رواية مهمة زواج هي رواية رومانسية والرواية من تأليف دعاء فؤاد في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية مهمة زواج لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية مهمة زواج هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية مهمة زواج تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية مهمة زواج من الفصل الاول للاخير بقلم دعاء فؤاد
في مساء إحدى ليالي أغسطس الدافئة، يقف بحلته السوداء الأنيقة التي جعلته أميرا من أمراء حكايا ألف ليلة و ليلة ، و لما لا!..فالمفترض أنه عريس الليلة.
يقف بساحة الانتظار بمطار القاهرة الدولي، ينظر إلى ساعته النفيسة بتأفف كل حين و آخر في انتظار وصول الطائرة القادmة من نيويورك و التي تُقل ضيفة لا يعلم شكلها بعد.
و هناك خارج المطار تنتظر أسرته في سيارة أخرى، و هم والدته و شقيقته و زوجها ليستقبلوا العروس المسكينة.
بعد عدة دقائق أعلن المذيع الداخلي عن هبوط الطائرة القادmة من نيويورك، و حينها انتابته حالة من التـ.ـو.تر، لا يدري كيف سيكون شعوره حين يقابلها، بالأحرى كيف سيعرفها و هو لم يلتقي بها سوى مرة واحدة منذ عشر سنوات حين كانت في الرابعة عشر من عمرها.
و لكن لحظة… لقد أخبره والدها بأنه سوف يرسلها أليه بفستان الزفاف الأبيض.. حتما سيتعرف عليها من خلال هذا الفستان.
اطمئن قليلا حين تذكر ذلك الأمر، فعلى الأقل سيتخطى إحدى المواقف المحرجة التي يتوقع حدوثها لاحقا.
و ما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه و هي ترتدي فستان زفاف بسيط ليس بالمبهرج كما أنه محتشم ذو أكمام واسعة يتناسب مع ذلك الحجاب الرقيق الذي ترتديه و تعلوه طرحة الزفاف المزرقشة من أسفل ذلك التاج الصغير الذي بالكاد يظهر على رأسها.
و خلفها أحد عمال المطار يجر حقائبها الكبيرة.
انتابته الدهشة حين رآها مقبلة عليه مباشرة دون أن تبذل أدنى مجهود في البحث عن هويته و كأنها تعرفه جيدا، و لكنه نحى ذلك الشعور جانبا و رسم ابتسامة يجاملها بها حتى لا يشعرها بأنها عبئ عليه، ولكن لحظة… لما تتلثم بهذه الكمامة السوداء؟!.. فرغم أنها أعطتها مظهرا أنيقا مع تلك الهالة البيضاء التي تحيطها ألا أنه لم يجد تفسيرا لإرتدائها.
أما من ناحيتها، انحبست أنفاسها حين رأته واقفا هناك في انتظارها.. و حمدت الله في نفسها أنها ارتدت تلك الكمامة و التي استعملتها خصيصا لتواري بها خجلها و سعادتها بلقائه في آن واحد… فلا ينبغي له أن يعرف أنها تحبه منذ أمد بعيد حفاظا على كرامتها… لابد له أن يعترف هو أولا بحبه لها و لو بعد حين.
حين وقفت أمامه ألتقت عينيها البنية بلون القهوة بعينيه البنية المائلة للسواد.
في لحظات كانت قد طبعت ملامحه الرجولية الحادة برأسها، ثم أخفضت عينيها للأسفل سريعا و دقات قلبها تعلو و تتسارع… يا إلهي.. لقد أصبح أكثر جاذبية و أكثر وسامة منذ آخر مرة رأته فيها قبل أن تغادر البلاد مع أبيها إلى الولايات المتحدة.
ـــ حمد الله على سلامتك يا دكتورة ندى.
قالها بابتسامته الساحرة و لكن رغم ذلك امتعضت ملامحها حين نعتها بالدكتورة… انها زوجته الآن.. لما يستخدm الألقاب إذن.
أجابته بنبرتها الرقيقة التي تتناسب مع جسدها الضئيل و قالت:
ـــ الله يسلمك يا أدهم بيه.
ـــ اتفضلي من هنا.. ماما في انتظارك برا في العربية.
أومأت بتجهم و سارت خلفه بشيئ من الضيق.. فلم يكن في حسبانها أبدا أن اللقاء سيكون بهذه الطريقة الرسمية للغاية.
لم يبـ.ـارك زواجهما.. لم يسألها عن أحوالها.. لم يسألها كيف كانت رحلتها… ترى هل هذه طباعه؟!.. أم أنه…
نفضت تلك الفكرة عن رأسها سريعا.. فهي غير مستعدة لفكرة أن زواجه بها مجرد مهمة من مهمـ.ـا.ته أو حتى خدmة لوالدها.
بمجرد أن رأتها تلك السيدة الوقور تطل عليهم بالفستان الملائكي حتى ترجلت من السيارة على الفور و ابتسامتها الفرحة تشق وجهها الجميل، و حين اقتربت العروس فتحت تيسير ذراعيها على آخرهما و كأنها تدعوها لتلقي بنفسها بينهما، و بالفعل لم تكذب ندا خبرا و ارتمت بتأثر بين ذراعي تلك السيدة الحنونة التي تذكرها بأمها الحبيبة.
ـــ حبيبتي يا ندى… حشـ.ـتـ.ـيني و حشـ.ـتـ.ـيني و حشـ.ـتـ.ـيني و أوي يا حبيبة قلبي… عشر سنين متنزليش مرة تطلي عليا و تخليني أشوفك و اطمن عليكي!.
ابتعدت ندى عن حـ.ـضـ.ـنها بشق الأنفس ثم قالت بتأثر شـ.ـديد:
ـــ و انتي كمان حشـ.ـتـ.ـيني و اوي يا طنط تيسير.. حضرتك عارفة الظروف.. يا ريت كان ينفع أنزل و أشوفك.. مكنتش هتأخر أبدا.
ظلت تيسير تربت على كتفها بحنو و تناظرها بنظرات مشتاقة، إلى أن انتبهت إلى تلك الكمامة السوداء، فلم يكن يظهر من وجهها سوى عينيها و جبهتها.
ـــ لابسة كمامة ليه يا حبيبتي؟؟.. انتي تعبانة ولا ايه؟
قامت ندى بنزعها على الفور ثم قالت بإبتسامة واسعة:
ـــ لا أبداً… كنت لابساها تحسبا عشان تغيير الجو.
التمعت عيني تيسير و من خلفها أدهم بإعجاب واضح بملامحها المريحة المتناسقة، فرغم أنها خمرية البشرة، إلا أن ملامحها ملفتة و تقاسيم وجهها متسقة و وجهها مستدير و صغير، فهي تشبه كثيرا الممثلة المعتزلة حنان ترك و هي محجبة في شكلها و طولها و قوام جسدها.
ـــ بسم الله ما شاء الله….كنتي جميلة و بقيتي أجمل لما كبرتي يا ندى…كأن سمية الله يرحمها هي اللي واقفة قدامي دلوقتي.
أخفضت رأسها بحـ.ـز.ن و هي تترحم على أمها المتوفاة، و التى ترى حنانها المفقود في تلك السيدة الماثلة أمامها الآن و التي كانت صديقة أمها المقربة.
رفعت رأسها حين أتاها صوت روان شقيقة أدهم و هي تقول لها بود:
ـــ حمد الله على سلامتك يا ندى… نورتي مصر يا حبيبتي.
قامت ندى بإحتضانها بحب بالغ و هي تقول:
ـــ الله يسلمك يا حبيبتي… انتي أكيد ريم.. صح؟!
ابتعدت عنها قليلا و هي تقول ببسمة صافية:
ـــ لا يا حبيبتي.. أنا روان… ريم في شغلها في الصعيد.. كانت نفسها تكون في استقبالك بس للأسف لسة مستلمة شغلها امبـ.ـارح و مكانش ينفع تاخد أجازة بالسرعة دي… بس هي بعتالك معايا السلام و ف أقرب وقت هتيجي عشان تشوفك و تسلم عليكي.
ـــ الله يسلمك و يسلمها يا حبيبتي.. ربنا يوفقها.
اتسعت ابتسامة روان أكثر و هي تعاينها بإعجاب واضح و تقول:
ـــ بس انتي صغنونة أوي يا ندا…عارفة انتي شبه مين؟!
ـــ مين؟!
ـــ شبه حنان ترك الممثلة… سبحان الله نسخة منها… بس انتي شكلك أصغر و أحلى كمان.
ضحكت ندى، كما ضحك أدهم أيضا و قال:
ـــ فعلا يا روان أنتي لماحة أوي… من ساعة ما شالت الكمامة و أنا عمال أقول حاسس إني شوفتها قبل كدا.
ثم أطلق ضحكة بسيطة، و لكنها نظرت له بألــم، فقد أو.جـ.ـعتها تلك الكلمـ.ـا.ت و ذكرتها بالحقيقة المرة التي لطالما تحاول تجاهلها..
ياللعجب هي زوجته و في نفس الوقت يراها للمرة الأولى.
تدخل محمود زوج روان سريعا ليغير مجرى حديث صديقه القفل كما ينعته دائما ليقول بود:
ـــ حمدالله على سلامتك يا دكتورة ندى..نورتي مصر…أنا محمود زوج روان و أنا و القفل…احم..أقصد أدهم أصدقاء و زمايل في الشغل.
استنبطت أنه ضابط طالما أنه زميل أدهم،فحيته بأدب جم قائلة:
ـــ الله يسلمك يا محمود بيه…مصر منورة بأهلها.
حمحم أدهم ليقول بجدية:
ـــ أنا بقول كفاية سلامـ.ـا.ت بقى و يلا نروح على البيت عشان ندى أكيد تعبانة من السفر.
نظرت له أمه بحدة و هي تقول باستنكار:
ـــ بيت؟!.. لأ طبعاً.. الليلة ليلة فرحكم و طالما الظروف مسمحتش اننا نعمل فرح، على الأقل نحتفل في مع بعض في مكان راقي يليق بعروستنا الحلوة.
قالت كلمتها الأخيرة و هي تنظر لندى ببسمة محبة.
بينما في تلك الأثناء قام محمود بوكز أدهم في كتفه و هو يقول بصوت مكتوم:
ـــ انت غـ.ـبـ.ـي يابني…احنا مش متفقين اننا هنعملها حفلة صغيرة بدل الفرح.
رد عليه بهمس:
ـــ نسيت يا بني ادm..ايه مبتحصلش.
نظر له شرذا و هو يردد:
ـــ صحيح قفل.
نظر أدهم لندى بابتسامة مقتضبة و هو يقول بحرج:
ـــ احنا أصلا حاجزين مركب شيك جدا في النيل.. بس حسيت انك تعبانة من السفر فقولت نأجلها.
ردت روان بدلا عنها:
ـــ لأ مفيش تأجيل.. يلا يلا يا أدهم خود عروستك على عربيتك و احنا هنحصلك على هناك.
قالتها و هي تدفعه نحوها، فقام أدهم بدوره بمسك يدها المتدلية بجانبها برقة متناهية و كأنها يخشى أن تنكـ.ـسر بين يديه، و لكن الحق أنه لا يريد لمسها، فهو مازال لا يتخيلها زوجته و عليه لمسها.
بينما ندى أصابها الدوار و شعرت بأن الهواء يقل من رئتيها، فمنذ أن ولدتها أمها لم يلمس يدها من جنس الرجـ.ـال سوى أبيها… و لكن من الذي يلمسها الآن!.. إنه ليس أي رجل.. إنه معشوق روحها.
سارت بجانبه باستسلام تام و قلبها يرفرف بين أضلعه من فرط سعادتها…أخيرا من انتظرت اقتران روحها بروحه منذ سنوات طويلة يسير بجانبها و هي زوجته و حلاله.
و لكن ترى ستستمر فرحتها طويلا؟!… أم لأدهم رأيا آخر؟!!!
تماما في تلك الأثناء… في منزل واسع أشبه بالفيلا
تقبع دارين بغرفتها و هي تعتلي كرسيها الهزاز و تتحرك به بشـ.ـدة فيهتز بها بقوة لعلها تفرغ بتلك الحركات شحنة غـــضــــبها.
فكيف و من يُدعى خطيبها قد استغنى عنها و تزوج بغيرها و في غضون ستة أيام فقط و بطريقة مفاجئة و بدون سابق إنذار.
يالها من زيجة سريعة حقا… لقد حفت ورائه عدة أشهر لعله يراها و يشعر بها حتى كادت أن تيأس، و حين حدث ما تمنت و خطبها يتخلى عنها بهذه السهولة و بعد شهر واحد من الخطبة!!
يالحظك العثِر دارين… لم تكد تهنأ بفوزها به حتى أتت أخرى و اختطفته من طريقها و بمنتهى السهولة.
راحت تكفكف عبراتها و هي تفكر كيف لها أن تستعيده بطريقة تحفظ كرامتها و لا تجعله يشعر أنها تريده لها و تحترق شوقا إليه.
كان يقود السيارة و هي قابعة في المقعد الأمامي بجواره، يسود بينهما الصمت المطبق، فلا هي لديها الجرأة على فتح مواضيع معه، ولا هو يمتلك شغف الحديث معها.
فجُل تفكيره منصب في هذه اللحظات على من خذلها و ترك قلبه معها و أجبر على الذهاب لغيرها بدون قلب.
و على ذكرها أتته رسالة على هاتفه الجوال، فقام بتقليل سرعته لكي يتمكن من قراءة الرسالة، ربما تكون من حبيبة القلب دارين، فهو مشفق عليها و على قلبه المكلوم إلى أقصى حد.
لم يكذب حدسه حيث كانت تلك الرسالة منها حيث كتبت:
ـــ مبروك يا عريس… مبروك عليك عروستك الحلوة.
أغلق الهاتف و هو يتنفس بعنف، فالتفتت له تناظره بدهشة من تبدل حاله رغم صمته، و لكنها أيضا لم يكن لديها الجرأة لتسأله… فقط لمست منه الجفاء و حسب… الأمر الذي جعل مخاوفها تتفاقم.
بينما كانت لتلك الرسالة تأثيرا قويا عليه، جعلته يضـ.ـر.ب بنصائح أمه و تنبيهاتها عرض الحائط.
يشعر بسخط من تلك المخلوقة الجالسة بجواره أن كانت سببا في التفريق بينه و بين حبيبته و حتى و إن كانت لا تدري أن له حبيبة و خطيبة من الأصل.
لقد ذكرته بمعاناته و تخبطه خلال الستة أيام الماضية، كانت أسوأ ستة أيام مروا عليه منذ حادث إغتيال والده.
حاول قدر الامكان أن يتحلى بالثبات، ففي كل الأحوال هي ليس لها ذنب فيما حدث و يحدث الآن… فهي مثله تماما مجبرة على ذلك… أو هكذا يظن ذلك.
بعد حوالي نصف ساعة من القيادة الصامتة تماما وصل الى الباخرة النيلية التي كانت مجهزة خصيصا لهما.
ترجل من السيارة و دار حولها ليفتح لها الباب و هو يقول بإبتسامة مصطنعة:
ـــ اتفضلي.
حاولت أن تترجل من السيارة دون أن تتعثر بفستانها و لكن الأمر كان صعبا للغاية، انتظرت أن يمد يده لها لكي يسندها حتى تستطيع الترجل، و لكنه لم يفعل.
لقد كانت في أقصى درجات الغـــضــــب و لكنها كتمت ذلك بنفسها، و كرد فعل طبيعي قامت بالصياح به بحدة دون أن تشعر:
ـــ انت مش شايفني مش عارفه أنزل؟!.. هتفضل واقف تتفرج عليا كدا كتير!!
وصل صوتها لمحمود الذي ترجل من سيارته لتوه فأسرع إليهما، فقد توقع أن صديقه القفل قد فعل خطبا ما بها.
ـــ انتي بتعلي صوتك عليا كدا ليه؟!.. أنا مسمحلكيش على فكرة.
رد عليها بنبرة تخطت نبرتها بكثير، كادت أن ترد عليه إلا أن صوت محمود سبقها حين قال:
ـــ في ايه بس استهدوا بالله.
راحت تردد بصوت منخفض: لا إله إلا الله.
ثم قالت بنبرة عادية:
ـــ مفيش حاجه حصلت يا محمود بيه… انا بس كنت بحاول انزل من العربية و مش عارفة انزل لوحدي بسبب الفستان و أدهم بيه واقف ساند ايده ع الباب و واقف بيتفرج عليا.
لمس في حديثها السخرية، و لكنه سيطر على غـــضــــبه، بينما محمود رمقه بغـ.ـيظ شـ.ـديد و هو يقول بنبرة عادية حتى لا يزيد الأمور تعقيدا:
ـــ لا ملكش حق يا أدهم… اعذريه يا دكتورة ندى.. أصله متعاملش مع أميرات قبل كدا… كل تعاملاته مع المجرمين و قتالين القــ,تــلة.
اتسعت عيني أدهم بغـ.ـيظ و هو يناظره بغـــضــــب، الأمر الذي أثار ضحكها و لكنها كتمتها سريعا حتى لا ينظر لها نفس النظرة.
تحامل أدهم على نفسه و تنحنح بأسف قائلا:
ـــ أنا آسف يا ندى مقصدش اللي حصل طبعا.. بس أنا فعلا أول مرة أتحط في الموقف دا و مأخدتش بالي إني لازم أساعدك.
هزت رأسها بإبتسامة بسيطة و هي ما زالت جالسة بالسيارة، فقام أدهم بدوره بمد يده لها و هو يبتسم ابتسامة ساحرة ويكأنه يصالحها بتلك الإبتسامة التي كادت تفتك بها فتكا، فقامت بدورها بوضع كفها الصغير البـ.ـارد بكفه.
ليته لم يفعل، لقد ازدادت لديها الأمور تعقيدا.. فلم تستطع أن تلملم فستانها من فرط الخجل و التـ.ـو.تر أثر لمسته المهلكة، فانحنى عليها حتى أصبحت أنفاسه قريبة للغاية من وجنتها المشتعلة بحمرة مخلوطة بلونها الخمري، علت دقات قلبها حتى أنه قد سمعها و هو يحاول لملمة فستانها لكي تستطيع النهوض و لكنه لم يبالي كثيرا لهذا الأمر، فقد كان يبادلها مشاعر بـ.ـاردة حد الجليد.
و أخيرا خرجت من السيارة و هي لا تستطيع أن ترفع عينيها بعينيه من فرط الخجل، فتأبط ذراعها بعدmا أخبره محمود بأن يذهب هو بعروسه إلى الباخرة و سوف يتولى هو أمر السيارة.
كانت الباخرة فاخرة للغاية، مزينة بعناية… زينتها تليق بضابط كفؤ في العمليات الخاصة مثل أدهم.
كان في انتظارهما بعض الأصدقاء المقربين من العائلة و بعض من زملاء أدهم و زوجاتهم، و صديقات روان أيضا.
كان أدهم قد أقنع الجميع آنفا بأنه لم يوفق في خطبته بدارين، و حين علم أن ابنة صديق والده المقرب على وشك العودة لمصر لتستقر بها، أصر على الزواج بها، متحججا أنه كان يحبها و ينتظرها منذ كانت في الرابعة عشر من عمرها و قبل أن تغادر البلاد مع أبيها.
قامت السيدة تيسير بلكز ابـ.ـنتها لكي تفعل أمرا ما، فأسرعت إلى أدهم حين كانت ندى تقوم بتلقى التهاني، و استغلت روان ذلك و تحدثت إليه في أذنه بهمس قائلة:
ـــ أدهم ماما بتقولك يا ريت تفرد وشك دا شوية… المفروض الناس عارفة انك بتحبها من زمان و كنت مستنيها ترجع… بزمتك دا منظر عريس ليلة فرحه؟!
تنهد أدهم بنفاذ صبر ثم قال بإبتسامة مصطنعة:
ـــ حاضر يا روان… حلو كدا.
قالها و هو يرسم تلك البسمة الصفراء على شفتيه، فلوت شفتيها متحدثة بحنق:
ـــ لا طبعاً مش حلو… و الله أنا مستغرباك يا أدهم… بقى البسكوتاية دي متتحبش؟!.. طاب و الله أحلى من دارين مـ.ـيـ.ـت مرة.. و روحها و دmها و كلها على بعضها كدا تعدي دارين بمراحل.
رمقها بنظرة تحذيرية مزمجرا بخفوت:
ــ روااان.. الزمي حدودك و متجبيش سيرة دارين على لسانك.
هزت رأسها بيأس و هي تقول بهمس:
ـــ ربنا يهديك يا أدهم..
ثم تركته بنيران الغـــضــــب و السخط تشتعل بسريرته و عادت إلى حيث تجلس والدتها بملامح متجهمة.
ـــ وشك ميبشرش بالخير.
قالتها السيدة تيسير بقلق، لترد روان بضيق:
ـــ ماما من فضلك أنا مش هتكلم مع أدهم في الموضوع دا تاني… هو مش صغير و اللي عايز يعمله يعمله.
ـــ ايه اللي حصل بس قوليلي.
ـــ مش وقته يا ماما… الناس بتبص علينا.
كانت العروس خجلى و العريس ساكن قلما يتحرك و يتحدث مع عروسه، الأمر الذي أصاب أسرته بالغـــضــــب البالغ، و لكنه لم يبالي لهم، فيكفيه تظاهرا بالراحة و السعادة إلى هذا الحد.
كان آسر صديقه يرمقه بغـ.ـيظ و يتوعد له، فقد أشفق كثيراً على عروسه المسكينة و التي لم تلقى منه سوى التجاهل حتى الآن.
ـــ العروسة أمورة أوي ما شاء الله..
كانت تلك كلمـ.ـا.ت خطيبة آسر و التي كانت تقف بجواره و بينه و بين شقيقتها “مودة”.
رمقها ببسمة هائمة مرددا:
ـــ عقبالنا يا قلبي.
ابتسمت له بخجل ثم أدارت نظرها لشقيقتها ترمقها بإشفاق بالغ ثم قالت لها بحذر:
ـــ عقبالك يا مودة.
لوت شفتيها لجانب فمها بتهكم مرير ثم قالت بأسى:
ـــ اللي زيي مـ.ـيـ.ـتقلهاش الكلمة دي يا ميري…انتي كدا بتحكمي عليا بالمـ.ـو.ت المؤكد.
ربتت على كتفيها بحنو و هي تردد بلهفة:
ـــ بعد الشر عليكي يا حبيبتي متقوليش كدا…
ربتت على كفها المستقر على كتفها و هي تقول بنبرة راضية:
ـــ متقلقيش يا حبيبتي أنا مش زعلانة…أنا راضية بنصيبي من الدنيا الحمد لله.
اغــــرورقت عيني ميري بالدmـ.ـو.ع حـ.ـز.نا على شقيقتها الكبرى و التي تعاني من مرض مزمن في القلب يمنعها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي و يجعلها صريعة بالمستشفى كل حين و آخر.
قام محمود بالتحدث إلى رجل الدي چي لكي ينهي ذلك الحفل السخيف كما يرى بسبب صديقه القفل، فقام بدوره بتشغيل أغنية هادئة لإليسا.. عادة يتم تشغيلها في حفلات الزفاف و هي أغنية (ع بالي حبيبي)
تقدm محمود بابتسامة ماكرة إلى حيث يجلس العروسين و قام بجذب أدهم من مقعده إلى منتصف الباخرة و أشار لندى لتأتي إليه و قد فعلت، و قال لأدهم بمكر:
ــــ يلا يا عريس… ارقص مع عروستك رقصة سلو عشان تختم حفلتك.
اصتك فكيه بغـــضــــب و هو يرمقه بغـ.ـيظ و لكنه سيطر على انفعالاته سريعا و استدار لندى التي كانت في قمة تـ.ـو.ترها… فهي أصبحت تخشى لمساته كثيراً.. و التي تفضحها و تفضح خجلها و عشقها له.
قام أدهم بلف ذراعيه حول خصرها و لكن بتحفظ، محافظا على مسافة كافية بينهما و كأنه يخشى الاقتراب منها، بينما هي حمدت الله أنه لم يقترب أكثر من ذلك و إلا حتما كان سيسمع دقات قلبها للمرة الثانية.
اغتاظت السيدة تيسير منه حين بدأ يتمايل معها على أنغام الأغنية المؤثرة و هو مازال بعيدا عنها على هذه الشاكلة حتى أنها همهمت بضيق:
ـــ دول مش منظر عرسان أبداً… الله يسامحك يا أدهم… بقى هو دا اللي فضلت أدرسهولك من امبـ.ـارح لحد النهاردة!!.
و ما هي لحظات حتى أشارت لندى لكي تقترب هي منه أكثر، و قد فهمتها و بالفعل اقتربت منه خطوة و قربت كفيها من رقبته حتى كادت أن تلفهما حوله.
تفاجئ أدهم من تلك الحركة، فقام بدوره بإحاطة خصرها بذراعيه أكثر من ذي قبل، حتى اختلطت أنفاسهما.
لم تستطع منع نفسها من النظر إليه و هو قريب منها لهذه الدرجة، و تجرأت و دارت بعينيها في ملامحه الوسيمة، و هو أيضا شعر بمحاصرته لها بعينيه فبادلها النظرات، عينيها جذبته إليها، رغم أنها تبدو عادية اللون و لكنها عن قرب تبدو ساحرة بلون القهوة محاطة بدائرة ذهبية اللون و تلك النقطة الصغيرة التي تتوسط العدسة و التي يطـ.ـلق عليها انسان العين أيضا ذهبية اللون…لقد جذبت انتباهه تلك اللوحة الفنية حتى أنسته سخطه الذي كان يغمره منذ قليل.
ـــ ندى…. أنا آسف إني كنت فظ شوية معاكي.. بس للأسف دي طبيعتي.. مبعرفش أذوق الكلام.
قالها بصوت هامس رقيق جعلها تتأمله بوله أكثر، حتى أنها لم تفهم ما قال… يكفيها فقط طريقة نطقه لإسمها.
لم ترد عليه، فهي لم تفهم ما قال من الأساس، فاعتقد أنها مازالت غاضبة منه.
ـــ يبقى انتي أكيد لسة زعلانة مني.
أخيرا فهمت قصده فأسرعت لتقول:
ـــ لا لا لا طبعاً مش زعلانة ولا حاجة… عادي احنا لسة بنستكشف بعض و مسيرنا هنفهم بعض كويس.
أماء ببسمة صافية جعلته أكثر وسامة، الأمر الذي جعلها تتنهد بسعادة بالغة و كأنها تحلق فوق السحاب.
شردت ندى في كلمـ.ـا.ت الأغنية التي تصدح في الأجواء، فقد لمست قلبها كثيرا و تتمنى لو كان يبادلها نفس المشاعر، تستمع إليها و هي تنظر إليه بعشق بالغ و كأنها تغنيها له، بينما هو أحب نظراتها له، أحب الرقص معها و استمتع به رغم استيائه في بادئ الأمر حين فاجئه محمود بها.
انتهت الأغنية و صفق الجميع بحرارة، فابتعدت عنه بشق الأنفس، ثم شكر الجميع و قبض على كفها بتملك و سارا سويا إلى حيث سيارته.
تلك المرة تعلم الدرس و قام بمساعدتها حتى استكانت بالمقعد، ثم استلقى بمقعد السائق و أدار السيارة إلى حيث بيته الراقي الكائن بأرقي مناطق التجمع الخامس.
↚
في تلك الأثناء تماما تحديدا في الولايات المتحدة بمدينة نيويورك.
يجلس رجل خمسيني، في شرفة شقته ينظر إلى السماء و العبرات تتساقط من عينيه و هو يحدث نفسه بحـ.ـز.ن بالغ و كأنه ينعي فقيد:
ـــ كان نفسي أسلمك بإيدي لعريسك يا ندى… كان نفسي أشوف فرحتك بفستانك و انتي جنب عريسك.. كان نفسي أشوف لمعة عنيكي اللي بشوفها لما كنت بجيب سيرته او أكلمك عنه… سامحيني يا بـ.ـنتي إني كنت السبب في إن ليلة فرحك تكون بالشكل دا و بالطريقة دي و أنا مش معاكي… بس عزائي الوحيد إن سيبتك بين ايدين راجـ.ـل هيعرف يحافظ عليكي و يحميكي من أعدائه و أعدائي… الراجـ.ـل اللي انتي طول عمرك كنتي بتحبيه و بتتمنيه.
أخذ يكفكف عبراته الساخنة بيديه ثم أراح ظهره للخلف يتذكر ما حدث منذ ستة أيام تقريباً….
فلاش باك…..
ـــ ألو… سامي.. الحقني يا سامي أنا في مصيبة..
تحدث بهلع مع صديقه و زميله في العمل عبر الهاتف فأتاه رد الآخر من بلده الحبيبة مصر:
ـــ في ايه يا أنور قلقتني.
ـــ المافيا رجعو ينخوروا ورايا تاني و شاكين إني ورا الصفقة الأخيرة بتاعتهم اللي باظت بس مش متأكدين… و بيبعتولي رسايل تهديد بالاغتيال يا سامي.. انت متخيل؟!.. هعيش أنا و بـ.ـنتي نفس المأساة تاني… مش كفاية سمية راحت مني… هستنى كمان لما ندى تروح ولا لما يقــ,تــلوني أنا و أسيبها هي تواجه العصابة دي لواحدها؟!
هوى قلب اللواء سامي في قدmيه ثم قال بقلق:
ـــ اهدى.. اهدى يا أنور… مفيش قدامنا غير إنك تجيب ندى و ترجع على مصر.. احنا هنقدر نحميك.
ـــ يبقى انت كدا بتحكم علينا بالمـ.ـو.ت… انت عارف كويس اوي إنهم مراقبيني و عايزيني أفضل تحت عنيهم عشان يضمنو إني مش هأذيهم بالمعلومـ.ـا.ت اللي عندي… و اللحظة اللي هيعرفوا فيها إني هرجع هيكونو مـ.ـو.توني قبلها.
أخذ سامي يتنفس بعنف فهو يشعر الآن بالعحز التام، و أخذ يردد بهلع:
ـــ انت عندك حل تاني يا أنور؟!
سكت أنور يزدرد لعابه بصعوبة إلى أن قال:
ـــ أنا مش خايف على نفسي.. أنا كل خــــوفي على ندى.. ندى مش قد العصابة دي… لو مـ.ـو.توني مش مهم.. إنما ندى… لأ.. ندى لازم أحميها منهم لو على حساب نفسي.
رد سامي بقلة حيلة:
ـــ ابعتلنا ندى يا أنور… احنا هنعرف نحميها كويس.
ـــ أبعتهالك بصفتك ايه يا سامي؟!.. و هتعيش معاك ازاي و انت اصلا كل ولادك متجوزين و عايش لواحدك في البيت.
ـــ عيب عليك يا أنور… ندى دي بـ.ـنتي.
ـــ لا بـ.ـنتي مش هتقبل بالوضع دا أنا متأكد… أمها الله يرحمها مربيها على مبادئ و أخلاق الدين و محفظاها كتاب الله قبل ما تستشهد.
ـــ طاب قولي انت نعمل ايه… اللي تقول عليه هعمله يا أنور… دا أقل حاجة نقدر نقدmهالك بعد كل اللي ضحيت بيه في سبيل البلد.
ـــ اسمعني كويس… من آخر رسالة وصلتني منهم و أنا مبطلتش تفكير في مصير ندى… و ملاقيتش غير حل واحد هو اللي هينقذ بـ.ـنتي من بين ايديهم.
ـــ أنا معاك و هنفذ اللي تقول عليه بدون نقاش.
ـــ مفيش قدامي غير إني أجوزها لأدهم برهام.
ـــ أدهم؟!… اشمعنى أدهم؟!
ـــ لأن أدهم له تار بايت معاهم.. مانت عارف انهم هما اللي اغتالو العميد برهام بيه الكيلاني الله يرحمه.. و أدهم مش سايبهم و بينخور وراهم… و هما مرعوبين منه و بيحاولو يبعدو صفقاتهم عن مصر بأي طريقة عشان ميقعوش تحت رحمته… و ندى لو اتكتبت على اسمه استحالة يفكرو يأذوها… لأن لو دا حصل… التار هيكون تارين و أدهم مش هيعديهالهم و هما عارفين كدا…. أدهم الراجـ.ـل الوحيد اللي هأتمنو على ندى.
اقتنع اللواء سامي بحديث زميله و صديقه أنور و أجابه بلا تردد:
ـــ علم و ينفذ يا سيادة اللوا.
ابتسم أنور بـ.ـارتياح ثم قال بجدية:
ـــ أنا هسيبلك انت المهمة دي يا سيادة اللوا.. بس يا ريت في أسرع وقت… مفيش قدامي وقت كتير… احنا في خطر لا تتخيله.
ـــ متقلقش يا أنور…خلال أقل من أسبوع ان شاء الله ندى هتكون موجوده في مصر و هي حرم الرائد أدهم برهام الكيلاني.
مازلنا في أحداث ما قبل ستة أيام من الوقت الحالي……….
أغلق اللواء سامي الهاتف مع صديقه، ثم جلس مليا يفكر كيف سيفاتح أدهم في ذلك الأمر، خاصة و أنه لم يكد يمر شهرا واحدا على خطبته من أخرى.
و لكن ليس أمامه سوى أن يوافق أدهم على الزواج بندى و لو اضطر إلى إجبـ.ـاره على هذه الزيجة.
رفع سماعة هاتف مكتبه متحدثا بلهجة رسمية:
ــ ابعتلي أدهم بيه يابني.
و ما هي إلا دقائق حتى كان أدهم جالسا قبالته ببدلته البيضاء الرسمية بعدmا قام بأداء التحية العسكرية.
بدا التـ.ـو.تر على ملامح اللواء سامي و راح يبحث عن الكلمـ.ـا.ت المناسبة ليبدأ بها حديثه، فاستشف أدهم بفطنته أن الخطب جلل، فتنحنح قائلا بترقب:
ـــ مهمة جديدة دي ولا إيه يا سامي باشا؟!
نظر له بتمعن ثم قال بجدية:
ـــ اعتبرها مهمة جديدة.
ضيق عينيه بعدm فهم متسائلا:
ـــ قصد حضرتك ايه يافنـ.ـد.م؟!
أخذ نفسا عميقا ثم قال بنبرة حادة و كأن الحديث غير قابل للنقاش:
ـــ سيادة اللوا أنور باشا عبد الحميد حياته هو و بـ.ـنته في خطر في أمريكا… و المافيا بتبعتله تهديدات بالاغتيال.
غامت عيني أدهم بغـــضــــب جامح، فقد ذكره ذلك الأمر بحادث اغتيال والده على يد تلك العصابة الغاشمة، و بدأت عروق رقبته في البروز من فرط الغـــضــــب، و هذا ما أراده تماما اللواء سامي.
استرسل اللواء حديثه بمزيد من الضغط العصبي:
ـــ الراجـ.ـل اتصل بيا و بيستنجد بينا عشان ننقذ بـ.ـنته بأقصى سرعة.
رد أدهم باقتضاب:
ـــ و المطلوب؟!
نظر له اللواء نظرة مطولة ثم قال:
ـــ انت عارف إن دي نفس العصابة اللي اغتالت والدك برهام باشا الله يرحمه؟!
رد و هو يتنفس بسرعة قائلا باقتضاب:
ـــ عارف يافنـ.ـد.م…و ان شاء الله آخرتهم هتكون على إيدي و حق أبويا هيرجع لو فيها مـ.ـو.تي.
ـــ و احنا معاك و في ضهرك طبعا يا أدهم… والدك الله يرحمه كان قيمة كبيرة جدا في العمليات الخاصة… و احنا خسرنا كتييير جدا بعد وفاته.
قاطعه أدهم مصححا:
ـــ استشهاده يافنـ.ـد.م.
أومأ سامي و هو يقول بتأثر:
ـــ نحسبه كذلك و لا نزكيه على الله…. نرجع لموضوعنا.. أنور باشا كان صديق والدك الأنتيم و انت عارف كدا و أفضاله على العمليات متقلش أبداً عن أفضال والدك رحمة الله عليه… عشان كدا واجب علينا نردله شوية من جمايله علينا و أقل حاجة اننا نحمي بـ.ـنته من شر المافيا دي.
رد أدهم بجدية:
ـــ و أنا تحت أمرك يافنـ.ـد.م و تقدر حضرتك تعتمد عليا… بس فهمني ايه المطلوب مني بالظبط.
ازدرد سامي لعابه بتـ.ـو.تر ثم ألقى بقذيفته:
ـــ مفيش قدامنا حل غير إنك تتجوزها..
انفرج ثغر أدهم ليعترض إلا أنه استوقفه بإشارة من يديه أن انتظر و استرسل قائلا:
ـــ عارف إن المهمة صعبة و تكاد تكون مستحيلة لأنك خاطب و بتحب خطيبتك.. بس صدقني كل الطرق مقفولة و دا الطريق الوحيد اللي فيه المخرج.. أنور مينفعش يرجع ببـ.ـنته لانهم هيقــ,تــلوه قبل ما يوصل المطار…و ف نفس الوقت البـ.ـنت لو رجعت لوحدها لازم تعيش تحت حماية حد يقدر يحميها بجد منهم.
هب أدهم من مقعده بانفعال صائحا:
ـــ و هي الداخلية كلها بجلالة قدرها مفيش فيها ظابط يقدر يحميها غيري.
هب سامي بانفعال أشـ.ـد مزمجرا به:
ـــ متنساش نفسك يا حضرة الظابط و الزم حدودك و انت بتتكلم مع رئيسك..
أطرق أدهم رأسه بخذي قائلا:
ـــ آسف يافنـ.ـد.م مقصدش طبعاً.
رمقه شرذا ثم أمره بحدة:
ـــ اتفضل اقعد يا بيه.
انصاع لأمره ثم جلس على مضض، فحاول اللواء أن يعيد ضبط انفعالاته مرة أخرى بعدmا عاد لوضع الجلوس ثم قال بنبرة أقل حدة:
ـــ أدهم العصابة عملالك ألف حساب عشان التار اللي بينك و بينهم.. و انت الوحيد اللي هيتجنبوك حتى لو كارت ندى بـ.ـنت أنور باشا معاك انت.. ساعتها هيكون كارت محروق بالنسبالهم.
رد أدهم بملامح متجهمة:
ـــ أنا عندي استعداد أستقبلها في بيتي و تعيش مع أمي و أختي الصغيرة و محدش هيقدر يدوسلها على طرف… بس من غير جواز.
رد عليه اللواء بعقلانية:
ـــ ان كنت انت هتقبل بالوضع دا فهي لأ…البـ.ـنت متدينة و عارفة إنها مينفعش تعيش مع ناس مفيش بينها و بينهم علاقة شرعية… دا غير ان دا برضو مش أمان بالنسبالها… احنا عايزين ندى تكون حرم الرائد أدهم برهام عشان محدش يفكر يهوب ناحيتها.
ـــ يافنـ.ـد.م…
قاطعه سامي بحزم:
ـــ خلاص يا أدهم وقتك خلص… و تقدر تروح البيت من دلوقتى لو حابب عشان تهيئ نفسك للمهمة دي… ندى أنور عبدالحميد هدف من ضمن الأهداف اللي بنكلفك بحمايتها و الموضوع منتهي و غير قابل للنقاش لو حابب تحافظ على مكانتك في العمليات الخاصة.
نهض أدهم و شرارات الغـــضــــب و السخط تنشب بمقلتيه ثم قال :
ـــ حضرتك بتحطني في خانة اليك؟!….تمام يا سيادة اللوا.
ثم انصرف مغادرا بعصبية مفرطة و هو يشعر أن أيامه القادmة ستكون ملطخة بالسواد، فإن وافق على ما يريده رئيسه فسيفقد حبيبته التى رسم مستقبله معها و لا يدري بعد كيف ستكون حياته مع تلك الدخيلة، و إن رفض فحتما لن يمررها له اللواء سامي و سيفى بوعيده و يقوم بنقله لمكان نائي بعيدا عن شغفه الأساسي و ثأره المرتقب في العمليات الخاصة.
بمجرد أن غادر أدهم، التقط اللواء سامي هاتفه من درج مكتبه ليطرق على الحديد و هو ساخن و يقوم بالاتصال بالسيدة تيسير والدة أدهم..
ـــ ألو.. تيسير هانم ازي حضرتك يافنـ.ـد.م.
أخذ يقص عليها كل ما حدث بداية من اتصال اللواء أنور به إلى جلسته المنتهية منذ لحظات مع أدهم، و بعدmا انتهى قال بكياسة:
ـــ حضرتك عارفة ندى كويس و يعتبر انتي اللي مربياها مع سمية هانم الله يرحمها و طبعا مش هيخفى عليا موضوع عدm ارتياحك لخطيبة أدهم و رفضك ليها… فأنا شايف إن ندى أكتر حد مناسب جدا ليه.. و في نفس الوقت رد الجميل لأنور باشا و سمية هانم الله يرحمها.
التمعت عيني تيسير بالدmـ.ـو.ع و هي تتخيل حال تلك المسكينة التي فقدت أمها منذ نعومة أظافرها، و ها هي الآن عُرضة لفقدان أبيها أيضا، و قالت بنبرة متألــمة:
ـــ كلامك كله مظبوط يا سامي بيه… ندى دي بـ.ـنتي التالتة و مبتروحش من بالي أبداً.. و متربية أحسن تربية و شتان بينها و بين اللي اسمها دارين دي.. أنا أصلا مش عارفه أدهم وقع فيها ازاي دي.. رغم انها من نفس مستوانا الاجتماعى بس تربيتها و أخلاقها غيرنا خالص.
ابتسم سامي بـ.ـارتياح متسائلا:
ــ يعني أعتمد عليكي يا هانم في اقناع أدهم؟!
اتسعت ابتسامتها مرددة:
ـــ ان شاء الله يا باشا.. دي كانت أمنيتي إنهم يكونو لبعض من قبل وفاة سمية الله يرحمها و الحمدلله إن ربنا قدر و سهل الأمور.
ــ تمام… أنا أصلا هددته إنه لو معملش المطلوب منه ينسى منصبه في العمليات الخاصة.
ضحكت السيدة تيسير بشـ.ـدة ثم قالت:
ـــ و الله كأننا بنسايس طفل صغير يا سامي بيه.. ربنا يهديه و يقدرني على المهمة الصعبة دي.
ـــ ان شاء الله يا هانم… أنا كنت متأكد إنك هترحبي بجوازه من ندى عشان كدا كلمت حضرتك.
ـــ ربنا يقدm اللي فيه الخير سامي باشا.
ـــ و نعم بالله يا هانم… في رعاية الله.
أغلقت السيدة تيسير الهاتف و هي تتنهد بقلق، لقد اشتاقت لتلك الصغيرة التي كانت تعشقها و تأثرت كثيرا لرحيلها، فرغم أن أدهم لم يلتفت إليها يوما و لا حتى يتذكر ملامحها، إلا أنها تمنتها له كثيراً في دعائها و صلواتها و ها قد حان لدعائها أن يُستجاب.
أما على الجهة الأخرى…
كان أنور متـ.ـو.ترا للغاية لا يدري من أين يبدأ الحديث مع ابـ.ـنته، يعلم جيدا أنها سوف تفرح بخبر زواجها من أدهم و لكن ليس بهذه الطريقة الغريبة.
طرق باب غرفتها فأذنت له بالدخول و من ثم فتح الباب فوجدها تغلق مصحفها بعدmا أتمت حفظ الآيات التي كانت ترتلها اليوم، فابتسم بفخر على هدية زوجته له، فلولاها ما كانت ندى على تلك الشاكلة، فهذا كله حصاد ما زرعته أمها فيها.
جلس بجوارها بالفراش ثم قبل رأسها قائلا:
ـــ ربنا يبـ.ـاركلي فيكي يا حبيبتي و يثبتك.
ردت له البسمة متمتمة:
ـــ و يبـ.ـاركلي فيك يا حبيبي و يخليك ليا.
أخذ يمسد على رأسها قليلا ثم بدأ حديثه بجدية:
ـــ ندى انتي طبعا عارفه إن شغلي و عصابة المافيا اللي كنت مكلف بمراقبتها هما السبب في مـ.ـو.ت والدتك الله يرحمها و ان أنا و انتي ربنا نجانا من الحادثة المدبرة بأعجوبة… و الحقيقه إن…. إن نفس الكرة بتتعاد تاني اليومين دول و بتجيلي تهديدات من نفس العصابة.. و أنا معنديش استعداد أخسرك انتي كمان يا قلبي.. انتي مالكيش ذنب في كل دا و…
أخذت دmـ.ـو.عها في الهطول بغزارة و هي تسمع مأساة جديدة لم يكد يستفيقا من مثلها، و قاطعته قائلة بهلع:
ـــ يعني ايه يا بابا.. انت كمان هتسيبني؟!.. مش كفاية ماما… انت كمان.. انت كمان..
أخذت تردد تلك الكلمـ.ـا.ت بطريقة هيستيرية، بينما أبوها قام باحتضانها بشـ.ـدة يحتوي نوبة بكائها الحاد و هو يربت على ظهرها و يقول:
ـــ لا يا ندى مش هسيبك يا حبيبتي… أنا بس خايف عليكي انتي اللي تتأذي و تسيبيني.. عشان كدا اتكلمت مع القيادة في مصر و هما اتصرفوا و لاقولنا حل للأزمة دي.
رفعت رأسها لتناظره بأمل قائلة:
ـــ حل ايه يا بابا طمني.
ـــ انتي فاكرة طبعا أدهم برهام ابن أونكل برهام و طنط تيسير… ما انا دايما بحكيلك عنه و عن شطارته و انه دايما بيفكرني بنفسي أيام ما كنت في سنه..
هزت رأسها بالإيجاب بعدmا استطاع أن يسـ.ـر.ق انتباهها بسيرته، فاسترسل قائلا بكذب:
ـــ هو كلم اللوا سامي صديقي و طلبك للجواز عشان يقدر يحميكي و تعيشي معاهم في البيت بصفتك زوجته و بكدا هتبعدى عن مصدر الخطر اللي بيهددنا هنا في نيويورك و في نفس الوقت هتعيشي في مصر وسط ناس بتحبك.. هتعيشي معززة مكرمة و مرفوعة الراس.
رفعت رأسها تناظره بعيون ملتمعة ببريق الأمل و هي تقول:
ـــ هو في كدا يا بابا؟!.. هيتجوزني عشان عايز يحميني بس؟!
حمحم و هو يزدرد لعابه بصعوبة ثم استرسل بكذب:
ـــ لا طبعاً يا حبيبتي… أدهم معجب بيكي من زمان و لما عرف أنك لازم ترجعي مصر طلبك للجواز فورا… هو كان مستني الفرصة دي من زمان.. و منها تكوني في حمايته.
ظهر شبح ابتسامة خجلى على ثغرها سرعان ما أخفتها و هي تقول:
ـــ حضرتك متأكد يا بابا؟!…أنا مستحيل أفرض نفسي على حد.
أسرع قائلا:
ـــ لا يا حبيبتي لا سمح الله… دا انتي تاج على راسي و استحالة أحطك في الموقف دا..
بعد الكثير من الحديث و التعهد بالعودة إليها في مصر حين تستقر الأمور، وافقت ندى على مضض، فشطر قلبها سعيد بزواجها ممن عشقته، و الشطر الثاني يخشى فراق أبيها و عدm رؤيته مرة أخرى.
بينما أنور انفطر قلبه عليها و تمزقت نياطه لكذبه و خداعه الغاشم لها، و لكن انكسار خاطرها فيما بعد أهون عليه من فقدانها للأبد، فلا بد و أن أدهم سيجبر ما سينكـ.ـسر و سيحميها بكل ما أوتي من قوة طالما أنهت أصبحت تحمل إسمه.
عاد أدهم لمكتبه و أذنيه تطلقان نيران من الغـــضــــب و ارتمى على أقرب كرسي بإهمال و عشرات الأفكار تكاد تعصف برأسه، بعد قليل انفتح الباب دون استئذان ليدخل اليه صديقه المقرب و زميله” آسر سعيد ” ليرمقه باستنكار هاتفا به:
ــ مش تخبط يا حـ.ـيو.ان قبل ما تدخل… ايه داخل زريبة.
جلس آسر قبالته ببرود متجاهلا توبيخه فيبدو أنه معتاد على ذلك ثم قال ببرود:
ـــ مالك يا باشا؟!.. شكل أمك غلط ليه؟!
ـــ ملكش دعوة بأمي يلا و خليك في حالك.
تجاهل توبيخه للمرة الثانية ثم قال ساخرا:
ـــ ايه يا روميو؟!.. العروسة مزعلاك ولا ايه؟!
لوى شفتيه لجانب فمه بتهكم مرير ثم قال بنبرة مهمومة:
ـــ عروسة؟!… العروسة خلاص بح.
اتسعت عيني آسر بصدmة مصطنعة و هو يقول:
ـــ العروسة بح؟!… انت بتهزر.
رمقه أدهم بنظرة حارقة هاتفا به بحدة:
ـــ انت هتستعـ.ـبـ.ـط يلا!.. فاكرني مش فاهم ان سامي بيه اللي بعتك ليا عشان تقنعني؟!
رمقه ببسمة واثقة و هو يقول:
ـــ حلو… قصرت عليا الطريق يا برهام يا صغير.
نظر أدهم له من جانب عينه ثم عاد لينظر أمامه مسترسلا بضيق:
ـــ نقطني بسكاتك يا آسر مش عايز اسمع أي حاجة.
ضحك آسر و هو يقول:
ــــ أخيرا احترمتني و نادتني باسمي..
مال عليه و هو يقول بغـ.ـيظ:
ـــ تصدق يلا انت اللي زيك مايليقش عليه الاحترام.
أخذ آسر يهز رأسه بالنفي و هو يقول باشمئزاز:
ــــ أنا مش عارف ايه اللي مصبرني على تقل دmك يا أخي.
وضع هاتفه على مكتب صديقه ثم نهض من كرسيه متجها الى ذلك الركن الصغير الذي يحوي مستلزمـ.ـا.ت صنع الشاي و القهوة ثم شرع في اعداد كوبين من الشاي و هو يقول بمرح:
ـــ بزمتك يا دومي هتلاقي صاحب جدع يدلعك و يعملك شاي زيي فين.
التوى فمه بسخرية مجيبا:
ـــ مستغنيين عن خدmـ.ـا.تك ياخويا..
لم يكد يرد آسر حتى صدح رنين هاتفه فسأله آسر:
ـــ مين اللي بيتصل؟!
نظر أدهم في شاشة الهاتف ليقول بتهكم:
ـــ قلبك.
أخذ آسر لحظات حتى استوعب هوية المتصل ثم قال بضيق:
ـــ أبو تقل دmك يلا…هات..
ناوله أدهم الهاتف و هو يضحك فقال آسر و هو يصب الشاي بالكوب:
ــــ خود ياخويا اطفح بالسم الهاري…و هسيبك بقى مع أفكارك السودة و اروح أكلم قلبي.
أخذ منه كوب الشاي بحذر ثم اتجه آسر مغادرا فقذفه أدهم بأحد أقلامه مرددا بغـ.ـيظ:
ـــ غور ياض مشوفش وشك هنا تاني.
ضحك آسر و هو يغلق الباب، فأدهم هو الشخص الوحيد الذي يتقبل منه أي كلام و مزاح، فهو بالنسبة له أخوه الذي لم تنجبه أمه و يحبه و يخاف عليه و كأنه قطعة منه.
حين عاد إلى مكتبه أعاد آسر الاتصال بحبيبته و خطيبته و المسجلة على هاتفه بإسم “قلبي”..
ـــ صباح الورد يا قلبي… مال صوتك حاجة حصلت ولا ايه؟!
ـــ مودة تعبت امبـ.ـارح باليل و أنا بايتة معاها في المستشفى… قولت اعرفك عشان متزعلش.
ـــ تعبت تاني؟!
ردت بمرارة:
ـــ قول عاشر يا آسر.
زم شفتيه بأسف بالغ و هو يقول:
ـــ معلش يا حبيبتي ربنا يشفيها يا رب.
تنهدت بحرقة و هي تقول:
ـــ يا رب يا آسر.
ـــ خلاص هعدي عليكو بعد الشغل أطمن عليها..
ـــ لا يا حبيبي متتعبش نفسك.
ـــ تعبك راحة يا قلبي… أومال عمو محمد فين؟!
ـــ بابا لسة ماشي من شوية راح على الشركة يشوف أشغاله و هيرجعلنا بعد ما يخلص.
ـــ تمام يا حبيبتي سلميلي على مودة لحد ما أجيلكم… سلام.
أغلق الهاتف و هو يتنهد بحـ.ـز.ن على حال تلك الفتاة ذات القلب الأطيب على الإطـ.ـلا.ق و الأضعف على أن يبقيها على قيد الحياة… إنها مودة الشقيقة الكبرى لخطيبته”ميريهان”.
↚
أما في منزل أدهم…
عاد من عمله في ساعة متأخرة من الليل، فقد كان مشتتا طيلة اليوم، متعصبا لأقصى درجة، نادm كل من اقترب منه أو حاول التحدث معه في ذلك اليوم، فقد كان ينفعل و يصـ.ـر.خ لأتفه الأسباب.
استقبلته أمه بلين و هي تحاول امتصاص غـــضــــبه، فأيقنت أن حالته الرثة هذه بسبب مهمة اللواء سامي صبيحة اليوم.
أخذ حماما بـ.ـاردا و بدل ملابسه الرسمية بأخرى منزلية، و بعدmا استرخى قليلا بفراشه و هو يفكر، سمع طرقات والدته فأذن لها بالدخول بعدmا اعتدل احتراما لها.
أقبلت علبه ببسمتها المريحة و هي تحمل بيديها صينية صغيرة عليها وجبة عشاء خفيفة و كوب من اللبن الساخن.
ـــ لا لا يا أمي مش هقدر أكل أي حاجة… أنا مرهق و عايز أنام.
تقدmت حتى وضعت أمامه الصينية و هي تقول بحنو:
ــــ عشان خاطري يا حبيبي انت لازم تاكل كويس طالما مرهق و تعبان… مش معقول اهمالك في صحتك دا يا أدهم.
ـــ بصي أنا مش هشرب غير اللبن عشان خاطرك بس.
ـــ كدا برضو يا أدهم؟!
ـــ أنا آسف يا أمي مش هقدر صدقيني.
ربتت على كتفه بحنو و هي تقول:
ـــ مالك يا حبيبي فيك ايه احكيلي.
تنهد تنهيدة عميقة تحمل أثقالا، تنهيدة أخبرتها عن مدى ضيقه و تحمله مالا يطيق، فأشفقت عليه ثم قبضت على يده القريبة منها بلين قائلة:
ــــ يااا يا أدهم… قد كدا يا حبيبي تعبان؟!… احكيلي يا ابن قلبي يمكن ترتاح شوية.
أراح رأسه للخلف و هو يتأمل السقف قائلا بشجن:
ــــ أنا واقع في مشكلة و مش عارف أتصرف فيها ازاي ولا عارف اخد قرار.
تصنعت جهلها بالأمر هاتفة بقلق مصطنع:
ـــ مشكلة ايه يا حبيبي كفانا الله الشر.
بدأ يقص عليها أدهم الأمر برمته إلى أن انتهى بتهديد اللواء له و خشيته من تنفيذه.
بدى الثبات و الهدوء على وجه أمه الأمر الذي أثار حنقه و دهشته في آن واحد، و لكنها تنفست بعمق ثم قالت:
ـــ انت عايز رأيي يا أدهم؟!
ـــ طبعاً يا ماما
ـــ توافق على المهمة دي.
قطب جبينه باستنكار شـ.ـديد هاتفا:
ـــ بالسهولة دي بتقوليلي وافق!!
استرسلت بمنتهى الهدوء و الثبات:
ـــ حبيبي أولاً شغلك و منصبك حساس جدا و طبيعي انك هتقدm تنازلات و تضحيات في سبيل إنك تعلى و ترتقي في منصبك و دا اللي والدك الله يرحمه كان بيعمله و دايما كان بيدرسهولك.. ثانيا البـ.ـنت لو وحشة أنا كنت رفضت بغض النظر عن أي حاجة.. بس ندى دي انت متوعاش عليها لأنك كنت وقتها في الكلية و مش بنشوفك غير كل فين و فين… بس فعلا يا حبيبي بـ.ـنت ولا كل البنات.. تربية ايدي و أضمنهالك بعمري كله.. هي دي فعلاً البـ.ـنت اللي أدهم يستاهلها.
ــــ ماما حضرتك بتتكلمي و كأني مش مرتبط ببـ.ـنت تانية بحبها و بتحبني.
ردت بعقلانية:
ـــ أكيد مش ناسية…بس دارين حساها نزوة سريعة كدا جات بسرعة و هتروح زي ما جات… أنا أكتر واحدة فاهماك و عارفة إن علاقتك بدارين مش علاقة حب أبداً… هي مجرد اعجاب حصل بعده وعد بالجواز و انت مش عايز تخلف بوعدك لأن دا مش من طبعك و لا من أخلاق رجولتك… أنا متأكدة إن قلبك لسة مدقش لبـ.ـنت و لا الحب عرف طريق لقلبك يا أدهم… مش انت اللي واحدة تخـ.ـطـ.ـف قلبك بالسهولة دي.
بدأ يزدرد لعابه بتفكير و عينيه مسلطتان على نقطة ما في الفراغ و كأن أمه قرأت ما يحدث بقلبه تماماً.
و لكنه أصر على الإنكار متمتما:
ـــ لا يا أمي الكلام دا مش صح… أنا بحب دارين و متعلق بيها و مش متخيل موقفها لو دا حصل.
ربتت على كتفه و هي تقول بابتسامة متفهمة لما يدور بخلده:
ـــ حبيبي اللي انت بتمر بيه دا مجرد احساس بالذنب ناحيتها مش أكتر… يعني لو مكنتش خطبت دارين كانت الأمور هتكون أسهل كتير بالنسبالك.
ــــ تمام يا أمي…حطي نفسك مكانها…يرضيكي أكـ.ـسر بخاطر انسانة ملهاش ذنب في أي حاجةعشان خاطر واحدة تانية..؟!
ـــ يا أدهم يعني نسيب البـ.ـنت تمـ.ـو.ت؟!..مش كفاية الصدmة اللي حصلتلها و هي شايفة أمها بتتقــ,تــل قدام عينيها!!..ازاي يابني يكون في ايدك تنقذ حياة انسان و تسيبه..و بعدين دي مش أي حد..ندى دي بـ.ـنتي اللي مخلفتهاش… و بعدين على الأقل دارين عندها أب و أم و عيلة هتهون عليها… إنما دي يتيمة ملهاش حد و أبوها يا عالم هتشوفه تاني ولا هيسيبها في الدنيا لواحدها.
ـــ يا أمي…
ـــ أومال فين كلامك عن التضحية و الآية اللي دايما بترددها ( و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)..ولا هي شعارات في الفاضي.
قالت عبـ.ـارتها الأخيرة بحدة نوعا ما حين لمست صلابة رأيه، فنظر لها بلوم و هو يقول:
ـــ أنا برضو بتاع شعارات يا أمي؟!
اقتربت منه أكثر و أخذت تمسد على شعره و هي تقول بليونة:
ـــ يا حبيب قلبي انت أشجع و أرجل ظابط شوفته…و أنا اللي بطلب منك يا أدهم انك توافق على جوازك من ندى و تتعهد لوالدها بحمايتها…مش عشان هي مهمة انت مكلف بيها…لا.. عشاني أنا و عشان أبوك الله يرحمه…ياما اتمنينا أنا و هو انكو تكونو لبعض لولا إن الظروف فرقتنا كلنا…اللي مـ.ـا.ت مـ.ـا.ت و اللي هاجر هاجر و الأخبـ.ـار انقطعت بس مكانتها في القلب متغيرتش أبداً.
أخذ يخلل أصابعه بخصلات شعره الطويل في حركة ملازمة له حين يشعر بالحيرة و التـ.ـو.تر ثم تنهد قائلا بقلة حيلة:
ـــ من فضلك يا أمي سيبيني بس دلوقتي أفكر و أهيأ نفسي للحكاية دي…لأني بجد حاسس اني متلغبط و مش قادر اخد قرار صح.
ربتت على ظهره بحنو و هي تقول:
ـــ قوم يا حبيبي اتوضى و صلي صلاة استخارة و هي هتتحل بإذن الله بس انت استعين بالذي لا يغفل ولا ينام…و تبات نار تصبح رماد.
انحنى ليقبل يدها ثم قال ببسمة بسيطة:
ـــ حاضر يا أمي بس انتي ادعيلي.
ـــ داعيالك يا حبيبي…ربنا يريح قلبك و يجعلها من نصيبك يا ابن قلبي.
تركته أمه يحترق بنيران حيرته و شتاته و غادرت الغرفة ، بينما هو جلس يقلب الأمور في رأسه، لا يصدق أن أدهم برهام ضابط العمليات المخضرم،الذي لا تستعصيه مهمة، ولا يصعب عليه هدف، يقع في ذلك الفخ العويص ولا يستطع الخلاص منه.
في الأخير أخذ بنصيحة أمه و توضأ و صلى صلاة الإستخارة بقلب خاشع، قلب يريد الوصول لما فيه الخير له.
و بعدmا انتهى نفض دmاغه من أي أفكار إيحابيةً كانت أو سلبية، ثم غط في سبات عميق.
مرت الليلة ثقيلة على كل من أدهم و ندى، فكل منهما هائم في شتاته، غارق في بحر أحزانه، يخشيا ما ينتظرهما في الأيام القليلة القادmة.
في الصباح الباكر..
استيقظ أدهم و هو يشعر بقليل من الإرتياح،فقد أقر في قرارة نفسه أن يستسلم للأمر الواقع و ليضع نصب عينيه (و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، فقد اقتنع بحديث والدته له و تأثر به.
قام بمهاتفة اللواء سامي قبيل موعد حضوره إلى العمل..
ـــ ألو…صباح الخير يا سيادة اللوا…بستأذن حضرتك عايز النهاردة طارئة.
ـــ خير يا أدهم انت تعبان ولا ايه؟!
لوى شفتيه بابتسامة متهكمة ثم قال بنبرة ساخرة رافعا احدى حاجبيه:
ـــ المفروض اني داخل على مهمة جواز و عايز أظبط أموري و أستعد كويس للمهمة دي.
اتسعت ابتسامة سامي بسعادة بالغة ثم قال:
ـــ عفارم عليك يا سيادة الرائد…كنت عارف إن ابن برهام باشا الكيلاني لا يمكن يخذلني أبداً…تمام زي أبوك الله يرحمه.
حانت منه نصف ابتسامة قائلا بثقة:
ــــ هذا الشبل من ذاك الأسد يا باشا.
ـــ ربنا يحميك يا أدهم… المهم حيث كدا بقى خود النهاردة أجازة و اعمل حسابك بكرة نروح نكتب الكتاب عند محامي بالتوكيل اللي أمور عاملهولي… و أنا هكلمه النهاردة أبشره و بالمرة يبعتلي الأوراق المطلوبة لكتب الكتاب.
ـــ أوامر سيادتك يافنـ.ـد.م.
ـــ تمام يا سيادة الرائد… مع السلامه.
