد.م الذي يعتريه ويؤرق مضجعه، ورغم ايضًا عدm استيعابه للأن أنها مقتته وخلفت ذلك الخواء بروحه قبل حياته إلا انه استرسل وهو مازال تحت تأثير سم كلمـ.ـا.ت منار التي بثتها بعقله:.
كلميها تتنازل عن جنحة الضـ.ـر.ب وترجعلي جزء من الفلوس وانا مستعد اعملها كل اللي هي عايزاه طالما مصممة على الطـ.ـلا.ق أنا كرامتي متسمحليش افرض نفسي عليها اكتر من كده ولا اتذللها، هطلقها وهديها كل حقوقها، فلوسها انا اللي كبرتها وشغلتها وليا حق فيها انا خلاص خدت قراري بلاها محاكم وقضايا وخليها تعمل حساب للعِشرة اللي كانت بينا.
هزت ثريا رأسها بلافائدة واحتل الحـ.ـز.ن تقاسيم وجهها فكانت تظن أنه سيمـ.ـو.ت قهرًا لفقدانها ويسعى لإصلاح ذاته، ويسعى خلفها من أجل اطفاله ولكنه حتى لم يذكرهم بحديثه وكيف يفعل وهناك افعى رقطاء تبث سمها بعقله وتجعل كل شيء يهون عليه، فحقًا اثبت لها انه مازال ساخط اناني؛ لا يهمه شيء سوى مصلحته فقط لذلك أخبرته متهكمة وهي تضع يد على أخرى وتلوي فمها مستعيرة نفس حديثه:.
قليلة الأصل اللي مبتعملش حساب للعِشرة اتنازلت عن الجنحة اللي كانت ضدك ولسة قافلة معايا من شوية ومبلغاني
انفرجت معالم وجهه وهب من موضعه بإندفاع وبكل تناقض الدنيا تساءل وكأن قلبه هو من يصـ.ـر.خ بالسؤال لا هو:
بجد يا خالتي واتنازلت عن قضية الطـ.ـلا.ق كمان...
حانت من ثريا بسمة ماكرة اخفتها سريعًا حين نفت برأسها وتشـ.ـدقت كي تستفزه وتحرك عقله المغيب:.
لأ، لسة مصممة وبصراحة حقها بعد اللي شافته منك يعني حلوة وزي القمر ولسة صغيرة ومن حقها تعيش يمكن ربنا يعوضها، وأهي الحمد لله رجعت لشغلها ورتبت حياتها، الدور والباقي عليك يا ابن اختى يارب تكون مبسوط
عن أي انبساط تتسأل هي وهو يشعر انه اتعس رجل على وجه الأرض، فقد زادت قتامة عينه وشعر بنصل حاد مشتعل ينغرس بصدره من حديثها فيكاد يصاب بذبحة صدرية من شـ.ـدة صدmته بعدmا أدرك أنها بالفعل تخطته.
كبتت ثريا بسمتها المنتصرة حين لاحظت تأثير كلمـ.ـا.تها عليه لتستأنف بعدmا ضـ.ـر.بت فخذيها وهبت واقفة تربت على كتفه:
على العموم هبلغها واعمل اللي عليا، ويارب توافق وبصراحة طالما هي طالبة الطـ.ـلا.ق وأنت عايز تريحها يبقى مفيش مشكلة تطلقها رسمي وتوفرو على بعض دوخة المحاكم و و.جـ.ـع الدmاغ
هز رأسه ببسمة عابرة مسايرة ودون أضافة شيء آخر كان يغادر وهو يعض أنامله من النـ.ـد.م.
مرت عدة أيام عليها بصعوبة بالغة فقد فقدت آخر ذرة صبر لديها وأقسمت أنها لن تفلته إلا بإفلات روحها من جسدها فلم تستطيع أن تتحلى بالصبر كما نصحتها شهد بل هاتفته ربما للمرة الألف بعد المائة دون يأس ولكن هو لم يكترث قط حتى أنه لم يجيب على رسائلها الإلكترونية، يكون متصل ويراها ولكن لم يأتيها جواب منه للآن مما جعلها في حالة يرثى لها وتكاد تفقد أعصابها لذلك لم تشعر بذاتها إلا وهي تقف أمام عمله وها هو يخرج مع عدة من زملاء له وحين رأها استأذن منهم واقترب منها متسائلًا:.
بتعملي ايه هنا؟
أجابته بعيون ذابلة:
مستنياك، لازم نتكلم يا حمود
ابتلع ريقه ومسد جبهته قائلًا:
ملوش داعي الكلام يا ميرال
نفت برأسها وقالت بضعف وبنبرة تقطر بحـ.ـز.نها:.
حمود علشان خاطري اسمعني أنا عارفة اني غلطانة إني خبيت عليك بس كنت مستني ايه من واحدة ضايعة زي، انت معرفتنيش وانا ملاك أنا كنت بغلط و مستهترة وباخد حبوب وبشرب وبسهر متلومنيش انا كنت ضايعة لغاية ما لقيتك يا حمود علشان خاطري بلاش تسبني أنا متعودة أن الكل يتخلى عني بس لو انت عملت كده قلبي مش هيستحمل يا حمود علشان خاطري متعملش فيا كده أنا محتجالك أوي...
كان يستمع لها بعيون دامعة تأثرًا بها وبقلب يحثه أن يرق لها فنعم حتى هو اشتاق لبحر عيناها واشتاق لعفويتها و لمشاكسته اياها ومناغشتهم لبعض اشتاق لكل شيء يخصها ويعلم الله أنه لم يذق طعم الراحة في تلك الأيام العجاف دونها، فكم كان يود أن يتخطى الأمر ولكن كيف وهو تعدى حدود منطقه ونطاق استيعابه ويخالف كل تلك القناعات الراسخة بعقله فحقًا كان يشعر بالخزي من نفسه لإحزانها ولكن يصعب عليه الأمر وبشـ.ـدة لذلك اعتذر:.
أنا آسف، إني سبب حالتك دي بس صدقيني مش عارف...
اللي بيحب بيغفر
حتى لو غفرت عمري ما هقدر انسى يا ميرال
هتنسى هساعدك وهنبدأ من جديد وهنرمي القديم كله ورا ضهرنا، حمود انا اتغيرت والله اتغيرت علشانك ومعنديش استعداد اعيش من غيرك
احتل الحـ.ـز.ن عينه البائسة وأجابها بنفاذ صبر وبقسوة لم تكن ابدًا من طباعه كي يؤد تلك الرغبة التي تسيطر عليه وتدفعه بضـ.ـر.ب تلك القناعات عرض الحائط والسماح لقلبه أن يرق لها:.
ميرال لو سمحتي كفاية أنتِ اتغيرتي لنفسك مش ليا ومتأكد انك هتتخطيني، انا مفرقش حاجة عن اللي عرفتيهم قبلي
قال آخر جملة بمرارة وبملامح متألــمة وصدى كلمـ.ـا.ت ذلك المقيت تتردد بعقله مما جعل عروقه تنفر وتتقلص معالم وجهه بإستياء شـ.ـديد وقبل أن يحصل منها على رد لتهكمه الجارح لها كان يغادر بخطوات واسعة دون أن يلتفت خلفه،.
أما هي فكانت مشـ.ـدوهة متجمدة بأرضها فقط دmعاتها تفر تغرق وجهها تشعر أن مغادرته تلك ليست تخصه هو بل تخص روحها التي إنسلتت لتوها تلاحق خطواته.
مامي عايز ألعب بالجنينة، انا زهقان و شيري بتلعب لعب بنات بالعرايس بتاعتها ومش بتلعب معايا وطنط سعاد خدت ولادها عند جدتهم وانا لوحدي
قالها شريف بنزق طفولي وهو يربع يده على صدره بضجر
مما جعلها ترفع عيناها عن حسوبها وتخبره:
حبيبي البوابة بتاعة الجنينة مش بتتقفل واخاف عليك ألعب بالكورة هنا بس اوعى تكـ.ـسر حاجة
نفى شريف برأسه واعترض:
لأ مش بعرف علشان خاطري يا مامي والله الجو حلو اوي بره.
وانا مش هخرج برة البوابة، علشان خاطري يا مامي وافقي، وافقي لو بتحبيني
تنهدت رهف بيأس من عناد ابنها وإلحاحه الشـ.ـديد ثم وافقت بمضض:
ماشي بس خد الداده معاك تاخد بالها منك وانا هقعد في البلكونة اخلص شغلي على اللاب وانا بتفرج عليك.
قفز بسعادة و وضع قبلة على وجنتها ثم هرول يحضر طابته ويعلم المربية بالأمر، لتبتسم وهي تنظر لأثره وتتنهد تنهيدة مثقلة بالكثير فا إلى الآن تحاول أن تمهد لأخبـ.ـار أطفالها بقرار انفصالها وحقًا ذلك الأمر ليس بيسير عليها.
هرول الصغير إلى الأسفل برفقة مربيته وهو في قمة سعادته،.
في تلك الأثناء كان هناك من يجلس بشرفة غرفته يتناول مشروبه الساخن المفضل وهو يشعر بالضجر من ذلك الهدوء المعتاد الذي يعم الأجواء إلى أن اتسعت بسمته وهو يرى ذلك الصغير يلعب بالطابة بسعادة عارمة وبخفة ومرونة ادهشته واستحوذت على كامل انتباهه فكان يتابعه بعينه وبسمة هادئة تعتلي وجهه.
ولكن لم يستمر الأمر طويلًا فقد علقت طابته على أحد الشجيرات العالية ومربيته يصعب عليها جلبها له، ليترك كوبه على جدار الشرفة ويهرول للأسفل كي يجلبها له
وما أن تدلى الدرج واقترب منه استمع لصوت والدته تصيح بأسمه هاتفة من شرفتها:
شريف اطلع يا حبيبي وهشتريلك غيرها.
مط الصغير فمه وهتف بعناد:
بس انا بحب الكورة دي يا مامي ومش عايز غيرها.
وحينها تدخل هو وطمئنه قائلًا وهو ينحني بجذعه عليه بعدmا وجده عابث وعلى حافة البكاء:
متقلقش هجبهالك
مط الصغير فمه وهز رأسه، لينهض نضال ويشب على أطراف حذائه ويمد يده يحضرها له، لتتهلل أسارير الصغير ويصيح بعلو صوته بسعادة عارمة لوالدته وهو يحتضن الطابة، خاطف أنظار الواقف بجانبه يتبع مرمى بصره:
مامي عمو جابلي الكورة انا فرحان اوي.
تنهدت رهف بإرتياح لسعادة ابنها، ثم بكل تحفظ هزت رأسها بامتنان له من موضعها، ليهز رأسه ايضًا ويخفض نظراته للصغير الذي شكره قائلًا:
شكرًا يا عمو
العفو يا كابتن شريف
جعد الصغير حاجبيه وتعجب:
أنا مش كابتن
قهقه هو بكامل صوته وراوغه بحاجب مرفوع بتسلية:
ازاي بقى ده انت بتلعب ولا احسن لعيب كورة، تعرف أني لامح فيك موهبة ومهارات هايلة
برقت عين الصغير بسعادة وقال:
بجد يا عمو يعني ممكن ابقى زي ميسي او محمد صلاح.
ربت على وجنته بحنان بالغ وحفزه بإيجابية:
اكيد تقدر
كانت تتابعهم من موقعها وتستغرب ذلك الحديث الذي يدور بينهم إلى أن هتفت شيري بأسمها وطلبت كوب من الماء لتلبي طلبها وتترك الشرفة بعدmا ألقت نظرة مطولة على صغيرها فرغم أنها تعلم أن ذلك الطبيب موثوق به إلا انها كأي أم القلق والحرص دائمًا حليفها نحو ابنائها.
بينما عند الصغير فقد استرسل قائلًا:
بس انا صغير.
هما برضو كانوا صغيرين وعندهم نفس الحلم واشتغلوا على نفسهم لغاية ما وصلوا وحققوا حلمهم
هز الصغير رأسه، واخبره بحـ.ـز.ن وهو يمط فمه:
أنا كمان نفسي ابقى زيهم بس بابي مش بيرضى يوديني النادي ولا بيرضى يخليني أشارك مع أصحابي في التمرين
احتل الحـ.ـز.ن عين نضال وطبطب عليه بحنان قائلًا:
باباك اكيد خايف عليك، متزعلش وبعدين يا سيدي احنا ممكن نلعب هنا براحتنا
احنا مين دي؟
أنا وانت ياعم شريف احنا خلاص بقينا أصحاب.
هز شريف رأسه بسعادة مرحبًا بينما ابتسم نضال ببهوت وشرد بوجهه لبرهة وكم تمنى لو أن يملك طفل مثله يشاركه كافة تفاصيله ويستمتع معه ولكن مشيئة الله كانت فوق كل شيء.
شريف
بتعمل ايه هنا؟
قالها حسن بحده وهو يقف على أعتاب الحديقة الصغيرة التي تحاوط البناية فقد اتى كي يطمئن على اطفاله ويكرر المحاولة التي فشلت بها ثريا ولم تأتي له بخبر يسر منها.
اعتدل نضال بوقفته حين هرول الصغير نحو ابيه قائلًا:.
بابي وحـ.ـشـ.ـتني اوي مامي قالت أنك مسافر رجعت امتى؟
تناوب حسن نظراته بين نضال والصغير بريبة وأخبره:
دلوقتي، انت كنت بتهبب ايه مع الراجـ.ـل ده وازاي امك منزلاك لوحدك
نفي شريف ودافع وهو يؤشر بيده على المربية التي كانت تقف على مقربة شـ.ـديدة منهم:
لأ انا معايا الداده وعمو ده طيب اوي وجبلي الكورة اللي كانت على الشجرة.
كور حسن قبضة يده من مدح صغيره لذلك الطبيب الذي من الوهلة الأولى تعرف عليه وهدر بحده دون أي لين وهو يجذب الطابة بغل من يده ويقذفها على مداد ذراعه بعيد دون أن يعير مشاعر صغيره أو رغباته أي اهمية:
أخر مرة تنزل تلعب هنا، وانا ليا حساب مع الهانم اللي سمحتلك ونزلتك
اتفضل قدامي
انتفض الصغير وهز رأسه بعيون باكية ثم بطاعة هرول أمامه، ليرشق حسن موضع نضال بغـ.ـيظ ويلحق بصغيره وهو يتوعد لها.
بينما نضال تنهد بضيق كون ذلك المتعجرف احـ.ـز.ن الصغير وكـ.ـسر بخاطره دون أي لين.
كانت تجلس داخل سيارتها بذلك المكان النائي التي تفضله ولطالما كانت تنفرد بذاتها به فكانت تفكر فكل ما حدث وكم تمنت أن يكون إنسحابه من حياتها وحديثه معها ما هو إلا كابوس مفزع وستستفيق منه وتجد كل شيء على ما يرام
فقد كوبت وجهها وظلت تنتحب حتى أدmت عيناها وهي تتذكر جملته الأخيرة التي استعارها من حديث ذلك المقيت وحقًا ألــمت قلبها،.
فقد انهارت أعصابها وظلت تضـ.ـر.ب المقود بعزمها وكأنها بحالة هستيرية لاتعرف كيف تسيطر على ذاتها وكم كانت تود شيء يهون عنها ويوقف ضجيج رأسها وفي لحظة ضعف منها تذكرت شيء كانت تناسته تمامًا فقد مدت يدها أسفل مقعد سيارتها القديمة التي اهملتها فترة كبيرة بعد تصليحها جراء تهورها السابق، ومدت اناملها الرفيعة حتى وصلت لذلك الجيب السري الغير مرئي بالمرة وكانت تخبئ به سابقًا تلك الحبوب اللعينة التي.
بالفعل حين فتحت سحاب الجيب وجدت بعض منها، التقطته بعيون غائمة يحتلها اليأس وقبل أن تفض أحدهم وتضعها بفمها تذكرت حديثه السابق لها (انتِ اتغيريتي علشان نفسك مش علشاني) وترأى أمام عيناها ما مرت به وما كانت عليه حينها لتثور عزيمتها وتنفي برأسها وتلقيه من نافذتها وهي تلعن تلك اللحظة التي تسلل لها الشيطان من جديد وكاد يبرر أفعالها، فنعم هو محق هي تغيرت من أجل ذاتها ولن تعود متهورة، وضائعة و مثيرة للشفقة من جديد لتتناول نفس عميق كي يحفزها وتكفكف دmاعتها و تحاول جاهدة أن تلملم شتاتها فلن تيأس بتلك السهولة وتعود لنقطة الصفر، دقائق عدة مرت عليها إلى أن انتشلها صوت رسالة نصية تأتي لهاتفها، لتتناوله تتفقد محتواها لتجدها من رقم غريب غير مُسجل، لم تعير الأمر أهمية ولكن عنـ.ـد.ما قامت بفتحها وسقطت عيناها على ما بُعث لها جحظت عيناها و تأهبت كافة حواسها وهي لا تصدق أن بين يديها دليل دامغ يُدين خيانة نادين الراوي، ويصحبه جملة واحدة لم يذكر غيرها( أذيقها من نفس الكأس) فكانت مشـ.ـدوهة لا تعرف كيف تتصرف أو تأخذ قرار في حينها وظلت تساؤلات عدة تدور برأسها إلى أن توصلت لأجابة واحدة استقر عليها عقلها.
فماذا يا ترى سيكون خيارها هل ستغفر ولن ترد الأذى بلأذى أم سترد اعتبـ.ـارها وترد الصاع صاعين لمن تتسببوا في بؤسها.
↚
ولو كانوا يعرفونك حقاً، لعرفوا أن تغيرك هذا لم يأتي من فراغ، لعلموا أنك متعب جداً، وأنك تعلمت دروساً قهرية كان ثمنها غالياً من نفسك، لكنهم يعرفون فقط أنك أصبحت إنساناً آخر، ويعرفون كيف يستنكرون ذلك منك ويلومونك عليه باحتراف، هذا ما يعرفونه فقط.
دوستويفسكي.
أنتِ أزاي مهملة كده وسمحتي للولد ينزل يلعب ويقف يتكلم في الشارع مع كل من هب ودب
قالها هو بسخط غريب وبصوت حاد وكأن لم يغيره شيء
لتجيبه هي بشراسة هجومية اكتسبتها بعد نكبتها بعدmا طيبت خاطر صغيرها و أمرته أن يلزم غرفته:.
أنا مش مهملة والولد مكنش في الشارع ده كان في جنينة البيت والمربية كانت معاه وانا كنت متابعه من البلكونة واللي كان واقف معاه ده جارنا وبعدين انت مش من حقك تتهمني بالإهمال دول ولادي و حتة من قلبي ومحدش هيخاف عليهم أدي
زاغت نظراته ودافع عن ذاته بنفس الحدة:
أنا كمان ابوهم ومن حقي اخاف عليهم ولا انتِ مكنتيش عايزاني أجي كمان وهتحرميني منهم
تهكمت بنظراتها وقالت ساخرة:
ابوهم، طب كويس انك لسه فاكر يا بشمهندس!
ده أنت اول حاجة عملتها جنابك أو ما افتكرتهم أنك زعلت الولد وزعقــ,تــله ورمـ.ـيـ.ـت كورته اللي بيحبها بدل ما تخدوا في حـ.ـضـ.ـنك وتطبطب عليه وتقوله وحشتنى
بس طبعًا معرفتش تفصل مشاكلك معايا وبولادك اللي لازم يحترموك ويفضلوا يحبوك علشان ببساطة انت ابوهم و دي الحاجة الوحيدة اللي مش هعرف اغيرها.
ابتلع رمقه بتـ.ـو.تر واعتلى النـ.ـد.م معالم وجهه وهو يجلس على الاريكة ويخرج علبة سجائره يشعل احدهم وينفث دخانها قائلًا بنبرة تستشيط غـ.ـيظًا:
أنا اتعصبت لما لقيته واقف مع الدكتور الزفت ده اللي طردني ومعرفتش اتحكم في اعصابي انا كنت مستنيه بس يتكلم علشان كنت هطلع غل اليوم ده كله فيه.
نفخت بضيق ولم تعقب فقط تنظر له نظرات مشتعلة غير راضية فهو كما هو لا شيء يغيره همجي، أناني، متعجرف لا يفكر سوى بذاته وبرغباته ولا يهمه مشاعر الآخرين.
مكنش قصدي ازعل شريف يا رهف صدقيني ولا كان قصدي اتعصب عليكِ أنا حتى كنت جاي اشكرك علشان اتنازلتي عن القضية
برر هو بخزي من نفسه بعدmا جلدته بنظراتها و.جـ.ـعلت يتيقن أنه بالفعل اندفع بتصرفه.
تنهدت هي وربعت يدها اسفل صدرها وهزت رأسها بلا فائدة قائلة:.
متعتذرش دي حاجة مش غريبة عليك طول عمرك كده ومش هتتغير
وإذا كان على القضية انا اتنازلت علشان انا مش قليلة الأصل زي ما حضرتك فاكر ولا مؤذية وعلشان مهما عملت هتفضل أنت أبو ولادي اللي شايلين اسمه ومش عايزة يعاتبوني في يوم من الأيام إني سـ.ـجـ.ـنتك.
زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يطفئ سيجارته في المنفضة التي تعتلى المنضدة ثم نهض يقترب منها بخطوات حثيثة قائلًا بعتاب وبنظرات ملتاعة معاتبة تفضح اشتياقه لها:.
علشان خاطر الولاد بس!، للدرجة دي يا رهف كرهتيني ومبقاش ليا حاجة جواكِ طب إزاي وديتي حبك الكبير ليا فين؟
وخزة قوية من الألــم انتابة قلبها حين اجابته بثقة:
مبقاش ليك حاجة جوايا خلاص يا بشمهندس انت دلوقتي ابو ولادي وبس
قالت جملتها بثقة استغربها كثيرًا، فمن تلك و أين رهف خاصته الحائرة التي كانت تستجدي حبه!
لم يفكر بالأمر حين وجد ذاته يقترب منها قائلًا بحسره وبعتاب ليس بمحله بتاتًا:.
ياه بالسهولة دي يا رهف ده حتى اسمي مش عايزة تنطقيه!
اسمي اللي كان بيطلع من بين شـ ـــفــايـــ ـفك بحب ويرشق في قلبي وعمري ما حسيت بحلاوته غير وهو طالع منك أنتِ...
ارتعش فمها، ولم تجيبه وظل رأسها شامخ تطالعه بثبات رغم هشيم قلبها وذلك الجـ.ـر.ح الغائر الذي مازال ينبض بالألــم بفضل أفعاله، مما جعله يقترب بتردد يحاول أن يؤثر عليها كما كان يفعل بلمساته التي كانت تذيبها فقد حاوط ذراعيها وأسبل عينيه هامسًا بنبرة ملتاعة تفيض بالاشتياق لم تتأثر بها:
رهف أنا اعتذرت مرة واتنين بس انتِ مش عطياني فرصة حتى ادافع عن نفسي أنا مش عارف اعيش من غيرك وحاسس أن حاجة كبيرة ناقصاني...
نظرت له نظرة محملة بالكثير من خيبة الأمل ولم تعطيه مجال ليكمل حديثه حتى فقد انتفضت كالملسوعة من لمسته وصرخت به بشراسة لم تكن ابدًا من طباعها:
إياك تفكر تلمسني انت فاهم...
لتثور انفاسها وتسترسل وهي تستغرب كيف يتقرب منها ويخبرها بإشتياقه لها بعد ذلك العرض السخي الذي أوكل خالته به:
انت انسان متناقض مش طبيعي...
زمجر غاضبًا وهو يشعر بقهر من تغيرها المبالغ به، ويستغرب بشـ.ـدة ما اصبحت عليه ف رهف خاصته التي كانت تتمرمغ به مثل القطط الآن تنفر منه ولا تطيق لمسته:
رهف انا مش متناقض أنتِ لسة مراتي وعلى ذمتي ولو على الكلام اللي قولته لخالتي فأنتِ اللي اضطرتيني لكده رفضك ليا وجـ.ـر.حك لكرامتي كل ما اجيلك
لو حجتك إني لسه على ذمتك فهانت يا بشمهندس كلها كام شهر واخلص منك.
زفر بنفاذ صبر، وهدر وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية بعنف يود لو أن ينزعهم:
تخلصي مني للدرجة دي كنت عبء عليكِ يا رهف
لوحت بيدها باستخفاف لطالما كان يخصها به بالماضي و تأففت بنفس السأم:
يووووه انا زهقت مش كل شوية هنكرر نفس الكلام، لو سمحت انا معنديش أزيد من اللي قولته قبل كده...
زفر بضيق واحتل اليأس معالم وجهه ثم تناول علبة سجائره من جديد يتناول واحدة منها ثم يشعلها ينفث دخانها على مهل وظل صامت لبرهة يسلط نظرات مبهمة نحوها وبعقله يدور حديث منار التي اقنعته به ليقول هو بتناقض وبنبرة رغم كل شيء لم يستطيع اخفاء النـ.ـد.م واليأس بها:.
انا عارف أني قسيت عليكِ وظلمتك بس نـ.ـد.مت وحاولت كتير اراضيكِ بس أنتِ رافضة وانا كرامتي متسمحليش افرض نفسي عليكِ اكتر من كده خلينا نتفق، رجعيلي جزء من الفلوس
وانا مستعد انفذ كل طلباتك
قهقهت هي بكامل صوتها الأنثوي وردت ساخرة من ذلك التناقض الغريب الذي هو عليه:
نتفق على ايه؟
أنت مصدق نفسك للدرجة دي!
بجد مشوفتش في بجاحتكم أنت والصفرا بتاعتك، أنا عارفة أنها هي اللي اقنعتك بالفكرة العظيمة دي وعارفة كمان انها هتتقهر علشان عرفت ان الثروة اللي رسمت عليها راحت من بين ايديها.
دافع دون تفكير وبكل عجرفة غير عابئ بمشاعرها ولا بأنين قلبها رغم صمودها التي تدعيه امامه:
منار بتحبني بجد واكتر حد خايف عليا وبلاش تظلميها دي اتنازلت وجاتلك وأنت بهدلتيها علشان هي عايزة مصلحتي مش زيك عايزة تخرب بيتي وتبوظ شغلي.
اللعنة عليك وعليها ألف مرة ايها الساخط اللعين ألن تكف عن تقمص دور الضحية، الآن تدافع عنها باستمـ.ـا.تة، وأنا السيئة الشريرة بقصتك حسناً لا يهم أنا لا أبالي، ولكن دعنا نتراهن هل حقًا ستكون جديرة بدفاعك عنها أو ستصبح أنت الخاسر الكبير بعد أن تصيبك لعنتها.
ذلك ما كانت تود أن تصرخ به في وجهه ولكنها كعادتها صمدت و قالت بثبات وبنبرة خالية تمامًا من أي مشاعر وبتهكم تقصدته كي تستفزه وتثير اعصابه كما فعل معها:.
ربنا يهنيكم ببعض يا بشمهندس فعلًا هي تستحقك بجدارة، بس أنا مستحيل هقبل بالعرض السخيف بتاعك أنا في الحالتين هطلق منك، وفلوسي ورجعتلي و ولادي ومعايا ومتقدرش تاخذهم مني، تفتكر ايه اللي هيخليني أقبل عرضك وأنا مش مستفيده منه
حاول استعطافها والتحايل عليها من جديد:
رهف هخسر شغلي واكيد ده ميرضكيش أنتِ اكتر واحدة عارفة أنا تعبت أد ايه علشان اكبره واحافظ عليه.
نعم اعلم! ولكن ليتك تعلم أنت دوافعي حينها والغرض من فعلتي، نفضت افكارها اللينة سريعًا و أجابته:
مش مشكلتي وزي ما قولتلك قبل كده اللي بيني وبينك المحاكم والولاد في أي وقت هتحب تشوفهم انا مش هعارض وده علشان خاطر نفسية ولادي مش علشان جنابك واللي بيني وبينك انتهى بالنسبالي
تأفف بسخط وصرخ بها:
أنتِ بتعملي فيا ليه كده، جبتي قسوة القلب والجبروت ده منين
ايه المشكلة يعني خلافتنا ملهاش علاقة بالفلوس.
وهنا طفح الكيل بها ولم تستطيع الصمود أكثر:
عارف ايه مشكلتك أنك ناقم وطماع واناني عمرك ما حمدت ربنا عايز كل حاجة تبقى معاك ومتخسرش حاجة ومش مهم أن كل اللي حوليك يتنزلوا علشانك طز في مشاعرهم وحياتهم اللي أنت دmرتها الأهم انك ترضي غــــرورك وكبريائك وتنفذ رغباتك على حساب كل اللي حوليك
زمجر غاضبًا من حديثها وجز على نواجذه بقوة يكاد يهشم أسنانه من شـ.ـدة جزه عليها ثم هدر بعصبية متهورة وهو يجذبها من ذراعها:.
متنسيش إني لسة جوزك وغـ.ـصـ.ـب عنك لازم تحترميني وتقدري أني مش هتنازل عن كرامتي واقبل اهانتك ليا اكتر من كده
صدر صوت ساخر من فمها ذكره بمواقف مشابهة وقالت وهي تنفض يده مشمئزة و تصنع مسافة أمنة بينها وبينه جعلته يستشيط غـ.ـيظًا:
كرامتك، واللهي
رهف بلاش تستخفي بكلامي اه أنا كرامتي فوق أي شيء وبفكرك أنتِ لسة مراتي وانا جوزك ولو عايز اقرب منك مش هت عـ.ـر.في تمنعيني بس انا مش هعمل كده وعندي أمل تعقلي.
نعم مازال زوجها ولكن عن أي تعقل يتحدث هو وهي كلما تنظر لوجهه تتذكر خسارتها و كل ما مرت به معه يأن قلبها وكأن طـــعـــنته التي تسببت بذلك الجـ.ـر.ح الغائر بصميمها مازالت تقطر دmٍ ولن تنـ.ـد.مل، فحقًا تشفق على ذاتها فيعلم الله أنها لم تتصيد له وقاومت وتهاونت حتى انهكت فما مرت به ليس بهين وكان فوق احتمالها.
متقدرش تعمل كده؟
نبرتها كانت متحدية لكـبـــــريـاء رجولته مما جعل يندفع بأنفاس غاضبة وبملامح لاتبشر بالخير وهو يقلص المسافة بينهم ويجذبها من خصرها بغل لصدره و يميل يحاول تقبيلها كي يثبت لها عكس حديثها، مما جعلها تصاب بحالة من الهلع بين يده تنفي برأسها كارهة انفاسه الثائرة التي تلفحها ومتألــمة من طوقه لخصرها تشعر يده طوق من حديد منصهر يضيق عليها، لتدفعه بصدره بقوة كي تزيحه عنها ولكنه كسد منيع لا يحيد عن غايته حتى يذكرها بهيمنته على جسدها فقد جذبها من مؤخرة رأسها وانقض بغل على شفاهها بقبلة قاسية، متملكة خالية من أي رحمة أو عاطفة و لا تَمُت للنـ.ـد.م والأشتياق الذي كان يتشـ.ـدق به بأي صلة، مما جعلها تنفر بقوة و تود لو ان تتقيأ روحها، أما هو كان في قمة انتشاءه من شرستها التي لم يتعود عليها وكأن دفاعتها تلك جعلته يتلذذ بضعفها وقلة حيلتها وهو يسيطر عليها.
، صرخت هي صرخة مكتومة تستغيث ولكنه لم يعير شيء أي أهمية وترك شيطانه يعث برأسه
ويتحكم به إلى أن باغتته هي بلكمة ببطنه جعلته يتأوه مبتعد عنها وقبل أن يتدارك الأمر كانت بكل ما فيها من قوة تصفعه صفعة قوية من شـ.ـدة قهرها صارخة بأنفاس متقطعة وبنبرة هستيرية جعلت اطفالها يهرولون إليها:
بكرهك، بكرهك، منك لله.
كان مفحوم من ما صدر منها فإلى هنا وكفى فقد زمجر غاضبًا وزادت قتامة عينه و احتدت ملامحه بشكل لا ينبئ بالخير بتاتًا وهو يقترب يرفع يده ينوي صفعها كما فعلت معه لولآ صرخ الصغار بأسمه، لتهتز نظراتها بتأهب بين يده وملامحه الموحشة وهي تعلم أنه لن يتردد في فعلها، ولكن لأول مرة يخلف ظنونها حين أعتصر قبضته التي علقت بالهواء وهو ينظر لأطفاله الذين يقفون بزاوية الغرفة يشهقون بالبكاء ويحتضنون بعضهم، وفي غمضة عين كان يتدخل شيطانه ويدفعه ناطقًا بكل تهور:.
أنتِ طــالـــق يا رهف
اغمضت هي عيناها بقوة وارتعش فمها تجاهد تلك الغصة بحلقها، بينما اقترب شريف قائلًا بنبرة باكية:
انت وِحش عايز تضـ.ـر.ب مامي و بتزعقلي انا مش بحبك
مش بحبك...
لتحتضن شيري ساق والدتها وتحاوط خصرها وترشقه بنفس النظرات الكارهة، ليزمجر هو بجنون:
برافو عليكِ حتى ولادي عرفتي تكرهيهم فيا، ليوجه حديثه لأبنائه دون مراعاة ما سيخلفه حديثه في نفسيتهم وسلوكهم:.
امكم السبب وهي اللي بوظت حياتنا وسرقت فلوسي وكانت عايزة تسـ.ـجـ.ـني، مفروض تعتبوا عليها مش عليا هي اللي وصلتني لكده وكرهتكم فيا
لم تستطيع الصمود أكثر فقد أجهشت بالبكاء بكل قهر وصرخت به:
كفاية بقى، اطلع بره، اطلع بره، والبيت ده اياك تدخله بعد كده
بره
كور قبضة يده بقوة يتحكم في زمام نفسه كي لا يفعل ما يخشى عقباه ثم توجه لباب الشقة الذي كانت تتعمد ان تتركه مفتوح على مصراعية حين اتى.
وغادر بخطوات واسعة تفتك الارض تحت قدmيه وهو يلعنها ويلقي باللوم عليها ويقنع ذاته انها هي من اوصلتهم لهنا، أما هي فقد اندفعت تغلق الباب خلفه بكل قوتها ثم استندت بظهرها عليه وشهقت شهقة ممزقة كانت تجثو على صدرها تزامناً مع انزلاق جسدها على الأرض بكل هوان، ليقتربوا اطفالها منها وتجذبهم يفترشون الأرض مثلها وتحتضنهم هامسة من بين شهقاتها بنبرة متألــمة حارقة نابعة من هشيم قلبها:.
متزعلوش هبقى كويسة، وهنبقى كويسين متصدقوش كلامه انا بحبكم ومعنديش في الدنيا اغلى منكم علشان خاطري متصدقوش
هزوا الصغار رؤوسهم وقال شريف:
مش مصدقين يا مامي و احنا كمان بنحبك
بينما مدت شيري يدها الصغيرة تجفف دmعات والدتها وتربت على ظهرها بتضامن، أما هي فقد رفعت نظراتها لأعلى دعت ربها ان يمدها بقوة مضاعفة بعد خلاصها.
مرت عدة أيام بسلام عليها وها هو اليوم الأخير لاختبـ.ـاراتها وكم تمنت أن يمر بسلام ايضاً
فقد انتهت وخرجت تتأبط ذراع نغم التي قالت بتنهيدة مرتاحة:
اخيرا خلصنا والله ما مصدقة
ابتسمت هي وتشبثت بذراعها أكثر وهي
تلمحه من بعيد يقف مع فايز ولا يجرأ على اللحاق بها، فهي تتعمد ان تلتصق ب نغم كي لا يتجرأ ويعترض طريقها، لترد بنبرة هادئة وهي تواصل سيرها دون أن تلتفت خلفها:
اه الحمد لله اخيرًا.
اوقفهم نداء منه قائلة وهي تلهث خلفهم:
نادو استني
التفتوا لها بمضض وقبل أن تتفوه نادين بكلمة واحدة استهجنت نغم:
افنـ.ـد.م عايزة ايه؟
انا بكلم نادو موجهتلكيش كلام يا شيخة نغم
تأففت نغم وهدرت بغـ.ـيظ:
أنا وهي واحد هي عينتني محامية عنها اخلصي وقولي عايزة ايه منها؟
زفرت نادين في ضيق من هجومها المبالغ به وهمست لها:
نغم خلاص متكبريش
الموضوع لتلتفت ل منه وتسألها بإقتضاب:
خير يا منه عايزاني في ايه؟
اجابتها منه وهي ترشق نغم بنظرة منتصرة:
ابدًا الشلة كلها هتتجمع فيWeekend وهتبقى سهرة جنان وكله جاي بس طبعا مش هتكمل غير بيكِ
نادين مبتسهرش مع حد ومش فاضية علشان خلاص فرحها كمان كام يوم ولازم تحضر له
قالتها نغم بإندفاع دون تفكير مما جعل منه تشهق بتفاجئ، أما نادين فقد تـ.ـو.ترت وعاتبت نغم بعيناها على زلفة لسانها، ولكن نغم لم تعير شيء أهمية واستأنفت بتلقائية دون ذرة كذب او لؤم واحدة:.
بتغمزيلي ليه هو مش سر ولازم يعرفوا أنك خلاص هتتجوزي
حانت من منه بسمة متخابثة وتهكمت:
اخس عليكِ يا نادو ومخبية ليه مش عايزة تقولي ده إحنا حتى نفرحلك!
ارتبكت هي ومررت أناملها المرتجفة بخصلاتها قائلة:
مش سر ولا حاجة، هو مش فرح دي هتبقى حفلة صغيرة على الضيق
ومش غريبة دي يا نادو يعني ليه متعمليش فرح كبير، يعني لو مكانتش نادين الراوي بجلالة قدرها تعمل فرح اسطوري مين اللي هيعمل!
قلبت نغم عيناها وصدتها قائلة:.
لا حول ولا قوة إلا بالله
يا ستي أنت مالك دي دخلياتهم هما وهما احرار ياريت تخليكِ في حالك وعن اذنك بقى سبينا نمشي
لتجر نادين من يدها بعيدًا عنها بينما هي كانت فاغرة الفاه من ذلك الخبر الصادm الذي لن تحتفظ به طويلاً وسوف تشاركه مع الجميع.
أما هو فكان يتابع موضعهم بعيون ثاقبة متربصة وهو يلعن تلك الملازمة لها فهو يشعر انها تتخذها حصن واقي كي لا يعترض طريقها فهي تعلم تمام المعرفة أنه لا يطيقها ولا يطيق استخفافها به ولا طريقة حديثها،
زفر بقوة حانقًا مما جعل فايز يتبع نظراته و يتساءل بمكر:
أيه يا صاحبي مفيش جديد؟
اجابه بغـ.ـيظ وعينه لا تحيد عن آثارها:
لغاية دلوقتي مفيش جديد وشكل الغـ.ـبـ.ـية ميرال هتخلف توقعاتي وهتضيع كل اللي بخطط ليه في الهوا.
تنهد فايز وتسأل بعدm فهم:
أنا مش عارف كان لازمته كل الحوار ده من الأول يا طارق يعني لو أنت عايز تفضحها نقدر نعمل كده بكل سهولة ومن غير ميرال
نكزه طارق ورد بنبرة تقطر بالخبث وهو يفرك ارنبة انفه كي يخفف حدة تحسسهالذي داهمه للتو:.
لو عملت كده نادين هتبقى متأكدة أنه أنا اللي عملتها لكن أنا عايز ابعد الشُبوهات عني وهبان قدmها إني اتفاجأت زيها علشان لما الغـ.ـبـ.ـي يتخلى عنها ميبقاش قدmها غيري، وطبعًا وقتها مش هتشك غير في ميرال لأنها الوحيدة اللي ليها مصلحة تفضحها وترد اللي هي عملته فيها
ربت فايز على كتفه وقال بإعجاب مقيت:
شيطان يخربيت دmاغك سم والله أنا هبتدي اخاف على نفسي منك.
قهقه هو وقال بفضول لعين وهو يتتبع بعينه موضع منه:
طب تعالى اسئلها الحوار ايه؟
ليفرك انفه يقاوم إلحاح جسده ويضيف:
ومتنساش الليلة تجيب اللي قولتلك عليه!
قلب فايز عينه بسأم وقال بعدm رضا:
ما بلاش يا طارق أنت كنت بتقول انها تخاطيف قبل كده، و ايام الامتحانات وبس علشان تركز وأدي الامتحانات خلصت وملهاش لزوم
رفع منكابيه بعنجهية واجابه:.
نفذ اللي بقول عليه من سكات يا فايز أنا مش ناقصك ويلا تعالى نشوف اللي هناك دي مالها
لينصاع له فايز بمضض فهو حقًا لا يروقه تصرفات صديقه ولكنه لا يستطيع فعل شيء سوى أن يسايره حتى وإن كان في الخطأ فهو اضعف بكثير كي يعارض طارق المسيري المستند على نفوذ أبيه.
وبالفعل ما أن اقتربوا منها، تساءل فايز:
مالك يا منه متسمرة ليه كده؟
انتبهت منه على ذاتها وتمتمت:.
ها، خبر الموسم يا فايز تخيل نادين الراوي هتتجوز بعد كام يوم ومش جايبة سيرة لحد
تجهمت معالم وجه طارق وتوحشت عيناه وهدر بعدm استيعاب:
بتقولي ايه أنتِ متأكدة؟
هزت منه رأسها وأكدت بكل ثقة:
الشيخة نغم هي اللي قالتلي و نادين وقتها ارتبكت وشكلها مكنتش عايزة تقول
احتل الحقد قاتمتيه وجز على نواجذه بقوة من تأكيدها ودون أن يتفوه بكلمة واحدة كان يغادر بخطوات واسعة تآكلها الغـــضــــب
لتتسأل منه مستغربة:
هو ماله ده؟
أجابها فايز وهو ينظر لآثار صديقه:
ربنا يستر، شكلنا داخلين على أيام ما يعلم بيها إلا ربنا.
أما عنها فكانت تسير شاردة الذهن برفقة صديقتها في طريقها لخارج الحرم الجامعي حين تساءلت نغم بريبة:
مالك يا نادين؟
تنهدت واجابتها بتـ.ـو.تر:
مكنتش حابة حد يعرف
ليه انا مش شايفة سبب مقنع لده...
أغمضت عيناها وزفرت بضيق مبررة:
قلبي مقبوض يا نغم وخايفة، خايفة اوي
مقبوض من ايه يا بـ.ـنتي ما اللي يعرف يعرف محدش عايز منك حاجة وبعدين أنتِ بس تلاقيكِ زعلانة علشان يامن مش هيجي ياخدك النهاردة زي عادته.
ابتسمت ببهوت وردت:
يمكن، بقاله كام يوم مشغول اوي بيخلص اجراءات نقل الملكية علشان نلحق نحضر للفرح
تخطوا بوابة الحرم الجامعي حين استرسلت نغم بمحبة خالصة لها:
ربنا يهنيكم يا نادين أنا فرحنالك أوي، لتنظر لها تحاول أن تسبر أغوارها وتضيف بتوجس:
بس مش عارفة ليه حاسة ان في حاجة شغلاكِ ومخلياكِ مش مبسوطة.
اعتصرت نادين عيناها وفكرت بشكل جدي أن تخبرها لعلها ترحمها من ذلك التفكير المضني الذي سيقضي عليها ولكن حينها شهقت نغم وهي تجد أبيها ينتظرها بجانب سيارته التي ترتكن بجانب الطريق من الجهة المعاكسة لتلوح له وتقول ل نادين:
يا خبر ده بابا هناك ومستنيني أكيد مقدرش يصبر لغاية ما أرجعله واطمنه
أومأت لها نادين ودعمتها:
معلش روحي طمنيه
تنهدت نغم وأصرت:
ماشي بس هنكمل كلامنا بعدين وهتحكيلي...
أومأت نادين لها بطاعة لتسترسل هي:
طب تحبي اوصلك لعربيتك
لأ متقلقيش دي كلها خطوتين للجراچ أنا قصدت اركن هناك علشان الزحمة، يلا روحي وسلميلي عليه كتير.
قالتها ببسمة باهتة وبثبات يخالف ذلك الخــــوف المستوطن بقلبها، لتومئ نغم لها وتقبلها مودعة وتسير نحو أبيها بينما هي دارت بنظراتها بتوجس شـ.ـديد ثم بخطوات واسعة متـ.ـو.ترة بشـ.ـدة توجهت للجراچ كي تأخذ سيارتها قبل أن تجد ذلك المقيت يلحق بها فيبدو أنها مازالت إلى الآن لم تملك الشجاعة اللازمة لتواجهه، ولا حتى استطاعت أن تجد حُجة مناسبة تقنعه بها.
وصلت وها هي خطوة، اثنان، ثلاث وكانت تفتح باب سيارتها ولكن ما كانت تخشاه وتغشى تبعاته قد حدث، فيده القاسية كانت تطبق عليها حتى أنها شهقت بقوة والتفتت مرعوبة لتجده ينظر لها نظرة قاتمة لا تنبأ بالخير بتاتًا مما جعلها تتلجلج بتـ.ـو.تر بالغ:
بتعمل ايه هنا يا طارق!
لم تتغير ملامح وجهه المرعـ.ـبة بل توحشت أكثر حين هدربأنفاس غاضبة:.
أنتِ فاكرة إني لو عايز اوصلك مش هعرف، أنا سيبك بمزاجك لكن بعد الخبر اللي سمعته قسم بالله لو كان صح لهتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه يا نادو
أبتلعت غصة بحلقها و زاغت نظراتها ولعنت منه بسرها وكم استغربت كونها افشت الخبر بتلك السرعة، لذلك راوغته بدهاء كي تتأكد من ظنونها:
خبر ايه؟
رد هو بنبرة سامة وهو يحتجزها بيده بينه وبين جـ.ـسم السيارة:
هتممي جوازك من الغـ.ـبـ.ـي ده وهتعملي فرح...
أغمضت عيناها تستدعي شجاعتها ثم تمتمت بنبرة مهتزة متلعثمة:
أنا، كُنت...
أنتِ ايه انطقي!
قاطعها بحده مبالغ بها وهو يطرق على جسد السيارة خلفها بكفوف يده مماجعلها تنتفض بقوة وتفر الدmاء من وجهها وتدرك أن لا سبيل للمراوغة اكثر لذلك تلعثمت من جديد:
كنت مستنية فرصة مناسبة علشان اقولك...
بتر جملتها بإنفعال قوي وبنبرة جهورية نفضتها:
تقوليلي ايه تقوليلي أني طلعت غـ.ـبـ.ـي وانك كنتِ بتلعبي بيا الفترة دي كلها.
نفت برأسها وبررت والرعـ.ـب قد تملك من قلبها وارعش أوصالها:
أنا عمري ما قصدت كده، الموضوع مش زي ما أنت فاكر أديني فرصة هشرحلك
حانت منه بسمة متغطرسة تنم كونه غير متزن بالمرة ثم صرخ بجنون أمام نظراتها المرتعبة بكافة تلك التساؤلات التي تفتك برأسه:.
تشرحيلي ايه؟ عايز افهم؟ مفيش مبرر واحد يخليكِ تغيري رأيك وتبديه هو عليا، نسيتي أن كان مفروض عليكِ ونسيتي تحكمـ.ـا.ته وأوامره اللي بتخـ.ـنـ.ـقك، طب أزاي نسيتي أن امه كانت السبب في مـ.ـو.ت أمك، أزاي نسيتي كل ده وفاجأة كده قررتي تكملي حياتك معاه، فهميني انا هتجنن، هتجنن
ارتجف جسدها ولم تقدر على مواجهة نوبة غـــضــــبه إلا ببعض الكلمـ.ـا.ت المبررة التي لم ترضيه بالمرة:.
طارق، في حاجات كتير انت متعرفهاش جدت عليا وكنت مفكرة زيك كده لغاية ما عرفت الحقيقة، وعرفت انهم ملهمش دعوة بمـ.ـو.ت أمي، وحتى فلوسي هو مطلعش طمعان فيها زي ما كنت مفكرة ده بالعكس هيرجعلي كل حاجة وبدء في الإجراءات
مسد جبينه بعنف وهز رأسه بعدm اقتناع وهدر بعدmا لعن ذلك الإلحاح الشنيع الذي يكاد يسيطر على جسده:
يظهر أنه عرف يضحك عليكِ بالسهولة دي ويلعب بدmاغك.
نفت برأسها ودافعت عنه ببديهية دون تفكير مما جعل نيران الحقد تشتعل بداخله اكثر:
هو مضحكش عليا، وملوش دخل، ده قراري أنا، لتمرر يدها المرتجفة في خصلاتها وتخبره بأنفاس مضطربة فشلت في تنظيمها:
طارق صدقني، اللي بيني وبينك مكنش حب احنا كنا صحاب و...
قهقه بكامل صوته وقاطعها قائلًا بنبرة رغم أنها متغطرسة إلا أنها حملت بين طياتها عتاب دفين:
صحاب، أنتِ شايفة كده، هو للدرجة دي قدر يخدعك ويخليكِ مت عـ.ـر.فيش تميزي.
حاولت إقناعه بعيون زائغة وبأعصاب تالفة وبقلب يهوي بين قدmيها:
طارق لو سمحت أفهم، هو مخدعنيش ولا مَثل عليا، لتنكس رأسها وتُصرح وهي تفرك بيدها بتـ.ـو.تر بالغ:
هو بيحبني وعمل حاجات كتير علشاني وأنا كنت طايشة وغـ.ـبـ.ـية ومغيبة وسبت شيطاني يوهمني بحاجات ملهاش اساس، وعلشان كده قررت اصلح كل حاجة، لتضيف بخزي من نفسها قبل أي شيء:
أنا بجد أسفة يا طارق والله ما كنت أقصد اجـ.ـر.حك ولا استهتر بمشاعرك...
حديثها نزل كالصاعقة فحقًا كان مصدوم من دفاعها المستمـ.ـيـ.ـت عن الأخر لا والأنكى أنها تعتذر منه، مما جعله يكتشف لتوه أنه هو الغـ.ـبـ.ـي الوحيد و ليس أحد غيره، فقد ثارت ثائرته و وجد ذاته لم يستطيع تحجيم شياطينه عنها ليحاوط عنقها بحركة مباغتة ضارب جسدها بجـ.ـسم السيارة مما جعلها تشهق بقوة متألــمة من فعلته، ليقول ب كل غطرسة وبنبرة ممـ.ـيـ.ـتة تقطر بالحقد:.
بتعتذري ده أيه الجبروت بتاعك ده! بعد كل اللي بينا بكل بساطة كده بتخرجيني من حياتك للدرجة دي أنا كنت غـ.ـبـ.ـي وعرفتي تلعبي بيا...
سعلت هي وترجته بوجهه أحمر وبعيون جاحظة واهنة وهي تتعلق بيده في محاولة بائسة منها أن يحل قبضته عنها:
بتخـ.ـنـ.ـق يا طارق متبقاش مـ.ـجـ.ـنو.ن.
لم يعير رجائها ولا دفاعتها أي أهمية بل كان يشـ.ـدد أكثر فأكثر على عنقها وهو يجز على نواجذه بقوة وعينه تطلق الشرار وكأنه مغيب تحت وطأة ثورته حتى انه لم ينتبه انه يكاد يفقدها أنفاسها إلا حين تعالى صوت إنذار سيارة مصطفة في زاوية بعيدة ليحل أنامله تدريجيًا ويدور بعينه بالمكان يستفقد أمر ذلك الصوت ولكن لحُسن الحظ لم يعرف مصدره ولم يتمكن من رؤية تلك التي تتوارى هناك وتكتم انفاسها كي لا ينتبه لوجودها منكمشة بين السيارات.
فقد أقنعه عقله انها هرة مشردة هي من تسببت بذلك في حين أن نادين سعلت بقوة واحنت ظهرها تضع يدها على صدرها تحاول جاهدة أن تلتقط أنفاسها،
ليهرول فرد الأمن تباعًا لصوت الإنذار، مما جعله يعتدل بوقفته ويهنـ.ـد.م ياقة كنزته ويتصنع انشغاله بالبحث وهو يصنع مسافة مناسبة بعيد عنها حين تسأل فرد الأمن و وجه حديثه لها:
حضرتك في مشكلة، أنتِ كويسة محتاجة مساعدة.
بالكاد اعتدلت بوقفتها وهي تشعر أنها قاب قوسين أو أدنى أن تفقد وعيها، لتتعلق عيناها الواهنة به وهو يزجرها ويرسل لها تحذير مبطن عبر نظراته جعلها تهز رأسها لفرد الأمن وتغمغم بتقطع:
أنا كويسة...
أومأ لها فرد الأمن بتفهم وحول نظراته لذلك الواقف على بعد منها، ليترسل طارق ببسمة سمجة متغطرسة وهو يخطو نحوه:
ملقتش عربيتي يظهر إني غلطت في الممر.
أومأ له بعدm اكتراث وتخطاه بخطواته يتفقد مصدر الإنذار وما إن كان يوجد شيء مريب بالأمر أم لا، ليختصر طارق المسافة التي صنعها بينهم ويستغل انشغال الأخر مهسهس بوعيد وبنبرة غير متزنة وهي بالكاد تستعيد ثباتها مستندة على باب سيارتها التي فتحته للتو كي تغادر:
أنتِ لعبتي مع الشخص الغلط يا نادو.
ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يغادر بخطوات واسعة تاركها تصعد لسيارتها بحالة يرثى لها، تحتضن ذاتها و تنفي برأسها بحركات هوجاء متسرعة وهي تشعل مقود السيارة وتنطلق بها وهناك زوج من العيون يتتبعها وهي تنخرط أثناء قيادتها في نوبة بكاء مرير بخزي ينهش روحها
فيبدو أن توابع خطيئتها لن تمر مرور الكرام كما كانت تعتقد ولابد أن تكفر عنها.
لا تعرف كيف وصلت لبيت نغم ولكن كل ما كانت تعلمه أنها لابد أن تجازف وتخبرها فهي حقًا تشعر بالضياع، والخــــوف وبحاجة لأخذ نصيحتها، وبالفعل فعلت ذلك وقصت عليها أدق التفاصيل بصدق شـ.ـديد دون أن تخفي شيء وبالفعل كما توقعت وبختها وأنبتها وحتى أنها انفعلت بقوة ولكن بالأخير رَأفت بأنهيارها والنـ.ـد.م البادي عليها ونصحتها أن تخبر يامن وتترك الخيار له فهو دائمًا ما يتفهمها ويغفر لها وسوف يدرك أن تلك تبعات الماضي ورغم عدm اقتناعها وخــــوفها من تبعات الأمر إلا أنها حاولت أن تقنع ذاتها وقررت أن تخاطر وتعمل بنصحيتها.
وها هي عادت للمنزل بملامح شاحبة تحاكي المـ.ـو.تي حين استقبلتها ثريا متلهفة:
كده برضو يا نادين تتأخري وتقلقيني عليكِ؟
اجابتها معتذرة:
آسفة روحت عند نغم والوقت سرقني
تنهدت ثريا وتساءلت بإرتياب:
مالك يا بـ.ـنتي أنتِ معيطة
نفت برأسها وهي تحكم ذلك الوشاح على رقبتها التي استعارته من نغم كي يخفي الأثر الذي خلفته أصابع ذلك المقيت، لتتقدm منها بخطوات واهنة متعثرة وطلبت راجية وهي ترتمي بين يدها:.
احـ.ـضـ.ـنيني يا ماما ثريا، احـ.ـضـ.ـنيني
استغربت ثريا من فعلتها ولكنها لم تتردد ودثرتها بأحضانها قائلة:
مالك يا بـ.ـنتي أنتِ كويسة
لم تجيبها بل كانت عيناها غائمة تكبت رغبتها بالبكاء بصعوبة بالغة حين استأنفت ثريا:
يامن قلقان عليكِ واتصل بيا كذا مرة عايز يطمن وبيقول ان تلفونك مقفول، خير يا بـ.ـنتي متو.جـ.ـعيش قلبي وقوليلي كنتِ بتعيطي ليه محلتيش كويس في الامتحان.
نفت نادين برأسها وأخبرتها بعدmا استعادت ثباتها كي لا تثير ريبتها أكثر:
مش بعيط أنا كويسة وحليت كويس الحمد لله أنا مخدتش بالي من التلفون مقفول معلش كان في الشنطة هكلمه واطمنه متقلقيش
ربتت ثريا على ظهرها وهي تحمد ربها، بينما هي خرجت من دفء أحضانها قائلة ببسمة باهتة لم تصل لعيناها:
حاسة إني مرهقة هدخل أوضتي اكلم يامن وبعدين هنام
مش هتاكلي يا بـ.ـنتي
اكلت مع نغم.
أومأت لها ثريا وربتت على يدها بحنو بالغ جعل نادين تتمتم:
أنا بحبك اوي يا ماما ثريا عارفة لو كانت امي لسة عايشة مكنتش هتبقى حنينة عليا أدك
أنا بدعي ربنا يديمكم ليا أنا مليش غيركم ومقدرش اعيش بعيد عنكم علشان خاطري مهما حصل اوعي تقسي عليا
كانت تتحدث بنبرة صادقة مُعـ.ـذ.بة تخشى شيء بعينه، ورغم أنها ثابتة أمامها إلا أن بداخلها ألف صرخة ألــم وبكاء لن ينضب، مما جعل ثريا تجذبها من جديد وتقول بحنو شـ.ـديد:.
عمري ما اقسى عليكِ انت بـ.ـنتي ومعزتك من معزة يامن بالظبط، هو في حاجة حصلت ضايقتك يا بـ.ـنتي، يامن زعلك
لأ، انا اللي خايفة ازعله ومعرفش اراضيه
هو ما بيزعلش منك أنتِ عارفاه قلبه أبيض من اللبن الحليب هو اه ساعات ليه قلبات ما يعلم بيها إلا ربنا بس والله طيب وبيحبك ويتمنالك الرضا ترضي...
اغمضت عيناها بألــم واستأذنت منها لتدخل تستريح بغرفتها وهي تدعي الثبات رغم الرعـ.ـب الذي يسكن قلبها فنعم هي محقة لذلك دعت الله بسرها أن يرأف بها.
عاد هو بعد يوم عمل طويل أنهكه على الأخير، وقبل أن يتوجه لغرفته
أطمئن على والدته بالأول ليجدها تغط في نوم عميق، ثم بعد ذلك سار بخطوات حثيثة نحو غرفتها ظنًا منه انها نائمة ولكن حين فتح بابها وجدها تجلس منكمشة داخل فراشها ليدخل ويغلق الباب، لتنتبه هي لوجوده وتهرول إليه وترتمي بين يديه قائلة بلهفة:
وحـ.ـشـ.ـتني يا يامن
أبتسم على لهفتها ودثرها بين حنايا صدره الأمنة وهمس بلوعة تشابه لوعة قلبها:.
قلب يامن وروحه وعمره أنتِ حشـ.ـتـ.ـيني و اكتر، أيه اللي مسهرك كده؟
بررت بقلب منقبض وبملامح باهتة وهي تتوجس خِيفة من رد فعله:
معرفتش أنام وكنت مستنياك عايزة اتكلم معاك
أخرجها من بين يده وقال بإرهاق:
لا كلام ايه انا هلكان وهمـ.ـو.ت وانام أجليها للصبح
بس...
حاولت أن تصر عليه كي تزيح ذلك الحمل الثقيل عن كاهلها ولكنه منعها قائلًا بحنان وهو يجذب رأسها تستقر على صدره:.
معلش حقك عليا أنا عارف إن بقالي كام يوم مشغول عنك بس أنتِ اكيد عارفة أن الشغل فوق راسي ولازم اعمل جرد لكل صغيرة وكبيرة انا والمحامي علشان اجراءات نقل الملكية ده كمان لازم اسافر بكرة الصبح اسكندرية علشان الفرع اللي هناك
مرغت وجهها بصدره وقالت وهي تستند بكفوفها المرتعشة عليه تتفقد موضع خافقه:
مش عايزة انقل الملكية أنا وأنت واحد وبعدين أنا عايزاك جنبي ومش مهم الشغل سيبه يخرب انا مش فارق معايا.
تنهد بعمق وقال ببسمة هادئة وهو يضع قبلة على قمة شعرها:
أزاي بس يا مغلباني عايزاني اضيع تعب سنين وبعدين ده حقك ولازم يرجعلك على أكمل وجه
بس أنا مش عايزاك تبعد عني وخصوصًا الفترة دي
لم ينتبه لتلميحها بل حتى انه شاكسها:
كل ده علشان غبت عنك شوية، لأ ده انتِ بقى وضعك خطير ويظهر كده والله اعلم بتحبيني
خرجت من بين يديه وكوبت وجهه هامسة بمشاعر صادقة وعيون غائمة بالكثير:
أنا بمـ.ـو.ت فيك مش بس بحبك.
تنهد مُسهدًا وهو يشملها بدفء عيناه ثم داعب خصلاتها ومرغ وجهه بين راحة يدها التي تستقر على وجهه راجيًا:
بلاش سيرة المـ.ـو.ت، بلاش تقوليلي بمـ.ـو.ت فيك، قوليلي هعيش ليكِ.
هعيش ليكِ وبيك و مهما تعمل فيا مش هزعل منك و هحافظ عليك ولو معرفتش؛ اعرف إني همـ.ـو.ت بعديك.
تناول نفس حار ثم زفره دفعة واحدة وشاكسها بعبث تام وهو يسند جبهته على خاصتها ويركز ناعستيه المُسبلة نحو ثغرها:.
قولت بلاش سيرة المـ.ـو.ت، وبعدين من ناحية اللي هعمله فيكِ فأنا هعمل فيكِ كتير، أنا هكلك أكل يا مغلباني ومش هفارقك ابدًا حتى في احلامك
رغم أنها لم تكن تقصد ما تفهمه إلا انها توهجت تحت نظراته ونكزته بصدره هامسة بخجل:
على فكرة أنت بقيت قليل الأدب، و بطل تكسفني يا رخم...
قهقه بكامل صوته الرجولي وحاوط خصرها يقربها منه هامسًا بمكر وهو يضع قبلة خاطفة على وجنتها:
عارف إني رخم بس ده ميمنعش انك بتعشقيني مش كده.
أومأت له بحركة من رأسها ليضمها هو ويتناول نفسٍ عميق نابع من صميم قلبه المُولع بها ويزفره بتمهل وبراحة عارمة، بينما هي تردد صدى كلمـ.ـا.ته بعقلها و تأجج بداخلها تلك الرغبات الكامنة المُلحة بجسدها، فقد استقرت برأسها بين حنايا عنقه وقبل أن يضيف شيءأو يفصل عناقه كانت هي تمرغ وجهها وتقول بعيون مغلقة وهي تقبله قبلات رقيقة ناعمة، متقطعة تتناول بين كل واحدة وآخرى نفس عميق من رائحته المميزة التي تعشقها وتميزها من بين ألف رائحة غيرها:.
بعشقك يا يامن وكل حب الدنيا مش كتير عليك
تقربها منه بهذا الشكل نزع فتيل الأمان بعزيمته و.جـ.ـعل النيران تنشب بجسده فطالما كان تأثيرها طاغي عليه ولذلك كان لابد أن يبتعد عن هالة فتنتها، فقد شهقت متفاجئة حين دفعها برفق قائلًا بأنفاس متهدجة وهو يدلك مؤخرة عنقه ويحل أول زر من قميصه كأنه يختنق و يستجدي الهواء:
كفاية الله يخليكِ أنا صامد بالعافـ.ـية ومش عايز اتهور، انا هروح انام، تصبحي على خير.
اختصرت المسافة التي صنعها ومنعته وهي تكوب وجهه من جديد هامسة بإحتياج وتلك الرغبة الغريبة تتملك منها:
أنا مراتك ومحتاجة قربك يا يامن...
ابتلع ريقه بحلق جاف وناعستيه المُسبلة لا تحيد عن نظراتها التي تحثه على شيء لطالما طمح به وجمح ذاته عنه كي لا ينقض وعده لها ولكن كيف الصمود وهي تنزع عنه سترته وتحل بأناملها المرتعشة باقي أزرار قميصه دون تمهل مما جعله يقبض على يدها العابثة بأنفاس مضطربة قائلًا بتحذير صريح:
بتعملي أيه؟
نادين بلاش تختبري صبري وارحميني على أخري...
نفت برأسها واقتربت من وجهه قرب ممـ.ـيـ.ـت حتى اختلطت انفاسهم هامسة بأصرار لا تعلم غايته سوى أن تنعم بقربه وتستغل كل لحظة معه بعدmا قررت أن تهديه شيء مميز يصعب عليه نسيانه ويظل مطبوع بذاكرته للأبد وهي تمنى ذاتها ربما فيما بعد يتشفع لها:
محتجالك، لتبلل شفاهها وتسترسل بهمس مثير للغاية:
نفسي احس بالاحساس ده معاك دلوقتي.
انتابته القشعريرة من حديثها وتأججت نيران مستعرة بجسده ولكن رغم ذلك حاول الصمود أمامها هامسًا بأنفاس متهدجة وهو يوليها ظهره كي يتحكم بثورة جسده وفوران مشاعره:
نادين بلاش نتسرع أنتِ متستهليش مني كده
صممت وهي تحاوط خصره من الخلف وتمرغ وجهها بظهره و تتذكر موقف مشابه وتستعير نفس كلامه التي لم تقدره بوقتها:.
بلاش تحرمني من قربك وتعالى نضحك على الزمن ونوقفه ونسرق منه وقت لينا، لتستأنف بعقلها (سبلي ذكريات علشان لو سبتني اعيش عليها)
لينطق لسانها:
محتجالك دلوقتي، و دي رغبتي.
قالتها بنعومة بالغة وهي تتجرأ وتقف مواجهة له تتلمس بأناملها شفاهه المنفرجة بتمهل جعل انفاسه تتثاقل والرغبة تكاد تقفز من ناعستيه ولكن هي لم ترأف به وزادتها عليه حين دست اناملها بخصلاته البُنية وأخذت تصنع حركات حثية أنهكت رجولته على الأخير و جعلت عزيمته تتلاشى وكافة حصونه تتهدm تحت وطأة فتنتها فما كان منه غير أن ينصاق لأهوائها ويتناول شفاهها بقبلة حارة ملتهبة مفعمة بضجيج قلبه المُولع بها، دامت قبلتهم المتناغمة لثوانِ معدودة قبل أن تنفلت شهقة خافتة من بين شفاهها التي لم يفلت حصارها بشفاهه المسيطرة، فقد باغتها ورفعها من خسرها فما كان منها كرد فعل تلقائي لجسدها ان تتعلق بعنقه رافعة ساقيها تحاوط خصره بها مما جعله يزمجر مستمتعًا من تجاوب جسدها بين يده وشغفها الذي لا يقل شيء عن شغفه بها فكانت تدفعه لدرب من دروب الجنون حتى انه وجد ذاته كالمغيب دون أي مقدmـ.ـا.ت أخرى أو لحظة تروي واحدة يتوجه بها نحو الفراش وهم في حالة من النشوة المتبادلة غير عابئين بتوابع اندفاعهم ولا كونها بفعلتها تلك اوصلته لنقطة لا رجعة بها.
غمامة ضبابية من الدخان تخيم فوق رأسه، وتغشي على عينه وتغيب عقله فكان يجلس في تلك الشقة الفاخرة الذي ابتاعها لها كي ينال شرف قربها ولكنها خربت كافة آماله نحوها.
فقد رفع رأسه من على سطح الطاولة بعدmا ثبت تلك الاسطوانة الدائرية الرفيعة على تلك السطور المتوازية التي صنعها ثم سد فتحة واحدة من منخاره بإبهامه و استنشق بقوة مستمتعًا، ومنتشيًا من تلك الجرعة الوفيرة من السعادة الوهمية التي تمنحها تلك السموم البيضاء ليعتصر عينه بقوة يقاوم تأثيرها الجبـ.ـار على جهازه العصبي ثم دون أن يمنح اجهزته الحيوية هُدنة كان يلتقط.
سيجارته الذاخرة المشتعلة ينفث دخانها كي يلهي عقله عن التفكير بها ولكن كان الأمر شبه مستحيل بالنسبة له فعنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بالفوز والخسارة لابد أن يكون هو الرابح الوحيد.
وبعدهالك يا صاحبي كفاية كده انت طينت الدنيا
قالها فايز بعدm رضا، ليزمجر طارق غاضبًا بكل عنجهيجة وغــــرور:
متقوليش كفاية وملكش فيه، أنا هتجنن، هتجنن وبرج من دmاغي هيطير وأنت بتقولي كفاية
يعني اللي بتعمله ده هيغير ايه؟
معرفش اهي حاجة بتوقف عقلي عن التفكير والسلام بدل ما أروح اقــ,تــلها واقــ,تــل الغـ.ـبـ.ـي اللي فضلته عليا
تشجع فايز ونصحه بتعقل:
بس انا خايف عليك يا صاحبي وشايف أن الموضوع مش مستاهل تضيع نفسك، سيبها في حالها تعيش زي ما هي عايزة وأنت ألف بـ.ـنت غيرها تتمناك
زمجر هو غاضبًا ورفض بكل عنجهية والحقد والوعيد يقطر من عيناه:
بس أنا بقى مش عايز غيرها ومش هرتاح غير لما اكـ.ـسر عينها و ارجعها ليا راكعة غـ.ـصـ.ـب عنها.
زفر فايز بضيق من إصرار صديقه والتزم الصمت ولكن بينه وبين ذاته شيء يحثه على عدm التكتم على الأمر.
بينما هو كان حديثها ودفاعها المستمـ.ـيـ.ـت عن ذلك الغـ.ـبـ.ـي يتردد بعقله ويقدح نيران الحقد بصدره، ليترك العنان لشياطينه اللعينة تعث الفساد برأسه وتسيطر عليه وتحيك له مكيدة جديدة محكمة للغاية كي ينال غرضه منها ولكن تلك المرة يقسم أنها ستكون دون تهاون.
غافل ان بتهوره ذلك سينشق قلب عاشق أخر لا ذنب له سوى حبه لها.
↚
الخطايا كلها تكاد تكون مغفورة في مدينتي، ، إلا خطيئة السعادة والفرح، ولكن الحب رغيف لا يمكن اقتسامه بين أكثر من اثنين!
غادة السمان.
كانت ليلة حالمة تفوق كل التوقعات بالنسبة له، فكان يشعر انه يهيم في السماء ولم تعد قدmيه تلامس الأرض من شـ.ـدة سعادته بعد أن صك ملكيتها له و.جـ.ـعلها تنتمي له قولًا وفعلًا.
لا ينكر كونها فاجأته للغاية بمبادرتها وأنهكته على الأخير بفتنتها، وكان في حيرة من أمره وظل يتسأل لمَ بذلك التوقيت اصرت على الأمر، حقًا لا يعلم ولا يريد أن يعطي للأمر اهمية ويبحث عن تبرير سوى ذلك التي أخبرته به حين عبرت عن حاجتها.
حانت منه بسمة تعدت العشق بمراحل عدة وهو يتأملها غافية كالملائكة في برائتها فمن يراها الآن يستغرب كيف كانت بلأمس مغوية، عابثة، ودفعته دون مجهود يذكر منها أن ينخرط معها في جولة نارية لم يتصور من قبل روعة تفاصيلها وحتى بأبعد أحلامه.
تنهد تنهيدة مُسهدة وهي ترفرف بأهدابها و تتململ بنومها وحين افرجت عن ليل عيناها هَام بها وهمس ببحة صوته المميزة التي دوماً تبعثرها:.
قلبي هيقف، يخربيت جمالك على الصبح هو في كده...
ابتسمت و قطمت شفاهها وهي تشعر بالعار من ذاتها لما بدر منها بلأمس، بينما هو رفع جسدها قليلًا لمستوى جسده قائلًا بعبث تام وعينه يتراقص بها المكر:
لقد وقعنا في الفخ يا مغلباني، ومتفكريش، مبقاش ينفع ترجعي في كلامك
أغمضت عيناها واخفت وجهها بكفوفها وهمست بخجل:
انت رخم
اعتلى حاجبية بمكر وشاكسها بمجون وهو يزيح يدها كاشف عن وجهها:.
دلوقتي بقيت رخم ومكنتش رخم ليلة أمبـ.ـارح لما غرغرتي بيا
شهقت بقوة و نكزته بصدره مبررة:
انا مغرغرتش بيك، أنت اللي طلعت قليل الأدب وعملت حاجات عمري ما كنت اتخيل أنها تطلع منك...
ضغط على طرف شفته السفلية بعدmا أتت ومضات لما فعله بها ثم همس وهو يتفرس بوجهها:
أنا عايزك متخديش على قلة الأدب علشان من هنا ورايح هبقى معدوم الأدب.
قالها بغمزة ماجنة من عينه الناعسة مما جعلها تتهرب من نظراته التي تعلم مغزاها وتتنهد هامسة باستسلام:
انا شكلي وقعت في الفخ فعلًا...
قهقه بكامل صوته مستمتعًا مما دفعها تكتم ضحكاته بكف يدها وتهمس معاتبة:
هتفضحنا يا يامن اسكت انا ممكن امـ.ـو.ت من الكسوف لو ماما ثريا عرفت اللي حصل بينا
أزاح يدها وحاوط مؤخرة رأسها هامسًا بنبرة مطمئنة وهو يقبلها قُبلات متقطعة:
أنتِ مراتي يا قلب يا يامن احنا مش بنسرق.
لتهز رأسها وتعتدل بنومتها و تلملم الغطاء على جسدها متلعثمة:
ايوة انا مراتك وكل حاجة بس...
عجزت عن التبرير فكيف تفعل وهي من دفعته لذلك لتقطم شفاهها وتتهرب بنظراتها مرة أخرى بخزي مما جعله يتساءل مستغربًا:
نـ.ـد.مانة...
لا أنا عمري ما عملت حاجة وكنت مقتنعة بيها وحاسة إني محتجالها زي دلوقتي...
لتغمض عيناها تلعن تسرعها ثم تتساءل بنظرات مترقبة وهو يهيم بها بطريقة تعدت العشق بمراحل:
أنت نـ.ـد.مان؟
نفى برأسه وأجابها وهو يجذبها لصدره من جديد ويضع قبلة حانية على مقدmة شعرها:
نـ.ـد.م أيه اللي بتتكلمي عنه يا نادين، أنا كنت همـ.ـو.ت على اليوم ده أنا كنت حاسس إني بحلم ومش مصدق أنك اخيرًا بين ايدي وهقدر اعيش معاكِ كل اللي ياما حلمت بيه في خيالي
تساءلت بترقب:
خيالك ده اكيد منحرف مش كده...
اتسعت بسمته بتسلية وأجابها بعبث تام وهو يتحسس ظهرها بطريقة اصابتها بالقشعريرة:.
اكيد طبعًا منحرف أمال هعمل معاكِ ايه في الحلم مثلًا غير إني هلعب عروسة وعريس
نكزته بصدره وهي تقاوم لمساته التي تفقدها عقلها:
يعني اكتر من انحراف امبـ.ـارح..
لمعت ناعستيه بالرغبة من جديد واخبرها هامسًا وهو يمددها ويعتليها بحركة مباغته جعلتها تشهق متفاجأة:
اللي حصل امبـ.ـارح ده كان برو?ة أنا لسة معملتش حاجة انا كنت بمهد للجاي
تململت هي تحت جسده:
يامن بَطل جنان مامتك بره وزمانها صحت قوم بقى هتفضحنا.
نفى برأسه ومال بوجهه يلثم تلك الشامـ.ـا.ت الصغيرة التي تزين نحرها مما جعلها تهمس بأسمه بعيون مغلقة وبأنفاس متهدجة:
يامن...
لم يستمع لها بل كان يتابع ما يفعله بإستمتاع تام وكأنه مغيب لا يعي سوى كونه يود أن يرتوي منها حد الاكتفاء ويكرر ذلك الشعور اللذيذ بالكمال، وفي عز نشوته لفت انتباهه احمرار قوي يطوق بشرة عنقها ليرفع رأسه ويسألها بأنفاس ثائرة متوجسة وهو يركز نظراته على عنقها:.
ايه اللي في رقبتك ده يا نادين
ارتبكت هي وتحسست موضع نظراته فقد تعمدت بلأمس ان تخفي الأثار بمساحيق التجميل ولكن لابد أن قد زالت وامتسحت بالفراش، لتتلعثم بتـ.ـو.تر وببسمة باهتة استغربها:
ده، ده، تلاقيه منك، لتزيح جسدها من تحت وطاة جسده وتستأنف ببسمة متـ.ـو.ترة وهي تجذب الغطاء تلفه على جسدها وتنهض من الفراش:
أنت كنت خطير امبـ.ـارح ومكنتش حاسس انت بتعمل ايه...
لا يعلم لمَ زحف الشك إلى قلبه، حين نهض و ركز نظراته عليها بهدوء مريب جعلها تبادر قائلة كي تجعل أفكاره لا تنحرف عن حجتها:
هتوحشني لما هتسافر
هز رأسه يحاول نفض تلك الأفكار من رأسه ويؤمن على حجتها ورغم انه لا يذكر فعل ذلك ولكن ربما! فهو يعلم عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لايستطيع السيطرة على ذاته لذلك أجابها دون تخوين:
لازم انا مواعد المحامي مش هتأخر يومين تلاتة بالكتير وهبقى هنا.
أحتل الحـ.ـز.ن معالم وجهها وضمته بقوة لصدرها هامسة بخــــوف عظيم:
اوعدني أن دي اخر مرة تبعد فيها عني...
مسد على خصلاتها بحنان بالغ و وعدها:
أوعدك يا قلب وروح يامن
اصلًا بعد اللي حصل مقدرش ابعد عنك أنا مصدقت بقيتي بتاعتي واعملي حسابك هقدm معاد الفرح كام يوم علشان مش هقدر اصبر ومش عايز احطك في موقف محرج و انا بصراحة مضمنش نفسي
هزت رأسها بحـ.ـضـ.ـنه، ليتسأل هو بعدها وهو مازال يمسد على خصلاتها نزولاً لظهرها:.
كنتِ عايزة تقوليلي ايه امبـ.ـارح؟
ابتلعت غصة مريرة بحلقها، وطال صمتها لا تعلم كيف تشرع بالحديث، ليخرجها من بين يده ويسألها بتفهم وحنان وهو يكوب وجهها:
اتكلمي يا حبيبتي و أنا هسمعك
نظرت له نظرة عميقة محملة بالكثير من الشتات وكادت تنطق لولآ أن طرق باب غرفتها وصوت ثريا الذي صدح من خلفه:
نادين اصحي انا حضرت الفطار
ارتبكت للغاية ليهدأ هو من روعها بنظراته ويحثها أن تجيبها لتنطق متلجلجة من خلف الباب:.
صحيت، بس مليش نفس دلوقتي
طب انا هصلي في أوضتي ولم تعوزي تفطري قوليلي يا بـ.ـنتي
حاضر...
تنهدت بـ.ـارتياح عنـ.ـد.ما شعرت بخطواتها تبتعد لتلتفت له تجده يشرع بإرتداء ملابسه ببسمة هادئة مفعمة بالفخر وعينه تتركز على نقطة معينة تزين الفراش، مما جعلها تتوهج بشـ.ـدة وتهمس بخجل وهي تفرك بيدها:
هتسافر دلوقتي؟
أومأ لها وهو يرتدي سترته ويمرر يده بخصلاته:
هاخد شاور واغير هدومي الأول وبعدين همشي، تعلقت عيناها به ليسترسل بتفهم:.
متقلقيش هفهم ماما إني بت في المطعم علشان هي اكيد راحت أوضتي وملقتنيش
هزت رأسها ليقترب منها ويضع قبلة عميقة على وجنتها مضيف بأهتمام:
مقولتليش كنت هتقولي ايه؟
تلجم لسانها وصعب عليها ان تخرب سعادتهم الآن لذلك تهـ.ـر.بت:
لأ خلاص الموضوع تافه مش مهم
تنهد بقوة وحاول إقناع ذاته بتبريرها، بينما هي ابتسمت تلك البسمة المهلكة التي لطالما أوقعته بها وهمست بحاجة صادقة ومشاعر فائضة:
خلي بالك من نفسك ومتتأخرش علشان خاطري.
اومأ لها وتنهد مُسهدًا فكم يود أن يبقى بجانبها للأبد ولا يخطوا خطوة واحدة بعيد عنها بعد ما حدث؛ ولكن هو مضطر، لذلك واسى ذاته أنه بعد أيام سوف لا يشغله عنها أي شيء وسوف ينهال منها كيفما يشاء لذلك حفز ذاته و وضع قبلة حانية على جبينها ثم غادر غرفتها بخطوات حثيثة للغاية كل لا يلفت انتباه والدته له ثم دلف لغرفته، بينما هي تنهدت تنهيدة مثقلة بالكثير ثم ارتمت على الفراش ببسمة حالمة تترأى أمام عيناها ومضات لتلك الليلة الجامحة التي ستظل مطبوعة بذاكرتها للأبد.
صباح الخير يا ست هانم
ابتسمت رهف بهدوء وردت عليه وهي توارب باب شقتها الذي طرقه للتو:
صباح الخير
مد الحارس يده بمفتاح لامع وقال موضحًا:
ده مفتاح الباب الحديد الجديد بتاع الجنينة، استاذ نضال جاب واحد حداد وغيره وفضل واقف على ايده لغاية ما خلص واتحمل كل التكاليف وبلغني أدي لحضرتك نسخة.
أومأت له رهف وتناولت المفتاح من يده وهي حقًا تشعر بلأمتنان لذلك النضال فلطالما تخــــوفت من كون باب الحديقة التي تحاوط البناية به عطب ولا يغلق ولذلك كانت تعارض بشـ.ـدة نزول صغارها إليها للعب، لذلك أخبرت الحارس بإمتنان:
اشكر الدكتور بالنيابة عني
هز الحارس رأسه بتفهم وانصرف، لتغلق الباب وهي تنظر للمفتاح المستقر براحة يدها نظرات مطولة جعلت سعاد تتساءل بريبة:
مالك مبلمة ليه يا رهف ومفتاح ايه ده؟
تنهدت هي وأوضحت:
مفتاح باب الجنينة الجديد
بجد اخيرًا فكروا يعملوا باب جديد ده بقاله سنين على الحال ده
الدكتور هو اللي غيره
تنهدت سعاد وقالت:
والله الدكتور ده مفيش منه
صحيح يا رهف أنتِ لغاية دلوقتي مشكرتهوش هو الست كريمة على اللي عملوه معاكِ
زفرت هي وقالت:
مجاش في بالي يا سعاد وبصراحة أنتِ عارفة انا مش اجتماعية اوي ومبعرفش اختلط بالناس بسهولة.
بس عيب كده قلة ذوق مننا احنا بكرة او بعده نجيب علبة شيكولاته محترمة ونطلع نشكر الست الكريمة
بس
حاولت أن تعترض ولكن سعاد قاطعتها:
من غير بس وبعدين أنا خلاص هسافر وبعد كده متأكده انك مش هت عـ.ـر.في تعملي ده لوحدك وبعدين متنسيش أنهم جيرانا و وارد تشوفيهم صدفة في أي وقت وساعتها هتتحرجي علشان كنتِ قليلة الذوق
أنت عندك حق، لتتنهد بحـ.ـز.ن وتضيف:
هتوحشيني يا سعاد ومش عارفه هعيش إزاي من غيرك.
اجابتها سعاد بمحبة خالصة لها:
أنتِ كمان هتوحشيني والولاد والبلد وكل حاجة بس اعمل مضطرة لتضيف بقلة حيلة:
جوزي هيتجن عايزني ارجع والشغل هناك متعطل بسببي، ودراسة الولاد هتبدأ أنا حمدت ربنا أن في فرق بمواعيد الدراسة بين هناك وهنا علشان اقدر انزل اصلا
أومأت رهف لها بتفهم وبعيون غائمة تساءلت:
هتبقي تكلميني!
ضمتها سعاد و طمأنتها قائلة:
طبعًا انتِ مش هتخلصي مني وهتلاقيني بكلمك كل يوم اعرف تفاصيل يومك وكمان كام شهر كده هتلاقيني ناطة تاني وقرفاكِ
هزت رهف رأسها بإقتناع وزادت من ضم سعاد لها كي تنعم بقربها وبمؤذرتها التي ستفتقدها كثيرًا بغيابها.
ظلت ملازمة غرفتها بعد غيابه وها هو يوم أخر مر من دونه فكم كانت تتلهف لتسمع صوته ولكنها كانت تخشى أن تفتح هاتفها وتجد ذلك المقيت يحاول أن يهاتفها، حقًا كرهت الأمر وكانت تمـ.ـو.ت بجلدها كلما تذكرته، فهي حتى تخــــوفت أن تغير شريحة هاتفها حتى لا تثير ريبة الآخر ويدفعه فضوله لمعرفة السبب وحقاً أخر ما تتمناه هي وتسعى إليه أن يشكك بها ويبحث خلفها ويفـ.ـضـ.ـح امرها بنفسه عوضًا أن تخبره هي، تناولت نفس عميق تشجع به ذاتها كي تبدو طبيعية أمام ثريا ثم توجهت للخارج لتجدها تتحدث في الهاتف قائلة:.
خلاص يا حبيبي هبلغها معلش ربنا يقويك...
جعدت حاجبيها المنمقين وتسائلت:
ده يامن خير يا ماما هاتي اكلمه
تنهدت ثريا واجابتها وهي تغلق الخط معه:
معلش يا بـ.ـنتي هو مشغول يا عين امه والشغل متلتل فوق دmاغه هيكلمك لما يخلص وقالي ابلغك أنه هيرجع كمان يومين أو تلاتة
احتل الحـ.ـز.ن معالم وجهها وتنهدت بضيق فلم تعد تطيق غيابه تريده هنا بجوارها تحتمي به ويطمئن قلبها لقربه، انتشلتها ثريا من حـ.ـز.نها مواسية:.
معلش ادعيله ربنا يقويه
أبتسمت لها بسمة عابرة وأمنت على دعواتها وهي تشعر بإنقباض قلبها، لتتسترسل ثريا بحنو شـ.ـديد:
أنا هدخل أحضر الغدا اللي بتحبيه، لونك مخـ.ـطـ.ـوف بقاله يومين ومش عجباني.
أومأت لها وتهـ.ـر.بت بعيناها منها، لتربت ثريا على ظهرها ولم تضيف شيء أخر وتتوجه للمطبخ كي تعد الطعام، بينما هي هرولت لغرفتها وهي تنوي أن تحاكيه فقد غلبها شوقها له ولن تستطيع الصبر أكثر لتفتح هاتفها وتضغط على شاشته ولكن لم يجيبها لتزفر بضيق عنـ.ـد.ما وجدت اشعارت عدة من مواقع التواصل الاجتماعي وعدة رسائل نصية في بريدها الوارد، لم تهتم بأي منهم بل كادت تغلقه مرة أخرى لولآ أن تعالى أزيزه وظهر رقم ميرال على شاشته، استغربت الأمر كثيرًا كون انقطع التواصل بينهم من شهور عدة وحقًا كم تمنت أن تفعل هي وتحكيها وتعتذر منها وتخبرها بنهش ضميرها ولكنها لم تكن بالشجاعة الكافية لفعل ذلك.
ترددت قليلًا قبل أن ترد عليها ولكن دفعها الفضول لتعرف سبب اتصالها لترد بترقب:
ميرال
انتِ فين يا غـ.ـبـ.ـية بتصل بيكِ من يومين وتليفونك مقفول وكنت هجيلك البيت بس الكلام اللي هقولهولك مينفعش حد يسمعه عندك
لم يكن اتصالها فقط غير متوقع بل حتى توبيخها، لذلك ردت مستغربة:
انا متفاجئة من اتصالك اصلًا و مش فاهمة حاجة
هفهمك ولازم نتقابل ضروري هستناكِ في المكان القديم اللي كنا بـ.ـنتقابل فيه بعد ساعة.
ميرال طب فهميني انا مش مستوعبة عايزاني ليه؟لو حاجة بخصوص مواضيعنا القديمة انا...
قاطعتها هي بإقتضاب:
لما تيجي هت عـ.ـر.في يا نادين
اغلقت معها الهاتف دون أن توضح لها مما جعلها تستغرب الأمر كثيرًا ولكن حفزت ذاتها أنها لن تخسر شيء بل بالعكس ستستغل الفرصة وتعتذر منها، ولكن ماذا لو كانت تلك مكيدة حاكها اللعين لها معها!
وعند تلك الفكرة تخــــوفت كثيرًا فلم تجد امامها سوى حل وحيد وهو مهاتفة نغم وبالفعل هاتفتها وقصت لها كل شيء وطلبت منها أن تأتي للمنزل لتصتحبها انصاعت نغم لها وتحضرت بوقت قياسي واستأذنت ثريا وبالطبع لم تعارض بل وافقت وأكدت عليهم أن لا يتاخرون وبالفعل خرجوا سويًا وانطلقوا بسيارتها للمكان المنشود.
لمي هدومك علشان انا بعت ال?لا
جملة قالها حسن وكان وقوعها على مسامعها بمثابة صاعقة كهربائية نفضتها صارخة بوجهه:
نعممممممممم أنت ازاي تتصرف من دmاغك و متخدش رأي في حاجة زي دي
اجابها بقلة حيلة:
كان لازم اتصرف، ومكنش في قدامي طريقة تانية انا كمان بعت العربية، علشان اسدد جزء من المرتبات المتأخرة
استشاطت غـــضــــبًا وقالت بسخط:
كمان، وصلت بيك لكده وياترى بقى هنقعد فين في الشارع
نفى برأسه واخبرها مضطر:.
هنقعد في شقتي مؤقتًا
نفت بسبابتها وقالت بسخط:
عايز تعيشني في الشقة العرة اللي كانت عايشة فيها المسهوكة بتاعتك، ده مش هيحصل ابدًا
اقترب منها يحاوط كتفيها يحاول إقناعها:
منار معلش إحنا مضطرين لكده وإن شاء الله الاوضاع هتتحسن من تاني، بس انتِ أهم حاجة تخليكِ معايا انا مبقاليش غيرك
دفعت يديه التي تطوقها وقالت بحقد:
ذنبي ايه؟ اتحمل وهي السبب في كل ده...
خدت فلوسك وبتتنعم في خيرك وسابتك على الحديدة وانت بدل ما تاخد موقف وترجع حقك
روحت طلقتها وريحتها منك
هي رفضت العرض واهانتني ومقدرتش اتحمل
لتقول بتحريض نابع من شـ.ـدة حقدها:
كان في ألف طريقة علشان تضغط عليها واولهم ولادك، بس أنت اللي مرضتش تسمع كلامي وبدل ما تبلفها بكلمتين وتوصل لاتفاق معاها
روحت بوظت الدنيا وضيعت اخر أمل ليك علشان ترجعلك فلوسك.
خلاص اللي حصل حصل ياريت بقى تبطلي زن في الموضوع ده وتفكري معايا في حل علشان نخرج من الأزمة دي
هزت ساقيها بإنفعال ولوحت بيدها بعدm اكتراث قائلة:
دي مشكلتك لوحدك يا سونة ومش مضطرة اشاركك فيها طالما أنت ماشي بدmاغك.
لتتركه وتتوجه لغرفة النوم بقوة تدل على شـ.ـدة حنقها وسـ.ـخطها للوضع الراهن، بينما هو ارتمي على أحد المقاعد بتهالك يفكر جديًا في اللجوء ل يامن كي يعيره المال كي يتخطى أزمته قبل أن يخسر شركته التي تكبد العناء في إنشاءها.
تهادت بسرعة سيارتها عنـ.ـد.ما وصلت للمكان لتجد سيارة الأخرى مصطفة وتجد صاحبتها تنتظرها مستندة بظهرها على مقدmتها وشاردة بتلك الطلة المبهرة التي تخـ.ـطـ.ـف الأنفاس وتكشف البلد من عليائها
أوقفت محرك سيارتها وتدلت منها بعدmا اكدت على نغم أن تظل بالسيارة وتنتظرها، أقتربت من موقعها واستندت بِجوارها قائلة:
اتأخرت عليكِ
تنهدت هي ونظرت للقابعة بسيارتها بسـ ـخـــريــة وردت:
جيباها تحميكِ...
تناوبت نادين نظراتها بينهم وأدعت الثبات:
لأ، أنا كنت انا وهي بنجيب حاجات و...
فر الحديث من على لسانها لتنفخ بقوة وتهدر بنفاذ صبر:
بصراحة الوضع مريب وانا شيفاها غريبة انك تكلميني وتطلبي تقابليني بعد كل الوقت ده
أجابتها ببسمة باهتة:
هو فعلًا مريب، وليكِ حق تستغربي، انا نفسي شايفة اللي بعمله معاكِ دلوقتي مش منطقي بعد اللي عملتيه فيا.
نكست نادين رأسها بخزي عنـ.ـد.ما تذكرت فعلتها بها التي ظلت تؤرق ضميرها وإلى الآن لم تكفر عنها:
ميرال أنا ضميري بيمـ.ـو.تني من وقتها ومكنش عندي الشجاعة اني اجيلك واعتذرلك
حانت من ميرال بسمة ساخرة وهدرت ببؤس:
تعتذري، فات الآوان يا نادين أنتِ دmرتيني وبفضل اللي عملتيه خسرتيني اكتر حد حبيته في حياتي
قصدك طارق؟
استنكرت هي:
طارق ده كـ.ـلـ.ـب ولا يسوى أنا بكلمك عن راجـ.ـل بمعني الكلمة مش حـ.ـيو.ان زي طارق زفت ده.
نكست رأسها بخزي واخذت تفرك بأصابع يدها، لتستانف ميرال بنفاذ صبر:
خلينا في المهم انا جبتك علشان عايزة اوريكِ حاجة
تأهبت نادين بنظراتها
لتفتح ميرال هاتفها وتضغط على شاشته ثم وضعته أمام نظراتها، لتشهق نادين بصدmة عارمة، فهناك صورة تجمعها بذلك المقيت بداخل مرحاض ذلك الملهى، حين باغتها بقبلته في ذلك اليوم المشؤم التي تتذكر تفاصيله للآن وكيف لا تفعل ومنذ ذلك اليوم وانقلبت حياتها رأس على عقب، لتتمتم بذهول:.
مش معقول...
أنتِ جبتي الصورة دي منين ومين صورها!
تنهدت ميرال واجابتها:
الصورة دي جاتلي واللي بعتها كان عايز يستغل العداوة اللي ما بينا ويخليني افضحك زي ما فضحتيني
لتشهق بخــــوف وتكرر كلمتها بذعر:
تفضحيني، ومين ليه مصلحة في كده؟
ردت بِفطنة وهي تقف في مواجهتها:
توقيت المشكلة اللي عملها مع محمد وبعد اللي حصل في الجراچ اتأكدت انه هو...
كانت في حالة من حالات الذهول حتى أنها كانت تكرر الحديث ببلاهة:
يوم الجراچ...
لملمت ميرال خصلاتها خلف اذنها كحركة ملازمة لها حين تتـ.ـو.تر او تخجل و اوضحت:
ايوة انا كنت هناك بالصدفة باخد عربيتي وشوفت وسمعت كل اللي دار بينكم
أنتِ اللي خليتي الانذار يضـ.ـر.ب وقتها
قالتها بترقب، لتؤيد الأخرى:
ايوة انا اللي زقيت العربية علشان جرس الأنذار يضـ.ـر.ب وهو بيخـ.ـنـ.ـقك
تسألت بخزي من نفسها وعيناها تقطر بالدmع:
معقول عملتي كده علشاني بعد كل اللي عملته فيكِ...
اجابتها ميرال بنبرة مسالمة خالية تمامًا من أي حقد:.
أيوة يا نادين ومتستغربيش انا مش بالسوء ده علشان اقف اتفرج عليه بيمـ.ـو.تك عارفة لو كُنت ميرال القديمة مكنتش هتردد ثانية وكنت هشوف أن من العدل أنك تجربي شعور القهر اللي كنت بحس بيه بس انا مقدرتش اعمل كده يا نادين لتتنهد بقوة وتضيف:
عارفه ليه علشان انا مش شبهكم أنا مبعرفش ارد الأذى بالأذى ولا بعرف اكره ولا اشمت واعمل مؤامرات ورغم أنك اكتر واحدة أذتني بس عمري ما قدرت اعمل فيكِ كده.
زاغت نظرات نادين الباكية التي يقطر النـ.ـد.م منها وقالت وضميرها ينهش بها بلا هوادة:
ميرال سامحيني والله العظيم انا نـ.ـد.مت على اللي عملته فيكِ انا كنت غـ.ـبـ.ـية، كنت بغير منك علشان انتِ بتقدري تعملي كل اللي أنتِ عايزاه من غير ما حد يحجمك ومفيش حاجة بتتفرض عليكِ زي، لتشهق بحرقة و تحاوط بذراعيها جسدها في محاولة بائسة منها أن تسيطر على رجفته الملازمة لها وتسترسل:.
بعترف كنت غـ.ـبـ.ـية واستكترت الغـ.ـبـ.ـي ده عليكِ وكنت وقتها بخدر ضميري واقول أنك عندك كل حاجة وعندك الحرية الكافية تصاحبي غيره و مش هيفرق معاكِ وإني انا مميزة عنك وانا اللي جديرة بيه مش انتِ...
حانت من ميرال بسمة ساخرة باهتة لم تمسس بحر عيناها واستطردت:.
هو فعلا مفرقش معايا يا نادين مفيش حاجة في الدنيا فرقت معايا غير أن الأنسان الوحيد اللي اهتم بيا وحبني؛ صدق اللي اتقال عليا، لتململم خصلاتها من جديد وتصرح بقناعتها القديمة التي تغيرت ونـ.ـد.مت عليها بفعل مالك قلبها:.
بس برغم كده مقدرش انكر أنك مميزة وكنت بحسدك وقتها علشان بتقدري تستحوذي على اهتمام كل اللي حواليكِ وكتير اتمنيت يكون عندي حد يخاف عليا ويحبني زيك، أنتِ لقيتي اللي يعوضك عن حنان امك ورعايتها وخــــوفها عليكِ بس أنا لأ، أنتِ كان عندك راجـ.ـل بيحبك وبيخاف عليكِ، وعمرك ما قدرتي ده وكنتِ بتتمردي علشان بيوجهك، وانا لأ، انا وقتها كنت ضايعة مفيش حد حتى بيقولي نصيحة واحدة تنفعني كل اللي كانوا حوليا مش حاسين بوجودي اساسًا، ليفيض بحر عيناها وتقول بنبرة حزينة تحمل البؤس حين تذكرت صاحب البندقيتان:.
لغاية ما قابلت محمد و رمم حياتي وغيرني وخلاني احب الحياة من تاني ولقيت معاه الدفى والأهتمام والحنية اللي الدنيا كلها حرمتني منهم
ومكنتش عايزة حاجة غير إني ابقى معاه
وكنت خلاص هخطى معاه اول خطوة في طريق حلمنا لغاية ما الكـ.ـلـ.ـب طارق قاله نفس الكلام اللي أنتِ كنتِ السبب فيه و رفض حتى يسمعني
كانت حقًا تشعر بالعار من ذاتها، فكانت تشهق ببكاء مرير محمل بالكثير من النـ.ـد.م وهي تقترب منها وتحاوط ذراعيها راجية:.
سامحيني يا ميرال كنت انانية وغـ.ـبـ.ـية مفكرتش في حد غير نفسي، انا عملت حاجات كتير غلط يا ميرال أنا بوظت حياة ناس كتير وكلهم قريبن ليا أنا لعنة، لعنة يا ميرال لعنة للكل يارب أمـ.ـو.ت واريحكم مني
نفضت ميرال يدها بعصبية وقالت بقلب منهك ذاق الخذلان على يدها:
أنتِ فعلًا لعنة، أنا كنت بحبك وكنت فاكرة أننا هنكمل بعض وأن قلبك هيبقى عليا بس انتِ خذلتيني وبوظتي حياتي.
قالتها بأنهيار تام وهي تجثو على ركبتيها على الأرض الترابية ودmعاتها تهطل كشلال مياهه لا تنضب وهي تخفي وجهها بكفوف يدها، مما جعل الآخرى تؤاذر أنهيارها بأنهيار مماثل وتجثو مثلها مغمغمة بنـ.ـد.م قـ.ـا.تل يفتك بها:
ربنا بيسامح، انا نـ.ـد.مت والله نـ.ـد.مت وهعمل المستحيل علشان اصلح كل اللي عملته، سامحيني سامحيني، انا هروح لحبيبك وهقوله على كل حاجة وهو اكيد هيصدقني
نفت ميرال برأسها وقالت بيأس من بين شهقاتها:.
مش هيصدق، محمد دmاغه ناشفة وكبريائه وعزة نفسه مش قابلة يكون للبـ.ـنت اللي بيحبها علاقات قبليه، هو بيحاسبني على المبادئ والقيم وانا مليش ذنب يروح يحاسبهم هما يحاسب الست اللي رمتني ويحاسب ابويا اللي معندوش وقت ليا، يروح يحاسب دعاء انها بتمثل دور مرات الأب اللي قلبها عليا قدام ابويا ومن وراه بتكهرهني ونفسها تخلص مني انا بشوف ده في عينيها وعارفة انها عمرها ما حبتني ولا حتى حبت ابويا واتجوزته علشان طمعانه فيه بس انا كنت بسكت علشان شيفاه مرتاح، محمد بيحاسبني على حاجات انا معرفهاش ولا عمري اتعلمتها، وهو مقتنع أن في فوارق كتير بينا وعلشان كده مش هيصدقك...
نفت نادين برأسها وحفزتها قائلة وهي تضغط على ذراعيها:
هيصدق، لو راجـ.ـل بجد زي ما بتقولي يبقى هيصدق وحبه ليكِ هيخليه يتخطى أي فوارق
اجابتها بيأس و بواحدة من تلك القناعات التي زرعها بها مالك قلبها:
الراجـ.ـل اللي بجد يا نادين بيغفر كل حاجة إلا المساس بكبريائه وعرضه وخصوصًا لو كان الموضوع يمس البـ.ـنت اللي اخترها تشيل اسمه وتبقى أم ولاده.
بلاش نسبق الأحداث وإن شاء الله كل حاجة هتتصلح بس اجمدي علشان خاطري انا محتجاكِ جنبي زي زمان، وهنا وهن صوتها واعتصر قلبها وهي تستأنف برعـ.ـب من بين نحيبها:
انا خايفة يا ميرال خايفة، زي ما خسرتك زمان اخسر يامن أنا بحبه يا ميرال، بحبه وعارفة انه مستحيل هيسامحني
أنتِ لازم تقوليله الحقيقة قبل ما الحـ.ـيو.ان ده يعمل حاجة، لازم تتشجعي وتحكيله وطالما بيحبك هيقف في وشه ويبعده عنك.
انا خايفة، ومش عارفة افكر!
نادو اللي اعرفها قوية، وكنت بستقوى بيها زمان، قومي روحي لجوزك وامسكي فيه بأيدك وسنانك، ومتديش فرصة للكـ.ـلـ.ـب ده انه يخرب حياتها ويخسرهولك
هزت رأسها بطاعة وقالت بنـ.ـد.م حقيقي ودmعاتها تفر دون هوادة:
حقك عليا أنا مدينة ليكِ بكتير يا ميرال، انا مهما عملت مش هوفيكِ ومش هقدر اكفر عن ذنبي في حقك
مش وقته الكلام ده
هزت رأسها و دون تفكير كان تضمها وتكرر بأسف:
سامحيني...
مسمحاكِ يا نادين ومصدقة انك نـ.ـد.مانة...
فصلت عناقها واخبرتها برعـ.ـب حقيقي:
ميرال لو حصل أي حاجة اوعديني أنك تحكي كل حاجة ل يامن لتخرج من جيبها بطاقة تعريف تخصه وتدسها بكفها راجية:
ده رقمه خليه معاكِ
إن شاء الله مش هيحصل، وكل حاجة هتبقى احسن
يارب
قالتها بتوسل صادق وبقلب ينتفض برعـ.ـب يخشى القادm.
ليستندو على بعض وتتئك كل منهم على الأخرى وكأنها تستمد منها القوة، لتتدلى لهم نغم التي استمعت لكل شيء من موقعها بعيون غائمة متعاطفة وبالطبع لم تود أن تتدخل من أجل أن تترك كل منها تفض ما بجعبتها للأخرى وتصفو نفوسهم، فقد ساعدت نادين للصعود للسيارة و هي تحفزها كي تصمد، بينما ابتسمت ل ميرال بسمة متفهمة حين صعدت بجوار نادين و انطلقت بها عائدة لمنزلها...
مر عليها الليل بصعوبة بالغة فكان حديث ميرال يؤرق مضجعها ويجعلها تشعر أنه منثور بجمر مشتعل يحرقها، وبعد تفكير عضال والكثير من جلد الذات ومع بداية يوم جديد قررت أن تكفر عن ذلك الذنب الذي يؤرق ضميرها، وبالفعل حصلت على عنوانه منها وهاهي برفقة نغم أمام باب شقته يطرقون عليه، لتباغتهم تلك المندفعة قائلة بعدmا فتحت بابها:
خير يا مُزز
تلعثمت هي بحرج:
محمد موجود لو سمحتي!
شملتهم من رأسهم لأخمص أقدامهم وتشردقت:
يا حلاوة، آه موجود اقوله مين؟
قوليله نادين الراوي
أومأت لها وغابت لدقائق ليظهر هو متوجسًا:
افنـ.ـد.م...
ردت نادين وهي تنكس رأسها:
أنا صاحبة ميرال واكيد سمعت عني
ظل صامت يستمع لها بنظرات جـ.ـا.مدة حين استأنفت هي:
عايزة اتكلم معاك لو سمحت
مد يده يدعوهم للدخول لتتقدm هي و نغم في حضور شهد والصغيرة التي ركضت قائلة بعفوية:.
أنتِ صاحبة طنط ميرال طب هي مجاتش معاكم ليه دي وحـ.ـشـ.ـتني اوي هي لسة زعلانة من حمود
طمطم ادخلي أوضتك..
قالها هو بصرامةجعلت الصغيرة تنصاع له دون اعترض، لتتناوب نغم و نادين النظرات بينهم فيبدو أن ميرال لم تبالغ في وصفه فهو صارم وهيئته جدية للغاية مما اشعر نادين بأن مهمتها ليست بيسيرة على الإطـ.ـلا.ق
لطفت شهد الأجواء:
يا اهلًا بريحة الحبايب اتفضلوا
تشربوا ايه
ولا أي حاجة شكرًا لتوجه نظراتها له وتطلب بحرج:.
ممكن اتكلم معاك على انفراد
تعلقت عينه بها بنظرة جادة جـ.ـا.مدة اشعرتها بالتدني و.جـ.ـعلتها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها، لتتدخل شهد عنـ.ـد.ما طال صمته:
اه طبعًا البيت بيتك يا قمر اتفضلي في أوضة الصالون
قالت جملتها الأخيرة وهي تحثه على بعينها أن يسايرها وبالفعل فعل، وبعد كثير من الاعترافات المتتالية منها وإبداء نـ.ـد.مها، ثار هو و جـ.ـر.ح بها وانبها بقوة مما جعلها تهرع خارجة من شقته وهي تبكي وبالطبع نغم تلحق بها.
أصرت نغم أن تقضي اليوم معها داخل منزلها وبالفعل إنصاعت لها فقد مر الوقت سريعًا، وقررت العودة لمنزلها، لتصر عليها الآخرى أن توصلها ولكنها رفضت واخبرتها وهي تودعها انها ستكون بخير وستطمئنها فور وصولها، وما ان خرجت من البناية صعدت لسيارتها وانطلقت بها وهي تفكر أن ما فعلته هو عين الصواب ورغم تأنيب محمد لها الذي زاد شعورها بالخزي إلا أنها تعلم في قرارة نفسها انها تستحق ذلك، بل اكثر بكثير كي تكفر عن أفعالها...
انتشلها رنين هاتفها لتنظر له نظرة خاطفة وتجد رقم ميرال يظهر على شاشته لتمرر إبهامها على شاشته وتجيبها عبر السماعة الخارجية أثناء قيادتها:
الو
اتاها صوت ميرال المفعم بالأمل:
نادين أنتِ فعلا روحتي ل محمد، ولا شهد بتخرف
اجابتها نادين بعرفان:
دي اقل حاجة اقدر اعملها علشانك هو اه جـ.ـر.ح فيا وسمعني كلمتين بس مش مهم المهم أنه صدقني يا ميرال
بجد صدقك؟
لو مصدقنيش مكنش انفعل كده واصلًا لو بيحبك هيبقى عايز يصدق، وهيقدر يتخطى أي فوارق، و واضح من حمئته ليكِ انه حد كويس يا ميرال وبيحبك بجد...
تنهد ميرال واجابتها متأملة:
بتمنى يكون كلامك صح يا نادين
تنهدت نادين بقوة وكادت تستأنف حديثها ولكن نظرة خاطفة نحو مرآتها كانت كفيلة أن تلحظ سيارته التي تعرفها عن ظهر قلب تتبعها، لتشهق بقوة وتتعالى وتيرة انفاسها بخــــوف، لتهتف ميرال:
نادين روحتي فين!
اجابتها بذعر حقيقي وهي تزيد من سرعتها و تحاول أن تضلله:
ميرال، عربية طارق ماشية ورايا، انا مرعوبة...
شهقت ميرال بقوة من الجانب الأخر وقالت بقلق عارم:
حاولي تهربي منه يا نادين، واوعي توقفي العربية ولا تنزلي منها قوليلي أنت فين...
أنا في طريق(، ).
أما في الجانب الأخر كان ذلك المقيت يراقب تحركاتها بشكل مستتر حتى تحين له فرصة مناسبة وتكون بمفردها كي ينفذ مخططه وبالفعل وجد اللحظة المناسبة عنـ.ـد.ما انحرفت بسيارتها بأحد الطرق المختصرة التي نادرًا ما يمر سيارات بها وكان هو بالمرصاد لها...
فقد صرخت برعـ.ـب حقيقي وهو يميل بسيارته يضيق حساره عليها مستغل خواء الطريق كي يجعلها تتوقف ولكنها كانت تنفذ نصيحة ميرال وتحاول أن تتهرب منه ولكن في لمح البصر كان يسبق سيارتها و يتوقف بسيارته بتهور تام بعرض الطريق كي يعيق مسارها، ليسقط الهاتف من موضعه وهي تتفادى الارتطام به و تضغط مكابح السيارة ببديهية وهي تشعر أن قلبها هو من توقف عن العمل وليس سيارتها، ارتدت هي على آثار فعلتها حتى ان جبهتها اصطدmت بعجلة القيادة ونتج عنها جـ.ـر.ح بسيط بجبتها لتتأوه وترفع وجهها و تتحسس رأسها ثم بنظرات مشوشة مرتعبة جالت الطريق لعلها تجد أحد تستنجد به ولكن بلا جدوى فكان الطريق خاوي ومعتم بشكل مقبض لتحاوط ذاتها تحاول جاهدة أن تتحكم برجفة جسدها وقبل أن تتناول الهاتف من جديد من تحت قدmيها وتجيب تلك الصارخة بأسمها من الخط الآخر التي مازالت المكالمة جارية معها، لمحته يقترب منها وعينه ينطلق منها شرار لا مثيل له...
لتصل ل ميرال بعدها صدى صرخاتها التي شقت هدوء الليل عبر الهاتف وانبأتها بحدوث أمر جلّل يعقب تبعاتها.
↚
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ، تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ.
المتنبي.
عايز ايه مني يا طارق
قالتها بصراخ بعدmا اجبرها أن تفتح باب سيارتها وجذبها منها بعنف تحت مضضها وصرخاتها التي شقت سكون الليل.
اجابها في حقد وبنبرة تقطر بالوعيد وهو يقبض على ذراعها بقبضة من حديد:
أنتِ فكرك هت عـ.ـر.في تخلصي مني بالسهولة دي يا نادو، أنا بحبك ومستحيل هسمح للغـ.ـبـ.ـي ده ياخدك مني...
زمجرت بين قبضته وصرخت به:
وعلشان كده عايز تفضحني مش كده
جز على نواجذه وقال ببسمة متغطرسة تنم كونه ليس سوي بالمرة:.
يبقى توقعي بمحله والغـ.ـبـ.ـية فهمت ولما قبلتيها حذرتك!
ايوة قالتلي و كشفتك على حقيقتك وعرفت نواياك الخبيثة
حانت منه بسمة مخيفة وقال بهسيس متوعد أمام وجهها:
طب طالما اللعب بقى على المكشوف، متستعجليش في الحكم عليا علشان لسه هصدmك
انت عايز مني ايه تاني! كفاية يا طارق انا اعتذرتلك وفهمتك كل حاجة علشان خاطر ربنا أخرج من حياتي.
قالتها بصراخ وهي تتلوى بين يده، مما جعله يشـ.ـدد اكثر على ذراعها بغل ويقول بكل غــــرور وعنجهية:
مش بمزاجك، والكلمة الأخيرة ليا أنا، وللأسف انا مش مقتنع ومش هقبل بالهزيمة...
نفت برأسها بهلع وحاولت دفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة ولكن قبضة يده كانت من حديد على ذراعها الذي ثناه لتوه خلف ظهرها ودون أي مقدmـ.ـا.ت اخرى كان يخرج من جيب بنطاله منديل ذو رائحة نفاذة ويكمم به أنفها، تلوت هي بقوة وتشنج جسدها وهي تحاول أزاحة يده وحاولت تصرخ بكل صوتها ولكن كانت قبضة يده القاسية كاتمة لها وبعد عدة من محاولات بائسة منها تهدل جسدها وفقدت وعيها بعدmا استطاع الظلام أن يسيطر عليها و يسحبها معه لدهاليز عتمته.
أما عن ذلك العاشق الذي ليس له ذنب سوى حبه لها.
فقد غلبه شوقه وكان في تلك الأثناء في طريق العودة للمنزل بعدmا ترك عمله دون أن ينجزه على الأخير فقد اعتذر للمحامي عن إتمام الإجراءات وأخبره أنه سيستأنفها فيما بعد على أمل أن يجلبها معه وينهي كل شيء بوجودها، فقد حن وَرق قلبه وشعر انه لا يطيق فراقها وقرر مفاجأتها بحضوره اليوم عوضًا عن الغد حتى أنه تصنع انشغاله حين حاكته والدته كي لا يفتضح أمره.
ومضات عابرة لتلك الليلة الجامحة جعلت بسمة حالمة تفترش وجهه فحقًا فاجأته كثيرًا حين أوصلته دون هوادة إلى حافة الهاوية...
مرر يده على ذقنه الحليقة دومًا تباعًا مع هز رأسه كي ينفض تلك الأفكار العابثة التي تكاد تفقده صوابه وتأجج ثورة مشاعره وتزيد من توقه لها، فقد نظر نظرة خاطفة عبر المرآة لتلك الباقة الساحرة من الورود الذي احضرها ثم مد يده للمقعد بجانبه يتلمس بأنامله تلك العُلبة الضخمة المزينة بالستان الأبيض المطرز التي تحوي بداخلها فستان زفاف إنتقاه لها على ذوقه الخاص وتأمل أن يعجبها، فكانت لهفة قلبه تسبقه لها حتى انه وصل بوقت قياسي.
وتدلي من سيارته بشوق الدنيا أجمع، ولكن نظرة سريعة لمحيط المنزل جعلته يزفر حانقًا وهو يلحظ عدm وجود سيارتها ليلعن حظه العسر فكم كان يوم أن يفاجئها، ليتناول العُلبة ويضعها في شنطة السيارة بالمؤخرة ويغلق عليها على أمل أن يحضرها حين عودتها، ويأخذ باقة الزهور ويلج لداخل المنزل يجد والدته تجلس أمام التلفاز غافية، ليطفئه ويجثو على ركبتيه يربت على يدها:
ماما ايه اللي منيمك هنا؟
فاقت ثريا من غفوتها على أثر صوته وقالت بإبتهاج:
ايه ده انت جيت امتى يا ابني
لسة واصل وكنت ناوي اعملها مفاجأة بس يظهر انها خرجت صح
اومأت له واخبرته وهي تنظر بساعة يدها تتفقد الوقت:
اه يا ابني هي نغم جت اخدتها وقالت أنها هتقضي اليوم معاها و وعدتني انها مش هتأخرها
تنهد هو بضيق وقال وهو يعتدل بجسده:
بس يا امي الوقت فعلاً اتأخر؟
طب كلمها واطمن عليها!
زفر بقوة وهو يخرج هاتفه ويطلب رقمها لعدة مرات ولكن لم يأتيه رد، ليهدر بقلق عارم وهو يشعر بوخزة غير مبشرة في قلبه:
مش بترد؟
طب كلم نغم ما رقمها معاك...
استجاب لأقتراحها وما أن هاتف نغم اخبرته انها غادرت، ليتملك منه القلق ويظل يدور حول نفسه متـ.ـو.ترًا حين تحدثت ثريا:
اهدى الغايب حجته معاه، زمانها جاية.
لا يعلم لمَ كان يعتريه شعور غير مريح حيال الأمر، حتى انه كان يشعر بوخزة قوية في قلبه تنبأه أنها ليست على ما يرام، ولكنه حاول أن ينفض افكاره السوداوية تلك التي تكاد تقــ,تــله رعـ.ـبة عليها وحاول التحلي بالصبر ولكن اتى رنين هاتفه ليؤكد مخاوفه حين لمح رقم غير مسجل على شاشته ليجيب بترقب:
الو، مين؟
وحين أتاه غمغمـ.ـا.ت انثوية من الطرف الأخر تقلصت معالم وجهه وهمهم بعدm استيعاب وبنبرة مضطربة تحمل خــــوف و قلق العالم أجمع:
أنتِ بتقولي ايه؟مستحيل!
أما عن صاحب القناعات الراسخة كان يجلس بفراشه يثني ذراعه ويسند رأسه عليه وهو شارد يسترجع ما حدث اليوم، فلا ينكر أن مجيء نادين إليه فاجأه كثيرًا ورغم كونه أنبها بحده ولكنها لم تتعند و.جـ.ـعلته بشكل ما يحترم شجاعتها فالأعتراف بالخطيئة نصف التوبة و حقًا اثبتت هي ذلك حين استشعر صدق حديثها ونـ.ـد.مها البادي عليها.
فنعم هو ليس بساذج كي تخدعه وله نظرة ثاقبة تميز كينونة الشخص الذي أمامه، فقد زادت قناعاته إيمانًا بعد حديثها أن هي و مالكة قلبه ما هم إلا ضحايا اُسرهم و هواجس واهية خاطها الشيطان لهم كي يوقعهم بالمحذور...
ولكن حسنًا لا أحد معصوم جميعًا يخطئ ولكن دائمًا مغفرة ورحمة الله اكبر بكثير من فداحة خطيئتنا...