أغلق سامي الهاتف ثم قام قام باستدعاء آسر ليأتي إليه بعد دقائق مؤديا التحية الشرطية ثم جلس قبالته ليهتف اللواء سامي بسعادة بالغة:
ـــ أحب أبشرك يا سيادة الرائد إن أدهم برهام وافق على المهمة.
اتسعت بسمة آسر مرددا:
ـــ على بركة الله يا سيادة اللوا… الحمد لله انه اقتنع لوحده… حضرتك متعرفش طلع مـ.ـيـ.ـتيني ازاي امبـ.ـارح و مكنتش لسة قولتله ولا كلمة..
قهقه سامي ثم سرعان ما عادت ملامحه للجدية و هو يقول:
ـــ المهم خليك حافظ دورك كويس… مش عايزك تسيب أدهم لحظة و من غير ما يحس بيك…. حماية أدهم مهمتك يا بطل.
أجابه بحماسة بالغة:
ــــ أوامر سيادتك يافنـ.ـد.م… أنا حافظ و مذاكر كويس أوي… و ان شاء الله أكون عند حسن ظن سيادتك.
أومأ سامي متمتما:
ـــ إن شاء الله يا آسر… أنا واثق في إختياري ليك.
رد آسر بشيئ من التردد:
ـــ طاب حيث كدا يا باشا أنا طمعان في كرم سيادتك…عايز أروح بدري ساعتين.
قطب سامي جبينه باستنكار متمتما بضيق مصطنع:
ـــ انت بتستغل الموقف بقى ولا ايه؟!
ـــ لا لا أبداً يافنـ.ـد.م مش قصدي ط…..
قاطعه سامي بضحكة بسيطة:
ـــ خلاص يابني موافق متتخضش كدا.
تنفس بـ.ـارتياح متمتما بامتنان:
ــــ متشكر جدا يافنـ.ـد.م… أي أوامر تانية؟!
ـــ لا اتفضل على مكتبك.
استأذن منه بالانصراف و بمجرد أن دلف غرفة مكتبه قام بالاتصال بخطيبته..
ـــ ألو.. ميري حبيبتي عاملة إيه
ـــ الحمدلله يا آسر
ـــ بقولك أنا عازمك النهاردة ع الغدا و هكلم عمو محمد أستأذنه
ـــ طاب و شغلك؟!
ـــ أنا أصلا واخد إذن ساعتين بدري…
ـــ لو بابا وافق فأنا موافقة بس انت طبعا عارف انه مش هيرضى يخلينا نخرج لوحدنا.
أجابها بانزعاج تلك المرة:
ـــ يعني مودة هتيجي برضو؟!
ـــ معلش يا حبيبي أنا مقدرش أخالف أوامر بابا… و بعدين انت عارف مودة بتسيبنا براحتنا و بتقعد بعيد ولا كأنها معانا أصلا.
ـــ تمام يا ميري مفيش مشكلة.. إجهزي بدري عشان منتأخرش..
ـــ حاضر يا أسور.
ـــ سلام يا قلبي.
أغلق الهاتف و البسمة الهائمة مرتسمة على شفتيه بتلقائية حالما يسمع صوتها فقط.
أما عند أدهم
أنهي المكالمة مع اللواء سامي و هو يتنهد بثقل، هو متعجب من نفسه أنه لم يطلب التحدث إليها أو أن يرى صورة لها، مقنعا نفسه بفقدان شغفه في ذلك الأمر لأنها لا تمثل له أي شيئ ولا تعنيه بشيئ… فقط مجرد مهمة و مصيرها للإنتهاء.
خرج من غرفته ليبشر أمه بقراره و يفكر كيف سينهي خطبته من دارين.
بالطبع تهللت أسارير السيدة تيسير بهذه البشرى و أسرعت بالاتصال إلى ابـ.ـنتها روان لتقص عليها القصة كاملة لتشاركها الفرحة و التي بدورها قصتها على محمود زوجها، فهو ضابط أيضا برتبة رائد و لكن يعمل في شرطة المرور.
علمت ريم الشقيقة الصغرى لأدهم بذلك الأمر و رحبت به أيضا، فهى لم تحب يوما خطيبته دارين و كانت ترى دائما أن أدهم يستحق من هي أفضل منها، و لكنها كانت منشغلة في إنهاء أوراق استلام عملها كطبيبة في احدى الوحدات الصحية بقرية نائية بمحافظة سوهاج بصعيد مصر.
و جاءت اللحظة الحاسمة ألا وهي لحظة إنهاء خطبته بدارين…
اتصل بها ليأخذ معها ميعاد ليتقابلا بإحدى الكافيهات، فلم تصدق نفسها، فإنها المرة الأولى التي يطلب فيها الخروج معها منذ خطبها إن لم تطلب هي منه ذلك.
و بالفعل قُرب المغيب كانا جالسين بمقهى راقي و كان في قمة تـ.ـو.تره رغم الثبات الظاهر عليه، طلب لهما مشروبا بـ.ـاردا ثم حمحم قائلا بملامح جـ.ـا.مدة:
ـــ دارين أنا مش عارف أبدأ الموضوع منين… بس الحقيقة حصلت شوية ظروف كدا خارجة عن إرادتي، و بقى من الصعب إننا نستمر في خطوبتنا… أنا بجد آسف إني بقول كدا و طبعا كان نفسي أكمل معاكي للآخر بس….
قاطعته و هي تتنفس بانفعال قائلة بحدة:
ـــ بس ايه يا حضرت الظابط؟!.. مفيش داعي تقعد تخترع في أسباب مش موجودة… من الأول و أنا حاسة انك مبتحبنيش… بدليل انك ماقولتليش ولا مرة كلمة بحبك… ولا مرة قولتلي حشـ.ـتـ.ـيني و … ولا مرة طلبت مني نخرج سوا… كنت بحاول أقنع نفسي ان طبيعة شغلك مأثرة على شخصيتك و مش عارف تبقى رومانسي.. و اديت لنفسي أمل إننا لما نتجوز و تشوف حبي ليك هتتغير بس واضح اني كنت بحلم..
مد يده ليمسك يدها التي تلوح بها لعلها تهدأ قليلا هاتفا بها بهدوء:
ـــ دارين اهدي… انتي فاهمة غلط.
نفضت يده عن يدها و هي تصيح بانفعال أشـ.ـد:
ـــ اوعى ايدك دي…انت حتى مفكرتش تمسك ايدي قبل كدا… و يوم ما تلمسها تقولي صعب نستمر في خطوبتنا؟!
غامت عينيه بغـــضــــب جامح من فرط انفعالها عليه و زمجر بها بحدة:
ـــ دارين متنسيش نفسك و صوتك دا مايعلاش عليا… مش معنى إني سايبك تتكلمي براحتك انك تتمادي و تكلميني بالطريقة دي.
أخذت تنظر له بمقت شـ.ـديد، فكل معاني الخذلان قد تجسدت فيه الآن و احتلت الصدmة ملامحها بجدارة الأمر الذي ضايقه للغاية و جعل شعوره بالذنب يكاد يقــ,تــله.
فأشاح بناظريه عنها و هو يقول بنبرة متحشرجة من فرط الأسى:
ـــ الشبكة خليها معاكي اعتبريها هدية مني… و يا ريت توصلي اعتذاري لوالدك و والدتك… أشوف وشك بخير.
ثم هب من كرسيه مغادرا مخلفا ورائه قلبا ساخطا أقسم على الانتقام.
↚
عودة إلى الوقت الحالي…
حيث حفل الزفاف البسيط المقام على متن باخرة نيلية..
انتهى الحفل على خير رغم غـــضــــب أسرته من جفائه الظاهر و اللامبالاة التي تحلى بها.
استقل أدهم سيارته بعروسه إلى منزله الكبير المكون من طابقين و أمامه حديقة صغيرة و جراچ للسيارات.
كان من ضمن شروط موافقتة على الزواج بندى هو اقامته بشقة والدته التي يقيم بها حاليا، ناويا في قرارة نفسه أن شقته و الذي كان يقوم بتجهيزها لن تدخلها عروس أخرى سوى “دارين” و لو بعد حين، و قد وافقت السيدة تيسير بل و استحسنت ذلك الأمر حتى تقوم بتوجيهه في تعامله مع ندى دائما، فهي تعلم أنه طالما تزوجها رغما عنه فسوف يكون فظا معها حتى و إن لم يقصد ذلك، و لكنها قررت أن تتركهما لثلاثة أيام و تقيم عند روان ابـ.ـنتها حتى يخلو لهما الجو في تلك الأيام القلائل.
بعد عدة دقائق كانت ندى تخطو بقدmيها إلى داخل الشقة الواسعة بقلب وجل و أطراف مرتعشة، تتمنى أن تمر الليلة على خير ما يرام.
أغلق أدهم باب الشقة في حين تقف ندى أمامه مولية ظهرها ناحيته، فأخذ نفسا عميقا، و حاول رسم ابتسامة صافية على شفتيه، فكـ.ـسر الخواطر ليس من شيمه، ثم تقدm حتى أصبح خلفها تماما تستطيع سماع أنفاسه الهادئة، فتجرأ و قام بإحاطة خصرها بيديه الأمر الذي أصابها بالقشعريرة، و قام بإدارة جسدها نحوه لتصبح بمواجهته، لتقابل هي تلك الابتسامة الساحرة التي أذابتها بينما هو اتسعت ابتسامته حين رأى خجلها ظاهرا في اشتعال وجنتيها بحمرة جميلة زادت ملامحها الطفولية براءة و جاذبية.
ـــ مبروك يا ندى.
ابتسمت بخجل و هي مطرقة الرأس قائلة:
ـــ الله يبـ.ـارك فيك يا أدهم.
ترك خصرها ثم أمسك يدها و سار بها بإتجاه إحدى الغرف و قام بفتحها و دلفا إليها سويا ثم قال لها بنبرة جادة:
ـــ دي قوضتنا يا رب تعجبك… روان هي اللي اختارت كل حاجة فيها على ذوقها.
أخذت تدور بعينيها في أنحاء الغرفة بإعجاب واضح، فقد كانت رقيقة للغاية، مطلية باللون الوردي الزاهي و أثاثها من اللون الأبيض و ستائر من الشيفون في منتهى الرقة.
ـــ ذوقها جميل أوي.. تسلم ايديها.
أومأ برأسه موافقا ثم قال:
ــــ أنا هسيبك تغيري براحتك و هروح أغير هدومي في قوضتي.
رددت باستنكار:
ــــ قوضتك؟!
ازدرد لعابه بتـ.ـو.تر قائلا بمراوغة:
ـــ اه ماهي دي قوضة روان قبل ما تتجوز أصلا و هي جهزتها لينا احنا الاتنين… انما أنا ليا قوضة هناك في الناحية التانية من الشقة و فيها هدوم ليا و كل متعلقاتي الشخصية.
تجهم وجهها بضيق بالغ، فمرة أخرى يجعلها تخشى من فكرة لطالما أنكرها قلبها بشـ.ـدة و تهرب منها.
هزت رأسها دون أن تنطق، فالصدmة جعلتها غير قادرة على الرد.
ـــ في هنا حمام صغير عشان تكوني براحتك… عن إذنك.
بمجرّد أن خرج و أغلق الباب، هوت بجسدها على حافة الفراش و الصدmة قد احتلت جسدها بالكامل، ثم ما لبثت أن انخرطت في بكاء مرير حاولت كتمانه حتى لا يسمعها، فيبدو أن أباها قد خدعها، فمن الواضح أن أدهم مجبور على تلك الزيجة، و أنها غير مرحب بها في حياته، فليس هذا بسلوك عريس انتظر عروسه و تلهف للقائها.
بعد فترة من البكاء و الرثاء لقلبها الملتاع، قررت أن تتعامل معه على أساس أنها أيضا مجبرة على الزواج منه مثله تماما، فيكفيها صدmـ.ـا.ت و بعثرة لكرامتها إلى هذا الحد.
خلعت فستانها و ألقت به بعنف على أرضية الغرفة، و التقطت ملابسها و دخلت المرحاض المرفق بالغرفة و قامت بالاغتسال و توضأت و ارتدت بيچامة صيفية ثم ارتدت فوقها اسدال الصلاة، و قامت بتشغيل بوصلة هاتفها للتعرف على اتجاه القبلة ثم شرعت في الصلاة تتصبر بها على ما أصابها من خذلان و هوان.
أما أدهم قام بالاغتسال و تبديل ملابسه لـ تي شيرت و بنطال منزلي و صلى ما فاته من فروض ثم وقف بشرفة غرفته يتنفس هواءا عليلا لعله يلملم شتات نفسه.
أخذ يدور بالغرفة ذهابا و إيابا، غير قادر على أخذ الخطوة التالية مع من هي من المفترض أن تكون زوجته، حتى أعياه التفكير، فاضطر لأن يحادث آسر عبر الهاتف لعله يساعده أو يحصل منه على نصيحة…
ـــ ألو.. آسر
……
اسمعني يا زفت للآخر
……
مش قادر اخد الخطوة
…..
حاسس إنها غريبة عني
……
ازاي عايزني أقرب من بـ.ـنت لا كنت شوفتها ولا اعرفها و مطلوب مني أحبها بين يوم و ليلة
……
أنا مش ساحر يا آسر
…….
مش قادر
……
مش قادر
………
مش عايز أكـ.ـسر بخاطرها و في نفس الوقت حاسس إني هكـ.ـسرها أكتر لو قربت منها غـ.ـصـ.ـب عني لأنها أكيد هتحس و هتفهم
…….
خلاص اقفل مش عايز منك مساعدة
لم ينتظر رده و أغلق الهاتف سريعا، فقد كان كل كلام آسر اتهامـ.ـا.ت و هجوم على أدهم.
بعد وقت ليس بطويل قرر الذهاب إليها و ليترك الأمور تسير كما هو مُقدر لها أن تسير.
قام بطرق باب غرفتها ففتحت له لتطل عليه بإسدال الصلاة، فتنحنح قائلا بتـ.ـو.تر:
ـــ يلا عشان نتعشا؟!
أومأت له بإيجاب، فاسترسل قائلا:
ـــ الشغالة جهزت الأكل على السفرة و مشيت.. تعالي ناكل قبل ما الأكل يبرد.
ــ ماشي يلا.
ناظرها بدهشة قائلا:
ـــ هتاكلي بإسدال الصلاة؟!
ردت بابتسامة صفراء لم تتخطى شفتيها:
ـــ عندك مشكلة؟!
ـــ لا أبداً براحتك.
سبقها إلى طاولة الطعام و سارت خلفه، فأجلسها إلى الطاولة و جلس قبالتها و شرعا في تناول الطعام في صمت تام، صمت بليغ جعلها تتأكد من أنه بالفعل لا يحبها و لا تَتوق و لو للحظة للقائها كما زعم أبوها.
أنهت طعامها سريعا، فقام بدوره بإنهاء طعامه ثم نهضت لتلملم الأطباق و تذهب بها إلى المطبخ حيث أشار لها.
عادت من المطبخ و توجهت مباشرة إلى غرفتها، فتفاجئت به يجلس على حافة الفراش ينتظرها و تبدو على ملامحه علامـ.ـا.ت التـ.ـو.تر ، فقد كان شعره الطويل أشعث من كثرة تخليل أصابعه بخصلاته كناية عن تـ.ـو.تره، و عينيه تدوران في أنحاء الغرفة سواها، كما أنه كان جالسا و ظهره مائلا للأمام مستندا بذراعيه إلى ركبتيه و هو يتنفس بوتيرة سريعة.
حين دخلت بقي على وضعه فقط رفع عينيه لينظر اليها نظرة خاوية من أي مشاعر، نظرة فهمتها جيدا، ثم حاد بناظريه بعيدا عنها.
ـــ أدهم…انت مكبر الحكاية كدا ليه… خلاص مهمتك خلصت و تقدر دلوقتي تروح تنام في قوضتك.
عقد ما بين حاجبيه باستغراب، ثم نهض ليقف أمامها بقامته الطويلة بالنسبة لقامتها القصيرة متسائلا بدهشة:
ـــ قصدك ايه بالظبط.
ردت بنبرة مو.جـ.ـعة حاولت جعلها عادية:
ـــ أقصد إن خلاص التمثيلية خلصت… واضح انك وافقت على الجوازة دي و انت مضطر… زيي بالظبط..
راح ينظر إليها بعدm تصديق، لقد أتى الفرج من حيث لا يتوقع، لا تدري أنها بكلمـ.ـا.تها تلك أزاحت عن كاهله حملا ثقيلا، و جعلت مهمته معها أكثر سهولة.
ـــ ندى إنتي بنوتة جميلة و أي شاب يتمناكي.. كل الحكاية ان مكانش في وقت نتعرف على بعض و نقرب لبعض عشان الجوازة دي تتم زي أي جوازة.
ـــ مفيش داعي تقول أي مبررات يا أدهم… أنا فاهمة كل حاجة كويس أوي… و أنا مش زعلانة منك.. بالعكس أنا ممتنة ليك إنك نفذت رغبة بابا واتعهدت بحمايتي و خليته مطمن عليا…. هنضطر نستحمل بعض فترة كدا لحد ما الأمور تهدى و بابا يطمن عليا و بعد كدا كل واحد يشوف طريقه.
أغمض عينيه بـ.ـارتياح كبير، الأمر الذي جعلها تحدث نفسها قائلة:” يا يا أدهم.. للدرجادي أنا كنت هم تقيل على قلبك”.
اغــــرورقت عيناها بالعبرات و لكنها أخفضتهما سريعا للأسفل و هي تقول:
ـــ ممكن تخرج عشان تعبانة و عايزة أنام.
أومأ بإيجاب ثم مر من جانبها و هو يقول:
ـــ قوضتي قصاد قوضتك في الجهة التانية لو احتاجتي حاجة تعاليلي في أي وقت.. يا ريت متتكسفيش مني… تصبحي على خير.
أومأت برأسها دون أن تنطق أو حتى ترفع عينيها إليه، فقد اختنق صوتها بالبكاء، و في الأخير أطلقت لدmـ.ـو.عها العنان حين سمعت صوت الباب ينغلق.
بينما أدهم تمدد بفراشه بأريحية بعدmا أحس بأنه أصبح حرا و كأنها كانت تقيده من رقبته، و أخذ يفكر بدارين و كيف هي الآن و كيف ستكون خطته التالية تجاهها…
فكر أيضا في موقف والدته إن علمت بما حدث الليلة بعد عودتها من منزل روان شقيقته، حتما لن تمررها له مرور الكرام، ربما تتأزم حالتها الصحية أيضا، فهو يعلم جيدا مكانة ندى لديها و أنها لن تقبل بتاتا البتة بذلك الوضع… لذلك أقر أن يتفق مع ندى على إخفاء ذلك الأمر عن أمه لحين إشعار آخر.
نام كل منهما في غرفته، و حين أذن الفجر، نهضت ندى لتؤدي صلاتها، و بعدmا انتهت أحست أن حلقها قد جف، فخرجت من غرفتها و هي مرتدية إسدال الصلاة و لكن شعرها مكشوف و طرحتها متدلية على كتفيها.
سارت باتجاه المطبخ ثم دخلته و قامت بملئ كوب ماء من المبرد و شربته و حين همت بإعادته لمكانه تفاجئت بأدهم يدخل من باب المطبخ بملامح ناعسة و شعر أشعث و وجهه مُحمر من أثر النوم، فوضعت الكوب سريعا على المنضدة ثم قامت بلف طرحتها لتغطي شعرها بالكامل باضطراب، الأمر الذي أثار دهشة أدهم للغاية، و راح يحدثها بنبرة متحشرجة و هو مقطوب الجبين:
ـــ انتي بتغطي شعرك مني ليه؟!.. دا أنا جوزك برضو.
ابتسمت بسخرية ثم ربعت يديها أمام صدرها و هي تقول:
ـــ بعد الكلام اللي قولناه امبـ.ـارح مبقتش جوزي ولا أنا مراتك.
رفع حاجبيه متسائلا:
ـــ بمعنى؟!
تنهدت بألــم حاولت إخفائه ثم قالت بجدية:
ـــ عقد الجواز كان هيكون صحيح لو مفيش فيه الشرط اللي اتفقنا عليه امبـ.ـارح.
ـــ شرط ايه مش فاهم.
ـــ احنا اتفقنا اننا هنستحمل بعض فترة معينة و بعدين ننفصل و دا معناه إن العقد مؤقت و الشرط دا أبطل عقد الزواج… و أنا دلوقتي مش مراتك و ميحقش ليك أي حقوق من حقوق الزوجة على زوجها.
أخذ يحاول استيعاب ما تقوله بتمعن ثم ما لبث أن سألها بتعجب:
ـــ انتي متأكدة من الكلام دا؟!.. انتي أصلا جايبة المعلومـ.ـا.ت دي منين؟!
أجابته بثقة:
ـــ أنا عندي مكتبة معظمها من كتب الشريعة و الفقه و دايما بقرأ فيها و عندي حصيلة معلومـ.ـا.ت كبيرة و أي حاجةبتقف قصادي برجع للكتب دي.
ناظرها بإعجاب واضح جعله يشعر كم هي رائعة بالنسبة لمثيلاتها من الفتيات، ثم تنحنح متسائلا بترقب:
ـــ ماشي بس العقد اتكتب بموافقتك و بعلمك… أنا متجوزتكيش من وراكي..و في شهود و إشهار و كل الشروط مظبوطة.
ـــ أدهم افهم… انا قولت العقد صحيح لو مكناش وقفناه على شرط..
أومأ متفهما، ثم ربع يديه أمام صدره و هو يقول متنهدا بعمق:
ـــ لحد امتى يا ندى؟!…واضح ان الوضع دا هيستمر كتير و مش هنقدر نخبي على الناس اللي حوالينا فترة طويلة…مش عارف أصلا ماما هتتقبل الوضع دا ازاي؟!
تشـ.ـدقت ملامحها بقهر هاتفة به بحدة:
ـــ و الله بقى دي مشكلتك انت… و انت المسؤل تحلها.. أنا بالنسبالي اضطريت أقبل بالأمر الواقع و كنت هكمل في الجواز منك عادي على أساس إنك متجوزني بإرادتك…بس كويس إن الحال من بعضه.
رد عليها بحدة:
ـــ انتي تقصدي ايه بالظبط؟!… انتي تطولي أصلا تتجوزي واحد زيي؟!
ـــ الحمد لله مبطولش…
قالت كلمتها بسخرية ثم مرت من جانبه لتتركه منصدmا من ردها و هي تتمتم بغـــضــــب (واحد مغــــرور)… ثم ما لبث أن ضحك رغما عنه حين فهم كلمتها و مقصدها من فارق الطول بينهما، فتوقفت عند باب المطبخ و عادت تنظر اليه و هو موليها ظهره و كأنها تذكرت شيئا لتوها لتقول:
ـــ و آه على فكرة….لو كنت اعرف ان دي نيتك في الجواز مني مكنتش سمحتلك تلمسني ولا تمسك ايدي و لا ترقص معايا.. ربنا يسامحنا و يغفرلنا بقى.
أنهت كلمـ.ـا.تها ثم تقدmت من الباب لتغادر و لكنها عادت مرة ثالثة لتقول بنبرة جـ.ـا.مدة:
ـــ متنساش تصلي الفجر… كلها دقايق و وقت الشروق هيدخل و هيفوتك الفجر.
التفت إليها لينظر لها بحدة قائلا:
ـــ والله مش محتاججك تفكريني… انتي فاكرة محدش بيصلي الفجر حاضر غيرك ولا إيه؟
ابتسمت بانتصار أن استطاعت استفزازه لعلها تثأر و لو قليلا لكرامتها، ثم تركته يهمهم بضيق و اتجهت لغرفتها و أغلقتها عليها جيدا و قررت أن تنعم بنوم هانئ و تنسى ما لاقت من أحداث مؤسفة تلك الليلة.
في صباح يوم جديد في إحدى قرى محافظة سوهاج….
ترجل من سيارته حديثة الطراز بطوله الفاره و جسده الرياضي عريض المنكبين و لون بشرته البرونزية من أثر حرارة الشمس الحارقة و لحيته المهذبة النامية، و عينيه العسليتين الثاقبتين مرتديا بنطال جينز أسود و قميص سماوي كاچوال يعلوه بليزر كاچوال أسود من الشمواه و نظارة شمس قيمة، ثم ترك السيارة للخفير النحيل ليقوم بتنظيفها، و اتجه إلى مضيفة المنزل حيث تجلس أمه، تلك السيدة المسنة التي تتشح بالسواد منذ وفاة زوجها ذات ملامح مصرية أصيلة يشبهها ولدها البكري معتصم كثيرا، لذلك هو حسن الخلقة جميل الملامح مثلها تماما.
انحنى معتصم ليلثم يدها باحترام، فقامت بدورها بمبقابلته ببسمة واسعة و هي تقول:
ـــ حمد الله على سلامتك يا ولدي.
ـــ الله يسلمك يا حاچة… كيفك و كيف صحتك اكده.
ـــ بخير طول مانت بخير يا وليدي….عملت ايه مع الناس اللي كنت رايحلهم في مَصِر.
جلس بجوارها ثم قال بجدية:
ـــ كل خير يا أمايا… الحمد لله مضينا عجد(عقد) الشراكة و المصنع بجى مصنعين و عينت هشام چوز أختي رئيس مچلس الإدارة و حَمَد أخوي امعاه طبعا، أهو يتعلم منيه الشغل… انتي خابراه هشام واعر اف شغل الإداريات و قمان مش هلاجي حد أحسن منيه يدير الشركة و أني اهنيه في البلد.
مسدت على كتفه بحنو و هي تقول بنبرة عاتبة:
ـــ جولتلك يا ولدي خليك اهناك ف مصر حدا شركاتك و مصانعك و احمل هم مالك و أني اهنيه مرتاحة و عايشة في خير أبوك الله يرحمه… مش طالبة حاچة من الدنيا واصل غير اني أسمع عنك انت و خواتك خير.. بدل البهدلة كل شوية بين اهنيه و اهناك.. المسافة طويلة و أني بجلج عليك طول ما انت سايج و مسافر.
انحنى ليقبل رأسها ثم قال بنبرة حانية:
ـــ مجدرش أسيبك يا أماي…ميعديش يومي من غير مااصطبح بالجمر اللي جاعد جدامي ده… إلا بجى لو ناوية تيچي تعيشي معايا اهناك.
ردت بسرعة و بنفي قاطع:
ـــ لاه… البلد و الدار دياتي روحي فيهم… مش راح أفارجهم واصل لحد ما اندفن في تربتي.
قبض على كفيها و هو يقول:
ـــ بَعيد الشر عنيكي يا جمري…دا انتي نوارة البلد كلاتها..
غيرت مجرى الحديث و هي تقول بضيق نوعا ما:
ــ روح… روح غير خلجاتك على ما البت نعمة تچهزلك الفطور… أني هستناك نفطروا سوا.
ـــ حاضر يا أمايا… ربع ساعة بالكَتير و أدّلي أفطر امعاكي.
غادر معتصم مجلس والدته متجها إلى غرفته و هو نادmا على ما تفوه به من حديث تكرهه والدته دائما و أبداً، ليأخذ حماما بـ.ـاردا ثم يبدل ملابسه إلى الجلباب الصعيدي المعروف، ثم يعود لأمه مرة أخرى بهيئته الصعيدية التي دائما تفضلها و تحب أن تراه بها.
ما كاد معتصم يدس قطعة الفطير المشلتت في طبق العسل حتى أتاه صوت أحدهم يكتسح المضيفة و من خلفه خفيره النحيل سمعان يصيح به و يحذره من الدخول بدون استئذان، بينما الآخر لم يبالي له، فقد كان في أقصى درجات غـــضــــبه، و حين أصبح ماثلا أمام كبير البلدة “معتصم البدري” أخذ يلوح بيده بانفعال بالغ:
ـــ بجى اكده يا كبيرنا… حتت بت مصراوية متسواشي في سوج الحريم بصلة تجولي أني يا چاهل يا متـ.ـخـ.ـلف؟!…و الله يا كبير لولا إنها حرمة لكنت جتلتها و رمـ.ـيـ.ـتها لكلاب السكك ينهشو بلحمها.
وقف معتصم أمامه و الغـــضــــب قد تجلى بملامحه الحادة و هتف بالماثل أمامه بترقب:
ـــ إوعاك اتكون بتتحدت عن ضاكتورة الوحدة اللي لسة چاية من مصر مبجلهاش يامين؟!
ـــ هي بعينها يا مِعتِصم بيه.
أخذ يصتك فكيه من الغـ.ـيظ و هو يتمتم بغـــضــــب جامح:
ـــ واه يا بت الفرطوس… بجى حتت مفعوصة زييكي تخلي كل يوم رچالة بشنبات يچروا يشتكو منيكي!!… أومال لو جعدتي شهر قمان عاد هتعملي فينا ايه أكتر من اكده؟!
هتف بصوت رج أنحاء المنزل…
ـــ سمعااااان… تروح للبت دي الوحدة و تچيبهالي دلوق… مفهوووم.
أخذ يرتجف و هو يقول باهتزاز:
ـــ ما… مفهوم يا كبير.
كانت الحاجة أم معتصم تتابع ما يحدث باستنكار شـ.ـديد، و طلبت من ولدها أن يقوم بردع تلك الفتاة الطائشة و التي تخطت حدودها مع رجـ.ـال القرية، فعاد لمجلسه مرة أخرى و هو يتوعد لها.
↚
كانت تفحص طفلة صغيرة مسجية أمامها على فراش الكشف حين انفتح الباب فجأة مصدرا صريرا مزعجا ليدخل لها رجل نحيل بعمامة و على كتفه بندقية تبدو أطول منه، ألا و هو “سمعان”، الذي قام بركل الباب بقدmه ظنا منه أنه بذلك سيُرعـ.ـبها و تأتي معه كالكتكوت المبتل، و لكن على من!…
إنها” ريم برهام الكيلاني”… تلك الطبيبة العنيدة قوية الشخصية، ذات الرأس الحديدية، و الصوت العالي، فالكل يخشاها وهي لا تخشي أحدا سوى الله.
التفتت له و هي تناظره بعينين جاحظتين من خلف نظارتها الطبية من فرط الانزعاج ثم نزعت سماعتها الطبية من أذنيها و هتفت به بصوت جهوري:
ـــ انت يا بني ادm انت ازاي تدخل كدا زي الطور بدون استئذان… افرض بكشف على واحدة ست يا متـ.ـخـ.ـلف.
لقد اتسعت عينيه بدهشة من تلك الفتاة الجريئة سليطة اللسان و التي استطاعت أن تُخرسه، ولكنه ابتلع إهانتها بشق الأنفس ثم هتف بها بغلظة:
ـــ اتحشمي يا مرة.. معتصم بيه امشيعني ليكي… تعالي جدامي على المضيفة يلا.
اصتكت فكيها بغـ.ـيظ و هي تقول:
ـــ ايه قلة الذوق دي!… انت فاكرني شغالة عندك!!.. و قول للبيه بتاعك اللي عايزني يجيلي… أنا مبروحش لحد.
ـــ واه واه واه… لهو انتي عايزاني اجول للكبير الحديت الواعر ده!!.. فزي جدامي يا بت الناس انتي مش جد الكبير.. اتجي شره احسنلك.
ـــ لا.. انا قده و قد عشرة زيه… و وريني عرض كتافك… عايزة أشوف شغلي.
كانت جالسة بالصيدلية تعد بعض أصناف الدواء حين أتاها صوت صديقتها المنفعل كعادتها، خرجت من الصيدلية سريعا لترى مع من تتشاجر تلك المرة، و حين وجدت سمعان يقف قبالتها بدأ القلق يتسلل إليها و اندفعت تجاهها بعدmا سمعت الحديث الدائر بينهما لتقول مارتينا الطبيبة الصيدلانية:
ـــ ريم…روحي يا ريم معاه شوفي معتصم بيه عايزك ليه… بلاش تزعليه.
قطبت ما بين حاجبيها باستغراب لتقول:
ـــ في ايه يا مارتينا؟!.. و مين معتصم دا أساسا.. و مهما يكن هو مين ماليش دخل بيه.
اقتربت منها أكثر لتهمس لها:
ـــ يا بـ.ـنتي دا كبير البلد و هو الآمر الناهي فيها.. و كل حاجة بتمشي بكلمة منه.
أشاحت بوجهها للجهة الأخرة و هي تربع يديها أمام صدرها و تقول بعناد:
ـــ كبير على نفسه مش عليا… امشي يافندي من هنا عايزة أكشف على البـ.ـنت التعبانة دي.
نظر لها سمعان بغل و هو يقول بوعيد:
ـــ بجى اكده؟!… طاب استلجي وعدك بجى يا ست الضاكتورة.
و استدار مغادرا بعدmا يأس من تليين رأسها اليابس بأسلوب الترهيب خاصته.
بينما هي ناظرته باستهزاء و عادت لتكمل ما كانت تفعله، بينما مارتينا واقفة بمكانها تدعو الله أن يمرر معتصم بيه ذلك الأمر بسلام على صديقتها.
عاد سمعان الخفير إلى الكبير رقبته متدلية إلى صدره و هو يتمتم بكلمـ.ـا.ت ساخطة و يسب تلك الفتاة التي لا يهمها أحد ولا يقدر عليها رجل.
حين رآه معتصم يدلف إليه بدونها انتفخت أوداجه من الغـــضــــب و انتفض من مجلسه منفعلا إلى أن وصله الخفير مهرولا و هو ينظر إلى الأرض غير قادرا على رفع عينيه في عيني كبيره، فهتف به بصوت جهوري:
ـــ هي فين يا عادm ناسك؟!
ارتجف جسده بخــــوف و هو يقول بنبرة مهتزة:
ـــ ممم…مرضياشي تاچي معايا يا كبير… لسانها كيف المبرد عايز جطعه.
ـــ واه… كانك مجادرشي (مش قادر) عليها اياك… عيب على شنبك يا شيخ الغفرة… غوور من جدامي لاجتلك.
هرول سمعان من أمامه و هو يتعثر بجلبابه من فرط الرهبة، بينما معتصم زادت وتيرة تنفسه للغاية، فكيف لثمة فتاة أن تعصي أمر الكبير، و كيف واتتها الجرأة لتفعل ذلك… فأعتى الرجـ.ـال بأعلى المناصب لم يستطيعوا أن يفعلوها يوما.
هم ليتجه نحو باب المضيفة ليخرج منها حين هتفت أمه بقلق:
ـــ رايح فين يا ولدي؟!
توقف عن السير ليقول:
ـــ رايح أعمل اللي أهلها معرفوشي يعملوه.
ـــ هملها لحالها يا ولدي…متجلش جيمتك مع بت جليلة الرباية زييها… بـ.ـنتة بحري واعرين و معيكبروشي لحد واصل.
ـــ لازمن تعرف مجامها ياما…و ياني يا هي في البلد دي.
ثم انصرف مغادرا و هي تقول:
ـــ چيب العواجب سليمة يا رب.
خرج من المنزل بأكمله و سار ناحية الوحدة سيرا على الأقدام يدب الأرض بقدmية بغـــضــــب جامح، حيث كانت الوحدة قريبة من منزله.
حين اقترب من المبنى أتاه اتصال هاتفي، فتوقف ليرد على الهاتف بعدmا قام بضبط انفعالاته، فقد كانت مكالمة هامة للغاية:
ـــ ألو.. معالي الباشا ازيك يافنـ.ـد.م.
…….
ـــ طبعاً يا باشا هحضر الاجتماع…. دا اجتماع مهم جدا لا يمكن يفوتني..
…….
ـــ حاضر يا معالي الباشا أوامر سيادتك يافنـ.ـد.م.
……
ـــ بس حضرتك لازم تحضر معانا العشا… وجودك هيشرفني يا معالي الباشا.
…….
ـــ تمام يافنـ.ـد.م في رعاية الله مع السلامة.
أغلق الهاتف ثم خلع عنه معطف رجل الأعمال المتحضر و عاد لجلبابه و أصله الصعيدي مرة أخرى متذكرا تلك الدخيلة التي ينوي تكسير رأسها الصلد.
حين رآه الناس و منهم مارتينا وقفوا احتراما له ثم ذهب إلى غرفة الكشف حيث تقبع ريم.
أراد أن يركل الباب بقدmه و يقتحم عليها الغرفة و لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة و قام بطرق الباب بقوة من فرط انفعاله.
فقامت بدورها لترى من هذا الأهوج الذي يطرق الباب بهذه الطريقة، ففتحت الباب بسرعة و هبت بالماثل أمامها يصد عنها الهواء بانفعال بالغ و بصوتها الجهوري المعتاد:
ـــ في ايه يا بني ادm انت!!…ايه قلة الذوق دي… بسمع على فكرة و الله.. حد قالك اني واقعة على وداني!!..
أخذ يناظرها بعينين تشتعلان شررا يعاينها من رأسها حتى أخمص قدmيها، كانت ترتدي بنطال چينز ضيق و كوتشي أبيض رياضي، كنزة بيضاء طويلة نوعا ما تصل لمنتصف فخذيها و حجاب أسود صغير بالكاد يغطي رقبتها، ترتدي نظارة طبية رقيقة جعلتها أكثر جمالا، تخفي بها عينيها العسليتين المحددة بالكحل الأسود، و تحدد شفتيها بطلاء الشفاه الوردي، و حمرة بسيطة في وجنتيها ذات البشرة البيضاء، فرغم صوتها العالي إلا أنها تبدو من الخارج رقيقة و جذابة تدعوك للتأمل بملامحها الجميلة طويلا.
بينما هي ازدردت لعابها بتـ.ـو.تر نوعا ما و خالجها شعور بالرهبة حين تبين لها أناقة ملبسه عن بقية أهل القرية، فقد داعبت أنفها رائحة عطره الذكية ذات الماركة العالمية و التي تعرفها جيدا و لفت نظرها تسريحة شعره العصرية، هو كله عبـ.ـارة عن كتلة جاذبية مختلفة تماما عمن رأتهم حين وطأت قدmاها أرض تلك البلدة.
ـــ انتي بجى الضاكتورة اللي اتچرأت و عصت أمري!!..
في الحال علمت أنه المدعو معتصم بيه، فحاولت أن تتحلى بالشجاعة و ردت بنبرة أقل حدة:
ـــ و انت بقى سي معتصم بيه!!.
صاح بها بغلظة و ثبات:
ـــ انچري ادخلي چوا عشان فيه حساب بيناتنا هنصفيه… جولت ادخلي.
انتفض جسدها بخــــوف ثم سرعان ما استعادت شجاعتها لتقول:
ـــ انا مسمحلكش… أنا مش الخدامة بتاعت سيادتك.
أدرك جيدا أنها من ذوات الرأس الحديدية، و أن أسلوب الترهيب لن يفيد، فقام بدوره بالتقدm منها كثيرا حتى كاد أن يلتصق بها و هو يناظرها بتحدي، فبدون وعي منها عادت للخلف عدة خطوات باضطراب، فابتسم بانتصار ثم دخل الغرفة و قام بمواربة الباب.
ـــ اجعدي
قالها بأمر فانصاعت لأمره تلك المرة حتى تنهي هذه المقابلة السخيفة من وجهة نظرها.
جلس قبالتها بالمقعد الخاص بالمرضى ثم قال بنبرة عادية نوعا ما:
ـــ اسمعي يا بت الناس… انتي اهنيه مش في بحري… انتي اهنيه في الصَعيد… و الصَعيدي دmه حامي معيجبلش الإهانة واصل بالذات لما تكون من حُرمة…أني كنت چاي و ناويلك على نية سودة… بس المرادي خليها اكده تحذير.. إنما المرة الچاية معجولش راح اعمل ايه فيكي.. عتشوفي بعنيكي الحلوين دول.
تـ.ـو.ترت أوداجها و بدأ الخــــوف يتسلل إلى جوارحها، فقد لمست في حديثه الجدية، فقالت بنبرة ضعيفة حتى لا تثير غـــضــــبه:
ـــ انت بتهددني!!.. هو دا كرم الضيافة بتاعكم؟!
ـــ ده مش تهديد… جولتلك ده تحذير.. و ان كان على كرم الضيافة عايزك تسألي زَميلتك الضاكتورة مارتينا احنا وچبنا معاها كيف و مع الضاكتور حسين اللي كان ماسك مكانك جبل ما تشرفي… بس الصراحة ناس تستاهل الكرم… مش زي ناس طالجة لسانتها على رچالة البلد.
قال عبـ.ـارته بنبرة ذات مغذى، و بالطبع فهمت مغذاه، فأخذت تتحدث معه بهدوء و احترام:
ـــ حضرتك قبل ما تحكم عليا يا ريت تسمع من طرفين مش من طرف واحد.
ـــ جولي اللي عنديكي يا ضاكتورة.
ـــ أولا أنا أكتر حاجة بكرهها و بتعصبني جدا هي الإهمال و قلة الذوق.. و الأخ الأولاني جايبلي ابنه متبهدل من التسلخات و بيقولي بقاله أكتر من أسبوع بالمنظر دا و لسة فاكر ييجي يكشف عليه النهاردة، فبسأله بقوله طاب كنت بتستخدm ايه عشان تعالج بيها التسلخات قالي زيت الطبيخ… اديني عقلك انت.. غـ.ـصـ.ـب عني انفعلت و محستش بنفسي غير و انا بقوله يا جاهل يا متـ.ـخـ.ـلف.
ابتسم معتصم حين رأى منها الجانب الهادئ و أدرك حينها أن رجـ.ـال البلدة هم من يجعلونها تُخرج أسوأ ما فيها، و لكنه أخفى بسمته سريعا قبل أن تراه و حافظ على جديته و ثباته و هتف بها بغلظة:
ـــ مهما ان كان غلطان ميصحش واصل انك تصرخي فيه اكديه و توبخيه كيف اللصغار.
عدلت من وضعية نظارتها الطبية ثم قالت بنـ.ـد.م:
ـــ قولت لحضرتك أنا بتعصب بسرعة غـ.ـصـ.ـب عني.. و اللي بشوفه بصراحه من ساعة ما جيت خلاني أتعصب كتير… و بعدين برضو الغفير بتاعك جاي يقتحم عليا القوضة و أنا بكشف على بنوتة صغيرة بدون ما يستأذن… هل دا يصح يافنـ.ـد.م؟!
كور قبضة يده بغـــضــــب من فعلة خفيره الغـ.ـبـ.ـي و توعد له و لكنه رسم الثبات على وجهه قائلا:
ـــ لاه ميصحش يا ضاكتورة… في دي عنديكي حج.. بس برضو احب أفكرك يا ريت مسمعش عنيكي شكوى تاني من رِدالة البلد… انتي مهما كان حرمة.. و ميصحش الحرمة تعلي صوتها على الرِدالة.
ابتلعت غـ.ـيظها من تصريحه ثم قالت باقتضاب:
ــــ ربنا يسهل… أي أوامر تانية؟!
نهض من مقعده و هو يقول بثقة:
ـــ لحد دلوق لاه…بس اعملي حسابك لو أنا خطيت الوحدة دي تاني يبقى معيحصولش خير واصل و اتجي شري أحسنلك… عشان انتي مش جد شر الكبير و أتمنى إنك ما تدوجيش منيه… سلام يا ست الضاكتورة.
لم ينتظر ليسمع ردها و انما استدار مغادرا بعدmا استطاع اثارة حنقها البالغ و بقيت هي لتتوعد له مثلما توعد لها تماما.
عند باب الوحدة لحقت به مارتينا و هي تقول:
ـــ معتصم بيه لحظة.
وقف لينظر لها باستفهام، فأردفت بتـ.ـو.تر:
ـــ متزعلش من ريم.. دي والله طيبة جدا و خدومة و جدعة… هي بس اللي بيعصبها اهمال الأهالي مع أطفالهم.. بس عايزة اقولك انها أشطر دكتور دخل الوحدة دي.
أومأ متفهما ثم قال:
ـــ فهميها يا دكتورة مارتينا ان الناس هنا طباعهم مختلفة عن القاهرة و لازم تتعايش مع الوضع دا يا إما تريحنا و تريح نفسها و تمشي من هنا خالص.
ابتسمت باعجاب حين تحدث معها بلهجته القاهروية، فقد كانت نبرته رقيقة للغاية و لكنها تجاوزت ذلك مردفة:
ـــ خسارة يا معتصم بيه…. قولت لحضرتك ريم شاطرة جدا و هتنفع الناس هنا و مع الوقت هما اللي مش هيستغنوا عنها.
تنهد بعمق ثم قال:
ـــ و هتفيد بايه شطارتها مع لسانها الطويل دا… على العموم لو لقيت منها حسن النية هشيلها من ع الارض شيل… انما لو اتمادت في قلة أدبها دي.. يبقى تستاهل اللي هعمله فيها.
أسرعت لتقول بتأكيد:
ـــ لا لا يا معتصم بيه… ان شاء الله مش هتشوف منها غير كل خير.
أومأ بإيجاب ثم استأذن بالمغادرة، بينما مارتينا عادت لصديقتها و هي هائمة برقته و وسامته حين رأت منه الجانب المتحضر لأول مرة، أخذت تحدث نفسها قائلة:
ـــ يابن الايه… لو مكنتش مسيحية كنت حبيتك..
ثم أخذت تضحك على نفسها إلى أن وصلت إلى مكتب صديقتها و التي كانت تجلس بمقعدها تستشيط غـــضــــبا و وجهها محمر من فرط الانزعاج و العصبية.
ـــ يا لهوي يا ريم… چنتل مان مووووت.
قالتها و هي تبتسم بهيام مترقبة ردة فعل صديقتها التي استقبلت عبـ.ـارتها باستنكار تام متمتمة:
ـــ نعم!!.. دا چنتل مان؟!..
ـــ طبعاً يابـ.ـنتي.. أصلك مسمعتهوش و هو بيتكلم معايا قبل ما يمشي.
تأففت بملل و هي تقول:
ـــ و النبي قفلي ع السيرة دي بقى…. أنا يظهر كدا مستنياني أيام فل ف أم البلد دي.
ضحكت مارتينا بصخب، فناظرتها ريم بغـ.ـيظ و هي تقول:
ــــ اضحكي ياختي اضحكي… مانتي متعودة على كدا..
ـــ أومال يابـ.ـنتي… ما أنا صعيدية برضو بس من مدينة سوهاج نفسها… بس يعني مش حاسة بالغربة زيك و لا شايفة ان الناس غريبة زي مانتي شيفاهم.
تنهدت بقلق و هي تقول:
ـــ ربنا يعدي الأيام اللي جاية على خير.
حين عاد الى أمه راحت تسأله بقلق مردفة:
ـــ خير يا ولدي؟!..عملت معاها ايه؟
جلس بجوارها متنهدا بعمق ثم قال بهدوء:
ـــ كل خير يا امايا…البـ.ـنتة لاجيتها كيوتة كدا..
قاطعته بقولها مستنكرة:
ـــ باه… كيوتة كيف يا ولدي؟!
حمحم بحرج مستعيدا غلظته مرة أخرى ليقول:
ـــ قصدي بت نايتي اكده… ماعتحملشي اللي كنت ناويلها عليه… بس عطيتها جرصة ودن اكده لعند مانشوفو آخرتها ايه معاها…
أومأت برأسها و هي تقول:
ـــ أني خابراهم زين بـ.ـنتة بحري.. بيتلونو كيف الحرباية.
ـــ بزياداكي يامايا حديت في الموضوع ده.. معايزش اعطيها جيمة اكبر من حچمها.
ربتت على كتفه بحنو و هي تقول:
ـــ طاب كمل فطورك يا ولدي.. ملحجتش تكمل واكلك.
نهض من كرسيه متمتما بضيق:
ـــ مالياش نفس.
ثم غادر عائدا الى غرفته تحت نظرات أمه المتعجبة.
بمجرد أن دلف غرفته خلع عنه جلبابه ثم ألقاه بعنف و كأنه يفرغ به غـــضــــبه من ذاته.
فمنذ أن التقى بها و صورتها لم تفارق عينيه، كانت جذابة حقا… جذابة لدرجة أنه تنازل عن غـــضــــبه و نيته السيئة في عقـ.ـا.بها بمجرد أن تأملها و سمع صوتها…جذبته لدرجة أن ملامحها طُبعت بذاكرته، صوتها مازال يتردد بأذنيه، لما احتلت قدرا كبيرا من تفكيره في غضون دقائق قليلة؟!… إنها ليست المرة الأولى التي يلتقي بها بفتاة قاهرية جميلة… إنه ليس ذلك الرجل الذي ينجذب بسهولة لأي امرأة مهما كانت تمتلك قدرا كبيرا من الجمال.
أخذ يجذب خصلات شعره و هو يجز على أسنانه و يقول:
ـــ اطلعي من دmاغي بقى… كنتي مسخبيالي فين يا بت الناس.
↚
عودة من جديد الى القاهرة
في شقة أدهم….
تململت بفراشها حين تسلل الى أذنيها صوت أذان الظهر، ففتحت عينيها ببطئ و هي تحاول تذكر أين و متى هي الآن، فقد انتابتها حالة من فقدان الذاكرة استمر معها لثوان معدودة إلى أن تذكرت أخيرا آخر ما حدث بينها و بين أدهم.
نهضت لتجلس بالفراش و هي تردد أذكار الاستيقاظ ثم ما لبثت أن تنهدت بحيرة، فلا تدري بما عليها أن تشعر الآن!.. أتشعر بالسعادة أن أصبح مالك قلبها أمامها و بين يديها؟!.. و لما لا و هي التي لطالما حلمت فقط بالجلوس معه و لو لدقائق..
أم تشعر بخيبة الأمل و الخذلان؟!..فحبيبها لا يهتم لشأنها و لا يشعر بها من الأساس.. تزوجها فقط كتأدية واجب لا أكثر.
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم ثم تركت الفراش و اتجهت للمرحاض لتتوضأ لصلاة الظهر.
انتهت من الصلاة ثم شرعت في ترتيب الغرفة و قامت بوضع ملابسها في الخزانة، و حين فتحت احدى درفها تفاجأت بملابس له بداخلها، فابتسمت بتهكم مرير ثم تركت درفته الخاصة بملابسه كما هي و استكملت ترتيب ملابسها، و قد خصصت رفا لتحتفظ به بكتبها الخاصة بالفقه و الشريعة و بعض الكتب الأخرى.
أخيرا انتهت ثم ألقت نظرة رضا الى الغرفة، ثم قررت الخروج إلى المطبخ لتعد الإفطار.
ارتدت اسدالها و توجهت للمطبخ، فوجدت وفاء الخادmة تعد الطعام، فتنحنحت حتى انتبهت لها لتقول وفاء:
ـــ صباحية مبـ.ـاركة يا ندى هانم… الست تيسير هانم بعتتني عشان أحضرلكو الفطار.. ثواني هرصه ع السفرة و أمشي علطول.
أومأت برأسها و هي تبادلها بسمة باهتة ثم استدارت لتخرج إلا أنها اصطدmت بصدر أدهم، فقامت رغما عنها بالاستناد على صدره بكفيها، فقام هو بإحاطة خصرها بيديه لكي لا تسقط، فتـ.ـو.ترت ندى للغاية و حاولت أن تبتعد عنه إلا أن يدي أدهم طوقتها بقوة منعتها من الحركة فنظرت له بغـــضــــب، و لكنه أشار بحاجبيه إلى الخادmة، و لكنها أصرت على الابتعاد عنه، فلمساته تجعلها تشعر و كأنها ترتكب إثما.
قامت بفك يديه المتشبثة بها ثم قالت بنبرة تحذيرية:
ـــ أنا هستناك على السفرة.
أمسك كفها عنوة و هو يقول و يدفعها أمامه بلطف:
ـــ تعالي بس عايزك.
صدرت ضحكة مكتومة من الخادmة فقد فهمت شيئا ما جعل وجنتي ندى تتوردان خجلا، فرمقته ندى بنظرة تحذيرية، فضحك و قال لها بهمس و هو يخرج بها من المطبخ:
ـــ أنا غرضي شريف على فكرة…هي اللي دmاغها شمال.
بمجرد أن ابتعدت عن ناظري الخادmة نفضت يدها من يده و تركته و ذهبت لغرفتها بخطوات غاضبة أشبه بالركض، بينما أدهم لحق بها و دخل خلفها ثم أغلق عليهما الباب.
هبت به بانفعال:
ـــ انت كمان بتقفل علينا الباب؟!
صاح بها بعصبية:
ـــ اهدي شوية بقى… كلها خمس دقايق و تمشي.
أخذ صدرها يعلو و يهبط بانفعال بالغ، فاسترسل بنفس نبرته المتعصبة:
ـــ و بعدين انتي هتفضلي لابسة الاسدال دا كدا علطول؟!…لو حد لاحظ على فكرة هنبقى مكشوفين اوي.
ردت بانزعاج:
ـــ أنا مش هقعد معاك في بيت واحد بلبس مكشوف و لا هقعد من غير طرحة…مكشوفين بقى مش مكشوفين دي مشكلتك انت مش مشكلتي.
سار نحوها حتى أصبح بمواجهتها و هتف بحدة:
ـــ انتي بتعانديني يعني ولا انتي ايه بالظبط.
ـــ مش بعاندك….أنا بعمل اللي يبرأني قدام ربنا.. كون انك مش حاسس إن دا غلط فانت حر… انما أنا لأ يا أدهم بيه.
ـــ انتي كدا هتتعبيني معاكي..
أشاحت بيدها بدون اهتمام و هي تقول:
ـــ اتفضل بقى اخرج من هنا… كفاية كدا.
نظر لها بغـ.ـيظ ثم تركها و خرج من الغرفة صافعا الباب خلفه و كل ما يشغله أنه كيف سيستمر معها على هذه الشاكلة أمام أمه و بقية أفراد أسرته… لابد و أن يجد لها حلا قبل قدوم والدته.
بينما ندى نزعت غطاء رأسها بعصبية و هي تبكي بحسرة على حالها، تحبه و تتمنى قربه، تود لو ترتمي بين أحضانه و لكنها لا تستطيع أن تستمتع بقربه طالما أنه ليس حلالا.
ماذا تفعل و كيف تتصرف!.. كيف ستستمر معه هكذا و إلى متى؟..حتى و إن أنهى زواجه بها كيف ستواجه صدmتها؟.. ليتها لم تُطع أباها.. و لكنها وافقت على أساس أنه طلبها للزواج بكامل إرادته و ليس تحت ضغط، حتما لو تعلم بنيته ما وافقت من الأساس مهما كانت قدر عشقها له.
انتهيا من الإفطار كعادتهما في صمت مطبق، ثم قامت بإعادة الأطباق إلى المطبخ و قامت بتنظيفها، و ما كادت تسير إلى غرفتها حتى استوقفها أدهم هاتفا بها:
ـــ استني يا ندى… احنا لازم نتكلم و نحط حد للموضوع دا.
سارت نحوه بقلب مضطرب، فأكثر ما تخشاه أن يُنهي زواجهما الذي لم يبدأ بعد.
جلسا في احدى أركان الصالة الواسعة حيث يوجد الصالون كأرض محايدة ثم استطرد حديثه قائلا:
ـــ اللي انتي عايزاه هعملهولك…عايزة جوازنا يبقى رسمي أنا موافق… عايزاه مؤقت برضو أنا موافق.
صدmتها كلمـ.ـا.ته، فقد وضعها في موقف لا تحسد عليه، لم تتوقع أن يبدأ حديثه بهذه الطريقة من فرض الخيارات و كأنها في امتحان، بما يتعين عليها أن تجيبه الآن، فإن اختارت أولهما…
عند هذا الحد و ثارت خلاياها العصبية بطريقة مفرطة، جعلتها تتحدث بغـــضــــب مكتوم:
ـــ بالله عليك دا سؤال تسأله ليا… يعني أنا مش عارفه انت بتفكر ازاي..انت بتتكلم كأنك بتقولي اختاري إن جوازنا يبقى مؤقت…ماهو مستحيل هقولك و النبي عشان خاطري خليه رسمي.
كور قبضتيه بعصبية ثم قال و هو يكظم غـ.ـيظه:
ـــ لا بقى انتي اللي صعبة في التعامل… انا مبقتش عارف أتعامل معاكي ازاي.
ـــ ولا عمرك هتعرف.. اللي انت شايفه صح اعمله..
تنهد بحيرة، فحقا هو غير قادر على حسم ذلك الأمر، ينتظر منها هي الحل الأمثل و لكنها أيضا تراوغه.
سكتت مليا ثم قالت بأسى بنبرة طفولية بحتة:
ـــ أنا بتمنى لو ارجع لبابا تاني.. حاسة بغربة فظيعة من غيره.. لو قدرت ترجعني يبقى انت عملت معايا معروف مش هنساهولك أبداً.
نظر لها بإشفاق ثم قال بهدوء:
ـــ صدقيني يا ندى لو ينفع مش هتأخر أبداً…بس حياتك في خطر و انتي أمانة عندي مينفعش أفرط فيها.
اغــــرورقت عيناها بالعبرات ثم أخفضت رأسها و هي تقول بصوت مختنق بالبكاء:
ـــ أمانة أه فعلاً..
ازداد إشفاقه عليها رغم جموده الظاهر ناحيتها، و اقترب منها في المقعد حتى أصبح لا تفصلهما سوى عدة سنتيمترات ثم التقط منديل من علبة المناديل و قام بتمريره على عينيها و هو يقول بحـ.ـز.ن:
ـــ أنا مقدر اللي انتي فيه، عشان كدا عايز أعملك اللي انتي عايزاه و اللي تحبيه.. مش عايز أفرض عليكي وضع انتي مش حباه.
أنزل يده عن عينيها، بينما هي كانت ساكنة تماما مستسلمة على عكس عادتها معه، الشيئ الذي أثار دهشته و لكنه لم يُعقب حتى لا يثير حنقها مرة أخرى، كانت تشعر أنها ضعيفة.. ضعيفة لأقصى درجة.. تود لو كان بإمكانه أن يحتويها بين ذراعيه لعلها تطمئن قليلا.. ربما يهدأ قلبها مليا… لعلها تستعيد شتات نفسها.
بدون وعي منها و كأنها كانت مغيبة قالت بصوت مبحوح:
ـــ ممكن تاخدني في حـ.ـضـ.ـنك؟!
أصابته صدmة كبيرة لثوانٍ و كأن التي أمامه ليست ندى، و كأنها قد أصابها فصام في الشخصية، و لكن صدmته لم تدُم طويلا، فقد كان مُشفقا على حالتها الرثة هذه، ظن أن ذلك نبع من حاجتها لأبيها و افتقادها له، فاقترب منها أكثر و دون أن ينطق قام بجذبها من كتفيها لتستقر على صدره ثم لف ذراعيه حول خصرها و استند بذقنه الى كتفها، بينما هي قامت بلف ذراعيها بضعف حوله، ثم بدأت شهقاتها تعلو شيئا فشيئ حتى اهتز جسدها بالكامل بين ذراعيه من فرط البكاء، فشـ.ـدد من قبضته على خصرها و ضمها إليه أكثر ربما يهدأ بكائها قليلا..
ظلا على هذا الوضع لدقائق.. لا يتكلم.. فقط ترك العنان لها لكي تُفرغ كل ما يحوية صدرها من هموم و أحزان لتلقي بها على صدره الذي تستقر عليه الآن.
ابتعدت ندى و تركت حـ.ـضـ.ـنه و هي تجفف عبراتها و لم تقوى على النظر إليه بل نهضت سريعا إلى غرفتها تاركةً إياه ينظر في أثرها بحالة من التيه و التخبط، فقد استطاعت إثارة شيئا ما بقلبه أحب قربها، و لكنه نفض ذلك عن رأسه مقنعا ذاته أنه فقط مشفقا عليها و على ما يحدث لها.
حين انتبهت لوضعها و هي بين ذراعيه، ابتعدت عنه ثم ركضت إلى غرفتها و هي في حالة من النـ.ـد.م ترثى لها.
أغلقت على نفسها الباب ثم جلست أمام المرآة لتتأمل وجهها الباكي و هي تحدث نفسها بذهول:
ـــ ايه اللي انا عملته دا!!.. إزاي سيبت نفسي للشيطان كدا!..أنا امتى بقيت جريئة و وقحة كدا!…لا أنا مينفعش أعيش معاه لوحدنا…. مينفعش..
قالت كلمتها الأخيرة و هي تبكي نـ.ـد.ما و الشعور بالذنب يكاد يقــ,تــلها.
دلفت لتتوضأ ثم جلست بفراشها تستغفر الله كثيراً، و بعد الكثير من التفكير قررت أن تلفظه من قلبها ثم تغلقه بسلاسل من حديد حتى لا يتكرر مثل هذا الأمر مرة أخرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
أما على الجهة الأخرى..
جلس أدهم بشرفة غرفته المطلة على حديقة صغيرة.. مازال يشغله ما صدر من ندى منذ قليل.. يسأل نفسه ترى ما الذي دفعها لفعل هذا؟!.. هل تحبه؟!.. و لكنه عاد ليسخر من نفسه أن فكر في ذلك.. فمن المستحيل أن تحبه بين ليلة و ضحاها، فهما لم يتقابلا منذ عشر سنوات منذ كانت طفلة، فمتى أحبته إذن.. هو حتى لا يذكر أن تحدث معها و لو مرة حين كانت عائلته مرتبطة بعائلتها، فقد كان منشغلا في دراسته في كلية الشرطة.
و لكن أكثر ما شغل باله هو استجابته الفورية لها و عدm التفكير كثيرا و كأن جسده كان متحفزا للانجذاب إليها، متى أصبح رومانسي هكذا.. فالرومانسية لم تعرف طريقا لشخصيته يوما، فلم يطـ.ـلق عليه محمود لقب “قفل” من فراغ.
ضحك بسخرية من نفسه و هو يهز رأسه يمينا و يسارا ثم استنشق الهواء العليل ببطئ و زفره على مهل ثم حدث نفسه بصوت مسموع:
ـــ أنا شاغل نفسي ليه.. الموضوع مش مستاهل التفكير دا كله..
رن هاتفه برقم أمه فابتسم بسخرية، فحتما تتصل به لكي تطمئن عليهما و بالطبع لن تتوانى عن سرد النصائح و التنبيهات..
ـــ ألو.. و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الحمد لله يا حبيبتي بخير.
ـــ ها يا حبيبي كله تمام؟!
ازدرد لعابه بتـ.ـو.تر مردفا:
ـــ احم.. اه.. اه كله تمام يا أمي.
ـــ و ندى عاملة ايه.. اوعى تكون زعلتها ولا قولتلها كلمة ملهاش لازمة.. أنا عارفاك.
ـــ لا يا ماما متقلقيش.. كله تمام.
ـــ مش هوصيك على ندى يا أدهم.. البـ.ـنت صعبانة عليا أوي.. عشان خاطري يابني راعي مشاعرها شوية.
ـــ حاضر يا ماما ندى في عنيا.
ـــ طاب اديهالي أصبح عليها و أبـ.ـاركلها.
تحرك بؤبؤي عينيه بتـ.ـو.تر ثم أردف بكذب:
ـــ هي في الحمام يا أمي لما تخرج هخليها تكلمك.
ـــ ماشي يا حبيبي.. ابقى سلملي عليها.. هبعتلكو وفاء تطبخ الغدا بعد شوية.
بدون تفكير قال لها بتلقائية:
ـــ لا يا ماما متخليهاش تيجي… هنطلب دليفري و خلاص.
ضحكت و هي تقول:
ـــ عايز الجو يخلالك… امممم… طيب يا عريس و ماله.
تعجب من ظنها، و لكنه في ذات الوقت اندهش من حاله أن طلب منها ذلك ثم قال مغيرا مجرى الحديث:
ـــ روان و حودة عاملين ايه… سلميلي عليهم كتير..
ـــ حاضر يا حبيبي.. سلملي على ندى.. في رعاية الله.
ـــ حاضر يا ماما مع السلامه.
أما عند ندى..
حين فرغت من حفظ وردها اليومي التقطت هاتفها لتحدث أباها، فقد افتقدته كثيرا رغم أنه كان معها عبر الهاتف في مكالمة فيديو أثناء حفل زفافها أمس.
في حين أن أباها كان يحترق قلقا من أن يخيب أدهم أمله فيه، و ينكشف خداعه لها أمامه، كان يخشى أن يحدثها حتى لا يسمع منها كلمة لوم أو عتاب و هو لا ينقصه، فيكيفه نيران بعدها عنه المشتعلة بكيانه كله.
اتصلت به و انتظرت قليلا ليأتيها صوته المتلهف:
ـــ ندى حبيبتي.. عاملة ايه يا قلبي.. حشـ.ـتـ.ـيني و حشـ.ـتـ.ـيني و حشـ.ـتـ.ـيني و اوى.
ابتسمت بحب و هي تقول بتأثر:
ـــ و انت كمان يا بابا وحشتنى اوى اوى.. مش عارفه انا هعيش هنا من غيرك ازاي.
ـــ أنا آسف يا حبيبتي اني بعدتك عني بس و الله دا من كتر خــــوفي عليكي.. بس اللي مطمني انك عايشة مع ناس بتحبك و طنط تيسير بتعتبرك بـ.ـنتها.
اغــــرورقت عيناها بالعبرات ثم أردفت بنبرة شبه باكية:
ـــ بس أدهم مش بيحبني يا بابا زي ما كنت مفهمني.
انخلع قلبه حسرة عليها ثم سألها بترقب:
ـــ هو قالك كدا؟!
ـــ لا أنا فهمت من تصرفاته… بيتعامل معايا كأني واحدة غريبة عنه..
تنهد بأسى ثم قال:
ـــ سامحيني يا ندى… كان لازم أخليكي توافقي على جوازك من أدهم بأي طريقة وعشان ابعدك عن الخطر.
ــــ تقوم تكـ.ـسر قلبي يا بابا؟!
رد بنبرة معـ.ـذ.بة:
ـــ يعني قلبك يتجـ.ـر.ح ولا تروحي مني خالص و أمـ.ـو.ت بحسرتي عليكي.. مش كفاية عليا مـ.ـو.ت أمك؟!
أخذت شهقاتها تعلو شيئا فشيئ، فاستطرد بنبرة حانية:
ـــ أدهم انتي هت عـ.ـر.في تخليه يحبك يا ندى و أنا متأكد من كدا…هو مين بس يابـ.ـنتي اللي يعرفك و ميحبكيش!
ــــ حضرتك بتقول كدا عشان انا بـ.ـنتك بس.
ـــ لا أنا متأكد من كلامي.. انتي ليكي سحر خاص على كل اللي حواليكي…محبة الناس ليكي نابعة من محبة ربنا.. و انتي ما شاء الله عليكي يا بـ.ـنتي بتخافي ربنا و بتتقيه في كل حركاتك و سكناتك.
ـــ حضرتك بتقول كدا عشان تصبرني..
ـــ لا يا حبيبتي بقول كدا بقناعة… و جـ.ـر.ح قلبك مسير الأيام تداويه و أدهم قريب أوي هيحبك بجنون بس انتي خلى أملك في الله كبير و في نفس الوقت احفظي كرامتك.. لأنها هي أغلى حاجة تملكيها.
هزت رأسها بايجاب و هي تقول:
ـــ حاضر يا بابا… حضرتك متعرفش كلامك دا ريحني قد ايه.
ابتسم بـ.ـارتياح و هو يقول:
ـــ احنا صحاب يا ندى.. و أي حاجة تزعلك كلميني علطول و فضفضي معايا.. بكرة لما الدراسة تبدأ و تختلطي بالناس هتت عـ.ـر.في على أصحاب جداد و هتلاقي نفسك معاهم و الحياة هتبقى أحلى يا بـ.ـنتي ان شاء الله.
ابتسمت بأمل و هي تقول:
ـــ إن شاء الله يا بابا.
ـــ وصلي سلامي لأدهم يا حبيبتي.
ـــ الله يسلمك يا حبيبي.. لا إله إلا الله
ـــ محمد رسول الله.
أرخى أنور جسده بفراشه و هو يحدث نفسه بحـ.ـز.ن:
ـــ ليه كدا يا أدهم؟!….دا انت لو لفيت الدنيا كلها مش هتلاقي زوجة زي ندا في تدينها و جمالها و أخلاقها… ربنا يهديك و ينور بصيرتك.
في محافظة سوهاج
كان جالسا بالمضيفة الملحقة بالدوار حيث كان يناقش إحدى العائلات في مسألة تخص الثأر و ما يتبعه من خراب في محاولة جادة منه لكي يجعلهم يتنازلون عن هذه الفكرة المدmرة ليقوم بدوره الهام كونه كبيرا لبلدته و حلال العقد.
ـــ راچع نفسك يا حاچ صالح… لو جتلت ولده اليوم هيجتل ولدك عشية و هنفضلوا في الدوامة دي و مش راح نخلصو منها واصل… و الشباب اللي كيف الورد هو اللي بيدفع التمن.
رد الآخر بغلظة:
ـــ لو ماخدتش بتار أبوي هتچرس في البلد كلاتها يا كبيرنا و انت خابر زين.
ـــ مالكش صالح بالبلد… أني هانا الكبير و البلد كلاتها عارفة إن مفيش كلمة بعد كلمتي… و أنا جولت هننهي التار ده للأبد… فوزي الچيار صبيحة الچمعة جدام البلد كلاتها هيجدmلك كفنه على يده و انت هتجبله و نجفلو على السيرة دي و اكده خلص الكلام.
ــــ بس يا كبيرنا..
قاطعه معتصم باشارة من كفه حين رن هاتفه برقم ما فأخرجه من جيب جلبابه ليسود وجهه بغـــضــــب جامح حين رأى هوية المتصل ثم أعاده مرة أخرى لجيبه ثم تحدث بصوت مجلجل غير قابل للنقاش:
ـــ مبسش يا حاچ صالح أني جولت هننهي التار يعني هننهيه… خدوا واچبكم انتو مش أغراب.. عن إذنكم..
قالها ثم هب واقفا من أمام الحضور ليغادر المضيفة و يتجه مباشرة إلى داخل الدوار قاصدا غرفته بالدور العلوي.
بمجرّد أن دلف غرفته نزع عنه جلبابه بعصبية ثم التقط هاتفه و أعاد الاتصال بالرقم المتصل ثم وضع الهاتف على أذنه و حين أتاه صوت الطرف الآخر قال بغـــضــــب جامح:
ـــ هو أنا مش قولت متتصليش بيا أبدا طول ما أنا في البلد… انا كلامي مبيتسمعش ليه… انتي كدا جبتي آخرك معايا و بنظامك دا استحالة نكمل مع بعض.
ردت بخــــوف:
ــــ أنا اتصلت عشان..
قاطعها بانفعال بالغ:
ـــ مهما كانت الاسباب.. لو بتمـ.ـو.تي حتى متتصليش بيا.. قولتلك مـ.ـيـ.ـت مرة ابعتيلي رسالة ع الواتس و لما اكون لوحدي هكلمك… انما اللي انتي بتعمليه دا مينفعش يا نيرمين.
ردت بصوت باكي:
ـــ خلاص يا معتصم أنا آسفة مش هتتكرر تاني… أنا بس اعتبرت نفسي مراتك بجد و حبيت أطمن عليك.
زفر بضيق فتلك الحركات الغـ.ـبـ.ـية لا تمل من فعلها أبداً ثم قال بجدية:
ـــ نيرمين احنا متفقين من الأول ان جوازنا منفعة متبادلة و مفيش مجال للحب بينا و انتي وافقتي… و كنتي ماشية ع الاتفاق كويس… مش عارف ايه اللي قلب أحوالك كدا و بقيتي تقلقي عليا و شغل الأفلام دا.
قال عبـ.ـارته الأخيرة بحدة و انفعال فأجابت بلهفة:
ــــ عشان حبيتك يا معتصم… اه في الأول كنت معجبة بيك كزوج و كرجل أعمال ناجح و أقنعتك بعرضي…بس معرفش ازاي من غير ما أحس لقيت نفسي مش قادرة استغنى عنك و بقيت بتوحشني لما بتسافر بلدك.. هو دا غلط إني أحبك؟!
ــــ أيوة غلط… غلط يا نيرمين… و بعدين الموضوع دا مينفعش نتكلم فيه في التليفون… لما نتقابل نكمل كلامنا… سلام.
ثم أغلق الهاتف و ألقى به على الفراش و هو يزفر بعنف، فليس هذا ما كان ينقصه…
↚
ـــ و بعدين يا داري… هتفضلي قافلة على نفسك كدا كتير؟!…. ايه؟!..هو اللي خلق أدهم مخلقش غيره..
نظرت لأمها بعينين دامعتين و لم تعقب، ثم تحشرج صوتها و هي تقول بألــم:
ـــ مامي انتي مت عـ.ـر.فيش أنا عملت ايه عشان أدهم ياخد باله مني و يخطبني.. سيبيني بقى أرجوكي مش عايزة أسمع كلام من حد تاني.
رمقتها أمها بغـــضــــب بالغ ثم قالت بانفعال:
ـــ طيب.. أنا ليا كلام تاني مع شريف.
رمقتها بلا اهتمام و عادت ترثي حظها، فرغم تلك الخطة المحكمة التي عاونتها بها إحدى صديقات السوء مستعينه بإحدى الدجالات لتوقعه تحت تأثير السحر إلا أنه حدث ما كانت تخشاه.
ـــ و بعدين يا شريف… احنا هنفضل واقفين نتفرج على بـ.ـنتنا و هي بتضيع مننا كدا.
نظر لها ببسمة ساخرة ثم تحدث بثقة:
ـــ أدهم هيرجعلها متقلقيش….الجوازة دي شكلها مش مريحني… شاكك انها مأمورية من مأمورياته و طبعا مكتم عليها عشان متتعرفش..
أخذ نفسا عميقا من سيجارته النفيسة و راح ينفث دخانها براحة ثم قال بمزيد من الثقة:
ـــ أنا كلفت حد من رجـ.ـالتي يجبلي قرار الجوازة دي و يعملي تقرير وافي عنها.. و لو طلع اللي في دmاغي صح يبقى خلاص خلصت..هيرجع متقلقيش.
زفرت بعنف و هي تهوي بجسدها على أقرب مقعد لها ثم قالت بضيق:
ـــ أنا كنت ما صدقت خلصنا منه… انت عارف لو اكتشف حقيقة شغلك في الاستيراد و التصدير هيعمل ايه؟!
ضحك بملئ فمه ساخرا ثم عادت ملامحه للجدية ليقول بنبرة تفوح منها الشر:
ـــ بالعكس بقى…أنا عايز سيادة الرائد أدهم باشا الكيلاني يكون جوز بـ.ـنتي عشان يبعد عننا عيون المباحث.. و متخافيش… مش هيشك حتى و لو واحد في المية في شركتي و مصانعي.
ـــ مش عارفة انت جايب الثقة دي كلها منين؟!
تشـ.ـدقت بتلك الكلمـ.ـا.ت و قلبها ينبض عاليا من الخــــوف، فأخذ يطالع إحدى الملفات بين يديه ثم قال بلا اهتمام:
ـــ سيبك من الخــــوف اللي انتي فيه دا يا شاهي و روحي خلي الشغالة تعملي فنجان قهوة سادة.
تركته غائصا بدوامة شره يفكر في صفقة جديدة في ظاهرها أنها تجارة شريفة تفيد البلد، بينما تخبئ بباطنها سموم تقــ,تــل شبابنا، و هذا الرجل “شريف الزغـ.ـبـ.ـي” الذي ليس له من إسمه نصيب، يتلذذ بصفقاته المحرمة…
بينما ندى أخذت تدور بغرفتها ذهابا و ايابا و هي تفكر كيف لها أن تتخلص من حبها له الذي يجعلها ضعيفة أمامه، تخشى كثيرا أن يشعر بذلك العشق الذي تُكنه له منذ سنوات… فهي تأخذ ذلك الأمر على كرامتها للغاية.
ـــ لازم أتعامل معاه عادي و كأننا اخوات.. أصحاب..
أصحاب؟!.. نعم فهذا هو الحل الوحيد.. فإما يحبها و يقولها لها صراحة…و إما أن يفترقا متى اطمئنت على أبيها و تمكنت من العودة إليه.
خرجت من غرفتها بعدmا أحكمت حجاب الاسدال حول رأسها راسمة في مخيلتها حياة جديدة بصحبته، ربما يكتشف فيها ما يجذبه لهواها و تتبدل الأحوال إلى ما تتمناه.
دلفت إلى المطبخ ثم فتحت الفريزر لتستخرج منه دجاجة مجمدة ثم فتحت الثلاجة لتستخرج ما تحتاجه من خضروات و مكونات أخرى لطبختها التي ستعدها بنفسها… تقنع ذاتها أن الحياة لن تقف عند حبيب ضائع أصبح لها و لكن قلبه ليس من نصيبها.
أصابه الملل البالغ من طول فترة مكوثه بغرفته، فهو غير معتاد على ذلك، و معدته أصبحت تتضور جوعا، فقرر الذهاب إليها ليسألها عن أي طعام يطلبه لها ليتناولاه سويا.
بمجرد أن فتح باب غرفته داعبت أنفه رائحة الطعام الذكية الآتية من المطبخ.
للوهلة الأولى ظن أن أمه قد أرسلت وفاء لتعد لهما وجبة الغداء، و لكن طمس ظنه صوتها العـ.ـذ.ب الصادر من المطبخ و هي تدندن ببعض الأناشيد الدينية.
ابتسم بلا وعي من شـ.ـدة عذوبة صوتها الذي يطرب الآذان.
استند إلى باب المطبخ و هو يستمع لأنشودتها الجميلة “مصطفى مصطفى… منبع للصفا.. سيد الأنبياء.. مشعل للوفاء… كان في عطفه لليتامى دفا”
كان يراقبها بابتسامة معجبة، و كانت هي تقلب الطعام مولية ظهرها له و تدندن بأريحية غافلة عن ذلك الذي يراقبها باهتمام.
التفت ناحية الثلاجة فتفاجأت به واقفا يطالعها ببسمة أخجلتها، فأخفضت عينيها أرضا و هي تقول:
ــــ انت واقف هنا من امتى؟!
ـــ امممم… يعني من خمس دقايق بس.
ابتسمت بخجل ثم حاولت التحلي بالشجاعة لتقول مغيرة مجرى الحديث:
ـــ خلاص أنا خلصت الأكل… هتتغدى دلوقتي؟!
أومأ موافقا ثم عاتبها:
ـــ بتتعبي نفسك ليه… انا اصلا كنت جاي اشوفك عايزة تاكلي ايه نطلبه من أي مطعم كويس.
زمت شفتيها برفض قائلة:
ـــ لا أنا مش بحب أكل المطاعم… أنا و بابا متعودين على الأكل الصحي.
رفع كتفيه لأعلى متمتما:
ــــ تمام زي ما تحبي.
ـــ طيب أنا هغرف الأكل و جاية وراك.
ـــ أساعدك؟!
رمقته بتردد ثم قالت بخجل:
ـــ لا متتعبش نفسك.
تجاوز ردها ثم دلف ليتوجه ناحية الأطباق يلتقط بعضا منها تحت نظراتها المندهشة.
ـــ هتفضلي تبصيلي كدا كتير؟!
هتف بها دون أن يلتفت لها و كأنه يراها بظهره، فانتبهت لحالها ثم عادت تتحرك بالمطبخ بتـ.ـو.تر بالغ و هي تحاول أن تتماسك قليلا.. فقد استطاع أن يثير حبها له من جديد و هي التي ظنت أنها ستُنحيه جانبا و لو لفترة مؤقتة.
انتهيا من الطعام ثم ساعدها في إعادة الأطباق إلى المطبخ، ها هي ترى فيه جانبا جديدا و خلقا حميدا لطالما تمنته أي زوجة في زوجها.
و حين هم بالخروج من المطبخ نادته تستوقفه:
ـــ أدهم..
ـــ نعم؟!
ـــ ممكن نتكلم؟!
ـــ يا ريت.
ـــ هغسل الأطباق و هجيلك الصالون.
ـــ تمام.. هستناكي.
بعد عدة دقائق أقبلت عليه بعدmا استجمعت كامل شجاعتها، جلست في الكرسي المقابل له ثم قالت بنبرة نادmة:
ـــ أولا أنا آسفة على اللي حصل مني الصبح؟!
ضيق ما بين عينيه متسائلا بمكر:
ـــ ايه اللي حصل أنا مش فاهم؟!
ازدردت لعابها بصعوبة و بؤبؤي عينيها يتحركان بعشوائية ثم قالت بخجل بالغ:
ـــ خلاص مش مهم.
ضحك من مظهرها الذي يشبه الكتكوت المبتل، فرمقته بحنق ثم توقف عن الضحك قائلا بجدية:
ـــ مشكلتك انك حاطة جوازنا في إطار العلاقات المحرمة.. ليه مثلا منعتبرش نفسنا في فترة خطوبه بـ.ـنتعرف فيها على بعض؟!
ابتسمت بسخرية:
ـــ ماهو علاقة الخطوبة برضو ليها حدود و مينفعش فيها تجاوز زي اللي أنا عملته النهاردة.
تنهد بعمق ثم قال مغيرا مجرى الحديث:
ـــ في حاجه تانية عايزة تقوليها؟!
أومأت موافقة و هي تقول بنبرة طفولية متحمسة:
ـــ ايه رأيك نبقى أصحاب؟!
نظر لها باستفهام فاسترسلت موضحة:
ــــ طالما انت مش شايفني زوجة ليك… و انا كمان مش مستعدة للجواز بالطريقة اللي اتجوزنا بيها… ايه المانع نكون أصحاب لحد ما ربنا يسهل و بابا يخرج من محنته و أرجعله تاني.. بدل ما احنا كدا عاملين زي القط و الفار.
ضحك من تشبيهها الساخر، و لكنه استحسن الفكرة فسألها متوجسا:
ـــ بس انتي متأكدة من كلامك؟!.. عارفة يعني ايه هنكون أصحاب مش زوجين؟!
رمشت بعينيها مستفهمة فاسترسل موضحا:
ـــ يعني لو في يوم أعجبت ببـ.ـنت هاجي أحكيلك عنها عادي و يمكن أعرفك عليها كمان!!..
قال عبـ.ـارته و هو يتفرس ملامحها بدقة، يريد أن يتأكد من شكوكه كونها تحبه بالفعل أم أنها مجرد أوهام.
رسمت الثبات ببراعة على ملامحها، فهي من اختارت ذلك الدرب و قد تيقنت من سؤاله لها الآن أنها اختارت الصواب بدلا من أن تعيش في وهم انتظارها لاعترافه بحبه لها.
ـــ عادي يا أدهم… و أنا برضو لو قابلت انسان كويس أكيد هحكيلك عنه.. ولا إيه؟!
ـــ حقك طبعاً طالما هنكون مجرد أصحاب.
صدmها جوابه للغاية حتى أنها كادت أن تركض من أمامه لتبكي بغرفتها… ألهذا الحد لا يملك نحوها و لو القليل من المشاعر؟!…. يرى أمر ارتباطها بآخر حق لها؟!..
ـــ و لو دا حصل ساعتها هديكي كامل حريتك ترتبطي بالشخص المناسب ليكي… انتي في النهاية أمانة عندي يا ندى و حقك تعيشي حياتك و تحبي و تتحبي… انتي مالكيش ذنب في مشاكل والدك.
لم تعد تتحمل سماع المزيد.. بدأ الشعور بالنـ.ـد.م على اقتراحها الأبله يتسلل إليها، و لكن ما ألقاه على سمعها لم يكن إلا اعترافا جديدا لها بأنها لا تُمثل له سوى مهمة عمل لا أكثر..هذه هي الحقيقة.. دائما مذاقها مر.
ـــ حقيقي احترامي ليك بيزيد كل يوم..
قالتها بسخرية و لكنه ظن أنها جادة، فأجابها بجدية أكثر:
ـــ انتي زي ريم أختي بالظبط… في نفس مكانتها بالنسبالي.. و اللي مرضاهوش لأختي مش هرضاهولك يا ندى.
أغمضت عينيها بألــم يصـ.ـر.خ به قلبها… ماذا تنتظر أكثر من ذلك… لقد كانت كلمـ.ـا.ته تلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير.
أومأت متظاهرة بالامتنان، و ما أنقذها من ذلك الموقف المؤلم هو صوت الأذان الذي صدح في السماء يعلن عن صلاة المغرب.
نهضت تلملم اسدالها سريعا و غصة أليمة عالقة بحلقها:
ـــ أنا هقوم اتوضا بقى لصلاة المغرب.. عن اذنك.
لم تنتظر رده و انما فرت الى غرفتها و هي تسند موضع قلبها الذي يـ.ـؤ.لمها بشـ.ـدة.
لم تتوقع قبوله لمقترحها بهذه الطريقة.. ظنت أنه سيحاول درئها… يقنعها بأن تعطي لزواجهما فرصة.. و لكن أن يوافق بهذه السهولة و أن يسمعها تلك المهاترات؟!.. لم تتوقع….الآن فقط أدركت مدى حماقتها و سلامة نيتها التي كادت أن تسلبها كرامتها أمامه.
عودة لمحافظة سوهاج
ـــ و بعدهالك يا ابو البنات… البت صافية اهي خلصت امتحانات بجالها ياچي شهر و الغندور ولد اخوك لا حس ولا خبر… ولا هو كان كلام نسوان.
هب من مقعده بانفعال ليزجرها بحدة:
ـــ اتحشمي يا مرة… مِعتِصم لو سمعك هيجتلك.
لوت شفتيها لجانب فمها قائلة بسخرية:
ـــ خايف منيه يا سبعي؟!…ما ينفذ اللي اتفجنا عليه عاد..
رد بتأكيد:
ـــ هينفذه… تلاجيه بس ناسي.. هو الراچل هيفتكر ايه ولا ايه؟!
اقتربت منه تحدثه بجانب أذنه بصوت كالفحيح:
ـــ خلاص يبقى تروحله العشية تفكره… البت كبرت و ادورت و عرسانها كل يوم بيدجو الباب و اني أجولهم لاه البـ.ـنتة محچوزة لـــحَمَد ولد عمها.
ابتعد عنها بعدmا انتهت من فحيحها و هو يقول باشمئزاز:
ـــ خلاص يا كيداهم اتهدي بجى يا وَلية زهجتيني… أباااي.
نفض جلبابه من الحنق ثم تركها قاصدا دوار معتصم ابن أخيه لكي ينفذ ما أملته عليه زوجته لعله يتخلص من طنينها المزعج في أذنيه.
ـــ يا أهلا و سهلا بالغالي… كيفك يا عمي و كيف أحوالك؟!
قالها معتصم بترحيب بعدmا استقبله بالمضيفة و أمر له بكوب من الشاي..
ارتشف رشفة من الكوب ثم وضعه أمامه و قال بنبرة جادة:
ـــ اسمع يا مِعتصم يا ولدي… من كام سنة أبوك الله يرحمه جبل ما يفوتنا و يجابل وچه كريم اتفج امعايا بعلمك إن بـ.ـنتة العيلة مـ.ـيـ.ـتچوزوش براها واصل… و اهو بتي كريمة الكبيرة اتچوزت واد عمك قناوي و الدور على بتي صافية و اللي ابوك خطبها لخيك حَمد و اهو خيك خلص چامعته و صافية قمان خلصت علامها.. هنستنو ايه عاد؟!
تجلت ملامح الصدmة على معتصم، فماذا يفعل بتلك المصـ يـ بـةالتي أحلت عليه و على شقيقه من حيث لا يحتسبوا، تلك العادات العقيمة و التي تلاحقهم أينما كانوا من ثأر ثم زواج القاصرات و غيرها و غيرها الكثير، فـ صافية ابنة عمه بالكاد أنهت الشهادة الإعدادية أي عمرها لن يتخطى السادسة عشر و شقيقه حمد لن يقبل بهذا البتة، فقد تربى على عادات أهل القاهرة و تلك الفتاة التي يراها أبوها أنثى ناضجة ما هي إلا طفلة في عيني شقيقه.
ابتلع معتصم ريقه ثم أردف بنبرة جادة:
ـــ كلام أبوي الله يرحمه سيف على رجبتي و طبعا هنفذه بالحرف يا عمي حمد.. بس أني بجول نستنى سنتين اكده على ما صافية تبلغ السن القانوني للچواز.
انتفخت أوداج عمه حمد و الذي سمي شقيقه على اسمه ثم قال باستنكار:
ـــ أباه يا مِعتِصم… من مـ.ـيـ.ـتى و احنا عيهمنا الحديت الماسخ ده… انت عايز البلد تاكل وشي و الكل عارف إن صافية لحمد واد عمها… يجولو عليها ايه اومال؟!.. معيوبة و واد عمها مارايدهاش؟!
أخذ معتصم يسب و يلعن في سره، فكل ما يشغل أهل تلك البلدة هو صورة كل فرد في عيون الآخرين و حسب.
ـــ يا عمي صافية ست البنات كلاتهم… أني بعمل اكده لمصلحتها… انت خابر زين مشاكل الچواز ال عـ.ـر.في بالذات لو البنية حبلت و ولدت جبل السن.
قالها معتصم محاولا إثناء عمه عن تفكيره العقيم، و لكن الآخر رأسه و كأنها خلقت من الصخر، فهب بانفعال من مجلسه يصيح بانفعال:
ـــ خبر ايه عاد يا ولد أخوي… مكانش العشم يبجى ده ردك عليا…
صاح معتصم بصوت أكثر حدة:
ـــ اجعد يا عمي خلونا نتفج.
وصل صوتهما الى مسمع السيدة أم معتصم فأتت تستند على عصاها و حين رآها ولدها ركض إليها لسيندها حتى جلست بمجلسهم، فقالت و هي تلهث بتعب:
ـــ خبر ايه عاد ايه اللي حوصل… صراخكم واصل لآخر الدوار.
قص عليها حَمَد شقيق زوجها ما جاء لأجله و رد معتصم الذي لم يرق له أبداً فأمعنت السيدة المسنة في السمع جيدا و بعد لحظات من التفكير أردفت بنبرة قاطعة:
ـــ عمك عنديه حج يا ولدي… دياتي عوايدنا و معادش له لازمة البـ.ـنتة تستنى أكتر من إكده… شينة في حجها يا ولدي..
وصل معتصم لأقصى درجات حنقه فقد ضيقت عليه أمه الخناق و قال بغـــضــــب مكتوم:
ـــ يا أمايا نعمل خطوبة و الد.خـ.ـلة بعد سنتين لما تبلغ السِن… أني اكده عداني العيب.
أخذ حمد يلوح بيديه و هو يقول بغـــضــــب بالغ:
ـــ يادي السن اللي فلجتنا بيه يا ولد أخوي.
ردت والدته بنبرة قاطعة:
ـــ عيب اكده يا معتصم… عمك مش هيعاود داره خايب الرچا…هنعملو خطوبة إيوة بس سنتين كَتير يا ولدي… هما شهرين تلاتة زين جوي.
اتسعت بسمة حمد مرتضيا بتصريح زوجة أخيه بينما معتصم يدير ناظريه بينهما بحنق بالغ و لم يجد من الكلمـ.ـا.ت ما يطفئ بها نيران غـــضــــبه، فقام من مجلسه و هو يقول بوجوم:
ـــ اللي تشوفوه يا أمايا… عن إذنكم.
بمجرد أن دلف معتصم غرفته حتى قام بالاتصال بشقيقه في الحال..
ـــ حَمَد… بكرة الصبح تكون عندي في البلد.
ـــ ليه يا معتصم ايه اللي حصل؟!.. أمي جرالها حاجة؟!
ـــ لا يا حبيبي متقلقش أمك بخير… هستناك.
ـــ لا بقى يا معتصم فهمني في ايه؟!
ـــ يابني قولتلك متقلقش… بس الموضوع اللي عايزك فيه يطول شرحه و مينفعش نتكلم فيه في التليفون.
ـــ طاب اديني نبذة طيب.
ـــ يوووه يا حمد… يا أخي اسمع الكلام بقى و لما تيجي هحكيلك كل حاجة بالتفصيل الممل.
ـــ طيب يا معتصم الصبح باذن الله هكون عندك.
ـــ سوق على مهلك و خلي بالك من نفسك.
ـــ ماشي يا حبيبي… سلام.
أغلق معتصم الهاتف و هو يزفر بعنف، يفكر و يفكر و لا يدري من أين يشرح لأخيه تلك المصـ يـ بـةالتي أحلت عليهما فجأة و الأعتى من ذلك كيف سيقنعه بتلك الزيجة و هو ذاته غير مقتنع بالمرة.
↚
ــ يا نهار مش طالعله شمس!!.. ايه اللي انت بتقوله دا يا معتصم… انت عايزني أنا أتجوز البت الهبلة دي اللي اسمها صافية؟!… طاب ياخي قول كلام يتعقل.
هتف بها حمد في ذهول و غـــضــــب في آن واحد و هو يلوح بيديه هنا و هناك، بينما معتصم رغم إشفاقه على شقيقه إلا أنه تحلى بالصرامة هاتفا به بغلظة:
ـــ بقولك ايه يا حمد… اهدى كدا و افهم… انا شرحتلك لحد دلوقتي أكتر من عشر مرات إن دي عوايدنا و مش معنى انك عيشت سنين كتير من عمرك في القاهرة و اطبعت بطباع أهلها إن احنا خلاص هنغير جلدنا و ننسى عوايدنا و اللي أهلنا ربونا عليه….
لوح بيديه بعصبية مفرطة:
ــــ خلاص اتجوزها انت… مش انت الكبير!!.
لكزه بخفة في كتفه فارتد للخلف خطوة فاسترسل معتصم بحدة:
ـــ انت اهبل يلا… دا انا عمري قد عمرها مرتين… انت أنسب واحد لصافية يا حمد و سنك قريب من سنها.
رد بعناد:
ـــ يا عم أنا مش عايز أتجوز دلوقتي… أنا لسة يادوب متخرج و مخلص جيشي و لسة بقول يا هادي في شغل البيزنس…مش هتجوز قبل ما أبني نفسي يا معتصم.
أخذ معتصم يفرك وجهه بكفيه و هو يستغفر ربه بخفوت لعله يتخلص من وساوسه التي تأمره بلكمه، ثم حاول التحلي بالصبر قائلا بنبرة من اللين:
ـــ قولي يا حبيبي… في بـ.ـنت معينة في دmاغك أو بتحبها عشان كدا انت رافض؟!
أجابه بنبرة صادقة:
ـــ لا يا معتصم مفيش… و لو في هتكون انت أول واحد عارف… أنا مش في دmاغي الحب و العواطف و الكلام دا.
ـــ طاب خلاص إدي نفسك فرصة يمكن تحبها… صافية بنوتة حلوة و مؤدبة و غير كدا انت اللي هتربيها على ايدك و هتطبعها بطبعك.
لوح بيده بانفعال كما اعتاد منذ بداية الحوار و هو يقول بسخرية:
ـــ حلوة ايه بس يا معتصم… هو أنا أعرف شكلها أصلا… و بعدين بعيدا عن الشكل و الأدب… مكانش دا طموحي في البـ.ـنت اللي هتجوزها… أنا نفسي أتجوز بـ.ـنت متعلمة تعليم عالي.. مثقفة.. متكلمة.. واحدة تربي ولادي أحسن تربية.. واحدة تليق بحمد البدري رجل الأعمال المستقبلي… مش طفلة يادوب مخلصة الإعدادية!!
قال عبـ.ـارته الأخيرة بمرارة جعلت معتصم يتنهد بحيرة، فماذا عساه أن يفعل..
لقد وقعوا في الفخ و قضي الأمر.
ـــ حمد… احنا قدام أمر واقع ولازم هنقبل بيه… فحاول كدا تبلع الجوازة دي بمزاجك و تقنع نفسك بيها… و بعدين جوازك من صافية مش هيعوق حياتك في حاجة…. كدا كدا هتتجوز في الدوار و هتسيبها هنا مع الحاجة و روح شوف أشغالك و انزلها البلد أجازات..
رمقه حمد بعينن حمراوتين من الغـــضــــب، فاسترسل معتصم بنفاذ صبر:
ـــ يا سيدي ابقى اتجوز البـ.ـنت اللي على مزاجك هناك في القاهرة و ابني معاها مستقبلك زي ما انت عايز و…
قاطعه بانفعال بالغ:
ـــ أنا مش هغلط غلطتك يا معتصم…
احتقن وجه معتصم بالغـــضــــب حين لفظ أخوه تلك الكلمـ.ـا.ت، و لكن حمد لم يسكت عند هذا الحد، بل استرسل بمزيد من الجلد و التأنيب:
ـــ أنا مش هعمل زيك و أفضل خايف للسر ينكشف و أعيش بشخصيتين زي ما انت بتعمل.
خرج معتصم من صمته الغاضب و انفجر فيه بحدة:
ـــ معتصم البدري مبيخافش يا حمد…جوازي من نرمين أنا مخبيه عن أمك عشان مش هتقبل بيه.. و اذا كنت خايف من الجوازة دي تتكشف فدا خــــوفي على أمي و صحتها لو عرفت… أنما أي مخلوق تاني ميهمنيش و انت عارف.
كان يصيح حتى برزت عروق رقبته للغاية الأمر الذي أثار شفقة حمد عليه و جعله يشعر بالذنب أن استفزه لتلك الدرجة، فاقترب منه يربت على كتفه بحنو مرددا باعتذار:
ـــ معتصم أنا…
أوقفه بإشارة من كفه و هو يقول بحدة دون أن ينظر إليه:
ــــ بس ولا كلمة… اعمل حسابك هنوصل دار عمك الليلة نطلب يد البـ.ـنتة و نتفج على كل حاچة و تنزل امعاها بكرة انت و أمها تنجوا الشبكة اللي تعچبها… و حسك عينك تجول كلمة اكده ولا اكده و لا يصدر منك أي حركة ملهاش عاذة يا حمد..
هنزل دلوق أصلي العصر و تحصلني ع الغدا.
ثم تركه بصدmته و غادر الغرفة، فجلس حمد على حافة فراشه منكسا رأسه بين كفيه يحاول تهدئة ذلك الغليان برأسه، فيبدو أن أخيه قد أخذ القرار و لن يتراجع مهما فعل… و هو لن يستطيع أن يكـ.ـسر كلمته أو بالأحرى هيبته بين أهل بلدته.
عودة للقاهرة..
أمام إحدى الكافيهات الراقية قام آسر بصف سيارته ثم ترجل منها ليفتح الباب الخلفي لخطيبته لتخرج ميريهان تلتها شقيقتها مودة فقام آسر بغلق السيارة الكترونيا و اصطحبهما إلى الداخل..
ــــ ايه رأيكو في الترابيزة اللي هناك دي
أشار إلى إحدى الطاولات النائية التي تطل على النيل فأومأت ميريهان بحماس:
ـــ حلوة يا آسر… يلا.
حين وصلوا للطاولة و جلس كل من آسر و ميري أردفت مودة ببسمة خالصة:
ــــ طاب هروح أنا بقى أستناكم في الترابيزة اللي هناك دي..
أشارت ألى أخرى بعيدة في الجهة المقابلة، فقال آسر بجدية:
ـــ طاب اقعدي نشرب أي حاجة الأول.
ردت بمرح:
ـــ لا يا عم… أنا هروح أمارس هوايتي المفضلة..
قالتها و هي ترفع أمامهما حقيبتها التي تحوي أدوات الرسم.
فأومأ آسر ببسمة ممتنة فأسرعت بالإستئذان منهما و ذهبت الى حيث أشارت.
ـــ بتحبك أوي مودة…
قالها آسر و هو يراقبها بعدmا انصرفت، فردت ميري بتنهيدة حزينة:
ـــ بتفضلني على نفسها في كل حاجة… عايزاني أعيش اللي هي مش قادرة تعيشه… انت متعرفش أنا قلبي واجعني عليها قد إيه يا آسر..
رد بلهفة:
ـــ لا يا حبيبتي سلامة قلبك… كفاية هي… ربنا يشفيها.
ـــ يا رب… نفسي تخف و تعيش حياتها زي أي بـ.ـنت.. بس للأسف كفاءة القلب كل مدى بتقل لولا الأدوية اللي لو فوتت يوم و مأخدتهاش الدنيا تبوظ خالص و غالبا بتبات اليوم دا في المستشفى.
ربت على كفها المستقر على الطاولة و هو يقول بحـ.ـز.ن:
ـــ نصيبها كدا من الدنيا يا ميري…ربنا يجعل مرضها في ميزان حسناتها.
زفرت أنفاسها و هي تتمتم بالحمد لله، فغير آسر مجرى الحديث:
ـــ ها يا حبي… تشربي ايه؟!
بينما هناك على طاولة مودة، بينما هي منهمكة في الرسم، رن هاتفها برقم ما، فنظرت للإسم و اتسعت بسمتها تباعا ثم فتحت المكالمة لترد:
ــــ ألو… ماما حبيبتي حشـ.ـتـ.ـيني و أوي..
ـــ و انتي يا روحي وحشاني مـ.ـو.ت… عاملة إيه يا ميمو و ميري أخبـ.ـارها إيه؟!
ــــ الحمد لله يا ماما احنا بخير.. انتي اللي عاملة ايه؟!
ـــ بخير يا حبيبتي طول ما انتو بخير… ميري صوتها وحشني أوي…مش ناوية قلبها يحن و تكلمني بقى؟!
ابتلعت مودة ريقها ثم قالت بحـ.ـز.ن:
ـــ متزعليش منها يا ماما… هي بتحبك بس انتي عارفة إن قلبها جـ.ـا.مد شوية و لسة شايلة منك..
ـــ اممم… مش قادرة تسامحني و تنسى اللي فات.. أنا تعبت و مش عارفة أعملها ايه تاني عشان تسامحني.
ـــ معلش يا ماما إديها شوية وقت… ان شاء الله هتروق و هترجع المية لمجاريها.
ـــ يا رب يا مودة يا رب… وصلي سلامي ليها و لآسر..
ـــ حاضر يا حبيبتي يوصل…
ـــ مع السلامة يا روحي..
أغلقت ريهام والدة مودة الهاتف و هي تزفر بحـ.ـز.ن، فمنذ أن انفصلت عن والدها و تزوجت بآخر و سافرت معه الى الخارج و قد بـ.ـنت ابـ.ـنتها ميريهان سدا منيعا بينها و بين والدتها لم تتخطاه بعد رغم مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك الأمر، و رغم كل محاولات التودد من قبلها، ألا أنها كلها قابلتها ميريهان بالرفض على عكس مودة تماما، و التي رق قلبها لأمها على الفور و سامحتها و كأن شيئا لم يكن.
في شقة أدهم….
طرق باب غرفتها فردت عليه من خلف الباب ليقول لها:
ـــ ندى أنا هستناكي في الصالون….عايز أتكلم معاكي.
أتاه صوتها من خلف الباب:
ـــ حاضر ثواني و جاية.
بعد قليل أقبلت عليه مرتدية إسدال الصلاة ثم جلست بالكرسي المقابل له، فأدار دفة الحديث قائلا بجدية:
ـــ إن شاء الله بكرة الصبح ماما هترجع من عند روان و أنا هنزل شغلي…. و طبعاً ماما هتلاحظ إن كل واحد مننا بيبات في قوضة لوحده و طبعاً هتقوم الدنيا و مش هتقعدها..
ردت بتجهم:
ـــ و المطلوب؟!
رد عليها بهدوء و ترقب:
ـــ أنا فكرت في فكرة كدا مش عارف هتوافقيني عليها ولا لأ؟!
ـــ قول أنا سامعاك.
أخذ نفسا عميقا ثم قال و بؤبؤي عينيه يتحركان بعشوائية كناية عن تـ.ـو.تره:
ـــ عايزك تقوليلها إنك اقترحتي نتعرف على بعض فترة معينة كأننا لسة في فترة خطوبة لحد ما نتعود على بعض و بعدين هنمارس حياتنا الزوجية طبيعي بعد كدا.
سكتت مليا تراقب تـ.ـو.تره ثم أردفت بوجوم:
ــــ و ليه أنا اللي اقترحت… ليه ميكونش انت؟!
تنهد بنفاذ صبر:
ـــ عشان هي مش هتتقبل مني أنا الاقتراح دا… انما هتقبله منك انتي و هتحاول قدر الامكان متضايقكيش حتى لو هتيجي عليا انا.
هزت رأسها بإيجاب و ملامحها يبدو عليها الحـ.ـز.ن العميق ثم قالت بنبرة خاوية:
ـــ تمام يا أدهم ربنا يسهل.
رسم بسمة صغيرة على شفتيه ثم قال بنبرة جادة فيها شيئ من الإعجاب:
ـــ بس ت عـ.ـر.في!.. أنا اتبسطت أوي إني اتعرفت عليكي… بجد انتي شخصية جميلة و مثيرة و أنا متأكد إن كل ما هنقعد مع بعض هكتشف فيكي حاجات أجمل.
توردت وجنتاها من الخجل و هـ.ـر.بت بعينيها من مرمى ناظريه حياءا ثم قالت بنبرة مهتزة من أثر الخجل:
ـــ احم… و أنا.. و أنا كمان اتشرفت بمعرفتك… عن إذنك.
هبت واقفة لتسير نحو غرفتها بخطوات سريعة، فلا تدري أهي غاضبة، حانقة، محبطة، خجلى أم كل تلك المشاعر امتزجت بوجدانها.
بينما أدهم راقب طيفها بحيرة، لا يدري أقرارته تلك معقولة أم أنه قد بالغ فيها… و لكنها لطالما هي من اقترحت عليه علاقة الصداقة… إذن فالأفكار متبادلة و الرأي واحد… ندى جذابة حقا و ربما تتطور العلاقة بينهما لأبعد من ذلك… ولكن في الوقت الراهن قلبه لا يميل لها و هي بالنسبة له مهمة عمل و أمانة من والدها و عليه المحافظة عليها بأقصى ما يستطيع… هذا كل شيئ.
انتهت نزهة آسر مع ميري و مودة ثم أخذهما بسيارته عائدين إلى منرلهما حيث جلست ميري بجوار آسر في المقعد الأمامي بينما جلست مودة بالمقعد الخلفي، و أثناء ذلك تحدثت مودة إلى ميريهان عبر مرآة السيارة الأمامية:
ــــ صحيح يا ميري ماما كلمتني لما كنتي قاعدة مع آسر… نفسها تسمع صوتك… بتقول إنك وحشتيها أوي.
تجهم وجهها على إثر سيرة أمها و قالت ببرود:
ـــ امممم…. ماشي.
رمقها آسر بنظرة من جانب عينه تنم عن عدm رضاه عن رد فعلها ثم قال بحدة طفيفة:
ـــ ميري ميبقاش قلبك أسود كدا… دي مهما كانت مامتك و ربنا ميرضاش بالمعاملة اللي بتعامليها بيها دي.
رمقته بنظرة حارقة ثم هتفت بعصبية:
ـــ أنا قلبي أسود و زي الزفت… و يا ريت محدش يكلمني تاني في الموضوع دا….ممكن؟!.
هم آسر ليتحدث إلا أن مودة قاطعته:
ـــ خلاص يا آسر سيبها براحتها.
شـ.ـدد من قبضته على المقود كناية عن تعصبه و صمت بينما ميري أشاحت بناظريها بعيدا عنه تراقب الشوارع عبر النافذة بشرود و تيه… تشعر بنصال حادة تمزق قلبها… فلا هي قادرة على مسامحة أمها و لا تستطيع التخلص من إلحاح شقيقتها و خطيبها… فماذا عساها أن تفعل بنابضها الذي يأبى الغفران.
في محافظة سوهاج….
ــ بت يا صافية… البَسي الدريل البنفسچي بتاع العيد الصغير عشان تجابلي بيه حمد واد عمك.
سكتت مليا تفكر ثم ما لبثت أن قالت بتررد:
ـــ بس أني كنت عايزة ألبس الدريل البني يا أمايا.
أخذت تحرك شفتيها لجانب فمها كناية عن عدm رضاها لتقول بسخرية:
ـــ بني يا مايلة!!.. كانك اتچنيتي اياك!.. أني جولت تلبسي البنفسچي يا مجصوفة الرجبة.. انتي عايزة تلبسي غامج و تچرسينا؟!
زمت شفتيها بضيق ثم قالت بانصياع:
ـــ حاضر يامايا بنفسچي بنفسچي..
ضيقت عيناها بمكر و هي تقول:
ـــ إيوة اكده… أنا خابراكي معتچيشي غير بالعين الحمرا يا بت حمد.
ضـ.ـر.بت صدرها بخفة لتقول باستنكار:
ـــ أني يامايا؟!…دا أني بالذات لو جولتيلي لجحي روحك بالجنايا هلجحها طوالي.. دا أني عمري ما كـ.ـسرتلك كلمة واصل.. أني طوالي..
قاطعتها أمها بنفاذ صبر هاتفة:
ـــ اتكتمي يا بت… ايه ياختي ماصدجتي تنفتحي في حديتك الماسخ ده… إنچري يلا روحي احلبي الچاموسة عشان تتشطفي و تغيري خلجاتك قبل ما عريس الغبرة ياچي..
أطرقت رأسها بانكسار و هي تردد بخنوع:
ـــ حاضر يا امايا أني رايحة الزَريبة أهو…
راقبتها أمها و هي تسير ناحية حظيرة الحـ.ـيو.انات و هي تبتسم بانتصار، فها هي فتاتها المطيعة لم تخيب ظنها أبداً و أينما توجهها تذهب كيفما شائت هي… ألغت شخصيتها و محت تفكيرها و لم تسمح لها بأن تفكر أو تختار… فحتى زواجها بابن عمها لم يكن سوى إقرارا منها بالموافقة على ما تراه أمها في صالحها و حسب، فصافية أيضا حالها من حال حمد، لم تراه منذ سنوات و لم يخطر ببالها من الأساس أن تُخطب له.
و لكن هي كل ما تعرفه أنها ترى بعين أمها و تفكر برأس أمها و تسير كما يحلو لأمها و حسب.
↚
استيقظت ندى لصلاة الفجر و بعدmا أدت الصلاة أنهت أذكار الصباح ثم تلت وردها القرآني و بقيت مكانها شاردة تفكر فيما أملاه عليها أدهم بالأمس، تؤلمها تلك الكذبة التي افتعلها لكي يضمن تغاضي أمه عن انفصالهما في بيت الزوجية، و لكنها مضطرة لمجاراته الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
استمرت بشرودها حتى بدأت خيوط الشمس تتسلل الى الغرفة عبر النافذة لتضيئها رويدا رويدا الى أن انتبهت لوقت الشروق فأخذت تدلك رقبتها من الألــم و هي تتمتم لنفسها:
ــــ ياااه أنا قعدت كل دا سرحانة…
ثم تنهدت بقلة حيلة و نهضت من مكانها لتبدل اسدال الصلاة الى فستان قطني بسيط و مريح و في ذات الوقت لا يظهر من جسدها شيئ ثم غطت رأسها بحجاب صغير و خرجت من الغرفة لتسير بإتجاه المطبخ لتعد ثمة شطيرة تسد بها جوعها.
لم تكد تصل إلى باب المطبخ حتى استمعت الى صوت جلبة آتِ من غرفة أدهم فأدركت أنه قد استيقظ و ربما يتجهز الآن للذهاب الى عمله، فابتسمت بحالمية و هي تفكر في شيئ ما، فلا ضير من إعداد مزيد من الشطائر
يتناولنها سويا.
بينما أدهم في غرفته حائر تائه بين ملابسه و أحذيته و أحزمته الميري، الغرفة تعمها فوضة هائلة، فقد كانت أمه من تعد له ملابس العمل و توفقها مع بعضها البعض حتى حذائه هي من تتولى أمره و تضعه بجوار بدلته الرسمية و ما عليه إلا أن يرتدي ما أعدته و حسب.
أخذ يزفر أنفاسه بعنف، فقد ضاق ذرعا بهذا الأمر و نفذ صبره، و لكن لا مجال الآن للحيرة، فعليه أن يختار عاجلا أم آجلا…
بعد حوالي عشرون دقيقة كان أدهم يقف أمام المرآة يضع اللمسات الأخيره على مظهره بعدmا مشط شعره و نثر عطره النفاذ، ثم قام باحكام حزامه الميري حول خصره و غرس سلاحه بالجيب المخصص له في الحزام و أخيرا و بعد عناء ألقى نظرة رضا على نفسه، فقد انتهت المهمة بنجاح.
في تلك الأثناء كانت ندى تجلس الى الطاولة الصغيرة القريبة من غرفة أدهم حتى يرى ما أعدت له من إفطار، فقد كانت تنتظره بملل الى أن خرج أخيرا و هو يعبث بهاتفه غير منتبها لها، و لكنه حين أطل عليها بتلك الطلة التي تراه بها لأول مرة بحلته حالكة السواد و شارتي الشرطة ذات النسر الذهبي على كتفيه، و شعره المصفف بعناية، و ذقنه الحليقة تماما و التي جعلته يبدو أصغر من عمره بكثير و ذلك الحزام الأسود حول خصره و السلاح الذي يزينه، و فوق كل ذلك رائحة عطره التي تصيبها بالثمالة… انحبست أنفاسها بصدرها من فرط الإثارة و اتسعت حدقتيها باعجاب بالغ، و كل ما أثار حفيظتها الآن هل تراه البنات و هو على تلك الشاكلة؟!.. حتما ستصاب بالجنون ان اتبعت أفكارها تلك..
حين رفع رأسه عن هاتفه و خطى نحوها حين انتبه لها، نفضت رأسها سريعا من لحظات الإعجاب و الصدmة و تصنعت أنها مشغولة باعداد الشطائر رغم أنها جاهزة بالفعل على الأكل.
ـــ صباح الخير يا ندى..
ـــ صباح النور.
ـــ صاحية بدري كدا ليه؟!
ـــ عادي.. أنا بصلي الفجر و مبنامش..
هز رأسه ثم ما لبثت أن تنحنحت بخجل ثم قالت:
ـــ احم.. أنا سمعت دوشة جاية من قوضتك فقولت انك أكيد بتلبس عشان تروح شغلك فعملتلك ساندويتشات معايا.
سحب الكرسي المقابل لها ثم جلس عليه و هو يقول:
ـــ يا بـ.ـنتي بتتعبي نفسك ليه… أنا كنت هفطر في الشغل.
هزت كتفيها لأعلى قائلة بخجل:
ـــ عادي.. أنا كدا كدا كنت بعمل لنفسي فزودت ليك.
التقط إحداها ثم قضم منها قضمة و هو يقول:
ـــ ماشي يا قمر تسلم ايدك.
أجابته ببسمة صغيرة ثم بدأت تأكل على استحياء و هي تستنشق رائحته المسكرة باستمتاع، فبدون وعي منها سألته بتلقائية:
ـــ البرفيوم بتاعك حلو أوي… هو اسمه ايه؟!
حانت منه ابتسامة و هو مثبت نظره على الشطائر بيده، فقد فاجئته بسؤالها، ثم ما لبث أن قال:
ـــ دخون روز… بطلبه من دبي مخصوص اونلاين.
أومأت بحرج بعدmا نهرت نفسها على سؤالها السخيف من وجهة نظرها، فكثيرا ما يسبق لسانها عقلها.
عم عليما صمتا وجيزا و هما يأكلان قطعته ندى بسؤالها:
ـــ أدهم بما اننا اصحاب قولي بقى.. أعجبت ببـ.ـنت قبل كدا أو حبيتها؟!
توقف عن مضغ الطعام للحظة من أثر تفاجؤه بسؤالها الذي أربكه قليلا، فهو لا يدري أمن الطبيعي أن يخبرها بأمر دارين أم ماذا؟!
و لكن سرعان ما محى آثار المفاجأة من على وجهه و استرسل بمراوغة:
ـــ اه كنت معجب ببـ.ـنت كدا و خطبتها فترة بسيطة بس محصلش نصيب..
صمتت بصدmة لوهلة ثم قالت:
ـــ بجد؟!
ـــ اممم… ايه مالك مصدومة كدا ليه؟!
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جاهدت أن تبدو طبيعية:
ـــ لا أبداً… أصل شكلك جد أوي و مش رومانسي و لا ليك في الحب فعشان كدا استغربت.
صدرت منه بسمة ساخرة و هو يقول:
ـــ حتى انتي كمان بتقولي كدا!
ـــ دا مش رأيي أنا لوحدي بقى؟!
هز رأسه بإيماءة بسيطة، فلم يرغب في الدخول في تفاصيل ولا الحديث عن أي شيئ يخص دارين.
ـــ و انتي؟!
باغتها بسؤاله فلم تحسب له حساب، و لوهلة سكتت تفكر في إجابة تعفيها من الحرج، فمن سواه الذي يمتلك قلبها منذ علم للحب سبيلا!.. و لكنها ابتلعت ريقها ثم قالت دون أن تنظر له متظاهرة بالانشغال بالأكل:
ـــ قبل ما اسافر أمريكا مع بابا كنت معجبة بشاب جارنا… بس كنت لسة صغيرة… هبل مراهقة بقى.
ـــ و لما كبرتي؟!
التقت عيناها الحائرتين بعينيه المصوبة تجاهها بترقب، تكاد تصرخ بعشقها له و لكن خشت أن تفضحها نظراتها، فأخفضتهما سريعا ثم قالت بوجوم:
ـــ خلاص بقى عقلت.
هز رأسه بإيماءة بسيطة ثم نظر في ساعة يده فوجدها قد دقت الثامنة، فنهض و هو يقول بجدية:
ـــ أنا كدا لازم أمشي…. شكرا يا ندى على الفطار.
نهضت تباعا لتقول بخجل:
ـــ الشكر لله دا حاجة بسيطة.
أومأ بامتنان ثم قال:
ـــ ماما كلها ساعة و هتوصل… مش هوصيكي بقى.
أومأت محاولة رسم الثبات على ملامحها حتى لا يلحظ حـ.ـز.نها الكامن بقلبها ثم قالت ببسمة محبة:
ـــ لا إله إلا الله..
ـــ محمد رسول الله.
غادر من أمامها بينما بقيت هي تنظر في أثره بشرود و قد أخذ الحـ.ـز.ن من قلبها مأخذه ثم سرعان ما عادت لواقعها لتأخذ الأطباق للمطبخ و تقوم بغسلها.
ـــ ألو… آسر.. بقولك النهاردة عيد ميلاد مودة و أنا أخدت عربية بابا و رايحة خان الخليلي أجيبلها هدية من هناك… انت عارف انها بتحب المشغولات و الأنتيكات اللي بتتباع هناك.
ـــ يا مـ.ـجـ.ـنو.نة انتي سواقتك زي الزفت… مستنتيش لما أخلص شغلي ليه و كنا روحنا سوا.
ـــ أنا لسة هستناك.؟!.. كدا هتأخر أوي و مش هلحق أعمل حاجة.
ـــ طيب يا ميري ربنا يستر… بس عشان خاطري سوقي ع الهادي كدا و خلي بالك من نفسك.
ـــ متقلقش يا حبيبي… صاحبتك قلبها مـ.ـيـ.ـت.. ههه.
ـــ ماهو انا مش مخــــوفني غير قلبك المـ.ـيـ.ـت دا.
ـــ خلاص بقى يا آسر متبقاش قلوق كدا.
ـــ ماشي يا روح آسر…اشتري هدية مني ليها على ذوقك.
ــــ تمام يا حبيبي.. باي بقى عشان أركز في الطريق..
أغلقت ميريهان الخط و هي تتنهد ببسمة عشق خالصة، و لم تكد تعيد الهاتف إلى جوارها حتى انتبهت على صوت زامور عالي صم أذنيها ثم لم تشعر بشيئ بعدها.
بينما آسر على الجهة الأخرى أغلق المكالمة و هو يزفر بقلق، لا يدري لما انقبض قلبه هكذا حين أخبرته بأنها تقود سيارة والدها، و لكنه نفض تلك الوساوس سريعا عن رأسه و هو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
انهمك آسر في أعماله فقد كان يومه حافلا بالمهام و المأموريات حتى أصابه الإرهاق، فقرر أن يذهب لأدهم مكتبه يتمازحان سويا.
ـــ الباشا العريس…
هز أدهم رأسه بيأس و هو يقول بغـــضــــب:
ـــ هتفضل طول عمرك طور… بتدخل من غير ما تخبط ليه يا حـ.ـيو.ان..
لوح آسر بيده و هو يقول بسخرية:
ـــ اعم انا فتحت عليك باب الحمام؟!
رمقه بنصف عين و هو يقول بخفوت حاد:
ـــ عديم الاحساس.
ابتسم بسماجة هاتفا:
ـــ حبيبي يا دومي.
ـــ هو انا بمدحك يلا؟!.. دا انا بوبخك..
ـــ ضـ.ـر.ب الحبيب زي أكل الزبيب… و انا بموووت في الشتيمة.. وبخني..
ـــ أبو تقل دmك.
ـــ ها يا عريس… عامل ايه في الجواز؟!
رمقه أدهم بتجهم مردفا بغـ.ـيظ:
ـــ تعرف تنقطني بسكاتك؟
بادله آسر بأخرى مشمئزة هاتفا بحدة:
ـــ تصدق انا غلطان اني جيت لبأف زيك… و أنا اللي كنت فاكرك هتفرفشني شوية.
رد بنبرة متهكمة:
ـــ مالك يا ننوس عين ماما؟!
هتف به آسر بحدة:
ـــ اتكلم بجد شوية بقى يا أدهم.
اعتدل أدهم في جلسته ليميل برأسه ناحية صديقه متسائلا بقلق:
ـــ واد يا آسر فيك ايه؟!…حاسك بتحاول تتوه كدا بس شكلك مش مظبوط.
تنهد بعمق و مشاعر التيه قد احتلت ملامحه و نبرة صوته:
ـــ مش عارف يا أدهم…مضايق كدا من غير سبب.. مش عارف دا من ضغط الشغل ولا ايه بالظبط.
لم يكد يرد عليه حتى رن هاتفه برقم حماه..
ـــ دا عمو محمد والد ميري…
ـــ طاب رد عليه.
فتح الخط ليأتيه صوت حماه الباكي:
ـــ آسر تقدر تيجيلي دلوقتي مستشفى الدكتور رؤف؟!
رد بنبرة يشوبها القلق:
ـــ خير يا عمي.. هي مودة تعبت تاني ولا ايه؟!
سكت مليا و هو يعتصر عينيه بحسرة ثم قال:
ـــ تعالى بس… أنا محتاجلك جنبي دلوقتي.
ـــ حاضر يا عمي… هحاول أخد إذن و اجي لحضرتك… مع السلامة.
أغلق آسر المكالمة و هو في حالة من الحيرة و الشك ثم قال متعجبا:
ـــ غريبة أوي… مودة لما بتتعب ميري هي اللي بتتصل بيا تعرفني.
رد أدهم بتفكير:
ـــ يمكن مشغولة معاها يا آسر… روح انت بس اطمن عليهم و أنا هنا هغطي عليك.
أومأ باقتناع ليقول بنبرة حزينة:
ـــ فعلا… مودة حالتها متأخرة أوي اليومين دول… ميري كانت قالتلي انها في المرحلة الأخيرة من المرض و مفيش أي علاج ولا حتى عمليات هتجيب معاها نتيجة و إن هي خلاص كلها أيام و تودع الدنيا.
أغمض أدهم عينيه بتأثر متمتما بخفوت:
ـــ لا حول و لا قوة إلا بالله… الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به عباده و فضلنا على كثيرا ممن خلق تفضيلا.
…. طاب روح يابني مستني ايه… أكيد محتاجينك معاهم دلوقتي.
نهض آسر و هو يقول:
ـــ تمام… لو اتأخرت مش هوصيك بقى ظبط الدنيا عشان سيادة اللوا ميحسش بحاجة.
ـــ امشي يا آسر متحملش هم.
في مستشفى القلب التابعة للدكتور رؤف صديق محمد أبو مودة….
يقف محمد في حالة يرثى لها و بجواره مودة تزرف الدmـ.ـو.ع بلا انقطاع و أمامهما الدكتور رؤف يسرد لهما بأسى:
ــــ للأسف يا محمد نزفت كتير جدا لحد تقريبا ما دmها اتصفى… أنا آسف أني أقولك ان خلايا المخ مـ.ـا.تت و هي حاليا مـ.ـيـ.ـتة اكلينيكيا..
شهقت مودة بذعر بينما تحشرج صوت محمد ليخرج بصعوبة:
ـــ مـ.ـا.تت؟!
أردف الطبيب موضحا:
ـــ لا القلب لسة بينبض و هي حاليا متوصلة بجهاز التنفس الصناعي بس خلاص مفيش أمل في رجوعها تاني للحياة… احنا في انتظار بس إن القلب يقف… شـ.ـد حيلك يا محمد ربنا يصبرك.
بينما هناك آسر يسير بتؤدة حتى لمح محمد يقف أمام العناية المركزة و تقف بجواره مودة … ماذا؟!.. مودة تقف على قدmيها؟!..هي مذعورة حقا و يبدو على ملامحها الإعياء الشـ.ـديد و كأنها ستسقط في أي لحظة و لكنها بالفعل واقفة… لقد توقع أن يأتي ليجدها مسجية بفراش المرض.. لماذا إذن دعاه حماه للقدوم؟!.. لحظة.. ميريهان؟!.. أين هي إذن؟!
حين واتته تلك الفكرة ركض إليهما و قلبه يكاد يخرج من قفصه الصدري من فرط الخــــوف و القلق، و ما إن وصل حتى خرت مودة فاقدة للوعي فالتقطها آسر بين ذراعيه على الفور و نزل بها على أرضية المشفى الرخامية، و ذلك حين لفظ الطبيب أمر انتظاره لتوقف قلب شقيقتها.
ـــ بـ.ـنتي..
صرخ بها محمد في ذهول و حاول قدر المستطاع أن يبقى واقفا على قدmيه التي أصبحتا كالهلام و ألا يسقط فاقدا للوعي هو الآخر، بينما انحنى الطبيب رؤف على الفور ليتحسس نبض شريانها السباتي على جانب رقبتها فلم يشعر به البتة، فأسرع بدق جرس ما على الحائط و هو يصـ.ـر.خ بصوت عال:
code blue.. arrest… code blue
و في لحظات كان فريقا من حوالي ستة أفراد من ممرضين و أطباء قد حضروا للمكان و قاموا بنقل مودة إلى غرفة الإنعاش القلبي بينما محمد يتوسل لرؤف:
ـــ مودة مالها يا رؤف؟!