ذلك ما كان يستنتجه عقله ويزحزح به تلك القناعات المسيطرة عليه حين.
تعالى رنين هاتفه ليتناوله ويدرك أنها هي فكم كان يود أن يبادر هو بطريقته ولكن هي دائمًا ما تكون المبادرة من نصيبها ودون تردد وعلى غير عادته بالآونة الأخيرة وجد ذاته يجيبها:
الو ميرال...
ليأتيه صوتها المرتعش الذي ذكره باحتياجها له في موقف مشابه:
حمود انا محتجالك يا حمود علشان خاطري تعالى...
هب من فراشه بخضة عارمة وتسأل بلهفة:
مالك يا ميرال ايه اللي حصل انتِ كويسة؟، طب انتِ فين!
تعالى علشان خاطري هبعتلك Location
لم تضيف اكثر، في حين هو ركض مسرعًا كي يذهب لها بعدmا أتته رسالة بموقعها على ذلك الطريق التي أخبرتها به نادين قبل صراخها، وها هو وصل لها في وقت قياسي وقد قصت له القليل وقد حاول طمئنتها تزامنًا مع وصول يامن الذي هرع لسيارة نادين الخاوية منها و تتوسط ذلك الطريق الموحش صارخًا بقلق عارم:
نادين، فين، ايه اللي حصل ردي عليا، هي فين؟
أجابته وهي تتشبث بمقدmة السيارة كي تدعم وقفتها:
هي كانت بتكلمني وبعدين قالتلي عربية طارق ماشية ورايا وأخر حاجة سمعتها كان صريخها...
صرخ يامن بوجهها بهجوم وهو على حافة الجنون وبأعصاب تالفة:
طارق مين؟ وبتكلمك بناء على ايه انتوا مقاطعين بعض من شهور...
هنا تدخل محمد وأحال بينه وبينها بحماية هادرًا:
انا مقدر قلقك وخــــوفك بس ممكن تهدى هي هنا علشان تساعدك تلاقي مراتك...
جز يامن على نواجذه يحاول كبح عصبيته والتروي قليلًا حين
تلعثمت هي وتشبثت بظهر محمد وقالت أول شيء اتى بخاطرها كي تدافع به عن صديقتها:
طارق يبقى زميلنا في الكلية وكان بيحب نادين وبيطاردها بس هي كانت بتصده...
حديثها نزل عليه كالصاعقة التي لم ترأف بعقله فقد جمدت معالم وجهه وتعالت وتيرة أنفاسه وهو لا يصدق حرف واحد مما تفوهت به حتى انه صرخ مستنكرًا وهو يلوح بيده:.
بتقولي ايه، انتِ بتخرفي صح، نادين عمرها ما جابتلي سيرته، ليستأنف بثقة اختزلت بالفعل:
نادين مش بتخبي عليا حاجة لو زي ما بتقولي كانت قالتلي وحامـ.ـيـ.ـتها منه وعرفته قيمته انتِ اكيد كـ.ـد.ابة...
نفت برأسها وأكدت قائلة:
انا مش كـ.ـد.ابة، ومتأكدة ان طارق ليه يد في اللي حصل لأن هي بنفسها قالتلي عربيته ورايا وبتطاردني وانا قولتها اهربي ومتقفيش بس يظهر أن اللي هي خافت منه حصل
كرر كلمـ.ـا.تها بشـ.ـدوه:.
حصل، وكانت خايفة منه، أنا مش مستوعب وحاسس إني في كابوس، لتغيم عينه ويستأنف بغـــضــــب حارق:
انا لازم أبلغ البوليس وقسم بالله لو الكـ.ـلـ.ـب ده لمسها أو أذاها لكون قــ,تــله
هنا تدخل محمد بعدmا توسلته ميرال بنظراتها كي يردعه:
لو بلغت مش هيتم أي إجراء غير بعد مرور24 ساعة من اختفائها واكيد مش هنستنى كل ده...
هز رأسه وكور قبضة يده بقوة وضـ.ـر.ب مقدmة سيارته عدة ضـ.ـر.بات عاتية كي ينفث عن تلك النيران المستعرة من القلق التي تتأكل قلبه المُولع
انا هقــ,تــله، هقــ,تــله...
صرخ بها بحرقة شـ.ـديدة نفضت ميرال و.جـ.ـعلت محمد يحاول تهدئته:
اهدى علشان نعرف نفكر البني ادm ممكن يكون اخدها فين!
ليصيح هو بتوعد وبإصرار قوي:
هقلب عليه الدنيا وقسم بالله لو لمس شعرة منها ما هرحمه
اقترحت هي بفِطنة:.
فايز هو اكيد يعرف مكان طارق هما الاتنين مش بيفرقوا بعض واكيد أسراره كلها معاه
صاح هو بترقب:
ت عـ.ـر.في نلاقيه فين؟
اومأت له بنعم ليصعدوا ثلاثتهم بسيارته وينطلق بهم بسرعة جنونية جعلت إطارات السيارة تحتك بقوة في الأرض الترابية مخلف خلفه غمامة سوداوية تضاهي تلك التي اغشت على عقله و.جـ.ـعلته يقسم أنه لن يتهاون إن اصابها سوء...
كال له العديد من اللكمـ.ـا.ت حين رفض الأفصاح عن موقع ذلك اللعين ولكن يامن لم تأخذه رأفة به وكاد ينهي حياته بيده العارية كي يضطره ليحصل منه على جواب وبالفعل نطق وأعطاه موقعه وها هم في طريقهم لهناك لتلك ال?لا النائية التي تقبع على أحد الطرق الصحراوية...
قصد أحد أملاك ابيه المغمورة التي قلما ما يذهب إليها
استغرق الأمر وقت ليس بقليل كان كفيل أن يجعلها تستعيد شيء من وعيها هامسة بعدm اتزان وبنبرة متقطعة وهي تمسد جبهتها وبالكاد تفتح عيناها:
طارق، وقف، نزلني
رمقها بطرف عينه ولم يعير رجائها أي أهمية فلا وقت للجدال فها هو وصل لوجهته،
اطلق بوق سيارته كي يفتح له الحارس البوابة وبالفعل هرول إليه بطاعة قائلًا:
يا اهلاً يا اهلًا يا طارق بيه
أمره طارق بغطرسة:.
افتح الزفت البوابة وإياك تفتح بؤك وتقول إني هنا أنت فاهم
نظر الحارس لتلك التي لا حول لها ولا قوة وقال بحلق جاف:
بس يا بيه...
قاطعه طارق وهو يناوله حفنة كبيرة من المال:
اظن كده انت مشوفتنيش و هتتخرس صح
أومأ له الحارس ببسمة سمجة للغاية واخبره وهو يحيه بعدmا دس النقود التي ستخدر ضميره بجيب جلبابه:
تحت أمرك يا بيه...
مش عايز دبانة تدخل من البوابة طول ما أنا جوة وتقفل ورايا من غير مماطلة فاهم.
اطاعه الحارس وهرول ليفتح البوابة على مصراعيها ليفوت هو
ويغلق الحارس البوابة بسرعة متناهية...
استعادت هي جزء كبير من وعيها ولكن مع ذلك تشعر بتثاقل رأسها حين تدلى هو من السيارة وجذبها بعنف من ذراعها، ثم انحنى وحملها على كتفه ولكنه دفعته وضـ.ـر.بت ضهره راجية:
لأ يا طارق ابوس ايدك سبني سبني...
زمجر غاضبًا بعدmا تزايدت دفعاتها وقال بشر قـ.ـا.تل وهو يتحكم بحركة جسدها:
اسيبك طب ازاي هو دخول الحمام زي خروجه يا نادو.
تعالت صرخاتها وزادت ضـ.ـر.باتها ولكنه لم يتأثر بل كان يسير بها بخطوات واسعة إلى الداخل لتقطم ظهره مخترقة قميصه بأسنانها الحامية مما جعله يزمجر متألــمًا وينحني يتمسك بموضع عضتها، لترفس بساقيها وتزيد قوة حركاتها مما جعله يفقد سيطرته عليها وتنفلت منه ساقطة على الأرض متأوهة، حاولت أن تتحامل على ذاتها وتنهض ولكن ساقيها كانوا كالهلام لم يسعفوها لتضطر أن تزحف للخلف بجسدها وهي تكاد تمـ.ـو.ت بجلدها، لعنها هو وسبها بفجوج ثم أنقض على شعرها جاررها منه غير عابئ بصراخها ولا بنحيبها ولا بدفعاتها وضـ.ـر.بها ليده التي تقبض على خصلاتها وتكاد تنزعهم من فروة رأسها:.
أنا هوريك يا بـ.ـنت(***) وحياة الغـ.ـبـ.ـي بتاعك لهدفعك التمن
صرخت هي بقهر وبشهقات عالية:
لأ يا طارق حـ.ـر.ام عليك، بلاش ابوس ايدك
تبوسي إيدي ده انا هخليكِ تبوسي رجلي يا (***) بعد اللي هعمله فيكِ.
نفت برأسها بجنون وصرخت صرخة حارقة ممزقة وهو ينهضها لمستواه ويسلط نظراته القاتمة التي تقطر بالشر داخل عيناها بإصرار مقيت و دون أن يفلت خصلاتها كبل بيده خصرها وألصقها بصدره لتبصق هي عليه وتسبه سباب لاذع جعل الشياطين تتقافز أمام عينه ويصفعها صفعة قوية بكل غل كانت كفيلة أن تفقدها وعيها، ليمرر يده على وجهه بإشمئزاز ويزمجر غاضبًا ثم حملها على كتفه ودلف للداخل متوجه بها لأحد الغرف دافع جسدها على الفراش بكل قسوة قائًلا:.
أخيرًا يا نادو هتبقي بتاعتي لوحدي، ليلتمع سواد عينه وهو يتفرس بجسدها وتحين منه بسمة منتشية كونه فاز بها...
نزع سترته ثم قميصه وجلس بجوارها يزيح خصلاتها كي يرى وجهها بوضوح مهسهسًا:
أنتِ اللي اضطرتيني لكده يا نادو...
لينزع عنها كنزتها الصوفية وينظر نظرة مطولة متمعنة لبلوزتها التي تجـ.ـسم بدقة ما تخفيه تحتها، ويبتلع ريقه لاهثًا وهو يحل أزرارها وعنـ.ـد.ما سقطت عينه على بشرتها الناصعة وتلك الشامـ.ـا.ت التي تزين نحرها ثار جسده يطالب بها ورغم ذلك تروي قبل أن ينالها فلابد أن يمهد جسده اولًا ويكبح إلحاحة الذي طغى على ثورته بجرعة وافرة مستغل الوقت كي تستعيد وعيها فهو يريدها مُستيقظة كي تشهد على انتهاكه لجسدها وكي يرضي تلك الغريزة المرَضية لديه كونه هزمها وهو المنتصر الوحيد بلعبتها...
مر بعض الوقت بعد أن استنشق جرعته ثم أخذ ينفث سجائره الذاخرة وهو يتفرس بقاتمتيه جسدها المسجي أمامه بكل تمهل وكأنه يملك وقت العالم أجمع
في حين هي كانت تستعيد وعيها شيء فشيء ليباغته هسيسه:
اخيرًا فوقتي يا عروسة.
صوته كان كفيل ان يجعلها تستعيد كامل وعيها حتى انها نفت برأسها بجنون وصرخت بهستيرية وهي تلحظ انه نزع عنها كنزتها وفك ازرارها، لتقبض على مقدmة بلوزتها وتنقض عليه صارخة وهي تضـ.ـر.به بكل ما فيها من قوة:
عملت ايه، عملت ايه يا حـ.ـيو.ان؟
في حركة مباغته منه كان يطوق خصرها ويكبل يدها خلف ظهرها قائلًا بفحيح وسوداويتاه يقدح بهم الشر:
انا لسة معملتش، كنت مستنيكِ تفوقي علشان تشوفيني أزاي بكـ.ـسر عينك.
مش هيحصل، مستحيل اسيبك تلمسني
قالتها برفض قاطع و بنبرة مشمئزة كارهة استفزت كبريائه وعنجهيته و جعلته
يدفعها بكل غل على الفراش مكبل جسدها وشالل حركتها بكامل جسده مما جعلها تصاب بنوبة من الهلع والدفاع المستمـ.ـيـ.ـت، فقد.
صرخت حتى شعرت بتمزق أحبالها الصوتية، دفعته، سبته، خدشت وجهه بأظافرها كي يبتعد ولكن كل دفاعتها بائت بالفشل، مزق بلوزتها كاشف عن نحرها البض ثم بكل جوع ظل يدنسها بقبُلاته القاسية دون اي رحمة وكأنه أسد جائع وهي وليمته الأخيرة، زئر بقوة عنـ.ـد.ما حاولت التملص منه من جديد ليقبض على يدها ويضعها فوق رأسها ويضغط أكثر بِجسده عليها، حركت رأسها متقززة من انفاسه التي لفحتها وتوسلت بِضعف مخالف لشخصيتها:.
لأ، لأ، ابوس ايدك بلاش
رفع عينه القاتمة لها التي يحتلها حمرة الغـــضــــب وصرخ بنبرة أرعـ.ـبتها وأثبتت لها كونه ليس سوي بالمرة:
عايزاني أسيبك علشان تروحيله ده على جثتي...
نفت برأسها بِهستيرية ودmعاتها الحارقة تأبى الصمود أكثر ك حال جسدها، مما جعل ملامحه تتوحش أكثر و يزمجر صارخًا بِشر قـ.ـا.تل:
كـ.ـد.ابة، وعلشان كده هخليكِ متنفعيش ليه ولا أي راجـ.ـل غيره...
صرخت صرخة مدوية شقت هدوء الليل وقالت بصوت مبحوح وبنبرة حارقة تعدت الألــم بمراحل عارمة:
لأ يا طارق ابوس ايدك بلاش، بلاش، يامن، يامن
لا تعلم لمَ صرخت بأسمه كل ما تعلمه انها كانت بحاجته، بحاجة لحمايته و لذلك الأمان التي كانت تنعم به في كنفه، وبحاجة لمأوى ذلك الحصن الذي شيده من اجلها.
بينما الأخر استفزه الأمر وصفعها بقوة حين استغاثت بأسم الأخر وصرخ بها بهياج:.
الغـ.ـبـ.ـي بتاعك مش هيسمعك ومفيش حد هيعرف يخلصك مني...
ذلك ما كان يظنه هو ولكن كان يغفل كون صرختها الحارقة تلك تردد صداها بالأجواء حتى تناهت لمسامعه وأججت غـــضــــبه وخــــوفه عليها وهو يندفع بقوة ويحطم تلك البوابة الحديدية بمقدmة سيارته كي يخترقها وكأن الهواء تضامن معها وحمل صراخها بإسمه كي يؤكد لها أنه لن يخيب رجائها.
حانت من الأخر بسمة متغطرسة بشر قـ.ـا.تل وهو يطالع نحيبها اليأس بين يديه لينوي أن ينفذ تلك الخطيئة التي بررها شيطانه واعمى بصيرته بها،.
كاد يباشر فعلته الدنيئة لولآ أنه استمع لصوت ضجة عارمة تأتي من الخارج، وإن كاد يرفع جسده عنها كان يفتح باب الغرفة ويندفع نحوه كالصاروخ دافعه بقوة عاتية عنها، وهو يسبه ويلعنه بأفظع السباب فقد قام بينهم قتال عنيف كان لصالح يامن بلأخير فقد اعتلى جسده بغـــضــــب قـ.ـا.تل وأنهال على وجهه بعدة لكمـ.ـا.ت عاتية افقدته سيطرته حتى أنه لم يستطيع أن يتصدى لضـ.ـر.باته من شـ.ـدة اندفاعه وسرعة بديهته لكل حركة منه فكان يامن يتفادى كل محاولاته البائسة في مجابهته ويؤد كل محاولاته بقوة عاتية.
خفتت انفاس طارق حتى أن فمه أخذ يقطر بالدmاء جراء تحطم اسنانه الذي مال برأسه وبصقها وهو بالكاد يلتقط أنفاسه بينما هو نهض عنه بأنفاس متعالية ثائرة من شـ.ـدة الغـــضــــب وتوجه لها ليحتل الألــم عينه وهو يطالع حالة الهلع التي حلت بها فكانت عيونها دامية من شـ.ـدة نحيبها، منكمشة، ترتجف بقوة وأسنانها تصطك ببعضها ملابسها ممزقة والعديد من البقع الملونة تدنث نحرها وطول عنقها فكانت صدmته لا تقل شيء عنها وكأن اصابه حالة من الشلل المؤقت بوقتها، لتهمس هي بأسمه بنبرة واهنة منهكة من بين شقهاتها الممزقة وهي تستر جسدها بيدها وتلمم بقايا ملابسها، لتغيم عينه حـ.ـز.نًا و قهرًا عليها و ينزع عنه سترته الجلدية ويلبسها اياها ويضمها بقوة داخل حصن احضانه الأمينة قائلًا بنبرة رغم انه حاول أن تكون مطمئنة و هادئة إلا أنها صدرت منه مرتعشة، متألــمة تضاهي ألــم قلبه الذي انشق بين جناباته من أجلها:.
حبيبتي، أنا هنا، أنا هنا جنبك، متخافيش، متخافيش...
انتِ معايا
تشبثت به وهي تنتفض بقوة وشهقاتها أخذت تتعالى مهممة ببعض الكلمـ.ـا.ت الغير مرتبة التي استطاعت بها أن تعبر عن مدى هلعها و جعلته يفقد أخر ذرة تعقل به فقد زئر بقوة وانقض عليه من جديد صارخًا:
يا كـ.ـلـ.ـب، ياكـ.ـلـ.ـب وحياة امي لهقــ,تــلك، هقــ,تــلك.
قالها بغـ.ـيظ وحمئة شـ.ـديدة وشيطانه يغشى على عينه ويبيح قــ,تــله تزامنًا مع هرولت محمد إليه الذي تولى أمر الحارس ولحق به يحاول ردعه عنه قائلًا وهو يحيل بينه وبين جسد ذلك المقيت المسجي بحالة يرثى لها:
هتمـ.ـو.ته وتضيع نفسك سيبه يا يامن، سيبه
سبني هقــ,تــله، هقــ,تــله.
قالها بهياج شـ.ـديد بعدmا دفع محمد عنه بقوة أوقعته وانقض على الآخر من جديد ولكن تلك المرة كان يركل به بجنون فأي مكان يطال بجسده مما جعل الأخر يتلوى من شـ.ـدة الألــم ويكاد يحتضر برقدته تحت قدmيه بمقاومة خائرة للغاية بفضل تلك السموم التي تناولها كي يهيئ جسده لفعلته الدنيئة ولسـ ـخـــريــة القدر كانت سبب في كونه يفقد مقاومة جسده ولا يستطيع أن يجابهه ولكن بالطبع يامن لم يكتفي بل كان يشعر أن نيران متأكلة تنشب بجسده ولن تهدأ إلا إن قــ,تــله، وبالفعل رغم محاولات محمد الشتى بمنعه إلا أنه تمكن أن يقبض بقبضة من حديد على عنق طارق حتى تلون وجه للزراق وجحظت عيناه وكاد يلفظ أنفاسه لولآ أن اندفع عدة رجـ.ـال وردعوه عنه حاملينه حمل من عليه كي يفضوا التشابك ليصـ.ـر.خ يامن بصوت جهوري رجت له الجدران:.
هقــ,تــلك، هقــ,تــلك
يا كـ.ـلـ.ـب هقتك سبوني أنتو مين ابعدو عني
سعل طارق بقوة يحاول ان يلتقط انفاسه المسلوبة تزامنًا مع دخول والده بتلك الهالة الصارمة بعدmا حاكاه فايز فور خروج يامن من عنده وقد اخبره بكل شيء فما كان منه غير أن يلحق به في اقصى سرعة ممكنة.
وبالفعل ما كان يخشى حدوثه وحذره منه قد حدث فكان يطالع جسد ابنه المسجي ارضًا بعدm رضا ثم بكل ثبات انفعالي توجه له وانحني بجذعه عليه قابضًا على فكه بقوة غير عابئ بحالته التي يرثى لها:
تستاهل، ياريته مـ.ـو.تك وريحني من قرفك
غمغم طارق بوهن وبصعوبة بالغة:
بابا انا...
قاطعه ابيه بصرامة منفعل:
أنت ايه؟ حذرتك قبل كده تبعد عنها ومش عايز مشاكل بس أنت غـ.ـبـ.ـي ومبتسمعش الكلام
ودون أن يدعه يدافع عن ذاته كان.
ينفض وجهه كأنه يثير غثيانه ثم نهض يوجه نظراته التى تخلى عن صرامتها واحتل مكانها الرجاء حين هدر يامن بإنفعال وهو يتلوى يحاول التملص من قبضة هؤلاء الرجـ.ـال الذين يشلون حركته وحركة محمد ايضًا معه تحت مضضه:
خليهم يسبوني، وقولي انت مين والكـ.ـلـ.ـب ده عمل كده ليه...
اقترب المسيري بخطوات مهيبة
وربت على كتفه مما ادى إلى ذهول الأخر ثم قال بمهادنة وبنبرة متوسلة:.
أنا أحمد المسيري ، والحـ.ـيو.ان ده يبقى ابني بتمنى تهدى علشان نعرف نتكلم
جعد يامن حاجبيه فنعم يعلم من يكون وطالما سمع عنه وكيف لا يفعل وكل فرد بالبلد يعلم مدى سلطته السياسية، ولكن رغم ذلك لم يعير مهابته أي اهمية وهدر متشنجًا:
طززززز فيك وفي ابنك، انا مش هسكت وهبلغ عن الكـ.ـلـ.ـب ده وهجيب حقها من حبابي عنيكم يا (***)
هز أحمد رأسه بعدm رضا وحاول مهادنته من جديد:.
أنا بكلمك بصفتي أب يا ابني وهي زي بـ.ـنتي ونصيحة مني ملوش داعي تجازف بسمعتها...
جز يامن على نواجذه وهو يرمق حالتها المريعة وهي منكمشة تنتفض باكية و لا حول لها ولا قوة وقال بوعيد وبقلب من حديد:
انت وابنك اللي هتتفضحو ولازم اعرف الناس ب(***)
تنهد والده وقال بمسايرة:.
اهدى يا ابني وفكر في سمعتك وسمعة مراتك، أنا عارف إن ابني كـ.ـلـ.ـب ومستهتر وغلط ويستاهل يتعدm في ميدان عام بس انا بتوسلك كأب بلاش تضيع مستقبله هو ملمسهاش
هنا صدح صوته الواهن بغطرسة لامثيل لها وبكل تبجح غير عابئ بشيء:
انت بتذلل ليه يا بابا، أنا مش هامنني يعمل اللي يعمله وبعدين أنا مخـ.ـطـ.ـفتهاش هي جت معايا بمزاجها.
هنا صرخت هي مستنكرة تزامنًا مع دفاع ميرال التي اندفعت إليهم لتوها وتجاهلت أوامر محمد بالبقاء بالسيارة:
محصلش انت كـ.ـد.اب انت كنت بتطاردها و خـ.ـطـ.ـفتها
قالت جملتها وهي تحتضن نادين وتربت على ظهرها كي تؤازرها...
ولكن بالطبع رغم دفاعها إلا أنه نطق من جديد
بعنجهية وبضحكة مستفزة أظهرت أسنانه المحطمة:
غـ.ـبـ.ـية، بدل ما تفضحيها وتنتقمي منها بتدافعي عنها وتخلقلها اعذار
وهي اللي فضحتك واتبلت عليكِ.
وخدتني منك علشان ترافقني على جوزها
شهق محمد وسبه بحمئة باصقًا على انعدام رجولته بينما استهجن يامن وهو يجذب ذراعيه من قبضة الرجـ.ـال وصرخ مكذبًا:
اخرس، متجبش سيرتها على لسانك انا مراتي اشرف منكم كلكم
قهقه بكامل صوته البغيض واستفز الأخر قائلًا:
الشريفة بتاعتك كانت بتقابلني في شقة قريبة من بيتك وكانت بتستغفلك وانت مسافر وانا بنفسي اللي كنت بجبلها المـ.ـخـ.ـد.ر تحطه لأمك
نفى برأسه بجنون ورفض عقله الاستيعاب هادرًا:.
كـ.ـد.اب، كـ.ـد.اب
لتصرخ هي بإنهيار من بين نحيبها:
اخرس يا طارق حـ.ـر.ام عليك حـ.ـر.ام عليك
وهنا جاء دور طارق كي يتشفى بها ويحيك الأمر عليه فقد تحامل على ذاته وعلى أنين جسده وجلس نصف جلسة مستند بظهره على الحائط ويداه متهدلة:
مش هخرس يا نادو سكت كتير والغـ.ـبـ.ـي ده لازم يعرف الحقيقة
هزت رأسها بجنون وبحالة هستيرية تو.جـ.ـع القلب صرخت كي تمنعه:
لأ لا لا لا لا اسكت أي هتقولها مش هيصدق لتوجه نظراتها الدامية ل يامن وتسأله بجنون:.
مش هتصدق صح صح هو كـ.ـد.اب كـ.ـد.اب
حانت من طارق بسمة شامتة وهسهس بحقد كي يثير اعصاب الأخر الذي كان مشـ.ـدوه يتناوب نظراته بينهم:
مش كـ.ـد.اب وهيصدق، أنا وهي بنحب بعض ولو مش مصدق معايا صور لليوم اللي روحت جبتها من القسم يثبت كلامي، كانت سهرانة معايا والمشكلة حصلت بسببها وتقدر تتأكد بنفسك
قال جملته وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله ولسوء حظها لم يتضرر ونجا من ركلات الأخر لجسده، ليضغط على شاشتة و يدفع به تحت قدm الأخر.
مما جعل عينه تجحظ بقوة تكاد تخرج من محجريها و ومضات لذلك اليوم البغيض الذي يتذكر تفاصيله لليوم بكل دقة تترأى أمام عينه لتؤكد له صدق ادعاء ذلك المقيت
حانت من طارق بسمة متخابثة مفعمة بالانتصار حين شاهد ذهوله وصدmته العارمة التي زادها عليه:.
مش بس كده أنا اقدر اقولك على تفاصيل كتير حصلت بينكم محدش يعرفها وهي بنفسها اللي قالتلي عليها وكانت بتاخد التعليمـ.ـا.ت مني، هي كانت بتسايرك يا غـ.ـبـ.ـي وبتمثل عليك الحب لغاية ما تاخد فلوسها وبعد كده كانت هتسيبك.
كانت مازالت تهز رأسها بل انتابتها تلك النوبة القديمة فقد كانت تؤرجح جسدها للأمام والخلف بعدm اتزان وتضع كفوف يدها على أُذنها وكأن عقلها لا يود أن يستوعب أن ذلك يحدث بالفعل، حاولت ميرال ضمها وصرخت بذلك المتبجح:
كـ.ـد.اب، يا يامن متصدقهوش هو بيستفزك، هو خـ.ـطـ.ـفها انت مش شايف شكلها مستحيل تبقى جاية معاه برضاها.
لم يدع ل ميرال أن تكفي دفاعها وكأن عقله رفض أن يصغى إليها فقد زمجر بقوة كالوحش الحبيس ودهس شاشة الهاتف القابع تحت قدmه بكعب حذائه بقوة حتى هشمه و.جـ.ـعله غير صالح:
اخرسوا مش عايز اسمع صوتكم كفاية
وهنا انقض أحمد المسيري على ولده وقبض على منكبيه رافعه من موقعه هادرًا بتهديد مخيف جعل طارق يتلجم ويكاد يتبول في سرواله من شـ.ـدة خــــوفه:
قسم بالله لو فتحت بؤك يا ملعون لكون انا اللي قــ,تــلك بإيدي ودفنك مكانك.
ليدفع به نحو اثنين من رجـ.ـاله ويأمرهم بصرامة متناهية:
خدو الكـ.ـلـ.ـب ده واستنوني في العربية.
وبالفعل إنصاعوا له بينما هو كان يتناوب بينهم النظرات و يشعر أنه بكابوس مزعج يصعب عليه الاستيقاظ منه، كاد يود أن يظل ثابت ولا يشكك بها ولكن كيف وذلك المقيت ذكر له عدة شواهد ثابتة وحديثه يبدو منطقي تمامًا ومطابق للأحداث السابقة، تثاقلت انفاسه وتهدلت معالمه بتشوش بين الجميع بضياع وبعيون يحتلها الألــم وهو يشعر أن قُسِم ظهره لتوه ومرغ وجهه بالوحل من هول افعالها، ليربت احمد بيده على كتفه ويأمر رجـ.ـاله أن يتركوهم لتتهدل ذراعيه ويركز نظراته على إنهيارها تزامنًا مع قول أحمد المهادن الذي يحثه على التعقل:.
خدها وامشي من سكات يا ابني واللي حصل النهاردة تمحيه من ذاكرتك للأبد، ربنا أمر بالستر
والحـ.ـيو.ان ده اوعدك هربيه من أول وجديد وهخليه يسيب البلد كلها...
من وطأة حديثه كان يشعر أن الأرض تميل به فلا هو قادر على الرفض ولا هو قادر على الخنوع، شيء بداخله يدفعه للجنون وافتعال ألف ثورة عارمة ولكن شيء في اعماقه الممزقة التي تعودت منها على الخذلان كان يخبره أنها بالفعل آثمة.
أغمض عينيه لبرهة قبل أن يجر جسده ويقترب يجثو أمامها قابض على ذراعيها متسائلًا بترقب وبقلب تتخاذل دقاته متألــمة من شـ.ـدة ترقبه لأجابتها:
اللي قاله ده صح لم تجيبه بل كانت تنظر له نظرة لم يراها طوال حياته بعينيها وتنبأه بشيء يستحيل عليه تقبله لذلك صرخ من جديد وهو يرج بها:
ردي عليا
نفت برأسها بهستيرية ليكرر بإصرار من جديد ولكن بنبرة مرعـ.ـبة رجت لها الجدران:
ردي عليا كلامه صح.
عجز لسانها عن الرد من شـ.ـدة خزيها وظل نحيبها الحارق يتزايد ويتزايد بأنهيار تام، ليحتل الألــم تقاسيم وجهه وتفر دmعة هاربة من عينه وهو يستشف ما المغزى من صمتها، وحينها شعر بخنجر انغرس بقلبه شطره لنصفين واغشى شيطانه على بصيرته اعماها ودفعه دون هوادة أن ينطق أخر كلمة توقع أن تصدر من فمه و يطاوعه قلبه بها:
أنتِ طــالـــق.
نزلت تلك الكلمة عليها كالصاعقة نفضت كافة دواخلها واحرقت قلبها فحتى صوتها المحصور بحلقها أنطلق وصرخت ترجوه وهي ترتمي بجسدها تتمسك بساقه حين هب واقفًا:
لأا، لأ، لأ يامن اسمعني يامن متسبنيش يامن انا مليش غيرك . مليش غيرك يا يامن انا غلطت بس نـ.ـد.مت والله نـ.ـد.مت هو كـ.ـد.اب خليني افهمك...
نفضها عنه باشمئزاز وقال بعيون متألــمة يفر منها الدmع دون وعي وهو يخطوا بعيد عنها:.
أنا اكتفيت اعذار ومن اللحظة دي أنتِ بره حياتي وللأبد يا نادين يا راوي
ذلك أخر ما تفوه به تاركها تصرخ بأسمه بحرقة وقهر لا مثيل له قبل أن يستنكر ويرفض عقلها ويتوقف عن العمل و تسقط مغشي عليها مستسلمة لذلك الظلام الذي جذبها كي ينتشلها من استيعاب تلك الصدmة العارمة التي يبدو أن تباعتها ستكون وخيمة عليها
ترى للحديث بقية!
أَم تلك نهاية قصتهم، دعونا نتمهل ربما مازال القدر يخبأ بين طياته الكثير.
↚
حين يشتد التعب بالعين، تغلق على نفسها من تلقاء نفسها كذلك نحن، وكذلك القلب.
ضمت جسد صديقتها المتراخي المستقر بجانبها على مقعد السيارة الخلفي وهي تشهق شهقات متقطعة حـ.ـز.نًا على ما أصابها فهي إلى الآن لم تستعيد وعيها.
طالعها هو من مرآته الأمامية وقال وهو يتولى قيادة سيارة يامن الذي غادر دونها وكأنه تقصد ذلك كي يتم ايقالتها بها:
ميرال، بطلي عـ.ـيا.ط، هتبقى كويسة
نفت برأسها وقالت بنهنهة:
انا خايفة عليها يا حمود دي مبتنطقش لازم نروح المستشفى.
تنهد محمد واخبرها بعقلانية شـ.ـديدة لطالما كانت من شيمه:
ميرال أنتِ شايفة حالتها عاملة أزاي واكيد في المستشفى هيبقى سين وجيم ومن مصلحتها ميحصلش شوشرة، هي مغمي عليها وهتفوق بإذن الله ومتقلقيش هبعت لدكتور معرفة يطمنا عليها، بس المهم دلوقتي هنروح على فين؟
هزت رأسها بإقتناع وردت حائرة وهي تكفكف دmعاتها:.
مش عارفة كنت عايزة اخدها على القصر عندي بس دعاء لو شافتها مش هتسكت وكمان مينفعش نوديها على بيته بعد ما طلقها ممكن يتهور ويأذيها وكمان مامته مينفعش تشوفها بالحالة دي
هي ملهاش أهل؟
زفرت هي حانقة واخبرته:
اللي اعرفه ان ليها في البلد بس معرفش حاجة عنهم كل اللي اعرفه وهي كانت قيلهولي زمان أن واحد فيهم كان في بينه وبين بابها مشاكل على ورث مامتها وكان طمعان فيها وعلشان كده جوزها يامن علشان يحميها...
تنهد محمد بقوة وقال وهو يشرع من جديد بالقيادة:
طيب انا هتصرف...
يومين لم تستيقظ من غفوتها وكأن عقلها يرفض العودة من هروبه الاضطراري، فقد أكد الطبيب أنها لا تعاني من شيء عضوي سوى بعض الرضوض بجسدها أثر المقاومة وأن ما هي عليه هو حالة من السبات الذي افتعلها عقلها كي يتهرب من الضغط النفسي التي تعرضت له، فقد وصف لها العديد من المحاليل الوريدية البديلة للطعام التي كانت تعوض جسدها كي لا يصيبه الهزل أثناء سباتها، واتخذ كافة الاحتياطات الطبية لها و طمأنهم أنها سوف تستيقظ من تلقاء ذاتها عنـ.ـد.ما تواتيها الشجاعة اللازمة كي تواجه الأمر.
فكانت ميرال لا تفارقها بعدmا احضرهم محمد لتلك الشقة التي تقبع بنفس البناية التي يقطن بها، وقد حمدت ربها كون ابيها خارج البلد ولم يتعب نفسه حتى بالسؤال عنها أما دعاء فقد تحججت لها كونها ستسافر لبضع أيام مع رفاقها كي تتخلص من ضغط الاختبـ.ـارات التي كان تعاني منها في الآونة الأخيرة وأوصت مربيتها أن تتستر عليها أثناء غيابها وتخبرها بكل جديد...
لسه مصحتش...
سؤال صدر من شهد التي كانت تحمل بيدها صنية عامرة بالطعام وتضعها على الطاولة التي تتوسط تلك الردهة الواسعة
بعد أن استقبلتها ميرال ولحقت بها بملامح كئيبة وصوت تملك منه اليأس قائلة:
لأ يا شهد انا بجد خايفة عليها وبفكر ننقلها للمستشفى واللي يحصل، يحصل
مستشفى ايه بس دي هتبقى زي الفل والدكتور بنفسه طمنا عليها، وبعدين بلاش شوشرة البِنَية مش ناقصة كفاية اللي حصلها
أومأت ميرال بينما استرسلت شهد بحسرة:.
قوليلي هو جوزها مسألش عليها
نفت ميرال بحـ.ـز.ن:
لأ من يوم اللي حصل ومسألش حمود راحله علشان يرجعله العربية بس ملقهوش في البيت لا هو ولا مامته ولغاية دلوقتي مفيش أي اخبـ.ـار عنه
لا حول ولا قوة إلا بالله، والله البت دي قطعت قلبي دي طول الليل تخرف بأسمه ولو صحت وملقتهوش هتعمل ايه؟
ادعيلها يا شهد تقوم بالسلامة وتتخطى الأزمة دي على خير
والله بدعيلها وبدعيلك أنتِ كمان ربنا يريحك بالك
ابتسمت ميرال وقالت بإمتنان:.
ربنا ما يحرمني منك يا شهد
أنا حاسة أن ربنا بيحبني أوي علشان رزقني بأخت زيك ورجعلي صاحبة عمري...
ربتت شهد على ظهرها بحنان واضافت بمكر تشاكسها:
اه يا اختي ونسيتي حمود ولا ايه؟
اعتلى جانب فمها بسمة باهتة وقالت بيأس:
حمود، ظلمني يا شهد ومرضاش حتى يسمعني وحتى بعد ما نادين حكتله إني مظلومة متكلمش معايا ولا هان عليه يريح قلبي بكلمة
زفرت شهد ولعنت عقلية شقيقها المتحجرة في سرها ثم قالت راجية:.
حقك عليا أنا، ومعلش هو اه دmاغه ناشفة بس والله بيحبك وبكرة لما تعاشريه هت عـ.ـر.في أن حنية الدنيا فيه بس هو اللي عقله مش مريحه ولا مريح اللي حواليه
تنهدت هي بإحباط واخبرتها بنبرة تملك منها اليأس بفضل تبلده معها:
بيحبني بأمارة ايه، ده لغاية دلوقتي عقدة لسانه متفكتش وبصراحة حاسة إني بفرض نفسي عليه
شهقت شهد مستنكرة وقالت تطمئنها:.
بطلي الكلام البايخ ده والله بيحبك، وبعدين متنسيش الظروف اللي حصلت هو يمكن مستني وقت مناسب
أومأت لها ميرال وقالت بحيرة:
يمكن، أنا كمان ورطته معايا بعد اللي حصل ل نادين وجابني هنا
اخويا راجـ.ـل وعنده نخوة ومستحيل كان هيشوف ولايه زيكم عايزين مساعدة وميساعدتش
أيدتها ميرال بحركة من رأسها ولكن كان سؤال أخير يؤرقها وتريد أن تحصل على إجابته لذلك همهمت بترقب:
شهد هي دي شقة مين؟
أجابتها شهد ببسمة ماكرة ذات مغزى وهي تغادر من باب الشقة وتغلقه خلفها:
شقة حمود...
شهقت ميرال بخفوت وتـ.ـو.ترت بشـ.ـدة وهي تتمعن بكل ارجاء الشقة وكأنها لم تكن تمكث بها أيام وتراها الآن لأول مرة فكانت شقة واسعة مجهزة بشكل مرتب للغاية غير متكلف مفعم بذوق مميز اعجبها ابتداءاً من لون الحوائط الهادئة التي تبعث الراحة للعين إلى فرشها البسيط للغاية واثاثها العصري الغير مبهرج.
حانت منها بسمة باهتة ساخرة من ذاتها قبل أي شيء أخر فماذا كانت تنتظر منه فهي بالنسبة له كالكتاب المفتوح الآن ولكن هو يحتفظ بكل شيء يخصه لذاته ويبخل أن يريح قلبها حتى بكلمة واحدة.
لانوم ولا طعام ولا حتى راحة، فذلك المنزل الذي كان يضج بالصخب الاُسري وينعم بالدفء. الآن أصبح جدرانه قاسية يلفحها الصقيع الذي يرجف الروح من وحشته وبرودته، وحتى نظافته السابقة ونظامه الذي كان لا يمدحه من قبل ولم يشغل باله حتى في أن يثني على مجهوداتها، الآن حقًا عرف الفرق.
فكان يجلس على تلك الأريكة التي لطالما جاورته بها ويرمى رأسه على حجرها عنـ.ـد.ما يشعر بالضيق أو يشغله أمر ويصعب عليه حله فكانت هي تستقبله بربيع بسمتها المفعمة بالسلام و تتكفل بتمسيد جبهته وتمرر اناملها الحانية بين خصلاته إلى أن يهدأ ويستكين ضجيج رأسه ويشعر بعدها أنها منحته سلام العالم أجمع بين يديها ولكن الآن أين هي، فقد خسرها بفضل غبائه وسـ.ـخطه الدائم فياليته أخضع كبريائه اللعين وتنازل عن سخطه وتغاضى عن تحريض تلك ال منار له وعبر عن نـ.ـد.مه واشتياقه لها بطريقة أخرى تليق بفداحة أفعاله فلو كان اعترف بصدق حينها بتوابع خطيئته كان ربما يتشفعله عندها و لا يداهمه ذلك الشعور الممـ.ـيـ.ـت الذي يفتك به الآن.
هز رأسه يحاول أن ينفض ذلك الشعور عنه ثم جال ببنيتاه القاتمة محيط المكان بضيق شـ.ـديد فهنا أطباق وبقايا طعام لم تنضب منذ عدة أيام وهنا ملابس متناثرة، وحتى الغبـ.ـار يكسو الأرفف والأثاث وحتى المقتنيات بشكل يثير الاشمئزاز، أما في المطبخ الذي كان يضوي ضي بعهدها فهو الآن فوضوي للغاية يضج بالكثير من الأواني والأطباق المتسخة وتفوح منه رائحة منفرة تجعله يود أن يتقيأ من بشاعتها...
زفر حانقًا وهو يلعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة على غبائه و انسياقه خلف رغباته اللعينة دون أن يحكم عقله فلولآ ظهور تلك المنار بحياته و إغوائها له بشتى الطرق ما كان وصل به الحال لهنا.
نعم الأن يحملها هي أعباء كل شيء ويتقمص دور الضحية التي لطالما برع في تقمصه وكأنه أدرك كونه كان مغيب بفضلها ولكن بكل أسف أدرك تلك الحقيقة بعد فوات الآوان فقد خسر كل شيء، والسؤال هنا هل تستحق؟ هل أحبها لتلك الدرجة التي تجعله يخسر زوجته ويشتت ابنائه ويفقد عمله وامواله من اجلها؟ حقًا لا يملك اجابة لسؤاله كل ما يملكه هو الضياع والتشتت والنـ.ـد.م بعد تطليقها فهو في أبعد كوابيسه المفزعة لم يتخيل كونه يتهور و ينطق بتلك الكلمة التي تفك حصارها.
مرر يده بخصلاته الفحمية بإرهاق تام وهو يحاول نفض تلك الأفكار التي تقــ,تــله بالبطيء ثم قرر أن يأخذ حمام دافئ كي يساعده على النوم وبالفعل نزع قميصه البيتي وتوجه لخزانته كي يخرج منها منشفة ولكن لم يجد ولا واحدة فيبدو أن جميعهم متسخين ولم تقم بغسل أي منهم ليلعنها بسره ويفتح خزانتها لعله يجد واحدة ولكن وهو يعبث بين الأرفف وجد شريط من الحبوب يعلمها تمام المعرفة وكيف لا؛ وهو من كان يجلبها بنفسه ل رهف ويصر عليها أن تواظب عليها بلا انقطاع ويفرض عليها عدm رغبته بالإنجاب مرة أخرى ولكن الآن قد انعكس الأمر وكأن القدر يسخر منه ويرد له الصاع صاعين فقد اعتصره بين يده بأنفاس غاضبة وعيون زادت قتامتها وهو يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد حين عودتها.
بينما هي كانت بعيدة كل البعد عن ما يشغله بل كانت تحيك لأمر آخر كي تعوض خسارتها وإهدارها للوقت مع ذلك الساخط اللعين الذي اختزل احلامها و وئد رغد عيشها
فقد مالت بِجسدها على صيدها الجديد حتى ظهرت مفاتنها أمام عينه بسخاء ثم همست بنبرة تقطر بالخبث أمام وجهه:
قولت ايه يا حُوسو
اعتلى جانب فم حسام وقال ببسمة متخابثة لا تقل شيء عن خبثها:
لأ...
ضـ.ـر.بت الأرض بكعب حذائها وحاولت اقناعه من جديد:.
ليه ما كل حاجة في ايدك وتقدر تعمل كده بسهولة؟
أجابها بمكر وهو يواليها ظهره بكل برود:
أنا مقولتش مقدرش، وللأسف طلعتِ غـ.ـبـ.ـية ولسه مفهمتنيش
طب فهمني عايز ايه واكيد هنتفق...
أجابها وهو يلتفت برأسه و يتفرس بكل إنش بجسدها بطريقة وقحة اعجبتها و.جـ.ـعلتها تغتر بذاتها وبما تملكه من تأثير طاغي على معشرهم:
عندي استعداد انفذ الاتفاق بس بشرط.
تأهبت بنظراتها بينما هو قال وعينه يغزوها نظرة غامضة تجمع بين الرغبة وشيء أخر لم تتعرف عليه:
عايزك تبقي ليا يا منار.
طرقات على باب الشقة جعلتها تهرول تفتح الباب دون تمهل وهي تعتقد أنها شهد ولكن خابت ظنونها عنـ.ـد.ما وجدته يقف أمامها بتلك الهالة الجدية للغاية لتتلعثم قائلة:
حمود...
تلجم لسانه وهو يجول ببندقيتاه يطالع هيئتها المذهلة و يبتلع ريقه بصعوبة بالغة.
فكانت ترتدي منامة وردية اللون قصيرة للغاية ذات فتحة صدر دائرية تظهر نحرها ببذخ مصحوبة بروب نفس لونها ولكن يمتد طوله إلى بعد ركبتيها تاركته مفتوح ومتهدل على ذراعيها يظهر حملات منامتها وانعكاسها على بشرتها بشكل مغري للغاية جعل دmائه تدفق برأسه ويهدر بحمئه بعدmا أشاح بنظره و استغفر بسره:
أنت ازاي تفتحي الباب بالمنظر ده
طالعت هيئتها مستغربة وهدرت بعفوية:
ماله منظري يا حمود انا...
قاطعها بعصبية شـ.ـديدة نابعة من غيرته:
أنتِ ايه اقفلي الزفت الروب واخر مرة تفتحي الباب بالمنظر ده
لملمت مأذرها بخجل، واستغربت حمئته الغير مبررة والتي لم تتفهم المغزى منها لذلك لم تجادل رغم حنقها منه، فصديقتها برئتها وهي حاولت مرارًا وتكرارًا أن تفهمه وتجعله يستمع لها ولكن إلى الآن رأسه يابس كالحجر الصوان وحقًا في كل مرة هي من تبادر وتصرح بتمسكها به ولكن هو ولا مرة فعل
خدي الأكل...
انتشلها قوله وهو يزفر حانقًا ويدفع صينية الطعام جهتها كي تلتقطها لتتناولها من يده وتسير بضع خطوات وتضعها على الطاولة وإن تقدmت جهة الباب مرة أخرى وجدته مازال يقف لتشـ.ـدد على مأذرها وتطالعه بنظرات حائرة حين تسأل:
صاحبتك عاملة ايه دلوقتي
اجابته بإقتضاب:
لسه مفقتش أنا اتصلت بدكتور تاني هيجي يشوفها
يجي فين ومين اللي هيستقبله إن شاء الله أنتِ...
ايوة وفيها ايه؟
ويا ترى بقى بالروب!
قالها بغـ.ـيظ وهو يكور يده بقوة ويشعر بنيران الغيرة تأكل قلبه
ولكنها لم تتفهم ذلك واجابته بتلقائية:
الدكتور ده بتاع العيلة ومن سن بابي وبعدين كنت هقول ل شهد تطلع وقت ما يجي...
هز رأسه ولم يعجبه الأمر بالمرة فهو كان يرافق الطبيب الذي يجمعه معرفة مسبقة به بنفسه ويتحجج كي يظل ولكن أن تأتي هي بطبيب وتستقبله بذاتها لا هذا غير محتمل بالنسبة له لذلك هدر بكامل صوته الأجش دون حتى أن يجليه قليلًا فصدر قويًا افزعها:
تبلغيني أنا قبل ما يجي لازم يكون في راجـ.ـل معاكم
تعلقت فيروزتاها به لثوانِ تشعر بالحيرة من حديثه وقبل حتى أن تجد جواب مناسب له.
كان يفوت للداخل ويديرها بتلقائية ويغلق باب الشقة بسرعة متناهية، شهقت هي وسندت ظهرها على الباب المغلق وهي تدعم ذاتها بحركة عفوية تتمسك بأحد ذراعيه وهو يقف بمواجهتها، ليبرر هو بصوت خفيض للغاية وهو ينظر من العين السحرية للباب:
ششششش في حد نازل من على السلم وعيب يشوفوني واقف على الباب مش عايز حد يتكلم كلام ملوش لازمة.
تنهدت بيأس وحاولت أن لا تتأثر بقربه المهلك منها ولكن قلبها دفعها دفع حتى تميل على ذراعه وتسند وجنتها عليه دون حديث ولكن بداخلها كان يصـ.ـر.خ اشتقت لك معـ.ـذ.بي ارحم قلب اضناه الوحدة وسئم الفراق، اتوسلك بكل عزيز أن ترأف بي وتزحزح قناعاتك الراسخة التي تعيق قربنا فلا طاقة لي على جفاك.
بينما هو كان مرتبك بشـ.ـده يعتصر عينه ويتحاشى ملامسة جسدها بأي شكل من الأشكال، مشتت لايعلم ماذا يفعل كل ما كان متأكد منه حينها أنه ايضًا اشتاقها حد الجحيم ولكن يصعب عليه التعبير، فقد تعالت وتيرة أنفاسه وزلزل قاع قلبه ككل مرة تكون بذلك القرب اللعين منه، ليمنح عقله الذي يؤرقه هُدنة رادعة، ومع سكونها تهدلت ملامحه براحة واقترب برأسه يتناول نفس عميق من رائحتها المسكرة التي تنفذ لحواسه تخدرها وتأجج بداخله تلك المشاعر المستترة التي لطالما كبحها ولم يصرح بها.
وعند تلك النقطة دق ناقوس الخطر واستفاق عقله من غفوته لينتفض كالملسوع ويبتعد عن حيزها وهو يستغفر الله بسره لعدة مرات ويلعن ذلك الشيطان اللعين الذي جعله يقدm على ذلك، لتطالع هي بتوجس مستغربة ردة فعله في حين هو صمت لبرهة ثم قال بعدmا أجلى صوته الأجش بحمحمة قوية:
مكنش لازم أطلع اصلًا ولولآ أن شهد حمـ.ـا.تها تعبت وكانت مستعجلة تروحلها هي و طمطم مكنتش سمعت كلامها ولا حطيت نفسي في موقف زي ده...
نظرت نظرة حائرة مفعمة بخيبة الأمل في صميم بندقيتاه ثم تساءلت وهي تلملم خصلاتها خلف اذنها بغـ.ـيظ:
خايف على سمعتك للدرجة دي!
اجابها بعقلانية وهو يفتح باب الشقة وينوي المغادرة:
عليكم مش عليا...
حانت منها بسمة باهتة بعيون اندثر بها لمعتها وقالت وهي تبتعد عن الباب كي تفسح المجال له:
على العموم شكرًا وقول ل شهد بلاش تتعب نفسها بعد كده أحنا تقلنا عليكم اوي، انا اول ما نادين تبقى كويسة هنمشي ومش هضايقكم تاني.
زفر هو حانقًا ولعن غبائه ومنعها من الابتعاد متمسك برسغها معتذر لها اخيرًا:
ميرال انا اسف علشان مسمعتكيش، بس غـ.ـصـ.ـب عني مقدرتش اتحمل أنك كدبتي عليا...
احتل الحـ.ـز.ن عيناها حين صرحت بذلك العتاب الذي يثقل قلبها:.
بس انا مكذبتش عليك، انا خبيت علشان مخسركش لكن لما أنت عرفت صارحتك ومأنكرتش وفهمتك انا ليه عملت كده، انا مقولتش إني صح، ومقولتش كمان إني مش غلطانة ولا مظلومة اه نادين افترت عليا وألفت قصص وحكايات عني بس ده ميمنعش أن جزء بسيط من كلامها صح وانا عمري ما أنكرته بالعكس أنا بعترف غلطت ولما انت عرفتني مكنتش ملاك و كنت ضايعة وعمري ما انكرت ده أنا صريحة معاك من أول يوم يا حمود، وكنت بعبر عن مشاعري وعن احتياجي ليك بكل الطرق بس أنت دmاغك ناشفة و عمرك ما كنت صريح حتى مع نفسك ولا معايا، ولا حسستني انك متمسك بيا ومن أول غلطة اتخليت عني.
عجز عن الرد حتى انها لاحظت نفور عروق يده التي تدل على تلك الحرب الضارية التي تقام بداخله لذلك حاولت أن تخترق دفعات عقله قائلة:
أنا اللي أسفة، إني فرضت نفسي ومشاعري عليك، أنت مش مجبر تصدق كلام نادين ولا مجبر تصدق كلامي، والقرار بأيدك...
قالت أخر جملة بكـبـــــريـاء وهي تجذب باب الشقة حتى تفتحه على مصراعيه مما جعل لسانه يتلجم ينظر لها نظرات عاجزة ذات ألف مغزى ولكن تبًا لعقله وقناعاته التي سيطرت عليه و.جـ.ـعلته يفر هاربًا من أمامها وكأنه يؤكد ظنونها لذلك قررت أنها لن تبادر بعد الآن فإن حقًا يحبها ويتمسك بها فهو يعلم ما يتوجب عليه فعله من اجلها.
أما عن تلك الطامعة التي اغشى الجشع عيناها فكانت تستشيط غـ.ـيظًا فإلى الآن لم يريح ذلك الغـ.ـبـ.ـي قلبها ولم ينفذ ما اُوكلته به، لا وما يغـ.ـيظها أكثر أن التوقيت مناسب بشـ.ـدة فهي تعتقد أن ميرال كما اخبرتها خارج البلد ترفه عن ذاته ومن الجيد أنها غائبة حتى لا تتأثر وتنهار بعد يتلقن ذلك المتعجرف درسًا قاسيًا كي يبتعد عنها...
ولكن أين الغـ.ـبـ.ـي الذي وكلته بذلك فمنذ أن حاكته واتفقت معه وانقطعت كافة أخبـ.ـاره مما جعلها تكاد تصاب بالجنون فإهدار الوقت ليس لصالحها
وها هو يجيبها بعدmا هاتفته ربما للمرة الألف بعد المائة و وجدت هاتفه خارج النطاق:
تحت أمرك يا هانم
أنت فين يا غـ.ـبـ.ـي وليه منفذتش لغاية دلوقتي؟
اجابها هو بلا مبالاة وبنبرة تقطر بالإجرام:.
لمؤاخذة كده اعدلي أنا مش غـ.ـبـ.ـي، ومنفذتش علشان كنت محبوس، ولسه خارج بعد ما اتورطت في خناقة واتطسيت حكم، يظهر أن قدmك قدm الشوم عليا يا هانم ومن ساعتها وأنا حالي واقف
تأففت هي بنفاذ صبر:
افففف اخلص هتنفذ امتى؟
اجابها بخبث مقيت وبثقة مجرم مخضرم بالإجرام:
قبل ما انفذ لازم ت عـ.ـر.في الجديد المحروسة بت جوزك قاعدة معاه في بيته.
اتسعت عين دعاء وأكدت عليه وهي تلعن تلك الكاذبة بصوت جهوري وصل صداه لتلك التي كانت تسترق السمع من خلف الباب.
يامن
صرخت بأسمه بعدmا راودها كابوس مفزع رأت به حالها تقف على حافة الهاوية وهو يفلت يدها تاركها كي تلقي مصيرها المحتوم من غيره، وبالطبع الأمر كان بمثابة نزع روحها من جسدها حين شهقت بقوة ونهضت جالسة تجول المكان بعيناها برعـ.ـب وبأنفاس متعالية.
انتفضت ميرال على أثر صرختها وهرولت إليها تربت على ظهرها وقالت بسعادة متناهية:
نادين حمد الله على سلامتك انتِ كويسة متقلقيش
يامن.
همست بأسمه بضياع وبنبرة لاهثة متلهفة جعلت ميرال تعجز عن الرد، لتكرر نادين:
انا فين، ومين اللي جابني هنا و يامن، يامن فين؟
انا و حمود اللي جبناكِ هنا بعد اللي حصل
لم تعير حديثها اهمية وقالت وهي تهب من الفراش بعدmا نزعت تلك الابرة الوريدية من يدها غير عابئة بتقطر دmائها:
يا خبر ماما ثريا زمانها قلقانة عليا أنا لازم أروح...
ضغطت ميرال على شفتها السفلية بقوة تمنع ذاتها من البكاء لوهلة ثم نطقت بحرص شـ.ـديد وهي تقترب منها:
نادين أنتِ مش فاكرة اللي حصل؟
نفت برأسها وهدرت بحماس ظهر جلي على وجهها الذابل دون أن تستخدm عقلها ودون أن ترهق ذاتها بإيجاد سبب مقنع لثغرات ذاكرتها:
انا لازم ارجع البيت زمان يامن قلقان عليا هو قالي أنه راجع أصل لازم نحضر للفرح يا ميرال هو وعدني أنه هيقدmه ومفيش وقت لازم أحضر نفسي
لتضـ.ـر.ب جبهتها وتضيف:.
تخيلي لسه ما اشترتش فستان الفرح، ياه أنا نفسي اجيب فستان منفوش بذيل طويل وكمان يامن لازم أختار بدلته بنفسي هختارهاله بيضا أنا بحب اللون الأبيض اوي عليه علشان بيشبه لون قلبه ياه وحشني اوي، اوي يا ميرال
كانت تتحدث بعدm اتزان ودفعة واحدة وهي تبتسم بسمة مريبة وتدور حول نفسها بطريقة غير متزنة بالمرة جعلت ميرال تكتم شهقاتها بكف يدها متحسرة على حالها ولكن الآخرى كانت بالفعل على حافة الجنون حين صاحت:.
ميرال فين هدومي انا عايزة ارجع بيتنا يامن وحشني أوي وماما ثريا
حاوطت ميرال ذراعيها وقالت تحاول أن تعيدها لرشـ.ـدها:
نادين كفاية وفوقي، أنتِ ازاي مش فاكرة اللي حصل...
جمدت نظراتها لوهلة ودار بؤبؤ عيناها ثم أنكرت وهي تنزل يدها:
مفيش حاجة حصلت، مفيش، مفيش...
ألقت حديثها بملل بوجهها وتركتها واتجهت لتلك الخزانة تفتحها على مصراعيها تبحث بها عن ملابسها ولكن لم تتعرف على شيء يخصها لذلك كانت ترتدي أول شيء طالته يدها لتلمح سترة جلدية قاتمة تعلم صاحبها معلقة داخلها لتتناولها بأيدي مرتعشة وتتمعن بها و ومضات خاطفة ظلت تترأى أمام عيناها وحين توقف عقلها عند تلك الصرخة الحارقة بأسمه شهقت شهقة ممزقة لأبعد حد وخارت كافة قواها ساقطة على ركبتيها وتلك الكلمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة تتردد بداخل عقلها تهلكه اكثر وترغمه أن يتخلى عن إنكاره المؤقت ( أنتِ طــالـــق) (من اليوم أنتِ بره حياتي يا نادين يا راوي).
وهنا صرخت صرخة مدوية واخذت تهز رأسها بقوة لعلها تسقط كل ما فيها ولكن هيهات
كان يتردد صدى الكلمـ.ـا.ت و يتردد ويتردد وكأنها تأمرت مع الجميع كي تقضي عليها
جثت ميرال تؤازرها بدmعاتها قائلة:
نادين اهدي، علشان خاطري اهدي
صرخت هي بقهر من بين شهقاتها التي تقطع نياط القلب:
يامن، طلقني وصدق طارق
أنا لازم أروحله وافهمه انا لازم اقوله وهو اكيد هيصدقني
اجابتها ميرال بقلة حيلة:
دورنا عليه في كل حتة وملقنهوش.
قبضت هي على منكبين ميرال وصرخت بها بجنون وبنبرة هستيرية وهي تهزها تستنكر ما تفوهت به:
كدب كدب هو مستحيل يسبني هو عارف أني مقدرش اعيش من غيره هو عارف إني مليش غيره ومستحيل يعمل فيا كده أنا لازم اروحله، لتتركها وتضم ركبتيها لصدرها وتتأرجح للأمام والخلف بعدm اتزان متمتمة:
ايوة أنا لازم اقابله واقوله الحقيقة وهو اكيد هيصدقني هو بيحبني يا ميرال وهيسامحني هو علطول بيسامحني...
ضمتها ميرال لها تحاول أن توقف اهتزازها وقالت بحـ.ـز.ن من بين شهقاتها:
هنلاقيه وهنقوله على كل حاجة وإن شاء الله هيصدق، بس اهدي علشان خاطري وكل حاجة هتبقى كويسة
نفت برأسها وصاحت بإلحاح غريب:
عايزة ارجع بيتنا، عايزة ارجع بيتنا وديني ل ماما ثريا هي هتصدقني وهتقنعه
مش هناك والله بس هوديكِ وهريحك بس اهدي علشان خاطري.
اومأت لها بهوان وترجتها وهي تتحامل على ذاتها و تنهض ترتدي سترته وتضم بها ذاتها وكأنها تستجدي قربه:
دلوقتي يا ميرال...
انصاعت ميرال لها دون معارضة ولبت رغبتها في سبيل أن تجعلها تستوعب الأمر بذاتها.
كنتِ فين يا هانم
قالها بغـــضــــب شـ.ـديد وهو ينقض يقبض على ذراعيها مما جعلها تتلعثم قائلة:
كنت، كنت في النادي قاعدة مع صحابي في ايه مالك متعصب ليه كده...
في ده يا هانم
قالها وهو يرفع الحبوب أمام نظراتها التي زاغت لتوها حين تخلصت من قبضته و جذبته من يده متبجحة:
انت بتفتش في حاجتي ليه!
نعم انت هتستهبلي، أنا عايز أعرف بتاخديه ليه من ورايا
أجابته وهي تلوح بيدها ساخطة:
يوووه بقى أنت بقيت لا تطاق بجد انا زهقت.
تعالي هنا وجاوبيني...
قالها بسخط عظيم لطالما تشاركاه وهو يقبض على ذراعيها بقوة جعلتها تهدر بوجهه دون أي خضوع وبثقة عارمة:
عايز تعرف ليه علشان مش عايزة اجيب ولاد من واحد زيك، عايزهم يجوا ليه علشان يشوفوا فقر ابوهم وقلة حيلته عايزني اجيب ولاد علشان تعيشهم كده...
قالت جملتها وهي تنفضه عنها وتؤشر على محيط المكان بإزدراء:.
هو ده اللي وعدتني بيه يا سُونة هي دي العيشة اللي قعدت توصفهالي وتمدحلي فيها، انت ضيعت كل احلامي بغبائك وسبت واحدة غـ.ـبـ.ـية زيك تاخد فلوسك و وقفت تتفرج...
استفزه حديثها بشـ.ـده لذلك كعادته جَبن عن تحمل الأخطاء وألقاها على عاتق غيره متقمص دور الضحية:
أنتِ السبب، أنتِ اللي خسرتيني كل حاجة
حانت منها بسمة هازئة وقالت بإحتقار:
غبائك هو السبب مترميش عليا
ليؤكد هو بإنفعال والنـ.ـد.م يتأكل قلبه:.
أنتِ اللي خلتيني خسرتها وخسرت معاها كل حاجة أنتِ اللي اقنعتيني أنها مش ضحية وانها لئيمة وقليلة الأصل وخلتيني بكل غباء أروح اساومها على حريتها...
أجابته بنبرة مستفزة للغاية وهي تلوح بيدها:
وحتى دي معرفتش تعملها وروحت طلقتها بكل سهولة وخلصتها منك، ودلوقتي قاعد تندب حظك زي الولايه وبصراحة بقيت مثير للشفقة
ثارت ثائرته وصرخ بها:
أنتِ ايه شيطان، أنا أزاي كنت مخدوع فيكِ كده.
اجابته بكل برود وثقة وكأن ما تقوله هو المنطق بحد ذاته:
وانا كمان اتخدعت فيك واظن كده نبقى خالصين و اللي بينا لازم ينتهي اكرم ليا وليك
جعد حاجبيه وتساءل بتوجس:
يعني ايه؟
يعني أنا مبقتش طيقاك وكرهت حياتي معاك ومش مجبرة اتحمل فقرك، طلقني وياريت بالذوق احسن ما اجرجرك في المحاكم وأخلعك...
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدخل لغرفتها وتغلق بابها في وجهه تاركته مصدوم، بل مشـ.ـدوه يشعر أنه يكاد يصيبه ذبحة صدرية من حديثها، فنعم أيها الساخط كل شيء ذهب هباءً.
فقد أكرمك الله بالعَقل ولكنك لم تستخدmه، وأهنت نفسك بأفعَالك...
عند وصولهم هرولت من السيارة ما أن توقفت أمام بوابة المنزل الخارجية لتجدها مغلقة لتطرق على الباب الحديدي بكل عزمها وهي تزعق بأسمه بنبرة راجية ممزقة:
يامن، يامن، ماما ثريا، يامن افتح الباب واسمعني، يامن
لم يأتيها رد سوى من الحارس الذي فتح البوابة وقال بتفاجئ:
ست نادين، البيه والست ثريا مش موجودين، سافروا
قبضت على مقدmة جلبابه وصرخت بجنون:.
أنت بتقول ايه هما فين، مستحيل يسبوني ويسافروا أنت كـ.ـد.اب هما جوه صح وهو اللي قالك تقولي كده، صح قول أنه صح، أنطق
كانت تتحدث بنبرة هستيرية ودmعاتها الحارقة تنهل من عيناها دون هوادة، ليؤكد الحارس بقلة حيلة وبتعاطف:
والله يا ست هانم ده اللي صار وهما مشيوا وسابوا البيت وحتى سابوا شنط ليك فيها حاجتك والبيه بلغني أول ما تيجي اسلمهالك.
نفت برأسها بحركة غير مستوعبة وكأنه لم تستمع لحديثه من الأساس واندفعت بقوة إلى الباب الداخلي للمنزل واخذت تطرق عليه تارة وتضغط على جرس الباب تارة أخرى وهي تصرخ بقهر راجية بنبرة ممزقة تعدت الألــم بمراحل:
يامن، انا مليش غيرك، يامن افتح أنت مستحيل تسبني، يامن، ماما ثريا، انا مليش غيركم، مليش غيركم هروح لمين، هروح لمين، متسبونيش لوحدي، يامن، افتح...
متسبنيش لوحدي، متسبنيش لوحدي.
قالت أخر جملة وجسدها يتهدل يفترش الأرض بأنهيار تام جعل ميرال تحتضنها قائلة بمؤازرة:
كفاية مفيش حد جوة يا نادين...
ازاي هونت عليهم، سابوني، أنا مليش غيرهم أزاي سابوني ومشوا أزاي
شـ.ـددت ميرال على عناقها وواستها ودmعاتها تنهمر تضامن معها:
هندور عليهم...
لتتسأل بضعف وبنبرة مرتعشة تحمل قهر العالم أجمع:
وهيصدقني، هيسامحني...
هيرجعلي، هيرجعلي يا ميرال.
هزت ميرال برأسها وحاولت بشتى الطرق أن تهون عنها وتؤزرها ولكن هي أصرت ان تذهب لأي مكان من الممكن أن يتواجد به ولكن بلا فائدة وكأن ذلك ال يامن تبخر ولم يعد له وجود، لذلك عادوا سويًا لتلك المنطقة الشعبية قاصدين تلك الشقة التي مكثوا بها الأيام السابقة ولكن ما أن تدلت من السيارة بمساعدة ميرال اتسعت عيناها الذابلة وتعالت دقات قلبها حين وجدت آخر شخص توقعت أن تجده بانتظارها...
↚
ما جفت الدmـ.ـو.ع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب.
عادوا سويًا لتلك المنطقة الشعبية قاصدين تلك الشقة التي مكثوا بها الأيام السابقة ولكن ما أن تدلت من السيارة بمساعدة ميرال اتسعت عيناها الذابلة وتعالت دقات قلبها حين وجدت آخر شخص توقعت أن تجده بانتظارها...
ماما ثريا
هتفت بها وهي تهرول و ترتمي بأحضانها بقوة جعلت ثريا تربت على ظهرها وتضمها لها قائلة:
استهدى بالله يا بـ.ـنتي
عاتبتها بقهر:
انتوا سبتوني ليه أنتو ليه عملتوا فيا كده انا مليش غيركم؟
حقك عليا وحياتك عندي كان غـ.ـصـ.ـب عني
اهدي علشان اعرف افهمك
قالتها راجية وهي تطالع تجمهر الناس من حولها في حين اقترحت ميرال وهي تجذب نادين لها:
نادين تعالي نطلع البيت الناس بتتفرج علينا
تناوبت نادين نظراتها الضائعة بينهم لتؤيدها ثريا:
تعالي يا بـ.ـنتي هنتكلم وهقولك على كل حاجة بس اهدي.
انصاعت لها لتسندها ميرال من جهة و ثريا من جهة إلى أن صعدوا سويًا وما أن دلفوا جلست ثريا على أحد الأرائك القريبة واجلستها بجوارها وأخذت تربت على خصلاتها وهي تشملها بنظرة عطوف متحسرة إلى ما توصل له حالها، بينما هدرت هي بعتاب وبنبرة ممزقة ودmعاتها تغرق وجهها:
انا مش مسمحاه ومش مسمحاكِ
يا بـ.ـنتي اسمعي الأول لما رجع وقالي حاولت اهديه، بس دي كانت اول مرة اشوف ابني بالحالة دي وخــــوفت عليه
سألتها بعتاب مضني:.
وما خــــوفتيش عليا
سؤالها ألــم قلب ثريا واحـ.ـز.نها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما فعلته من أجلها لذلك ردت بحياد وبعطف أم لن تتخلى عن أبنائها مهما كانت فداحة أخطائهم:
هو ابني وانتِ بـ.ـنتي وعلشان كده مصدقتش وسبته ورجعت و كان عندي امل أأثر عليه واخليه يرجع بس هو صمم واللي في دmاغه في دmاغه، وعلشان كده رجعتلك علشان انتِ قبل ما تكوني مرات ابني فأنتِ وصية غالية و عادل.
طب هو فين يا ماما ثريا لازم يسمعني هو ليه بعد عني هو ده اللي وعدني بيه فين الحب اللي كان جواه ليا، ليه معطنيش فرصة ادافع عن نفسي ليه مسمعنيش، ليه، ليه؟
أجابتها بعقلانية وبثوابت مشيدة:
علشان هو راجـ.ـل يا بـ.ـنتي والكلام اللي سمعه مفيش راجـ.ـل يتحمله ولا يقبله على نفسه...
حاولت هي الدفاع عن ذاتها باستمـ.ـا.تة:.
بس الكلام ده غلط، انا عمري ما حبيت طارق ولا عمري خليته يلمس شعرة مني، أنا فعلا كنت بقباله بس وقتها كنت ضايعة وجوايا هواجس كتير ملهاش اساس لكن لما عرفت الحقيقة حاولت ابعد وافهمه بس هو مسبنيش وكان بيطاردني، انا مش بالبشاعة دي يا ماما ثريا
وعمري ما فرطت في شرف ابنك
لتهز رأسها وتستأنف بنبرة هستيرية مصحوبة بنحيب قوي يدmي القلب:.
والله انا مش بالبشاعة دي انا بعترف غلطت في حقك وحقه كتير بس والله العظيم انا نـ.ـد.مت، نـ.ـد.مت وكنت هقوله على كل حاجة بس مكنش عندي الشجاعة وجِبـ.ـنت وقتها وكنت مرعوبة من رد فعله واللي كنت خايفة منه حصل واتخلى عني يا ماما ثريا وهونت عليه...
كانت تتحدث بحرقة وبنبرة صادقة، مختنقة من بين شهقاتها المتألــمة مما جعل ثريا تضمها لحـ.ـضـ.ـنها وتقول بثقة وهي تربت على ظهرها في حنان:.
عارفة أنك مفرطيش في شرفه، أنتِ كنتِ طايشة بس أنا واثقة إني عرفت اربيكِ واعلمك الصح من الغلط، دلوقتي لازم تقومي معايا علشان نرجع بيتنا
تعلقت سوداويتاها التي يكسوها الدmـ.ـو.ع وسألتها بخيبة أمل:
هو هيرضى، بعد ما رماني ورمي هدومي بالطريقة دي هيرضى يخليني أرجع البيت.
تنهدت ثريا بأسى فهي تعلم أن ولدها مخطئ بذلك الأمر ولها كل الحق كي تعتب عليه، ولكن لو كانت رأت الحالة التي كان عليها ربما كانت عذرته، أو لو كانت علمت ما كان ينوي عليه حينها كانت ستتقبل أي شيء عوضًا عن تنفيذ ما كان يصر عليه وهي عارضته وأصرت أن لا تفسح عنه حين طمئنتها وجذبتها من جديد لدفء أحضانها:.
ملكيش دعوة بيه ده بيتي أنا ابوكِ الله يرحمه كتبه بأسمي وانا اللي اقرر انا لو كنت نفذت رغبته وقتها فكنت بسايره وبحاول اريحه علشان مـ.ـيـ.ـتهورش و يروح يقــ,تــل الكـ.ـلـ.ـب اللي عمل كده ويودي نفسه في داهية، لكن خلاص اتأكدت أنه غار وابوه سفره، أصل اللي زي دول مفضوحين و اخبـ.ـارهم مبتستخباش
هنا تساءلت ميرال بحيرة:
معلش اسفه في السؤال بس عرفتي مكانا منين؟
خرجت هي من بين أحضانها تكفكف دmعاتها وقد لفت انتباهها السؤال وتأهبت للحصول على جوابه، مما جعل ثريا تخبرهم بتنهيدة حانقة:
يامن هو اللي قالي على مكانكم
احتلت الدهشة معالم وجهها الذابل وهمست بقهر وبخيبة أمل لا مثيل لها صدرت من أخر شخص كانت تتوقع أن تصدر منه:.
يعني كان بيراقبني وبيعرف اخبـ.ـاري طب أزاي، انا كنت بمـ.ـو.ت من غيره، هو للدرجة دي هونت عليه يا ماما ثريا يقف بعيد ويتفرج عليا، ونسى كل اللي كان بينا ومفيش حاجة اتشفعتلي عنده
واستها ثريا بحنو وهي تربت على صدرها راجية:
معلش حقك عليا أنا، والله بكرة يروق، ابني وانا عارفاه، هو قسى عليكِ بس وغلاوتي عندك سامحيه واعذريه، وهو مسيره يرجع ويراجع نفسه.
قالتها وهي تدثرها بين أحضانها من جديد ولكن تلك المرة وهي تدعوا الله أن يزيح الغمام عن بصيرة ولدها من أجل تلك التي دفعت سعادتها وذاقت القهر بسبب تمردها السابق وتلك الهواجس البالية التي أهلكتها و.جـ.ـعلت توابع خطيئتها تطاردها وتطالب بالعقـ.ـا.ب العادل لها.
احضرت عُلبة مُرتبة من الشيكولاتة وبعض الحلويات الشرقية الأخرى كي تعبر عن امتنانها لتلك الجارة العطوف التي ساندتها هي و ابنها الطبيب في محنتها، وها هم يجلسون ثلاثتهم يتناوبون الضحكات ويتجاذبون أطراف الحديث ولكن رغم أن كريمة شخصية ودودة غير متكلفة إلا أن رهف كانت متحفظة قلما ما كانت تنطق وتشاركهم الأحاديث فقط كانت تكتفي بالاستماع لهم ببسمة هادئة...
مجبتوش الولاد ليه معاكم والله أنا عاتبة عليكم.
قالتها كريمة لتبرر سعاد بخفة:
يا طنط احنا قولنا نفصل من زنهم ودوشتهم وبصراحة خــــوفنا تضايقي أنتِ والدكتور ده حتى شريف ابن رهف كان نفسه يجي معانا بس رهف مرضتش
زغرتها رهف في الخفاء فنعم أبنها ألح عليها كثيرًا كونه يريد أن يرى ذلك الطبيب وكونه احبه وشجعه ولقبه بالبطل ولسبب خفي في نفسها وجدت ذاتها تمتنع بشـ.ـدة من اصطحابه معها، بينما على الجانب الأخر تنهدت كريمة بحـ.ـز.ن وقالت:.
يزعجني ده أيه! ليه كده يا رهف كنتِ جبتيه يا بـ.ـنتي والله على قلبي زي العسل وبعدين نضال بيحب الأطفال جدًا وعمره ما يضايق منهم
تلعثمت رهف بحرج وردت بمجاملة وهي تزجر سعاد بنظراتها كي تلاحق الموقف معها:
معلش يا طنط تتعوض بإذن الله
لتلاحق سعاد زلفة لسانها وتدرك أنها احرجتها:
ايوة يا طنط اكيد رهف هتكرر الزيارة هي ملهاش حد و انتوا جيران والجيران ملهاش إلا بعضيها
اجابتها كريمة بمودة:.
النبي وصى على سابع جار وياريت يا بـ.ـنتي والله دول ينوروني، ربنا يحفظلك ولادك ويخليهملك يا بـ.ـنتي
أمنت رهف على دعواتها بشـ.ـدة بينما صفنت كريمة لثوان تزامنًا مع وصوله لتوه ودلوفه من باب الشقة قائلًا بصوت جهوري مشاكس كعادته:
يا كرملتي أنا جيت ومـ.ـيـ.ـت من الجوع ولو ملحقتنيش بلأكل هاكل حتة منك...
ابتلع باقي حديثه المشاكس لوالدته حين انتبه اخيرا لوجودهم ولاحظ تلك البسمـ.ـا.ت التي يكتموها، ليفرك أنامله بين خصلاتها الشقراء ويتلعثم بحرج:
أحم، ايه الاحراج ده، مش تقولي يا كرملة ان عندنا ضيوف
تدخلت سعاد مبررة:
معلش بقى يا دكتور إحنا اللي كان مفروض نبلغكم قبلها
نفى بسبابته وقال برحابة شـ.ـديدة وبوجه بشوش للغاية:
لا انتو تشرفونا في اي وقت والله البيت نور يا مدام سعاد
قالها وهو يمد يده يصافحها.
لتصافحه سعاد وإن جاء دور رهف كانت تكاد تمـ.ـو.ت بخجلها كلما تذكرت كونه حملها وشهد على تلك الحالة المريعة التي كانت عليها لذلك مدت يدها بحرج وهي تنكس نظراتها بتحفظ شـ.ـديد دون حتى أن تبتسم بمجاملة، لوهلة تجمدت خضراويتاه عليها قبل أن يهدر بأدب:
نورتونا يا مدام رهف
شكراً
قالتها بإقتضاب شـ.ـديد وهي تحث سعاد على المغادرة حتى أنها من شـ.ـدة حرجها لم تنتبه أنها لم تشكره حتى أو تمدح شهامته حينها.
انصاعت سعاد لرغبتها قائلة:
طب بعد اذنكم بقى علشان الولاد لوحدهم مع المربية وزمنهم طلعوا عينها
عاتبتهم كريمة بود:
لسة بدري يا ولاد والله ما لحقتوا
معلش يا طنط تتعوض
وإن كادوا يصلون لباب الشقة قال نضال بتردد وهو يمسد بسبابته منحدر انفه بحركة ملازمة له حين يتـ.ـو.تر:
مدام رهف أنا كنت حابب ابعت معاكِ حاجة ل شريف، ممكن؟
تناوبت رهف نظراتها المرتبكة بينه وبين سعاد وردت:
حاجة ايه يا دكتور؟
أجابها وهو يبتسم بسمة بشوشة للغاية:
هدية بسيطة، أنا دورت كتير علشان ألاقيها وبتمنى تعجب شريف...
رفعت نظراتها التي لم يسكنها سوى الحـ.ـز.ن مؤخرًا وهدرت بإندفاع وبشراسة غريبة احرجته و.جـ.ـعلت بسمته تندثر بلا عودة:
بمناسبة ايه تجبله هدية حضرتك، أنا ولادي مش بياخدوا هدايا من حد واسفة مش هقدر اخلي الولد ياخدها منك، عن اذنك يا دكتور.
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تغادر تاركة سعاد تعتذر بحرج خلفها:
اسفة يا دكتور هي...
قاطعها هو بتفهم وبكل بساطة:
عارف، مش لازم تبرري يا مدام سعاد، حصل خير
أومأت سعاد بحرج ولحقت بها بينما هو نظر لآثارهم بملامح لاتفسر جعلت والدته تبرر قائلة:
معلش اعذرها يا بني اللي مرت بيه صعب على أي ست وغـ.ـصـ.ـب عنها عايزة تحاوط على ولادها
تنهد هو واخبرها بصدق وبطيب نية:
ماما انا مدوستلهاش على طرف أنا بس حبيت الولد و صعب عليا وحبيت افرحه مش اكتر...
ربتت كريمة على كتفه بملامح يكسوها الحـ.ـز.ن فهي تتفهم ذلك الشعور الذي يداهم ابنها عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بلأطفال لذلك لم تجد ما تواسيه به غير:
ربنا يفرح قلبك يا نضال ويديك على أد ضميرك ونيتك، أنا هروح احضرلك الغدا
تنهد وقال وهو يتناول يدها ويقبلها:
تسلميلي يا كرملة، وانا هغير هدومي واجي اساعدك
ليتوجه نضال لغرفته تارك والدته ترفع نظراتها للأعلى وتدعوا له بصدق وبقلب أم انفطر على حظ ولدها...
كنتِ قليلة الذوق اوي
هدرت بها سعاد بتوبيخ كي تؤنبها، لتزوغ نظراتها وتتأفف:
يووووه بقى يا سعاد انا مش غلطانة دول ولادي ومن حقي أخاف عليهم واقرر بالنيابة عنهم
بس الراجـ.ـل مغلطش يا رهف ولا اتعدى حدود الأدب أنتِ احرجتيه جـ.ـا.مد
سعاد افهمي شريف بيمر بمرحلة صعبة بعد انفصالي عن ابوه ومينفعش، ابتلعت غصة مريرة بحلقها واستأنفت:.
تخيلي أن في الوقت اللي ابوه مبيسألش حتى عليه، الدكتور ده قدر يحببه فيه من مرة واحدة و اقنعه انه موهوب ولازم يدرب ويسعى علشان يبقى بطل وخلى الولد يصمم ويعاندني ويلح عليا...
تنهدت سعاد و واجهتها بشجاعة كعادتها:.
الولد موهوب فعلا يا رهف وانتِ عارفة كده وكتير اتحايلتي على حسن أنه يسمحله يروح التدريبات وأنتِ بنفسك اللي قايلالي كده، ليه دلوقتي بترمي على الدكتور أنه بيحرض ابنك ما يمكن بيشجعه من غير أي دوافع تانية
سعاد افهميني أنا...
حاولت التبرير ولكن سعاد قاطعتها بتفهم:.
عارفة أنك خايفة على ولادك، بس متخليش خــــوفك عليهم يحبط احلامهم ويلغي شخصيتهم، حاولي زي ما صلحتي اللي ابوهم زرعه فيكِ، تصلحيه برضوا في ولادك، شجعيهم وخليكِ حافز ليهم وبلاش تضيقي حسارك على أحلامهم بحجة خــــوفك عليهم...
وبعدين الدكتور مغلطتش وبدل ما تشكريه احرجتيه جدًا.
بشكل ما وجدت حديثها منطقي لذلك تهدلت معالم وجهها وارتمت على اقرب مقعد وهي تشعر بالنـ.ـد.م، فيبدو أنها بالفعل مدينة لذلك الطبيب بالاعتذار ويبدو ايضًا أن ما عانته مع ذلك الساخط غيرها لدرجة أنها تخلت عن مسالمتها واصبحت عدائية لا تراعي مشاعر أحد كما كان يفعل معها وحقًا ذلك الشعور كان كفيل أن يجعلها تشعر بالخزي الشـ.ـديد من نفسها.
عادت إلى قصر أبيها بعدmا اطمأنت على صديقتها واوصلتها بنفسها لمنزل تلك السيدة الحنون وها هي تصعد درجات الدرج الداخلي وهي تجر حقيبتها معها في طريقها لغرفتها حين باغتتها دعاء قائلة بخبث لا مثيل له:
اهلًا اخيرًا شرفتي يا ميرال هانم
زفرت هي بقوة وتجاهلتها، لتستأنف دعاء:
السفرية حلوة يا ميرال يارب تكوني اتبسطتي مع اصحابك
تنهدت واجابتها ببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبتها على ثغرها:.
اه يا دعاء كانت سفرية حلوة واتبسط مع اصحابي...
ابتسمت دعاء بسمة صفراء تقطر بخبث مقيت وتهكمت:
طب الحمد لله انا عايزة اشوفك مبسوطة بس يارب اصحابك اللي كنتِ معاهم ميبقوش اندال ومـ.ـيـ.ـتحملكيش ويسبوكِ زي كل اللي سابوكِ
اغتاظت من حديثها المبطن وتكونت غصة مريرة بحلقها من تهكمها الواضح لذلك هدرت بضيق:
ولو عايزة تقولي حاجة قوليها من غير لف ودوران انا مبحبش طريقتك دي يا دعاء.
اجابتها بمكر وهي تبتسم بسمة مستفزة للغاية:
هلف وادور ليه يا ميرال انا بتمنالك الخير مش اكتر وخايفة يخذلوكِ أصلك طيبة وبيضحك عليكِ
تنهدت بسأم من طريقتها التي تثير اعصابها وباشرت سيرها وهي تتعمد أن تتجاهلها لتباغتها الأخرى هاتفة من اسفل الدرج:
اهم حاجة تكوني اتبسطتي وعشتي يومين
لتستأنف بسرها بنبرة تقطر بالحقد:
قبل ما حسرك عليه وأجبره يسيبك زي كل اللي سابوكِ.
أما في المساء كان هو يجلس في شرفته يحتسي مشروبه الساخن وهو يسترجع ذلك الموقف السخيف الذي وضع ذاته به، فمن يصدق أن ذلك الوجه البريء المسالم تمتلك صاحبته كل تلك العدائية الغير مبررة فهو على يقين تام أنه لم يتعدى معها حدود الأدب بل كانت نواياه نحو الصغير بريئة وبدرت منه بصدق دون أي سوء نية
نضال ادخل يا حبيبي الجو برد عليك
قالتها كريمة بأهتمام بالغ وانتشلته من دوامة أفكاره يطالعها بأعين متسعة.
أش أش أش ايه الجمال ده يا كرملة اوعي تكوني بتستغفليني ونازلة تقابلي والله اتبرا منك
قالها بمشاكسة مما جعل كريمة
تقهقه فور حديثه وتبعت قولها بضـ.ـر.بة خفيفة من يدها على ساقه:
اختشي هو في راجـ.ـل يملا عيني بعد ابوك
ضيق خضراويتاه قائلًا بنبرة عابثة:
سيدي يا سيدي اوعدنا يارب
يارب يا حبيبي يفرح قلبك ويوعدك ببـ.ـنت الحلال
نفى برأسه وعارضها مشاكسًا:
لا توبة يا كرملة أنا جربت حظي مرة والحمد لله على كده.
احتل الحـ.ـز.ن معالم وجهها عنـ.ـد.ما تذكرت إصرارها عليه ومعاناته السابقة وهمهمت بأسى:
يا عالم يا ابني ده النصيب وملناش يد فيه وبعدين ده انت لسة في عز شبابك وألف واحدة تتمناك.
حانت منه بسمة باهتة و أجابها بسـ ـخـــريــة من نفسه قبل أي شيء أخر:
الألف واحدة اللي بتقولي عليهم يا امي اكيد مفهمش واحدة هتقبل تربط مصيرها بواحد زي
غامت عين كريمة وهونت عنه:.
وأنت بإيدك أيه ده كل شيء بتاع ربنا وبعدين أنت ولا أول راجـ.ـل كده ولا أخر راجـ.ـل
تنهد بعمق وهو يرثي حاله ثم قال برضا تام:
الحمد لله يا كرملة، قوليلي بقى متشيكة كده ورايحة فين؟
ابتلعت كريمة غصه بحلقها واجابته بشيء من التردد:
أصل، خالتك كلمتني وزعلانة علشان من ساعة ما أنت رجعت من السفر مزورتهاش، تلعثمت وترددت لثوان قبل أن تخبره ولكن هو حثها بعينه أن تستأنف، لتتشجع وتقول وهي مطرقة الرأس:.
هاجر ولدت وعاملين السبوع النهاردة وخالتك عايزاني معاها
تعلقت خضراويتاه بها لثوان ثم ابتلع غصته وأجابها:
طب وايه المشكلة مهما حصل بيني وبين بـ.ـنتها هتفضل هي اختك ولازم توديها
يعني أنت مش زعلان يا ابني
نفى برأسه وهمهم بإقتناع وبطيبة طالما كانت من شيمه:.
ابدًا، هاجر بـ.ـنت خالتي قبل مـ.ـا.تكون طلقتي ومن حقها تبني حياة جديدة تكون مُرضية ليها ولقناعتها هي طلبت الطـ.ـلا.ق علشان ده حقها وأنا احترمت رغبتها وانفصلنا بهدوء ومتهيألي خلاص صفحة واتقفلت في حياتنا احنا الاتنين وهي تخطيتها ولازم أنا كمان اتخطاها.
ربنا يهنيها ابقي بـ.ـاركلها بالنيابة عني
ربتت كريمة على كتفه وقالت داعية:
ربنا يجبر بخاطرك يا بني ويعوضك خير.
يارب يا ست الكل يلا قومي علشان متتأخريش وانا شوية كده وهروح ل سليم اسلم عليه قبل ما ينفذ قرار نقله اسكندرية
تمام ياحبيبي ربنا معاك
لتغادر والدته تاركته يتنهد بعمق كي ينفض تلك الذكريات القاسية التي جمعته بأبنة خالته عن رأسه فقد عاهد ذاته أن يكتفي بذاته وينشغل بعمله و بوالدته خير له أن يجور على حق أنثى أخرى ويكون سبب في حرمانها من أبسط حقوقها.
عادت بها لمنزلها وها هي تجلس فوق رأسها تمسد خصلاتها حتى غرقت في النوم بعد نوبة بكاء مرير ألــمت قلبها و.جـ.ـعلت ضميرها يقرع ولم يرأف بها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما بوسعها كي تتمكن أن تكون تعود لها وتمنع عنها حدوث الأسوء، زفرة قوية أزاحت بها انفاسها الحانقة التي كانت تجثم على صدرها وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم المشؤم
واحداثه المريعة...
فقد كانت تجلس يأكلها القلق تنتظره بالشرفة وتحاول مهاتفته للعديد من المرات ولكن بلا جدوى وبعد مرور الكثير من الوقت قفز قلبها هلعًا عنـ.ـد.ما رأته يدلف للمنزل بخطوات ؤيده يجر جسده جر إلى الداخل، هرولت له هاتفة:
يا لهوي في ايه يا بني ايه اللي حصل فين نادين ومين عمل فيك كده بالله عليك اتكلم انا هيجرالي حاجة من كتر قلقي.
لم يجيبها بل دلف لداخل المنزل و ارتمى على اقرب مقعد قابله منكس يحيط رأسه بكفوف يده بإنهزام تام وكأنه كهل تكاثرت عليه نوائب الظهر
تبعته ثريا وكررت بقلب منقبض:
رد عليا يا بني، ايه اللي حصل؟
و مين اللي كلمك، وفين مراتك؟
مراتي...
همس بها بضياع وبمرارة وبعيون فارغة اندثرت بها الحياة فكان مع كل حرف بتلك الكلمة ينغرس سكين ثلم بقلبه ويذكره بكـبـــــريـاء رجولته التي أهدرته هي بكل جبروت...
كررت ثريا برجاء:.
يا ابني الله يخليكِ اتكلم انا قلبى مش مستحمل، مراتك فين ومين عمل فيك كده؟
حانت منه بسمة متألــمة لأبعد حد واجابها بكل سلام وكأن ما تفوه به هو المنطق بحد ذاته:
طلقتها...
لطـ.ـمـ.ـت ثريا أعلى صدرها وصرخت به:
يا لهوي انت بتقول ايه؟
تطلقها ازاي ده فرحكم بعد كام يوم، ليه يا ابني حـ.ـر.ام عليك...
هنا صرخ بهياج و تأهبت كافة حواسه وكأن ذلك البركان الثائر بداخله تفاقمت حممه وانفجرت لتوها ناثرة خيبات الألــم التي احرقت قلبه:.
حـ.ـر.ام عليا أنا، انا وهي مش حـ.ـر.ام عليها تخوني، مش حـ.ـر.ام عليها تخدعني وتمثل عليا الحب، مش حـ.ـر.ام عليها تستغفلني وتكون على ذمتي وبتهرب من بيتي علشان راجـ.ـل تاني...
مش حـ.ـر.ام عليها تستخف بيا وبمشاعري، ليضـ.ـر.ب موقع خافقه بقوة ويستأنف بحرقة بالغة:.
أنا كل ذنبي إني حبيتها، حبيتها وهي اتفننت بعـ.ـذ.ابي، من كتر ما كنت بتنازل وبتنازل افتكرتني معنديش احساس و استهترت بيا وفضلت راجـ.ـل تاني عليا، أنا اللي عمري كله بتمنلها الرضا وسـ.ـخرت حياتي ليها ولأملكها ولمشاكلها خانتني وخانت ثقتي، خانت اكتر حد في الدنيا حبها، وهن صوته و تأوه بحرقة وتمتم متألــمًا وهو يعتصر موضع قلبه بيده:.
أه ه ه ه، أنا بمـ.ـو.ت يا امي بمـ.ـو.ت حاسس ان روحي بتسحب من جـ.ـسمي حاسس إني عاجز من كتر صدmتي فيها هي غلطت كتير وفكل مرة كنت بقول هتعقل، هتقدر، هتفهم، لكن هي مسبتليش فرصة وغلطها المرة دي قــ,تــلتني، قــ,تــلتني يا امي...
كان يتحدث بحرقة شـ.ـديدة ودmعاته تعصاه وتتهدل من عينه وكأنها هي ايضا لم تصمد وتنازلت عن عزتها وسقطت كي تنعي حال ذلك العاشق الذي انفطر قلبه بفعلتها.
تضامنت ثريا مع دmعاتها الغالية التي لأول مرة تراها منذ أن أشتد عوده، و حاولت تهدئته قائلة وهي تربت أعلى صدرها بحركة راجية:
اهدي يا ابني، اهدي الله يخليك نادين مستحيل تعمل كده دي بـ.ـنتنا واتربيت على ايدنا، هي كانت بتغلط وبتعاند وكان ليها اسبابها لكن مهما عملت مستحيل تخون، ولا تفرط في شرفك...
نفى برأسه بجنون وصرخ بقهر وهو يدور حول نفسه كالثور الجريح يطيح بكل شيء يطاله بيده:.
فرطت، فرطت يا امي وشوفت بعيني دليل خيانتها
لأ، أكيد انت غلطان بـ.ـنتي متعملش كده...
أهتاج على الأخير وهتف مستنكرًا دفاعها:
كفاية بقى تدافعيلها، كفاية تقفي في صفها، كفاية تيجي عليا، انا ابنك ومفروض تحسي بيا وتعملي اللي يريحني انا...
كانت حالته مريعة بشكل جعلها تكاد تمـ.ـو.ت قهرًا عليه لذلك حاولت مسايرته بقلة حيلة:
طب اهدى وقولي ايه اللي يريحك يا ابني
هخرجها من حياتي وللأبد.
قال جملته الأخيرة وهو يندفع نحو غرفتها ويجذب أحد الحقائب من فوق الخزانة ودون ان يدع ثريا أن تخمن الأمر كان يلملم ملابس نادين وحاجيتها بكل فوضوية داخل الحقيبة مهمهمًا بحديث غير مفهوم وكأنه يطمئن ذاته أن كل شيء سيكون افضل برحيلها...
ارتمت ثريا على الحقيبة تغلقها كي تمنعه صارخة:
حـ.ـر.ام يا ابني دي ملهاش غيرنا هتروح فين...
لأ ليها اهل، انا هكلم خالها عبد الرحيم يجي ياخدها...
يالهوي، لأ ابوس ايدك يا بني أنت عارف نوايا خالها بلاش يا ابني حـ.ـر.ام عليك، انت كده بتنتقم منها...
لأ أنا كده هحافظ عليها من شر نفسها يمكن اللي معرفتش اعمله معاها خالها يعرف يعمله...
مش هسيبك تفرط في وصية غالية و عادل، ولو كنت أنت طلقتها ده مش هيغير كونها بـ.ـنتي اللي كبرت على ايديا والأمانة اللي هتفضل متعلقة في رقبتي ليوم الدين...
انتِ عملتي علشانها كتير وهي عمرها ما قدرت واذا كان على وصية أهلها فأنتِ نفذتيها
وانا كمان نفذتها أحنا ضيعنا سنين يا امي بنحافظ على حاجة رخيصة ملهاش قيمة
وهنا لم تحتمل أن يشكك بعرضها وكيف يفعل وهي بذاتها فطنت لما حدث بينهم قبل سفره ولم تتحدث كي لا تحرجها، فكم كانت تود تأنيبه حينها ولكن السعادة التي كان عليها قبل سفره جعلتها تقنع ذاتها انها زوجته وبلأخير وأن حفل زفافهم سيكون بعد أيام:.
اخرس متقولش كده أنت متأكد من عفتها ومتقدرش تنكر اللي حصل بينكم...
رأى اللوم بعيناها جليًا ورغم عدm إنكاره إلا أن عقله كأي رجل شرقي يؤمن ب عـ.ـر.فية أفكاره ويدخ في شرايينه دmاء حارة حامية ترفض المساس بطرف ثوب من ستحمل أسمه وتربي أبناءه:
مأنكرتش ومعملتش حاجة حـ.ـر.ام بس العفة مش في الشرف بس يا أمي
طب استهدي بالله وحياة امك عندك ورحمة ابوك، بلاش، بلاش يا بني...
زئر بقوة وصرخ بهياج والشيطان يغشي على عينه ويعمى بصيرته:
بلاش أنتِ تصعبيها عليا، بدل ما أروح اقــ,تــلها واقــ,تــل الكـ.ـلـ.ـب اللي كانت مرفقاه عليا واخلص الدنيا من (***) سبيني ابعدها احسن أنا مش هقدر اتحمل اشوفها قدامي لازم تخرج من حياتنا وللأبد.
أعتصر قلبها بقبضة مؤلمة عنـ.ـد.ما هدد بقــ,تــل نادين وبقــ,تــل ذلك الكـ.ـلـ.ـب الذي ذكر أسمه ولم تعي على ذاتها إلا والأرض تميد بها ليتهدل جسدها بين يديه ويتلقفها هو ينزلق بجسده معها ويحيل دون سقوطها، ورغم وهنها إلا أنها لم تكف عن الرجاء:
أنا قلبي و.جـ.ـعني يا ابني الله يخليك، هيحصلي حاجة وتكون أنت السبب، اهدى وغلاوتي عندك وبلاش تو.جـ.ـع قلبي عليكم واللي تقولي عليه هنفذه بس بلاش تبلغ عبد الرحيم وتعـ.ـذ.ب عادل في تُربته.
اغمض عينه بقوة وكأنه يحجم شياطينه وتراجع مرغمًا دون حديث فتفهمت هي وربتت على ظهره بحنو فما كان منه غير أن يرمي رأسه بين أحضانها لتشعر هي بأهتزاز جسده وصوت بكائه المكتوم الذي إن دل على شيء فهو يدل على هول ما يشعر به من حـ.ـز.ن فدmـ.ـو.ع الرجل أكثر صدقًا من دmـ.ـو.ع الأنثى ولن تتساقط إلا لأمر جلّل وبالطبع فعلتها كانت كافية بأنشطار قلبه فمن كانت الروح لروحه احرقت قلبه بكل براعة وتعطرت برماده.
أفاقت من شرودها وهي تشعر بدmعاتها الساخنة تنسكب من عيناها تنعي حال فلذة قلبها فبعد انهياره بين يدها نهض بعيون خاوية جف الدmع بها وأصر أن ترافقه ويغادرون المنزل بل المحافظة بأسرها فما كان منها غير أن تسايره فقط على أمل إقناعه والتأثير عليه وخاصًة انه اخبرها من بين الحديث أن صديقة نادين تولت أمرها ولم تتركها ورغم قلقها العارم عليها إلا أنه لم يمنحها أي فرصة للأطمئنان بذاتها فقد حاولت وحاولت إقناعه بشتى الطرق، ولكن هو ظل على عناده وعنـ.ـد.ما يأست وعلمت بأمر مغادرة نجل المسيري للبلد أطمئن قلبها و طلبت منه أن تعود لها فلم يمانع واخبرها انه لن يعود معها فقد اخذ قراره ولا شيء سيردعه عنه، مسحت بحنان فوق خصلات نادين ثم دثرتها بالغطاء واطمئنت عليها و وتوضأت وظلت طوال الليل خاشعة لله ترجوه بقلب أم ملكوم ومتحسر على حال ابنائها طالبة من المولى عز وجلّ صلاح حالهم.
ساومها كي تبرئه من كافة حقوقها و لدهشته وافقت وأصرت بقوة على الطـ.ـلا.ق فما كان منه غير أن ينطق بها ويطـ.ـلق سراحها فحقًا كان يشعر بشعور عظيم من خيبة الأمل فمن خسر من أجلها كل شيء فرت من حياته هاربة تاركته ينعي غبائه وذلك الشيطان اللعين برأ خطيئته و دفعه دفع كي ينساق خلفها كالمغيب معصوب العينين يشبه الأضحية التي تنساق لنحرها.
فها هو يجلس وحيد ينفث سجائره بشراهة وهو يطالع ذلك الفراغ الموحش بعيون دامية و وجه شاحب و ذقن مستطالة تشابه رجل الكهف، تحيطه هالة من النـ.ـد.م والحـ.ـز.ن يرثى لها فكل ما يفعله هو التفكير والتفكير واسترجاع كل ما مر به إلى ان زال شتاته و وصل لذلك الضوء المنبثق من نهاية النفق المعتم الذي أقحم نفسه به بكل طواعية.
فكان ينعي كل شيء، خسارته في عمله والتي تتفاقم يوم عن يوم وصعب عليه ملاحقة توابع خسارته فمن كان يعتمد أن يسانده بالمال انشقت الأرض وابتلعته وكأن القدر تأمر عليه دفعة واحدة...
فحتى زوجته ورفيقة دربه خسرها وانكر فضلها من كانت لا تكل منه يوم بسبب أي ازمة أو مشكلة بل كانت تدعمه بكل الطرق وتساعده بكل طاقتها التي بالفعل استنفذها كاملة و.جـ.ـعلها بعد أن كانت تستجدي حبه واهتمامه؛ أصبحت تمقته ويصعب عليها حتى أن تنطق بأسمه وتنفر حتى أن يلمسها بيده، أما عن ابنائه فقد ادرك انه لا يملك شيء بتلك الحياة أثمن منهم فهم ثمرة عمره التي بكل أسف خرب تربتها الخصبة بيده فحقًا يشعر بالخزي من ذاته ومن أفعاله فهو يفتقدهم بشـ.ـدة وكم يريد أن يدثرهم بين احضانه حد الأكتفاء ولكن كيف وهو يشعر بالخزي من نفسه فبأي حق سيذهب لها بعد فعلته فكم كان يمنى نفسه الآن بأعادة يوم واحد من الماضي كي يشبع حنينه إليهم عنـ.ـد.ما كانوا.
يهرولون إليه حين عودته من العمل هاتفين بسعادة مهللين لمجيئه ويستقبلوه بشقاوتهم وضحكاتهم التي كان تشعره بالضجر حينها ويتحجج صارخًا كونه ينعم بالكثير من الصخب خارج المنزل ولا ينقصه ضجيجهم حينها؛ ويا ليته لم يفعل وياليته لم ينقم على نِعم الله حينها وياليته حافظ على ذلك السلام الذي كان يأتي مرافق لربيع بسمتها.
فقد أدرك اخيرًا أن هناك خسارات كبيرة الى حد لا خسارة بعدها تستحق الحـ.ـز.ن والنـ.ـد.م وهو خسرها وخسر كل شيء بعدها.
أما عنه فكان يقود سيارة الأجرة التي تعينه بجانب وظيفته بأحد الشركات على تحقيق ذلك الهدف البعيد الذي يشعر أنه كالنجم الساطع في السماء يصعب الوصول إليه مهما دأب في السعي.
فقد تنهد بضيق وهو يتذكر حديثها الأخير المفعم بالكـبـــــريـاء، فنعم هو أخطأ حين كان يود أن يتخلى عنها ولكن يقسم أن الأمر ليس بيسير عليه بالمرة ورغم أن صديقتها برئتها إلا أن أخذ الأمر منه وقت وفير كي يحاول أن يقنع به عقله ويزحزح تلك القناعات الراسخة التي تشقيه فنعم يحبها بل يعشقها وكم يود أن يكلل هذا الحب الطاهر بقلبه بالحلال فقد أدرك انها تستحق الوعد ولا داعي لكتمان مشاعره أكثر هي محقة لابد أن يكون واضح معها ومع ذاته وهو الآن يعلم ما عليه فعله ويقسم أنه لن ييأس وسيفعل من أجلها أي شيء.
أنت كويس يا شقيق وحياة ابوك ركز في الطريق
انتشله من شروده صوت غليظ ساخر يأتي من المقعد الخلفي ليزفر حانقًا ويجيبه بحده:
مركز، وأوي كمان متقلقش.
وبنظرة عابرة نحو ذلك الراكب بالمقعد الخلفي كانت كفيلة أن تجعله يتوجس منه ويفطن بفطرته كون وجهه وتلك البسمة الساخرة التي تعتلي وجهه ليست مريحة بالمرة وحتى نظراته كانت تحمل شر غريب لم يريحه لأ والانكى انه طلب منه أن يوصله لأحد الطرق الصحراوية البعيدة وبالطبع لم يرفض طلبه فهو اولاً وأخرًا يسعى لنيل رزقه ولكن لا مانع من توخي الحذر...
فقد توقف بجانب الطريق وتحجج قائلًا وهو يتدلى من السيارة دون أن يعطيه وجه للأعتراض:
العربية سخنت و عايزة تزود ميا ثوانِ وراجع.
ضيق الراكب الذي لم يكن سوى سنقر عينه بشك بينما هو بالفعل فتح شنطة السيارة واخرج منها أحد العدد الحادة التي يحتفظ بها في شنطة السيارة ثم رفع كنزته و وضعه بحزام بنطاله من الخلف كي لا يلفت النظر ثم تناول زجاجة المياه وتوجه بها الى مقدmة السيارة بعدmا فتح كبوتها وقام بأضافة القليل من المياه ثم و اغلقه وعاد يصعد للسيارة دون حديث وباشر في قيادته، تحت نظرات سنقر التي ينقط منها الغدر، طال الطريق وزاد قلق محمد مما دفعه للعديد من الأسئلة عن المكان المقصود راوغه الأخر إلى أن اعترض طريق السيارة اثنان ملثمين يحملون عصي غليظ مدبب من الأطراف بقطع حديدية حادة، وقبل أن يستوعب الأمر كان المدعو سنقر يحاوط عنقه بيد وباليد الأخرى يسلط مديته على عنقه راشق طرفها بلحمه قائلًا بفحيح إجرامي يحفه التحذير:.
وقف العربية احسنلك وانزل عندنا حساب ولازم نصفيه
تعالت وتيرة أنفاسه وهو يشعر بالخطر يداهمه ويأهب كافة حواسه بالتصدي له ولكن بحكمة فقد إنصاع إليه وتوقف بتروي دون أي مقاومة...
ابتسم الأخر بإجرام وقال ببسمة سمجة للغاية وهو يسبقه ويتدلى من السيارة:
براوة عليك يا شقيق احب الناس اللي بتسمع الكلام.
وفي حركة خاطفة من محمد سحب الآلة الحادة من حزام بنطاله ودون أن يمهله وقت للتفاجئ حتى كان يتدلى و يكيل له ضـ.ـر.به عَفية على يده التي تحمل المدية جعلته يصـ.ـر.خ متألــمًا وتسقط مديته عنه، بينما الاثنان الاخرين واحد منهم هجم عليه وحاول ضـ.ـر.به بالعصا ولكنه تفاداها بخفة و بحركة محكمة تمسك بالعصا تحت إبطه ثم قرب المسافة بينهم وباغته بضـ.ـر.بة أعلى رأسه جعلته يرتد وتنفر الدmاء منه ليستحوذ محمد على العصا الغليظ تزامنًا مع ضـ.ـر.ب الأخير لزجاج السيارة عدة ضـ.ـر.بات أدت إلى هشيمه وتناثر بقاياه بكل مكان ليسبه بصوت جهوري منفعل وينقض عليه بضـ.ـر.بة قوية في منتصف ظهره جعلته يتقوس ويتلوى من شـ.ـدة الألــم ليكيل له عدة ضـ.ـر.بات دون تهاون إلى أن سقطت العصا من يده ايضًا ليرفسها محمد بقدmه بعيدًا ويبصق عليه ثم يتوجه للمدعو سنقر الذي كان مازال يتلوى بالأرض و يمسد معصمه متسائلًا بأنفاس ثائرة وبغـــضــــب قـ.ـا.تل:.
حساب إيه اللي هتصفيه معايا يا (***) مين اللي باعتك وعايز مني ايه؟
اجابه سنقر بغـ.ـيظ وبوعيد يقطر بالشر:
اه يا ابن(***) بقى انا واحد زيك يعلم عليا وحياة الغالين لو مكنش اللي موصيني عليك اقرص ودنك بس أنا كنت دفنتك هنا
منحه محمد ضـ.ـر.بة قوية على ذراعه جعلته يصـ.ـر.خ متألــمًا وتسأل من جديد:
مين اللي باعتك يا(***) وعايز مني ايه، انطق احسنلك؟
ليجيبه سنقر بنبرة متألــمة:.
انت متوصي عليك جـ.ـا.مد علشان تحرم تبص لفوق وتعشم نفسك، اللي باعتني عايز يحذرك ويقرص ودنك علشان تبعد عنها، ونصيحة يا شقيق اسمع الكلام أنا عبد المأمور وزي ما بعتتني ليك تقدر تبعت غيري، الناس دي معندهاش رحمة فياريت تخليك عاقل وتبعد عن الشر وتغنيله.
تفهم كل شيء من حديثه فمن بعثت له بذلك الكـ.ـلـ.ـب هي انثى وبالطبع يعلم من لها مصلحة في ذلك فقد ألقى العصا من يده وبصق عليه وقبل أن يلتفت ليصعد لسيارته كان أحد الرجـ.ـال يباغته من الخلف بضـ.ـر.بة قوية على رأسه كانت كفيلة أن تجعله يفقد الوعي في حينها، بينما سنقر حانت منه بسمة متشفية مليئة بالشر وهسهس ورجـ.ـاله يساعدوه بالنهوض:
ابن (***)طلع قارح وعلم علينا
ليصيح احد رجـ.ـاله الذي تغطي الدmاء وجهه:
نخلص عليه يا معلم؟
نفى سنقر برأسه وسار لجسد محمد المسجي على الأرض ثم بكل غل ركل ذراعه التي ضـ.ـر.به بها وهو يلعنه ويسبه بفجوج ثم أجاب رجـ.ـاله:
معندناش أوامر بقــ,تــله، بس الديابة بتاعة الصحرا والكلاب المسعورة هتقوم بالواجب...
يلا يارجـ.ـا.لة احنا عملنا اللي علينا
لينصاعوا له ويغادرو بواسطة دراجاتهم النارية التي كانوا يصفوها بجانب الطريق تاركين الأخر غائب عن الوعي بحالة يرثى لها.
يا ترى كيف ستلقى مصيرك يا صاحب القناعات الراسخة هل ستنجو أم ستكون تلك هي نهايتك ونهاية قصة عشقك التي حجمتها وطمستها بداخلك و.جـ.ـعلت قناعاتك تشيد فوارق عدة تحيل بينك وبينها، مهلاً إن كنت تظن أنك وحدك من يصنع الفوارق فاهو القدر ذكرك بواحدة من الفوارق الحقيقية التي نبهتك من قبل أنها ستكون سبب هلاكك.
↚
الحياة رواية جميلة عليك قراءتها حتى النهاية, لاتتوقف أبدا عند سطر حزين, قد تكون النهاية جميلة.
أخبرتها بتلك المكالمة التي استمعت لها وقصت عليها كل ما تمكنت من سماعه ولكن ميرال لم تستوعب الأمر وقالت:
مش فاهمة حاجة يا داده!
لتكرر مُحبة:
يا ضنايا افهمي الصفرا كانت بتقوله نفذ وشكلها والله أعلم بتخطط لمصيبة.
بتكلم مين، ومصـ يـ بـةأيه!
والله ما عارفة يا بـ.ـنتي ربنا يستر ويوقعها بشر أعمالها
تنهدت ميرال بضيق تحاول أن تتوقع ما الذي ممكن أن تفعله دعاء ولكن عقلها لم يتوصل لشيء.
ليتعالى رنين هاتفها كي يأتي بالإجابة الفورية لها حين ردت متلهفة على رقم شهد واتاها صوت الصغيرة باكية:
طنط ميرال، حمود في المستشفى...
هبت من فراشها وتساءلت بخــــوف عظيم وبملامح متقلصة تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـباً:
طمطم ايه اللي حصل، اهدي لو سمحتي وفهميني طب فين شهد...
أجابتها الصغيرة ببكاء:
ماما راحت المستشفى وسابتني عند جدتي
مستشفى ايه يا طمطم مت عـ.ـر.فيش
ايوة سمعت ماما بتتكلم وبتقول مستشفى(، ).
وقبل أن تغلق الخط مع الصغيرة كانت تسحب حقيبتها ومفتاح سيارتها وتغادر بخطوات متلهفة يحفها الخــــوف والقلق بأن واحد...
تاركة مُحبة تضـ.ـر.ب كف على أخر هاتفة:
جيب العواقب سليمة يارب.
هرولت باكية بين طرقات المشفى لحين استدلت على غرفته لتندفع دافعة الباب وتخطو نحوه بلهفة الكون أجمع هامسة بأسمع بجذع:
محمد
كان هو ممد على الفراش مغمض العينين بحالة يرثى لها رأسه مضمد و محاط بالشاش و وجهه مكدوم ويده مجبرة ومُعلقة بحامل قماشي معلق برقبته.
شهقت بقوة وفرت دmعاتها حـ.ـز.نًا عليه لتحملها قدmيها لمؤخرة فراشه تطالعه عن كثب بقلب يرتجف من الخــــوف والقلق معًا، في حين دخلت شهد بعدmا كانت تستفسر من الطبيب عن حالته ومع أنه طمئنها إلا انها لم تستطيع كبح بكائها ولا أنفعالها حين وقعت عيناها عليها بجانب فراش شقيقها:
أنتِ مين اللي قالك يا ميرال؟
لم تنتبه لحده سؤالها و همست بخــــوف وعيناها لم تبرح رقدته:
إيه اللي حصل يا شهد ايه اللي عمل فيه كده؟
اجابتها شهد بملامح لا تفسر وبنبرة مازالت تحمل ذات الحدة:
جماعة ولاد حـ.ـر.ام طلعوا عليه وعدmوه العافـ.ـية ربنا ينتقم منهم ده لولآ أن سواق عربية نقل ابن حلال لقاه على الطريق وجابه على هنا كان الله أعلم هيحصله ايه؟
عملوا فيه كده ليه؟
تنهدت شهد بِضيق وقالت مندفعة دون تفكير:
بتسأليني أنا يا ميرال روحي اسألي مرات ابوكِ هي الوحيدة اللي ليها مصلحة في اللي حصل لخويا
أنت بتقولي ايه، دعاء!
ايوة دعاء.
الهانم جاتلي وهددتني من فترة انه يبعد عنك بس انا مجبتلهوش سيرة وقولت أنها جبانة وبتقول أي كلام والسلام بس يظهر انها حطت اخويا في دmاغها واحنا غلابة ملناش في الشر يا ميرال
وطول عمرنا عايشين في حالنا جنب الحيط
زاغت نظراتها الباكية وتلعثمت قائلة:
قصدك ايه يا شهد؟
أنا عارفة انك بتحبيه بس انا معنديش في الدنيا اغلى منه هو ابويا واخويا و مليش ضهر وسند غيره بعد ربنا وهو اللي طلعت بيه من الدنيا انا وبـ.ـنتي ولو كان لقدر الله حصله حاجة كنت مـ.ـو.تت بعديه
في ايه يا بركة بتفولي عليا كمان...
قالها هو بوهن بعدmا استمع لمعظم حديثهم، لتتلهف كل منهم إليه وتحاول أن تساعده ليتأوه هو بقوة ويحتل الألــم معالم وجهه وهو يعتدل بجسده، لتصيح شهد بحـ.ـز.ن وهي تضع وسادة خلف ظهره:.
ألف سلامة عليكِ يا قلب أختك إن شاء الله أنا وأنت لأ
حانت منه بسمة باهتة تحمل قدر من الوهن والألــم معًا وأجابها:
بعد الشر عليكِ يا شهد أنا كويس متقلقيش لسة ليا عمر
منهم لله يا اخويا كان مستخبيلك فين كل ده ربنا ينتقم من اللي كان السبب..
نظرة معاتبة من عيناه كانت كفيلة أن تجعلها تبتلع باقي حديثها وتضع يدها على فمها تستوعب زلفة لسانها التي كان نتيجتها أن ميرال والتهم ظهرها وانفجرت بالبكاء لتغمغم شهد بنـ.ـد.م:.
انا مكنش قصدي...
خلاص يا شهد
قالها هو برزانة جعلتها تنكس رأسها بخزي فقلقها على شقيقها وخــــوفها من خسارته جعلها تتحامل بالحديث على تلك المسكينة التي لا ذنب لها.
أرسل محمد نظرة ذات مغزى لها جعلتها تتفهم ماذا يعني لتنظر لظهرها نظرة نادmة ثم تغادر الغرفة بينما هو أنتظر حتى اغلقت الباب خلفها ثم همس بأسم تلك التي لم تكف عن البكاء:
ميرال
لم تجيبه بل كان يتعالى نحيبها لذلك كرر اسمها مرة أخرى برجاء واهن:.
ميرال كفاية عـ.ـيا.ط
لم تجيبه ايضًا ليشاكسها بوهن وبصوت متعب وهو يغمض عينه بقوة ويتحامل على الألــم الناتج من جـ.ـر.ح رأسه الذي تم تقطيبه ويكاد يفتك به من شـ.ـدته:
خلاص بقى يا حلو أنا مبحبش النكد قولتلك كويس تحبي اقوم واوريكي
هنا استدارت متلهفة له بخــــوف:
لأ علشان خاطري انت لسه تعبان
حانت منه بسمة واهنة وهو يلحظ بوضوح لهفتها وخــــوفها الذي يقطر من عيناها ثم أشار بيده السليمة لها هامسًا:
قربي...
لم ترد مطلبه واقتربت من فراشه وهي تلملم خصلاتها خلف اذنها بتـ.ـو.تر ليحثها بعينه أن تجلس في مواجهته على طرف الفراش فما كان منها غير أن تنصاع له، ليتساءل بعدmا أجلى صوته وتأملها لبرهة:
خــــوفتي عليا؟
هزت رأسها بنعم ليستأنف وهو يتجرأ و يمرر أبهامه على وجنتها يزيح دmعاتها بطريقة لم تعتادها منه وقد ارجفت اوصالها:
طب كفاية عـ.ـيا.ط انا كويس
اضطربت أنفاسها حين أفصحت عن شعورها بالذنب:
كل ده حصلك بسببي؟
شهد قالتلي أن دعاء اللي عملت كده
تنهد ورد برازانته المعهودة:
ملكيش دعوة باستنتاجات شهد وبعدين مش عايزك تزعلي منها أنتِ عارفة انها بتحبك هي بس مخضوضة عليا
أجابته بتلقائية دون لحظة تفكير واحدة:
شهد زي اختي الكبيرة وأنا مقدرش أزعل منها بالعكس أنا عذراها، وبعدين كلامها مظبوط اكيد دعاء هي اللي عملت كده
جعد حاجبيه وسألها بتوجس:
ليه متأكدة كده؟
لتخبره هي بعدmا لملمت بعقلها كافة الأحداث وفطنت لمكيدة تلك الصفراء:
كلام شهد عن تهديدها ليها وكمان داده مُحبة سمعتها بتتكلم في التليفون مع واحد وبتقوله نفذ
تنهد بقوة بعدmا فطن أن شكوكه نحو زوجة أبيها بمحلها وهمس بيقين:
أنا كمان شكيت فيها أصل واحد منهم هددني ابعد عنك...
وهتبعد يا حمود مش كده؟
قالتها بعدmا سَكن بكاءها وظلت تتمعن بملامح وجهه المتعبة وانتظرت طويلًا لكي تحصل على رد منه فكانت نظراته غريبة لم تتفهم منها شيء لذلك هبت من الفراش قائلة بنبرة تحمل الكـبـــــريـاء بين طياتها:
كل ده تفكير!
على العموم أنت اصلا مكنتش قريب وانا اسفة لو اللي حصل ده حصل بسببي وحقك هيرجع انا مش هسكت هفضحها واقول لبابي واكيد هو هيتصرف.
تنهد بقوة وبندقيتاه لا تحيد عنها لتخبره هي بعزة نفس وهي تمرر يدها على وجهها تجفف بقايا دmعاتها:
أنا يظهر فرضت نفسي عليك كتير و ورطتك في حاجات أنت ملكش فيها وعلشان كده أنا عذراك وبشيل عنك الحرج...
و اوعدك بعد ما اطمن عليك مش هتشوف وشي ولا هورطتك معايا تاني
وهنا لم يحتمل وقال بصوت أجش يغلفه الكثير من المشاعر:
أنتِ عندك حق حبك هو اكبر ورطة اتورطت فيها
جعدت حاجبيها ونظرت له بتشتت حين أضاف بثقة:.
أنا مش جبان يا ميرال واعرف أرجع حقي بنفسي، وبعدين محدش بيهرب من قدره وعلشان كده مش هخلي واحدة زي دي تبعدني عنك وتحبط أحلامي، واللي حصل ده خلاني اتمسك بيكِ اكتر واتأكد انك مينفعش تبقي لوحدك...
لا هي تحلم اكيد، أذلك هو صاحب القناعات الراسخة الذي أنهكها بتبلده أحقًا يخبرها الآن بمشاعره دون أن تستجديه هي، أيعقل ذلك
أنت بتتكلم بجد يظهر الضـ.ـر.بة اللي اخدتها على دmاغك أثرت عليك.
قالتها بشـ.ـدوه تام وبملامح جعلته يبتسم ويؤكد لها:
لأ متخافيش أنا بكامل قوايا العقلية والضـ.ـر.بة مأثرتش ولا حاجة، ليهيم بها بنظرات حالمة ويضيف بصدق وبمشاعر تخلى عن تحجيمها و اطلق سراحها لترفرف تنعمها بالسلام:.
أنا اكتشفت إني مش عايز من الدنيا حاجة غير أنك تبقي حلالي يا ميرال واوعدك عمر ما في حاجة هتعرف تبعدني عنك أنتِ كان معاكِ حق أنا عمري ما كنت صريح معاكِ او مع نفسي بس دلوقتي أنا متأكد أنا عايز إيه، ليتنهد ويضيف:
عارفة الأول قلبي هو اللي كان بيصر عليكِ لوحده لكن دلوقتي قلبي وعقلي اتصالحوا بيكِ.
ليدعوها من جديد أن تقترب وما أن فعلت ألتقط يدها يدثرها بين يديه تحت صدmتها وتدرج وجهها الذي توهج أكثر حين همس بمشاعر جياشة صادقة للغاية:
بحبك يا حلو
اتسعت بسمتها شيء فشيء و شعرت أن قدmيها تخور بها لذلك جلست من جديد مواجه له وهي لا تصدق أنها حصلت على تلك الكلمة منه، فكان قلبها يتراقص بداخل ضلوعها من شـ.ـدة سعادتها وحتى وتيرة انفاسها تسارعت لتفضح حرجها و ارتباكها ليستأنف بغمزة مشاكسة من عينه:.
مفيش وأنا كمان ولا ايه؟
تهـ.ـر.بت بنظراتها وهمست وهي تلملم خصلاتها بإرتباك:
وأنا كمان...
لم يرضيه قولها لذلك رد متذمرًا بنبرة مشاكسة رغم التعب الذي يشعر به ولكنه كان يتحامل على ذاته كي لا يشعرها بالذنب:
لأ انا اتضحك عليا واتكروت والله ده ظلم أنا واحد متفشفش ومن حقي ادلع واسمع كلام حلو
أغمضت عيناها وتمسكت بموضع خافقها الذي يرقص بجنون بين جنباتها وهمست كي تسمعه ما يود سماعه:
أنا كمان بحبك يا حمود...
تنهد تنهيدة مُسهدة وحانت منه بسمة حالمة، ثم تناول نفس طويل من الهواء محمل برائحتها المسكرة التي داعبت كافة حواسه وأججت مشاعره وكم تمنى لو كان يجوز له أن يدثرها بين احضانه لتطيب ألامه دون عوائق تحجم جموحه ورغباته وكم تمنى ايضًا أن يغدقها بالكثير والكثير من الحديث المعسول الذي يحتفظ به من أجلها ولكن بكل أسف لم يحن الوقت بعد ليستغفر الله بسره كي يجمح تلك الأفكار العابثة و يقسم انه لن يماطل أكثر فلم يعد قلبه يحتمل:.
أول ما ابوكي يرجع من السفر هتقدmلك رسمي بس ياريت تفهميه ظروفي قبلها
أومأت له ببسمة واسعة و بحركة قوية من رأسها جعلت بسمة متسلية تنمو على ثغره ويستأنف وهو يغرق ذاته في بحر عيناها عن قصد لأول مرة:
شوفتي بقى اللي كنت عامل حسابه حصل وعرفتي تدبسيني بشياكة
نكزته فوق جبيرته دون قصد من شـ.ـدة ارتباكها ليتأوه هو متألــمًا:
اه ه ه ه ه حـ.ـر.ام عليكِ انتِ بتهزري هزار بوابين زي شهد.
وضعت يدها على فمها واعتذرت وهي على وشك البكاء:
وحياة ربنا مش قصدي، مش قصدي، حقك عليا
قالتها بلهفة وبخــــوف حقيقي جعله رغم الألــم الذي يشعر به إلا أنه قهقه بقوة تزامنًا مع دخول شهد وقولها:
يارب تدوم ضحكتك يا قلب أختك
تعالي يا شهد شوفي اخرت قعدتك معاها بقى هزارها غشيم شبهك بالظبط
هزت شهد رأسها بفخر وقالت:
طب إحمد ربنا بقى مش حرمينك من حاجة
لتقترب من ميرال بحرج وتهمس معتذرة وهي تضمها لها بمودة ومحبة خالصة:.
حقك عليا والنعمة ما كنت اقصد، ده انا بحبك يا بت وربنا يعلم...
وانا كمان بحبك يا شهد ومقدرش ازعل منك
شاكسهم هو من رقدته:
والله أنا خايف بعد كده تتفقوا عليا
لتعقب شهد :
هو احنا نقدر ده أنت حبيبنا يا حمود
مش كده يا ميرال؟
هزت رأسها بقوة تؤكد حديثها وهي تشعر أن قلبها يتراقص بين ضلوعها من شـ.ـدة سعادتها لتدعو الله بسرها أن تكتمل سعادتها بقربه للأبد وتنعم بدفء تلك الأسرة الصغيرة التي عوضها الله بها.
بينما على صعيد آخر بأحد البلدان الأوروبية التي يلفحها الصقيع.
كان يتمايل مع الموسيقى الغربية الصاخبة بداخل ذلك الملهى الليلي الذي يرتاد عليه منذ أن أجبره ابيه أن يسافر للعيش مع والدته في ذلك البلد الأوربي المنفتح بشـ.ـدة دون ثوابت أخلاقية أو قيم وعادات راضخة وكم شعر بلأمتنان له فهو منحه دون قصد حرية مطلقة كي يفعل أي شيء دون حساب او رقابة فكان يفعل كل ما يحلو له وحتى من كان يدعي حبه لها وخرب حياتها قد تناساها تمامًا وسط كل تلك المغريات التي كان ينعم بها.
مالت عليه تلك الشقراء هامسة بأذنه بشيء جعل بسمته تتسع وأومأ لها بالموافقة لتسحبه من يده لأحد الغرف العلوية للمكان التي تمتع زائريها بالخصوصية بتلك الإضاءة الخافتة والديكور الموحي بالإثارة بلونه الأحمر الناري الذي جعله فور دلوفه ينتشي ويحاول التودد من الشقراء ولكنها تمنعت و طلبت منه بلغة انجليزية:
المال اولًا مقابل المتعه.
حانت من طارق بسمة متغطرسة وهو يخرج حفنة كبيرة من المال من جيب بنطاله ويعطيها لها قائلًا بنفس لغتها:
حسنًا لا أمانع ولكن أَأمل أن أحظى بشي مميز لأمتاعي
ابتسمت هي واخبرته بمهنية شـ.ـديدة:
ستنال كل ما تريد ولكن امنحني دقيقتين لا أكثر.
وافق هو بغمزه من عينه لتترككه وتدلف للمرحاض المرفق للغرفة بينما هو جلس على طرف الفراش الدائري واخرج من جيبه كيس صغير يحوي على تلك السموم البيضاء التي أصبح يدmنها في الآونة الأخيرة، فقد سكب كمـ.ـيـ.ـته المعتادة على سطح تلك الطاولة الصغيرة الموضوع عليها زجاجات الشراب و أخذ يشكلها على هيئة صفوف متوازية بواسطة أحد الكروت وفي غفلة تدخل شيطانه واقنعه أن الكمية التي سكبها لم تعد مرضية لإلحاح جسده ولم تعطي مفعول مرضي له وكونه يأمل في ليلة جامحة سكب المزيد والمزيد منها ثم استنشقها جميعها دفعة واحدة.
ليشعر بعدها بإنتشاء غير عادي وحين خرجت تلك الشقراء له حانت منه بسمة جانبية وهو يراها ترتدي زي يتكون من قطعتين من الجلد الأسود مخصص لعملها لتغمز له وتبدأ في استعراض جسدها أمامه وتؤشر له أن يقترب وإن كاد ينهض ليلبي دعوتها تشوشت رؤيته وشعر بأن نيران مستعرة تنشب بجسده لدرجه أنه تعرق بشـ.ـدة وخبت انفاسه وهو يشعر بالاختناق ليحل ازرار قميصه وكانه يستجدي الهواء وينتابه ألــم قوي بصدره جعل قواه تخور و يسقط على ركبتيه يقاوم الألــم ولكنه كان غير محتمل لدرجة أن تشنج جسده بقوة جعل الفتاة التي برفقته تهلع من حالته وتصرخ مستنجدة جالبة بصراخها حشـ.ـد من رواد المكان والعاملين به الذين هرولوا إليه يحاولون إسعافه ولكن بلا جدوى فقد أخذ جسده ينتفض وتحول لون وجهه بغضون ثوانٍ للزراق القاتم ثم مع خروج تلك الرغوة البيضاء من فمه لفظ أخر أنفاسه أثر تسمم جسده بجرعة زائدة من تلك السموم البيضاء التي يظنوها الشباب حرية مطلقة ويتوهمون أنها تجلب لهم نشوة لا مثيل لها، ولكن لا لوم عليهم فتلك الحرية التي يمنحها الأهل بحجة إرضاء أبنائهم ما هي إلا خطيئة مبررة يتوارى خلفها أهمال وتفكك اجتماعي تسبب في هلاك ابنائهم دون قصد.
أنا سبق وقولتلك قبل كده ملكيش دعوة بيا وبحياتي
قالتها بغـ.ـيظ وهي تقتحم غرفة دعاء دون أن تطرق بابها مما جعل الأخرى تنهض متفاجأة:
في ايه انتِ اتجننت؟
حانت من ميرال بسمة هازئة وردت:
لأ انا عقلت وعرفتك على حقيقتك ونصيحة مني خافي على نفسك علشان التحقيقات شغالة وقريب اوي هيجيبوا المجرمين اللي عملوا كده واكيد هيعترفوا عليكِ
زاغت نظراتها لوهلة ثم أجابتها وهي تربع يدها تدعي الجهل:.
أيه الهبل ده تحقيقات ايه ومجرمين مين اللي بتتكلمي عنهم انا مش فاهمة حاجة
لأ فاهمة وكويس اوي، لو كنتِ فاكرة أن عملتك السوده دي هتعدي كده تبقي غلطانه أنا هفضحك وهقول لبابي أول ما يرجع من السفر
ظلت متمسكة بثباتها قائلة:
أنا مش فاهمة ايه التخريف ده! ولا عارفة تقصدي ايه؟
لأ فاهمة و كفاية كدب علشان محدش ليه مصلحة في اللي حصل ل محمد غيرك واللي عمل كده هدده يبعد عني
هنا زفرت وتهكمت وهي تربع يدها أعلى صدرها:.
وحتى لو افترضنا أن أنا اللي عملت كده تفتكري الجربوع ده يستاهل كل الحمقة دي...
صرخت ميرال مدافعة:
محمد مش جربوع، ومش من حقك تقللي منه، وأنا مش هسكت يا دعاء...
قهقهت دعاء وقالت باستفزاز:
اعلى ما في خيلك أركبيه ولو ت عـ.ـر.في تثبتي حاجة اثبتيها وبعدين عمالة تقولي بابي هقول لبابي، تفتكري فاضل هيصدقك وحتى لو صدقك ساعتها كلامي قصاد كلامك واظن أنتِ عارفة النتيجة كويس
أنتِ ايه البجاحة بتاعتك دي!
دي مش بجاحة دي ثقة ابوكِ زي الخاتم في صباعي وأي حاجة هقولها ليه هيصدقها فمش من مصلحتك تتكلمي، وتفتحي باب من أبواب جهنم على نفسك الولد ده تبعدي عنه احسن ده لو خايفة عليه
يعني توقعي بمحله وانتِ اللي عملتي كده.
اجابتها بكل تبجح دون ان تعير أي اهمية لشيء سوى أطماعها المتوارية:
ايوة انا و لسه هعمل كتير علشان مسبش واحد جربوع زي ده يضحك عليكِ ويعلقك بيه وهو طمعان فيكِ.
محمد مش كده، هو بيحبني وعمره ما طمع فيا بأي شكل، ده بيخاف عليا من نفسه
حانت منها بسمة هازئة وقالت منفعلة وهي تتمسك بذراعيها تهزها:
أنتِ اكيد غـ.ـبـ.ـية، متخليش عواطفك تتحكم فيكِ وفكري بعقلك، لازم ت عـ.ـر.في أن في فوارق بينكم مستحيل تتخطوها
ميهمنيش حاجة غير إني ابقى معاه...
جزت دعاء على نواجذها وهدرت بنفاذ صبر وبنبرة جارحة تقطر بالحقد:.
أنتِ مش هتجبيه من برة أمك كانت جبروت ومُنحلة زيك ومهمهاش حاجة لما سابت ابوكِ ورمتك وجرت ورا قلبها
استفزها حديثها بقوة وخاصة عنـ.ـد.ما ذكرت والدتها لذلك لم تعي لذاتها إلا وهي تنفض ذراعيها من قبضتها ودون أي مقدmـ.ـا.ت أخرى كانت ترفع يدها عاليًا وتهوي بها على وجه دعاء مانحة إياها صفعة قوية جعلتها تصرخ بألــم و تتراجع خطوتين للخلف تتمسك بوجنتها بملامح مشـ.ـدوهة غير مستوعبة ما بدر منها بحقها.
لتهدر ميرال في شراسة بعدها وهي تشهر سبابتها بتحذير بوجهها:
حذرتك قبل كده وقولتلك إياكِ تجيبي سيرة أمي أو تدخلي في حياتي ومع ذلك مُصرة، وأنا مش هسمحلك بعد كده بأي تجاوز وأول ما يرجع بابي انا هحكيله على كل حاجة واكيد هو ليه تصرف تاني معاكِ.
ذلك آخر ما تفوهت به تاركة دعاء مشـ.ـدوهة من فعلتها وتتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد ولكن بعد عودة أبيها وكونها تثق تمامًا بتأثيرها عليه ستريها لصالح من سيكون التصرف الرادع للأخر.
بينما عن ذلك الساخط الذي جار عليه الدهر وتكاثرت عليه نوائبه كان يكاد يمـ.ـو.ت من شـ.ـدة شوقه لأبنائه ولها ولكن بالطبع بعد خسارته الفادحة لهم ونتاج لأفعاله المخزية الذي نـ.ـد.م عليها الأن كان يشعر بالخزي من ذاته ولم يمتلك الشجاعة كي يذهب لرؤيتهم ويطلب منهم الصفح فبأي عين كان سيفعل بعد ان خرب كل شيء!
لذلك كان يكتفي بوقوفه متواري امام المنزل الذي يقبعون به كي يلمح اطفاله وقت عودتهم من مدرستهم وهاهو يطالعهم من بعيد بعيون غائرة تنضح بالنـ.ـد.م والأشتياق وهم يتدلوا من عربة المدرسة وتستقبلهم مربيتهم وتدلف بهم لداخل البناية فقد ظلت عيناه الدامعة معلقة بهم وقلبه يرفرف لرؤيتهم وكم كان يود لو أن يهرول لهم و يدثرهم بين احضانه لعله يطهر ذاته من خطاياه ويتخلص من ذلك الشعور المخزي بالنـ.ـد.م الذي يؤرقه ويجعل حياته بائسة ممـ.ـيـ.ـتة دونهم، فياليته يستطيع اعادة الزمن للوراء ليصلح كل شيء، ولكن بكل أسف أدرك ان لا نفع من النـ.ـد.م بعد فوات الآوان.
عاد جثمانه بصندوق لأرض الوطن فقد صمم أبيه أن يدفن بأرضه وهاهو يقف منكس الرأس يبكي حـ.ـز.نًا وقهرًا على حياة ابنه الوحيد وكم تمني لو عاد به الزمن للوراء لكي يتقرب منه اكثر فهو يعترف أن عمله كان له الأولوية الاولى بحياته فكل ما كان يشغله هو الحفاظ على منصبه وجهوده في خدmة البلد وتناسى تمامًا أن يتوجب عليه المحافظة على أشياء أخرى ومنها اسرته المفككة التي راح ضحيتها طارق.
فحتى حين أخطأ ولده كل ما كان يشغله هو أن يلاحق الأمر ويتستر عليه دون فضائح تمس بسمعته لذلك كان يتعامل بحكمة شـ.ـديدة في السيطرة على الأمر
فهو سعى بكل كد إلى أن يخرج ولده من البلد حتى أنه هاتف يامن بذاته واخبره انه وفى بوعده، حتى أنه تحمل ذلك السباب والحديث المحتد منه في سبيل أن يضمن عدm تصعيده للأمر والتكتم عليه فكان يظن أنه بفعلته تلك يلملم الأمر. ولكن دائمًا يكون للقدر رأي أخر فما كان يخشاه حدث.
فخبر مـ.ـو.ت ولده والمُلبسات الغير مشرفة تسربت عبر وسائط التواصل الأجتماعي وكانت تأثيرها عليه بمثابة صاعقة من السماء اصابته بمقــ,تــل فقد استغلت الصحف الصفراء الأمر وزايدت عليه لتزعزع ثبات منصبه.
لتصبح نكبته في ولده وسمة عار في حياته للأبد.
مر اسبوعين ولا جديد وها هم يتناوبوا النظرات بينهم بيأس وهم يروها تجلس بينهم.
شاردة لا تعير محاولاتهم الشتى في الترويح عنها أي اهمية بل كانت هائمة بعيد بأفكارها تفكر وتفكر والكثير من التساؤلات تدور برأسها واجابتها كانت واحدة أن وعوده كانت واهية وحديثه المعسول الذي لطالما اغدقها به ليس له أساس من الصحة فمازالت تتذكر ذلك اليوم الذي قال لها( عارفة لما ببعد عنك شوية بعد الدقايق واتمنى محسبش الوقت ده من عمري، انا مش بحس براحة غير وأنتِ جنبي، قلبي بيبقى عايز يطمن بيكِ).
إذا لمَ تركتني إن كنت صادق و كيف بربك نقضت وعدك! ألــم تخبرني دومًا أنك نقطة ثابتة بأرضي إذاً أخبرني لمَ رحلت وتركت الدmار والقحط يحل بها من بعدك.
فرت دmعة حارة من عيناها و
قرصت على شفاهها بقوة وأغمضت عيناها تحفز ذاتها على الصمود كي لا تخوض في نوبة انهيار جديدة لتضم سترته الجلدية التي لا تفارقها منذ غيابه وتنهض قائلة بنبرة مرتعشة:
أنا هتمشى في الجنينة شوية
أجي معاكِ يا نادين.
صاحت بها ميرال بأهتمام بالغ وهي تنهض، ولكنها عارضت:
لأ خليكِ انا عايزة ابقى لوحدي شوية
جذبت نغم يد ميرال ودعمت رغبة نادين:
سبيها براحتها يا ميرال
أومأت ميرال وجلست لتقول ثريا حين ابتعدت نادين بضع خطوات عنهم:
قلبي بيتقطع عليها يا بنات ومش عارفة اعملها ايه؟
لتقول نغم بحـ.ـز.ن وهي تتناوب نظراتها بينهم:
احنا مش لازم نقف نتفرج عليها كده ولازم نعمل حاجة؟
اجابتها ميرال بحيرة:.
هنعمل ايه يا نغم؟ إذا كان لغاية دلوقتي منعرفش مكانه ولا عارفين نوصله!
لترد ثريا بأسى على حال أبنائها:
ربنا يسامحك يا ابني، البـ.ـنت من ساعة اللي حصل وهي يا عين امها علطول سرحانة وبتعيط وبتدبل يوم عن يوم وياريت بإيدي حاجة
تساءلت نغم:
يعني معقول ياطنط مت عـ.ـر.فيش
مكانه، طب لما خدك ومشى روحتوا فين؟
اجابتها ثريا بصدق:
روحنا شقته اللي في اسكندرية بس هو كان ناوي يسيب البلد خالص وكان اخد جوازات السفر...
هنا اقترحت ميرال:
خلاص انا بكرة او بعده بالكتير هاخد محمد ونروح ندور عليه هناك
تنهدت نغم وقالت بعدm رضا:
يا بـ.ـنتي بطلي سرمحة بقى انت و محمد بتاعك ده، احنا هنشوف أي حد يروح
عادي يا نغم هو مش هيعارض..
تنهدت نغم ونصحتها بعقلانية:
مش فكرة هيعارض ولا لأ أنتِ مفروض تعززي نفسك وتعملي اعتبـ.ـار لغياب ابوكِ وثقته فيكِ وبعدين محمد ده لو بيحبك هيحافظ عليكِ وهيعمل علشانك المستحيل.
بس انا مش بعمل حاجة غلط، و محمد فعلًا بيحبني وأمين عليا وهو وعدني أول ما بابي يرجع من السفر هيطلبني منه بس انا مرعوبة بابي يرفض ويتحجج أنه مش نفس المستوى الأجتماعي بتاعنا
تنهدت نغم واجابتها بعقلانية شـ.ـديدة:.
ايه المشكلة في فقره ده النبيٌ عليه الصّلاةُ والسّلام جوز بـ.ـنته فاطمة الزهراء لعليّ بن أبي طالب رضيّ الله عنهُما بالرغم من فقره، ابوكِ لازم يغير نظرته الدونية دي ويحسبها بشكل مختلف ده لو فعلًا زي ما بتقولي محمد ابن حلال ومبيضحكش عليكِ
أنا بثق فيه اكتر من نفسي يا نغم ومتأكدة انه مش هيخذلني ابدًا
وهنا تدخلت ثريا داعية بود:
ربنا يريح قلبك يا بـ.ـنتي ويجعله ابن حلال...
أمنوا على دعوتها ثم تساءلت نغم :.
دلوقتي نرجع لموضوعنا هنعمل ايه؟
اقترحت ثريا:
انا هشوف حد من اللي شاغلين في مطعمه يكون أمين يسافر اسكندرية ويدور عليه في الأماكن اللي ممكن يكون فيها ويارب يلاقيه
تخــــوفت نغم:
وافرضي ملقهوش، تفتكري ممكن يكون سافر فعلًا يا طنط؟
العلم عند الله يا بـ.ـنتي؟
قالتها ثريا بحيرة وبعيون غائمة حـ.ـز.نًا عليهم، لتقترح نغم:.
إن شاء الله خير بس حتى لو لقيناه لازم نفكر بطريقة مضمونة علشان نأثر عليه ونعرفه الحقيقة ولازم يكون معانا اثباتات تخليه يصدقنا...
لترد ميرال بإحباط:
اثباتات ايه ودي هنجيبها منين؟
معرفش فكري معايا يا أم العُريف وبلاش تحبطيني؟
زفرت ميرال بضيق وظلت تفكر وتفكر إلى أن تذكرت شيء كان غائب عنها تمامًا:
الجراچ...
عقدت نغم حاجبيها بينما تأهبت ثريا بنظراتها حين استأنفت ميرال:.
الجراچ، اليوم ده اللي طارق حاول يخـ.ـنـ.ـقها واتعاركت معاه وانا شوفت ده بعيني
لتشكك نغم:
لو قولتيله مش هيصدقك؟
لتؤكد ميرال بِفطنة:
بس لو جبنا تسجيل الكاميرات بتاعة الجراچ اليوم ده اكيد هيصدق وهيصدق كل اللي هنقوله عليه بعديها...
تهللت أسارير نغم ومدحتها:
صح، أنتِ صح، بت يا ميرال رغم انك مسهوكة بس انا حبيتك..
ابتسمت ميرال بود بينما دعت ثريا:.
يارب يا ولاد تقدروا تعملوا حاجة وترجعوهم لبعض والله انا من يوم اللي حصل وانا قلبي بيتقطع عليهم ويلي ويلين بـ.ـنتي اللي منهارة و بتدبل قدامي ومش عارفة اعملها حاجة وابني اللي بعيد عني وهمـ.ـو.ت من قلقي عليه
نهضت ميرال واحتضنتها من جلستها قائلة وهي تطبع قبلة على قمة رأسها:
إن شاء الله خير ادعيلهم يا ماما ثريا. تمسكت ثريا بيدها وربتت عليها قائلة:
ربنا يصلح حالهم يا بـ.ـنتي
مررت نغم يدها على ذراع ثريا وطلبت بعشم:.
ايوة ادعيلهم يا طنط وادعيلنا احنا كمان والله احنا غلابة
ربنا يريح قلوبكم يا بـ.ـنتي ويحققلكم كل اللي بتتمنوه
تنهدت ميرال وقالت بحالمية وهي تتذكر صاحب البندقيتان:
يارب يا ماما ثريا يارب
باغتتها نغم بعدm رضا بعدmا تفهمت ما يدور برأسها:
يالهوي على سهوكة البنات!
سهوكة ايه يا نغم ده حب هو انتِ محبتيش قبل كده!
اجابتها نغم بثوابت راسخة بعقلها:
حب لا ياختي بعيد الشر.
انا واحدة مش بأَمن بالحب ولا الكلام الفارغ ده غير بعد الجواز، علشان الحب في الحلال اجمل واصدق بيجي مع العِشرة بعد ما قناع البدايات ما بيقع وبيظهر كل واحد على طبيعته من غير تكلف.
اعتلى حاجب ميرال وهي تجاورها من جديد متسائلة:
وجهة نظرك غريبة، بس السؤال هنا أزاي هتتجوزي واحد وانتِ مت عـ.ـر.فيهوش ولا ت عـ.ـر.في أي حاجة من طباعه؟
تنهدت نغم واجابتها بعقلانية:.
ربنا بيوفق وبعدين الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”
طالما هيكون ملتزم ومحترم وهيعني على الطاعات و بيتقي الله ويكون بينا قبول يبقى ايه لازمة إني اغـــضــــب ربنا قبل الجواز
بس الحب هو شرط الجواز الناجح
اجابتها بِفطنة:.
لأ مش شرط و بنستشهد بقول الله عز و جل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
الكلام هنا كان عن المودة والرحمة مش المحبة، وزي ما بيقوله أن المودة باب المحبة يعني الحب بيجي بعديها مش قبليها
يبقى ليه نغـــضــــب ربنا ونوقع نفسنا في المحظور.
زاغت نظرات ميرال فهناك أشياء عدة هي بالفعل غافلة عنها ومقصرة بها، وهنا تذكرته وتذكرت تحفظه الدائم معها وتيقنت أنه كان يدخر مشاعره لذلك السبب و كان يخشى عليها من نفسه وكم قدرت جهاده مع ذاته وتذكرت جملته التي أكدت مبرراته ( مش عايز من الدنيا حاجة غير أنك تبقي حلالي )
حانت منها بسمة حالمة وتنهدت على ذكراه لتنكزها نغم بكتفها:
ما تتلمي بقى وبطلي سهوكة دي القلوب هتطلع من عينك.
انت فصيلة على فكرة وانا غلطانة إني اتكلمت معاكِ
زاد مناقرتهم لتطالعهم ثريا ببسمة ودودة وتدعو لكل منهم بدعوة تليق بها ليفزعهم صرخة ممزقة من نادين جعلتهم يهرولون متبعين الصوت إلى أن وصلوا لمرأب البيت و وجدوها تفترش الأرض خلف سيارته التي يبدو انها فتحت شنطتها و وجدت بها تلك العُلبة الكبيرة التي كانت تحوي فستان زفافها الذي احضره ليفاجئها بتلك الليلة المشؤومة.
صاحوا جميعًا بأسمها عنـ.ـد.ما صرخت هي من جديد بحرقة وقهر لا مثيل له وهي تحتضن الثوب الأبيض ولطخته بدmـ.ـو.عها التي رفضت الصمود أكثر:
كان جيبلي فستان فرح، كان عايز يفاجئني يا ماما ثريا، راح وسبني ليه طيب...!أنا بمـ.ـو.ت من غيره، هو عمل فيا ليه كده، أنا أزاي هونت عليه!
انا عايزة ابقى عروسة يا ماما ثريا، عايزة ألبس فستاني عايزاه جنبي يا ميرال قوليله يرجع، فهميه يا نغم احكيله انا مريت بأيه وخليه يعذرني وهو لو فعلًا بيحبني هيسامحني، قولوله يرجع قولوله نادين بتمـ.ـو.ت من غيرك، ومحتجاك وانها لوحدها وملهاش في الدنيا سند غيرك، قولوله أي عقـ.ـا.ب أنا موافقة عليه بس ميبعدش عني، أنا قلبي و.جـ.ـعني، و.جـ.ـعني أوي يارتني مـ.ـو.ت قبل كل ده ما يحصل، يارتني مـ.ـو.ت وريحتكم كلكم مني...
كانت تتحدث بهستيرية وبجسد متشنج من شـ.ـدة النحيب ومع كلمة تتفوه بها يسبقها نهر متدفق من دmـ.ـو.عها الحارقة التي تفضح أنين قلبها لتفترش ثريا الأرض بجانبها وتحتضنها وهي توأذرها بدmعاتها بينما طمئنتها نغم قائلة وهي تجثو على ركبتيها أمامها وتكوب وجهها تقويها بقولها:
هيرجع، اللي بيحب لا يمكن يكره وهو اكيد هيرجع وهو اللي هيدور على الحقيقة بنفسه اهدي علشان خاطرنا أحنا بنحبك يا نادين وكلنا جنبك ومش هنسيبك.
هزت ميرال رأسها بقوة تؤكد على حديث نغم من وقفتها بأحد الأركان فلم تستطيع الاقتراب مثلهم بعدmا شَهدت على انهيار صديقتها ولم تتحكم في دmعاتها الجارية التي تساقطت قهرًا لحـ.ـز.ن صديقتها.
بينما ثريا ظلت تشـ.ـدد عليها بين احضانها تهدئها وتدعوا الله بسرها أن يرأف بها وبأنين قلبها وينير بصيرة ولدها.
مر العديد من الأيام عليها التي جعلتها اكثر ثقة بذاتها وحفزت حماسها وطموحها من جديد وهاهي تجلس منهمكة بعملها على الحاسوب حين دلفت سارة لمكتبها مستنجدة
رهف ألحقيني
قالتها بتأزم جعل رهف تتساءل بقلق:
في ايه يا سارة؟
أجابتها وهي تجلس مواجه لها:
في عميل كان طالب تجهيز مكان وبصراحة بقاله أزيد من تلات شهور بأجل فيه وكل ما حد يروح يعاين المكان يرفض يشتغل فيه
ليه مش فاهمة رفضوا يشتغلوا؟
تساءلت مستغربة لتجيبها سارة بعمليه:
مش ده المهم، تأهبت رهف بنظراتها لتستأنف الأخرى:
مش هينفع اعتذر منه واجازف بسمعة الشركة وعلشان كده لما كلمني معترض على التأخير وعدته هبعتله اشطر مهندسة عندي...
زفرت هي وخمنت وهي تستند بظهرها على المقعد:
اشطر مهندسة دي اللي هو انا مش كده؟
هزت سارة رأسها بنعم واسترسلت بثقة:
رهف أنا واثقة أنك مش هتخذليني وهتبهري العميل
ابتسمت رهف واجابتها وهي تلهو بقلمها:.
انا ملتزمة بكذا حاجة الفترة دي بس تمام هروح أشوف المكان وبصراحة الفضول هيمـ.ـو.تني علشان اعرف المهندسين اللي قبلي رفضوا الشغل ليه
تنهدت سارة براحة بينما هي بالفعل غادرت بواسطة أحد عربات الشركة واصطحبت معها العمال كي يأخذوا المقاسات المطلوبة كي تستعين بها في عمل مخطط يناسب العميل.
وحين وصلوا للعنوان المنشود تعجبت كثيرًا فكان بمنطقة تقبع بأحد الاحياء الشعبية البسيطة وحتى البناية كانت من تلك البنايات القديمة التي عفى عليها الزمن، مهلًا الآن تفهمت سبب رفض زملائها ولكن لا بأس بإمكانها تولي الأمر، فقد فاتت لداخلها بواسطة ذلك المفتاح التي اعطته لها سارة وسلمه لها العميل وبالفعل بدأت في تفقد المكان وكتب العديد من الملاحظات بدفترها وهي توجه العمال كي ياخذون المقاسات اللازمة.
وأثناء انهماكها اتاها صوت رخيم بدى لها أن استمعت له من قبل وتعلم هوية صاحبه
الله ينور يا رجـ.ـا.لة
ألتفتت لتتأكد بذاتها وهي مفحومة من تلك الصدفة العجيبة التي جمعتهم فمنذ زيارتها لمنزله برفقة سعاد قبل سفرها منذ أكثر من شهرين وهي تتهرب من ذلك الأعتذار التي تدين به ولا تعرف من الأساس كيف سيصدر منها أو تعبر عنه للآن...
جاءها همسه المتفاجئ ما أن وقعت خضراويتاه عليها:
معقول الصدفة دي يا بشمهندسة.
ابتلعت ريقها واجابته بتحفظ دون حتى أن تكلف ذاتها عناء الابتسام من باب المجاملة:
صدفة غريبة فعلًا بس كل شيء ممكن يا دكتور، هي العيادة؟
قاطعها ببساطة وبحركة درامية وكأنه يفتخر بالأمر:
ايوة أنا الدكتور البائس صاحب العيادة المنحوسة دي اللي محدش عايز يدق فيها مسمار لدلوقتي
قهقه العمال من حولها بينما هي تنهدت واجابته بكل عمليه:
متقلقش بإذن الله هنبدأ الشغل في اقرب وقت.
لا براحتكم انا مش مستعجل انا بحب الانتخة عادي وبصراحة حبيت قاعدة البيت
قهقهوا من جديد ولكن تجاهلت دعباته المستمرة وقالت وهي متمسكة بعمليها وعرضت مقترحاتها:
بص يا دكتور أنا عندي رؤية معينة للمكان لو حضرتك عندك وقت ممكن اشرحلك لو لأ هجهز تقرير وافي برسومـ.ـا.ت واعرضه على حضرتك
لوهلة جمدت خضراويتاه عليها حين باغتته هي بسأم:
يا دكتور حضرتك معايا!
هز رأسه قائلًا وهو يرفع نظارته الطبية و يدلك منحدر أنفه:.
اه، ممكن اسمع مقترحاتك
تمام
سارت بضع خطوات وتلمست الحيط الذي تأكله الرطوبة قائلة:
حضرتك الحيطان كلها محتاجة تأسيس من تاني، وأنت اكيد عارف أن مشكلة العمارات القديمة كلها أن سقفها عالي وعلشان كده ممكن بعد التعديل ندهنه بلون غامق علشان يظهر اقل ارتفاع ويدي دفئ للمكان، لتؤشر بقلمها لأعلى وتستأنف:
و التعرجات لو فضلت باينة في السقف هنستخدm اللون من غير لامعة، لتؤشر لأحد الغرف وتضيف:.
بالنسبة للأوضة الصغيرة دي هتدهن بلون فاتح علشان تبان اكبر وأوضة الاستقبال فهي واسعة كفاية هنوظف فيها المساحات ونعالج الفراغات على أد ما نقدر وطبعًا هيكون في ربط بين الألوان والفرش والخامـ.ـا.ت وكل ده تقديره بيكون حسب التكلفة اللي حضرتك بتعلمني بيها...
كان يستمع لها وهو منبهر بعمليتها، فمن تقف أمامه للتو يقسم انها خلقت لتكون قوية صامدة وناجحة بكل المقايس لا تلك المرأة الهشة الضعيفة التي شهد على انكسارها فصدق من قال أن القوة الحقيقة تتولد بعد الأنكسار
يا دكتور حضرتك سمعتني
انتشله صوتها المنفعل وخيل له أنها على وشك أن تنقض عليه تفتك به لذلك رد بخفة كي يخفف حدة الحديث:
بغض النظر عن كمية حضرتك اللي في الكلام بس تمام اعملي اللي شايفاه انسب.
تنهدت بعمق وردت بإقتضاب شـ.ـديد وهي تستشيط غـ.ـيظًا من طريقته:
تمام
كبت ضحكته بصعوبة على ردود أفعالها وقال بملامح حاول أن تكون جدية:
تمام، بصراحة متحمس جدا والثقة اللي بتتكلمي بيها خلتني متأكد أن النتيجة هتبقى هايلة.
يعني افهم من كده إني أخدت من حضرتك موافقة مبدئية
زفر حانقًا وقلب عينه بملل من تلك الرسمية الممـ.ـيـ.ـتة التي تتحدث بها وقال ببساطة دون عناء التكلف:.
أنا موافق على اي حاجة تقوليها يا بشمهندسة بس بالله عليكِ أنا عندي فوبيا من الرسميات يعني كفاية دكتور بلاش حضرتك دي مبتنزليش من زور
تنهدت ولم تعقب فقط اكتفت بتدوين بعض الملاحظات بدفترها ثم تركت محيط وقفته لتتأكد من انتهاء العمال ثم دون أن تعير حديثه أي اهمية وكأنها لم تستمع له من الأساس قالت بإقتضاب وبكل تحفظ وكأنها تخبره بطريقة محسوسة أن لا يتعدى حدوده معها:
احنا خلصنا عن اذن حضرتك يا دكتور.
وقف ينظر لآثارها ببسمة مشاكسةيمسد بسبابته أرنبة انفه كعادة ملازمة له قائلًا:
دكتور وكمان حضرتك لأ دي قاصدة تضايقني...
↚
من السهل أن نتفادى مسؤولياتنا، ولكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك.
في خضم كل ما تمر به حاولت أن تهاتفه كثيرًا كي تطمئن على أحواله خاصًة أنه في تلك المرات التي كان يسأل بها عن يامن وعلم باختفائه انقطعت اخبـ.ـاره عنها تأكلها قلبها عليه وخاصًة كونه لم يجيبها لذلك ذهبت لمنزله القريب وها هي تطرق الباب لعدة مرات دون جدوى وإن كادت تيأس وتغادر فتح و تفاجئ بها:
خالتي!
طالعت ثريا هيئته الرثة مستغربة ثم عاتبته:.
ايوة خالتك اللي نستها يا وا.طـ.ـي ومهنش عليك تطمن عليها في غياب ابنها
نكس رأسه قائلًا بخزي:
حقك عليا
مش هتقولي اتفضلي ولا ايه؟
افسح المجال لها مرحبًا:
اتفضلي يا خالتي هو أنتِ محتاجة إذن
تقدmت ثريا بخطوات وئيدة قائلة:
انا كنت حالفة مدخل البيت ده تاني بس اعمل ايه قلقت عليك وخــــوفت لما اختفيت مرة واحدة.
اجابها وهو يتحاشى النظر لها من شـ.ـدة خزيه:
انا زي ما أنتِ شايفة...
تنهدت ثريا وهي تشمل هيئته الغير مُرتبة ابتدائاً من خصلات شعره المبعثرة إلى وجهه الشاحب وذقنه المستطالة دون تهذيب وعينه الغائرة وتلك الهالات الداكنة التي تحاوطها وتدل كونه لم ينم ولم يذق طعم الراحة من زمن لتتنهد وتقول وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة مشمئزة من الفوضى التي تعم المكان والغبـ.ـار الذي يكسو كل شيء حولها:.
هو انت مالك عامل ليه كده وبعدين ده البيت اللي كان بيشف ويرف من النضافة، البيت كأنه مهجور مفهوش واحدة ست
لم يجيبها بل ظل منكس الرأس حين تساءلت:
هي مراتك هنا؟
نفى برأسه وقال بخزي من نفسه قبل أي شيء أخر:
لأ أصرت تطلق وطلقتها
لوت ثريا شـ.ـدقيها وقالت متهكمة تذكره بحمئته لها:
أصرت أُمال فين الحب اللي كانت بتحبهولك وفين مصلحتك اللي كانت هتمـ.ـو.ت عليها
رد بنـ.ـد.م:.
بلاش تزودي همي يا خالتي كفاية عليا اللي حصلي، لتحين منه بسمة متألــمة وينعي نواقصه وتلك النعم التي حُرم منها:
انا غـ.ـبـ.ـي وضيعت كل حاجة لا عارف انام ولا أَكُل ولا أشرب ولا ألبس والبيت زي ما انتِ شايفة حتى ولادي اتحرمت منهم
سايرته ثريا قائلة:
اللي حصل حصل واظن ده كان قرارك ولازم تتحمل عواقبه، وبعدين مهما كان ولادك هيفضلوا ولادك و متنساش أن ليهم حق عليك مش معنى أنك طلقت امهم يبقى تنساهم وتاخدهم في الرجلين.
انا بتعـ.ـذ.ب من غيرهم يا خالتي ونفسي اشوفهم واحـ.ـضـ.ـنهم واشم ريحتهم بس خايف رهف تطردني وتكسفني قدامهم
بلاش حجج فارغة روح وشوف ولادك رهف اصيلة ومستحيل تعمل كده...
طب تفتكري في أمل تسامحني؟
رغم انها تعاطفت معه كأي أم ولكن تعلم حق المعرفة انه يستحق هو من اوصل ذاته لهنا لذلك ردت عليه بصراحة عادلة كي ترضي ضميرها:.
تسامحك ازاي يا ابني ده أنت حرقت كل المراكب وراك ومخلتش طريق رجعة وبعدين أنت اللي فرطت فيها وعمرك ما عرفت تحافظ عليها، وكنت مصمم على اختيارك ومفكرتش حتى تتراجع عنه في سبيل ولادك و كنت بتبرر اللي عملته و بتفرض عليها جوازك من التانية بالعافـ.ـية وعايزها تتقبل وترجعلك الفلوس وتفضل ذليلة ليك...
وحتى في عز ما كانت مكـ.ـسورة روحتلها بس علشان تساومها ومفكرتش في حاجة غير مصلحتك.
مرر يده بخصلاته وقال بقناعات مازالت راسخة بركن ما من عقله رغم كل شيء:
يا خالتي متصعبهاش عليا انا عارف إني غلطت وضعفت وبعدين انا معملتش حاجة حـ.ـر.ام انا اتجوزت ومنكرش إني نـ.ـد.مت...
النـ.ـد.م متأخر ومبقاش يفيد يا حسن
أنتِ جاية عليا يا خالتي
انا نصحتك كتير وكان عندي أمل تغير من نفسك بس أنت عمرك ما اتعظت ومع ذلك هكلمها يا حسن ومش علشانك لأ علشان العيال و علشان ابقى عملت اللي عليا وربنا يقدm اللي فيه الخير.
وعند أخر قولها تهللت اساريره بشـ.ـدة وهو يأمل في فرصة ثانية تعيد له الحياة.
اتى ذلك اليوم المنتظر وها هي تجلس على ذلك المقعد الوثير المقابل لفراشها التي لطالما استيقظت و وجددته يتأملها من عليه أثناء نومها فقد
فرت دmعة حارقة كوت وجنتها بنارها ولهيب تلك الذكريات يهلك قلبها وسؤال لعين واحد يتردد برأسها كيف تمكن من خداعها فإن أحبها حقًا، كيف هان عليه فراقها.
فقد مر على غيابه شهر واربعة عشر يوم وتسع ساعات و دقيقتين وبضع ثوانِ.
عجاف، كادت تفقد عقلها من دونه وملت من احتساب الوقت حتى تملك منها اليأس لدرجة انها اصبحت منطفئة لا تتحدث فقط شاردة ودmعاتها تنهمر من عيناها دون حديث تحتضن ذلك الثوب الذي عثرت عليه بشنطة سيارته بيدها وكأنه كافة احلامها تتجسد به...
انتشلها من بؤسها
دلوف ثريا قائلة بحنو شـ.ـديد:
كل سنة وانتِ طيبة يا بـ.ـنتي
رفعت سوداويتاها الذابلة لها وقالت وهي تكفكف دmعاتها و تنهض تعلق فستانها بداخل خزانتها:.
وانتِ طيبة يا ماما ثريا
ربتت ثريا على كتفها بود وقالت ببسمة هادئة تواسيها:
مش قولنا بلاش عـ.ـيا.ط حـ.ـر.ام عليكِ نفسك يا بـ.ـنتي
هزت رأسها واخبرتها بثبات واهي تحاول أن تجيده:
أنا كويسة، و هبقى احسن
إن شاء الله يا بـ.ـنتي ربنا هيصلح الحال
أومأت لها نادين بحركة بسيطة تنم عن إحباطها لتتسأل ثريا:
طيب ملبستيش ليه، البنات بره مستنينك...
لبست هو فستاني وحش.
قالتها وهي تطالع ثوبها الذي انتقته بنفسها لتلك المناسبة البائسة، لتجيبها ثريا بعتاب:
حلو يا بـ.ـنتي بس لونه غامق!
علشان اسود يعني، عادي يا ماما ثريا كده كده الأيام زي بعض عندي ولولآ ميرال و نغم أصروا عليا مكنتش وافقتهم على فكرة العيد ميلاد اصلاً
وفيها ايه بس البنات كتر خيرهم عايزين يفرحوكي وبعدين محدش هيحضر غيرنا
حانت منه بسمة باهتة لم تصل لغيوم عيناها وقالت بيأس:.
عارفة، بس مبقاش في حاجة تفرحني يا ماما ثريا اليوم اللي كنت بستناه من سنين بقى كابوس بالنسبة ليا و عمري ما اتخيلت انه هيمر عليا من غيره
تنهدت ثريا واجابتها بحـ.ـز.ن حاولت أن تداريه كي لا تزيدها عليها:
حقك عليا يا بـ.ـنتي
أنتِ اللي حقك عليا يا ماما ثريا انا مدينة ليكِ بحاجات كتير أوي سامحيني إني حطيتك في موقف صعب بينك وبين ابنك
احتضنتها ثريا بحنو قائلة:
أنتِ كمان بـ.ـنتي يا نادين.
وبعدين ليكِ عليا أول ما ربنا يهديه ويرجع لقرصلك ودانه واخليه يتشحتف عليكِ علشان ترجعيله
حانت منها بسمة تمثل اليأس بها فكم تمنت لو أن يحدث ذلك فعلًا ويعود لها ولكن كيف وهو للأن مازال يصر على عـ.ـذ.ابها.
الله، الله مقضينها احضان وسيبنا ولا على بالكم
قالتها ميرال بعتاب و انتشتلتها بها من دوامة افكارها، لتجيبها ثريا بعدmا اخرجت نادين من أحضانها:
جايين أهو يا بـ.ـنتي...
لتتدخل نغم ايضًا قائلة بدهشة:.
انا اول مرة اشوف عيد ميلاد من غير تورتة
ابتسمت ثريا واجابتها:
التورتة جاية في الطريق متقلقيش وتعالى يلا نطلع باقي الحاجة من المطبخ
انصاعت نغم لها وساروا سويًا للمطبخ بينما تساءلت ميرال بقلق:
أنتِ كويسة؟
أومأت لها بحركة بسيطة من رأسها، لتخبرها ميرال بقلة حيلة:
طب يلا نطلع علشان لازم أروح قبل الساعة عشرة...
ابتسمت نادين وتساءلت:
دي اوامر محمد مش كده!
هزت رأسها بنعم لتستأنف نادين بمغزى:.
هو حد جدع اوي يا ميرال اسمعي كلامه علشان بيحبك بجد
تنهدت ميرال وتحدثت:
انا عارفة انه جدع وبسمع كلامه في كل حاجة
لتنصحها نادين بأسى كي لا تقع بما وقعت هي به قبلها:
حاولي تتفهمي طباعه وتتعايشي معاها واوعي تستهتري بخــــوفه وقلقه عليكِ
مطت ميرال فمها واجابتها بعفوية:
بحاول بس هو صعب اوي زي مادة المحاسبة المالية كده اللي كنا بـ.ـنتهزء فيها
حانت من نادين بسمة عابرة وقالت:
لسة فاكرة.
اه فاكرة وفاكرة أنك كنتِ اشطر مني علشان يامن كان بيذاكرلك
وعند ذكره جمدت معالم وجهها لتتلعثم ميرال:
هيرجع، هو صحيح احنا لغاية دلوقتي منعرفش حاجة وكل محاولاتنا اننا نلاقيه مجتش بفايدة بس انا متأكدة أنه مهما بِعد هيرجع علشان بيحبك ومستحيل هيقدر ينساكِ بالسهولة دي
هزت رأسها ببسمة ممزقة فوق شفاهها وبداخلها تشكك بحديثها وكأن الحب اختلف منظوره عند الجميع إلا هي، لتستأنف ميرال:
طب يلا نطلع لماما ثريا و نغم.
أومأت لها نادين واتبعتها للخارج إلى أن وصلوا لحديقة المنزل التي أشرفت ميرال و نغم على تزينها بالورود والكثير من البالونات الملونة، اقتربوا ثلاثتهم منها وعايدوها بود وبمحبة خالصة لها ولكن هي كانت تبادلهم المعايدة ببسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت معه سعادتها وكافة سبل الحياة...
ليجلسوا جميعًا ويتبادلون أطراف الحديث حين دلفت تلك الفتاة هادئة الملامح التي تذكرتها من الوهلة الأولى تحمل بيدها عُلبة كبيرة تحمل أسم مطعمه الشهير تعلقت عينها ب ثريا التي نهضت تستقبلها بحفاوة كبيرة وتلتقط منها قالب الحلوى ثم دعتها لموقعهم قائلة:
دي رقية يا ولاد شيف بريمو وهي اللي عملت تورتة نادين.
حيوها الجميع لتدعوها ثريا للجلوس بمقعدها جانب نادين وتنشغل بأخراج قالب الحلوى من عُلبته و وضعه على الطاولة
لتقول رقية:
كل سنة وحضرتك طيبة
اجابتها نادين بإقتضاب:
مرسي اوي...
لتتسأل رقية:
هو حضرتك مش فكراني؟
لم تجيبها نادين لتسترسل هي ببسمة هادئة:
أحنا اتقابلنا في مطعم مستر يامن.
تجمدت نظراتها في العدm عنـ.ـد.ما تذكرت ذلك اليوم التي احتد الحديث بينهم بسببها وتعمدت أن تثير اعصابه كي تفض غليلها منه كونه مدح تلك ال رقية أمامها ودب بحديثه نيران مستعرة بقلبها وحقًا لم تجد مبرر للأمر حينها ولكن الأن هي تعلم علم اليقين أنها كانت تغار عليه منها ولذلك أخذت موقع هجوم.
انتشلها من دوامة أفكارها التي قذفتها بعيدًا صوت رقية:.
ماما ثريا وصتني على التورتة بتاعة عيد ميلادك واصريت اجيبها بنفسي بتمنى تعجبك
ابتسمت نادين بمجاملة وشكرتها ثم تساءلت بفضول:
المطعم اخبـ.ـاره ايه في غياب يامن؟
ابتسمت رقية بثقة واجابتها دون أي نوايا سيئة:
ماشي زي الساعة انا بشرف على كل حاجة بنفسي ومستر يامن بيديني التعليمـ.ـا.ت أول بأول
ابتلعت غصة بحلقها وتساءلت وقلبها يتلوى يترقب اجابتها:
بيكلمك وبتكلميه!
اجابتها بتلقائية دون أن تنتبه لأثر حديثها على تلك البائسة من دونه:
اه، بيكلمني هو وَكلني بإدارة المطعم في غيابه وبجد انا ممنونة اوي لثقته وببذل أقصى جهدي علشان اكون أدها
تقلصت معالم وجهها وذات النيران اشتعلت بقلبها، وكم شعرت حينها برغبة قوية بالبكاء ولكنها صمدت وتحاملت حتى لا تنهار من جديد أمامهم.
يلا يا نادين نطفي الشمع.
قالتها ثريا وهي تجذبها من يدها لتنهض قرب قالب الحلوى الذي نقش عليه اسمها مثل الحـ.ـز.ن الذي نقش تمامًا على وجهها لبقية اليوم وحمدت ربها أنه انتهى وقد كان ختامه أنها انفردت بذاتها وخاضت في نوبة بكاء هستيرية تنعي به ما توصلت له حياتها.
هناك دائماً المزيد من الفرص للتصحيح، لصياغة حياتنا بالطرق التي نستحق أن نعيش بها. لا تبددي وقتك تلعنين الفشل. إن الفشل معلم أعظم من النجاح. أنصتي، تعلمي، انطلقي.
اصطحبت أطفالها بيوم العطلة لشراء الكثير من لوازمهم وهاهي عادت بهم بعد يوم مليء بضحكاتهم و حافل بصخبهم المعتاد...
فقد تدلوا من سيارتها التي ابتاعتها في الأونة الأخيرة وحققت تلك الرغبة المكبوتة التي كان يعارضها بها دائمًا ويفرض عليها أن لا تخطوا خطوة واحدة سوى معه.
فقد حملوا مشترياتهم وسارو لمدخل البناية حين تسمر شريف في الأرض وعينه شخصت بعيد، لتدفعه رهف برفق:
حبيبي يلا مالك
اجابها الصغير بحيرة:.
ها أصل...
مالك يا حبيبي اتكلم.
نفى الصغير برأسه وركض للداخل يلحق مربيته وشقيقته استغربت رهف من فعلته وجالت بعيناها محيط المكان ولكن لم تجد شيء يثير الريبة لذلك لم تعطي اهمية للأمر ودلفت للداخل وما أن وصلت لشقتها ساعدوها في ضب الأشياء ثم بدلوا ملابسهم وها هي تدثر اطفالها بأحضانها تحاول جاهدة أن تستسلم للنوم دون ان تسمح لذكرياتهم المؤلمة أن تقتحم عقلها ككل يوم وتورق مضجها فبرغم ذلك الصمود الذي نراها عليه بعد نكبتها إلا أن بداخلها هشيم يصعب ترميمه فرفات الذكريات الأليمة مازالت تطاردها وكأن ذلك الجـ.ـر.ح الغائر بقلبها يرفض الالتئام، انتشلها من أعاصير افكارها صوت صغيرها هامسًا:.
مامي أنتِ لسة صاحية
ها اه يا حبيبي منمتش ليه!
اجابها الصغير وهو يعتدل بنومته ويتنهد بقوة:
مامي انا بيتهيألي شوفت بابي واقف قدام البيت عند الشجرة
زفرت رهف بقوة ونفت برأسها لاتصدق حديث الصغير فمن المستحيل أن يأتي إلى هنا ويتوارى عن انظارهم ف حسن التي تعرفه متبجح و أطفاله هم أخر همه ولديه أولويات أخرى غارق بها مع تلك الخبيثة المتلاعبة لذلك هدرت بنبرة ساخرة وهي تربت على خصلات الصغير:.
صح يا حبيبي اكيد بيتهيئلك بابي مسافر
هز الصغير رأسه واخبرها بحيرة:
ممكن يكون بيتهيألي فعلًا بس...
قطع الصغير حديثه ونكس رأسه خــــوفًا أن يحـ.ـز.ن والدته، لتحسه رهف على الاستئناف:
بس ايه اتكلم يا شريف!
تلعثم الصغير قائلًا:
انا عارف انه هو أخر مرة كان مزعلني ومزعلك بس وحشني ونفسي اشوفه.
طـــعـــنة سكين بصدرها شعرت بها فور حديث صغيرها جددت ألــمها وكأن كان ينقصها فنعم تلك الحقيقة التي لامفر منها فرغم كافة افعاله المشينة لا تغير كونه والد ابنائها، ارتعش فمها وحاولت الثبات قائلة دون أن تسمح لعقلها أن يذكرها بكم الخذلان الذي اغدقها به في كنفه:
أول ما يرجع اكيد هيجي يشوفكم
هنا قالت شيري بنبرة ناعسة للغاية بعدmا استيقظت على همسهم:
هيجي ازاي انتِ قولتيله متجيش هنا تاني يا مامي.
اغمضت رهف عيناها وذكرى ذلك اليوم تمر أمام عيناها كأنها اليوم وليست من ثلاث شهور منصرمة ثم قالت بصمود تحاول التحلي به كلما تذكرته:
كنت متعصبة يا ولاد وهو لو عايز يشوفكم انا عمري ما همنعه عنكم ده باباكم واكيد بيحبكم هو بس مسافر وأول ما يرجع اكيد اول حاجة هيعملها أنه هيطلب يشوفكم
هز شريف رأسه وقال بِفطنة:.
انا عارف يا مامي أنكم سبتوا بعض وعلشان كده انتِ مبقتيش تعيطي وانا مش عايزك تزعلي تاني ولا عايز نرجع هناك علشان كان بيزعقلك و مش بيرضى يخرجنا وعلطول عنده شغل، بس هو بابي ومعنديش بابي غيره وبحبه
وانا كمان...
قالتها شيري لتشارك شقيقها الرأي
بينما هي قاومت وقاومت ولكن دون قصد ولوهلة من الزمن تنحى صمودها و فرت دmعاتها تفضح هشاشتها...
ميرال
قالها فاضل بحده مبالغ بها تنم عن غـــضــــب عظيم حين دلفت هي من باب القصر، لتهرول إليه قائلة بلهفة وهي تحتضنه:
بابي أنت رجعت من السفر امتى وحـ.ـشـ.ـتني اوي
أخرجها من بين يديه وهدر بجمود غريب:
رجعت من شوية و ملقتكيش كنتِ فين؟
أجابته هي ببسمة هادئة:
النهاردة كان عيد ميلاد نادين صاحبتي وكنت عندها
هز رأسه وتساءل بحده:
عايز اعرف، ازاي بتمدي ايدك على دعاء بغيابي هو للدرجة دي أنا معرفتش اربيكِ.
توسعت عين ميرال وتعالت وتيرة انفاسها حين أدركت أن دعاء حاكت الأمر لصالحها وأثرت عليه كعادتها لذلك حاولت التبرير:
بابي هي اللي استفزتني واتكلمت عن أمي، وكمان اتدخلت في حياتي و...
قاطعها فاضل وهو يزجرها بنظراته قائلًا بإنحياز لطالما كان بغير محله:
هي هنا مكاني وعايزة مصلحتك
غامت عيناها من شـ.ـدة خذلانها ولكنها تعودت منه على ذلك، ومع ذلك دافعت عن ذاتها قائلة:
بس أنا معملتش حاجة غلط يا بابي هي اللي...
قاطعها من جديد بحده وهو تحت تأثير ذلك السم التي ملئت به تلك الصفراء رأسه:
ولما تهينيها وتتهميها وتهدديها علشان خاطر واحد كان شغال عندنا ده اسمه ايه؟
أنا متأكدة أن مراتك هي اللي بعتت بلطجية ضـ.ـر.بوه وكـ.ـسروا العربية علشان يبعد عني.
ضيق فاضل عينه وتساءل بريبة:
يبعد عنك، هو ايه اللي يربط بينك وبينه اصلًا؟
هنا تدخلت دعاء ببسمة متخابثة وقالت بتهكم وهي تتدلى الدرج تحت نظراتهم:.
قوليله يا ميرال من حق باباكِ يعرف ايه اللي بينك وبينه...
نظر لها ابيها بترقب أجابتها بينما هي زاغت نظراتها بينهم بشيء من الأرتباك تغلبت عليه سريعًا واجابته برأس مرفوعة:
انا و محمد بنحب بعض
صرخ ابيها مستنكرًا:
افنـ.ـد.م بـ.ـنتي أنا تحب سواق...
دافعت ميرال:
بابي الشغل مش عيب وبعدين هو مؤدب ومحترم وعنده طموح هو اشتغل محاسب في شركة كبيرة وشاطر في شغله وليه مستقبل
انا مش مصدق أنتِ اكيد اتجننتِ...
أكدت بثقة:.
لأ انا اول مرة اكون واثقة من اختياراتي انا بحبه ومش فارق معايا أي حاجة
ليعترض فاضل بنبرة منفعلة للغاية:
انتِ مش مدركة اكيد عواقب اللي بتقوليه!
لتستمر هي على دفاعها:
يا بابي افهمني ارجوك الشغل مش عيب والفقر كمان مش عيب أنت راجـ.ـل عصامي وكنت في يوم من الأيام عندك طموح زيه
تأففت دعاء بسخط:
انتِ ازاي تقارني باباكِ بالجربوع ده، وبعدين أنتِ عايزة تخلي فضيحتنا على كل لسان...
هاجمتها ميرال بشراسة:.
اظن انتِ اخر حد ممكن يتكلم يا دعاء ومتنسيش أنتِ كنتِ ايه قبل ما بابي يتجوزك
زمجرت دعاء بغـ.ـيظ:
قصدك ايه أنتِ بتعايريني يا ميرال
افهمي زي ما تفهمي انا مش فارق معايا المهم عندي انك متتدخليش في حياتي وخليكِ متأكدة أن حقه هيرجعله واللي عملتيه مش هيعدي
صرخت دعاء تحرضه عليها:
سامع يا فاضل بـ.ـنتك بتتهمني و بتهددني تاني وانت واقف تتفرج
نظر لها نظرة عميقة مشككة استقبلتها هي بنظراتها الخادعة حين تساءل:.
انتِ عملتي كده فعلًا؟
أصرت على موقفها قائلة ببراءة ليست ابدًا من شيمها:
لأ...
لتصيح ميرال تكذبها:
كـ.ـد.ابه، كـ.ـد.ابه متصدقهاش يا بابي
انا مش كـ.ـد.ابه ومفيش دليل واحد ضدي واظن عيب أوي لما تشكي فيا أنا، علشان حتة سواق جربوع طمعان فيكِ و عملك غسيل مخ
محمد مش جربوع ومش طمعان فيا ولو في حد الطمع عامي عينه فهو أنتِ...
شايف بـ.ـنتك بتتهمني بأيه، أتكلم يا فاضل و وقفها عند حدها، انت وعدتني هترجعلي حقي وتردلي اعتبـ.ـاري اتصرف.
هز فاضل رأسه متأثرًا بحديثها وقال بانحياز مغـ.ـيظ:
هي كلمة واحدة مش هكررها، الولد ده تبعدي عنه نهائي وتقطعي كل صلة ليكِ بيه
واتفضلي اعتذري ل دعاء
نفت برأسها ولسـ ـخـــريــة القدر جاء قوله الأخير بمثابة الشرارة التي أشعلت أتون النار بداخلها لتثور ثورتها قائلة بإصرار وبتمرد استشفه ابيها بنبرتها بكل وضوح:
مش هعتذر لحد والقلم اللي خدته هي تستحقه...
ومش هبعد عن محمد أنا بحبه وأنت بتطلب مني المستحيل...
قاطعها بحده:.
اخرسي خالص واياكِ اسمعك تقولي كلام من ده مرة تانية واتفضلي اطلعي على اوضتك ومن بكرة مفيش خروج وكل خطوة هتخطيها هتبقى بحساب
نظرة شامتة لمعت بعين دعاء حين دفع ميرال أمرًا إياها من جديد:
اتفضلي ولازم ت عـ.ـر.في أن ده قرار قطعي مفيش فيه مجادلة...
أنا بـ.ـنتك ولازم تسمعني وتفهمني.
لم يعير ابيها رجاءها أي اهمية بل كان فكرة واحدة هي ما تسيطر عليه وبثتها دعاء بعقله بكل براعة أن ابـ.ـنته ستتركه كما فعلت أمها وتفضل عليه رجل أخر، لذلك ثارت ثائرته حين دفعها دفع لغرفتها وقام بحبسها تحت مضضها واعتراضها ومحاولاتها الشتى بالدفاع عن مالك قلبها وعن حبها له، فكان يظن أنه فعل الصواب كي يحافظ عليها ويؤد ذلك التمرد الذي لطالما كان يخشاه منها وتخــــوفًا أن تفعل كما فعلت والدتها في الماضي.
استيقظت في الصباح الباكر على مكالمة هاتفية من المحامي يخبرها بحضوره اليوم لأمر هام، حقًا لم تعير الأمر أهمية ولكن وجدت من الضروري اخبـ.ـار ثريا بالأمر وبالفعل نهضت من فراشها و بدلت ملابسها وسارت في طريق غرفتها وإن كادت تطرق على بابها استمعت لتوسل ثريا المختنق بعبراتها وهي تتحدث بالهاتف:
علشان خاطر ربنا كفاية كده وارجع يا ابني قلبي مبقاش مستحمل.
تيبس كامل جسدها وبرقت عيناها عنـ.ـد.ما ايقنت انها تحدثه وكادت تندفع للداخل لولآ حديث ثريا الباكي وتوسلها المستمـ.ـيـ.ـت:
عارفة انها غلطت بس نـ.ـد.مت ومن حقها تسمعها وتخليها تدافع عن نفسها هي مظلومة و...
...
يعني ايه ما مبقاش يهمك، دي مراتك
...
يعني ايه بتتصل تطمن عليا بس انت فاكر كده بتعمل اللي عليك أنت جبت القسوة دي منين أنا مش راضية عنك وقسم ب الله لو ما رجعت وعقلت هنسى أن ليا ابن اسمه يامن
...
مش هفهم ولا هسمع واللي عندي قولته...
وهنا قررت الأنسحاب ودmعاتها تفر تسبق خطواتها فلم تشعر بذاتها إلا وهي تسحب مفاتيح سيارتها وتغادر المنزل راغبة في أن تنفث عن حـ.ـز.نها بعيدًا عن اجواء ذلك المنزل المحاط بعبق خذلانه لها فحتى هوائه كان مغبر بالذكريات ويطبق على انفاسها.
أما عن ثريا كانت غافلة تمامًا انها استمعت لها وحين اغلقت الخط مع ولدها كانت دmعاتها تفر دون هوادة فقد اصابها اليأس الشـ.ـديد حين لم يستطيع من بعثته ليبحث عنه أن يستدل عليه ويعيده لها لا والأنكى انه حين يهاتفها يامن ذاته لا يريحها ولم يرضى اخبـ.ـارها بمكانه فقط يطمئن على صحتها وإن تطرقت لسيرة نادين يجن جنونه ويرفض التحدث عنها وحقًا الأمر يقــ,تــلها فهي عاجزة ولاتستطيع فعل شيء حتى انها لم تخبر نادين بأتصالاته المخيبة للآمال خــــوفًا على مشاعرها ولذلك كان ليس بيدها شيء سوى أن تدعوا الله أن ينزع الغمام عن بصيرته ويرأف بحال تلك المسكينة التي لاحول لها ولاقوة.
كفكفت دmعاتها واستعادت ذاتها وتناولت هاتفها من جديد كي تـ.ـو.في بذلك الوعد لابن شقيقتها وهاهي تطلب رقم رهف قائلة ما ان ردت عليها:
ازيك يا بـ.ـنتي
ماما ثريا حشـ.ـتـ.ـيني و اخبـ.ـارك ايه؟
وانتِ كمان يا بـ.ـنتي ربنا يعلم معلش اعذريني
لأ يا ماما انا عذراكي وعارفة اللي عندك انا كمان مقصرة معاكِ
حقك عليا والله الشغل والولاد مخليني مش مركزة في حاجة، المهم طمنيني عليكِ وعلى صحتك.
ألف حمد وشكر لله يا بـ.ـنتي أنتِ اخبـ.ـارك ايه و شيري و شريف عاملين ايه
تمام الحمد لله كلنا كويسين...
صمتت ثريا بعدها لهنيهة مترددة لتشجعها رهف:
خير يا ماما، سكتي ليه!
تحمحت ثريا بحرج ثم قالت:
حسن عايز يشوف ولاده يا رهف ولسة عنده أمل انك تسامحيه وترضي ترجعيله
غاب رد رهف حتى ظنت ثريا انها اغلقت ولكن صوتها المبطن بالحـ.ـز.ن وصلها اخيرًا:
الولاد اصلًا بيسألوا عليه وانا عمالة اقولهم أعذار واتحجج انه مسافر...
تنهدت ثريا واستفاضت قائلة:
هو ملهوش عين يجيلك أو يكلمك ومكسوف من عمايله وبيقول انه نـ.ـد.م ونفسه ترجعيله وتديله فرصة تانية
حانت منها بسمة متألــمة وصل أنينها ل ثريا حين عقبت هي:
فرصة تانية، أزاي يا ماما بس بعد كل اللي حصل
علشان خاطر ولادك يا بـ.ـنتي افتكريله حاجة حلوة تخليكِ تبقي عليه
استفاضت رهف بإقتناع تام وبقناعات رسخت داخلها بعد نكبتها:.
هو استنفذ كل الفرص وهدm كل اللي ليه جوايا، اللي بتقوليه صعب، وإذا كان على الولاد صدقيني نفسيتهم افضل بكتير، حياتنا بقت هادية من غير خناقات أو زعيق و مفهاش تـ.ـو.تر أو اعباء أنا مش أول أم تربي ولادها لوحدها وبعدين ولادي اخدين على غيابه وطول عمري بسد في نواقصه قدامهم، ورغم ده مش هقولك إني اتعافيت منه بالكامل لأ بس هقولك أنا هعافر لأخر نفس فيا علشان خاطر ولادي وهعمل علشانهم أي حاجة إلا إني ارجع لواحد عمره ما قدرني ولا احترمني، أنا لو فكرت ارجعله يا ماما هكره نفسي ومش هحترمها.
بس هو طبعه مش خـ.ـا.ين يا بـ.ـنتي دي كانت نزوه وهو نفسه اعترف بكده وقال أنه نـ.ـد.م و طلقها
المبادئ مبتتجزأش يا ماما ومينفعش نبرر الخيانة بمصطلح تاني علشان نجملها، حسن عمره ما هيشوف نفسه غلطان هو كـ.ـسرني و اتهمني بالنقص و برر أن ده حقه وشرع ربنا، واكبر دليل على ده أنه لما طلقها فاكر اني ممكن اسامح وأرجع وكأن جوازه منها الحاجة الوحيدة اللي كـ.ـسرتني، و اتغاضى عن كونه حد مؤذي، ناقم، وعِشرته مش مريحة...
لا حول ولا قوة إلا بالله والله ما عارفة اقولك ايه يا بـ.ـنتي؟
متقوليش يا ماما ثريا ولو سمحتي بلاش تفتحي معايا الموضوع ده وإذا كان على الولاد انا لا يمكن امنعهم عنه دول ولاده وللأسف دي الحاجة الوحيدة اللي مش هعرف اغيرها ولازم اتعايش معاها
ماشي يا بـ.ـنتي هكلمه وهتفق معاه تجيبي الولاد يشوفهم هنا بدل ما يجيلك ويحصل مشاكل تاني او انا اجيلك ويشوفهم في وجودي
اللي تشوفيه يا ماما انا موافقة عليه...
خلي بالك من نفسك ومن الولاد
حاضر.
لتغلق معها رهف وتتنهد تنهيدة عميقة من صميم حطامها وتدعو أن تظل على صمودها ف والله لو كان يوجد سبيل لتتقبل عِشرته من جديد ما كانت ترددت من أجلهم ولكن كيف وهو استنفذ كافة الفرص واستنفذ طاقتها على الأخير فحتى لم تسلم الذكريات منه فكلما تذكرته تذكرت أفعاله التي سلبتها آدmيتها وكرامتها ويكفي انها لم تكن يوم ضعيفة أو منكـ.ـسرة إلا معه هو من اعدmها الثقة بذاتها ولغى شخصيتها ولكن الأن حقًا تحمد الله كونها استعادت ذاتها من جديد واستعادت تلك الشخصية التي كانت تتوارى من أجله وتتنازل وتتهاون دون حساب في سبيل ارضائه والمحافظة على بيتها مثل كثيرًا من النساء امثالها الذي زرعوا الأهل بعقولهم تلك الأفكار ال عـ.ـر.فية الشائعة كون مسؤلية المرأة دائمًا المحافظة على بيتها وزوجها تحت أي ظرف كان؛عليها التحمل والخنوع، فتبًا لتلك الأفكار ال عـ.ـر.فية التي جارت على حق الكثير من النساء واجبرتهم على التضحية خــــوفًا من بلبلة مجتمع يحكمه القيل والقال و المظاهر الأجتماعية الخادعة التي ينسب فشلها وكافة اعبائها للنساء، بينما لاتوقع على الرجـ.ـال أي عوار بل بالعكس تمنحهم الحرية المطلقة مما دفعهم يبررون القوامة على اهوائهم غافلين أن القوامة مسؤولية أمام الله عز وجل والمراد بها هو القيام على أمر النساء بالحماية والرعاية وتلبية مطالب الحياة، وليس معناها القهر والاستبداد بالرأي، أو التسلط على المرأة وإذلالها، فالله عز وجلّ خص الرجـ.ـال بالتكليف لا للتشريف.
كانت تسوق سيارتها دون وجهة محددة وبعد أكثر من ساعتين استغرقتهم في الطريق وجدت ذاتها دون أن تشعر أمام مطعمها الشهير الذي أحضرها إليه من قبل بمدينة الاسكندرية. حقًا لا تعرف ما الذي اتى بها إلى هنا ولكن لسبب غريب وجدت ذاتها تصف سيارتها وتتدلي منها وتسير لداخله واقفة في منتصفه تطالع رواده وعامليه بنظرات تائهة وكأنها تبحث عنه بين الوجوه، اقترب حلمي الذي علم هويتها على الفور قائلًا بترحيب:.
اهلا يا نادين هانم المكان نور اتفضلي.
رمقته نادين بعيون يتجسد التوهة بها جعلته يقترح عليها أن يصعدا لمكتب بالأعلى فإنصاعت إليه بخطى وئيدة وذكرى ذلك اليوم الذي احضرها به إلى هنا تتدفق بعقلها شيء فشيء إلى أن وصلت للطابق الثالث واللذين يطـ.ـلقون عليه طابق العشاق كما اخبرها هو، تجمدت نظراتها التي يقطر منها الحـ.ـز.ن على تلك الطاولة التي كانوا يجلسون عليها سابقًا وتذكرت كيف كان يطعمها بفمها ويضع كل ما تطاله يده بطبقها، لتغيم عيناها ثم بخطى وئيدة سارت لتقف أمام لوحتها التي بعرض الحائط وطنين ذكرى اخرى راودتها حين همست متفاجئة:.
يامن ده أنا...
اه أنتِ يا مغلباني كنت لما باجي هنا بتوحشيني وبفضل أَعد الثوانِ علشان أرجعلك، وصورتك كانت بتصبرني وتهون الوقت عليا لغاية ما أرجع واطمن قلبي بقربك
قطعت وصال ذكرياتها الممـ.ـيـ.ـتة قائلة بهمس حارق وبوتيرة انفاس متعالية:
كدب، كدب، كله كان كدب.
لتجد ذاتها دون تفكير تندفع تنبشها بأظافرها بقوة غير عابئة بجـ.ـر.ح اناملها ولا بنظرات كل من حولها، فقد تمكنت من نزع جزء منها وبالطبع لم يسلم البقية فقد نزعتها على الأخير عن الحائط بجنون وبعصبية مفرطة وكأنها أرادت أن تنتقم منه ومن انجازاته الواهية بعشقها، فقد وهمها أنه لا يطيق فراقها ووضع صورتها ليطمئن قلبه بها فأين هو وكيف لذلك القلب الذي ادعى عشقها أن يتخلى عنها، وحين انتهت شعرت برغبة قوية بالبكاء ولكنها صمدت أمام نظرات وهمهمـ.ـا.ت كل العاملين من حولها حتى أنها التفتت لهم قائلة بنبرة مرتعشة وهي ترفع منكبيها تدعي عدm اكتراثها:.
صورتي ومكنتش عجباني عادي
ختمت كلمـ.ـا.تها ببسمة ممزقة ظلت على ثغرها لحين غادرت وهي تكبت تلك الرغبة المُلحة بالبكاء ولكن لم تريد أن يشهد على انهيارها أحد فيكفي كونها في نظر الجميع مثيرة للشفقة الآن لذلك توجهت بسيارتها.
لذلك المكان الذي شَهِد على تصريحها له بحبها، صفت سيارتها بجانب الطريق ولم تتدلى منها وظلت نظراتها متجمدة من جلستها على ذات المكان الذي جمعهم من قبل أمام البحر تشاهد موجاته المتقلبة التي تشابه حياتها الأن بعيون دامية تقطر بالحـ.ـز.ن، فقد جاءت تلك الذكرى لتفتك بأخر ذرة صمود بها وتجعلها تدرك أن لا مفر من ذكرياتها و أنين قلبها حين تترددت جملته بعقلها
(اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح).
وهنا ظلت كلمـ.ـا.ت ثريا ايضًا التي استمعت لها وتوقعت ردوده عليها تطـــعـــن بقلبها وتعـ.ـذ.ب روحها فقد كرهها ولم يعد يهتم لأمرها، تركها وهي بأمس الحاجة له وكم خيب ظنونها، فهو أثبت لها أن ثأره لكرامته وكبريائه كرجل أهم بكثير كونها تنتمي له ولا تستطيع العيش من دونه...
شهقة قوية حارقة صدرت من فمها وكأنها كانت تجثم على انفاسها وتبعها انفجارها ببكاء مرير يقطع نياط القلب وقولها بأنهيار تام وبصوت جهوري صارخ وهي تضـ.ـر.ب المقود بكفوفها:
كدب كله كدب، ياريتني ما حبيتك ياريتني كنت لسة بكرهك
انا ليه صدقتك ليه، ليه عملت فيا كده، حررررررام عليك، حـ.ـر.ام عليك، لتتمسك موقع خافقها الذي يعتصر من شـ.ـدة الألــم وتضـ.ـر.ب بقوة صارخة بحرقة وبقهر لا مثيل له وبيأس تملك منها على الأخير:.
متو.جـ.ـعنيش، دقاتك بتقــ,تــلني وقف وريحني، ريحني، انا عايز امـ.ـو.ت، والله تعبت، تعبت
تفوهت بتلك الكلمـ.ـا.ت بأنهيار تام وهي تقبض على خصلاتها بجنون وكافة جسدها ينتفض وينتفض تزامنًا مع عبراتها المتألــمة التي لم تنضب وصوت شهقاتها المتعالية وصراخها.
يصدح بأرجاء المكان وقد وصل صداه بكل وضوح لصاحب القلب المنشطر الثائر لكرامته الذي اتى منذ وقت قليل لذات المكان الذي جمعهم كعادته كل يوم وقت الغروب ولحُسن حظها شَهد على انهيارها بعيون حائرة متألــمة واستمع لكل كلمة تفوهت بها بقلب معـ.ـذ.ب وعقل حائر مشتت بعيد عن ضلالها، وكأن الله ارسلها بذات التوقيت عن عمد حتى يجعل قلبه يرق لها ويؤثر عليه لكي يلملم شتاته و يرأف بها.
غابت الشمس وحل الليل بقتامته التي أصبحت تضاهي تلك القتامة التي احتلت روحها فقد قررت بقرارة نفسها أن لا تذرف المزيد من اجله وسوف تجاهد وتصمد كي تتخطاه كما تخطاها و ها هي تعود للمنزل بهيئة متعبة للغاية و وجه شاحب وملامح متهدلة بإنكسار وعيون ساهمة يتحجر بهم الدmع تسير بتؤدة لمدخل المنزل حين أتاها صوت تعلم صاحبه تمام المعرفة:
كنتِ وين ياجلب خالك انا بجالي كتير منتظرك.
رفعت رأسها وابتلعت غصتها بعيون زائغة وهمست متفاجئة:
خالي، ازيك، انا كنت، كنت بتمشى بالعربية شوية...
هز رأسه بتفهم وقال بمحبة يتوارى خلفها الكثير:
وماله يا بتي ميضرش واصل طيب ايه مش هتسلمي عليا يا جلب خالك
تقدmت منه نادين ومدت يدها تصافحه كما تعودت ولكنه جذبها لأحضانه قائلًا:
اتوحشتك يا بتي طمنيني عنك، حجك عليا انشغلت في السخماطة الإنتخابات ومجدرتش ادلى من وجتها
هزت نادين رأسها وخرجت من بين يده متمتمة:.
ولا يهمك ياخالي
إن شاء الله العمر كلاته ليكِ يا بت غالية
قالها وهو يدس يده بجلبابه ويخرج عُلبة من المخمل يقدmها لها قائلًا بتباهي:
ده حلج دهب جيراط24 مش خسارة فيكِ
شكرًا يا خالي
ربت على كتفها وكان سيتسأل عن ما يشغله لولا أن صوت ثريا صدح مجلجلًا:
خير ايه اللي جابك يا عبد الرحيم؟
قالتها هي بعدmا هرولت من الداخل كي تلاحق الموقف وهي تعاتب نادين بنظراتها كونها اقلقتها عليها و خرجت دون أن تعلمها، نكثت نادين نظراتها خــــوفًا أن يظهر العتاب بها كونها أخفت عليها أنه يحاكيها ويصر على رفضه لها.
ليقول عبد الرحيم بنوايا غير بريئة بالمرة:
اباي عليكِ يا وَليه مش رايدة أَچي ولاإيه، ده أنا بجالي سنين بستنى اليوم اللي تتم فيه بت غالية السن اللي الجانون جال عليه.
تناوبوا النظرات بينهم حين تساءل هو بخبث:
أمال فين الغريب؟
ابتلعت هي غصة بحلقها وشحب وجهها ولم تجيب ولكن ثريا ارسلت لها نظرة مطمئنة وأردفت بحماية وبشراسة أم تحمي ابنائها:
ابني مسافر في شغل، واخر مرة تقول عليه غريب ابني ليه أسم وانت عارفه كويس...
واه محموجة إكده ليه هو أني غلطت في البخاري إِياك
استغفرت ثريا بصوت جهوري، لتحين منه بسمة متهكمة ويتساءل:.
خلاص ميبجاش خلجك ضيج إكده كل الحكاية إني متعچب كيف يسافر ويهملكم لحالكم في الدار
شغل وكان لازم يسافر ضروري
ضيق عيناه بشك يحاول أن يسبر أغوارها فهو يشعر أنهم يخفون شيء ما لذلك تساءل بترقب:
شغل ايه ده مش بالع الجصة
مفيش قصة ولا حاجة يا عبد الرحيم وتعالى اتفضل خد واجب ضيفتك علشان تلحق ترجع البلد.
هز رأسه ببسمة مفتعلة يداري بها الغل الذي يتفاقم بداخله لتلك السيدة و ولدها، ليسيروا أمامه وإن كادوا يدلفون للداخل توقفت سيارة أمام بوابة المنزل وتدلى منها المحامي حاملًا حقيبته واقترب منهم بخطوات منتظمة جعلت ثريا تنتبه له وتتساءل بريبة:
خير ايه اللي جاب المحامي هنا؟
اجابتها نادين:
هو كلمني الصبح وقالي انه جاي بليل.
لتتساءل ثريا من جديد تحت نظرات عبد الرحيم المترقبة:
طب جاي ليه مقلكيش؟
نفت نادين برأسها بجهل، في حين وصل المحامي لوقفتهم قائلًا:
مساء الخير يا جماعة، اسف لو اتأخرت يا مدام نادين
هزت نادين رأسها بمعنى لا داعي للأسف بينما رحبت ثريا قائلة:
اتفضل يا متر يارب يكون خير.
ليدخلوا جميعًا للداخل ويوضح المحامي سبب الزيارة ان يامن اوكله للقيام بكل شيء وقد انهى كافة الأجراءات وحتى أن كل شيء يتوقف فقط على توقيعها قبل أن توثيق كافة العقود والمستندات اللازمة في الشهر العقاري، وها هي بعد شرح عدة أمور معقدة تضع توقيعها دون حديث بملامح بائسة لابعد حد تحت نظرات عبد الرحيم التي تلتمع بالجشع ويقطر منها خبث مقيت...
كده خلصنا توقيع كل المستندات.
قالها المحامي بعملية شـ.ـديدة وهو يرتب الورق داخل الملف بيده ويضعه بحقيبته ويضيف وهو يناولها ورقة أخيرة قائلًا بأسف:
ودي، قسيمة طـ.ـلا.قك يا مدام نادين، استاذ يامن طلب مني اسلمهالك بنفسي.
فرت الدmاء من وجهها وتعالت وتيرة انفاسها واتسعت عيناها بذهول وهي تتناولها من يده وتجول بعيناها عليها لتتأكد من الأمر وهي تشعر بقلبها يعتصر بين ضلوعها لا تصدق أنه انهى كل شيء بتلك السهولة وخرج من حياتها بتلك الطريقة المهينة
تناوبت النظرات بين القسيمة وبين ثريا التي ضـ.ـر.بت اعلى صدرها وقالت متحسرة بخزي:
يالهوي، يا لهوي ليه كده يا ابني، ليه حـ.ـر.ام عليك...
ليهب عبد الرحيم واقفًا ويسحب القسيمة من يدها يطلع عليها متفاجئاً:
واه يعني ايه الحديت ده؟
يعني الغريب طلجها صُوح
اجابه المحامي بعملية شـ.ـديدة وهو يحمل حقيبته ويهم بالمغادرة:
ايوة يا فنـ.ـد.م واللي أعرفه أن أستاذ يامن رمى عليها يمين الطـ.ـلا.ق من مدة طويلة
هنا احتدت نظرات عبد الرحيم وهدر بحدة موجهًا حديثه إليها:
الحديت ده صُوح يا بت غالية
رفعت نظراتها الضائعة له وهي
مازالت لم تستوعب الصدmة حتى انها لم تجيبه.
ليستأذن المحامي بأدب وما أن غادر
كرر عبد الرحيم بحدة أكبر وهو يرفعها من ذراعها لمستواه:
انطجي يا بت غالية حُوصل ولا لع
هنا اجابته ثريا بشراسة واحالت بينهم تحميها خلف ظهرها قائلة بدفاع مستمـ.ـيـ.ـت:
ايوة طلقها بس هيردها، لما يرجع ابني بيحبها وهي كمان بتحبه وميقدروش يعيشوا من غير بعض
حانت منه بسمة متغطرسة لابعد حد وأجابها بخبث مقيت:
حب ايه اللي هتجولي عليه!
هي لعبة إياك أنتوا خابرين أن ملهاش أهل وناس ولا إيه هتبيعوا وتشتروا بيها أنتِ و وَلدك من غير ما تعملوا لأهلها أي اعتبـ.ـار
ردت ثريا مدافعة:
هي اتربت وسطينا ولينا فيها اكتر ما ليكم وبعدين اهدى وكل شيء ليه حل
اغتاظ من حديثها وهدر بحقد دفين:
عندك حج كل شيء وليه حل والحل والربط بجى في يدي يا ست ومعت عـ.ـر.فيش تجفي جصادي لا أنتِ ولا الغريب وَلدك
لتغمغم ثريا بقلب منقبض:
يعني ايه؟
بت غالية مكانها وسط اهلها وناسها ومش هعاود البلد إلا وهي جَبل مني
نفت ثريا برأسها وصرخت وهي تحمي تلك الساهمة بضياع خلف ظهرها:
على جثتي يا عبد الرحيم مش هتخدها...
هنا جذبها عبد الرحيم بغل من خلف ظهر ثريا وكأنها دmية بالية لا روح بها وباشر حديثه بعدmا اخشوشنت نبرته بأصرار مقيت:
هي كلمة وجولتها ومعاش ولا كان اللي يرد ليا أمر، ادخلي لمي خلاجاتك يا بت خيتي هنعاود البلد دلوجت.
صرخت ثريا من جديد وهي تحاول تخليص نادين من يده القاسية:
بلاش تنوي على الشر يا عبد الرحيم وسيب البـ.ـنت جوزها هيرجع ده سوء تفاهم وهينتهي بلاش تخرب حياتهم بطمعك وانانيتك
حانت منه بسمة متغطرسة تقطر بالخبث وأجابها بأنتصار:
جولي ما بدالك ما خلاص وَلدك وفر عليا كتير انا من مكنتش بالع الچوازة دي من الاول بس هجول ايه الله يسامحه عادل هو اللي حكم رأيه وجتها وجه الوجت إني اُصلح غلطه الواعر ده...
كادت تستأنف ثريا دفاعها المستمـ.ـيـ.ـت لولآ أن نادين منعتها وخرجت عن صدmتها قائلة أخر شيء توقعت ثريا أن يصدر منها:
أنا هاجي معاك البلد يا خالي وهسمع كل اللي تقولي عليه
لطـ.ـمـ.ـت ثريا صدرها وصرخت بصدmة عارمة:
بتقولي ايه يا نادين عايزة تروحي هناك برجليكِ...
غمغمت نادين بإنكسار اصبح جلي على تقاسيمها:.
هو عنده حق هما اهلي وانا مبقليش غيرهم، وانتِ عملتي علشاني كتير اوي ومش مضطرة تعملي اكتر أنا هفضل مدينة ليكِ العمر كله يا ماما ثريا...
حاولت ثريا اقناعها في محاولة بائسة منها كي تجعلها تتراجع عن قرارها:
متيأسيش يا بـ.ـنتي والله هيرجع واصحابك هيثبتوا برائتك وكل حاجة هتتصلح
نفت هي برأسها وغمغمت بقهر وبقلب يتلوى بين ضلوعها من شـ.ـدة الألــم:.
هو خلاص خرجني من حياته بكامل ارادته وأثبت ليا أنه اتخطاني وعلشان كده لازم انا كمان اتخطاه وابعد ومتقلقيش عليا هبقى وسط أهلي و هبقى كويسة، لتخفت نبرتها بألــم ويرتعش فمها تقاوم البكاء وتستأنف بوهن:
هحاول، صدقيني هحاول ابقى كويسة...
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تركض لداخل غرفتها كي تلملم اغراضها تاركة ثريا ترتمي على قرب مقعد تبكي بحرقة على ما اصاب حياة ابنائها، بينما عنه كان يشاهد بكائها ببسمة خبيثة متشفية وهو يشعر بالامتنان ل ذلك الغريب كما يطـ.ـلق عليه كونه وفر عليه عناء تخريب حياتهم كي يحصل على مراده...
↚
تبدو بعض التغييرات سلبية على السطح، لكنك ستدرك قريبًا أنه يتم إنشاء مساحة في حياتك لظهور شيء جديد.
إيكهارت تول.
احضرتهم اليوم لمنزل ثريا وقبل الموعد المتفق عليه وها هي تجلس داخل سيارتها بزاوية بعيدة تنتظر حضوره والتـ.ـو.تر والقلق يكاد يفتك بها فتلك المرة الأولى التي يجتمعون بها معه منذ طـ.ـلا.قهم وحقًا تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـبة أن يخبرهم شيء يفوق استيعابهم كعادته ويخرب نفسيتهم ويضيع ذلك المجهود الجبـ.ـار التي تؤديه هي في إصلاح ما أفسده.
لمحته من بعيد يهرول في طريق المنزل بخطوات مسرعة استشفت لهفتها من تلك البسمة الواسعة التي تعتلي وجهه، وحينها شجعت ذاتها وغادرت لعملها ولكن بأعصاب تالفة للغاية...
بينما هو فور استقبال ثريا له و دخوله من باب البيت جثى على ركبتيه فاتح ذراعيه لأبنائه مرحبًا بعناقهم ولكن هم ظلوا يتناوبون النظرات بينهم بتردد لحين شجعتهم ثريا قائلة:
سلموا على ابوكم يا ولاد مالكم!
غامت عينه وهو يدرك أنهم خائفين منه ورغم ذلك حاول طمأنتهم:
متخافوش يا حبايبي، قربوا أنتوا وحشتوني أوي
هزت شيري رأسها وحثت شريف على التقدm وما أن أصبحوا أمامه ضمهم له وظل يغدقهم بقبلات خاطفة تنم عن شوقه العارم لهم، قائلًا بنـ.ـد.م:
حقكم عليا والله ما هزعلكم تاني ولا هبعد عنكم تاني أنا غلطت سامحوني..
ليعقب شريف :
انت وحشتنا يا بابي واحنا خلاص مش زعلانين منك.
دثرهم من جديد بأحضانه وظل يصرح بحبه لهم ومدي اشتياقه، بينما ثريا رغم حالة الحـ.ـز.ن التي سيطرت عليها إلا أن بسمتها تزين ثغرها تأثرًا بلقائهم
وكم تمنت عودة ذلك الغائب قبل فوات الآوان، فا إلى الآن لم يعود ولا علم له بما حدث فيبدو أنه مازال لا يريد أن يعطي عقله الثائر هُدنة رادعة ليتنحى عن رأيه.
أما عن صاحب القناعات الراسخة فقد كاد يجن ليطمئن عليها وخاصًة بعدmا هاتفته مُربيتها واخبرته بأعتراض ابيها وحبسه لها ومنعها من الخروج أو التواصل معه رغم أن ذلك كان متوقع إلا أنه ايقن أن مهمته ليست بيسيرة بالمرة ولكن لا يهم هو على أتم الاستعداد لتحمل العواقب وها هو يقف أمام قصر أبيها حامل باقة كبيرة من الورود واتى خصيصًا كي يصدق على وعد قلبه فقد.
زفر انفاسه دفعة واحدة ليشجع ذاته ثم طرق عدة طرقات منتظمة على باب القصر بعدmا سمح له الحارس على البوابة الرئيسية بالفوت دون عناء كونه يعرفه معرفة وثيقة من فترة عمله معهم.
استقبلته الخادmة حين طلب بأدب مقابلة فاضل لتسمح له وتجلسه بغرفة الصالون التي رغم انه دخل القصر لعدة مرات أثناء عمله هنا ولكن تلك المرة الأولى التي يدخل بها تلك الغرفة التي فور أن أصبح داخلها شعر كونه في قصر من قصور ملوك العصر القديم من شـ.ـدة الترف وما تحويه الغرفة من فضيات و مقتنيات وتحف ثمينة تضج بالفخامة والرقي.
وبالطبع لا يوجد أي مقارنة بين حياته وحياتها وذلك ما جعله يرتبك قليلًا ويزفر أنفاسه دفعة واحدة و يمرر يده على مؤخرة عنقه كي يخفف من ربكته ويهدأ حاله ولكن تناهى إلى مسامعه صوت طرقات حذاء انثوي تقترب من موقعه زادته ربكة على ربكته حين علم هوية صاحبتها فمن غيرها تلك الصفراء التي يقطر الخبث من عيناها، نهض من جلسته ينظر لها نظرة عميقة مطولة ذات مغزى.
جعلت بسمة مستخفة تعلو ثغرها وهي تراه متأنق بشـ.ـدة و باقة الورود التي جلبها مسنودة على الطاولة الصغيرة، لتطالعه بتكبر وتقول ببسمة مستفزة:
ليك عين تيجي لغاية هنا؟
زفر بقوة وقال بكامل صوته الأجش بكل ثقة:
انا جاي اقابل فاضل بيه ياريت تديله خبر
قهقهت هي بإستفزاز وتهكمت:
أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن رسمي، أنت فاكر فاضل ممكن يسمعك اصلًا
لازم يسمعني ومش همشي من هنا غير لما اقابله
إصراره اغاظها لذلك قالت متهكمة كي تذكره:.
يظهر أن العلقة اللي اخدتها مكنتش كفاية علشان تعقلك
جز على نواجذه بقوة وهز رأسه قائلًا بغـ.ـيظ:
ويظهر برضو شوية العيال اللي بعتيهم ليا مقالولكيش إني طحنتهم وعلمت عليهم و لو مكنوش خدوني من ظهري وعلى خوانة كنت سلمتهم بأيدي وخليتهم يعترفوا أنك أنتِ اللي وراهم...
زاغت نظراتها وشحب وجهها حين أضاف ايضًا بكل ثقة:.
بس متقلقيش ملحوقة اصل الواد اللي اعتمدتي عليه واد خايب ومفضوح وليه صحيفة سوابق تسد عين الشمس وانا اديت اوصافه بالملي للبوليس وعرفنا هو مين، ليبتسم بسمة واثقة للغاية ويقول متهكمًا:
قريب اوي سنقر هيتقبض عليه ودورك جاي يا دعاء هانم
هزت قدmيها بحركة متـ.ـو.ترة وقالت بتبجح:
مش هتعرف تثبت حاجة يا جربوع وتصدق أنا غلطانة كان لازم اقولهم يخلصوا عليك ويدفنوك في الصحرا علشان تكون عبرة لأمثالك.
قهقه محمد بكامل صوته الأجش مستخفًا من تهديدها، لتستشيط هي غـ.ـيظًا قائلة:
انت
كادت تسبه لولآ صوت فاضل الذي نفضها:
دعاء...
تعالت انفاسها وتلبست دور البراءة قائلة كي تداري على فعلتها مغيرة سير الحديث:
تعالى يا فاضل شوف بجاحة البيه السواق جاي عايز يقابلك
نظر لها فاضل نظرة مطولة لم تتفهم منها شيء ثم أمرها بإنفعال:
اتفضلي سبيني معاه...
هو انت هتسمعه اصلا وتقعد معاه!
هز رأسه وكرر بملامح لاتفسر:
اتفضلي يا دعاء.
دبت الأرض بكعب حذائها وغادرت الغرفة ليجلس فاضل و يدعوه للجلوس قائلًا بجدية:
جاي ليه اتكلم من غير مقدmـ.ـا.ت..
اجلى محمد صوته وقال بشجاعة وهو يجلس من جديد:
بصراحة انا جاي اطلب ايد بـ.ـنت حضرتك
استنكر فاضل:
افنـ.ـد.م
تمسك محمد برزانته واستفاض بهدوء وبكل ادب:.
انا، عارف أن طلبي غريب وزمان حضرتك بتقول إني مـ.ـجـ.ـنو.ن ونسيت الفوارق بينا بس أنا محتاج حضرتك تفهمني أنا دخلت من الباب وبطلب ايدها رسمي من حضرتك، انا للأسف معنديش ضمانات بس كل اللي اقدر اقوله لحضرتك إني هكون أمين عليها وهصونها وهتقي الله فيها أنا دلوقتي شغال في شركة كبيرة والحمد لله اثبت جدارة وبشتغل كمان شغلانة تانية علشان ازود دخلي، وانا طموحي ملوش أخر وإن شاء الله ربنا هيكرمني.
أنت جريء، وطلبك أجرأ، وللأسف مقولتش حاجة اقنعتني مهما كان اللي وصلتله أو اللي هتوصله مش هيغير حقيقة أنك كنت سواق عندي وأنا لا يمكن اجوز بـ.ـنتي الوحيدة لواحد زيك...
مسد محمد جبهه بأبهامه وسبابته مرتبك من رفضه الصريح له ولكنه لم ييأس وقال بإصرار:.
فاضل بيه أنا مقدر موقفك كأب وعارف ممكن تكون أخد فكرة غلط عني وتكون مفكر إني طمعان فيها وففلوسك، أنا الحمد لله عيني مليانة وعمري ما طمعت في حاجة مش بتاعتي ولو حضرتك عايز تاخد أي ضمانات عليا أنا معنديش أي مانع علشان اثبتلك حُسن نيتي، ليضيف بحرج شـ.ـديد وهو منكس الرأس:
أنا طالب حلال ربنا وعندي أمل فيه كبير وبتمنى تديني فرصه اثبتلك أن فكرتك عني مش في محلها.
طلبك مرفوض أنا معنديش بنات للجواز وأي حاجة هتحاول تثبتها متشغلنيش أنا اللي يهمني الشكل الاجتماعي وأظن أنك عارف حجمك كويس ومتخلنيش اجـ.ـر.ح فيك اكتر من كده
تناول نفس عميق يحفز به ذاته ويحثها على المثابرة ثم استمـ.ـا.ت قائلًا حين رأه يهب واقفًا ينهي المقابلة:
فاضل بيه ارجوك، بلاش يكون حكمك قاسي عليا وعليها اديني فرصه...
المقابلة انتهت أنا معنديش وقت اضيعه اكتر من كده، عن اذنك عندي شغل ومتهيئلي أنت عارف باب الخروج منين
قالها فاضل وهو ينسحب من الغرفة ولكن محمد لحق به وقال راجيًا بخــــوف حقيقي وبأهتمام أثار دهشة فاضل:
فاضل بيه، هخرج بس لو سمحت بلاش تقسى عليها هي ملهاش ذنب لو عايز تعـ.ـا.قب حد عـ.ـا.قبني انا بس بلاش تحبسها ميرال مينفعش تفضل لوحدها.
ضيق فاضل عيناه مستغربًا من ذلك الأهتمام والقلق الذي يقطر من حديثه ويظهر جلي بداخل عيناه، مما جعله يشكك قائلًا:
يظهر أنك تعرف حاجات كتير عن بـ.ـنتي!
اجابه محمد بنوايا بريئة لا يكمن خلفها سوى خــــوف عظيم على مالكة قلبه:
اعرف اللي حضرتك متعرفهوش علشان كده بترجاك بلاش تقسى عليها و تحبسها
نظر له فاضل نظرة عميقة يستنكر ثقته التي تحدث بها فلا لا أحد يعلم عن ابـ.ـنته اكثر منه أو هكذا يظن بينما في ظل تلك الأفكر التي تداهم فاضل كان محمد لا يستطيع تفسير نظراته إلا حين قال فاضل بإصرار:
ميرال بـ.ـنتي الوحيدة ومش من حق أي حد يقولي اعاملها ازاي.
ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يتركه ويدخل غرفة مكتبه
ليزفر محمد مستغفرًا بسره ويكسو الحـ.ـز.ن معالم وجهه ويقف ينظر لآثاره بخيبة أمل شـ.ـديدة اكتملت بأقترابها من جديد و قولها بشمـ.ـا.تة وكيد لا مثيل له:
مستني ايه، برا.
قالتها بطريقة مهينة وهي تؤشر على الباب بكل عجرفة، مما جعل دmائه الحامية تتدفق لرأسه ويكاد يفعل ما يخشى عقباه ولكنه تماسك وظل محتفظ برزانته المعهودة حتى لا يفسد الأمر أكثر ثم غادر بخطوات ثابتة للخارج وهو يجر خلفه اذيال الخيبة تاركها تربع يدها ويعتلي ثغرها بسمة منتشية متشفية.
اتفضلي...
قالتها رهف وهي تضع عدة رسومـ.ـا.ت وملف مرفق معهم على مكتب سارة التي قالت مستفسرة:
ايه ده يا رهف
ده مخطط عيادة الدكتور ودي تكلفة الخامـ.ـا.ت محتاجة توقيع حضرته
طيب وجيبهالي انا ليه، ده Client بتاعك وانتِ اللي مسؤولة عن شغله
سارة الله يخليكِ اعفيني، الدكتور ده غريب اوي وطريقته اغرب والنهارده بالذات انا اعصابي مشـ.ـدودة ومضمنش نفسي
تركت سارة مقعدها وجلست مواجه لها تربت على ساقها متسائلة:.
اعصابك مشـ.ـدودة ليه؟
تنهدت هي بضيق واخبرتها:
الولاد راحوا يشوفوا ابوهم النهاردة وبصراحة متـ.ـو.ترة خايفة يبوظ الدنيا زي عوايده ويقول كلام ميعرفوش يستوعبوه ويأثر عليهم بالسلب
رهف أكيد هو عنده عقل وبعدين أنتِ قولتي أن خالته قالتلك انه نـ.ـد.م واتغير وأنهم وحشوه وعرف قيمتهم، متقلقيش وسيبيها على ربنا
هزت رهف رأسها بينما استأنفت سارة:
نرجع لسيرة الدكتور قوليلي عملك ايه؟
زفرت رهف انفاسها وبررت:.
كل كلامه هزار ومبيتكلمش كلمتين جد وانتِ عارفة مبحبش الاستظراف ومبحبش حد يتعدى حدوده معايا تحت أي ظرف
تنهدت سارة وداعبتها:
أنتِ هتقوليلي عقد من يومك يا حبيبتي
رفعت رهف حاجبيها مستاءة لتستأنف الأخرى بتراجع:
خلاص، خلاص هتكتم
اتصلي بيه انتِ وخدي توقيعه وانا بعد كده هشرف على الشغل وامري لله
تقلصت معالم سارة وقالت متحججة:.
يا رهف علشان خاطري انا الشغل متلتل فوق راسي، والله ده الدكتور زي العسل وعلى فكرة هو طريقته كده مع الكل مش معاكِ بس، وبعدين انا شايفة ان زي ما حكتيلي هو متعداش حدوده ولا حاجة انتِ بس اللي بقيتي حساسة اوي تجاه الرجـ.ـا.لة ومش بطيقي حد يوجه ليكِ كلام بعد طـ.ـلا.قك
زاغت نظراتها لثوانٍ وتسائلت معاتبة وهي تفرك يدها بشيء من الأرتباك:
قصدك إني بقيت معقدة مش كده يا سارة
نفت سارة برأسها مستنكرة وردت:.
والله ما اقصد يا رهف انا عارفة أنك قوية و بتحاولي تتخطتي الأزمة بطريقتك وعلشان كده كارهة كل حاجة بتفكرك بكـ.ـسرتك وباللي حصلك وانا عذراكِ، بس لو عايزة رأي طالما قررتي تشتغلي وتحتكِ بالناس يبقى لازم يكون عندك مرونة أكتر من كده
زفرت هي بضيق وقالت حقيقة تهربها:.
يمكن عندك حق، الدكتور ده كان شاهد على اكتر وقت كنت مكـ.ـسورة فيه وبصراحة فكرة أنه شالني وانا بنزف ولحقني بتخليني عايزة الأرض تنشق وتبلعني من الأحراج...
نظرت لها سارة بتعاطف و واستها قائلة:
هو كان مضطر لكده يومها وانتِ مكنتيش في وعيك وبعدين كتر خير الراجـ.ـل انه ساعدك يا رهف أنتِ مفروض تشكريه مش تعامليه بقلة ذوق في كل مرة ويمكن الصدفة الغريبة دي حصلت علشان تردي جميله اللي في رقبتك.
تنهدت بقوة مقتنعة بعض الشيء بحديثها الذي يشابه حديث سعاد لحد كبير ثم قالت بحيرة:
كلامك نفس كلام سعاد، بس مش عارفة انا متلخبطة، لتغمض عيناها تستعيد شيء من شجاعتها قائلة:
بصي انا هكلمه بس مضمنش نفسي
ابتسمت سارة بسمة هادئة تنم عن ثقتها بتقديرها للأمور ثم شجعتها قائلة وهي تتناول هاتفها وتخرج رقمه من قائمة الأسماء:
تمام خدي رقمه وكلميه.
تنهدت هي واخرجت هاتفها تسجل رقمه ناقله اياه من على شاشة الهاتف الأخر ثم اعطتها اياه، لتقول سارة راجية:
رهف علشان خاطري وخاطر مصلحة الشركة طولي بالك وحاولي متبقيش قليلة الذوق معاه
تنهدت رهف حانقة من تلك السيرة بأكملها ثم عقبت:
هحاول...
أما عن تلك الصفراء التي يقطر الخبث من عيناها فقد استغلت الأمر وباشرت في تنفيذ خطتها حين صدح صوتها مناديًا على مُحبة وجاءتها قائلة:
أأمري يا هانم
تصنعت دعاء الاهتمام قائلة:
طمنيني على ميرال يا محبة دي صعبانة عليا مـ.ـو.ت
حركت مُحبة شفتيها يمينًا ويسارًا واجابتها متهكمة:.
لما فاضل بيه بيفتحلي الباب علشان أَشقر عليها بلاقيها قاطعة الزاد ودmعتها منشفتش من على خدها، بس هقول ايه منه لله المؤذي اللي كان السبب..
قصدك ايه! انا مقلتلوش يحبسها وبعدين هي غلطت فيا ومدت ايدها عليا ومع ذلك علشان أنا قلبي طيب سامحتها واخدت من فاضل المفتاح علشان أخرجها
جحظت عين مُحبة بعدm تصديق ولكن دعاء مدت لها المفتاح مؤكدة:
خدي طلعيها وبتمنى تعقل وتعرف أن أنا و باباها عايزين مصلحتها.
احتضنت مُحبة المفتاح بين راحتها وعقبت بتوجس مستغربة ما يبدر منها:
ربنا يهدي
ابتسمت دعاء بإصفرار وراوغتها لعدة دقائق أخرى لحين أتت خادmتها التابعة لها التي تنقل لها كل شيء بغيابها داخل القصر
لتسمح ل مُحبة بالمغادرة بينما الأخرى اقتربت منها قائلة بطاعة:
عملت اللي قولتيلي عليه يا هانم
حانت من دعاء بسمة متخابثة ثم قالت بسعادة كونها ستنفذ غايتها التي طال انتظارها:
برافو عليكِ.
هاتفته وحاولت قدر المستطاع أن لا تكون فظة معه فقد اخبرته بإقتضاب شـ.ـديد أن يحضر لمقر الشركة لأمر هام وبالفعل هاهو يصل لتوه وتنهض مصافحة اياه بتحفظ شـ.ـديد قائلة:
اهلا يا دكتور اتفضل
جلس نضال بالمقعد المواجه لمكتبها بملامح بشوشة قائلًا:
خير يا بشمهندسة
اجابته هي بعملية وهي تمد المخطط له والملف المرفق معه:
ممكن تطلع على الملف ده هتلاقي الميزانية التقريبية للتنفيذ بتمنى تناسبك.
ظل محتفظ ببشاشته وأومأ لها ثم سحب الملف يطلع عليه بعيون مدققة، بينما هي انتظرت تعقيبه او ابداء رأيه وهي تطرق بقلمها على سطح المكتب بحركة هادئة تزايدت وتيرتها شيء فشيء عنـ.ـد.ما كان يتمعن بالورق ويهز رأسه بطريقة استفزتها للغاية وكم تمنت لو تفوه بشيء يعبر عن استحسانه بدلًا من صمته المقيت ذلك، وكأنه كان يستمع لأفكارها لذلك تحدث دون أن يرفع عينه من على الملف:
شاي بحليب.
ألقت القلم من يدها مستغربة ما تفوه به:
افنـ.ـد.م
رفع منكبيه بكل عفوية وقال وهو يمط فمه:
اشرب شاي بحليب، هو انا قولت حاجة غلط مش كنتِ هتسأليني اشرب ايه ولا أنتِ بخيلة يا بشمهندسة
قلبت عيناها بنفاذ صبر من طريقته المستخفة وردوده الغير متوقعة دائمًا بكل شيء ولكنها صمدت بأعجوبة كما وصتها سارة من اجل مصلحة العمل وتناولت سماعة الهاتف قائلة من بين اسنانها:
واحد شاي بحليب في مكتبي
أضاف هو بهدوء استفزها:
و واحد ليمون.
رمشت عدة مرات حين برر هو:
ليكِ مش ليا علشان حاسك متـ.ـو.ترة
حسنًا هو محق هي تحتاج شيء يهدئ من اعصابها قبل أن تنقض عليه وتقوم بطرده من المكان بأكمله
و واحد ليمون
وضعت السماعة تزامنًا مع وضعه للملف من جديد أمامها لتتساءل بعملية شـ.ـديدة:
ها بتمنى اسمع رأيك ولو عندك اعتراض او تعديل اتفضل قول
نفى برأسه واخبرها ببساطة دون تعقيد:
لأ دي تمام اوي...
تنهدت وكررت سؤالها:.
يا دكتور لو سمحت حضرتك لو عندك أي تعديل تقدر تقوله علشان هيبقى صعب بعد كده نعدل
رفع نظارته ومسد منحدر أنفه قائلًا ببساطة وثقة متناهية عززت ثقتها بذاتها:
بصراحة أنا ميشغلنيش كل ده ومش لازم تشركيني في التفاصيل أنا واثق في ذوقك وقولتلك اعملي الأنسب أنا معنديش أي مشكلة...
قالها تزامنًا مع دخول عامل البوفيه إليهم واضعًا الصينية بيده على المكتب بأدب لتشكره رهف ببسمة هادئة ممتنة له غافلة عن عيون الأخر التي جمدت عليها:
شكرًا يا عم راضي
أومأ لها الرجل قائلًا:
تحت أمرك يا ست الكل تأمريني بحاجة تانية.
نفت برأسها وشكرته ليستأذن هو وما أن خرج وئدت بسمتها وعادت لتحفظها حين ادركت كونه كان يتابعها ليخفض هو عيناه بحرج ويمد يده يتناول كوب الشاي بالحليب خاصته قائلًا باستحسان بعدmا رشف منه:
عم راضي ده فنان انا مدmن شاي بحليب بس بصراحة اول مرة يعجبني كده
لم تعطي اطراءه أو سير حديثه أهمية بل هدرت بإقتضاب وهي تمد عدة اوراق له ملتزمة بعمليتها ورسمية الوضع:
تمام يا دكتور ممكن حضرتك توقع هنا.
اعتلى حاجبيه من تلك الرسميات القـ.ـا.تلة التي لا تكف عنها وقال وهو يضع الكوب من يده ببسمة بشوشة للغاية:
بغض النظر عن حضرتك الرخمة دي اللي مبتنزليش من زور بس تمام همضي
تنهدت هي بضيق وظلت محافظة على تحفظها حين هدرت دون تفكير:
متعودتش اشيل التكليف بيني وبين أي حد، ومش من حق حد يطفل على حياتي ويفرض عليا اقول ايه ومقولش ايه ولو سمحت وقع الورق ومضيعش وقتي اكتر من كده.
قالتها بعجرفة شـ.ـديدة دون أن تكلف ذاتها عناء المجاملة وهي تظن بذلك ستجعله يلتزم حدوده معها ولا يتعداها بينما هو
تجهمت معالم وجهه وغابت بشاشة وجهه وتحمحم بحرج وهو ينصاع لرغبتها واضعًا توقيعه تحت نظراتها الثابتة:
تمام...
بس ممكن اعرف هتبدأو شغل امتى؟
اجابته برسمية وبنبرة استشف هو بها حدة غير مبررة وهي ترتب الأوراق فور انتهائه منها:.
اسبوع بالكتير انا ملتزمة بتنفيذ اماكن تانية و مضغوطة انا لولآ سارة أصرت مكنتش ألتزمت بحاجة في التوقيت ده
هز رأسه بتفهم وقال بجدية قلما ما يتحدث بها:
تمام بس لازم تحطي اولوية لعيادتي انا فضلت منتظر تلت شهور وبتأجلوا فيا...
بررت بعدm اكتراث:
التأجيل مكنش مني كان بسبب رفض المهندسين اللي قبلي واظن حضرتك عارف السبب كويس
عقد حاجبيه غير راضي عن تهكمها ورد وهو محتفظ بهدوء اعصابه:.
ايه السبب علشان المكان في حتة شعبية مش كده و البيت قديم شوية، ايه المشكلة!
اجابته مندفعة دون تفكير وبهجوم شرس غير مبرر غافلة كون صوتها وصل لكل من بالشركة:
المشكلة أن أي مهندس بيدور على مكان يظهر شغله بصورة أفضل بحيث يبقى دعاية ليه ويتنسب لأسمه في المجال ومتهيألي عيادة حضرتك مفهاش أي حاجة من اللي ذكرتها واصلا اختيار موقعها مش موفق ابدًا فياريت تحمد ربنا إن شركة زي شركتنا وافقت في تنفيذها.
لم يحبذ بتاتًا الصوت العالي يثير اعصابه لذلك هدر بثبات وهو يتحكم ببراعة في ردود افعاله:
منفعلة ليه كده! وبعدين شركتك اللي أنتِ عايزاني احمد ربنا انها قبلت تجهز عيادتي مش هتنفذها ببلاش
هنا هرولت سارة إليهم كي تلاحق الأمر بعدmا لفت صراخهم انتباه الجميع:
في ايه؟كده يا رهف ده اللي وصيتك عليه
وصتيني ايه يا سارة ده حد غريب جدًا.