أخذ يلهث بعنف و هو مترددا في القول فحثه محمد بتأكيد:
ـــ قول يا رؤف انا راضي.
كل ذلك تحت مرئى و مسمع آسر الذي مازال لا يفهم شيئ إلى الآن بينما رد رؤف بأسف:
ـــ قلبها مستحملش الصدmة و وقف..
اتسعت عيني آسر و هو يردد بذهول في نفسه:
ـــ صدmة؟!… أي صدmة تلك؟!
استرسل رؤف يطمأنه:
ـــ بس متقلقش يا محمد… الفريق مش هيسيبها و شغالين معاها انعاش قلبي رئوي و ان شاء الله القلب هيشتغل تاني و هتتوصل بأدوية تدعم القلب… أنا هدخل دلوقتي أشوفها و أطمنك.. عن إذنك.
لم تعد قدmاه قادرتان على حمله، فحبيبتيه على وشك فراقه، حبتي العين و قرتي القلب و زهرتي عمره… يا الله كيف لقلبه أن يتحمل كل هذا!.. فهبط ليجلس على الأرض و نزل آسر معه يسأله بهلع:
ـــ فيه ايه يا عمي فهمني؟!.. ايه اللي حصل أبوس ايدك؟!
نظر له بعينين مغشيتين بالعبرات ثم قال بصوت جريح بالكاد تخطى حنجرته:
ـــ ميري عملت حادثة و نزفت كتير لحد…. لحد ما دmها اتصفى و يعتبر مـ.ـا.تت… رؤف.. رؤف بيقول انها مـ.ـيـ.ـتة اكلينيكيا..
أخذ يهزه بلا وعي و هو يردد بعدm تصديق:
ـــ مـ.ـيـ.ـتة ازاي؟!.. لا ميري ممـ.ـا.تتش… ميري كويسة و هتقوم… دي كانت بتكلمني من ساعتين بتقولي انها رايحة خان الخليلي تشتر….. هي فين؟!… عايز أشوفها… هي فين؟!
نهض و هو يبحث عنها كالمـ.ـجـ.ـنو.ن و يحاول فتح باب العناية بيدين مرتعشتين و لكن بلا جدوى.
ـــ اصبر يا آسر… هتشوفها بس اصبر..
كان ذلك هتاف محمد الضعيف و لكن لم يتوانى عن الطرق على الباب الكبير إلى أن خرجت ممرضة من الداخل ليهتف بها برجاء:
ـــ لو سمحتي دخليني عايز أشوف خطيبتي.
ـــ أنا آسفة جداً مش هينفع.
ـــ أرجوكي أنا مش هعمل اي حاجة… أنا هبص عليها من بعيد.
أشفقت على حالته المذرية لتقول بعد برهة من التفكير:
ـــ بس من فضلك بسرعة قبل ما دكتور رؤف ييجى و يشوفك عندها.
ـــ حاضر متقلقيش..
أفسحت له الطريق فدلف مسرعا و هاله ما رأى من مشهد يخلع القلب…
ميريهان مسجية على الفراش الأبيض ترتدي عباءة طبية زرقاء و غطاء رأس طبي، بشرتها شاحبة شحوب المـ.ـو.تى، عينيها نصف مفتوحة و لكن بؤبؤيها ثابتين تماما، و أكثر ما آلم قلبه تلك الأنبوبة المغروسة بحنجرتها و الموصولة بخراطيم غليظة متصلة بجهاز التنفس الصناعي حيث الأصوات الصاخبة و العديد من الأجهزة الأخرى المتصلة بذراعيها.
تقدm منها حتى اقترب كثيرا ثم انحنى لمستوى رأسها و انفرج ثغره لينادي عليها و لكن لسانه أبى من فرط صدmته، حاول كثيرا الى أن تخطى تلك الغصة الأليمة التي علقت بحلقه ثم ردد اسمها بصعوبة:
ـــ مـ ميري… ميريـ هان… حبيبتي… أنا آسر يا روحي.. سامعاني؟!.. انتي هتقومي… هتبقي كويسة و أنا هستناكي… هستناكي العمر كله يا كل حياتي .
سكت يتأملها بصمت لعله يرى منها أي حركة أو حتى رمشة من عينيها إلا أنه لم يحدث و كأنها مـ.ـيـ.ـتة حقا.
انتابته حالة من الهيستيريا حين أدرك حقيقة مـ.ـو.تها و فراقها الأبدي فأخذ يهزها و هو يبكي بنحيب وصل الممرضة:
ـــ ميري ردي عليا… طاب ارمشي بعنيكي… اعملي أي حاجة..أي إشارة… ميري الله يخليكي يا حبيبتي ردي عليا.. ميري… ميري..
استمر في تحريكها و هو يناديها بلا كلل حتى هرولت اليه الممرضة و معها زميل آخر و أخذا يجذبانه بعيدا عنها حتى أخرجاه من الغرفة و هو في حالة من الانهيار التام.
↚
بعد نصف ساعة من الانتظار كاد محمد خلالها أن يفقد عقله خرج الدكتور رؤف يجفف حبات العرق التي أندت جبينه ثم قال و هو يتنفس باعياء:
ـــ الحمدلله يا محمد مودة قلبها رجع و اضطرينا نحطها على جهاز التنفس الصناعي علشان نريح القلب لحد ما حالتها تستقر و تقدر تاخد نفسها بتلقائية.
فغر فاهه بحسرة، فبـ.ـنتيه راقدتان و مصيرهما مرتبط بذلك الجهاز اللعين في آن واحد… لقد تمنى في تلك اللحظة لو يلحق بهما، فلم يعد لديه ما يعيش لأجله..
أشفق رؤف عليه للغاية و بعد برهة من التفكير و هو يتأمل حالة البؤس التي أصابت صديقه، ربت على كتفه و هو يقول بجدية:
ـــ تعالى معايا مكتبي يا محمد… عايزك في موضوع ضروري..
نظر له بتيه و كأنه لم يسمعه أو بالأحرى ليس لديه طاقة لسماع أي شيئ، فأدرك رؤف ما يدور بخلده و التمس له العذر و لكنه أصر عليه:
ـــ تعالى يا محمد.. الموضوع يخص مودة… صدقني يا صاحبي دي مسألة حياة أو مـ.ـو.ت..
استطاع أن يجذب انتباهه على ذكر قرة عينه، فانصاع محمد المكلوم لكلامه ثم تحرك بصعوبة بالغة فقام رؤف بإسناده حتى وصلا لمكتبه الكائن بنفس الطابق.
ـــ اسمعني كويس يا محمد و حاول تستوعب اللي هقوله.. دلوقتي ميري قدامها ساعات أو أيام و تقابل وجه كريم.. و مودة حالتها خطيرة و لو متحركناش و النهاردة… سكت مليا ليقول بأسى:
ـــ للأسف هتحصل أختها..
انهمرت العبرات من عيني محمد و اهتز جسده ببكاء مرير لم يستطع السيطرة عليه، فنهض رؤف من مكانه ليسحب كرسي و يجلس بجوار صديقه يربت على ظهره و يطمأنه ثم استرسل بتوسل:
ـــ اهدى يا محمد… البكا في وسط كل اللي انت فيه دا مش هيفيد بحاجة… اجمد عشان تقدر تنقذ مودة و تطلع بأقل الخساير.
أخيرا نطق بقلة حيلة و قد احمر وجهه من فرط الحـ.ـز.ن و البكاء:
ـــ في ايدي ايه اعمله يا رؤف… قولي و أنا مش هتردد لحظة.
ـــ حتى لو قولتلك هنستأصل قلب ميري و نعمل عملية زرع قلب لمودة؟!
تطلع اليه بملامح مصدومة ليسترسل رؤف بمزيد من الضغط:
ـــ ميري كدا كدا مش هترجع للدنيا بس قلبها سليم و كويس.. و العملية نسبة نجاحها هتبقى عالية لأنهم اخوات.. و نسبة التوافق بينهم هتكون عالية و مش بعيد تكون متطابقة و دا يضمن نجاح العملية ان شاء الله… و القرار دلوقتي في ايدك.. يا بناتك الاتنين يودعوك.. يا تفارق واحدة و تنقذ التانية و تطلع بخسارة واحدة بدل خسارتين.
مازال محمد في ذهوله و صدmته، فأدرك رؤف تخبطه، فالوضع ليس بالهين.
ـــ محمد أنا هروح أشوف حالة و هسيبك هنا تفكر براحتك… بس خليك عارف إن مفيش قدامنا وقت كتير.. و لو وافقت هتحتاج مبلغ كبير لان العملية مش هنعملها هنا.. البنات هتسافر ألــمانيا في طيارة فيها اسعاف مجهز و هناك كل حاجة هتتم.. أنا كدا شرحتلك الوضع كله و انت في ايدك القرار.. عن اذنك..
نهض من جواره ثم سار على عجالة ناحية باب الغرفة، فلم يكد يصل رؤف الى الباب حتى هتف به محمد بصوت متحشرج من أثر البكاء:
ـــ أنا موافق… ابدأ في الاجراءات فورا
التفت رؤف ليسأله بجدية:
ـــ هتقدر على مصاريف السفر و العملية؟!
أجابه بنبرة من الضياع:
ـــ هبيع كل اللي حيلتي… هبيع الفيلا و الشركة و الكام فدان اللي في البلد… معادش عندي حاجة أبكي عليها يا رؤف…مكانش عندي أغلى من بناتي.. هبقى على ايه من بعدهم..
قال كلمـ.ـا.ته ثم انخرط في بكاء مرير، فعاد اليه رؤف ليواسيه و يهدئه حتى سكن قليلا، فأردف محمد:
ـــ بس الموضوع دا يفضل سر بينا… مش عايز مخلوق يعرف.. لا مودة و لا مامتها و لا حتى آسر.
ـــ اطمن يا محمد محدش هيعرف… بس العملية لو نجحت هنقولهم ايه؟!
ـــ هنقول عملنالها عملية قلب مفتوح..
ـــ بس مودة و الكل عارف ان العملية دي مش هتفيدها في حالتها…
رد محمد بقليل من الانفعال:
ـــ يووه يا رؤف.. ساعتها هقنعها بأي حجة… أبوس ايدك أنا مش ناقص.
أومأ رؤف عدة مرات مردفا بجدية:
ـــ خلاص يا محمد هتدبر ان شاء الله… أنا حالا هكلف فريق يقوم باجراءات التوافق و عمل التحاليل و الأشعة اللازمة.. و هحجز في مستشفى القلب اللي بتعامل معاها في المانيا في أقرب وقت…
نهض محمد هو الآحر ليقول:
ـــ و أنا هروح البنك أسحب كل الفلوس اللي في رصيدي و هحولهملك لحد ما اتصرف في بيع الحاجات اللي قولتلك عليها..
أومأ رؤف بأسى على مصاب صديقه ثم قال:
ـــ ان شاء الله كله هيبقى تمام..
نظر له باستجداء:
ـــ أرجوك يا رؤف عايز أشوف بناتي قبل ما أمشي..
ربت على كتفه ليقول بمواساة:
ـــ شوفهم يا محمد بس عايزك تبقى جـ.ـا.مد عشان تقدر تكمل المشوار… و حط في دmاغك دايما إن مودة محتاجاك معاها في الأيام اللي جاية دي بالذات.
هز رأسه عدة مرات و هو يجاهد عبراته لألا تسقط مجددا… يقاوم ذلك الانهيار الذي يهز كيانه بضراوة متصبرا بآيات الصبر الذي يرددها في نفسه منذ تلقى صاعقة حادث ميريهان.
في محافظة سوهاج….
يجلس معتصم برفقة أخيه بالمضيفة الملحقة بمنزل عمه حمد كحال معظم منازل البلدة ليقول بعدmا رحب عمه بطلب زواج أخيه من ابـ.ـنته:
ـــ شوف يا عمي ايه طلباتك و مـ.ـيـ.ـتى بدك نعمل الخطوبة و الفرح.
حك حمد الكبير ذقنه و السعادة تغمره بهذا النسب الثقيل ليقول بفرحة تنطق بها عينيه:
ـــ خير البر عاچله يا ولدي… و احنا چاهزين ف أي وجت.. ايه رأيك الخطوبة بكرة و الفرح بعد سَبوعين تلاتة اكده.
ـــ نعم؟!
كان ذلك رد حمد الصغير و الذي صدmه تعجل عمه بالزواج، و لكن معتصم نهره بنظرة من عينيه ثم تطلع لعمه راسما على محياه بسمة مصطنعة ثم قال:
ـــ اللي تشوفه يا عمي…مالوهش عاذة التأچيل كيف ما انت خابر…
أخذ حمد يناظره بنظرات حارقة، فهو لم يتوقع أن أخاه سينصاع لطلبات عمه بتلك السهولة، و لكن معتصم تجاهل نظراته مسترسلا حديثه بجدية تامة:
ـــ و طلباتك من حيث الشبكة و المهر يا عمي؟!
التمعت عيني حمد الكبير بطمع ليقول بعنجهية بعدmا بلل شفتيه:
ـــ شبكة بتي متجلش عن متين ألف چنيه و المهر كدهم مرتين و المؤخر مَليون اچنيه.
سكت معتصم يتأمله مليا و هو يضيق عينيه بتفكير، فهو يدرك جيدا أن تلك العنجهية الكاذبة و ذلك الطمع الذي يملأ عينيه ما هو إلا صنيع زوجته الجشعة، و لكنه أومأ موافقا على كل حال ليقول بغموض:
ـــ و ماله يا عمي… صافية تستاهل تُجلها دهب.
رمقه حمد شقيقه بذهول، فكيف لأخيه أن يوافق عمه على هذا الهراء و كأنه سيزوجه مارلين مورلو.
بينما معتصم نظر له بثبات و كأنه يقول له “اصبر”، ليتحدث حمد أخيرا بنفاذ صبر و غـ.ـيظ شـ.ـديد:
ـــ طاب مش هشوف مارلين مو…قصدي العروسة يا عمي ولا ايه؟!
أومأ عمه بابتسامة سمجة:
ـــ حالا يا عريس بتي…. يا أم كريمة..يا ام كريمة..
هرولت اليهم زوجته سريعا فيبدو أنها كانت قريبة من مجلسهم تسترق السمع لتقول بفرحة ظاهرة:
ـــ ايوة يا حاچ؟!
ـــ نادmي صافية لعريسها.
بعد قليل أطلت عليهم بحجاب أبيض صغير و بفستانها الشيفون البنفسجي المبطن من الداخل و لكنه يبدو مبهرجا أكثر من اللازم بسبب الفصوص التي تزينه بالأكمام و على الصدر، الشيئ الذي أثار ضحكات حمد و لكنه كتمها بشق الأنفس و وقف يمد يده ليصافحها فمدتها على استحياء ثم نزعتها سريعا بمجرد أن لمسها و هي تطأطئ رأسها للأسفل بخجل بالغ، فتنحنح معتصم ثم وقف ليقول:
ـــ بينا يا عمي احنا نشربو الشاي بالدوار و نسيب العرسان ابراحتهم.
نهض عمه و أخذ معتصم و خرجا من المضيفة تاركين حمد و صافية مازالا واقفين.
ـــ اقعدي يا صافية.
انصاعت لأمره و جلست بأقرب أريكة فجلس حمد بجوارها تاركا بينهما مسافة جيدة و رغم ذلك ابتعدت عنه أكثر فنظر لها باستنكار و لكنها لم تبالي له و ظلت ساكنة تنظر الى الأرض و حسب:
ــــ هي السجادة عاجباكي أوي كدا؟!
لم تفهم مقصده فرفعت رأسها تنظر له باستفهام:
ـــ ها؟!
دقق أكثر في ملامحها، عينيها نجلاوتين ذات لون أسود قاتم، يعلوهما حاجبين طويلين رسمتهما رغم عدm تدخلها تخـ.ـطـ.ـف الأنظار، بشرتها بيضاء متخضبة بالحمرة، ذقنها مقسوم بدقة الحسن، انها حقا جميلة رغم بساطتها ذات ملامح مريحة و لكنها صغيرة للغاية، فمن يراها لن يعطيها أكثر من خمسة عشر عاما… فملامحها تبدو كذلك.
حين أطال النظر اليها ابتسمت رغما عنها من فرط الخجل ثم أطرقت رأسها للأسفل مرة أخرى فلمح تلك الغمازة الوحيدة بخدها الأيمن و التي زادتها جاذبية، تلك البسمة أطاحت بعقله و جعلته يبتسم تلقائيا…لا يدري لما يبتسم الآن بعد تلك الابتسامة الرائعة التي أظهرتها له و لكن استطاعت أن تستحوذ على إعجابه.
ـــ انتي هتفضلي باصة في الارض كدا كتير؟!
ردت بخفوت و هي مازالت على ذلك الوضع:
ـــ و أني هبص فين يعني يا واد عمي؟!
ـــ بصيلي.
دق قلبها بعنف حين أمرها بذلك، فذلك الوسيم كيف ستنظر له هكذا دون خجل.
ـــ بصيلي يا صافية… مش حـ.ـر.ام على فكرة.
بالكاد استطاعت أن ترفع رأسها لتلتقي عينيها النجلاوتين بعينيه المصوبة بهما تماما يتأملها بشغف أكثر من ذي قبل، فازداد خجلها و لكنها تلك المرة أخفضت جفنيها تخفي بهما خجل عينيها و ما زالت رأسها مستقيمة ناحيته و كأنها تستجديه أن يرحم خجلها.
اتسعت ابتسامته أكثر مستمتعا بتلك الربكة التي أصابتها بسببه، ثم قال باعجاب:
ـــ انتي طلعتي حلوة أوي يا صافية و أنا شكلي كدا هحبك.
احمرت وجنتيها و أشاحت وجهها بعيدا عنه لتقول بحنق:
ـــ اتحشم يا واد عمي..
علت ضحكته أكثر، الأمر الذي أثار غـ.ـيظها البالغ فرمقته بتقطيبة ثم قالت:
ـــ شايفني أراچوز إياك!
سكت عن ضحكه ليقول بجدية ممزوجه ببسمته:
ـــ لا طبعاً دا انتي ست البنات.
عادت لطأطأة رأسها مرة أخرى، فسألها:
ـــ طاب قوليلي طيب ايه رأيك فيا؟!
ردت باقتضاب:
ـــ مليح.
ـــ بس كدا؟!
أخذت تفرك كفيها و تقول و هي تنظر لهما:
ـــ يعني انت من زينة شباب البلد و أي واحدة تتمناك و… اكده.
ـــ و انتي عرفتي منين الكلام دا.
ـــ أمي جالتلي اكده.
أخذ يهز رأسه بتفهم ليقول:
ـــ انا عايز أسمع رأيك انتي مش رأي أمك..
ـــ ها؟!……..مخبراش.
هز رأسه بإحباط ثم سألها مرة أخرى:
ـــ طاب انتي مستعدة للجواز؟!
قطبت جبينها بتفكير ثم سألته بجهل:
ـــ كيف يعني؟!
ـــ يعني مستعدة انك تكوني مسؤلة عن زوج بكل طلباته و بيت و عيلة هتعيشي في وسطها كزوجة مش طفلة… و احتمال كمان تكوني أم… فكرتي في كل دا؟!
انفرج ثغرها قليلا تفكر في كلمـ.ـا.ته ثم قالت بلامبالاة:
ـــ إيوة…أمي جالتلي ان اني كبرت و اللي في سني معاها عيل و اتنين.
حاول قدر الامكان أن يتحلى بالصبر، فهي قد استطاعت أن تستفزه لدرجة أنه يريد كـ.ـسر رأسها ثم تابع أسئلته:
ـــ طاب مش ناوية تكملي دراسة بعد الإعدادية؟!
ردت بعفوية:
ـــ لاه.. أمي جالتلي كفاية عليكي الاعداديه… البـ.ـنتة ملهاش الا دار چوزها.
تطلع اليها رافعا حاجبيه باستنكار… أمي قالت… أمي قالت… و ماذا عنها هي؟!
زفر أنفاسه بضيق، فقد ضاق ذرعا باجابتها الغير واعية و أدرك حقيقة كونها مازالت طفلة في شكلها و عقلها أيضا.
أخذ يتمتم بصوت خفيض:
ـــ الله يسامحك يا معتصم انت و عمي.. هو أنا لسة هربي من اول و جديد.
طاب يا صافية عايزة ت عـ.ـر.في حاجة عني أو تسأليني أي سؤال؟!
سكتت لبرهة ثم هزت رأسها بنفي:
ـــ لاه.
لوى شفتيه لجانب فمه باحباط بالغ، فهو لم يتوقع أبداً أن تكون أول مقابلة له مع شريكة عمره على هذه الشاكلة المملة، و لا أن تكون إجابتها بهذا الغباء و تلك اللامبالاة و كأنها ستذهب معه في نزهة… كيف لا يُثير فضولها… كيف لا تهتم بما يفضله و ما لا يفضله.. كيف لا تستفسر عن خططه المستقبلية…ما هذا الهراء؟!.. حقا بدأ يفقد عقله…في بادئ الأمر أثارت اعحابه و استحسن التأمل في وجهها الجميل و لكنه الآن لا يطيق النظر اليها… فقد استطاعت بغبائها أن تبني بينهما جدارا منيعا حجب عنه ما رآه فيها من حُسن الخِلقة.
***********************””””
ـــ مش مسامحك يا معتصم… مش مسامحك ع اللي بتعمله فيا… بقى دي اخرتها… اتجوز واحدة جاهلة متعرفش أي حاجة في الدنيا… واحدة ماشية بدmاغ أمها ولاغية دmاغها دي خالص… ايه دا؟!.. هو في كدا يا أخي.!
كان ذلك صياح حمد أثناء عودته لمنزلهما بسيارة شقيقه، و كان معتصم يستمع اليه و هو ظاهريا يركز على الطريق و انما داخليا كان حزينا لحظ أخيه التعيس، فهو أيضا لم يتمنى أبداً له عروس كـ صافية تلك الفتاة ناقصة العقل، فلا تمتلك النضج الكافي لمجاراته و لا الحنكة في الحديث و لا لأي مقوم يجعلها تستحق “حمد البدري”…هذا الشاب ذو العقل الذهبي الذي يسبق في ذكاء تفكيره و حكمته من هم أكبر منه بكثير، انه يراه أفضل حتى من ذاته رغم تلك الهيبة التي اكتسبها و رغم بلوغه عمر الثانية و الثلاثون و رغم فرق الثمان سنوات بينه و بين شقيقه الأصغر.
أخذ نفسا عميقا ثم زفره على مهل ثم قال بجدية:
ـــ ما خلاص يا حمد بزياداك تأنيب فيا…و بعدين أنا واثق انك هتجدر تغيرها كيف ما انت رايد…صافية هتبجي زي العچينة في يدك تشكلها كيف ما تحب… و في يدك تشيل مخ أمها من راسها و تزرع بداله مخك انت… كيف العروسة اللي بيحركوها باليد.
جز على أسنانه بتغـ.ـيظ بالغ ثم صاح بانفعال:
ـــ و أنا ايه اللي يجبرني أتجوز لعبة أحركها بمزاجي؟!.. و ليه متجوزش واحدة ليها رأي و ليها كيان… تبقى بـ.ـنت قوية و ليها شخصيتها تسد في أي موقف و أنا مش معاها.. ليه اربط نفسي بواحدة أنا المتحكم الوحيد فيها زي الجهاز اللي بريمـ.ـو.ت كونترول… لا لا يا معتصم… صافية أبعد ما يكون عن طموحاتي كزوجة.
ضـ.ـر.ب معتصم المقود بقبضته بعصبية مفرطة ثم صاح بغـــضــــب:
ـــ أباااي عاد يا حمد..الفاس و.جـ.ـعت في الراس و انتهينا.. أني مش هرچع في كلمتي مع عمك.. مانجصش تچريس في البلد و هو سيد مين يچرس الخلج.. الله يسامحه أبويا هو اللي فرض علينا النسب الغم ده.
سكت حمد و هو يغلي بداخله، فمعتصم حديثه صحيح… لقد وقعت الفأس في الرأس و كان هو كبش الفداء.
↚
كانت ندى جالسة بغرفتها تقرأ بأحد كتب الفقه التي تفضلها دائما حين رن هاتفها برقم السيدة تيسير والدة أدهم…
ـــ ألو ازيك يا طنط عامله ايه..
ـــ بخير يا حبيبتي الحمد لله..
ـــ اتأخرتي اوي يا طنط… أدهم قالي انك كنتي جاية الصبح و احنا دلوقتي بقينا بعد الضهر اهو..
ـــ أنا آسفة يا ندى أكيد زهقتي من القعدة لوحدك… بس انتي عارفه ان روان حامل في الشهر التاني و تعبانة.. فاضطريت أفضل معاها شوية.. بس ان شاء الله هرجع على اخر اليوم.
ـــ ألف سلامة عليها… سلميلي عليها كتير… لو عايزة تقعدي معاها عادي أنا مش زهقانة ولا حاجة.
ـــ لا يا حبيبتي الحمد لله بقت أحسن… و بيني و بينك مبرتاحش غير في بيتي… المهم وفاء جايالك دلوقتي تنضف البيت بس انا كلمتك عشان اقولك متخليهاش تدخل قوضتك انتي و أدهم… نضفيها انتي عشان خصوصياتكم و كدا.
ابتسمت بمرارة ثم قالت:
ـــ حاضر يا طنط… أنا ممكن أنضف البيت كله عادي..
ـــ لا يا قلبي الشقة واسعة و هتتعبي في تنضيفها و انتي لسة عروسة ميصحش نستغلك كدا…
ثم ضحكت بمرح لترد ندى متظاهرة بالضحك:
ـــ ماشي يا طنط اللي تشوفيه.
ـــ مابلاش طنط دي بقى… انتي بـ.ـنتي التالتة يا ندى.
ابتسمت بحب لتلك السيدة التي عادة ما تغمرها بحنانها ثم قالت:
ـــ حاضر يا ماما..
ـــ ايوة كدا يا ندوش… يلا يا حبيبتي مش هطول عليكي… ان شاء الله قبل ما أدهم يرجع من شغله هكون عندك..
ـــ تمام.. مع السلامه.
و بمجرد أن أغلقت الهاتف دق جرس الباب فعلمت أنها وفاء الخادmة، فبدلت بيچامتها الصيفية الخفيفة لفستان منزلي بسيط بأكمام طويلة ثم ذهبت لتفتح الباب و بالفعل وجدتها وفاء..
ـــ مساء الخير يا ندى هانم..
ـــ مساء النور اتفضلي يا وفاء..
دلفت الى داخل الشقة بعدmا أغلقت ندى الباب ثم تحدثت اليها مباشرة:
ــــ وفاء ابدأي بالمطبخ و الحمام على ما أنضف قوض النوم.. و بعدها اعملي الريسبشن و الصالون و قوضة السفرة..تمام؟!
أومأت وفاء بابتسامة فقد رفعت ندى عن كاهلها عناء تنظيف غرف النوم، فالشقة واسعة حقا و تنظيفها شاق للغاية.
فكرت ندى أن تبدأ بغرفة أدهم حتى لا تأتي أمه و تجدها مهلهلة و بذلك تكتشف انفصالهما في الغرف و يبدأ التحقيق و هي غير مستعدة نفسيا لذلك.
بمجرد أن فتحت باب الغرفة صعقت مما رأت، انها أشبه بمقلب للقمامة منها غرفة..
الملابس ملقاة في كل مكان.. بقايا الطعام مازالت مكانها على الكومود.. طاولة الزينة فوضاوية للغاية.. جورب هنا و آخر هناك…ناهيك عن الأوراق المتناثرة في كل ركن من الغرفة…علاوة على أكواب الشاي و القهوة الموضوعة على الكومود…. بحق الله لو كان طفلا لما فعل بالغرفة فعلته تلك..
أخذت تهز رأسها بأسى ثم سرعان ما انفجرت في الضحك من فرط ذهولها من ذلك المشهد الغير متوقع على الإطـ.ـلا.ق.
دلفت و أغلقت الغرفة جيدا حتى لا ترى وفاء تلك الفوضى، و أول ما فعلته هو أن تقدmت نحو طاولة الزينة لتلتقط زجاجة عطره الذي أدmنته و تديرها بين كفيها لتقرأ الاسم المدون عليها “دخون روز” لقد أحبت اسم العطر من فرط عشقها له و لصاحبه، ثم نثرت قليلا منه بالجو و قامت باستنشاقه باستمتاع غريب و كأنه يقف الآن أمامها…
ابتسمت بحالمية حين تخيلت نفسها مستقرة على صدره و تتنفس عطره من جانب عنقه… حقا متى سيتحقق ذلك الحلم؟!…فكل يوم يمر عليها في منزله يترسخ عشقه داخلها أكثر و يزداد هوسها به أكثر و أكثر… متى أصبحت مـ.ـجـ.ـنو.نة به هكذا… ندى تلك الفتاة الرزينة الهادئة تمرد عليها قلبها للغاية لتتحول لفتاة مراهقة تتخيل نفسها بأحضان حبيبها؟!… نهرت نفسها و هي تتمتم لنفسها بالسباب و التأنيب ثم شمرت ساعديها و خلعت حجابها لتبدأ في مهمتها الأصعب على الإطـ.ـلا.ق ألا وهي ترتيب غرفة أدهم الفوضاوية.
يقف بروح مفقودة ساندا رأسه الى باب العناية المركزة و كأنه ينتظرها لتخرج اليه، فلم ينتبه من شروده إلا حين ربت أبوه على كتفه، فنظر له بعينين مسبلتين بـ.ـارهاق ليهز أبوه رأسه بأسى على حال ابنه:
ـــ وقفتك دي مش هتفيد بحاجة يا آسر…انت بقالك اكتر من ساعتين واقف على رجلك يابني..
نظر أمامه في الفراغ و هو بالكاد يفتح عينيه من فرط الحـ.ـز.ن الذي أنهك عيناه ثم قال بصوت متحشرج:
ـــ انا مش حاسس بتعب يا بابا متقلقش.
تنهد أبوه بحـ.ـز.ن دفين ثم قال بنبرة جادة مؤلمة:
ـــ يا آسر انت لازم تفهم ان ميري دلوقتي بين ايادي الله و أحسن حاجة نقدmهالها الدعاء… أنا متأكد انها مش مبسوطة بوقفتك دي و حالتك اللي انت فيها دي دلوقتي.
انكمشت ملامحه بألــم و كأنه على وشك البكاء ثم قال بنبرة متألــمة:
ـــ ميري لسة عايشة يا بابا… قلبها لسة بينبض… لسة بتتنفس.
رد أبوه بحدة لعله يفيق:
ـــ يابني كلها ساعات و هتفارق الدنيا..
رد آسر بنفس نبرته الحزينة:
ـــ حتى لو لسة فاضل في عمرها كام ساعة فأنا عايز أفضل جنبها الكام ساعة دول… مش هقدر أسيبها… أنا عارف انها مسألة وقت مش أكتر.. بس قلبي مش مطاوعني أبعد عنها الساعات اللي باقيالها في عمرها… أرجوك يا بابا سيبني أنا مش حاسس بتعب صدقني.
أطرق أبوه رأسه بحـ.ـز.ن بالغ و هو يردد الحوقلة، ثم عاد ليلح عليه من جديد:
ـــ طاب عشان خاطر ابوك العيان اسمع كلامي و ريحني و روح البيت غير هدومك على الأقل… انت مش شايف شكلك عامل ازاي!.. البدلة البيضا مبقتش بيضا و السترة طالعة من البنطلون و حالك مبهدل اوي يابني.
انفرج ثغره ليعترض ليقاطعه والده بنبرة قاطعة:
ـــ خود شاور و غير هدومك بس يا آسر و تعالى تاني بسرعة… أنا هقف مكانك هنا مش هتحرك لحد ما ترجع… يلا يابني أنا ضغطي عالي و مش حمل المناهدة دي.
أشفق على حال أبيه و رجائه المستمر فأومأ بقلة حيلة:
ـــ ماشي يا بابا… كلها نص ساعة بالظبط و هرجع تاني.
أومأ مربتا على كتفه بحنو:
ـــ ايوة كدا يا حبيبي ربنا يهديك… يا ريت تروح بتاكسي بلاش تسوق عشان انت شكلك تعبان و مش مركز.
أومأ آسر بصمت ثم استدار مغادرا تاركا قلبه هنا عند حبيبته الراقدة في فراش المـ.ـو.ت.
في محافظة سوهاج….
بمجرد أن ترجل معتصم من سيارته اتجه مباشرة الى داخل الدوار أتبعه حمد ليتجهان مباشرة لمجلس أمهما المعتاد في بهو المنزل و لكنه لم يجدها، فتسرب القلق الى قلبه، فهي دائما تفضل الجلوس بتلك الأريكة العتيقة ولا تتركها الا في حال مرضها.
ـــ نعمة.. نعمة..
هرولت اليه نعمة الخادmة لتقول باحترام جم:
ـــ أوامرك يا كبير..
ـــ فين ستك الحاچة؟!
ـــ ستي الحاچة ف قوضتها يا كبيرنا أصلها بعافـ.ـية حبتين.
اتسعت عينيه بذعر ليصيح بانفعال:
ـــ بعافـ.ـية كيف يعني؟…و كيف محدش يكلمني في التلفون و يخبرني.
جذبه حمد من ذراعه ليقول:
ـــ انت لسة هتسأل يا معتصم… بينا نطلع نشوف فيها ايه؟!
بعد قليل…
طرق معتصم باب غرفة والدته ثم دلف بهدوء ليتفاجئ بهذا المشهد…
أمه طريحة الفراش يبدو على ملامحها التعب، و تجلس ريم على حافة الفراش تقيس لها صغط الدm بجهاز الضغط خاصتها بينما مارتينا تقف خلفها تتابع عمل ريم.
ـــ تعالى يا ولدي متخافيش عليا أني زينة…
خلعت ريم سماعتها ثم قامت بفك الجهاز من حول ذراع السيدة المسنة ثم قالت بنبرة عملية متجاهلة وجود معتصم:
ـــ فعلا زي ما توقعت… الضغط عالي و هو اللي عاملك الصداع و مأثر كمان على عنيكي.
تقدm معتصم من فراش والدته تبعه حمد ليقول الأول بلهفة:
ـــ ألف سلامة عليكي يامايا… بجى اكده تجلجينا عليكي!!
ثم انحنى ليقبل كفها بحب خالص تعحبت منه ريم، فكيف لذلك الرجل الغليظ أن يتحول هكذا مع أمه.
تقدm حمد هو الآخر و قبل جبينها:
ـــ سلامتك يا حاجة ألف سلامة… مبتاخديش علاج الضغط ليه بس يا ست الكل… ولا انتي بتعملي كدا بقى عشان افضل قاعد جنبك أديكي العلاج بنفسي؟!
ضحكت السيدة بقهقهة ثم قرصت حمد من أذنه القريبة منها لتقول بجدية ممزوجة بالمزاح:
ـــ ياد جولتلك اعدل لسانك اللي اتعوچ ده من كتر جعدتك اف بحري..
قهقه حمد و هو يتصنع الألــم:
ـــ أي.. يا حاچة خفي يدك هبابة..
ـــ مليح اكده… ناس مبتچيشي غير بالعين الحمرا.
كانت ريم تتابع المشهد بابتسامة متأملة بها مزيج من الاعجاب بتلك التركيبة العجيبة و العلاقة المريحة التي تجمع أفراد هذه الأسرة و من المشهد برمته.
بينما معتصم كان يسترق اليها النظرات، يراقب بسمتها المرتسمة على ثغرها بشغف، يجاهد نفسه لألا يبتسم على مظهر البراءة الذي تبدو به الآن على عكس ما عرفه عنها.
تنحنحت ريم لتجذب انتباه السيدة فالتفتت اليها لتقول بأسف:
ـــ متأخذنيش يا بتي..آخر العنجود لاهاني عنيكي..
ابتسمت بود:
ـــ ولا يهمك يا حاجة…
ردت البسمة لتقول بنبرة يشوبها المرح:
ـــ ده ولدي حمد الصغير… و ده انتي خابراه معتصم الكبير…اني بستسمحك عنيه يا بتي اذا كان شـ.ـد عليكي هبابة… بس بعد ما حكتيلي اللي حوصل عدرتك… و بعد ما شوفتك و اتحددت معاكي حبيتك جوي…البصة في وشك تشرح الجلب الحزين.
أخفضت ريم جفنيها بخجل على إثر تلك الإطراءة الحلوة في حين قالت مارتينا بضحكة بسيطة:
ـــ سيدي يا سيدي…و أنا مش هينوبني من الحب جانب ولا ايه؟!
ضحكت ام معتصم لتقول بود:
ـــ الا انتي يا مارتينا يا بتي… دا انتي عشرة خمس اسنين.. منستغنوش عنيكي واصل.
قاطع الحديث حمد متسائلا:
ـــ طاب ياما احنا عارفين الدكتورة مارتينا… عـ.ـر.فينا بجى على الدكتورة اللي شرحت جلبك.
ضحكت السيدة لتنظر لمعتصم بمكر:
ـــ عرفهالو يا ولدي… انت تعرفها مليح أكتر مني..
رد معتصم باقتضاب مشيحا بناظريه عن ريم:
ـــ دي الضاكتورة ريم… لسة ماسكة الوحدة چديد مكان الضاكتور حسين.
أماء حمد برأسه محييا اياها ببسمة:
ـــ اتشرفت بمعرفتك يا دكتورة ريم و ان شاء الله تتبسطي معانا في البلد.
كتمت ضحكتها بصعوبة لتقول بسخرية:
ـــ الشرف ليا يا استاذ حمد…بس أنا فعلا مبسوطة… مبسوطة اوي..
قالت عبـ.ـارتها الأخيرة و هي تنظر لمعتصم بنظرة ذات مغذى، فزفر معتصم بضيق ثم صاح بجدية مغيرا مجرى الحديث:
ـــ طاب يا ضاكتورة هتكتبي للحاچة أدوية؟!
ارتبكت قليلا حين صوب عينيه تجاهها بملامحه شـ.ـديدة الجدية و التي تهابها كثيرا، فعدلت من وضعية نظارتها الطبية في حركة ملازمة لها عند تـ.ـو.ترها ثم أومأت برأسها و هي تستخرج دفتر صغير من حقيبة يدها و قلم لتقول و هي تكتب:
ــــ أيوة هكتبلها على نوعين… الأول هتاخد منه حباية ع الريق و النوع التاني هتاخد منه قرص بعد العشا.
نزعت تلك الورقة من دفترها و مدت بها يدها لمعتصم الذي أخذها منها و هو يتطلع إليها بملامح مبهمة مرتكزا بعينيه صوب عينيها، لا تفهم إعجاب هذا أم وعيد الذي يشع من نظراته، و لكنها أخفضت عيناها سريعا لتقف و تقول بجدية:
ـــ أنا كدا خلصت… ألف سلامة عليكي يا حاجة و لو حصل أي حاجة ابعتيلي و أنا تحت أمرك.
ابتسمت السيدة بامتنان لتفتح لها ذراعيها و تقول:
ــــ تعالي في حـ.ـضـ.ـني يا بتي و الله حبيتك كيف مابحب عيشة بتي…ابجي طلي عليا بطلتك الزينة دي.
استجابت ريم لدعوة السيدة أم معتصم، فهي أيضا قد أحبتها و ارتاحت لها كثيرا و أدركت الآن سر تحول معتصم معها… فحنانها الزائد هو ما يدعوه للتعامل معها بذاك اللين و تلك الرقة.
نهض معتصم ليقول بجدية:
ـــ اتفضلو امعاي أوصلكو لتحت.
هتفت ريم بأدب:
ـــ مفيش داعي يا معتصم بيه… احنا هنعرف ننزل.
أصر عليها:
ـــ لاه ميصحش يا ضاكتورة… اتفضلو من هانا.
سار خلفهما معتصم الى أن وصلوا الى باب الدوار ليأمر خفيره بعد ذلك بايصالهما الى الوحدة الصحية.
عاد معتصم لغرفة أمه ليجد حمد جالسا و يبدو أنه شاردا في أمر ما و ما أثار حفيظة معتصم امكانية شروده في ريم الأمر الذي أضرم نيران الغـــضــــب في صدره.
ـــ مالك يا حمد؟!… حمد..
انتبه حمد في الثانية ليقول بشرود:
ـــ ايه يا معتصم؟!
ـــ ايه انت؟!
نظر معتصم لأمه فوجدها تجاهد النعاس، فانحنى يقبل جبينها:
ـــ نامي و ارتاحي يامايا و اني هبعت سمعان يچيبلك الدوا من الصيدلية.
ـــ ماشي يا وليدي..
ساعدها في الاستلقاء على جانبها الأيمن ثم جذب ذراع أخيه يجره خلفه جرا و أغلق الغرفة و انصرف الى غرفته و مازال يجر شقيقه خلفه.
ـــ ايه يا معتصم بتجرني وراك زي البهيمة كدا ليه يا أخي؟!
ألقى به على طرف الفراش ليسأله بالهدوء الذي يسبق العاصفة:
ـــ مالك بقى؟!.. من ساعة اللي اسمها ريم دي ما مشيت و انت قاعد سهتان على نفسك و مش على بعضك.
ابتلع ريقه بصعوبة ثم أردف بتـ.ـو.تر:
ـــ مماليش يا معتصم… انت اللي بيتهيألك.
زمجر فيه بصياح و كأنه يذكره بأمر ما:
ـــ فوق يا حمد… كلها اسبوعين تلاتة بالكتير و هتبقى مسؤل عن زوجة… و المفروص انك متفكرش في واحدة غيرها…كيانك كله لصافية مهما كان فيها من عبر و عيوب.
نهض حمد ليقف قبالته هاتفا به بانفعال:
ـــ أنا مش صغير عشان تفكرني بالكلام دا يا معتصم… ولا انا مراهق عشان خيالك يصورلك اني ممكن أبص لواحدة زي ريم و أنا على زمتي واحدة تانية.
أخذ يهزه من كتفيه و هو يصيح بعصبية:
ـــ أومال مااالك و انت سرحان من ساعة ما شوفتها… تفسرلي دا بايه انطق.
نفض ذراعي شقيقه عنه ليقول بحسرة:
ـــ كنت بتخيل صافية زيها يا أخي… نفسي تكون زيها مش أكتر من كدا… انما هي كشخص.. استحالة أفكر في واحدة مش من حقي.
سكت معتصم و كأنه سكب عليه دلوا من الثلج، ليسترسل حمد باستنكار:
ـــ أنا اللي مستغربك يا أخي… و رد فعلك كان مبالغ فيه أوي يا معتصم.. فسرلي انت بقى اتحمقت اوي كدا ليه..
صاح بانفعال مشوشا على موقفه الغير مبرر:
ـــ أنا كل الحكاية اني كنت بنبهك مش أكتر.. و بعدين أنا مش مضطر أفسرلك أي حاجة… سلام.
تركه معتصم و انصرف مغادرا الغرفة مخلفا غيامة من الغـــضــــب و الغموض في آنٍ واحد…
غادر و هو ينهر نفسه على تسرعه في الحكم على أخيه، فهو يدرك جيدا مدى رجاحة عقل حمد و حسن امتلاكه لزمام الأمور… و لكن أكثر ما أغاظه تلك النيران التي استعرت بصدره حين خُيل إليه أنها أَعجبت شقيقه…
ترى أي شرارة تلك التي أشعلتها؟!
↚
ترجلت السيدة تيسير من السيارة الأجرة في نفس لحظة ترجل أدهم من سيارته، فابتسم لهذه الصدفة و أقبل عليها ليلتقط كفيها يقبلهما:
ـــ حمد الله على سلامتك يا ماما حشـ.ـتـ.ـيني و اوي..
احتضنته بشـ.ـدة لتقول:
ـــ و انت كمان يا حبيبي… يلا نطلع بسرعة اصل ندى وحشاني اوي..
ـــ يلا يا حبيبتي..
أخذها و دلفا الى الداخل و استقلا المصعد..
قبل ذلك الحين بقليل…
انتهت ندى لتوها من التنظيف و ها هي قد أخذت حماما بـ.ـاردا و ارتدت بادي بحمالات رفيعة أظهر كتفيها و مقدmة صدرها و شورت قصير من الچينز ثم أظلمت الغرفة بعدmا أغلقت بابها من الداخل لتأخذ قسطا من الراحة لحين وصول السيدة تيسير.
و بمجرد أن تمددت على فراشها قامت منتفضة كالملسوعة لتقول بذعر:
ـــ يانهار ابيض… انا نسيت هدومي في قوضة أدهم..
ثم هبت من الفراش سريعا و فتحت الغرفة لتركض باتجاه غرفة أدهم بسرعة كبيرة قبل أن تراها وفاء بهذه الملابس الفاضحة، معتقدة في داخلها أن تيسير أو أدهم لن يصلا الحين.
فتحت الغرفة و من فرط سرعتها في الركض انزلقت قدmاها لتصطدm رأسها بحافة خزانة الملابس المصنوعة من الخشب الثقيل و قد كانت الصدmة مؤلمة لدرجة أنها صرخت بعلو صوتها حين كان أدهم يفتح باب الشقة بمفتاحه الخاص، حينها التقطت تيسير صراخ ندى لتسبقه الى الداخل و هي تهتف بهلع:
ـــ دا صوت ندى جاي من قوضتك..
ثم خلعت حذائها سريعا و ركضت نحو غرفة ابنها لتجدها مفتوحة و ندى مسجية على الأرض ممسكة برأسها و لا تستطيع النهوض.
ـــ حبيبتي يا ندى… ايه اللي حصل؟!
كانت ندى تجاهد لألا تفقد وعيها فقد ثقل رأسها للغاية و داهمها الدوار، بينما تيسير انحنت لتراها فلمحت تلك الدmاء التي تسيل من جبهتها، فصاحت بهلع:
ـــ أدهم تعالى بسرعة…
في تلك اللحظة دلف أدهم ليصعق حين رآها بتلك الملابس العارية فعاد الى الخلف خطوة يواريها عن ناظريه، فحتما ان كانت بوعيها ستثور و تغـــضــــب لرؤيته لها بذلك الوضع، و لكن أمه صاحت به بحدة:
ـــ ادخل بسرعة يابني شوف مراتك… دmاغها متعورة.
اضطر لأن يستجيب لها ليدخل و هو يحاول أن يغض الطرف عما يظهر من جسدها أمامه، فانحنى ليتفقد جبهتها و قد كانت بالكاد تفتح عينيها و كأنها تريد أن تركض من أمامه و لكن جسدها يأبى و كأنها مـ.ـخـ.ـد.رة.
ـــ جبينها مفتوح بس مش عارف الجـ.ـر.ح كبير ولا صغير من الدm اللي نازل.
ـــ طاب قومها تنام على السرير على ما اروح بسرعة أجيب علبة الاسعافات..
أومأ و هو يسند كتفيها لتذهب تيسير سريعا خارج الغرفة، بينما أدهم يهزها برفق لعلها تستطيع النهوض:
ـــ ندى.. قومي معايا.. ساعديني عشان أقدر أسندك و أقومك من ع الأرض…
و لكنها من فرط خجلها استجابت لتلك الغيمة التي داهمتها لعلها تنقذها من ذلك الموقف الذي أخذاها لدرجة فاقت احتمالها..
ــــ ندى.. ندى..
زفر بعنف حين أدرك أنها فقدت وعيها، فقام بلف ذراعه حول كتفها و الآخر أسفل ركبتيها ليحملها بسهولة و كأنها لا تزن شيئا و قد استقرت رأسها على صدره و سالت دmاء جبهتها على بدلته البيضاء و لكنه لم يهتم، فأكثر ما يهمه الآن أن تكون بخير.
بينما هي داعبت رائحة عطره التي تعشقها أنفها لتئن بخفوت مستمتعة بذلك الحلم الذي راودها بمجرد أن فقدت وعيها بين ذراعيه.
وضعها برفق على الفراش، ثم أخذ يتأمل أنوثتها الطاغية و كأنه مسحور، أين كانت تواري كل هذا الجمال، و لكنه عاد ليغمض عينيه و يستغفر ربه بخفوت، فحتما لو كانت واعية لما مررتها له هكذا.
ابتسم باستهزاء من حاله، ثم نهض بسرعة ليحضر شرشف خفيف من الخزانة ثم دثرها جيدا بحيث لا يظهر منها سوى رأسها حتى ما ان استيقظت لا تشعر بالخذي أو الخجل.
حين أتت أمه بعلبة الاسعافات الأولية، التقطها منها ليبدأ في تجفيف الدm ثم تبين له أنه جـ.ـر.ح صغير لا يحتاج لغرز، فقام بتطهيره و وضع لاصق طبي عليه.
ـــ هي أغمى عليها ولا ايه يا أدهم؟!
أومأ و هو يقوم بوضع اللاصق ثم قال:
ـــ أيوة يا ماما… شكلها مرهق أوي.. أنا بقول نسيبها تنام و ترتاح بلاش نفوقها.
في تلك اللحظة دلفت وفاء حاملة كوب من العصير الطازج كانت قد أمرتها تيسير باعداده لندى و قد سمعت عبـ.ـارة أدهم الأخيرة لتقول و هي تدخل:
ـــ اه و الله يا أدهم بيه… ندى هانم تعبت النهاردة في تنضيف قوض النوم و مأكلتش أي حاجة عشان تلحق تخلص قبل ما ترجعوا.
انكمشت ملامحه بغـ.ـصـ.ـب ليصيح بها:
ـــ و ندى هانم تنضف ليه؟!.. و انتى كان لازمتك ايه؟!
تجعدت ملامحها ببكاء ثم قالت:
ـــ و الله يا بيه هي اللي صممت تنضفهم و قولتلها عنك يا ست ندى هكمل انا مرضييتش أبداً و قالتلي نضفي انتي الصالون و….
صاح أدهم بحدة:
ـــ خلاااص… و اللي حصل النهاردة مـ.ـيـ.ـتكررش تاني.. حطي العصير هنا و اتفضلي انتي..
وضعت العصير على اقرب طاولة ثم فرت من أمامه على عجل، بينما تيسير قد داهمها الشعور بالذنب، فهي من أخبرت ندى بأن تنظف غرفة نومها… و لكنها لم تطلب منها تنظيف غرف النوم الأربعة بالشقة.
حانت منها التفاتة ناحيتها لينمو بداخلها احترام أعظم من ذي قبل لتلك النائمة في سلام.
تنهدت تيسير بحـ.ـز.ن ثم نهضت و هي تقول:
ـــ طاب انا هقوم يا حبيبي أغير هدومي و انت كمان غير و ارتاحلك شوية على ما العشا يجهز.
هز رأسه عدة مرات لتنهض تيسير خارجة من الغرفة ثم أغلقت الباب خلفها.
أعاد رأسه للخلف مستندا الى الوسادة من خلفه ثم ظل محدقا في سقف الغرفة بشرود، يفكر في ندى… تلك الفتاة الرقيقة ذات القلب الصافي النقي… التقية العفيفة.. كيف فضل عليها دارين صاحبة المظاهر و الطبقية…هو يدرك جيدا أن الحب لم يطرق له باب و لم يعلم له سبيل بعد… و لكنه لا يدري لما يشتاق لدارين حين تكون بعيدة عنه و ما ان يراها تصبح مثلها كأي فتاة بالنسبة له…حاول كثيرا تفسير تلك الظاهرة و لكنه لم يجد لها تفسيرا.
تنهد بحيرة ثم أدار رأسه ناحيتها ينظر اليها بتمعن.. ذاك الملاك النائم ذات الشعر الأسود القصير و غرة كبيرة غطت حاجبيها، رموش كثيفة و طويلة، بشرة خمرية ناعمة نعومة الأطفال، و حين أخفض ناظريه ناحية قوامها الأنثوي المغطى بالشرشف الخفيف عاد سريعا ينظر أمامه و كأنها تشعر به… فهو لن يترك لنفسه العنان لتأمل ما حجبته عنه من جسدها مستغلا نومتها و عدm وعيها.
نظر لتلك البقعة الحمراء على كتفه متنهدا بعمق، ثم
نهض أخيرا من الفراش ثم التقط ملابس بيتية من الخزانة و أخذها الى الحمام الصغير الملحق بغرفته.
بعد قليل خرج مرتديا بنطال قطني و تيشيرت أبيض ثم قام بأداء صلاة المغرب و بعدmا انتهى تمدد بحوارها بالفراش محافظا على مسافة كبيرة بينهما.
التقط هاتفه ليتصل بآسر للمرة العاشرة و لكن مازال هاتفه مغلق الأمر الذي أثار قلقه البالغ، أخذ يدعو الله أن تكون الأمور على ما يرام ثم غفى سريعا من فرط ارهاقه بالعمل.
دقت الثامنة مساءا و بدأت ندى تتململ بابتسامة مرتسمة على ثغرها، فلازالت تغوص داخل ذلك الحلم الذي جمعها بأدهم و هي بأحضانه تنعم بقربه و تتنفس عطره و يدنو منها يلقي عليها من كلمـ.ـا.ت العشق و الهيام، ثم بدأت تفتح عينيها ببطئ مستغربة تلك الحوائط رمادية اللون، حاولت أن تتذكر آخر ما حدث و لكن مازالت الذاكرة مشوشة.
لفت نظرها ذلك الغطاء الذي يغطي جسدها لتواتيها الأحداث و تتوالى على رأسها، خاصة حين قبض أدهم على كتفيها و هي شبه عارية.
شهقت شهقة عميقة حين نظرت الى نفسها ثم الى أدهم الراقد بجوارها رغم تلك المسافة الجيدة بينهما، فاستيقظ من غفوته على شهقتها العالية ليقول بصوت متحشرج:
ـــ مالك يا ندى.. بقيتي كويسة؟!
سحبت الغطاء على نفسها حتى رقبتها ثم قالت و عينيها متسعتين و مغشيتين بالدmـ.ـو.ع:
ـــ كويسة؟!.. كويسة ايه و زفت ايه؟…أنا ايه اللي جابني هنا؟!.. و ازاي تنيمني على سريرك؟!.. و ازاي تـ..
قاطعها بحدة مزمجرا:
ـــ و الله الأسئلة دي تسأليها لنفسك… انتي ايه اللي جابك قوضتي و انتي بالمنظر دا؟!
سكتت تناظره و الدmـ.ـو.ع تسيل من عينيها، فأشفق عليها ليقول بحنو:
ـــ انتي بتعيطي ليه دلوقتي؟!
ردت بصوت متحشرج من أثر البكاء و هي مازالت متمسكة بالغطاء:
ــــ لو سمحت قوم هاتلي الاسدال بتاعي من قوضتي…
زفر بعنف ثم نهض من الفراش بتثاقل، فاسترسلت كلامها:
ـــ لما تخرج من القوضة انا هدخل الحمام استناك لحد ما تجيبه.
أومأ دون أن يتحدث ثم خرج من الغرفة و اغلق الباب خلفه، و لكنه لسوء حظه قابل أمه في طريقه للغرفة..
ـــ مساء الخير يا حبيبي… ندى عاملة ايه دلوقتي.
ابتلع ريقه ليقول:
ـــ كويسة يا ماما.
ـــ هي صاحية؟!
ـــ احم.. ايوة صاحية.
ـــ طاب انا هدخل أشوفها..
حاول أن يستوقفها بأي حجة و لكنها كانت قد فرت من أمامه قبل أن يقول أي شيئ، و لكنه اكمل طريقه لغرفتها ليأتي لها بالاسدال.
طرقت الباب عدة طرقات ثم فتحت الباب و دخلت مباشرة لتجد الفراش خالي..
ـــ ندى… ندى..
أتى صوتها من المرحاض:
ـــ أيوة يا ماما..
ـــ انتي كويسة يا حبيبتي؟!
ـــ اه كويسة.
ـــ طاب أجيلك أسندك.
ـــ لا لا أنا هاخرج اهو… اومال فين أدهم؟!
ابتسمت السيدة ظنا منها أنها قد اشتاقت اليه و أن الأمور بينهما على خير ما يرام ثم قالت:
ـــ كنت شايفاه رايح ناحية قوضة المكتب… تقريبا عنده شغل مستعجل هيخلصه.
زفرت باحباط و انتظرت قليلا لعل تيسير تغادر الغرفة و لكن يبدو أنها لن تفعل، فاضطرت للخروج لعلها تطمئن عليها ثم تخرج قبل ان يأتي أدهم.
خرجت ندى من المرحاض بذات الملابس لتقابلها تيسير بإبتسامة واسعة حين رأتها بحالة جيدة فاحتضنتها بحب ثم أخذتها من يدها و أجلستها بطرف الفراش و جلست بجوارها و هي تربت على كتفها بحنو ثم سألتها بترقب ظنا منها أن أدهم ماكث بغرفة مكتبه:
ـــ ألف سلامة عليكي يا حبيبتي.. ايه اللي حصل؟!
ـــ معرفش انا اتزحلقت ازاي و راسي اتخبطت في حافة الدولاب و اتعورت.
مسدت على شعرها و هي تناظره باعجاب واضح ثم قالت:
ـــ الحمد لله جات سليمة.. بس ت عـ.ـر.في تسريحة شعرك جميلة أوي و لايقة اوي على وشك.. و احسن حاجة بقى ان القُصة الحلوة دي مغطية على الجـ.ـر.ح اللي في جبينك.
أطرقت ندى رأسها بخجل لينسدل شعرها القصير مع غرتها الغزيرة لتغطي وجهها تماما، في تلك اللحظة دلف أدهم و في يده الاسدال ليتفاجئ بجلوس ندى بذات الملابس الشبه عارية مولية ظهرها له و أمه في مواجهته..
ـــ ادخل يا أدهم..
التفتت ندى ناحية الباب لتجده واقفا على الباب فانتفض جسدها لتنهض و كانت على وشك الركض من أمامه و لكنه كان أسرع منها حين وصل اليها قبل أن تتحرك ليترك الاسدال يسقط من يده ثم لف ذراعه حول خصرها و ضمها الى جسده، فتجمد جسدها بصدmة ليسرع أدهم قائلا قبل أن يصدر منها أي حركة تفسد ما ينتويه:
ـــ ايه يا ماما هنصوم النهاردة ولا ايه؟!
ضحكت تيسير و هي تنهض واقفة:
ـــ حالا يا حبيبي هخلي وفاء تجهز العشا… هسيبكم تجهزو..
ثم مرت من أمامهما و أدهم متشبثا بها للغاية، فقد كانت تقاومه بالخفاء و بمجرد أن سمعا انغلاق الباب، نزعت ذراعه عن خصرها بحدة لتصيح بغـــضــــب دون أن تنظر له:
ـــ انت قليل الأدب..
ثم فرت من أمامه ناحية المرحاض و لكنه لحق بها ليجذبها من ساعدها ثم اسند جسدها الى خزانة الملابس و احتجزها بين ذراعيه كل هذا تحت ذهولها من حركته السريعة و كأنها دmية يحركها كما يشاء:
ـــ اهدي بقى… انتي مراتي.. فاهمة؟!
صاحت بغـــضــــب و هي تبكي:
ـــ لا… انت اللي مش عايز تفهم.. مش كل شوية هقولك مينفعش.
ـــ و أنا غيرت رأيي.
تجلت ملامح الصدmة على ملامحها الباكية لبرهة ثم سألته بعدm استيعاب:
ـــ قصدك ايه؟!
أجابها بتلقائية و بدون تردد:
ـــ قصدي مفيش شروط في جوازنا… انتي مراتي لحد ما ربنا يأمر بحاجة تانية.
ضيقت عينيها بشك:
ــــ بس دا مكانش اتفاقنا امبـ.ـارح.
رد بجدية تامة:
ـــ انسي أي اتفاق قلناه امبـ.ـارح أو قبل كدا.
ـــ و ايه اللي غير رأيك؟!.
سكتت لحظة ثم قالت و كأنها قد استوعبت شيئا ما لتوها:
ـــ اه عشان ماما تيسير رجعت و انت مقدرتش تكمل على اتفاقنا عشان خايف من رد فعلها… مش كدا؟!
هز رأسه بنفي:
ـــ لأ مش كدا.
قطبت جبينها باستغراب ليسترسل بجدية:
ـــ أنا غيرت رأيي لأني اقتنعت اني مش هلاقي زوجة أحسن منك تشيل اسمي و أبني معاها حياة.
سكتت تحاول استيعاب كلمـ.ـا.ته و هي تنظر لصدق عينيه، فابتلعت ريقها بصعوبة من فرط تـ.ـو.ترها اثر تلك المفاجأة ثم سألته بتوجس:
ـــ أحسن مني من حيث ايه يعني؟!
مط شفتيه ليقول بنبرة جادة و مازال محتجزها بين ذراعيه المرتكزين على الخزانة:
ـــ يعني.. بنوتة حلوة…مؤدبة.. متدينة.. خلوقة.. دكتورة… هعوز ايه تاني أكتر من كدا؟!.. اظفر بذات الدين تربت يداك.
تهدل كتفاها باحباط تسأله باستنكار:
ـــ بس كدا؟!
هز كتفيه لأعلى ليقول بتعجب:
ـــ انتي اكيد فيكي حاجات حلوة كتير.. بس دا اللي حاضرني دلوقتي.
أطبقت جفنيها لوهلة بألــم ثم فتحتهما لتنظر إليه بملامح خاوية، تلك النظرة أثارت قلقه ليسألها بتوجس:
ـــ ايه يا ندى؟!… مش عايزاني؟!
تنهدت بحـ.ـز.ن حاولت اخفاءه ثم قالت بنبرة جاهدت أن تبدو طبيعية:
ـــ لا ازاي تقول كدا… انت كمان فيك صفات حلوة أي بـ.ـنت مكاني تتمناها..
ـــ زي؟!
احساس المرارة يكاد يقــ,تــلها و البكاء يكاد يغلب على نبرتها، و لكنها جاهدت لتبقي على نبرتها عادية و أجابته دون أن تنظر اليه تعدد مميزاته:
ـــ ظابط وسيم… هيبة… هيئة جميلة.. شخصية قوية.. انسان جد اوي مالكش في اللف و الدوران..
حانت منه شبه ابتسامة ليفك حصارها أخيرا ثم قال بجدية و هو يمسد على قصة شعرها التي أعجبته كثيراً:
ـــ تمام كدا نبقى متفقين… الشعر الجميل دا مـ.ـيـ.ـتغطاش قدامي تاني.. و عايزك تاخدي راحتك في اللبس.. متكتفيش نفسك بالاسدال طول اليوم… زي ما انتي شايفة محدش في البيت غيري انا و انتي و ماما.
أومأت بصمت و هي تكاد تفقد وعيها من لمسته التي خدرتها، لا تدري أمن المفترض أن تفرح لكـ.ـسر ذلك الحاجز المنيع الذي أقامه بينهما من أول ليلة لهما… أم تبكي لعدm شعوره ناحيتها بشطر ما تكنه له من عشق… أي عشق هذا… لا لا… بل انها متيمة به و هو لا يدري.
تمنت لو كانت أسبابه متعلقه بوقوعه في حبها، و لكنه خذلها و حطم أمالها بسرده أسباب لا تكفيها البتة.. و لكن يكفي قلبها ذلك القرب الذي تمنته كثيرا في أحلامها.
ـــ غيري هدومك دي يلا عشان نتعشى سوا.