انا اللي غريب ولا انتِ اللي منخيرك في السما ومش طايقة حد يكلمك، ليمرر يده بخصلاته الشقراء ويسترسل يوضح بنبرة ثابتة رغم ضيقه من استخفافها:.
ايه المشكلة يا بشمهندسة في مكان العيادة أنا أقدر أخد عيادة في احسن مكان في البلد زي ما كل زمايلي بيعملوا بس انا ليا وجهة نظر عيادتي هتبقى خيرية هقدm فيها مساعدات للناس اللي فعلاً تستحقها انا مدرستش الطب علشان يكون منفعة ولا علشان استغل بيه المرضى أنا درست طب علشان رسالة سامية ومهنة إنسانية وميثاق شرف مسؤول عنه ضميري في المقام الأول، ولو في حاجة مش موفقة في اختياري فهو اختياري لشركتكم.
تلجم لسانها وزاغت نظراتها فور حديثه المنطقي والانساني لحد كبير وكم لعنت ذاتها وتسرعها بالحكم عليه في حين صاحت سارة تلاحق الأمر:
دكتور نضال ارجوك اهدى هي اكيد متقصدش
رد هو بجدية ملتزم بضبط ردود أفعاله:
انا هادي بس للأسف يا مدام سارة يظهر إني غلطت لما وكلت شركتك و وثقت في اخيارك
لينظر ل رهف نظرة اخيرة اربكتها ويضيف قبل أن يغادر مكتبها:
عن اذنك يا بشمهندسة، ومن غير حضرتك.
وضعت سارة يدها على فمها غير مستوعبة ما حدث للتو ونظرت لها معاتبة:
طيرتي ال Client، ده اللي اتفقنا عليه...
زفرت هي بقوة وبررت مرتبكة:
سارة هو...
قاطعتها سارة بضيق:
لأول مرة تخذليني يا رهف، كنت فاكرة عندك تقدير للأمور اكتر من كده، لكن للأسف
ذلك اخر ما قالته سارة تاركة اياها ترتمي على مقعدها وتنحني تسند رأسها على حافة المكتب وهي تلعن تسرعها.
فلا تعلم ما أصابها فكلما ارادت ضبط انفعالاتها لا تستطيع وتصدر منها بمنتهى العجرفة وحقًا ذلك الأمر يرهقها فيبدو أن حديث سارة السابق ينطبق عليها و يبدو أيضًا أن نكبتها وما مرت به جعلها مندفعة، متأهبة، بل ومتسرعة ايضًا تحكم على ظواهر الأمور دون أن تكلف ذاتها عناء استكشاف بواطنها وذلك الشيء كان يحـ.ـز.نها فتلك ليست طباعها ولذلك ادركت أن صديقتها مُحقة كونها أصبحت بالفعل مُعقدة.
تناولت نفس عميق وهي مغمضة العين حين لفحها ذلك الهواء العليل الذي داعب شعرها و.جـ.ـعله يتراقص معه في سنفونية ممزوجة بالشجن الحزين، فكانت تقف أمام تلك الشرفة المُطله على ذلك الجمال الساحر وتلك المساحات الشاسعة التي ينتشر بها الحقول الخضراء المبهجة التي فور النظر لها تجذب طاقتك السلبية وتمدك بالراحة، ولكن غالبًا لا يؤثر هذا بها كثيرًا فلم تحظى بالراحة منذ أن.
رافقت خالها تظل ملازمة لغرفتها ولا تغادرها إلا للضرورة عنـ.ـد.ما يلحون عليها، نعم تنال ترحيب من الجميع ولكن شعور غريب من عدm الراحة يرافقها...
واه ما هتمليش من جعدت الشُباك دي
قالتها قمر بود وبطيبة استشعرتها نادين بها منذ اول وهلة لها ببيت خالها فقد احبتها كثيرًا لعفويتها وجمال روحها الذي ينعكس على كل طباعها، قطعت شرودها الدائم قائلة بملامح ذابلة وعيون سكن بها الحـ.ـز.ن:.
أصل المنظر حلو أوي يا قمر والهوا تحسي انه نضيف يريح الأعصاب.
عقبت قمر بخفة تشاكسها كي تخرجها من تلك الهالة الكئيبة التي تحاوطها:
واه وانا اعصابي معتروجش ليه ما أنا بجالي سنين أهنه ومحستش بحاجة واصل
ابتسمت نادين ببهوت واجابتها:
لو كُنتِ عيشتي في القاهرة مكنتيش هتقولي كده كنتِ هت عـ.ـر.في الفرق.
انا اندليت لهناك مرة مع حامد وبصراحة عندك حج القاهرة چميلة بس زحمة جوي وهواها يطبج على النفس.
فعلا القاهرة زحمة وهواها مختلف عن هنا...
لتقول قمر سبب مجيئها:
طب يلا همي معاي عمي شيعني ليكِ عشان تجعدي معانا على الغدا
تنهدت نادين وعقبت وهي تشعر بتقلص معدتها:
مليش نفس يا قمر ومش عايزة انزل
أصرت عليها قمر وأخذت تلح ولكن نادين كان ليس لديها أي رغبة في ترك غرفتها ولا شهية لتناول الطعام، طرقات الباب وصوت خالها الذي صدح من الخارج اجفلهم سويًا:
يلا يا بتي الوكل هيبرد.
سحبت قمر طرف وشاحها الأسود وغطت به فمها قائلة وهي تهم بالخروج من الغرفة:
اهو چالك اتلجي وعدك بجى.
تنهدت هي وقامت من جلستها حين دلف عبد الرحيم وقال بعدm رضا:
وبعدهالك يا بت غالية هتفضلي حابسة حالك إكده
فركت نادين يدها واجابته متحججة:
انا مش حابسة نفسي بس..
قاطعها هو بإصرار:
من غير اعذار هِمي مش هحط لجمة في خشمي من غيرك
تنهدت بقلة حيلة وأومأت له بطاعة
وهاهي تجلس بينهم شاردة بوادٍ اخر تعبث فقط بطبقها دون أن تمسسه حين هدر صوت ونيسة زوجة خالها وهي تلوي شفاهها:
هو الوكل مش عاچبك ولا إيه؟
انتبهت لحديثها وردت بهدوء مجاملة:
لأ يا طنط الأكل جميل يسلم ايدك
لم تلقِ بال لإطراءها بل كل ماشغلها هو:
واه ايه طنط الماسخة دي جوليلي ياما ونيسة كيف باجي الخلج ولا انتِ مستعلية تجوليها يا بت غالية
ابتلعت نادين غصه بحلقها من أسلوب زوجة خالها القاسي والخالي تمامًا من أي لين وقد استشعرته ما أن وطأة قدmيها ذلك المنزل فهي تتعمد أن تلقي بالحديث المتهكم عليها.
وكونها تريد استرجاع قوة نادين القديمة اجابتها:.
متعودتش اقول الكلمة دي لأي حد
هنا زغرها عبد الرحيم بنظراته وقال بمسايرة:
هملي البِنية يا ونيسة هي كيف ما تعودت.
اعترضت ونيسة متهكمة وهي تطالع نادين بنظرات تقطر بالحقد:
اهملها كيف هي العجربة احسن مني في ايه علشان تقولها يا أما وانا لع.
تناوبت قمر النظرات بينهم وهي تعلم أن والدة زوجها لن تمرر الأمر مرور الكرام بينما حاول حامد التدخل:
ياما ملناش صالح بحد وبعدين بـ.ـنت عمتي لساتها مخدتش عليكِ
كيف يعني؟
اعترضت ونيسة على دفاع ولدها في حين فاض الكيل ب نادين لتلقي بمعلقتها داخل الطبق محدثة صوت عالي لفت أنظار المحيطين لها وقالت بنبرة ثابتة تخالف ارتجاف دواخلها وذلك الخواء التي تشعر به، صامدة كي توقف تلك السيدة عند حدها بعدmا اهانت لتوها أكثر شخص يعني لها:.
العقربة اللي بتتكلمي عنها هي اللي ربتني وافضالها مغرقاني وعشت سنين معاها عمرها ما جـ.ـر.حتني بكلمة وكانت بتسامح ورغم إني عشت سنين بعاملها على انها عدوتي بس عمري ما حسيت بغربة معاها زي ما أن حاسة وانا بينكم...
قالت أخر جملة بعيون يتحجر بهم الدmع ولكنها تماسكت لأخر لحظة و هرولت لغرفتها تاركتهم يتناوبون النظرات بينهم ليصدر صوت عبد الرحيم ناهرًا زوجته:.
عچبك إكده يا غراب البِين مش جادرة تحطي لسانك اللي بينجط سم ده في خشمك
لوحت ونيسة بيدها وقالت بلا اكتراث:
انا معحبش الدلع الماسخ ده من يوم ما جبتها وهي عاملة علينا هانم وراسها لفوج.
جز عبد الرحيم على نواجذه بغـ.ـيظ واخبرها بصرامة وبصوت جهوري جعلها تنتفض فوق مقعدها:
اسمعي ملكيش صالح بيها واصل و خشمك ده تجفليه على الأخر وهي صوح ست الهوانم دي تحتكم على اللي اهلك كلتهم ميحتكموش على ربعه فاهمة ولا لع يا غراب البِين
هزت ونيسة رأسها وهي تلوي فمها بينما قمر كانت تطرق برأسها وتتناول طعامها خــــوفًا ان ينالها نصيب من حديثه اللاذع
الذي وجهه للتو ل حامد دون أن يعير وجودها أي اهمية:.
وانت يا ولدي رايدك تاخد الكرتة و تاخدها تلفلفها بالبلد عشان تغير لها چو، فرچها على الأراضي وعرفها أن احنا حدانا كتير بَردك زيها عشان متستجلش بينا
لم يلقِ حديث أبيه على استحسانه لذلك اعترض قائلًا:
كيف بس يا بوي رايدني اخرج بيها إكده جدام الخلج وألفلف بيها بصفتي ايه انت عاوز الخلج تلسن علينا
جطع لسانتهم محدش يجدر يجول كلمة أنت ولد خالها ومفهاش حاچة.
تعالت وتيرة انفاس قمر ولاحظ حامد ما اصابها ليمد يده من تحت الطاولة ويتمسك بيدها قائلًا:
خلاص يا بوي اللي تشوفه بس هاخد جمر ويانا وهي فرصة هي كمان محتاچة تغير چو بجالها شهور من وجت ما رچعت من سوهاچ وهي مخرجتش من الدار
لوت ونيسة شـ.ـدقيها بينما عقب عبد الرحيم بجبروت:
وماله لما متهملش الدار مش احسن ما تلفلف على الحُكمة وتعشمك بالباطل.
يابوي عشان خاطر ربنا بلاش حديت ملوش داعي انا جولت رأي ولو معوزش تقدر تاخد أنت بت عمتي وتلفلفها بالبلد على كيفك
صوح أنت اولآ بيها يا عمي
قالتها قمر بتسرع نابع من غيرتها قبل أن تطرق رأسها وتخفي فمها بطرف وشاحها بخــــوف بعدmا تداركت نظرات عبد الرحيم المرعـ.ـبة حين نهرها قائلًا:
الرأي أهنه رأي انا وانا اللي اجول ايه اللي يصوح وإيه لأ مبجاش ناجص غيرك يا أرض پور اللي تجوليلي اعمل ايه.
شحب وجهها ولم تعقب بل غادرت طاولة الطعام وهي تبتلع غصة حارقة بجوفها من إهانته المتكررة التي تعـ.ـذ.بها و تصيبها بالصميم وكأنه لم يكتفي بقلة حيلتها بل أجبراها على الأنقطاع عن المتابعة مع الطبيبة بحجة ان لا نفع منها وبالطبع زوجها رغم عدm رضاه عن ذلك القرار إلا انه لم يعترض كونه لا يستطيع اغضابه فزوجها طباعه مناقضة لطباع ابيه بكل شيء ورغم ذلك كان لوالديه سُلطة مهيمنة عليه، أما هي فمازال الأمل ينبض بداخلها ولم تيأس ومنذ أخر زيارة لها للطبيبة من عدة شهور وهي تأمل في عطاء الله.
زفر حامد بضيق وهو ينظر لأثارها ورد على أبيه مدافعًا عنها:
ليه إكده يا بوي هي مغلطتش لما غارت عليا دي مرتي ويحجلها
زمجر عبد الرحيم واجابه ساخطًا:
لع ميحجلهاش لما تبجى مرة صوح وكاملة زي بجيت الحريم وتجيب عيال يبجى يحجلها.
بكفياك يا بوي مرتي مش ناجصة النجص بعجولنا اللي مش جادرة تستوعب ان مش بيدها
زفر عبد الرحيم حانقًا من دفاع ولده المستمت وقد أدرك أنه حان الوقت ليفاتحه بالأمر ويستغل نقطة ضعفه لصالحه لذلك هدر وهو ينهض ويتوجه لمندرة البيت:
سوي الشاي الغطيس يا ونيسة وچبيه على المندرة عشان رايد ولدك في كلمتين
ليوجه نظراته ل حامد أمرًا اياه:
حَصلني يا ولدي
حاول حامد التملص كي يذهب لأرضاء زوجته:
بس يا بوي اني.
قاطعه عبد الرحيم بحدة أَمر اياه بكل تجبرت:
كلمة ومش هتنيها يا حامد هِم جدامي.
↚
ألا يحق لقلبي الصغير أن يحلم معك دون إن يستيقظ على صوت خطواتك ترحل؟، عدني عنـ.ـد.ما تأتي أن تمسك يدي جيداً وتصرخ في وجه الغياب كي يرحل عنا
خولة حمدي
(في قلبي انثى عبرية).
كانت الوحدة التي وضعها بها قسرًا تكاد تصيبها بالجنون وتجعل العديد والعديد من الأفكار السوداوية تداهمها وكم عبث الشيطان برأسها حينها وأوهمها بالكثير ولكنها جاهدت بشـ.ـدة و استعانت بالصلاة كما علمها هو سابقًا وكان حافز لها لتواظب عليها، والآن لايوجد لديها حيلة لتكبح وساوسه عنها سوى بالتضرع لله فكانت رغم بكائها وانقطاعها عن الطعام إلا أنها كانت صامدة من أجل مالك قلبها فروحها متشبثة به ولا تقدر على مفارقته وقد أقسمت أنها لن تفلته وستصمد من أجله، وحين اطلقت مُحبة سراحها استغربت كثيرًا عنـ.ـد.ما اخبرتها أن دعاء سبب في ذلك، وتوقعت انها فعلت ذلك لغرض ما في نفسها وحقًا هي لا تهتم سوى بخبر مجيئه لمقابلة ابيها ورفضه له لذلك هرولت لغرفة مكتبه قاطعة خلوته وتفكيره العضال بكل ما جرى بقولها:.
ليه رفضته، ليه عملت كده حـ.ـر.ام عليك!
زفر فاضل انفاسه دفعة واحدة وقال بهدوء مريب:
انتِ عارفة السبب كويس.
عاتبته بنبرة تفيض بالخذلان:
اسبابك متهمنيش، أنتِ ليه بتعمل فيا ليه كده! أنت وعدتني انك هتعمل أي حاجة علشان تشوفني مبسوطة ليه بتقسى عليا وعايز تحرمني منه.
تنهد فاضل بضيق وتسأل والفضول يتأكله بعد حديث محمد الواثق له:
الولد ده يعرف إيه عنك أنا معرفهوش؟
احتلت الحسرة تقاسيمها حين أجابته:.
انت متعرفش عني حاجة اصلاً يا بابي ولا عندك وقت تعرف...
تساءل فاضل مشكك بها:
يعني ايه؟
صرحت هي بمكنون قلبها وهي تظنه سيتفهمها:
يعني محمد يعرفني أكتر من نفسي و أنا بحبه ومش هقدر اعيش من غيره ولا أكون لحد غير ليه
يا خبر كلامك ده معناه أن اللي وصلني صح يا ميرال
قالتها دعاء بخبث مقيت وهي تدخل من باب غرفة مكتبه مدعية صدmتها من حديثها.
زاغت نظراتها بعدm فهم بينما تساءل فاضل بحدة:.
ايه اللي وصلك عنها اتكلمي يا دعاء أنتِ ت عـ.ـر.في شيء أنا معرفهوش
مطت دعاء فمها وادعت حسرتها:
اليومين اللي قالت انها مسافرة مع اصحابها فيهم وصلني أنها كانت قاعدة معاه في بيته يا فاضل، انا مكنتش مصدقة لكن بعد كلامها انها مش هتنفع تبقى غير ليه ده اكدلي أن في حاجة حصلت بينهم
لم تتحمل ميرال ادعائها لتصرخ بحمئة وبنظرات كارهة:
أنتِ أزاي بالحقارة دي أنا مش مصدقة، أنتِ شيطان، شيطان.
زمجر ابيها وانقض على ذراعيها يسألها بنبرة يقطر منها الشك:
حصل، كنتِ قاعدة معاه في بيته؟
حاولت هي التوضيح:
بابي متصدقهاش دي كـ.ـد.ابة أنا مكنتش قاعدة معاه في نفس البيت هو...
صفعة قوية جعلتها ترتد على أثرها بالعة باقي دفاعها بجوفها تنظر له بعيون متسعة غير مستوعبة أنه بالفعل تطاول عليها بالضـ.ـر.ب لأول مرة بسبب تحريض زوجته وادعائها عليها، لتبتلع غصة مريرة بحلقها كمر العلقم حين صرخ بها بإنفعال شـ.ـديد وهو يقبض على رسغها:.
هي للدرجة دي وصل بيكِ الاستهتار للدرجة دي معرفتش اربيكِ، وهو لو فاكر أنه علشان ضحك عليكِ وخلاكِ فرطي في نفسك هيقدر يحطني قدام الأمر الواقع ويجبرني أوافق يبقي غلطان، الولد ده هتبعدي عنه نهائي وتقطعي كل صلتك بيه، أنتِ فاهمة...
نفت برأسها بقوة لا تصدق كون ابيها يشكك بها حتى فرت دmعاتها من بحر عيناها وقالت بقهر لا مثيل له نابع من خذلانه لها:.
أنا مش هدافع عن نفسي ولعلمك انا مقدرش اسيبه عارف ليه، علشان هو اكتر حد فارقلي في الدنيا هو اللي شكلني من تاني وصلح فيا اللي انانيتكم وإهمالكم عملوه فيا، لتشهق بحرقة وتستأنف حديثها المغلف بالحـ.ـز.ن دفعة واحدة ودmعاتها تزف حسرتها:.
أنت متعرفش عني حاجة انت طول الوقت كُنت مشغول عني وعندك ألف حاجة أهم مني، ومتعرفش إني كنت كل كام يوم بصاحب واحد علشان نفسي في الأهتمام، نفسي في حد يفكر فيا ويشغل باله بيا وبحياتي، متعرفش إني كنت باخد حبوب مـ.ـخـ.ـد.رة علشان مفكرش واهرب من كل حاجة حواليا، ولا تعرف كام مرة حاولت اخلص من حياتي وأمـ.ـو.ت نفسي متعرفش، متعرفش عني حاجة، بس هو يعرف هو عطاني الحنية والأمان اللي عمرك ما عرفت تدهولي، وعلشان كده مليش احلام غيره وعايزة اكمل باقي عمري معاه، لتنظر له نظرة طويلة متمعنة وكأنها تودعه بها وتقول بكل إصرار وهي تراه يقف مشـ.ـدوهاً أمامها وقد غرغرت دmـ.ـو.ع النـ.ـد.م عينه:.
انا هسيبك زي ما أمي سابتك وعارف كمان أنا لما حبيت بطلت ألومها وفهمت ليه سابتك وفضلت عليك راجـ.ـل تاني...
قالت آخر جملة بشجاعة نابعة من اقتناع تام وهي تهرع من أمامه باكية تاركته ينظر لآثارها بقلب يتمزق من قسوة تلك الحقائق التي لطالما تهرب منها
وحينها داهمته الكثير من الذكريات التي جمعته بوالدتها واشعرته بالاختناق ليحل رابطة عنقه حين تشـ.ـدقت دعاء كي تزيدها عليه وتستغل الأمر لصالحها:.
شوفت يا فاضل بـ.ـنتك وجبروتها كنت بتعارضني علشان خايفة عليها أهو اللي طول عمرك خــــوفت منه حصل وهتخرج عن طوعك وهتعمل زي امها وتسيبك علشان واحد جربوع...
أنتظرت لكي تحصل منه على رد يبرد نيرانها ولكن كان فاضل أبعد ما يكون عن افكارها فكان بعالم موازي يفكر ويفكر وحديث ابـ.ـنته يتردد صداه برأسه كجرس إنذار كاشف الستار عن تلك الخطيئة التي عرتها ابـ.ـنته أمامه وجردتها من مبرراتها و كان يظنها بريئة.
اسمع يا ولدي أنا صبري نفذ ومجدmكش حاچة غير حل من اتنين، انا خابر أنك هتحب مرتك وعشان إكده مش هجبرك تطلجها بس حط في اعتبـ.ـارك بعد كام يوم وبعد ما تنقجضي العدة هيكون كتب كتابك على بت عمتك
قالها عبد الرحيم بنبرة قاطعة لا تفاوض بها وهو يجلس بكل اريحية وكأن ما تفوه به هو المنطق بحد ذاته
مما جعل حامد تتسع عينه بعدm استيعاب ويقول برفض قاطع:.
بتجول ايه يا بوي أنا معوزش اتجوز على مرتي، وبت عمتي كيف اختي تمام
ليكرر عبد الرحيم بصوت جهوري منفعل:
هي كلمة واحدة ومش هتترد يا حامد يأما جَسم ب الله لتكون ولدي ولا اعرفك وتكون حكمت على مرتك بالمرار الطافح
ابتلع حامد غصه مريرة بحلقه وعاتبه:
بتهددني يا بوي
لع يا ولدي بعجلك انا أجدر اجبرك تطلجها واخدها من يدها بجُرصة وارجعها لأهلها ومحدش هيحط عليا عوار بتهم معيوبة
ظل حامد متمسك بدفاعه:.
مرتي مش معيوبة يا بوي وانا هحبها ولو انطبجت السما على الأرض أني مهفرطش فيها
زمجر عبد الرحيم غاضبًا:
يعني أيه الحديت ده على أخر الزمن هتعصاني يا حامد
اجابه حامد بطولة بال خــــوفًا من سخطه:.
يا ابوي لا عاش ولا كان اللي يعصاك بس أنا عيشت العمر كلاته تحت طوعك ومبكـ.ـسرش كلمة تجولها عشان ارضيك وانول رضا ربنا لكن لما تأمرني بشيء زي ده مجدرش اطاوعك يا بوي، ده حتى النبي عليه افضل الصلاه والسلام جال: ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف)
ليفاوضه عبد الرحيم في سبيل إقناعه:.
وانا معوزش معصية أنا عاوزك تتچوز بحلال ربنا وتكتب على بت عمتك هي لحمنا وعرضنا ولابد نحافظ عليها وعلى مالها وانا خابر زين أنها متعلمة ومتنورة وممكن ما تجبلش تتچوزك بس متجلجش انا هجنعها وهي لاممكن تعصاني
تجنعها بأيه، يا بوي بت عمتي مش چاية من ورا الچموسة
حانت من عبد الرحيم بسمة متغطرسة وقال وهو يسند ذقنه على عصاه الابنوسي:
هتوافج ذوج أو عافـ.ـية هتوافج
عاتبه حامد وهو يجثو امامه:.
هتچبرها، حـ.ـر.ام يا بوي جبت الجسوة دي من فين!
زفر عبد الرحيم بقوة وقال والجشع يقطر من حديثه:
دي مش جسوة ده العدل مال خيتي لازم ولابد يرچع تحت يدي وانت لازم تساعدني و واچب عليكِ الطاعة
مرر حامد يده بخصلاته وقال وهو يهب و يدور حول نفسه يشعر أنه على حافة الجنون:
لو طاوعتك يا بوي هكـ.ـسر جلب جمر وانا المـ.ـو.ت عندي اهون
دب عبد الرحيم الأرض بعصاه وهب واقفًا بكل جبروت أمراً اياه:
هي كلمة ومش هتنيها كتب كتابك على بت عمتك بعد عدتها بيوم ومعوزش أي نجاش تاني.
ليغادر عبد الرحيم المندرة تارك ولده يرتمي على أحد المقاعد ويكوب رأسه بيده وهو لا يصدق أن ابيه تفاقم جشجعه لذلك الحد الذي أعمى بصيرته و.جـ.ـعله يستغل كل من حوله بهذا الشكل.
أما عنها فقد انتظرت ليلحق بها كعادته كي يراضيها ولكنه لم يأتي لذلك توجهت لغرفة نادين باكية تقص عليها ماحدث بعفوية وبسلامة نية تخبرها بكل صدق كون الغيرة دبت قلبها وحينها ابتسمت نادين قائلة:
غيرانة على جوزك مني يا قمر ده زي اخويا بالظبط
اجابتها قمر من بين شهقاتها:
خابرة اللي في ضميرك بس جلبي بيجولي أن عمي ناوي على نية عِفشة...
تنهدت نادين بضيق وقالت بشجاعة واهية يكمن خلفها خــــوف عظيم:
هيعمل ايه يعني؟
تلعثمت قمر وهي تكفكف دmعاتها:
ممكن يجبره يطلجني و...
لم تواتيها الشجاعة لتستأنف تخمينها ولكن نادين تفهمت إلى ماذا ترمي لذلك اجابتها بثقة:
أنا لا يمكن اقبل يا قمر، متقلقيش وبعدين اتفائلي وإن شاء الله كل اللي بتفكري فيه ده هيطلع ملوش اساس، وبكرة ربنا هيكرمك وبالك هيرتاح
أمنت هي على دعائها بعدmا طمئنها حديثها:
يارب يسمع من خشمك ربنا لتتنهد بضيق عنـ.ـد.ما تذكرت ما ينغص راحتها:.
بس كيف بالي يروج و أما ونيسة وعمي عبد الرحيم بيجطمنوي في الرايحة والچاية وهيفكروني بِعلتي
تنهدت نادين بضيق تشعر بمعانتها فمن الوهلة الأولى لها بذلك المنزل لاحظت خنوع حامد وسلبيته في طاعتهم فخالها وزوجته ينهالون على تلك المسكينة بأحاديثهم الجارحة بسبب تأخر إنجابها غير عابئين بمشاعرها ولا بقلة حيلتها ولا بذلك التأثير السلبي الذي يتركه حديثهم في نفسها، لذلك حاولت أن تواسيها قائلة:.
أهم حاجة جوزك بيحبك وراضي بقضاء ربنا وأنت قولتي أنه علطول بيدافع عنك وبيزعل على زعلك قدامهم ودي حاجة تخليكِ مبسوطة وتأكدلك أن لو الدنيا كلها مالت بيكِ جوزك هيسندك
توهجت قمر بشـ.ـدة واخبرتها وهي تضع طرف وشاحها على طرف فمها بخجل:
حامد طيب وهيعشجني عشج ولا ممكن يفرط فيا وده اللي مصبرني.
تجمدت نظرات نادين في الفراغ فياليت كان لديها نصف الثقة التي تتحدث بها قمر عن حب زوجها لها، وكيف تفعل وهو اختزل كل شيء وتبخر وكأن عشقه وحبه لها سراب خادع لا وجود له.
واه مسهمة فأيه؟
نفضته من تفكيرها سريعًا كي لا تفضحها دmعاتها وتكشف عن هشاشتها من دونه وردت تشجع قمر:
ها ولا حاجة بصي يا قمر أنا عايزاكِ تلحي على حامد وتخليه يأثر على خالي ترجعي تتابعي عن الدكتورة.
احتل الأحباط تقاسيم وجهها الصبوح قائلة بِفطنة:
مش هيعرف يجنعه وعمي هيسمعه حديت ماسخ وينجرزني زي عوايده، لتسترسل بتلقائية استحوذت على انتباه نادين بالكامل:
خابرة يا نادين جَبل سابج كنت كل ما راسي تلفلف شوي ولا معدتي تجرص عليا اتوهم واجول أني حِبلة واعشم حامد معايا وبعد ما اعمل الاختبـ.ـار احس إني همـ.ـو.ت من حسرتي، لكن دلوجت مبجتش اركز و سلمت أمري لربنا ومتعشمة خير...
كانت تستمع لها وتفكيرها يتركز عند نقطة معينة تنطبق على شكوكها وكم تمنت أن يكون حدثها بمحله، ورغم تلك التوقعات التي تدور برأسها إلا أنها حاولت تشجيعها من جديد:
ونعم بالله، بس برضو لازم تحاولي وتقنعيه دي حياتك أنتِ وجوزك محدش ليه يتدخل فيها بالشكل ده حتى لو كان أبوه
أومأت لها قمر باقتناع بينما هي تنهدت بضيق وجلست على ذات الأريكة وشردت كعادتها في تلك الإطلالة الرائعة مما دفع قمر أن تحاول تطيب خاطرها:.
متخديش على خاطرك من أما ونيسة هي طبعها جاسي إكده وكلامها كيف الدبش بكرة تتعودي عليه انا كنت زيك إكده لكن خلاص دلوجت خدت مناعة
انقبض قلبها بشـ.ـدة حين ذكرت قمر أنها ستظل هنا لتقرص على شفاهها تكبت رغبتها بالبكاء وتمد أناملها تحتضن موضع خافقها وكأنها تطمئنه، ثم غمغمت بصراحة مُطلقة:.
انا مزعلتش منها وعارفة انها مبتحبنيش، بس مش مهم، أنا مستعدة استحمل اصل مفيش حاجة قدامي غير إني استحمل انتو اهلي ومبقاش ليا مكان غير هنا وسطكم، لترتعش نبرتها وتستأنف بقلة حيلة:
أنا اللي فعلًا قاهرني أن ماما ثريا وحـ.ـشـ.ـتني أوي، أنا بطمن عليها بس فكرة انها لوحدها قلقاني لتخفت نبرتها وتشعر برجفة تنتاب اطرافها حين اضافت بحسرة:.
رغم إني مشيت من هناك بإرادتي بس ياريت كان ينفع أرجع وابقى معاها بجد أنا محتجاها أوي و حاسة إني اتيتمت مرتين في غيابها، قالت أخر جملة ودmعاتها تتهدل تعاندها كي تنعي فراق تلك السيدة التي تحمل لها امتنان العالم أجمع، لتحاوط ذاتها بذراعيها قائلة من بين شهقاتها بحـ.ـز.ن عظيم نابع من غـــضــــب أعظم:
هو السبب، أنا لا يمكن اسامحه...
اقتربت منها قمر تواسيها بطيبة:
لساتك هتحبيه يا حزينة.
حانت منها بسمة ممزقة من بين شهقاتها وتمسكت موضع قلبها المنفطر هامسة بقهر وبدmعات جارية:.
على أد ما حبيته على أد ما كرهت نفسي على حبي ليه، هو كـ.ـسرني وو.جـ.ـع قلبي أوي لما اتخلى عني، تخيلي واحد اتربيت على ايده وكبرت قصاد عينه وكان واهمني بالحب فجأة كده الوعود اتبخرت و الحب اختفى وشكك فيا ورفض يصدقني وخرجني من حياته وكأني لعنة وما صدق خلص منها، أنا لغاية دلوقتي مش قادرة استوعب أزاي هونت عليه وقدر يعمل فيا كده...
ضمتها قمر قائلة بود حقيقي وبعيون غائمة تأثرًا بها:.
ياعيني عليكِ يا حزينة وانا اللي چيالك عشان تواسيني واتاريكِ معبعبة لحالك ورايدة اللي يواسيكِ ويطيب بخاطرك
كبحت هي دmعاتها بصعوبة بالغة بعد بعض الوقت وجاهدت كي تشجع ذاتها وتحثها على الصمود فقد اقسمت سابقًا أن لا تذرف الدmـ.ـو.ع من أجله ولكن كل شيء يعاندها حتى ذلك اللعين الذي مازال رغم خذلان مالكه لها وغـــضــــبها العظيم منه إلا أنه يعاندها و ينبض فقط من أجله.
مستحيل ارجع هناك متحاولش
قالتها ميرال بإصرار بعدmا لجأت إليه وحاول اقتناعها أن ما فعلته خاطئ ولكنها لم تقتنع مما جعله يكرر بجدية:
مينفعش تسيبي بيت ابوكِ لأي سبب الأصول بتقول كده
انا مش هرجع يا محمد ومش لازم نستنى اكتر من كده انت لازم تتجوزني
نفى برأسه بعدm اقتناع وقال بإنفعال بكامل صوته الأجش:
أنتِ بتقولي أنتِ اكيد اتجننتِ عايزاني اتجوزك من غير موافقة ابوكِ ومن وراه.
محمد متصعبهاش علينا بابي مش هيوافق واظن انت شوفت رد فعله كان ايه
اجابها بعقلانية شـ.ـديدة:
انا لو وافقت ابقى بأكدله شكوكه فيا وفيكِ
مش هتفرق معانا في حاجة كده او كده مش هكون غير ليكِ ومستحيل اسيبه يفرقنا
اجابها بتلك القناعات الراسخة التي تكمن بعقله ولا شيء يغيرها:
لأ تفرق لما تبقي مراتي و واخدك من اهلك في النور وقدام كل الناس غير لما ابقى شبه الحـ.ـر.امية واحس إني باخد حاجة من ورا صاحبها ومن غير رضاه.
احتل الحُزن معالم وجهها وكوبته مغمغمة ودmعاتها تتهدل من بحر عيناها تعاتبه:
انت ليه بتعمل فينا كده حـ.ـر.ام عليك ليه دايماً بتصعبها عليا
اغمض عينه بقوة وزفر بضيق واقترب منها يزيح يدها عن وجهها قائلًا بنخوة وبرزانة لطالما كانت من شيمه:.
في حاجات مينفعش نسهلها ونختصر طريق الوصول ليها وانا مستحيل اطاوعك علشان اللي مقبلوش على اختي مستحيل اقبله عليكِ يا ميرال ليتأمل ثورة أمواجها العتية ويغرق بها دون أمل النجاة ويستأنف بنبرة يغلفها إصرار عظيم:
أنتِ لازم ترجعي بيت ابوكِ وانا وعد مني عمري ما هخل بوعدي ليكِ وهحاول بدل المرة ألف علشان اقنعه واخد موافقته
نكست رأسها بحـ.ـز.ن وقالت بنبرة فاض منها الخذلان:.
بس أنا مش عايز ارجع يا محمد ده مد ايده عليا وصدق دعاء وكدبني
تنهد محمد وحاول اقناعها بحكمته المعهودة وهو يجلسها على أقرب مقعد ويجثو مقابل لها:.
هو ابوكِ يا ميرال ومفيش في الدنيا حد هيحبك أده ومش معنى انه بينشغل عنك أو علشان قسى عليكِ مرة يبقى تسبيه بالعكس أنتِ لازم حاولي تقربي منه ومتسبيش فرصة لمـ.ـر.اته تعمل اللي في دmاغها، انا عارف انه ظلمك بس اللي اعرفه واتربيت عليه ان اللي ملهوش خير في اهله ملهوش خير في حد.
دائماً يفاجئها بمنطقه ودائمًا يستطيع أن يجعلها تنصاع له وتقتنع بحديثه بكل طواعية وكأنه هو من يملك زمام عقلها ويقوم بفرز تلك الأفكار الفاسدة واستقصائها وابدالها بأخرى صالحة، فقد اقتنعت وها هي تهيم ببندقيتاها التي دائمًا تفيض بالأهتمام وهي لاتعلم للمرة الكام التي وقعت بحبه، لتهمس بصدق نابع من قلبها المتيم به:
أنا بحبك يا حمود وهمـ.ـو.ت لو بعدت عني ومرعوبة لما أرجع يحرمني منك ويتمسك برفضه.
نفى برأسه واخبرها بثقة وبإصرار قوي طمئنها وهو يغرق دون قصد في بحر عيناها صانع معها لا اراديًا تواصل بصري أجج مشاعره:
لو أخر يوم في عمري مش هيأس يا حلو علشان أنا كمان بحبك ومقدرش اتخيل حياتي من غيرك
تنهدت هي تنهيدة حارة مفعمة بالكثير وهمست راجية وهي تمرر أناملها على وجهه بطريقة اربكته:
قولها تاني يا حمود عايزة اسمعها واطمن بيها.
رغم ربكبته وكلمـ.ـا.تها التي زلزلت قاع قلبه ككل مرة ولكنه قال بنبرة تقطر بمكنون قلبه الطاهر:
بحبك، والله بحبك وهعمل المستحيل علشان تكوني حلالي
حانت منها بسمة واسعة وهي تهيم به بطريقة لم يعد باستطاعة قلبه تحملها مما جعله يبتلع ريقه ويستغفر بسره ويقول بإرتباك وهو يزيح بوجهه و يهب واقفًا:
يلا قومي هروحك
حاولت هي استعطافه:
طب ينفع مش النهاردة بجد تعبانه خليني ابات في الشقة اللي فوق
مش هينفع.
حمود علشان خاطري النهاردة بس اديني فرصة اهدى وارتب افكاري
هنا تدخلت شهد التي تركتهم لبعض الوقت كي تعد لها كوب من الليمون ليهدئها، فقد ناولته لها قائلة:
اشربي وروقي دmك إن شاء الله كل عُقدة وليها ألف حلّال
شكرتها ميرال وارتشفت بضع رشفات ثم قالت تستعطف شهد:
قوليله يا شهد بجد اعصابي بايظة ومش عايزة أروح دلوقتي
تنهدت شهد واقترحت عليه:
خلاص سيبها يا خويا معلش بكرة ابقى روحها.
مينفعش يا شهد ابوها هيقول ايه لو باتت معانا
لتحاول شهد إقناعه بعدmا نكزتها ميرال كي تضغط عليه:
خلاص هطلع انا وهي و طمطم نبات فوق مع بعض وانت خليك هنا
هزت هي رأسها تؤيد اقتراحها وترجوه بنظراتها بينما هو زفر انفاسه دفعة واحدة وقال مضطر:
أمري لله انا كنت متأكد انكم هتتفقوا عليا، خليكم انتو هنا وانا هطلع فوق، ليتحمحم ويضيف:
كلمي ست محبة وقوليلها انك بايتة مع شهد وفهميها.
اومأت له بطاعة ليخبرها بتنهيدة مثقلة:
نادين كلمتني وكانت قلقانة عليكِ وانا قولتلها على اللي حصل
لتتسائل بقلق:
طب هي كويسة، مفيش جديد
زفر وأجابها:
يامن بعتلها ورقة الطـ.ـلا.ق وسابت الست ثريا وسافرت مع خالها
شهقت متفاجئة وقالت بعدm استيعاب:
معقول أنا مش مصدقة
لتعقب شهد:
عيني عليها والنعمة البت صاحبتك دي غلبانة وقطعت قلبي بعد اللي حصلها وجوزها ده ميستهلش حبها ولا قهرتها عليه
صح أنتِ عندك حق.
ليقول محمد وهو يهم ويذهب في طريقه لباب الشقة:
معلش ربنا يصلحلهم الحال، انا هطلع عايزين حاجة
امنت ميرال على دعوته بينما ردت شهد :
لا يا خويا عايزين سلامتك
ابتسم ل شهد و نظر ل ميرال نظرة حانية متساءلة جعلتها تضع الكوب من يدها على الطاولة الصغيرة أمامها ثم هرولت إليه قائلة بنظرات تشبه نظرات الجرو الصغير:
حمود هو ينفع انام في أوضتك
ضـ.ـر.ب كف على آخر ورد مشاكسًا:
أنا كنت متأكد انك داخلة على طمع والله.
نكزته بكتفه بتلقائية وأطرقت نظراتها ليقهقه هو على خجلها وتلك الحمرة المحببة التي كست وجهها ويقول وهو يغمز بعينه:
ماشي أمري لله الأوضة وصاحب الاوضة تحت أمرك يا حلو.
ابتسمت شهد على مناقرتهم الشقية ودعت الله بسرها أن يجمع بينهم كي يكلل ذلك الحب العفيف الذي يشابه طهارة قلوبهم، بينما هي همست وهو يهم بفتح باب الشقة:
تصبح على خير يا حمود
كاد يرد عليها ولكن اندثرت بسمته و انحصر الحديث بحلقه واتسعت عينه عنـ.ـد.ما وجد أمام باب شقته أخر شخص توقع أن يراه أو يأتي إليه.
فين الخاتم بتاعي اكيد واحد فيكم اللي سرقته
قالتها دعاء بصوت جهوري تتهم بها كل الخدm بعدmا جمعتهم صف واحد أمامها ومن بينهم مُحبة التي منذ مغادرة ميرال وهي تبكي من شـ.ـدة حـ.ـز.نها
تعالى دفاع الخدm عن ذاتهم وكل واحد منهم حاول أن يقنعها ببراءته ولكن هي لم تقتنع وحين لم يجيبها أحد هددتهم بطردهم وكان أخر حيلها أنها دخلت مكتب فاضل صارخة بإنفعال اجادته:.
الخاتم بتاعي مش لقياه يا فاضل انا مبقتش اثق في حد وعايزة أطرد كل اللي شغالين في القصر من غـ.ـيظي
رفع فاضل نظراته لها وأجابها بعدm اكتراث لأمرها وهو تحت تأثير صدmة مغادرة ابـ.ـنته:
انا دmاغي هتنفجر يا دعاء سبيني لوحدي
تأفأفت هي قائلة:
يعني ايه بقولك حد سرقني والخاتم مش لقياه وانت بتقولي سبيني لوحدي
زفر هو بينما هي اقترحت آخر حيلة لديها:
انا شاكة في محبة تعالى معايا نفتش أوضتها وباقي الأوض بتاعتهم.
نفى فاضل بعدm اقتناع:
محبة بقالها سنين معانا ومتعملش كده
ما يمكن هي استغلت ثقتنا فيها وفكرة انها فوق الشُبهات هي اللي خلتها تسرقنا
نفى برأسه من جديد بعدm اقتناع ولكنها اقنعته وأثرت عليه كعادتها المتلاعبة، وبالفعل قاموا بتفتيش كافة الغرف ولم يجدوا شيء وحين جاء دور غرفة مُحبة وجدوا الخاتم بين أغراضها مما أثار دهشة فاضل ولكن مُحبة حاولت الدفاع قائلة:.
والله ما سرقت حاجة يا بيه ده انا لحم كتافي من خيرك وبقالي سنين معاكم، ده اخرتها بتسرقوني
تنهد فاضل وقال بخيبة أمل:
الخاتم كان وسط حاجتك يا ست محبة أزاي عايزانا نصدقك
هنا تدخلت دعاء بكل تبجح وبخبث مقيت:
أنت ليكِ عين تكدبي يا حيزبونة والله لأحبسك واوديكِ في داهية
حـ.ـر.ام عليكِ يا ست دعاء انا معملتش حاجة، لتوجه نظراتها ل فاضل وتقول بحـ.ـز.ن:
بقى كده يا بيه هتسيبها تحبسني
تدخل فاضل:.
بلاش حبس يا دعاء سبيها تمشي من سكات
هزت دعاء رأسها وصرخت بها:
طب يلا لمي هلاهيلك دي وتغوري من هنا مش عايزة اشوف وشك تاني
نظرت لها مُحبة نظرة عميقة عبثت في ثبات دعاء وخاصةً حين قالت بقلة حيلة:
حسبي الله ونعم الوكيل...
أنتِ بتدعي عليا يا ولية يا حيزبونة
ربنا اسمه العدل وقادر يوقعك في شر أعمالك
لتوجه نظراتها ل فاضل وتضيف قبل أن تلملم اشيائها كي تغادر:.
يا خسارة يا بيه سمحتلها تخليك زي اللعبة في ايدها وخلتها تخسرك بـ.ـنتك والله اعلم هتخسرك ايه كمان فوق يا بيه قبل فوات الآوان واعرف أنها كـ.ـد.ابة و كل اللي بيحصل ده من ترتيبها هي
قاطعتها دعاء بجبروت وتسلط قهرها:
اخرسي خالص أنا مشوفتش في بجاحتك اتفضلي من غير مطرود بقى وخلصينا.
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تغادر موقعها ساحبة فاضل خلفها كالكبش الذي سُلبت ارادته تاركة مُحبة وتلملم اغراضها وهي تشعر بمهانة وظلم لا مثيل له.
كانت تجلس شاردة كعادتها تسترجع كل ما مر بها حين تناهى إلي مسامعها نحيب قوي وصراخ يأتي من غرفة قمر و حامد الملاصقة لها.
انتابها القلق وهبت من جلستها ترتدي مأذرها الثقيل فوق منامتها ورغم شعورها انها ليست على مايرام إلا أنها قاومت وفتحت باب غرفتها كي تستبين الأمر.
في حين كانت قمر تولول قائلة بعدmا أخبرها:.
ابوك رايد يجهرني ويمـ.ـو.تني بحسرتي يا حامد وأنت مش هتجدر تقوله لع وهتوافج انا خابرة زين أنت متعصاش أمر ليه واصل
حاول حامد طمئنتها:
يابت ده أنتِ حبة الجلب ومجدرش اوافج ولا اكون غير ليكِ وانا چاي اخبرك باللي صار عشان تفكري معايا مش عشان تولولي وتجلبيها مناحة عاد
كادت ترد عليه لولآ طرقات على باب غرفتهم جعلت حامد يزفر حانقًا:
عاچبك إكده زمان ابوي وصله صراخك وچاي ينجرزنا زي عوايده.
نفت هي برأسها واخبرته وهي تكفكف دmعاتها وتتناول وشاحها تضعه على رأسها:
لع عمي عبد الرحيم وأما ونيسة مش في الدار راحو زيادة لبيت مچاور
تنهد هو وفتح باب الغرفة ليجد نادين تقف أمامه متلعثمة بحرج:
اسفة يا حامد بس قلقت، هي قمر كويسة
كويسة يا بت عمتي بس جلباها مناحة
تقدmت قمر تعاتبه:
واه عاوزني أعمل ايه بعد اللي جولتهولي أتحزم وارجصلك
اتحشمي يا جمر.
وان متحشمتش يا حامد هتعمل ايه هترميني لأهلي زي ما ابوك رايد مش إكده
تدخلت نادين وهي تدلف للداخل وتغلق الباب خلفها:
ممكن تهدوا وتفهموني مالكم
تحدثت قمر وهي تقف مواجهة له وقد جن جنونها:
خَبر بت عمتك أيه اللي صابنا وجولها ابوك ناوي على ايه؟
انفعل حامد من طريقتها الغريبة عليه:
سكري خشمك يا جمر أنا غلطان إني اتحدثت معاكِ
أحالت نادين بينهم وقالت:
حامد لو سمحت اهدى وفهمني؟
اغمض حامد عينه بقوة وزفر انفاسه ولم يجيبها لتبادر قمر:
انا هجولك اللي كنت خايفة منيه حوصل وابوه عرض عليه يكتب عليكِ بعد ما عدتك تُخلص
حانت من نادين بسمة ساخرة وتسألت:
ده اللي هو أزاي عايز يجوزني من غير ما ياخد رأي هيجبرني مثلًا..
هنا استفاضت قمر دون أن تحسب حساب تلك الغصة التي تكونت بحلق زوجها أثر حديثها:.
انت مت عـ.ـر.فيش وش عمي الحجيجي و لا ت عـ.ـر.في يجدر على ايه، لو وصل بيه الحال هيغـ.ـصـ.ـبك واظن أنتِ خابرة زين غرضه إيه
زفر حامد بحنق و ابتلع غصته المريرة كمر العلقم بجوفه:
بكفياكِ واوعاك تنسي ان اللي هتتكلمي عنه ده ابوي
لع منستش يا حامد ولعلمك بجى أنا مش هجف اتفرچ واستناك تجهرني وأنت مطاطي لأوامر ابوك، طلجني يا حامد واعمل ما بدالك
شهقت نادين بينما هو عاتبها:
اطلجك، هانت عليكِ الكلمة الواعرة دي تخرج من خشمك يا جمر.
رفعت نظراتها الباكية التي فسد كحلها لعيناه فلم تتمكن من نطق كلمة أخري أمام عتاب نظراته لذلك انفجرت باكية وكوبت وجهها وهي تشعر بالأرض تميل بها حتى انها كادت أن يختل توازنها لولآ أنه حاوطها بذراعيه قائلًا بلهفة:
أنتِ كويسة
هزت رأسها وتشبثت بذراعيه ليمرر هو كف يده على وجهها قائلًا بحنان وبمشاعر جياشة:
طب بكفياكِ بُكى، يا جمري انا محجوجلك
لتغمغم هي بنـ.ـد.م:.
أنا اللي محجوجالك ياريت كان انجطع لساني جَبل ما اجولها يا حامد
ابتسمت نادين وغامت عيناها تأثرًا بتلك المشاعر التي تجيش بينهم وتحمحت بحرج:
أنا مكنتش فاكرة وجودي بينكم هيعمل كده ولا جاية ابوظ حياتكم، ومتقلقيش يا قمر أنا لا يمكن اوافق وهو ميقدرش
يجبرني مفيش جواز بالعافـ.ـية
لتوجه نظراتها ل حامد وتضيف:
وأنت يا حامد لازم تتأكد أن مفيش حد من حقه يتدخل في حياتك حتى لو كان ابوك...
هز حامد رأسه بأقتناع بينما تركتهم يتعاتبون وغادرت لغرفتهامن جديد تقرر التأكد من حدثها وتأمل ان يكون صائبًا كي ينهي ذلك الجدل ويكون رادعًا لخالها غافلة كون الايام المقبلة ستتكفل بالأمر من تلقائها.
كانت تدور حول نفسها تدعي انفعالها حتى انها نفذت ما برأسها وقامت بطرد جميع الخدm بحجة أنها لم تعد تثق بأحد وكل شيء كان يسير كما خططت تمامًا لولآ تلك المربية التي عبثت بثباتها وزرعت في رأس فاضل بجملتها الأخيرة الشكوك حتى انه انهال عليها من حينها متسائلًا:
دعاء قولي الحقيقة أنا عارفك كويس وعارف ألعيبك دي
راوغته هي تتدعي البراءة:.
أنت هتصدق الولية الخرفانة دي بتقول كده علشان تداري على عملتها السودة وسرقتها ليا
لم يقتنع فاضل وكرر سؤاله بثقة جعلتها تزفر متأفأفة وتقول بنوايا ليست بريئة كما تدعي بعدmا أدركت أن لا سبيل من الإنكار أكثر:
يووووه اه انا عملت كده، علشان ابعده عنها، الجربوع ده طمعان فيها وفي فلوسك وعامل لبـ.ـنتك غسيل مخ وخلاها متعملش أي اعتبـ.ـار ليك..
احتدت نظراته وقال بصدmة عارمة:.
يظهر أن مش بـ.ـنتي بس اللي معملتش اعتبـ.ـار ليا يا دعاء
قلبت عيناها وقالت بتبجح:
أنت كنت عايزني اعمل ايه اقف اتفرج في غيابك عليها وهي بتضيع كان لازم اتصرف
تقومي تأجري بلطجية يضـ.ـر.بوه وتحطي نفسك موضع شُبهات وتجاذفي بسمعتي وبسمعة بـ.ـنتي
نفخت اوداجها وردت ساخطة وبكل تبجح:
انت بتلومني ده بدل ما تشكرني إني كنت عايزة اخلصك منه
بس أنت عملتك مغيرتش حاجة وأهو اتجرأ وجه طلبها مني ومش بس كده ده خلاها عصتني.
اجابته هي بغـ.ـيظ وبنبرة تقطر بالحقد:
ودة اللي غايظني انه نفذ اللي في دmاغه وطلع ذكي و ضمن بـ.ـنتك وضحك عليها علشان يضغط عليك وتضطر توافق
تهدل جسده على احد المقاعد وقال ما توسل له عقله:
اللي مستغربه أنه كان فاضل شوية ويبـ.ـو.س ايدي علشان اوافق عليه...
حرضته بخبث من جديد:
ده تخطيط منه صدقني علشان يثبت لبـ.ـنتك انه بيحبها ويفهمها انه عمل اللي عليه ويخليها تعصاك وانا عملت اللي عملته ورطت نفسي علشانك وعلشان بـ.ـنتك...
نفى فاضل برأسه ولام عليها بعدm رضا:
اللي عملتيه جريمة يا دعاء الولد كان ممكن يمـ.ـو.ت كان في ألف طريقة غير العنف
جذت على نواجذها من حديثه المغـ.ـيظ لها ثم ادعت البراءة و أجهشت في بكاء وهمي حتى تستعطفه وتؤثر عليه بخداعها:
في الأخر بتلومني وطلعت وحشة انا بجد مصدومه فيك يا فاضل ده جزاتي.
تطلع لانهيارها وهو صامت لا يعرف بما يجيب او يسايرها فكان عقله يضج بالكثير من الأفكار المتضاربة مما اثار اعصابها أكثر و.جـ.ـعلها تصيح بإنفعال وهي مازالت محتفظة بدmـ.ـو.ع التماسيح خاصتها:
انت كمان ساكت حـ.ـر.ام عليك انا اعصابي مبقتش متحملة ولا قادرة استنى هنا دقيقة واحدة انا هروح لماما ولما تعرف قيمتي يا فاضل وتقدر اللي عملته علشانك وعلشان بـ.ـنتك ابقى تعالى خدني.
ظل محتفظ بصمته المريب ذلك حين غادرت ولم يكلف ذاته بكلمة واحدة ترضي غــــرورها مما جعلها تصر أكثر على ما برأسها دون لحظة تراجع أو نـ.ـد.م واحدة.
في تلك الأجواء التي يعمها الحماس والهتاف كانت تجلس بتلك المدرجات الخشبية تشاهد صغيرها وهو يلعب أول مبـ.ـاراة ودية له برفقة زملائه، فقد سمحت له بعد نصيحة سعاد لها قبل سفرها.
ومنذ ذلك الوقت وهي تجعله يواظب على التدريبات الخاصة للعبته المفضلة، حانت منها بسمة مليئة بالفخر وهي تشاهد مرونته في الملعب فقد أثبت صغيرها من خلال ادائه اليوم أنه موهوب بالفطرة، قطع انتباهها جذب شيري لملابسها مثأثأة:.
مامي عايزة اروح toilettes
مطت رهف فمها فلا تريد أن يفوتها شيء وخاصةً أن المبـ.ـاراة على وشك الانتهاء ولكن ماذا تفعل مضطرة هي لتنهض برفقتها وتوصي المربية الملازمة لهم أن تنتبه ل شريف لحين عودتها.
بينما عند الصغير فبعد مجهود خزعبلي استطاع أن يستحوذ على الكورة ويمررها بخفة شـ.ـديدة كان يسدد أول هدف بأخر دقيقة للمبـ.ـاراة وينقذ فريقه من الخسارة المحتومة.
هللوا رفاقه احتفالًا بالهدف الذي احرزه وقد مدحه مدربه فور انتهاء المبـ.ـاراة بينما هو كانت سعادته لا توصف وهو يوجه نظراته نحو مقعد والدته وشقيقته ولكن اندثرت بسمته حين لم يجدهم و وجد فقط المربية تجلس بمقعدها وتراعيه بنظراتها من بعيد ليحتل الحـ.ـز.ن معالم وجهه فكم كان يود أن يشاركوه اللحظة ويشهدوا على أول انجاز صغير له.
صوت صافرة مشجعة وتصفيق حار يأتي من مؤخرة المدرجات لفت انتباهه و.جـ.ـعله ينظر مشـ.ـدوه فاغر الفاه لا يصدق وجود ذلك الشخص الذي ترك موقعه بذلك الركن البعيد واقترب منه قائلًا بفخر ظهر جلي في نبرته:
برا?و عليك يا بطل رفعت راسنا
توسعت عين الصغير حين تعرف عليه و مدحه ب البطل لثانِ مرة ليتسأل ببسمة طفولية واسعة:
هو حضرتك كنت هنا! و شوفت الجول بتاعي؟
انحنى نضال لمستواه وقال بحاجب مرفوع مشاكسًا:.
شوفته يا عم وعجبتني اوي وانت بترقص الكورة ومدوخهم وراك
ليرد الصغير مستفيضًا بحماس طفولي:
حضرتك اكيد شوفت كمان لما واحد في الفريق التاني حاول يوقعني وياخد مني الكورة بس أنا هـ.ـر.بت منه و روحت شايطها ببطن رجلي كده
قهقه نضال على طريقته و وحماسه الذي يقطر مع حركات جسده واخذ يعبث بخصلات شعره يبعثرها قائلًا:
أنت موهوب فعلا يا شريف وإن شاء الله ليك مستقبل هايل وابقى قول نضال قال
تهللت أسارير الصغير وقال:.
حضرتك طيب اوي يا عمو نضال انا حكيت ل مامي على كل الكلام اللي أنت قولتهولي قبل كده، وبصراحة أنت اللي شجعتني وخلتني اتحايل عليها
طيب دي حاجة كويسة وبعدين انا اللي مبسوط اكتر علشان ليا صاحب بطل زيك
تعززت ثقة الصغير بذاته كثيرًا بعد حديثه وكم تمنى لو بالفعل اصبحوا اصدقاء لذلك تسأل متلهفًا:
هو حضرتك عضو في النادي
هز رأسه واخبره بصدق:.
ايوة عضو في النادي من زمان بس مش باجي غير قليل وبالصدفة كان عندي ندوة و شوفتك
صدفة حلوة اوي حضرتك ياريت تتكرر علطول يا عمو
قلب نضال خضراويتاه من تلك الرسميات القـ.ـا.تلة بالنسبة له وقال مشاكسًا الصغير بخفة:
يخربيت حضرتك هي حضرتك دي وراثة في العيلة ولا ايه ارحموني أنا عندي فوبيا
قهقه الصغير بقوة و وضع يده على فمه من دعابته ليستأنف نضال بنبرة حاول ان تكون جادة:
قولي نضال بس
نفى الصغير برأسه مستنكرًا:.
عيب مامي قالتلي لازم احترم اللي اكبر مني
اعتلى حاجبيه وقال ببساطة وهو يزم فمه بطريقة مضحكة جعلت الصغير يقرقر ضاحكًا:
هي نضال شتيمة ولا أيه! عادي ياعم أنا راضي وبعدين انا مليش دعوة ب مامي إحنا اصحاب وبذمتك عمرك شوفت واحد بيقول لصاحبه حضرتك بتاعتكم دي.
قال كلمة حضرتك بملامح متقلصة مشمئزة جعلت الصغير يتعالى صوت ضحكاته أكثر بمرح غريب شاركه نضال به وهو يشعر بقلبه يرفرف بشعور لطالما تمناه من قلبه ولكن الله لم يمن عليه به...
اقتربت المربية منهم قاطعة ضحكاتهم قائلة:
مامتك راحت toilettes مع شيري وقالتلي اخلي بالي منك
أومأ لها شريف ثم قال وهو يمط فمه:
كان نفسي تشوف الجول بتاعي
واساه نضال مشجعًا وهو يربت على كتفه:.
معلش مامتك كانت مضطرة تتعوض يا بطل ولسة المبـ.ـاريات جاية كتير وإن شاء الله هتجيب اجوال اكتر واكتر
تنهد الصغير ببسمة مليئة بلأيجابية التي بثها به ذلك ال نضال وإن كاد يرد رد ممتن له لتشجيعه استأنف نضال بمكر ساخر:
طب تعالى افرجكك على نفسك
مش فاهم؟
اجابه نضال وهو يقرص وجنتة الصغير مداعبًا:
صورت مقطع فيديو للجول انما ايه عجب
تفاجئ الصغير وتسأل متلهفًا:
بجد صورتني، يعني ماما لما تيجي ينفع افرجها عليه.
تحمحم نضال وقال وهو يمسد منحدر انفه بتردد:
لا يعم متفقناش على كده بصراحة انت مامتك صعب اوي
ومش عايز احتك بيها انا حتى همشي قبل ما، لم يكمل باقي حديثه إلا وجاء صياحها من بعيد:
شريف.
اغمض عينه يلعن حظه العسر ويلعن غباءه الذي يضعه بذات الموقف معها في كل مرة وبالطبع لم تقصر هي في ردود افعالها المتعجرفة وحقًا منذ آخر لقاء لهم في مكتبها وهو مستاء بشـ.ـدة ورغم أن سارة اعتذرت منه عبر الهاتف إلا أنه لم يقبل باستمرار اتفاقهم بشأن تنفيذ عيادته، فأهانتها له والتقليل من شأن اختياره جعله يفقد عزيمته لذلك اعتدل بوقفته وزفر انفاسه دفعة واحدة وهو يصر أنه لن يصمت تلك المرة ايضًا ويتركها تخرب إيجابيته، فقد هرول الصغير لها وبحماس اخبرها:.
ماما اتأخرتي ليه انا جبت جول وعجبت المدرب و...
قاطعت هي وصلة حماسه قائلة بهدوء حاولت الالتزام به:
برا?و يا حبيبي معلش سامحني علشان مشوفتهوش، ممكن تغير هدومك عقبال ما اختك والمربية يجيبوا الشنطة علشان نروح
بس يا ماما عمو صورني و...
قاطعته بنبرة رغم ثباتها إلا أنها صدرت منها منفعلة بعض الشيء جعلت ذلك المتسمر بأرضه يدرك انها لن تمرر الأمر لذلك تحفز لها:
شريف يلا لو سمحت اسمع الكلام هنتكلم في البيت.
هز الصغير رأسه وانصاع لها بعدmا لوح ل نضال بيده يودعه وبالفعل المربية اخذت شيري وذهبت لإحضار الحقيبة من المدرجات بينما هي كانت تنظر ل نضال بنظرات مبهمة لم يستشف معناها، ورغم ذلك اقترب بملامح ثابتة واخرج من محفظته بطاقة تعريف تؤكد عضويته وقدmها لها مبررًا بكل بساطة وكأن ما يفعله هو المنطق بحد ذاته:.
انا كنت في ندوة هنا وده كارنيه النادي لو حابة تتأكدي ممكن تسألي الأدارة هيقولولك إني عضو هنا من سنين ومش بتطفل عليكِ ولا عندي أي نية اسمع كلام مستفز منك
حقًا صراحته الزائدة و وضوحه اربكها وخاصة كونه دائمًا يمنحها اجابات وافية دون سؤال منها، لذلك تنهدت بعمق كي تتحكم بزمام نفسها وقالت بنبرة هادئة استغربها هو:
بس انا مسألتش يا دكتور...
رغم هدوئها الغير معتاد معه ولكنه لم يستطيع كبح رغبته في قول:.
وانا مش ببرر انا بس بفهمك علشان متنفعليش على الولد زي باباه وتكـ.ـسري فرحته بالجول بتاعه وهو ملهوش ذنب
تقسم انها حاولت أن تهدأ وتتعامل معه بكل هدوء حتى انها كادت تعتذر منه ولكنه استفزها بشـ.ـدة تشبيهه لذلك هدرت بشراسة وهي ترفع سبابتها بوجهه:
انا مش زي باباه ولوسمحت يا دكتور التزم حدودك مش من حقك تدخل في معاملتي مع ابني
انا عارف حدودي اوي يا بشمهندسة ومش كل ما تشوفيني هتسمعيني كلام ملوش لازمة.
وبعدين انتو ناس تفكيرها غريب جدًا أيه المشكلة أني اتكلم مع الولد أنا مش هاكل منه حتة ولا هخـ.ـطـ.ـفه مثلاً...
اجابته بتسرع وبنبرة منفعلة غافلة بتأثير كلمـ.ـا.تها في نفسه:
لو كنت في مكاني كنت هتخاف على ولادك بطريقتك ومحدش كان هيبقى ليه حق يتدخل
تجمدت خضراويتاه واحتلها الحـ.ـز.ن تقاسيم وجهه لثوان جعلتها تبتلع ريقها تستغرب ما أصابه ليجيبها هو برضا تام وبنبرة استطاعت هي استنباط الحـ.ـز.ن بها:.
انا عمري ما هبقى مكانك يا بشمهندسة و مقدر خــــوفك بس ده ميدكيش الحق تجـ.ـر.حي فالناس عمال على بطال عن اذنك، ومن غير حضرتك
زفرت انفاسها بضيق لذات السبب فكلما ارادت التحكم بأعصابها تفشل فشل ذريع وخاصةً عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر به لذلك ورغم كونها لم تستوعب ما الخطأ التي تفوهت به تلك المرة واحـ.ـز.نه لذلك الحد إلا انها قررت أن تلاحق الأمر وتعتذر منه على كل ما سبق لذلك حين خطى هو خطوتان بعيد عن موقعها تلعثمت قائلة:.
استنى ارجوك يا دكتور
اغمض عينه بقوة وكور قبضته وهو يترقب انها ستقول شيء أخر يزيدها عليه ولكنها فاجأته حين تلعثمت واقتربت من موضعه:
آسفة...
جعد حاجبيه ونظر لهيئتها المحرجة مستغربًا في حين هي استأنفت:
انا بعترف كُنت قليلة الذوق معاك في المكتب وقبليها بس انا كنت مضغوطة وأعصابي متـ.ـو.ترة و...
خانها التعبير وفرت الكلمـ.ـا.ت ولم يسعفها عقلها بأستئناف اعتذارها فكانت تفرك بيدها وتنظر لكل شيء عداه هو، لذلك دون حاجته لمبرراتها قال بجدية بعدmا استعاد هدوء أعصابه:.
ولا يهمك يابشمهندسة، بس زي ما انتِ عايزة الناس تعذرك لازم انتِ كمان تفهمي ان مش كل الناس مضطرة تتحمل طريقتك وقلة ذوقك ومش معنى انك مريتي بتجربة صعبة يبقى تاخدي وضع الهجوم دايمًا و تدي نفسك الحق تجـ.ـر.حي في كل اللي حوليكِ وتفتكري انهم مجبرين يعذروكِ وعلى فكرة كلنا بنمر بتجارب صعبة مش انتِ بس عن اذنك.
ألقى حديثه دفعة واحدة بوجهها وغادر من أمامها تاركها مشـ.ـدوهة تتطلع لأثاره وهي تلعن غبائها فقد استطاع ذلك ال نضال أثارت دهشتها بصراحته فرغم حديثه المراوغ في بعض الأحيان ودعاباته التي لا تنضب وتثير اعصابه إلا أنه كان الأن حديثه عقلاني و صائب
بشكل كبير جعلها تشعر بالخزي من نفسها.
صباح يوم جديد دون شيء يذكر سوى ذلك الشيء الذي اكتشفته واصرت التكتم عليه لغرض ما في نفسها.
وهاهي تجلس مع خالها و يمهد لها بعدmا انفرد بها في ساحة المندرة التي تنفصل عن المنزل ويحيل بينهم باب خشبي ضخم.
فكانت تستمع له بملامح ثابتة حين استأنف:
محدش هيخاف عليكِ ولا على مصلحتك جدي يا جلب خالك وعشان إكده معوزكيش تنضامي من بعدي وعاوز اكون مطمن عليكِ.
ابتلعت هي ريقها وتسألت تدعي جهلها وعدm معرفتها المسبقة للأمر:
تطمن عليا أزاي يا خالي؟
اجابها بود يكمن خلفه نوايا عدة:
جصدي يا بتي حالك ومالك مين بيرعاه دلوجت المال السايب يعلم السرجة يا جلب خالك ويلزمك راچل يكون جلبه عليكِ
ويراعيكِ ويحطك فوج راسه
مش فاهمة يا خالي؟
بصراحة يا بتي عاوزك تتچوزي واهي عدتك خلاص كام يوم وتنجضي على خير
اعترضت هي بنبرة واثقة:
مينفعش يا خالي افكر حتى في الجواز.
جز عبد الرحيم على نواجذه وتسأل من بين أسنانه:
ليه عاد يا بتي ده حامد راچل زين وهيحطك جوه حباب عنيه
حامد متجوز يا خالي وبيحب مـ.ـر.اته
وفيها إيه عاد الشرع محلل اربعة
دافعت هي:
قمر بتحبه وبكرة ربنا يكرمهم بلاش تخرب عليهم يا خالي وياريت تقفل الموضوع ده معايا نهائي علشان لا يمكن اوافق
زمجر عبد الرحيم من جديد وقال ببسمة صفراء يكمن خلفها غـ.ـيظ عظيم:
بس أني المسؤول عنك وشايف ده الصالح ومينفعش تعصيلي امر يا بت غالية.
هتجبرني يا خالي
حانت منه بسمة خبيثة لأبعد حد وتهكم قائلًا:
الچواز سُترة يا بتي، وبعدين كل طلباتك مچابة هعملك فرح يتحاكا بيه أهل البلد لسنين جدام وهچبلك دهب يوزنك
ده غير أن هجهزلك الچناح الغربي كلاته على ذوجك
نفت برأسها وقالت برفض قاطع وهي تهب من مقعدها:
لأ مينفعش يا خالي مينفعش ارجوك متضغطش عليا علشان مستحيل يحصل.
زفر عبد الرحيم بغـ.ـيظ من رفضها ونهض يتقدm منها قابض على ذراعها بقوة آلمتها مهسهس بنبرة تقطر بالوعيد:
مفيش حاچة اسمها مستحيل واللي انا رايده هو اللي هيحصل برضاكِ أو غـ.ـصـ.ـب عنيك يا بت خيتي هتچوزي حامد وبالجوة لو حكم الأمر
عايز تجوز مراتي وهي لسة على ذمتي يا حج...
قالها هو بصوت جهوري واثق يكمن خلفه غـــضــــب حارق يكاد يهلك بنيرانه الأخضر واليابس حين دفع باب المندرة بقوة نفضتهم و.جـ.ـعلت قلبها يهوي بين قدmيها وهي تراه يقف امامها بكامل هيبته وتحاوطه تلك الهالة الطاغية التي دومًا يشملها بها، بينما عن عبد الرحيم فقد جمدت الدmاء بجسده وكادت عينه تخرج من محجرها و تلعثم بحروف متقطعة تنم عن صدmته:
الغَريب...
↚
يغيبون عن اعيننا ولا يعلمون بمدى الالم الذي نتجرعه بغيابهم والادهى والامر حين يعودون يعودون ببرود وكأن غيابهم كان بـ.ـارد.
هتجبرني يا خالي
حانت منه بسمة خبيثة لأبعد حد وتهكم قائلًا:
الچواز سُترة يا بتي، وبعدين كل طلباتك مچابة هعملك فرح يتحاكا بيه أهل البلد لسنين جدام وهچبلك دهب يوزنك
ده غير أن هجهزلك الچناح الغربي كلاته على ذوجك
نفت برأسها وقالت برفض قاطع وهي تهب من مقعدها:
لأ مينفعش يا خالي مينفعش ارجوك متضغطش عليا علشان مستحيل يحصل.
زفر عبد الرحيم بغـ.ـيظ من رفضها ونهض يتقدm منها قابض على ذراعها بقوة آلمتها مهسهس بنبرة تقطر بالوعيد:
مفيش حاچة اسمها مستحيل واللي انا رايده هو اللي هيحصل برضاكِ أو غـ.ـصـ.ـب عنيك يا بت خيتي هتچوزي حامد وبالجوة لو حكم الأمر
عايز تجوز مراتي وهي لسة على ذمتي يا حج...
قالها هو بصوت جهوري واثق يكمن خلفه غـــضــــب حارق يكاد يهلك بنيرانه الأخضر واليابس حين دفع باب المندرة بقوة نفضتهم و.جـ.ـعلت قلبها يهوي بين قدmيها وهي تراه يقف امامها بكامل هيبته وتحاوطه تلك الهالة الطاغية التي دومًا يشملها بها، بينما عن عبد الرحيم فقد جمدت الدmاء بجسده وكادت عينه تخرج من محجرها و تلعثم بحروف متقطعة تنم عن صدmته:
الغَريب...
عدل هو بنبرة غاضبة متهكمة:.
ما غريب إلا الشيطان اللي فاكر أنه هيقدر يستغل غيابي لصالحه ويطيح في شره
زاغت نظرات عبد الرحيم من تهكمه وتسأل بغـ.ـيظ وهو يترك ذراع تلك المتخشبة من شـ.ـدة صدmتها:
رچعت ليه أنت طلجتها!
اجابه يامن بكل ثقة وبصوت جهوري متملك:
رديتها، و نادين دلوقتي مراتي غـ.ـصـ.ـب عن عين أي حد.
حقًا تدافع عني الآن وتعلن ملكيتك لي فأين كنت حين اعتصر قلبي قهرًا وجف دmعي في غيابك، أين كنت عنـ.ـد.ما أحرقت الذكريات قلبي وبعثرت رماده، أين كنت وانا بأْمس الحاجة اليك يا صاحب الوعود الواهية...
ذلك ما كان يدور برأسها وهي تراه.
يقترب بخطوات واثقة نحوها ومع كل خطوة له وجدت ذاتها تتراجع مثلها بعيون جـ.ـا.مدة تحجر بها الدmع من شـ.ـدة صدmتها فكانت تظن انها في حلم من احلامها المعتادة التي تجمعهم سويًا ولكن هاهي بكامل وعيها وهو واقع ملموس أمامها يطالعها بنظرات إِن لم يكن تخلى عنها كانت سوف تظنها عاشقة ملتاعة يفيض منها النـ.ـد.م، إيظنها ساذجة كسابق عهدها وسوف ترتمي بين يده وتتغاضى عن ما أذاقه لها لا هي لن تنخدع من جديد وستصمد أمامه، ذلك ما كانت تنوي فعله ولكن كان لعقلها رأي أخر وقرر الفرار هاربًا حين لم يعد يفصلها عنه سوى خطوة واحدة فقد شعرت بغمامة سوداء تخيم على عيناها و دفعتها للاستسلام لرغبة عقلها حين سقطت مغشي عليها بين يديه التي احالت بينها وبين ارتطامها بالأرض وكان آخر شيء وصل لها هو صراخه المتلهف بأسمها.
تململت بفراشه بكسل وهي تشعر براحة لا مثيل لها ففكرة أن جسده كان يستقر هنا قبلها تجعل السَكينة والدفء يدب في قلبها، فقد أفرجت عن فيروز عيناها وحانت منها بسمة حالمة وهي تتطلع لمحيط غرفته التي أصرت أن تبيت بها بإعجاب شـ.ـديد فكل شيء بها مميز ومفعم بذوق رجولي خشن يشبهه، مالت برأسها دافنة وجهها بوسادته تستنشق رائحته الرجولية العالقة بها بأستمتاع تام وبتنهيدات حارة تنم عن فيض قلبها الذي مازال يرتجف متخــــوفًا أن تحرم منه ويفرض عليها الفراق، وعلى ذكر الفراق تذكرت صديقتها وتساءلت ترى ما حل بها وتذكرت ايضًا تلك الزيارة الغير متوقعة التي فاجأتهم بالأمس لذلك الغائب الذي عاد بعد طول أنتظار، مررت يدها بخصلاتها وتمددت على ظهرها تسلط نظراتها على نقطة وهمية في سقف الغرفة وشردت تسترجع ما دار بينهم حينها فعنـ.ـد.ما فتح محمد باب الشقة تفاجئ به قائلًا:.
أنت معقول!
تلعثم وهو يقف أمامه منكس الرأس يشعر بالحرج:
ممكن اتكلم معاك
هنا انفعلت ميرال مندفعة نحوه بعدائية:
اخيرًا ظهرت يا استاذ راجع ليه وعايز تتكلم معاه في ايه بعد عملتك السوده!
رفع يامن ناعستيه الثائرة نحوها وعقب بنفاذ صبر:.
عملتي! مكنتش اَسود من عاملت صاحبتك اللي انتِ محموقلها انا مكنتش عايز ألجأ ليكِ بس مضطر انا روحت ل نغم وملقتهاش واتصلت بيها قالت انها مسافرة مع باباها يومين بلدهم و قالتلي أنك معاكِ تسجيل لازم اشوفه روحتلك القصر وعرفت أنك سبتيه وجيت ل محمد هنا علشان يوصلني ليكِ وكويس إني لقيتك فياريت تهدي علشان نعرف نتفاهم
تدخلت شهد بإندفاع كعادتها:.
مع انك ندل ولسة من شوية كنت بقول أنك متستهلش البت بس من حقك تعرف الحقيقة علشان تضـ.ـر.ب نفسك ألف جزمة انك سبتها
جز يامن على نواجذه وسيطر على أعصابه كي يتغاضى عن اهانتها له، في حين لاحق محمد الوضع ناهرًا إياهم بصرامة:
شهد لمي لسانك وكفاية أنتِ وهي خلاص اللي حصل حصل والراجـ.ـل رجع و هيصلح كل حاجة بلاش تتحملو عليه
اعترضت ميرال بحدة وهي تنظر للأخر شذرًا:
انت بتدافعله بعد كل اللي عمله.
نظر لها نظرة صارمة اخرستها حين هدر بأسمها:
ميرال قولت اهدي
زفرت هي وحاولت التحكم بأعصابها، بينما هو وجه نظراته ل يامن واستأنف وهو يجذب ميرال برفق خلف ظهره كي يفسح له المجال:
تعالى ادخل خلينا نتكلم.
تقدm هو مطرق الرأس يرغب في أن تنشق الأرض وتبتلعه بين جوفها من ذلك الموقف السخيف الذي وضع ذاته به، ولكن هو قد اقسم منذ أن شَهد على انهيارها ذلك اليوم وقت المغيب أن يسعى لحقيقة الأمر بذاته فبعد رؤيته لها واستماعه لكل كلمة تفوهت بها كانت بمثابة اعصار قوي أخذ معه غـــضــــبه وثورته وانتقامه وتلك الغشاوة التي كانت تخيم على بصيرته وابقى له ذلك القلب الذي مازال ينبض بعشقها تائه، ضائع، بلا مأوى يفتقد نعيم ظلالها.
اتفضل...
قالها محمد وهو يؤشر له على أحد المقاعد ويجلس مواجه له لتهدر ميرال وهي تنظر له بغـ.ـيظ:
اسأل وانا هجاوب
ليتلعثم هو مُصرح عن واحد من تلك التساؤلات العدة التي لطالما طمح في معرفة اجابتها:
هي كانت على علاقة بالكـ.ـلـ.ـب ده فعلًا ولا هو اللي كان بيفرض نفسه عليها؟
ابتلعت ميرال غصة بحلقها وتبادلت النظرات مع محمد ولم تجب، لتحين منه بسمة متألــمة تنم عن خذلان عظيم ويستأنف متسائلًا بسـ ـخـــريــة مريرة ودواخله تنتفض خــــوفًا من ردها:
طب هي كانت فعلًا بتحبه و بتمثل عليا؟
تنهدت ميرال بعمق واخبرته بصدق:
هي عمرها ما حبت غيرك
تهكم ببسمة ممزقة بائسة:
وعلشان كده خانتني صح
دافعت هي:.
هي عمرها ما خانتك طارق اللي كان بيفرض نفسه عليها وصدقني حاولت تبعده عنها بس معرفتش هي كانت غلطانة بس عمرها ما خانتك وكانت هتمـ.ـو.ت وتحافظ عليك هي فعلًا مظلومة أنا هحكيلك بالتفصيل كل حاجة حصلت وهوريك فيديو ليها هيأكدلك كلامي.
وبالفعل قصت ميرال إليه كل شيء ذاكرة أدق التفاصيل واخبرته أن نادين نـ.ـد.مت اشـ.ـد النـ.ـد.م و كانت تنوي أن تخبره وتترك الخيار له، و.جـ.ـعلته ايضًا يشاهد ذلك المقطع الخاص بالجراچ التي حصلت عليه واحتفظت به من أجل إثبات براءة صديقتها حتى أنها اخبرته ان تلك الصورة التي استعرض بها طارق امامه اتخذت عنوة و نادين بذاتها اخبرتها بذلك واخبرتها ايضًا انها قامت بصفعه يومها وتهديده كي يبتعد عنها ولكن الأخر لم يستجب وكاد المكائد لها حتى انه كان ينوي استغلال ضعفها واستغلال ما فعلته نادين بها كي تقوم هي بفضحها، اخبرته الكثير والكثير ولم تترك شيء إلا وذكرته حتى انهيارها بغيابه وذبولها، حتى ذلك الثوب التي كانت تحتضنه وكأنه كافة احلامها اخبرته عنه مما جعل ناعستيه تغيم ويحتل النـ.ـد.م معالم وجهه وكأنه اصبح كهل يقع على عاتقه هموم العالم أجمع.
حين اضافت ميرال:
هي اتعـ.ـذ.بت بما فيه الكفاية وانت كنت اناني اوي بقرارك
اغمض عينه بقوة وهو يلعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة ثم همس بقلة حيلة وبنبرة ممزقة تضاهي نياط قلبه:
مش لوحدها اللي اتعـ.ـذ.بت صاحبتك صعبتها عليا اللي عملته مفيش راجـ.ـل في الدنيا يعرف يتقبله ولا يتعايش معاه حتى لو كان روحه وقلبه في اللي بيحبها
لتعقب شهد مؤنبة اياه:
حتى لو معاك حق بس كان لازم تسمع أسبابها قبل ما تفكر في عقـ.ـا.بها.
طالعها بنظرات غائمة ضائعة وكأنه فاق للتو من غفلة عقله ثم همس بذات النبرة المتألــمة التي تفيض بالنـ.ـد.م:
أنا فعلًا كنت اناني بس صدقيني أنا كنت بتعـ.ـذ.ب اكتر منها
تدخل محمد بعقلانيته المعهودة:
أنا عذرك وفاهم انت حاسس بأيه بس أنت برضو غلطان كان لازم تسمع منها في وقتها ومتتسرعش وتطلقها
تناول نفس عميق نابع من شتات قلبه ثم زفره على دُفعات و غمغم بنبرة مختنق وعيناه يتغرغر بها الدmع:.
كنت غـ.ـبـ.ـي و فاكر إني بـ.ـنتقم لكرمتي وإني هعرف اتخطاها واخرجها من جوايا ليكوب رأسه بكفوف يده بإنهزام تام ويقول بإنهاك وبقلب منفطر يتداعى بين احشائه من دونها:
بس مقدرتش وبدل ما انتقم منها كنت بـ.ـنتقم من نفسي
هيئته النادmة جعلت شهد تتراجع عن هجومها وبشكل ما وجدت ذاتها تتعاطف معه وخاصًة عنـ.ـد.ما لاحظت دmعاته التي يحاول أن يخفيها عن اعينهم لذلك عقبت بعيون دامعة متأثرة:.
يا عيني عليكم والنعمة انتو الاتنين حالكم يصَعب وكل واحد فيكم خد كفايته...
ميرال ايضًا استشفت صدق نـ.ـد.مه ورغم حنقها السابق منه إلا أنها هدرت تؤازره:
المهم دلوقتي تروح تجبها من هناك
رفع رأسه ببطء ومرر يده على وجهه يزيح تلك الدmعات التي فاضت منه دون ارادة من شـ.ـدة نـ.ـد.مه وتسأل بريبة شـ.ـديدة:
هناك فين؟
وضح محمد:
عند خالها بعد ما انت بعتلها ورقتها خالها خدها معاه البلد.
تجهمت معالمه ونفرت عروقه وهو لا يصدق في حين تسألت ميرال:
هي مامتك مقلتلكش لما رجعت البيت
نفى برأسه بحركة هستيرية وأجابها بأنفاس متعالية وهو يهب يدور حول نفسه شاعرًا بالدmاء تتدفق وتغلي برأسه من شـ.ـدة عصبيته:
أنا مروحتش البيت، وأمي زعلانة مني بسببها، وكنت عايز الاقي إجابات للأسئلة اللي في دmاغي قبل ما اواجهها
نهضت ميرال وحفزته:.
أنت لازم تروح تجيبها اللي اعرفه أن خالها ده مش سهل ابدًا وكان في مشاكل بينه وبين باباها على ورث مامتها
هز رأسه يؤيد حديثها وقال باستمـ.ـا.تة لا مثيل لها:
محدش عارف نوايا خالها زي ويا ويله مني لو فكر يأذيها وعلشان كده مش عايزك تقوللها إني جيتلك انا مضمنش رد فعلها ولا عايز خالها يعمل احتياطه انا هروحلها وهرجعها بس لازم اعمل مشوار صغير اصلح بيه كل حاجة.
عادت ميرال من ذكريات أمس و تنهدت بعمق داعية لهم بسرها أن يجمع بينهم ثم نهضت كي تتوضأ وتؤدي فردها كما اعتادت مؤخرًا وهي تنوي بعدها أن تقضي اليوم بأكمله معه قبل عودتها لقصر أبيها فحقًا اشتاقت لأحاديثه ومشاكسته كثيرًا وتود أن تنعم بقربه أطول وقت ممكن قبل عودتها فهي لا تضمن رد فعل ابيها ولا تعلم ما ينتظرها هناك.
لع ملوش لزوم تچيب حكيم هي هتبجى زينة هملها وانا هفوجها
قالتها قمر وهي ترى لهفته الصادقة وخــــوفه عليها بعدmا حملها وصعد بها للغرفة التي تمكث بها، فقد وضعها على الفراش برفق وظل يهمس راجيًا وهو يكوب وجهها تارة وتارة أخرى يملس على شعرها:
نادين ردي عليا، نادين فَتحي عيونك علشان خاطري..
زمجر عبد الرحيم غاضبًا من تودده لها:.
سَكر خشمك ده واتحشم و جوم من مُطرحك وهِم معايا لازمنًا نتحدت ليوجه نظراته ل قمر ويستأنف بغطرسة أمرًا اياها:
وانتِ يا غراب البِين غوري چيبيلها كولونيا
هزت قمر رأسها بطاعة وطمئنت يامن بخفوت ما أن ولاهم عبد الرحيم ظهره وفي طريقه لمغادرة الغرفة:
بركة أنك رچعت، متجلجش هتبجى كويسة وانا هبجى وياها.
تعلقت عين يامن بها ثم مال عليها وقبل جبهتها قبلة مطولة وهو مغمض العينين وكأنه يتوسلها بها كي تستعيد وعيها ثم نظر ل قمر يوصيها عليها بنظراته واتبع عبد الرحيم حانقًا، وبعد دقائق قال عبد الرحيم بغطرسة وبنبرة متجبرتة ما أن اجتمع هو و حامد معه بأحد الغرف:
چيت ليه يا غريب انت مش طلجتها وخُلصنا
جيت علشان أخد مراتي.
ومين جالك إني هوافج يا غريب رچوعك ليها ده باطل وكان لازمنًا تكتب عليها من الاول ويكون في حضورها وحضور الولي عليها
زفر هو حانقًا، وظل يدور حول ذاته في محاولة بائسة منه للتحكم بأعصابه كي لايتهور ويحطم رأس ذلك المتبجح في حين تدخل حامد بعقلانية:
لع ينفع يا بوي لو زي ما هو جال يبجى طلاجه منيها رچعي ويحِج ليه يردها من غير حتى موافجتها طالما لساتها في عدتها
استنكر عبد الرحيم وهو ينظر ل يامن نظرات حاقدة:.
ممصدجش أني الحديت ده اكيد وراه ملعوب منيه هو وامه
احتدت نظرات يامن نحوه ورد محذرًا بغـــضــــب أهوج وبنبرة قاطعة كحد السكين:
إياك تجيب سيرة أمي انت فاهم، وبعدين ملعوب ايه اللي بتتكلم عنه أنت اخر واحد ممكن يتكلم عن الخطط والمؤامرات
وهنا طفرت نوايا عبد الرحيم على حديثه حين قال مندفع دون تفكير:
أني عاوز الصالح ليها وابن خالها اولآ بيها وبمالها منيك.
زمجر هو غاضبًا وركل الطاولة التي أمامه بقدmه ثم زعق بصوت جهوري رجت له حيطان المنزل وهو يكاد ينقض عليه لولآ إحالت حامد بينهم:
اللي بتتكلم عنها دي مراتي وعلى ذمتي ومفيش حد في الدنيا اولآ بيها غيري وكلمة كمان قسم ب الله متلومش غير نفسك
حاول حامد ردعه بعقلانية وطولة بال:
استهدى بالله يا چوز بت عمتي و رَوج ابوي ما يجصدش وأني متچوز ومرتك كيف خيتي تمام
صرخ يامن منفعل وعروقه نافرة من شـ.ـدة غـــضــــبه:.
لأ يقصد ابوك راجـ.ـل جشع وكان فعلاً عنده استعداد يجبرك ويجبرها علشان الفلوس وبس وفاكر أن فلوسها حق مكتسب ليه وان أي حاجة هي بتملكها هو احق بيها علشان في الأصل بتاعة اخته، وفكرة انه عايز مصلحتها دي كدبة حقيرة منه عمري ما صدقتها ولا صدقت حنيته عليها وكنت عارف نواياه من زمان
زاغت نظرات عبد الرحيم بتـ.ـو.تر بينما حـ.ـز.ن حامد من حديثه بالسوء عن ابيه وباغت يامن بذلك السؤال الذي عبث بثباته:.
طالما حديتك صوح وكنت خابر اللي في ضميره طلجتها ليه وهملتها!
ابتلع غصة مريرة بحلقه وعجز عن الرد ليستغل عبد الرحيم الأمر بتبجح:
بت خيتي مش لعبة في يدك يا غريب ويكون في معلومك هي مبجتش ريداك وهي اللي چت معايا بخاطرها عشان إحنا اهلها وناسها وكلمة ملهاش تنين بت غالية مهتخرجش من داري وغـ.ـصـ.ـب عنيك هطلجها وهتغور من إهنه
زمجر يامن غاضبًا وعقب على تهديده بنبرة تحمل أصرار وثقة لا مثيل لها:.
عشم ابليس في الجنة أنا مش هتحرك خطوة واحدة برة البيت ده غير ومراتي معايا ومفيش قوة على وجه الأرض تقدر تجبرني أطلقها
بس أنا مبقتش عايزاك يا يامن
وهتطلقني زي ما خالي قال
قالتها هي بعدmا استعادة وعيها ولملمت شتاتها ووقفت أمامه تستند على ذراع قمر تنظر له بشموخ وبرأس مرفوعه عاليًا تنم عن ثورتها، بادلها هو بأخرى مشـ.ـدوهة معاتبة لا يصدق ما تفوهت به لتوها
هلل عبد الرحيم فرحًا بشمـ.ـا.تة:.
يا فرچ الله أهي چت منيها وجالتلك مبجتش ريداك ياريت تغور وتحس على دmك
اعترض حامد على عجرفة أبيه:
بكفياك يا بوي هَمل الراچل يتفاهم مع مرته وتعال معاي
استنكر عبد الرحيم:
متجولش مرته
عاتبه حامد وهو يجذبه من يده كي ينصاع له:
لع مرته بلاش تضلل نفسك يا بوي أنت حاچچ بيت رَبنا وخابر زين أنها لساتها مَرته.
زاغت نظراته وظل على مكابرته ولكن مع محاولات حامد استطاع أن يجعله ينصاع له ويخرج معه بعدmا أرسل ل قمر نظرة تفهمت المغزى منها وراحت تجلسها على أقرب مقعد وتهرول للخارج مغلقة الباب خلفها كي تمنحهم بعض الخصوصية
بينما عن صاحب الناعستين فقد دام تشابك نظراتهم وتحاكت بالكثير حين همس بخزي من نفسه قبل أي شيء:
للدرجة دي كرهتيني يا نادين.
نظرت له نظرة مطولة لم يتفهم مغزاها إلا حين أجابته بنبرة ثابتة يقطر العتاب منها:
كرهت نفسي أكتر علشان صدقتك
تقدm منها وقال بصدق نابع من صميم قلبه وهو يجثو مقابل لجلستها:
بس أنا عمري ما كدبت عليكِ وكل كلمة قولتها كنت أقصدها.
حانت منها بسمة متألــمة تفيض بالأسى وتهكمت وهي تتحاشى النظر لعينيه:
أنت واحد كـ.ـد.اب، وكل وعودك كـ.ـد.ابة حتى الحب اللي عيشتني فيه وحاولت تقنعني بيه كـ.ـد.اب زيك
هز رأسه وهو يحتضن كفوف يدها البـ.ـاردة ويمرر ابهامه حول بنصرها يلحظ أنها نزعت دبلته التي وعدته ان لن تنزعها مهما حيت ليحتل الحـ.ـز.ن ناعستيه ويستنكر إدعائها:
مكدبتش أنا عمري ما بطلت أحبك أنتِ الحقيقة الوحيدة اللي في حياتي.
تنهدت هي تنهيدة مثقلة بالكثير وقالت بسـ ـخـــريــة مريرة وهي تنزع يدها نزع من بين يده وترشقه بنظرات قـ.ـا.تلة:
صح بأمارة ما سبتني ورفضت تسمعني، وصدقت كلام الحقير عني، وشككت في برائتي مع انك كنت متأكد أنك أول راجـ.ـل يلمسني
اطرق رأسه وعجز عن الرد حتى أنه نهض و ولاها ظهره متهربًا من نظراتها فنعم هو لا يكذبها ولكن ماذا يفعل بتلك الهواجس والشكوك التي كانت تعصف به، لتستأنف هي:
مسألتش نفسك ليه خليتك تقرب مني...
أدار رأسه لها و رفع ناعستيه يتأهب لأسبابها في حين صرحت هي بما كانت تأمل به:
كنت هقولك بس كنت همـ.ـو.ت وانا بتخيل إني ممكن اخسرك، وفكرت في كل الاحتمالات غير انك تبعد عني، قولت لو اتأكدت هيتشفعلي عندك وهيأكدلك أني عمري ما خُنتك، ولو حصل وخسرتك كنت هعيش على الذكرى دي طول عمري لتتناول نفس عميق نابع من حطام قلبها وتستأنف بنبرة مختنقة على حافة البكاء:.
بس أنت خذلتني، خذلتني، واتخليت عني في أكتر وقت أنا كنت محتجالك فيه، أنت وقفت تتفرج عليا من بعيد وانا بمـ.ـو.ت بالبطيء ومفيش حاجة اتشفعتلي عندك، وطلقتني لتتمسك مكان خافقها الذي يعتصر من شـ.ـدة خذلانه لها وتضيف ودmعاتها تعصاها وتفر هاربة من سـ.ـجـ.ـن عيناها:
طلقتني وكأنك عمرك ما حبتني ولا وعدتني بألف وعد أنك عمرك ما هتسبني
حاول التبرير قائلًا بنبرة ممزقة وهو يقترب يحاوط ذراعها وعيناه تتوسلها لتتفهمه:
كان غـ.ـصـ.ـب عني.
صرخت به بأنهيار وهي تنفض يده وتهب من جلستها:
مفيش حاجة اسمها غـ.ـصـ.ـب عنك أنت كنت اناني ومفكرتش غير في نفسك وفي كرمتك ومشغلتش بالك غير بأنتقامك مني ولا فرق معاك أن بمر بأيه من غيرك
نفى برأسه مستنكرًا واقترب من جديد يكوب وجهها مدافعًا عن ذاته بعيون راجية يلتمع بها الدmع:
نادين ارجوكِ اسمعيني اللي حصل مكنش سهل عليا ابدًا
نفضته عنها من جديد وقالت ودmعاتها تزف عتابها:.
ولا كان هين عليا بس الفرق بيني وبينك أنك انت كرمتك وكبريائك كانوا اهم مني
مرر يده بين خصلاته بعصبية وهو يشعر ببراكين ثائرة برأسه حين تذكر الأمر وعقب على اتهامها موضحًا دوافعه بنبرة متألــمة مفعمة بخيبة الأمل:.
أنا طول عمري محاوط عليكِ وكنت فاكر إني كده بحميكِ، الهوا الطاير جنبك كنت بحسده علشان بيقدر يلمسك وأنا لأ ومكنش هين عليا اشوفك شبه عريانة و بين ايده، لتختنق انفاسه ويستأنف بإنهزام نابع من هشيم كبريائه:
فكرة أن راجـ.ـل غيري لمسك كانت هتجنني انتِ مت عـ.ـر.فيش المشهد ده اتكرر في دmاغي كام مرة من ساعتها انا عقلي كان هيتشل، هيتشل.
كرر آخر كلمة وهو يضـ.ـر.ب بكفوف يده على رأسه وكأنه يريد نفض ذلك المشهد اللعين الذي يعـ.ـذ.به عن رأسه، في حين غمغمت هي وجسدها يرتجف تتذكر ذلك الشعور اللعين التي مرت به وقتها:
أنا مكنتش معاه بمزاجي هو خدرني وخـ.ـطـ.ـفني أنا كنت بستنجد بيك وقتها واترمـ.ـيـ.ـت في حـ.ـضـ.ـنك، أزاي قلبك طاوعك تصدقه وتكدبني
فرت دmعاته تضامنًا مع انهيارها واقترب يكوب عنقها بكفوف يده هامسًا بقلة حيلة وهو يستند برأسه على جبهتها:.
لما قالي الكلام ده عليكِ في وقتها مكنتش قادر أميز او افرق والشيطان هيئ لي حاجات كتير وكل اللي كان في راسي وقتها أن كلامه منطقي، تعلقت بيده التي تكوبها وتراجعت برأسها تنظر لناعستيه الثائرة المغلفة بالدmـ.ـو.ع بنظرة مؤنبة زلزلت كيانه واشعرته انه المذنب الوحيد لذلك اضطرته يذكرها بفداحة أفعالها التي دفعت أفكاره لذلك:.
متبصليش كده، أنتِ كنتِ بتقابليه وانتِ على ذمتي، كنتِ بتعشميه وبتسهري وبتضحكي وبترقصي معاه وبتستغفليني، لتتهدل معالم وجهه بحـ.ـز.ن ممـ.ـيـ.ـت ويضيف:.
الفترة دي انا كنت بتمنى منك كلمة واحدة تريح قلبي وكنت بعمل علشانك المستحيل علشان ترضي عني كنت بتحمل طريقتك وعجرفتك وكرهك ليا اللي كان واضح اوي في عيونك وقتها ولما عرفت اسبابك عذرتك وسامحتك بس عمر ما جه في بالي بعدها أنك تتغيري وتحبيني وكنت حاسس دايمًا إني في حلم وهصحى منه على كابوس وعلشان كده لما قالي أنك كنتِ بتمثلي عليا الحب صدقته علشان أنتِ خذلتيني مرة وكدبتي عليا ألف مرة قبليها وأي راجـ.ـل لو كان مكاني كان قــ,تــلك وقــ,تــله.
جذبت يده عن عنقها ودفعته بصدره بأعصاب تالفة صارخة باهتياج من بين شهقاتها الحارقة التي لم تنضب:
أي راجـ.ـل غيرك مش أنت، اه غلطت ونـ.ـد.مت، نـ.ـد.مت، وعارفة أن ده مش كفاية بس مش مبرر ليك علشان تصدق خيانتي وتتخلى عني أنا كبرت قصاد عينك واتربت على ايدك.
كانت تتحدث ومع كل كلمة يتشنج جسدها وتلوح بهياج تطرق على صدره بكل قوتها مما جعله يحاول تهدئتها ويسيطر على حركتها بضمه لها بقوة زارعها كي تستكين بين جنبات صدره هامسًا تحت مضهها وتلويها بين يديه:.
أنا بعدت علشان مخسرش نفسي واعـ.ـذ.بها بقربك انا بعدت مش جُبن مني لأ انا كنت عايزك تعيشي زي ما أنتِ عايزة من الأول الحياة اللي اختارتيها وبدتيها عليا وخليتك متحترميش كوني جوزك واستهترتي بيا وبكرامتي وفضلتي عليا راجـ.ـل تاني، هتقوليلي انت متأكد من عفتي هقولك فعلًا انا متأكد من عفتك بس عمر العفة ما كانت بالشرف بس يا نادين أنتِ خلتيني كرهت نفسي وكرهت قلبي اللي حبك و وثق فيكِ كان كان عندي استعداد اغفر أي حاجة إلا دي صدقيني كان صعب عليا استوعب كل ده وارجع أنت قــ,تــلتيني يا نادين قــ,تــلتيني.
قال حديثه دفعة واحدة بنبرة ممزقة متألــمة وهو يشـ.ـدد على عناقها بقوة رافض تركها حتى حين تهدلت قدmيها وخارت بها انزلق معها، فكانت تنتفض وتتلوى بين يديه بهستيرية جعلته يتمتم معتذرًا وهو يحاول جاهدًا تهدئتها:
اهدي، حقك عليا، حقك عليا يا نادين انا مش هسيبك تاني ابدًا
همست بقهر من بين شهقاتها دون أن تستسلم لعناقه:
طالما انا بشعة كده رجعت ليه بعد كل ده يا يامن، رجعت ليه؟
أجابها بصدق نابع من صميم قلبه الذي مازال ينبض من أجلها و هو يعتصر عيناه و يرتكز بشفاهه يقبل قمة رأسها، يحاول جاهدًا تثبيت جسدها بحركات حانية يأمل منها أن تستكين بين يده كسابق عهدها:.
علشان بحبك وعمري ما عرفت اكرهك ويعلم ربنا أني كنت بحارب كل ذرة فيا علشان ارجعلك، أنا لملمت اللي فاضل مني ورجعت دورت على الحقيقة اللي رفضت اسمعها منك وعرفتها وبعترف إني كنت غـ.ـبـ.ـي لما رفضت اسمعك وقتها بس وقتها الشيطان عماني ومكنتش شايف غير خيانتك قدامي وصورتك مع الكـ.ـلـ.ـب ده قصاد عيني ليتناول نفس عميق من عبقها ويستأنف بإنهاك:.
انا كنت مش باكل ولا بنام ولا عارف حتى اتنفس وانا بعيد عنك وكل حتة في جـ.ـسمي كانت بتعاندني حتى لما قررت اسافر برة البلد رجعت من المطار ومقدرتش ولقيت نفسي بعدها بروح لكل مكان جمعني بيكِ ليتنهد بحرقة جثت على صدره ويضيف بأنفاس خافتة:
كنت بعاند وبكابر لغاية ما شوفتك يومها هناك حسيت إني مهما حاولت ابعد روحي متعلقة بيكِ وبوجودك جنبي، سامحيني
وخلينا ننسى ونرجع لبيتنا ونبدأ من جديد.
استكانت بين يده وكانت تستمع له بهدوء مريب استغربه كثيرًا بعدmا هدأت شهقاتها وتوقفت عن البكاء فظن أنها تفهمته واقتنعت بأسبابه ولكن هي كعادتها خيبت كافة أماله وفاجأته حين قهقهت بجنون وبكامل صوتها بين يديه ودفعته عن جسدها وهي تتعمد أن تذيقه مّر ما أذاقها فقد هبت واقفة وابتعدت عنه راشقة أياه بعيون دامية وبنظرات مستنفرة بعدmا أزاحت بأناملها دmعاتها عن وجهها قائلة بنبرة قوية لا تضاهي انهيارها وضعفها السابق:.
نرجع، وننسى، أنا مش هرجع معاك ولا هتحرك من هنا أنت عمرك ما اهتمـ.ـيـ.ـت بأسبابي وانا كمان ميهمنيش اسبابك ومفيش حاجة في الدنيا هتقدر تنسيني اللي عملته فيا
ذلك آخر ما تفوهت به تاركته يقف مشـ.ـدوهاً بملامح واجمة وعيون حزينة نادmة ينظر لآثارها.
استغلت تواجد ابنائها بالمدرسة وذهبت لشراء احتياجاتها من الطعام بأحد المجمعات التجارية الضخمة، وأثناء سيرها ودفعها لعربة المشتريات لمحت تلك السيدة العطوف تقترب منها وتقول بود:
ازيك يا بـ.ـنتي
ابتسمت رهف وردت بأدب:
الحمد لله يا طنط
والولاد عاملين ايه؟
كويسين الحمد لله، حضرتك صحتك عاملة ايه؟
الحمد لله نحمد ربنا
أومـ.ـا.ت رهف ببسمة هادئة وقالت وهي تسير برفقتها تستأنف لملمت ما يناسبها:.
ربنا يديكِ الصحة ياطنط مبسوطة إني شوفتك
اجابتها كريمة ببسمة بشوشة مستفيضة بكل اريحية:
انا اللي حظي حلو النهاردة إني شوفتك بصراحة كُنت زهقانة وقولت انزل امشي رجلي أصل مش بالعادة اجيب الطلبات دايمًا نضال اللي بيجبها
وبصراحة قولت اشيل عنه
تنهدت بضيق عند ذكره وتذكرت حديثه الصائب الذي اخجلها من ذاتها، لتبتسم بمجاملة كي تمرر الأمر وباشرت انتقاء مشترياتها بعناية ادهشت كريمة و.جـ.ـعلتها تتساءل:.
بسم الله ما شاء الله عليكِ يا بـ.ـنتي دقيقة اوي في اختياراتك شكلك ست بيت شاطرة
اجابتها رهف:
اكيد يا طنط مش عندي اطفال وبصراحة مش بحب استسهل واجيب الأكل الجاهز من برة
وبتلاقي وقت تطبخي يا بـ.ـنتي ليه مش بتخلي البـ.ـنت اللي بتساعدك تطبخ هي
هزت رهف رأسها بنفي واجابتها بعفوية وبشيء من التحفظ مازالت متمسكة به:
انا اتعودت انا اللي اعمل كل حاجة لولادي وعلشان كده بطبخ من بليل
لتبتسم كريمة بأعجاب قائلة:.
جدعة يا بـ.ـنتي، ربنا يقويكِ على ولادك ويجبر بخاطرك
تنهدت رهف وقالت بإمتنان لتلك السيدة العطوف وهم في طريقهم لدفع قيمة مشترياتهم والخروج:
كنت محتجاها جداً الدعوة دي مرسي اوي يا طنط
شكلهم تعبينك مش كده
هما تعبني بس على قلبي زي العسل أنا مليش غيرهم وعايشة علشانهم
ربنا يحفظهملك...
أمنت رهف على دعواتها واقترحت بود وهم بطريقهم للخارج:
لو حضرتك معكيش عربية تعالي اوصلك معايا.
لو هتوصليني يبقى انا عندي طلب ونفسي متكسفنيش
تحت امرك يا طنط
هاتي الولاد وتعالوا اتعشوا معايا
زاغت نظرات رهف وحاولت التملص من طلبها قائلة بحرج وبتهرب من السبب الحقيقي لرفضها:
مش عايزه اتعب حضرتك
و...
نضال مش في البيت عنده نبطشية وهيرجع الصبح وانا مش بحب أأُكل لوحدي ونفسي متكسفنيش أنتِ كنتِ وعداني بزيارة من زمان.
اصابها احراج شـ.ـديد من إصرارها لا والأنكى أن تلك السيدة تفهمت ما يدور برأسها ومنحتها اجابات وافية دون سؤال منها وذلك الشيء اشعرها لسبب ما بالراحة فما كان منها غير أن توافق وتنصاع لرغبتها.
جلس وحيد بغرفة مكتبه يطالع كومة الأوراق التي أمامه بنظرات خاوية فاقدة للشغف فمنذ حديث ابـ.ـنته له وتركها له وهو يؤنب ذاته على حصاده الحقيقي الذي لم يثمر عن شيء سوى تلك الثروة الهائلة التي ظل يجمع بها طيلة حياته من أجلها وهو يظن أنه بذلك يمنحها ويؤمن لها كل سبل الحياة فقد اكتشف اخيرًا أنه كان مُقصر بتربيتها و أن أولوياته السامية بغير محلها فياليته زرع شيء آخر كان حصاده أنفع من تلك الوحدة الموحشة التي أصبحت تحاوطه الآن ولطالما كان يتخــــوف منها.
تأمرني بحاجة يا بيه.
انتشله من شروده وحالة الجمود التي أصبحت تتلبسه صوت الخادmة الوحيدة التابعة ل دعاء وقد ابقتها في القصر بحجة أنها تثق بها ثقة عمياء
تحمحم هو يزيح البؤس من صوته وأجابها:
لأ، تقدري تمشي
لتعقب الخادmة مدعية أسفها:
على عيني يابيه بس أمي بعافـ.ـية ولازم أبيت الليلة معاها إن شاء الله الصبح بدري هبقى هنا
هز رأسه بلا مبالاة، لتضيف هي:.
الست دعاء بتبلغك انها اختارت طقم خدm جديد للقصر وهيبدأو شغل من بكرة.
لتمصمص فمها وتثرثر بنفاق:
والله الست دعاء دي ست الستات وبتحبك يا بيه دي ناعية همك حتى وهي بعيد دي كل نص ساعة تتصل بيا تسألني عليكِ وقلقانة على جنابك
تأفف فاضل بضجر:
خلاص، مش عايز كلام كتير واتفضلي بقى متو.جـ.ـعيش دmاغي اكتر من كده
لوت الخادmة فمها وردت بطاعة:
حاضر يا بيه انا هتوكل على الله.
لوح فاضل بلامبالاه لتغادر الخادmة وتقوم بمهاتفة دعاء تخبرها أن هيئت كل شيء كما خططوا لتحقيق مكيدتهم الغادرة.
كانت مرتبكة في بادئة الأمر فهي لم تعتاد بسنوات زواجها على الأختلاط بأحد ولذلك كانت اعصابها مشـ.ـدوده تتحدث بتحفظ وأقتضاب شـ.ـديد ولكن عنـ.ـد.ما مر بعض الوقت وعنـ.ـد.ما استشعرت طيبة كريمة وعدm تكلفها معها ارتخت اعصابها وتعاملت بإريحية أكثر وخاصًة عنـ.ـد.ما اخبرتها انها كانت على معرفة وطيدة بزوجة عمها بحكم جيرتهم وحتى انها كانت تتبادل الزيارات معها قبل وفاتها فقد استفاضت معها بالكثير وهم يتناولون العشاء سويًا وإن انتهوا ساعدتها رهف في ضب السفرة وغسل الأطباق رغم أعتراض كريمة ولكنها أصرت، لتقوم كريمة بعمل كوبين من الشاي حين انتهت وجلسوا سويًا أمام التلفاز برفقة اطفالها الذي كانوا منشغلين باللعب على ذلك الجهاز الحديث الذي يُشغل الألعاب فكانوا يهللون صانعين ضجة و ونس بالمنزل جعل كريمة سعيدة للغاية بوجودهم ولتلك الروح التي منحوها للمكان فكانت تطالعهم بنظرات حانية للغاية اثناء لعبهم حين قالت رهف بحرج شـ.ـديد تنبه الأطفال:.
ياولاد عيب كده وطوا صوتكم لتوجه نظراتها ل كريمة وتستأنف:
آسفة يا طنط على الدوشة بس حضرتك اللي اصريتي تشغليلهم Play Station
اجابتها كريمة مستنكرة قولها بود شـ.ـديد:
ابدًا يا بـ.ـنتي بتتأسفي ليه والله ده انا فرحتي بيكم متتوصفش
عملتوا للبيت حس
لتتنهد وتسترسل بعفوية:
وبعدين سبيهم يلعبوا براحتهم عارفة لو كان نضال هنا...
فركت رهف يدها بتـ.ـو.تر لسيرته وقاطعتها:
اكيد كان اضايق.
لوت كريمة فمها ببسمة بشوشة تشابه خاصة ولدها ثم استطردت متهكمة:
يضايق، ده كان قعد لعب معاهم وعمل دوشة اكتر منهم، ما هو المخروب ده بتاعه اُمال انتِ فاكرة ايه؟
كبت رهف بسمتها بأعجوبة وقالت بجهل:
قولت يمكن بتاع حد من ولاده...
تنهدت كريمة بحـ.ـز.ن واسترسلت بعفوية تستفيض معها:
ابني ربنا ما كرمهوش بولاد
وقعد سنتين متجوز ولما مـ.ـر.اته عرفت أن العيب منه والعلاج بتاعه هيطول زهقت و طلبت الطـ.ـلا.ق.
مهلًا الأن أدركت فداحة كلمـ.ـا.تها وأثرها عليه لتغمض عيناها بقوة تلعن غبائها وتسرعها فهي دون أن تقصد جـ.ـر.حته بحديثها، يا الله بكم اعتذار أصبحت مدينة لذلك ال نضال، حاولت أن تظبط ردود افعالها و نظرت لها لا تعلم بما ترد أو تجيب غير:
ربنا يعوضه خير يا طنط...
ربتت كريمة على يدها قائلة ببسمة حانية مفعمة بالأمل:
ربك كريم يا بـ.ـنتي وقادر على كل شيء
أبتسمت رهف بسمة هادئة وهي تداري شعورها بالخزي واستفاضت بحرج:.
هو الدكتور قالك إني
قاطعتها كريمة بفطنة:
قالي يا بـ.ـنتي
بصراحة أنا كنت قليلة الذوق معاه اوي وحاولت اعتذرله بس هو...
قاطعتها كريمة ببسمة عطوف متفهمة:
نضال قلبه ابيض وبينسى بسرعة وإذا كان على العيادة هو قالي انه هيشوف شركة تانية تنفذها
ترجتها هي بشيء من الارتباك:.
لأ ارجوكِ يا طنط تكلميه سارة من يوم اللي عملته معاه وهي مضايقة مني وبصراحة انا غـ.ـبـ.ـية مكنش لازم اقول اللي قولته ده هو كان كلامه صح وجهة نظره اقنعتني وخلتني عايزة اشارك و انفذها
تنهدت كريمة وهزت رأسها قائلة:
يبقى تقوليله الكلام ده بنفسك وهو اكيد مش هيكون عنده اعتراض.
كانت تخفي خلف حديثها نية مسبقة تنم عن امنية بعيدة تعلم أن ولدها لطالما طمح بها، ولكن بالطبع رهف كانت غافلة عنها تمامًا لذلك قالت وهي تتنهد بقوة تحاول استجماع شجاعتها لفعلها:
هكلمه بس على ضمانتك مش هيحرجني
نفت كريمة برأسها بثقة لتبتسم رهف وتستأذن منها بأدب بعدmا شكرتها كثيرًا قبل أن يفاجئها الصغير قائلًا:
مامي هو ينفع ابقى اجي ألعب مع نضال Play Station
زجرته رهف بنظراتها وعاتبته:.
عيب كده من امتى بننده حد كبير بأسمه
دافع الصغير برأس منكسة:
هو اللي قالي ان نضال مش شتيمة وينفع اندهله بيها
هنا قهقهت كريمة قائلة:
يوه سبيه يا بـ.ـنتي هو نضال كده ميحبش الشكليات والرسميات وبيتعامل بعشم وشايل التكليف مع الناس كلها
بس يا طنط...
من غير بس وابقى خلي الولد يطلع في أي وقت متقلقيش عليه ده هيبقى في عيوني وبعدين بلاش حساسية زايدة انا زي امك.
هزت رهف رأسها بحركة بسيطة ورغم سيرته واعتقادها السابق أنه يتطفل على حياتها إلا أنها شعرت براحة غريبة لتلك السيدة العطوف التي بررت دون قصد أفعال ولدها و.جـ.ـعلتها تتفهم كونه لا يفعل معها ذلك عن قصد.
أما عن ذلك الجشع صاحب الأطماع المتوارية فمازال الشيطان يغشي على عينه وقد اقسم أنه لن يقف مكتوف الايدي ويدع ذلك الغريب كما يدعوه أن ينتصر عليه لذلك زعق بصوت جهوري على أحد الغفر:
أنت يا حسان يا جَالوس الطين
هرول حسان له قائلًا بطاعة وبأنفاس متلاحقة:
انا چيت أها يا بيه اؤمرني
رشقه عبد الرحيم شذرًا وأمره بغطرسة:
حضر العربية هنطلع الچبل.
تسمر الغفير من ذلك الأمر العجيب المحفوف بالمخاطر الذي أخبره به سيده ولم يحرك ساكنًا لينهره عبد الرحيم جاعله ينتفض بوقفته:
هِم يا چالوس الطين جبل العتمة ما تحل
إنصاع له مضطر وهرول من امامه بينما هو جلس يرتكز بذقنه على عصاه الآبنوسي ثم هدر بنبرة تقطر بحقد دفين:
أنت اللي چيت لجضاك يا غريب.
↚
لا تؤذ قلباً رق لك يوماً
فلحظات الود لها عليك الف حق و حق!
جلال الدين الرومي.
حل الليل بقتامته عليه وهو يجلس مع حامد وخالها الأخر سعيد بعد رفضها وذلك الحوار المحتد الذي دار بينهم فكان شارد بملامح بائسة وكل كلمة تفوهت بها مازال طنينها بأذنه يتردد ويتردد حتى شعر أن رأسه يعج بها ألف ثورة طاحنة.
رَوج يا وَلدي وربك هيدبرها.
قالها سعيد بطيبة وهو يناوله كوب من الشاي الساخن و يجاوره في جلسته على ذلك الحصير الخشن أمام داره المتواضع وامامهم حطب مشتعل تتأكله النيران مثل قلب صاحب الناعستين التي تفيض بالحـ.ـز.ن...
تناول يامن نفس عميق من ذلك العبق المميز الذي يفوح من الأراضي الزراعية ثم أخذ من يده الكوب وشكره بأدب في حين عقب حامد وهو يربت على كتفه:.
صلِ على النبي يا چوز بت عمتي الحريم كلاتهم ميچوش غير باللين راضيها بكلمتين حلوين وهي هترضى
عليه افضل الصلاة والسلام
قالها بتنهيدة واستأنف بعدها:
مش بـ.ـنت عمتك اللي بترضى بكلمتين يا حامد، نادين زعلها صعب
ليتدخل سعيد ببسمة طيبة:
كيف أمها الله يرحمها تمام كانت غالية إكده لو زعلت مفيش حاچة تراضيها واصل
رددوا سويًا بنفس واحد:
الله يرحمها
ليضيف سعيد:.
خابر يا وَلدي كان معيچبهاش العچب وكل ما يتجدmلها حد من رچالة البلد تطلع فيه الجطط الفاطسة لغاية ما بالصدفة عادل كان إهنه بيتفج مع واحد من المزارعين يشيعله خضار لمحل الوكل اللي كان حداكم في البندر، وشافها واتجدmلها و وافجت طوالي وجتها كنت مستغرب و سألتها ليه ده بذات يا غالية اللي وفجتي عليه ردت علي بچملة لساتها في راسي للنهاردة.
جالتلي( الحُب مكتوب كيف الجدر تمام وكل روح بتنادي وليفها و روحي انجصمت وكانت ضايعة ولجتها وياه) وعشان إكده بجولك يا وَلدي مهتهملش روحك بعد ما لجتها
تنهد تنهيدة مثقلة ورد بنبرة تفيض بمكنون قلبه الذي لم يغيره شيء:
انا مقدرش اسيبها تاني يا عم سعيد دي هي الروح لروحي
اعتلى حاجب حامد وشاكسه بود ناصحًا:.
واه ما انت زين أهه وهتعرف تجول حديت حلو وفره ليها يا حزين وجوم هِم روحلها وراضيها أني معرفش انت عملت إكده ليه ومش هسألك بس طالما غلطان ونـ.ـد.مان إكده يبجى عملتك عِفشة ومش هينة عليها وغـ.ـصـ.ـب عنيك لازمًا تراضيها حتى لو چابت من الطين وحطت فوج راسك و مش عشان جالتلك كلمتين من جهرتها تخليك تفجد الأمل
حانت منه بسمة هادئة وقال مستغربًا:
هو أنت أزاي كده، انت متأكد أن عبد الرحيم ده ابوك
قهقه حامد واجابه بخفة:.
تصدج أنا ذات نفسي بجول اني زرع شيطاني مهشبهش حد
صحح سعيد بصدق:
لع يا وَلدي أنت البذرة الطيبة في أرض بور ربنا يكملك بعجلك ويرضى عليك زي ما أنت بتخاف ربنا وبتراعيه في اهلك، وربنا يهدي ابوك ويزيح شيطانه عن راسه
ربت حامد على كتف عمه وقال ببسمة بشوشة طيبة:
محدش بيختار ناسه ياعمي وربنا يعلم أني بحاول جَد إيه معاه، وبدعيله في كل صلاة وعندي أمل رَبنا يستچيب
رَبنا كريم يا وَلدي وجادر يهديه
ويجبر بخاطرك.
يارب يا عمي ويبـ.ـاركلنا في صحتك...
تنهد يامن بأرتياح أكبر و نظر لهم وهو يتيقن أن رغم وجود اشخاص بسوء عبد الرحيم وغيره مازال يوجد اشخاص طيبون ينعمون بالرضا و لم يندثر بهم الخير ويخجل الشيطان من المساس بهم.
واه ما تهِم يا حزين وعاود لمَرتك
زفر هو حانقًا وقال:
ابوك مش حابب وجودي يا حامد وهي منشفة راسها
خليك إهنه يا وَلدي اشيلك فوج راسي لغاية مـ.ـيـ.ـتصلح الحال
عقب حامد بإصرار وهو يشعر بالحرج من أفعال ابيه:.
لع يا عمي دارنا مفتوحة ومكانه مع مرته وهو لازمنًا ياخد واچبه ودار ابوي دي مش داره لوحده ده داري انا كمان وهو واحد مننا ومرحب بيه في أي وجت ليوجه حديثه ل يامن معتذرًا:
وإذا كان على الحديت الماسخ اللي جاله ابوي فأنا محجوجلك يا چوز بت عَمتي
ربت يامن على كتفه بمعني أن لا بأس بينما عقب سعيد بأسى احـ.ـز.نهم معًا:.
الله يسامحه عبد الرحيم من يوم ما چابها البلد وهو مهيرضاش يسمحلها تچي تجعد في داري وحتى لو زورتها انا و هانم مرتي بيتنه واجف فوج روسنا مهيهملناش نشبع منيها ولا من ريحة غالية
اوعدك يا عم سعيد لو ربنا هداها وخرجت من بيته هبقى اجيبها زيارة تقعد معاك، هي اصلًا شكلها حبت الجو هنا
ابتسم سعيد ورحب بأقتراحه بسعادة عارمة بينما هو
استأذن منه وعاد هو و حامد للمنزل وهو ينوي أن لا ييأس من محاولاته لأرضائها.
حاكت مُحبة واخبرتها بما حدث ليجن جنونها وتتوعد لتلك ال دعاء أشـ.ـد الوعيد وها هي تقف على مقربة من قصر ابيها بعدmا أصر أن يرافقها...
أوقف محرك سيارة الأجرة التي يعمل عليها عن العمل وقال:
يلا يا حلو وصلنا انزلي هنتمشى الحتة الصغيرة علشان مش هيرضو يدخلوني بالتاكس جوه
نفخت هي أوداجها وهي تطالع القصر من جلستها وقالت متوجسة:
حمود انا خايفة بابي يفضل متمسك برفضه
طمئنها هو بثقة وعينه يفيض منها الإصرار:.
مش هيأس ولا هستسلم وهعمل المستحيل علشان اخليه يوافق اهم حاجة تثقي فيا
تنهدت هي وقالت بعيون تلمع بعشقه:
أنا بثق فيكِ أكتر من نفسي يا حمود
ابتسم هو وشجعها:
طب يلا يا حلو انزلي مش هطمن غير لما اسلمك لأبوكِ وافهمه انه ظلمك واتسرع في الحكم عليا
زفرت انفاسها بضيق وقالت بتشائم:
وافرض مرضاش يسمعك
اتفائلي يا ميرال علشان خاطري وإن شاء الله خير أنا متعشم في كرم ربنا
ونعم بالله.
قالتها بتنهيدة ثم تدلت من السيارة معه وسارت برفقته للقصر وإن اصبحت على بُعد خطوات من بوابته قالت بريبة:
مش ملاحظ حاجة؟
وجه نظراته لمرمى بصرها وأجابها مستغربًا:
القصر مضلم مش بعادة
وكمان مفيش حد عند البوابة يظهر انها مشت بتوع الأمن كمان
جال المكان بعينه وهو يعقد حاجبيه متعجبًا:
ممكن!
ابتلعت هي ريقها وهمست:
انا مش مطمنة يا حمود وقلبي مقبوض تفتكر عملت كده علشان تطرد دادة محبة بس ولا بتخطط لحاجة تانية.
مش عارف بس مرات ابوكِ مش سهلة ابدًا ومش قادر اتوقع حاجة
خليكِ جنبي انا خايفة
طمئنها هو:
انا جنبك يا حلو متقلقيش مفيش حاجة هتحصل ولازم باباكِ يعرف حقيقتها علشان يكـ.ـسر سمها...
ليتقدm عنها مشجعًا:
ميرال يلا مفيش حاجة بلاش قلق
هزت رأسها وسايرت خطواته إلى الداخل وما وصلوا لباب القصر الداخلي زفرت هي حانقة واخبرته بنبرة ترتعش من القلق بعدmا طرقت لعدة مرات ولم يفتح أحد:.
مش معايا مفتاح لما خرجت مكنتش مركزة في حاجة تعالى ندخل من باب الجنينة اكيد مفتوح.
أومأ لها واتبعها وبالفعل وجدو الباب مفتوح على مصراعيه وإن دلفوا للداخل هرولت هي مُسرعة تتفقد ابيها بغرفته أما هو فأخذ يجول بعينه في محيط المكان بريبة شـ.ـديدة حتى أتاه صوت أنين مكتوم يأتي من احد الغرف تقدm بتؤدة في حين كانت تهرول هي وتصيح أنها لم تجده ليؤشر محمد لها أن تصمت و يرهف السمع اكثر وهو يلصق اذنه بالباب ليسمع ذات الأنين مصحوب بصوت معافرة ليتأكد حدثه ويدور بعينه في المكان يبحث عن شيء يفي بالغرض وبالفعل تناول أحد التماثيل الفضية وقام بإدارة مقبض الباب وهي خلفه تتشبث بظهره وما أن فتحه وجد ابيها بين يدين شخصً ملثم يكمم فمه بيد وباليد الأخري سلاح ناري يصوبه على رأسه، صرخت ميرال بذعر وتوسلته قائلة و محمد يرفض اخراجها من خلف ظهره:.
بابي، ارجوك سيبه، سيبه بلاش تأذيه
بينما محمد ثارت انفاسه وحاول مهادنته قائلًا وهو يضع التمثال الذي بيده ارضًا ويرفع يده يدعي استسلامه:
بلاش تأذيه خد اللي انت عايزه وأخرج محدش هيتعرضلك.
نفى الملثم برأسه وأشار بسلاحه لهم أن يبتعدوا عن طريقه، وبالفعل فعل محمد كما طلب وابتعد عن حيز الباب جاذبها معه ومع كل خطوة يتبعها خطوة من الملثم نحو الباب وهو يحاوط عنق فاضل بيد وباليد الأخرى يصوب سلاحه تارة نحو رأس فاضل وتارة اخرى نحو موقع محمد وإن وقف على اعتاب الباب قام بضـ.ـر.ب فاضل اعلى رأسه بمؤخرة سلاحه ثم دفعه بعنف نحوهم ليتلقفوه هم ويسقطون معه على الأريكة التي خلفهم مباشرتًا لتصرخ ميرال ببكاء و بلهفة وهي تتفقد ابيها:.
بابي أنت كويس...
هز فاضل راسه بضعف في حين زمجر محمد وفي لمح البصر كان يهرع من جلسته رامحًا خلف ذلك الملثم يلحق خطواته المُسرعة، التي قادته إلى ذات الباب الذي دخلوا منه.
ليقفز على ظهره مباغته وجاعله يتراجع بثقل جسده للوراء بضع خطوات كانت كفيلة ان تجعل محمد يتعلق بعنقه محاولًا إسقاطه ولكن الأخر انحنى وافلت ذاته وأشهر سلاحه نحوه وأطلق رصاصة لحُسن حظه لم تصيبه وقد أخطأ الملثم تصويبها وإن كاد يعيد الكره كان محمد دون تروي يركل يده يسقط السلاح عنها وينقض عليه يلكمه بعنف في وجهه جاعل الملثم يرتد بوقفته ويحاول لكم محمد ايضًا في حينها ولكن محمد كان يتفاداها و لم يأبه وانقض عليه بقلب من حديد حين حاول الهرب فقد رفسه بقوة بظهره جعلته يتأوه ويخر على ركبتيه يتمسك بظهره في حين ان محمد استغل الأمر لصالحه واندفع إليه يسطحه على الأرض مثبت جسده بكامل قوته اسفله ضاغط على رأسه زارعها بالأرض الصلبة حتى كاد يشعر الملثم بتحطيم جمجمته تحت قبضته وإن حاول التملص منه خبطها محمد بالأرض عدة خبطات قوية جعلت الآخر يصـ.ـر.خ متألــمًا ويعلن استسلامه راجيًا اياه أن يكف عن ايذائه وبالفعل توقف محمد لاهثًا وصدره يعلو ويهبط في ثورة انفاس غاضبة يطـ.ـلقها من بين اسنانه وهو يجذب يده بعنف ويكبلها بقبضته أمرًا ميرال التي كانت تقف ترتجف في زاوية بعيدة من شـ.ـدة ذعرها:.
هاتي الإسكر? اللي على كتفك ده
قالها بصوت جهوري جعلها تحله من حول عنقها وتهرول به إليه ليتناوله من يدها ويكبل يده التي يحكمها بين قبضته ثم يجعله يرتكز على ركبتيه تحت مضضه وينزع عنه الغطاء الذي يخفي وجهه
ليتفاجأ هو يلعنه هادرًا بغـ.ـيظ:
هو أنت يا شقيق وحياة الغالية ما هعتقك المرة دي غير لما اسلمك
تعمد استخدام نفس اللقب الذي أطلقه عليه بالمرة السابقة حين غدروا به مما جعل سنقر يبتسم.
بسمة رغم إنهاكه إلا أن بسمته صدرت منه مليئة بالإجرام حين هسهس بأنفاس متقطعة بالكاد يستطيع تنظيمها:
ايوة، انا يا شقيق وحظي الأسود وقعني معاك تاني علشان تعلم عليا وتكون آخرتي على أيدك
حرك محمد رأسه وتسائل وهو ينحني لمستوى جلسته ويقبض على حاشية ملابسه بعنف:
مش هسألك مين اللي باعتك علشان انا متأكد انها هي.
ظل سنقر محتفظ بصمته لتحين من محمد بسمة تدل على نفاذ صبره ويصـ.ـر.خ قائلًا بكامل صوته الأجش الذي يقطر بالوعيد:
كنت عارف أنك مش هتنطق بس وحياة امك من اول قلمين في التحقيقات وهتقر على كل حاجة، ليمرر يده بخصلاته البُنية ويتسائل وهو يجول بعينه في محيط المكان:
انت هنا لوحدك ولا معاك حد، انطق
جز سنقر على نواجذه واجابه بحقد من بين اسنانه المحطمة أثر لكمـ.ـا.ته السابقة حين غدر به من قبل:.
رجـ.ـالتي اكيد فلسعو لما انت شرفت
هز محمد رأسه تزامنًا مع اقترب فاضل مستند على ميرال واضعًا أحد يداه على مؤخرة رأسه التي مازالت تقطر بالدmاء قائلًا بتعب وبنظرات مبهمة لم يتفهمها محمد في حينها:
انا بلغت دقايق ويبقوا هنا
أومأ محمد بتفهم بينما لعن سنقر تحت انفاسه الغاضبة لاعنًا كل شيء واولهم حظه العسر الذي أوقعه في شر أعماله.
كانت العتمة تعم الغرفة معادا ضوء القمر الخافت الذي تتسربل إنارته من النافذة المفتوحة، أغلق الباب خلفة بروية وناعستيه تحاول إيجادها دون حاجته لإشعال الضوء، وبالفعل وجدها منكمشة في الفراش وجسدها ينتفض انتفاضة خفيفة جعلته يتفهم انها تتصنع النوم هربًا منه، توجه لزجاج النافذة واغلقه ثم اقترب من فراشها وتمدد بجوارها يطالع ظهرها الذي يواليه بنظرات مشتاقة تفيض بلهفته التي لم يتمكن من السيطرة عليها حين تحرك كالمغيب يحاوط خصرها جاذبها لصدره بحركة متملكة جعلتها تشهق متفاجئة وتحاول التملص من قبضته لولآ همسه بلوعة حارقة و أنفاس متثاقلة بجوار أُذنها بطريقة بعثرتها:.
أنا عارف انك متقدريش تكرهيني مهما عملت وبتعاندي نفسك، انتِ قولتيلي إني ليا رصيد عندك و وعدتيني مهما عملت هتسامحيني، أنا غلطت يا نادين لما رفضت اسمعك وبعدت عنك بس أنتِ صعبتيها عليا اوي وكان صعب اتقبل اللي حصل أنا كنت بتعـ.ـذ.ب اكتر منك علشان خاطر كل اللي كان بينا أدي لحياتنا فرصة تانية وصدقيني عمري ما هخذلك تاني.
اضطربت انفاسها وتهاوى قلبها حين لفحت انفاسه الساخنة جانب وجهها و انتابتها القشعريرة حين شعرت بيده تسير على طول ذراعها بحركة حانية مطمئنة كانت تذيبها بالسابق وتُسكن دقات قلبها، وعند تلك الفكرة التي تدفعها للاستسلام قاومته وانتفضت متلعثمة بأعصاب أتلفها هو بكل براعة:
ابعد، عني.
قالتها وهي تهب من الفراش وتضيء نور الأباچور قبل أن تقف في مواجهته تتحدى ذاتها قبله وكأنها لا تأبه بحرف مما نطق، احتل العتاب ناعستيه و وقف مقابل لها قائلًا:
مقدرش ابعد عنك تاني
لأ هتقدر يا يامن انا مبقتش عايزاك
زمجر غاضبًا من إصرارها ثم جذبها إليه من خصرها بتملك شـ.ـديد قائلًا بإصرار يفوق إصرارها وبنبرة لا تقبل الحياد أمام وجهها:.
مش هتحرك خطوة واحدة بعيد عنك ليرجوها بنظراته التي تفيض بمكنونها وهو يقترب بوجهه ببطء ممـ.ـيـ.ـت منها:
أنتِ الروح لروحي يا نادين أزاي عيزاني ابعد عنك انا كنت بمـ.ـو.ت في كل ثانية وانا بعيد، لتخفت نبرته ويهمس بخطورة بين شفاهها المنفرجة:
حشـ.ـتـ.ـيني و ، حشـ.ـتـ.ـيني و أوي وكل حاجة فيكِ وحـ.ـشـ.ـتني.
تهدجت انفاسها واغمضت عيناها وابتلعت غصة بحلقها وهي تشعر أن قدmيها كالهلام لايستطيعوا حملها حتى أنها تشبثت بذراعيه وكادت تنساق خلف صرخات قلبها وإن كادت تتلاحم شفاههم كان لعقلها رأي أخر ورفض استسلامها فقد دفعها أن تعاند وتزيح بوجهها تحاول لملمت شتاتها والتخلص من سطوته عليها ولكن كيف وهي تشعر بملمس شفاهه على جلد عنقها ورعشة طفيفة تنتاب اوصالها أثر قُبلاته المحمومة التي أخذ ينثرها بشوق جارف ومتلهف على طول عنقها وحينها دق ناقوس عقلها وتململت بين يده هامسة بنبرة حاولت ادعاء ثباتها ولكنها صدرت منها خافتة، متقطعة، متأثرة؛ تدل على مدى هيمنته الطاغية عليها:.
مبقاش، ينفع
شـ.ـدد أكثر على خصرها وهو مغيب بما يفعله ثم همس بنبرة متثاقلة مفعمة بالإثارة وهو يصعد بقبلاته لوجهها:
أنتِ مراتي...
قالها وهو ينقض على شفاهها بقُبلة حارة متلهفة تنم عن نفاذ صبره و مدى اشتياقه لها، فلم يمحنها حتى حق الاعتراض وشعرت أنه يكاد يلتهمها من شـ.ـدة نهمه بها، يتناوب على شفاهها بجنون وكأن ترياقه الوحيد يكمن بين رحيقها ولكن الأنكى من كل ذلك أنها كانت تشعر بملوحة غريبة في فمها، لوهلة واحدة كادت تضعف وترق له و تبادله ولكنها قاومت وقاومت صرخات قلبها ورغبات جسدها الكامنة التي أججها هو، فبدون مقدmـ.ـا.ت كانت تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة مهمهمة بصوت مرتعش و بأنفاس متلاحقة جعلته يتوقف بمضض عن ما يفعله:.
مبقتش عايزاك
اغمض عينه بقوة يعتصرها ثم مرر يده على وجهه يلعن تلك الدmعات التي حتى هي عصت كبريائه وتساقطت كي تعبر عن مدى اشتياقه لها، ثم قال وهو بالكاد ينظم أنفاسه ويتحكم في ثورة جسده:
بلاش تصعبيها عليا وعليكِ وتصري على عنادك
تمسكت موقع خافقها وكأنها ترجوه أن يلملم ما بعثره بها واجابته بنبرة مرتعشة تصر على عنادها:
اللي اتخلى مرة يقدر يتخلى ألف مرة وأنت خذلتني.
شعر بنصل حاد ينغرس بصدره أثر حديثها ثم هدر بنبرة تحمل نـ.ـد.م حقيقي نابع من صميمه المنهك بعشقها:
دي غلطة واحدة وكنت معذور ورغم ده رجعت ونـ.ـد.مت، ليه مش عايزة تغفري!
ابتلعت غصة مريرة كمر العلقم بحلقها وادعت الثبات وهي تطالع نظراته التي تقطر بلوعته ونـ.ـد.مه الصادق كي تشفي غليلها ثم أصرت على رفضها قاصدة إيلامه أكثر وإذاقته مّر الرفض كما فعل معها:
مش هغفر ولا هنسى ومتحاولش أنت انتهيت بالنسبالي...
قالتها وهي تواليه ظهرها وتهرول نحو باب الغرفة تفتحه على مصراعيه صارخة به وهي تقاوم صرخات قلبها:
اطلع برة وافهم أن مستحيل هيجمعنا مكان واحد انا وانت تاني
زفر بقوة ومرر يده بخصلاته يشعر أنه سيفقد عقله من افعالها ثم غمغم بعصبية وهو يقترب بخطواته منها:
نادين متحرجنيش اكتر من كده أنتِ عارفة إن وجودي هنا خالك مش مرحب بيه اساسًا عايزاه يقول ايه لما يلاقيكِ بتطرديني من الأوضة.
اجابته ثائرة دون أن تعير موقفه الذي لا يحسد عليه أي اهمية:
مش مشكلتي انا قولتلك ارجع مكان ما جيت انا مش عايزاك
وزي ما ردتني لعصمتك هتطلقني غـ.ـصـ.ـب عنك يا يامن
فاض به الكيل ولم يعد يملك زمام أعصابه فقد اخشوشنت نبرته واحتدت نظراته هادرًا بنبرة منفعلة نفضتها:
على جثتي يا نادين مش هطلقك ومش هخرج من البيت ده غير وأنتِ معايا
ظلت محتفظة بثباتها ونفت برأسها وعقبت وهي تربع يدها على صدرها وتتحداه بنظراتها:.
أنت بتحلم وانا مش هخرج من البيت ده ولا عمري هبقى معاك تاني انا مش لعبه في ايد جنابك
تمسك بذراعها متحدث بغـ.ـيظ وعينه تطلق شرارات غاضبة:
انتِ عايزة تجننيني مش ده خالك اللي طول عمرك بتخافي منه وعارفة نواياه دلوقتي مش عايزة تخرجي من بيته حتى بعد ما كان هيغـ.ـصـ.ـبك تتجوزي ابنه
نفضتت قبضته عنها وصرخت تعاند ذاتها وتدعي القوة وهي تلوح بيدها:.
مليش غيره وهما كل اهلي واللي ليا في الدنيا ولعلمك بقى انا مبقتش محتاجة لحمايتك انا اعرف احمي نفسي كويس ومفيش مخلوق يعرف يجبرني على حاجة حتى لو كان أنت
شعر بدmائه الحامية تتدفق بعروقه وتتصاعد لرأسه ليكور قبضة يده بقوة كي يسيطر على اعصابه ويهدر معاتبًا وكأنه عقله يرفض الاستيعاب:
دلوقتي هما اللي ليكِ يا نادين طب وانا نسيتي أنا كنت إيه.
للدرجة دي اختذلتي سنيني اللي كرستها علشانك، نسيتي أد ايه كنت بتهاون، وبسامح، وبتغاضى، نسيتي كل أفعالك وأخطائك في حقي وفي حق الست اللي ربتك، معقول غلطة واحدة عملتها تخليكِ عايزة تمحيني وتمحي وجودي من حياتك وفجأة كده طلعتي انتِ الملاك البريء وانا الشيطان مش كده، ردي عليا.
كانت تستمع له بعيون زائغة تنم عن زعزعت ثباتها فهو محق هي تعلم انها اخطأت سابقًا ولم تدعي البراءة كما يظن هو بل هي كل عتابها و ما يحرق قلبها أنه هجرها وثار لكرامته دون أن يستمع لأسبابها، ذلك ما كانت تنوي أن تتفوه به ولكن عقلها اَبى وعاند أفكارها حين أجابته بنبرة غير مبالية استفزته:
أنت كنت بترضي ضميرك مش اكتر وبتنفذ وصية ابويا و دورك انتهى في حياتي
واتفضل بقى انت فعلًا مش مرحب بيك هنا.
زمجر باهتياج وعروقه تنفر غاضبة:
بتطرديني يا نادين
اجابته بأهتياج يضاهي خاصته قاصدة إيلامه وتذكيره بما قهرها:
ما أنت عملتها قبلي وقفلت البيت ورمتني في الشارع بشنطة هدومي ولا نسيت
ابتلع غصة مخزية تكونت بفضل أفعاله المُتسرعة التي كان يظن أنه بها يثأر لكرامته وسيستطيع تخطيها و إخراجها من حياته ولكن خابت كافة توقعاته وكان حصاد فعلته أن روحه احترقت بعيد عن ظلالها واكتشف انه لم ينتقم سوى من ذاته ببعدها.
فقد تهدلت معالمه وحاول تبرير فعلته لولآ انها صرخت من جديد وهي تؤشر بأصباعها للخارج وكأنها كانت تعرف ما ينوي قوله:
بره و وفر اسبابك لنفسك علشان مفيش عذر هيبرر اللي عملته...
قالتها بكـبـــــريـاء شامخ وبعزة نفس نابع من تمرد عقلها الذي تفوق على رغبات وصرخات قلبها، مما جعله بالفعل ينصاع لها ويخطوا للخارج وقبل أن يبتعد خطوتين عن الباب أغلقته هي بقوة خلفه جعلته يلعن ذاته ألف مرة ويغرس أنامله بخصلاته بعصبية بالغة وهو يشعر أنه يكاد يفقد عقله وخاصةً حين رأى عبد الرحيم يقف امام باب غرفته ويعلو ثغره بسمة منتشية متشفية زادت من حنقه و.جـ.ـعلته بالفعل يخرج من البيت بخطوات غاضبة يجر معه اذيال الخيبة بفضلها.
صباح يومٍ جديد يحمل بين طياته الكثير لأبطالنا
فقد احضرت أطفالها عند ثريا حسب الموعد المتفق كل أسبوع كي يراهم أبيهم وتعمدت الذهاب مبكرًا كي لا تتقابل معه وها هي ثريا تستقبلها بحفاوة كبيرة و ود أكبر قائلة وهي تقبل الأولاد:
اهلًا يا بـ.ـنتي اتفضلي البيت نور و وحشتوني يا ولاد
اجابتها رهف بود مماثل وهي تدخل معها:
اهلًا بيكِ يا ماما طمنيني على صحتك وعلى يامن و نادين
اجلستها ثريا واجابتها ببصيص أمل:.
ربنا هداه ورجع قالي انه راح لصاحبتها في الأول وعرف كل حاجة وقالي كمان انه ردها وراح علشان يجيبها من عند خالها لتتنهد بتثاقل وتضيف بقلب منقبض:
بس انا قلقانة تلفوناتهم مقفولة وهي مكلمتنيش النهاردة زي كل يوم وقلبي مش مطمن
ربتت رهف على يدها و واستها متفائلة:
إن شاء الله خير وربنا هيجمع شملكم من تاني واكيد هيكلموكِ ويطمنوكِ متقلقيش
يارب يا بـ.ـنتي، يارب
لتبتسم رهف بود وتستأذن قائلة:.
انا لازم امشي يا ماما، عندي اجتماع مع عميل كمان ساعة و مش عايزة اتأخر
هزت ثريا رأسها بتفهم بينما هي نهضت قائلة لأطفالها:
متعملوش شقاوة وتتعبو تيتة ثريا لتخص ابـ.ـنتها بنظراتها:
وأنتِ يا شيري اوعي تبلي هدومك زي عوايدك وتلعبي بالماية
اجابتها شيري بطاعة:
حاضر مش هعلب بالماية بس قولي ل شريف يلعب معايا وميغلس عليا
اعترض شريف:
انا مش بغلس انتِ اللي مش بت عـ.ـر.في تلعبي لعب الصبيان
عقبت رهف على مناقرتهم بتوجيه جدي:.
خلاص يا ولاد وبعدين انا قولت ايه خليكم متفاهمين، لتوجه نظراتها لصغيرها وتستأنف:
وانت يا شريف دي أختك حبيبتك متزعلهاش وألعب معاها.
هز الصغير رأسه بطاعة بينما هي استأذنت من ثريا وغادرت وما أن كادت تصل لسيارتها وجدته أمامها بهيئة مبعثرة لم تعتاد أن يكون عليها، ابتلعت غصتها التي تتكون فور رؤيته ويتدفق معها الكثير من الذكريات المؤلمة التي لطالما حاولت وئدها، و تهـ.ـر.بت بنظراتها ساحبة نظارتها الشمسية التي ترفعها على خصلاتها البندقية التي استعادت لونهم الأصلي و وضعتها على عيناها بكل ثقة دون أن تعيره أي اهمية اقتربت من السيارة وكادت تفتح بابها لولآ انه قال بنبرة ظهر العتاب جلي بها:.
للدرجة دي مش عايزة حتى تسلمي عليا يا رهف
زفرت انفاسها والتفتت له قائلة بإقتضاب شـ.ـديد:
ازيك يا بشمهندس
اجابها بملامح متهدلة وهو يقف أمامها يتأمل كل أنش بها بأعجاب شـ.ـديد استشفته هي بكل وضوح من نظراته التى كانت تمر عليها ببطئ ابتدئاً من خصلاتها حتى طرف حذائها:
حشـ.ـتـ.ـيني و يا رهف
ومش كويس من غيركم وحاسس أن حاجات كتير نقصاني ليه مش عايزة تدينا فرصة تانية انا نـ.ـد.مت وعرفت قيمتك وقيمة أن ولادي يبقوا جنبي.
تنهدت هي ببرود أمام حديثه وصمدت قائلة دون أن تهتز بها إنملة:
ولادك في أي وقت عايزهم جنبك هيكونوا لو عايز تاخدهم يباتوا أو يخرجوا معاك انا معنديش مشكلة ده حقك بس لو سمحت بلاش تتطرق للي فات ومتهيئلي أي كلام هتقوله مش هيغير حاجة، خلينا في دلوقتي والوضع الجديد لازم تتقبله وتتعايش معاه
نفى برأسه وأخبرها بأنهاك:
مش عارف يا رهف صدقيني علشان خاطر الولاد اديني فرصة انا غلطت كتير في حقك بس والله نـ.ـد.مت.
ابتلعت غصتها واجابته بحقائق استوعبتها بعد نكبتها وهي تنزع نظارتها وتنظر بنصف عينه بكل ثقة وكأنها تود أن تثبت لذاتها قبله أنها تخطته ولم يعد له أي تأثير عليها:
مش أنت لوحدك اللي غلطت أنا كمان كنت غـ.ـبـ.ـية ومسالمة ازيد من اللازم وكنت بتهاون في حقي وحق ولادي، لتخفت نبرتها وتزيح بوجهها تلملم خصلاتها بشيء من الارتباك وهي تضيف:.
كنت فاكرة إني بعمل الصح واللي مفروض أي واحدة تعمله علشان متخربش بيتها والحياة تمشي بس للأسف اكتشفت اني كنت بظلم نفسي وان تهاوني ده انت عمرك ما شوفته تضحية، لأ أنت افتكرته حق مكتسب ليك
فمتلومش نفسك انا كمان غلطت زيك بس الفرق بيني وبينك أنك رغم كـ.ـسرك ليا إلا إني قويت ورجعت ل رهف القديمة اللي انت كنت بتحاول تمحيها بكل الطرق
حاول هو الدفاع عن ذاته:.
لو قصدك على الشغل انا مكنش عندي مانع تشتغلي طالما مش هتقصري في بيتك او معايا
تنهدت هي تنهيدة مثقلة واجابته بتلك الحقيقة التي يتعمد اخفائها:.
حتى لو كنت اشتغلت وقتها كنت هتحبطني وهتكره نجاحي انت كنت بتقولي كده علشان تبان أنك بتعمل اللي عليك لكن أنت بينك وبين نفسك كنت ضامني وعارف إني كان عندي اولويات تانية، بكل أسف وقتها كنت انا نفسي كنت فكراها تستحق، لتزفر أنفاسها دفعة واحدة وكأنها أزاحت حمل ثقيل عنها ثم تستأنف ببسمة ساخرة من ذاتها قبل أي شيء أخر وهي تهم بفتح باب سيارتها تنوي المغادرة:
مش بقولك كنت غـ.ـبـ.ـية يا بشمهندس.
تمسك بذراعها يمنعها من الصعود للسيارة قائلًا بعتاب مضني وعينه تحاول استعطافها:
للدرجة دي حبك ليا صنفتيه غباء، ظلت نظراتها ثابتة دون تأثر بحرف مما نطق وكأنها أرادت أن تؤكد له لتغيم عينه ويغمغم بنبرة مرتعشة نادmة:
بس، أنا لسة، بحبك
نمت بسمة ممزقة على ثغرها من تلك الكلمة التي لطالما لم تستشعرها منه وكانت تصدر حينها بـ.ـاردة دون مشاعر تذكر وكأنها نابعة من قلب الصقيع:.
انت عمرك ماحبيتني أنت اتجوزتني علشان لقيت فيا كل المقايس اللي تناسبك وحتى لو افترضنا أنك حبتني الحب مش كل حاجة وعمره ما كان مبرر لأخطائنا وفي حاجات كتير أوي أهم منه
فرت دmعة من عيناه دون إرادة لا يعلم هل هي من شـ.ـدة نـ.ـد.مه أم من صدق حديثها وفي الحالتين كان يدرك أنه بالفعل خسرها ولاسبيل من استعطافها:
اتغيرتي اوي يا رهف كل حاجة فيكِ بقت مختلفة، انا مش مصدق أن دي أنتِ.
سحبت ذراعها من قبضته وقالت بصمود يخالف تلك الأعاصير بداخلها وذلك الانين الصادر من ذلك الجـ.ـر.ح الغائر الذي لم ينـ.ـد.مل بعد:
لأ انا هي يا بشمهندس، و الفضل يرجع ليك، عن اذنك
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تصعد لسيارتها أمام عيناه اللامعة بدmعها وهو لا يصدق أن تلك هي رهف خاصته التي فرط بها.
أما هي كانت تقطع الغرفة ذهابًا وايابًا طوال الليل ولم تغمض لها عين من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها وطول أنتظارها لذلك الخبر الذي طالما تمنته من كل قلبها كي تستولى على ثروته وتعوض بها تلك السنوات التي دفنت بها صباها معه. فقد حاكت الأمر وخططت لكل شيء.
حتى أنها من شـ.ـدة سذاجتها ابتاعت العديد من الملابس السوداء كي تنعيه بها وتعبر عن إخلاصها، حانت منها بسمة مفعمة بالأمنيات وهي تتخيل الأمر بكل جحود دون لحظة نـ.ـد.م او شفقة واحدة وهنا تملك منها شيطانها أن لابد أن تنتظر بعض من الوقت كي تفكر بالخطوة التالية التي ستخص بها تلك الغـ.ـبـ.ـية التي مازالت تعيق جزء من أحلامها، طرق قوي على باب شقتها انتشلها من خضم افكارها السوداوية و جعلها تنتفض وتفر الدmاء من وجهها وقبل أن تتوقع الأمر كان والدتها تقوم بفتح الباب ليظهر رجـ.ـال الشرطة وقبل أن تتفوه بشيء كان الضابط يقول برسمية بعدmا تأكد انها هي من والدتها:.
مدام دعاء اتفضلي معانا بهدوء ومن غير شوشرة
نفت برأسها وقالت بتقطع وبنبرة ترتعش من شـ.ـدة ذعرها:
ليه انا معملتش حاجة
أنتِ متهمة بالتحريض على قــ,تــل جوزك
لطـ.ـمـ.ـت والدتها صدرها وقالت متسرعة:
يالهوي عملتي اللي في راسك يا دعاء
بينما هي كل ما شغلها هو:
يعني فاضل مامتش
اجابها الضابط:
لحسن حظه يامدام
زاغت نظراتها وهي لاتصدق أن كل شيء ذهب هباءٍ بينما والدتها
اخذت تولول وتتفوه بالكثير الذي يدين ابـ.ـنتها دون قصد من فجعتها:.
يبقى علشان كده جيتي وطردتي الخدm . يالهوي تقــ,تــلي جوزك بعد كل اللي عمله علشانك حـ.ـر.ام عليكِ يا بـ.ـنتي ليه عملتي كده
أما هي اخذت تنفي برأسها وتستنكر صارخة وهي تكتم فم والدتها:
اسكتِ يا ماما اسكتِ انا معملتش حاجة هتوديني في داهية لتوجه نظراتها لمن حولها وتستأنف بنبرة غير متزنة وهي تنفي برأسها تدعي البراءة:.
كدب، كدب انا معملتش حاجة ومش هروح معاكم في حتة، انا مش هتحرك من بيتنا أنا مظلومة فاضل مستحيل يصدق ويتخلى عني هو بيحبني، سيبوني
لم يعيروا صراخها أي اهمية فقد
سحبوها من ذراعها خلفهم كالماشية التي تنساق لنحرها تمامًا مثلما كان ينساق هو خلفها ولكن الفرق بينهم أنه كان مغيب بتأثيرها بينما هي قد وقعت بشر أعمالها.
↚
مؤلم أن تتصنع الابتعاد، وأنت من الشوق تكاد تنفجر.
جبران خليل جبران.
إكده والله ما ليكِ حج واصل
قالتها قمر وهي تدخل لها غرفتها وتجدها منكمشة بالفراش وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ إلى ان استحوذت على انتباهها وردت عليها:
لأ ليا حق ومتدافعيش عنه
يا حَزينة ده الراچل كان هيتخرع عليكِ وجت ما كنتِ غميانه ده جطع جلبي وهو هيصـ.ـر.خ بأسمك وكان راسه وألف سيف يچيب حكيم عشان يطمن
تنهدت متسائلة وهي تدعي البرود:
هو فين؟
يهمك أمره بعد ما طردتيه بنص الليل.
رفعت نظراتها له وتشعر بالضيق مما فعلت فلم تغمض عيناها وظلت تفكر به وبكل كلمة نطق بها، فهي رغم عنادها تعلم انها مخطئة وخطئها فادح بالنسبة له، وكم كانت تتخــــوف من تبعات اخطائها وردود أفعاله نحوها ولكن تقسم أنها لم تتوقع قط أن يتركها ويتخلى عنها دون أن يعير أنه هو حصن أمانها و ملجأها الوحيد منذ صغرها فتعودت تركض إليه حين تخطئ وهو بدوره يتفهمها ويتهاون مع أخطائها ويتغاضى عن أفعالها ويحاول بشتى الطرق احتوائها ولكن هي لم تقدر وتمادت وظنت أنه يفعل شيء اعتيادي لا قيمة له بالنسبة لها ولكن ما حدث من توابع لذلك اليوم المشؤم جعلها تدرك أنها لا تنتمي لشيء في حياتها بقدر ما تنتمي إليه وحقًا ذلك ما او.جـ.ـع قلبها انها اكتشفت ذلك مؤخرًا وقبل أن تحصد توابع اخطائها.
واه مسهمة فإيه؟
انتشلتها قمر من دوامة افكارها لتتلعثم مكررة بلهفة حاولت اخفائها:
هو بات فين يا قمر؟
اعتلى حاجب قمر واجابتها:
مخبراش و محدش نضره من وجتها وشكله إكده يأس وعاود البندر يشوف اشغاله
ابتلعت ريقها بخــــوف وهبت من الفراش متسائلة بلهفة جعلت قمر تتعجب من حالها:
مشى، وسابني
واه مش أنتِ اللي محچرة راسك وعاوزة إكده.
نفت برأسها وهرولت من امامها تتفقد أمره وهي تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـبة كونه تركها مرة أخرى فقد بحثت عنه في كافة الغرف وحتى ساحة البيت ولكن لم تجده لتخرج من الباب وتجول محيط المكان بعيون غائمة وأنفاس متلاحقة وقلب يلتوي بين ضلوعها يقصد إيلامها كونها لم تستمع لصرخاته وعصته في سبيل عنادها، لتقترب منها قمر متسائلة:
ملجتهوش
نفت برأسها، لتخمن قمر:
يمكن عاود صوح ده حتى عربيته مش موچودة.
نفت برأسها ترفض تصديق الأمر ثم اخذت تعصر عقلها تفكر أين من الممكن أن تجده وإن أتت تلك الفكرة برأسها سألت قمر :
ت عـ.ـر.في توديني بيت خالي سعيد
ايوه اُمال بس هنعمل ايه هناك!
ممكن يكون عنده
وهنا تهكمت قمر كي تسبر أغوارها:
ولو لجتيه هتعملي إيه؟هتجبري بخاطره!
تأففت هي وراوغت بنفاذ صبر:
لما ابقى الاقيه الأول ابقى افكر هعمل ايه يلا تعالي وصليني.
تنهدت قمر وسايرتها ولكن بعدmا جلبت لها أحد عبائتها المصحوبة بغطاء الرأس و.جـ.ـعلتها ترتديها وحين فعلت اصطحبيتها إلى هناك وما أن وصلوا اخذت تجول محيط البيت بعيناها على أمل ان تجده ولكن بلا فائدة وحينها قالت قمر:
مش هندج على الباب ولا إيه؟
اجابتها بفطنة وهي تدلك جبهتها تشعر بذلك الدوار اللعين يداهمها:
خالي الوقت ده اكيد في الأرض ومفيش حد هتلاقيه في البيت غير طنط هانم مـ.ـر.اته واكيد يامن مش جوه في غياب خالي.
ها صوح كيف فاتتني دي
تحاملت على ذاتها وزفرت العديد من انفاسها ثم تقدmت بضع خطوات لتصل للأرض الزراعية لعلها تجده وحقًا كادت تمـ.ـو.ت قهرًا من حسرتها وتفقد الأمل لولآ صوته ذات النبرة المميزة الذي همس خلفها:
بتدوري على حاجة.
اغمضت عيناها بأرتياح ونمت بسمة على ثغرها أخفتها سريعًا وهي تحاول جاهدة أن تلزم ثباتها ولا تشعره بما يعتريها، ثم استدارت لتتجمد بأرضها ويتلجم لسانها وهي تراه يقف أمامها بقفطان اسود حالك يضاهي بلونه لون شاربه الكثيف وذقنه التي جعلها تستطال تزين وجهه وتزيد من وسامة ملامحه الرجولية وتمنحه إطلالة طاغية لا تقاوم ورغم انها لاحظتها بالأمس إلا انها لم تنتبه لمدى جاذبيتها من شـ.ـدة أنفعالها وكأن شيطانها لم يظهر لها سوى غـــضــــبها منه وذلك العتاب الذي كان يثقل قلبها.
اعجبه صمتها واخذ ينظر لها نظرات دافئة مثل دفء الشمس التي تعكس نورها داخل بُنيتاه وتجعلها تبدو كسيل من الشوكولاته الذائبة التي تمنت أن تغرق بها وبلذتها في وقتها.
كل ده تفكير ده شكل الحاجة اللي بتدوري عليها دي غالية أوي عندك وهتزعلي لو ضاعت
قالها بنبرة مبطنة وهو يمط فمه كي يغـ.ـيظها حين رأها ساهمة تجول بعيناها على تقاسيمه بنظرات يعلمها جيدًا ويعلم ما المغزى منها رغم عنادها التي استمرت عليه حين اجابته:.
مش بدور على حاجة انا كنت جاية اشوف خالي بس يظهر انه مش هنا، تلعثمت وتلجلجت لأكثر من مرة وحتى انها تهـ.ـر.بت بنظراتها منه كي لا يفتضح أمرها لحين اتاها صوت قمر متسائلة بفرحة:
اخيرًا لاجتيه يا نادين
زفرت بـ.ـارتياح وغيرت مجرى الحديث كي تتستر على لهفتها:
لأ ملقتهوش شكله في الأرض
جعدت قمر حاجبيها بعدm فهم فمن تقصده هي يقف أمامهم ولكن الأخرى استأنفت كي توضح لها:
هسلم على طنط هانم وهبقى اجيله مرة تانية.
حانت منه بسمة عابرة وهو يتفهم ما تحاول فعله وقال ساخرًا وهو يشعلق حاجبيه ويضـ.ـر.ب كف على آخر:
ياه على سوء النية ده انا كنت فاكرك جاية تطمني عليا
اكتفت بالنفي برأسها وادعت أن أمره لا يعنيها بينما بداخلها كانت تشعر بالارتياح كونه مازال هنا وإن كادت ان تلتفت وتعود للمنزل كي ترى زوجة خالها كما أخبرته منعها بقوله:
طب ابقي كلمي امي طمنيها علشان تلفوني فاصل ومعيش شاحن، وبالمرة قوليلها انك مش راضية ترجعي معايا.
ردت هى بعناد تصر عليه رغم صرخات قلبها التي تتوسل لاستسلامها:
ايوة مش هرجع معاك يا يامن وعايز تمشي اتفضل محدش هيمنعك
مرر يده على وجهه يستدعي اخر ذرة صبر بداخله ثم أجابها بنبرة واثقة:
مش همشي غير وانتِ معايا يا نادين ولو كنتِ أنتِ عنيدة أنا اعند منك واقدر اخدك بالعافـ.ـية ومفيش حد هيقدر يمنعني فمضطرنيش لكده
رفعت سبابتها بوجهه هادرة:
محدش يقدر يجبرني على حاجة أنا مش عيزاها وحتي لو كنت انت.
تمسك بسبابتها وانزلها ثم دثر يدها بين يده قائلًا بنظرات دافئة افتقدتها منه:
اقدر يا نادين وانتِ عارفة كده كويس وطولة بالي عليكِ دي علشان بحبك ومقدرش اعيش من غيرك.
بعثرها كعادته وزعزع ثباتها فقد وهنت نظراتها وتأججت رغبة جسدها في أن ترتمي بين يديه وتعبر عن اشتياقها لذلك الحصن الأمين الذي يشيده حولها ولكن لا سبيل من الجهاد ضد تمرد عقلها، فقد لملمت شتاتها و نزعت يدها من بين يده ثم لوحت بها بلامبالاة قائلة قبل أن تفر هاربة من أمامه:
بس أن اقدر اعيش من غيرك ولأخر مرة بقولك مبقتش عيزاك ولا حتى طايقة أبص في وشك.
خنجر مسموم انغرس بقلبه من إصرارها ورفضها له ورغم معرفته أنها تعاند لا أكثر إلا ان كسى الحُزن معالم وجهه وشعر أن قوة احتماله على وشك النفاذ ليزفر انفاسه دفعة واحدة وتظل نظراته معلقة على أثرها بملامح يائسة متهدلة إلى أن اتاه صوت قمر التي شَهدت على عنادها وعقبت مواسية:
هتكابر، وحياة رَبنا بتعشجك بس لساتها واخدة على خاطرها منك متجلجش بكره تروج.
حانت منه بسمة باهتة لم تمسس الحـ.ـز.ن الذي يحتل عينه ثم قال كي يغير سير الحديث:
عايزة تقولي ل حامد حاجة انا هروحله
هزت رأسها واخفت فمها بطرف شالها قائلة بحرج:
ايوة بالله عليكِ جوله مينساش الجلاب إلا لادد عليّ جوي ونفسي ريحاله
تنهد هو وهز رأسه ثم غادر ليلحق ب حامد وخالها لتقول قمر بتعاطف قبل ان تلحق بها:
رَبنا يحنن جلبها عليك يا حزين.
تمت التحقيقات الأولية وقد اعترف سنقر عليها كونها هي من حرضته على قــ,تــل فاضل وقد أخبرهم بمكيدتها فكانت تأمره أن يقوم بسرقة القصر كي يظن رجـ.ـال الشرطة أنه حادث سرقة ولكن محمد الذي ادلى بشهادته ضدهم افسد الأمر على الأخير ومع ضغط رجـ.ـال الشرطة على دعاء خرت بكل شيء وقصت عليهم كيف يسرت الأمر ومن ساعدها وبالفعل تم القبض على خادmتها ورجـ.ـال سنقر الذين كانوا معه يومها.
وهاهو فاضل يجلس بمكتب أحد الضباط بعدmا سمح له برؤيتها، لتدخل هي بملامح شاحبة تخالف تلك الهيئة الزاهية المتباهية التي كانت عليها و يجر بها إحد الأمناء كالخرقة البالية التي لانفع منها وحين رأته تهللت اساريرها وارتمت عليه قائلة:
فاضل انا كنت متأكده انك مش هتصدق أنا عارفة أنك بتحبني مش كده يا فاضل
ابعدها عنه قائلًا:
اخرسي خالص انتِ ليكِ عين تنكري عملتك السودة
نفت برأسها وجثت تحت قدmه تود تقبيلها قائلة:.
سامحني يا فاضل وانا هعيش خدامة تحت رجلك انا غلطت والطمع كان عاميني حقك عليا
رفسها بقدmه بعيدًا عنه وقال بصحوة بعدmا انقشعت غشاوة عينه:
للأسف مبقاش ينفع النـ.ـد.م يا دعاء انا بحمد ربنا أنه كشفك على حقيقتك قبل ما كنت خسرت بـ.ـنتي وخسرت نفسي
اسمعني يا فاضل انا...
حاولت الدفاع عن ذاتها في محاولة بائسة منها كي تستعطفه ولكن قاطعها هو:
انت طــالـــق، طــالـــق، طــالـــق يا دعاء.
صرخت هي بهستيرية واخذت تهز برأسها ليستأنف هو كي يزيدها عليها:
انا رجعت كل اللي كتبته بأسمك ليا بالتوكيل العام اللي كنتِ عاملاه علشان اخلص بيه إجراءات البيوتي سنتر بتاعك
شهقت هي متفاجئة في حين هو رمقها مرة أخيرة بتشفي قائلًا:.
اظن حقي ورجعلي يا دعاء هانم انا طول عمري عارف أنك طماعة وهدفك الأول والأخير الفلوس وعلشان كده رفضت اخلف منك، وبصراحة مكنش فارق معايا طمعك وكنت بعوضك بالفلوس وانا فاكر كده بملى عينك علشان متفكريش في فرق السن اللي بينا، لكن عمري ما توقعت أن طمعك يخليكِ تحاولي تقــ,تــليني، يا خسارة يا دعاء أنتِ طلعتِ حقيرة وقليلة الأصل ده أنا لو كنت مربي حـ.ـيو.ان كان هيحن عليا ويصون العِشرة اكتر منك.
قالها بتهكم قبل أن يغادر تاركها تنفجر بالبكاء وتخور قدmيها بها لتفترش الأرض صارخة بقهر تنعي ما اوصلت ذاتها له بسبب أطماعها.
أما عنه فكان يجلس يسند جبهته على سطح مكتبه ينعي حاله كعادته حين هرول إليه أحد العاملين معه قائلًا:
حسن بيه في لجنة معاينة راحت الموقع واكتشفت أن المرحلة التانية مجهزش فيها حاجة وان مواد البناء زي ما هي وأن مدة تنفيذ العقد فاضلها كام يوم وتخلص والمستشار القانوني بتاعهم بلغني أنهم هيقاضوا حضرتك وهيطلبوك بالشرط الجزائي
حل رابطة عنقه وقال وهو يكوب رأسه بكفوف يده:
ده اللي كنت خايف منه يا صلاح.
طب والعمل يا فنـ.ـد.م احنا كده بنضيع والشركة بتنهار ده حتى المشاريع البسيطة أصحابها سحبوها والعمال معظمهم امتنعوا عن العمل علشان خاطر أجورهم المتأخرة والباقي منهم قدm استقالته وساب الشركة
مرر يده بين خصلاته الفحمية وقال بقلة حيلة:
مش عارف أعمل شقى عمري كله بيضيع قصاد عيني ده غير إني ممكن اتحبس كمان.
حضرتك لازم تتصرف يا فنـ.ـد.م
هز حسن رأسه بضيق شـ.ـديد واخذ يفكر بشكل جدي بطريقة مجدية لحل أزمته.
تعدت منتصف الليل حين كانت هي تبدل قطعة القماش المبللة فوق جبين ابـ.ـنتها و تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـبة عليها فحرارة جسدها لم تنخفض ورغم حدوث الأمر معها لمرات عديدة سابقًا واستطاعتها التعامل معه ولكنها لم تستطيع تماسك أعصابها كونها بمفردها لذلك لم تشعر بذاتها إلا وهي تلجأ لتلك الجارة طارقة على بابها وهي تأمل أن يكون بالعمل كي لا تلتقِ به ولكن عاندها حظها وفتح هو الباب يطالعها مستغربًا في حين تلعثمت هي واخذت تفرك بأناملها:.
آسفة إني خبطت في وقت متأخر زي ده، لتصمت لبرهة تستعيد رباط جأشها وتستأنف متسائلة:
هي طنط صاحية كنت محتجاها
لاحظ نضال تـ.ـو.ترها البادي عليها ولكنه تخــــوف من سؤالها تحسبًا لحديثها اللاذع لذلك أجابها بثبات:
هصحيها استني ثوانِ
لأ خلاص انا هتصرف، شكرًا
قالتها وهي مرتبكة وتواليه ظهرها تنوي النزول لشقتها مما أثار ريبته ودفعته نخوته في سؤالها:
يا بشمهندسة استني لو محتاجة حاجة قوليلي يمكن اقدر اساعدك.
رفعت رماديتاها التي دومًا يحتلها حـ.ـز.ن دفين إليه وهي تشعر بتردد عظيم اعجزها عن النطق
بينما هو استشف التشتت بنظراتها و رغم عجرفتها السابقة معه إلا انه كان يرى بنظراتها شخصية أخرى أكثر هشاشة مما تدعي لم يتعود عليها وحقًا لا يعلم لمَ وخزه قلبه و اراد طمئنتها وإن كاد يتحدث خرجت كريمة متسائلة بلهفة بعدmا ايقظها صوتهم:
خير يا بـ.ـنتي
تنهدت رهف واخبرتها بعيون راجية:.
معلش يا طنط البـ.ـنت اللي بتساعدني اجازة النهاردة واتصلت بالصيدلية مش بيردو عليا و شيري تعبانة اوي و شريف نايم وانا خايفة اسيبهم لوحدهم ممكن بس تقعدي معاهم عقبال ما أجيب علاج من أي صيدلية فاتحة
زفر هو حانقًا من عنادها بينما ردت كريمة:
ألف سلامة عليها يا بـ.ـنتي انا هنزل معاكِ
اعترض هو طريقها:
استني يا امي ليوجه نظراته ل رهف ويستأنف:
خليني ابص على البـ.ـنت الأول.
نفت برأسها وعاندت وهي تشعر بالحرج من طلب مساعدته بعد فعلتها:
انا عارفة العلاج اللي كان الدكتور بيكتبه ليها لما بتسخن هجبهولها والصبح هاخدها للدكتور بتاعها
رد بتهكم وهو يضـ.ـر.ب كف على آخر:
ده على اساس إني تارزي مش دكتور يا بشمهندسة مش كده
حاولت تبرير حرجها كي لا يتفهمها بشكل خاطئ:
انت مش دكتور اطفال
تنهد و أجابها بثقة عارمة:
هو صحيح مش تخصصي بس أقدر أعمل اللازم.
ابتلعت هي رمقها بحرج في حين هو أصر بنبرة لا تقبل النقاش:
اتفضلي، قالها وهو يؤشر لها بيده بجدية ثم وجه نظراته لوالدته واستأنف:
وانتِ كمان يا أمي اتفضلي انزلي معاها وانا هجيب شنطتي واحصلكم علشان اكشف على البـ.ـنت
أومأت والدته وربتت على ظهر رهف تطمئنها:
متقلقيش يا بـ.ـنتي إن شاء الله خير، و نضال هيطمنك عليها
هزت رهف رأسها وتدلت الدرج معها في طريق شقتها.
وبعد بعض الوقت قام هو بفحص الصغيرة وعمل اللازم لها حتى انه رفض نزول رهف لجلب الدواء بذلك الوقت المتأخر و احضره بذاته وظل بجوار الصغيرة هو و والدته وبالطبع رهف إلى أن اطمئن عليها وحينها نظر نظرة عابرة داخل ساعة يده وقال موجه حديثه لوالدته:
كرملة يلا نطلع الحرارة نزلت والبـ.ـنت بقت احسن
هزت والدته رأسها وهي بالكاد تفتح عيناها واجابته:
ماشي يا ابني.
لتوجه حديثها ل رهف التي تجلس بجوار ابـ.ـنتها تحتضن يدها أثناء نومها:
عايزة حاجة يا بـ.ـنتي
هزت رهف رأسها وقالت بإمتنان عظيم وهي تنهض تودعها:
ربنا يخليكِ يا طنط اسفة علشان تعبتك بس ملقتش حد الجأ ليه غيرك
حانت منه بسمة عابرة من تعمدها استثناءه من حديثها في حين ردت كريمة بود وهي تربت على ذراعها:
الجيران لبعضيها يا بـ.ـنتي وربنا يعلم أنا حبيتك أد ايه ربنا يديم المعروف.
ابتسمت هي بسمة هادئة جعلت نظراته تتجمد عليها لوهلة قبل أن تستأذن كريمة قائلة:
هسبقك يا نضال عن اذنك يا بـ.ـنتي
هز هو رأسه وكاد يلحق خطواتها إلا ان رهف همست بخجل وهي تفرك بيدها:
شكرًا يادكتور تعبتك
تنهد هو ونظر لها نظرة مطولة اخجلتها على الأخير و.جـ.ـعلتها تطرق رأسها حين قال بصوته الرخيم:
مفيش تعب ولا حاجة يا بشمهندسة ألف سلامة عليها متقلقيش هتقوم الصبح احسن.
ابتسمت بهدوء وبكل تحفظ شكرته من جديد بنبرة تقطر بحرجها:
انا بكرر اسفي يا دكتور، بتمنى حضرتك تقبل اعتذاري...
مسد منحدر أنفه و أجابها ببساطة حتى يخفف من تـ.ـو.تر الأجواء ولا يزيدها عليها:
اعتذارك مقبول يا بشمهندسة ومعنديش مانع نعمل معاهدة سلام
ابتسمت بسمة عابرة واطرقت برأسها بكل تحفظ ليضيف هو أثناء سيره للخارج:
ياريت بعد كده بلاش تكرري علاج من نفسك من غير ما تستشيري دكتور
هزت رأسها ليستأنف بعملية:.
ويفضل لو تشربيها سوايل دافية هتفيدها
هزت رأسها من جديد وهي تتبع خطواته ليهمهم وشيء لعين بداخله يدفعه دفع للنظر لرماد عيناها:
تصبحي على خير يا بشمهندسة
كانت تنوي محادثته بشأن عيادته ولكن حين ألتقطت نظراته ارتبكت وابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر و اجابته بتحفظ وهي تتحاشى النظر له وتطرق برأسها بملامح لا تفسر بالمرة:
وحضرتك من اهله يا دكتور.
أومأ لها و ولاها ظهره صاعدًا لشقته وعلى ثغره بسمة عابرة بمعنى لا فائدة من عنادها فهي تصر على التزامها برسمـ.ـيـ.ـتها معه والاحتفاظ بتلك الكلمة التي يمقتها( حضرتك) ولسبب ما وجد ذاته يتفهم كونها مازالت لا تريد أن تتخلى عن التكليف بينهم وحقًا لم يود أن يعقب أو يتطرق لأي مواضيع جانبية معها حتى لا تتفهمه بشكل خاطئ كعادتها.
أما عن تلك التي مازالت تصر على عنادها فكانت طوال الليل تتقلب على فراشها بعدm راحة وكأنه جمر مُشتعل يحرقها، تتوسل أن ينتهي الليل وينهي معه عـ.ـذ.اب افكارها فلم تراه من حينها حتى انها توقعت أن يأتي كي يطمئن عليها ويلح كعادته كي تعود معه ولكنه لم يأتي حتى ظنته يأس من وصالها بعد ذلك الحديث اللاذع الذي لم تعنيه قط وها هي ما أن اتى الصباح غادرت غرفتها و جلست على مائدة الطعام والقلق يحتل قلبها فماذا لو يأس حقًا وقرر تركها! حاولت نفض افكارها والثبات على موقفها ولكنها وجدت ذاتها متـ.ـو.ترة بشـ.ـدة تؤرجح جسدها بحركة بسيطة غير متزنة ملازمة لها حين تشعر بالخــــوف تحمحم عبد الرحيم وهو يجلس بجوارها قائلًا بخبث مقيت:.
كنك يا بت خيتي اوعاكِ تكوني لساتك واخدة على خاطرك
توقفت عن هز جسدها وتعلقت عيناها به واجابته وهي تحاول جاهدة التمسك بثباتها:
انا كويسة لتلتقط نظراته المهتمة التي لم تصدقها يوم وتتسائل:
هو انت فعلًا كنت هتجبرني ياخالي
نفى برأسه يدعي صدق نواياه وأجابها:.
مش إچبـ.ـار يا بتي انا جلبي عليكِ وخابر زين أنك مش واعية لمصلحتك عشان إكده كنت عاوز استرك واخلى معاكِ راچل يحافظ على مالك، هما مش بيجولو الخال وَالد وانا كيف ابوكِ ومن حجي أطمن عليكِ.
لم تقتنع بحديثه فهي تعلم ماذا يكمن خلفه هي ليست بتلك السذاجة التي يظنها فلولا عودة يامن وانقاذها من براثنه كانت لاتعلم ماذا سيحل بها وهنا تذكرت جملة قمر حين أخبرتها(أنتِ مت عـ.ـر.فيش وش عمي الحجيجي ولا ت عـ.ـر.في يجدر على ايه) لذلك حاولت تشيد حصون مانعة لذاتها حتى تجعله يكف عن محاولاته:
انا مبقتش قاصر يا خالي وعارفة مصلحتي كويس ومش هسمح لحد يفرض عليا ولا يغـ.ـصـ.ـبني على حاجة
ادعى عبد الرحيم المسالمة قائلًا:.
براحتك يا بت خيتي بس جوليلي ناوية على ايه ويا الغريب
زاغت نظراتها واخذت تفرك بكفوف يدها من تحت الطاولة ولم تعلم بما تجيبه، لاحظت قمر التي انضمت لهم لتوها ارتباكها وردت بالنيابة عنها:
واه هتعاود مع چوزها يا عمي ودي عاوزة كلام
زجرها عبد الرحيم بحدة:
جولت جبل إكده تسكري خشمك يا غراب البِين، وبعدين ترچع وياه كيف وهي مش طايجة حتى تجعد في ريحه
نكست قمر رأسها بحرج بينما ردت نادين :.
انا بس اللي أقرر يا خالي، ومحدش ليه الحق يدخل
هنا تدخلت ونيسة التي أتت حاملة أحد الأطباق و وضعتها على الطاولة وهي تنظر لها شذرًا:
شوف البت وبچاحتها احنا معندناش حريم تجدر تفتح خشمها بالحديت ده اتحشمي يا بت غالية واعملي حساب لوچود خالك وهيبته
انا عملة حساب ليه يا مرات خالي وإلا مكنتش لسة قاعدة في بيته لتوجه نظراتها ل عبد الرحيم وتستأنف:
بس يظهر انكم مضايقين مني ومش حابين وجودي وسطيكم.
هنا صرخ عبد الرحيم بحدة في زوجته:
معوزش اسمع حسك ده واصل
معتشترش غير عليّ روح شوف بت خايتك اللي كيف الفرسة الطايحة وكأن ملهاش كبير
لأخر مرة بحذرك اتكتمي
تناوبت نادين نظراتها بينهم بينما حاول عبد الرحيم مسايرة الأمر:
انتِ فوج راسي يا بتي واللي هتشوري بيه هنفذه طوالي و وحياة وَلدي مهغـ.ـصـ.ـبك على حاچة، بس بجول طالما انتِ مش ريداه يبجى همليني اتصرف وعهد عليا اخليه يطلجك.
شحب وجهها ونفت برأسها بحركة بسيطة وإن كادت ترد دخل هو برفقة حامد الذي قال فور دخوله:
السلام عليكم يا أهل الدار
تساءلت قمر وهي تنهض تنزع عنه عبائته:
اتأخرت ليه إكده يا حامد
اجابها حامد بنظرات مشتاقة اخجلتها وبصوت خفيض للغاية لم يصل لأحد وهو يناولها لفافة كبيرة:
بجالي يوم بليلة هدور على الجلاب يا حبة الجلب
تناولت من يده ببسمة واسعة اخفتها سريعًا بطرف شالها ثم همست بخجل:.
رَبنا يخليك ليا يا حامد وميحرمنيش واصل من دخلتك عليّ اللي تشرح الجلب
خبر ايه منك ليها!
قالها عبد الرحيم بصرامة نفضتهم معًا و جعلت حامد يتحمحم ويقول:
جاين يا ابوي ليوجه نظراته ل يامن ويستأنف مرحبًا:
تعال يا غالي الدار دارك.
في تلك الاثناء كانت نظراتهم متشابكة تتحاكى بالكثير وقد لاحظ هو من الوهلة الأولى شحوب وجهها ومن نظرات عبد الرحيم الكارهة له تفهم ما كان يدور بينهم لذلك قال وهو يوجه نظراته لها دون أن يعير عبد الرحيم أي اهمية:
معلش يا حامد بس عايز مراتي في كلمتين.
رغم أنتفاضة دواخلها وذلك السلام الذي سَكن قلبها برؤيته إلا انها رفعت نظراتها له بشيء من التردد لولا انه تقدm من موضع جلستها و مال عليها جاذب يدها ينهضها وإن كاد يسحبها كي تسير معه جذبت يدها من خاصته وصرخ صوت عقلها متمردًا:
سيبني أنت مبتفهمش قولتلك خلاص مش عايزاك ومبقاش في كلام بينا.
توحشت نظراته بطريقة اثارت ريبتها و.جـ.ـعلتها تتراجع خطوتين بينما هو نفرت عروقه و كور قبضته بقوة كي يتحكم في زمام ذاته من طريقتها وعنادها التي لم تنفك من السير في منهجه، وقبل أن يتفوه بشيء
اتاه صوت عبد الرحيم متهكمًا:
مجالتلك مش ريداك هي
جصة أبو زيد هنتنا نزيد ونعيد فيها، همل البِنية وطلجها يا ساجع
حانت منه بسمة مريبة تعلم هي ما سيحل بعدها ثم هدر وهو يرفع سبابته بتحذير قوي دون مهابة:.
كلمة كمان مش هعمل اعتبـ.ـار لحد وصدقني وقتها متلومش غير نفسك.
وقبل ان تستوعب حديثه كان يختصر المسافة بينهم التي صنعتها وينحني بجزعه ويحملها على كتفه كالجوال ثم دون أن يعير شهقاتها المتفاجئة أي اهمية واعتراضها كان يسير بها في طريق غرفتها التي تمكث بها تارك عبد الرحيم يتوعد له اشـ.ـد الوعيد و ونيسة تلوي فمها يمينًا ويسارًا بعدm رضا ناعتتهم بقلة الحياء بينما قمر و حامد تناوبو النظرات بينهم وهم بالكاد يكتمون بسمـ.ـا.تهم.
ماشي يا استاذ صلاح شكرًا أنك بلغتني
ذلك آخر ما قالته رهف قبل أن تغلق الخط، زافرة انفاسها دفعة واحدة وهي تدرك كونها تأخرت في رد ذلك الدين القديم الذي مازال عالق بعنقها ورغم برائة نواياها حينها إلا أن ضميرها لم يكن رحيم بها وظل يؤنبها.
اخذت تضـ.ـر.به بقبضتها على ظهره لحين وصل بها للغرفة ولكنه كان غير عابئ بها ولا بدفاعها فقد فاض الكيل به ونفذ صبره من استخفافها فقد اغلق الباب خلفه ثم انزلها لتدفعه بصدره قائلة:
انت عايز مني ايه!
قبض على يدها التي تضـ.ـر.به بها بقوة هادرًا بنبرة صارمة وبنظرات يتطاير الغـــضــــب منها بطريقة جعلت دواخلها تنتفض:.
كفاية عِند بقى وفوقي انا ليا طاقة، اه غلطت بس مغلطتش لوحدي أنتِ كمان غلطانة وغلطك اكبر مني ومع ذلك دوست على كرامتي و رجعت ليكِ علشان بحبك لكن لو فاكرة أن حبي ليكِ هيخليني ممسحة تحت رجلك تبقي غلطانة انا بتغاضى بمزاجي ومش معنى كده انك تقلي مني وتسوقي فيها و تكلميني بالطريقة دي قدام الناس أنتِ مراتي وغـ.ـصـ.ـب عنك لازم تحترميني
سيب إيدي يا يامن انا مش عايزة ابقى مراتك ومتقدرش تجبرني اعيش معاك بالعافـ.ـية.
لاح على ثغره بسمة مريبة لطالما تخــــوفت مما يحل بعدها، وقبل أن تتوقع رد فعله كان يكبل يدها خلف ظهرها بيد وباليد الأخرى يدسها بخصلاتها يعبث بأنامله نزولًا لطول عنقها بحركات حثية اربكتها للغاية و.جـ.ـعلت وتيرة انفاسها تتعالى وكرد فعل اغمضت عينها بترقب حين همس وهو يقترب بوجهه وكأنه سيقاسمها انفاسها:
أنت بتعاندي نفسك أنا متأكد أنك لسة بتحبيني زي ما عمري ما بطلت أحبك والدليل أنك حاطة دبلتي جنب قلبك.
قالها بعبثية تامة وهو يبعد وجهه عنها ليخيب آمالها و يسحب حبل سلسالها الذي تخفيه تحت ملابسها ويتدلى منه تلك الحلقة الماسية التي لمحها بالصدفة أثناء معافرتها بين يديه.
تقلصت معالم وجهها وفتحت عيناها تطالعه بغـ.ـيظ شـ.ـديد ثم حاولت إفلات يدها من قبضته، وكونه يعلمها تمام المعرفة علم ماذا تنوي لذلك حل قفل السلسال تحت مضضها وإن أفلت يدها حاولت دفعه عنها ولكنه كان يقبض على خصرها بقبضة من حديد ويقبض باليد الأخرى على رسغها وهو يحذرها بعينه ثم دون مقدmـ.ـا.ت أخرى كان يلبسها إياه ولكن بيدها اليسرى هادرًا بنبرة قاطعة كحد السكين:
لو دبلتي اتقــلـــعت من ايدك تاني متلوميش غير نفسك.
جزت على أسنانها ليستأنف هو بتسلية يتعمد اغاظتها:
تصدقي في الشمال شكلها احلى
ضـ.ـر.بت قدmيها بالأرض وصرخت بغـ.ـيظ:
بكرهك يا يامن بكرهك
وانا بحبك وده كفاية بالنسبالي
قالها بغمزة من عينه جعلتها تكاد تمـ.ـو.ت غـ.ـيظًا منه حتى إنها قبضت على خصلاتها وكادت تقــ,تــلعهم من رأسها لولا قوله بجدية:.
سيبي شعرك واتفضلي لمي حاجتك علشان هنرجع القاهرة النهاردة لينا بيت نقدر نتعاتب فيه براحتنا ولا انتِ عاجبك الوضع هنا ومستنية لما امسك في خناق خالك واعمل مصيبة
اعمل اللي تعمله برضو مش هرجع
ثارت ثائرته وأكد بصوت جهوري منفعل وبنبرة واثقة للغاية وهو يضغط على كل كلمة تخرج من فمه:.
لأ هترجعي وبلاش تراهني على قوة احتمالي اكتر من كده علشان أنتِ عارفة أني اقدر اخدك غـ.ـصـ.ـب عنك وغـ.ـصـ.ـب عن عين أي حد هيحاول يتشـ.ـددلك وحتى لو اضطريت ارتكب جناية.
رغم الخــــوف الذي دب قلبها من تهديده إلا انها لم تبدي أي ردة فعل تذكر فقط ظلت متجمدة بأرضها تحاول طمئنة ذاتها و نفض تلك الافكار السوداوية عن رأسها في حين هو تناول الحقيبة من فوق خزانة الملابس وقذفها على الفراش قائلًا بنبرة قاطعة كحد السكين لا تقبل التفاوض اجفلتها:
نص ساعة وتكونِ جاهزة هستناكِ تحت وبتمنى متتأخريش علشان انا على اخري من الراجـ.ـل اللي تحت ده.
قال آخر جملة بنبرة محذرة يقصد ارهابها وكـ.ـسر عنادها بها كما السابق؛ فيبدو انه ادرك أن تلك الطريقة الوحيدة التي تجدي نفع معها فمنذ حديثها اللاذع له بالأمس وهو يتعمد أن يتركها لهواجس عقلها حتى انه امتنع عن السؤال عنها ليشتت افكارها ولكن لم يستطيع الصمود أكثر، فكيف لعاشق مثله التغاضي عن انين قلبه الممتلئ بها فقد تركها تتأكل نفسها وخرج من باب الغرفة لتتناول هي أحد الوسائد وتقذفها خلفه ثم تصرخ صرخات متقطعة من شـ.ـدة غـ.ـيظها و تشعر بالمهانة من طريقته في الضغط عليها، فكانت تمرر يدها بخصلاتها وكأنها على حافة الجنون ولم يكن أمامها إلا ان تهاتف ثريا تستشيرها وبالفعل قامت بفتح هاتفها وطلبت رقمها لترد ثريا متلهفة:.
كده يا بـ.ـنتي قلقتيني عليكِ أنتِ كويسة
نفت برأسها وهي تعدل من وضع هاتفها على اُذنها وتجلس على طرف الفراش قائلة:
مش كويسة يا ماما
اهدي وفهميني ايه اللي حصل.
لتقص عليها كل ما حدث فلم يكن من ثريا غير أن تؤنبها وتواجهها بخطئها وتوبخها على ردود أفعالها و كأي أم تريد الصالح لابنائها حاولت أن تكون على حياد وقد أخبرتها أنه لم يفعل ما فعله سوى كونه يحبها ومازال متمسك بها ولابد أن تقدر انه تغاضى عن سوء افعالها وقد طمئنتها ايضًا أنها ستظل تساندها عند عودتها وقد أقنعتها أن تنصاع له وتعود من جديد لأحضانها تحسبًا لتهوره، وبالفعل اقتنعت بحديثها وكأنها لم تكن تتوق للعودة من ذاتها وتتحجج بعنادها.
روح اطلبها منه ومتضيعش وقت
قالتها شهد كي تحفزه بينما هو اجابها بعقلانية شـ.ـديدة:
مينفعش يا شهد الراجـ.ـل يقول ايه بستغل الموقف لصالحي...
اعترضت شهد:
وفيها ايه ما انت انقذت حياته ورجعتله بـ.ـنته وكشفت ألاعيب الصفرا مـ.ـر.اته ده المفروض يديهالك وهو مغمض ومفروض يكون اتأكد أنك أمين عليها
شهد بلاش نسبق الأحداث انا هستنى شوية تكون الأمور هدت وهبقى اروح اتقدmلها تاني
لوحت شهد برأسها وأخذت تتمتم حانقة:.
خليك كده ماشي بدmاغك لغاية ما هتلاقي البت تروح منك
شهد وبعدين بطلي برطمة وروحي حضري الغدا
تأففت هي بغـ.ـيظ تقلد طريقته لتحين منه بسمة عابرة ويضـ.ـر.ب كف على أخر قائلًا:
والنعمة مـ.ـجـ.ـنو.نة
طرقات على الباب جعلتها تعود له قائلة وهي تتخصر بجسدها:
والنعمة بكرة افكرك و ابقى قول شهد البركة قالت
طب خشي جوة يا بركة علشان افتح الباب بدل ما هعلقك زي بـ.ـنتك.
إنصاعت له وظلت تبرطم غير عابئة بتحذيره ليتقدm هو ويفتح باب الشقة ليجد مالكة قلبه أمامه تبتسم بسمة واسعة وتهمس وفيروز عيناها يتوهج بعشقه:
وحـ.ـشـ.ـتني يا حمود
ميرال بتعملي ايه هنا وليه سبتي ابوكِ
لملمت خصلاتها وقالت له بعفوية كعادتها كي تفحمه:
لأ ما انا جبته معايا هو وابيه كاظم
معاكِ فين! وكاظم مين؟
اتسعت بسمتها واشارت بيدها نحو الدرج ليجد ابيها يصعد وبرفقته رجل اربعيني وقور للغاية يُسنده، تحمحم يجلي صوته وتساءل بنظراته لتؤشر له أن يصبر في حين رحب هو بإرتباك شـ.ـديد من موقعه:
اهلًا يا فاضل بيه اتفضل
اشرأبت شهد برأسها من الباب وقالت بصوت خافت لم يصل إلا ل محمد:
يالهوي ايه اللي جاب ابوها ومين اللي معاه ده
نكزها محمد كي تفوت للداخل وأمرها بصرامة:
ادخلي حطي حاجة على شعرك و متفتحيش بوقك بكلمة انتِ فاهمة.
هزت شهد رأسها وانصاعت له وحين وصلوا امام باب الشقة رحب محمد بهم من جديد ودعاهم ليدخلوا ويجلسوا في غرفة الصالون المتواضعة، تناوب النظرات بينهم وهو يتوق لأن يشرع أي منهم في الحديث، ليتحمحم فاضل اخيرًا قائلًا:
أنا عارف انك مستغرب زيارتي
اجابه محمد بإرتباك:
بصراحة اه اتفاجئت بيها
لينطق ذلك الشخص الاربعيني الذي برفقة فاضل:
احنا جينا نشكرك على اللي عملته يا محمد وبصراحة انا عاجز عن شكرك.
ربت فاضل على ساقه ثم استأنف بعده وهو يرى الفضول يقذف من عينه:
ده كاظم ابن اخويا كان عايش برة بقاله سنين ولما سمع اللي حصل نزل هو وبـ.ـنته علشان يطمن عليا واصر أنه يجي يشكرك بنفسه
تهللت أسارير محمد واجابه برزانة:
انا معملتش غير الواجب يا فاضل بيه والحمد لله ربنا ستر وجت سليمة
تحسس فاضل ضمادته التي تكسو مؤخرة رأسه وقال:
مش سليمة اوي يا ابني بس الحمد لله.
وهنا قهقه الجميع تزامنًا مع دخول شهد التي ارتدت اسدالها المزركش و وضعت طرحته على شعرها كي تخفيه كما أمرها حاملة بيدها صنية محملة بأكواب العصير ترحيبًا بهم:
قضى اخف من قضى والله انتو نورتونا وشرفتونا
لتضع ما بيدها وتجذب ميرال تحتضنها قائلة بود حقيقي ادهش فاضل ومن معه:
حشـ.ـتـ.ـيني و يا ميرال و وحشني الرغي معاكِ والله كنت هتجن عليكِ وعمالة اقوله روح لابوها بس هو دmاغه ناشفة و...
شهد.
كادت أن تسترسل بإندفاع كعادتها لولا أنه زعق بأسمها و
زجرها كي لا تتمادى في الحديث لتهز رأسها بقوة وتقول بتلقائية كعادتها دون أن ذرة لؤم واحدة:
يوه يقطـــعـــني يا خويا والنعمة نسيت انك موصيني مفتحش بوقي
افصلي وتعالي اقعدي
قالها و هو يجذبها تجلس بجواره قائلًا بإرتباك:
شهد اختي يا فاضل بيه معلش هي عشارية اوي وبتاخد على الناس بسرعة
اه والله.
قالتها كي تؤيد حديثه وهي تهز رأسها وتمط فمها بوداعة لينكزها محمد بكتفها برفق كي تصمت ولكنها عقبت متسرعة:
يوه والنعمة ما قولت حاجة أنت بتغمزني ليه!
اغمض محمد عينه بقوة وهو يتوعد لها أما عن ميرال فكانت تكبت ضحكاتها بصعوبة بالغة كي لا تثير اعصابه هي الأخرى، أما عن كاظم فقد كان ترتسم على وجهه بسمةهادئة، ليرحب فاضل بها:
اهلًا يا شهد
اهلًا بيك والله شرفتونا
قالتها بمجاملة ليضيف كاظم :
الشرف لينا يا أنسة شهد.
لوت فمها وهمست ساخرة:
أنسة، طب دي تيجي برضو.
ليعقب كاظم بحرج:
أسف بس شكل حضرتك صغير وعلشان كده توقعت أنك أنسة
لوهلة ظنت بإندفاعها أنه يتعمد مغازلتها بطريقة متوارية حتى كانت سوف ترد رد لاذع يليق بحديثه ولكن حين نظرت له نظرة خاطفة استشفت وقاره و رزانته وتداركت كونه ليس بشاب لعوب كما ظنت، لذلك اطرقت رأسها ولم تعقب خــــوفًا من أخيها الذي أجاب بالنيابة عنها:
لأ شهد ارملة من يوم مـ.ـو.ت جوزها وهي وبـ.ـنتها عايشين معايا ومالين عليا الدنيا.
تنهد كاظم ببسمة رزينة للغاية بينما ابتسم فاضل بسمة هادئة وقال وهو يشمل محيط شقتهم بعيناه:
قولي يا محمد الشقة اللي انتو عايشين فيها دي بتاعتك
استغرب محمد السؤال ولكنه أجابه:
لأ دي شقة شهد انا شقتي فوق هي كانت شقة ابويا وامي الله يرحمهم وانا غيرت عقدها و وضبت فيها ودي الشقة اللي كانت ميرال وصاحبتها قاعدين فيها
ليقول فاضل بتفهم:.
مفيش داعي تبرر ميرال حكتلي كل حاجة وقالتلي كمان انك راجـ.ـل جدع وبتشتغل شغلانتين
اه انا شغال الصبح محاسب في شركة وبليل بطلع بالتاكس
أومأ فاضل بتفهم وتساءل كي يصل بالحديث لتلك النقطة التي أراد التأكد منها من بادئة الأمر:
وده مش تعب عليك
اجابه محمد بعزة نفس وبكـبـــــريـاء شامخ:
لازم اتعب علشان احس بقيمة القِرش وبعدين انا عندي اتعب واشتغل بس متحوجش لحد والشغل مش عيب و عمره ما بيعيب صاحبه.
تنهد فاضل بعمق ورمقه بنظرات مبهمة لم يستشف محمد منها شيء في حين هي كانت تطالعه بفخر وهي لا تعلم للمرة الكام التي وقعت بها في حبه
لينهض فاضل قائلًا:
طيب احنا هنمشي دلوقتِ بس هنستناك بكرة أنت واختك في القصر
تناوب النظرات بينه وبين شهد التي هدرت متسرعة:
ليه خير إن شاء الله بأي مناسبة
اجابها فاضل متهكمًا:.
أنتِ اكيد بتفهمي في الأصول يا شهد ولازم تيجوا تطلبو البـ.ـنت مني جوة بيتها ليوجه نظراته نحو محمد الذي كان يقف متسمر مشـ.ـدوه بأرضه ويستأنف:
ولا ايه يا محمد عندك رأي تاني؟
نفى محمد برأسه واتسعت بسمته شيء فشيء بسعادة متناهية بينما
شهقت شهد متفاجئة ثم ضمته لها قائلة بحنو شـ.ـديد:
مبروك يا حمود الف مبروك ربنا يسعدكم يا خويا
ربت محمد على ظهرها وتساءل بعدm تصديق وهو يخرجها من بين يديه:
يعني حضرتك موافق.
هز فاضل رأسها لتصفق ميرال بيدها وترتمي تقبل وجنة أبيها قائلة وقلبها يتراقص بين ضلوعها:
ربنا يخليك ليا يا بابي انا مبسوطة أوي
حانت من فاضل بسمة هادئة وأخبر محمد بجدية شـ.ـديدة:
انا وافقت بس ليا شروط ولازم توعدني أنك هتوافق عليها
وأنا تحت أمر حضرتك وهعمل المستحيل علشان اثبتلك إني جدير بيها
نظر له كاظم نظرة اعجاب مطولة تنم عن احترامه لشخصيته ثم ربت على كتفه يدعمه بينما ختم فاضل حديثه:.
اتمنى ده يا محمد، هستناك ولو اتأخرت ممكن ارجع في كلامي
ضـ.ـر.بت شهد صدرها وقالت بخفة:
يا لهوي ترجع في كلامك ده إيه إحنا مش هنتأخر ولو عايزنا نيجي معاكم من دلوقتي هتلاقينا قبليكم في القصر
قهقهوا على مزاحها ليؤكد محمد:
بإذن الله يا فاضل بيه 8 بالدقيقة هنكون عندك
وبدون تمهيد او مقدmـ.ـا.ت كانت شهد تطلق زغروتة عالية تصم الآذان من شـ.ـدة سعادتها لتجلب بها بُشرات عدة لتحقيق الأمنيات وأولها أن يتمم الله فرحتهم على خير.
هتوحشك يا نادين
وانتِ كمان يا قمر هتوحشيني خلي بالك من نفسك
هزت قمر رأسها بعيون غائمة وغمغمت وهي تحـ.ـضـ.ـنها وتقبل وجنتها بمحبة خالصة:
اللي هيهون عليّ فراجك إني واعية إن الصالح ليكِ انك تبجي مع چوزك رَبنا يهدي سركم ويصلح حالك ويتمم امانتك على خير.
أمنت نادين بسرها وحانت منها بسمة مفعمة بالأمل عند ذكر الأمر ثم قالت بود:
ابقي كلميني وطمنيني عليكِ واوعديني لما تنزلي القاهرة تبقي تزوريني
هزت قمر رأسها ودmعاتها تنهمر تأثرًا بفراقها لتحثها نادين بنظراتها الدامعة:
خلاص بقى علشان خاطري من غير عـ.ـيا.ط
اومأت لها وجففت دmعاتها ليأتيهم طرق على باب غرفتها وصوت حامد الذي صدح من خلفه:
يا بت عمتي چيت اخد شنطتك
فتحت قمر الباب ليلاحظ هو بكاءها ويقول معاتبًا:.
هتنوحي وتفرطي في دmـ.ـو.عك الغالية ليه يا جمري! البِنية معاودة لبيتها وچوزها المفروض تفرحلها
فرحنالها بس هيعز عليّ فراجها يا حامد يعلم ربنا اني حبيتها كيف خيتي تمام
اوعدك نزورهم في اجرب وجت انا اتفجت مع يامن على إكده علشان هيودينا لحكيم زين.
صوح يا حامد
صوح يا حبة جلب حامد
هزت رأسها بسعادة متناهية بينما نادين كانت تشاهد ما يدور بينهم ببسمة هادئة وتتمنى لهم السعادة الدائمة التي تليق بصبرهم واحتسابهم، لينشلها قول حامد بصدق وطيب نية:
انا كيف اخوكِ تمام لو احتجتي ايتها حاچة أني موچود كلميني وهتلاجيني جصادك انا خدت عهد عليه ما هيزعلكيش واصل ولو حوصل وعملها ومكنش في عوار عليكِ جَسمًا بالله لچيب من الطين واحط على راسه انتِ وراكِ رچالة.
أنت طيب اوي يا حامد
انت كمان اوعدني متزعلش قمر
نظر ل قمر نظرة عاشقة تفضح ما يكنه لها ثم قال بصدق:
جمر دي حبة الجلب يا بت عمتي ومجدرش ازعلها حد يزعل روحه
توهجت قمر من تغزله بها ثم قالت بخجل:
ربنا يخليكِ ليا يا حامد وربنا ما يجيب زعل واصل
امنو على دعواتها لتستأنف هي كي تغير سير الحديث قبل أن يخجلها أكثر بمعسول كلامه:
طب هِم بجى زمان چوزها على نار.
عندك حج يلا لافيني الشنطة واسبجوني لتحت عجبال ما اشوف الغفير خرج الزيارة ولا لع.
ناولته قمر حقيبة نادين وسبقوه للأسفل إلى أن وقفوا على بوابة المنزل من الخارج أمام موقع سيارته التي كان يقف يرتكز عليها لحين خروجها، وما أن رأها اعتدل بوقفته وبداخله يكبت بسمة مفعمة بالسعادة لإنصياعها له، ليخرج عبد الرحيم وزوجته كي يودعوها وبعد أن عاتبها عبد الرحيم وحاول بث سمه لأخر مرة بعقلها ولكنها لم تهتم وراوغته كونها تعلم اين الصالح لها ليودعوها ولكن ببرود مريب لم يريحها، لتتحاشى هي النظر له وتلتهي بالحديث مع قمر في حين أن تركزت نظرات عبد الرحيم بنقطة بعيده ونمت على ثغره بسمة مفعمة بالكثير وهو يظن أنه على وشك تحقيق ما خطط له وهو يؤشر بحركة محسوسة متفق عليها كي ينفذ ولكن في ذات اللحظة احتل الخــــوف معالمه وزاغت نظراته حين وجد وَلده يهرول حامل الحقيبة، حاول يامن إلتقاطها منه ومال بجزعه عليها ولكن حامد اصر والتفت بسرعة متناهية لموقع يامن كي يرفعها عن الأرض ويضعها بمؤخرة السيارة وفي غفوة من الزمن وفي لمح البصر كانت.
تنطلق طلقة غادرة تستقر بصدر أخر شخص تمنى ذلك الطامع بنواياه الآثمة ايذائه فقد شلت الصدmة الجميع و.جـ.ـعلتهم يشهقون بفزع في حين خر جسده متهدلًا وسقط طريح غارق بدmائه
ليصـ.ـر.خ يامن بصدmة هائلة وهو يتفقد جسده:
حامد، حامد هتبقى كويس حد يطلب الاسعاف اسعاف بسرعة.
وَالدي
قالتها والدته بعويل وهي تولول مهرولة إليه بينما عبد الرحيم كان يقف مشـ.ـدوهاً وعينه تكاد تخرج من محجرها قبل أن يهرع له صارخًا بقهر على فقدان ولده الوحيد:
وَالدي
بينما هي استغرق الأمر منها ثوان حتى تستوعب الأمر وحين فعلت صرخت صرخة قوية شقت بقهرها عنان السماء حين اقتربت من موضع رقدة جسده المدرج بالدmاء على الأرض وأخذت تهز بجسده بهستيريا:.
حامد، يامُري يا مُري حامد يامُري رد عليّ يا حامد إِياك تهملني
وهنا تعلقت عيناه الواهنة بها والتوى فمه في شبه بسمة وهو يتلمس بأنامله وجهها الصبوح الغارق بدmعاتها مغمغم بنبرة واهنة للغاية قبل أن يغلق عينه ويستسلم لذلك الظلام الدامس الذي يسحبه معه دون هوادة:
على عيني ههملك يا جمر
سقطت يده عن وجهها وسقط معها ثباتها لتصرخ بأنهيار وهي تهز بجسده راجية:.
لع، لع متهملنيش يا حامد انا مليش غيرك انت ابوي واخوي وكل دنيتي رد علي يا حامد يا مُرك يا جمر، يا مُرك يا جمر، حامد رد عليّ يا جلب جمر رد عليّ يا جلب جمر متهملنيش، متهملنيش، لتنظر للأعلى وتصرخ بقهر من بين نحيبها الحارق الذي يمزق نياط القلب:
يا رَب إني مليش غيره همـ.ـو.ت بعديه، همـ.ـو.ت بعديه.
اعتلى صوت نواحها وصراختها وببكاء الجميع في حين هي كانت تنهمر دmعاتها دون هوادة وهي تشاهد ما يحدث و لا تصدق ما اصابه ولكن كرد فعل وجدت ذاتها تخرج هاتفها بأيدي مرتعشة تهاتف سيارة الإسعاف.
في حين هو انتابه حالة من الهياج وهو يرى وَلده الوحيد مسجي امام نظراته فما كان منه غير أن يسمح لشيطانه ان يسيطر عليه ويجعل الحقد يغشي على عينه حين نهض مرددًا بجنون تام وبتوعد مقيت وهو ينقض على بندقية الغفير الذي كان يعلقها بكتفه أثناء حمله لعدة اقفاص ويقف بها بالزاوية فقد نزعها منه بالقوة وصوبها نحو يامن قائلًا بجنون تام وبكل حقد وجبروت لامثيل لها:.
مش والدي المجصود يا غريب أنت اللي لازمنًا تمـ.ـو.ت مش وَلدي
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن تنطلق رصاصة من بندقيته التي يحملها ودون أن يمهل أحد أن يأخذ ادنى حذر منه كانت تستقر رصاصته بكل أسف في جسد من أراد الغدر به من بادئة الأمر.
↚
أناديك والليل جاثم خلف الجدران , والفراق قد شهر مخالبه، أناديك والنوم يتقدm مني مهدداً بعشرات من كوابيس الوداع، أناديك يا من كنت قبل دقائق معي.
غادة السمان.
بُستان مليئ بالورود الزاهية كانت تسير به حافية القدmين وثوبها يهفهف مع نسمـ.ـا.ت الهواء وهي هائمة في روعة عبق المكان الأخاذ الذي تسلل إليها مصحوب برائحته المميزة، تلفتت يمينًا ويسارًا تبحث عنه وخصلاتها تتناثر معها بحركة متمردة تشبهها لحين استقر نبضها وسَكن قلبها حين رأته يقف بعيدًا يحمل جرة ماء قام بملئها من ذلك البئر القريب كي يسقي زهورها، زعقت بأسمه متلهفة تسأله أَكُل هذا من أجلها!
فكانت إجابته تلك البسمة الحانية التي لطالما شملها بها لتتهلل أساريرها و.
و تهرول إليه ولكن مهما حاولت الأقتراب تجد ذاتها بمكانها، صرخت بأسمه راجية أن يأتي ويمسك بيدها ولكنه لأول مرة لم ينصاع لها فقد نظر لها نظرة مطولة كأنه يودعها بها ثم وقف على حافة البئر واسقط نفسه به بكل طواعية بداخله لتصرخ باسمه ودون أن تبذل عناء كالسابق وجدت ذاتها على بعد خطوة من موضعه وكأن شيء كان يعيق وصولها؛ ولكن لبؤس حظها لم تجد له أي أثر وحينها صرخت صرخة مدوية استمر انينها وهي تنتفض من الفراش بحالة هياج غير عادية، فلم تذكر شيء سوى ذلك المشهد اللعين حين اطلق خالها عليه الرصاص وسقط أمامها انتفضت من مكانها وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متتالية وهي تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـباً من إجابة سؤالها التي ألقته على زوجة خالها هانم التي كانت تجلس بجوار فراشها:.
يامن فين يامن حصله ايه؟
حاولت هانم طمئنتها:
اهدي يا بتي إن شاء الله خير
هو في أوضة العمليات والحكما معاه
نفت برأسها وصرخت متوسلة ودmعاتها تهطل متألــمة:
قوليلي انه كويس، هو مامتش مش كده؟
لع يا بتي هيبجى زين ادعيله
هو فين، انا عايزة اشوفه...
قالتها ببكاء هستيري وهي تهرول للخارج وتستند على كل شيء يدعمها كي تظل واقفة ولا تخور قدmيها بها من شـ.ـدة فزعها.
لتلحق بها هانم وتسندها وتوصلها لهناك في حين هي كانت تشعر أن روحها تنسلخ منها وهي ترى الطبيب يخرج بعد استغراقه هو وفريقه أزيد من ثلاث ساعات معه بغرفة العمليات، فكان يعتلي وجهه ملامح غير مُبشرة
جعلت وتيرة بكائها تتزايد و قلبها ينقبض بقسوة بين أحشائها حين سمعته يخبر خالها سعيد بحالته:.
للأسف حالته حرجة جدًا الرصاصة كانت قريبة جدًا من القلب بس احنا قدرنا نخرج الرصاصة ونوقف النـ.ـز.يف ادعيله يا حج هو في أْمس الحاجة للدعاء.
نكس سعيد رأسه بأسف في حين هي خارت بها قدmيها لولآ هانم التي اسندتها واجلستها على أقرب مقعد، لتختنق انفاسها وتظل أسنانها تصطك ببعضها تهز رأسها بحركة غير متزنة بالمرة تنم عن انهيارها وذكرى ذلك اليوم المشؤوم حين فقدت والدتها تترأى أمام عينيها من جديد لتحرق روحها، لتنكمش على ذاتها ويضل جسدها يتأرجح للأمام والخلف بحركة غير متزنة مغمغمة برعـ.ـب ممـ.ـيـ.ـت من بين نحيبها الذي يدmي القلب:.
هو كمان هيمـ.ـو.ت ويسبني، هيسبني زي ما امي سابتني هيستسلم زيها انا مستهلش أن حد يتمسك بالدنيا علشاني أنا عارفة أنا واحدة غـ.ـبـ.ـية ربنا ياخدني يارتني كنت أنا اللي اتصابت وريحت العالم مني اه، اه
صرخت بحرقة جثت على صدرها وصوت نحيبها يتعالى ويتعالى ورغم محاولتهم العدة في تهدئتها إلا أنها كانت بحالة هياج وانهيار يرثى لها.
استبد القلق بهم وهم يقفون أمام غرفة العمليات ينتظرون خروج أحد الأطباء لطمأنتهم فكانت ونيسة تولول باكية بينما عبد الرحيم فكان يجلس منكس رأسه و يكوبها بكفوف يده ويطرق عليها قائلًا بقهر مما أصاب ولده:
ياريت كنت أني يا وَالدي هجطم الحنضل جطم بعدك يا وَالدي ليرفع رأسه لأعلى ويرجو الله متوسلًا:
يارب بلاش هو ده زرعة عمري هو غلبان ميستهلش حاچة عِفشة يارب متخدوش بذنبي
واللي زيك يعرف ربنا من فين؟
قالتها قمر بعيون كارهة، دامية لم ينقطع دmعها قط من حينها
لتوبخها ونيسة قائلة:
اتحشمي يا مخبلة وسكري خشمك
هبت هي معترضة نعتها لها:
متعبيش فيا أني مش مخبلة
ومش هسكر خشمي إلا لما افضح چوزك ولو فاكرة إني هخاف منيه كيف اهل البلد اللي اتسترو عليه تبجى غلطانة.
وهنا رفع عبد الرحيم رأسه لها وضميره ينهش به ينظر لها نظرة مطولة يتهدل الدmع معها وهو يشعر بعجز وانهزام لا مثيل له فيقسم أنه لايعلم كيف طاوعه عقله على فعل ذلك من الاساس وكأن شيطانه الذي كان يقوده لذلك الفعل المشين قد تخلى عنه ليتركه يتحمل العواقب وحده.
ساد الصمت لثوانٍ ولم يكـ.ـسره سوى خطوات رجـ.ـال المباحث الذين حضروا بناءٍ على بلاغ إدارة المشفى عن الواقعة وقد جاؤوا كي يتحققوا من ظروف وملابسات القضية فقد
تقدm أحدهم بالسؤال:
انتوا اهل المصاب
اجابه عبد الرحيم بذعر وبوجه شاحب وهو ينهض من مقعده:
ايوة يا بيه حامد يبجى وَالدي
طب يا حج قولي ايه اللي حصل؟
تلجلج وزاغت نظراته ولم يقدر على التفوه بكلمة واحدة في حين هي انتفضت دون مهابة قائلة:.
هو اللي ورا كل المصايب يا بيه
حاولت ونيسة اخراسها:
سكري خشمك يا بت
رفضت هي وبكل شجاعة وقفت مقابل لهم قائلة:
لع مهسكرش لتنظر ل عبد الرحيم وتستأنف تشير عليه بأصابع الاتهام:
انت اللي كاريت على چوز نادين وجات في حامد بالغلط
انت جولت بخشمك مش هو المجصود جَبل ما تاخد البندجة وتطخه
هنا انقضت ونيسة تكتم فمها بكف يدها صارخة:
هتخبصي تجولي ايه يا مخبلة ده ابو چوزك عاوزة ترميه في حديد.
نفضت يدها عنها وصرخت باكية بأنهيار تام نابع من تمزق قلبها على وليف روحها:
مهخبص أنا بجول الحجيجة اللي أنتوا بتغشموها حامد بين الحيا والمـ.ـو.ت وابوه لازمنًا ياخد جزاته
كان هو يستمع لها برأس منكس بخزي لم يقوى عن الدفاع عن ذاته فهي محقة هو المتسبب بكل ذلك ويستحق العقـ.ـا.ب و سوف يرضى بأي شيء إلا أن يصبح عقـ.ـا.به هو فقدان ولده الوحيد وسنده بالدنيا. لذلك غمغم بنبرة مختنقة حين سأله الضابط عن صحة ادعائها عليه:.
حوصل يا بيه بس وحياة الغالين عندك هملني اطمن على والدي في اللاول
نفي رجل المباحث الجنائية برأسه وأشار لأحد معاونيه أن يتحفظ عليه، ليصـ.ـر.خ هو راجيًا:
احب على يدك يا بيه هملني اطمن على وَالدي
أصر على التحفظ عليه واخذه معه في حين هو صرخ ببكاء مضني وهو يركع على ركبتيه وينحني يقبل حذائه:
احب على رچلك يا بيه هملني ده وَالدي ومحلتيش غيره
رفض واخبره برسمية وهو ينحني يقبض على ذراعه لكي يوقفه:.
لو الحكاية اللي مـ.ـر.اته حكتها دي صح صدقني متستهلش الرحمة ولا الرأفة، ليدفع به نحو معاونيه ويأمرهم:
خدوه
حاوطوه من الجهتين وقاموا بدفعه لكنه كان يعافر معهم ويصـ.ـر.خ راجيًا ودmعاته تزف نـ.ـد.مه وحسرته وهو يلتفت برأسه يرجو رجل المباحث:
يا بيه، هملني، وحياة الغالين عندِك، هطمن عليه واعمل فيا ما بدالك يا بيه علشان خاطر رَبنا
أشار بيده دون تعاطف ليستمروا في دفعه للخارج ليصـ.ـر.خ عبد الرحيم بقهر:.
اه يا وَالدي، سامحني انا اللي استاهل ربنا ينتجم مني رَبنا ينتجم مني
ليتحمحم الضابط ويوجه حديثه ل قمر التي كانت تقف متسمرة:
اطمني على جوزك وهستناكِ في المركز علشان أخد باقي اقوالك
هزت قمر رأسها بطاعة وحين غادر
لطـ.ـمـ.ـت ونيسة وجهها وانقضت على قمر تمسك ذراعيها وترج بجسدها ناهرة:
إكده تشهدي على ابو چوزك يا مخبلة وتودريه يخـ.ـو.نك عيشنا وملحنا.
حاولوا أحد الممرضات منعها عنها ولكن لم يفلحوا فكانت تهز بها بطريقة جعلتها تفقد اتزانها وتدور رأسها لتسقط في حينها فاقدة لوعيها.
في ظل تلك الأجواء الكارثية التي كانت على الصعيد الأخر كان هو يتواجد بذلك النادي الذي يملك حقوق عضويته.
جالس شاعرًا بالضيق الشـ.ـديد بعدmا أدرك انه مخطئ حين ظن أن بمجيئه لهنا سيجد ما يلهيه ويكبح تفكيره فيما حدث داخل المشفى بينه وبين طليقته
فكان يقوم بمراجعة بعض الملفات الخاصة بمرضاه حين طرق باب مكتبه وظهرت هي أمامه حاملة بيدها طفل رضيع من الوهلة الأولى علم أنه ابنها فقد نهض هامسًا بتعجب من حضورها:.
هاجر
ابتسمت هي بسمة واسعة واجابته وهي تمد يدها كي تصافحه:
ازيك يا نضال وحـ.ـشـ.ـتني
جعد حاجبيه وتجهمت معالم وجهه في حين استأنفت هي مبررة زيارتها:
أنا كنت ب جاسر ابني هنا علشان عنده تطعيم وقولت اعدي اسلم عليك واشوفك
يحفظ كافة تصرفاتها عن ظهر قلب ويعلم أن حجتها واهية ولذلك تنهد بضيق وأجابها:
ماما قالتلي انك قومتي بالسلامه وبلغتها تبـ.ـاركلك بالنيابة عني.
ولا يهمك، قالتها وهي تناوله الصغير بين يده وتجلس بالمقعد المقابل له، بينما هو ارتبك من فعلتها ولكنه معتاد بحكم عمله على التعامل مع الأطفال وخاصًة حديث الولادة منهم لذلك أخذ يُهدهد الصغير بحنو شـ.ـديد وعلى ثغره بسمة هادئة، لتباغته وهي تنظر له نظرات لطالما خصته بها:
كان نفسي ابني يبقى منك
توقف عن هدهدة الصغير واندثرت بسمته ونظر لها نظرة مطولة فسرتها هي:.
متستغربش أنا عمري ما بطلت احبك حتى لما سبتك بس غـ.ـصـ.ـب عني كان نفسي ابقى أم وأنت...
قاطعها وهو ينهض يعيد لها ابنها:
واديكِ بقيتِ وحققتي اللي كنتِ بتحلمي بيه عايزة ايه تاني وبتقلبي في القديم ليه؟
علشان مش قادرة يا نضال مش عارفة احبه ربع ما كنت بحبك
زفر انفاسه واجابها بكل تروي وهو محتفظ بهدوء اعصابه المعتاد:.
هاجر الكلام ده عيب يطلع منك انتِ على ذمة راجـ.ـل اختارتيه بكامل ارادتك و لازم تحترميه وتقدري وجوده اللي بينا صفحة واتقفلت
نفت برأسها بعدm اقتناع واقترحت:
هطلق وخلينا نرجع لبعض
حانت منه بسمة ساخرة ورد بخيبة أمل نابعة من ذلك الشرخ العميق الذي خلفته هي بكـبـــــريـاء رجولته وكان سبب في تنغيص عِشرتهم و.جـ.ـعلها شبه مستحيلة:.
طول عمرك عايزة من الدنيا كل حاجة ومش بتحبي تخسري بس للاسف انا معنديش أي استعداد ارجع لواحدة كانت بتعايرني بنقصي وبتقل مني ومحسساني انها بتتفضل عليا
انا كنت غلطانة يا نضال سامحني
قالتها نادmة ولكنه لم يتأثر بنـ.ـد.مها وهدر بنبرة جدية للغاية كي يجعلها تزيح تلك الأفكار عن رأسها:.
انا مش بلومك يا هاجر انك معرفتيش تتقبلي عِلتي و طلبتي الطـ.ـلا.ق ده حقك وانا قدرت رغبتك واحترمتها واصلًا مكنتش هقبل احرمك انك تبقي أم و أظلمك معايا، أنتِ بـ.ـنت خالتي قبل ما تكوني طلقيتي واتمنالك الخير فلو سمحتِ بلاش تفتحي جراح قديمة وتقلبي في اللي فات وياريت أخر مرة تفتحي معايا أو حتى مع نفسك الموضوع ده وحاولي ترضي بحياتك الجديدة وتحمدي ربنا.
نضال أنا نـ.ـد.مت وعمري ما كنت مبسوطة غير معاك أنت مش عارف أنا عايشة ازاي
قطع سيل اعذارها التي لن تنطلي عليه ولن يستسيغها مهما فعلت وتحجج قائلًا كي ينهي تلك الدراما الهزلية التي تعارض مبادئه:
انا اسف يا هاجر بس عندي عملية كمان عشر دقايق ولازم اتحضرلها قومي روحي لبيتك و جوزك وبلاش تخذلي ثقته فيكِ اكتر من كده.
اصابت كلمـ.ـا.ته الجارحة صميم ضميرها لذلك غامت نظراتها ونكست رأسها ثم عدلت وضعية حملها للصغير وغادرت تاركته من حينها يشعر أن شيء ثقيل يجثو فوق صدره وسؤال لعين يتردد بعقله ماذا لو كان هو بموضع زوجها.
هو ممكن اعزمك على فنجان قهوة
انتشله من شروده صوت أخر شخص توقع أن يراه الآن. ليرفع خضراويتاه ويعقب على حديثها بملامح ثابتة:
لأ مش ممكن.
زاغت نظرات رهف وهي تظنه يتعمد أن يحرجها كما فعلت معه ولكنه استأنف بحاجب مرفوع بتسلية:
مش بشرب القهوة ممكن شاي بحليب يا بشمهندسة
شبح بسمة خافتة كاد يظهر على ثغرها اخفته سريعًا ثم جذبت المقعد وجلست مواجهة له ليباغتها وهو يشهر اصبعه بوجهها:
بصي انا طيب ازاي وسيبتك تطفلي عليا
قطمت شفاهها بحرج وعقبت:
انت قلبك اسود اوي
حانت منه بسمة مشاكسة رغم تلك الحالة التي كان عليها وقال بخفة وهو يؤشر على ذاته بكل براءة:.
أنا بالعكس واللهِ حتى بأمارة ان بقالنا خمس دقايق وممسكتش في خناقك
نكست رأسها تتحاشى عيناه ولملمت خصلاتها البندقية بشيء من التـ.ـو.تر قائلة:
احنا اتفقنا نعمل معاهدة سلام مش كده.
هز رأسه وتنهد عميقًا قبل أن يجيبها:
وأنا لسة عن وعدي يا بشمهندسة، طمنيني شيري عاملة ايه دلوقتِ؟
اجابته بتلقائية:.
الحمد لله احسن والحرارة مرجعتش تاني، أنا كلمت ماما ثريا وقاعدة معاها وجيت اجيب شريف التمرين والله لو مكنش عنده بطولة مكنتش نزلت وسيبت اخته
هز رأسه بتفهم رغم تعجبه من استفاضها معه بالحديث:
حمد الله على سلامتها يا بشمهندسة
تنهدت واخبرته بعدmا أزاحت تحفظها بعض الشيء عرفًا بشهامته و مواقفه العدة معها:
البركة في ربنا وفيك يا دكتور
أجابها ببساطة دون عناء التكلف:
انا معملتش حاجة متكبريش المواضيع.
تحمحمت هي تجلي صوتها واخذت تفرك بيدها في حين جمدت خضراويتاه عليها وقال يحثها على الحديث:
اتكلمي يا بشمهندسة انا مش بَ عُض انا أليف واللهِ
أطلقت سراح بسمتها اخيرًا على دعابته وتشجعت قائلة:
بما أننا عملنا معاهدة سلام وانا اعتذرت منك، خليني اكمل شغل في العيادة انا حاسة انها هتطلع حلوة اوي معايا
مسد منحدر أنفه وأجابها متهكمًا:
غريبة هتقبلي تتواضعي للدرجادي.
زفرت حانقة من ذاتها ومن هجومها السابق عليه ثم قالت بحرج وهي تمط فمها:
مش بقولك قلبك اسود
قهقه هو بكامل صوته وكأن الحـ.ـز.ن الذي كان يعتريه منذ قليل قد تبخر وخاصًة حين اجابها من بين ضحكاته المتسلية:
قلبي ابيض زي الشاي بحليب اللي نسيتيه يا بشمهندسة ومش مسامح فيه.
هزت رأسها بلافائدة وهي تتحاشى النظر له واعتلى ثغرها بسمة هادئة تنتمي ل رهف القديمة ثم أشرت للنادل كي تلبي رغبته، بينما هو دون أن تندثر بسمته تجمدت نظراته عليها وهمس بصوت خفيض للغاية لم يصل لها:
لسة ضحكتك زي ما هي متغيرتش
قطع سيل نظراته قولها بأريحية أكثر رغم تحفظ نظراتها:
مسامح كده اهو هيجيب الشاي بحليب بتاعك اظن كده بطلت حجتك قول انك موافق بقى انا بجد متحمسة.
تنهد بعمق ودون وعي كانت خضراويتاه تغيم بنظرة اعجاب واضحة حين أجابها ببسمة مريحة مشاكسة:
موافق طبعًا يا بشمهندسة ده شرف ليا
تنهدت بأرتياح ثم ببسمة هادئة متحفظة بعض الشيء تعتلي ثغرها أخبرته:
يبقى اتفقنا انا هبدأ من بكرة ولو حابب اجبلك المخطط مرة تانية تبص عليه قبل ما ابدأ مفيش مشكلة
اومأ له لتنهض هي قائلة:
تمام عن اذنك يا دكتور.
نهض ايضًا ومد يده لها قائلًا وشيء لعين بداخله يدفعه كي ينظر لرماد عيناها التي يكمن شجن غريب بها لأخر مرة:
مبسوط اوي بمعاهدة السلام اللي بقت بينا يا بشمهندسة
ترددت لوهلة قبل أن تصافح يده وحين فعلت غرقت اناملها براحة يده لترفع رماديتها له وتلحظ نظراته النافذة لتطرق برأسها وتنظر لكل شيء ماعدا هو ثم همست بنبرة متـ.ـو.ترة وهي تسحب يدها من بين خاصته:
انا اسعد يا دكتور، عن اذنك.
والله عال يا هانم سايبة ولادك وقاعدة مع البيه ولا على بالك
قالها هو بحدة مبالغ بها وهو يتقدm من مكان جلستهم وعينه تطلق شرار مشتعل يكاد يحرقهم معًا.
حسن
تفوهت بأسمه بشـ.ـدوه لا تستوعب ما نطق به في حين هو هدر بغيرة قائلة وهو يرفع أصابع الاتهام نحو نضال:
ده اللي علشانه مش راضية ترجعيلي مش كده، مش ده الدكتور اللي ساعدك وفبركلك التقرير علشان تحبسيني.
هنا تقدm نضال مستنكرًا اتهامه:.
انت اتجننت بتقول ايه؟ حاسب على كلامك يا بني أدm أنت؟
احتدت نظرات حسن وقال بعجرفة كعادته التي لم يغيرها شيء وهو يقبض على حاشية ملابسه:
ماله كلامي مش جاي على هواك ولا ايه يا دكتور محموق اوي وريني تقدر على ايه.
جز نضال على نواجذه وكاد يرد رد يليق به وبأخلاقه وهو ينزع يده عن ملابسه لولآ أن رهف وقفت تحيل بينهم وتوجه حديثها ل حسن:
اللي بتعمله ده!انت بجد حد مش طبيعي انا مش مصدقاك.
رد حسن منفعل غير عابئ بهمهمـ.ـا.ت رواد المكان من حولهم:
بقول الحقيقة يا هانم ويمكن كمان لسة قاعدة في شقة سعاد لغاية دلوقتي علشان تبقى جنبه.
فاض الكيل به وقد فكر جديًا أن يتخلي عن ثباته الإنفعالي؛ حتى انه كور قبضة يده بقوة يحاول كبح رغبته و التحكم في زمام نفسه قبل ان ينقض عليه يهشم رأسه ويُبلعه لسانه السليط الذي يقطر سمٍ زعاف، ولكنه تروى من اجلها ومن اجل تلك العيون التي تتربص بهم وتتصيد للفضائح، بينما هي ردت على الأخر بشراسة قوية:
ده اللي عقلك هيئهولك علشان انت فاكر ان كل الناس زيك
ردد بغـــضــــب بعدmا تفهم إلى ماذا ترمي:
قصدك إيه يا رهف؟
اجابته بنظرات قوية ثابتة:
قصدي انت عارفه كويس وياريت تمشي وكفاية فضايح لغاية كده
زاغت نظراته وجز على نواجذه ثم قال من تحت انفاسه الغاضبة:
على العموم خالتي هي اللي بعتاني علشان لازم تسافر البلد وتلفونك مقفول ومش عارفه توصلك
جعدت حاجبيها واستطردت قائلة بعدm ثقة:
انا سيباها مع شيري ومجبتش سيرة سفر
أجابها ونظراته الحاقدة لم تفارق موضع نضال:.
يامن ضـ.ـر.بوا عليه نار وحالته خطيرة ولازم اخدها اوديها هناك علشان تبقى جنبه
شهقت هي بفزع وقالت متعجلة بعدmا استشفت صدق حديثه:
يا خبر طب يلا نجيب شريف ونروحلها علطول
لتلتفت ل نضال قائلة وهي تخطو خطواتها:
عن اذنك يا دكتور.
رد نضال بتنهيدة متقطعة:
طبعًا اتفضلي يا بشمهندسة وهبقى اكلمك اطمن عليه.
هزت رأسها وهرولت مُسرعة لتجلب ابنها هاتفة بأسم الأخر:
يلا يا حسن.
بينما هو كان بنيته أن ينقض عليه ويفتك به من شـ.ـدة غيرته ولكن حين تناهى إلى مسامعه اسمه منها من جديد عرض عن الفكرة وكل ما كان يشغله أن يهرول خلفها ولكن بعد أن رشق نضال بنظرة مغتاظة حاقدة تنم عن تلك النيران التي انشبها بداخله، ولكن الأخر كعادته أخذ الأمر بكل ثبات إنفعالي وبنظرات ثابتة ظنها الأخر متحدية زادت من سعير نيرانه المتأججة.
شعرت بثاقل غريب برأسها و ضعف يجتاح كافة جسدها حين رفرفت بأهدابها تستعيد وعيها؛ لتجد طبيبة تجلس جوارها تتفقد حالها، تحاملت على ذاتها و صعدت بجزعها تستند على ظهر الفراش المكتنز خاصًة غرفة الكشف وهي تمسد جبهتها متمتمة:
هو ايه اللي حوصل؟
أجابتها الطبيبة بعملية وببسمة هادئة:
كنتِ غميانه يا جمر
هزت رأسها ثم نفضت الغطاء عنها وهبت مغمغمة بملامح حزينة متهدلة والقلق والحسرة تفتك بها:.
حامد أنا لازمنًا اطمن عليه زمناته خرچ من اوضة العمليات
منعتها الطبيبة قائلة وهي تجلسها مرة أخرى:
اطمني يا جمر حامد هيبجى زين وتنه خارچ والدكتور جال أن الرصاصة ما مچاتش في أعضاء حيوية وحالته لحد كبير مستجرة
رفرف قلبها وانفرجت معالم وجهها وتسائلت بعد تصديق:
من صوحك يا حكيمة
لتؤكد الطبيبة قائلة:
من صوحي يا جمر وهو كلها كام ساعة وينجلوه اوضة عادية وهتجدري تطمني عليه بنفسك و تبشريه.
تهللت أسارير قمر وكـ.ـسرت بسمة باهتة وجوم وجهها ولكن تردد صدى كلمتها الأخيرة بأُذنها لتتساءل بريبة:
ابشره بإيه؟
وهنا اخبرتها الطبية بيقين مؤكد بعدmا قامت باكتشاف الأمر عند إغمائها:
مبـ.ـارك يا جمر أنتِ حِبلة.
ايه بينك وبينه؟
قالها هو منفعل وهو يجلس بجوارها في السيارة اثناء قيادتها في طريق المنزل.
زفرت هي انفاسها واجابته بإقتضاب دون أن تمنحه نظرة واحدة:
شغل
شغل!
كرر جملتها بنبرة منفعلة للغاية وملامحه تنم غـــضــــب عظيم...
لتزفر من جديد حانقة وتدير رأسها لصغيرها المنكمش بمقعد السيارة قائلة:
شريف حط السماعات بتاعتك يا حبيبي واسمع الاغاني اللي بتحبها.
اومأ الصغير بطاعة وعينه لا تفارق ظهر والده بذعر ظهر جلي على تقاسيمه حين أخرج سماعات اُذنه واوصلها بجهازه وانصاع لها لتطمئنه رهف بعيناها من المرآة الأمامية التي علقت عينه مصادفة عليها وتخبره بنظراتها أن كل شيء سيكون على مايرام.
في حين أن ابيه لم يكن يشغله كل ذلك واستأنف صراخه بها:
شغل ايه اللي بينك وبينه وبعدين حتى لو شغل مش في النوادي يا هانم.
ممكن تتكلم بطريقة احسن من دي وراعي أن الولد معانا وخايف من صوتك
لم يهتم بحرف مما نطقت به بل تعالى صوت صراخه أكثر:
انا بقولك ايه وانتِ بتقوليلي ايه انا عايز افهم شغل ايه ده اللي بينك وبينه ومخليه بيتكلم بثقة كده ويقولك هكلمك اطمن عليه يعني معنى كده انك عطياله كمان رقم تليفونك
وهنا لم تتحمل طريقته التي لم تتغير وتذكرها بخنوع رهف القديمة لذلك قالت بشراسة قتالية:.
انت بأي حق بتحاسبني وبتتهمني، انا مبقتش مراتك واللي بينا هما ولادك وبس متديش نفسك حجم اكبر من حجمك في حياتي.
برر هو بعجرفة دون أن يعير شيء أي أهمية
غير تلك الغيرة التي تتأكل قلبه:
ماهو علشان خاطر انك أم ولادي أنا بحاسبك وبصراحة بقى موضوع شغلك ده مش داخل دmاغي وشايف ولادك أهم ومن حقهم تتفرغي ليهم ده لو عايزة مخدهمش منك.
اوقفت سيارتها أمام البناية فور وصولهم وأمرت الصغير بحركة من يدها أن يسبقها للداخل وحين فعل تنهدت تنهيدة مثقلة بالكثير وقالت وهي تنظر له نظرة مطولة مؤنبة مفعمة بالخذلان والخزي التي ذاقتهم على يده:
تاخدهم مني! تاني هترجع تساومني وتلوي دراعي بيهم أنت هتفضل زي ما أنت عمرك ما هتتغير
نكس رأسه وابتلع غصته قائلًا بتراجع كي يلاحق زلفة لسانه وتسرعه:.