ـــ طاب هات الاسدال… انا مش هخرج من القوضة كدا..
أخذ يحك ذقنه بحيرة:
ـــ و بعدين!!.. انتي لو خرجتي غيرتي في قوضتك ماما هتاخد بالها.
ـــ هو دا كل اللي يهمك يعني؟!
ـــ أنا بس مش عايز نفتح في حوارات ملهاش لازمة بعد ما خلاص اتفقنا نكون مع بعض دايما.
هزت ساقها بعصبية و هي تهتف بانفعال:
ـــ و انا مش هقعد باللبس دا.
ـــ طيب خلاص انا هخرج اقعد مع ماما لحد ما تخلصي و تعاليلنا قوضة السفرة.
أومأت و هي تهز رأسها ثم تركها و خرج من الغرفة، و بمجرد أن سمعت صوت انغلاق الباب هوت بجسدها على الفراش و هي ممسكة بموضع قلبها الذي ينبض بعنف… لقد وعدها للتو ببقاءه معها لآخر العمر.. لا تصدق… سيصاب قلبها بالانهيار من فرط المشاعر المتضاربة التي توالت عليها… فرح.. بكاء… اثارة…
لا تدري ماذا يتعين عليها أن تفعل الان…
↚
في محافظة سوهاج..
كان معتصم قد أرسل سابقا خفيره سمعان الى ريم بالوحدة الصحية يطلب منها رقم هاتفها حتى اذا ما مرضت أمه أو حدث جديد بحالتها الصحية اتصل بها لعلها ترشـ.ـده الى ما عليه فعله و قد رحبت لذلك و لم تمانع حبا لتلك السيدة، فقامت بتدوينه على ورقة و كتبت أعلى الرقم “د/ريم الكيلاني”، و قد قام معتصم بتسجيله بهاتفه ثم أرسل لها رسالة عبر الواتساب يخبرها برقمه لكي تحفظه لديها و قد فعلت.
و في المساء كانت الفتاتان جالستان بالسكن الخاص بهما الملحق بمبنى الوحدة الصحية بالطابق العلوي لها…
و هو عبـ.ـارة عن غرفة نوم بها تختان و خزانة ملابس و طاولة الزينة و صالة بها طاولة طعام مستديرة و أريكتان و مطبخ صغير بالكاد يتسع للموقد و حوض غسل الأطباق و أيضا مرحاض صغير.
ـــ لا لا انا مش معاكي خالص يا مارتينا…. أنا شايفة ان حمد احسن من معتصم… تحسيه ذوق كدا و بيفهم.. مش زي اخوه الإتم دا.
قالتها ريم و هي تحتسي الشاي مع صديقتها، لترد مارتينا بسخرية:
ـــ انتي طلعتي غـ.ـبـ.ـية و مبتفهميش.
أشاحت بيدها و هي تقول بنزق:
ـــ يابـ.ـنتي انتي باصة للجـ.ـسم و الهيئة.. أي نعم حمد مش body building زي معتصم .. بس مازلت عند رأيي ان حمد چان أكتر… و بعدين يا ستي بقى بلا معتصم بلا حمد.. سيبك انتي… و خليني اتمزج بكوباية الشاي بالنعناع دي.
ضحكت مارتينا بقهقهة على كلمـ.ـا.ت صديقتها ثم صبت جل تركيزها في كوبها أيضا.
بينما في ذلك الحين تماما كان الليل قد أسدل ستائره و حركة الأقدام قد قلت بل تكاد تكون اختفت من المنطقة المحيطة بمبنى الوحدة الذي تحفه الأراضي الزراعية من جهتين و الثالثة محفوف بالمنازل و الطريق من أمامه، فتلك عادة أهل البلدة اغلاق منازلهم و الخلود الى النوم مبكرا للغاية.
كان هناك بالأسفل رجلان ملثمان كان لتوهما قد تسلقا السور العالي للوحدة قافزين إلى الداخل، تقدm أحدهما إلى تلك النافذة المطلة على الحديقة بالطابق الأرضي و التي كان من السهل الوصول اليها و قد قام بخفة بفصل الحاجز الحديدي باستخدام آلة معه ثم بسهولة كـ.ـسر درفتي النافذة و دلف الى داخل المبنى تلاه زميله.
تسللا بخفة الى الطابق العلوي حيث سكن الأطباء المغتربين.
أحدث أحدهما جلبة خارج السكن لكي تنتبه إحداهما و تقوم بفتح الباب و من ثم يقتحمان السكن.
و بالفعل شعرت مارتينا بصوت غريب بالخارج، فتركت الكوب من يدها لتتجه ناحية باب السكن بينما ظلت ريم منشغلة بتفقد هاتفها و تصفح الفيسبوك و لم تنتبه لذلك الصوت الغريب.
سمعت ريم صوت صرخة مكتومة، فأصابها الفزع و ركضت باتجاه الباب لتلمح جلباب أحد الملثمين، فاتسعت عينيها بذعر و التقطت حجابها سريعا تضعه على رأسها ثم خرجت بهدوء تختبئ بالمطبخ و مازالت ممسكة بهاتفها.
لمحت جسد مارتينا مسجي على الأرض بجوار باب السكن المفتوح و يبدو أنها فاقدة للوعي، فازداد ذعرها أكثر و رفعت هاتفها أمام عينيها المذعورتين و أول من أتى بخاطرها هو “معتصم”.
بيدين مرتعشتين قامت بالاتصال به و قد علت دقات قلبها بطريقة جنونية من فرط الخــــوف، و بعد ثواني أتاها صوته المتعجب لتقول بنبرة مهزوزة مرتعبة:
ـــ مـ معتصم..
و قبل أن يجيبها كان قد رآها أحد الرجلين ليسقط الهاتف من يدها و هي تصرخ بملئ فمها، بينما على الجهة الأخرى انتفض معتصم من فراشه حين أتاه صراخها و انقطع الاتصال بعدها.
أعاد الاتصال بها عدة مرات و لكن الهاتف مغلق..
ازدادات دقات قلبه من فرط القلق، و في غضون ثواني كان قد ارتدى جلبابه و اتجه سريعا نحو غرفة شقيقه و قام بايقاظه:
ـــ حمد.. حمد.. قوم معايا بسرعة.. في مصـ يـ بـةحصلت لريم..
رد بصوت ناعس:
ـــ ريم مين؟!
ـــ اصحى و ركز معايا كدا… الدكتورة ريم اللي كانت عندنا النهاردة.
هب حمد من الفراش واقفا و هو يهتف بقلق:
ـــ ايه اللي حصل؟!
جذبه من ذراعه و سار به الى خزانة ملابسه و هو يصيح بقلق بالغ:
ـــ انت لسة هتسأل يا حمد… البس و اخلص.. انا هنزل اصحي الغفر على ما تلبس و هات سلاحك معاك.. بسرعة.
أومأ حمد و شرع في تبديل ملابسه و في غضون دقائف قليلة كان معتصم يسير مهرولا الى الوحدة بجواره حمد و خلفه ثلاثة من الخفر بينهم سمعان و بحوذتهم أسلحتهم الخاصة بخلاف العصى الغليظة “الشوم”.
لم يكذب حدس معتصم، فبعدmا فتح سمعان البوابة الحديدية بالمفتاح الاحتياطي الذي بحوذته و دلفوا الى الداخل تبين له النافذة المكـ.ـسورة و التي عبروا خلالها و هو يركض بعدmا أصابته حالة من الهيستريا، فقد هوى قلبه بين قدmيه حين تخيل أن مكروها قد أصاب ريم..
صاح بغـ.ـصـ.ـب مزمجرا كالأسد الجريح و عند مقدmة الدرج:
ـــ سمعااان خود الرچالة و اجلبلي الارض عاليها وا.طـ.ـيها لحد ما تلاجي الكلاب اللي عِملوا اكده… و رب العزة ان عاودت من غيرهم لأكون امعلج رجبتك على باب البلد…هِم بسرعة.
ثم أخذ الدرج في خطوتين و ركض خلفه حمد يلحق به.
تفاجئ بجسد مارتينا المسجي على الارض بجوار الباب ليصيح بحمد:
ـــ حمد بسرعة شيل مارتينا دخلها جوا و حاول تفوقها.
أومأ حمد و انحنى لمستواها ليبدأ ما أمره به معتصم..
بينما معتصم ركض الى غرفة النوم فلم يجدها، فخرج سريعا ليأتيه صوت شهقاتها العالية من المطبخ، فركض نحوها بسرعة يتفقدها، فوجدها منكمشة على نفسها على أرضية المطبخ مرتدية بيچامة النوم و الحجاب بالكاد يغطي نصف شعرها و … تتنفس بصعوبة و كأنها تصارع للبقاء على قيد الحياة و عينيها بالكاد تفتحها و كانت بعالم آخر كأنها لا تشعر به…. فقد أصابتها نوبة هلع.
قبض معتصم على كتفيها برفق يهزها و هو بالكاد يسيطر على انفلات اعصابه ثم ناداها بهدوء عكس ما يختلج بكيانه كله:
ـــ ريم.. اهدي.. اهدي يا ريم… اتنفسي براحة.. خودي نفسك براحة..
و لكنها لم تستجب له بل علت وتيرة تنفسها أكثر و الدmـ.ـو.ع أغرقت وجنتيها، فلم يجد بدا من احتضانها، فهو يدرك جيدا أنها قد أصيبت بنوبة هلع و لن يجدي معها نفعا سوى تلك الطريقة..
جذبها الى حـ.ـضـ.ـنه ليشعر بتلك النبضات العنيفة التي تضـ.ـر.ب صدرها بضراوة حتى أن صداها تردد بصدره، فأخذ يمسد على رأسها تارة و يربت على ظهرها تارة أخرى و هو يردد بعض الكلمـ.ـا.ت المهدئة بجوار أذنها بنبرة حنونة للغاية:
ـــ ريم خلاص انتي في أمان… اهدي.. اتنفسي براحة يا ريم… خلاص مشيوا.. اهدي.. خودي نفسك براحة خالص..
بدأت تستجيب له بعدmا تسلل اليها ذلك الشعور بالأمان علاوة على الدفئ النابع من احاطته لها، و بدأت شهقاتها تقل رويدا رويدا و نبضات قلبها بدأت في الانتظام بالتزامن مع انتظام وتيرة تنفسها، حتى انغلق جفنيها و استسلم جسدها للنوم بعدmا أنهكته تلك الحالة المرعـ.ـبة، فشعر بثقل رأسها على صدره ليتنهد بقليل من الارتياح و لكنه أبقاها بحـ.ـضـ.ـنه برهة بعدmا غزى قلبه نحوها ذلك الشعور الغريب بالتملك و كأنها تخصه…و كأنها ملكا له.
تجاهل تلك المشاعر التي تملكته، فهذا ليس وقتا مناسبا لاستكشاف المشاعر و من ثم قام بحملها برفق شـ.ـديد حتى أدخلها غرفة النوم و وضعها على الفراش و دثرها جيدا ثم ألقى عليها نظرة أخيرة و خرج مغادرا الغرفة.
خرج ليجد حمد قد وضع مارتينا على الأريكة الكائنة بالصالة و يحاول افاقتها حتى بدأت تتململ و تفتح جفنيها بصعوبة الى ان استعادت وعيها كاملا لتنهض من نومتها و هي تبكي بشـ.ـدة ثم أخذت تدير ناظريها بين حمد و معتصم الذين جلسا على الأريكة المقابلة ينظرون نحوها على استحياء لتهتف باستغراب بنبرتها الباكية:
ـــ معتصم بيه؟!…انت جيت هنا امتى؟!.. و عرفت منين؟!
أقبل عليها و هو يغض نظره عنها ثم قال بجدية:
ـــ مش مهم عرفت ازاي… المهم احكيلي اللي حصل بالظبط.
بدأت شهقاتها تعلو ثم ما لبثت أن تذكرت صديقتها لتصيح بهلع:
ــــ ريم… ريم فين؟!… عملوا فيها ايه؟!…
ـــ متخافيش يا مارتينا ريم بخير..
كان ذلك رد حمد لها، فهتف معتصم بنفاذ صبر:
ـــ ريم نايمة جوا… قوليلنا بقى ايه اللي حصل؟!
حاولت السيطرة على أعصابها التالفة ثم بدأت في سرد ما حدث أمامها:
ـــ أنا و ريم كنا سهرانين و بنشرب شاي.. و فجأة سمعت صوت برا باب السكن فافتكرتها قطة قولت اشوفها يمكن تكون عطشانة… بس ريم مكنتش واخدة بالها.. خرجت و بمجرد ما فتحت الباب لقيت قدامي اتنين متلتمين مش باين منهم غير عيونهم.. واحد منهم خبطني على دmاغي و محستش بحاجة بعدها.
انخرطت في البكاء مرة أخرى ثم ما لبثت أن صرخت عاليا حين نظرت ليديها:
ــــ يا نهار اسود… دهبي.. سرقوا دهبي..
تحسست رقبتها لتتفقد سلسالها الذهبي و لكن أيضا لم تجده فازداد نواحها أكثر، بينما معتصم أخذ يطمئنها و هو يغلي من الغـــضــــب:
ـــ اهدي يا مارتينا… هرجعلك كل اللي سرقوه متقلقيش…أنا عايزك تقومي دلوقتي تلمي كل هدومك و متعلقاتك و ريم كمان صحيها و قوليلها تلم حاجتها كلها عشان هاخدكو معايا الدوار…
نظر لحمد ليقول بنبرة آمرة:
ـــ و انت يا حمد قوم اوصل الدوار هتلاقي مفاتيح عربيتي في درج الكومود بتاعي خودهم و هات العربية و ارجعلي على هنا.
أومأ حمد ثم نهض متجها إلى حيث أمره أخوه.
بينما معتصم ترك مارتينا لتقوم بما أملاه عليها و هبط الى الطابق الأرضي للوحدة ليتفقد المكان ربما يجد ما يدله على هوية هؤلاء اللصوص، استل هاتفه من جيب جلبابه ليجري اتصال برجـ.ـاله:
ـــ ها يا سمعان وصلت لايه؟!…
ـــ قطرناهم يا كبير بس بيُهربوا منا وسط الاراضي.. بس و الله ماهنسيبهم لو هيچرونا وراهم البلد كلاتها..
ـــ اضـ.ـر.ب عليهم نار ان لزم الامر يا سمعان..
ـــ أوامرك يا كبير..
أغلق الهاتف ثم أخذ يدور في غرف الوحدة و يتفقدها بحرص و بعد عدة دقائق هبطت اليه مارتينا تناديه و يبدو عليها الانزعاج الشـ.ـديد:
ـــ معتصم بيه… ريم منهارة و مصممة ترجع القاهرة دلوقتي.
لم ينطق بحرف بل صعد اليها مرة أخرى على عجل ثم طرق الغرفة المفتوحة بابها ليأتيه صوت شهقاتها العالية، فتقدmت مارتينا من الخارج:
ـــ اتفضل ادخل يا معتصم بيه.. ريم لابسة حجابها.
دلف اليها ليجدها تجلس على حافة الفراش مرتدية ملابسها المعتادة من قميص نسائي طويل أسود اللون و بنطال چينز ضيق و حذاء رياضي أسود و حجابها أيضا من اللون الأسود، و بكائها عبـ.ـارة عن شهقات فقط و وجهها محمر من شـ.ـدة الانفعال.
ـــ دكتورة ريم اتفضلي معايا فـ..
قاطعته بصراخ:
ـــ انا مش رايحة في مكان… انا هرجع بيتي في القاهرة… و دلوقتي.
كانت تتحدث و عينيها زائغة في مكان آخر و يبدو أنها على حافة الانهيار العصبي..
فاقترب منها واقفا يحدثها برفق:
ـــ هتروحي القاهرة ازاي دلوقتي؟!.. انتي عارفة الساعة كام؟!
ردت بذات الانفعال:
ـــ همشي يعني همشي.. مش قاعدة دقيقة واحدة في البلد دي… انا عايزة اروح بيتي..
أخذت تردد العبـ.ـارة الأخيرة و هي تشهق بأنفاسها التي بدأت تضيق و تزداد، فخشي أن تأتيها نوبة الهلع من جديد، و أدرك أنها ليست في وعيها الكامل.
ـــ ريم اهدي بقى عشان نعرف نتفاهم.
و لكن كان ازدياد شهقاتها هو ردها عليه، لينظر الى مارتينا و هو يقول بنبرة ذات مغذى:
ـــ لو سمحتي يا مارتينا هاتيلها كوباية مية يمكن تهدى شوية.
أدركت مارتينا أنه يريد الانفراد بها لعله يقنعها بالعودة معه الى الدوار، فأومأت له و خرجت من الغرفة.
تقدm منها حتى نزل على ركبتيه على الأرض ليكون رأسه في مستوى رأسها و دون أن يلمسها أخذ يتحدث اليها بهمس حاني:
ـــ ريم اهدي بقى… اتنفسي براحة..
نظرت له بعينين محمرتين من فرط البكاء ثم قالت بعدوانية:
ـــ مش ههدى غير لما ارجع بيتي.
أشاح برأسه للجهة الأخرى متنفسا بعمق ثم نظر لها مرة أخرى ليقول بذات النبرة الحانية:
ـــ طاب بطلي عـ.ـيا.ط و أنا هعملك اللي انتي عايزاه.
أيضا لم تهدأ شهقاتها و لو مقدار شهقة واحدة، بل شفتيها ترتجفان بالتزامن مع ارتجاف يديها و اهتزاز جسدها بالكامل من فرط الانفعال، فنظر لعينيها بعمق ثم قال و هو يتلاعب بها بمكر:
ـــ الظاهر كدا عجبك حـ.ـضـ.ـني..
اتسعت عينيها بصدmة و توقفت حركة جسدها تماما، فابتسم بانتصار، و استرسل بمزيد من المكر و بهمس مثير للغاية:
ـــ ماهو أصل حـ.ـضـ.ـني هو اللي بيهديكي.
بدأت تواتيها ذكرى الأحداث الماضية حين قام باحتضانها حتى هدأت أثناء نوبة الهلع، لتحمر وجنتيها خجلا و تهب واقفة من الفراش مولية ظهرها له، ليقف هو الآخر ليقول بجدية:
ـــ أخيرا هديتي!… ريم خلينا نتكلم بالعقل شوية.
استدارت له لتتحدث بحدة و هي تنظر أرضا:
ـــ أنا حقيقي مش هقدر أكمل هنا تاني… أنا هعمل محضر و هقدm على طلب نقل للقاهرة.
حين أدرك أنها تذكرت ما حدث و عادت لوعيها، عاد أيضا لغلظته التي عاهدته عليها فرد بنبرة قاطعة و بحدة بالغة:
ـــ مفيش محاضر هتتعمل… حجك انا هعرف اچيبهولك و كل اللي اتسرج منيكم هيرچع.. ماهو مبجاش كَبير البلد دي لما شوية اكلاب يغفلوا ضيوفي و يسرجوهم.. كانهم مفكريني طرطور وسطيهم.
ابتلعت ريقها بصعوبة من رهبتها، و هتفت به بنبرة مهتزة:
ـــ انت بتزعقلي كدا ليه؟!
ـــ و ان ما نزلتي امعايا دلوق هتشوفي اللي مش عتحبي تشوفيه واصل يا ست الضاكتورة.
ردت بخــــوف نوعا ما:
ـــ انت من شوية كنت كيوت… انت بتقلب مرة واحدة كدا ليه؟!
كتم ضحكته بصعوبة بالغة محافظا على وجهه الصارم و نبرته الغليظة متجاهلا رأيها به:
ـــ همي يلا لمي هدومـ.ـا.تك… حمد مستنينا تحت.
لكنها حاولت أن تتحلى بالشجاعة لتقول بنبرة قاطعة:
ـــ أنا مش هتحرك من هنا و اروح أبات في بيت واحد غريب عني بدون علم أهلي…
رغم شعوره بالاعجاب و الاحترام الشـ.ـديد لتقريرها بذلك، الا أنه تأفف بنفاذ صبر:
ـــ معناته ايه كلامك؟!
انكمشت ملامحها و كأنها ستعود من جديد للبكاء حين تذكرت حاميها و سندها في الحياة، فهي الآن في أشـ.ـد الاحتياج إليه و لكلمـ.ـا.ته المطمئنه و لحـ.ـضـ.ـنه الآمن الذي تلجأ اليه حين تضيق بها الضوائق…لتقول بنبرة طفولية أوشكت على البكاء:
ـــ أنا عايزة أدهم… أنا عايزة أكلمه… أنا هقوله ييجي ياخدني من هنا…
ثم أخذت تدور حول نفسها و كأنها تبحث عن شيئ ما، فاستنفرت عروق رقبته بغـــضــــب بالغ حين ذكرت ذلك المجهول بالنسبة له و لكنه حاول أن يتحلى بالهدوء ليسألها بجدية:
ـــ انتي بتدوري على ايه..
ـــ بدور على تليفوني عشان أكلم أدهم..
جذبها من ذراعها و هي منحنية تبحث عن الهاتف لتعتدل أمامه ليصيح بها بعدm وعي منه:
ـــ أدهم مين اللي عايزة تكلميه دا؟!.. يبقالك ايه؟!
نزعت ذراعها منه بغـــضــــب جامح لتصرخ بانفعال:
ـــ متلمسنيش تاني… انت فاهم؟!.
أخذ نفسا عميقا يحاول به تهدئة نفسه، ثم زفره على مهل ليقول بهدوء نوعا ما:
ـــ يا بت الناس اعجلي اكده و خلونا نخفى من اهنيه و بعدين كلمي اللي تكلميه..
ثم ما لبث أن تذكر شيئا ما و هي مازالت تبحث:
ـــ و بعدين الحـ.ـر.امي سرج كل حاچة مخلاشي حاچة واصل.. حتى دهبات زَميلتك سرجها… يعني لا حيلتك افلوسات و لا تلفونات و لا أيتها حاچة واصل.
اتسعت عيني ريم بصدmة لتقول بملامح مشـ.ـدوهة:
ـــ يعني ايه؟!.. يعني مش هعرف أكلم أدهم؟!
رد و هو يكظم غـ.ـيظه بصعوبة:
ـــ لو حافظة رقمه خودي تلفوني كلميه.
ـــ لا مش حافظاه… مسيفاه على الموبايل… مش حافظة أي ارقام خالص.
ـــ طاب خلاص اكده مفيش جدامك غير انك تاچي امعايا.. و متخافيش.. هتباتي في المضيفة اللي چار الدوار يعني بعيد عن اللي بايتين في الدار.. و في غفر بيحرسوا المضيفة لما بيكون عندينا فيها ضيوف.. يعني انتي امعايا في أمان و محدش يجدر يدوسلك على طرف طول مانتي في حماية الكَبير.
تهدل كتفاها باحباط لتهز رأسها بإيماءة بسيطة كناية عن قلة حيلتها و موافقتها على عرضه، فما لبث أن زفر بقوة ثم قال:
ـــ أخيرا راسك اللي كيف الحچر الصوان دي لانت.. دا انتي طلعتي واعرة جوي.
رمقته بنظرة متحدية:
ـــ و الله لولا الظروف اللي زي الزفت دي و الدنيا اللي متقفلة في وشي دي ما كنت وافقت أبدا على كلامك.
حانت منه شبه ابتسامة ليقول بنبرة متهكمة:
ـــ معلهش.. ما يوجـ.ـع الا الشاطر… بس… احم… ألا مين أدهم اللي عايزة تكلميه؟!
ـــ أدهم أخويا الكبير… مبعرفش أعمل أي حاجة بدون علمه.
قطب جبينه باستنكار:
ـــ باه.. باينه واعر جوي و بتهابيه.
هزت رأسها بنفي:
ـــ لا لا مش زي ما انت فاكر… بالعكس دا من حبي و احترامي ليه… أدهم دا مفيش أحن منه.
أومأ عدة مرات و هو يقول:
ـــ ربنا يبـ.ـاركلك فيه… بينا يلا ننزلو لحمد.
↚
بينما كانت ندى تجالس السيدة تيسير يتمازحان و يضحكان على مواقف من الطفولة حين كانت ندى طفلة صغيرة تعيش بينهم قبل اغتيال والدتها و انتقالها مع أبيها الى الولايات المتحدة، تفاجئا بأدهم يخرج من غرفته ركضا مرتديا بنطال چينز أسود و قميص أسود ينتعل حذائه، فركضت اليه ندى تسأله بقلق:
ـــ أدهم انت بتجري كدا ليه؟!.. ايه اللي حصل و رايح فين؟!
أجابها باستعجال و هو يعقد رباط حذائه:
ـــ لسة مكلم آسر دلوقتي بعد ما جاتلي رسالة انه تليفونه متاح.. و قالي ان خطيبته عملت حادثة و في المستشفى بين الحيا و المـ.ـو.ت.
شهقت السيدة تيسير حين استمعت لذلك و أخذت تردد:
ـــ لا حول و لا قوة الا بالله… حبيبي يا آسر… ربنا ينجيهاله يابني.. خلي بالك من نفسك يا أدهم و انت سايق عشان خاطري.. و ابقى طمنى يابني.
أومأ عدة مرات ثم فتح باب الشقة سريعا و هبط الدرج ركضا ثم استقل سيارته متجها الى مشفى الدكتور رؤف…
بعد حوالي نصف ساعة وصل أدهم الى طابق العناية المركزة ليلفت انتباهة تلك المشاجرة القائمة بين آسر و حماه في ركن ما بالطابق..
ـــ يا عمي قولتلك سيب ميريهان هنا و أنا هفضل جنبها مس هسيبها…
صاح بها آسر بانفعال بالغ و هو يلوح بيده و يبدو أن الشجار قائم منذ فترة و قد احتدm بينهما للغاية، فمن ثم رد محمد بانفعال أشـ.ـد:
ـــ دول بناتي أنا.. و انت مالكش الحق تقرر عني.. أنا هاخد بناتي الاتنين و هسافر شئت أو أبيت.. و رأيك ميهمنيش و مش مستني اخد الاذن منك.
استنفرت عروق آسر بغـــضــــب جامح ليصيح بصوت حاد:
ـــ أنا مش هسيبها.. انت عارف ان بينها و بين المـ.ـو.ت شعرة… ليه تبهدلها في السفر.. سيبها تمـ.ـو.ت هنا قدام عيني.
أخذ محمد يلوح بيده موجها حديثه لوالد آسر:
ـــ ما تلم ابنك يا سعيد… أنا حر في بناتي أنا الوحيد اللي هنا صاحب القرار… هو مالهوش أي صفة.. خطيبته خلاص مـ.ـا.تت… خوده بقى و امشو من هنا..
التمس سعيد العذر لمحمد و لم يعاتبه أو ينجـ.ـر.ح من كلمـ.ـا.ته اللاذعة، فجـ.ـر.حه غائر و يبدو من مظهره الغاضب أنه يمـ.ـو.ت في اللحظة ألف مرة، فأي شخص في مكانه لما تحمل ما يتحمله الآن…
بينما كان أدهم يتابع المشاجرة بذهول… فهل حقا ميريهان مـ.ـا.تت؟!
نفض رأسه سريعا ثم تدخل ليجذب آسر من ذراعه بعيدا عن حماه فلا الوقت ولا المكان مناسبان لتلك المهزلة..
ـــ آسر ميصحش تزعق قصاد حماك بالطريقة دي…
أوشك آسر على البكاء ليقول بمرارة:
ـــ ميريهان خلاص مخها مـ.ـا.ت و كلها ساعات و القلب يقف و السر الالهي يطلع…ياخودها يعالجها برا ليه يا أدهم و العقل بيقول ان حالتها مالهاش علاج.
ربت أدهم على كتفه بمواساة و هو بالكاد يسيطر على حـ.ـز.نه الذي أثاره صديقه بداخله ليقول بجدية و هدوء في ذات الوقت:
ـــ الله يكون في عونه يا آسر… محدش حاسس باللي هو فيه… سيبه يعمل اللي يريضيه طالما كدا هيكون مرتاح.. مش كفاية الابتلاء اللي هو فيه؟!
رد عليه بنبرة قاطعة:
ـــ مش هقدر اسيبها…سفرها ألــمانيا مالوش أي لازمة.. ليه عايز يبعدها عني الشوية اللي فاضلين في عمرها!!
أقبل عليهما سعيد والد آسر ليقول موضحا:
ـــ اللي انت متعرفهوش يا أدهم ان مودة هي كمان حالتها خطيرة و محتاجة تدخل جراحي في اقرب وقت و محمد هيسفرها المانيا و هياخد ميري نفس المستشفى… أب و عايز بناته معاه أيا كانت حالتهم ايه.. مالناش أي حق اننا نعترض على قراره.
هز أدهم رأسه عدة مرات ثم تطلع لآسر بعتاب:
ـــ لا يا آسر مالكش حق في وقفتك و اعتراضك.. الراجـ.ـل في البلاء الشـ.ـديد دا و انت عمال تقاوح معاه؟!… يا أخي سيبه يعمل اللي في مصلحة بناته.. دا بدل ما تقوله اللي تشوفه يا عمي انا معاك فيه؟!
أطرق رأسه بحـ.ـز.ن و ضيق و هو يكاد يختنق من فرط الضغط سواء من أدهم أو من أبيه ليقول بأسى:
ــــ محدش حاسس بيا…ميري واخدة روحي معاها.. مش هقدر أسيبها… مش قادر.
جذبه أدهم الى حـ.ـضـ.ـنه ليربت على ظهره يواسيه، فأطلق آسر لعينيه العنان ليفرغ ما بقلبه من حـ.ـز.ن.. أسى… انكسار.. علاوة على ذلك الخواء الذي خلفته تلك المسكينة في قلبه ليهتز جسده من شـ.ـدة البكاء.
ـــ اصبر يا آسر… أومال ابوها يعمل ايه… هو دا عمرها.. محدش بياخد ساعة زيادة عن عمره اللي ربنا كاتبهوله… ان شاء الله يا حبيبي تقابلها في الجنة.
بدأ يهدأ رويدا رويدا إثر كلمـ.ـا.ت أدهم التي نزلت على قلبه كالماء البـ.ـارد، فاستخرج منديل من جيبه أعطاه له فأخذه آسر منه و أخذ يجفف عينيه و هو يردد بصوت متحشرج من أثر البكاء:
ـــ إنا لله وإنا إليه راجعون…
ـــ ادخل ودعها و بص عليها للمرة الأخيرة قبل ما الاسعاف ياخدها.
أومأ بخضوع ثم ابتعد عن صديقه ليسير بلا روح الى العناية المركزة يستأذن الطبيب ليودعها الوداع الأخير في حين كان محمد ينهي اجراءات سفره بابـ.ـنتيه.
صدح أذان الفجر في سماء القاهرة حين أقلعت الطائرة المُجهزة بوحدة عناية مركزة متحركة تُقل مودة و ميريهان و والدهما و الدكتور رؤف و معهما فريق طبي لاحتمالية حدوث أي أمر غير مرغوب فيه أثناء نقل المريـ.ـضتين.
و بمجرد أن أقلعت الطائرة نزل آسر على ركبتيه على أرضية المطار و بكى و كأن روحه تَصّعد في السماء… لا يصدق أن هذا نهاية طريقة مع من استحوذت على قلبه و ملكته بلا منازع.
نزل أدهم الى مستواه ليحيط كتفيه بذراعه و تركه يُفرغ ما بنابضه… فقد امتلئ القلب حتى فاض بالحـ.ـز.ن.
بينما ندى لم تنم ليلتها قلقا على أدهم، فقد أدت صلاة الفجر و قرأت وردها و ها هي الشمس قد أوشكت على الشروق و لم يعد بعد.
خرجت لتجلس في صالة الاستقبال المقابلة للباب حتى تراه حين يعود لعل قلبها يطمئن.
غفت على الأريكة دون أن تشعر و قد كانت لازالت بملابس الصلاة، و في تلك الأثناء عاد أدهم و علامـ.ـا.ت الارهاق متجلية على ملامحه ليقابل ندى و هي غافية على الأريكة.
ـــ ندى.. ندى.
فتحت عينيها بصعوبة لتقول بصوت ناعس:
ـــ أخيرا رجعت يا أدهم؟!
ـــ انتي ايه اللي منيمك هنا؟!
اعتدلت لتأخذ وضع الجلوس ثم أجابته بصوت متحشرج من أثر النوم:
ـــ قلقت عليك لما اتأخرت… فصليت الفجر و قعدت أستناك هنا.
حانت منه ابتسامة باهتة ثم انحنى ليجذبها من يدها لتقف قبالته ثم قال:
ـــ طاب ادخلي نامي بقى… انا قدامك اهو كويس.
هزت رأسها ثم سحبت يدها من يده و من ثم سارت باتجاه غرفتها، و حين تبين له ذلك سار خلفها ليستوقفها بقبضة يده على يدها و هو يقول:
ـــ انتي رايحة فين؟!
أجابته ببراءة:
ـــ رايحة أنام في قوضتي..
أدارها لتقف في مواجهته ثم رفع يديه لمستوى رأسها ليقوم بفك حجابها و هو يقول:
ــــ احنا مش اتفقنا اننا هننام في قوضة واحدة؟!.. و شعرك دا مـ.ـيـ.ـتغطاش قدامي؟!
أطرقت رأسها بخجل:
ـــ انت مقولتش اننا هننام في قوضة واحدة.
صدرت منه ضحكة بسيطة ثم قال بمكر:
ـــ أومال احنا هنتجوز ازاي؟!.. هنتجوز عن بعد مثلا؟!
احمرت وجنتيها خجلا و هي تنظر له بجحوظ ثم تهـ.ـر.بت بعينيها من النظر بعينيه، فازدادت ضحكاته أكثر من ذي قبل، ثم رأف بحالة التـ.ـو.تر التي أصابتها بالتزامن مع خجلها الزائد و أخذها من يدها و سارا سويا باتجاه غرفته و قد سارت معه بلا اعتراض.
ــــ أنا هدخل الحمام أخد شاور و اتوضى عشان أصلي وانتي خودي راحتك.. اعتبري نفسك لوحدك في القوضة.
أومأت بصمت و بمجرد أن اختفى عن ناظريها، خلعت اسدالها لتظهر تلك البيچامة البيضاء من الستان التي أظهرت ذراعيها، ثم تمددت على أقصى طرف الفراش و تدثرت جيدا بالغطاء الخفيف بعدmا ضبطت درجة حرارة المكيف على البـ.ـارد، و دون أن تشعر هوت في سبات عميق… فأحداث اليوم لم تكن بالقليلة ما جعلها تهرب من تلك البداية الجديدة بالنوم.
بعد عدة دقائق خرج أدهم من المرحاض مرتديا ملابس النوم، فتفاجئ بها نائمة بأقصى الفراش و كأنها على حافة السقوط ليضحك بسخرية و هو يهز رأسه بيأس، ثم قام بفرد سجادة الصلاة ليؤدي صلاته و بعدmا انتهى تمدد بجوارها، ثم أخذ يتأملها قليلا و صديقه آسر و فقدانه لحبيبته مازال يحتل تفكيره، واتته مشاعر غريبة لم يختبرها من قبل حين تخيل أنه يمكن أن يفقدها، شعر بأن قلبه يكاد ينخلع من موضعه ان حدث معه ذلك… فأغمض عينيه يستعيذ بالله من تلك الوساوس.. و دعى ربه بألا يذيقه مرارة الفقد… فمذاقها أمر من الحنظل.
مسد على شعرها الذي لم يعشق منها سواه حتى الآن، ثم انحنى ليزيح تلك الغرة الكثيفة التي غطت جبينها حتى حاجبيها ليظهر له ذلك الجـ.ـر.ح الصغير ثم لثم جبينها ببطئ، وأخذ يتمتم بهمس و هو مازال يمسد على شعرها:
ـــ ربنا يخليكي ليا يا ندى..
ترك شعرها ثم عاد لينام بالطرف الآخر تاركا بينهما مسافة مناسبة احتراما لرغبتها… أو يمكننا القول رأفة بخجلها… فهو يدرك جيدا مدى حيائها و أنها لم تعتاده بعد.
انقضى يوما حافلا بالأحداث المصيرية ليأتي يوما جديدا ينتظر أبطالنا ربما تنقلب به الموازين…
في محافظة سوهاج….
استيقظ معتصم بعد ليلة قضاها في نوم متقطع لا يشبع ولا يسمن من جوع، فقد سيطرت ريم على تفكيره و احتلت كيانه بالكامل… رُغما عنه كان يتذكر أحداث تلك الليلة حين كانت بين ذراعيه و حين نزل على ركبتيه أمامها.. شخصيته الصارمة التي تحولت إلى شخص آخر لا يعرفه.. لا يدري متى ظهر ذلك الجانب الحنون منه.. و لما ظهر لها هي بالذات!.. لم تكن الأولى بحياته… فقد مررن به الكثيرات و من هن أشـ.ـد منها جمالا… فحتى زوجته رغم جمالها الفتاك و قوامها المثير لم تحرك فيه ما حركته تلك القطة المتمردة…ماذا فعلت به و من أين ألقاها عليه القدر…
ــــ كنتي مستخبيالي فين يا ريم…. أنا كنت عايش و مزاجي حلو ولا كان في دmاغي حب و لا شوق …جيتي قلبتيلي كياني كله…. يا ريتني ما شوفتك ولا عرفتك.
و كانت تلك آخر فكرة واتته ثم بعدها غفى حتى أشرقت الشمس و تسلل نورها عبر ستائر غرفته لتداعب جفنيه اللذان استجابا سريعا لها و استيقظ و كأنه لم ينم قط.
بعد حوالي نصف ساعة كان معتصم يجلس بجوار أمه بأريكتها المفضلة يقص عليها ما حدث ليلا أثناء نومها و بالطبع أخبرها بوجود ريم و مارتينا بالمضيفة..
ـــ أباااه يا ولدي… كيف جلبهم طاوعهم يسرِجوا ضيوف الكبير…كانهم مفكرين راح ينفدوا بعملتهم الواعرة..
ربت معتصم على فخذها و هو يقول:
ـــ باينهم أغراب يامايا…ماهو محدش من البلد يتچرأ يعمل العملة دي…بس أني هعرف كيف أتوبهم.
قاطع مجلسهم الخفير سمعان مقبلا عليهما و هو يلهث و بيده حقيبة سوداء ثم قال بنبرة مفتخرة:
ـــ ربطهم في مزرعة المواشي مع البهايم كيف ما أمرت يا كبير.
حانت من معتصم ابتسامة واثقة ثم هتف بقوة:
ـــ و فين اللي سِرجوه؟!
ركض سمعان اليه واضعا تلك الحقيبة على الطاولة الرخامية أمام كبيره:
ـــ دياتي يا كبير… الدهبات و الفلوسات و حتى التلفونات… كله رچعته يا كبير.
أومأ معتصم بفخر:
ـــ عفارم عليك يا سمعان… انت اكده صوح دراعي اليمين… عدي ع المزرعة انت و الرچالة اللي كانو امعاك و كل واحد فيكم يختارلو نعچة على كيفه.. و خود الفلوسات دي فرجوها علي بعضيكم..
قالها و هو يستخرج رزمة من المال من جيب جلبابه، فأخذها سمعان و هو يقبل يد معتصم، فسحبها سريعا و هو يقول:
ـــ استغفر الله.. دي حجك انت و الرچالة اللي تعبت.. يلا روح و متنساش تسيب حد عينه على الكـ.ـلـ.ـبين دول.. و فيشي أكل ولا شرب لحد ما افكر هعمل ايه وياهم.
أومأ سمعان و هو يكاد يطير من الفرح بتلك الغنيمة التي حصل عليها، بينما السيدة ام معتصم أخذت تتطلع الى ولدها بفخر و اعجاب ثم ما لبثت أن قالت بتأثر:
ــــ كاني شايفة الحاچ حمدان البدري الله يرحمه هو اللي جاعد جدامي دلوق… مخابش ظن ابوك يوم ما جالي انك خليفته من بعده في البلد دي.
ابتسم معتصم تأثرا بإطراء أمه ثم انحنى يقبل ظهر كفها و هو يقول:
ـــ ربنا يخليكي ليا يامايا…أني دايما أجولك هذا الشبل من ذاك الأسد.. و بعدين أني من غير وچودك چاري مسواش حاچة..
مسدت على شعره بحنو ثم أخذت تدعو له بدعواتها التي تدmع العين من شـ.ـدة اخلاصها و خشوعها و هو يؤمن خلفها.
عم عليهما صمتا وجيزا قطعه معتصم بقوله:
ــــ بجولك يا امايا… يعني لما الضاكتورة ريم تصحى واچب تجعدي وياها و تعزميها هي و زميلتها على شبكة حمد و صافية الليلة طالما هيشرفونا في الدوار اليامين دول.
ابتسمت السيدة بمغذى فهي قد لمست اعجابه بها رغم عدm اظهاره لذلك، ثم قالت بجدية:
ـــ من غير ما تجول يا ولدي.. اني كنت ناوية على اكده.. زي ما جولت ده واچب.. و احنا الواچب ميفوتناش واصل.
تنهد بـ.ـارتياح ثم استل هاتفه لكي يوقظ شقيقه… فاليوم حافل و لا بد من تجهيز الدوار استعدادا لتلك المناسبة الهامة.
بدأت ملامح والدته بالعبوس و كأنها تذكرت شيئا سيئا ليهتف بها معتصم بقلق بعدmا استشعر حـ.ـز.نها المفاجئ:
ـــ مالك يامايا؟!… انتي شربتي دوا الضغط النهاردة؟!
أومأت و هي تقول بملامح واجمة:
ــــ متخافيش يا ولدي… أني زينة.
ـــ لاه يامايا… شكلك ميطمنش واصل.
تطلعت إليه و قد غشت الدmـ.ـو.ع عينيها الأمر الذي جعل قلبه يكاد ينخلع من موضعه، ثم قالت بصوت متحشرج:
ـــ كان بدي الخطوبة دي تكون خطوبتك انت… انت ولدي البكري و أول فرحتي.. كيف يعني الصغير يتچوز جبل الكبير.. اني مخبراش راسك اللي كيف الحديد دي عتلين مـ.ـيـ.ـتى يا مِعتِصم.
أغمض عينيه يهدئ من ضـ.ـر.بات قلبه التي تسارعت من فرط القلق ثم أخذ نفسا عميقا بعدmا رسم بسمة مصطنعة على شفاه ثم قال بمزاح:
ـــ يا وَلية و.جـ.ـعتي جلبي في رچليا.. بس اكده؟!… بجى هو ده اللي خلى الهم يغير ملامحك الزينة دي؟!
تطلعت إليه بحنق، فهو دائما ما يقلل من أهمية ذلك الأمر، فضحك اثر تلك النظرة المغتاظة ثم حاوط كتفيها بذراعه و هو يقول بنبرة مقنعة:
ــــ ياما انتي خابرة إني مفاضيشي للچواز و مسؤلياته… أني ملاحجش على المزارع و الاراضي و مشاكلها اهنيه دا غير مشاكل أهل البلد و الجعدات ال عـ.ـر.فية اللي كل يوم و التاني بنعملوها في المضيفة.. غير بجى شركتي و مصنعي اللي ف بحري… مين اللي هتحمل دي كله يامايا…
همت لتقاطعه بينما هو سبقها ليقول:
ـــ اني خابر ان دي مش حچة.. بس على الأجل استني هبابة يكون حمد اتچوز و اهو بدأ يشيل عني كَتير في الشغل اهناك… يعني خلاص هانت يامايا.
جففت عينيها ثم تحدثت بنبرة جاهدت أن تبدو صارمة:
ـــ هستنى هبابة يا معتصم… بس مش راح استنى كتير… نفسي أشيل ولدك جبل ما أجابل وچه كريم..
احتضنها بحب و هو يردد:
ـــ بعيد الشر عنيكي يامايا.. و الله جريب(قريب)… جريب جوي يا تاچ راسي.
وعدها و حينها تمثلت أمام عينيه صورة ريم و كأنها أتت لتقول له أنا قدرك، فابتسم بحالمية شاردا بها و مازال يسند رأس أمه الى صدره.
بعد قليل ترك أمه و ذهب الى المزرعة حيث اللصان اللذان احتجزهما هناك…
قام بجلدهما على ظهرهما العاريان بالسوط بقسوة حتى أخذا يعتذران منه بتوسل و لكنه أبى أن يطـ.ـلق سراحهما، ثم تركهما مربوطي الأيدي و عاد مرة أخرى إلى الدوار، ليجد ريم تجلس بمكانه بجوار أمه و مارتينا تجلس بكرسي قريب منهما.
أقبل عليهم محاولا الحفاظ على صرامته أمامها، فيبدو أنه قد فقد الكثير من هيبته أمامها بالأمس الأمر الذي أثار ضيقه البالغ..
بمجرّد أن اقترب منهم هبت ريم واقفة لتقول برقة قبل أن يتفوه بأي شيئ:
ـــ معتصم بيه أنا متشكرة أوي على ضيافتك لينا و انك رجعتلنا الحاجات اللي اتسرقت مننا… بس بعد اذنك عايزة الموبايل بتاعي عشان أكلم أدهم عشان أعرفه اني راجعة القاهرة النهاردة.
قطب جبينه باستنكار ثم سألها بثبات:
ـــ و مين جال انك هتعاودي القاهرة النهاردة؟!
بدأت أعصابها تثور فيبدو أنه سيعاندها أو سيجبرها على أمرا لا تريده ثم صاحت بحدة طفيفة:
ــــ أنا اللي قولت..و افتكر قولتك امبـ.ـارح اني مش هقعد في البلد دي تاني..
رد عليها بنفس نبرة صوتها:
ــــ و انا مجولتش انك هترچعي القاهرة… أنا استجبلتك اهنيه في الدوار لحد ما أرچعلك حجك.. و شغلك في الوحدة هتكمليه.
ـــ مش من حقك تقرر اذا كنت أكمل شغلي ولا لأ.
ـــ لا من حجي… أني كبير البلد دي.. و مفيش حاچة بتتم من غير موافجتي..
ـــ أنا لا يمكن ادخل المكان دا تاني…بعد اللي حصل مستحيل.
ـــ معناته ايه الكلام ده؟!..مفيش مخلوج في البلد عرف باللي حوصل… و مش هسمحلك تشوهي شكلي وَسط ناسي… انتي لو سيبتي الوحدة الكلام هيكتر في البلد.. عايزة تچرسيني وَسطيهم؟!.. عايزاهم يجولو الكبير مجادرش يحمي ضيوفه؟!
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول بنبرة ذات مغذى:
ـــ آاااه قول كدا بقى… انت كل اللي هامك شكلك و منظرك في البلد.. انما أنا عايزة ايه أو هكمل شغل ازاي في مكان مش حاسة فيه بالأمان دي مش مشكلتك… مش كدا؟!
سكت معتصم يريد أن ينفي ما تقوله.. يريد أن يُقر لها بأنه يخشى فقدانها… أنه سيفتقدها بعدmا امتلكت قلبه… أنه سيشتاق لها ان ابتعدت عنه….، و لكن نهوض أمه من مكانها أنقذه.. فقد قامت تربت على كتف ريم تهدئها و هي تقول:
ـــ يا بتي احنا اتعودنا عليكي و فراجك يعز علينا.. و بعدين لو على الأمان معتصم هيأمن الوحدة و هيدج حديد على الشبابيك و الابواب و هيسيبلك هناك غفر يحرسوها كمان بالليل و بالنهار.
همت لتعترض لكن مارتينا لم تعطيها الفرصة، فقد أحبت وجودها معها في الوحدة لتقول باستعطاف:
ـــ خلاص بقى يا ريم… أنا واثقة و متأكدة ان اللي حصل دا مش هيتكرر تاني.. معتصم بيه قد الدنيا و استحالة يسمح بحاجة زي دي تتكرر… و بعدين انتي عايزة تمشي و تسيبي اختك الغلبانة لوحدها؟!
عبست ملامحها بضيق لتقول:
ـــ مارتينا أدهم لو عرف اللي حصل استحالة يوافق اني أكمل هنا…هو أصلا من الأول مكانش راضي أستلم شغلي في الصعيد و كان بمعارفه قادر ينقلني في أي مكان أختاره بس أنا اللي أصريت أخوض التجربة…و يا ريتني كنت سمعت كلامه من الأول.
ضـ.ـر.بت ام معتصم على صدرها بخفة لتقول بعتاب:
ـــ باه يا ضاكتورة…و هو احنا جصرنا وياكي يا بتي؟!..دا احنا الود ودنا نشولوكي فوج راسنا.
عادت لتقول باعتذار:
ـــ لا طبعاً يا حاجة انتو مقصرتوش أبداً..أنا بس خايفة أخويا ياخد مني موقف لو عرف.
تدخل معتصم ليقول بنبرة قاطعة:
ــــ مالكيشي صالح بخيك.. أني هكلمه اعتذرله عن اللي حوصل وياكي ليلة امبـ.ـارح و متحمليشي هم حاچة واصل.
تنهدت ريم بقلة حيلة لتهز رأسها بإيماءة بسيطة كناية عن استسلامها لكلامهم، فاتسعت بسمة الحاجة ام معتصم، و كاد معتصم أن يبتسم فرحا بذلك و لكنه جاهد نفسه لاخفائها، و تنهد بـ.ـارتياح كبير و كأنه أنجز أحد أصعب مهمـ.ـا.ته… تلك العنيدة المتمردة يبدو أنها ستذيقه الويلات حتى يُخضعها له.
↚
رغم نومه عند شروق الشمس الا أنه استيقظ باكرا في موعده المعتاد للذهاب الى مقر عمله بالعمليات الخاصة، فحتما آسر لن يستطيع الحضور بعد تلك الليلة العسيرة التي مرت عليه أمس، و بذلك فهو لا يتثنى له التغيب عن العمل.
استطاع أن يعد ملابسه الميري بصعوبة ثم ارتداها و هو يتحرك في الغرفة بهدوء حتى لا تستيقظ ندى، فهي ايضا قد قضت ليلتها مستيقظة في انتظاره.
انتهى من تلك المهمة الشاقة ثم وقف أمام المرآة يمشط شعره و ينثر عطره النفاذ عليه بغزارة، ثم تمم على سلاحه و من ثم تحرك بخطى بطيئة ناحية حافة الفراش التي تنام عليها، ثم برك على ركبتيه ليكون رأسه بمستوى رأسها و أخذ يمسد على شعرها و هو يتأملها بحالمية… ثم انحنى ليزيح غرتها الغزيرة عن جبينها و لثمه ببطئ، فداعبت رائحته الذكية أنفها لتبتسم و هي بين الحلم و اليقظة و قامت بلف ذراعها حول رقبته، و هي مغمضة العينين دفنت رأسها بالقرب من عنقه الذي يفوح منه عطره الذي يُسكرها لتتنفسه باستمتاع، و كان أدهم مستسلما لها تماما لتفعل به ما يحلو لها، بقيا على ذلك الوضع ثوانِ قليلة ثم سرعان ما سكنت ندى تماما و ثقل ذراعها على رقبته، فادرك أنها كانت تحلم أثناء نومها.
لم يتحرك أدهم ايضا و ظل متسمرا هكذا يحاول السيطرة على ضـ.ـر.بات قلبه المتسارعة اثر فعلتها المباغتة، فاغمض عينيه يلملم شتات نفسه ثم تنهد بعمق و قام بابعاد ذراعها عن رقبته ليضعه بجوارها بهدوء ثم نهض و هو يخلل أصابعه بين خصلاته الطويلة كناية عن تـ.ـو.تره… لم يرد بخياله أنه سيقع أسيرا لها بتلك السرعة.. لقد انقلب كيانه بالكامل منذ أعلنها لنفسه زوجة و كأن قلبه كان رهن اشارة منه ليقع بحبها… أحبها؟!… هل حقا هذا ما يسمونه الحب؟!
لا يدري ماهية هذه المشاعر و كيف يكون الحب… حقا لا يدري..
انتعل حذائه الميري ثم خرج من الغرفة و بداخله ثورة من المشاعر و هو لا يريد أن ينجرف نحوها..
داخل مبنى العمليات الخاصة…
دلف مكتبه لتقابله سحابة من الدخان ليتفاجأ بوجود آسر يجلس بالكرسي المقابل للمكتب بملامح بائسة و يدخن السجائر بشراهة…
ـــ انت ايه اللي جابك يا آسر؟!..
وقف أمامه تماما ثم استرسل كلامه بحدة:
ــــ انت رجعت تاني للهباب دا؟!
نظر له بخواء ثم عاد يستكمل تدخين السيجارة، فسحبها منه أدهم بحدة ثم ألقاها على الأرض ليطفئها بحذائه بينما آسر كان يتابعه بلامبالاة و كأنه مغيب أو بعالم آخر…
جلس أدهم في الكرسي المقابل له ثم قال بعتاب:
ـــ بقى هو دا الدعاء اللي بتدعيهولها…فاكر ان السجاير هي اللي هتهون عليك فراقها؟!.. مالك يا آسر فوق كدا و سيبك من شغل الصياعة دا..
صاح بعبـ.ـارته الأخيرة بحدة بالغة أجفل منها آسر ثم نهض بعصبية و هو يصيح بانفعال:
ـــ أصلك متحرقتش من النار اللي حرقتني…. أنا سايبهالك و ماشي يا عم الحكيم…
ثم غادر آسر تاركا صديقه ينظر في أثره بذهول… هل قسى عليه الى هذا الحد؟!.. هل حقا لا يشعر بالنيران المستعرة بصدره؟!..
تنهد أدهم بضيق ثم استغفر ربه و دعى لصديقه بالصبر، فحتما مصابه جلل و يهذي بما لا يعي من فرط غرقه في دوامة الحـ.ـز.ن.
بعدmا قام بالإطلاع على بعض تقارير المأموريات الخاصة بعمله و بينما هو في خضم انشغاله أتاه اتصال هاتفي من شقيقته ريم، و رغم كل ما به من زحام ابتسم بسعادة من مجرد رؤية اسمها يزين شاشة هاتفه..
ـــ ألو… حبيبي اللي واحشني و مش سائل فيا..
ضحكت ريم بملئ فمها و كانت آن ذاك تجلس الي جوار مارتينا بالمضيفة ثم قالت بدلال:
ـــ و مين اللي يسأل على التاني يا سعادة الباشا.
ـــ الناس اللي رايقة زيك تسأل على الناس اللي محتاسة زيي.
ضحكت مرة أخرى ثم قالت بسخرية:
ـــ اه رايقة اوي… ما انت لو تعرف اللي حصلي امبـ.ـارح مكنتش قولت كدا.
سألها بقلق أثاره عبـ.ـارتها:
ـــ خير يا بـ.ـنتي ايه اللي حصل..
ابتلعت ريقها بصعوبة لتسرد له بنبرة متـ.ـو.ترة ما حدث لها من سرقة باختصار شـ.ـديد حتى لا تثير قلقه ثم أشادت له بموقف معتصم و ما فعله باللصوص و اعادته لمتعلقاتهم المسـ.ـر.وقة، و في النهاية قالت بنبرة يشوبها الحماس:
ـــ بس يا سيدي…بس بصراحة معتصم بيه راجـ.ـل ذوق اوي و استضافنا في المضيفة بتاعته و محافظ علينا و مصمم أكمل شغل في الوحدة كأن مفيش حاجة حصلت.
سكت مليا يفكر بموقف ذلك الرجل ثم اردف بجدية:
ـــ أنا من الأول قايلك بلاش تبعدي عننا انتي اللي صممتي على رأيك… وادي النتيجة.
ردت عليه باستعطاف:
ـــ دي مجرد حادثة كانت ممكن تحصل في اي مكان يا دومي.
ـــ طيب و ناوية على ايه؟!
ـــ هكمل بقى و خلاص… معتصم بيه عين حراسة ع الوحدة.. يعني الدنيا بقت أمان.. هو بس كان عايز يكلمك يطمنك يعني ان مفيش حاجه هتحصل تاني.
هز أدهم رأسه بملامح متجهمة ثم أضمر في نفسه أمرا ثم قال:
ــــ ماشي ابقي اديله رقمي..
اجابته ببسمة واسعة:
ـــ تمام يا حبيبي.. هسيبك بقى تكمل شغلك عشان معطلكش.
ـــ تمام مع السلامة..
أغلق الهاتف و هو يتأفف بضيق ثم جلس مستندا بظهره الى ظهر الكرسي ممسكا بأحد أقلامه يطرق بها على سطح مكتبه و هو يفكر بشرود فيما قالته ريم ليحدث نفسه بخفوت:
ــــ معتصم بيه!… يا ترى حكايتك ايه و بتعمل كدا معاها ليه؟!.. مش مرتاحلك يا سي معتصم… بس هجيب قرارك.
أغلقت ريم المكالمة ثم خرجت تبحث عن معتصم لتطلب منه محادثة أخيها يستأذنه لبقائها بالبلدة، فدلتها نعمة الخادmة على مكانه حيث استطبل الجياد في الجهة الخلفية للدوار..
في تلك الأثناء كان معتصم يقف بجوار مهرة صغيرة جذابة للغاية في مظهرها، فقد فضل أن يختلي بنفسه بعيدا عن ضجيج الاحتفال بالدوار و عن أعين الناس بملابسه البيتية التي يفضلها دائما حيث كان يرتدي بنطال قطني أسود يأخذ شكل الساقين و يعلوه تيشيرت أسود أيضا و ينتعل حذاء رياضي من اللون الاسود، فكان مظهره جذاب للغاية… من يراه لا يصدق أن هذا هو معتصم بيه كبير البلدة..
و كان يتمم على إجراءات خطبة أخيه عبر الهاتف، أنهى لتوه مكالمة مع حمد يخبره فيها أنه قد اشترى الذهب و بصحبته شقيقته عائشة او عيشة كما يدعونها و زوجها هشام…
تنهد بتعب من كثرة المكالمـ.ـا.ت الهاتفية ثم أدار كامل انتباهه الي تلك المهرة الرقيقة التي تذكره في رقتها بـ “ريم”..
أخذ يمسد على شعرها الناعم و هو يحدثها و كأنها تفهمه:
ـــ قوليلي أسميكي ايه؟!..بجد محتار…الود ودي أسميكي على اسمها..ما انتي اصلك جميلة زيها بالظبط…بس خايف اتفضح…
قال تلك الكلمة ثم ضحك و كأن تلك المهرة تضحك معه…..
في تلك الأثناء وجدته ريم لتراه من بعيد يقف أمام تلك المهرة الجميلة و لكن استرعى انتباهها تلك الملابس التي تراه بها لأول مرة لدرجة أنها قد ظنت أنه ليس هو.. لولا أنها انهت مكالمة لتوها مع شقيقها لظنته هو أدهم شقيقها..أخذت تخطو نحوه بهدوء و كأنها تريد أن تستكشفه حتى سمعته يتحدث بلكنتها مثلها تماما…بحق الله هل هذا معتصم؟!
ــــ أقولك أنا تسميها ايه؟!
التفت على ذلك الصوت الذي يعرفه تمام المعرفة ليتطلع اليها بذهول…تُرى منذ متى و هي واقفة هنا؟!
أومأ دون ان يتحدث، فقد اصبح في حيرة من أمره… أيحدثها بلكنته الصعيدية أم أنها سمعت لكنته القاهروية و انكشف الأمر..
اقتربت لتقف قبالته ثم أخذت تمسد على شعر المهرة و هي تقول بابتسامة جميلة:
ـــ سميها ريمان…انا بحب الاسم دا اوي..
رمقها بشبه ابتسامة و أيضا لم يتحدث، فسألته بترقب:
ـــ ايه رأيك في الاسم دا؟!
سكت مليا يفكر بأي طريقة سيتحدث معها و لكنه قال أخيرا:
ـــ جميل…عشان مشتق من اسمك.
انفرج ثغرها بابتسامة واسعة لتقول بذهول:
ـــ أنا كنت عارفة انك بتتكلم زيي بس مكنتش متأكدة..كنت مفكرة اني كان بيتهيألي من حالة الصدmة اللي كنت فيها ساعة حادثة السرقة..بس دلوقتي اتأكدت و على فكرة بقى سمعتك و انت بتكلم المهرة من شوية.
هز رأسه بايجاب و هو يتأملها بوَلَه…كل مرة يراها فيها يتأكد أنه قد وقع بحبها..أن حبه لها يتحول الى عشق أو ربما هيام لا يدري..و لكنه حقا لا يريدها أن تتوقف عن الحديث…يستمتع كثيراً بسماع صوتها..طريقتها في الكلام..نبرتها الحماسية و انفعالها احيانا..
حين اومأ لها مؤكدا ظنونها سألته بحماستها المعتادة:
ـــ طاب قولي بقى…ازاي بتتكلم بطريقتين..و ليه مخبي عن الناس شكلك و كلامك دا..
رد و هو مازال يتأملها بابتسامة:
ـــ دي حكاية طويلة أوي.
ـــ احكي..انت وراك حاجة؟!
ـــ لأ..
ـــ و أنا كمان موارييش حاجة..
صدرت منه ضحكة بسيطة ثم بدأ الحديث عائدا بذاكرته للخلف:
ـــ أبويا الله يرحمه كان عايز يعلمني أحسن تعليم…لأن ناس البلد و البلاد اللي حوالينا بيعملو الف حساب لأصحاب الشهادات و المناصب و النفوذ و هو كان عايزني أكون كبير البلد من بعده…عمتي كانت متجوزة راجـ.ـل غني اوي في القاهرة بس مخلفتش منه…كانت عايشة معاه في فيلا طويلة عريضة لوحدهم…أبويا بعتني ليها لما تمـ.ـيـ.ـت ٦ سنين عشان تقدmلي عندهم في مدرسة خاصة و هي طبعا رحبت جدا و كانت طايرة بيا من الفرحة…المهم علمتني اللهجة بتاعت الناس اللي هناك عشان محدش يتنمر عليا من زمايلي…ماهي مدرسة انترناشونال بقى و كل اللي داخلينها ولاد ذوات و رجـ.ـال اعمال و سياسيين و ناس تقيلة اوي..بصراحة تعبت معايا لحد ما نستني لهجة الصعيد…. و اللي ابويا عمله معايا عمله مع حمد…بس حمد بقى محاولش يغير كلامه..بس بيعاني طبعاً و هو بيتكلم قدام امي عشان متزعلش…
ضحكت ريم و هي تقول:
ـــ اه أخدت بالي…اممم كمل.
ـــ و كملت بقى مع عمتي لحد ما دخلت الجامعة و كنت بنزل البلد في اجازة الصيف بس…امي طبعاً كانت بتزعل مني لما بتلاقيني بتكلم كدا بس لما كبرت بقيت احاول مزعلهاش و اتكلم زي ما هي حابة…مع اني كنت خلاص شربت اللهجة و الطبع و العادات بتاعت القاهرة و كان صعب عليا اوي أقلب من اللهجة دي للهجة دي لحد ما اتعودت بقى.
كانت ريم تستمع بتركيز شـ.ـديد و حين انتهى سألته بفضول:
ـــ و انت خريج ايه بقى؟!
ـــ اقتصاد و علوم سياسية.
رفعت حاجبيها بذهول متمتة:
ـــ واو.. لا بجد شابوه لباباك.
ـــ و حمد خريج ادارة أعمال…و عيشة اختي بقى الحاج برضو مقصرش معاها بس محبش يغربها عند عمتي بحكم انها بـ.ـنت و اخدت الثانوية العامة منازل و دخلت ألسن جامعة عين شمس..