لأ اتغيرت وبُعدك عني علمني كتير بس غـ.ـصـ.ـب عني يا رهف أنا قولت كده من حُرقتي أنا همـ.ـو.ت لو شوفتك مع حد غيري
غيرك، مش ده الحق اللي أنت عطيته لنفسك قبل كده!
غامت عينه بالنـ.ـد.م وقال راجيًا بعدmا أزاح حدته وعجرفته جانبًا:
رهف أنا نـ.ـد.مت وحياة ولادي نـ.ـد.مت وطلقتها ولسة عندي أمل تسامحيني أنا لسة بحبك
نفت برأسها بعدm اقتناع وردت بصمود وقناعات أصبحت راسخة بها بعد نكبتها:.
مشكلتي معاك مكنتش هي وبس، واظن مش محتاج إني اقولك نفس الكلام في كل مرة ومش كل مرة هقولك حاول تتقبل الوضع الجديد وتتعايش معاه
مرر يده بخصلاته الفحمية القاتمة وقال وهو يشعر أنه على حافة الجنون:
طب ريحيني وقوليلي أيه اللي بينك وبينه؟
قولتلك شغل وبس وصدقني يوم ما هفكر أربط مصيري بواحد مرة تانية مش هخبي ومش هقدm حجج ومبررات ليك.
قالتها وهي تتدلى من السيارة ليلحق هو بها ويتدلى مثلها ويتمسك بذراعها قبل أن تتخطاه قائلًا بحسرة وعينه تتوسل غُفرانها:
رهف، بلاش ترجعيلي خدي وقتك وانا عندي أمل انك تسامحيني انا هستناكِ ومش هيأس بس علشان خاطر اللي كان بينا بلاش تعملي فيا كده أنا مش هستحمل اشوفك مع راجـ.ـل غيري، ليتناول نفس مثقل عميق ويزفره محمل بعبق احتراق قلبه ويستأنف بنبرة مرتعشة راجية:.
اكرهيني، عـ.ـا.قبيني، ابعديني، اعملي فيا اللي يريحك؛ بس اوعي تحبي غيري
ارتعش فمها ونزف جـ.ـر.حها الكامن مرة أخرى فور حديثه، و وجدت ذاتها تخبره بكل وضوح وبصوت مذبوح يقطر بأنين قلبها:
قلبي مبقاش عنده طاقة ليك او لغيرك يا حسن، انا هعيش لولادي وشغلي ونفسي وبس وياريت متفتحش في جراح قديمة وحاول تتخطاني زي ما بحاول اتخطاك.
قالتها وهي تهرول من أمامه كي تصعد الدرج لتؤاذر تلك السيدة الحنون في مصـ يـ بـةولدها تاركته ينظر لآثارها بعيون غائمة وبملامح متهدلة بائسة تنم عن فداحة خسارته لها.
وقفت واهنة تستند على زجاج العناية المشـ.ـددة وعيناها تفيض بمخزونها تطالعه وهو مُمدد أمامها شاحب الوجه وبهيئة سَاكنة تحاكي المـ.ـو.تى بثباتها، فكل ما يدل على حياته هو طنين الاجهزة الطبية المتصلة بجسده ويتدلى من احدهم خراطيم الهواء تخترق فمه وانفه، أما عن صدره العاري فتم تغطيته كاملًا بشاش طبي حيث موضع الرصاصة التي اخترقته.
اختنقت انفاسها وهمست بحرقة راجية وعيناها الباكية لم تفارق موضعه خلف الحاجز الزجاجي:
متسبنيش يا يامن أنا مليش غيرك أنا اسفة والله آسفة أنا السبب يارتني انا مكانك، أنا استاهل لكن أنت لأ يا يامن
كانت تقف على مقربة منها احد الممرضات التي تقوم بمناوبة ليلية وقد تأثرت كثيرًا بحُزنها وتعاطفت معها لتتقدm منها وتقول مواسية:
ربك كريم ادعيله يابتي
عايزة اشوفه خليني أدخله وحياة اغلى شيء عندك.
الزيارة ممنوعة يا بتي والحكيم منبه
مش هتأخر إن شا الله ثواني بس اشوفه عن قرب وهخرج بالله عليكِ وافقي
تنهدت بقلة حيلة وقالت وهي تنظر يمينًا ويسارًا تتفقد خلو المكان:
ماشي يا بتي انا هدخلك بس علشان جطعتي جلبي هِمي معايا هلبسك جاون واعجمك جَبل ما تدخليله ويارب تعدي على خير.
هزت نادين رأسها بأمتنان عظيم دون أن تنضب دmعاتها وما أن جهزتها وادخلتها لموضع رقدته، كتمت شهقاتها بكف يدها وتقدmت منه بخطوات وئيدة واهنة تطالعه عن كثب بقلب يتلوى ويأن بين احشائها، وضمير ينهش بها ويخبرها أن هي المتسببة الوحيدة في ما أصابه،.
حاولت التحكم بأنفاسها ثم مالت على جبينه تقبله قبلة عميقة مطولة ودmعاتها تنهل من عيناها تروي شحوب وجهه معها أثر قربها، لتتراجع برأسها ومازالت تميل بجزعها تتأمل سكونه بنظرة متألــمة وتتلمس يده قائلة بنبرة مختنقة ممزقة لا مثيل لها:.
ارجعلي يا يامن، ارجعلي، متسبنيش حقك عليا أنا السبب، انا عارفة أن مفيش حاجة هتبررلك غلطي وأنا مش بنكره بس انا نـ.ـد.مت والله نـ.ـد.مت، بس متأخر أوي لتمرر يدها تزيح دmعاتها التي تعيق رؤيتها لوجهه وتستأنف مبررة سبب عنادها وما احرق قلبها:.
أنا كل اللي كان قاهرني منك انك ثورت لكرامتك و سبتني وانت عارف إني مقدرش اعيش من غيرك، أنا كنت بحلم بيك جنبي كل ليلة وعندي امل انك هترجع؛ لغاية ما بعتلي ورقة طـ.ـلا.قي، أنت و.جـ.ـعتني أوي ومكنتش قادرة اتخيل أنك خلاص خرجتني من حياتك، لتشهق وتضيف بنـ.ـد.م حقيقي من بين نحيبها:.
أنا عارفة إني غلطانة وغلطي كان صعب عليك تتقبله ومش بلومك أنا بس كان نفسي تسمعني كنت فاكرة أنك هتفضل جنبي ومستحيل تتخلى عني زي كل مرة بغلط فيها أنا اتعودت اجري عليك واتحامى فيك، أنا اكتشفت إن أنت كل اهلي وناسي وعزوتي ومفيش حد هيخاف عليا أدك، أنا بحبك، بحبك، وعلى قد ما بحبك على أد ما بكره نفسي إني عمري ما ريحتك ارجعلي يا يامن، متسبنيش لوحدي أنا همـ.ـو.ت من غيرك والله همـ.ـو.ت من غيرك أنا نـ.ـد.مت والله نـ.ـد.مت وبدل ما اترمي في حـ.ـضـ.ـنك وقولك أد ايه أنت وحـ.ـشـ.ـتني لما رجعت، عاندت قلبي وعاندتك وكنت السبب في اللي حصلك يارتني مـ.ـو.ت ولا أني كنت سبب في اذيتك...
لتخور بها قدmيها وتجثو بجوار فراشه راجية وهي مازالت تتشبث بيده وكأنه هو طوق نجاتها:
متسبنيش يا يامن أنا محتجالك اوي علشان خاطري لو مش علشاني علشان خاطره هو، قالتها وهي ترفع جسدها وتجعل يده تستقر على بطنها تفضح له ذلك السر التي تكتمت عليه كي لا يعود لها مضطر من أجله:
أنا حامل يا يامن، لتبتلع غصتها المريرة وتستأنف بيأس وبتشائم اصبح ملازم لها وهي تريح جانب وجهها على راحة يده:.
أنا مش هعرف اربيه لوحدي أنا مش هعرف اكون أم مش هعرف، انا واحدة غـ.ـبـ.ـية عمرها ما عرفت تحافظ على حاجة
كفاية إكده ارچوكِ هتتسبي في اذيتي انا دخلتك بس رأفة بيكِ
قالها الممرضة وهي تنهضها من جلستها ارضًا بجانب فراشه، لترفع عيناها الدامية لها وتغمغم من بين شهقاتها بهستيرية:
هيبقى كويس مش كده؟
طمنيني وقوليلي أنه مش هيمـ.ـو.ت ويسبني
نكست الممرضة رأسها بأسف وحاولت مواساتها:
ادعيله وخلي عشمك في ربنا كبير.
شهقت بحرقة قاسية وغمغمت بخزي من نفسها:
بس ربنا مش هيقبل دعائي واحدة زي أنا كُلي ذنوب
اجابتها الممرضة بإيمان قوي:
متجوليش إكده يا بـ.ـنتي واستغفري ده ربنا قال في كتابه العزيز: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى? أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
استهدي بالله يا بتي واستغفري ربنا وسلمي أمرك ليه واوعاكِ تيأسي ده ربك غفور رحيم ومش هيردك واصل
هزت رأسها باقتناع تام وتمتمت بنشيج قوى نابع من توبتها الصادقة ونـ.ـد.مها الذي ينهش بها وهي ترفع نظراتها للأعلى:
يارب، يارب سامحني و رجعهولي يارب اشفيه ومتو.جـ.ـعش قلبي عليه.
ربتت الممرضة على ظهرها وسحبت جسدها الواهن معها للخارج، لتظل عيناها الدامية مُعلقة به وتردد دعائها بتضرع إلى الله بنفس تائبة نادmة على سوء أفعالها التي اوصلته لهنا.
اتى الموعد المتفق عليه وها هم يجلسون بغرفة الصالون ينتظرون حضورهم وهم بأحسن حلتهم ويجلبون معهم باقة رائعة من الورود و زيارة فاخرة تليق بعزة نفسهم.
فكان هو متـ.ـو.تر للغاية من تلك الشروط التي سوف يخبره بها فكل ما يخشاه أن تكون أمور مادية فوق استطاعته ولا يستطيع تنفيذها، في حين كانت شهد والصغيرة في عالم موازي يطالعون كل شيء بانبهار شـ.ـديد.
هار اسوح هو في كده أيه الاُبهة دي يا حمود! ده متحف يا اخويا مش بيت هو ابوها ده بيشتغل ايه! ده لو تاجر مـ.ـخـ.ـد.رات بيته هيبقى اقل من كده!
زفر محمد بتـ.ـو.تر قائلًا وهو يحل رابطة عنقه بعض الشيء كي يستطيع التنفس بشكل أفضل:
شهد ابوس ايدك بلاش فضايح اسكتي عيب كده افرضي حد سمعك
لوت شـ.ـدقيها وهمهمت مستنكرة:
يوه انا قولت حاجة انا عايزة اطمن يا خويا ده هيبقى جد عيالك.
شهد مفيش حاجة من دي و افصلي لو بتحبي اخوكِ انا اصلاً متـ.ـو.تر بما فيه الكفاية
ربتت على ساقه بمؤازرة ثم طمئنته بِفطنة:
ياخويا صلِ على النبي والنعمة خير ده ابوها جه لغاية عندك يعني متقلقش وإذا كان على الشروط اللي قال عليها اكيد هتبقى في مقدرتك ابوها مش هيعجزك هو عارف ظروفك كويس
هز محمد رأسه لها يحاول أن يستبشر بحديثها لتمنحه هي بسمة حانية وهي تعدل من رابطة عنقه التي أفسدها بتـ.ـو.تره:.
متقلقش يا قلب اختك بإذن الله ربنا هيتمم فرحتك على خير
رفع يدها التي تحاوط رابطته وقبلها بحنو اخوي يؤمن على دعوتها:
يارب يا شهد وميحرمنيش منك ابدًا
حانت من ذلك الذي يقف على عتبة الباب بسمة هادئة بعدmا شَهد على ما دار بينهم وكم شعر بالراحة لتلك العائلة الصغيرة المترابطة و المفعمة بالدفء والاستقرار الذي يفتقده هو وصغيرته التي تخطته قائلة:.
بابي يلا ندخل نرحب بالضيوف انت قولت معاهم بـ.ـنت وانا عايزة ألعب معاها
انتبهوا عليهم لينهضوا في حين تقدm كاظم وصغيرته ببسمة رزينة يرحب بهم:
اهلًا وسهلًا اتفضلوا بعتذر بس عمي معاه المحامي في أوضة المكتب وثوانِ وهيكون معانا
هز محمد رأسه بتفهم بينما شهد ظلت منكسة راسها بحرج في حين أن الصغيرة تقدmت من طمطم قائلة:
ازيك انا سنا وانتِ اسمك ايه؟
ابتسمت طمطم بأعجاب وهي تتمعن ب سنا التي تشبه عرائس البـ.ـاربي في هيئتها بعيونها التي تشابه لون السماء وخصلاتها الشقراء الناعمة المنسدلة.
انا طمطم انتِ حلوة اوي شبه الاجانب
قالتها بعفوية، لترد شهد وهي تشملها بنظراتها الحانية:
بسم الله ما شاء الله عليها ربنا يخليهالك زي القمر
قولهاجعل كاظم يبتسم ويوضح:
هي فيها شبه كبير من مامتها أصلها إيطاليا
انطفأت ملامح الصغيرة واطرقت برأسها قائلة:.
الله يرحمها راحت عند ربنا
غامت عين شهد وضمتها لها بحنان قائلة:
ياحبيبتي يا بـ.ـنتي ربنا يرحمها معلش هي في مكان احسن
اومأت الصغيرة وهي مـ.ـا.تزال بين أحضانها:
بابي قال أن مامي في الجنة
هزت شهد رأسها ثم وضعت قبلة على قمة رأسها قائلة بتعاطف وعيناها تكاد تفيض بدmعها:
طب خلاص بقى روقي كده بالله عليكِ إلا هعيط و أنا اصلًا فرفوشة ومليش في النكد.
ابتسمت الصغيرة وخرجت من أحضانها تطلب بأدب:
طب ممكن اخد طمطم تلعب معايا.
وافقت شهد ببسمة مرحبة واعطت ابـ.ـنتها اشارة بعيناها أن تنصاع لها وما أن خرجوا تنهدت وهمست بحـ.ـز.ن لحالها:
اللي قال اليتيم يتيم الأم صدق واللهِ.
كان هو يشاهد كل ما يدور بملامح رزينة هادئة، أما عن محمد فكان في عالم موازي تتركز عينه على مالكة قلبه التي أخذت تقترب بثوب وردي رقيق مزموم بشريط فضي من عند الصدر وينسدل باتساع يهفهف مع خطواتها مثل قلبه الذي يكاد يشق صدره ويرفرف من شـ.ـدة سعادته، فقد هب واقفًا يعدل من ياقة قميصه الزاهي الذي يضاهي لون نيته الناصعة ثم اغلق زرار حلته الرمادية في حين هي لم تستطيع منع ذاتها من تأمله فقد اسرها بهيئته الرسمية التي تخـ.ـطـ.ـف الأنفاس، دام عناق نظراتهم طويلًا حتى انه لم ينتبه أن ابيها يرافقها إلا حين قال:.
اهلًا يا محمد بعتذر عن تأخيري
تحمحم بحرج ومد يده يصافحه بأدب:
ولا يهم حضرتك يا فاضل بيه
وكعادتها لم تستطيع ضب لسانها فقد ردت متهكمة:
قعدت تقول لو اتأخرتوا هرجع في كلامي واهو ربنا نصرنا وانت اللي اتأخرت بس احنا ولا هنتأثر
قهقهوا جميعًا على حديثها ليدعوهم فاضل أن يستريحوا
وما أن فعلوا تناوبوا النظرات بينهم في انتظار من سيشرع بالحديث ليتحمحم محمد يجلي صوته الأجش ويقول بشيء من الارتباك:.
انا جيت لحضرتك زي ما الأصول بتقول يا فاضل بيه، اطلب ايد ميرال
ابتسم فاضل بسمة هادئة ورد بقبول:
وانا معنديش مانع يا محمد
تهللت أسارير الجميع و دخلت مُحبة مهللة بزغودة فرحة وهي تحمل كاسات العصير وتضعها على الطاولة ثم وقفت بجانب ميرال و ربتت على كتفها بحنو مبـ.ـاركة
ليضيف فاضل بجدية بعدها:
انا صحيح وافقت بس زي ما قولتلك ليا شروط
ابتلع محمد رمقه وأجابه:
وانا تحت امرك.
هز فاضل رأسه برضا ثم نظر لأبـ.ـنته و وجد البسمة لا تفارق وجهها والسعادة تشع من عيناها ليتنهد بعمق ثم يقول بجدية شـ.ـديدة:
انا وكلت المحامي هيصفي كل شغلي برة وهستقر هنا
تفاجأت ميرال قائلة:
بجد يا بابي يعني مش هتسافر تاني وتسبني
نفى فاضل وأكد لها ببسمة حانية:
لأ يا قلب بابي خلاص مش هخلي أي حاجة تبعدني عنك
نهضت ميرال وقبلته بوجنته ثم جلست مرة ثانية، ليستأنف فاضل حديثه أمام نظرات محمد و شهد المتأهبة:.
هتسيب شغلك و هتمسك إدارة شركاتي انت و كاظم اصل هو كمان قرر يستقر في البلد وبعد الجواز هتيجو تعيشوا معايا انا مش هعيش في القصر الكبير ده لوحدي
تقلصت معالم محمد بعدm رضا ورد بكـبـــــريـاء وبعزة نفس طاغية وبقناعات مازالت راسخة بعقله:
بس كده حضرتك بتلغيني و
قاطعه فاضل :
انا مش بلغيك بالعكس أنا هساعدك تحقق طموحك ومتقلقش أنا مش هديك اكتر من حقك في الشغل على أد تفانيك هتاخد أجرك.
فاضل بيه أرجوك أنت بتصعبها عليا يعني ممكن اتفهم موضوع الشغل لكن صعب اجي اعيش هنا واسيب شهد و طمطم ارجوك بلاش الشرط ده
أنت قولت هتعمل المستحيل علشانها وبيتهيألي اللي بطلبه منك شيء هين وفي استطاعتك ولا انت مش قد كلمتك
تناول نفس عميق ونظر لها نظرة
تفهمت منها ما يدور برأسه وكيف لا تعرف و تلك القناعات الراسخة دومًا ما يفحمها بها، لذلك حاولت تعارض والدها قائلة:
بابي بلاش تضغط عليه هو.
قاطعتها شهد بوضوح دون ذرة لؤم واحدة:
بصراحة يا بيه ومن غير لف ولا دوران أنت بتصعبها عليه أنا لو كان عليا مش هاممني غير راحته وسعادته وعلشان انا عارفاه وفاهمة دmاغه خلينا نقسم البلد نصين بحيث متبقاش بتلغيه لتلوي شـ.ـدقيها وتضيف:
ده غير أن الناس مش هتسكت و هتقول أنه بجوازه من بـ.ـنتك طمعان فيك
استنكر فاضل قولها:.
ملناش دعوة بالناس المهم أنا عارف معدنه وأيه اللي في ضميره من ناحية بـ.ـنتي وبعدين أنا مدين لأخوكِ بحياتي وحياة بـ.ـنتي وعلشان كده مأمنه عليها وهي أغلى شيء عندي في الدنيا تفتكري مش هأمنه على مالي
ليعقب محمد :
فاضل بيه حضرتك مش مدين ليا بحاجة انا عملت الواجب ولو أي حد مكاني كان عمل كده
نفى كاظم برأسه ورد بالنيابة عن فاضل:.
لو أي حد مكانك مكنش عمل اللي أنت عملته وكان قال مليش دعوة ومكنش جازف علشان يدافع عنه، مش كل الناس في جدعانتك وشهامتك واخلاقك يا محمد
ابتسم محمد بسمة عابرة من مدحه له وأجابه بإرتباك:
شهادتك ليا على راسي يا استاذ كاظم بس...
كاد يشرح له وجهة اعتراضه على مطلب ابيها لولا ان فاضل قاطعه بصرامة قائلًا وهو يهب من جلسته كي ينهي الجدل:.
اسمع يا ابني إذا كان على جوازكم في شقتك انا ممكن اتغاضى عنه بس هتعمل حسابك هتلاقيني كل يوم فوق راسك أما بالنسبة للشغل ده شرطي الوحيد ومش هتنازل عنه وبرفضك ليه اعتبر أن طلبك مرفوض
نهضت ميرال تتمسك بذراع والدها كي تمنعه من المغادرة ونظرت ل محمد نظرة راجية وعيناها تلتمع بدmعها:
محمد علشان خاطري بابا اتهاون بلاش ترفض.
رغم تهاون ابيها الذي ارضاه وحقق رغبته في الاستقلال إلا أن دmـ.ـو.عها المتحجرة بعيناها طـــعـــنته و وضعته بصراع بين رغبة قلبه وبين عقله الذي يعج بتلك القناعات الراسخة، فكيف له ان يرفض ويكـ.ـسر قلبها وكيف يحرم ذاته من حلال قربها الذي لطالما طمح به، ربتت شهد على ساقه كي تحثه على الموافقة بينما هي تركت ذراع والدها و اندثرت سعادتها وكاد يتهدل دmعها وهي تراه صامت لم يتفوه بشيء يريح قلبها
لتهمس بأسمه راجية:
محمد.
نظر لها نظرة عميقة مطولة وكأنه يحسم أمره بها ثم تنهد متمتًا بعدmا طغى صوت قلبه على كل شيء:
موافق يا فاضل بيه بس تأكد إني عمري ما هقبل اخد اكتر من حقي
اتسعت بسمتها من بين دmـ.ـو.عها التي تهدلت تزف فرحتها وطالعته بنظرة تفيض فيض بمكنونها، بينما الجميع زفرو بـ.ـارتياح في حين قال كاظم متعجلًا:
على خيرة الله نقرأ الفاتحة بقى.
رحبوا بالفكرة ليجلس فاضل وبجانبه ميرال ثم يقومون جميعًا بقراءة الفاتحة وإن انتهوا بـ.ـاركهم جميعًا وتعالت زغاريد شهد و مُحبة المُبشرة ليخرج هو من جيب بنطاله علبة مخملية ويخرج منها اسوارة ذهبية وخاتم يماثلها في التصميم على شكل فراشة رقيقة مذهلة، مرصعة بفصوص فيروزية اللون تشابه لون عينها التي أوقعته بها.
لتقترب منه وتمد يدها اليمنى له ليضع الاسوارة حول معصمها ثم يليبسها الخاتم ببنصرها متمتًا بسعادة عارمة وعيناه تهيم بها:
مبروك يا حلو
اتسعت بسمتها وهي تتناوب نظراتها بين يدها وبين وجهه ثم تمتمت بعدm تصديق:
قلبي بيرقص يا حمود مش مصدقة
ليحرك شفاهه دون صوت بتلك الكلمة النادرة التي قلما نطق بها:
بحبك يا حلو.
دام تشابك نظراتهم الوالهة التي تقطر بسعادة قلوبهم وكأن انقرض العالم من حولهم فقد غرق عن عمد ببحر عيناها وكم تمنى أن لا ينجو من جرف أمواجها فكانوا في حالة من الهيام الشـ.ـديد حين باغتتهم شهد وهي تجذبه لأحضانها هامسة بأُذنه:
دي قراية فاتحة مش كتب كتاب يا خويا خف مش قدام ابوها فضحتنا
ابتسم باتساع وهو يربت على ظهرها ثم فصل عناقها قائلًا ل فاضل:
انا ليا رجاء عند حضرتك
تأهب فاضل لحديثه ليستأنف هو:.
انا مش عايز خطوبة ياريت يبقى كتب كتاب علطول
تنهد فاضل و وافق قائلًا:
وانا معنديش مانع بس بشرط بعد الفرح بتسع شهور بالظبط عايز حفيد وعايز عزوة و ولاد كتير يملوا عليا القصر
تهللت أسارير محمد واجابه بثقة عارمة وهو يطالع خجلها و توهج وجهها بنظرة فضحت لهفته الكامنة:
لا من الناحية دي متقلقش يا فاضل بيه
ليقرر فاضل بعدها:
يبقى كتب الكتاب الخميس الجاي.
لتتعالى من جديد الزغاريد والمبـ.ـاركات لذلك الثنائي الذي انتصر عشقهم وترابطت أقدارهم لتكون رادعة لتلك الفوارق التي كانت تحيل بينهم.
↚
إزالة الأذى عن طريق القلوب، أعظم أجراً وأشـ.ـدّ إلحاحاً من إزالة الأذى عن طريق الأقدام.
جلال الدين الرومي.
وقفت أمام بنايتها تنتظر سيارة كي تقلها بعدmا استعار حسن بالأمس سيارتها كي يوصل ثريا بها لهناك.
فقد نظرت لساعة يدها متأففة من تأخرها على عملها وهي حقًا تكره عدm الانضباط ولكن ماذا تفعل، يأست من الانتظار
في تلك الأثناء كان هو قد تحضر للذهاب لعمله وأصرت والدته أن يتناول معها الفطور في شرفة منزلهم فكانوا يتبادلون أطراف الحديث حين لمحها، فقد هب من جلسته وتحجج لوالدته:
كرملة انا هتأخر لازم امشي سلام.
شهقت والدته
وانتبهت لمرمى بصره، لتعقب قائلة:
هتتأخر برضو عليا انا ماشي روح يا ابني بس على الله تتشجع وتقولها.
تنهد هو محبطًا وأجابها وهو يلتقط مفاتيحه وباقي متعلقاته:
لسه مجاش الأوان يا كرملة
خد بس اول خطوة وسيبها على ربنا وإن شاء الله خير.
أومأ لها ولكن بينه وبين ذاته كان مازال مترددًا، ليسرع في نزول الدرج وقبل أن يخرج من باب البناية تهادت خطواته كي يبدو الأمر غير مفتعل ثم اقترب منها قائلًا ببسمة بشوشة هادئة:
صباح الخير يا بشمهندسة
ردت هي ببسمة متحفظة:
صباح الخير يا دكتور
تسأل بأهتمام:
طمنيني قريبكم حالته ايه؟
اجابته بتلقائية:
ماما ثريا و حسن راحوا امبـ.ـارح البلد ولسة للأسف في العناية
حاول أن يطمئنها:
أن شاء الله هيقوم بالسلامه.
هزت رأسها بأمتنان ثم زفرت بعمق وهي تنظر لساعة يدها من جديد، ليتسأل هو:
مالك يا بشمهندسة شكلك متأخرة
جدًا وطالبة أوبر واتأخر
اومال فين عربيتك!
مع حسن
فور نطقها بأسم الأخر تجهمت معالمه وثارت دmائه حين تذكر عجرفته وطريقته الغير متحضرة، وذلك الموقف السخيف خاصًة الأمس ولكنه ألتزم ب ثباته الانفعالى واقترح متوجسًا من ردة فعلها:
لو تحبي ممكن اوصلك...
زاغت نظراتها بتردد ولم تجب ليكرر هو ببساطة متفهمًا:.
ممكن تقعدي ورا وتعتبريني أوبر
تنهدت بعمق وقالت بتردد ظهر جلي على كافة تقاسيمها:
مش عايزة اتعبك، انا هستنى اكيد مش هيتأخر اكتر من كده
مفيش تعب، اركبي لو سمحتِ يا بشمهندسة وبلاش حساسية زايدة.
قالها وهو يضغط على زر التحكم ليفتح سيارته المصفوفة بجانب الرصيف أمامها ثم توجه لبابه وقام بفتحه دون أن يفرض عليها مكان جلستها ويفتح لها بابها وتركها هي من تقرر وراهن ذاته أنها ستفعل كي تثبت له انها ملتزمة بمعاهدة السلام التي أبرمها معها، وبالفعل بعد تفكير عُضال منها نَحت أفكارها وتقدmت من سيارته مضطرة ليبتسم هو بسمة متفائلة اخفاها سريعًا حين جلست في المقعد الذي يجاوره، ليباشر قيادته وينطلق بها، في حين هي كانت متـ.ـو.ترة بشـ.ـدة وتتسائل أين كان عقلها حين وافقت حقًا تستغرب حالها فنعم تشعر بلأمتنان له، ولكن لمَ دائمًا تسعى أن لايتفهم تصرفاتها بشكل خاطئ أهو عرفان له أم ماذا حقًا لا تعلم كل ما تعلمه أنها تتـ.ـو.تر بشـ.ـدة منه ومن صراحته ومن تلك النظرات النافذة التي تشعر انه يخترق دواخلها بها.
تعمد هو أن يخفف تـ.ـو.ترها الذي لاحظه من حركة اناملها التي تفركها ببعضها:
شيري احسن دلوقتِ
هزت رأسها، ليستأنف هو يحاول جذب أطراف الحديث معها:
في المدرسة مش كده!
هزت رأسها من جديد دون حديث مما جعله يغمض عينه بقوة ويلقى ذلك السؤال الذي أرق مضجعه وكاد يمـ.ـو.ت فضولًا ليعرف إجابته:
طيب انا عارف ان مش من حقي اسأل بس بصراحة كنت قلقان امبـ.ـارح لما ركب معاكِ العربية، ليتردد لبرهة ويستأنف متوجسًا:.
اكيد حاول يضايقك مش كده؟
تسائلت مستغربه اهتمامه:
وليه تقلق!
تعالى وجيب قلبه عند سؤالها وفرت الدmاء من وجهه محرجًا وحاول التبرير بنبرة مبطنة يعلم انها ستفهم المغزى منها:
اظن انتِ عارفة طليقك اكتر مني وعارفة بسأل ليه
تنهدت بتثاقل وتفهمت سبب قلقه فكيف لا يفعل وهو أول من شَهد على انكسارها لذلك أجابته ببسمة باهتة:
متقلقش محصلش حاجة انا بقيت بعرف اتعامل معاه و اوقفه عند حده، وعلى فكرة بعتذر عن اللي قاله.
تنفس براحة وهدأ وجيب قلبه وهدر بتفهم يدهشها في كل مرة:
متعتذريش انتِ ذنبك ايه، هو انا كان ممكن اتفهم موقفه واتعاطف كمان معاه بس رد فعله واتهامه صدmني
هزت رأسها بأسف وقالت ببسمة ممزقة تعتلي ثغرها:
حسن طول عمره مندفع تخيل وصل بيه انه فاكر أن في حاجة بينا، لتهز رأسها ساخرة وتضيف:
غـ.ـبـ.ـي...
جمدت نظراته عليها لثوان يحاول أن يستنبط أي شيء من معالم وجهه ولكنه لم يجد غير بسمة ساخرة تدل على استبعادها للأمر، ليتنهد محبطًا فيبدو أن تلك الأمنية البعيدة سيستحيل تحقيقها، فقد صب كافة تركيزه من جديد على الطريق وظلت العديد من الأفكار تعصف به لحين اجفلته هي و شهقت متفاجئة بعدmا لاحظت ذلك الحشـ.ـد من السيارات في الجهة الأخرى من الطريق:
يا خبر ده في حادثة يبقى علشان كده أوبر اتأخر.
ابتسم بهدوء رغم ضجيج رأسه:
حظك حلو إنك ركبتي معايا كان زمانك واقفة مستنية
هزت رأسها تؤيد حديثه ثم قالت بعرفان شـ.ـديد صدر منها بكل عفوية:
انت ابن حلال يا دكتور وديمًا بتظهر في وقتك
تهللت اساريره من مدحها وتسائل بحاجب مرفوع مترقبًا:
طب دي حاجة كويسة مش كده!
اجابته دون ذرة تفكير واحدة:
اكيد طبعًا بصراحة مواقفك معايا كلها جدعة اوي ولما بفتكر إني كنت قليلة الذوق معاك ببقى مضايقة جدًا..
مط فمه يدعي الأسف دون أن ينظر لها:
بصراحة اه انتِ كنتِ قليلة الذوق اوي
لمحها من طرف عينه ترشقه بنظرة حانقة جعلته ينفجر ضاحكًا ويلاحق الأمر قبل تثور وتعود لهجومها:
اه بس خلاص انا نسيت علشان قلبي ابيض وسامحتك وكمان قبلت بمعاهدة السلام
شبح بسمة عابرة نمت على ثغرها من طريقته التي لم تعد ثير حنقها كالسابق بل بالعكس بدأت ان تعتادها وتجعل البسمة تتسلل لثغرها، لتتنهد ثم تقترح بعملية كي تغير سير الحديث:.
طب بمناسبة معاهدة السلام فكرتني ايه رأيك تطلع معايا الشركة علشان تشوف المخطط مرة تانية علشان لو محتاج تعديل قبل ما اشتغل
انكمشت معالمه بأسف وهو يجيبها:
مش هينفع عندي عمليه كمان ساعة ولازم اكون في المستشفى قبلها، وبعدين ملوش لزوم يا بشمهندسة انا بثق في ذوقك وعارف ومتأكد انك هتبهريني
ثقته بها وبعملها راقتها كثيرًا ودفعت بسمة واثقة تتسلل لثغرها، و.جـ.ـعلتها تتحفز كي تبذل أفضل ما عندها.
بينما هو فكان يحاول أن يتروى ولا يتسرع كي لا يفسد الأمر و بينه وبين ذاته يقاوم ذلك الشعور القديم الذي طالما راوده نحوها وجاهد كي يتستر عليه للآن.
وقفوا جميعهم أمام الحائل الزجاجي يطالعون الطبيب المنتدب أثناء معاينته له بعد تلك الجراحة الحرجة التي خضع لها.
وها هي ثريا تهرول إليه ما أن خرج من غرفة العناية متلهفة:
طمني الله يخليك يا دكتور
تنهد الطبيب قائلًا:
ابنك حظه حلو يا ست ثريا
الرصاصة كانت قريبة جدًا من قلبه بس بفضل ربنا نجا
الحمد والشكر لله
يعني هيفوق وهيبقى كويس.
إن شاء الله، هو هيفضل تحت الملاحظة لأن حالته لسه مش مستقرة ادعيله وخلي املك في ربنا كبير
هزت رأسها بحـ.ـز.ن العالم أجمع وبقلب منفطر على فلذة قلبها
ثم سارت إلى أقرب مقعد تبتهل لله راجية:
يارب متحرقش قلبي عليه ومتحرمنيش منه يارب ياشافي يامعافي اشفي ابني وارفع عنه، اللهم اني استودعتك عافيته فعافيه واعفو عنه واحرسه بعينك اللي لا بتغفل ولا بتنام.
بينما هو كان يقف بجوار نادين يرتكز على الحائل الزجاجي بجبهته يطالع حالة ابن خالته بملامح متهدلة من شـ.ـدة حـ.ـز.نه عليه حتى انه لم يستطيع تماسك اعصابه و صرخ بها يسخر من بكائها التي صمت أذنه به منذ لحظة حضوره:
ليكِ عين تعيطي وانتِ السبب، صحيح تقــ,تــلي القتيل وتمشي في جنازته
تقلصت معالم وجهها من هجومه الضاري عليها وغمغمت بخزي من بين دmعاتها:
أنا عمري ما اتمنيت أذيته يا حسن.
صدر من فمه ذلك الصوت المستخف الذي يشتهر به وعقب متهكمًا:
ده بأمارة ايه إن شاء الله ده انتِ عمرك ما ريحتيه وطول عمره غرقان في مصايبك وأدي اخرتها راقد بين الحيا والمـ.ـو.ت بسبب غبائك.
تعالت وتيرة بكائها وتوسلته وهي تخفي وجهها بكفوف يدها وتواليه ظهرها:
كفاية حـ.ـر.ام عليك، كفاية وبلاش تزود عـ.ـذ.اب ضميري
وهنا هرولت ثريا مدافعة بعدmا وصلها صوت صراخه:
ملكش دعوة بيها يا حسن وانت اخر واحد تتكلم عن الغباء
وإِياك توجه ليها إتهام اللي بتتكلم عنها دي مـ.ـر.اته ومستحيل هتقبل تضره هو خالها اللي الطمع عمى بصيرته
لسة بتدافعي عنها وهو ايه اللي جابه هنا لقضاه غيرها.
انكمشت نادين على ذاتها باكية وجسدها ينتفض مع شهقاتها بعد حديثه السام الذي جلدها وزاد من تأنيب ضميرها، بينما ثريا ردعته بقولها بدفاع مستمـ.ـيـ.ـت رغم قهرها:
ده قضاء ربنا وهي ملهاش دخل فيه، وإياك تفتح بؤك يا حسن بكلمة وإلا قسم بالله لتكون ابن اختي ولا عايزة اعرفك.
لوح بيده متأفف من دفاعها ثم سار لخارج المشفى لكي ينفث غـــضــــبه بأحد سجائره، لتنظر ثريا لأثاره وهي على يقين أن اندفاعه وما صدر منه نابع من حـ.ـز.نه على ولدها ولكن رغم قهرها إلا أنها لن تدعه يتحامل على تلك الباكية التي اقتربت منها و ضمتها مواسية.
وحينها غمغمت نادين بخزي من ذاتها:
أنا السبب ياماما ثريا هو عنده حق، يارتني انا كنت مكانه.
ربتت ثريا على ظهرها واخبرتها بإيمان قوي ورضا تام بمشيئته وعيناها تفيض بعبراتها:
متأنبيش نفسك يا بـ.ـنتي ده قدر وبتاع ربنا
لتغمغم نادين برعـ.ـب من بين نحيبها ويداها دون وعي تحتضن بطنها:
بس أنا خايفة اوي
تنهدت ثريا وهي تجفف دmعها ثم حاولت طمئنتها رغم شـ.ـدة ذعرها على فلذة قلبها:
إن شاء الله هيقوم منها بالسلامة وهيرجع لينا وهيفرح بأبنه او بـ.ـنته، متخافيش ربنا كريم
يارب ياماما، يارب.
أمنت بحرقة على دعائها ويداها تشـ.ـدد على بطنها وكأنها تود أن تطمئن ساكنها عوضًا عن نفسها.
—
حاولت اكلمها كتير يا نغم ومعرفتش اوصلها وحتى تليفون يامن مقفول، هو انتِ معاكِ رقم ماما ثريا
قالتها ميرال ل نغم عبر الهاتف بعدmا يأست أن تتوصل ل نادين، وقد قصت عليها كل ما فاتها، لترد نغم من الطرف الأخر بقلق:
هو انا اغيب يومين عنكم يحصل كل ده، على العموم مبروك يا ميرال ربنا يتمملك بخير.
كان نفسي تبقوا معايا وتشاركوني فرحتي
معلش تتعوض وبإذن الله هرجع قبل الفرح علشان نحضرله سوا بس يارب نطمن على نادين وتبقى معانا
إن شاء الله، ويارب تكون بخير
انا هكلم طنط ثريا معايا رقمها ولو في جديد هقولك
ابقي طمنيني...
تمام
اغلقت ميرال معها وشردت تفكر في صديقتها وقد قررت أنها لن تتمم شيء من دونها.
—.
جلست على المقعد بجواره تسند جانب وجهها بقبضتها بعدmا غلبها النوم من شـ.ـدة تعبها فمنذ ما حدث له وهي لم تذق طعم للراحة، أما عنه فقد استعاد وعيه وأول شيء سقطت عينه عليه كان هي بوجهها الصبوح الذي يتلخص في طلته أعظم امنياته
واه هو أني مـ.ـو.تت و في الچنة ولا إيه؟
قالها بصوت واهن وهو يحاول النهوض من رقدته ولكن تلك الضماضة التي تحاوط بطنه منعته و.جـ.ـعلته يتأوه بألــم، فزعت هي وهبت إليه كي تمنعه وتساعده كي يستريح.
بعيد الشر عن جلبك يا حامد
ايه اللي حوصل يا جمر
تسأل وهو يتحامل على ذاته ويستسلم لرقدته:
ربنا ستر والحمد لله ربنا نچاك يا حامد
ابتسم بسمة رغم وهنها إلا أنها كانت تحمل الكثير من فيض قلبه:
حبة جلب حامد جربي اتوحشتك خليني اطل في عيونك
قالها وهو يؤشر بيده لها كي تقترب اكثر، وبالفعل انصاعت له ليستأنف وهو يتمعن بوجهها الصبوح بنظرات والهة:
خابرة يا جمر مكنتش هايب المـ.ـو.ت غير علشان هيحرمني منيكِ.
واني كنت همـ.ـو.ت من جهرتي عليكِ ودعيت ربنا ليل نهار ينچيك
طب تعالي جاري عاوز اشبع من الدنيا ونعيمها بجربك
اكتسى وجهها بالحمرة تحت نظراته المُتيمة بها ثم تقربت أكثر من رقدته ومالت برأسها عليه هامسة بسعادة طفرت على كافة حواسها:
جربت منيك بس يكون في معلومك اني مبجتش لحالي
طبع قبلة حنونة على جبهتها وتسائل مستفهمًا:
كيف يعني يا جمري!
قطمت شفاهها و رفعت نظراتها له تطالعه عن قرب بنظرة عاشقة قبل أن تُبشره:.
ربنا كرمنا وعوض صبرنا خير وهيزيدنا واحد، أني حِبلة يا حامد
اتسعت عينه وهمس بشـ.ـدوه متسائلًا:
حِبلة، حِبلة، صوح ولا هتهزري معايا
لع صوح والحكيمة هي اللي جالتلي أني مكنتش واعية لحبلي وكنت مفوضة أمري لله ومهرضاش اعشمك واعشم حالي من تاني بس ربنا كريم
دmعت عينه فرحًا ثم اتسعت بسمته شيء فشيء وكأن عقله يستوعب تدريجًا ما أخبرته به ثم صاح مهلل بسعادة عارمة وبرضا لا مثيل له وهو يكوب وجهها ويطالع عيناها الآسرة:.
يا فرچ الله، يا فرچ الله أني مش مصدج ان ربنا هيعوض صبرنا واحتسابنا خير، خابرة أني جلبي مزجطط من الفرحة وكن حظ الدنيا كلاته ألتجيته واتكتب على اسمي
ربنا يفرح جلبك كُمان وكُمان يا جلب جمر
أنتِ سبب هناي وفرحتي يا جمري و حامد ملوش ايوتها عازة من غيرك
ربنا يخليك ليا يا حامد وميحرمنيش منيك واصل
أَمن على دعائها وتسائل بعدها:
ولا منيك يا حبة جلبي جوليلي
فين ابوي وامي علشان افرحهم.
خرجت من بين يده وهي تتحسر على فرحته التي ستعكر صفوها حين تخبره ثم تلعثمت مترددة:
هجولك الحج، ابوك الحكومة جبضت عليه عشان طخ جوز نادين بعد اللي صابك
اندثرت بسمته وتجهمت معالم وجهه وتشنج جسده متسائلًا:
وابوي هيعمل إكده ليه!
لتشجع ذاتها كي تقص عليه ما حدث وما شَهدت به ضد أبيه ورغم ثقتها به ومعرفتها أنه لايقبل بتضليل الحق إلا أنها كادت تمـ.ـو.ت رعـ.ـبة من ردة فعله:
هجولك...
اسبوع مر على الجميع بصعوبة بالغة فمازال هو على حالة السكون التي عليها مما انفذ آخر ذرة تعقل بها فكل يوم تتسلل لغرفته وتجثو بجوار فراشه تخبره بالكثير والكثير كي تخفف حمولة قلبها،
فكانت تسترجع ذكرياتها معه وتلك المواقف التي لاتنسى بينهم، تتوسله أن يعود لها، وتبتهل لله بدعواتها وتخشع في صلاتها وبالأخير تغفى ودmعتها على خدها.
وها هي تجلس بين أصدقائها الذين حضروا خصيصًا كي يؤاذروها في محنتها وقد اصطحب محمد ميرال إلى هناك ورافقتهم نغم وابيها الذي لم يرضى أن تذهب لحالها.
فكانوا يجلسون في تلك الغرفة التي أصرت البقاء بها داخل المشفى كي تجاوره. وبعد كثيرًا من الاحاديث المطولة بينهم وبعد أن أفضت كل واحدة ما بجعبتها للأخرى كانت هي تسند رأسها على كتف نغم من جهة ومن الجهة الأخرى تتمسك ميرال بذراعها وتميل عليها بمؤازرة وكأن كل منهم تميل عل الأخرى كي تستمد القوة منها.
قد باشرت العمل بعيادته وطلبت منه أن يحضر كي تعرض عليه بعض الأمور وبالفعل اتى وعرضت عليه الأمر وقد نال استحسانه كثيرًا، وها هو يقف في منتصف احد الغرف قائلًا:
هايل مكنتش فاكر أنك هتقدري تنجزي كل ده في اسبوع بصراحة فاجأتيني
ردت وهي تمسد جبهتها منهكة:
انت وثقت فيا وانا مكنتش حابة اعطلك اكتر من كده العمال كانوا بيشتغلوا ورديتين وبيسلموا بعض علشان ننجز.
ابتسم بسمة واسعة واخبرها بامتنان:
مش عارف اقولك ايه؟
متقولش حاجة يا دكتور غير لما تكمل واسلمهالك
تهادت بسمتة وخضراويتاه اخذت تشملها بنظرة نافذة لم تلحظها هي وكانت تعبث بحقيبتها حين صدح صوت أحد العمال قائلًا:
تأمري بأي حاجة يا بشمهندسة قبل ما نمشي
خلصتوا يا تـ.ـو.فيق
اه احنا شغلنا خلص بس النقاش لسه شغال هو والصنايعي بتاعه قدامه شوية
ردت وهي ملتهيه في حقيبتها:
خلاص ماشي يا تـ.ـو.فيق تقدروا تمشوا.
طيب عن اذنك يا بشمهندسة
اتفضل
قالتها وهي تزفر يائسة بعدmا لم تجد شيء يجدي بحقيبتها، ليقول هو:
طيب هنمشي ولا في حاجة تانية
لم تلتفت لصيغة الجمع الذي قصدها وردت:
لأ خلاص تقدر تتفضل يا دكتور
انا هنزل اجيب حاجة من تحت و هستنى الفرش هيوصل كمان ساعة
تسأل باهتمام شـ.ـديد:
هتجيبي ايه؟
مطت فمها بحرج واخبرته وهي تتهرب بنظراتها:
ابدًا بصراحة جعانة وكنت هجيب بسكوت من أي سوبر ماركت
طيب انا هستنى معاكِ و ممكن نطلب أكل.
لأ انا مش بحب الأكل الجاهز وكمان علشان هتغدى مع الولاد
طيب خليكِ هنزل انا
لأ ملوش لزوم تعطل نفسك معايا انا هنزل...
صمم بجدية وبنبرة لا تقبل النقاش بعد عنادها:
مينفعش ومتنسيش أننا في منطقة شعبية يعني ممكن حد يضايقك
تنهدت و وافقت وهي تشعر بالحرج منه وفي غضون دقائق كان قد أتى محملًا أكياس عدة وزع بعض منها على العمال الذين لم ينتهوا من عملهم وقام بتسلميها باقي الاكياس بيدها لترمش هي مستغربة:
ايه كل ده!
رفع منكبيه واجابها ببساطة:
بسكوت
طالعت الأكياس التي بيدها لتجد انواع عدة من البسكويت والكيك والشكولاتة بأنواعها
ده كتير اوي
مش كتير ولا حاجة، انا طلبت ليا انا والرجـ.ـا.لة شاي من الكافتيريا اللي تحت وطلبتلك قهوة قولت اكيد محتجاها، ثواني والراجـ.ـل هيطلعهم.
هزت رأسها وكم كانت تشعر بالامتنان له فهي حقًا تشعر أن رأسها سينفجر وبحاجة ماسة للقهوة بعد ذلك اليوم الطويل الذي أنهكها، لتنظر حولها تبحث عن أي شيء تسند عليه جسدها كي تريح قدmيها من عـ.ـذ.اب ذلك الحذاء اللعين التي ترتديه، ليتحرك هو ويحضر أحد المقاعد الخشبية ويخرج من جيبه عدة مناديل ورقية ويقوم بمسح الغبـ.ـار عنه كي يهيئه لها، فكان يفعل كل ذلك دون حديث وإن انتهى حثها بعينه أن تجلس وحين فعلت تنفست براحة و قامت بسلت حذائها لتجده يقوم بجذب أحد العلب الكرتونية التي بها أحد المستلزمـ.ـا.ت ويقوم بطيها و ويضعها تحت قدmيها دون أن يتفوه بكلمة واحدة مما جعلها مشـ.ـدوهة بما فعله فكيف هو لماح ومتفهم ومراعي ومهتم لهذا الحد حقًا كان يدهشها بأخلاقه ونخوته ورغم أن صراحته الزائدة و وضوحه يوترها إلا أنها حقًا تشعر بالامتنان له كونه ساندها في مواقف عدة.
سرحتي في ايه يا بشمهندسة
قالها وهو يستند بخصره على احد الصناديق القريبة منها وقد لاحظ شرودها، لتتلعثم هي بتـ.ـو.تر ملازم لها في حضرته:
ها، ابدًا
طب اشربي قهوتك
قالها وهو يؤشر على الطاولة الصغيرة بجانبها وتقسم انها لم تنتبه متى جاء بها
لتتناول الكوب وترتشف منه القليل وتمنحه نظرة ممتنة عابرة لتجده يرتشف من كوب مشروبه المفضل متلذذًا، ليصدر سؤالها عفوي للغاية:
انت فعلًا مش بتحب القهوة
لأ عمري ما حبيت مرارتها.
طب ليه شاي بحليب بالذات ايه سر حبك ليه!
اجابها ببسمة بشوشة هادئة مفعمة بالحنين:
ابويا الله يرحمه هو اللي حببني فيه، وكان مزاج عنده زي القهوة كده
الله يرحمه، هو اتوفى وانت صغير
احتل الحـ.ـز.ن عينه واجابها بنبرة مختنقة بعبق ذكرياته:
لأ كنت لسه متخرج و كانت أصعب مرحلة في حياتي انا ووالدتي.
لاتعلم ما بها ولمَ تنهال عليه بأسئلتها فما شأنها هي، ذلك ما كانت توبخ به نفسها حتى انها اعتذرت قائلة:.
آسفة لو سؤالي ضايقك وفكرتك
تنهد تنهيدة مثقلة ثم عقب بنبرة صامدة وببسمة يجيد اقتناصها في أشـ.ـد أوقاته حـ.ـز.نًا:
في حاجات على أد ما بتو.جـ.ـعنا وتكـ.ـسرنا لكن مبتتنسيش ابدًا وبتفضل محفورة جوانا علشان تفكرنا بأوقات ضعفنا وازاي اتخطناها و قوينا بعدها.
عندك حق
قالتها ببسمة حزينة باهتة محملة بعبق ذكرياتها المريرة، لتتجمد خضراويتاه المحبطة عليها وينطق لسانه دون وعي:
انتِ من الحاجات دي على فكرة.
عقدت حاجبيها وتسائلت بريبة:
مش فاهمة؟
لعن تحت انفاسه زلفة لسانه ثم تلجلج بحرج وبنبرة مترددة وهو يضع الكوب من يده:
اقصد، يعني، انا
زفر انفاسه دفعة واحدة عنـ.ـد.ما انحصر الحديث بحلقه وقال متـ.ـو.ترًا كي يتهرب وهو يهب واقفًا:
اعتبريني مقولتش حاجة
تعجبت من رده فعله وتسائلت بريبة:
جاوبني تقصد ايه! هو انت كنت تعرفني قبل كده؟
تنهد بلا فائدة وهز رأسه، لتضيق هي رماديتاها وتتسائل بريبة:
ازاي ممكن تقولي؟
استند مرة أخرى وتحدث كي يوضح لها:
انتِ ناسية أن احنا جيران ولا ايه؟
رفعت منكبيها وردت وهي تضع الكوب من يدها:
بس انا مش فكراك!
تنهد بعمق و اجابها وهو يمسد منحدر أنفه بإرتباك:
أنا اصلا عمري ما حاولت ألفت نظرك أنا كنت مُعيد في الجامعة لما أنتِ جيتي عيشتي في بيت عمك و كنتِ هادية اوي ونفس البسمة الحزينة دي مكنتش بتفارق وشك، ابتلع باقي حديثه بتردد لتحثه هي مستخدmة نفس جملته السابقة:.
كمل يا دكتور أنا مش بَ عُض
رفع حاجبيه متهكم على شراستها السابقة:
ده بأمارة ايه بس!
قلبت عيناها وفضولها يدفعها دفع كي تستمع لبقية حديثه وكأنها توده أن يذكرها بتلك القديمة التي كانت عليها، لذلك كررت وهي تربع يدها بنفاذ صبر:
كمل يا دكتور.
هز رأسه واستفاض معها:
امي ومرات عمك كانوا اصحاب وكنت كتير بشوفك بس أنتِ مكنتيش بتاخدي بالك مني
حاولت اعتصار عقلها لكي تتذكره ولكن بلا جدوى لتتنهد بيأس وتقول:.
فعلًا مامتك قالتلي أنها كانت هي ومرات عمي أصحاب وانهم كانوا بيودوا بعض بس أنا للأسف مش فاكرة حاجة زي كده
ابويا كان تعبان الفترة اللي جيتي تعيشي معاهم فيها وامي كانت مش بتفارقه لغاية ما اتوفى وامي تعبت قوي بعدها ونفسيتها كانت متدmرة و وقتها جالي عرض كويس برة مصر و اضطريت اوافق واخدها معايا.
لا تعلم لمَ استشفت شيء بحديثه زاد من تـ.ـو.ترها نحوه وزاد من يقين حدثها التي لطالما هاجمته من اجله لذلك تساءلت بملامح ثابتة وبنبرة تكمن بين طياتها هجوم مستتر:
تمام طلعنا جيران من زمان بس برضو مفهمتش ليه بتقولي كده و انا مكنش ليا اي علاقة بيك وحتى مش فكراك!
توقع سؤالها وحتى انه احتفظ بباقي القصة ولم تواتيه الشجاعة كي يخبرها بها، لذلك رد بكل وضوح:.
انا مش بحب اللف والدوران يا بشمهندسة، انا حكيتلك بس علشان انتِ اللي اصريتي ولو في حاجة مقولتهاش يبقى لسه مجاش وقتها
هزت رأسها بنظرة مبهمة لم تريحه بالمرة وكم لعن ذاته على استفاضته معها التي من الواضح أنها ستجعلها تتفهمه بشكل خاطئ وتعود لهجومها وشراستها الدفاعية من جديد لذلك تسائل بترقب:
بتمنى معاهدة السلام اللي بينا تكون لسة قائمة
تنهدت وقالت بعدmا ازاحت بوجهها تنظر لكل شيء عداه هو:.
لسه قائمة يا دكتور.
نفذت اتفقنا وده نصيبك...
قالها حسام وهو يناولها عدة رزمـ.ـا.ت مالية نصيبها من سرقتهم التي حاكوها بكل براعة كي لا يتورط أي منهم، وقد حكاها قبل مجيئه وأكد عليها أن تصرف الخادmة كي لا تشكك بلقائهم وها هي تتناولهم بسعادة عارمة وتحتضنهم ساندة ظهرها بأريحية أكثر على تلك الأريكة التي تتوسط ردهة منزلها:
اخيرًا طلعت بحاجة من جوازتي من الغـ.ـبـ.ـي ده...
تناول نفس عميق ثم زفره ببطء قائلًا بنفاذ صبر:.
اظن انا عملت اللي عليا وصبرت عليكِ كتير والدور عليكِ تـ.ـو.في باتفاقك
قهقهت بكامل صوتها الأنثوي المفعم بالإثارة ثم قالت بمكر وهي تخرج النقود من حـ.ـضـ.ـنها وتضعهم أمامها:
وماله يا حُوسو أنت طلعت جدع ونفذت اللي قولتلك عليه وانا معنديش مانع تبعت تجيب المأذون
مأذون ليه مش فاهم؟
علشان نتجوز يا حُوسو الشرط أخره نور ولا انت ليك رأي تاني..
ضيق عينه بدهاء يفوق دهائها و سايرها حتى ينول ما يطمح به حين اقترب يحاوطها بذراعيه ويتفرس بها بطريقة وقحة جعلتها تشعر انه يجردها من ملابسها:
وماله يا عيون حوسو بس مش النهاردة الموضوع محتاج ترتيب.
تعالت وتيرة انفاسها من ذلك القرب الممـ.ـيـ.ـت و بنيته القوية تفرض سيطرتها عليها لتجعلها تدرك ضئالة حجمها مقرنًا به فقد رفعت عيناها بإرتباك تطالع معالم وجهه الخشنة التي تنضح بالرجولة عن قرب وابتلعت ريقها ببطء وهي تسير بنظراتها لتقاسيم عضلات صدره البـ.ـارزة التي يجـ.ـسمها قميصه وهي تتسائل ترى ما سيكون شعورها تحت وطأة جسده، لعنت افكارها الماجنة التي لأول مرة تراودها بتلك الخطورة نحو رجل ثم حاولت دفعه عنها ولكنه كالسد المنيع يقوم بحسارها:.
يبقى تبعد ومتستعجلش كل شيء بأوان يا حُوسو
مش هستعجل بس وقتها عايزك تسيبيلي نفسك وأنا همتعك وهوريكِ إللي مفيش راجـ.ـل عرفتيه قدر يعمله.
قالها بمجون وهو يمرر أنامله الخبيرة على عنقها ومؤخرة رأسها بمناطق معينة يعلم تأثيرها الذي تحقق بالفعل حين أغمضت عيناها منتشية، راغبة في المزيد من مداعباته الخبيرة التي جعلت جسدها ينتفض بين يده ودون أن يمهلها وقت كافي حتى للتفكير كان يميل يقرص بشفاهه الغليظة شحمة أُذنها ويهمس بوقاحة وبكل فجوج يتوعد لها...
مما جعلها تشـ.ـدد ضغطها على عيناها وتتهدج انفاسها قارصة على شفاهها بإثارة جعلته يبتسم بإنتشاء ويشعر بالزهو من ذاته ومن خبرته بجنسهم التي لا يستهان بها فقد قرر أن يحرز هدف أول بمرماها حين
أنقض على شفاهها بقبلة مسيطرة، مهيمنة سلبتها أنفاسها و.جـ.ـعلتها تفقد كافة مقاومتها.
حتى أنها رغم تجاربها السابقة وتلك الحيل التي كانت تستخدmها مع غيره إلا أنها كانت مغيبة مسلوبة الإرادة و لم تتمكن من مسايرته، ولكن عنـ.ـد.ما شعرت بيده تتسلل اسفل كنزتها دق ناقوس عقلها ودفعته عنها بكل ما أوتيت من قوة وادعت البراءة وهي تقاوم تأثيره عليها كي توقعه في شباكها اكثر وتستغله كما تفعل مع امثاله:
إِياك تتجرأ وتلمسني تاني أنا مش رخيصة للدرجادي ومفيش راجـ.ـل لمسني من غير جواز.
حانت منه بسمة غامضة لم تتفهم المغزى منها ثم قال بهدوء مخيف وهو يرفع يده باستسلام:
مش هتتكرر تاني وخلاص بلاش تقفشي...
هاجمته هي:
أنت جريء اوي انا...
قاطعها بنبرة نافذة:
قولت آسف ممكن تهدي
ابتلعت ريقها ليكرر هو أسفه ولكن بطريقة لينة مما جعلها تهز رأسها، ليستأنف هو:
اوعدك مش هتكرر، يلا روحي
شيلي فلوسك وانا هعمل كاسين
نشربهم في صحة الغـ.ـبـ.ـي اللي كنتِ متجوزاه قبل ما امشي.
إنصاعت له وما أن تحركت أمامه اعتلى جانب فمه ساخرًا من تمنعها الواهي الذي جعله يتيقن أن لا شيء سيجدي معها سوى تلك الحيلة التي باشر في تنفيذيها حين أخرج من جيب بنطاله زجاجة بحجم الأصبع وحل غطائها لتظهر قطارتها ونقط بكأسها الذي سكبه للتو بضع نقاط وفيرة كي تسهل عليه نيل غرضه الدنيء منها.
تقلصت معالمه وفتح عينه بتثاقل شـ.ـديد ثم اغلقهم مرة ثانية ثم لبعض ثوانِ معدودة كرر المحاولة إلى أن استطاع اخيرًا
أن يسيطر على ردة فعله ويفتح عينه يقلبها في كل ما حوله مشوشًا، ليرفع يده الواهنة ويجذب قناع التنفس و يهمس بتحشرج وبصوت ضعيف النبرات وبحلق جاف لم يسعفه إلا بنطق اسمها:
نادين.
↚
هناك دوما ما اسمه الفرصة التي تعقب الفرصة الأخيرة، ما بعد الأخيرة، إنها الفرصة التي يمنحها لنا القدر، يمنحها لسبب ما.
عمرو الجندي.
تقلصت معالمه وفتح عينه بتثاقل شـ.ـديد ثم اغلقهم مرة ثانية ثم لبعض ثوانِ معدودة كرر المحاولة إلى أن استطاع اخيرًا
أن يسيطر على ردة فعله ويفتح عينه يقلبها في كل ما حوله مشوشًا، ليرفع يده الواهنة ويجذب قناع التنفس و يهمس بتحشرج وبصوت ضعيف النبرات وبحلق جاف لم يسعفه إلا بنطق اسمها:
نادين
حمد الله على سلامتك يا نضري.
قالتها الممرضة وهي تقوم باللازم واستدعاء الطبيب الذي أتى مهرولًا ليعاينه، في تلك الاثناء كانت ثريا تجلس في الرواق تستأنث بقرب ولدها حين خرج الطبيب وهرولت إليه متلهفة، ليطمئنها قائلًا:
متقلقيش مريـ.ـضكم فاق وشوية وهيطلع غرفة عادية وتقدرو تشفوه وتطمنوا عليه بنفسكم
رفرف قلبها وتهللت أساريرها وقبلت باطن يدها وظهرها حامدة وعيناها تزف فرحة نجاة ولدها:.
الحمد لله، الحمد لله، الحمد والشكر ليك يارب، الحمد والشكر ليك يارب.
طرقات على باب الغرفة جعلتها تصدق على كلمـ.ـا.ت الله وتغلق كتابه العزيز وتسمح للطارق بالدخول لتندفع الممرضة ذاتها تُبشرها:
چوزك فاج يا بتي واول ما نطج نطج بأسمك
لم تستوعب وهبت من جلستها قائلة بنبرة مرتعشة غير مصدقة وهي على حافة البكاء:
فاق بجد احلفي انا مش مصدقة
أكدت لها وهي تربت على ذراعها:
يابتي والله العظيم زي ما بجولك تعالي وهتتأكدي بعينك.
نمت بسمة على ثغرها رافقت دmعاتها وهي تخوض حالة من الاضطراب لا مثيل لها وتمتمت بقلب يرتجف مثل سائر جسدها:
الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، انا عايزة اشوفه وديني ليه الله يخليكِ...
هزت رأسها وسحبتها خلفها وما ان وصلوا لتلك الغرفة التي تم نقله بها وجدت ثريا تقف على اعتباها بوجه تكاد البسمة تشقه من شـ.ـدة سعادتها قائلة:
فاق يا بـ.ـنتي الحمد لله ادخليله وانا هروح اتوضى واصلي ركعتين حمد وشكر لله.
هزت رأسها بحركة بسيطة ثم اقتربت بخطوات وئيدة متعثرة في حين هو همس بضعف ما أن سقطت ناعستيه الواهنة عليها:
حشـ.ـتـ.ـيني و يا مغلباني
تسمرت بأرضها فور رؤيته و وضعت يدها على وجهها واخذت تهز رأسها بحركة هستيرية تدل على عدm تصدقيها، تضحك تارة وتبكي تارة أخرى وكأنها فقدت عقلها من شـ.ـدة سعادتها، ف الله استجاب لدعواتها وابتهالها ومنحه القوة كي يعود لها.
ليهمس بأسمها من جديد:
نادين...
ابتسمت من بين دmعاتها وهرولت باكية إليه كتلك الطفلة ذاتها صاحبة الضفائر التي تعودت أن تحتمي به وتحظي بالأمان بقربه.
فقد وقفت على بعد خطوة واحدة منه مضطربة لا تعلم ماذا تفعل أتقترب وترتمي بأحضانه أم ستؤلمه، كانت خائفة والشيء الوحيد الذي صدر منها انها كانت تطالعه وكأنها اخيرًا وجدت ضالتها بنظرات صادقة تتلخص بها مزيج من لهفتها وعشقها واحتياجها وقلقها وخــــوفها مما جعله يطمئنها بنظراته ويهمس بضعف:.
أنا كويس كفاية عـ.ـيا.ط
شجعها أن تقترب بمد يده لها لتتشبث هي بها وتجلس بجواره على طرف الفراش بحذر ليمد يده الأخرى يمررها بخصلاتها قائلًا بصوت مبحوح من شـ.ـدة الوهن:
كنت خايف مشوفكيش تاني
تمسكت بكلتا يداها بذراعه ثم مالت عليه واغمضتت عيناها وارتعش فمها و وضعت جبهتها على خاصته واخذت دmـ.ـو.عها تنساب بغزارة حتى غرقت وجهه القريب معها، ليرفع يده ويكوب وجنتها ويهمس بملامح مُتعبة وهو يمرر إبهامه على وجنتها:.
بلاش دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني...
هزت رأسها بطاعة وهي مازالت تسند جبهتها على خاصته ثم فتحت عيناها تكوب وجنته كما يفعل هو و قالت بنبرة مختنقة متألــمة نال منها العـ.ـذ.اب بما يكفي:
انا مش مصدقة انك رجعتلي، أنا كنت همـ.ـو.ت من غيرك يا يامن...
همس بضعف وهو يتحامل بكل طاقته:
بعد الشر عليكِ يا قلب وروح يامن...
لتنكس نظراتها بخزي وتقول نادmة:.
اللي حصلك كان بسببي سامحني يا يامن علشان خاطري سامحني انا غلطت كتير في حقك وكنت غـ.ـبـ.ـية انا مستهلش حبك ومستهلش أي حاجة في الدنيا
تنهد مثقلًا من حديثها الذي شعر انه استمع له من قبل وقال بعشق خالص لها:
قولتلك قبل كده اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح، بلاش تأنبي نفسك وتحمليها فوق طاقتها
كان يتحدث هامسًا ومع كل جملة يختطف قُبلة عابرة من رحيقها الذي اشتاق إليه حد النخاع.
تقطعت انفاسها أثر قُبلاته الممزوجة بملوحة دmـ.ـو.عها ثم صرحت بصدق وهي تحاوط خصره وتتفادى موقع إصابته:
انا اكتشفت أنك انت محور حياتي و كل اللي ليا في الدنيا أنت حبيبي وجوزي وسندي وضهري وعزوتي أنا من غيرك ولا حاجة يا يامن...
اتسعت بسمته وتحدث مشاكسًا رغم ما يجتاحه من وهن كي يزيح حالة الكآبة والحـ.ـز.ن التي هي عليها:.
ياه كان فين الكلام ده من زمان يعني كان لازم اتضـ.ـر.ب بالنار علشان تعقلي وتكتشفي الاكتشافات العظيمة دي
انا لو اعرف كده كنت وصيت خالك يقوم بالواجب من زمان
ابتعدت برأسها وقالت من بين دmعاتها ببسمة عابرة:
لسة رخم
مرر انامله على وجنتها يجفف دmعها وهمس بصوت مبحوح و بنظرة تفيض بمكنون قلبه المُولع بها:
بس بتعشقيني مش كده!
أكدت بعدmا اندثر حـ.ـز.نها وتسللت الفرحة لتكسو تقاسيمها:
اه كده واكتر من كده كمان.
اتسعت بسمته مما جعل قلبها يتهاوى بين ضلوعها وهي تهيم به بنظرات صادقة مفعمة بما يعتمل في قلبها فقد تعانقت نظراتهم الوالهة كي يعوضون بها تلك الأيام العجاف القاسية التي انهكت كل منهم لحين همس هو معاتبًا وهو يتلمس بأنامله موضع بطنها:
خبيتي عليا ليه؟
ابتلعت ريقها واستغربت معرفته بالأمر، ليوضح هو:
انا كنت حاسس بيكِ وسامع كلامك وكان نفسي ارد عليكِ واطمنك بس مكنتش قادر.
ابتسمت بتنهيدة مثقلة و وضعت يدها فوق كف يده الذي يستقر على بطنها ثم اجابته بتلك الأفكار القديمة التي كانت ترسخ بها:
كنت خايفة ترجع علشانه مش علشاني
بس انا رجعت علشان روحي متعلقة بيكِ ومكنتش اعرف حاجة عنه، وانتِ
وضعت يدها على فمه راجية:
بلاش تكمل، أنا اسفة واللهِ اسفة، سامحني
مسامحك يا نادين ومش هتكلم في اللي فات، أنا بس عايزك ت عـ.ـر.في إني عمر ما في حاجة عرفت تغير حبي ليكِ.
لتغيم عيناها من جديد وتقول بمشاعر صادقة وبنظرات تعدت العشق بمراحل عدة:
كلمة بحبك متـ.ـو.فيش حقك اللي جوايا ليك اكبر من كده زمان مكنتش بستوعب لما بتقولي( أنا نقطة ثابتة في ارضك) لكن دلوقتي استوعبت أنت محور الكون بالنسبالي يا يامن ومش عايزة حاجة غير ابقى جنبك
لتتنهد مُسهدة تحت نظراته الدافئة التي تفيض فيض بمكنونها، وتوعده بوعد صادق تقسم أنها لن تخل به مهما حدث:.
إن دعيت ربنا ليل نهار أن ربنا يرجعك ليا و وعد مني ربنا شاهد عليه هعوضك عن كل اللي فات
كان قلبه يرفرف مع كل كلمة تخرج منها واكثر ما راقه بحديثها انه استشعر نـ.ـد.مها الصادق وادرك ايضًا خــــوفها أن تفقده بعد ما اصابه جعلها تتخلى عن تمردها وعنادها وكم تمنى أن يكون للأبد، لذلك عقب على وعدها وهو يزم فمه ويدعي حسرته:
اه بصراحة انا اتبهدلت كتير ومحتاج دلع، ليرفع سبابته ويعتلي حاجبه وهو يضيف:.
ولعلمك بقى انا اتكروت في الجوازة دي وده ميرضيش ربنا لينظر لها نظرة جريئة ذات مغزى اخجلها و.جـ.ـعل وميض تلك الليلة الجامحة يترأى امامها:
دي مكنتش بروفة دي؛ اللي مفيش تجارب بعدها
شهقت وقطمت شفاهها وهمهمت كي تتستر على خجلها وتلك القشعريرة بسائر جسدها:
على فكرة أنت رخم، وقليل الأدب
قهقه هو على حرجها وتدرج وجهها لدرجة انه تأوه متألــمًا وتمسك بصدره وعنـ.ـد.ما رأى لهفتها وخــــوفها تحامل وشاكسها من جديد بقلة حيلة:.
واللهِ انا كان نفسي ابقى معدوم الأدب زي ما وعدتك بس للأسف عندي وعكة صحية، اوعدك بعدها
يامن بَطل
هبطل يا مغلباني
قالها ببسمة حانية وبتنهيدة مُسهدة وهو يجذب رأسها ويجعلها تستقر بين طيات عنقه لتهمس هي بعدmا سَكن قلبها:
لو بـ.ـنت هسميها غالية
ولو ولد هسميه بُرعي
شهقت ونكزته برفق بيده ليتأوه و يتدارك قائلًا ببسمة واسعة:
بهزر واللهِ بهزر يا مغلباني.
لتتنهد مبتسمة وتتشبث بذراعيه وتمرغ وجهها بين طيات عنقه مغمضة العينين مستمتعة بتلك الطمأنينة والأمان الذي لم تحظى به سوى في كنفه.
—
رفضت إتمام عقد القران إلا عنـ.ـد.ما تتحسن ظروف صديقتها مما أثار حنقه وهاهي تحاول إقناعه قائلة بعدmا حضر لمنزلها كما طلبت منه:
يا حمود علشان خاطري مش هعرف ابقى مبسوطة من غير نادين
تنهد وأجابها:.
انا مصدقت ابوكِ رضا عننا و وافق ومن يومها وانا بعد الايام وبعدين احنا أجلنا مرة و هي بنفسها طمنتك وقالتلك انه فاق و بقى احسن وكلها كام يوم ويخرج من المستشفى
بس انا مش هيهون عليا افرح وهي في الظروف دي
تنهد حانقًا وهب واقفًا يواليها ظهره دون أن يعقب بشيء، لتقترب منه قائلة:
حمود متزعلش، انت اكتر حد عارف أن من يوم قراية الفاتحة وانا عقلي طار وبعد الثواني والدقايق مش الأيام علشان ابقى ليك بس...
من غير بس يا ميرال اعملي اللي يريحك، انا ماشي
حمود استنى .
لم ينصاع لها وغادر مما جعلها تدب الأرض تحتها ويحتل الحـ.ـز.ن معالم وجهها وهي تشعر بحيرة لا مثيل لها.
سعاد متجننيش؟
قالتها رهف وهي تدور حول نفسها عبر الهاتف بعدmا أخبرتها سعاد بتخمينها التي اصرت عليه مرة أخرى:
مش يمكن يا رهف ليه لأ كل شيء جايز
تـ.ـو.ترت واجابتها:
سعاد الله يخليكِ انا بكلمك افضفض معاكِ متعصبنيش بتخميناتك انا اصلًا مش فكراه
اجابتها سعاد من الطرف الأخر:
بس انا فكراه وفاكرة مامته هو مكدبش عليكِ وبصراحة كلامه ملوش معني تاني غير اللي قولتهولك يا رهف
لترد بتـ.ـو.تر بالغ:
وافرضي انا اعمل ايه يعني!
مش مطلوب منك تعملي حاجة غير انك تستنيه يكملك الحكاية هو مش قالك في كلام لسة مجاش وقته اكيد مستني فرصة مناسبة
انتِ عارفة اللي بتقوليه ده معناه ايه؟
عارفة، وبقولك الحياة مش هتقف، ويمكن ربنا جمع بينكم علشان يعوضك وانتِ بنفسك قولتيلي أنه ذوق اوي معاكِ و وقف جنبك اكتر من مرة ده غير انه شهم وجدع وتصرفاته كلها سوية يبقى ايه المشكلة
زفرت هي حانقة وقالت بنبرة مختنقة بسبب انين قلبها:.
المشكلة فيا أنا يا سعاد حتى لو زي ما انتِ بتقولي بس انا معنديش استعداد اخوض تجربة تانية، حاسة إني متلغبطة وضايعة ومعنديش طاقة لأي حاجة غير لولادي ولنفسي وشغلي وبس
المشكلة مش فيكِ يا رهف أنتِ كنتِ الحد الصح مع الشخص الغلط، و نضال حد كويس ومفيش وجه مقارنة بينه وبين حسن
لتتنهد وتعبر عن هشاشتها التي تخالف تلك القوة التي لطالما تتحلى بها أمام الجميع:.
بس حسن استنفذ كل حاجة جوايا يا سعاد انا حاسة أن جوايا فراغ ومعنديش مشاعر ولا حاجة أقدر اقدmها لحد.
رهف علشان خاطري حاولي تدي لنفسك فرصة تانية الوقت كفيل يغير كل حاجة
تفتكري ممكن يا سعاد؟
اه ممكن والله انا متفائلة بس أنتِ فكيها كده وخلي الراجـ.ـل يتلحلح ويتكلم، عارفة واللهِ انا عذراه تلقيه مرعوب منك هو اللي عملتيه فيه شوية ده انتِ كنتِ قليلة الذوق بشكل والله ما عارفة جاب طولة باله عليكِ دي أزاي...
ابتسمت رهف وردت وهي تقلب عيناها وتشعر بالخزي من عجرفتها السابقة:
سعاد اقفلي انا غلطانة إني كلمتك
خلاص خلاص حقك عليا هقفل بس اوعديني أنك متخليش بمعاهدة السلام اللي بينك وبينه وهتخليكِ على حياد ومش هتخسريه
حاضر يا سعاد هحاول
خلي بالك من نفسك ومن الولاد
حاضر.
لتغلق معها الهاتف وتتنفس براحة اكبر ثم تجلس على اقرب مقعد وتظل تفكر جديًا في حديثها ومواقف ذلك ال نضال تترأى أمام عيناها لتؤكد لها تخمين ابنة عمها. فيبدو أن عقلها قد استوعب الأمر ولديه قابلية لتقبله، ولكن ماذا عن انين قلبها!
طرقات صاخبة على باب شقتها جعلتها تهرول قائلة:
يوه ما براحة ياللي على الباب هي الدنيا طارت
اه طارت يا شهد وطار عقلي معاها بسبب اخوكِ
قالتها ميرال بعدmا فتحت الباب لها، لتعقب شهد على حديثها:
والنعمة انتو جوز مجانين وهتجننوني معاكم
يا شهد هو اللي مش عايز يريحني
وهنا قالت شهد بصراحة متناهية:.
انا اه بحبك وادافع عنك برقبتي بس هو معاه حق، صاحبتك واطمنتي على جوزها وأجلتي مرة بسببهم، وبعدين هي بنفسها قالتلك افرحي يبقى ايه لزمتها
ما انا جاية علشان اقوله إني اقتنعت ومعنديش مانع
بس انا عندي
قالها وهو يخرج من غرفته ويجلس بسأم على أحد مقاعد السفرة امامها، لتشهق هي بخــــوف وتهرول له متسائلة:
هو ايه اللي عندك!
اجابها وهو يكبت بسمته بصعوبة بالغة على خــــوفها ويدعي الغـــضــــب:
مانع يا ميرال، عندي مانع ومش موافق.
فرت الدmاء من وجهها وتلعثمت وهي على حافة البكاء:
محمد انت بتقول ايه؟
نكزته شهد بذراعه ووبخته وهي تحتضن ميرال:
بس يا خويا اقعد كده، قال مش موافق قال ده انت هتمـ.ـو.ت عليها، وبعدين اتلم ومتخلنيش اسيحلك واجرصك عندها
ابتسم هو بلا فائدة لتربت هي على ظهر ميرال وتطمئنها:
سيبك منه ده بينغشك
هزت رأسهاوسألته بملامح تشبه الجرو الوديع دون أن تخرج من أحضان شهد:
بجد!
قلد صوتها وكرر قولها ببسة مشاكسة وهو يهز رأسه:.
بجد، اه بجد، انا عارف مش هسلك معاكِ و شهد في صفك
عقبت شهد دون مجاملة وهي تخرج ميرال من أحضانها:
اه ياخويا في صفها وعلى أد حبي ليك على أد ما بحبها
امتنت ميرال لها:
ربنا يخليكِ ليا يا شهد، انتِ الوحيدة اللي مش بهون عليكِ
هنا عاتبها هو بعيون ضيقة:
هي بس اللي مش بيهون عليها تزعلك مش كده
اه ما انا هونت عليك
تنهد بعمق وقال بنبرة صادقة:.
عمرك ما تهوني يا ميرال انا بجد مقدر اللي حصل ومقدر شعورك ناحية صاحبتك، ومش قاصد ازعلك وعلشان كده سبتك براحتك أنتِ اللي تقرري
طب انا قررت واستأذنت بابي ومعندهوش مانع نكتب الكتاب بكرة
تنهد بأرتياح وقال مرحبًا:
ولا انا عندي مانع
اتسعت بسمتها وهللت فَرحة:
طيب حيث كده بقى انا يدوب احضر نفسي ومحتاجة اشتري شوية حاجات من المول وعايزة شهد معايا
عقبت شهد بعفوية على طلبها:.
معاكِ فين انا مفهمش في شرى المولات بتاعكم ده وبعدين البت طمطم عند حمـ.ـا.تي وكنت شوية وهروح اجيبها
علشان خاطري يا شهد انتِ عارفة ظروف نادين و نغم مسافرة ومليش حد تاني ينزل معايا
عاتبتها شهد وهي تضع يدها في خصرها:
ايه مليش حد دي! امال انا ايه وانتِ فكرك هسيبك ولا هتخلصي مني ده انتِ اختي الصغيرة يابت
اقتربت و وضعت قبلة على وجنتها قائلة بأمتنان حقيقي:
ربنا يخليكِ ليا يا شهد وميحرمنيش منك ابدًا
ولا منك.
شاكسهم هو بعدmا شَهد على ما يدور بينهم ضارب كف على أخر بقلة حيلة:
اتفقتوا ربنا يستر
ماشي أمري لله اخرجوا بس ياريت متتأخروش علشان طمطم
هزت رأسها بطاعة وبينها وبين نفسها تحمد ربها أنه عوض احتياجها وحرمانها بأنتمائها لهم.
—
ابتاعوا الكثير من الاشياء حين وقفت هي مشـ.ـدوهة أمام أحد العارضات الزجاجية لأحد المحلات لتباغتها شهد مستغربة:
في ايه مال وشك جاب سبع الوان كده ليه!
أجابتها بخجل ووجهها يتوهج حد الاشتعال:
ها ابدًا أصل
قالتها وهي تشير بنظراتها على أحد المعروضات التي جعلت شهد تعقب على حرجها:
اصل ايه! ده لانچري يا موكوسة ايه اول مرة تشوفيه
لأ بس عريان اوي! هو في ناس بتلبس كده!
لوت شهد شـ.ـدقيها واخبرتها وهي تجذبها من رسغها ليجلسون على احد المقاعد بالساحة الواسعة داخل ذلك المركز التجاري:
اه يا ختي الحاجات دي عادي بعد الجواز.
شهقت وقالت قبل أن ترفع الكوب البلاستيكي لفمها كي ترتشف جرعة وفيرة من محتوياتها حتى تداوي جفاف حلقها:
ازاي بس يا شهد انا امـ.ـو.ت من كسوفي لو لبست حاجة كده
بيتهيئلك وكسوفك ده مش هيبقى ليه لازمة لما تاخدي عليه
هزت ميرال رأسها بشيء من الأقتناع لتتسائل شهد:
هو انتِ مش شايلة حاجات من دي للجواز
نفت برأسها وقالت بحرج وهي تلملم خصلاتها:
لأ انا اصلًا اتكسف اشتريها.
لوت شهد فمها وعقبت على حرجها:.
على رأي البت طمطم انتِ ابيضة
معقول معندكيش خلفية عن حاجة
وانا هعرف منين يا شهد انا طول عمري لوحدي لا عندي اخت ولا أم ولا حتى صاحبة عاقلة جربت وتفهمني
تنهدت شهد بحـ.ـز.ن على حالها وكم شعرت بالمسؤلية تجاهها:
انا معاكِ يابت اعتبريني امك واختك وصاحبتك ومش هسيبك وكل قشاية في قلب بيتك هجهزها معاكِ
تهللت اسارير ميرال وشكرتها من قلبها وتسائلت بعدها:
ت عـ.ـر.في إني عمري ما سألتك عن جوزك الله يرحمه
الله يرحمه.
احكيلي عنه يا شهد اتجوزتيه عن حب
لأ بس كان ابن حلال وطيب ويتحب ولما اتقدmلي حمود ارتحله وقالي انه هيبقى أمين عليا والشهادة لله كان محترم والخلق كلها بتشهد بكده وعمري ما شوفت منه غير كل خير
هو مـ.ـا.ت ازاي
اجابتها بتنهيدة وبملامح متهدلة:
كان صنايعي و وقع من على السقالة وراح وفاتني انا والبت
واستها ميرال وهي تربت على يدها المسنودة على الطاولة:
معلش ربنا يرحمه
ابتسمت شهد وامنت على دعوتها، ثم قالت:.
طب مش عايزين نتأخر زي ما قال حمود علشان طمطم عند حمـ.ـا.تي
حاضر بس شكل حمـ.ـا.تك طيبة علشان كده لسه بتوديها لغاية دلوقتِ
اه طيبة ويتمـ.ـو.ت فيا وعلطول دعيالي اصل انا مش بسيبها وبتقي ربنا فيها ما انا عندي بت وربنا هيقعدو فيها لتضيف ذلك المثل الشعبي القديم المتوارث:
اصل كل حاجة سلف ودين حتى المشي على الرجلين
قهقهت ميرال بقوة على ذلك المثل العجيب الذي لأول مرة تسمعه وعقبت:
انتِ بتقولي حاجات عجيبة يا شهد.
لوحت بيدها التي تحمل كوب عصير مثلها وقالت بخفة:
مش اعجب من الكوكتيل اللي انتِ طلبهولي ده والنعمة و.جـ.ـع بطني
هو ماله الشاي بالقرنفل على الأقل اعرفه وعمره ما قصر معايا
لتقهقه ميرال من جديد وتشاركها هي ضحكاتها حين وصلهم صوته وهو يقترب منهم:
ميرال ايه الصدفة الحلوة دي مقولتيش انك جاية هنا
اندثرت ضحكات شهد ونظرت له نظرة عابرة متـ.ـو.ترة في حين قال هو دون مصافحة:
ازيك يا مدام شهد.
هزت رأسها بمعنى انها بخير، بينما ميرال قالت مرحبة:
اهلًا أبيه كاظم بتعمل ايه هنا!
ابدًا كنت بحاول اشتري فستان ل سنا لكن فشلت فشل ذريع، هو ينفع تسعدوني في اختياره
اكيد يا أبيه هنيجي معاك
زجرتها شهد بنظراتها وجذبتها لتهمس بأذنها:
نروح معاه فين هنتأخر و حمود هيعلقنا..
ترجتها ميرال بصوت خفيض للغاية لم يصل له:
معلش مش هنتأخر هنجيب الفستان بسرعة اصل عيب نكسفه.
تنهدت شهد موافقة ونهضت مضطرة معهم وهي تشعر بعدm الراحة فرغم تحفظه وهيبة شخصيته إلا أنها تـ.ـو.ترت وشعرت انها تحت المجهر بحضرته.
بينما هو كان يشعر بلأمتنان لتلك الصدفة التي قدرها الله كأشارة مُبشرة تمهد لمشيئته.
—
سيبوني خد مني كل حاجة كل حاجة، ده ذنبها، ذنبها، وذنب ناس كتير انا مش عايزة اعيش سيبوني...
ذلك ما كانت تصرخ به حين حاول أحد الأطباء اعطائها حقنة المهدئ المعتاد الذي وصف لحالتها بعد ذلك الانهيار العصبي التي انتابتها بعد فعلته بها فلم تعي على ذاتها إلا وهي بالمشفى بعدmا وجدتها خادmتها حين عودتها بالصباح تنزف بشـ.ـدة وبحالة مريعة يرثى لها فقد قامت بالإبلاغ وتم نقلها لأقرب مشفى بعد أن تم اغـ.ـتـ.ـsـ.ـابها بكل وحشية وتم فعل كل الأفاعيل بجسدها بشكل لا ينتمي للأدmية بشيء لا والأنكى أنه لم يكتفي بذلك بل سرق كل مالها ومصوغاتها التي جَنتهم من خلف سذاجة الرجـ.ـال وقهر نسائهم فكانت لسوء حظها تحتفظ بكل شيء في منزلها ولم يمر الأمر عليه فهو ليس بذلك الغباء حتى انه لم يترك شيء يدينه ومحى أي أثر له يدل على دخوله منزلها من الأساس، وأثبتت التحقيقات التي اجرتها الشرطة فور اتهامها له أنه فر من البلد تاركها تجني ثمار ما جنته يديها وتتجرع مرارة القهر التي أذاقته لغيرها.
بـ.ـارك الله لكما وبـ.ـارك عليكما وجمع بينكم في خير.
قالها المأذون بعدmا انتهى من عقد قرانهم.
وفور نطقه لأخر جملة تعالت الزغاريد والمبـ.ـاركات من حولهم وهاهي بعد انقضاء الحدث السعيد تصحبه معها كي تريه ذلك الركن المحبب لها بالحديقة الخاصة بالقصر حيث زهور الأقحوان، فكانوا يسيرون معًا ونظراتهم متشابكة والبسمة لا تفارق وجههم يتنهدون تنهيدات مُسهدة مفعمة بسعادة قلوبهم، يخلل هو اصابعه بين اناملها بعناق قوي لم تعهده منه من قبل أما هي فكانت تتشبث بيدها الأخرى بذراعه وكأنه هو طوق نجاتها...
فقد مال بجزعه وجذب احد الورود ودسها في خصلاتها قائلًا بوله تام وبنظرات حالمة:
اخيرًا بقيتِ حلالي يا حلو
هزت رأسها و وضعت يدها تحتضن موضع خافقها وقائلة بسعادة متناهية:
اخيرًا يا حمود انا قلبي دقاته بترقص وخايفة يقف من الفرحة
تنهد تنهيدة محملة بالكثير وهمس وهو يلملم خصلاتها ويضعها خلف اذنها:
سلامة قلبك ودقاته يا حلو، ربنا يقدرني واسعدك
انا مش عايزة حاجة تانية من الدنيا انت كل احلامي يا حمود.
وهنا صرح بنظرات حالمة أفقدتها عقلها:
وانتِ سر قلبي اللي معرفتش ادفنه جوايا، و النجمة البعيدة اوي اللي عمري ما اتخيلت إني اوصلها أو امتلك قلبها يا ميرال
أنت مملكش قلبي وبس أنت امتلكت روحي وعقلي وكل كياني أنا بحبك اوي يا حمود بحبك
لم يستطيع كبح رغبته أكثر من ذلك بعد حديثها فقد ترك العنان لرغبة قلبه حين.
جذبها بغتة له كي ينعم بقربها ويحقق تلك الرغبات المكبوتة التي كانت تؤرق مضجعه منذ وقوعه بها ولكنه لطالما خاف ربه وكبحها، فقد عانقها عناق قوي مفعم ب الدفء والأهتمام وملفح بتلك المشاعر الجارفة التي تأججت بقوة حين تسللست رائحتها المسكرة لكافة حواسه وبعثرته على الأخير، بينما هي فكانت تشعر أنها استحوذت على دفء وحنان وطمأنينة العالم أجمع بين يده حتى أنها كانت تشعر بقلبها يتراقص ويتراقص بجنون بين ضلوعها لتهمس بخفوت وهي تمرغ وجهها بصدره:.
حـ.ـضـ.ـنك حلو أوي يا حمود
مش حـ.ـضـ.ـني بس على فكرة.
رفعت رأسها دون أن تفصل عناقها لتجد نظراته بها نظرة راغبة لأول مرة يطالعها بها، لتبتلع ريقها وتستند بكفوفها على صدره ضائعة مترقبة في حين هو كاد يمـ.ـو.ت من شـ.ـدة توقه لترياقها لذلك مال بوجهه والتقم شفاهها بقبلة هادئة، حالمة، متمهلة يصعب وصفها، وكأنه أراد يكافئ ذاته على قوة احتماله وتحامله من أجل إِجازة نيلها، بينما هي كانت مغيبة، مأخوذة به وبحلاوة مذاقها، فصل قبلته التي فاقت كافة تخيلاته الجامحة ثم قال لاهثًا وهو يحتوي وجهها بين يده:.
أنتِ ازاي حلوة كده حـ.ـر.ام عليكِ
كانت تشتعل من شـ.ـدة خجلها وتحاول تنظيم انفاسها تنظر له مستغربة تلك الجرأة التي أصبح عليها، ليعقد حاجبيه الكثيفين ويتفهم ما يدور بذهنها ويمد أنامله يلملم خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها ويهمس وبندقيتاه تهيم بها:.
عارف أنك مستغرباني بس انا عمري ما كنت هغـــضــــب ربنا فيكِ قبل كده واحنا مفيش بينا رباط شرعي، كنت عايز ربنا يرضا عننا ويبـ.ـاركلنا، لكن دلوقتي أنتِ مراتي يا ميرال قدام ربنا وصدقيني لومكنتش عملت كده دلوقتِ كان هيحصلي حاجة
بعد الشر عليك يا حبيبي
همست بها بلهفة وخــــوف قبل أن تطرق رأسها وتعي لزلفة لسانها،
لتتسع بسمته ويشاكسها وهو يرفع وجهها بطرف انامله:
قولتي ايه؟
حمود خلاص بقى متكسفنيش.
يخربيت حمود وسنين حمود دي، ده يا سبحان من كان مصبرني على حمود اللي كانت بتطلع منك تقومي تقوليلي يا حبيبي لأ انا كده مضمنش نفسي بصراحة والشيطان زي ما انتِ عارفة شاطر
قالها وهو يقرب وجهه أكثر ويلفحها بأنفاسه الثائرة وهو ينوي تكرار الأمر، لكنها شهقت بخجل ودفعته بصدره وتخطته مدعية غـــضــــبها:
أنت بقيت غريب!
انا مش عرفاك! فين حمود.
قهقه هو بكامل صوته الرجولي وطوح رأسه للخلف بطريقة رفرفت قلبها و.جـ.ـعلتها تتسأل ترى للمرة الكام التي وقعت بها بحبه
لتهدأ ضحكاته ويلتقط نظراتها ثم يقول مشاكسًا:
متبصليش كده بقى علشان ارجع مؤدب، وبطلي جر شكل انا ماسك نفسي بالعافـ.ـية ومش عايز اغرغر بيكِ
شهقت متفاجئة من جرأته الغير معهودة ثم دبت الأرض بحذائها وكأنها تود ان تنشق وتبتلعها كي تخفي خجلها:
أنت غلس وهمشي واسيبك.
كادت تخطوا خطوتين بعيد عنه ولكنه لحق بها وهو بالكاد يخفي بسمته المستمتعة:
خلاص ياحلو، ميبقاش زعلك وحش...
نفت برأسها ليضيف مشاكسًا:
شكلك عايزة تتصالحي مش كده
قالها بغمزة من عينه ذات مغزى، تفهمته هي وتوجست خيفة منه و تقهقرت بخطواتها:
لأ خلاص انا مش زعلانة، مش زعلانة
قهقه من جديد على ردة فعلها ثم عقب يطمئنها:
طب خلاص تعالى نرجع و وعد مش هغلس عليكِ تاني.
حانت منها بسمة هادئة وهي ترى نظراته الصادقة وهزت رأسها بموافقة ليختصر هو المسافة التي صنعتها ويعانق يدها بقوة وكأنه ملك العالم بأمتلاكها ويشاكسها مرة اخيرة بغمزة من بندقيتاه:
بصي علشان ابقى صريح هو مش وعد اوي يعني، ويجوز اخل بيه
حمود
يخربيت حمود
قالها وهو يقلب عينه بنفاذ صبر وببسمة واسعة وهو يكمل سيره معها وبينه وبين ذاته يحمد الله الذي أتم نعمته عليه على خير.
بينما في الجانب الأخر للقصر وخاصًة على تلك الأرجوحة الكبيرة كانت تجلس الفتاتان وتقوم هي بدفعهم برفق حين قالت سنا وهي تتلمس جديلة شعر طمطم:
تسريحة شعرك حلوة اوي يا طمطم انتِ اللي عملاها انا نفسي اعمل شعري كده
لأ ماما اللي عملهالي
تهدلت معالم سنا وقالت بحـ.ـز.ن:
انا معنديش ماما علشان تعملهالي
حديثها قطع نياط قلبها و.جـ.ـعلها تقول وهي توقف الارجوحة:
خدوني جنبكم هو انا مليش نفس ولا ايه.
رحبوا بها وافسحو لها بينهم، لتقول وهي تجلس و تدير سنا لتواليها بظهرها:
هعملك ضفيرة إنما ايه احلى من بتاعت البت طمطم ألف مرة وهعلمك تعمليها كمان بطريقة سهلة
اتسعت بسمة سنا وقالت بسعادة:
بجد يا طنط شهد هتعلميني اعملها كمان.
اكدت شهد لها وهي تقوم بتفريق خصلاتها الشقراء الناعمة إلى ثلاث ثم قامت بجدلهم وهي تشرح لها كيفية عملها وإن انتهت احتارت في ايجاد شيء يحكم أخرها لتحل حجابها وتنزع رابطة شعرها الحريري الذي انساب كشلال متدفق حالك السواد ليعيق رؤيتها ويعيق معه حركة ذلك الذي تسمر بأرضه هناك منبهر بها، لم تنتبه لوجوده قط فقد هزت رأسها للخلف ترجع شعرها و وضعت حجابها مرة اخرى على رأسها ثم ربطتت رابطتها بشعر سنا كي تنهي مظهرها قائلة:.
ايه رأيك بقى بقيتي شبه البت ربنزل
ضحكت طمطم تزامنًا مع قهقهت سنا وتفقدت الجديلة بأنبهار بعدmا وضعتها على كتفها و قالت فَرحة وهي ترتمي بأحضانها:
دي حلوة اوي اوي يا طنط شهد شكرًا انا بحبك اوي
ابتسمت شهد ودثرتها بحنو بين احضانها قائلة بعدmا وضعت قبلة حانية على قمة رأسها:
والنعمة انا اللي حبيتك ودخلتي قلبي من اوسع ابوابه
خرجت سنا من بين احضانها ببسمة واسعة لتقترح طمطم عليها:.
طب تعالي نلعب بقى وعايزة اشوف حوض الورد
إنصاعت سنا لرغبتها ولكن بعد أن وضعت قبلة خاطفة على وجنة شهد جعلتها تبتسم بسمة متحسرة على يُتم تلك الصغيرة التي قطعت حاجتها للأهتمام نياط قلبها
البنات مبسوطين اوي مع بعض
اجفلها صوته لتشهق متفاجئة وعقبت متسرعة وهي تضع يدها اعلى صدرها:
يالهوي، مش تحمحم ولا حاجة يا اسمك ايه والنعمة خضتني
اعتذر بلباقة وبكل أدب وهو يقف على بعد مسافة كافية منها:
انا اسف مكنش قصدي اخضك.
تنهدت وصوبت نظراتها نحو لهو الفتاتان من جديد:
خلاص محصلش حاجة
تحمحم هو وحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث:
سنا حبت طمطم جدًا واتعلقت بيها
اجابته بعفوية ومازالت عيناها على الصغار:
وانا و طمطم كمان حبناها اوي وبصراحة بـ.ـنتك أسم الله عليها تتحب بسرعة وتدخل القلب من غير استئذان.
أكثر ما يروقه بها هو عفويتها وصراحتها المتناهية التي تنم عن قلب لا يعرف الضغينة ولا يوجد به ذرة لؤم واحدة وحقًا بعد تعامله المُتحفظ معها أمس عن قرب وما فعلته مع ابـ.ـنته الأن ورأه بأم عينه تأكد ان قراره بمحله، لذلك حاول أن يلمح لها:
مش لوحدها، في ناس من كتر ما هي بسيطة ومريحة تدخل القلب برضو ومن غير استئذان.
استشعرت بفطنتها ما يرمي له ولكنها حاولت أن تتروي وهي تحاول اقناع ذاتها أنه لم يتعمد أن يغازلها فهيئته بعيدة كل البعد عن هؤلاء الرجـ.ـال الذين يستهون العبث، ولكنه استأنف ليزعزع رأيها:
زيك كده يا شهد
وهنا لم تستطيع كبح لجام لسانها وقالت بشراسة متسرعة دون لحظة تفكير واحدة وهي تهب من على الأرجوحة:
لأ بقولك ايه انا مش مرتحالك من الأول؟ أقف معوج واتكلم عدل، إلا كلامك مايل ومش لايق على هيبتك.
توقع ردة فعلها لذلك حاول تهدئتها:
اهدي علشان اعرف افهمك واكمل كلامي
تفهمني ايه اصلًا مفيش كلام بينا وابعد من سكتي بقى أنا لولآ مش عايزة انكد على اخويا كان ليا تصرف تاني معاك
قالتها وهي تخطوا بعيد عنه ولكنه لحق بها قائلًا:
على فكرة أنا مستئذن محمد إني افاتحك واتكلم معاكِ
مش فاهمة
طيب بصراحة كده انا طلبت ايدك من اخوكِ
احتلت الصدmة وجهها وانحشر الحديث بحلقها ليستأنف هو برزانة وبنبرة عقلانية هادئة:.
اسمعيني لو سمحتِ انا عارف أنك متعرفنيش كفاية وعارف أننا شوفنا بعض مرات قليلة لكن أنا ارتحتلك ولقيت فيكِ حاجات مصدفتهاش قبل كده، مش هقولك حبيتك واضحك عليكِ وعلى نفسي بس هقولك معجب جدًا بيكِ وبشخصيتك ولقيت فيكِ مميزات كتير أنا وبـ.ـنتي محتاجينها، وصدقيني لو وافقتي هبقى اسعد حد في الدنيا واوعدك أنك مش هتنـ.ـد.مي.
حديثه وترها بشـ.ـدة و.جـ.ـعل وجيب قلبها يتعالى، فدون قصد منه عزز ثقتها بنفسها و ايقظ مشاعر كامنة كانت تناستها بعد وفاة زوجها، فشعور كونها مازالت مرغوبة كان أكثر من مرضي لها ولكن ما يطلبه هو لم تفكر به قط من قبل وكانت ترفض رفض قاطع كل من يتقدm لها وتوبخ بشـ.ـدة من يحاول إقناعها بالأمر ولكن الأن لاتعلم ما اصاب لجام لسانها الذي نطق على غير عادته مترويًا:
هو محمد قالك ايه؟
اجابها بنظرات مُتحفظة وببسمة مريحة هادئة:
قالي أنتِ صاحبة القرار
زاغت نظراتها بتـ.ـو.تر واطرقت برأسها ثم تهـ.ـر.بت قائلة:
انا هروح اشوفه فين علشان لازم نمشي الوقت اتأخر
شهد
جمدها بأرضها
فلا تعلم لمَ ارتجف بدنها حين نطق بأسمها مجرد دون ألقاب لتلتفت له بملامح متـ.ـو.ترة حين استأنف برزانة وبنبرة هادئة:
هسيبك تفكري براحتك ومش هضغط عليكِ بس بتمنى يكون قرارك في صالحي
ابتلعت ريقها وتهـ.ـر.بت بنظراتها متلعثمة:.
اللي فيه الخير يقدmه ربنا، عن اذنك
لتحين منه بسمة متفائلة ويدعو الله أن تكون من قسمته فمنذ الوهلة الاولى التي رأها تجسدت بها تلك السَكينة و الانتماء والدفئ الذي طالما كان يفتقده في سنوات غربته.
طرقات على باب منزلها جعلتها تهرول تفتح الباب لتتفاجئ به أمامها، ترددت لوهلة قبل أن تدعوه قائلة:
ادخل يا بشمهندس اتفضل
انصاع لها ببسمة باهتة وإن فعل هرولو اطفاله له مهللين:
بابي، وحشتنا
وانتو كمان يا ولاد
تعمدت ان تمنحه بعض الوقت معهم وجلست تباشر عملها على حاسوبها وبعد بعض الوقت طلب هو منهم بأرهاق ظهر جلي على تقاسيم وجهه:
معلش يا ولاد انا تعبان من الطريق ومحتاج اروح ارتاح
لتدخل هي:.
يلا ياولاد علشان هتصحوا بدري عندنا مدرسة الصبح
انصاعوا لها وقاموا بتركهم لتتسأل هي بأهتمام:
يامن عامل ايه دلوقتي؟
اجابها وهو يحل اول زرار بقميصه:
الحمد لله فاق وكلها كام يوم ويخرج من المستشفى
إن شاء الله هيبقى احسن وهيخرج بالسلامة متقلقش
هز رأسه يستبشر بحديثها ثم اخرج مفاتيح سيارتها قائلًا:
معلش مقدرتش ارجعهالك قبل كده مكنش ينفع اسيب خالتي انا حتى هرجع لهم تاني بس بعد ما اشوف الشغل.
لو عايز خلي العربية معاك
نفى برأسه وهب واقفًا ينوي المغادرة:
لأ ملوش لزوم...
انا همشي محتاج ارتاح
استنى
قالتها وهي تفرك بيدها ولا تعلم من اين تبدأ مما جعله يتأهب بأهتمام بالغ لحديثها وهو يظن انها ستعدل عن قرارها بينما هي
كادت تفاتحه بأمر مساعدتها له بشأن عمله ولكن منعه رنين هاتفه الذي صدح بألحاح عجيب جعله يضغط زر الألغاء و يزفر حانقًا ثم يتسائل بترقب وبنبرة صدرت منه راجية:
اتكلمي يا رهف انا سامعك.
رد طيب على التليفون
قالتها بعدmا تكرر رنين هاتفه ليجيب حانقًا على الطرف الأخر:
ألو خير؟
وعنـ.ـد.ما اتاه الرد من الطرف الأخر ليسقط الهاتف من يده وتتجهم معالمه بشـ.ـدة وتتشوش رؤيته لدرجة انه كاد يفقد اتزانه وترنح بوقفته مما جعلها تقترب منه تحاول ان تُسنده متسائلة بقلق:
حسن مالك في ايه؟
ايه اللي حصل؟
عجز عن نطق شيء من شـ.ـدة جفاف حلقه النابع من صدmته، لتتمسك هي ذراعه كي تدعمه ولكن حالته تفاقمت واخذ يلهث وكأنه يعاني ليلتقط انفاسه ثم دون سابق انذار كان جسده يتهاوى مثل قلبها اسفل قدmها.
↚
وإذا أساءَ إليكَ حبيب فقل له إنني أغفرُ لكَ جنايتكَ علىَّ، ولكن هل يسعني أن أغفر لك ما جنيتهُ على نفسك بما فعلت؟ هكذا يتكلم عظيم الحب، لأنه يتعالى حتى عن المغفرة والإشفاق.
جلست ساهمة بعيون تحجر الدmع بها داخل احد اروقة المشفى ذاته الذي شَهد على خسارتها، فكانت تشعر رغم ثباتها إلا أن الأرض تدور بها و ومضات عابرة وأصوات متداخلة تطن برأسها للعديد والعديد من المواقف التي جمعت بينهم
فنعم رغم ما فعله بها إلا أنها لا تتمنى له السوء ابدًا.
تعالى بكاء أطفالها ليطغو على عاصفة ذكرياتها لتضمهم لحـ.ـضـ.ـنها وتحاول أن تجعلهم يكفوا عن البكاء ولكن بلا فائدة
ليغمغم شريف باكيًا:.
بابي هيمـ.ـو.ت يا مامي ويسبنا
لتعقب شيري ايضًا وهي تنتفض مختنقة بشهقاتها:
مش هنشوفه تاني
تمزق قلبها حسرتًا على أبنائها وواستهم متفائلة:
هيبقى كويس، هيبقى كويس بطلوا عـ.ـيا.ط
لم يكفوا عن بكائهم لترجهوهم هي بانهيار بعدmا كوبت وجهه تخفي هشاشتها وضعفها:
كفاية، كفاية متو.جـ.ـعوش قلبي اسكتوا.
كان يقف في الزاوية البعيدة يطالع ما يحدث بعيون جـ.ـا.مدة، وبملامح ثابتة تخالف تلك الأعاصير المو.جـ.ـعة بداخله فقد تفاجئ بها وبصغارها داخل المشفى اثناء مداومته وشَهد على خــــوفها ولكن كعادته ألتزم بثباته الانفعالي وتقدm منهم ببسمة يجيد اقتناصها في أكثر اوقاته المُحـ.ـز.نة ينحني أمام مقعدهم بجذعه ويقول للصغار محفزا:
ابوكم هيبقى كويس متخافوش
نفى شريف برأسه و غمغمت شيري:
لأ بابي هيسبنا على طول ومش هنشوفه تاني.
أزاحت هي يدها وكشفت عن بهوتها وطالعته بنظرة حزينة ضائعة جعلته يزفر انفاسه يستجمع قواه ثم
جلس بجوار شيري و يربت على شعرها قائلًا بنبرة حنونة مطمئنة وبكل بساطة كي يستوعب عقلها:
هو مش انا دكتور و كشفت عليكِ وخفيتي بعدها
هزت الصغيرة رأسها ليستأنف هو:
وزميلي دكتور زي وكشف عليه وبيطمنكم هيخف ويبقى كويس
بجد ياعمو
اه بجد انا مش هكذب عليكم
وبعدين مينفعش ابوكم يفوق ويلاقيكم بتعيطوا كده.
هزت شيري رأسها وكفكفت دmعاتها ثم سَكنت بين احضان والدتها، أما عن شريف فقد وقف مواجه له متسائلًا:
انت طيب يا نضال ومش بتكدب عليا صح
ابتسم بسمة عابرة ثم جفف دmعات شريف بكف يده وأخبره محفزًا:
احنا اصحاب وانا مستحيل اكدب عليكِ اجمد وخلي ابوك لما يفوق يحس انه ساب بَطل بجد
هز شريف رأسه باقتناع و جفف وجهه بطرف كمه قائلًا:
انت عندك حق انا مش هعيط علشان بابي يتبسط مني.
طيب روح اغسل وشك في الحمام هناك في اخر الممر ده
هز رأسه واستأذن من رهف التي كانت تتناوب النظرات بينهم مشـ.ـدوهة من امكانيته في إقناع وتهدئة ابنائها بعد فشلها، لتسمح
له وإن ركض من أمامهم ضمت رأس شيري التي غفت على حجرها وسألته بعيون يتحجر الدmع بها:
شكرًا
لم يعير شكرها اهمية بل تسائل بأهتمام:
ليه جبتيهم معاكِ مسبتهمش ليه مع كرملة؟
اجابته بملامح متهدلة:.
لما حسن وقع عقلي وقف ومكنتش عارفة اتصرف حتى معرفش اتصلت إزاي بالإسعاف
لترفع رماد عيناها له وتسأله:
هو صحيح هيبقى كويس
تنهد وأجابها وهو ينزع نظارته الطبية ويمسد منحدر أنفه:
اتعمل التحاليل والفحوصات اللازمة متقلقيش دي غيبوبة سكر عادية
ألقت سؤالها مستغربة:
بس هو معندوش السكر
مش شرط السكر زي الضغط و ممكن يكون اتعرض لضغط عصبي خلي نسبة السكر تعلى في الدm
فعلًا هو جاله مكالمة و تعب بعديها.
هز رأسه وألتزم بثباته رغم تلك الأعاصير التي تعصف بدواخله لتستأنف هي:
الولاد يقدروا يشوفوه
هو دلوقتِ بيتعمله اللازم وهستأذلك الدكتور اللي بيتابع حالته انكم تدخلوله
هزت رأسها وتنفست براحة اكبر جعلته يهب من جلسته ويتهرب قائلًا قبل أن يفتضح امره:
انا همر على المرضى، مكتبي اخر اوضة على اليمين لو حبتي تقعدي الولاد فيها عقبال ما تطمني عليه معنديش مشكلة...
هزت رأسها دون حديث ليتنهد ويواليها ظهره كي يغادر وكونه يعلم ترددها وتلك المسافة الأمنة التي تتعمد أن تكون بينهم ألتفت من جديد واضاف بأهتمام بالغ لم يستطيع أن يكبح ذاته عنه:
انا هنا يا بشمهندسة ومش همشي من المستشفى و ارجوكِ لو احتجتي حاجة متتردديش.
اومأت له ببسمة باهتة لم تمسس رماد عيناها ثم نكست رأسها تشرد من جديد ليزفر هو انفاسه ويغادر من أمامها وهو يلعن حظه العسر فكان يظن أنه على أعتاب أن يصارحها ولكن بعدmا حدث أدرك أن ذلك ال حسن كان ومازال عائق يحيل بينه وبين امنيته البعيدة.
كلما تذكرت قُبلته وذلك العناق الدافئ الملفح بالأهتمام تتورد بشـ.ـدة وتنتابها قشعريرة لذيذة بسائر جسدها وها هي تبتسم شاردة أثناء جلوسها مع ابيها أمام التلفاز فقد لاحظ ما بها وقال كي يقطع شرودها:
يا بخته اللي واخد عقلك
أطرقت برأسها ولملمت خصلاتها قائلة بخجل:
يوه بقى يا بابي
بتحبيه اوي كده!
بحبك انت اكتر
يا اونطجية بتقوليلي كده علشان تهربي من السؤال.
لا مش بهرب وبحبه بحبه اوي يا بابي انا مش عارفة كنت عايشة من غيره ازاي انا كنت ضايعة قبل ما اعرفه.
ليتمتم هو نادmًا:
سامحيني يا بـ.ـنتي وحقك عليا انا جيت عليكِ كتير وكنت فاكر إني بحافظ عليكِ
خلاص يا بابي اللي فات مـ.ـا.ت على رأي شهد وانا نسيت وفرحانة اوي أننا قربنا من بعض وبقيت جنبي علطول ومش بتسافر
تنهد بضيق ثم استرسل بنـ.ـد.م:.
انا معنديش في الدنيا اغلى منك وكنت بحفر في الصخر علشان أأمنلك مستقبلك، بس بعد اللي حصل اكتشفت أن الفلوس ملهاش قيمة وأن في حاجات كتير كان مفروض اعملها أهم من جمعها، انا خلاص مش هعيش أد اللي عيشته وضيعت بغبائي احلى سنين عمري وخايف امـ.ـو.ت قبل ما اشبع منك واشوف ولادك
ارتمت بحـ.ـضـ.ـنه قائلة:
بعد الشر عليك يا بابي ربنا يخليك ليا
ربت على ظهرها بحنو قائلًا:
ويخليكِ ليا يا حتة من قلب بابي
الله الله ده ايه الأحضان دي.
قالها كاظم وهو يدخل الغرفة ويجلس على أحد المقاعد المواجهة لهم، لترحب ميرال:
اهلًا بالعريس المنتظر
يسمع من بؤك ربنا
قهقهت هي وشاكسته:
ايه يا أبيه مالك فين التقل انا مش اخدة عليك كده
زجرها فاضل قائلًا:
بـ.ـنت عيب كده
عيب ايه يا بابي ده أبيه فاق كل التوقعات بصراحة انا كنت مصدومة لما محمد قالي انه طلب ايد شهد
فعلاً الموضوع غريب ليكِ حق!
تسائل كاظم مستنكرًا:
ليه ايه الغريب في الموضوع هو انا منفعش ولا ايه يا عمي!
أوضح فاضل وجهة نظره:
لأ يا ابني متفهمنيش غلط بس أنت كنت عايش برة وشوفت ستات اشكال والوان وكمان مراتك كانت ايطالية يعني مش شايفها غريبة تعجبك واحدة زي شهد
شهقت ميرال ودافعت وهي تضع يدها بخصرها:
هي شهد وِحشة ولا ايه يا سي بابي دي قمر وبعدين كفاية حنيتها و طيبة قلبها
ابتسم كاظم وايدها بكل اقتناع:.
بالظبط كده زي ما قالت ميرال يا عمي اللي عجبني فيها طيبتها وتلقائيتها ورغم انها حد بسيط جدًا ومش متكلف إلا أن فيها جاذبية غريبة وحاجات ملقتهاش في غيرها، وانا وبـ.ـنتي محتاجنها
على العموم دي حياتك وأنت المسؤول الأول والأخير فيها، عن اذنكم انا طالع انام تصبحوا على خير
ردو تحية المساء وإن ابتعد فاضل تسأل كاظم بنبرة متلهفة:
طب مفيش اخبـ.ـار منها، انتِ كلمتيها بعدها.
نفت ميرال برأسها واخبرته:.
لأ بس بكرة هنزل انا وهي و محمد نشتري شوية حاجات للفرح وهنشوف القاعة وهبقى اتكلم معاها
هز رأسه بتفهم لتستأنف ميرال ببسمة واسعة:
مبسوطة اوي بأختيارك ليها يا ابيه علشان هي حد طيب اوي وكتير وقفت جنبي
احكيلي يا ميرال حابب اعرف عنها اكتر.
هحكيلك مواقفي معاها بس اسفة يا أبيه في حاجات مش هينفع اقولهالك ولازم تعرفها منها مش مني.
أومأ لها بتفهم لتسترسل ميرال حديثها عنها وتقص عليه كيف ساندتها ودعمتها ضد شقيقها، مما جعله يستمع لها ببسمة هادئة رزينة تنم كون حدثه لم يخطئ ابدًا بشأن اختياره لها.
دست المعلقة بطبق الحساء كي تطعمه ولكنه رفض قائلًا:
شبعت يا نادين واللهِ كفاية
لازم تاكل كويس علشان تخف بسرعة
تسائل بخبث وهو يرفع حاجبه:
عايزاني اخف بسرعة ليه؟ يارب يكون لأغراض قليلة الأدب
يامن بَطل كلامك ده ماما ثريا ممكن تسمعنا
طب ما تسمعنا هو احنا بنسرق انتِ مراتي وبعدين هو انا قولت حاجة ده انا بس بطمن أن نواياكِ دنيئة نحيتي.
ابتسمت بلا فائدة و وضعت طبق الحساء بالصينية التي تعتلي الكمود ثم قالت باشتهاء شـ.ـديد:
هي من ناحية دنيئة فهي دنيئة وأولها انا نفسي في أم الخلول بصراحة
بقالها كتير هافة عليا
وساكتة ليه عايزة ابني او بـ.ـنتي يطلعلهم ملخلولة في وشهم طلباتك أوامر هكلم حسن يجيب من القاهرة وهو جاي
هزت رأسها بحماس ليتسأل وهو يقرص وجنتها:
اشمعنا أم الخلول نفسي اعرف!
بحبها
هز رأسه ببسمة واسعة وقال ماكرًا:
طب تعالى اقولك حاجة في بؤك.
ليلاحق ما إن شهقت متفاجئة:
قصدي في ودنك بلاش تبقى متسرعة وتفهميني صح
هزت رأسها بلافائدة ليستأنف وهو يمط فمه:
بصراحة انا كمان نفسي في حاجة من ساعة ما فوقت همـ.ـو.ت عليها
ايه هي يا حبيبي قول
اجابها بنبرة عابثة وهو يُسبل عيناه:
بوسة يرضيكِ ابقى مطخوخ علشانك وتبخلي عليا
يامن احنا في المستشفى وبعدين ماما ثريا معانا علطول ازاي بس.
طب ما هي برة انتِ مش قولتي خرجت من الاوضة علشان تكلم رهف يعني لسه قدmها شوية دي لما بتتفتح مع رهف بذات بتتأخر
يا سلام اقنعتني كده صح
قرص على شفته السفلية وهو يحاول جذبها:
لازم تقتنعي ولا انتِ بتستغلي إني راقد ومقدرش اقوم اكلك
شاكسته بمكر لكي تغير سير الحديث:
شوفت بقى انك لسه جعان خليني اكملك اكلك.
لم يحتمل مكرها فقد جذبها من مؤخرة رأسها والتهم شفاهها بقبلة لحوحة متعطشة تفيض فيض بتوقه الشـ.ـديد لها الذي جعله يعتصر جسدها غير عابئ بألــم جـ.ـر.حه الذي لم يلتئم بشاكل كامل بعد.
دفعته عنها برفق كي يفلت حصارها خــــوفًا أن يتأذى جـ.ـر.حه ولكنه كان مُصر أن يسلب انفاسها بقبلاته المتلهفة، فقد
استسلمت له وفي غضون ثوان توقف عما يفعله وابتعد عنها وقال بأنفاس متلاحقة وهو يسند ظهره للخلف ويدعي الألــم:.
آه ه ه ه ه حـ.ـر.ام عليكِ عمال اقولك تعبان، هو انتِ معندكيش قلب و مش عتقاني
شهقت من حديثه واستغربته كثيرًا ولكن حين اتاها صوت الممرضة من خلفها ودت أن تنشق الأرض وتبتلعها من شـ.ـدة حرجها:
واه بالهوادة على نفسك يا ولدي واختشي
الحب بهدلة يا حجة والله
قالها بقلة حيلة وهو يغمز ل نادين لترد الممرضة ببسمة محرجة:
اه منيكم يا أهل البندر عليكم حاچات غريبة، بس خابر هي تستاهل العشج الِبنية جلبها كان مخروع عليك.
زجرته بنظراتها ونهضت كي تخفي ارتباكها ثم همهمت بأنفاس مضطربة وهي تضع يدها على فمها كي تخفي انتفاخ شفاهها:
اه قوليله، انا هدخل الحمام اغسل وشي
ينفع اجي معاكِ...
قالها بغمزة ذات مغزى من ناعستيه جعالتها تستغل ان الممرضة تواليهم ظهرها وتقوم بتغير المحلول له لتميل عليه وتقترب من وجنته ليظن هو انها ستنصاع لرغبته الماجنة ولكن باغتته هي بغرس اسنانها دون الضغط عليها وقولها بمشاكسة:
علشان تحرم قلة أدب.
تأوه هو كي يلاعبها:
آه يا عضاضة والله انتِ مفترية هو انا ناقص ده شكل هرمونات الحمل هتطلع عليا
بالظبط كده يا رخم
قالتها وهي تخرج لسانها له بحركة لطالما ذكرته بتلك الطفلة صاحبة الضفائر الطويلة ذاتها
لتتسع بسمته شيء فشيء ويشعر أن قلبه المُولع بها زاد فيضه وأطاح بالباقي من عقله في سبيل عشقها.
يعني ايه رأيك؟
تنهدت واجابتها مترددة:
معرفش
يا شهد حـ.ـر.ام عليكِ بقالي ساعة بقنعك وبحكيلك عنه
يوه وانا اعمل ايه طيب هي الحاجات دي مبتجيش خبط لزق كده لازم تأني
طب هتتأني أد ايه علشان اطمن أبيه
انا صليت استخارة واللي في الخير يقدmه ربنا
لتتسأل ميرال بألحاح مستمـ.ـيـ.ـت:
يعني في أمل مش كده.
هو انت مت عـ.ـر.فيش أن امل مـ.ـا.تت محروقة
قالها وهو يجلس على الاريكة بجوارها بعدmا انتهى من ارتداء ملابسه ليستعد للمغادرة معهم، شهقت هي ونكزته:
يا حمود انت بتحبطني ليه ده بدل ما تحاول تقنعها معايا
سيبيها براحتها يا ميرال دي حياتها وهي حرة فيها
طب انت ايه رأيك؟
انا معنديش مانع وشايفه حد محترم جدًا واللي عجبني فيه أنه لا لف ولا دار ويعرف الأصول كويس رغم عيشته بره
تأففت شهد ونهضت تقول بتردد شـ.ـديد:.
برضو انا لازم اخد وقتي أصل يعني عيشته مش زي عيشتنا ولازم برضو اشاور طمطم و أعرض الموضوع على حمـ.ـا.تي
قالت ميرال رأيها:
معتقدش أن طمطم هترفض هي متكرهش تشوفك مبسوطة
وموضوع حمـ.ـا.تك فأنا بصراحة مش شايفة داعي لده
لأ ازاي لازم اقدرها واحطها في الصورة مش هاخد بـ.ـنتهم وادخل بيها لراجـ.ـل غريب يبقى لازم تعرف وترضى كمان.
بس
قاطعها محمد بعقلانية:
خلاص يا ميرال سيبيها براحتها وتاخد الوقت اللي محتجاه.
هزت رأسها بطاعة لتقول شهد وهي تهم وتخرج من الغرفة:
انا هروح ألبس علشان نلحق نشتري لوازم الفرح ده خلاص مفضلش غير كام يوم
لترجوها ميرال:
بس بسرعة يا شهد
فور نطقها كان يضع كتفه حولها ذراعها ويهمس بعبث وهو يضمها له و يضع قُبلة خاطفة على خدها:
سيبيها براحتها متستعجلهاش علشان في وعد ناوي اخل بيه.
شهقت هي وبرقت عيناها وهبت من جلستها مهرولة للخارج:
لأ مفيناش من كده خديني معاكِ يا شهد
استنى يا حلو هقولك
نفت برأسها وتوهجت بشـ.ـدة مما جعله
يقهقه على خجلها وتتعالى صوت ضحكاته لترفرف قلبها وتجعلها تتنهد وتقول بتنهيدة حارة وعيون مُسبلة وهي تضع يدها موضع قلبها:
يخربيت جمال ضحكتك
—.
رغم حُزنه الشـ.ـديد على أبيه ولكن لم يطاوعه ضميره أن يغـــضــــب عليها كونها شَهدت بالحق وكيف يفعل وهو ذاته كان لا يرضى بتضليله. ولكن لا ينكر انه يمـ.ـو.ت قهرًا لمَ آل إليه حال ابيه وكم لعن ذلك الشيطان اللعين الذي استغل ضعف نفسه أمام المال و اقحمه في ذلك المأزق اللعين.
ففور أن تعافى بعد الشيء خرج من المشفى و جاء إليه وهاهو يجلس في غرفة الضابط المسؤول ينتظر قدومه بعدmا اخذ أذن بزيارته، وفور دخول عبد الرحيم للغرفة تهللت اساريره وهرول يحتضن و لده قائلًا بفرحة عارمة:
وَالدي حمد الله على سلامتك يا نضر ابوك انت زين طمني
شـ.ـدد حامد على عناقه وأخبره بملامح حزينة متهدلة بأسى:
انا بجيت زين يا ابوي، زين
هنا انسحب الضابط من الغرفة قائلًا:.
طيب هسيبك يا حامد مع ابوك بس عشر دقايق مش اكتر
رد حامد ممتنًا وهو يفصل عناق أبيه:
تشكر يا بيه
بينما نظر عبد الرحيم متمعنًا بوجهه وكأنه يتأكد انه لم يهيأ له كون ولده أمامه وبخير ثم قال حامدًا:
حمد والشكر لله أنه ريح جلبي عليك يا وَالدي
نظر له حامد نظرة مطولة جعلت عبد الرحيم ينكس رأسه حين سأله مؤنبًا:
ليه يا ابوي!
اجابه بخزي من نفسه:
سامحني يا ولدي انا مدريتش بحالي من جهرتي عليك
ليستأنف عتابه:.
چوز بت عمتي كان ممكن يمـ.ـو.ت من ورا عملتك المغفلجة دي
رد عبد الرحيم بحسرة وكأن لم يتعظ:
ياريته كان مـ.ـا.ت وريحنا منيه بس الغريب بسبع ارواح
هز حامد رأسه بلا فائدة وتابع عتابه المضني وهو يجذبه ليجلسه على الاريكة الجلدية التي خلفهم:
واني كُمان يا ابوي كنت همـ.ـو.ت لولا ستر رَبنا، كيف مفكرتش أن الرصاصة اللي صابتني كانت رصاصة رحمة علشان تفكرك إن ربنا مش غافل عن نواياك وعايزك تتوب وتتعظ لكن انت تنيتك على عنادك.
نكس عبد الرحيم رأسه واجابه:
كنت رايد ارچع حجي في مال خيتي إحنا اولا بيه من الغريب ولما لجتيك غرجان في دmك مدرتش بحالي...
المال كان هيغنيك عني وعن راحة بالك يا ابوي، كنت هتبجى مرتاح لما تجتله وتحرج قلب امه ومَرته عليه، كنت هتحط جتتك كيف على فرشتك وتنعس يا ابوي من غير ما يوجـ.ـعك ضميرك! ليه عملت إكده وهينت شيبتك وضيعت هيبتك يا ابوي
اني راضي بأيتها حاچة يا ولدي غير أن يصيبك سوء.
بس اني كان نفسي تربي ولدي لما يجي وتنضره بيكبر جصاد عنيك
تقلصت معالم عبدالرحيم مستغربًا والتمع بعينه السؤال ليجيبه حامد:
مرتي حِبلة يابوي
هنا هب عبد الرحيم من جلسته وقال بضغينة دون أن يعير الخبر أي أهمية:
واه يبجى عشان إكده شَهدت علي بكل عين وچباير وحبلها جوي جلبها وخلاها تِشهد علي وتودرني...
بلاش تظن السوء فيها يا ابوي هي خبرتني باللي حوصل وهي مظلمتكش يا ابوي هي جالت الحَج وكل الخلج شَهدت عليكِ حتى الغفير جال على اللي حوصل في التحجيجات
لولا هي سبجت مكنش حد فيهم اتچرأ وفتح خشمه كلالتهم هيعملولي ألف حساب
عشان خايفين منيك يا ابوي ومن چبروتك لكن لما نطجت هي بالحَج كل واحد چيت عليه واستجويت ردهالك
واه بكفياك انت جاي تجف جصادي عشان تنجرزني ولا ايه
ده بدل ما تچبلي محامي يطلعني منيها.
تهدلت معالم حامد وقال بيأس شـ.ـديد من ذلك الكِبرالذي مازال يسيطر على قلب أبيه:
مش جصدي انجرزك ولا اجف جصادك إني بس حـ.ـز.نان عشان لساتك على عنادك و مكابرتك، أطرق عبد الرحيم رأسه ولم يجيبه ليستأنف حامد:
انا چبت محامي زين هيتولى كل حاچة، وهدعيلك يا ابوي ربنا يهديك ويزيح عنك شيطانك.
قالها تزامنًا مع دخول الضابط و أحد الأمناء الذين اعلنوا نهاية زيارته، وإن قبض الأمين على ذراعه وبدأ في سحبه معه ليرجعه للحبس صدر قول عبد الرحيم بنبرة راجية اكثر منها متسائلة وعينه متعلقة على ولده:
هتبجى تعاود تزورني يا ولدي، ولا هتجاطـــعـــني.
استشعر رجاءه بنبرته فلم يطاوعه قلبه أن يتركه دون أن يطمئنه فرغم افعاله المخزية إلا انه مازال أبيه لذلك تنهد بعيون غائمة وبقلب يتألــم هرول إليه يلاحق خطواته ثم بقلة حيلة انحني على يده يقبلها قائلًا ودmعاته تزف حسرته:
هعاود يا ابوي، ومش ههملك واصل وهدعيلك ربنا يفك كُربتك
ويرچعك لينا سالم
ربت عبد الرحيم على كتفه ثم دون حديث استجاب لجذب الامين له، تارك ولده ينظر لآثاره بقلة حيلة وبعيون دامعة متحسرة.
كانت في المسجد تأخذ درس في تلاوة و تجويد القرآن الكريم كما تعودت في المواظبة عليها قبل سفرها تلك العطلة الصغيرة التي حظت بها مع والدها وعائلته في احد محافظات الوجه البحري. وبعد انتهائها وأثناء سيرها خارج المسجد ودون أن تخرج من ساحته الواسعة لمحت شخص هيأ لها انها تعرفه يقوم مع مجموعة شباب مثله بأعمال تطوعية تخص نظافة المسجد. تجمدت بأرضها تستوعب كونه هو وكم استغربت هيئته المختلفة كل البعد عن سابقتها استغفرت الله بسرها كونها اطالت النظر ثم التفتت كي تغادر ولكن اتاها صوته حين رأها و تقدm منها دون النظر لها مباشرتًا:.
ازيك يا نغم
التفتت بمضض وردت بإقتضاب:
الحمد لله يا فايز...
كادت أن تغادر ولكن فضولها دفعها لسؤاله بتحفظ:
هو انت بتعمل ايه هنا؟
اجابها فايز بفخر ظهر جلي في نبرته:
انا انضمـ.ـيـ.ـت للزملاء في خدmة بيوت الله
هزت رأسها بتفهم وقالت بتحفظ:
ربنا يجازيك خير، اللي بتعمله ده من باب تعظيم حرمـ.ـا.ت ربنا وتعظيم شعائره، وربنا سبحانه وتعالى قال: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.
ابتسم بسمة صافية واخبرها وهو مطرق الرأس يتحاشى النظر لها:
الحمد لله على نعمته، ليتحمحم ويتسأل بتردد:
كنتِ منقطعة من فترة طويلة يارب يكون المانع خير
استغربت سؤاله ولكنها أجابته بتحفظ:
اه فعلًا كنت مسافرة مع بابا اجازة البلد، بس غريبة انت عرفت منين!
كنت بشوفك وانتِ مروحة من الدرس بتاع الحجة فاطمة اصل انا كمان بحفظ قرآن بقالي فترة ومواظب الحمد لله مع الشيخ خضر.
هزت رأسها وكادت تعتذر وتغادر ولكن فضولها دفعها كي تسأله:
ايه اللي غيرك كده انا مش مصدقة ان ده انت فايز اياه صاحب طارق المسيري وضله اللي مكنش بيفارقه
أجابها بنبرة استشفت بها حـ.ـز.نه:
(يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
وبعدين طارق اتوفى الله يرحمه ويسامحه
الله يرحمه اكيد زعلت عليه صح ده كان صاحبك اوي
بعد مـ.ـو.ته دخلت في حالة اكتئاب لغاية ما ربنا جمعني ببعض الزملاء اللي و وجهوني لطريق الصواب.
ربنا يتقبل منك عن اذنك لازم امشي
نغم هو ممكن اخد رقم والدك
عقدت حاجبيها و سألته مستغربة:
ليه مش فاهمة؟
ناولها هاتفه وطلب بأدب دون أن يدخل في تفاصيل:
هتفهمي كل حاجة بعدين بس ممكن تسجليلي الرقم هنا، علشان ميصحش وقفتنا كده وآسف إني وقفتك بالطريقة دي
فعلت ما أراد وهي مرتبكة للغاية وإن انتهت هرولت مُسرعة من أمامه مما جعله يبتسم على خجلها ويدعوا الله أن يرزقه وصالها في الحلال.
واه بكفياك يا جلب جمر
قالتها بعيون دامعة وبنبرة مواسية وهي تمسد على رأسه المسنودة على حجرها بحنو شـ.ـديد، ليضيف هو بدmعات حارقة:
مش هاين علي اشوفه إكده يا جمر جلبي كان بيتجطع جطيع عليه واللي جاهرني اكتر إن المحامي هيجول أن عجوبته مش هتجل عن خمستاشر سنة
شهقت قمر وضـ.ـر.بت على صدرها نادmة:
يامري، يامري، ياريت كان لساني انجطع، إني السبب
اعتدل بجلسته وقال وهو يمرر كف يده على وجهه:.
انتِ جولتي الحَج وما افترتيش عليه وبعدين هو اللي ودر حاله لحاله...
نكست رأسها وتسائلت بتقريع ضمير:
يعني أنت مش عاتب عليّ يا حامد
أجابها بثقة وهو يجذب يدها بين راحتيه بيد وباليد الأخرى يمررها على خدها كي يزيح تلك الدmعات التي تضامنت معه:
جولتلك لع يا جلب حامد الساكت عن الحَج شيطان اخرس
وإني لو عندي شك واحد أن ابوي مظلوم كنت مش بس عتبت عليكِ كنت جصيت لسانك كُمان
هزت رأسها بتفهم وردت دون مجادلة:.
وجتها كان حجك تعمل فيا اللي انت رايده بس يعلم ربنا أني مظلمتهوش ولساني نطج من جهرتي وحرجتي عليك
ضمها له وقال بعدmا وضع قبلة حانية على قمة رأسها:
خابر زين يا حبة جلبي وخابر كُمان ان جواك كيف اللبن الحليب مهيعرفش اللوع
حانت منها بسمة عاشقة ممتنة لثقته المتناهية بها ثم رفعت رأسها دون أن تخرج من احضانه و تسائلت بأهتمام:
طب وايه العمل مينفعش چوز نادين يتنازل او نشوف طريجة تهون الحكم عليه.
تنهد تنهيدة مثقلة ثم اجابها بملامح متهدلة:
لولا ستر ربنا الحكومة ملجتش اللي طخني وابوي مچبش سيرته واتجيدت ضد مجهول و المحامي هيجول أن الجضية التانية طالما چناية واتحولت للمحكمة مهينفعش تنازل وحتى لو غير اجواله مبجاش ينفع مع شهادة أهل البلد يعني خلاص ملهاش مخرج وابوي هيتحكم عليه يجضي الباجي من عمره بعيد عنِنا.
كان يتحدث بنبرة حزينة مغلفة بالأسى قطعت نياط قلبها و.جـ.ـعلتها تدفن وجهها بصدره تخفي دmعاتها كي لاتزيدها عليه ثم شـ.ـددت على ضمه لجسدها وكأنها تود أن تتقاسم معه ما يشعر فليس هين عليها رؤيته على ذلك الحال فقلبها يأن مثل قلبه وضميرها ينهش بها ولكن ليس لما اقدmت عليه بل من أجل حُزن زوجها.
مر يومان على رقدته ومن حينها وهي لم تفارق موضعها هي واطفالها كي تطمئن عليه و اول شيء رأه حين فتح عيناه كانت هي ببسمتها المعهودة التي ذكرته بذلك الربيع الذي كان يهفهف على قلبه بعدها، رمش عدة مرات يود أن يتأكد كونه لم يهيأ له، لتتحدث هي:
حمد الله على سلامتك يا حسن
حانت منه بسمة ضعيفة باهتة وهمس بضعف:
رهف هو ده انتِ صح انا مش بحلم مش كده معقول فضلتي جنبي.
أنت ابو ولادي يا حسن ومكنش ينفع اسيبك إن شاء الله هتبقى احسن الدكتور طمني ويومين وهيكتبلك على خروج
هو ايه اللي حصل؟
الدكتور قال غيبوبة سكر
جعد حاجبيه مستنكرًا لتستأنف هي:
كنت زيك مستغربة بس الدكتور قالي أن السكر زي الضغط بيتأثر بالعوامل النفسية والظاهر أن الخبر اللي سمعته هو السبب
تجهمت معالم وجهه واخبرها بنبرة واهنة:
مواد البناء والمعدات اللي جوة الموقع اتسرقت كلها
ازاي وفين بتوع الحراسة؟
الشغل واقف والمرتبات وقفت معاه وكل الموظفين وحتى شركة الحراسة انسحبت من الشركة و مكنش فاضل غير الغفير ولقوه مضروب ومتربط واللي قهرني أن اللي بلغني قال إن منار هي اللي ورا كل حاجة واعترفت على ابن***اللي اسمه حسام
وليه مبلغكش في ساعتها؟
انا كنت قافل تلفوني وانا عند يامن علشان اتهرب من المستشار القانوني بتاع الشركة اللي متعاقد معاها اصله طالبني بالشرط الجزائي ومكنتش عارف هتصرف ازاي.
تنهدت حانقة ثم طمئنته:
متقلقش انا هتصرف وهحل كل حاجة المهم دلوقتِ تشـ.ـد حيلك وتقوم بالسلامة
هتتصرفي ازاي يا رهف؟
مش واثق فيا يا حسن مش كده
انا مبقتش واثق فأي حاجة ليها علاقة بيكِ انتِ اتغيرتي اوي عن رهف اللي كنت اعرفها
قصدك اللي أنت غيرتها، في فرق كبير بين الاتنين لكن دايمًا كان في حاجة ثابتة بينهم أنك أنت ابو ولادي اللي عمري ما اتمناله حاجة وحشة
سألها بتنهيدة مثقلة بالنـ.ـد.م:
انا ازاي ضيعتك من ايدي يا رهف.
السؤال اجابته انت عارفها كويس يا حسن
رهف انا لسه
كان على وشك محاولة استعطافها لكن قاطعه اندفاع الباب ودخول سيدة في الثلاثين او أكثر من عمرها ويظهر القلق جلي على تقاسيم وجهها، عقدت رهف حاجبيها وسألتها بأدب:
حضرتك مين؟
رمقتها بطرف عيناها ثم اجابتها متعجرفة:
انا جاية اطمن على مستر حسن
انا شغالة عنده في الشركة
رحبت رهف بها بملامح ثابتة:
تمام اتفضلي.
تقدmت من فراشه وانحنت بجزعها عليه بطريقة لا تنتمي للحياء بشيء ثم وضعت باقة الورود بيده قائلة:
حمد الله على سلامتك يا مستر حسن
تحمحم هو ثم تناوب نظراته بتـ.ـو.تر بينهم و أجابها بإقتضاب وهو يضع الباقة اعلى الكومود بلا اكتراث:
شكرًا...
ابتسمت واخبرته:
اسمي سميرة وشغالة في قسم الحسابات انا من ضمن اللي لسه مسابوش الشغل ومخلصين لحضرتك.
أومأ لها وعينه لاتفارق رهف يتوجس من ردة فعلها ويخشى أن تظن به السوء فهو يقسم أن تلك المرة الأولى التي يرى بها تلك ال سميرة غريبة الأطوار
بينما هي كانت تتناوب نظراتها بينهم بملامح ثابتة لم يستشف منها شيء وزادت من تـ.ـو.تره، لتجلس الأخرى على المقعد المواجه لفراشه وترشق رهف من أعلاها لأخمص قدmها ثم تشـ.ـدقت بسؤالها:
مش أنتِ طليقة مستر حسن برضو ولا بيتهيئلي
ردت رهف ببرود وهي محتفظة بثباتها:
اه انا في مشكلة.
نفت برأسها وصبت كافة تركيزها عليه قائلة بأهتمام فائق:
حمد الله على سلامتك يا مستر حسن انا اول ما عرفت جيت جري علشان اطمن عليك
لتزفر رهف انفاسها وتخبره بهدوء يخالف تلك العاصفة التي تقصف بها:
لما الزيارة اللطيفة دي تخلص هجيب الولاد يطمنوا عليك اصل ما حبتش يشوفوك قبل ما تفوق
كادت تفتح الباب لتغادر الغرفة ولكن سؤاله اوقفها:
هما الولاد فين؟
اجابته ببسمة استفزته على الأخير و.جـ.ـعلت نيران الغيرة تشتعل بقلبه:.
في أوضة الدكتور نضال اصل انت في نفس المستشفى اللي بيشتغل فيها
ذلك أخر ما قالته قبل أن تترك الغرفة تاركته
يزمجر غاضبًا من سيرة ذلك ال نضال التي تثير جنون غيرته
أما عن تلك الزائرة كانت تستغرب ما اعتراه وتسألت:
هو أنت كويس يا مستر حسن!
لعنها بسره واجاب بإقتضاب وبملامح متجهمة:
كويس.
دفعت باب مكتبه وهي تظنه غير متواجد بداخله ولكن خالف ظنونها و وجدته يجلس يربع قدmه ويتوسط اطفالها ويتناول معهم الطعام وحين رأوها شهقوا متفاجئين بها وهدر هو بخفة وهو يدس قطعة البيتزا بأكملها بفم شريف المنفرج صدmتًا من حضورها الغير متوقع:
احيه قفشتنا!وملحنقاش نداري الجريمة.
قهقهوا الصغار بقوة حتى كادو يختنقوا بطعامهم بينما هي كادت البسمة تتسلل على ثغرها ايضًا ولكنها قلبت عيناها بلافائدة و ظلت على ثباتها معاتبة:
كده برضو يا ولاد بتاكلوا أكل من برة أنتو مش عارفين أنه مضر ومش مفيد ابدًا
عقبت شيري على حديثها بعدmا اندثرت ضحكاتها:
سورى يا مامي بس كنا جعانين اوي وزهقنا من السندوتش
ابتلع شريف ما بفمه بصعوبة واعتذر مثلها:
سوري يا مامي هو نضال سألنا واحنا اللي طلبنا منه.
تنهدت هي ونظرت له نظرة مطولة مؤنبة جعلته يهب من جلسته ويقول ببساطة دون تعقيد:
بلاش تبصيلي كده كانوا جعانين يعني اقف اتفرج عليهم وبعدين حـ.ـر.ام بقالهم يومين مش بياكلوا غير ساندوتشات وزهقوا منها
تقوم تسمع كلامهم يا دكتور
تنهد بقلة حيلة واجابها وهو ينظر لهم بنظرات حانية:
طب بذمتك ازاي عايزاني اصمد قدام اتنين زيهم وبعدين كنتِ عايزاني اعمل ايه!اجبلهم اكل من بتاع المستشفى اللي بيطفشوا العيانين بيه.
كان لازم اتصرف وبعدين مرة واحدة مش هتضر يا بشمهندسة
اصهب في شرح الموقف لها بطريقة اقنعتها و.جـ.ـعلتها تزفر انفاسها وتهز رأسها دون حديث ثم جلست على المقعد المواجه لمكتبه ساهمة مما اثار ريبته و.جـ.ـعله يطلب من صغارها:
طيب عارفين طريق الحمام روحوا اغسلوا ايدكم و وشكم يا ولاد ليربت على خصلات شيري ويستأنف مشاكسًا:
بس اوعي يا زقردة تبلي هدومك وتلعبي في الماية زي عوايدك
هزت رأسها بطاعة ولكن.
لم يتحركوا خطوة واحدة إلا حين هزت رهف رأسها ليركضوا سويًا من أمامها، ليتسأل هو:
مالك حاجة حصلت؟
تنهدت وهزت برأسها، ليلح هو:
لو حابة تتكلمي هسمعك
تحدثت دون تفكير وبتنهيدة متثاقلة غير عابئة بتلك النيران التي ستندلع به بعد حديثها:
في حاجات كتير جوايا مش عارفة اترجمها وحاسة إني تعيسة وضايعة ومتلخبطة.
شعر بقلبه يحترق بين احشائه من تصريحها الذي يعلم انه نابع من تأثرها بما حدث ل حسن ثم اجابها بتلك البسمة التي يجيد اقتناصها في أكثر أوقاته بؤسًا وهو يجلس مواجه لها:
بس أنا اتعس منك
زفرت بضيق ومررت يدها على وجهها قائلة بضجر:
مش فايقة بجد لهزارك
اجابها بكل ثبات انفعالي كعادته وهو محافظ على بسمته:
انا مش بهزر انا حاسس إني اتعس واحد في الدنيا وكل ما اقرب خطوة الظروف تعاندني وارجع ألف لورا.
استشعرت بحدثها ما يلمح له وحينها دق ناقوص الخطر و.جـ.ـعلها تود الفرار:
انا هروح اشوف الولاد واخليهم يطمنوا على ابوهم
قالتها وهي تهب واقفة كي تغادر مكتبه ولكنه منعها قائلًا وهو يقبض على رسغها برفق:
عارف إنك عايزة تهربي بس متهيئلي جه الوقت ت عـ.ـر.في بقيت الحكاية
عاندت هي ورفضت قائلة:
ارجوك انا مش عايزة اسمع حاجة سيبني اخرج
أصر بنبرة يائسة تملك الاحباط منها:.
مش هسيبك غير لما تسمعيني اعتبريها محاولة من واحد بائس محبط مبقاش فاضله أي أمل
نضال لو سمحت
حانت منه بسمة مختلفة عن سابقتها وهمس بغصة تسكن احشائه منذ زمن:
ت عـ.ـر.في أن اسمي حلو أوي منك كان نفسي اسمعه من سنين
ارجوك اسكت مهما كان اللي عايز تقوله مش هيغير حاجة
لأ هيغير يا رهف
ليه قررت تتكلم في التوقيت ده!
اجابها بنبرة مرتعشة متألــمة وهو يشعر بيأس لا مثيل له:.
علشان حاسس إني هخسرك للمرة التانية بسببه و عارف أن لو اتحطيت في مقارنة معاه هتختاريه هو مش انا...
وليه احطك معاه في مقارنة اصلًا
جمدت خضراويتاه لثوانِ لايصدق انها الى الان لم تتفهم مشاعره نحوها ولأول يشعر أنه ضئيل مقارنتًا بالآخر وبما تكنه له لذلك تسأل محبطًا:
افهم من كده ان مفيش وجه مقارنة بينا بالنسبالك؟ وأن انتمائك هيفضل ليه مش كده؟
زفرت و نزعت يدها من قبضته مبررة:.
نضال افهم، تعبه مش هيغير حاجة، انا وقفت جنبه علشان هو ابو ولادي
بس خــــوفك عليه بيقول غير كده
نضال لو سمحت انا موعدتكش بأي حاجة ومفيش حاجة تذكر بينا
غامت عينه وقال بنبرة مُو.جـ.ـعة يكشف الستار عن تلك القصة التي يملك طرف وحيد بها و لم تواتيه الشجاعة سابقًا أن يصرح بتفاصيلها:.
يمكن ده بالنسبالك بس، بس انا عمري ما عرفت انساكِ بسببك سافرت واتغربت علشان انسى انك بقيتي لراجـ.ـل تاني عارف إني اتأخرت وقتها ومصرحتكيش بمشاعري بس ظروف مرض ابويا ومـ.ـو.ته وتعب امي منعوني إني اتقدmلك و مكنش عندي الشجاعة ولا القوة وقتها إن اصارحك بمشاعري
ده نصيب وبعدين ما انت كمان اتجوزت
استرسل بنبرة مختنقة بائسة وخضراويتاه الدامعة تحاول اقناعها:
امي هي سبب جوازي من هاجر.
وكانت بتقنعني بشتى الطرق ومش معنى ده إني مقدرتهاش؛ بالعكس انا كنت بحترمها وبقدر مشاعرها وكان عندي استعداد اكمل عمري معاها او مع غيرها بس يمكن ربنا رتب كل حاجة من تاني علشان يديني فرصة تانية انا بجد محتاجها
لتفر دmعة عاصية من سـ.ـجـ.ـن عيناه ويتلاشى ثباته الانفعالي ويستأنف بنبرة مختنقة متحسرة يذكرها بذلك اليوم المشؤوم:.
انا لما جريت على صريخ سعاد ولقيتك غرقانة في دmك وقفت عاجز قدامك وحسيت بروحي بتنسحب، وكان قلبي هو اللي بينزف مش انتِ واتمنيت اروح اقــ,تــله بس بأي حق كنت هعمل كده، أنا كنت مستغرب أزاي واحد زيه يخـ.ـو.ن ويهين ويأذي ويبقى ناقم وبيقلل من نعمة أنه متجوز واحدة هي كل احلام وامنيات راجـ.ـل تاني.
لاتعلم ما اصابها كل ما تعلمه أن دmعاتها كانت تتساقط من عيناها دون ارادة، وبعد ثوانِ من الصمت المعـ.ـذ.ب من كلاهما لم يكن يسمع غير انين دmعاتهم غمغمت هي:
قولتلك كلامك مش هيغير حاجة يا نضال، انا آسفة على كل حاجة بس انا معنديش حاجة اقدر اديهالك سامحني وحاول زي ما عشت سنين من غيري تكمل حياتك أنت راجـ.ـل أي ست في الدنيا تتمناك
ابتلع غصته المُعـ.ـذ.بة وصارحها بكل وضوح:
بس مش عايز غيرك.
استرسلت بنبرة مختنقة بأنين جـ.ـر.حها:
مش هينفع صدقني هظلمك انا واحدة مبقاش جواها حاجة تديها لحد، وحتى لو فكرت أنا مش هقدر اخسر ولادي صدقني انا معنديش استعداد ولا طاقة لكده
حاول دعمها وكأنه يتوسل حبها:
حبي ليكِ هيقويكِ يا رهف وصدقيني أنا هبقى راضي بأقل القليل منك
نفت برأسها ثم غمغمت من بين دmعاتها التي لاتعلم سببها:
مش هينفع...
احتل اليأس معالمه وتنهد تنهيدة حارقة محملة بأنين ذلك القلب المعـ.ـذ.ب ثم غمغم وهو يمرر يده على وجهه بنبرة مختنقة مغلفة بحـ.ـز.ن مرير:
مشكلتك أنك مش عارفة تصالحي نفسك ولا تسامحيها على اللي فات وبتحاولي تباني قوية وزي ما اتأذيتي بتحاولي تأذي كل اللي حواليكِ خليكِ صريحة مع نفسك قبل أي حد و صدقيني لو حبيتيها واتصالحتي معاها الأول هتشوفي كل حاجة بمنظور تاني و هتتأكدي انك تستاهلي فرصة تانية.
صراحته تقــ,تــلها وتعريها دائمًا أمام نفسها فكيف يستطيع أن يسبر أغوارها لهذا الحد و تكون مكشوفة هكذا أمامه لذلك كرهت الأمر و استنكرت ضعفها بقولها التي لم تعنيه حقًا ولكن تفوهت به كي تحافظ على ماء وجهها:
يمكن أنت معاك حق بس مش معني كده أن الفرصة التانية دي هتبقى معاك
نظر لها نظرة مطولة متألــمة بسبب ذلك النصل التي غرسته بقلبه لتوها بحديثها، فما كان منها غير أن تقطع أخر السبل معه كي لا يتأمل هباءٍ:.
أنا هبعد يا نضال وارجوك حاول تقدر موقفي
حانت منه بسمة ممزقة متألــمة ورد بسـ ـخـــريــة مريرة يسخر بها من حظ قلبه اللعين الذي لم ينفك طوال سنين من حبها:
موقفك، على العموم انا مش هفرض نفسي عليكِ اكتر من كده ومش ضروري تبعدي انا هبعد وهضغط على الزرار وانساكِ واوعدك بعدها مش هعترض طريقك ابدًا، أنا حتى لو شوفتك في حتة هدور وشي وهعمل نفسي معرفكيش، ليرفع رأسه بكـبـــــريـاء ويضيف متهكمًا:
تأمريني بحاجة تانية يا بشمهندسة.
نفت برأسها وهرولت مغادرة و رغم أن ما فعلته هي راضية عنه إلا ان دmعاتها كانت تلاحق خطواتها وهي تشعر بشعور لم يراودها من قبل شعور غريب يتعدى التشتت و الضياع بمراحل عارمة.
↚
ستفقد كل الفرص التي سنحت لك بمجرد أنك قررت عدm محاولة استغلالها.
– واين جريتزكي
—
جلست بعيون ذابلة وملامح.
متهدلة بزاوية الغرفة أمام النافذة شاردة لا تعلم ما بها نعم ذلك ما ارادته ولكن لم تشعر بالضيق ولما ايضًا تشعر أنها فقدت شيء عزيز على قلبها ترى هو محق هل من المفترض أن تعطي فرصة لذاتها، ترى هو حقًا سيكون هو جدير بها ولكن مهلًا ماذا عن أنين قلبها وماذا ايضًا عن خوائها، حقًا لا تعلم اجابة واحدة لتسائلاتها كل ما تعلمه أن قواها خارت ورغبتها منعدmة نحو كل شيء، تعالت ضحكات صغارها لتنتشلها من افكارها لتجدهم يجلسون بجانبه على الفراش ويقوم هو بدغدغتهم معًا.
وسط قهقهاتهم وضحكاتهم المستمتعة، حانت منها بسمة باهتة على ذلك المشهد النادر الذي لم يتكرر سوى مرات تعد على أصابع اليدين، وتسائلت هل ياترى هي ظلمت ابنائها بأنفصالها، يعلم الله أنها تهاونت من اجلهم كثيرًا وكانت دائمًا تتغاضى و تتدبر السُبل كي تحيا بسلام ولكنه خزلها وهدm كل سُبلها ولم يقدر تضحياتها فلم تفعل ما فعلته إلا حين فاض بها نعم على أتم الاستعداد أن تفعل أي شيء من اجل ابنائها ولكن ماذا عنها وعن حق ذاتها عليها، إلا يحق لها أن تستعيد كيانها وتستقل بحياتها.
لاحظ هو شرودها ليتوقف عن ما يفعله ويضمهم له متسائلًا:
مالك يا رهف
نفت برأسها وتمتمت ببسمة باهتة:
مفيش حاجة مرهقة بس شوية
طب لو حابة تروحي ترتاحي انتِ والولاد أنا معنديش مشكلة
تنهدت وأيدت اقتراحه:
فعلًا انا محتاجة ارتاح والولاد كمان انا هروح دلوقتي وهبقى ارجعلك الصبح، الدكتور قال أنه هيكتبلك على خروج بكرة
وهنا اشرأب شريف برأسه متسائلًا:
مامي هو بابي هيروح معانا البيت.
تعلقت نظراتهم ببعض ولم تجيب هي، لتضيف شيري وهي تعانق ابيها:
مامي بابي مش ينفع يقعد لوحده ولازم نبقى معاه
انتظر جوابها بفارغ الصبر ولكنها زفرت انفاسها وقالت كي تخيب رجاءه في غفرانها:
مش هنسيبه لوحده يا ولاد هنبقى نزوره متقلقوش
رهف انا بجد محتاجلكم خلينا نرجع نتلم من تاني والولاد يتربوا وسطينا.
حاول اقناعها ولكنها اغمضت عيناها بقوة تلعن شتاتها، ودون أن تضيف كلمة واحدة تريح قلبه كانت تنهض وتتوجه نحو الخزانة تدس يدها بملابسه التي كان يرتديها تخرج مفاتيح شقته قائلة:
أنا هدفع حساب المستشفى قبل ما امشي وهجيبلك بكرة هدوم من البيت قبل ما اجيلك انا والولاد، وهبعت حد ينضفه ويعملك أكل علشان لما تخرج، عايز حاجة تانية اجبهالك قبل ما اجي
عايزك تريحيني يا رهف.
راحتك مش اهم من راحتي يا حسن، حمد الله على سلامتك
ذلك آخر ما قالته قبل أن تغادر الغرفة مصطحبة اطفالها تاركته ينظر لآثارها وهو يبتلع غصة مريرة مر الحنضل من شـ.ـدة نـ.ـد.مه كونه خسرها.
عادو للمنزل بعد انقضاء بضع ايام بالمشفى وقد تحسنت حالته كثيرًا وطمئنه الطبيب أن يمارس حياته العادية، فقد اصرت ثريا فور وصولها أن تذهب كي تطمئن على حسن...
وها هي نادين تجلسه على طرف الفراش قائلة بسعادة هائلة:
حمد الله على سلامتك البيت نور
البيت وحشني اوي
ابتسمت بسمة هادئة ثم انحنت كي تنزع عنه كنزته كي تساعده في ارتداء غيرها قائلة:
كان مضلم من غيرك.
نزعت عنه كنزته ثم رفعتها لأنفها تستنشقها بعمق مستمتعة ليباغتها هو ويجذبها من رسغها ويجلسها
بجواره متسائلًا بمشاكسة:
بتعملي ايه ما انا قدامك اهوا؟
اجابته بتنهيدة حارة مُسهدة:
ريحتك وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا يامن تعرف إني اقدر اميزها من بين ألف ريحة غيرها
اجابها بتلقائية:
اه البرفان ده حلو انا كمان بحبه ومتعود عليه
نفت برأسها وهي تميل تقبل كتفه قبلة مطولة وهي مغمضة العينين:
مش ريحة البرفان، ريحة جـ.ـسمك.
ابتلع ريقه وتثاقلت انفاسه عنـ.ـد.ما دفعته برفق تمدده على السرير ثم مالت بجسدها عليه دون أن تضع حمل جسدها على خاصته ثم اخذت تقبل صدره وخاصًا موضع ضمادته كأنها تواسي جـ.ـر.حه وتطيب بخاطره كي يطيب على الأخير
ثارت مشاعره وجف حلقه ثم رفع رأسها بأنامله وقال بنبرة متهدجة:
نادين أنا على أخري حـ.ـر.ام عليكِ
ابتسمت تلك البسمة الماكرة التي أوقعته بها ثم اقتربت من وجهه بشكل خطير هامسة بتطلب غريب هي ذاتها تستغربه:.
وحـ.ـشـ.ـتني اوي، بوسني يا يامن
ابتلع ريقه وقال بأنفاس ثائرة وهو يجذبها من مؤخرة رأسها:
هي تقريبًا الهرمونات دي هتكون مفيدة اوي وهتخدmني
قهقهت هي ولكنه كتمها حين اطبق على شفاهها بقبلة عاصفة أطاحت بدفعاتها و.جـ.ـعلته يرتشف من رحيق ثغرها.
اليوم هو اليوم الموعود التي طالما انتظرته بفارغ الصبر فقد اتموا كافة التحضيرات وتم حجز أحد القاعات الصغيرة التي تناسب إمكانياته فلم يقبل مساعدة من فاضل بأي شكل من الأشكال وكم كانت فخورة هي به وبعزة نفسه بعدها فهي لا ترغب في حفل زفاف اسطوري بل كل ما تطمح به هو حفل صغير يسعها بقربه والأقربون لقلبها.
يخربيت جمالك والنعمة هعيط.
قالتها شهد بعدmا انتهت خبيرة التجميل من وضع اللمسات الاخيرة لها لتبرز جمالها وحين انتهت نهضت ميرال بفستانها الابيض الزاهي الذي يضيق من عند الصدر وينسدل باتساع من عند الخصر بعدة طبقات من الشيفون المطرز بذلك اللؤلؤ البراق الذي انعكس ضيه داخل عيون الجميع واولهم نادين التي قالت بانبهار:
تحفة يا ميرال تجنني
اتسعت بسمتها وهي ترى انعكاسها في المرآة ثم قالت بسعادة تتقافز من عيناها:
بجد حلو يعني هعجب حمود.
يابت بطلي سهوكة بقى القلوب اللي طالعة من عينك ملت الأوضة
قالتها نغم بمشاكسة مما جعل ميرال تجيبها وهي تخرج لسانها:
وماله مهو بقى جوزي، جوزي، جوزي
كررت اخر كلمة وهي تدور حول نفسها مما جعلهم يقهقهون على جنانها وتعقب نغم:
لاحول ولا قوة إلا بالله البـ.ـنت كانت بعقلها
لتسايرها نادين وهي تتذكر مالك قلبها وتقبل دبلته التي تزين بنصرها بتنهيدة مُسهدة:
معلش معذورة الحب بيعمل اكتر من كده
رفعت نغم سبابتها بوجههم محذرة:.
وانتِ كمان لأ بقولكم ايه انا سنجل راعو مشاعري وبطلوا نحنحة منك ليها
قهقهوا من جديد تزامنًا مع دخول مُحبة التي فور رؤيتها أخذت تبكي من شـ.ـدة سعادتها، لتعاتبها ميرال:
بتعيطي ليه يا دادة حـ.ـر.ام عليكِ دلوقتِ
اجابتها مُحبة وهي تكفكف دmعاتها:
مش مصدقة يا بـ.ـنتي إني عيشت وشوفتك بالفستان الابيض
احتضنتها ميرال قائلة:
ربنا يخليكِ ليا يا دادة ويديكِ طولة العمر علشان تربي ولادي كمان.
ربتت مُحبة على ظهرها بحنو ثم فصلت عناقها وأخذت تطلق الزغاريد هي و شهد حتى تردد صداها ليبعث البهجة في في الأجواء التي بدأت لتوها حين دلف فاضل إليها كي يصطحبها ليسلمها لزوجها وفور رؤيته إياها دmعت عينه ودثرها بين احضانه متأثرًا:
زي القمر يا بـ.ـنتي ربنا يسعدك
مررت ميرال يدها على ظهره بحنو داعية:
ربنا يخليك ليا يا بابي
فصل عناقه قائلًا بغيرة ابوية:
هياخدك مني الولد ده
محدش يقدر ياخدني منك أنت حبيبي قبل منه.
قرص وجنتها مبتسمًا بسعادة متناهية ثم اخذ يدها يعلقها بذراعه وتقدm بها عبر ذلك الرواق الكبير الذي يوصل لتلك القاعة التي سيقام بها الزفاف وحين لمحته يقف من بعيد يواليها ظهره تقافزت ضـ.ـر.بات قلبها وتعالت انفاسها وهي تشعر أنها بحلم جميل وكل ما يمر بها هو من نسج خيالها.
ربت ابيها على يدها المسنودة على ذراعه وحثها كي تتقدm منه من أجل تلك اللقطات التصويرية التي يحرصون المصورون رصدها كي تخلد تلك الذكرى للأبد، نقرت هي على كتفه ليلتفت لها بتلك الطلة المبهرة مرتديًا بذلة سوداء ذات تصميم رجولي مميز للغاية تحتها قميص أبيض زاهي اللون وبيبيون لتكمل اناقته.
لثوانِ وقف كل منهم منبهر بالأخر دون حديث وكأن كافة امانيهم واحلامهم متجسدة أمامهم لتتسع بسمته شيء فشيء مع بسمتها ثم تقدm نحوها وبتنهيدة تنم عن راحة عارمة كونه فاز بها طبع قبلة مطولة على جبهتها.
تعالت الزغاريد تزامنًا مع وضعه ليدها بذراعه ثم سيره بها لداخل القاعة الصغيرة التي تضم عدد قليل من الاقارب والاصدقاء
وقد صدحت أصوات الأغاني الدارجة تعلن عن بدء فقرات حفل الزفاف كما هي متعارف عليها.
وقفت تتأملهم من احد الزوايا اثناء رقصهم تلك الرقصة الهادئة حين باغتها هو:
عقبالنا يا شهد
ابتسمت قائلة بخجل:
إن شاء الله
طب امتى مش هترضي عني بقى
قولتلك إني موافقة بس بعد ما اطمن على حمود و ميرال
انا معاكِ ومستعد استناكِ العمر كله يا شهد
تهـ.ـر.بت بنظراتها منه واشتعل وجهها حرجًا من جملته ولم تعرف ماذا تجيب، ليزيدها هو عليها:
على فكرة أنتِ مختلفة النهاردة.
ابتسمت بهدوء وهي تطالع فستانها النبيذي المحتشم وتسألت بتوجس وهي تتأكد بأناملها من لفة حجابها:
حلوة يعني!
لأ.
شهقت متفاجئة في حين اكمل هو برزانة:
انتِ علطول حلوة يا شهد مش النهاردة بس ومش ده اللي اقصده
أمال ايه أنت بتقول فوازير يا كاظم
ابتسم بسمة هادئة على نطقها لأسمه ثم عقب بإعجاب شـ.ـديد:
منكرش الفستان والميكب ظهروا جمالك اكتر بس انا بحب اشوفك على طبيعتك من غير رتوش
فركت يدها متـ.ـو.ترة وقالت بتلقائية:.
والنعمة دي عيونك
حانت منه بسمة مستمتعة على تلقائيتها وهمس بعيون مُسبلة:
على فكرة عيونك أنتِ احلى صافية وفيها دفى غريب بيخلي الواحد يرتاح بعد ما يبص فيها
مهلًا هل الأرض تدور بها أم ذلك أثر حديثه، فقد رفعت نظراتها كالمغيبة ثم ابتلعت رمقها من نظراته التي ارجفت اوصالها وكشفت الستار عن تلك المشاعر الكامنة التي كانت تناست تواجدها من الأساس، لتتلعثم بحرج:
نهار اسوح، براحة عليا، ربنا يخليكِ.
تنهد وقال وهو يشمل خجلها بنظرة تعدت الاعجاب بمراحل عارمة:
انا مقولتش حاجة لسه يا شهد
شهقت واستنكرت وهي تتهرب من نظراته:
كل ده ولسه مقولتش لأ انا همشي من قدامك احسن واروح اشوف البنات
قالتها وهي تهرول من امامه هاربة حتى لا يغدقها اكثر بأقاويله التي تكاد تبعثرها وتفقدها اتزانها.
بينما على الجانب الأخر كانت تجلس بجواره على الطاولة تتنهد تنهيدات حالمة وهي تشاهد ميرال و محمد يتمايلون على أنغام تلك الرقصة الهادئة، ليباغتها هو:
تحبي ترقصي
هزت رأسها واسندت رأسها على كتفه قائلة:
لأ يا حبيبي أنت لسه تعبان ومش عايزة اتعبك كفاية جيت معايا
انا بقيت كويس على فكرة والدكتور بنفسه قالك كده ليه مش مقتنعة
ايوة مش مقتنعة يا يامن وهفضل خايفة عليك لغاية متأكد بنفسي أنك أحسن
رفع حاجبه بمكر وتسائل:.
طب وهتتأكدي ازاي؟
تنهدت وقالت بعدm معرفة:
ها، معرفش
باغتها بجرأة وبنظرات ماكرة اخجلتها:
لازم تكونِ مش عارفة ما أنتِ من ساعتها واخرك البوس
كتمت فمه بيدها ونهرته قائلة:
هتفضحنا يا يامن اسكت
تحدث من تحت كف يدها فلم تفهمه لتزيح يدها ويقترح هو بمغزى تعلمه هي تمام المعرفة:
طيب سبيني اكدلك بطريقتي لما نروح
اجابته ببسمة ماكرة:
نبقى نعمل مفاوضات ونشوف
قلب عينه وحاول استعطافها:.
حـ.ـر.ام عليكِ والله انا لو في حاجة تعباني فهو انتِ
وضعت يدها على وجنته وعقبت بنظرات مغوية:
هتبقى مفاوضات سلمية يا يامن
تأهب متسائلًا:
بجد سلمية من غير شغب ولا احتجاج
هزت رأسها ب لا لتتسع بسمته البشوشة ويقول مشاكسًا:
طب حيث كده يلا بينا عايز اروح دلوقتِ بس قبلها هوديكِ مكان هيعجبك
هتوديني فين؟
متستعجليش هت عـ.ـر.في
طب خلينا شوية وطالما اعترفت انك بقيت احسن تعالى نرقص الأول.
قالتها وهي تجذبه من يده لحلبة الرقص ويشاركون العروسان رقصتهم
أما عنهم فكانوا يتمايلون على أنغام تلك الأغنية الرومانسية الهادئة حين كانت هي تتشبث به وكأنه طوق نجاتها التي لن تفرط به مهما حدث مما جعله يميل على اذنها مشاكسًا:
هو انتِ ماسكة حـ.ـر.امي يا ميرال
نكزته برفق بكتفه ورفعت نظراتها له قائلة ببسمة واسعة:
اه حـ.ـر.امي سرق قلبي وعقلي وكل كياني
كل ده لأ ده الموضوع خطير ومش لازم يتسكت عليه.
لأ ما انا مسكتش واتجوزته وهحبسه في قفص الزوجية ومستحيل هطلق سراحه ابدًا
قهقه هو بكامل صوته الذكوري وطوح رأسه بأستمتاع على حديثها، لتهيم بضحكته كعادتها وتهدر قائلة بنبرة تعدت العشق بمراحل عارمة:
يخربيت جمال ضحتك والله بحبك بحبك يا حمود
قالتها وهي تدس رأسها بصدره من جديد ليقبل هو اعلى رأسها ويهمس بعشق يضاهي عشقها:
وانا بحبك اكتر يا حلو.
أما عن نغم فكانت تجلس برفقة والدها تشاهدهم من موقعها ببسمة هادئة ولوهلة أتى هو برأسها وتذكرت مقابلته لابيها بأحد الايام السابقة و تذكرت ايضًا تلك الدقائق المعدودة التي تحدثت معه بها فقد وعدته انها ستستخير ربها ويبدو أن تلك الراحة التي تَسكن قلبها مبشرة بالخير. لتتنهد تنهيدة عميقة مطولة ثم تهمس لذاتها:
اللهُم اجعله سند كسند الرّسول لِعائشة حين إحتمت خلف ظهره خــــوفاً من أبيها.
كانت الأجواء مبهجة للغاية والسعادة تعم على الجميع لحين انتهى الحفل وكاد يغادر بها لولآ أن فاضل اقترب منه قائلًا وهو يربت على كتفه:
خلي بالك منها يا محمد، ميرال امانة في رقابتك ارجوك حافظ عليها
ابتسم هو قائلًا بثقة عارمة دون لحظة تردد واحدة وهو يحاوط خصرها:
ميرال في عيني وجوة قلبي يا فاضل بيه متقلقش عليها
ابتسم فاضل بـ.ـارتياح، لتقترب شهد ايضًا وتقول بسعادة وبدmعات حانية وهي تحتضن ميرال:.
مبروك يا ميرال ربنا يهنيكم ويسعدكم يارب
الله يبـ.ـارك فيكِ يا شهد عقبالك
لتقترب وتهمس بأذنها:
حـ.ـر.ام عليكِ تاخري اكتر من كده أبيه على آخره
نكزتها شهد ببسمة عابرة من بين دmعاتها الفرحة في حين هو جذبها لأحضانه وقبل جبهتها قائلًا بحنو اخوي:
بطلي عـ.ـيا.ط يا بركة ولا عايزة تنكدي عليا في يوم زي ده
لا يا اخويا ربنا يعلم أن فرحتي بيك الدنيا مش سيعاها
فصل عناقه وعاتبها وهو يسحب منديل بدلته ويجفف به دmعاتها:.
طب بطلي عـ.ـيا.ط بقى واديني زغروتة حلوة من بتوعك
أنصاعت له واطلقت زغرودة فرحة مجلجلة وإن انتهت رفع يدها وقبلها ثم من بعدها جبهتها داعيًا:
ربنا يخليكِ ليا يا شهد
ابتسمت شهد باتساع وأخذت تدعوا لهم وأمنوا الجميع على دعواتها حتى تلك المختبئة هناك التي أتت خصيصًا بعد هجر سنوات كي ترى ابـ.ـنتها التي تخلت عنها يوم زفافها.
غادروا العروسان وانصرف الجميع وإن كاد يغادر هو تجمد بأرضه وهو يراها تسير بخطى وئيدة متعثرة.
في بادئة الأمر هيأ له أن الأمر من نسج خياله ولكن حين دقق بها تأكد انها هي اسرع بخطواته إليها زاعقًا بأسمها:
صافيناز
توقفت مشـ.ـدوهة والتفتت له تطالعه بنظرات خاوية ليتحدث هو بشـ.ـدوه تام:
بتعملي ايه هنا!
جاية اشوف بـ.ـنتي يا فاضل ولا دي كمان عايز تحرمني منها
مش قصدي انا...
قاطعته هي:
انت السبب يا فاضل انا عمري ما سمحتك
انتِ اللي عمرك ما حبتيني ولا اتمسكتي بيا وبـ.ـنتك.
انت اللي خيرتني ومكنش عندي استعداد اقضي الباقي من عمري مزلوله ليك علشان بس ترضى غــــرورك وانانيتك وإذا كان عن الحب ده مش بأدينا وغـ.ـصـ.ـب عننا ملناش سُلطة عليه
انا لومت نفسي كتير بعد اللي حصل وصدقيني لو رجع الزمن بينا كنت احترمت رغبتك ومحرمتكيش من بـ.ـنتك
رددت كلمته بنبرة مريرة:
بـ.ـنتي...
ليه مبـ.ـاركتلهاش؟
هقولها ايه يا فاضل مهما حصل مش هتسامحني إني اتخليت عنها واسبابي مش هتقنعها.
انا اخترت حياتي زمان بكامل ارادتي ومنكرش إني عمري ما نسيتها مفيش أم بتنسى ولادها، بس مكنتش عندي الشجاعة اواجهها لا زمان ولا دلوقتِ
سامحيني يا صافيناز انا اللي..
قاطعته من جديد بإقتناع:
ده اختياري انا يا فاضل ومش نـ.ـد.مانة عليه ومتأكدة أن ربنا عوض بـ.ـنتي
عن اذنك عزت مستنيني و زمانه قلقان عليا هو والولاد ولازم ارجع على اول طيارة.
ذلك آخر ما نطقت به قبل أن تغادر تاركته يبتسم بسمة ساخرة على ذلك الزمن الذي لم يغير بها شيء حتى تفضيلها لذلك ال عزت التي تخلت من أجله عن كل شيء واولهم قرب ابـ.ـنتها.
ايه رأيك؟
قالها وهو يقف بها على أعتاب تلك ال?لا الكبيرة التي ابتاعها مخصوص من أجلها
جالت المكان بعيناها منبهرة بكل شيء وتسائلت:
رأي في ايه يا يامن ال?لا تجنن بتاعة مين وجايبني ليه هنا!
اجابها بنظرات حالمة:
بتاعتنا يا قلب يامن كنت عاملهالك مفاجأة قبل ما...
ابتلع باقي حديثه ولم يشاء أن يتذكر الأمر، لتتفهم هي وتقترب تحتضنه قائلة:
حبيبي بس ده كتير عليا اوي
مفيش حاجة تغلى عليكِ.
بس انا بحب البيت هناك ومش عايزة اسيبه ده كل ركن هناك لينا ذكرى فيه
بس انتِ وعدتيني نبدأ من جديد، صحيح لينا ذكريات جوة البيت القديم بس انا عايزة نعمل ذكريات تانية اجمل من اللي فاتت والبيت ده هيشهد عليها
طب وماما ثريا هترضى؟
امي المهم عندها تشوفنا مبسوطين واكيد مش هتمانع
تنهدت ببسمة واسعة ثم تعلقت بعنقه قائلة بسعادة عارمة:
ربنا يخليك ليا يا يامن.
ويخليكِ يا قلب وروح يامن ويقدرك علشان تمليلي ال?لا دي كلها عيال
لأ هما ولد وبـ.ـنت بس ونحمد ربنا على كده
لأ انا عايز خمس بنات وكلهم شبهك
شاكسته هي بحاجب مرفوع مستخدmة طُرفته السابقة:
طب وبُرعي نسيته
مط فمه وشاكسها:
صح عندك حق و بُرعي علشان يبقوا نص دستة
قهقهت على مشاكسته ثم سحبته من يده قائلة:
طب تعالى فرجني على بقية ال?لا.
لأ بقولك انا مش بحب تضيع الوقت انا هفرجك على أوضة النوم الأول والمفاوضات السلمية تبقى فوق وياسلام بقى لو طاوعتني و جربنا السرير
قطمت شفاهها وقالت بتطلب غريب والاثارة تقطر من نظراتها:
هو الحمل طالب حاجات غريبة معايا وبصراحة معنديش مانع
قهقه هو بقوة على حديثها ثم شاكسها بغمزة من عينه:
انا قولت الهرمونات دي هتخدmني مصدقتنيش
قهقهت من جديد وداعبت تلك الشعيرات النامية بذقنه بأناملها هامسة:.
أنا كلي ملكك يا يامن بهرمونات أو من غير انا نفسي اعمل أي حاجة علشان اسعدك واعوضك عن كل حاجة
تنهد مُسهدًا وهمس وهو يهيم بها بعيون احتلتها الرغبة بالفعل:
امـ.ـو.ت فيكِ وانتِ حنينة وعايزة تدلعيني
طب يلا بقى قبل ما الهورمونات تشتغل و ارجع في كلامي
قالتها وهي تجذبه من يده
فما كان منه غير يسبقها بخطواته التي تنم عن توقه الشـ.ـديد لها وبينه وبين ذاته فكان يتوعد لها بليلة جامحة كي يعوض حرمانه من نعيم قربها.
دلفوا لشقتهم الصغيرة معًا وهو يحملها مثل تلك الأفلام الكلاسيكية التي كانت تشاهدها مع ابيها، فكانت تتعلق بعنقه وتهيم به بنظراتها التي قابلها بأخرى حالمة حين انزلها وأغلق باب الشقة، انتفضت من موضعها واخذت تفرك بطرف طرحة فُستانها بتـ.ـو.تر بالغ يكاد يوقف قلبها.
تحمحم هو واقترب يحاوط خصرها من الخلف هامسًا بنبرة ملتاعة متشوقة وهو يلثم كتفها:.
اخيرًا هيتقفل علينا بيت يا حلو أنا مش مصدق أنك هنا معايا وأن خلاص كل احلامي اتحققت بيكِ
حاوطت يده التي تحتضن خصرها وهمست بنعومة وهي تميل رأسها بتجاوب مع لمساته وقُبلاته الحارة المتقطعة التي أخذ ينثرها ويصعد بها لعنقها:
ولا انا يا حمود حاسة أن قلبي هيقف من كتر الفرحة
ادارها إليه دون أن يفُك حصار يده من خصرها ثم ضمها لجسده بعناق حميمي افقدها اتزانها:
سلامة قلبك ودقاته يا حلو ايام وفرحة قلب حمود.
مرغت وجهها بصدره كالقطط ثم همست بتخدر متأثرة بذلك العناق الحميمي الدافئ الملفح بالاحتياج:
نفسي افضل العمر كله في حـ.ـضـ.ـنك وبين ايديك يا حمود
اتسعت بسمته وقال ويده تسير على ظهرها بحركات حانية مطمئنة بثت القشعريرة بها:
وانا نفسي اغرق فيكِ الباقي من عمري يا ميرال
اوعدني أن مهما كان اللي بينا عمرك ما هتسبني انام زعلانه بره حـ.ـضـ.ـنك.
وعدها بصدق وبأنفاس ثائرة وهو يدس أنفه بخصلاتها يستنشق رائحتها المسكرة التي تُسكر كافة حواسه بكل اريحية وكأنه يعوض تلك الايام التي كانت تزلزل ثباته بها حين يشمها عن بُعد:
اوعدك يا حلو
رفعت رأسها له ودون أن تفصل عناقهم تسائلت:
ليه دايمًا بتقولي يا حلو
اجابها بوله تام وهو يسند جبهته على خاصتها:.
علشان أنتِ حلوة اوي يا ميرال وكل حاجة فيكِ حلوة، ليقترب ينثر قُبلاته على كل أنش بوجهها ويهمس همس مثير متقطع جعل القشعريرة من جديد تنتاب كافة اوصالها:
ضحكتك، رقتك، عيونك، صوتك كسوفك، عفويتك كُلك على بعضك حلو...
قال آخر جملة بأنفاس متثاقلة وقبل أن تستوعب أو تتدارك الأمر لمواكبته كان يلتقم شفاهها بقُبلة متناغمة تواقة للمزيد والمزيد كي يرضي شغفه بها أما هي فكانت مأخوذة وبهيمنته الطاغية حتى انها تعلقت بعنقه بعدmا شعرت أن قدmيها كالهلام ولم يعودوا يحملوها لذلك تشبثت به بقوة وكأنه طوق نجاتها لتنفلت شهقة متفاجئة من بين تلاحم شفاههم تخصها حين رفعها من خصرها واخذ يسير بها نحو غرفتهم لتتملص هي بشفاهها من بين خاصته وتهمهم بعيون مُسبلة و بنبرة متخدرة افقدته آخر ذرة تعقل به:.
هتعمل ايه مش قولتلي هنصلي الأول وتؤم بيا؟
اجابها وهو بالكاد يتحكم بانفاسه:
ايوة اكيد مش هاتفوتني هنصلي الأول
ليستأنف بتوق شـ.ـديد محذرًا:
بس ياريت متقاطـــعـــنيش تاني ومتسأليش عن أي حاجة بعديها
ردت بعيون مُسبلة وبرقة متناهية و بطاعة راقته للغاية:
حاضر يا حمود بس نزلني
تأوه من فرط رغبته ثم قال بنفاذ صبر وهو يستأنف سيره بها:
آه يخربيت كده! اسكتي متقوليش حمود دي اعصابي باظت!
ابتسمت على لهفته ثم دفنت وجهها بين ثناياه كي تداري خجلها ليخطوا هو بها نحو الغرفة وإن دخل اغلق الباب خلفه بكعب حذائه وهو ينوي اولًا القيام بصلاة ركعتين لحمد الله وشكره على النعم التي أنعم عليه بها ثم بعدها لا شيء سيردعه كي يرتوي حد الاكتفاء من ينبوع عشقها.
↚
كلما كنت أحتاجك وجدتك على الفور إلى جانبي قبل أن أطلب منك ذلك حتى، سبحان من جعل منك سندًا لي وعونًا في هذه الحياة القاسية التي لا ترحم أحدًا.
—
وقفت تباشر الخادmة وهي تعد الطعام بملامح متقلصة نافرة جعلت الخادmة تتسائل مستغربة:
واه كنك يا ست چمر
وضعت يدها تسد انفها وقالت بنفور:
مخبراش ريحة الوكل كنها عِفشة كده ليه!
واه ده انا طبيخي زين و طبخاه بالسمن حتى دوجي.
قالتها وهي ترفع المعلقة معبئة بمهروس البامية المطبوخة الذي يسمى ويكا لديهم، لتنفي قمر برأسها وترفض قائلة:
لع مش لادد عليّ اني مش هاكل منيها ابجي چيبيلي خرطة چبنة جديمة من البلاص
بس ياست جمر أنتِ لازمك غذى والعيل اللي في حشاكي لازمه وكل عشان يطلع صحته زينة
مش جادرة معدتي مش جابلة الوكل نفسي رايحة للچبنة
بس يا ست جمر
واه اسمعي الكلام اللي هجولك عليه من سكات.
وعند أخر جملة صدرت من قمر كانت تدلف ونيسة للمطبخ ولم تسمتع إلا لسواها لذلك هدرت بحدة متهكمة:
والله وبجيتي تأمري وتنهي يا جمر من غير ما تعملي اعتبـ.ـار لحد
انا مجولتش حاچة يأما ونيسة دي...
قاطعتها ونيسة بقسوة وبسوء نية:
اسمعي لو فكرك أن بحبلك هتبجي الحاكمة الناهية في الدار تبجي غلطانة انا هنا ست الدار والكلمة كلمتي وإياك يكون فكرك أن وَلدي خرع وياكِ هتركبينا كيف المواشي وتدلدلي.
شهقت الخادmة بينما هي نكست رأسها ولم تجرأ على الرد عليها احترامًا لزوجها الذي كانت غافلة كونه استمع لحديث والدته بالصدفة حين اشتاق لها و اتي يبحث عنها، لتستأنف ونيسة وهي تلوي شـ.ـدقها:
واه كنك ماهترديش ليه حديتي مش لادد عليكِ ولا ايه!
بكفياكِ يا أما
قالها وهو يقف على أعتاب المطبخ لتلتفت ونيسة له قائلة:
وانا جولت ايه؟ اتشطر على مرتك اللي سيجاك كيف البهيمة.
غامت عيناها ونكست رأسها ثم استئذنت قائلة بنبرة مختنقة على وشك البكاء:
عن اذنكم
تنهد هو بضيق لرؤيتها بتلك الحالة ثم قال لوالدته معاتبًا:
ولدك راچل يا أما وانتِ خابرة إكده زين ومحدش يجدر يسوجه وهي مجالتش حاچة
هنا تدخلت الخادmة قائلة:.
ايوة صوح يا سي حامد هي مجالتش حاچة دي كانت هتطلب مني اطلعلها حتة چبنة من البلاص واني كنت هتحايل عليها عشان تاكل وكل زين للي في بطنها واخر ما زهجت مني جالتلي اسمعي الحديت من سكات على داخلة ست ونيسة
هز حامد رأسه متفهمًا ثم طلب منها أن تغادر المطبخ وقال مؤاذرًا زوجته:
اهه سمعتي بودنك يا أما.
هتدافع عنيها ولا كأنها سحرالك ده بدل ما تطلجها وترميها لأهلها عشان طلعت جليلة الأصل وخانت عيشنا وملحنا وخبصت على ابوك
مرتي مش جليلة الاصل مرتي ست البنات وشَهدت بالحَج وعاملة بأصلها بدليل انها مفتحتش خشمها وياكِ بنص كلمة ولا ردت على حديتك الواعر ليها ونجرزتك جَبِل سابج
يعني ايه هتجسيك عليا انا كُمان إياك كيف ما جستك على ابوك.
لع يا أما مفيش جوة تجدر تجسيني عليكم وهفضل طول ما ربنا عطيني عمر ابركم واتجي الله فيكم، وهجبل أيتها حاچة منيكم لكن مش هجبل على مرتي ويكون في معلومك لو تنيتك بتعامليها إكده أني هخدها ونسيب الدار وهروح اعيش مع أهلها في أسيوط
لطـ.ـمـ.ـت ونيسة صدرها و ولولت قائلة:
عاوز تهملني لحالي يا حامد إكده دي اخرتها يا وَلدي
انا عمري ما اجدر اهملك يا أما بس انتِ هتچبريني لكده...
ليتنهد بعمق ولم يطاوعه قلبه حين رأى الحـ.ـز.ن والكـ.ـسرة تحتل تقاسيم وجهها:
يا أما الله يرضى عليكِ افهميني وريحيني
انا هحبها ومعوزش حاجة تنغص عيشتى وياها وخصوصًا أن ربنا عوض صبرنا خير بِحبلها، بلاش يا أما تكونِ سبب في تنغيص عيشتي ولو عندي خاطر عندِك حني عليها دي مفيش اطيب من جلبها وبكفاية أن ولدك هيعشجها وروحه فيها.
هزت ونيسة رأسها بشيء من الاقتناع في سبيل عدm تركه لها لينحني هو ويقبل يدها ويتحدث بعطف وحنان شـ.ـديد:
ربنا يخليكِ فوج روسنا يا أما.
اخذت حمام دافئ كي تزيح عنها آثار تلك الليلة الجامحة التي أغدقها بها. وفور انتهائها جلست بروب الاستحمام على ذلك المقعد الصغير أمام مرآتها تمشط شعرها.
فكانت شاردة تتذكر حفل زفاف ميرال وكم كان رغم بساطته إلا أن سعادتهم طغت على كل شيء وكانت دليل قاطع كون السعادة لم تكن يومًا بالمال، فكم كانت تأمل من قبل بحفل زفاف مثل حفلها ولكن الآن اختلفت قناعاتها ورغم أنه ألح كي يستأنف تحضيراته إلا أنها رفضت رفض قاطع وعارضته فيكفي ان الله عوضها به وأعاده لها لتنعم بقربه وبتلك القطعة التي تأمل أن تشبهه و تنمو بين أحشائها.
سرحانة في ايه يا مغلباني.
قالها وهو يستند على إِطار الباب ويكتف يده، لتلتفت له وتقول ببسمة هادئة:
فيك يا حبيبي
اتسعت بسمته الدافئة ثم اقترب منها بعد ان اقفل الباب ثم جلس على طرف الفراش القريب من جلستها ثم ادارها من جلسته على ذلك المقعد الدائري و دفن وجهه بين خصلاتها المبتلة هامسًا:
بطلي أونطة يا مغلباني وقوليلي كنتِ سرحانة فأيه...
أجابته وهي تنظر لانعكاسهم بالمرآة:
ابدًا، الفرح امبـ.ـارح كان يجنن و ميرال و محمد كانوا مبسوطين اوي.
هز رأسه يؤيدها ثم تناول المشط من على التسريحة أمامها وتحدث وهو يمشط به شعرها بحركات حريصة متباطئة:
ربنا يسعدهم محمد جدع ويستاهل كل خير
تأهبت قائلة بدفاع قوي:
و ميرال كمان تستاهل كل خير مش محمد لوحده
اجابها ببسمة مشاكسة وهو منشغل في تمشيط خصلاتها:
خلاص متتحمقيش بصراحة مكنتش برتحلها الأول بس بعد وقفتها معاكِ ودفاعها عنك غيرت رأي فيها
هزت رأسها بتفهم ثم التفتت من جديد له ولكن بكامل جسدها قائلة:.
انا مبسوطة اوي علشانها ونفسي كمان افرح ل نغم تخيل أن فايز اتقدmلها
فايز مين؟
تلعثمت وهي تنكس رأسها:
فايز، صاحب ط...
قاطعها قبل أن تنطق بأسمه:
متكمليش عرفته بس ده عيل فاقد ومش شبهها
انا كمان كنت فاكرة كده بس هي بتقول أن ربنا هداه وبقى حاجة تانية خالص
أومأ لها ودون ارادة منه تغير مزاجه على ذكر ذلك الشخص الذي عنفه من قبل كي يخبره بمخطط صديقه اللعين بذلك اليوم المشؤم، لاحظت هي وجوم وجهه وتسائلت:
يامن مالك.
نفى برأسه ببسمة باهتة وأجابها:
واضح كده ان لو حصل نصيب مش هجتمع معاهم ابدًا
تنهدت هي وحاوطت خصره قائلة وهي تمرغ وجهها بذراعه:
كلنا كنا ضايعين زمان وربنا هدانا واتغيرنا علشان خاطري بلاش تقرر من غير ما تشوفه مش يمكن تبقو اصحاب، وبعدين ربنا غفور رحيم إحنا يا بشر مش هنسامح
تنهد بقوة وهمس وهو يضع قبلة اعلى رأسها:
هحاول علشان خاطرك
اتسعت بسمتها ورفعت رأسها له متمتمة بسعادة متناهية:.
يامن هو انا قولتلك قبل كده إني بحبك؟
هز رأسه بنعم لتستأنف هي:
طب زيد عليهم دي اقتربت واضعة قُبلة على ثغره خاطفة وهمست بعدها:
بعشقك يا يامن والحب كلمة ملهاش قيمة من كتر اللي جوايا ليك
ضمها اكثر له ورفعها من مقعدها الصغير جاذب جسدها إليه وتراجع بها على الفراش خلفهم حتى مددها فوقه ثم همس بشغب لامثيل له وهو يحتوي مؤخرة رأسها:
قلب وروح يامن أنتِ يا مغلباني ربنا ما يحرمني من قربك ابدًا.
ابتسمت باتساع وهامت به قائلة وهي تكوب وجهه:
متقلقش، انا هفضل لازقة فيك العمر كله ومش هتخلص مني ابدًا
ادار جسدها ليعكس الأمر ويعتليها هامسًا بنبرة لعوب تعرف ماذا سيحدث بعدها:
احب ما على قلبي قربك انا اصلًا مش بعرف اتنفس وانا بعيد عنك
بحبك
شاكسها بنبرة لعوب:
لأ اثبتي معلش انا مش عايز كلام انا عايز أفعال
قهقهت على دعابته الماكرة ثم تعلقت بعنقه هامسة وهي تضغط على كل حرف وتتبعه بقبلة خاطفة على شفاهه:.
ب، ح، ب، ك
اعترض بمكر:
اثباتاتك ضعيفة اوي معجبتنيش تسمحيلي بقى اوريكِ ازاي
وقبل أن تعطيه موافقتها كان يلتهم شفاهها بقبلة نهمة متلهفة للمزيد والمزيد من سيل عطائها التي اغدقته به لتعوضه عن تلك الأيام الصارمة.
دخلت هي الشركة التي تعمل بها و تملكها صديقتها بخطوات اعتيادية رتيبة في طريقها لمكتبها وإن وصلت وكادت تضغط على مقبض الباب حين استمعت لصوته الرخيم وجمدت بأرضها فقد رأته يقف مع سارة أمام غرفة مكتبها
متشكر جدًا يا بشمهندسة سارة انا كده سددت قيمة التكاليف كلها وبجد سعيد إني اتعاملت مع حضرتك
الشكر كله ل رهف هي اللي خلصت العيادة في وقت قياسي وطلبت مني اسلمهالك.
هز رأسه بحركة بسيطة وابتلع غصة قلبه قائلًا:
اشكريها بالنيابة عني عن اذنك
لتسمح له سارة ببسمة عملية ويلتفت كي يغادر ولم يلحظ وجودها ولكن حين أَن قلبه علم انها قريبة منه، فقد تناول نفس عميق كي يدعم قلبه الذي يختنق من شـ.ـدة الألــم واكمل طريقه بنظرات ثابتة على باب الخروج دون أن يعيرها أي اهتمام اوحتى يمنحها نظرة خاطفة،.
مما جعلها تتبع ظهره بنظراتها وتشعر بشيء يثقل قلبها، فتلك ليست أول مرة تراه بها بعد ماحدث فقد تعددت الصدف بحكم جيرتهم ولكن هو يتعمد في كل مرة أن يفي بوعده ويتجاهل وجودها حتى انه يتصرف وكأنه لم يصادفها قط بحياته وبطريقة ما يحـ.ـز.نها الأمر ويثقل قلبها ولا تعرف تفسير لذلك إلا أن وضوحه معها وتحليله لنفورها اخجلها من ذاتها ودون قصد قامت بإيذائه كما تأذت هي.
أخذها للطبيبة كي يباشر حملها ويطمئن على صحة الجنين وهاهم ثلاثتهم يجلسون داخل العيادة ينتظرون دورهم، فكانت تتأمل كل النساء المنتفخات من حولها بأنتباه شـ.ـديد حين مال عليها هامسًا:
نادين مالك بطلي بحلقة في الناس
تنهدت ونكست نظراتها وقالت متوجسة:
يامن هو انا هبقى شبهم كده الشهور الجاية
رفع منكبيه وكأنه شيء بديهي، لتشهق هي وتقول برعـ.ـب:
معقول هبقى شبه البالون كده لأ انا مش عايزة اتخن انا بحب جـ.ـسمي كده.
استمعت ثريا لأعتراضها وطمئنتها قائلة:
متقلقيش يا بـ.ـنتي جـ.ـسمك بيرجع زي الأول بعد الولادة كلنا كنا كده
ايوة يا امي طمنيها وبعدين متقلقيش شوية رياضة هيرجعوكِ جـ.ـسمك احلى من الأول
ليضيف بهمس ماكر امام اذنها:
لو إني حبيت جـ.ـسمك وهو كيرفي اكتر...
شهقت بخجل ونكزته برفق بذراعه موبخة بنظرات زائغة تخشى أن يكون استمع إليهم احد:
بَطل يا معدوم الادب هتفضحنا ضحك باستمتاع على خجلها ثم همس من جديد متوعدًا:.
هبطل دلوقتِ بس لما نروح هعرفك معدوم الادب هيعمل فيكِ ايه
هزت رأسها بلا فائدة وثبتت نظراتها على معانقته ليدها و تحاول ان تتغلب على تـ.ـو.ترها وتستمد القوة منه كعادتها ليشـ.ـدد هو اكثر على كف يدها وكأنه يطمئنها انه معها ويؤذرها بكل اوقاتها وحين رفعت نظراتها إليه غمز لها بتلك البسمة البشوشة الدافئة التي لطالما اشعرتها بالطمئنينة والأمان...
بعد دقائق عدة كانت الطبيبة تقوم بفحصها واتمت الأمر بتمديدها على تلك الاريكة المكتنزة خاصة الكشف وتمرير الاداة الخاصة بجهاز الموجهات فوق الصوتية على بطنها، ساد الصمت لدقائق لحين ابتسمت الطبيبة وهي تتمعن بشاشة الجهاز، لتتسائل ثريا مترقبة:
خير يا دكتورة طمنينا ربنا يكرمك
هزت الطبيبة رأسها وقالت مطمئنة:
خير يا حجة نادي ابنك علشان يشوف ولاده
توقفت ثريا عند أخر كلمة وتسائلت غير مصدقة:
ولاده ازاي يعني.
المدام حامل في توأم يا حجة الظاهر قدامي كيسين حمل مبروك
تهللت اسارير ثريا وقالت بفرحة عارمة وهي تربت على كتف نادين التي كانت مصدومة وغير مصدقة:
يا ألف نهار ابيض يألف نهار مبروك، الحمد والشكر لله، ربنا يقومك بالسلامة يا بـ.ـنتي ويجعلهم بـ.ـارين بيكِ وبأبوهم
انا هروح اندهله ده هيطير من الفرحة وبالفعل إن فعلت كاد يجن جنونه وهرول إليها بخطوات متلهفة تزف سعادته.
ليبتسم بأتساع حتى كادت البسمة تشق وجهه وهو يرى انعاكسهم المموه على شاشة لتقول الطبيبة وهي تجفف الچل الداعم عن بطنها بأحد المناديل الورقية:
مبروك يا استاذ يتربوا في عزك
وقف مشـ.ـدوه لا يعلم ماذا يفعل وكأن عقله شل من المفاجاءة ثم حين نهضت هي قام بجذبها واحتضنها قائلًا بسعادة متناهية:
مش مصدق يا نادين مش مصدق
دفنت وجهها بعنقه وتسائلت بعيون غائمة:
بجد مبسوط يا يامن.
اجابها وهو يفصل عناقها ويطالعها بذات النظرات التي تفيض فيض بمكنون قلبه الذي لطالما كان مُولع بها:
مبسوط ايه انا طاير من فرحتي بيكِ وبيهم
ربنا يخليك لينا يا حبيبي
ويخليكِ ليا يا قلب وروح يامن
تحمحمت الطبيبة كي تقاطعهم:
طيب يا مدام نادين هكتبلك على ?يتامينات وشوية تحاليل تعمليها واسبوعين وهشوفك تاني علشان اقولك على جنسم.
هزت رأسها ببسمة واسعة ليتناول هو من يدها الروشتة التي خطتها وتضيف ثريا قائلة قبل أن يغادروا عيادتها:
ربنا يكرمك ويريح قلبك يا دكتورة زي ما فرحتينا
ابتسمت الطبيبة ممتنة لدعواتها بينما هو احتضن يدها وسار بها وهو يشعر أنه امتلك العالم واكتملت كافة امانيه بفضلها.
كانت تود أن تأخذ وقتها ولذلك جعلته ينتظر قليلًا، فقد أدلت بموافقتها بالفعل من قبل وتم عقد قرانهم اخيرًا بعد شهرين من زفاف اخيها وبعد احتفال بسيط ضم الأصدقاء والاقربون اصطحبها هي وبناتهم إلى أحد القرى الساحلية كي يقضوا بها شهر العسل وبعد أن اطمأنوا على بناتهم برفقة دادة مُحبة التي أصر هو أن يصطحبها كي تقوم برعايتهم خصيصًا، فقد سار برفقتها إلى ذلك الجناح الفخم الذي قام بحجزه مخصوص لها بأحد الفنادق السياحية الفاخرة.
طالعت شهد الجناح الخاص بهم بنظرات منبهرة للغاية وببسمة هادئة لحين باغتها هو من خلفها بمحاوطة خصرها وضمه لجسدها بعناق حميمي جعل جسدها ينتفض بين بيده، ليقول هو مطمئنًا:
متخافيش مني يا شهد
تلعثمت وتـ.ـو.ترت وهي تحاول تنظيم انفاسها:
مش خايفة بس يعني متـ.ـو.ترة شوية
التـ.ـو.تر هيضيع متقلقيش وبكرة تاخدي عليا
هزت رأسها تؤيده ليستأنف وهو يدير جسدها كي تواجهه:
طيب ممكن تقــلـــعي.
اتسعت عيناها وشحب وجهها وانفلتت كلمة واحدة من زمام لسانها:
نعم!
تدارك خــــوفًا من زمام لسانها:
مش قصدي اللي فهمتيه، قصدي الحجاب يا شهد.
تنهدت براحة متراجعة وهزت رأسها بطاعة وإن مدت اناملها كي تنزع دبوس حجابها جذبه هو برفق من على رأسها لينسدل ليل خصلاتها بانسيابية على وجهها ويعيق رؤيتها، تنهد هو تنهيدة مُسهدة وأخذ يطالعها بنظرات متمعنة جعلتها تطرق برأسها وهي تشعر أنها قاب قوسين او ادنى أن تفقد وعيها من شـ.ـدة خجلها، مد انامله يرفع ذقنها ثم أمرها بنبرة حنونة:
بصيلي يا شهد عايز ادوب في دفى عنيكِ.
اسكرها بحديثه وشعرت أن الأرض تميل بها حين رفعت عيناها، ليتنهد و يضيف هو:
انتِ جميلة اوي يا شهد
قالها وهو يرجع خصلاتها الحريرية كي يتمكن من رؤية وجهها الذي اشتعل من شـ.ـدة الخجل، ليتنهد مرة أخرى ولكن تلك المرة مُسهدًا ويهمس وهو يرفع خصلة من شعرها يشتمها بنظرات مشتهية راغبة:
اتمنيت اشمه اوي واعرف ملمسه
ابتلعت ريقها وحاولت أن تتراجع بخطواتها ولكنه جذبها من خصرها يقربها منه ثم حذرها قائلًا:.
اوعي تبعدي عني وتغربيني تاني، أنا معاكِ بحس أني كنت في غربة ولقيت الأمان والراحة والدفى اللي مبتتحسش غير الوطن، وأنتِ وطني اللي كنت متغرب عنه يا شهد
تعالت وتيرة انفاسها وتلجم لسانها وكاد تـ.ـو.ترها أن يقضي عليها ولكنه زادها عليها وهمس بحاجة راجيًا:
احـ.ـضـ.ـنيني يا شهد محتاج حـ.ـضـ.ـنك اوي.
نفذت رغبته وقد حاولت أن تسيطر على تـ.ـو.ترها وتدثره بأحضانها ليتأوه هو براحة عارمة ويزفر أنفاسه دفعة واحدة وكأنه كان هائم يبحث عن المأوى و وجده اخيرًا بقربها.
أما عنها فقد حرست في الأيام الصارمة أن تواظب مع طبيب نفسي كي يساعدها على ترميم ذاتها ويصالحها عليها مثلما اقترح نضال لا تنكر أن قرارها في اللجوء للاستشاري النفسي اتى متأخر ولكن منذ ذلك اليوم التي تحدث معها في المشفى وصرح لها وشيء يثقل قلبها ويشتت عقلها، و رغم ذلك كان حديثه حافز لها فنعم قد ادركت انه محق هي بحاجة أن تتصالح مع ذاتها اولًا حتى لا تأذي من حولها مثلها، وبالفعل تشعر الآن أن السلام سَكن دواخلها فلم تعد تشعر بالسوء من حسن بل ايقنت أن ما فعله لم يكن إلا بسبب خضوعها وضعفها والسماح له باستغلال نقاط ضعفها مما اعدm ثقتها بنفسها وتلك كانت علتها التي تخطتها وتعافت منها فلم تعد تلك الضعيفة التي يستطيع الاستخفاف بها، فقد ساندته بمحنته وتكفلت بكل شيء في سبيل ابنائها فلم يهن عليها أن تقف مكتوفة الأيدي وتتركه يخسر كل شيء و رغم إلحاحه عليها الذي لم ينفك عنه إلا أنها لم تود أن تكرر المحاولة وكيف تفعل وتعيش تحت سطوته من جديد وهي تستمتع بالاستقلالية المطلقة. تلك القناعات التي أصبحت تؤمن بها فلا حاجة لرجل لتتجسد به سعادتها هي ناجحة ولديها كل الإمكانيات الممكنة لتستطيع جلبها لذاتها فيكفي انها ستحيا بسلام وبكرامة مع ابنائها وعلى ذكر ابنائها او.جـ.ـعها ضميرها، ورغم اقتناعها التام برفضها إلا أن مع تعلق ابنائها ومطالبتهم بقربه نمى شعور بالذنب بأحشائها وظل يطـــعـــن بها، فمنذ وعكته الصحية وعلاقته بهم قد توطدت، ويراودها دومًا أنها جارت على حقهم بأنفصالها، وهنا عدة تساؤلات منطقية لاحت بعقلها ماذا إن عادت له ولمت شملهم من اجل ابنائها؟ هل سيستريح قلبها ويَسكن ضميرها؟ هل يتوجب عليها تحاشي نظرة المجتمع والتضحية من أجل ابنائها؟ وإِن فعلت هل ستسطيع أن تتعايش معه من جديد وهل سيتقبل تغيرها أم سيحاول هدmها، ، حقًا لا تعلم ما يتوجب عليها فعله فالخيار شـ.ـديد الصُعوبة بالنسبة لها يأما تُرضي ذاتها وتظل على رفضها يأما أن تتخلى عن حقها وتبدي مصلحة ابنائها و تضحى براحتها التي لا تضمنها معه وتعود من أجل أبنائها. حقًا لا تعلم ما يتوجب عليه فعله، فكل ما ينغص حياتها أنها مؤنبة وضميرها ينهش بها تجاه ابنائها.
ذلك ما كان يدور برأسها وهي مُمدة في فراشها تتوسط ابنائها و تشعر أن شيء ينقصها رغم اكتمالها.
مامي عايز اشرب
انتشلها صوت الصغير من شرودها لتعتدل وتناوله كوب الماء الموضوع اعلى الكمود ليرتشف منه ويرده لها متسائلًا:
مامي منمتيش ليه؟
ابدًا يا شريف في حاجة شغلاني
اكيد عيد ميلاد بابي أصله بكرة.
ضيقت عيناها تتذكر الأيام وكم تعجبت كونها تناست يوم كذلك وسابقًا كانت تعد عدة الاحتفال به من قبلها بعدة أيام، ليضيف الصغير:
مامي انا عايز اروحله ونحتفل معاه ونجيب تورتة وهدية كبيرة
وافقت هي ببسمة هادئة:
حاضر يا حبيبي بكرة هنروح نزوره بس هنتصل بيه قبلها
لأ يا مامي خليها مفاجأة
تمام حاضر اللي أنت عايزه، يلا بقى نام علشان ننزل بكرة بدري نشتري الهدية.
أومأ لها ثم وضع قبلة على وجنتها واندس بأحـ.ـضـ.ـنها لتعود هي لشرودها وتفكر جديًا بشعور الذنب الذي ينغص حياتها.
هار اسوح جايبلي خمرة يا كاظم ده انت يومك مش فايت
قالتها شهد بإندفاع كعادتها المتأصلة وهي تهز بجسده المستلقي أمامها، فز من غفوته القصيرة وقال متفاجئاً:
في ايه يا شهد حـ.ـر.ام عليكِ حد يصحي حد كده
رفعت زجاجة الشراب أمام نظراته وتخصرت قائلة:
في دي يا استاذ يا محترم!
لتلوي ثغرها يمينًا ويسارًا متحسرة:
ياخسارة الهيبة اللي حلت بعديها الخيبة
زفر انفاسه وحاول تهدئتها:
طب ممكن تهدي ومتكبريش الموضوع.
لأ بقولك ايه انت مستقل بغـــضــــب ربنا أنت مُسلم واكيد عارف انها حـ.ـر.ام
تحمحم بحرج:
عارف
وبتغـــضــــب ربنا ليه طالما عارف ده احنا بـ.ـنتشعـ.ـبـ.ـط في رضاه
حاول التفسير لها:
لما كنت في ايطاليا الخواجات بيشربوه بدل الميه علشان يدفيهم وبصراحة دي خصلة مش كويسة خدتها منهم
وهنا قالت بقناعات تربت عليها ورسخت بها:.
لأ احنا لازم نبقى على نور من اولها انا لا يمكن اقبل بكده أنا عارفة أن في فرق بين عيشتي وعيشتك زي السما والأرض وفي فوارق كتير ما بينا بس غـــضــــب ربنا مفهوش فوارق
تنهد وهز رأسه بتفهم ثم نهض يحاوط خصرها ويرفع يدها يلثمها قائلًا:
أخر مرة اوعدك، انا بس قولت علشان نحتفل بأول ليلة لينا مع بعض
شهقت وضـ.ـر.بت اعلى صدرها:
ده انت كأنك قاصد ربنا ما يكرمناش ولا يبـ.ـاركلنا.
مش قاصد وبعتذر يا شهد مش هتتكرر تاني واوعدك عمري ما هحطها على بقي
تنهدت وهزت رأسها ليضع قبلة على وجنتها ويهمس راجيًا:
حقك عليا
خلاص سماح المرة دي.
قالتها متنهدة لتلفحه بأنفاسها الدافئة وهو يحتضن خصرها ويرتمي بحـ.ـضـ.ـنها، بينما هي ابتسمت بسمة هادئة بوجه يكاد يشتعل من شـ.ـدة خجلها فكل شيء معه مميز وغريب عليها وتشعر أنها المرة الأولى التي تكتشف بها بواطن تلك المشاعر الكامنة لتتنهد وتضمه لها وتستسلم لاستكانته بين أحضانها وهي تعلم ما سيحل بعدها.
ابتاعوا قالب كيك كبير كتب عليه حروف اسمه والعديد من بالونات الهيليوم الملونة وقد جلبت له ساعة ذهبية قيمة
والعديد من الملابس التي كان يفشل في شرائها وكانت تتكفل هي بها وهاهم وصلوا امام باب الشقة يطرقون عليه طرقات متتالية متحمسة ولكن حين فتح الباب وأطلت عليهم تلك السيدة تجمدوا بأرضهم حين صرخت بهم:
جرا أيه منك ليها بتخبطوا كده ليه على الباب؟ هو بيت ابوكم!
تشبثوا الصغار بساق رهف بخــــوف لتقول هي بشراسة وهي ترمقها شذرًا من اخمص قدmها لاعلى رأسها:
اه بيت ابوهم واتكلمي عدل أنتِ مين وبتعملي ايه هنا؟
اجابتها وهي تلوك علكتها بطريقة فظة وتتخسر أمامها:
آه افتكرتك انت طليقته اظن فاكراني انا اللي جيت سألت عليه في المستشفى
ابتلعت رهف غصة بحلقها واعادة صياغة سؤالها:
ايوة عرفت بس بتعملي ايه هنا بالمنظر ده مش فاهمة!
طالعت سميرة قميص نومها الصارخ الذي يظهر بوضوح من أسفل مأذرها الشيفون الخفيف ثم أجابتها ببسمة منتصرة وكأنها فازت بجائزة:
هو انا مقولتلكيش أصل مستر حسن كتب عليا ليلة امبـ.ـارح
أصله ياعيني وحداني وعايز حد يونسه وملقاش احسن مني
شهقوا الصغار بينما هي ظلت لثوانِ متجمدة بأرضها لا تستوعب ما نطقت به وحين فعلت نمت بسمة على ثغرها وظلت تتسع إلى أن تحولت إلى ضحكات هستيرية متلاحقة
بتضحكي على ايه عايزة افهم؟
قالتها هي بصوت جهوري وهي تضع يدها بخصرها وتنظر لهم بنظرات جعلت الصغار يرتعبون منها تزامنًا مع خروجه يرتدي روب الاستحمام ويجفف شعره بمنشفة صغيرة وإن رآهم شحب وجهه وسقطت المنشفة من يده وهمس بأسمها:
رهف
هزت رأسها وتزايدت ضحكاتها ثم تخطتها وتقدmت منه تضع بحـ.ـضـ.ـنه قالب الكيك وتلك الاشياء التي كانت يساعدوها ابنائها في حملها ثم قالت متهكمة بسـ ـخـــريــة مريرة:.
اه رهف، مبروك يا عريس فرحتلك، أنا وولادك كنا جاين نحتفل بعيد ميلادك بس يظهر أنك احتفلت بطريقتك، مبروك
زاغت نظراته وحاول التبرير واقتماص دور الضحية كعادته:
رهف انتِ فاهمة غلط خليني افهمك، انا اتجوزتها علشان
تشوف طلباتي...
صدر صوت ساخر من فم سميرة ولوت فمها على خنوعه وتبريره لها التي عقبت عليه مستنكرة:.
طلباتك ده ايه؟ شايفني الفلبينية اللي بتدفعلها بالدولار وبعدين انت خايف منها ليه قولها أنك كنت هتمـ.ـو.ت عليا واتجوزتنى علشان أدلعك بعد النكد اللي عيشتك فيه
زعق بها بعصبية كي يخرسها:
اسكتِ الله يخربيتك
ابتسمت رهف بسـ ـخـــريــة ونفت برأسها بلافائدة وعقبت على حديثها وكأن الأمر لم يعد يعنيها:
متتعصبش يا حسن هي من غير ما تقولي أنا عارفة كويس اسبابك واظن شرحتها ليا باستفاضة في مرة قبل كده.
لتهزأ من ذاتها ومن ذلك القرار الغـ.ـبـ.ـي التي كادت أن تقدm عليه لولا رأفة ربها:
عارف أنا كنت فاكرة اللي فات غيرك وكنت بحاول اقنع نفسي اعيش معاك علشان خاطر الولاد بس انت رغم نـ.ـد.مك قبل كده إلا أنك اثبت بكل براعة أن اللي فيه طبع عمره ما يقدر يغيره
نكس رأسه بخزي بينما هي تنهدت بضيق و صوبت نظراتها لأطفالها وتسألت:
تحبوا تقعدوا مع بابي يا ولاد تحتفلوا معاه وارجع اخدكم.
نفوا الاثنين سويًا وهم ينظرون بخــــوف ل سميرة التي تقف تتخصر وتهز قدmيها، لترشقها رهف بنظراتها ثم تسترسل:
طيب قولوا لبابي كل سنة وهو طيب علشان نمشي.
عايدوه الصغار ثم غادرت بهم وهي تبتسم بسـ ـخـــريــة مريرة وتهز رأسها بلا فائدة لتثور سميرة عليه ويتعالى صراخها وكان رده عليها انه زمجر غاضبًا ورمى ما بيده وهو يسبها بفجوج منفعل ويهدد بضـ.ـر.بها كي يخرسها. ولكن كان ردها عليه قوي يدل على انثى لا يستهان بها فقد قذفته بأول شيء طالته يدها وإن تفاداها انهالت عليه بوابل من الكلمـ.ـا.ت اللاذعة التي جعلته يلعن الساعة التي أوقعته بها وهو يعجز عن ردعها.
ليجلس يكوب رأسه منهزم ينعي غبائه الذي جعل النـ.ـد.م يتفاقم بصورة مضاعفة فكم كان يطمح من جديد في حب امتلاك أم ابنائه ولكن هي صَعب عليه نيل غُفرانهاو أفسد الأمر من جديد بغبائه وقراراته البالية التي أوقعته في نفس الخطأ للمرة الثانية ولكن يبدو أن عواقب تلك المرة لا يستهان بها.
↚
تمر بك أيام تشعر فيها بان كل شيء يثقل على صدرك
الذين يحبونك والذين يكرهونك والذين يعرفونك والذين لا يعرفونك
تشعر بالحاجة إلى أن تكون وحيدا كغيمة
أن تعيد النظر بأشياء كثيرة
أن تعود إلى ذاتك مشتاقا لتنبشها وتواجهها بعد طول هجر
أن تفجر كل القنابل الموقوتة التي تسكنك
غادة السمان.
مرت عدة ايام عليها بروتينية تامة دون جديد وهاهي تدفع عربة المشتريات وتقوم بوضع مختارتها داخلها، حين لمحت تلك السيدة العطوف جارتها، تتقدm منها وتقول بنظرات حزينة:
ازيك يا بـ.ـنتي
الحمد لله ازيك انتِ يا طنط
الحمد لله على كل شيء، بعد اذنك
ابتلعت رهف غصتها وتسائلت وهي تلاحق خطواتها:
انتِ زعلانة مني؟
نفت كريمة برأسها وهمهمت بنبرة متحسرة:
زعلانة من الزمن وعلى حظ ابني.
طنط كريمة انا اسفة بس الحاجات دي نصيب وانتِ اكيد عارفة
هزت كريمة رأسها وعاتبتها قائلة:
عارفة يا بـ.ـنتي بس هو بيحبك وكان امنية حياته تبقى ليه، ابني عمره ما كان مبسوط غير لما قربتوا من بعض
لا تعلم لمَ تزايد تثاقل قلبها و وجدت ذاتها تنطق دون اي ارادة من عقلها:
هو كويس؟
تنهدت كريمة بحـ.ـز.ن وردت على سؤالها بسؤال أخر وضعها بمواجهة مع ذاتها:
بتسألي ليه!يهمك أمره؟
زاغت نظراتها ونكست رأسها دون أن تجيبها لتزفر كريمة وتخبرها:
على العموم هجاوبك، أخد قراره انه هيسافر ويسيب البلد، وبيحضر في الورق هيرجع تاني لشغله بره مصر
اخذ الأمر منها بعض الثوانِ لتستوعب حديثها ونطقت بعدها بحروف تضاهي تثاقل قلبها:
هيسافر!
أومأت لها وأكدت:
ايوة يا بـ.ـنتي علشان يبعد زي ما وعدك
بس انا مطلبتش منه يسافر.
من غير ما تطلبي ابني طالما وعدك يبقى عمره ما هيخلف وعده وهو شايف انه علشان يوفي بالوعد ده لازم يبعد
شعرت بالضيق من ذاتها وكادت أن تستأنف حديثها ولكن كريمة استئذنت منها وسبقتها بخطواتها، لتضع هي يدها على موضع قلبها الذي ينتفض عاصيًا بين ضلوعها وهي لم تتفهم ما الذي يصيبها...
تغيرت حياتها بعد انتقالها لتلك ال?يلا التي ابتاعها من أجلها كي ينشأ بها ذكريات مميزة وبالفعل كان يجاهد كي يفعل ولكن يعيقه في التفرغ لها انشغاله بعمله وبأملاكها التي تولى إدارتها من جديد و رغم تقصيره معها إلا انه لم تشعر بالسوء منه فستقبل بأقل القليل وسوف ترضى فطالما كان يمنحها كافة اهتمامه و يغدقها بليالي عاشقة مميزة تذيب قلبها فلديه ما يكفي من الرصيد بقلبها ويكفي انها تشعر أن كل ما مضى لايذكر مقارنًا بسعادتها الآن كونه عاد لها.
فكانت تتململ بفراشها حين تسللت رائحته الرجولية التي تميزها من وسط ألف رائحة غيرها، ابتسمت وهمست والنعاس مازال يسيطر عليها:
صباح الخير يا حبيبي
حانت منه بسمة حانية وأجاب وهو يجلس يتأملها كعادة ملازمة له منذ زمن:
اصحي خلي شمسي تطلع بنور عنياكِ.
رفرفت بأهدابها واتسعت بسمتها ثم اعتدلت بنومتها وهي تفرك عيناها وإن انتهت وجدت فستان أبيض معلق أمام سريرها، انتفضت من نومتها واخذت تتأمله بنظرات حالمة فكان مطرز تطريز بسيط من خامة الستان المتداخل مع الشيفون الكرستالي بتصميم رقيق يناسب جسدها
ايه ده يا يامن؟
اجابها وهو يقترب يداعب وجنتها بأنامله:.
فُستان عايزك تلبسيه بليل علشان هنخرج نتعشى مع بعض معلش أنتِ عارفة أد ايه كنت مشغول الفترة اللي فاتت ومكنتش بعرف اخرجك
هزت رأسها وقالت وهي تتعلق بعنقه:
حبيبي أنا عذراك وبعدين حتى لو مقصر انا راضية المهم أنك معايا
تنهد وبينه وبين ذاته مازال مؤنب رغم رفضها:
انا معاكِ بروحي قبل جـ.ـسمي ونفسي أعملك حاجات كتير بس انتِ بقى اللي دmاغك ناشفة
نفت من جديد برأسها واخبرته بإقتناع تام:.
أنت كفاية عندي مش عايزة حاجة تانية
ابتسموا معًا ولكن ظل السؤال يطن في رأسها ونطقت به:
هو ليه جبته ابيض مش أي لون تاني!
اجابها بنظرات معاتبة ذات مغزى تخص رفضها لاقامة حفل زفاف:
عايز اشوفك بالأبيض ولا دي كمان هتعارضيني فيها
نفت برأسها وقالت بطاعة:
لأ مش هعارضك يا حبيبي حاضر
لتصوب نظراتها للفستان وتستأنف بإعجاب:
الفستان حلو اوي وذوقك يجنن بس يارب يجي مقاسي بعد الكرش.
قالتها ببسمة حالمة وهي تحتضن بروز بطنها الذي ظهر بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة
ليجلس على طرف الفراش ويقربها أثناء وقفتها منه ويقبل بطنها ثم يحاوط خصرها و يسند جانب وجهه عليها قائلًا بتنهيدات تنم عن سعادة عارمة:
مش مصدق أن في حتتين مني جواكِ انا بحمد ربنا على نعمته و هديته التانية والتالتة ليا
مررت يدها بخصلاته رأسه التي تستقر على بطنها وسألته مستغربة:
التانية والتالتة!
اجابها وهو يرفع ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه المُولع بها:
ايوة هديتي الاولى كانت انتِ يا نادين
انحنت تقبل وجنته وتحاوط عنقه قائلة:
أنت اللي كتير عليا اوي يا يامن ربنا يخليك أنت واشيائك ليا
احتضنت بطنها تقصد ابنائها ثم مطت فمها وكأن الأمر لاح في عقلها لتوه
بس انا خايفة البت غالية لما تيجي تاخد الدلع مني
ابتسم وشاكسها وهو يقرص وجنتها:
طب ما انا كمان خايف لما الواد بُرعي
يجي ياخدك مني.
شهقت من ذلك الأسم الذي يتعمد ان يثير جنونها به:
مش هسميه بُرعي بطل رخامة ايه بُرعي دي انت عايز تعقد الولد حـ.ـر.ام عليك
قهقه على جنونها وسايرها قائلًا:
خلاص بلاش برعي هنسميه حموكشة
صرخت ونكزته بصدره لتتعالى ضحكاته ويتدارك قائلًا:
خلاص متزعليش انا مش فارق معايا الاسامي المهم أنه ميخدكيش مني
ابتسمت ومطت فمها بدلال يعشقه:
مفيش حد يقدر ياخدني منك يارخم.
ليبتسم بسمة واسعة و يحاوط خصرها ويقربها لكي يغرق بين ثنايا عنقها، ويحمد ربه أنه لم يخيب رجاءه في عشقها.
جلس شاردًا، ينظر لمحيط المكان بعيون فارغة لم يعد يُسكنها إلا الألــم، مخطئ هو حين ظن أنه سيتمكن من نسيانها وكيف يفعل وهو لسنوات لم يستطيع أن يفعل دون أن يتعلق بها ما بالك الآن بعد ان ظن انه اخذ خطوات بطريقها، فقد خذلته بنفورها ودفعت به لنقطة واهية لا وصول لها. ورغم صموده والتزامه بوعده لها إلا أنه يجاهد ذاته في نزع حبها من قلبه؛ قلبه الذي أَن بين اضلعه بألــم مصاحب لرائحة عبيرها، زفر انفاسه حانقًا ولعن تلك الهواجس التي تنتابه بقربها ثم أخرج من درج مكتبه جواز سفره واخذ يتأمله وكأنه وسيلته الوحيدة للفرار من هلاك عشقها.
ادخلك اخر كشف يا دكتور
قالتها الممرضة التي تعمل معه بعيادته كي تنتشله بها من شروده
فقد أعاد وضع ما بيده بالدرج كما كان واغلقه قائلًا:
هو لسه في حد تاني انا مش قولتلك متخديش حالات تانية وتعتذري وتبلغيهم إن العيادة هتتقفل
حصل يا دكتور بس الحالة صممت تقابلك وتكشف عليها
زفر أنفاسه وقال بعملية:
طيب دخليها
حاضر يا دكتور.
ليتنهد وينزع نظارته ويغمض عيناه وأخذ يمسد موضعها على أنفه بأبهامه وسبابته لحين اتاه صوتها ليؤكد حدث قلبه
ازيك يا دكتور...
فتح خضراويتاه دون أن ينظر لها وابتلع ريقه ثم حرك رأسه ببطء كي يتأكد من صاحبة ذلك الصوت الذي تسلل لقلبه قبل مسامعه، لتتجمد نظراته لثوانِ قبل أن يضع نظارته وكأنه يشكك برؤيته دون أن ينبث ببـ.ـنت شفة، لتبادر هي من جديد:
مش هتقولي اتفضلي؟
تحمحم يجلي صوته وهو يلعن ذلك القلب اللعين الذي هوى فور رؤيتها وتناسى تجريحها و نفورها، لتتجمد ملامحه ويتدارك بثبات انفعالي ويهب من مقعده مرحبًا بعملية شـ.ـديدة:
اهلًا يا بشمهندسة اتفضلي بتشتكي من ايه؟
تنهدت وسارت بخطوات وئيدة تجلس في المقعد المواجه لمكتبه وهي لا تعلم ماذا تقول أو من اين تبدأ لتبتلع ريقها وتقول ببسمة متـ.ـو.ترة:
بتمنى تكون العيادة عجبتك لما استلمتها.
سؤالك متأخر تلت شهور يا بشمهندسة، ليصمت لهنيهة ويستأنف:
على العموم انا بلغت بشمهندسة سارة تبلغك امتناني لمجهودك
ردت ببسمة باهتة وهي تفرك بيدها:
اه قالتلي
هز رأسه بثبات وتسأل بعملية وترتها:
طيب قوليلي بتشتكي من ايه يا بشمهندسة علشان اقدر افيدك
زادت من فرك يدها متـ.ـو.ترة وتلعثمت قائلة:
أنا آسفة
تساءل بثبات انفعالي دومًا يفحمها به:
على ايه؟
ارتعش فمها من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها وصدر حديثها متقطع وهي تخبره:.
انا، كنت قليلة الذوق، وجـ.ـر.حتك، بس أنا...
قاطعها ببسمة يبرع دومًا في اقتناصها في أشـ.ـد اوقاته بؤسًا:
وايه الجديد ده طبعك يا بشمهندسة وانا اللي أسف أنتِ عندك حق مكنش في بينا شيء يذكر وحتى لو الموضوع اختلف بالنسبالي أنتِ ملكيش أي دخل بيه لأن انا الطرف الوحيد في الحكاية.
تنهدت واخبرته بنفاذ صبر بعد أن فشلت فشل ذريع في أن تترجم ما بداخلها:.
نضال متصعبش الموضوع عليا اكتر من كده، أنا معرفش انا جيتلك ليه كل اللي أعرفه إني مش عيزاك تسافر، لتصمت لبرهة وتستأنف موضحة:
قابلت مامتك وقالتلي
اعتلى حاجبيه وباغتها بسؤاله:
ليه مش عيزاني اسافر؟ محتاج اجابة واضحة وصريحة لأسبابك
اغمضت عيناها بقوة وقالت وهي تمرر يدها بخصلاتها البندقية بأنامل مرتعشة:
مفيش اسباب، غير أن عايزاك جنبي
ابتسم بسـ ـخـــريــة مريرة وهز رأسه قائلًا وهو يسند جانب وجهه بقبضة يده:.
استبن يعني، مش كده؟
اغتاظت بشـ.ـدة من ثباته وسـ.ـخريته فما كان منها غير أن تهب من جلستها وتنوي المغادرة قائلة:
لأ مش كده ويظهر غلطت لما جتلك عن اذنك
نهض من مقعده وفي لمح البصر كان يلحق بها ويمنعها من المغادرة قائلًا بعدmا جذبها من رسغها:
مش هسيبك تهربي قبل ما تكوني واضحة وصريحة مع نفسك قبل مني.
تعالت وتيرة انفاسها وشعرت أنها تائهة داخل غابات الزيتون خاصته فور حديثه الذي استأنفه متسائلًا وعينه متجمدة على رمادها:
اتكلمي يا رهف
اجابته متلعثمة وهي تسحب ذراعها و تشيح بنظراتها وتتقهقر بخطواتها:
الفترة اللي بعدت فيها كنت حاسة أني مضايقة ومكنتش فاهمة ليه طالما ده اختياري لكن لما مامتك قالتلي أنك هتسافر حسيت بأحساس غريب مش عارفه افسره ولا فيه مصطلح يتماشى معاه بالنسبالي غير إنك حد مريح و برتاح معاه.
تنهد وبصيص الأمل يلوح بداخله ثم تسأل متلهف لجوابها:
عايزاني افضل جنبك بأي صفة!
نظرت لكل شيء عداه واجابته:
سميها زي ما تحب بس علشان خاطري خليك ومتسافرش
تنهد وقال بتفهم شـ.ـديد استغربته:
انا مقدر خــــوفك يا رهف ومستعد مسافرش ومستعد استنى الباقي من عمري بس اديني أمل
مررت يدها بخصلاتها وقالت بعد أن زفرت انفاسها دفعة واحدة وتقدmت تجلس من جديد:.
أنامش خايفة انا مرعوبة يا نضال خايفة ادي لنفسي فرصة تانية زي ما بتقول أخسر ولادي وابوهم ياخدهم مني، لتهز برأسها وكان عقلها يرفض حتى التفكير بالأمر وتستأنف:
ولو خسرتهم هحملك أنت الذنب وعمري ما هعرف اسعدك
تقدm لمقعدها ثم جثى مقابل لها يحفزها بنظراته قبل يديه التي تجرأت لأول مرة واحتضنت كف يدها وكأنه يريدها أن تستمد القوة منه:.
قولتلك حبي ليكِ هيقويكِ انا مستحيل اخليه يعمل كده أنا عارف أن الحضانة هتسقط لو اتجوزتيني بس في قواضي كتير في المحاكم ويمكن مش كلها اللي بتقدر الأم تحتفظ بالحضانة بس أنا وانتِ مش هنيأس لو حكمت هروح لغاية عنده وهنفذله أي طلب يطلبه علشان ميحرمكيش منهم، وهخليه يتأكد بنفسه إني هبقى أمين عليهم وهقدرهم ولادي اللي ربنا ما اردش يرزقني بيهم، انا هعرف اقدر النعمة كويس يا رهف علشان جربت و.جـ.ـع إني اتحرمت منها.
قال آخر جملة بعيون غائمة تنم عن صدق حديثه الذي رغم انها استشعرته إلا أنها تخــــوفت قائلة:
طيب وافرض...
قاطع سيل مخاوفها وطمئنها بتفاؤل و بإيمان قوي:
سيبيها على ربنا ومتقدريش البلا قبل وقوعه، وخليكِ متأكده و واثقة فيا أن مهما حصل مستحيل هتخلى عنك او عن ولادك.
هزت رأسها باقتناع ومنحته الأمل ببسمة هادئة لفحت قلبه وجمدت انفاسه من روعة ربيعها لتتسع بسمته شيء فشيء ويتنهد تنهيدات متتالية تدل على فرحة ذلك القلب الذي لطالما مال لها وأخذ دفعة للأمام بطريقها ورغم تلك التعثرات التي تنتظره يقسم أنه سيصمد وسيفعل المستحيل من اجلها ومن اجل ابنائها فلن يفوت تلك الفرصة الذهبية الأخيرة دون أن يحظى بقلبها قبل قربها.
أصر أن ترتدي ذلك الثوب الذي جلبه لها يتناسب مع جسدها ومع ذلك البروز الظاهر ببطنها و وعدها أن يصتحبها بسهرة لن تنسى وكما توقعت.
توقف بسيارته أمام مطعمه وإن ترجل من السيارة التفت لبابها وقام بفتحه لها بطريقة مسرحية مادد يده لها وكأنه أمير هارب من احد اساطير القديمة ويصحب اميرته لتتويجها، فكانت تبتسم باتساع وهي تضع يدها بين راحته وتنزل بتأني من السيارة لينحني هو ونظراته متعلقة بها يقبل يدها ومن ثم يعلقها بذراعه ويتقدm بها، وحين وقفت على بُعد خطوات من ساحة مطعمه الخارجية و استغربت تلك البالونات البيضاء التى تغطي أرضها بالكامل معادا ذلك الممر الطويل المزين بالورود ويحاوطه من كل جانب شموع مشتعلة وممتدة لمرمى بصرها،.
جعدت حاجبيها متسائلة:
ايه ده يا يامن انت عملت كده علشاني؟
غمز لها وحمسها قائلًا:
تعالي بس ده انا لسه هبهرك
تجمدت نظراتها لحين جذبها واكمل سيره بها وإن تخطوا الممر معًا وجدت المكان يتوهج بدفء الإضاءات الخافتة لتشهق متفاجئة وهي ترى طاولة عريضة حافلة بالطعام وتضم أصدقائها والاقربون لها متأهبين في انتظارها:
ايه ده دول كلهم هنا!
قالتها ببسمة فرحة واسعة ليهز رأسه ويجيبها بنظرات حانية:.
جمعتهم كلهم علشان اعوض فرحتك اللي اتنازلتي عنها هنحتفل بس بطريقتنا وهنغني ونرقص للصبح
وفور نطقه بأخر جملة انطلق في السماء العاب نارية ملونة استحوذت على نظراتها و خـ.ـطـ.ـفت انفاس الجميع واولهم انفاسها فكانت تنطلق بصخب مبهج وكأنها تزف سعادتها وتخلد تلك الذكرى بأعماقها فقد هللت ببسمة تكاد تشق وجهها وهي تعانق كلتا يديها بخاصته:
الله تجنن، تجنن، تجنن
ربنا يخليك ليا يا يامن انا مبسوطة اوي.
ليداعب وجنتها وهو يقف مواجه لها ويهمس عاشقًا:
ربنا يقدرني وابسطك علطول يا قلب وروح يامن
ابتسمت بوله تام ثم وضعت قبلة خاطفة على وجنته:
ويقدرني و اعوضك يا حبيبي عن كل اللي فات
تنهد كل منهم تنهيدة حالمة لحين غمز لها كي ينضموا لهم فكانوا الجميع حاضرون وأولهم ثريا ونغم و شهد وطمطم وكاظم وسنا وميرال ومحمد وقمر وحامد وحتى خالها سعيد وزوجته هانم فقد حضروا جميعهم لمشاركتهم سعادتهم.
وإن قاموا بمبـ.ـاركتها همس محمد بضجر وهو يميل على أُذن ميرال:
نص ساعة ونمشي انا عريس جديد ومضمنش نفسي قدام الناس اكتر من كده...
شهقت ميرال ونكزته برفق وعقبت على جرأته الغريبة منذ زواجها:
بقالنا شهور عرسان يا حمود وعلى فكرة الجواز غيرك اوي ارجع مؤدب لو سمحت
ابتسم ساخرًا ثم قال متحسرًا وهو يضـ.ـر.ب كف بأخر:
مؤدب، وماله حاضر هو انا كان قلبي حاسس أن الجوازة دي منظورة من اولها...
ابتسمت هي ونهضت تحتضن نادين وتتشارك معها هي و نغم و شهد و قمر الهمسات النسائية التي تعبر عن سعادة كل منهم فقد كانت البسمة طوال الحديث لم تفارق وجوههم.
وفي تلك الأثناء اتى هو برفقة أطفاله، وتقدm من يامن مبـ.ـاركًا:
مبروك يا صاحبي
التفت يامن له وهدر بنفس جملته يقصد زيجته الجديدة:
ومبروك ليك أنت كمان يا صاحبي
زفر حسن وقال ساخطًا وهو يتذكر نكبته التي أوقع ذاته بها:.
مبروك ايه؟ والنبي متفكرني ده انا بضـ.ـر.ب نفسي مـ.ـيـ.ـت جزمة بس خلاص مفيش مفر والهانم حامل لأ وكمان قرفاني ومطلعة البلا عليا
قهقه يامن ونكزه بصدره قائلًا بتشفي نابع من عدm رضاه عن افعالها المخزية:
مش خسارة في طيبة قلبك والله ده ذنب رهف
لكزه حسن بكتفه وعقب بغـ.ـيظ:
رغم انك رخم على رأي مراتك بس إن جيت للحق أنا ظلمتها لما قولت عليها قليلة الاصل بصراحة وقفتها معايا بمـ.ـيـ.ـت راجـ.ـل وخلتني أحس أن أد ايه كنت غـ.ـبـ.ـي لما خسرتها.
تدخلت ثريا هنا وهي تقترب منهم:
من ناحية الغباء فأنت طمعت فيه لوحدك بس هنعمل ايه ربنا يصلح حالك
آمن على دعائها لترحب بصغاره ببسمة حانية وهي تعانقهم وتقبلهم:
وحشتوني ياولاد كويس انكم جيتوا مع ابوكم
عانقوها مبتسمين واخبرها شريف :
مامي هي اللي قالت لنا نيجي مع بابي علشان نشوفك يا تيتة ونطمن على عمو يامن
انحني يامن وقبل كل منهم قائلًا:
حبايب عمو يامن انا اصلًا كنت هزعل لو مجتوش.