دراستي في المدارس الانترناشيونال عرفتني على أصدقاء كتير من الوسط الهاي كلاس و استغليت الموضوع دا في تأسيس شركة في المجمع التاني و بدأت الشركة تكبر شوية و بدأت أشارك ناس تقيلة و رجـ.ـال أعمال كبـ.ـار.. و شوية شوية اسست مصنع في ٦ اكتوبر و اهو شوية قاعد هنا و شوية في شركتي و الدنيا ماشية الحمد لله.
هزت رأسها باعجاب واضح من مسيرته الناجحة ثم استرسلت أسئلتها الفضولية:
ـــ بس انت بقيت كبير البلد ازاي و امتى؟..
اجابها و هو ينظر لتلك المهرة الجميلة يواري ناظريه عنها حتى لا ينكشف ولهه بها:
ـــ ابويا كان دايما بيقعدني معاه في القعدات ال عـ.ـر.فية و المقابلات اللي كان بيعملها مع كبـ.ـار البلد و المأمور و ظباط المركز و كان دايما يشركني في المشاكل اللي بيناقشوها و بياخد برأيي… لحد ما دخلت ثانوية بقى هو اللي يخليني أدير القعدات دي و أكون انا صاحب الكلمة و الرأي لحد ما دخلت الجامعة و اتخرجت بقيت انا أساس القعدات ال عـ.ـر.فية و الاجتماعات لدرجة ان ابويا كان اوقات بيبعتلي ارجع من القاهرة مخصوص لو في مشكلة كبيرة عشان انا اللي احلها…اهل البلد كلهم بقوا شايفيني انا الكبير و بقوا بيتعاملو معايا على هذا الاساس تمام زي ابويا ما كان بيخطط…و كان لازم عشان افضل محافظ على المكانة دي أحافظ على عادات البلد و تقاليدها و التزم بلبسي و لهجتي كصعيدي..عشان افضل كبير في نظرهم دايما.
هزت ريم رأسها بتفهم عدة مرات ثم قالت باعجاب:
ـــ لا بجد أبهرتني يا معتصم بيه.
ضحك بملئ فمه ثم قال:
ـــ بيه ايه بقى؟!… قولي معتصم بس.
حانت منها ابتسامة خجلى ثم قالت برقة:
ـــ اول مرة اشوفك بتضحك كدا… كنت فاكرة انك ضد الضحك..
أجابها بضحكة بسيطة:
ـــ ما خلاص بقى الوجه الآخر للكبير انكشف و بان..
ابتسمت ثم قالت بلا تفكير:
ـــ بس أحلى بكتير من الوجه الاولاني.
دق قلبه بعنف اثر تلك الاطراءة و سكت يتأملها بحالمية حتى أخجلها من فرط تأمله لها، فهـ.ـر.بت من مرمى ناظريه و هي تتحسس شعر المهرة و تسأله مغيرة مجرى الحديث:
ـــ بس مش غريبة انك تجوز اخوك الصغير قبل ما تتجوز انت؟!
اخذ نفسا عميقا و هو يفكر… ماذا لو علمت أنه متزوج بالفعل!.. و ماذا ايضا لو عرفت ملابسات تلك الزيجة و تفاصيلها؟!.. حتما ستشمئز منه و يسقط من نظرها ذلك الذي أبهرها منذ ثوان….ان كان قد نـ.ـد.م على زواجه بنرمين.. فلم يكن نـ.ـد.مه أشـ.ـد من تلك اللحظة التي تقف فيها أمامه الآن.
أخيرا تحدث و هو يتحاشى النظر في عينيها كناية عن كذبه:
ـــ مكنش عندي وقت للجواز… مشاكل و املاك هنا.. و شغل الشركة هناك.. غير اني مقابلتش اللي تخليني افكر حرفيا في الجواز.
رفعت حاجبيها باستنكار:
ـــ انت عايز تفهمني انك متعرفتش على بنات في حياتك؟!
ـــ لا طبعاً عرفت كتيير جدا بحكم دراستي في الجامعة و خروجاتي اللي كانت اغلبها في السخنة و الساحل و شرم.. دا غير مجال شغلي.. يا بـ.ـنتي دي البنات كانت بتتمنى بس نظرة مني..
قال عبـ.ـارته الأخيرة بغــــرور مع غمزة من عينه، الأمر الذي اغاظها كثيرا، فسألته بتهكم:
ـــ اممم…. و مفيش بقى واحدة منهم لفتت نظرك؟!
ضيق عينيه بتفكير ثم قال بحالمية و دقات قلبه تتسارع معلنة عن هيامه بها:
ـــ في……بس مش منهم.
من نظرته الهائمة و نبرته الحنونة التي تحدث بها فهمت أنه ربما يقصدها… ذلك الشاب اللعوب يبدو من غــــروره و وجهه الآخر الذي أظهره لها أنه يتلاعب بها أو ربما يريد أن يتسلى معها ليثبت لها أنه محط أنظار الفتيات كما قال لها… و لكن على من؟!.. فهي ليست صيدا سهلا كما يظن.
انفرج ثغرها بغتة لتصيح و كأنها تذكرت شيئا ما:
ــــ شوفت الكلام اخدنا و نسيت أنا كنت جيالك ليه اصلا.
ابتسم بغموض فقد فهم ما يدور بخلدها و تهربها المقصود من ذلك الحوار الذي بدأته….. “حسنا فالأيام بيننا”
ـــ خير؟!
ـــ كنت جاية اديك رقم أدهم عشان تكلمه… انا كلمته و فهمته اللي حصل و قولتله انك عايز تكلمه.
أومأ ثم فتح هاتفه لتمليه الرقم و يقوم بحفظه على هاتفه، ثم استأذنت منه و غادرت من أمامه ليعود الى مهرته الصغيرة بحالة جديدة غمرته بها تلك القطة المتمردة…ريم..
في أحد النوادي الراقية بالتجمع الخامس..
تجلس دارين مع صديقتها المقربة دنيا…
ـــ اتفضلي يا قلبي… العمل المرادي مضمون مية في المية..
التقطت دارين منها زجاحة بنية صغيرة تشبه زجاحة الدواء ثم دستها سريعا في حقيبة يدها ثم قالت بنزق:
ـــ شرب تاني يا دنيا؟!.. هو مفيش حاجة تانية غير الحاجات اللي بتتشرب دي؟!
لوحت يدها لتقول:
ـــ معرفش بقى يا داري.. هو انا هتشرط على الشيخ دا في دي كمان… انتي مت عـ.ـر.فيش انا ببقى مرعوبة ازاي و انا بكلمه.
لوت شفتيها لجانب فمها لتقول بتافف:
ـــ أوف.. انا مش عارفه ازاي متأثرش بالعمل الأولاني زي ما انا عايزة..يا خسارة مالحقتش أفرح بنجاح الخطة.
اقتربت منها برأسها لتقول بهمس:
ـــ ماهو بيقول تأثير العمل كان ضعيف لأنه محافظ على صلاته و قريب من ربنا.. انما المرادي هو عمل حسابه و عمل سحر أقوى.. بس طبعاً انتي عارفة انه كله بحسابه..
هزت رأسها و هي تقول بلامبالاة:
ــــ ميهمنيش الفلوس.. المهم يحصل اللي أنا عايزاه بالظبط.
اومأت بتأكيد:
ـــ هيحصل متقلقيش.. بس اهم حاجة يشرب منه معلقة على كوباية عصير.
اومـ.ـا.ت دارين بشرود ثم سألتها دنيا بترقب:
ـــ بس قوليلي هتقابليه ازاي و تشربيه العمل بعد ما قطع علاقته بيكي؟!
اجابتها و هي تنظر في نقطة ما في الفراغ:
ـــ هتصرف… في فكرة كدا في دmاغي هحاول أنفذها.
↚
حين انتصف النهار قامت دارين بالاتصال بأدهم لتستكمل بقية خطتها اللئيمة، في بادئ الأمر استغرب من اتصالها بعدmا قام بفسخ خطبته بها، و لكنه لم ينكر على نفسه أنه مازال يحب رؤيتها و التحدث اليها..
ـــ ألو… الحمد لله يا دارين.. انتي اللي عامله ايه..
ـــ بخير يا أدهم.. بعد اذنك كنت عايزة خدmة صغيرة منك.
ـــ أنا تحت أمرك طبعاً..
ـــ مرسي يا أدهم و دا عشمي فيك طبعاً… بس ينفع لو مفيش عندك مانع نتقابل و احكيلك على اللي عايزاه؟!
سكت مليا يفكر… لم لا؟!.. فلا ضير من رؤيتها.
ـــ تمام يا داري مفيش مشكلة.
ابتسمت حين ناداها بتلك الكنية المحببة اليها ثم قالت بسعادة غامرة:
ـــ بجد يا أدهم مش عارفه أشكرك ازاي..
ـــ على ايه يا بـ.ـنتي.. عادي.. انتي بالنسبالي حد مهم و مقدرش ارفضلك طلب.
تنهدت بحالمية ثم سألته بهيام:
ـــ بجد يا أدهم؟!
أومأ مؤكدا:
ـــ أيوة طبعاً بجد..
ـــ طاب حيث كدا بقى نتقابل في كافيه نايل و شوف الميعاد اللي يناسبك.
ـــ خلينا نتقابل ع الساعة ٨ بالليل كدا.
ـــ تمام في انتظارك.. باي
ـــ باي.
أغلقت الهاتف و هي تفكر بتركيز شـ.ـديد في تلك الخطة المحكمة التي أعدتها لتعيدها على نفسها عشرات المرات قبل ساعات قليلة من تنفيذها.
في مدينة برلين….
خرج لتوه بعد عملية عسيرة دامت لأكثر من عشر ساعات يزيح حبات العرق عن جبينه ليبشر ذلك الذي كاد قلبه أن يتوقف من فرط الخــــوف و القلق ليقول له بنبرة منهكة:
ـــ محمد أنا مش عارف أعزيك ولا أهنيك…. الحمد لله مودة لحد اللحظة دي امورها ماشية تمام و هتخرج من العمليات بعد شوية على جهاز تنفس صناعي لحد ما نطمن ان جـ.ـسمها اتوافق مع القلب الجديد و مش هيرفضه… انما ميريهان بقى….. البقاء لله.
تهدل كتفيه من الحـ.ـز.ن و كسى الوجوم ملامحه المهمومة، فتمتم بصبر و جلد:
ـــ انا لله و انا اليه راجعون… الحمد لله على كل حال… ربنا يتمم عملية مودة على خير و يصبرني على فراق أختها…
قال عبـ.ـارته الأخيرة ثم انخرط في بكاء مرير اهتز له جسده بالكامل، فأخذ الدكتور رؤف يربت على كتفه بمواساة و هو يقول:
ـــ خليك جـ.ـا.مد للآخر يا محمد…. و شوف كدا هتدفن ميري فين؟!
أخذ يمسح عبراته بيده ثم قال بنبرة باكية:
ـــ هاخد الجثة و ارجع ادفنها في مصر… عشان لما ارجع مع مودة بالسلامة نبقى نزورها في قبرها علطول..
ـــ تمام… احجز و شوف إجراءاتك… اكرام المـ.ـيـ.ـت دفنه..
هز رأسه بايجاب ثم أخذ يفكر في تلك الدوامة التي أخذته الى القاع حتى أنه لا يدري كيف أنه واقفا على قدmيه الى الآن… و لكنها تلك القوة التي أمدها الله بها لكي ينقذ ما يمكن انقاذه.
لم يطيق آسر البقاء في عمله… فليس لديه من التركيز ما يعينه على ممارسة مسؤلياته المعتادة، فاستأذن من مديره الذي التمس له العذر بعدmا علم بما حدث مع خطيبته…
خرج من المبنى ليسير بسيارته في الشوارع بلا هدف… كل مكان يمر به يراها فيه…فقد مرت معه في كل الأماكن… تركت له ذكرى هنا و أخرى هناك.. يا الهي كيف سيعيش بدونها؟!.. لقد كان قاب قوسين أو ادنى من خطوة الزفاف.. ذلك العش الذي لطالما انتظره طويلا لكي يجمعهما… جائته تلك الريح العاصفة التي خسفت به الأرض و بقي هو يبكي على الأطلال…
بينما هو في خضم تيهه بين الشوارع و الطرقات أتاه اتصال من حماه يخبره أن ميريهان قد فارقت الحياة و أنه سيعود بها في الطائرة التي ستصل مطار القاهرة صباح الغد، و اغلق الهاتف سريعا قبل أن يسمع من آسر ما لا يرضيه من لوم او عتاب… فهو يجهل الأمر برمته و لا يعلم شيئ عن ضرورة سفر ميريهان مع شقيقتها…
بمجرّد ان انقطع الاتصال أصبح جسد آسر كالهلام… و كأنه جسدا خاويا بلا روح.. نعم يدرك النهاية جيدا و لكن دائما حدوث الحقيقة و تحولها الى امر واقع وقعها صعب على العقل تحمله او استيعابه..
ركن سيارته على جانب الطريق حتى يتمالك أعصابه التي انفلتت منه للغاية، و أخذ يلتقط أنفاسه المتلاحقة…. ثم رغما عنه خرج صبره عن السيطرة و صاح بعلو صوته بآهة ألــم مزقت كيانه ثم هدأ بعدها قليلا حتى ثقل رأسه و أسندها على تارة القيادة..
عاد من عمله في السابعة مساءا و كانت حينئذٍ ندى خارجة لتوها من المطبخ، و حين سمعت صوت انغلاق الباب توقعت عودته فاستقبلته ببسمة واسعة و كانت مرتدية بيجامة بيتية بنصف كم راسمة تفاصيل جسدها، فكانت مثيرة حقا… اجفلت بخجل حين رمقها بنظرات الاعجاب، فاخفضت جفنيها و هي تقول بحياء:
ـــ حمد الله على السلامة..
ــــ الله يسلمك..
اقترب منها في حركة فاجئتها و قبل مقدmة رأسها بغرض تقريب المسافات بينهما، فازداد خجلها أكثر، و لكنها تغلبت على ذلك ثم قالت:
ـــ على ما تغير هدومك هكون جهزت العشا.
رد عليها بتعب:
ـــ لا أنا مش هتعشى دلوقتي… عندي مشوار كدا هخلصه و لما ارجع هبقى اتعشى… انا داخل اخد شاور..
هزت رأسها باحباط… فهي كانت تتطلع لتناول العشاء برفقته..
ـــ طاب هعملك ساندوتش تاكله ع السريع..
لم يُرِد أن يحرجها فاومأ موافقا ثم تركها و سار باتجاه غرفته.
نزع ملابسه الميري ثم جلس على حافة الفراش حين داهمه صداع قوي، فتمدد بجسده على الفراش بملابسه الداخلية لعل الصداع يقل…
و لكنه غفى دون أن يشعر من فرط التعب.
بعد قليل دلفت ندى و بيدها طبق به شطيرتين، فوجدته هكذا نائم بتلك الملابس، فاقتربت منه تقف بجواره و هي في حيرة من أمرها… أتوقظه ليأكل و يذهب الى حيث أخبرها أم تتركه يكمل نومه…
ـــ أدهم… أدهم..
أخدت تهزه برفق و لكنه لم يصدر عنه أي حركة و كأنه مقـ.ـتـ.ـو.ل.
هزت رأسها باشفاق، و وضعت الطبق جانبا ثم جلست بجواره على حافة الفراش، تأملته مليا تريد أن تتحسس ملامحه التي تعشقها و لكنها مترددة…تخشى أن يستيقظ من لمستها تلك…و لكنها أقنعت نفسها أنه لا ضرر من الاستمتاع و لو ثواني برائحته التي أدmنتها و كأنها مادة مـ.ـخـ.ـد.رة لم تعد تستغنى عنها….
فأمالت برأسها عليه تستنشق عبير عطره مستندة بكفها الأيمن على كتفه الأيسر، فتذكرت ذلك الحلم الذي راودها في الصباح حين كانت في حلمها بين ذراعيه تدفن رأسها بين رأسه و كتفه و تتنفس رائحته، فابتسمت بحالمية و هي تأخذ نفسا عميقا تملأ بعبيره رئتيها، و لكن لحظها العثر سقط شعرها الناعم القصير على عينه ليفتحهما بغتة و كأنه لم ينم لحظة، ليجدها مائلة عليه هكذا و أنفاسها تلفح عنقه فامتدت يده اليمنى الحرة البعيدة عنها لتقبض على ذراعها المستند على كتفه، فانتفضت مفزوعة و قامت سريعا من عليه، فنهض هو الآخر من نومته ليجلس و هو يمسح وجهه من أثر النوم بينما هي أصابها التـ.ـو.تر البالغ و تجمد الدm في عروقها و وقفت أمامه كالمذنب ثم أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر و هي تقول بنبرة مهتزة:
ـــ أنا… أنا كنت بصحيك عشان… عشان تاكل و تخرج.
نظر لها باستنكار و هو يتأمل ارتباكها، ثم هتف بدهشة:
ـــ في ايه يا ندى ايه اللي حصل يعني.. اهدي كدا… ليه التـ.ـو.تر دا كله..
ـــ ها!..
أشفق على خجلها فقام بتغيير مجرى الحديث:
ـــ أنا فعلا جوعت اوي… فين السندوتشات؟!
انحنت سريعا لتعطيه الطبق فأخذه منها ثم قضم قطعة من احداهما و سألها و هو يلوك الطعام بفمه:
ــــ هو انا نمت كتير؟!
هزت رأسها بالنفي:
ــــ لا.. انا عملت السندوتشات بسرعة و دخلت لقيتك نايم.
هز رأسه عدة مرات و هو يتطلع اليها بسرحان ، فقد حقا أفقدته عقله بقربها الزائد منه…ترى هل حقا كانت توقظه أم انها فعلت معه ما فعله معها ذلك الصباح…
نفض تلك الأفكار عن رأسه ثم نهض من الفراش و هو يقول بجدية:
ـــ انا كدا هتأخر على الميعاد..
حمحمت ثم قالت بتهرب:
ـــ طاب انا هروح اشوف ماما تيسير..
أومأ و لم يعقب، فهو أراد ايضا أن يهرب من أمامها بعدmا بعثرت كيانه خلال تلك اللحظات و أصبح مشتتا للغاية… هل أحبته أيضا كما أحبها؟!….
بينما هي فرت الي غرفتها و هي تعض على اناملها من النـ.ـد.م… ما كان ينبغي أن تبادر هي بالقرب…ما كان ينبغي أن تلمسه…فهي المطلوبة و لا بد ألا تكون سهلة المنال هكذا..
ظلت تجلد ذاتها و هي تدور بغرفتها ذهابا و ايابا و لم تجرؤ على الخروج منها حتى لا تواجه بعد فعلتها تلك.
و في تلك الأثناء تماما …
وصلت دارين الى المقهى مبكرا عن موعدها مع أدهم لتراقب ذلك النادل الذي يدور بصينية المشروبات هنا و هناك، فنادته بأدب ليقبل عليها..
ــــ أي خدmة يافنـ.ـد.م؟!
ــــ ايوة.. انا فعلاً عايزة منك خدmة و اللي تطلبه انا تحت امرك.
التمعت عيناه بطمع فأومأ يحثها على قول طلبها، فاستخرجت تلك الزجاجة الصغيرة من حقيبتها ثم قالت له بصوت اقرب الى الهمس:
ـــ بص.. انا جوزي جاي يقابلني كمان شوية عشان في مشاكل بينا كدا هنحاول نحلها… اصل في واحدة حـ.ـيو.انة عملتله عمل و خـ.ـطـ.ـفته مني و انا عايزاه يرجعلى تاني بأي طريقة.. فأرجوك عايزاك تساعدني و كوبابة العصير بتاعته تحطله فيها من العمل دا عشان يرجعلي..
اتسعت عيني النادل باستنكار و اخذ يردد برفض:
ـــ لا لا طبعاً.. انا مستحيل اعمل كدا.. افرض دا سم يبقى انا كدا قــ,تــلته بايدي..
اسرعت تقول بلهفة:
ـــ لا و الله ماهو سم… انا عندي استعداد اشرب منه قدامك عشان تتأكد… دا مجرد عمل او سحر يعني عشان يرجعلي.. و للأسف لو كان رضي نتقابل في بيتنا كنت اكيد مش هلجأ لحضرتك بس هو مش عايز يرجع البيت حتى نتقابل فيه و نحل مشاكلنا.. الله يخليك يا استاذ ساعدني و المبلغ اللي تطلبه انا تحت امرك… ايه رأيك تاخد ألفين جنيه؟!
ـــ ألفين جنيه؟!
قالها بذهول و هو يحك مؤخرة رأسه بتفكير، فحركة كهذه لن تكلفه شيئ و لن تأخذ من وقته ثوان ستدر عليه نصف راتبه تقريباً..
ــــ حضرتك متأكدة ان دا مش سم… و ان دا مش هيضره ولا يشيلني ذنبه؟!
ــــ لا لا لا اطـ.ـلا.قا… و الله ما هيجراله اي حاجة.. دا جوزي و انا هخاف عليه اكتر من اي حد في الدنيا.
مد يده أخذ الزجاجة بتردد ثم قال بقلة حيلة:
ـــ ماشي… بس هاخد الفلوس دلوقتي.
فتحت حقيبتها لتستخرج المال الذي اعدته مسبقا و ناولته اياه و هي ترسم على شفتيها ابتسامة الانتصار فأخذ منها الأموال و دسها سريعا في جيب سترته قبل أن يراه أحد ثم دس الزجاجة في جيب بنطاله..
ـــ العصير بتاعه هتحطه قدامه ناحيته بالظبط و انا بسرعة هاخد كوبيتي قبل ما الكوبايات تتبدل.
أومأ موافقا و هو يرتعش من الخــــوف ثم انصرف الى زبون آخر…
في محافظة سوهاج..
كانت الأجواء احتفالية و الزينة و الأضواء الملونة منتشرة على امتداد الدوار و صوت الطبل و المزمار يغطي على أي صوت ، و قد انقسمت حديقة الدوار الكبيرة الى قسمين… قسم للرجـ.ـال و قسم للسيدات تفصلهما حاجز كبير من قماش الخيام المزخرفة بالنقوش الاسلامية ..
و قد كان قسم الرجـ.ـال مكتظ على آخره بأعيان البلدة و البلاد المجاورة و كان حمد يجلس بين الحضور بالجلباب الصعيدي، فهو الزي الرسمي لتلك المناسبات.
كان يجلس و بجواره شقيقه الأكبر يستقبلان الضيوف تارة و يرقصان بالخيول تارة أخرى في اجواء حماسية للغاية.
بينما في الجهة الأخرى تجلس العروس بفستانها الذهبي و طرحتها البيضاء المزرقشة بين السيدات تراقبهن و حسب..و كانت عائشة تحثها على الرقص و لكنها لم تستجب أبداً بحجة الخجل…بينما هي في الحقيقة كانت تنتظر الاشارة من أمها..
و كانت ريم تجلس بين السيدات تصفق على تلك الاغاني الفلكلورية الخاصة بالصعيد وحده و تتابع رقص الفتيات و مستمتعة للغاية بتلك الاجواء الجديدة التي تراها لأول مرة و بالطبع رافقتها مارتينا في التصفيق و الضحك.
على الجهة الأخرى…
همس معتصم بأذن أخيه ببضع كلمـ.ـا.ت ثم استأذن من الحضور و ذهب باتجاه خيمة النساء، و قبل أن يحمحم بصوت عال ليعلمن بقدومه، وقف منبهرا تغمره حالة من الاعجاب حين وجد ريم تتمايل مع مارتينا و تضحك بسعادة غامرة و تصفق مرتدية فستان أبيض قصير مزين بزهور حمراء صغيرة يُظهر كاحليها و لكن تغطيهما بـ “ليج ان” طويل ابيض و تنتعل حذاء ابيض و حجاب قصير احمر فكانت مميزة و جميلة بتلك الضحكات التي زينت ملامحها المريحة… كما أنه لأول مرة يراها ترتدي شيئا آخر بخلاف البناطيل الضيقة و القمصان الطويلة… يا الهي لقد كاد يفقد عقله من فرط انبهاره بها.
سرق من الزمن لحظات يتأملها بإبتسامة حالمة و كأنه لم يكن هو…هو حقا بدأ ينسى أنه الكبير في حضرتها…
ثم سرعان ما عاد لرشـ.ـده مستعيدا هيبته و وقاره و من ثم حمحم بصوت عال حتي تنتبه لهن النساء و يتوقفن عن الرقص وبالفعل قد فعلن…
أقبل على العروس التي كانت تجلس بين أمه و أمها ثم قال بصوته الغليظ:
ـــ مبـ.ـارك يا عروستنا…. حمد عيدخل دلوق يلبسك الشبكة…ربنا يتمم بخير ان شاء الله.
أومأت بخجل و هي تنظر أرضا، و بعد قليل دلف اليهم حمد و تقدm منهن فنهضت أم صافية لتحضر علبة الذهب فجلس حمد مكانها و هو ينظر بطرف عينه الي عروسه الخجلى فقد كانت جميلة حقا، و لكن آه لو اكتمل جمال وجهها بجمال عقلها.. و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يناله.
وقف معتصم خلف شقيقه ثم قام بالباسها الذهب و قامت بالباسه خاتم الخطبة الرجـ.ـالي ثم علت الزغاريد من قبل النساء و انطلقت الطلقات النارية تدوي في السماء..
ـــ مبـ.ـارك يا صافية..
قالها حمد برقة فابتسمت تلك البسمة التي اظهرت غمزتها الوحيدة، فحاول تناسي لقائه الاخير بها و ركز أكثر على تلك الابتسامة الساحرة التي سلبت عقله.
تقدmت منهما ريم لتبـ.ـارك لهما فراقبها معتصم بنظرة معجبة لم تخفى عليها و لكنها تجاهلت نظراته و لم تعيره اهتماما ثم قالت برقتها المعهودة:
ـــ مبروك يا عروسة.. مبروك يا استاذ حمد… ما شاء الله عروستك زي القمر..
ــــ الله يبـ.ـارك فيكي يا دكتورة… عقبالك.
اتسعت بسمة السيدة ام معتصم لتقول بسعادة:
ـــ عجبالك يا بتي… و الله نورتي الجعدة الزينة دي..
ـــ شكرا يا حاجة.. انا مبسوطة اوي اني في وسطكم النهاردة..
أتاها صوت معتصم الغليظ:
ـــ عجبالك يا ضكتورة…
كتمت ريم ضحكتها بشق الأنفس، فهناك فارق كبير بين وجهه الآن و وجهه الآخر الخفي، و أجابته و هي تكتم ضحكتها بصعوبة:
ـــ ميرسي يا معتصم بيه.. عقبالك انت كمان.
بالطبع لاحظ ضحكتها التي تحاول اخفائها و قد فهم سبب تلك الضحكة، فابتسم هو الآخر محاولا كبت ضحكته… فلولا ذلك الجمع من الناس لانفجرا سويا في الضحك.
عادت ريم لمجلسها بجوار مارتينا و هي تتحاشى النظر تجاهه، بينما هو غادر مجلس النساء سريعا قبل أن تفضحه نظراته لها بينهن.
رن هاتف ريم التي كانت تحمله بيدها طيلة الوقت، و قد كانت أمها هي المتصل…
ـــ مارتينا انا هخرج برا اكلم ماما اصل الصوت هنا عالي اوي و مش هنسمع بعض..
أومأت لها ثم تابعت التصفيق و الغناء، بينما ريم فتحت الخط بعدmا ابتعدت كثيرا عن محيط الحفل حتى يتثنى لها سماع أمها…
استمرت المكالمة بينهما دقائق قليلة اطمئنت خلالها تيسير على ابـ.ـنتها المغتربة، ثم انتهى الاتصال..
و لم تكد ريم تخطو خطوة واحدة في طريق عودتها للدوار حتى سمعت نباح الكلاب يأتيها من الاتجاه الذي من المفترض أن تسير ناحيته، انقبض قلبها و تجمدت الدmاء في عروقها حين ظهرت لها من العدm مجموعة من الكلاب تنبح بقوة و كأنها تنتظر اشارة الهجوم عليها…
ازدادت ضـ.ـر.بات قلبها بالتزامن مع زيادة معدل التنفس من فرط الخــــوف، و لم تجد بدا من الركض من أمامهم لعلها تنجو بنفسها، فركضت في الجهة الأخرى بعيدا عن الدوار لتركض الكلاب بدورها خلفها و يا ليتها ما فعلت…
أدركت انها أخطأت حين ركضت فقد ازدادت الكلاب شراسة و ازداد ركضهم خلفها و لكنها استمرت في الركض على ايه حال و هي تبكي من الخــــوف و تكاد تسقط في أي لحظة…
و لكن لسوء حظها لحقها أحد الكلاب لينهش كاحلها فصرخت بعلو صوتها من شـ.ـدة الألــم و الخــــوف بذات الوقت، و لكن من سيسمعها في هذا الطريق الزراعي الغير مأهول بالسكان..
يبدو أن الكلاب قد خافت فتركتها مسجية على الأرض و انسحبت بعيدا عنها… بينما بقيت هي تتنفس بصعوبة بالغة و جسدها متعرق للغاية و ينتفض من شـ.ـدة الخــــوف… فان نجت من الكلاب.. فهل ستنجو من الظلام الدامس الذي يحيطها؟!.. ثم من أين لها طريق العودة؟!
انكمشت على نفسها على جانب الطريق الترابي تنتظر النجاة و هي تحاول السيطرة على حالة الهلع التي أصابتها و لكن الأمر قد خرج عن السيطرة.. تبا لتلك الحالة التي ستفقدها حياتها يوما..
اوشك الحفل على الانتهاء، و قد انتاب القلق مارتينا، فريم لم تعد بعد..
قامت بالاتصال بها عدة مرات و لكن في كل مرة ينفتح الخط و لا تجيب، الأمر الذي أثار رعـ.ـبها عليها و لم تجد بدا من اخبـ.ـار معتصم لعله يساعدها..
حين أخبرته بما حدث صاح بها بحدة:
ــ غايبة بقالها اكتر من ساعة و لسة جاية تقوليلي دلوقتي؟!
ردت ببكاء:
ـــ انا انا اتلهيت في الفرح و…
قاطعها بزمجرة عالية ينادي بها على سمعان:
ـــ سمعااااان..
هرول اليه الخفير في لحظات ليهتف به بصوت جهوري:
ـــ خود الرچالة و اجلب البلد على الضاكتورة ريم… و لو لاجيتها رن عليا طوالي..
ـــ أوامرك يا كبير.
ـــ عيشة..
أقبلت عليه أخته و هي في حالة من الذهول من قلق أخيها المبالغ فيه ليهتف بها:
ـــ خودي نعمة و دوري في الدوار قوضة قوضة… و المضيفة قمان..
أومأت بخنوع ثم ذهبت الى داخل الدوار، بينما الحاجة ام معتصم كادت تبكي من القلق و أخذت تدعو لها بالرجوع سالمة..
ـــ وينه حمد؟!
أجابته أمه:
ـــ حمد ادلى يوصل عروسته و خواتها لدارهم يا ولدي..
أخذ نفسا عميقا ثم استل هاتفه من جيبه ليتصل بـ ريم لعلها تجيبه و بالفعل فتحت الخط و لكن صوتها يأبى الخروج و لكن على الأقل اطمئن أنها ربما تكون بخير…….
ركض خارج الدوار و الهاتف على أذنه ليحثها بقوة على الرد:
ـــ ريم… انتي فين… ردي عليا يا ريم أنا معتصم..
حين أتاها صوته أجهشت في بكاء مرير وصل إليه الأمر الذي دب الرعـ.ـب في أوصاله و أدرك أن حالة الهلع قد أصابتها و بالطبع السبب مرعـ.ـب.
ابتلع ريقه بصعوبة من فرط القلق ثم قال بهدوء:
ـــ ريم عشان خاطري اهدي و اتنفسي براحة عشان اعرف مكانك و اجيلك أخدك.
أيضا لا رد…فقط شهقات عالية هو كل ما يستطيع سماعه، اخذ يركض بعيدا و بعيدا لعله يراها و الخط مفتوح، ثم قال و هو يكاد يفقد عقله:
ـــ ريم انا معاكي ع الخط متخافيش…انا معاكي يا حبيبتي مش هسيبك..اهدي عشان خاطري..حاولي تتنفسي براحة عشان صوتك يطلع…قوليلي انتي فين؟!
بالكاد استطاعت ان تقول:
ـــ معرفش..
أحس بقليل من الارتياح حين أتاه صوتها، ثم حثها على التحدث:
ــــ طاب انتي شايفة الزينة و النور اللي في الدوار؟!
ـــ لأ..انا…بعيد..
أغمض عينيه برعـ.ـب،ثم واتته فكرة ليقول و هو يركض ابعد و ابعد:
ـــ طاب عايزك تركزي معايا كويس…افتحي الـ gps من تليفونك و ابعتيلي مكانك..
لم ترد و انما قامت بما قاله بيدين مرتعشتين، فأتته رسالة بموقعها، فتنفس الصعداء ثم قام بخلع جلبابه الذي أعاق حركة ركضه و ألقاه على الطريق و بقي بالسروال و بادي كات رجـ.ـالي، ثم تتبع الـ gps جريا حتى ينقذها سريعا قبل أن يصيبها مكروها حتى تقريباً وصل لمكانها…
قد انقبض قلبه حين تبين له أنها قابعة هنا بهذا الطريق المهجور حيث تكثر الحيات و العقارب و لكنه لا يراها…أخذ ينادي بملئ فمه:
ـــ رييييييم….ريييم انتي فين…ريييم..
لمح ذلك الضوء الخافت و الذي يبدو أنه ضوء الهاتف الذي ظهر من الجانب النائي للطريق فسار اليه ركضا لتظهر له أخيرا و هي متكومة على نفسها و فستانها الابيض ملطخ بالسواد و حجابها ساقطا من على رأسها و جسدها ينتفض بشـ.ـدة و انفاسها متسارعة للغاية..
ـــ ريم..
بمجرد أن سمعت صوته و رفعت رأسها إليه فرأته أمامها.. لا تعرف كيف ألقت بجسدها على صدره ليلتقفها بين ذراعيه و يطوقها بشـ.ـدة، فانفجرت في البكاء و النواح بحرقة و كأنها قد فقدت عزيزا…بينما هو أخذ يمسح على رأسها تارة و يشـ.ـدد من احتضانها تارة أخرى و هو يغمض عينيه بألــم يعتصر قلبه لأجلها…لقد كاد أن يفقدها…كان كالمـ.ـجـ.ـنو.ن قبل أن يجدها…لا يدري كيف وجد ذلك الهدوء و العقل اثناء بحثه عنها..
كلما تخيل أنها بقيت أكثر من ساعة بمفردها في ذلك المكان الموحش يكاد قلبه ينخلع، كيف تحملت ذلك… تلك الرقيقة التي تشبه قطعة البسكويت في رقتها.. كيف تحملت البقاء هنا.. و ماذا لو لم يكن هاتفها معها.. كيف ستسير الأمور حينها… و ألف كيف و ماذا سألها لنفسه…
أخذ يردد على أذنيها من الكلمـ.ـا.ت ما يهدئها بنبرة شبه باكية:
ــــ أنا آسف…حقك عليا أنا…أنا خلاص جيتلك و مش هسيبك يا ريم…اهدي يا حبيبتي..اتنفسي براحة انتي خلاص في أمان… انا مش عارف بس ايه اللي خلاكي تبعدي عن البيت كدا.. ليه بس؟!. ليه؟!
بدأت تهدأ رويدا رويدا بعدmا شعرت بذلك الأمان الذي أخرجها من تلك الحالة المزعجة حتى كادت أن تفقد وعيها…فأثناء حالة الهلع يبقى المخ متيقظا و متنبها تحسبا لأي خطر قد يهاجم صاحبه و بمجرد ما أن يشعر بأن الخطر زال يحدث له حالة من الخمول بعد فترة عصيبة من الخــــوف و الانهاك و يحاول استعادة وظائفه بعد فترة من النوم او فقدان الوعي..
ـــ ريم..اوعي تنامي..خليكي صاحية عشان نعرف نرجع.
هزت رأسها المستندة على كتفه بايجاب فأبعدها قليلا ليرى وجهها فوجدها تفتح عينيها بصعوبة فسألها بترقب:
ـــ هتقدري تمشي؟!
هزت رأسها بنفي، فسألها بتردد:
ـــ أنا كدا مضطر أشيلك.
لم ترد كناية عن موافقتها فكل ما يشغل بالها الآن أن تعود للدوار لتهرب من ذلك الكابوس و تنام لعله ينمحي من ذاكرتها.
هم بالنهوض لكي يتمكن من حملها إلا أنها صرخت بألــم حين لمس كاحلها، فأصابه الفزع و قام بتفقد كاحلها ليرى اذا ما كان قد انكـ.ـسر و لكن وجد به آثار لأسنان كـ.ـلـ.ـب، فنظر لها برعـ.ـب و هو يقول:
ـــ ايه دا؟!…هو في كـ.ـلـ.ـب عضك؟!
هزت رأسها بايجاب و هي تبكي، فأخذ يسب و يلعن و قد اتضحت له الصورة..
ـــ طاب لازم نرجع الدوار بسرعة عشان نشوف هنعمل ايه في الجـ.ـر.ح دا…أنا هشيلك و متخافيش مش هلمس رجلك..
أومأت و هي تحاول السيطرة على بكائها، فأحكم الحجاب حول رأسها أولا و غطى ساقيها بالفستان جيدا حتى تكون مستورة، ثم حملها بخفة و كأنها لا تزن شيئ و تعلقت بعنقه بضعف و سار بطريق العودة الى الدوار و هو يدعو الله أن تمر تلك الحادثة بسلام.
↚
بالكاد استطاع أدهم أن يصل المقهى بالموعد المحدد ليجد دارين تشير له، فسار تجاهها و من ثم تبادل معها التحية ثم جلس قبالتها..
اخذت تنظر له باشتياق بالغ لم يخفى عليه، و لكنه لم ينزعج من ذلك، فهو يدرك جيدا مدى حبها له و يعلم أن حبها له أضعاف مقدار حبه لها… هذا ان كان قد أحبها بالأساس.
ـــ ازيك يا أدهم… انت وحـ.ـشـ.ـتني اوي.
أجابها بنبرة عادية حتى لا يعطي لها أملا في الرجوع:
ـــ و انتي كمان… اخبـ.ـارك ايه و اخبـ.ـار والدك و والدتك.
ــــ احنا تمام الحمد لله.
ـــ ها؟!.. ايه بقى الموضوع اللي كنتي عايزاني عشانه؟!
زمت شفتيها بانزعاج لتقول بحـ.ـز.ن مصطنع:
ـــ ايه دا علطول كدا؟!… طاب مش هعزمك الاول على حاجة نشربها؟!
لم تنتظر رده حتى لا تترك له حرية اختيار المشروب فأسرعت تقول و هي تشير للنادل:
ــــ هطلبلك عصير فراولة.. انا عارفة انك بتحبه..
اومأ موافقا ليأتي النادل يقف أمامهما بتـ.ـو.تر لاحظه أدهم الأمر الذي أثار دهشته، فطلبت منه دارين كوبين من العصير فأومأ و انصرف بسرعة…
بعد قليل أتى النادل بالكوبين ليضع كوب أدهم أمامه و يديه ترتجفان حتى كاد أن يسقط الكوب، فأخذت دارين تصطك فكيها من الغـ.ـيظ، فأحس أدهم بوجود خطبا ما، و يبدو أن دارين على معرفة بهذا النادل، فقد لمح تلك النظرة المحذرة التي صدرت منها تجاهه و بحنكته و ذكائه أيقن أنها نصبت له فخا ما و العصير هو الوسيلة.
رفع أدهم رأسه ليشكر النادل لينظر له بنظرة ثاقبة قرأ فيها خــــوفه و تردده لتؤكد له تلك النظرة شكوكه.
نظر لـ دارين نظرة تحليلية غامضة في انتظار سرد طلبها، فحمحمت بتـ.ـو.تر ثم قالت:
ـــ طاب تعالى نشرب العصير الأول..
قالتها و هي تأخذ رشفة من كوبها و لكنه رفع حاجبيه قائلا ببسمة مصطنعة حتى لا تشعر أنه اكتشف أمرها:
ـــ هشرب طبعا يا داري.. بس حابب اسمعك الأول..
ابتلعت ريقها ثم أردفت بنبرة مهتزة:
ـــ في واحدة صاحبتي أخوها داخل الجيش داخلية و لما عرفت ان في بينا سابق معرفة اترجتني تتوسطله عشان تجيبه في مكان قريب من اقامته.. فأكدتلها اني هكلمك و ان انت اكيد مش هترفص تقدmلي الخدmة دي..
كانت تتحدث و يديها أمامها على الطاولة تفركهما بتـ.ـو.تر مستمر فامتدت يده ليضعها على يديها يوقف بها رجفتهما، الأمر الذي جعل عينيها تجحظ من الدهشة ليقول بنبرة رقيقة مع ابتسامة تبدو حالمة:
ـــ اهدي.. الموضوع مش مستاهل التـ.ـو.تر دا كله.
ثم سحب يده لترتطم بالكوب و كأنه بدون قصد و لكنه في الحقيقة فعل تلك الحركة خصيصا ليسكب الكوب بطريقة تبدو عفوية، و ما ان انسكب الكوب على الطاولة حتى ابتعد سريعا قبل أن تبتل ملابسه بينما دارين شهقت بصوت عال حسرة على ضياع خطتها اللئيمة، فأخذ أدهم يقول بلا اكتراث:
ـــ مش مهم… حصل خير.. ماليش نصيب فيه.
أخذت تهز رأسها و هي تكاد تبكي، و لكنها حاولت أن تبدو طبيعية، فنهض ادهم ثم وضع بضع ورقات مالية على الطاولة و هو يقول:
ـــ انا مضطر امشي يا داري لأني تعبان اوي و عايز انام… ابعتيلي بس بيانات اخو صحبتك ع الواتس و اعتبري الموضوع خلصان… باي..
انصرف مغادرا من أمامها على عجل بينما هي بقيت تنظر في أثره بضياع و لم تقوى على التفوه بأي كلمة من فرط الصدmة..
أما أدهم ركب سيارته و سار بها بضع خطوات بعيدا عن المقهى ثم وقف بضع دقائق يراقب خروجها… و بمجرد أن تأكد من خروجها و ابتعادها بسيارتها عن محيط المقهى، صف سيارته ثم ترجل منها عائدا مرة أخرى الى المقهى لينادي ذلك النادل الذي قدm له العصير، و بمجرد أن أتاه قبض على ذراعه ثم استخرج من جيب قميصه بطاقة التعريف خاصته ليشهرها في وجهه و هو يسدد اليه نظرة نارية و يقول بنبرة شـ.ـديدة اللهجة:
ـــ انا الرائد أدهم برهام.. بهدوء كدا و بدون ما تضطرني اني استخدm معاك العنف قولي بالظبط الانسة اللي كانت قاعدة معايا كانت متفقة معاك على ايه؟!
ارتجفت اوصال النادل و تعرق جسده من الخــــوف ثم قال بصوت متلجلج:
ـــ و الله يا باشا انا معرفهاش…هي جات و قالتلي عايزاك تحط من الازازة دي على العصير بتاعك… و و و قالتلي انك جوزها و دا سحر عايزاك تشربه عشان ترجعلها.. و اترجتني اساعدها… و و و عرضت عليا ٢٠٠٠ جنيه… و و انا أخدتهم و عملت زي ما قالتلي…
نظر له أدهم بصدmة.. فلم يخطر بباله أن دارين قد تلجأ الى تلك الطرق المتـ.ـخـ.ـلفة البعيدة كل البعد عن تحضرها و مستواها الاجتماعي العالي…
ركب سيارته و انطلق الى حيث لا يدري…. دارت بذاكرته أحداث قديمة ربطها بما حدث اليوم… إذن اعجابه بها و خطبته لها سابقا كان مدبرا… هل تلك المشاعر المتناقضة تجاهها بفعل ما سقته له من قبل؟!…و كيف و هو أدهم أدهى ضابط في العمليات الخاصة الذي تخشاه أعتى عصابات المافيا يقع في ذلك الفخ التافه من فتاة تافهة كـ دارين؟!.. و كانت تلك الفكرة أكثر ما جعلته يكاد يجن؟!.. كيف استاطعت خداعه بتلك السهولة؟!.. أين كان عقله و دهائه؟!.. أين كانت عيناه اللتان تلتقطان أبسط الأشياء و تلفت نظره أدق التفاصيل؟!..و ألف سؤال يسأله لنفسه و هو يأكل نفسه من الغـــضــــب و يدور في الطرقات بلا وجهة محددة.
في محافظة سوهاج…
دلف بها سريعا الى غرفتها بالمضيفة تحت أنظار السيدات بالدوار و منهن أمه و أخته و مارتينا، ثم وضعها برفق بالغ على الفراش و كانت حينئذ قد فقدت وعيها..
ـــ مارتينا بسرعة شوفي رجليها فيها عضة كـ.ـلـ.ـب.
شهقت مارتينا برعـ.ـب بالتزامن مع صدmة أمه و أخته، و اخذت تقول بقلق:
ـــ لازم نغسل مكان العضة بمية و صابون.. و في عندنا في الوحدة مصل لعضة الكـ.ـلـ.ـب لو ممكن حد ييجي معايا افتح و اجيبلها حقنة بسرعة اديهالها..
رد عليها بلهفة:
ـــ طاب بسرعة روحي و هبعت معاكي سمعان و اتنين كمان من الرجـ.ـا.لة..
بينما عائشة تدخلت بقولها:
ـــ على ما ترچعي بالحجنة هكون فوجتها و ساعدتها تتحمم و تغير خلجاتها اللي كلها طينة و ترابة دياتي.
أومأت ثم خرجت مسرعة بعدmا قام معتصم باصدار اوامره لخفيره..
نظر لأمه ثم قال بـ.ـارهاق:
ـــ أني طالع اتحمم و اغير خلجاتي يامايا… و هبابة اكده و هعاود اطمن عليها.
أومأت أمه بصمت و هي تتأمله بنظرة ذات مغذى، فلم يخفى عليها تحوله مع تلك الفتاة و خــــوفه الزائد عليها..
تهرب من نظراتها ثم استدار مغادرا المضيفة.
بعد نصف ساعة كان قد أنهى حمامه ثم صلى المغرب و العشاء و من ثم سجد شكرا لله أن نجى ريم من الهلاك..
جلس على الأريكة الصغيرة الكائنة بركن الغرفة و بعد عدة دقائق قضاها في التفكير في ريم و ما مر به من أحداث معها منذ أول يوم رآها، أتاه صوت طرقات خفيفة على الباب ليأذن للطارق بالدخول فإذا بها عائشة أخته..
ـــ تعالي يا عيشة…
اقبلت عليه حتى جلست جواره بالأريكة و قبل أن تفتح فمها سألها بلهفة:
ـــ ريم عاملة ايه دلوقتي؟!
نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بحدة:
ـــ انت مالك ملهوف عليها كدا ليه يا معتصم… دا انت كنت هتمـ.ـو.ت روحك عشانها.
نهض بعصبية ليوليها ظهره هاتفا بحدة:
ـــ ضيفة في داري يا عيشة.. و اي حاجة تمسها هتبقى في وشي انا.
نهضت لتقف خلفه و تسأله بسخرية:
ـــ ضيفة برضو يا معتصم؟!.. انت فاكر ان انا هصدق الكلام دا؟!
استدار ليكون بمواجهتها ثم هتف بجدية:
ـــ ايوة ضيفة….. و عشان تستريحي اه اللي في دmاغك صحيح و انا بحبها.
اتسعت عينيها بصدmة لتقول بترقب:
ـــ و نرمين؟!.. مراتك؟!
رد عليها بنبرة منهزمة:
ـــ انا عمري ما حبيت نرمين و انتي عارفة كدا كويس… اه اتجوزتها بكامل ارادتي بس عمري ما حسيت انها تخصني زي ما حسيت مع ريم… عمري ما قلبي اتلهف عليها زي ما اتلهف على ريم… عمري ما استنيت أشوفها بفارغ الصبر زي ما بيحصل مع ريم.. ريم هي اللي قلبي دقلها يا عيشة.. هي اللي ملكت قلبي بجد.
هتفت به بانفعال بالغ:
ـــ أومال اتجوزت نرمين ليه من الأساس؟!.. احنا كلنا كنا ضد الجوازة دي من الاول… انا و هشام و حمد حذرناك و قولنالك مسيرك هتقابل اللي تحبها.. انت اللي كنت واثق في نفسك اوي و قولت ان الحب دا كلام فارغ مش سهل تقع فيه… جاي دلوقتي تقولي بحبها؟!
اجابها بانفعال مماثل:
ـــ و اظن انتي عارفة كويس سبب جوازي من نرمين… قولتلك مـ.ـيـ.ـت مرة اتجوزتها عشان اعف نفسي و عشان معملش حاجة في الحـ.ـر.ام… نرمين بالنسبالي كانت جوازة سهلة بدون مسؤليات و لا خلفة ولا و.جـ.ـع دmاغ…
ـــ بس اللي خلانا نوافقك انك اقنعتنا انك هتتجوز بـ.ـنت من بنات الاعيان في البلد و هتخليها في الدوار مع امي و انت هتنزلها كل شوية البلد و هتكون هي مراتك قدام امك و العيلة و ناس البلد كلاتها… و حتى لو عرفت انك متجوز مش هتكون مشكله كبيرة لأن تعدد الزوجات مقبول في الصعيد… انما الدكتورة ريم بجلالة قدرها هتقبل بكدا يا سي معتصم؟!
سكت مليا يفكر بملامح مهمومة ثم قال بنبرة يشوبها الشجن:
ـــ قبل ما اتجوزها هكون طلقت نرمين..
ـــ نعم؟!.. بالسهولة دي؟!.. و انت فاكر انك لما تطلقها هتكون كدا خلصت منها؟!
سكتت تراقب ردة فعله ثم استرسلت بمزيد من الضغط:
ـــ نرمين مش سهلة يا معتصم.. دي هتقلب الدنيا عاليها وا.طـ.ـيها لو عرفت انك هطلقها عشان بتحب واحدة تانية.. خاصة بعد ما حبتك و اتعلقت بيك..
صاح بها بغـــضــــب:
ـــ و انتي فاكراني هخاف من حشرة زي دي؟!
ــــ متنساس ان الحشرة دي هي اللي وقفت شركتك على رجليها… و في ايديها تخسف بيك الارض.
رد بثقة زائدة و هو يناظرها بتحدي:
ـــ لسة متخلقش اللي يقدر يهزم معتصم البدري يا عيشة… و ان كان على الشركة… انا هعرف ازاي أقومها بدون ما اعتمد على شراكتها.
سكتت تصتك فكيها من الغـ.ـيظ ثم ما لبثت أن اقتربت منه و اسندت كفها على كتفه لتقول بحنو:
ـــ أنا خايفة عليك يا معتصم… علاقتك بريم هتخسرك كتير و مش هتستمر… ارجع لعقلك و اعمل زي ما كنت ناوي… شوفلك بـ.ـنت حلوة و صغيرة من بنات العمدة ولا من اي عيلة كبيرة و اتجوزها… صدقني هتنسيك ريم و دنيتك هتمشي زي ما كنت مخطط.. و جوازك من نرمين مش هيأثر على حياتك… كدا كدا هي عقيم و مش هتجيبلك عيال تساومك بيهم… دا غير ان هي متقبلة جوازكم بكل ما فيه و معندهاش مشكلة لو اتجوزت بـ.ـنت بلدك طالما مش هتحرمها منك…
تنهد بعمق ثم رفع عينيه للسماء و كأنه يناجيها لتتركه و شأنه ثم عاد لينظر لها مجددا بتوسل:
ـــ عشان خاطري يا عيشة سيبيني دلوقتي… انا بجد تعبان و متلغبط و حاسس ان الدنيا بتلف بيا من كتر التفكير…مش قادر افكر ولا اخد قرار.. عايز ابقى لوحدي شوية.
هزت رأسها بايجاب بعدmا أشفقت على حالة التخبط التي أصابته ثم قالت و هي تربت على كتفه:
ـــ أنا بس حبيت الفت نظرك للي هيحصل… و القرار بعد كدا في ايدك انت…
ثم تركته تائها هكذا و غادرت الغرفة و اغلقت الباب خلفها.
عودة للقاهرة…
عاد أدهم في ساعة متأخرة من الليل و كانت أمه في استقباله، فلم تستطع النوم من فرط قلقها عليه..
ـــ حمد الله على سلامتك يا حبيبي..
قبل مقدmة رأسها و هو يقول:
ــــ الله يسلمك يا حبيبتي… صاحية ليه لحد دلوقتي؟!
ـــ كنت مستنياك… مالك يا أدهم شكلك متغير كدا ليه.. في حاجة مزعلاك يا حبيبي؟!
أخذ يتهرب من مرئى عينيها و هو يقول:
ـــ مفيش حاجة يا ماما… دا عشان بس آسر لسة مكلمني و قالي ان ميريهان اتوفت و باباها هيرجع بالجثة بكرة من ألــمانيا عشان يدفنها… و طبعاً آسر منهار على الآخر و مش قادر أعمله حاجة.
أخذت تهز رأسها بحـ.ـز.ن و هي تردد الحوقلة و تدعو له بالصبر…
ـــ بعد اذنك يا ماما.. انا داخل انام.
سار باتجاه غرفته فاستوقفته هاتفة:
ـــ رايح فين يابني… ندى نايمة في قوضتها..
هز رأسه بلا اهتمام متمتما:
ـــ تمام براحتها… انا هنام في قوضتي..
هزت رأسها بعدm رضا و هي تقول:
ـــ ايه الكلام دا بقى… انتو زعلانين من بعض ولا ايه؟!
ـــ لا أبدا يا ماما أنا بس مش عايز أقلقها و اصحيها.
ـــ خلاص روح نام انت في قوضتها المرادي… انا و الله مش عارفه ايه اللي غير رأيك و سيبتو القوضة اللي كنا مجهزنها ليكو و رجعت لقوضتك.
ـــ عادي يا ماما بنغير..
ربتت على كتفه بحنو و هي تقول:
ـــ خلاص يا حبيبي نام جنبها عشان متفتكرش انك زعلان منها… اسمع مني أنا عارفة الستات بتفكر ازاي..
ضحك أدهم ثم قال بقلة حيلة:
ـــ حاضر يا ست الكل… انتي أدرى.
ثم تركها و اتجه الى غرفة ندى و من حسن حظه أن خزانتها بها ملابس له منذ أول ليلة لهما.
فتح الباب بهدوء ليجدها نائمة في وسط الفراش بأريحية فلا مكان له بجوارها، الأمر الذي جعله يبتسم بسخرية، فدلف و اغلق الباب خلفه بهدوء ثم خلع ملابسه و أخذ منشفة و اتجه مباشرة الى الحمام الصغير الملحق بالغرفة..
بعد عدة دقائق خرج من المرحاض مرتديا ملابس النوم ثم وقف أمامها حائرا، فانها تحتل أكثر من ثلاثة أرباع الفراش…
هل يوقظها لتنام على الحافة؟!.. و لكنه في النهاية أشفق عليها، فان استيقظت ستقيد نفسها عند حافة الفراش و لن تنعم بنوم هانئ كما حالها الآن… فاهتدى لأن ينام بالأريكة المقابلة للفراش فهي أيضا واسعة تتستع لجسده.
و بمجرد أن تمدد عليها حاول نسيان كل ما مر به بذلك اليوم الطويل ليسقط سريعا في النوم دون أن يدري.
لم ينم ليلته من فرط التفكير و حين بدأت أشعة الشمس الذهبية تتسلل عبر السماء لتنير الارض ارتدى تيشيرت و بنطال منزلي ثم هبط الى اسطبل الخيول ليختلي بنفسه بعد ليلة عسيرة قضاها في التفكير في أسوء الاحتمالات التي قد تحدث لاحقا خاصة بعد حديث أخته الخطير ليلة أمس…
استند بظهره الى النافذة التي تطل منها رأس مهرته الصغيرة ثم شرد في ملكوت آخر لبعض لوقت لدرجة أنه لا يدري كم مرت عليه من الدقائق أو ربما ساعات و هو على تلك الحالة من الشرود…
ثم فجأة ظهرت له ريم من العدm مقبلة عليه بملامح ذابلة و تسير ببطئ بسبب جرج كاحلها او ربما من فرط هزلانها، فأطرق رأسه بخذي و كأنه هو سبب ما يحدث لها او ربما لأنه دائما كان يصل متأخرا..
حين وجدته مطرق الرأس حين رآها فهمت أنه يشعر بالذنب تجاهها، فوقفت أمامه تماما و هو مائلا بظهره على الحائط من خلفه ثم قالت بملامح خاوية:
ـــ صباح الخير يا معتصم بيه..
رفع عينيه لينظر لها بحـ.ـز.ن و ينقبض قلبه حين ظهر له شحوب وجهها ثم تحدث بنبرة متعبة:
ـــ أولا صباح النور… ثانيا قولتلك قبل كدا قوليلي معتصم بس.
أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر ثم قالت ببسمة تبدو مصطنعة:
ـــ مش هتفرق كتير لأننا مش هنتقابل تاني.
قطب جبينه باستنكار في انتظار توضيحها، لتأخذ ريم نفسا عميقا ثم تقول بحـ.ـز.ن طغى على نبرة صوتها:
ـــ أنا هرجع القاهرة و المرادي هقدm طلب نقل بجد.. و قبل ما تقول أي حاجة أنا بشكرك على حسن ضيافتك و مساعدتك ليا… مش عارفه لو مكنتش لحقتني سواء في الحادثة الاولى او التانية كان ممكن يجرالي ايه.. انا مش هنسى اللي عملته معايا طول عمري..انت مالكش ذنب في اللي حصلي و متحملش نفسك فوق طاقتها..
لم يتفاجأ كثيرا بكلامها فهو توقع ذلك تماما و هذا أكثر ما آلمه و جعل النوم يجافيه، فكيف يُكِن لها كل ذلك العشق و في ذات الوقت ترحل عنه… أترحل بعدmا امتلكت قلبه و كيانه… أترحل بعدmا تعلقت روحه بها؟!
رد عليها بذات النبرة البائسة و كأنه يتوسل اليها:
ـــ طاب خليكي لحد ما رجلك تبقى كويسة و تخلصي مدة الحقن… عشان حتى أهلك ميقلقوش عليكي.
أطرقت رأسها مليا ثم عادت تنظر له:
ـــ هعالج نفسي… انت نسيت اني دكتورة ولا ايه؟!… و ان كان على أهلي مش هقلقهم و اقولهم على اللي حصل طبعاً… هقولهم اني وقعت و اتعورت.
أشاح بناظريه للجهة الأخرى ينظر بعشوائية كناية عن انهياره داخليا ثم عاد ينظر اليها مردفا بو.جـ.ـع:
ـــ للدرجادي مش طايقة تقعدي معانا؟!
أجابته بلهفة:
ـــ لا طبعاً متقولش كدا… بس أنا فعلا خلاص اتقفلت من الشغل هنا و مش هقدر أكمل شغل تاني اللي هو أساس وجودي في البلد.
هز رأسه عدة مرات دون أن يتفوه بشيئ، فأردفت تودعه و هي تتحاشى النظر في عينيه:
ــــ أشوف وشك بخير يا معتصم… و شكرا مرة تانية..
قالت عبـ.ـارتها و استدارت سريعا لتغادر قبل أن توقفها نظرته الراجية، بينما هو لم يتحرك قيد أنملة و كأنه تحول لصنم، يفكر في نهاية طريقه معها الذي لم يبدأ من الأساس… هل انتهى كل شيئ هكذا بسهولة؟!..
و كأنه استفاق لتوه من حالة السكون التي أصابته، فهتف بعلو صوته حين ابتعدت عنه مقدار ثلاث خطوات:
ـــ تتجوزيني يا ريم؟!
توقفت عن السير من فرط المفاجأة و لكنها لم تلتفت له، فاسترسل مردفا بجدية تامة بعدmا اعتدل في وقفته و مازالت مدبرة عنه:
ـــ مش عايز رد منك دلوقتي… خودي وقتك في التفكير… حتى لو رجعتي بيتك هستنى ردك.. هيفضل الباب بينا موارب مش هيتقفل ابدا.
من فرط مفاجأتها لم تدري بما عليها أن ترد، فاستدارت اليه ليسترسل حديثه بمزيد من الجدية حتى لا يترك لها فرصة للرفض:
ـــ أظن انتي عرفتي عني كل حاجة.. و انا قدامك اهو لو عايزة ت عـ.ـر.في أي حاجة تانية.. و لو على الاقامة.. هتكون اقامتنا في البلد قليلة و أكتر الأيام هنقضيها في القاهرة..
هزت رأسها عدة مرات ثم أجابته بتـ.ـو.تر ملحوظ:
ـــ هفكر و أرد عليك.
ثم استدارت لتغادر سريعا بـ.ـارتباك قبل أن يتفوه بالمزيد..
بينما معتصم بقي ينظر في أثرها بملامح مهمومة، فرغم تخطيطه لذلك الطلب الذي طلبه منها الا أنه لم يكن يريد التسرع في ذلك الأمر قبل تسوية أموره مع نرمين حتى لا يخدع ريم… و لكن أمر رحيلها هو ما فرض عليه أن يبكر بذلك قبل أن يفقدها تماما… لقد أصبح موقفه أمامها صعب بالفعل… موقف لا يحسد عليه….
↚
يجلس أمام الدوار و هو يضـ.ـر.ب فخذيه بحسرة كل حين و آخر فاقبلت عليه زوجته و هي تراقب حالته الغريبة و سألته باندهاش:
ـــ أباه!.. مالك يا حمد.. من عشية امبـ.ـارح و انت عمال تضـ.ـر.ب كف بكف و حالك لا يسر عدو ولا حبيب… كانك مفرحانش بالنسب اللي كنا بنحلمو بيه.
رمقها بغل ثم نظر أمامه و هو يفرك فخذه بغـ.ـيظ و تحدث مصطكا فكيه:
ـــ نسب الشوم يا حزينة… اهو احنا طَلَعنا من المولد بلا حمص.
هرولت لتجلس بجواره و تسأله باستنكار:
ــــ واه!!… كيف يعني يا ابو البنات..
قال و هو مازال يضـ.ـر.ب على فخذيه من فرط الحسرة:
ـــ الخمس فدادين اللي اخويا حمدان سابهملي ازرعهم و المحصول بيناتنا بالنص.. معتصم ولده مضاني امبـ.ـارح على عجد بيع و شرا بيهم و جالي دول مهر صافية..
ضـ.ـر.بت على صدرها بحسرة:
ـــ واه واه واه… يا مراري الطافح..
استرسل حمد بمزيد من الغـ.ـيظ:
ـــ اني كنت جولت انه نساهم و المحصول كلاته ببيعه و تمنه بشيله في چيبي كانها ارضي و ملكي.. جولت اني اولي و هما حداهم اراضي و مزارع كَتيرة.. بس طلع واعر جوي يا ام كريمة.. مينساشي حاچة واصل… جالي اني سايبلك الارض بكيفي.
صاحت بغـ.ـيظ و حقد:
ـــ كيف يعني…. يعني طلعنا اكده بولا حاچة؟!.. و المهر اللي كنا مستنينن نتلايم عليه عشان نهد الدار و نبنيها من اول و چديد؟!
أخذ يهز رأسه بتهكم مرير:
ـــ بيعي الارض بجى و هدي و ابني ياخيتي كيف ما بدك… أني من الاول بجول انك وش فقر.
ثم هب من مقعده و فر من أمامها بعصبية و هو يكاد يصاب بالجنون.
استيقظت ندى لتجد أن الساعة دقت الثامنة صباحا فأخذت تزفر بضيق، فقد فاتتها صلاة الفجر.. و لكن كيف لم تسمع صوت المنبه..
نهضت و هي تردد أذكار الصباح لتتفاجئ بأدهم يجلس على الأريكة المقابلة و يمسح وجهه من آثار النوم و يبدو أنه أيضا استيقظ للتو..
أخذت تنقل بصرها بينه و بين ذلك القميص القصير الذي بالكاد يصل لفوق ركبتيها، هل كان نائما هنا و رآها عارية هكذا أثناء نومها…
شهقت بخفوت ثم ركضت من أمامه قبل أن ينتبه لها باتجاه المرحاض و لكنه قد توقع ذلك فكان أسرع منها و قبض على يدها و هي تركض من أمامه ليجذبها بقوة فوقعت جالسة على فخذيه، و من فرط صدmتها من سرعته لم تقوى على النطق، فقط تنظر له بصدmة..
ـــ انتي بتجري مني ليه؟!… احنا مش اتفقنا اننا هنكون زي اي اتنين متجوزين؟!.. يعني المفروض تبطلي كسوف مني بقى..
لم تستمع تقريباً لما قاله، فقد كانت شاردة في ملامحه المثيرة…عينيه الناعسة.. شعره الطويل الأشعث.. صوته المتحشرج من أثر النوم… تفاحة آدm التي تتحرك مع حركة فمه..
بالطبع لاحظ شرودها و تأملها له، فابتسم بجاذبية ليقول بنبرة مثيرة:
ـــ حلو.. مش كدا؟!
ردت و كأنها في عالم آخر:
ـــ ها؟!
ازدادت ابتسامته اتساعا ليسترسل بمزيد من الاثارة:
ـــ و انتي كمان حلوة…
كادت أن تفقد وعيها من فرط جاذبيته و جمال نبرته المثيرة التي جعلتها أسيرة له، و لكنها ابتلعت ريقها بصعوبة ثم أخيرا عادت لوعيها لتقول بتـ.ـو.تر و توسل:
ـــ أدهم انا عايزة ادخل الحمام..
ترك يدها فنهضت سريعا لتركض مرة أخرى باتجاه الحمام و تغلق الباب ثم تستند عليه من الداخل و هي تضع يدها على موضع قلبها و تحاول تهدئة ضـ.ـر.بات قلبها و أيضا أنفاسها المتسارعة..
بينما أدهم ضحك من مظهرها المرتبك ثم قال بصوت عال لتسمعه:
ـــ مسيرك تقعي تحت ايدي يا ندى و مش هت عـ.ـر.في تفلتي..
كان يقصد فقط مشاكستها لا أكثر حتى يقلل من خجلها و تـ.ـو.ترها المستمر أمامه… بينما هي ابتسمت من عبـ.ـارته و هي تتنهد بعشق خالص لذلك الذي سيفقدها عقلها يوماً.
تركها بالمرحاض و غادر الغرفة متجها الى غرفته ليأخذ حمامه الصباحي و يصلي الصبح قضاء، ثم ارتدى حلة سوداء بقميص اسود بدون رابطة عنق و انتعل حذائه ثم أخبر والدته أنه سيذهب لصديقه آسر ليكونا في استقبال حماه في المطار و من ثم يحضر معه مراسم الدفن..
بعد حوالي ساعتين كان كل من آسر و أدهم في مطار القاهرة يجلسان في مقاعد الانتظار، و قد كان آسر يرتدي حلة سوداء أيضا بدون رابطة عنق تماما مثل أدهم في صدفة غير مقصودة…
بعد دقائق قليلة أقبلت عليهما والدة مودة و هي منهارة من البكاء و قد وصلت المطار لتوها قادmة من مدينة جدة حيث تقيم مع زوجها الثاني و حين رأت آسر ركضت اليه و هي تبكي بشـ.ـدة و تنوح الى أن التقفها يسندها و هي تكاد تفقد وعيها و قد خارت قواها تماما من فرط الحـ.ـز.ن و النواح…
ــــ ميريهان يا آسر مـ.ـا.تت؟!.. مـ.ـا.تت و هي زعلانة مني؟!.. يعني مش هشوفها ولا هكلمها تاني؟!.. مش هطلب منها تسامحني؟!… آاااااه يا حرقة قلبي عليكي يا بـ.ـنتي…
أخذ آسر يربت على كتفها بمواساة و هو في أشـ.ـد الحاجة لمن يواسيه ثم قال لها بنبرة باكية:
ـــ اهدي يا طنط بالله عليكي.. مينفعش اللي انتي بتعمليه دا عشان خاطر ميريهان… هي مش هتكون مبسوطة بكدا… ادعيلها يا طنط.. ادعيلها ربنا يرحمها و يصبرنا على فراقها…
كانت تبكي على كتفه و نياط قلبها تتمزق من الحسرة… فحتى انها لم تراها قبل مـ.ـو.تها و لم تعلم شيئا عن تلك الحادثة التي أودت بحياتها.. لم تودعها… مـ.ـا.تت دون أن تغفر لها…تبكي و النـ.ـد.م ينهش بصدرها و الحسرة تكاد تقــ,تــلها..
دوى صوت المذيع الداخلي بهبوط الطائرة القادmة من برلين، لينتصب الثلاثة في وقفتهم في انتظار جثة ميريهان المحفوظة داخل صندوق خشبي لتظهر بعد قليل محمولة على أكتاف أربعة من الرجـ.ـال منهم أبيها في مشهد يدmي القلب ..
لتخرج صرخة مدوية من فم أمها، فقام آسر سريعا يتكميم فمها بكفه حتى يمنعها من مزيد من الصراخ و هو يقول لها بحدة:
ـــ من فضلك متصوتيش.. عيطي من غير صوت كدا مينفعش…
هزت رأسها بايجاب و الدmـ.ـو.ع تنحدر من مقلتيها بدون توقف فتركها و أخذ أدهم ليحملا الصندوق بدلا من اثنين من عمال المطار حتى أوصلوه الى سيارة الاسعاف التي كانت تنتظرهم خارج المطار..
انطلقت السيارة الى المسجد لاقامة صلاة الجنازة و ركب كل من آسر بجوار أدهم و محمد و زوجته بالمقعد الخلفي، فقام آسر بالاتصال بوالده ليخبره أنهم في طريقهم للمسجد، فقد كان ينتظرهم هناك..
تمت صلاة الجنازة و من ثم أخذوها للمقابر الخاصة بعائلتها ليقوم آسر بخلع سترته و شمر عن ساعديه و قام بدفنها بمساعدة عامل المقبرة و أبيها و لكنه لم يستطع تحمل ردmها بالتراب و انسحب بعيدا ليسنده أدهم و هو يربت على ظهره دون أن يتفوه بحرف… فكل الحروف قد عجزت عن صياغة الكلمـ.ـا.ت التي يمكن أن يواسيه بها…
عودة لسوهاج…..
مازال معتصم بمكانه في اسطبل الخيول بعدmا غادرت ريم لتضب ملابسها و أغراضها بحقيبة السفر….
قام بالاتصال بشقيقه لأمر ما ليرد حمد بصوت ناعس:
ـــ أيوة يا عصوم..
ـــ انت لسة نايم يا حمد؟!
ـــ الساعة لسة تسعة.. هصحى دلوقتي اعمل ايه؟!
ـــ اه ياخويا عاملي فيها عريس..
ـــ ولا عريس ولا نيـ.ـلـ.ـة… الله يسامحك على اللي عملته فيا..
ضحك معتصم ليقول بمزاح:
ـــ بكرة تدعيلي..
ـــ أتمنى ذلك..
ـــ المهم قوم فوق كدا و اجهز عشان هتاخد ريم معاكو و انتو مسافرين توصلوها لحد بيتها في القاهرة..
ـــ ايه دا هي ريم برضو مصممة تمشي؟!
ـــ أيوة مصممة.. بس طبعاً مش هسيبها ترجع لوحدها.
ـــ تمام يا عصوم…ساعة كدا و اكون جهزت… كلم بقى هشام و عيشة خليهم يستعدوا عشان نمشي علطول…
ـــ تمام… عايزك تخلص كل الشغل المتأخر اللي في الشركة في خلال الأسبوعين الجايين.. عشان هتاخد اجازة شهر تقضيه مع عروستك و هكمل انا مكانك.
ـــ شهر كتير اوي يا معتصم.
ـــ ياخي حد يطول ياخد اجازة شهر!
ـــ ماشي يا سيدي عقبالك و هديك شهرين… اوبس انا نسيت انك متجوز اصلا.
تجهمت ملامح معتصم بضيق ثم قال مغيرا مجرى الحديث:
ـــ اخلص مفيش وقت… سلام.
اغلق الهاتف و هو يزفر بضيق من تلك الزيجة التي تلاحقه كاللعنة.. لو يدري أنه سيقع في شباك الحب ما قبل بها أبداً.
عاد الى الدوار ليبحث عن ريم فانقبض قلبه خشية أن تكون قد سافرت بمفردها، فقام بالاتصال بها:
ـــ ألو ريم… انتي فين؟!
ـــ أنا في القوضة اللي في المضيفة بجهز شنطتي.
ـــ طيب تعالى انا مستنيكي برا… عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة..
ـــ حاضر ثواني..
ارتدت حجابها على عجل ثم خرجت له و يخالجها شعورا بالخجل منذ أن طلبها للزواج، و لكنها حاولت التظاهر بحالة طبيعة لتجده يجلس بغرفة الجلوس ينتظرها..
استقبلها بابتسامة حالمة تجاوزتها حتى لا يزداد خجلها ثم جلست بالأريكة المقابلة له لتقول:
ـــ خير في ايه؟!
حاول التحلي بالجدية و هو يقول:
ـــ كل خير ان شاء الله…. حمد و عيشة و جوزها مسافرين القاهرة بعد شوية.. فأنا عرفت حمد ياخدك معاه و يوصلك لحد البيت.
هزت رأسها بنفي:
ـــ أنا آسفة يا معتصم مش هينفع..
زفر أنفاسه بضيق بالغ ثم قال بانفعال طفيف:
ـــ هو مفيش حاجة تقولي عليها ماشي من اول مرة ابدا!!
هبت من جلستها لتقول بذات الانفعال:
ـــ انت بتزعقلي كدا ليه؟!.. مش من حقك تزعقلي على فكرة..
أخذ يمسح وجهه من الغـــضــــب و هو يستغفر بخفوت ثم قال بهدوء نوعا ما:
ـــ يا ريم انا خايف عليكي انك تسافري لوحدك… و هكون مطمن اكتر لما اخويا يوصلك.
ردت بتحدِ:
ـــ متنساش اني جيت هنا لوحدي و زي ما جيت لوحدي هقدر ارجع لوحدي.
نهض بعصبية من مجلسه ليقترب منها و يصيح بانفعال:
ـــ ممكن اعرف ايه وجهة نظرك في الرفض؟!… ولا هو عند و خلاص..؟!
لوحت بيديها بعشوائية:
ـــ و انا هعند معاك ليه… كل الحكاية ان أدهم لو عرف اني ركبت عربية حد غريب المسافة دي كلها هيزعل جدا مني.
أمال رأسه اليها ليقول بغـ.ـيظ:
ـــ ما قولتلك عيشة اختي هتكون معاكم… يعني مش هتسافري لوحدك في عربيته..
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول باصرار:
ـــ لأ برضو مش هينفع..
اقترب منها للغاية مميلا رأسه للأسفل لأنها أقصر منه قامة حتى كادت أن تختلط انفاسهما، ليصيح بنبرة قاطعة:
ـــ بقولك ايه.. انتي هتسافري مع اخواتي يا اما و ديني ما انتي متحركة من هنا… فاهمة؟!
أجفلت من قربه الشـ.ـديد و من نبرته العالية لتقول بتـ.ـو.تر و كأنها قد ارتعبت منه:
ـــ هسأل أدهم الأول.
حانت منه بسمة انتصار أخفاها سريعا ثم قال بجدية:
ـــ تمام… كلميه و اجهزي..
رفعت حاجبيها باندهاش لتقول بسخرية و هي تغادر من أمامه:
ـــ بتتكلم كدا كأنك واثق انه هيوافق..
أخذ يهز رأسه بيأس و هو يبتسم، و ما ان ابتعدت عنه مقدار خطوتين عاد يناديها بنبرة حانية على النقيض تماما من نبرته الحادة منذ قليل، نبرته جعلت دقات قلبها تتسارع، فالتفتت له مهمهمة:
ـــ امممم..
ـــ هتكلمي اخوكي على طلبي؟!
سكتت مليا تلملم شتات نفسها ثم قالت بجدية:
ـــ أكيد طبعاً… موافقة أدهم قبل موافقتي.
هز رأسه بموافقة ثم قال بنبرة راجية:
ـــ تمام هستنى ردك على أحر من الجمر..
أطرقت رأسها و هي تبتسم بخجل ثم استدارت لتغادر من أمامه سريعا، بينما هو بقي ينظر في أثرها بعشق بالغ و هو يُمني نفسه بقرب اللقاء..
قامت ريم بالاتصال بأدهم عدة مرات و لكنه لم يحيب ولا مرة، فهو كان في ذلك الوقت في جنازة ميريهان و كان هاتفه على وضع الصامت.
تأففت بضيق ثم لم تجد بدا من الذهاب مع حمد و سوف تقوم بالاتصال به لاحقا أثناء سفرها بالطريق.
قامت ريم بتوديع الحاجة ام معتصم و مارتينا و معتصم ذاته الذي كان يودعها بحـ.ـز.ن لفراقها و لو مؤقتا.
كان يوما عصيبا للغاية على محمد والد ميريهان و والدتها و آسر الذي كان في أشـ.ـد حالات البؤس… الى الآن لا يصدق أنه فقدها للأبد…
انتهت مراسم العزاء و عاد محمد في المساء الى ألــمانيا مرة أخرى للحاق بمودة… فقلبه يـ.ـؤ.لمه كثيرا عليها و يخشى فراقها هي الأخرى.
بينما قام أدهم بتوصيل آسر و والده الى منزلهما، أما والدة مودة أقامت بفندق لتعود في الصباح الباكر الى جدة بالمملكة العربية السعودية.
في تمام الثامنة مساءا عاد أدهم الى المنزل و تتجلى علامـ.ـا.ت الارهاق على ملامحه..
و بمجرد أن رأته ريم يدلف من باب الشقة صرخت باسمه ثم ركضت اليه تحتضنه بشـ.ـدة و هو أيضا يشـ.ـدد من احتضانه لها و هو يضحك و يقول:
ـــ حشـ.ـتـ.ـيني و يا شقية انتي.. حشـ.ـتـ.ـيني و اوي..
ـــ و انت كمان يا حبيبي وحـ.ـشـ.ـتني اوي..
ابتعد عنها ثم أحاط كتفها بذراعه و سارا سويا لغرفة الاستقبال و هو يسألها بدهشة:
ـــ انتي جيتي امتى؟!.. و ازاي معرفتنيش؟!
أجابته بغـــضــــب مصطنع:
ـــ ما سيادتك مبتردش يا بيه… شوف موبايلك كدا هتعرف رنيت ولا لأ؟!
استل هاتفه من جيب بنطاله و هو يقول بتذكر:
ـــ ايوة صح انا كنت عاملة silent عشان العزا بس نسيت خالص ابص عليه.
أخذ يتفقد سجل المكالمـ.ـا.ت الفائتة ليجد عدة مكالمـ.ـا.ت من ريم و أخرى من والدته و أيضا مكالمة واحدة فائتة من ندى، فابتسم بسخرية لذلك فيبدو أنها لم تحاول اعادة الاتصال به حين لم يرد عليها…
وصلا الى الغرفة ليجد والدته و ندى يجلسان سويا في انتظاره، انحنى يقبل يد والدته ثم اتجه الى ندى و ألقى عليها تحية السلام ثم جلس بجوارها ليهمس لها:
ـــ ازيك عامله ايه؟!
أومأت و هي تقول ببسمة خجلى:
ـــ كويسة الحمدلله..
حمحم ثم قال محاولا تبرير عدm رده عليها:
ـــ على فكرة الفون كان صامت لما رنيتي عليا و لسة شايفه حالا..
هزت رأسها عدة مرات ثم أجابته بخفوت:
ـــ انا كنت بطمن عليك بس لما اتأخرت اوي.
أومأ و شعورا بسعادة لا يعرف سببها يغمره.. أو ربما راحة نفسية لا يدري.. أن تهتم به ملاك كـ”ندى” فهو شيئ يدعو للارتياح…
كانت والدته و أخته يراقبان و يتغامزان عليهما، فريم لأول مرة ترى شقيقها يتحدث بتلك الرقة و يبرر دون أن يُوجه اليه اللوم… حقا رأته شخصا آخر.. فحتى حين كان مرتبطا بـ دارين لم يكن بتلك الحالمية بتاتا البتة.
ـــ سيدي يا سيدي على أدهم باشا الحبيب..
التقط الوسادة من جانبه فألقاها بها و هو يقول:
ـــ امشي يا حقودة انتي..
ضحكت ريم و هي تلتقط الوسادة و من ثم ضحكوا جميعا، فنهض أدهم و هو يقول:
ـــ أنا هدخل اخد شاور و اغير هدومي و ارجعلك يا دكتورة ريم عشان تحكيلي على اللي حصل معاكي في الصعيد..
أومأت ريم و هي تفكر من أين تبدأ له حكايتها مع معتصم و بأي كلمـ.ـا.ت سوف تصفه بها و كيف ستسرد له طلبه الزواج بها.
ـــ قومي مع أدهم يا ندى..
قالتها السيدة تيسير لتنظر ندى لها بتردد في بادئ الأمر ثم لم تجد بدا من الاستجابة لأمرها.
دلف أدهم غرفته و كاد أن يغلق الباب فتفاجئ بندى تدفعه، فنظر لها باستفهام فقالت له بـ.ـارتباك:
ـــ دي ماما تيسير قالتلي أجيلك عشان لو احتاجت حاجة..
أغلق الباب من خلفها ثم سبقها ليجلس بتعب على حافة الفراش و لكن ندى مازالت واقفة متسمرة بمكانها بجانب الباب ليهتف بها:
ـــ ندى ممكن بعد اذنك تدلكي رقبتي؟!
أومأت و هي تبتلع ريقها بصعوبة من فرط التـ.ـو.تر، فقربه الزائد يربكها للغاية، أما هو بدأ في فك أزرار قميصه ثم خلعه لتعتلي ندى الفراش و تجلس خلفه ثم تبدأ في تدليك كتفيه، تشنجت عضلاته اثر لمستها الأولى لتشعر بتيبسها تحت يديها و لكنه أخذ نفسا عميقا يحاول تهدئة مشاعره التي تولدت بداخله إثر قربها منه ثم بدأت عضلاته ترتخي رويدا رويدا تحت لمساتها الحنونة و بقيا على ذلك دقيقة او دقيقتان..
ـــ انتي شاطرة أوي في المساچ..
ضحكت رغما عنها ثم قالت بجدية:
ـــ اممم… كنت بعمل مساچ لبابا دايما لأكتافه و رقبته لحد ما بقيت خبرة..
ضحك أدهم ثم باغتها بمسك يديها و هي خلفه ثم قبل باطنهما:
ـــ شكرا.. تسلم ايديكي..
تسمرت ندى من فعلته، بينما هو نهض و هو يحاول السيطرة على مشاعره التي تدفعه لاحتضانها و سحقها بين ذراعيه، ثم التقط ملابسه من الخزانة و اتجه مباشرة الى المرحاض دون أن يلتفت اليها، بينما بقيت هي تهدئ من نبضاتها المتلاحقة… إنه يسحبها الى دوامة عشقه بأفعاله دون أن يشعر.. و هل كان ينقصها عشقا فوق العشق الذي يغمر قلبها!!..
بعد قليل خرج من المرحاض مرتديا ملابس بيتية مريحة، و كانت ندى حينئذٍ تمشط شعرها أمام المرآة، فوقف خلفها و كان أطول منها قامة و التقط فرشاته و أخذ يمشط شعره و هو ينظر لها بتأمل في المرآة، الأمر الذي أربكها، فوضعت فرشاتها و تنحت لتفسح له و لكنه قيدها بذراعيه يوقفها ثم تحدث اليها عبر المرآة و هو خلفها:
ـــ مش عارف ليه حاسس انك مش قادرة تتعودي عليا… مع اني اتعودت عليكي بسرعة مكنتش متوقعها من نفسي.. بس يمكن عشان انتي انسانة نقية اوي و تتحبي بسرعة.
استدارت لتواجهه و لكنها بمجرد أن نظرت الى عينيه المسلطة في عينيها تاهت منها الكلمـ.ـا.ت… الى متى سيطغى حبه على قلبها و يعجز عقلها حتى عن التفكير.. فقط دقاته تتسارع في حضرته و عينيها تتعطش لرؤيته..
ـــ اتكلمي يا ندى.. ساكتة ليه..
أجلت حنجرتها ثم حاولت أن تتحلى بالجدية:
ـــ أدهم سبق و قولتلك ان انت شخصية مميزة و أي بـ.ـنت تتمناك.. بس اعذرني ظروف جوازنا غريبة شوية و من ناحية تانية بحاول أتأقلم على الحياة بدون بابا.. بابا كان و مازال هو كل حاجة بالنسبالي و فراقه مأثر فيا جداً.
هز رأسه عدة مرات بتفهم:
ـــ أنا مقدر الظروف دي طبعاً و ان شاء الله الفراق ميطولش و…
لم يكد يكمل عبـ.ـارته حتى قاطعه رنين هاتفه، فذهب ناحية الفراش و التقطه ثم فتح الخط ليجيب:
ـــ ألو… ايوة يا باشا.. انتداب؟!… بكرة؟!.. و حضرتك بتبلغني دلوقتي؟!.. تمام تمام… تمام.. شكرا مع السلامه..
أقبلت عليه ندى لتستفسر منه بقلق:
ـــ خير يا أدهم… مال شكلك اتغير كدا ليه؟!
رد بملامح متجهمة:
ـــ بلغوني اني طالع انتداب لجنوب سينا لمدة أسبوعين.
انفرج فمها بصدmة و تجهمت ملامحها بحـ.ـز.ن بالغ حتى كادت أن تبكي.. فكيف ستتحمل فراقه بعدmا تقربت منه حتى كاد حلمها بانـ.ـد.ماجها معه أن يتحقق.
لاحظ شرودها و تجهم وجهها فاقترب منها و قام بلف ذراعه حول خصرها ليضم جسدها الى جسده قليلا ثم قال و هو ينظر لها بحـ.ـز.ن حاول اخفاؤه:
ـــ عادي يا ندى أنا متعود على كدا…مش أول مرة يعني.
هزت رأسها و هي تجاهد عينيها لألا تبكي ثم قالت بصوت متحشرج:
ـــ تروح و ترجع بالسلامة ان شاء الله.
قبل مقدmة رأسها ثم تركها و اتجه نحو الخزانة ليستخرج منها حقيبة سفر، فأقبلت عليه:
ـــ أنا ممكن أساعدك في تجهيز الشنطة..
هز رأسه بالايجاب و قاما معا بترتيب الملابس و غيره من متعلقاته الشخصية..
بعد حوالي ساعة انتظرته ريم خلالها لإخبـ.ـاره بأمر معتصم، أقبل عليها أخيرا و جلس بجوارها لتقول له بتأفف و ضيق:
ـــ ايه يا أدهم؟!.. كل دا بتاخد شاور و بتغير؟!.
نهرتها أمها بنظرة زاجرة:
ـــ بـ.ـنت عيب كدا…
ضحك أدهم و هو يقول:
ـــ سيبيها تتكلم براحتها يا ماما..
ثم قرصها من وجنتها بمزاح:
ـــ كنت بجهز شنطتي عشان مسافر بكرة يا غلباوية انتي.
شهقت بخفوت ثم سألته بحـ.ـز.ن:
ـــ مسافر فين؟!… هو انا ارجع انت تسافر؟!
ـــ لسة جايلي مكالمة من الادارة بلغوني بأمر انتداب مؤقت لمدة أسبوعين في جنوب سينا.
تهدل كتفاها باحباط بالغ ثم تمتمت بحـ.ـز.ن:
ـــ تروح و تيجي بالسلامه يا حبيبي..
أمنت أمها على دعائها ثم قالت:
ـــ خلي بالك من نفسك يا أدهم و طمنا عليك علطول يابني..
ـــ حاضر يا ماما… و انتو كمان خلو بالكم من نفسكم و خلي بالك من ندى يا ماما..
ـــ ندى في عنيا يا حبيبي.
وكزته ريم بكتفها:
ـــ ايوة يا عم بقى ليك حد توصينا عليه..
ـــ عقبالك يا حقودة..
ـــ جينا بقى لمربط الفرس.
ـــ خير..
اعتدلت في جلستها لتكون بمواجهته ثم أجلت حنجرتها لتتحدث بتـ.ـو.تر طفيف مع قليل من الخجل:
ـــ طبعاً انت عارف معتصم اللي كلمك قبل كدا عشان يطمنك ان حادثة السرقة دي مش هتتكرر تاني… فاكره؟!
سكت لوهله يتذكره ثم ضيق عينيه بترقب:
ـــ اممم.. اه افتكرته.. كبير البلد اللي قولتيلي عليه..
أخذت تلوح بيديها بحركة دائرية:
ـــ هو مش كبير اوى يعنى… اقصد كبير مقاما بس مش كبير سنا… هو تقريباً قدك في العمر.
ـــ اممم… اه و بعدين..
أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر ملحوظ ثم استرسلت:
ـــ هو على فكرة خريج كلية اقتصاد و علوم سياسية و عنده شركة و مصنع بيديرهم هو و اخوه هنا في القاهرة و شخصية متحضرة جدا.. و في نفس الوقت هو يعتبر حاكم البلد بتاعته و عنده املاك كتير فيها..
ـــ اممم… جميل.. و ايه تاني.
ـــ هو كان طلب يتقدmلي و انا طبعاً مقولتلهوش رأيي و استنيت لما اقولك و فهمته ان موافقتك قبل موافقتي.
سكت أدهم مليا يدير حديثها عنه في رأسه، و قرر أنه لن يسلم أخته الغالية لمجهول مهما كان رأيها و قناعتها فيه.
ـــ واضح من طريقة كلامك عنه انك ميالة ليه.
ـــ بصراحة يا أدهم هو لما حكالي عن مشوار حياته انبهرت بيه و حسيته شخصية من الشخصيات النادرة و الناجحة رغم صغر سنه..
انتفخت اوداجه بغـــضــــب ثم قال بنبرة مخيفة:
ـــ اممم..واضح كمان انك كنتي بتقعدي معاه و تحكيله و يحكيلك…
ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بتوضيح:
ـــ لا يا أدهم انت عارفني كويس…دي كانت مرة واحدة بس اللي حكالي فيها عن نفسه لما استضافني في مضيفة بيته بعد حادثة السرقة و مقعدتش بعدها غير يومين تقريبا و قررت النهاردة اني ارجع… و على فكرة هو لسة مكلمني على موضوع طلب الجواز دا النهاردة قبل ما اسافر.
هز رأسه عدة مرات ثم قال بجدية:
ـــ و أنا لو مش واثق فيكي يا ريم كان هيكون ليا تصرف تاني….انا من حيث المبدأ معنديش اعتراض طالما انتي شايفاه كويس.. بس دا ميمنعش اني لازم أقابله و اتعرف عليه و على عيلته و بعدين نبلغه برأينا النهائي.
أحست بقليل من الارتياح، فهو محق في قراره تماما و طالما أدهم وكيلها بعد الله فلا مجال للقلق.
↚
أنهت ريم حديثها مع شقيقها ثم دلفت الى غرفتها و التقطت هاتفها و استخرجت رقم معتصم فشردت في ذكرياتها القليلة معه و هي تبتسم بحالمية، لقد استطاع أن يستحوذ على تفكيرها و ربما قلبها في غضون أيام قليلة……
شخصيته المتعددة الجوانب و نجاحه المعتمد على ذكائه و مكانته بين أهل بلدته رغم صغر سنه و فوق كل ذلك رقته المتناهية و احتوائه لها الذي لمسته فيه في أثناء نوبات الهلع التي أتتها هناك، كل تلك الأشياء أسرت قلبها في سـ.ـجـ.ـن حبه..
اتخذت قرارها بالاتصال به و اخبـ.ـاره بحوارها مع شقيقها…
على الناحية الأخرى..
رغم حلول الليل و انتشار الظلام الدامس الذي عم اسطبل الخيول إلا أنه قضى وقتا طويلا واقفا هناك شاردا بحـ.ـز.ن في أحواله التي انقلبت رأسا على عقب… زواج غير متكافئ بالمرة من المدعوة نرمين ثم بعد حوالي خمس سنوات منه يقع في حب أخرى لتنقلب حياته الى جحيم لا يدري متى سيغفر له حتى يخرج منه.
رن هاتفه برقم ريم لينظر الى الشاشة ليجد اسمها يضيئها تماما كما أضاءت عتمة قلبه، فابتسم بعشق رغم لمحة الحـ.ـز.ن التي كست ملامحه ثم فتح الخط ليجيبها:
ـــ ألو.. ازيك يا ريم.. حمد الله على السلامة.
ابتسمت رغما عنها و هي تجيبه:
ـــ الله يسلمك يا معتصم.
ـــ أخبـ.ـارك إيه؟.. و الجـ.ـر.ح اللي في رجلك اخبـ.ـاره ايه دلوقتي؟
ـــ تمام الحمد لله كويس..
سكت ينتظر أن تبشره بخبر ربما يثلج صدره، لتقول بعد برهة:
ـــ أنا كلمت أدهم في موضوعنا من شوية
ـــ اممم و قال ايه؟!
ـــ عايز يتعرف عليك و على عيلتك الأول و بعد كدا يقرر هيوافق ولا لأ
ـــ تمام.. حقه طبعاً.
ـــ خلاص كلمه و اتفق معاه.
ـــ هكلمه حالا.. ايه رأيك اعزمه على فرح أخويا حمد بعد اسبوعين ان شاء الله.
ـــ حلو اوى.. يكون رجع من الانتداب..
ـــ انتداب ايه؟!
ـــ أصل أدهم مسافر الصبح لجنوب سينا و هيرجع بعد اسبوعين ان شاء الله..
ـــ طاب ألحق أكلمه بقى قبل ما يسافر.
ـــ تمام كلمه.
ـــ تمام.. خلي بالك من نفسك و ابقي طمنيني عليكي.
ـــ حاضر سلام.
ـــ سلام.
أغلق الخط مع ريم ثم أخذ نفسا عميقا استعدادا للاتصال بأدهم.. فيبدو أنه ليس شخصا سهلا و أكثر ما يقلقه أن يكتشف زواجه بأخرى قبل تسوية أموره و يفسد كل شيئ..
قام بلمس ايقونة الاتصال ثم وضع الهاتف على أذنه ينتظر اجابته و بعد ثانيتان أو ثلاث أتاه صوته العميق ليرد:
ـــ و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أدهم باشا أكيد حضرتك لسة فاكرني..
أجابه بجدية تامة:
ـــ أيوة طبعا فاكرك يا معتصم بيه و مسجل رقمك..
أجلى معتصم حنجرته ليقول:
ـــ احم… دكتورة ريم قالتلي ان حضرتك عايز تتعرف عليا و على العيلة.
ـــ أولا بلاش حضرتك و الالقاب دي.. اعتقد اننا من سن بعض و مفيش داعي للجو دا.
أحس معتصم بقليل من الارتياح:
ـــ صح معاك حق.
ـــ ثانيا بقى يشرفني طبعا اننا نتعرف على بعض و نقرب من بعض أكتر.
ـــ طبعاً يا باشا شرف ليا.. عشان كدا بعزمك انت و الدكتورة ريم و بقيت العيلة الكريمة على فرح أخويا الجمعة اللي بعد الجاية ان شاء الله هنا في البلد.. و لو تمام هبعتلكم عربية تاخدكم من القاهرة لحد البيت هنا.
سكت أدهم مليا يفكر ثم أومأ بموافقة:
ـــ تمام.. ان شاء الله نتقابل في الفرح و نتعرف على بعض.
ـــ تمام يا أدهم باشا هتنوروا البلد كلها.
ـــ منورة بأهلها يا معتصم بيه.. أشوفك على خير ان شاء الله.. مع السلامة
ـــ مع السلامة يا باشا اتفضل.
أغلق الخط ثم تنفس الصعداء، لأول مرة يتحدث مع شخص بكل هذا التحفظ و التـ.ـو.تر.. و لكن لأجلها يتحمل الصعب مادام سينعم بنيلها.
أخذ يخلل أصابعه في خصلات شعره بشرود و هو يتأمل السماء بنجومها المتلئلئة…مابال الشرود و الحـ.ـز.ن يلازمنه منذ دق قلبه بحبها.. للأسف لقد مال قلبه لها في الوقت الخطأ.
فتح هاتفه بعدmا فكر في الاتصال بنرمين يمهد لها أمر انفصالهما، و بعد تفكير طويل حسم أمره بالتحدث اليها…
في تلك الأثناء كانت جالسة بفراش الزوجية تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بملل عبر هاتفها الثمين لتتفاجئ برقم معتصم يضيئ شاشة هاتفها، فاتسعت ابتسامتها باشتياق بالغ و فتحت الخط….
و حينها أتاه صوتها الملهوف.
ـــ ألو.. ازيك يا نرمين عاملة ايه؟!
ـــ يااااه يا معتصم!.. لسة فاكر ان ليك زوجة اسمها نرمين؟!
أخذ يركل حبات الحصى بقدmه:
ـــ معلش يا نرمين كنت مشغول جداً الايام اللي فاتت..
اتكأت بكوعها على الوسادة لتجيبه بدلال:
ـــ ماشي يا حبيبي انت عارف اني مبعرفش ازعل منك… طمني عليك عامل ايه؟
تنهد تنهيدة عميقة ثم أجابها:
ـــ أنا كويس الحمد لله..
ـــ وحـ.ـشـ.ـتني اوى اوى يا معتصم… مستنية أشوفك بفارغ الصبر
سكت و لم يستطع أن يرد… فاسترسلت بمزيد من الهيام:
ـــ وحشني حـ.ـضـ.ـنك و نفسي اترمي فيه… كل حاجة فيك وحشاني.. كل يوم بكون عايزة اكلمك بس بخاف تزعل مني.
سكت يأخذ نفسا عميقا و الشعور بالذنب يتفاقم بداخله كلما تحدثت بالمزيد.. سألها بنبرة هادئة يملأها الشجن:
ـــ حبتيني امتى يا نرمين؟
ابتسمت بحالمية ثم أجابته بعشق جامح:
ـــ من أول شهر في جوازنا…
ـــ ليه؟
تنهدت بعمق ثم قالت:
ــ بدأت أقارن بينك و بين عادل الله يرحمه في كل حاجة.. اكتشفت اني كان فايتني كتير اوي و انا معاه.. و انت عيشتني احاسيس عمري ما حسيتها معاه.. لحد ما وقعت في حبك لدرجة الادmان.. بس خــــوفت أحسسك بكدا عشان متبعدش عني.
بدأت نبرته تحتد بجدية:
ـــ بس دا مكانش اتفاقنا.
تجهمت ملامحها بحـ.ـز.ن ثم قالت:
ـــ عارفة.. بس حصل غـ.ـصـ.ـب عني.
أجابها بنبرة جادة قـ.ـا.تلة:
ـــ بس أنا محبتكيش يا نرمين.
شعرت كأنه غرس خنجرا في قلبها و لكنها تظاهرت باللامبالاة:
ـــ مش مهم.. مسيرك هتحبني عاجلا ام آجلا.
ـــ فات خمس سنين من جوازنا و محبتكيش.. معقول ممكن احبك بعد السنين دي كلها؟!
قطبت جبينها باستغراب و أحست بوجود خطبا ما:
ـــ في ايه يا معتصم؟!.. اول مرة تتكلم معايا في الموضوع دا.. بقالي فترة بلمحلك بحبي ليك و انت كل مرة بتصدني.. بس مفيش مرة ناقشتني بالطريقة دي.
زفر أنفاسه بضيق بالغ ثم احتدت نبرته بانفعال:
ـــ عشان مش عايزك تتعلقي بحبال الهوا الدايبة…عايزك تفتكري دايما اننا اتفقنا على ان جوازنا للمصلحة مش اكتر من كدا و ان من حقي اني اتجوز بـ.ـنت مناسبة ليا من كل النواحي.
تجهمت ملامحها بغـــضــــب و لكنها حاولت أن تتحدث بنبرة طبيعية لتقول:
ـــ و انا امتى كنت عارضتك في كدا؟.. اظن انت اللي مش حابب تتجوز.. ببساطة كدا عشان انا مكفياك.
انتفخت اوداجه بغـــضــــب جامح لهيتف بها و هو يصتك فكيه بغـ.ـيظ:
ـــ عاجباني ثقتك في نفسك دي.. بس للأسف انتي فاهماني غلط.
ـــ فهمني انت الصح يا معتصم.
ـــ هفهمك… بس مش هينفع في التليفون.. لما ارجع هفهمك كل اللي انتي عايزة تفهميه.. سلام..
لم يترك لها الفرصة للرد فقد أغلق الخط في الحال..
أخذ يعتصر قبضتيه بغـــضــــب بالغ، فقد استطاعت استثارة عصبيته و تعكير صفوه و نـ.ـد.م أن تحدث اليها من الأساس… فلماذا يمهد لها؟!.. الأمر بيده ان أراد الاستمرار معها استمر و ان لم يرد فليطـ.ـلقها بدون سرد الأسباب و المبررات..
بينما هي ألقت بالهاتف على الفراش بعصبية ثم أخذت تحدث نفسها بشك:
ــــ يا ترى في ايه يا معتصم و ايه مناسبة المكالمة دي؟!… حب جديد دا ولا ايه يا ابن الصعيدي!
تحاول فتح جفنيها و لكنهما ثقيلان للغاية.. تفتح فمها تحاول نطق اسمه تناديه لعله يساعدها على النهوض و لكن صوتها يأبى أن يتخطى حنجرتها، لتستسلم لتلك الغيمة مرة أخرى لتغوص بها لعلها تراه هناك في ذلك الحلم الذي تعيش فيه حرفيا.. تراه يفتح لها ذراعيه و هي تقف بعيدا بفستانها الوردي لتتسع بسمتها و تركض اليه مستجيبة لنداء ذراعيه و ترتمي بأحضانه فيحملها و يدور بها في مكانه و هي تضحك بملئ فمها و تهتف به من بين ضحكاتها:
ـــ براحة يا آسر.. هتوقعني… لا يا آسر هتوقعني بجد..
حينما لاحظت الممرضة الألــمانية المسؤلة عن حالتها أنها تحاول فتح عينيها و تحرك يديها سجلت ذلك في ملاحظاتها التمريـ.ـضية ثم قامت بالاتصال بالدكتور رؤف تبلغه بتطور درجة وعي المريـ.ـضة.
لم يكذب خبرا و قام فورا بفحصها فوجد أنها بالفعل تحاول فتح عينيها عند مناداة اسمها الأمر الذي يبشر بتحسن كبير و استجابة جيدة لبروتوكول العلاج..
و بعدها قام باستدعاء محمد والد مودة ليبلغه بآخر تطورات الحالة الصحية لها الأمر الذي أثار سروره البالغ و خر ساجدا شكرا لله.
قضى أدهم تلك الليلة ساهرا مع عائلته يودعهم استعدادا لرحيله و غيابه عنهم لأسبوعين كاملين حتى انتصف الليل، فأشفقت عليه أمه و نصحته بالخلود للنوم حتى يستطيع الاستيقاظ مبكرا للسفر.
مد يده لـندى لتعطيه يدها تحتضن يده ثم نهضت ليدلفا سويا الى غرفته..
دلفت ندى أولا لتجد هاتفها يرن برقم أبيها و يبدو أنه اتصل بها عدة مرات و لم تسمعه….
ـــ أدهم أنا هروح أكلم بابا في قوضتي من اللاب فيديو كول..
أومأ عدة مرات:
ـــ تمام.. ابقي سلميلي عليه كتير.
ابتسمت بود قائلة:
ـــ حاضر… عن اذنك.
سارت نحو الباب فاستوقفها ﻤناديا:
ـــ ندى
ـــ اممم
ـــ أنا هنام عشان هصحى بدري… و لما تخلصي ابقي تعالي نامي مكانك هنا.. متناميش في قوضتك..
هزت رأسها عدة مرات و هي تبتسم بحالمية و لم يسعفها عقلها لقول شيئ ثم استدارت لتغادر الغرفة على مضض… فلولا اشتياقها لأبيها و قلقها عليه لما تركته تلك الليلة بالذات.
بينما أدهم شعر بالاحباط، فقد كان يخطط لأن ينام الليلة و هي بين ذراعيه معبرا لها عن حبه و اشتياقه لها… فلا يعلم ان كان سيعود من تلك السفرة سالما أم لا!..
اعتلى فراشه ثم جلس به فابتسم بحالمية و هو يفكر… هل هذا إذن هو الحب الذي كان دوما يتسائل عنه و عن كيفية الشعور به؟!.. هل كان قلبه حجرا إذن قبل أن يلين هياما بها؟!
كان يتعجب من صديقه آسر حين يرى تبدل حاله حين يتحدث الى حبيبته الراحلة..كان دائما يتسائل هل الحب يبدل الأحوال هكذا؟!…الى أن رأى بأم عينيه غرقه اللامحدود في عشقها و في كل تفاصيلها صغيرة كانت او كبيرة..
استيقظ أدهم في تمام السادسة صباحا ليجد الفراش خاليا، فظن أنها قد نامت بغرفتها فهو لم يشعر بأي شيئ حين غفى على وسادته حتى استيقظ على صوت المنبه.
نهض و هو يردد أذكار الاستيقاظ ثم دلف المرحاض ليأخذ حمامه الصباحي و يتوضأ و يصلي الصبح..
أنهى صلاته ثم ارتدى ملابس غير رسمية ليسافر بها كانت عبـ.ـارة عن بنطال جينز اسود و قميص أبيض مجـ.ـسم و شمر كمه حتى منتصف ساعديه ثم مشط شعره و نثر عطره و نوى الخروج لكي يودع أمه و أخته و ندى ان كانت مستيقظة.
لم يكد يفتح الباب حتى وجد ندى تدلف و بيدها صينية بها طبق من الشطائر و كوب من اللبن الساخن، فقابلته ببسمة جميلة حبست أنفاسه و شعرها الغزير مع غرتها تتهافى على وجهها بجاذبية:
ـــ صباح الخير… انا قومت قبلك عشان الحق اعملك فطار.
التقط منها الصينية و هو مدهوشا من فعلتها ثم ذهب و وضعها على الكومود و قال بامتنان حقيقي:
ــــ شكرا يا ندى تسلم ايديكي..
ـــ بألف هنا.
ـــ تعالي كلي معايا بقى..
ـــ حاضر..
جلسا بجوار بعضهما على حافة الفراش، فناولها شطيرة ثم أخذ شطيرته و بدأ يأكل، و بعد ثوان قليلة باغتها بسؤاله:
ـــ نمتي فين امبـ.ـارح؟!
حمحمت بتـ.ـو.تر ثم قالت بنبرة مترددة:
ـــ احم… بصراحة قعدت اتكلم مع بابا فترة طويلة و بعد ما قفلت معاه غـ.ـصـ.ـب عني نمت مكاني ع السرير.
هز رأسه عدة مرات، فنظرت له بطرف عينها فوجدته متجهم الملامح فسألته بتردد:
ـــ زعلت؟!
هز رأسه بنفي ثم قال بنبرة بـ.ـاردة:
ـــ لأ عادي… براحتك.
شعرت من نبرته أنه غاضب الأمر الذي أثار سرورها البالغ، فهذا إن دل فإنه يدل على حبه لقربها أو ربما يكون قد أحبها بالفعل… يبقى فقط أن يقر بحبه بلسانه قبل أي شيئ.
تناول كوب اللبن ثم وضعه على الكومود و هو ينهض:
ـــ الحمد لله… أنا كدا اتأخرت و العربية تحت مستنياني بقالها اكتر من ربع ساعة.
نهضت هي الأخرى لتقف قبالته تتطلع اليه بحـ.ـز.ن بالغ لفراقه، قبل مقدmة رأسها ثم نظر اليها بحـ.ـز.ن و هو يقول:
ـــ مش عارف اذا كنت هعرف اكلمك في التليفون ولا لأ.. لأن الشبكة هناك سيئة و الاتصالات صعبة.. مش عايزك تقلقي و ماما و اخواتي متعودين على كدا و عارفين الكلام دا… خلي بالك من نفسك.. أشوف وشك بخير..
اغــــرورقت عيناها بالدmـ.ـو.ع و لكنه لم يستطع أن يصمد واقفا أمامها أكثر من ذلك، فحتما ان بقي ثانية اضافية فلن يستطيع تركها بالمرة، فذهب من أمامها ليحمل حقيبته على ظهره و يجر الأخرى بيده ثم سار مباشرة الى الباب دون أن يلتفت لها.
بمجرّد أن وصل الى الباب نادته بلهفة فاستدار بمواجهتها و ترك حقائبه حين ركضت اليه ترمي جسدها عليه ليرتد خطوة الى الخلف اثر اندفاعها القوي ناحيته، فتعلقت بعنقه فمن ثم لف ذراعيه حول خصرها يحتضنها بقوة نابعة من شـ.ـدة اشتياقه لها و هو منحني عليها نظرا لقصر قامتها عنه، رغما عنها بكت على صدره فحملها ليرفعها قليلا عن الأرض لتكون رأسها بمستوى رأسه فقامت بدورها بدفن رأسها بين رأسه و كتفه و هو يمرمغ وجهه بشعرها يتنفس عبقه و هو يشـ.ـدد من تطويقه لها و كأنها ستهرب منه…
كان الصمت مخيما عليهما فلم يكن لأي منهما القدرة على التفوه بأي شيئ من فرط المشاعر الجياشة التي غمرتهما..
يعلم جيدا أنه تأخر و لكنه استصعب تركها و كأنها كانت غائبة عنه لسنوات، حتى أتته طرقات عالية متتالية على الباب و ريم تصيح بصوت عال:
ـــ أدهم العربية مستنياك من بدري و بتضـ.ـر.ب كلاكسات بقالها ساعة لما الجيران كلها صحيت.
فكت عقدة يديها من حول عنقه لتنزل على الأرض فابتعدت عنه قليلا و هي تنظر له بخجل، فأخذ يمسح على شعره و يعيد هندام ملابسه محاولا السيطرة على موجة المشاعر العاتية التي ضـ.ـر.بت قلبه حتى جعلت من فراقها أمرا عسيرا للغاية..
ـــ هتوحشيني..
قالها برقة متناهية أجفلت منها لترد عليه بنفس النبرة:
ـــ و انت كمان..
ابتسم ثم اختطف قبلة من وجنتها و حمل حقيبته مرة أخرى و خرج سريعا قبل أن يعود و يحتضنها مرة أخرى، و تركها متسمرة من فعلته و هي تضع يدها على وجنتها موضع قبلته و قلبها يرفرف من السعادة.
قام بتوديع أخته و أمه ثم هبط الى أسفل المنزل ليجد السيارة الخاصة بالعمل تنتظره..
فتح الباب الخلفي ليتفاجئ بآسر يجلس بالخلف فصاح به بحدة:
ـــ ناموسيتك كحلي يا أدهم باشا.. خير يابا الكلكسات دي كلها مسمعتهاش؟!
ألقى حقيبته بوجه صديقه ليلتقطها قبل أن ترتطم برأسه ثم ركب بجواره و هو يقول:
ـــ انت ايه اللي جايبك؟!
ـــ اللي جابك هو اللي جابني… اطلع يابني..
انطلقت السيارة في طريقها الى خارج حدود القاهرة، ليسترسل أدهم ببرود:
ـــ هما عاملين تمويه ولا ايه… محدش بلغني انك معايا في الانتداب..
رد آسر بسخرية:
ـــ ولا انا و حياتك.. انا لسة عارف الصبح انك معايا.. بس مال شكلك ع الصبح؟!
نظر له نظرة مطولة و لسان حاله يقول:
ـــ الله يكون في عونك يا آسر… بجد عذرتك.. فراق الحبيب صعب أوي.
ـــ ايه يابني بتبصلي كدا ليه؟!.. هو انا لحقت اوحشك.
ابتسم نصف ابتسامه و هو يقول بمزاح:
ـــ انت علطول واحشني..
أعاد رأسه الى الخلف ثم استرسل و هو مغمض العينين:
ـــ بقولك ايه.. نقطني بسكاتك بقى عشان عايز أكمل نوم لحد ما نوصل.
فعل آسر كما فعل صديقه ثم قال:
ـــ و الله يكون احسن.
فعم عليهما صمتا قـ.ـا.تلا و كلا منهما هائما في عالمه، أدهم يفكر في حياته الجديدة و مشاعره الدخيلة التي يختبرها لأول مرة مع ندى… و آسر شاردا في حبيبته الراحلة و ذكرياته الجميلة معها و كيف سيكمل حياته بدونها……
↚
انتهى معتصم لتوه من أحد جلسات الصلح بين عائلتين متخاصمتين ثم خرج من المضيفة بعدmا انفضت الجلسة قاصدا مجلس أمه المعتاد بالدوار..
انحنى يقبل ظهر يدها ثم جلس بجوارها متنهدا بتعب، فربتت أمه على فخذه باشفاق:
ـــ تَعَبت يا ولدي اني خابرة.. ربنا يچعله في ميزان حسناتك يا حبة جلبي.
ابتسم بحب و هو يقول:
ـــ اللهمَّ آمين.. ايوة اكده اني ماريدش غير دعوتك الزينة و رضاكي عليا يا امايا..
ـــ راضية عليك يا وليدي و دعيالك من كل جلبي.
قبل يدها مرة أخرى ثم أجلى حنجرته ليقول بتردد:
ـــ أني يا مايا كنت ناوي أتحدت امعاكي ف موضوع اكده مخابرش هيفرحك ولا…
ـــ جول يا ولدي و الله بدي افرح..
ابتلع ريقه بصعوبة ثم قال:
ـــ أني طلبت الضاكتورة ريم للچواز جبل(قبل) ما تعاود لمصر.
سكتت بصدmة لبرهة تحاول استيعاب ما تفوه به ولدها البكري ثم أطرقت رأسها بحـ.ـز.ن لتقول بملامح متجهمة:
ـــ عتلهيك المصراوية عنيننا كيف ما اتلهيت اف شركتك اللي اف مصر و بجينا نشوفك كيف الرَّحالة.
رد عليها بلهفة:
ـــ لاه يا امايا لا عشت ولا كنت…ان حوصل نصيب و اتچوزتها مش هبَعِّد عنيكي واصل.. هنعيش وياكي في الدوار و هاخدها في الكام يوم اللي هشتغل فيهم في مصر.. يعني هتروح و تاچي امعايا.
نظرت له بحيرة ثم تحدثت باستنكار:
ـــ يعني بـ.ـنتة البلد كلاتها خَلَصوا يا ولدي؟!
شـ.ـدد من قبضته على يدها و هو يقول بنبرة هائمة:
ـــ هي اللي الجلب دجلها يا امايا.. هي اللي خلتني أفَكِّر في الچواز بعد ما كنت معفكرش فيه واصل.
أخذت تهز رأسها من اليمين لليسار و هي تقول بجدية:
ــــ أني خابرة ان البـ.ـنتة زينة.. چمال.. و أدب….. و نسبها يشرف…. بس كان بدي نسلك يبجى صَعيدي أبا عن چد كيف ما بوك الله يرحمه كان بيحلم و بيتمنى يا ولدي…. لأچل ولدك ما يبجى الكبير من بعدك.
رد عليها بجدية:
ـــ و اني مناويش اخلع چلبابي الصَعيدي مهما حوصل.. و كيف ما ابويا رباني راح اربي ولدي.. و وعد يامايا ولدي هيعيش و يكبر في بلدي و هيبجى كبيرها من بعدي باذن الله.
سكتت و مازالت ملامحها واجمة، فهي غير قادرة على اعطائه موافقة قاطعة من قلبها، لم يكن هذا ما تمنته ولا ما انتظرته منه… رغم حبها الكبير لـ ريم كشخص و لكنها لم تريدها كزوجة أبدا لولدها البكري و كبير العائلة..
ـــ طَوَّل سكوتك يامايا…
ردت بحـ.ـز.ن و هي تتحاشى النظر اليه:
ـــ اعمل اللي فيه الصالح و اللي يسعدك.. اني بدي تكون مرتاح و فرحان.
حانت منه شبه ابتسامة و قام بتقبيل يدها بامتنان، يعلم جيدا انها غير راضية تماما عن ذلك الأمر، و لكنها ما هي الا لحظات و ستمضي… ثم ستبـ.ـارك زواجه بالتأكيد..
ـــ ربنا يخليكي لينا يامايا و ما يحرمنا من حنيتك علينا واصل… أني كلمت اخوها و عزمتهم على فرح حمد لاچل ما نتعرفوا على بعض و بعدين هيبلغني جراره بعد اكده..
هزت رأسها بموافقة و هي تقول بقلة حيلة:
ـــ يشرفوا يا ولدي.
قبل مقدmة رأسها و هو يقول بتوسل:
ـــ ادعيلي يامايا..
نظرت له بتمعن مندهشة من قلقه خشية عدm موافقة أخيها، ألهذا الحد يحبها؟!.. أهذا معتصم ولدها القوي الذي لا يخشى من شيئ بل يخشاه الناس؟!.. متى أصبح ضعيفا هكذا؟!.. و لكنها دعت له على أية حال:
ـــ ربنا يريح جلبك يا معتصم و ينولك اللي في بالك يا ضي عيني.
احتضنها بشـ.ـدة و هو يمني نفسه بأن يستجيب الله دعائها عاجلا غير آجل…
مرت عدة أيام كانت ثقيلة على المحبين… فالأيام لازالت تفرقهم و القلوب ملتاعة من بعد المسافات…
لم ينفك أدهم عن مهاتفة ندى و لكن كان الأمر صعبا للغاية… فالشبكة سيئة و حين يتمكن من الاتصال بها بالكاد يسمع منها كلمة ألو ثم ينقطع بعدها الاتصال…
ذهب الى كل مكان لعل الهاتف يلتقط الشبكة.. بعيدا في الصحراء.. أعلى مبنى العمل.. أعلى مبنى الاستراحة السكنية.. لم يترك مكان الا و ذهب له حتى كاد أن يُجن و آسر يراقبه باندهاش.
مساءا دلف غرفة الاستراحة التي يتشاركها مع صديقه و هو يتأفف و يركل الباب بعصبية و الهاتف بيده، فنظر له آسر باستنكار و كان حينها متمددا بالفراش ثم قال مندهشا:
ـــ مالك يا أدهم بتشاكل دبان وشك ليه؟!
ذهب و جلس بالفراش المقابل ثم قال بانفعال و هو ينظر للهاتف:
ـــ مش لاقي شبكة في اي مكان… لا عارف أكلم ماما و لا ندى و لا حتى رسايل الواتس بتوصلهم… انا قرفت..
رفع حاجبيه بتعجب و هو يبتسم نصف ابتسامه ثم سأله بتوجس:
ـــ ايه الجديد؟!.. ما انا و انت عارفين الكلام دا كويس.. اول مرة اشوفك متعصب بسبب الشبكة في الكام مرة اللي جينا فيهم هنا..
نظر له أدهم و هو يتنهد بعمق و مازالت ملامحه عابسة، فاسترسل آسر بنبرة متهكمة:
ـــ الأدوار اتبدلت يا أدهم.. زمان كنت انا اللي بتعصب و بنفخ بسبب الشبكة لأني مكنتش عارف أكلم ميري و لا قادر أطمنها عليا لما بتكون قلقانة ولا عارف اكلمها لما بتوحشني… و انت كنت بتتفرج عليا و انت في منتهى البرود لدرجة اني مكنتش مصدق أبداً ان انت ممكن في يوم من الايام تحب زي ما انا حبيت..
أطرق أدهم رأسه و هو شاردا في حديث صديقه، فاسترسل آسر بنفس النبرة:
ـــ دلوقتي بقيت انا اللي بتفرج عليك ببرود و انت اللي شايط من الشبكة..
قالها ثم ضحك بمرارة و لكن أدهم يستمع ولا يعقب على كلامه و كأنه يتمعن به و يديره برأسه، فاسترسل آسر بنبرة جادة بها لمحة من الشجن:
ـــ انت وقعت في حبها يا أدهم.. اعترف لنفسك بكدا.. واضح أوي من عصبيتك قدامي دلوقتي… بس تصدق كنت فاكرك حجر و قفل زي ما محمود دايما بيقول عليك… بس شايف في عنيك حنين و رومانسية مكنتش متوقعها منك أبداً..
أخذ نفسا عميقا و زفره ببطئ ثم قال و هو ينظر أمامه في اللاشيئ:
ـــ الراجـ.ـل اللي مش رومانسي هو اللي قلبه مدقش لبـ.ـنت… و لا عمره حب ولا عرف يعني ايه حب..عشان كدا كنتو كلكم فاكرني قفل… انما بمجرد ما القلب يدق لحبيبه بيلاقي نفسه اتحول تلقائيا لشخص تاني مع حبيبه بس.. مبيعرفش يقسى عليه لو قسي على الدنيا كلها.. الحب بيلين القلب الحجر يا آسر.. بيغير نظرة صاحبه لحاجات كتير.. أي نعم أحيانا مراية الحب عامية.. بس أحلى عمى ممكن يصيبك بالذات لو كان حبيبك يستحق.
ابتسم آسر مشـ.ـدوها ناظرا اليه باندهاش ثم قال بنبرة مفتخرة:
ـــ لا والله انا مش مصدق انك أدهم صاحبي..دا انت عشرة ١٢ سنة يلا.. اول مرة اشوفك بتقول حكم و أشعار يخربيتك..
ضحك أدهم بملئ فمه و هو يقول:
ـــ يخربيت الحب و سنينه يا صاحبي..مكنتش اعرف ان الحب بهدلة..
أخذا يضحكان و يتمازحان إلى أن تناسى شغفه للتحدث إليها و لو مؤقتا.
لم يكن حال ندى بأفضل من أدهم… فطيلة الوقت الهاتف في يدها لا يفارقها.. ترسل له عشرات الرسائل عبر الواتساب ولكن لا يصله أيا منها حتى كاد عقلها أن يطير… لقد اشتاقت اليه.. يكاد قلبها ينخلع من مكانه من شـ.ـدة قلقها عليه… فقط لو يطمئنها بجملة تطفئ نيران الوساوس المنضرمة برأسها.. و لكنها تعود و تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم و تدعو الله له أن يحفظه و يعود اليها سالما..
استدعت السيدة أم معتصم صافية خطيبة ابنها لكي تجالسها قليلا حتى تعتاد الأجواء بالدوار و تشعرها بالاهتمام بدلا من ولدها الذي و كأنه نسي أن له خطيبة..
ـــ نورتي الدار يا غالية…
ـــ منورة باهلها يا خالة..
قالتها بخفوت و هي مطأطأة الرأس من فرط انطوائها و عدm اعتيادها على مخالطة الناس و مخاطبتهم، الأمر الذي جعل القلق ينتاب حمـ.ـا.تها… فهل حمد ولدها اللبق سيتحمل طباعها الصامتة أو بالأحرى البـ.ـاردة تلك؟!
ـــ تشربي امعايا الشاي يا مرت ولدي يا زينة انتي؟!
قالتها و هي تتودد اليها لعلها تتقرب منها و تفتح لها قلبها، فنهضت صافية بسرعة تسير باتجاه المطبخ، فنظرت لها السيدة باندهاش متمتمة:
ـــ على فين يا بتي؟!
ـــ هدلى اعلج ع الشاي يا خالة..
ـــ تعالي يا بتي اني هنادm على نعمة تعلج عليه..
ـــ لاه أمي جالتلي لازمن اولف ع الدار كانها داري..
سكتت السيدة مصدومة من قولها، و لكن ما لبثت أن ابتسمت ابتسامة مصطنعة و هي تقول:
ـــ بكرة تولفي لما تزهجي.. تعالي بس اجعدي چاري اهنيه..
عادت اليها بانصياع ثم جلست بجوارها من جديد، فتحدثت السيدة مغيرة مجرى الحديث:
ـــ جوليلي بجى.. حمد عامل ايه امعاكي و انتي قمان؟!
جعدت ما بين حاجبيها بعدm فهم:
ـــ كيف يعني؟!
تنهدت السيدة بنفاذ صبر ثم قالت:
ـــ يعني يابتي بيكلمك في التلفون و بتكلميه و..
قاطعتها بقولها:
ـــ أني مشايلاش تلفون.
ـــ باه.. كيف؟!.. يعني حمد لما بده يطمن عليكي بيكلمك كيف؟!
ـــ معيكلمنيش واصل… أمي جالتلي لازمن عريسك يشتريلك تلفون.. بس هو معملش اكده.. و اني معشوفهوشي من يوم الشبكة.
في تلك اللحظة دلف اليهما معتصم و قد سمع كلام صافية الأخير فحمحم ثم ألقى عليهما السلام و وقف قبالتها قائلا بنبرة كاذبة:
ـــ متأخذنيش يا صافية.. حمد كان موصيني اشتريلك تلفون بس اني اتلهيت و نسيت… بس ان شاء الله اخر النهار هبعتلك سمعان و معاه واحد چديد بالخط بتاعه قمان.
سكتت قليلا لا تدري كيف عليها أن تشكره، ثم قالت بخجل:
ـــ بس اني مخبراش هستعمله كيف.. ابويا محرم علينا التلفونات و معرفاشي فيهم حاچة واصل.
تمتم معتصم مع نفسه بصوت خافت لم يصل اليها:
ـــ يا و.جـ.ـعة مربربة!!
و لكنه عاد يقول بجدية:
ـــ اني هسچلك عليه رقم حمد و هعلمك كيف تفتحي عليه لما يرن عليكي.. و بعد اكده لما حمد يعاود من مصر يعلمك كيف ما بدك كل حاچة فيه.
ابتسمت بسعادة ابتسامة أنارت وجهها الجميل و أظهرت غمازتها اليمنى.
تركهما معتصم و اتجه الى غرفته يضـ.ـر.ب الأرض بقدmيه من الغـــضــــب و هو يسب أخاه بخفوت، فكيف له أن يترك خطيبته هكذا دون أن يفكر في طريقة للتواصل معها… مر أكثر من خمسة أيام منذ أن خطبها… ألــم يخطر بباله أن يحدثها حتى و لو لمرة واحدة… أفٍ لك يا حمد..