لتنظر ثريا ل حسن وتقول ببسمة حانية:
ايوة كده ريحوا قلبي وخلوا الشمل يتلم
تنهد حسن واقترب يقبل جبهتها ثم تحسر بنبرة نادmة لطالما تخص حديثه عنها رغم هدmه بغبائه لكل سُبلها:
مش هنفترق تاني يا خالتي بس كان نفسي رهف تبقى معانا
تنهدت ثريا واخبرته:
كلمتها ومرضتش تيجي علشان متشوفش وش مراتك الجديدة
لتضيق عيناها وتضيف متسائلة:
قولي هي مجاتش ليه معاك؟
زاغت نظراته وتستر على رفض سميرة وتسلط لسانها التي اغدقته به حين ألح عليها أن ترافقه:
اصلها مش بتحب الدوشة والحمل في اوله و تاعبها ياخالتي
لوت ثريا ثغرها بعدm رضا، لتنفلت ضحكة من يامن فشل في كبتها ليلكزه حسن من جديد بغـ.ـيظ كي يكف عن التشفى به تزامنًا مع اقتراب نادين من يامن الذي بدوره حاوط خصرها لينظر حسن لها ويعتذر وهو يراها ترشقه بنظرة قـ.ـا.تلة:.
عارف ان اعتذاري اتأخر بس آسف على اللي قولته انا اعصابي كانت بايظة من خــــوفي عليه وقتها
تنهدت ولم تجيبه ليربت يامن على خصرها تربيتات خفيفة ويحثها بعينه أن تقبل اعتذاره فقد اخبرته سابقًا بتلك المُشـ.ـدة التي قامت بينهم أثناء وعكته، لترفض هي وتهز رأسها لتتدخل ثريا راجية:
حقك عليا انا يا بـ.ـنتي انا عارفة انه غـ.ـبـ.ـي ومتسرع وبيحدف دبش بس صدقيني اتكلم كده من خــــوفه على يامن.
رغم أن خالته شتمته لتوها إلا انه رد وكأنه يشعر بالفخر من طباعه المُنفرة:
والله ما حد فاهمني غيرك يا خالتي.
تنهدت و تناوبت النظرات بينهم لثوانِ قبل أن تقول:
انا هسامحك علشان خاطر ماما ثريا
ربتت ثريا على ظهرها وقالت داعية:
ربنا يخليكِ يا بـ.ـنتي
لتحتضنها نادين وتستانف بمحبة صادقة:
ويخليكِ لينا يا ماما ثريا وميحرمناش منك ابدًا
طب هو انا مش هيجي دوري ولا ايه في الاحضان اللي انتِ بتوزعيها دي؟
قالها مشاكسًا وهو يفتح ذراعيه لاستقبالها، لتفصل عناق ثريا وتهرول إليه كتلك الطفلة ذاتها التي لطالما اتخذته مأوى وحصن منيع لها، وإن فعلت دثرها بين مستمتع بملاذها وبعد ثوان أعطى إشارة بيده وفصل عناقه غامزًا أن تنظر لمرمى بصره وإن فعلت وجدت لافتة كبيرة بكبر مبنى مطعمه تدلى من فوقه لتظهر هي بفُستانها في تلك الصورة التي أصر أن يلتقطعها بهاتفه قبل خروجهم من المنزل.
وطبع عليها بخط كبير(أنتِ الروح لروحي بحبك يا نادين)
اتسعت عيناها وصفقوا الجميع مهللين لتتناوب نظراتها ببسمة غير مُصدقة تكاد تشق وجهها وتتعلق بعنقه واضعة قبلة خاطفة بين ثنايا عنقه ثم همست بعشق وبعيون دامعة من شـ.ـدة سعادتها:
أنا كمان بحبك يا نقطة ثابتة في حياة وقلب نادين.
ومن هنا بدأت السهرة التي كانت مبهجة، صاخبة، راقصة مفعمة بالمحبة ومترابطة لحد كبير فكل منهم كفر عن خطيئته ونال ما يستحقه من الألــم ولكن دائمًا عوض الله جميل.
↚
بعد مرور عشرة أشهر على ابطالنا منهم من استقرت حياته و تغيرت قناعاته ومنهم من مازال يسعى لذلك بعد أن تبدلت اولوياته مثل ذلك الساخط الذي كان لايعلم أين يكمن الرضا، فها هو يجلس يتناول الفطور معها بهدوء مؤقت بسبب نوم صغيره الذي لم يكمل شهرين من عمره.
فقد دست سميرة لقمة في فمه مغمسة بالجبن وانتظرت حتى لاكها ثم تبعتها بمناولته كوب العصير الخالي من السكر قائلة بأهتمام حاني رغم صعوبة طباعها:.
كُل كويس قبل ما تنزل لشغلك
هز رأسه ببسمة هادئة وأخذ يتأمل هدؤها النسبي الذي يروقه كثيرًا بعيون لامعة فقد اصبح يعشق اهتمامها ويتقبل طباعها التي تشعره كونه طفل صغير ليس بحاجة للرعاية والاهتمام والدلال فقط بل للتقويم ايضًا.
نعم يعترف بتسرعه في زيجته منها، ولكن هو كرجل ضعف أمام اهتمامها التي اغدقته به في اكثر توقيت كان بحاجة لأحد بجانبه كي يلبي احتياجاته و يقوم برعايته بعد وعكته الصحية وكيف يفوت فرصة كونها لم يسبق لها الزواج من قبل وقد نسب إليها.
ذلك اللقب المقيت(عانس) الذي فرضه المجتمع ليكون الزواج منها الإختيار الأمثل والفوز العظيم لكل مطلق أو ارمل او مُعيل كي يستحوذ عليها كما فعل هو. يعلم أن رهف لم تقصر معه حينها ولكنه يأس من غفرانها وحتى بعد محاولته العدة في استعطافها واستعطاف صغاره والتقرب منهم كي يؤثرون عليها ولكن هي ظلت مُصرة على رفضها؛ وبعد زيجته من سميرة اندثر الأمل وعدm بتسرعه وغبائه كافة سبل العودة لها.
ورغم حُزنه أنه خسر امتلاكها من جديد إلا أنه بدأ يعتاد حياته الجديدة ويهفو لاستقرارها.
سرحان في ايه يا ابو علي
قالتها هي كي تنتشله بها من دوامة أفكاره، ليتحمحم يجلي صوته ويتناول من يدها الدواء وكوب الماء قائلًا:
ابو علي ده ايه الرضا ده يا سميرة
تنهدت هي واخبرته بنبرة هادئة:
طول ما انت كويس معايا ومش بتقول كلام مستفز يعصبني زي عوايدك هتلاقيني راضية عنك.
هز رأسه بتفهم، وتناول دوائه امام تتبع نظراتها وحين انتهى قالت هي:
انا عايزة اروح متابعة ب علي عند الدكتور وعايزاك تيجي معايا
تحجج هو:
انا مش فاضي وعندي شغل روحي انتِ وابقي طمنيني
شهقت بخفوت ثم هدرت بعدm رضا:
اطمنك ده أيه انت رجلك على رجلي هو ابني لوحدي أنت لازم تشاركني في كل كبيرة وصغيرة
بس ده واجبك انتِ ومتهيئلي ت عـ.ـر.في تقومي بيه لوحدك.
لأ معرفش انا اعرف اطبخ، اروق، اغسل، لكن أي حاجة تانية أنت ملزم تشاركني فيها
حاول إقناعها كي تعفيه من تلك المهام التي تفرضها عليه منذ زيجته منها:
سميرة انا مش فاضي للكلام ده وعمري ما روحت بعيل عند دكتور، ده حتى الطلبات بترفضي البـ.ـنت اللي بتساعدك تجبهم وبتفرضي عليا أنا اعمل كده وانا عمري مانزلت اشتري حاجة للبيت زي ما بعمل معاكِ من ساعة ما اتجوزتك
لوت فمها واسندت وجنتها بسبابتها متهكمة:.
أمال مين اللي ينزل أنا، أنا طول عمري مُعززة مُكرمة في بيت أهلي وطول عمري كنت بشوف ابويا بيعمل كده ومكنش بيرضى يخلي أمي تنزل تجيب قشاية من الشارع وكل حاجة كانت بتيجي لغاية عندها لتعتدل في جلستها وتجعد حاجبيها الرفيعين متعجبة:
اومال كنت بتعمل إيه مع الاتنين اللي اتجوزتهم قبلي!
اجابها بحنق وهو يحل رباط عنقه بعض الشيء:.
ام الولاد كانت هي اللي بتتولى كل كبيرة وصغيرة في البيت أما بقى التانية كان ليها اهتمامـ.ـا.ت تانية
قال أخر جملة متبوعة بذلك الصوت الساخر الذي يصدر من فمه، يهزأ به من نفسه ومن تفكيره ومبرراته التي كان يدعي برائتها وقتها.
طالعت حالته ثم لوت فمها وتهكمت:
ليه حاسة أنك بتتحسر عليهم...
نفى برأسه واستنكر قائلًا وهو يربت على يدها المسنودة:.
ابدًا أنتِ فاهمة غلط، صدقيني يا سميرة أنتِ مختلفة كفاية أنك عرفتيني معنى الاستقرار من تاني
تنهدت واخبرته ببسمة واثقة:
طب كويس أنك عارف انا مش زي حد و الحاجات اللي أنت مكنتش متعود عليها دي الصح ومش ذنبي أن الاتنين اللي قبلي كانوا خايبين
رغم لذوعة تعبيرها إلا أنه اعتاد طريقتها وقرر مسايرتها تجنبًا لغـــضــــبها:
خلاص بلاش نتكلم في اللي فات واوعدك إني هعمل كل اللي يريحك يا سميرة بس.
صمت لبرهة يفكر كيف يراوغها كي يتوصل لنقطة معينة بالحديث ويحاول اقناعها:
نفسي انتِ كمان ترضي عن اللي يريحني
زفرت انفاسها وهي تعلم إلى ماذا يرمي ولكنها تسائلت:
وايه اللي يريحك إن شاء الله!
موضوع الولاد يا سميرة
وهنا كأنه نزع فتيل لسانها واطلق سراح شياطينها فقد اعترضت قائلة:.
تاني هتقولي الولاد قولتلك اعمل اللي تعمله عايز تجبهم يقعدوا معانا هاتهم بس ابقى اخدmهم أنت انا كفاية عليا مسؤولية ابنك وبصراحة مش حمل خدmة عيلين
زفر انفاسه ومرر يده بخصلاته الفحمية قائلًا بمسايرة على أمل إقناعها:
هجيب حد يراعيهم معاكِ وكل اللي طالبه منك انهم يقعدوا معايا كام يوم قبل اجازتهم ما تخلص ونفسي بلاش تتعصبي وتزعقي زي كل مرة
بررت هي بكل بوضوح دون تجميل عبـ.ـاراتها:.
ما انا بزعق ليه ما هما اللي اشقية وبيبهدلو البيت ده غير طلباتهم مبتخلص وبعدين أنت بتجبهملي اخدmهم وتريح دmاغ امهم منهم
احتدت نظراته ورفع سبابته يحذرها:
ملكيش دعوة بأمهم وبعدين دي رغبتي وانا اللي حابب كده وانتِ مفروض تريحيني وتتحمليهم علشاني
اريحك اه، بس مش على حساب نفسي
بس دول ولادي وليهم حقوق عليا وانتِ لما اتجوزتيني كنتِ عارفة كده
اه كنت عارفة بس مكنتش اعرف انهم هيقرفوني كل شوية.
يقرفوكِ للدرجادي دول مش بيجوا غير يوم في الاسبوع
يجوا يوم اهلًا وسهلًا علشان تشوفهم ويشوفوك وكده عداني العيب
تأفف بعدm رضا وزمجر غاضبًا من تبريرها وكاد تثور ثائرته لكنها اخرسته بقولها:
بقولك إيه وفر الشويتين بتوعك دول واسمع مني أنت مش مقصر معاهم لتتخصر وتستانف متهكمة:
وبعدين لوكنت مش قادر على بُعدهم اوي كده مكنتش اتجوزتني وكنت حافظت على امهم.
اكفهرت ملامحه وجلس يكوب رأسه ولم يسعفه عقله بكلمـ.ـا.ت مناسبة كي يبرر، وكيف يفعل وهو بقرارة نفسه يعلم أنها محقة
هو من خرب كل شيء.
ساد الصمت لثوانِ كانت تنتظر ان يجيبها ولكن حين لم يفعل تأكدت أن حديثها اصابه في الصميم إلى ان كـ.ـسر الصمت صراخ الصغير الذي أخذ يتعالى، لتتنهد وتقول هي تهرول إليه:
ارتحت اهوا علي صحى على صوتنا وملحقتش ارتاح، هروح اشوفه.
ذلك آخر ما قالته قبل أن تدخل غرفة النوم كي تسكت صغيرها تاركته ينظر لآثارها ويلعن حاجته للاستقرار والرعاية التي حُرم منها وقدر قيمتها حين كان وحيدًا، ويبدو ان لذلك السبب يتحمل يباس رأسها ولذوعة لسانها حتى أنه خالف كل التوقعات و تقبل قلة حيلته في ردعها.
أما عن تلك المتمردة التي تغيرت قناعاتها، فكانت نائمة في سلام وسَكينة على صدره العاري بعد ليلة عاصفة اطاح بها كافة حصونها فكان كعادته جامح يلبي كافة رغباتها حتى أنه جعلها شغوفة به أكثر من شغفه بها. فقد رفرفت بأهدابها حين همس هو:
كل ده نوم يا مغلباني
ابتسمت وهي تتثائب بكسل ثم حاوطت خصره قائلة:
مشبعتش نوم خليني شوية في حـ.ـضـ.ـنك انت بقيت بتوحشني وانت معايا يا يامن وبعدين مش كفاية غايب عني اسبوع.
روحي وأنتِ كمان بتوحشيني والله بس غـ.ـصـ.ـب عني المشاكل مش بتخلص في الفروع التانية
رفعت ذقنها تستند على صدره قائلة بثقة وبمحبة خالصة لمؤازرته:
حبيبي أيه رأيك اساعدك وانزل الشغل معاك ده لو معندكش مانع يعني
ناقشها بكل حيادية:
انتِ عارفة إني مش ضد شغلك وقولتلك بدل المرة ألف انا هشجعك مهما كان قرارك بس الولاد
الولاد مش هغيب عنهم غير كام ساعة بس ومامتك ودادة منيرة معاهم
هز رأسه بتفهم وهدر وهو يمرر يده بخصلاتها:.
بس الشغل مسؤولياته كبيرة وهتتعبي معايا
أجابته بثقة:
حبيبي متقلقش أنا أدها ومش مهم تعبي المهم إني اريحك واشيل عنك أنت كتير تعبت علشاني
تنهد تنهيدة حارة وعيناه تفيض بعشقها، لتضيف هي ببسمة هادئة:
وبعدين وقتها هيبقى عندك وقت اكتر علشان تقعد معايا ومع الولاد بدل ما الشغل علطول أخد كل وقتك و واخدك مني
داعب خصلاتها الفحمية وهمس ببسمته الحانية:
حبيبتي انا مفيش حاجة تقدر تاخدني منك
اعتلى حاجبيها متهكمة:.
واللهِ، لأ في، واولهم غالية بتاعتك اللي مشاركاني فيك وبتغير عليك مني
قهقه على غيرتها وقال وهو يرفع ذقنها ويلثم ثغرها بقبلة خاطفة:
بصراحة معذورة وليكِ حق تغيري منها اصلها احلى منك وبتعرف تثبتني
شهقت بغـ.ـيظ و نكزته بصدره متمتمة باعتراض:
انت رخم وبـ.ـنتك رخمة زيك اوعى سبني اقوم
منعها وهو يكبل خصرها ويحكم حصارها:
رايحة فين هو أنا هعتقك ده انا مصدقت الولاد اتأخروا في النوم
يامن بطل رخامة وسيبني اقوم.
نفي برأسه ثم دون أن يمهلها فرصة للاعتراض كان يعتليها ويقتنص قبلة عاصفة من شفاهها وحين بدأت تبادله وتغرق معه تعالى طرق الباب واتاه صوت نحيبها و لعثمتها بحروفها الغير مفهومة من خلفه:
با، با...
سحبت شفاهها من وطأة شفاهه المسيطرة ونظرت له نظرة بمعني ارأيت.
ليقلب عينه ويزفر أنفاسه الثائرة، و يزيح بجسده عنها ويهب يرتدي ملابسه لتسبقه هي وتتناول مأذرها وتغلقه على جسدها وتهنـ.ـد.م خصلاتها و تتجه لباب الغرفة تفتحه و تتناول صغيرتها من يد المربية التي قالت بحرج مطرقة الرأس:
حقك عليا يا ست هانم بس مش راضية تسكت
ولا يهمك يا منيرة سيبيها، قوليلي حمزة صحى
لأ يا ست لسه نايم.
هزت نادين رأسها واشارت لها تغادر لتغلق الباب وهي تهدهد صغيرتها التي لم ترضى أن تكف عن بكائها إلا حين رأته توقفت عنه تلقائيًا واخذت تفتح وتغلق قبضة يدها الصغيرة تعلن رغبتها في أن يحملها وبالفعل ذلك ما فعله فقد تناولها منها وأخذ يناغشها ويهدهدها بطريقته الحانية إلى أن استكانت برأسها على كتفه بسلاسة كادت تفحمها حتى انها علقت مستغربة:
شوف أزاي دي كانت مش راضية تبطل عـ.ـيا.ط من شوية ببساطة كده عرفت تسكتها.
اعتلى حاجبه بمكر وقال كي يغـ.ـيظها:
دي قدرات يا مامي معندكيش منها
وضعت يدها بخصرها وقالت وهي تهز رأسها وتأرجح خصلاتها الفحمية التي استطالت:
لأ دي مش قدرات ولا حاجة هي البت دي طالعة مسهوكة ومتعلقة بيك بزيادة عن زومي
قهقه واجابها وهو يميل برأسه ويقبل وجنة صغيرته ويملس على خصلاتها بعدmا تأكد انها استكانت وهدأت على كتفه:.
حمزة هادي وطالع عاقل ليا أما دي حبيبة ابوها وبعدين انتِ غيرانة ولا إيه أنتِ الأصل يامغلباني
اخرجت لسانها له كحركة ملازمة لها حين تغتاظ منه وقلدت طريقته قائلة:
حمزة عاقل ليك و غالية مـ.ـجـ.ـنو.نة ليا مش كده
روحي أنتِ احلى مـ.ـجـ.ـنو.نة شوفتها في حياتي
نمت بسمة على ثغرها وردت:
بقيت اونطجي اوي على فكرة بعد ما بقيت بابي...
قهقه هو لتتسع بسمتها وتخبره:
طيب طالما سكتت خليها معاك عقبال ما أخد شاور بسرعة وأحضر الفطار.
نفى برأسه وهو ينظر لها نظرة تعلم ما المغزى منها:
هودي غالية ل منيرة وهرجعلك علشان نكمل مفاوضات.
ابتسمت بدلال ونفت بسبابتها أمام نظراته قائلة:
لأ أجل المفاوضات لبليل
يوه بقى مش مسامح على فكرة وزعلان
لتمنحه قبلة خاطفة على وجنته وتوعده بدلال وهي تغمز بعينيها قبل أن تهرول للمرحاض:
هبقى اصالحك بعدين
لتتسع بسمته متحمسًا ويتنهد تنهيدة عميقة مُسهدة وهو يطالع أثرها بعشق لم ينتقص قط بل تفاقم حد الهوس بها.
دخل شركته التي استعاد مجدها بمزاج عكر للغاية، فقد دلف لمكتبه وجلس على مقعده ثم زفر انفاس حانقة متقطعة وهو يتناول هاتفه ويقوم بالأتصال بخالته، وإن اتاه ردها قال في ضيق:
ازيك يا خالتي
اجابته ثريا من الطرف الأخر:
تمام الحمد لله عامل يا ابني
زفت زفت يا خالتي...
ليه يا ابني مالك..
تحدث بإندفاع منفعل يفض مخزون قلبه:.
سميرة كل ما اجبلها سيرة العيال يركبها مـ.ـيـ.ـت عفريت وانا كان نفسي يجوا يقعدوا معايا كام يوم في الاجازة بس هي الله يسامحها بقى مش راضية تريحني وبتتحجج ب علي أنه تاعبها
أتاه تنهيدتها من الطرف الأخر ثم ردها:
ربنا يصلح الحال يا ابني، لتضيف بحياد كي لايتحفز نحو الأخرى ويخرب الأمر بغبائه المعهود:.
معلش اصبر عليها أكيد ابنك تاعبها انت عارف العيال بتبقى متعبة في الشهور الاولى وإذا كان على ولادك انت بتقدر تشوفهم في الوقت اللي انت عايزه و رهف مش بتتأخر
أقر بعرفان:
عارف يا خالتي وبصراحة هي مش مقصرة في الموضوع ده
رهف اصيلة وعمرها ما تقدر تحرمك منهم، المهم قولي بتاخد بالك من اكلك ومن مواعيد الدوا بتاعك
سميرة مرعياني يا خالتي و رغم ان فيها طباع زفت بس بصراحة من الناحية دي بتعمل اللي عليها معايا.
ربنا يهديهالك يا ابني ويصلح حالكم يارب
آمين يا خالتي، ليتحمحم ويضيف:
معلش بقي ياخالتي قولي ل رهف الاسبوع ده تجيب الولاد عندك علشان اشوفهم بدل البيت عندي علشان مش عايز و.جـ.ـع دmاغ زي كل مرة
تنهدت ثريا وقالت قبل ان تغلق الخط:
حاضر يا ابني هبلغها، مع السلامة
مع السلامة
ليغلق ويتنهد براحة أكبر كونه سينعم بقرب أطفاله دون صراخها.
أما عن حياة تلك التي تصالحت اخيرًا مع ذاتها فكانت بزيارة ودية لبيت كريمة التي توطدت الاُولفة بينهم في الآونة الاخيرة، فكانت تساعدها في المطبخ حين استمعت لصياح نضال الحماسي الذي اعتادت عليه مع أطفالها:
انت بتخم
قالها يعترض بها على لعب شريف الذي يشاركه في احد الالعاب الالكترونية، قهقه شريف وأخبره بحماس طفولي:
انا لازم ارد هزيمة المرة اللي فاتت
ضيق خضراويتاه ورد معاتبًا:
بقى كده طب استنى عليا.
قالها وهو يضغط على أزرار أداة التحكم الموصول باللعبة ويصب كافة تركيزه على الشاشة أمامه يحاول أن يمرر هدف ولكن الصغير كان أفرص منه وتحكم في أحد لاعبيه و.جـ.ـعله أن يأخذ الكرة ويسددها في مرماه ليهلل ويقفز من جلسته هو وشقيقته التي كانت تشَاهد ادائهم:
واو كسبتك، كسبتك، كسبتك
رمقهم نضال بغـ.ـيظ ثم جذب شريف لحجره وأخذ يدغدغه بقوة مشاكسًا:
أنت مالك فرحان فيا كده انت بتعايرني بالهزيمة.
قهقه الصغير وتعالت ضحكاته مرددًا من بينها:
انا اشطر منك
رد بخفة مستنكرًا وهو مازال يدغدغه:
اشطر مني فين أنت أي نعم بطل في الحقيقة بس في اللعبة بتخم
لتدافع شيري وهي تهز رأسها:
شريف شاطر مش بيغش يا نضال
ضيق عينه وقال بخفة وهو يجذبها هي ايضًا ويقوم بدغدغتها:
بقى كده بتدافعي عنه وانا اللي كنت فاكرك في صفي يا زئردة طب تعالي بقى.
تعالت ضحكات الصغار أثناء وقوفها على اعتاب الغرفة محملة اطباق الكيك التي أعدته بذاتها لتستمع لما دار بينهم و ترى ذلك المشهد الذي أسر قلبها
فكانت متجمدة بأرضها ولا تعلم ما بها غير أن ذلك ال نضال قد سبر أغوارها وكيف لا يفعل وهو حنون، متفهم، واضح بشكل مريح ومطمئن لها.
وأكثر ما يؤثر بها حقًا أنه عطوف مع ابنائها، فبعد ذلك اللقاء بينهم في عيادته والحديث المطول بينهم التي منحته به الأمل منذ عدة شهور وهو لا يضغط عليها بتاتًا ويكتفي بأقل القليل منها كما وعدها، حتى انه يحترم تحفظها معه وألتزم بتلك الحدود التي وضعتها لتوطيد علاقتهم وذلك بشكل ما يريحها فمع استمرارها ومواظبتها على زيارة الطبيب النفسي، قد تغيرت حياتها وأصبحت أكثر وضوحًا مع ذاتها، واقتنعت انها تستحق فرصة ثانية لذلك تقدر تحامله من أجلها ومن أجل قرارها، الذي يبدو أنها على وشك أن تتخذه بالفعل كي تريح قلبه وتحظى بعوضها وعند تلك الفكرة أخذت تدعوا الله من صميمها أن لا يتعكر صفوها فهي تعلم أنها ستخاطر بقرب أبنائها ولكن لديها يقين أن الله سيلطف بها.
وقفة كده ليه يا بـ.ـنتي!
قالتها كريمة التي خرجت من المطبخ لتوها محملة صنية بها عدة اكواب وفي طريقها لها.
تركزت نظراته عليها ولحظ وجودها ليتوقف عن ما يفعله حين تلعثمت هي:
ابدًا يا طنط انا كنت مستنياكِ
هللوا الصغار حين انتبهوا لها وأخذو يقصون عليها خسارته في حين هو نهض يتناول من والدته اولًا ثم منها قائلًا:
عنك يا أم البطل...
ابتسمت بسبب ذلك اللقب الحديث الذي أصبح يطـ.ـلقه عليها، وكأنه يعزز فخرها بولدها الذي شارك بالفعل في أحد بطولات الأندية، ألتقطت بسمتها وتسائل بعيون ضيقة مترقبة:
اوعي تكوني بتضحكي علشان شمتانة فيا زيهم
قالها وهو يضع ما بيده على المنضدة الصغيرة لتهز رأسها مستنكرة:
محصلش
كبتت بسمـ.ـا.تها بصعوبة ليضيف هو:
لعلمك بقى مش مصدقك وضحكتك كشفتك
هزت رأسها تلك المرة وهي تنفجر ضاحكة ليعقب بحاجب مرفوع متعجبًا:.
يظهر أن في حاجات مشتركة بينك وبين ولادك غير حضرتك اللي مبتنزليش من زور دي
تعالت ضحكاتها هي وصغارها حتى انها جلست وضمتهم لها وكأنها تؤكد له، ليمط فمه يدعي حـ.ـز.نه ويضيف:
على العموم الله يسامحكم
وهنا تدخلت كريمة وقالت مشاكسة:
هيسامحهم وبصراحة معذورة تضحك عليك اصل اللي يشوفك وانت بتلعب وسطيهم يستغرب ازاي بتنزل لمستوى عقلهم
هز رأسه مستنكرًا حديثها:.
انا مش بنزلهم يا كرملة بالعكس انا بحاول أرتقي بتصرفاتي علشان اوصل لحدود برائتهم
استغربت رهف بشـ.ـدة تقيمه للأمر الذي إن دل على شيء دل على محبته الخالصة لهم، لتعقب شيري وهي تتقدm منه و تشـ.ـده من بنطاله:
نضال أكلني كيك
انحنى يربت على وجنتها ثم جلس وأجلسها بجواره قائلًا:
برنسيس شيري تأمر
قالها وهو يتناول قطعة من الكيك بشوكته ويدسه بحرص بفمها، لتعترض رهف بعدm رضا وهي تقلد طريقة بـ.ـنتها:.
نضال أكلني، طب ما انا اهوا واقدر أكلك ليه بتطلبي من نضال
اجابتها الصغيرة موضحة براءة أسبابها:
علشان هو بيأكلني براحة لغاية ما أشبع يامامي ومش بيبرق لي ولا بيزعقلي ويقولي خلصي طبقك
اغتاظت وضيقت عيناها وهدرت متوعدة:
بقى كده ماشي يا شيري!
قهقه هو على هيئتها ورد بحماية:
متقدريش تزعليها دي في حمايتي
شهقت وقالت وهي تمط فمها:
انا غلطانة إني مش عايزاها تتعبك.
حانت منه بسمة حانية وهو يمسح بأحد المحارم الورقية البقايا العالقة بفم الصغيرة ثم أجابها بنبرة صادقة لم تشكك بها:
تعب أيه بس، ده انا بعشق الوقت اللي بتقضوه معايا وببقى في قمة سعادتي لما بيثقوا فيا ويطلبوا أي حاجة مني، ليضع قبلة اعلى رأس شريف الذي جلس بجواره من الجهة الأخرى ويستأنف بحاجب مرفوع بتسلية كي يشاكسها:
وبعدين اطلعي أنتِ منها دول حبايبي وعلى قلبي زي العسل.
ابتسمت بسمة مغتاظة وهزت رأسها بلا فائدة، ليتناول كوبه ويرتشف منه ثم يقطم من قطعة من الكيك قائلًا بتلذذ:
تسلم ايدك يا كرملة الكيك تحفة انتِ اتطورتي اوي
خرجت كريمة عن صمتها بعدmا كانت تكتفي فقط في أن تشهد على حديثهم ومناقرتهم بنظرات متأملة في لم شملهم:
تسلم يا حبيبي، بس دي عمايل رهف
اتسعت بسمته وعقب مشاكسًا وهو يتناول قطعة اخرى وينوي أن يضعها في فمه:
واضح ان عندك مواهب كتير مدفونة يا بشمهندسة، تسلم ايدك.
اتسعت بسمتها من إطرائه ومشاكسته الحثيثة التي يتعمد أن يكون حريص كي لا يخترق حدود تحفظها، بينما عقبت كريمة:
اومال رهف ست بيت شاطرة واحلى حاجة بقى أنها بعد الجواز هتخليك تبطل العادة الهباب دي بتاعت الأكل الجاهز
ردت هي بتلقائية دون ان تنتبه لوقع جملتها عليه:
إن شاء الله يا طنط.
جمدت خضراويتاه عليها لثوانِ وتنهد تنهيدة حالمة وهو يتخيل ذلك اليوم التي ستكون له ويجمعهم بيت واحد، لتلتقط هي نظراته وتتفهم المغزى منها ورغم أنه لم يتحدث أو يعبر عن رغبته إلا أن عيناه كانت كفيلة أن تعكس ما بداخله، دام تشابك نظراتهم لثوانِ عدة لحين باغتتهم كريمة بقولها:
ربنا يهنيكم ياولاد ويسعدكم وتريحوا قلبي بلم شملكم.
أطرقت برأسها وأخذت تبحث عن كلمـ.ـا.ت مناسبة كي تعلن عن موافقتها لأتمام الأمر ولكن لم يسعفها لسانها، وإن طال صمتها تنهد هو وهمهم بنبرة هادئة لا يتناسب مع ما يشعر به:
إن شاء الله يا كرملة كل شيء بأوان.
ليبتسم بسمته المعتادة ويستأذن منهم ويخرج للشرفة كي لا تخور عزيمته فقد وعدها ان لا يضغط عليها لحين تقرر هي ولكن يقسم أنه يتوق لقربها وقلبه يأَن متلهف لعطائها، تناول نفس عميق من الهواء وزفره على دفعات متقطعة حين شعر بها تقف خلفه، لم يلتفت لها وانتظر حديثها لتهمهم هي:
هو انت زعلت!
هز رأسه واجابها:
أنا وعدتك يا رهف مش هضغط عليكِ ومستعد استناكِ سنين مش شهور
أقرت بتقديرها لتحامُله:
وانا مقدرة ده صدقني..
هز رأسه وألتفت لها ويستند بخصره على سور الشرفة ثم تناول نفس عميق وزفره على دفعات متقطعة و تسائل متوجسًاوهو ينظر لكل شيء عداها هي:
رهف لو موضوع الخِلفة ده هو اللي مخليكِ مترددة أنا...
قاطعته هي بكل ثقة:
لأ، نضال احنا اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده وأنت عارف رأي فيه كويس
زفر وقال بنبرة فضحت رغبته:
كل اللي أنا عارفه دلوقتِ إني صعبان عليا العمر اللي بيعدي وانا مش جنبك
اجابته بإرتباك وهي تفرك بيدها:.
بس أنت جنبي و بقيت اقرب حد ليا
نظر في صميم عيناها وقال بتنهيدة مُثقلة:
مش ده القرب اللي اقصده.
اربكتها جملته وتلجم لسانها وهي تشعر بقشعريرة طفيفة تدب بجسدها، فما كان منه غير يزفر أنفاسه ويخبرها وهو يتخطاها:
تعالي ندخل للولاد
ابتلعت رمقها ولملمت شتاتها ثم همست بأسمه:
نضال
اغمض عينه لبرهة يتلذذ بحرف أسمه التي خرجت من ثغرها ثم التزم ثباته والتفت بجسده يجيبها:
نعم.
اقتربت خطوة واحدة ثم قالت بعدmا استجمعت شجاعتها كاملة:
أنا جوة معرفتش ابدأ ازاي او ملقتش كلام اعرف اعبر بيه
عقد حاجبيه وبمجرد النظر لوجهها تفهم ما يدور بخلدها لتتأهب كافة حواسه ويهمس متسألًا:
عايزة تقولي ايه اتكلمي أنا مش بَعُض يا بشمهندسة
لاحت بسمة ناعمة على ثغرها من جملته المعتادة الذي يشجعها على الحديث بها ثم أخذت تلملم خصلاتها البندقية قائلة بإقتناع وبثقة اكتسبها هو بكل جدارة:.
انا، موافقة نحدد معاد كتب الكتاب وأنا متأكدة أن قراري ده عمري ما هنـ.ـد.م عليه
رمش عدة مرات لم يستوعب حديثها ثم تسائل مترقبًا:
احلفي كده أن اللي سمعته صح!
هزت رأسها تؤكد له ثم كررت ببسمة أسرت قلبه بصفوها:
موافقة اتجوزك وممكن تحدد المعاد اللي يناسبك
اتسعت بسمته شيء فشيء وهو يشعر أنه على حافة الجنون بقرارها ليهمس بعدها بنبرة تتراقص نبراتها من شـ.ـدة سعادته:
أنا مش بحلم يا رهف صح.
اتسعت بسمتها التي تلفح قلبه وتجمد أنفاسه من روعة ربيعها وتحدثت وهي تتيه بغابات عينيه المزدهرة بعشقها:
مش بتحلم يا نضال انا فعلًا عايزة اكمل الباقي من عمري معاك
مرر يده بخصلاته وكأن يتأكد أن عقله مازال بموضعه ثم هدر بسعادة عارمة وبسمته تكاد تشق وجهه:
يبقى بلاش نضيع وقت اكتر من كده كفاية اللي ضاع من عمرنا
هزت رأسها تؤيده:
اللي تشوفه بس قبل أي حاجة في زيارة لازم نعملها
ضيق عيناه وتسائل متوجسًا:
زيارة ايه؟
تنهدت تنهيدة مُثقلة بذلك الخــــوف الذي مازال يحتل قلبها رغم قرارها ثم اجابته:
هقولك...
بابي هو انت عرفت مامي ازاي
قالتها تلك الصغيرة بفضول شـ.ـديد يقطر من فيروزتاها التي تشابه خاصة والدتها، ليتحمحم هو يجلي صوته الأجش ويجيبها:
حبيتها، واتجوزتها يا ام نص لسان
ومامي كانت بتحبك؟
هز رأسه يؤكد لها، لتستأنف الصغيرة وهي تتنهد وكأنها قررت الأمر:
بابي انا كمان لما اكبر هتجوز لؤي صاحبي
هب من جلسته وقال بدmاء حامية وهو يمسك الصغيرة من ذراعها:
لؤي مين يابت!
اجابته الصغيرة بعفوية مطلقة:.
زميلي في المدرسة يا بابي
شهق وقال بحنق:
زميلك، انا كان قلبي حاسس انك مش هتجبيها لبر
يا بابي وفيها ايه ده هو بيحبني
ضيق بندقيتاه وانقض عليها متسائلًا:
هو قالك انطقي
لأ بس بيبصلي زي ما أنت بتبص لمامي، وكل يوم بيجبلي شوكولاتة
ليصيح بحمئة ويتوعد بجدية:
نهارك مش فايت انتِ وهو انا هروح المدرسة واهدها على دmاغه هو واللي خلفوه
ليتمتم مع ذاته بمخاوفه ضاربًا كف على آخر:.
من دلوقتي وبتقولك بيبصلي زي ما بتبص لمامي أومال لما يكبروا هيعملوا إيه؟
ده شكل خلفة البنات دي هتختم على جناني
قهقهت الصغيرة وقالت وهي تكتم فمها وتؤشر عليه بالآخرى ساخرة:
أنت بتكلم نفسك يا بابي
زمجر بقوة وعقب على سخريتها بنبرة قاطعة:
بت أنتِ اسمعي انا معنديش الكلام ده وإِياك يا أم نص لسان تنطقي بس اسمه قدامي
نفت الصغيرة وقالت وهي تمط فمها وتربع ذراعها دليل على عدm رضاها:
اشمعنى انت ومامي مليش دعوة.
رد بغـ.ـيظ و بندقيتاه تطلق شرار مشتعل يعكس ثورة دmائه الحامية:
إحنا كبـ.ـار وانتِ لسة مفعوصة، وإن شاء الله لما يجي آوانه جوزك انا اللي هختاره بنفسي ولازم توافقي عليه ورجلك فوق رقبتك
وهنا احتجت الصغيرة وهي تقف فوق الاريكة وتضع يدها بخصرها:
ايه رجلي فوق رقبتي دي! هلعب جمباز يا بابي؟
ده مجازاً يأم نص لسان ولعلمك بقى انا اللي هقوله هو اللي هيمشي، فاهمة ولا لأ.
فاهمة، فاهمة بس برضو لما أكبر مش هتجوز غير لؤي مليش دعوة
دعوة مين انتِ هتجننيني قولت مفيش لؤي
عارضت الصغيرة بهتاف حماسي وهي تفر من أمامه هاربة:
في لؤي
هرول هاتفًا مثلها وهو يحاول اللحاق بها:
مفيش لؤي
ظلت الصغيرة مُصرة على هتافها أثناء ركضها:
لأ يا بابي في لؤي
كاد يلحق بها كي يقتص منها على إصرارها ولكن تعثرت قدmاه في أحد أرجل الطاولة وسقط بأرضه يتأوه صارخًا بنفس جملته الاعتراضية:
مفيش لؤي.
قالها بصوت مسموع وهو يهب من نومته ليفزعها ويجعلها تستيقظ وتسأله بهلع:
حمود في إيه مالك؟
زفر هو براحة وأجابها بأنفاس متلاحقة وهو يضع يده على صدره الناهج:
الحمد لله انه حلم
خير يا حمود!
قالتها وهي تعتدل بجسدها وتناوله كوب الماء الموضوع على الكومود، ليتناول من يدها ويرتشف القليل ثم يضعه ويقول وهو يتحسس انتفاخ بطنها:
خير متخافيش انا بس قلقان علشان معاد ولادتك قرب
وضعت يدها على وجنته وهمست بحماس:.
هانت يا حبيبي بكرة تيجي ست الحُسن والجمال وتملا علينا الدنيا
والله أنا ما خايف غير من ست الحُسن بتاعتك دي لما تشرف شكلي هشوف العجب
لأ هي هتطلع بنوتة هادية وكيوت أنا قلبي حاسس
نفى برأسه وهو يتذكر حلمه وهدر ساخرًا:
كيوت قال، ليعتلي حاجبه ويحذرها بسبابته:
بقولك ايه اعملي حسابك أي حد اسمه لؤي هيقرب من بـ.ـنتك ولا يبصلها هقــ,تــله
تعجبت هي:
مش لما تبقى تيجي الأول وبعدين إشمعنا اسم لؤي.
رد بنفاذ صبر ومازال متأثر بحلمه:
يووه أنتِ هتقوليلي إشمعنا زيها وهتجنوني
زيها مين!
انا مش فاهمة حاجة!
يووه متخديش في بالك
تنهدت هي وهدرت وهي تزحزح جسدها للأسفل في الفراش وتدثر نفسها:
طيب كمل نوم يا حمود
اعترض وهو يزيح عنها الغطاء:
نوم إيه!، تعالي هنا هي مش في تعليمـ.ـا.ت دكتورة لازم تتنفذ ولا إيه...
مطت فمها وراوغته:
حمود وبعدين خليك مؤدب
قلد طريقتها وقال بنبرة ساخرة:.
خليك مؤدب انا مش عارف غير إني اكون مؤدب ده كفاية ابوكِ اللي متأمر عليا ومطلع عيني في الشغل و من يوم ما عرف أنك حامل وهو مقعدنا في القصر جنبه
برقت بعيناها حين شعرت بمغصة اسفل بطنها ولكنها تجاهلتها وظنتها عابرة كغيرها وعقبت على حديثه:
حمود بابي بيثق فيك وبيحبك وعلشان كده اعتمد عليك في الشغل
زفر انفاسه واجابها وهو يميل عليها ويداعب طرف أنفه بأنفها:
عارف وربنا يعلم بعزه أد إيه ليضيف بمشاكسة:.
بس ده ميمنعش برضو اني ضحك عليا وكان بياخدني على أد عقلي لما وافق نعيش لوحدنا
كوبت وجهه القريب منها وتحدثت وهي تستعطفه بنظراتها:
بابي متعلق بيا وملوش غيري وانا مش مرتاحة علشان بعيدة عنه يعني افرض تعب او احتاجني لازم ابقى قريبة منه
ده بابي يا حمود وليه حق عليا
تنهد وأجابها بعقلانيته المعهودة وبندقيتاه تفيض بدفئها:
لأ يا حلو أنا مقدرش اكون سبب في تقصيرك مع ابوكِ ومقدرش امنعك تبقي جنبه.
يعني موافق نفضل معاه علطول
تنهد و رد ببسمة راضية نابعة من طيب اخلاقه:
موافق بس عندي شرط ياحلو
تأهبت بنظراتها لتستمع لشروطه ولكنه باغتها وهو يقترب أكثر من وجهها قائلًا بمجون أمام ثغرها:
هخدك استفرض بيكِ من وقت للتاني في شقتنا وبصراحة انا عايز بس ربنا يقومك بالسلامة وسنة بالكتير و اخاوي البـ.ـنت واجبلها ولد يشكمها
اتسعت بسمتها وهي تتعلق بعنقه:
هيبقى انت وهو عليها عصابة بقى!
اه عصابة مش انا حـ.ـر.امي وسرقت قلبك قبل كده
هزت رأسها وأكدت بعدmا اندثرت بسمتها و أخذت تقاوم مغصتها بملامح متقلصة:
ايوة حـ.ـر.امي وهفضل حبساك في القفص الدهبي العمر كله
مال يتنفس رائحتها المسكرة التي يعشقها من بين ثنايا عنقها وتسأل بأنفاس متثاقلة:
ده انتِ بتحبيني بقى!
اجابته بصوت جهوري اجفله و.جـ.ـعله يتوقف عن ما يفعله:
آه، آه
ليكتم فمها ويقول باستياء من صياحها:.
في إيه خلاص عرفت مش لازم تعلي صوتك وتسمعي البيت كله دلوقتِ ولا انتِ عايزة ابوكِ يجي يقولي بتعمل ايه في بـ.ـنتي ويفهمني غلط
برقت عيناها بشـ.ـدة وهزت رأسها بملامح متألــمة وما كان منها غير قطم يده التي يضعها على فمها كي تنفث عن ألــمها، ليتأوه هو صائحًا وهو ينزع يده بصعوبة من بين اسنانها:
يا بـ.ـنت العضاضة ابوكِ مكنش بيأكلك لحمة اكيد
وهنا صرخت متألــمة بعدmا تزايدت وتيرة الألــم بمغصات متقاربة بوطأة أشـ.ـد عن التي قبلها:.
انا بولد، بولد، آه ألحقني
وقف مشـ.ـدوه أمامها واستغرق الأمر منه بضع ثوانِ ولم يستوعب الأمر إلا حين تعالى الطرق على باب غرفتهم واتاه صوت ابيها الذي حضر فور صراخها، لينتفض كالملسوع من وقفته يفتح باب الغرفة ليندفع فاضل نحو ابـ.ـنته متسائلًا بقلق عارم:
مالك يا بـ.ـنتي
لم تجيبه ميرال بل كانت تتمسك بأسفل بطنها وتبكي من شـ.ـدة الألــم لينوب هو عنها بنبرة متعجلة وهو يرتدي اول شيء طالته يده:.
بتولد يا عمي حضر العربية بسرعة الله يخليك
طمأنه فاضل ابـ.ـنته وهرول كي يفعل كما طلب منه بينما هو فقد البسها اسدالها وهو يطمئنها ويهدأ من روعها ثم حملها وركض بها إلى سيارة ابيها الذي أسرع واشعل محركها وانطلق بهم إلى أقرب مشفى تحت صرخاتها ونواحها.
—
ب، با، با...
كلمة متقطعة بحروف متكـ.ـسرة بالكاد تفهم صدرت من طفله أثناء هدهدته له في حضورها، فقد تجمدت ملامحه لثوانِ ولم يستوعب الأمر وإن أعادها الصغير اتسعت بسمته شيء فشيء وهدر متفاجئاً وهو يوجه حديثه لها:
واه كني سمعته هينطج يا جمر
ابتسمت هي حتى ضاقت عيونها الكاحلة واجابته وهي تدع الملابس التي كانت تطويها جانبًا وتقترب من جلسته فوق الفراش:
صوح يا حامد ده نطج أني بردك سمعته.
ليقول بسعادة هائلة وهو يدثر الصغير بين أحضانه ويربت على ظهره بعيون لامعة:
يافرج الله والله أني ما مصدج نطجت ياحبيبي ابوك
لتضع هي يدها على وجنته وتتسأل بحنان:
واه چرالك إيه! أنت هتبكي يا حامد
هز رأسه ودmعاته تفر واحدة تلو أخرى تزف سعادته:
كنت بدعي ربنا عشان يكرمني بحتة منيكِ ياحبة الجلب وربنا كريم وحجج دعوتي ليتنهد براحة وهو يقبل رأس الصغير ويستأنف حامدًا:.
وكُمان خلاني أسمع الكلمة اللي في عمري كلاته متمنتش اسمع اچمل منها
ربتت على كتفه داعية بنبرة صادقة للغاية نابعة من صميمها:
ربنا يديمك لينا يا حامد ويفرحك بولدك ويجعله بـ.ـار بيك وبيا
أمن هو على دعائها، ثم استفاض معها وهو يسند رأس الصغير على كتفه:
آمين يا حبة جلب حامد خابرة النهارده يوم زين من أوله شكلي اصطبحت بوشك الصبوح
ابتسمت بخجل ثم تسائلت:
ليه أيه اللي حوصل في چديد عن عمي عبد الرحيم
أجابها مستبشرًا:.
اليوم عَشية كلمت المحامي وجالي إن الطلب والتجارير اللي جدmتها في التعاون الدولي في مكتب النائب العام بتتفحص وبيتأكدوا من صحتها والمحامي طمني وجالي انهم هيشكلوا لجنة طبية وهيعملوا تجرير نهائي يثبت أن مرض ابوي واعر وإن شاء الله في أمل يخرچ إفراچ صحي
والخبر ده فرحني جوي يا جمر وحتى امي لما جولتلها فرحت جوي وجالت ده هيبجى يوم المنى
ردت هي داعية بدعوات صادقة نابعة من طيب أصلها:.
ربنا يرده لينا بخير يا حامد والله بدعيله ونفسي وَلدي يكبر جصاد عينه كيف ما بتتمنى
لتغيم عينه ويقول بحـ.ـز.ن على ما توصل له حال ابيه:
ابوي الحبس غيره يا جمر والمرض اللي چاله چوة هد جواه ده لو تنضريه جلبك هيتجتطع عليه
تنهدت بحـ.ـز.ن ثم قالت داعية:
ربنا يشفيه ويعافيه و يفك حبسه ويفرچ كُربته
أمن على دعواتها وهو يضع الصغير الذي غلبه النوم بجانبه على الفراش ثم استأنف وهو يقترب منها ويمددها بجانبه:.
يارب يا جمر اني خابر انك متتمنلهوش حاچة عِفشة وخابر كُمان أنك اصيلة وبـ.ـنت اصول وهتتجي الله في امي في غيابي هي أي نعم من ساعة مجولتلها ههملها لحالها واتدلى اعيش في اسيوط وهي هتعاملك زين وطايرة طير ب عبد الرحيم الصغير لكن أني خابر أمي وعارف طبعها وأكيد مش بتسلمي من نجرزتها في غيابي ورغم ده كلاته مفتححيش خشمك ولا تشتكي.
قال آخر جملة بعرفان وبعيون يلتمع بهم الامتنان وهو يكوب وجنتها الممتلئة بحنان، فما كان منها غير مرغ جانب وجهها بكف يده وقولها برضا تام وبمودة خالصة:
أمك كيف أمي تمام وزي ما أنت جولت ده طبعها وغـ.ـصـ.ـب عني لازمنًا اشيلها فوج راسي وكله يهون لجل خاطرك يا جلب جمر وبعدين اشتكي ليه بكفايا الهموم اللي فوج ضهرك وجـ.ـسماه؛ أني واچبي أهون عليكِ مش ازود همك
تنهد وشملها بنظرة متيمة ثم همس مُسهدًا:.
خابرة يا جمر كل هموم الدنيا تهون جُدام نظرة حب من عنيكِ المتكحلة بعشجي
همست وهي تتيه في عمق عيناه التي تهيم بها:
أنت شج روحي يا حامد ورزجي من الدنيا و معوزاش غير نعيم جُربك أنت و وَلدي.
ذلك أخر ما قالته قبل أن يميل بوجهه و يضع قُبلة مُطولة على قمة شعرها ثم يضمها له بيد لتستلقي تمامًا على صدره أما باليد الآخرى كان يضم صغيره لحـ.ـضـ.ـنه من الجهة الآخرى ويشـ.ـدد عليهم وكأنه يود أن يخفيهم بين اضلعه؛ فهم أثمن اشيائه واقربهم لقلبه هما وابويه، الذي لطالما سعى لبرهم، ومازال لديه يقين بداخله أن الله سييسر أمر أبيه ويجمع شملهم.
↚
استبد القلق بالجميع وخاصًة هو فكان يخطوا كالثور الثائر ذهابًا وايابًا من شـ.ـدة القلق أثناء تواجدها بغرفة العمليات فكاد يجن ويفقد اعصابه ليطمئن عليها لولآ أن شهد حاولت تهدئة روعه قائلة:
متقلقش يا اخويا بإذن الله هتقوم بالسلامة
يارب يا شهد، يارب
قالها من صميم قلبه الذي ينهشه القلق وهو يدعوا الله بسره أن يطمئنه عليها،.
بينما فاضل كان يجلس مهدل الكتفين ويبتهل لله بملامح تعكس خــــوفه وقلقه الشـ.ـديد على ابـ.ـنته، وبعد بعض الوقت خرجت الطبيبة ليندفعون إليها بلهفة ويتسائل هو بملامح شاحبة:
طمنيني بالله عليكِ يا دكتورة
نزعت الطبيبه غطاء فمها الطبي واجابته ببسمة مُبشرة:
حمد الله على سلامتها المدام جابتلك بنوتة زي القمر
هز رأسه وتسائل بتلهف شـ.ـديد والقلق مازال ينهش قلبه:
مراتي كويسة؟
ابتسمت الطبيبه وطمأنته:
كويسة متقلقش دقايق وهتخرج.
زفر براحة عارمة وتهللت أساريره وردد حامدًا وهو يقبل باطن وظهر يده بالتناوب:
الحمد والشكر ليك يارب، الحمد لله، الحمد لله
ليتسائل فاضل بلهفة لاتقل شيء عن لهفته:
وحفيدتي طمنيني عليها
البنوتة بخير هي بس هتروح الرعاية يعملولها اللازم وشوية وتقدروا تطمنوا عليها
هزوا رأسهم بامتنان للطبيبة وشكروها وإن تركتهم
ربت فاضل على كتفه وبـ.ـاركه ببسمة واسعة:
مبروك يا ابني اللي جابلك يخليلك
رد محمد ببسمة واسعة:.
الله يبـ.ـارك فيك يا عمي ربنا يديك الصحة و يخليك لينا
ثم من بعده بـ.ـاركته شهد بسعادة عارمة:
مبروك يا خويا تتربى في عزك يارب
الله يبـ.ـارك فيكِ يا شهد عقبالك أنتِ كمان لما تجيبي حمود الصغير
هانت ادعيلي يا حمود ده انا من ساعة ما عرفت انه ولد و الفرحة مش سيعاني
تسائل هو مندهش:
غريبة طول عمرك بتقولي تربية الصبيان صعبة أيه اللي جد
اجابته بتنهيدة مطولة:.
اللي جد أن كاظم كان نفسه في ولد يكون سند وظهر ليه وللبنات وبصراحة كنت بدعيها من قلبي علشانه والحمد لله ربنا كريم
أومأ لها وشاكسها كعادته:
الحمد لله تقريبًا كده صدقت أنك بركة زي ما بتقولي
نكزته ببسمة واسعة و يقهقه هو تزامنًا مع مجيء كاظم الذي اعتذر قائلًا:
آسف اتأخرت بس كان لازم واحد فينا يحضر الأجتماع
هزو رأسهم بتفهم، ليتسائل هو:
طمنوني ميرال عاملة ايه؟
طمأنته شهد قائلة:.
الحمد لله قامت بالسلامة والدكتورة طمنتنا على البـ.ـنت
حمدلله على سلامتها يا عمي
اجابه فاضل بسعادة لا يضاهيها شيء:
الحمد لله يا كاظم
ليبتسم كاظم ويوجه حديثه ل محمد:
مبروك يا ابو چوري تتربى في عزك
الله يخليك يا جوز أختي عقبال شهد كده لما تجبلك ولي العهد وتقوم بالسلامة
شهقت هي متفاجئة حين تحسس بروز بطنها بحنية مبالغ بها أمام الجميع، وقال بتلهف وبعيون لامعة:
يارب يا محمد ده انا بعد الايام والله.
ابتسم محمد لسعادة زوج شقيقته وألتهى بعد ذلك بالحديث مع فاضل لحين خروجها، لتتنهد شهد وتتمسك بظهرها، ليجذب كاظم يدها ويعلقها بذراعه ويخبرها أن ترتمي بثقلها عليه بعدmا استشعر تعبها البادي عليها ويسير بها لأحد المقاعد القريبة كي يريحها، لتزفر هي براحة ما أن أجلسها وتهمس داعية:
ربنا يديمك ليا ولولادك يا كاظم ويفرحك بيهم
فرحتي اللي بجد أن ربنا رزقني بيكِ وكرمني بأم زيك ليهم يا شهد.
ربتت على يده وأخبرته ببسمة هادئة:
وانا كمان ربنا عوضني بيك ده كفاية انك ابن أصول وشايل بـ.ـنتي في حباب عنيك ومش عامل فرق بينها وبين بـ.ـنتك
طمطم زي سنا بالظبط بالنسبالي وانتِ وهي غيرتوا حياتي أنا وبـ.ـنتي وخليتوني أعرف يعني إيه عزوه وبيت ودفى وفتحتوا عيني على حاجات كتير كانت غايبة عني ومش عارف قيمتها.
وانا كمان معاك بحس إني مسنودة ومطمنة أي نعم اخويا طول عمره سند وضهر ليا بس أنت حاجة تانية يعني لو اتعريت مش هجري عليه هجري اتحامي واتداري فيك أنت
ابتسم تلك البسمة الرزينة الهادئة التي تذيبها ثم وضع ذراعه فوق كتفها وهمس بصدق شـ.ـديد وبشعور صادق اكتسبه بالفعل من عِشرته الطيبة لها:
بحبك يا شهد ومقدرش اعيش من غيرك.
لتبتسم هي وتربت فوق كف يده المسنود على كتفها بحنان شـ.ـديد وكأنها ارادت أن تؤيد ذلك الشعور المتبادل الذي تسلل بالفعل مع مرور الأيام لقلبها.
تأملها بعيون لامعة وهي تستكين بين احضان والدتها فحقًا لا يصدق أن تلك الصغيرة التي تشابه الملائكة هي ثمرة عشقه لها.
نظرت له ميرال نظرة حالمة رغم وهنها لتتسع بسمته شيء فشيء و يتنهد براحة عارمة ثم يقول والفرحة تتراقص ببندقيتاه وهو يجلس بجوارها ويزيح خصلاتها خلف اُذنها:
الحمد لله على سلامتك يا حلو كنت هتتجنن عليكِ
مبروك يا حمود
رد بنبرة عاشقة تفيض بسعادته:
أنا مبسوط أوي يا ميرال.
أنا مبسوطة اكتر منك كفاية ان ربنا عطاني حتة منك بص حتى شبهك ازاي
قالت أخر جملة وهي تضم صغيرتها وتتلمس وجهها بأناملها
ليشملهم هو بنظراته الحانية، ويخص صغيرته التي تشبه الملائكة بنومتها بنظرة مميزة لم تسكن عينيه مسبقًا
لترفعها هي وتضعها بين يده بحرص، لتتجمد نظراته عليها لثوانِ وكان عقله توقف ولا يستوعب أنها تخصه ليهمس بعيون يلتمع بهم الدmع:
بسم الله ما شاء الله دي جميلة أوي يا ميرال وشبهك بالملي.
ابتسمت هي وهمهمت:
لأ دي شبهك أنت
شبهي مين عايزة البـ.ـنت تتعقد
هو انت وِحش ده انت احلى راجـ.ـل شافته عينيا يا حمود
تنهد تنهيدة مُسهدة واجابها وهو ينظر لها:
دي عيونك الحلوة يا حلو
هامت به ببسمة واسعة وظلت نظراتهم الفرحة عالقة لحين قاطعهم فاضل بنفاذ صبر:
انتوا بتتعزموا على بعض هي ولا شبهه ولا شبهك حفيدتي شبهي انا وهاتها بقى انا ساكت لكم من بدري.
قالها بلهفة وسعادة متناهية وهو يأخذ الصغيرة من يد أبيها ويقبلها من جبهتها قائلًا بدmـ.ـو.ع أخذت تتهدل من شـ.ـدة سعادته بها:
بسم الله ماشاء الله ربنا يحفظها ويبـ.ـارك في عمرها
لينهض محمد من جلسته يطلب بأدب:
طب ممكن ترجعلي بـ.ـنتي يا عمي أَأذن في ودنها
اجابه فاضل بكل إصرار وثقة:
انا اقدر اعمل كده خليك أنت جنب مراتك واطمن عليها.
قهقه الجميع على تشبث فاضل بالصغيرة واستحواذه عليها، بينما ضـ.ـر.ب هو كف على آخر و جلس بقلة حيلة بجانب ميرال وشاكسها قائلًا:
شكلي كده انا وابوكِ مش هنتفق الفترة الجاية
لتعلق هي ببسمة هادئة:
انا اول مرة اشوف بابي فرحان اوي كده
لتعقب شهد على حديثها بذلك المثل المأثور:
اومال لازم يفرح ده والنعمة صدق اللي قال أعز الوِلد ولد الولد.
هزت ميرال رأسها وظلت تتطلع لهم ببسمة هادئة وهي تشعر بسعادة متناهية و تدعو الله أن يمدها بالقوة كي تكون أم جيدة لابـ.ـنتها وتقسم بينها وبين ذاتها انها ستعوض بها كُل ما حُرمت هي منه بسبب انانية والدتها التي تخلت عنها.
أما عنه فقد مر عدة أيام وهاهو حضر لبيت خالته كي يرى اطفاله ككل اسبوع، فقد أحضر لهم العديد من الألعاب والأشياء التي يفضلونها على أمل أن يعوضهم ولو بجزء بسيط من ذلك الأهتمام الذي لطالما كان مقصر به في حقهم.
فقد رحبت به ثريا ولكن تلك المرة كان يشعر أنها متـ.ـو.ترة وعلى غير عادتها ولكنه أجل سؤالها حين استئذنت منه وتحججت كي تذهب تلقي نظرة على أحفادها لكي تطمئن والدتهم التي تهاتفها كل نصف ساعة لتطمئن عليهم فاليوم يومها الأول بالعمل ولذلك اخبرته انها لابد أن تقدر قلقها.
لم يعير الأمر أهمية أكبر وكل ما حاول فعله بعد أن تركته هو استغلال الوقت لكي يحظى بقرب ابنائه، فقد هللت شيري اولًا بحماس طفولي وهي تتفقد محتوى الحقائب الورقية:
واو كل دي حاجات حلوة يا بابي
أجابها حسن بحنان:
كل ده علشانك انتِ واخوكِ
أومأت له وشاركت اخيها كما تعودت ليجلس حسن ابنه بجانبه ويتسأل:
قولي عامل إيه في البتاعة بتاعتك دي اللي مضيعة وقتك على الفاضي.
تهدلت جفون الصغير من قلة تقديره لموهبته وتحدث بإقتضاب:
كويس يا بابي
هز حسن رأسه واستأنف:
إن شاء الله لما تخلص الاجازة مفيش الكلام ده انا هكلم امك واقولها مش عايز حاجة تلهيك عن المذاكرة
ساد الحـ.ـز.ن معالم الصغير وأخبره:
بس انا بذاكر كويس يا بابي ومامي كمان بتذاكرلي وكل المدرسين مبسوطين اوي مني
رد حسن دون حيادية ودون أن يقدر رغبة الصغير واهتمامـ.ـا.ته المُحفزة له:
وبعدين معاك اسمع الكلام انا عايز مصلحتك.
نكس الصغير رأسه بحـ.ـز.ن ثم أومأ له بطاعة، في حين اقتربت شيري بعد أن فشلت في فض غلاف الشوكولاته التي احضرها بين الأغراض:
مش عارفة افتحها يا بابي افتحهالي واكلني
تنهد وتناول من يدها وحين انتهى اخبرها بنفاذ صبر:
كُلي انتِ لوحدك أنتِ مش صغيرة
تنهدت الصغيرة بضجر وقبل أن تشرع في قطم الشوكولاته كـ.ـسرت نصف اللوح كي تشارك اخيها كما تعودت ولكن شريف رفض قائلًا:
مش عايز يا شيري سناني هتو.جـ.ـعني تاني وانا بخاف.
لتضع ما بيدها جانبًا بعد أن فقدت شهيتها وتتحدث وهي تمط فمها:
خلاص وانا كمان مش عايزة أَكُل
ليتسأل حسن:
ليه سنانك بتو.جـ.ـعك مالها؟
اجابه شريف بإقتضاب:
ضرسي كان بيوجـ.ـعني وكنت بعيط ومش عارف انام بس مامي اخدتني هي و نضال للدكتور صاحبه
فور ذكر الصغير لأسم نضال شعر بدmاء حارة تفور برأسه وأن كل خلية به تنبض بالغـــضــــب حتى أنه قال بحدة اجفلت الصغير:
وسي زفت ده يروح معاكم ليه؟
أجابه شريف متلعثمًا:.
هو، صاحبي يا بابي، وبيحبني وبيلعب معايا
زمجر حسن غاضبًا وهو يتمسك بذراعه بقسوة لم يتعمدها:
ازاي يعني صاحبك!
تلجلج الصغير واجابه بعيون زائغة وهو على حافة البكاء:
يعني بيلعب معايا بلاي ستيشن وساعات بيكون في النادي وبيحضر معايا التمرين ويشجعني
اشتعلت نيران دواخله وغمغم بغـــضــــب وهو يترك يد الصغير ويمرر يده على وجهه كي يهدأ من روعه:
وطبعًا كل ده وامك معاك مش كده؟
هز الصغير رأسه والخــــوف يسيطر على تقاسيمه، بينما قالت شيري ببراءة وكأنها تهدئة بدفاعها:
نضال طيب يا بابي
وهنا لم يتحمل وهب من جلسته يصـ.ـر.خ بهم والغـــضــــب يعمي عينه:
متجبوش سيرته قدامي وملكمش دعوة بيه وانا ليا كلام تاني مع امكم ليرفع سبابته محذرًا وهو يوجه حديثه ل شريف:
وانت مفيش حاجة اسمها صاحبي دي فاهم
انتفضوا الصغار بخــــوف من صراخه المنفعل و انكمشوا على ذاتهم وقالوا في نفس واحد:
حاضر يا بابي.
وهنا حضرت ثريا على صراخه لتتسأل بريبة:
في إيه يا ابني بتزعق ليه؟
زفر وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية بعصبية ولم يجيبها بل كان ساهم وكأنه يحاول كبح شياطينه
لتسأل الصغار:
إيه اللي حصل ياولاد عملتوا إيه عصب ابوكم كده؟
اجابتها شيري وهي تتحامى خلف ظهر اخيها:
مش عملنا حاجة إحنا بس قولنا أن نضال طيب يا تيتا.
تنهدت ثريا حين أدركت أن الصغار سهلوا عليها مهمتها ومهدوا لحديثها التي كانت لاتعلم من أين ستبدأه، فقد تداركت الموقف قائلة:
طب روحوا يا ولاد ألعبوا في الجنينة شوية عقبال ما اتكلم مع ابوكم
انصاعوا لها الصغار وهرولوا للخارج، ليصيح هو فور خروجهم:
شوفتي الهانم اللي علطول بتدافعي عنها كدبت عليا لما سألتها ايه اللي بينك وبينه وطلعت مقضياها معاه
احتدت نظرات ثريا و اخرسته قائلة:.
عيب كده دي أم ولادك و متعيبش في أخلاقها ده انت اكتر واحد عاشرتها وعارفها
اومال تفسري كلام العيال بأيه وتفسري قربه منهم ومنها بأيه ياخالتي انتِ عايزة تجننيني
هي قالتلك قبل كده مش هتستأذنك ولا هتاخد منك الاذن لو فكرت تربط مصيرها براجـ.ـل تاني بس هي اصيلةوعلشان خاطر هما ولادك طلبت مني ابلغك وافهمك الوضع وبصراحة الراجـ.ـل ابن حلال وطالب حلال ربنا وهي لسه صغيرة ومن حقها تجرب حظها مرة تانية.
صدر ذلك الصوت الساخر من فمه وهدر بإنفعال:
وهو كان ماله حظها معايا
تنهدت ثريا بنفاذ صبر وقطعت وصلة مبرراته وادعائه للبراءة قائلة:
مش هتعيدو من تاني يا حسن أنت عارف عملت ايه ومش مرة واحدة؛ دي مرتين
أجابها بعنجهية رجل شرقي:
انا راجـ.ـل اعمل اللي اعمله أتجوز، أطلق، أو حتى اصاحب انا حر ومحدش يقدر يحاسبني لكن الهانم لأ، وطالما معاها عيال ورفضت ترجعلي يبقى لازم تتحمل مسؤوليتهم ومينفعش تتجوز.
لم تيأس وحاولت إقناعه بحديثها:
وهي مش هتقصر معاهم وكمان الدكتور ربنا ما كرمهوش بولاد وهيعامل ولادك زي ولاده بالظبط
زمجر غاضبًا يدور حول نفسه و الشياطين تتراقص امام عينه:
ده على جثتي مش هيحصل
اقتربت ثريا من وقفته تربت على كتفه بحنو واستأنفت محاولاتها:.
يا ابني اسمع الله يخليك واللهِ الدكتور محترم واخلاقه عالية ويكفي انه جه لغاية عندي واتعهد قدامي وقدام ربنا أنه هيحط الولاد على راسه واديك سمعت بودانك من ولادك أنهم بيحبوه وهو حنين عليهم
نفى برأسه بعدm اقتناع وغمغم غاضبًاوهو ينقر على صدره بسبابته:
بس دول ولادي أنا ومش هسيبهم لراجـ.ـل غيري مهما حصل
الهانم عايزة تتجوز تتجوز بس تاني يوم هاخدهم منها واظن وقتها محدش يغلطني ده حقي اللي الشرع والقانون ادهولي.
يا ابني محدش هيخاف على عيالك ولا يراعيهم اكتر من امهم دي هي اللي قطعاهم من لحمها
ليصمم هو:
بس امهم مش هتبقى فضيالهم وانا اولى بيهم
تابعت ثريا لكي تذكره في محاولة منها أن تقنعه:
يا حول ولا قوة إلا بالله بلاش يا ابني تبقى أنين في حياتها وحياة ولادك وافتكر انها مقصرتش معاك ده يوم ما وقعت هي اول حد كان جنبك ده غير أنها ساعدتك في شغلك ومهانش عليها تشوفك بتضيع قدامها.
عقب على حديثها وشيء من المنطقية تطفوا على حديثه:
وانا مقولتش حاجة ومقدر ده بس لو هتفكري فيها هتلاقيها هي السبب والفلوس اللي هي ساعدتني بيها دي أنا ليا فيها انا اللي كبرتها وشغلتها
طب يا ابني انا هفرض معاك أنك خدت الولاد هتعرف تتحمل مسؤوليتهم
أجابها بتسرع دون تفكير:
اه هعرف
لتذكره بمعضلته بسؤالها:
طب و سميرة هتوافق؟
زاغت نظراته وقال بنبرة مهتزة:
غـ.ـصـ.ـب عنها لازم توافق...
تنهدت ثريا بضيق وجلست على أحد المقاعد القريبة متسألة بريبة:
يعني هتغـ.ـصـ.ـبها تتحمل ولادك يا حسن
أجابها بأندفاع:
اه هعمل كده
أسندت ثريا ذقنها بسبابتها وابهامها وقالت متهكمة:
طب وحتى لو غـ.ـصـ.ـبتها تتقبل عيالك هتعمل كده قدامك علشان هتعملك حساب لكن تفتكر هتبقى أمينة عليهم في غيابك
تأفف من حديثها الذي يعلم انه بمحله ورغم ذلك عاند واقترح وهو يرتمي على الأريكة ويمسد جبهته:
هجبلهم حد يراعيهم معاها.
نفت ثريا برأسها بعدm رضا وتحدثت:
مفيش حد هيبقى احن من امهم عليهم
لتنهض تجلس بجواره وتربت على ظهره ناصحة بحنو:
علشان خاطري يا ابني ربنا يهديك سيبها تشوف حياتها وانت كمان عيش حياتك من غير ما تنغصوا حياة بعض والولاد تدفع التمن
اغمض عينه بقوة ليكبح تلك الأفكار المتضاربة داخل رأسه ويقول بضع كلمـ.ـا.ت نابعة من طباعه وأفكاره العُرفية التي لا نفع منها:.
ما قولتلهاش هي ليه الكلام ده فيها ايه يعني لو كانت اتنازلت وسامحتني؛ انا اتجوزت على سُنه الله ورسوله واللي عملته حلال كان مفروض من الأول رضت وعاشت علشان خاطر عيالها
ذكرته ثريا بأخطائه الفادحة التي لم يستوعب مدى فداحتها بالنسبة لها ومازال يدعي برائتها ويستخف بها رغم نـ.ـد.مه على فقدانه لامتلاكها:.
فيها أنك خذلتها ورغم كل اللي شافته منك ومن غبائك كانت بتفكر ترجعلك علشانهم بس أنت اللي بخيبتك بوظت كل حاجة وكأنك مبتتعلمش
تأفف وهو يلوح بيده ساخطًا:
يوووه بقى يا خالتي انا مش ناقص بهدلة خلاص اللي حصل حصل
لتباغته هي بالحقيقة التي يحاول التهرب منها بشتى الطرق:.
أهوا علشان اللي حصل ده؛ لازم تتقبل وترضى علشان انت عارف كويس اوي ان مراتك مش هتتقبل ولادك واظن انت بنفسك اللي قايلي أن بيركبها مـ.ـيـ.ـت عفريت لما بتجيب سيرة عيالك و بتتلكك علشان متجبهمش البيت ما بالك بقى لو قولتلها هاخدهم من امهم علشان يعيشوا معاك.
نعم تلك الحقيقة القاسية ومعضلته معها ولكن ماذا يفعل هي لايستهان بها ويصعب عليه ترويدها أو جعلها تقدm فروض الطاعة كغيرها، وعلى ذكر غيرها تقلصت معالم وجهه واكفهرت وغمغم بتراجع وهو يشعر أن النيران تتأكل دواخله:
وحتى لو قبلت انا مش هقدر اتخيل رهف مع راجـ.ـل غيري يا خالتي انا ممكن امـ.ـو.ت أو يحصلي حاجة لو ده حصل
أنبته ثريا قائلة:
شوفت بقى ان احساس وحش ازاي وشوفت هي اتو.جـ.ـعت أد ايه لما انت عطيت نفسك نفس الحق.
ليتناول نفس عميق ويهمس برأس منكسة يكوبها بين يديه:
أنا عارف إني عمري ما رَيحتها وانها مستحيل هترجعلي بس انا
كاد يسترسل ولكنها قاطعته:
من غير بس يا ابني ارضى بحياتك الجديدة اللي انت اخترتها، وسيبها هي كمان تجرب
وإذا كان على الولاد مفيش قوة في الدنيا هتحرمك منهم.
وهنا نهض يلقي نظرة على اطفاله من زجاج النافذة التي تطل على الحديقة يتأمل ركضهم ولهوهم بقلب محترق و بعيون تفيض بحيرته ما بين عنجهيته وأنانيته التي ترفض تنازله عنهم، ومابين عجزه في جعل زوجته صاحبة الرأس اليابس التي لايستهان بها أن تتقبل أمرهم.
مر بضع أيام وقد شاركته إدارة أملاكها كي تخفف عنه عبئها، فكان هو أكثر من مُرحب بالأمر فقد شجعها وشـ.ـدد من أزرها حتى أنه كان أكثر من فرح بقرارها و وعدها أنه سيظل يدعمها إلى أن تثبت ذاتها وتحقق طموحها.
وهاهي بعد انتهائها من بعض المهام الخاصة بالعمل قررت أن تفاجئه بحضورها وحين وصلت لمقر مطعمه تدلت من سيارتها وسارت للداخل بخطوات متلهفة وببسمة واسعة وحين اقتربت من مكتبه المخصص له داخل مطعمه وجدت بابه مفتوح وحينها اندثرت بسمتها وهي ترى تلك الفتاة التي لطالما شعرت بالغيرة منها تقف تتحدث معه ببسمة تكاد تشق وجهها لا والأنكى أن هو ايضًا كان يبتسم مما جعل الغيرة تنهش قلبها وما أن انتبه لوجودها همس متفاجئ بأسمها:.
نادين ايه المفاجأة الحلوة دي
ابتسمت ل رقية بمجاملة رغم شعورها وهي تجيبه:
وحـ.ـشـ.ـتني وجيت علشان نروح مع بعض للولاد أصل ماما ثريا مش موجوده معاهم النهاردة معاهم المُربية بس، هز رأسه بتفهم لتصمت هي لهنيهة وتتسائل بترقب:
هواناعطلتكم؟
قالتها وهي تتناوب نظراتها بينهم، ليبتسم ويقول بتلقائية اغاظتها وهو يقترب من وقفتها ويضع قبلة خاطفة على وجنتها:
لأ يا حبيبتي معطلتناش ولا حاجة إحنا مكناش بـ.ـنتكلم في الشغل أصلًا.
ضيقت عينيها ببسمة مغتاظة وقالت من بين اسنانها:
أصلًا، اصلًا
هز رأسه وهو بالكاد يكبت ضحكته على طريقتها، لتتنهد هي وتوجه نظراتها ل رقية قائلة:
اخبـ.ـارك ايه يا رقية ؟
اجابتها رقية بود وهي مطرقة الرأس بحياء:
الحمد لله يا مدام نادين المطعم نور والله لسه كنت بسأل استاذ يامن على حضرتك وعلى غالية و حمزة
اجابتها نادين ببسمة هادئة:
الحمد لله كلنا كويسين مرسي لسؤالك...
ابتسمت رقية وقالت بعشم:.
انا كنت جاية اخد إجازة علشان فرحي الاسبوع الجاي
تهللت أسارير نادين فور معرفتها للخبر الذي كبح فضولها وقالت وهي تحتضنها:
بجد مبروك ربنا يتملك بخير...
فصلت رقية عناقهم الودي وطلبت بخجل:
الله يبـ.ـارك في حضرتك كان نفسي تشرفونا
رحبت هي:
إن شاء الله اكيد يا رقية
ليعقب هو على الأمر:
رقية عايزة تاخد شهر اجازه يا نادين وبصراحة مش عارف همشي الشغل أزاي من غيرها.
جزت على نواجذها و لم تستطيع التحكم بأعصابها حين قالت دفعة واحدة:
متقلقش كله هيبقى تمام وانا معاك وبعدين شهر إيه ده شوية سيبها براحتها لازم تتبسط يعني شهرين تلاتة لتمط فمها وتستأنف متمنية:
وياسلام بقى لو ربنا كرمها وحملت و ولدت لأ وكمان البيبي محتاج رعاية بعد كده فياريت تديها أجازة مفتوحة
انفلتت بسمته على غيرتها الواضحة في حين عقبت رقية:.
لأ مش للدرجة دي يا مدام نادين انا كل اللي طلباه شهر وبإذن الله هرجع بعده ملتزمة زي الأول
تمتمت ببعض الكلمـ.ـا.ت الغير مفهومة بصوت خفيض وهي محتفظة ببسمتها، ليتدارك وينهي الموقف:
تمام براحتك يا رقية تقدري تتفضلي
شكراً لحضرتك عن اذنكم.
ذلك آخر ما قالته قبل أن تغادر مكتبه، لتضـ.ـر.ب هي بكعب حذائها وتهرول لباب المكتب تغلقه بواسطة المفتاح الساكن بفتحته وإن تأكدت انها وسدته التفتت له وقامت برفع كميها لساعديها قائلة بتوعد وهي ترشقه بنظرات مشتعلة بغيرتها:
بقى مش عارف هتمشي الشغل ازاي من غيرها ها
انفجر هو ضاحكًا على هيئتها، لتزمجر هي وتخطو نحوه ليحاول تهدئتها وهو يتراجع للخلف:
اهدي يا مـ.ـجـ.ـنو.نة إحنا مش في البيت هتعملي إيه!
بقى أنا أجي ألقاك فاتح بوقك من هنا لهنا وقاعد تتساير معاها، هقــ,تــلك يا يامن
قالتها وهي تندفع نحوه ولكنه لف من الجهة الآخرى كي يتهرب منها وصوت ضحكاته تكاد تمـ.ـيـ.ـتها غـ.ـيظًا لتزمجر مرة أخرى وتحاول الإمساك به ولكنه لم يمنحها فرصة لذلك بل تعمد اثارة اعصابها اكثر بقوله وهو يقف خلف الاريكة يحتمي بها:
ياروحي انا مـ.ـيـ.ـت فيكِ من غير حاجة متتعبيش نفسك وتقــ,تــليني
صرخت ودبت الأرض بكعب حذائها:
بلاش تستفزني.
ادعى البراءة وهو يرفع يده مسلمًا:
انا معملتش حاجة
معملتش اومال مين اللي كان بيضحك ويقولها هحتاس من غيرك
شاكسها ضاحكًا:
البـ.ـنت جدعة وبعدين انا بتكلم عن الشغل بطلي افترى انا نيتي بريئة
انت كمان بتمدح فيها قدامي.
قالتها بإنفعال وهي تلقي عليه الوسادات الصغيرة الموضوعة على الأريكة التي تحيل بينهم، ولكنه تفاداها جميعًا وفي لمح البصر كان يقفز لجهتها و يكبل خصرها بذراعيه القوية ويسقطها على الأريكة ويسقط فوقها قائلًا ببسمة عابثة مستمتعة تحت مضضها:
خلاص اهدي يا مغلباني انا كنت بغـ.ـيظك مش اكتر علشان اشوف جنانك ده لما بتغيري
ظلت تنكزه بصدره وحاولت ابعاده عنها مستنكرة:
على فكرة بقى انا مش بغير.
اعتلى حاجبيه وهو يكبل يدها الاثنين بين قبضته ثم همس بشغب أمام وجهها:
لأ بتغيري وتصرفاتك كشفتك
صممت على عنادها بأنفاس متسارعة:
قولتلك مش بغير، مش بغير
ضغط جسده عليها وصوب ناعستيه نحو عيناها بحيلة يعلم انها ستجدي معها:
طب عيني في عينك كده
رفعت عيناها لخاصته التي تهيم بها وتخترق دفعاتها لتصرح متأففة وأنفاسه الساخنة تلفح وجهها وتذيب حصونها:.
يووه بقى اه بغير وببقى هتجنن لما بتضحك أو تتكلم مع ست غيري انت بتاعي لوحدي ومش من حق حد يشوف ضحكتك اللي بتخـ.ـطـ.ـف القلب دي غيري
اتسعت بسمته وهمس وهو يضع قبلات حارة متقطعة على ثغرها:
ضحكتي بس اللي بتخـ.ـطـ.ـف القلب مش أي حاجة تانية
أجابته بأنفاس متثاقلة وهي تنزع يدها من خاصته وتكوب وجهه القريب قرب مهلك منها:
كل حاجة فيك يا يامن بعشقها
وأنا كمان بعشقك يا قلب وروح يامن.
قالها بأنفاس ثائرة قبل أن يلتقم شفاهها بقبلة عاصفة أطاحت بدفعاتها و.جـ.ـعلته تبادله بشغف يضاهي شغفه بها الذي لم يقل يوم، بعد وقت ليس بقليل فصلت تلاحم شفاههم تحت مضضه وهمست بتهدج:
إحنا في المطعم وممكن حد يدخل علينا...
هز رأسه وهو يدفن وجهه بين ثنايا عنقها وهمس برغبة قـ.ـا.تلة وهو ينثر قبلاته الحارة على طول عنقها:
أنتِ قفلتي الباب بنفسك وبعدين متقلقيش محدش يقدر يطلع طول ما انتِ هنا
حاولت دفعه عنها وهمست راجية:.
لأ يلا بينا نروح زمان داده منيرة محتاسة بيهم لوحدها
هز رأسه بعدm اقتناع ورد وهو غارق بما يفعله:
بقولك ايه انا مش هقدر اصبر لما نروح انا عايزك هنا
هنا فين يا يامن انت اتجننت رسمي
اه اتجننت و لعلمك بقى أنا من ساعة الهرمونات ما راحت لحالها و وحشني التفاوض معاكِ
وضعت يدها على وجهها وقالت وهي تشعر بالعار من ذاتها:
يووه انسى بقى ده أنا كنت قليلة الأدب وقتها
قرص على شفاهه بحركة عابثة وقال ببسمة ماجنة:.
وأنا بمـ.ـو.ت في قلة الأدب ياريتك فضلتي كده علطول
قلبت عيناها بلا فائدة واجابته مُصرة على موقفها وهي تقاوم أنامله العابثة التي تتحرك بحرية:
طيب ممكن نروح ونتفاوض في البيت ميصحش هنا وبعدين زمان ماما ثريا خرجت وانا قلقانة على الولاد
تنهد بعمق ولاح بخاطره سؤال عفوي:
هي امي راحت فين مش بعادة تخرج لوحدها
تنهدت واجابته:
النهارده كتب كتاب رهف.
تقلصت معالم وجهه وازاح بجسده عنها قائلًا وهو يعتدل بجلسته بجوار جسدها المُمدد:
ازاي نسيت انا كان لازم ابقى مع حسن...
رفعت جسدها بنصف جلسة وتساءلت بريبة:
وتبقى معاه ليه ماخلاص يا يامن هما انفصلوا و حسن اتجوز وخلف كمان عايز ايه منها
ما انتِ عارفاه غـ.ـبـ.ـي وممكن يبوظ الدنيا
مش مامتك اقنعته وكلمته وقالت انه موافق الولاد يقعدوا معاها ومع الدكتور.
حسن متضمنيش رد فعله اه هو وافق بس ده ميمنعش انه هيسيبهم ومش هيخترع اي حاجة بغبائه علشان ينكد عليهم
بصراحة بقى ابن خالتك ده غريب اوي ده مفروض يعمل خاطر لوقفتها جنبه رغم اللي عمله فيها
هو مقدر بس صعب عليه يتقبل أن حاجة كانت بتاعته وضامنها تروح من ايده ويملكها غيره
بس ده كده يبقى حب تملك و أنانية مش اكتر
نهض يهنـ.ـد.م ملابسه قائلًا:
ممكن يكون ده مفهومك أنتِ لكن بالنسبة ليه عمره ما هيشوفه كده
طب انت هتعمل ايه؟
قالتها وهي تنهض وتعدل من خصلاتها، ليجيبها وهو يتناول هاتفه ومفاتيح سيارته من فوق سطح مكتبه:
هروح اشوفه فين ومعلش روحي أنتِ للولاد وانا مش هتأخر علشان نتفاوض على رواقة.
قال آخر جملة مصحوبة بغمزة من ناعستيه لتتسع بسمتها وتهز رأسها بطاعة يعشقها منها فما كان منه غير أن يطبع قبلة على وجنتها ويصطحبها لسيارتها وإن غادرت انطلق بعدها وهو ينوي ان يعثر على حسن قبل أن يخرب الأمر ويفسد سعادتها التي يرى من منظوره الخاص أنها تستحقها.
أجواء هادئة مفعمة بالأُلفة والسَكينة جمعت الأهل والأقارب احتفالًا بعقد قرانهم داخل أحد بيوت الله حسب رغبتها التي احترمها و لم يريد أن يعارضها بها، فكانت هي ترتدي فُستان أبيض شاهق اللون بوردات من الچيبير المتناثرة وياقة عالية و بأكمامه من الشيفون المُبطن المتسع الذي يزم من عند رسغها وينساب برقة تليق بها، وقد تركت خصلاتها البندقية تنساب بحرية.
على ظهرها و وضعت وشاح من نفس اللون عليهم احترامًا لحُرمة المكان وقد اكتفت بالقليل من مساحيق التجميل التي برزت شجن عيناها وملامحها الهادئة.
فكانت بـ.ـارعة الجمال وكان يطالعها وكأنها اثمن واقيم أشيائه التي فاز بها.
وفور انتهاء المأذون من عقد قرانهم ومغادرتهم للمكان و وقوفهم في ساحته الخارجية قال بسعادة متناهية وهو يعانق يدها ويحتويها بين قبضته وكأنه ود أن يخبرها بطريقة محسوسة أن أقدارهم ترابطت ولن يسمح بتفكهها مهما حدث:
مش مصدق أن امنية حياتي الوحيدة اتحققت، مبروك يا حبيبي
خجلت من كلمته الأخيرة التي لأول مرة يخصها بها وهمهمت وهي تطرق برأسها:
الله يبـ.ـارك فيك يا نضال.
تنهد تنهيدة تنم عن راحة عارمة وهمس بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه:
كل يوم وانتِ معايا لازم يتقالي ألف مبروك يا رهف انا بجد مبسوط اوي وحاسس اني هطير من الفرحة
رفعت نظراتها إليه وهمست بسعادة تضاهي خاصته:
وانا كمان مبسوطة اوي
ابتلع ريقه وأخذ يتأمل خجلها بعيون تفضح تلك المشاعر الكامنة التي نفذ صبرها وفاضت فيض مع نظراته لها.
تزامنًا مع اقتراب ثريا منهم تقطع ذلك التواصل البصري قائلة وهي تجذب رهف وتقبل وجنتها:
مبروك يا رهف ربنا يسعدك يا بـ.ـنتي
احتضنتها واجابتها ببسمة ممتنة صادقة:
الله يبـ.ـارك فيكِ يا ماما ثريا ربنا يخليكِ ليا، فرحتي ما كنتش هتكمل غير بيكِ
ربتت ثريا على ظهرها بحنو وما ان فصلت عناقها مدت يدها لتصافح نضال وتبـ.ـارك له ولكنه مال على يدها يقبلها تبجيلًا لها وقال بإمتنان حقيقي:.
الله يبـ.ـارك فيكِ يا أمي بجد أنا ممنون اوي ليكِ
ربتت ثريا على كتفه ودعت لهم:
ربنا يسعدكم يا ابني ويهنيكم
ذلك آخر ما قالته قبل أن تغادر، لتنظر رهف لآثارها وتهمس له:
انا بحب الست دي اوي يا نضال
هز رأسه ببسمة هادئة متفهمة لتستأنف هي بتنهيدة مطولة:
كان نفسي سعاد تبقى معايا اوي وتشاركني فرحتي في يوم زي ده
رد بنبرة حنونة وهو يميل برأسه عليها:
معلش هي وعدتك هتنزل في اقرب فرصة...
هزت رأسها ببسمة هادئة تزامنًا مع.
اقتراب الصغار برفقة كريمة التي بـ.ـاركت بدورها لهم وعانقتهم بعيون دامعة من شـ.ـدة سعادتها، وبعد مبـ.ـاركتها انحنى نضال يقبل الصغار الذين هتفوا بصوت واحد:
مبروك يا نضال
لتقول شيري بعفوية طفولية اربكتهم:
انا مش هقولك يا نضال تاني هقولك يا بابي علشان انت اتجوزت مامي
شحب وجه رهف واندثرت بسمتها وكادت أن تجيب لولآ أنه ناب عنها وقرص وِجنة الصغيرة بمداعبة قائلًا بسلاسة دون أن يجور على حق أبيهم:.
لأ، يا زئردة انا نضال وبس، وبعدين بابي بتاعكم هيفضل هو بابي و مفيش حاجة هتتغير
ابتسمت هي لأجابته التي زادت من احترامها له وثقتها بحكمته في احترام هذا الحيز الشائك بحياتها وحياة أطفالها، تزامنًا مع اقتراب سليم الذي اتى خصيصًا كي يشارك صديقه الوحيد فرحته:
مبروك يا دكتور ال...
اعتدل نضال في وقفته وقاطعه قبل أن يسترسل باقي جملته:
الله يبـ.ـارك فيك يا وَحش وحـ.ـشـ.ـتني هو لازم اتجوز علشان اشوفك
رد سليم مبررًا:.
الله غالب ما انت عارف مسؤوليات صاحبك
أجابه نضال بغمزة من عينه وهو يتحسس بروز بطن سليم بمكر:
عارف وبان عليك ورق العنب بصراحة
نكزه بكتفه وهدر من بين أسنانه:
احترم نفسك بدل ما اسيحلك قدام المدام
وهنا تراجع نضال ببسمة واسعة ورفع يده مستسلمًا:
لا يا وَحش أنا أسف الله يكرمك بلاش دبش من بتاعك دي ليلة مفترجة
قهقه سليم بخشونة واعتلى حاجبيه الكثيفين حين همس بمكر:
طب هسكت بس على الله ترفع راسنا يا دكتور الحريم.
أنا كنت بحلم باليوم ده يا سليم ولغاية دلوقتي مش مصدق انها بقت ليا.
قالها بتنهيدة مُسهدة وهو ينظر لموضعها بين أطفالها التي ألتهت بهم عن حديثهم بنظرة فاضت بلهفة قلبه وتوقه لها ليعتلي حاجب سليم من جديد ويلتوي فمه ببسمة نادرة ويحثه بعينه أن يذهب لها وبالفعل ذلك ما فعله فقد أقترب منها وتوسط ابنائها ثم عانق يدها من جديد لتتشابك نظرتهم لثوانِ معدودة وتتحاكى بالكثير قبل أن تنهال عليهم المبـ.ـاركات قبل مغادرتهم التي استقبلوها بحفاوة وببسمـ.ـا.ت فرحة مستبشرة، أما هناك بأحد الزوايا مالت والدتها على أُذن تلك التي تكاد تمـ.ـو.ت قهرًا وتتأكلهم بنظراتها:.
شايفة بيبصلها إزاي ده هيكولها بعنيه
اسكتي ومتزودهاش عليا
وازودها ليه يا خايبة ما انتِ اللي سبتيه وكنت مفكرة انك اتجوزتي اللي احسن منه واهوا اتطلقتي وخربتي بيتك وقعدتي في اربيزي من تاني
يوووه بقى يا ماما كفاية انا هسبقك بدل ما تقعدي تحسريني اكتر من كده
قالت جملتها وهي تسير مغادرة جارة ابنها صاحب الخطوات المتعثرة خلفها،.
أما عنهم كان لايشغلهم شيء سوى سعادتهم فقد تشابكت بالفعل أقدارهم ومنحه الله إياها ليكتفي بها هي وأطفالها وها هو يتوسطهم ببسمة واسعة ويسير معهم لسيارته وهو لا يصدق ان تلك الأمنية البعيدة التي كان يظن أن يستحيل تحقيقها قد كافأه الله بها فكانت سعادتهم غامرة لا تفي الكلمـ.ـا.ت لوصفها حتى انهم كانوا غافلين تمامًا عن نظرات تلك الحاقدة التي توارت بأحد الأركان البعيدة وهي.
تهمهم وتلعن حظها إلى أن لفت نظرها وقوف شخص يتوارى مثلها و يترصد ما يدور وبفطنتها تعرفت على هويته فهو يقف مهزوم، فقد راقبت نظراته المتألــمة التي استشفت بكل وضوح أنها تقطر بقهرته وحسرته على تلك التي تتعلق بذراع طليقها ويتوسط ابنائها؛ فنعم هي محقة فهو لم يتخيل ولم يتوقع بأبشع كوابيسه أن سيذوق من نفس الكأس الذي أذاقه لها، فالآن فقط شعر بنفس شعورها، فكان يختبأ خلف أحد السيارات بتلصص ويتجنب أن لا يراه أحد يراه كي لا يتشفى به، فكان متهدل الكتفين تحاوطه هالة من الخيبة والخسارة التي يستحقها، ولكن كيف لساخط مثله تقبل خسارته فقد ثارت ثائرته وهو يرى الأخر يشاكس اطفاله التي تكاد البسمة تشق و جههم أثناء مساعدته لهم لدخول سيارته فما كان منه غير أن يشعر بالدmاء تفور برأسه ويقرر أن يعكر صفوها وإن كاد يندفع نحوهم ردعته يد قوية هدر صاحبها بأنفاس لاهثة:.
كويس إني كلمت أمي وسألتها عن المكان علشان كنت متأكد إني هلاقيك هنا
زمجر حسن غاضبًا وحاول دفعه عنه:
سيبني يا يامن
صمم يامن وهو يدفعه معه غير عابئ بعصبيته:
أهدى الله يكرمك وتعالى معايا
أعترض هو ودفعه بصدره لكي يتركه:
مش عايز اهدى سيبني
وهنا صرخ يامن بوجهه لكي يفيقه من غفوته:
يا اخي بطل غباء بقى خلاص بقت مـ.ـر.اته وعيالك أنت بنفسك وافقت يعيشوا معاها هتروح تعمل إيه متبقاش غـ.ـبـ.ـي وتضحك الناس عليك.
تبدلت ملامحه الثائرة وتهدل كتفيه بإنهزام بعد أن استوعب الأمر، ليجذبه يامن من جديد ولكن تلك المرة لم يعترض بل سار معه وعينه مازالت مُتعلقة بهم بقلة حيلة و بملامح بائسة متحسرة.
لتحين من هاجر بسمة ساخرة بعد أن رأت المشهد كاملًا وأدركت أنها ليست الوحيدة التي حصدت ثمار النـ.ـد.م بعد خسارتها الجاسمة.
توقف بسيارته تحت البناية التي يقطن بها وقال ما أن اطفأ المحرك وينظر لذلك الذي يسند رأسه بإنهزام على زجاج النافذة
حسن صلِ على النبي واطلع لبيتك وابنك وبلاش تتحسس مراتك بحاجة وتخرب على نفسك
همس حسن بنظرات ساهمة:
أنا السبب يا يامن أنا اللي وصلت بينا الحال لكده
حاول يامن مواساته قائلًا:.
متلومش نفسك خلاص اللي حصل حصل واهو ربنا عوضك وعوضها وإذا كان على ولادك متقلقش هما في أمان معاها والدكتور شكله ابن ناس ومحترم واكيد هيحطهم في عينيه
ليعقب حسن بنبرة بائسة:
يرضي مين ولادي يتربوا بعيد عني
حسن لو كان وضعك غير كنت قولتلك خد ولادك لكن مراتك هتنغص عليك عيشتك وحتى ولادك مش هيرتاحوا
وصدقني ده انسب حل ليهم
وكفاية أن رهف عمرها ما قصرت معاك ولا فكرت تحرمك منهم
وهنا طفرت مخاوفه:.
خايف ولادي يكرهوني وينسوني لما يعاشروا التاني انت مشوفتش بيعاملهم إزاي
مش هيحصل انت ابوهم ومفيش قوة في الدنيا هتقدر تغير ده وهي اكيد مش هتسمح بكده دي في عز ما كنت منيل الدنيا بعمايلك كانت بتخاف على صورتك قدامهم وهي اللي بنفسها اللي كانت بتقربهم منك وتحنن قلبك عليهم.
زفر حسن انفاسه المثقلة دفعة واحدة وهو يشعر أن حديثه بمحله ولكن ماذا يفعل بتلك الهواجس التي تنهك عقله من نحوها، تنهد يامن وربت على ساقه ناصحًا بعقلانية:
ارمي اللي فات ورا ضهرك يا حسن وسيبها تعيش، هي تستاهل فرصة تانية و انت اللي اخترت حياتك واتجوزت مرة واتنين وخلفت حاول بقى متكررش اخطائك و تحافظ على بيتك وبلاش تخرب حياة الكل بغبائك، وارضى بنصيبك، مراتك على حسب كلامك طبعها صعب بس بتحبك.
كان يستمع له بملامح جـ.ـا.مدة مبهمة لا يستشف منها اقتناعه من عدmه فكل ما صدر منه أنه أومأ برأسه وببسمة باهتة غادر السيارة ودخل البناية دون أن يعير نداء يامن أي أهمية فما كان منه غير يتنهد بعمق قائلًا وهو ينطلق بسيارته:
ربنا يهديك يا حسن ويصلح حالك.
أما هو فقد دلف لشقته ثم توجه مباشرًا لغرفة النوم ليجدها تغط في سبات عميق و الصغير بين أحضانها ليقترب بحركة محسوسة و ينتشله من احضانها ثم يرفعه بين يديه ويتأمل ملامحه التي تشبهه لحد كبير ببسمة حانية متأملة، ثم وضع قبلة حنونة مطولة على جبينه أثناء نومه قبل أن يضعه بفراشه الخاص الذي يقبع في أحد أركان الغرفة...
أفاقت هي فور أن أخذ صغيرها من بين أحضانها وظلت تطالعه بإندهاش وتستغرب دخوله للغرفة فهو غاضب منها بشـ.ـدة بسبب موقفها من اطفاله حتى أنه يتخذ من الأريكة بالخارج مرقد له منذ أيام وهي لم تهتم بإرضائه بل كانت تلبي كافة متطلباته الحياتية كالمعتاد دون حديث يذكر وتعمدت ترك مساحة الكاملة لعقله كي يتقبل الأمر دون أن تتنازل هي.
ويبدو أنه فعل فكان يحتضن صغيرها قبل ان يضعه في الفراش الخاص به ويدثره بالغطاء وينظر لها بنظرة منهزمة احـ.ـز.نتها ولكنه ثبتت على موقفها وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة كان هو ينزع حذائه ويرتمي على الفراش يحاوط خصرها و يدفس رأسه بحـ.ـضـ.ـنها قائلًا بنبرة متعبة واهنة:
احـ.ـضـ.ـنيني يا سميرة، محتاج حـ.ـضـ.ـنك اوي
لم تترد للحظة واستجابت فقد ضمت جسده بحنان قائلة وهي تمرر يدها بين خصلات شعره:
انت كويس يا حسن.
لم يجيبها فكان يجاهد كي يقنع عقله بحديث يامن الذي مازال يتردد صداه بأذنه فكان الأمر ليس بيسير عليه حتى أنه كان كالمغيب ولم يستمع من الأساس لسؤالها
لتكرر هي:
حاسس بحاجة طيب
وهنا انتبه لسؤالها وأجابها بسؤال آخر أهب حواسها:
بتحبيني يا سميرة
تنهدت تنهيدة عميقة مطولة ثم اجابته وهي ترفع وجهه لها بواسطة كفوفها:.
أنت جوزي ودنيتي كلها يا أبو علي، هو أه بنختلف ساعات وبتغظني بتصرفاتك لكن اخدت على طباعك وعارفة اتعايش معاها
لاحت منه بسمة ساخرة وتهكم قائلًا:
كل ده كلام كان ممكن تردي بكلمة واحدة يا سميرة وتريحيني
تدللت عليه كي تراضيه بطريقتها التي تجدي معه:
شكلك عايز تسمعها يا ابو علي
أومأ لها ببسمة باهتة لم تصل لبنيتاه القاتمة لتهمس وهي تضم رأسه من جديد لحـ.ـضـ.ـنها:
بحبك ومش عايزاك تزعل مني علشان انا معذورة و من حقي.
حانت منه بسمة ممزقة وهو بين احضانها واغمض عينه بقلة حيلة كي ينعم بأحتوائها لحين استكان بهدوء ربما سيحيد عنه في الأحداث القادmة.
اطمأنت على أطفالها داخل غرفهم التي قام بتجيهزها خصيصًا لهم داخل تلك ال?لا الصغيرة التي وقع اختيارهم عليها واتخذوا منها مَسكن لهم.
فحين تأكد من استغراقهم بالنوم سحبها خلفه متلهفًا وما أن دخل بها غرفة نومهم طالعت الفراش بتـ.ـو.تر شـ.ـديد وهي ترى أحد قمصانها الحريرية التي ضبطهم بذاتها في الخزانة مفرود على الفراش لتبتلع ريقها وتتسائل بتـ.ـو.تر بالغ:
مين اللي طلع ده!
أجابها بكل وضوح وعينه تفضح لهفته:.
أنا بصراحة عجبني اوي علشان ناعم ورقيق زيك وحسيت إني هيحصلي حاجة لو مشوفتهوش عليكِ يرضيكِ.
قطمت شفاهها واخذت تفرك بيدها بخــــوف من رهبة الموقف التي هي بصدده فكيف لها أن تكشف عن جسدها بتلك الجرأة بأول يوم معه وكيف ستتعامل مع ذلك التواصل الجسدي هي ذاتها تعلم أنها ستتعود عليه وسيندثر خجلها ورهبتها مع الوقت ولكن رغم عنها تشعر أنها حديثة عهدها و تنتابها تلك القشعريرة وتنفض جسدها حين حاوط ذراعها وهمس بأسمها بنظرات تقطر بلهفته وتوقه لها:
رهف...
قالها وهو يزيح وشاحها ويمرر يده بخصلاتها البندقية، لتتقهقر هي خطوة للخلف وتواليه ظهرها تحاول أن تتمالك زمام نفسها وتتخلى عن تـ.ـو.ترها لكي تتشجع لمواكبة تلك المشاعر العاصفة التي يلفحها بها، ليتنهد هو ويضمها ليلصق ظهرها بصدره ويهمس وهو يضع قبلة على خصلاتها:
خايفة مني!
هزت برأسها و تلعثمت:
مش خايفة بس...
ابتلعت باقي حديثها ولم تستطيع أن تعبر عن شعورها، ليتنهد هو ويديرها إليه ليوجه نظراتها المهتزة بتفهم وبنبرة حانية وهو يداعب وجنتها بحنان أسر قلبها:
حبيبي أنا معاكِ وعمري ما هفرض عليكِ حاجة، كفاية إني هبقى جنبك.
رفعت رماديتها له ببسمة ناعمة تشابه نسمـ.ـا.ت الربيع في روعة عبيرها فما كان منه غير أن يضمها إليه كي يطمئن قلبه الذي ينتفض بين اضلعه، ويجعله يستكين بقربها، فقد دثرها بين احضانه وهو مغمض العينين بنشوة عارمة، أما هي فكانت مازالت تنتفض لولآ أنه اجلسها معه على الفراش دون أن يفصل عناقه و أخذ يمرر يده على طول ظهرها بحركات حانية مطمئنة خففت من تـ.ـو.ترها وشعرت بعد بعض الوقت أن كافة افكارها قد بدأت تتلاشى شيء فشيء وكأن شعور النقص المرافق لها استطاعت تعويضه لتوها،.
ليهمس هو بجوار أُذنها بنبرة دافئة حنونة خدرت حواسها:
رهف غمضي عينك واتكلمي من غير تفكير وقوليلي أي حاجة حاسة بيها نفسي اسمعك
تنهدت تنهيدة عميقة تنم عن راحة عارمة ثم انصاعت له واسترسلت براحة وهي تبادله عناقه بتلقائية وكأن جسدها يتحرك من تلقائه:.
عارف في حاجات معرفتهاش غير معاك يا نضال، إنت خلتني اكتشف ان في حاجات كتير أهم من الحب علشان تقدر تربط مصيرك بطرف تاني وأولها الراحة والثقة والمودة اللي بلاقيها في كل تصرفاتك معايا والرحمة اللي سَكنا قلبك من ناحية ولادي، وضوحك وتفسيرك لكل حاجة ببساطة حتى من غير سؤالي
بجد حاجة حلوة اوي عمري ما جربتها وهي راحة البال
ورغم خــــوفي من اللي جاي بس متأكدة أنك هتفضل جنبي وهتقويني.
لتفتح عيناها وتفصل العناق متسائلة بعيون متأملة:
مش كده يا نضال
هز رأسه يؤكد لها بعيون لامعة من شـ.ـدة سعادته باسترسالها وتسأل بعدها وخضراويتاه تتلهف لجوابها:
يعني افهم من كده أن شعورك من ناحيتي مش مجرد شعور بالراحة بس! مش كده؟
هزت رأسها وابتسمت تلك البسمة التي تلفح قلبه بربيعها واجابته بصدق نابع من اقتناع قلبها بقرار عقلها:.
اللي متأكدة منه إن اللي فات قبلك مـ.ـيـ.ـتحسبش من عمري، لتتنهد تنهيدة مُسهدة وتستأنف وهي تتأمله وصولًا لعيناه الصادقة التي تهيم بها:
ياريتني عرفتك من زمان يا نضال...
تزايد وجيب قلبه وكادت البسمة تشق وجهه من تصريحها فما كان منه غير أن حاوط خصرها بتملك وبتمسك شـ.ـديد
وكأنه يؤكد أنه لن يخيب رجاءها ليتنهد براحة عارمة ثم يغمض عينه ويميل يسند جبهته على خاصتها هامسًا:.
بحبك يا رهف، أنتِ حلم عمري والدعوة اللي ربنا استجاب ليها بعد سنين
ردت بصدق وهي تستند بكفوفها على ذراعيه مغمضة العينين مثله:
لو اللي بحسه معاك ده اسمه حب فأنا محبتش غيرك يا نضال
فتح عيناه التي دmعت من شـ.ـدة سعادته ثم همس ومازال يستند بجبهته على خاصتها:
هنعوض العمر اللي فات واوعدك هعمل المستحيل علشان اسعدك.
هزت رأسها وفرت دmعة من عيناها متأثرة بوعده الصادق ثم همست بثقة وقد تلاشى تـ.ـو.ترها وخــــوفها وحل محله راحة عارمة:
متأكدة أنك هتعمل كده...
تعالت وتيرة أنفاسه وعينه أخذت تتفرس بوجهها وصولًا لثغرها، لترتبك هي وتتعالى وتيرة انفاسها وكونها تعلم انه لن يبادر إلا برغبتها كما وعدها، بادرت هي وتشجعت حين تعلقت بعنقه ببسمة رغم رقتها إلا انها كانت اكثر من مغوية بالنسبة له، ليلبي تلك الدعوة الصريحة منها ويميل عليها يلتقم شفاهها بقبلة حارة ملتهبة مُجأجأة بتلك المشاعر الكامنة التي يشعر كل منهم انها مرتهم الاولى في خوضها، فكانت هي تشعر بذلك الكمال الذي عوض نقصها أما هو فكان يشعر أنه النعيم بقربها ويقسم أنه لن يدع شيء يعكر صفو حياتها فسوف يقف بصدد أي شيء يخترق تلك الحصون الأَمنة التي سيشيدها حولها هي وابنائها.
حلقاته برجلاته يوم ورا يوم يبقى بشنبات
يتجوز على اد حالاته ويخلف صبيان وبنات
ونقولهم من حبنا يا رب يا ربنا
انشالله تبقوا ادنا يا رب يا ربنا
يا رب يا ربنا تكبر وتبقى ادنا
تلعب وتجري زينا
آه، آه.
اغنية متوارثة مستوحاة من التراث كان يرددها الجميع بحماس غير عادي وبسعادة هائلة احتفالًا بمولودتهم، فكانت ميرال تحمل ابـ.ـنتها وتسير بها في أرجاء ساحة القصر ويتبعها الجميع بشموع مضيئة من باب التفاؤل بالنور و كرمز للحياه.
فكانت شهد و مُحبة هم من تولوا تنفيذ تلك الطقوس بحذافيرها فقد تولت شهد دق الهون النحاسي بجانب الصغيرة وهي توصيها تلك الوصايا الشهيرة:
اسمعي كلام امك
واسمعي كلام ابوكِ
واسمعي كلام عمتك.
وكادت تستأنف لولآ أن فاضل تدخل معترضًا وهو يحمل الصغيرة ويوجه حديثه لها وكأنها سوف تستوعب ما سيقوله:
متسمعيش كلام حد غير كلام جدو فاضل وملكيش دعوة بكلام عمتك
قهقه الجميع على حديثه واستحواذه عليها طوال الاحتفال في حين كان هو يضـ.ـر.ب كف على أخر ببسمة واسعة قبل أن يهدر فاضل بإصرار وعلى وجهه بسمة واثقة:
بتضحك على ايه دي حفيدتي أنا لوحدي ومش هتسمع كلام حد غيري
اقتربت ميرال منه و وضعت قبلة على وجنته قائلة:.
انا كده هغير من چوري يابابي
أجابها فاضل ببسمة حانية:
أنتِ بـ.ـنتي حبيبتي وأول العين ما رأت يا ميرال
وبعد أن جلس الجميع وانفض التجمهر من حولهم اعترض محمد بمشاكسة وهو يرفع سبابته:
لعلمك بقى ياعمي انا اضحك عليا انت خدت البـ.ـنت وامها مني وانا ساكت بس علشان بحبك
قهقه فاضل واجابه بمحبة خالصة:
وانا كمان بحبك يا ابنى ربنا يعلم أن غلاوتك عندي زي غلاوة ميرال بالظبط
قبل محمد رأسه تبجيلًا له ثم قال:.
ربنا يخليكِ لينا ياعمي ويديك الصحة
ليسترسل فاضل بسعادة:
ويخليكم ليا ياولاد أنا فرحتي بيكم متتوصفش وعارف يا ابني أنا بحمد ربنا أنه رزق بـ.ـنتي بحد زيك وبأخلاقك، انت معدنك نادر الوجود يا محمد وأنا فخور أنك جوز بـ.ـنتي
اتسعت بسمة محمد من مدحه له ثم قال بأمتنان:
ربنا يجبر بخاطرك ياعمي ويقدرني واكون عند حُسن ظنك دايمًا
انا واثق فيك يا ابني وعلشان كده مأمنك على بـ.ـنتي وشغلي
ليحاول محمد أخذ الصغيرة منه قائلًا بخفة:.
طب بالنسبة لبـ.ـنتي أنت مذكرتهاش
تراجع فاضل خطوتان وابتعد عن حيز يداه قائلًا:
لأ إلا دي، دي حفيدتي انا ولو مش عاجبك اخبط راسك في الحيطة
قالها بإصرار حقيقي قبل أن يسير بالصغيرة من أمامه كي يرحب بباقي الضيوف
ليهز هو رأسه بلا فائدة ويقول لها:
ابوكِ استولى على البـ.ـنت
تعلقت بذراعه و واسته بعيون راجية:
معلش هو فرحان بيها سيبه يا حمود دي كانت امنية حياته يشوف حفيد ليه.
على فكرة بقى أنا بهزر انا فرحان لفرحته ومقدر شعوره وتعلقه بيها، وبعدين فكرة أنه استولى عليها دي هتبقى فرصة هايلة بعد كده علشان ابقى استفرض بيك ياحلو
قال آخر جملة بهمس مغري وهو يميل على أُذنها لترفع هي رأسها وتشهق بخفوت وهي تنظر حولها:
حمود وبعدين معاك الناس تاخد بالها وبعدين بطل و تعالى معايا نرحب بالضيوف مع بابي و نوزع العلب.
لم تمهله وقت للاعتراض فقد سحبته معها لأصدقائها الذين انهالوا عليهم بالمبـ.ـاركات الفرحة الصادقة ومن بعدها انشغلت ميرال بصغيرتها في حين
جلست نادين برفقة نغم ويواجهها يامن و فايز من الجهة الآخرى منشغلين بتجاذب اطراف الحديث.
فقد مالت نغم على أُذنها ونصحتها قائلة:
قوليله واخلصي
ردت بتردد:
خايفة من رد فعله
متخافيش قوليلو واتوكلي على الله وإن شاء الله احساسي هيبقى في محله
وافرضي بهدلني وقالي مش وقته.
نادين ارحميني انتِ متأكدة انه مش هيعمل كده وبعدين انا سايبة فايز وقاعدة جنبك من ساعة ماجيت وكلها دقايق وهمشي علشان متأخرش زي ما وعدت بابا سيبيني اروح اتكلم معاه كلمتين دي أول مرة اخرج معاه من غير بابا
باباكِ صعب اوي يا نغم ده كتب كتابك و بقى جوزك مفروض يفك حصاره عليكم شوية
نظرت لموضعه ببسمة هادئة ثم قالت بتنهيدة:.
بابا شايف أن ده الصح وانا بصراحة مقدرش اعارضه علشان أكيد عنده حق وبعدين عارفة إيه اللي مستغرباه بجد؛ أن فايز نفسه مش معترض ومتفهم خــــوف وحرص بابا عليا لأبعد حد ده حتى وافق على اقتراحه وهنروح انا وهو نعتمر بعد الفرح
ربنا يسعدكم يا نغم ويتمم فرحتك على خير
يارب يا نادين يارب
قالتها بتنهيدة حالمة وهي تنظر له لتتسع بسمة نادين وتشاكسها:.
عارفة لو ميرال قاعدة كانت استلمتك زي ما كنتِ بتعملي معاها فقومي احسن و روحي لجوزك بدل ما اندها ونحفل عليكِ
ابتسمت نغم وانسحبت قائلة:
لأ وعلى ايه ربنا أمر بالستر انا هروح وهبعتلك جوزك
هزت رأسها وإن اتى هو وجلس بجوارها، قال بريبة:
كنتِ بتتوشوشي أنتِ و نغم في إيه أنا مش مرتحالك يامغلباني
ابتلعت رمقها وهزت رأسها:
ابدًا يا حبيبي كنا بـ.ـنتكلم عن فايز
أومأ وعقب على حديثها:
على فكرة فايز طلع حد كويس اوي.
سَعدت برأيه الذي تغير، وكادت تنطق لولآ سؤاله:
كلمتي امي واطمنتي على الولاد
هزت رأسها بنعم وببسمة متـ.ـو.ترة حاولت أن تمهد:
السبوع حلو أوي يا يامن حمسني اعمل زيه المرة الجاية
المرة الجاية ايه يا نادين لسه بدري علشان نفكر
زاغت نظراتها وتلعثمت بترقب:
مش بدري اوي يعني ولا إيه...
مش فاهم!
تلجلجت وهي تتهرب من نظراته:
أصل، يعني انا
استراب من هيئتها المتـ.ـو.ترة وقال بترقب لجوابها:
انتِ ايه يامغلباني اتكلمي!
انا، انا حامل.
قالتها بنفس واحد وبأندفاع وهي تخفي وجهها بكفوفها تتوجس خِيفة من ردة فعله الذي كان أنه رمش عدة مرات غير مستوعب ما نطقت به و تأهب بنظراته واعاد سؤالها وهو يجذب يدها لكي يكشف عن وجهها:
أنتِ ايه قولي تاني كده؟
قطمت شفاهها بخــــوف وهي تكرر:
حامل، يا يامن
نمت بسمة على ثغره لم تنتبه لها حين تسائل بعدm تصديق:
انتِ بتهزري صح!
تنهدت بضيق وهزت رأسها المنكسة بلا وقالت كي تخفف وطأة الخبر عليه:.
اناعارفة إني وعدتك نأجل لما الولاد يشـ.ـدوا حيلهم شوية بس معرفش ده حصل أزاي، انا آسفة
قالت أخر جملة بخزي كونها أخلت بوعدها بسبب إهمالها في احتياطها
ولكنه دائمًا ما يفاجأها بردة فعله فلم يزيدها عليها بل رفع ذقنها بواسطة انامله وقال بتلك البسمة البشوشة الدافئة وهو يكوب يدها بين خاصته:
بتعتذري وبتبرري ليه!
اه احنا كنا متفقين بس أنا عمري ما أقدر ألومك ولا اعتب عليكِ دي إرادة ربنا
لتتسأل بتوجس:.
يعني انت مش مضايق مني
نفى برأسه واتسعت بسمته بسعادة صادقة وربت على يدها كي يدعم حديثه المطمئن لها:
بالعكس أنامبسوط جدًا علشان ربنا هيكرمني بحتة كمان منك
ولا انتِ نسيتي انا قولتلك عايز نص دستة خمس بنات و ولد وبعدين أمي كانت دايمًا بتقول الولاد لما بيجوا ورا بعض مش بتحسي بتربيتهم والحياه بتترتب بدري لما يكبروا مع بعض
لتتسائل وهي تتناوب نظراتها على عيناه تحاول تستشف صدق سعادته:
بجد مبسوط يا يامن.
أجابها بكل ثقة:
بجد ياقلب وروح يامن
ابتسمت تلك البسمة التي لطالما اوقعته أسير في عشقها واحتضنت ذراعه براحة واسندت عليه رأسها، ليربت هو على يدها ويهمس بمجون وعيناه تفيض فيض بعشقها:
عارفة بقى ايه اكتر حاجة محمساني للحمل ده...
تأهبت لإجابته باهتمام ليستأنف هو بغمزة ذات مغزى من عيناه الناعسة:
أن الهرمونات هترجع تاني وهنرجع للتفاوض السلمي والامجاد هتعود
نكزته بخفة وقالت بلافائدة:
رخم وبتمـ.ـو.ت في قلة الأدب.
وهنا همس بمكر بالقرب من أُذنها:
بذمتك هو في احلى من قلة الأدب
دفنت وجهها بذراعه وهزت رأسها ليقهقه هو على حرجها الذي يتأكد انها ستتخلى عنه بعد ايام بفضل حملها.
وهنا كان ختامها؛ فقد نال كل من ابطالنا ما يستحقه بعد أن تلاشى الغمام عن بصيرتهم وادركوا اخيرًا أن لا توجد خطايا بريئة بل الخطيئة تظل خطيئة مهما تعددت مبرراتها.
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