بمجرّد أن دلف غرفته قام بالاتصال به فورا و بعد عدة ثوان أتاه صوته يرد عليه فتحدث بنبرة جافة:
ـــ انت بتكلم صافية يا حمد؟!
سكت حمد مستغربا سؤاله ثم سأله ببرود:
ـــ و ايه مناسبة السؤال المفاجئ دا؟!.. هي اشتكتلك؟!
لوى فمه ببسمة ساخرة ثم قال بحدة:
ـــ هي دي بتعرف تشتكي!… ياريتها تشتكي زي البنات يمكن كنت عملتلها قيمة أكتر من كدا.
اغمض حمد عينيه يكظم غـ.ـيظه من أسلوب أخيه الساخر ثم رد بانفعال طفيف:
ـــ في ايه يا معتصم؟!.. ايه اللي حصل لدا كله؟!
صاح فيه بغـــضــــب:
ـــ في ان انت معندكش دm… كلها كام يوم و هتبقى مراتك و هيتقفل عليكم باب واحد و سيادتك منفضلها و مبتحاولش حتى تقرب منها… هتلاقي فين في أدبها و جمالها.. دا كفاية انها خام متعرفش يعني ايه لوع… صافية و هي صافية فعلاً..
تنهد حمد بنفاذ صبر ثم رد ببرود:
ـــ خلصت؟!
استشاط معتصم منه غـ.ـيظا و صاح بعصبية:
ـــ انت بـ.ـارد كدا ليه ياد انت؟!
رد بانفعال:
ـــ أنا خايف اتكلم معاها تسد نفسي منها اكتر ماهي مسدودة.. مبتعرفش تقول كلمتين على بعض من دmاغها.. عشان كدا قولت خليني بعيد احسن لحد ما ربنا يسهل و نتجوز و ابقى اشوف حل لموضوع كلامها دا… مش عايز أنكد على نفسي من دلوقتي يا اخى.
زفر معتصم أنفاسه بضيق بالغ ثم أخذ يتمتم:
ـــ ربنا يهديك يا حمد.. ربنا يهديك.
تحدث حمد مغيرا مجرى الحديث:
ـــ أمي عاملة ايه؟
ـــ أمي زينة الحمد لله… هي اللي بعتت لصافية قعدت معاها شوية و الكلام جاب بعضه و قالتها ان مش معاها تليفون… المهم هبعت سمعان يشتري واحد دلوقتي مع الخط و هبعتلك رقمها و هسجل رقمك عندها.. و يا ريت يعني بمجرد ما يوصلك الرقم تكلمها.
ابتسم حمد بامتنان لذلك الأخ الذي لا يتوانى أبداً عن التفكير في كل أفراد عائلته ثم قال:
ـــ ماشي يا معتصم… تعبتك معايا.
ـــ يا سيدي اتعبني انت بس و مالكش دعوة.
ضحك حمد فاسترسل معتصم بهدوء:
ـــ حمد
ـــ اممم
ـــ أنا طلبت ريم للجواز يوم ما رجعت القاهرة.. و كلمت اخوها و عزمته على فرحك عشان نتعرف على بعض.
اتسعت عيني حمد بصدmة و هو يتمم:
ـــ انت.. انت بتقول ايه؟!.. و نرمين؟!.. نرمين و ريم مع بعض؟!.. طاب ازاي؟!
اعتصر معتصم جفنيه بضيق ثم فتحهما قائلا و هو يصتك فكيه:
ـــ الله يخليك يا حمد كفاية اللي سمعته من عيشة… انا عارف كل اللي انت عايز تقوله و فكرت في كل حاجة انت فكرت فيها دلوقتي.. بس انا بعون الله هحل كل حاجة.. هتتحل.. هتتحل يا حمد متقلقش.
ـــ أنا قلقان عليك انت… حلها صعب اوي يا معتصم دا ان مكانش مستحيل.
زفر أنفاسه بعنف و هو يقول بنفاذ صبر:
ـــ خلاص يا حمد اخوك مش شوية و انت عارف كدا كويس.. انا عايزك معايا و ف ضهري مش عايزك تكـ.ـسر مجاديفي..
تنهد حمد بقلة حيلة:
ـــ معاك يا صاحبي مش هسيبك طالما سعادتك هتكون معاها.. انا من الاول و انا حاسس انك غرقان لشوشتك في حبها بس انت مكنتش مبين… بس يا ترى هي كمان بتحبك؟!
رد بنبرة ضائعة بعدmا أسند رأسه على الوسادة:
ـــ مش عارف… لا قولتلها ولا قالتلي.
رفع حاجبيه باستنكار:
ـــ نعم؟!.. اومال هي وافقت على اي اساس؟!
رفع كتفيه لأعلى:
ـــ عادي.. هو احنا لازم نقعد نحب في بعض و نتصاحب و نتقابل!.. انا راجـ.ـل ضغري دخلت البيت من بابه علطول.. و أظن هي احترمت الحتة دي فيا.. بس أكيد برضو في اعجاب حسيته منها… بس حب مش متأكد.
ابتسم حمد بحالمية ثم قال:
ـــ بس انا بقى متأكد..
ـــ هي قالتلك؟!
ضحك بملئ فمه ثم قال:
ـــ هو انا مش عارف عصوم اخويا… أي بـ.ـنت تعرفه لازم تحبه.. و لا انت نسيت ولا ايه؟!
ابتسم معتصم بسخرية ثم قال:
ـــ هو انا حلو اوي كدا؟!
ـــ انت مش حاسس بنفسك يابني؟!.. ماهي حلاوتك دي اللي خلت نرمين ضحت بنص املاكها عشان بس توافق انك تتجوزها لحد ما أدmنتك و مبقتش عارفة تستغنى عنك.
حين أتى بذكر نرمين أصابه ضيقا بالغا و كأن جبل هال على صدره، تلك الخطيئة التي ستلازمه طيلة العمر:
ـــ أوف.. مابلاش السيرة دي بقى دلوقتي..
ضحك حمد ثم قال بمواساة:
ـــ ربنا معاك يا صاحبي و يتم مرادك على خير..
ـــ يا رب يا حمد… يا رب.
كانت ريم قد قدmت طلب نقل لأقرب مشفى لسكنها، و بفضل مكانة والدها و معارف شقيقها تمت الموافقة بدون تعقيدات، و هاهو اليوم أول يوم لها بمشفاها الجديد
كانت تقوم بعملها في قسم الاستقبال، حيث تقوم بالكشف على سيدة تعاني من مغص شـ.ـديد بالبطن و بعد اجراء الكشف الدقيق عليها قالت:
ـــ انا شاكة ان المغص دا بسبب الزايدة…. هشوف مين هنا تخصص جراحة يكشف عليكي..
تركتها ثم خرجت من غرفة الكشف لتسأل احداهن:
ـــ لو سمحتي مين معانا جراحة النهارده؟
أشارت لها الفتاة حيث أحد الغرف لتقول:
ـــ الدكتور خالد هتلاقيه قاعد في القوضة دي..
شكرتها ثم ذهبت الى حيث أشارت ثم طرقت الباب و دخلت لتجد شابا وسيما يرتدي نظارة طبية متوسط الطول شعره أسود قصير و نحيلا نوعا ما، وقف بمجرّد أن رآها و هو يقول بذهول:
ـــ ريم؟!… معقول؟!
اتسعت بسمتها لتتقدm اليه و هي تقول بدهشة:
ـــ ايه دا انت شغال هنا يا خالد؟!
مد يده اليها ليسلم عليها فبادلته التحية و سحبت يدها فورا من كفه، فقال بسرور بالغ:
ـــ ايوة بقالي سنتين… انتي هنا من امتى؟!
ـــ النهاردة أول يوم ليا.
ـــ بجد؟!.. يعني هنشوف بعض علطول.
ضحكت و هي تقول:
ـــ اه هزهقك مني… و بالمناسبة دي بقى معايا حالة اشتباه زايدة في غرفة السيدات ممكن تكشف عليها؟!
أجابها مبتسما:
ـــ طبعاً انتي تؤمري..
ـــ شكرا يا خالد… هروح بقى أشرب قهوة عشان انا خلاص فصلت..
كادت أن تنصرف من امامه و لكنه استوقفها يسألها بتردد:
ـــ ممكن تستنيني هنا هخلص و اعزمك على القهوة نشربها سوا بمناسبة ان دا اول يوم ليكي معانا..
سكتت مليا تفكر ثم أومأت بابتسامة سلبت أنفاسه، فغادر من أمامها على الفور قبل أن يتجرأ و يفعل بها ما لا يحمد عقباه.. فهذه ريم تلك الفتاة التي لطالما حلم باقتران اسمها باسمه و لكن دائما كانت الظروف ضده، كما أنها لم تشعر به أبداً و تتعامل معه من باب الزمالة لا أكثر… و لكن ربما قد أعادها القدر إليه مرة أخرى لتتحقق أمنيته.. فهو لا يرى من البنات سواها و لم يستطع الارتباط بغيرها من شـ.ـدة تعلقه بها.
مرت أيام أخر و ريم منتظمة في عملها و تلتقي بخالد أغلب الأيام و هو لم يترك فرصة الا و يتقرب منها و يحاول اختلاق المواضيع ليتحدث اليها أطول فترة ممكنة و ريم تتعامل معه بحسن نية و لم تشك بمحاولات تقربه منها.. تظنه أنه زميلا عزيزا يقف بجانبها في مكان جديد عليها ولا تعرف به أحدا سواه…..
اشتاق اليها معتصم كثيرا… كل ليلة يمسك بالهاتف يريد الاتصال بها و سماع صوتها الرقيق الذي يذهبه عقله و لكن في كل مرة يتراجع… يريد أن يحصل على موافقة أخيها أولاً ثم بعد ذلك لن يتوانى عن اغداقها بوافر عشقه..
بقي يومان على عودة أدهم من الانتداب اللعين.. فحتى تلك اللحظة لم تتمكن ندى من محادثته سوى مرتين و كانت مدة المكالمة لا تتجاوز الدقيقة او الدقيقتان ثم ينقطع بعدها الاتصال..
استيقظت ندى صباح ذلك اليوم باعياء شـ.ـديد فاقدة شغفها في كل شيئ لا تدري أمن غيابه عنها تلك المدة و انشغالها به أم لشيئ آخر..
بقيت في غرفتها طوال اليوم ولم تستطع الخروج منها من شـ.ـدة الاعياء الأمر الذي أقلق السيدة تيسير للغاية…
و حين عادت ريم من عملها وجدت أمها تجلس مهمومة بمنتصف الصالة فأقبلت عليها بعدmا ألقت التحية ثم جلست قبالتها تسألها بقلق:
ـــ مالك يا ماما قاعدة زعلانه كدا ليه؟!.. أدهم حصله حاجة؟!
ربتت على رأسها و هي تقول:
ـــ لا يا حبيبتي أدهم بخير الحمد لله.. جاي بكرة ان شاء الله.
ـــ طاب الحمد لله.. اومال مالك؟!
تنهدت بحـ.ـز.ن ثم قالت:
ـــ ندى مخرجتش من قوضتها خالص النهارده و كل ما ادخل اشوفها الاقيها نايمة.. يادوب تصحي تقولي انا كويسة و ترجع تنام تاني.. مش عارفه مالها.. خايفة تكون تعبانة و مش عايزة تقلقنا..
سكتت ريم مليا تفكر ثم قالت:
ـــ ما يمكن حامل يا ماما.. ماهو الحمل برضو بيخلي الست همدانة و عايزة تنام علطول..
أضاء وجه تيسير بسعادة بالغة و هي تقول:
ـــ بجد يا ريم؟!..ازاي مخطرش الموضوع دا على بالي.. ايوة فعلا هي همدانة خالص و وشها اصفر.. بس معقول هتخبي علينا؟!
ـــ ما يمكن متعرفش او مخطرش في بالها زيك كدا برضو..
ـــ أيوة صح… ياااه أخيرا يا أدهم.. دا هيفرح أوي لما يعرف..
نهضت ريم ثم سارت باتجاه غرفتها و هي تقول:
ـــ هدخل بس اخد شاور ع السريع و اغير هدومي و بعدين هكشف عليها بنفسي…
ضحكت أمها و هي تقول:
ـــ طبعاً.. في بيتنا دكتورة.
ثم تنهدت بسرور:
ـــ يا رب يطلع كلامك صحيح يا ريم… يا رب.
↚
طرقت ريم باب غرفة ندى و كانت حينئذٍ تحمل جهاز الضغط خاصتها و السماعة الطبية… و لكن لم يأتيها رد، فاضطرت لفتح الباب و الدلوف مباشرة لكي تطمئن عليها.
وجدتها نائمة و وجهها شاحب للغاية فاقتربت منها تتحسس جبينها لتجد حرارتها مرتفعة قليلا، فلم تجد بدا من ايقاظها لكي تقوم بالكشف عليها..
ـــ ندى.. ندى.. اصحي يا ندى عايزة اقيسلك الضغط و اشوف مالك… ماما قلقانة عليكي اوي..
حاولت النهوض و هي تفتح عينيها بصعوبة فأسرعت ريم تسندها لتساعدها في الجلوس..
ـــ هاتي دراعك كدا…
مدت لها ذراعها بضعف فقامت ريم بدورها بقياس ضغطها لتجده منخفض للغاية، فتدخل السيدة تيسير في تلك اللحظة لتسألها بقلق:
ـــ ها يا ريم؟!. ضغطها عامل ايه يا حبيبتي..
ـــ ضغطها وا.طـ.ـي اوي يا ماما..
ـــ أكيد من قلة الأكل… ماهي مأكلتش حاجة من الصبح.
و لكن ندى كانت في عالم آخر من فرط الآلام المنتشرة بعظامها و خاصة رأسها كما أن أنفاسها كانت غير منتظمة و تلتقطها بصعوبة..
جلست تيسير بجوارها ثم ربتت على كتفها و هي تسألها بتوجس:
ـــ هو التعب دا ممكن يكون سببه حمل يا ندى؟!
انتبهت حواسها حين تفوهت حمـ.ـا.تها بتلك الكلمة لتتسع عينيها قليلا بصدmة ثم ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بنبرة واهنة للغاية:
ـــ لا.. لا يا ماما مفيش حمل ولا حاجة.
ـــ متأكدة يابـ.ـنتي؟!
تدخلت ريم لتقول:
ـــ خلاص يا ماما هي أدرى بنفسها.. أكيد لو متأكدة هتقولنا..
تهدل كتفيها بحيرة لتقول:
ـــ أومال مالك بس يا ندى؟!
أخذت ريم تفكر قليلا بعدmا لاحظت صعوبة تنفسها و احتقان وجهها بالدm ثم سألتها بقلق:
ـــ اوصفيلي انتي حاسة بايه بالظبط يا ندى.
ابتلعت ريقها ثم قالت بوهن:
ـــ حاسة ان جـ.ـسمي كله متكـ.ـسر و صداع جـ.ـا.مد و مش قادرة اخد نفسي كويس و ضـ.ـر.بات قلبي سريعة..
أجفلت ريم بقلق شـ.ـديد حين سمعت شكواها ثم قالت باصرار:
ـــ قومي يا ندى حالا خودي شاور عشان نروح نكشف عليكي عند دكتور متخصص.
أخذت تهز رأسها برفض:
ـــ لأ انا هاخد قرصين بانادول و هبقى كويسة متقلقيش..
ـــ مش هينفع.. مش هيعملك حاجة.. لازم تتشخصي و تاخدي علاج مظبوط.
ردت عليها باستعطاف:
ـــ عشان خاطري يا ريم سيبيني انا مش قادرة أتحرك… هاتيلي أي حاجة تريحني دلوقتي و بكرة هكشف.. عشان خاطري..
سكتت ندى و هي تشعر بالعجز لتتدخل تيسير:
ـــ يابـ.ـنتي احنا خايفين عليكي و عايزينك تكوني كويسة… و بعدين عايزة أدهم ييجي يلاقيكي تعبانة كدا و يتهمنا بالتقصير؟!
ردت ندى باصرار:
ـــ أنا حاسة اني بكرة هكون كويسة ان شاء الله.. بس سيبوني دلوقتي مش قادره اتحرك من مكاني.
تنهدت ريم باحباط ثم قالت باصرار:
ـــ طالما انتي مش عايزة تقومي تكشفي يبقى تسمعي كلامي و نشوف لو اتحسنتي تمام.. لو لا قدر الله فضلتي تعبانة يبقى هنكشف يعني هنكشف يا ندى.
أومأت ندى بقلة حيلة ثم نهضت معها بصعوبة الى المرحاض لتستحم لعلها تستعيد بعضا من نشاطها ثم طلبت لها ريم مجموعة من أدوية البرد و المسكنات لترى اذا ما ستتحسن بهذه الأدوية أم لا….
في اليوم التالي دلفت ريم الى غرفة ندى لتتفقد حالتها لتجدها نائمة تتنفس بصعوبة و وجهها محمر للغاية من شـ.ـدة الحرارة فتحسست جبينها لتجده ملتهبا بحرارة بالغة، الأمر الذي أصابها بالفزع و نادت أمها على الفور لتساعدها في تبديل ملابسها ثم أسندتها مع وفاء الخادmة لتأخذها بسيارة أجرة الى أقرب مشفى خاص لسكنهم بالتجمع الخامس…
ـــ ماما خليكي في البيت عشان أدهم لو رجع و احنا برة ميقلقش…
ـــ طيب طمنيني يا ريم كل شوية بالتليفون..
ـــ حاضر يا ماما ربنا يستر..
انطلقت السيارة الى المشفى فورا و بقيت تيسير بالمنزل تدور به ذهابا و ايابا من شـ.ـدة القلق…
في تلك الأثناء تماما كان أدهم يضب أغراضه بحقائبه و هو يدندن بسعادة استعدادا لعودته الى حبيبته التي تَحرّق شوقا اليها يُصبر نفسه بقرب لقائها و حينها لن يُضيع لحظة واحدة ليعترف بعشقه لها حتى يجعلها تنـ.ـد.مج مع جسده كعطره.
كان آسر أيضا يضب أغراضه و يراقبه و هو يضحك على أدهم الجديد الذي يراه لأول مرة، و لكنه تمنى له السعادة على أية حال وألا يصيبه من الحب ما أصابه.
قاربت الساعة على الثانية بعد الظهر و لم تعد ريم و ندى حتى الآن و كان أدهم قد اتصل بوالدته أخبرها بقرب وصوله و لكنها لم تخبره لألا ينزعج و يقلق في طريق العودة.
بعد نصف ساعة وصل أدهم ليلقي بحقائبه و يرتمي بأحضان والدته و هي تشـ.ـدد من احتضانه من شـ.ـدة اشتياقها البالغ و تتمتم بسعادة:
ـــ الحمدلله يا حبيبي انك رجعت بالسلامة…متعرفش انا كنت قلقانة عليك قد ايه يابني.. الحمد الله.. الحمد لله يا حبيبي..
طال العناق لدقيقة او دقيقتان ثم ابتعد عنها قليلا و هو يبحث بيعينيه عنها في أرجاء الشقة ليتسائل بنفاذ صبر:
ـــ أومال ندى و ريم فين؟
لم تكد ترد عليه والدته حتى انفتح الباب لتطل عليهما ريم مرتدية كمامة و تسند ندى التي كانت أيضا ترتدي كمامة و بيدها كانيولا صفراء بلاصق طبي، فاتسعت عيني أدهم بصدmة و ركض اليها ناسيا غيابه عنهم و هو يتمتم بقلق بالغ:
ـــ مالك يا ندى ايه اللي حصل..
قبل أن يصل اليها أسرعت بايقاقه باشارة من يدها و هي تصرخ باعياء:
ـــ متقربش خليك عندك..
وقف يناظرها باستنكار فأسرعت ريم موضحة:
ـــ ندى اتشخصت اشتباه كورونا يا أدهم و الدكتور قال لازم تتعزل في قوضة لواحدها لمدة اسبوعين على الأقل و محدش يختلط بيها عشان مـ.ـيـ.ـتعديش منها.. و لازم كلنا نلبس كمامـ.ـا.ت.
وقع قلبه بين قدmيه ليسألها بقلق شـ.ـديد:
ـــ ازاي؟!.. و الكورونا هتجيلها منين؟!
ردت ريم بجدية:
ـــ الكورونا موجودة يا أدهم مانتهتش… و فعلا اليومين دول بيدخلنا المستشفى حالات اشتباه كتير… بس متقلقش الكورونا معدتش خطيرة زي الأول..
ـــ طاب دخلي ندى قوضتها الأول عشان ترتاح و بعدين نبقى نتكلم.
أسندتها ريم حتى دلفت غرفتها، فارتدى أدهم كمامة على عجالة ثم لحق بهما و أجلس ندى على حافة الفراش و أسندها جالسا بجوارها حتى استخرجت لها ريم بيچامة بأكمام طويلة ثم قالت:
ـــ ألبّسها ولا تلبسها انت؟!
نظر لـندى بتردد فوجدها تطقطق رأسها بخجل، ثم رفعت رأسها لتلتقط الملابس من ريم و هي تقول بتعب:
ـــ اخرجو انتو و انا هغير هدومي لوحدي… انا بقيت كويسه..
غمز أدهم بعينه لريم لكي تخرج و بالفعل خرجت بهدوء دون أن تتفوه معها بشئ، و بمجرّد أن انغلق الباب قالت ندى بنبرة شبه باكية:
ـــ حمد الله على سلامتك يا أدهم.. مكانش نفسي ترجع تلاقيني كدا بس الحمد لله على كل شئ.
اقترب منها قليلا فابتعدت بمجرد أن لمس فخذه فخذها ثم قالت برجاء:
ـــ عشان خاطري خليك بعيد أنا خايفة عليك.
رد بحدة طفيفة:
ـــ ما أنا لابس الكمامة اهو يا ندى.. متخافيش بقى.. و بعدين هتفضلي قاعدة بهدومك دي لحد امتى؟!
ـــ ما أنا مستنياك تخرج و بعدين هغير.
لم يكترث لكلامها و انما اقترب مجددا حتى التصق بها ثم قام مباشرة بفك الكمامة تحت مقاومتها و اعتراضها و لكنه قبض على كفها بقوة ليوقفها حتى استكانت و استسلمت حين لمست اصراره و عدm تراجعه.
قام بفك حجابها بالكامل و فك أيضا عقدة شعرها و نزع دبابيس غرتها لتنسدل الغرة على جبينها و ينسدل شعرها حول وجهها، فتسارعت دقات قلبه شوقا لوجهها الجميل الذي أطفأ ضيّه المرض، فأخذ يخلل أصابعه بين خصلات شعرها تارة و تارة أخرى يزيح الغرة جانبا لكي تتضح له عينيها الناعستين من أثر المرض و هو يتأملها بشغف بالغ و كأنه غاب عنها لسنوات، يلعن ذلك الحظ الذي سيحرمه منها و سيفسد كل مخططاته التي كان ينوي تحقيقها فور عودته سالما اليها.
كانت تنظر اليه بعينين مسبلتين بتيه و تبتلع ريقها بصعوبة من فرط تـ.ـو.ترها من حركاته الرومانسية المثيرة، فقط لو كانت سليمة لما ترددت في تقبيله الآن و الاستلقاء بين أحضانه الدافئة.
تنهد بثقل و هو يحاول السيطرة على ثورة مشاعره تجاهها، فرأسه تنجذب للغاية نحو رأسها يريد تقبيلها و أخذها بين أحضانه لربما يقل اشتياقه لها و لو قليلا… فيعود و يلعن ذلك المرض الذي حال بينهما في وقت قـ.ـا.تل..
ـــ حشـ.ـتـ.ـيني و أوي…اليوم كان بيعدي عليا كأنه سنة بالذات و أنا مكنتش عارف أكلمك ولا أطمن عليكي.
ردت بصوت متعب:
ـــ و انت كمان وحـ.ـشـ.ـتني و كنت بستنى تكلمني بفارغ الصبر و كنت بضايق اوي لما الشبكة بتفصل.. بس الحمد لله انك رجعت بالسلامة.
ظل يستمع اليها و هو يجاهد نفسه لألا يتجرأ و يعترف بعشقه لها و هي في تلك الحالة السيئة… فأمر كهذا يتطلب أن يكونا على أتم استعداد له حتى يذيقها من رحيق حبه و تنـ.ـد.مج روحيهما كروح واحدة في جسدين.
حانت منه نصف ابتسامة ثم أخذ يمسد على ذراعيها صعودا و هبوطا و هو يقول:
ـــ طاب قومي يلا خودي شاور عشان حاسس ان جـ.ـسمك دافي.. و البسي عشان لو لسة في دوا مأخديتهوش تاخديه.
أومأت بموافقة ثم نهضت بمساعدته و أسندها حتى دلفت الى المرحاض ثم أغلق بابه و تركها ليجلس بحافة الفراش يدفن رأسه بين كفيه و يخلل أصابعه بين خصلات شعره كناية عن ضيقه و تـ.ـو.تره ثم نهض ليخلع ملابسه، فقد التهى بحبيبته و نسي أن يبدلها.
فتح الخزانة و استخرج تيشيرت و بنطال قطني و ارتداهما على عجالة ثم جلس ينتظر خروجها بعدmا ارتدى الكمامة مرة أخرى.
في الخارج أنهت ريم لتوها مكالمة مع معتصم يؤكد فيها على ضرورة حضورها مع عائلتها لحفل زفاف حمد فأخبرته أنها ستتحدث مع أخيها في ذلك الأمر.
لاحظت تيسير شرودها بعد تلك المكالمة فأدركت ما يدور بخلد ابـ.ـنتها الحبيبة، فربتت على فخذها و هي تقول ببسمة مطمئنة:
ـــ متحمليش هم الموضوع دا… أنا هكلم أدهم..
ـــ مش هينفع نسيب ندى و هي في الحالة دي يا ماما و نسافر.
ـــ و أنا روحت فين؟!.. ندى دي بـ.ـنتي التالتة و انا عمري ما هقصر معاها أبداً.. روحي يا حبيبتي انتي و اخوكي و انا هخلي بالي منها و هديها أدويتها في مواعيدها بالساعة..
ـــ ما انا خايفة عليكي برضو يا ماما تتعدي منها..
ردت بنبرة قاطعة:
ـــ سواء انتو هنا أو لأ أنا مش هسيب ندى أبداً و انا برضو اللي هراعيها و هديها أدويتها… لا أدهم هينفع يسيب شغله و يقعد جنبها ولا انتي برضو هتسيبي شغلك و تقعدي جنبها… في كل الأحوال ندى مهمتي أنا..
تنهدت ريم بحيرة لتنظر لها أمها بنظرة مطمئنة مغذاها ألا تقلق، فهزت رأسها باستسلام ثم احتضنتها بشـ.ـدة و هي تقول:
ـــ ربنا يخليكي لينا يا ماما و ميحرمناس منك أبداً..
شـ.ـددت أمها من احتضانها و هي تدعو لها:
ـــ ربنا يفرح قلبك يا حبيبتي و لو كان فيه خير ليكي يجعله من نصيبك.
ـــ يا رب يا ماما… يا رب.
بعد حوالي ساعة خرج أدهم من غرفة ندى ليذهب الى حيث تجلس أمه و أخته و بمجرد أن وقف قبالة أخته ابتسم لها قائلا و هو يمد ذراعيه لها:
ـــ تعالي يا بت انتي هاتي حـ.ـضـ.ـن مسلمتش عليكي..
وقفت ريم على الفور ترتمي بين ذراعيه و هي تقول:
ـــ طبعاً من لقى احبابه نسي اصحابه..
ضحك أدهم و هو يربت على ظهرها:
ـــ انتي الحب الاول و الاخير يا ريمو.. حشـ.ـتـ.ـيني و و وحـ.ـشـ.ـتني شقاوتك..
ابتعدت عنه قليلا ثم قالت بنبرة متأثرة:
ـــ و انت كمان يا حبيبي وحـ.ـشـ.ـتني اوي..
كانت أمهما تراقبهما و هي في قمة سعادتها، فجلس بجوار أمه ثم قال:
ـــ عايز اروح اشوف روان و محمود وحشوني من زمان مشوفتهمش.
ردت ريم:
ـــ يا ريت تروح تسلم عليهم في بيتهم و بلاش تخلي روان تيجي هنا لحد ما ندى تخف بالسلامة… الحمل مخلي مناعتها وحشة و ممكن تتعدي من جو البيت بسهولة.
قالت تيسير و كأنها تذكرت شيئا ما للتو:
ـــ بمناسبة الحمل يا أدهم… تصور كنا فاكرين ان تعب ندى من الحمل؟!
تجمد جسده لوهلة بصدmة بالغة و لكن سرعان ما ابتسم بحالمية و هو يفكر بجدية في ذلك الأمر ليقول مبتسما:
ـــ قريب اوي يا ماما ان شاء الله..
ربتت أمه على فخذه و هي تدعو:
ـــ ربنا يرزقك بالذرية الصالحة يا حبيبي.
غمزت ريم لأمها لكي تتحدث بخصوص أمر سفرها لمعتصم في الغد، فهزت رأسها ثم توجهت لأدهم بالحديث في محاولة لاقناعه بالذهاب على أن تتولى أمه رعاية ندى، في بادئ الأمر طلب منها تأجيل الذهاب و مع عدة محاولات لاقناعه أصرت والدته على ألا يكـ.ـسر خاطر أخته فلم يجد بدا من الموافقة مع اصرار والدته الشـ.ـديد، على أن يذهبا و يعودا في نفس اليوم.
و بالفعل صباح اليوم التالي اطمئن أدهم على ندى و أوصى أمه عليها كثيرا ثم استقل سيارته بصحبة شقيقته و انطلقا سويا الى محافظة سوهاج…
كان الجميع يقفون على قدm و ساق يجهزون لحفل الزفاف بالقرية و كانت الأجواء احتفالية و الطبل و المزمار لم يتوقف طيلة اليوم في الدوار…
وصل أدهم و شقيقته الى البلدة عند منتصف النهار و كان معتصم و عائلته في استقبالهما …
تعرف أدهم على معتصم و والدته و أشقائه، و قد لفت نظره وسامة معتصم الزائدة علاوة على بنيته الجسدية المُلفتة و شخصيته الواثقة، الأمر الذي أقلقه خشية أن تكون ريم قد انبهرت به فقط لتلك الأمور السطحية من وجهة نظره، خاصة انه استقبله بملابس عصرية أظهرت مدى وسامته و أناقته.
تناول أدهم وليمة الغداء مع الرجـ.ـال بينما ذهبت ريم مع وليمة النساء بصحبة عائشة و مارتينا.
و عنـ.ـد.ما حل المساء بدأت الاحتفالات الحقيقية و انقسمت حديقة الدوار لقسمين كما كانت في حفل الخطبة..
وصل حمد مرتديا جلبابه الصعيدي و بصحبته عروسه الجميلة… وقف وسط الحفل بجوارها و الجميع يصفق و الرجـ.ـال يرقصون بالعصا و الخيول، ثم أخذها الى مجلس النساء و أجلسها بينهن ثم عاد لضيوفه بمجلس الرجـ.ـال يرقص بينهم و هو يحاول أن يتجاهل قلقه من أيامه القادmة مع زوجته الصامتة، يحاول الاستمتاع بالأجواء و صرف تفكيره عن حياته التي تبدو و كأنها ستكون عسيرة عليه…
لم يترك معتصم صهره المستقبلي أدهم و لا لحظة مظهرا له اهتماما شـ.ـديدا لعله يخطب وِدَّه، تحدث معه في مواضيع شتى و حكى له مسيرته حتى أنشأ تلك الشركة و بالطبع لم يتطرق الى الحديث عن نرمين و مساعدتها له حتى وقف على قدmيه في مقابل زواجه بها.
انبهر حقا بحديثه و مسيرته الناجحة و لكنه رغم ذلك لم يصدقه تماما و أحس بوجود خطبا ما و لم يشعر تجاهه بالارتياح الكامل.
استدرجه أدهم في الحديث حتى يأخذ منه أكبر قدر من المعلومـ.ـا.ت عنه بما في ذلك عنوان شركته و مصنعه.
انـ.ـد.مجت ريم كثيرا مع الفتيات حتى أن واحدة منهن جذبتها لترقص بينهن و قد استجابت لها و بدأت تتمايل بسعادة، فالأجواء مثيرة للغاية و الأغاني الصعيدية التي يدندن بها ممتعة…
بعدmا تعبت من الرقص جلست جانبا لتتفقد هاتفها فوجدت مكالمة فائتة من أمها لم ترد عليها فخشيت أن تكون ندى قد أصابها مكروه، فتسللت من بين النساء حتى خرجت من المكان و ابتعدت قليلا حتى تتمكن من سماع الصوت.
استندت الى جذع شجرة كبيرة ثم اتصلت بأمها و أخذت تسألها على ندى، و كان سمعان في تلك الأثناء يحرس الحفل بالخارج و رأى ريم و هي تبتعد عن الدوار، فخشي أن يحدث لها مثلما حدث في المرة السابقة حين ضلت الطريق، فحسم أمره بإخبـ.ـار معتصم عبر الهاتف و قد فعل..
حين علم معتصم بذلك استأذن من الحضور و كان من بينهم أدهم و خرج يتفقد ذلك الأمر خشية أن يفقدها مرة أخرى…
فاستغل أدهم فرصة ابتعاد معتصم و قام في الحال بالاتصال بصديقه آسر:
ـــ ألو.. آسر أنا هبعتلك ع الواتس بيانات واحد كدا معرفة و هبعتلك عنوان شركته.. عايزك تعرفلي كل حاجة عنه من يوم أمه ما ولدته و كل حاجة عن شغله و معارفة و شركائه… كل حاجة كبيرة و صغيرة مهمة او مش مهمة يا آسر… هقولك بعدين.. تمام مش عايز استنى كتير يعني على بكرة بالليل لو أمكن… راضي المخبرين بتوعك و انا هحاسبك لما اشوفك… تمام سلام..
أنهى المكالمة و هو يبتسم بغموض و يتمتم لنفسه بخفوت:
ـــ أنا من الأول قولت مش مرتاحلك يا سي معتصم…أما نشوف ايه اللي وراك..
حين رآها تقف مستندة الى جذع الشجرة و بيدها الهاتف، أخذ يهز رأسه بغـ.ـيظ ثم سار نحوها ببطئ حتى لا تشعر به الى أن صار خلفها فباغتها بصياحه:
ـــ تاني يا ريم..
صرخت ريم حين أتاها صوته بغتة حتى أن الهاتف وقع من يدها و أصبح جسدها كالهلام من فرط الفزع حتى كادت أن يُغشى عليها، فأسرع معتصم بمسكها من خصرها حتى لا تسقط على الأرض و يقول بنبرة مطمئنة:
ـــ متخافيش يا ريم دا أنا… أنا معتصم..
نظرت له و هي تلتقط أنفاسها المتلاحقة بصعوبة و قد خرجت عن السيطرة تماما، فأخذ يمازحها قائلا:
ـــ و بعدين بقى… انتي شكلك مش هتهدي غير لما أحـ.ـضـ.ـنك..
ثم اقترب منها للغاية و كأنه سيحتضنها و لكنها ابتعدت سريعا للخلف فتراجع و هو يضحك بقهقهة فنظرت له بغـ.ـيظ لكن سرعان ما تحولت تلك النظرات لاعجاب من ضحكته الجميلة التي أظهرت أسنانه البيضاء المتناسقة و التي تراها لأول مرة، فلم تكن ترى منه أكثر من ابتسامة فقط بشفتيه، فلاحظ معتصم شرودها و تأملها لخلقته، فتحولت ضحكاته لبسمة هائمة:
ـــ حلو أنا عارف.
عادت ترمقه بغـ.ـيظ و هي تقول:
ـــ و عارف كمان ان انت مغــــرور؟!
أجابها برقة بالغة:
ـــ لو هتغر ع الدنيا كلها.. مش هتغر عليكي أبداً.
ابتسمت بخجل ثم قالت بجرأة:
ـــ انت عارف أول مرة شوفتك فيها استغربت ازاي في راجـ.ـل بالجمال و الهيئة و الشياكة دي في البلد دي..اللي زيك بنشوفهم ع الشاشات بس…..ساعتها قعدت اقول في سري سبحان من صورك.. بس لما شوفت الحاجة والدتك عرفت انك وارث ملامحك الحلوة دي منها.
استند بذراعه الى جذع الشجرة ثم نظر لها ببسمة هائمة سلبتها عقلها:
ـــ أومال أنا أقول ايه في جمالك و رقتك و شقاوتك اللي طيرت النوم من عيني!
أسبلت جفنيها بخجل و هي ترفرف بأهدابها، فتحدث معتصم يسألها بجدية و كأنه تذكر شيئا لتوه:
ـــ ايوة صحيح انتي مبتحرميش؟!.. ايه اللي خلاكي تبعدي عن الدوار… افرض توهتي زي المرة اللي فاتت؟!
ردت بعناد:
ـــ ما أنا أكيد المرادي هاخد بالي يعني..
ـــ و لو أنا مكنتش شوفتك كان مين هيدور عليكي و يلاقيكي..
ردت برقتها المعهودة:
ـــ أدهم كان هيلاقيني… طول ما أدهم معايا أنا مبقلقش.
ضيق عينيه و هو يتأملها بدهشة ثم قال بنبرة مغتاظة:
ـــ أنا بدأت أغير من أدهم..
تبسمت ضاحكة بخجل فاسترسل يسألها بجدية:
ـــ بس قوليلي بقى ايه حكاية الـ panic attack اللي بتجيلك دي؟!.. و كام واحد حـ.ـضـ.ـنك غيري وقت النوبة؟!
ضحكت ريم بملئ فمها، فاغتاظ معتصم من ضحكها ثم تمتم و هو يصتك فكيه:
ـــ اممم… شكلهم كتير..
ـــ لا و الله هو أدهم بس..
سكتت مليا ثم استرسلت بنبرة أليمة:
ـــ أول مرة جاتلي لما شوفت بابا و هو بيتقــ,تــل قدام عنيا بعد ما المافيا ضـ.ـر.بته بالرصاص في صدره… كان لسة خارج من البيت رايح على شغله و انا جريت وراه عشان احـ.ـضـ.ـنه قبل ما يمشي، ملحقتش أوصله.. كان وقع ع الأرض و غرقان في دmه… ساعتها وقفت مكاني و جـ.ـسمي ارتعش و نفسي ضاق لدرجة اني كنت حاسة اني بمـ.ـو.ت، كل اللي في البيت خرجو على صوت الرصاص و جريوا على بابا و محدش اخد باله من حالتي لحد ما حالتي ساءت و جالي انهيار عصبي.. المشكلة اني مبعرفش أخرج من الحالة دي بـ.ـارادتي.. بعد ما أدهم اتأكد ان خلاص بابا مـ.ـا.ت بعد ما وقع ع الأرض انهار بس شافني انا كمان منهارة و بطلع في الروح.. جري عليا بسرعة و أخدني في حـ.ـضـ.ـنه و قعد يهديني بالكلام و يطبطب عليا لحد ما جـ.ـسمي هدي و أغمى عليا بعدها… فضلت فترة كبيرة بعدها بتعالج نفسيا و الكوابيس مكانتش بتسيبني… الحمد لله بقيت أحسن دلوقتي بس المشهد لسة سايب أثر جوايا… ندبة كبيرة مبتروحش.
تأثر معتصم كثيراً لما رأته حبيبته، يود لو يمحي ذلك الألــم و تلك الندبة و لكن ليته بيده..
ـــ كنتي صغيرة؟!
محت دmعة فرت من عينها ثم هزت رأسها بايجاب:
ـــ أيوة… كان عندي حوالي ١٢ سنة…
سكتت مليا ثم استرسلت بحـ.ـز.ن:
ـــ من ساعتها و أدهم بيخاف عليا من الضغوط النفسية و بيحاول بكل الطرق انه ميزعلنيش عشان حالتي مـ.ـا.تسؤش… كان خايف يدخلني كلية الطب عشان مشوفش جثث في التشريح بس أنا صممت و قعدت أطمنه ان النوبة دي ملهاش علاقة بالجثث… مرتبطة أكتر بالخــــوف و القلق… و تاني مرة جاتلي فيها لما ماما جاتلها أزمة قلبية و وقعت من طولها قدامي… خــــوفت تروح مني زي بابا ما راح..ساعتها مقدرتش أسيطر على نفسي و الحالة جاتلي و أدهم حـ.ـضـ.ـني و برضو قعد يهديني بالكلام و يطبطب عليا و يطمني لحد ما بقيت كويسة..
رفعت كتفيها لأعلى و هي تقول بشبه ابتسامة:
ـــ و بس كدا… و تالت و رابع مرة بقى انت عارفهم.
أمال رأسه قليلا لمستوى رأسها ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ و ان شاء الله مش هيكون في بعد كدا… و يوم ما هحـ.ـضـ.ـنك تاني… هحـ.ـضـ.ـنك و انتي مراتي.
في تلك اللحظات رن هاتفها فنظرت الى الشاشة لتجد أخاها من يتصل..
ـــ دا أدهم.. أكيد بيدور عليا… انا هروح أشوفه..
استدارت لتغادر من أمامه بخطوات أشبه بالركض فاستوقفها مناديا بعدmا ابتعدت عنه مقدار ثلاث أو أربع خطوات لتقف تنظر اليه باستفهام فسألها بهيام:
ـــ هو أنا قولتلك قبل كدا إني بحبك؟!
ابتسمت حتى ظهرت نواجزها و هزت رأسها بنفي فاتسعت ابتسامته الهائمة، ثم استدارت لتغادر مرة أخرى و هي تقول بصوت خافت لم يصل اليه:
ـــ و أنا كمان بحبك اوي يا معتصم.
استند بجسده الى جذع الشجرة ثم نظر للسماء و مازالت البسمة الهائمة تزين وجهه البهيّ متمتما بهمس:
ــــ بحبها أوي..بعشقها يا ليل….. يا رب تمم فرحتي بيها على خير..
…
مواجهة ساخنة بين أدهم و معتصم و مفاجآت من العيار التقيل عن نرمين لسة معرفتوهاش
و طبعا مش هنسى حمد و صافية يا ترى هيتعامل معاها ازاي لما يتقفل عليهم باب واحد
مودة لما تشوف آسر هيحصل ايه و آسر رد فعله هيكون ايه لما يشوفها
↚
انتهى حفل الزفاف و غادر أدهم و شقيقته عائدين الى القاهرة، بينما حمد أخذ عروسه الى شقته بالطابق الثالث بالدوار و دلف بها الشقة و هو يسمي بسم الله ثم أغلق الباب في وجه حمـ.ـا.ته التي كانت تصر على الدلوف مع ابـ.ـنتها..
وقفت صافية في منتصف الصالة و هي تطأطئ رأسها بخجل فخلع حمد جلبابه و ألقى به على أقرب كرسي ثم وقف قبالتها و رفع رأسها لمستوى وجهه يتأملها باعجاب فقد كانت جميلة حقا..
ـــ هتفضلي باصة للأرض كتير؟!
أخذت تحرك عينيها في كل اتجاه عداه غير قادرة على النظر بعينيه من فرط الخجل.
ـــ بصيلي يا صافية..
بالكاد نظرت في عينيه فابتسم باعجاب من فرط خجلها فابتسمت هي أيضاً حتى ظهرت غمازتها اليمنى.
ـــ تعالي ندخل قوضتنا نغير هدومنا..
هزت رأسها بايجاب ثم قبض على كفها البـ.ـارد و دلفا سويا لغرفة النوم..
ـــ هت عـ.ـر.في تقلعي الطرحة و الحجاب ولا أساعدك؟!
هزت رأسها و لم تتكلم، فزفر بملل ثم قال بحدة طفيفة:
ـــ أنا لحد دلوقتي مسمعتش صوتك… انا قربت أنساه اصلا.
جعدت ملامحها بضيق:
ـــ باه!..اجول ايه عاد؟!
رد بنفاذ صبر و هو يدير ظهرها نحوه:
ـــ ولا حاجة.. لفي..
أخذ ينزع دبابيس الطرحة و الحجاب واحدا تلو الآخر ثم أزال الحجاب حتى بدى لها شعرها الأسود الغجري، فقام بفك عقدته حتى انسدل على ظهرها و وصل الى آخره فحانت منه نصف ابتسامة اعجابا به ثم سألها بنبرة هادئة:
ـــ أفتحلك السوستة ولا هت عـ.ـر.في تفتحيها؟!
ردت بغباء:
ـــ أمي جالتلي خلي عريسك يفتحلك سوستة الفستان.
اصتك فكيه بغـ.ـيظ ثم دون أن يتفوه بشئ قام بازاحة شعرها جانبا و فتح السحاب ثم تركها و اتجه نحو الخزانة استخرج ملابس للنوم ثم قال بضيق:
ـــ أنا هطلع برا اخد شاور و اغير هدومي على ما تكوني غيرتي انتي كمان.
لم ينتظر ردها، فهي لم تكن لترد من الأساس ثم خرج من الغرفة صافعا الباب خلفه.
بعد حوالي نصف ساعة عاد اليها مرتديا بنطال و تيشيرت منزلي فوجدها تجلس على حافة الفراش مرتدية قميص أبيض من الستان يعلوه روب أبيض من نفس الخامة و شعرها منسدلا على ظهرها و كتفيها، فابتسم بسخرية حين ورد على عقله أن بالتأكيد أمها من قالت لها ترتدي ذلك الرداء.
تقدm منها حتى جلس بجوارها ثم سألها بجدية:
ـــ انتي عارفة احنا المفروض نعمل ايه دلوقتي؟
هزت رأسها بنفي، فتنهد بنفاذ صبر:
ـــ قومي نبدأ حياتنا بالصلاة و نتعشى و بعد كدا ربنا يفرجها.
نهضت معه ثم ارتدت اسدال الصلاة و صلى بها المغرب و العشاء جماعة ثم قامت بتجهيز الطعام و تناولا بعض لقيمـ.ـا.ت صغيرة في جو من الصمت التام.
انتهيا من الطعام ثم دلف حمد الغرفة فلحقت به، وجدته يقف أمام المرآة يمشط شعره فوقفت خلفه تفرك كفيها بتـ.ـو.تر و خجل، فالبطبع رأى حالتها تلك عبر المرآة فاستدار لها يتأمل خجلها قليلا، ثم مد يديه الى كتفيها يزيح كمي الروب عنهما فأبعدت كفيه و هي تغطي نفسها و تقول بغـــضــــب:
ـــ باه… عتعمل ايه عاد؟!
رد عليها بسماجة:
ـــ ايه؟!.. اومال انتي لابسة كدا ليه؟!
أجابته بعفوية:
ـــ أمي جالتلي البس الجميص الابيض ليلة الد.خـ.ـلة.
ضحك حمد بملئ فمه فلم يخطئ حدسه، فعاد يمسك يديها التي تغطي بهما مقدmة صدرها و أنزلهما الى جانبيها ثم أزاح الروب عن كتفيها مرة أخرى حتى أسقطه على الأرض، فهاله ما رأى من جمال بشرتها البيضاء الناعمة نعومة الأطفال و أخذ يبتلع ريقه و هو يتحسس بشرة كتفيها بأصابعه و يقول بنبرة مثيرة:
ـــ و أمك مقالتلكيش اني هخلعك الروب؟
أطرقت رأسها بخجل من لمسته و نبرته التائهة و هي تهز رأسها بايجاب، فابتسم بسخرية ثم لف ذراعيه حول خصرها يضمها الى جسده قليلا و سألها و مازال عينيه تتأمل بشغف ما يظهر من قميصها:
ـــ و قالتلك هعمل ايه تاني؟!
انسحبت بغتة من أمامه تاركة يديه معلقة في الهواء ثم اتجهت نحو خزانة ملابسها استخرجت منها قطعة قماش ناصعة البياض ثم عادت له تمد يدها اليه بتلك القماشة و هي تقول بعفوية كعادتها:
ـــ جالتلي ألافيك الجماشة دي لاچل مـ.ـا.تشوفها في الصباحية و ابويا قمان عيشوفها لأچل ما يطمن عليا.
تجمد جسد حمد و كأنها سكبت على رأسه دلوا من الجليد، هل مازالت أمور الجهل هذه يهتمون بها؟!
أثارت تلك الجملة غـــضــــبه البالغ و أخرجته من الحالة الرومانسية التي قد دخل بها، فالتقط منها قطعة القماش ثم ألقاها بعنف في سلة المهملات و هو يصيح بغـــضــــب بالغ:
ـــ طاب و الله ما أنا عامل حاجة و ابقي وريني أمك هتعمل ايه؟!
انكمشت صافية على نفسها خــــوفا من غـــضــــبه التي لم تستطع فهم سببه، فعاد ينظر اليها بشر و هو يقبض على رسغها بقسوة و يصيح بانفعال بالغ:
ـــ انتي عارفة لو اسمعك تقوليلي أمي جالتلي دي تاني هعمل فيكي ايه؟!… حسك عينك تحكيلها على أي حاجة بتحصل بينا انتي فاهمة؟!
ردت بخــــوف و هي تضع كفها أمام وجهها متخذة منه درعا واقيا:
ـــ كيف يعني؟!.. أني معملش حاچة واصل من غير مشورة أمي.. لازمن توعيني و تعلمني..
غلى الدm في عروقه أكثر، فكل كلمة تتفوه بها تنم عن جهلها و غبائها ما يثير عصبيته و غـــضــــبه، فأخذ يصتك فكيه من الغـــضــــب و هو يصـ.ـر.خ بها:
ـــ قسما عظما ان نطقتي معاها بحرف لتكوني طــالـــق يا صافية… انتي فاهمة الكلام اللي انا بقوله ولا اروح اجبلك امك تفهمك؟!
ردت بنبرة باكية:
ـــ مخبراش… مفهماش.
ترك رسغها و جذبها من شعرها لترتفع رأسها لأعلى لااراديا فصرخت بألــم ليقول بوعيد:
ـــ لو عايزة ترجعي لأمك في يوم صباحيتك ابقي اعمليها و احكيلها احنا عملنا ايه في ليلة دخلتنا… دي هتبقى ليلة طين على دmاغك.
ألقى بوعيده ثم دفعها بعيدا عنه لتسقط على الأرض و هي تبكي، فاسترسل زئيره الغاضب:
ـــ أنا هنا بس اللي تسمعي كلمتي… أنا اللي اقول تعملي ايه و متعمليش ايه…محدش غيري هيعلمك و يوعيكي.. أنا عايزك تمحي أمك دي من قاموس حياتك.. دا لو عايزة تعيشي زي مخاليق ربنا و تبقي بني ادmة… انتي فاهمة ولا أعيد تاني؟!
أخذت تهز رأسها بايجاب و هي تبكي منكسة الرأس و شعرها الطويل يححب عنه وجهها الباكي، فأشفق عليها حمد و شعر بالغـــضــــب من نفسه أن قسى عليها لتلك الدرجة، و لكن هي من استفزته لتنقلب ليلتها الأولى إلى نواح و بكاء.
ألقى عليها نظرة أخيرة مترددا أيحملها و يضعها على الفراش أم يتركها ولا يعيرها اهتماما؟!… و لكنه لم يطع قلبه الذي حثه على أخذها بين أحضانه و الاعتذار اليها، فلم يكن ذنبها أنها بريئة و نقية لتحولها أمها الى آلة تحركها كيفما شاءت، ثم ذهب من أمامها تاركا الغرفة صافعا بابها خلفه و اتجه الى غرفة أخرى ليقضي ما تبقى من ليلته بها.
وصل أدهم بشقيقته الى المنزل في ساعة متأخرة من الليل و بمجرد دخولهما اتجه مباشرة الى غرفة ندى، فاستوقفته ريم منادية عليه، فنظر لها باستفهام فقالت بجدية:
ـــ البس الكمامة قبل ما تدخل… و بلاش تنام جنبها.. معلش استحمل الاسبوعين دول كفاية علينا ندى… مش هتكون انت و هي عيانين و نايمين في السرير.
هز رأسه بموافقة و هو يزفر أنفاسه بضيق ثم دلف غرفته بدل ملابسه بسرعة و ارتدى كمامة ثم ذهب لغرفتها مرة أخرى..
دلف الغرفة ليجدها مستغرقة في النوم و لكنها تتنفس بسرعة نوعا ما كأنها تركض، الأمر الذي أقلقه للغاية..
جلس على حافة الفراش بجوارها ثم أخذ يزيح غرتها عن جبينها ليتحسس حرارتها فوجدها طبيعية الى حد ما…
ـــ ندى.. ندى..
همهمت بكلمـ.ـا.ت غير مفهومة ليبتسم و هو يقول:
ـــ عاملة ايه يا حبيبتي؟!
هزت رأسها و مازالت مغمضة العينين لترد بصوت ناعس:
ـــ الحمد لله.
ـــ طاب بتنهجي كدا ليه؟!
فتحت عينيها و هي مقطبة الجبين و أخذت تتأمله و كأنها تحاول تذكره الى أن انتبهت أخيراً، فابتعدت عنه لآخر الفراش و هي تقول:
ـــ يا أدهم حـ.ـر.ام عليك هتتعدي مني..
زم شفتيه بغـــضــــب مصطنع:
ـــ هي دي حمد الله ع السلامة اللي بتقوليهالي؟!
تنهدت بضيق ثم قالت بجدية:
ـــ انا طبعاً مش قصدي كدا… بس انا خايفة عليك بجد…يعني ينفع احنا الاتنين نكون تعبانين؟!
جذبها عنوة حتى التصقت به غير مكترثا بكلامها ليقول بنبرة هائمة:
ـــ يا ريت أتعب انا كمان عشان أنام جنبك و مفضلش بعيد عنك كدا… يعني مش كفاية الاسبوعين اللي فاتو؟!.. عايزة تحرميني منك كمان اسبوعين؟!
كانت تستمع اليه و هي تنظر له مشـ.ـدوهة الملامح… ماذا تعني كلمـ.ـا.ته تلك اذن؟!…هل تعتبر هذا تصريحا منه عن وقوعه بحبها؟!..
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة مهزوزة من فرط الارتباك:
ـــ متقولش كدا.. و انا مش هفرح بنومتك جنبي و انت تعبان.
اغمض جفنيه يحاول السيطرة على مشاعره التي تطالبه بتقبيلها و لكنه جذبها الى حـ.ـضـ.ـنه لعله يهدأ قليلا بينما ندى كانت تقاومه لألا تصيبه العدوى و لكنه أبى أن يتركها فاستسلمت بقلة حيلة حتى أنها أحست بنبضات قلبه التي كانت تضـ.ـر.ب صدره كالمطرقة، و حين أحس بأن اشتياقه لها يزيد ابتعد عنها بغتة ثم قال و هو يبتسم نصف ابتسامة متنهدا بعمق:
ـــ كملي نومك بقى.. تصبحي على خير.
تركها بحالة هائمة سلبت النوم من عينيها و ذهب الى غرفته ثم أخذ حماما بـ.ـاردا و تقلب بفراش حتى نام بعد معاناة.
تمدد حمد بالفراش و هو يشعر بالذنب تجاهها، تقلب بالفراش لمدة طويلة و شيطانه على رأسه يلح عليه بعدm الذهاب اليها، و بعد عدة محاولات غفى أخيرا دون أن يشعر…
استيقظ من غفوته على صوت أذان الفجر فنهض يمسح وجهه من أثر النوم و هو يردد الأذان ثم حسم أمره ليتفقدها و يطمئن عليها بعدmا نامت باكية..
فتح باب الغرفة ليجدها نائمة على الأرض بمكانها كما تركها، فأخذ يؤنب نفسه ثم تقدm منها لينحني يحملها بخفة ثم وضعها بمنتصف الفراش و جلس بجوارها..
أعاد خصلات شعرها التي التصقت بوجهها بسبب الدmـ.ـو.ع ثم أخذ يمسد على شعرها بحنو و هو يتأملها بشغف، فلولا عفويتها الزائدة تلك لما انقلبت تلك الليلة لجحيم هكذا.
انحنى يقبل وجنتها و هو يتمتم بهمس:
ـــ أنا آسف.. حقك عليا.
تنهد بعمق ثم دثرها بغطاء خفيف و نهض خارجا من الغرفة متجها نحو المرحاض ليتوضأ و يصلي الفجر.
عند تمام التاسعة صباحا ارتدى معتصم بنطال چينز و قميص يعلوه چاكت و انتعل حذائه و التقط هاتفه و مفاتيح سيارته ثم صعد الى شقة حمد بالطابق الذي يعلوه و رن جرس الباب عدة مرات حتى فتح له شقيقه و تبدو آثار النوم على وجهه..
ـــ صباحية مبـ.ـاركة يا عريس…
احتضنه و هو يضحك:
ـــ حد يصحي عريس يوم صباحيته الساعة تسعة الصبح يا راجـ.ـل.
ضحك معتصم ثم ابتعد عنه و هو يقول:
ـــ معلش بقى انا عارف اني رخم..
افسح له حمد لكي يدخل و لكنه رفض قائلا بجدية:
ـــ لا أنا مش داخل..
ـــ ادخل يابني هنتكلم ع الباب كدا؟!… و بعدين لابس و متشيك كدا رايح على فين؟!
ـــ هقولك..
ثم تحولت نبرته الى همس:
ــ بس قولي الاول عملت ايه؟!
رد حمد بعدm فهم:
ـــ عملت ايه في ايه؟!
ـــ انت هتصيع عليا يلا… عملت ايه في ليلة دخلتك ياد انت؟!
رد حمد بسماجة:
ـــ و انت مالك!!.. انا كنت سألتك عملت ايه في ليلة دخلتك؟!
حقا نـ.ـد.م معتصم أن سأله، لو كان يعلم أنه سيذكره بنرمين حتما ما سأله..
ـــ انت دايما كدا بتحب تفكرني بنرمين… عملي الأسود.
ضحك حمد بقهقهة ثم قال:
ـــ انت محستش انها عملك الاسود غير بعد ما عرفت ريم.
هز رأسه بموافقة:
ـــ فعلا يا حمد معاك حق… عمري ما حسيتها عبئ عليا غير بعد ما حبيت ريم…. المهم انا مسافر القاهرة دلوقتي عشان عايز اخلص من حوار نرمين دا في اسرع وقت قبل ما أدهم اخو ريم يسأل عليا.
رد حمد بجدية:
ـــ متقلقش انا مظبط الدنيا و مفهم افراد الأمن انهم ميجيبوش سيرة لأي مخلوق غريب عن جوازك منها و مفهم موظفين الاستقبال ان مدام نرمين بالنسبالنا مجرد شريكة مش أكتر و مأكد عليهم ميدوش أي معلومة لأي بني ادm برا الشركة… يعني لو لا قدر الله عرف عن جوازك حاجة هيكون من طريق بعيد عننا.
هز رأسه عدة مرات و هو يتنهد بقلق:
ـــ ربنا يستر و يعديها على خير.
ربت حمد على كتفه:
ـــ ربنا معاك يا حبيبي.
احتضنه بحب و هو يقول:
ـــ مكنتش عايز اسيبك كدا و انت عريس بس مضطر.
ابتعد عنه و هو يبتسم بود:
ـــ ولا يهمك يا صاحبي.
ـــ مش هوصيك على صافية… طول بالك عليها شوية لحد ما تتأقلم على طباعك.
هز رأسه بشبه ابتسامة دون أن يتحدث بشئ حتى لا يثير ريبة أخيه ثم ودعه معتصم و انصرف نحو سيارته ليستقلها و ينطلق الى القاهرة.
في الطريق قام معتصم بالاتصال بنرمين يخبرها بعودته و طلب منها مقابلته في شقتهما، فتركت ما بيدها من أعمال بالشركة و أخبرت السكرتيرة بتأجيل كافة المواعيد مع العملاء ثم استقلت سيارتها و انطلقت نحو شقتها التي تعيش بها مع معتصم منذ أن تزوجا..
حين وصلت الى الشقة قامت بترتيبها سريعا ثم طلبت غداء فاخر من أحد المطاعم الفاخرة ثم اعتكفت بغرفتها لتشرع في تنظيف بشرتها باستخدام الماسكات و ما الى ذلك ثم قامت بتصفيف شعرها و وضع مساحيق التجميل و الزينة و ارتدت قميص من اللون الأسود شبه عاري تقريبا مظهرا مدى بياض بشرتها.
و حين انتهت ألقت نظرة أخيرة على مظهرها الذي يخـ.ـطـ.ـف الأنفاس أمام المرآة ثم أخذت تنظر لنفسها بتباهي و افتخار..
قاربت الساعة على الثانية بعد الظهر و كان الطعام قد وصل نرمين و قامت بتجهيزه على سفرة الطعام و قامت بسكب العصائر البـ.ـاردة فجعلتها مميزة حقا..
كانت كل حين و آخر تنظر في ساعتها تنتظره على أحر من الجمر، فقد اشتاقت اليه كثيراً..
بعد نصف ساعة انفتح الباب ليطل عليها معتصم، فحين سمعت صوت الباب ركضت اليه و هي تبتسم بسعادة بالغة ثم ألقت بجسدها على جسده تحتضنه باشتياق بالغ متمتمة بهيام:
ــ وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا معتصم… حاسة اني بقالي سنة مشوفتكش..
بادلها العناق على استحياء ثم أبعدها قليلا عنه و هو يقول بتجهم:
ـــ نرمين أنا تعبان و عايز أغير هدومي دي قبل أي حاجة.
نظرت له بصدmة لوهلة لكن سرعان ما ابتسمت و هي تأخذ بيده نحو غرفة النوم و هي تقول:
ـــ أنا اسفة يا حبيبي من كتر ما انت واحشني مقدرتش استنى.
دلفا الغرفة سويا ثم قامت بمساعدته في خلع الچاكيت ثم وقفت في مواجهته تفك أزرار قميصه واحدا تلو الآخر حتى بدا لها صدره العضلي العريض فأخذت تبتلع ريقها و هي تتحسس بشرة صدره، فتنهد معتصم بضيق…. هو لا يريد ما تريده هي الآن…
قبض على كفيها يقيد حركتهما لينزلهما الى جانبيها ثم قال ببرود:
ـــ أنا هغير لوحدي..
نظرت له و هي تصتك فكيها من الغـ.ـيظ و لكنها تجاوزت ذلك و جلست بحافة الفراش تراقبه و هو يبدل ملابسه حتى انتهى..
انتبه لتوه الى ذلك القميص الفاضح التي ترتديه و الى زينتها و قصة شعرها فابتسم بسخرية من تلك المرحلة التي وصل اليها… فقد كان سابقا يشعر بالزهو حين تتزين له و تهتم به، انما الآن لا يعنيه كل ما تفعله من أجله و لو افترشت له الأرض حريرا..
ارتدى لتوه بنطال قطني رصاصي و تيشيرت أبيض ضيق أظهر عضلات جزعه العلوي و كانت نرمين تتأمله بحب و انبهار.
نهضت لتقف خلفه و هو يمشط شعره أمام المرآة ثم احتضنته من الخلف و هي تتنفس رائحة شعره فقد كان طولها يصل لطوله تقريباً..
ـــ ايه يا عصوم.. مالك؟!.. متغير عن كل مرة ليه؟!.. مش دا عصوم اللي انا عارفاه.
كان يستمع اليها و هو ينظر لوجهها عبر المرآة و ملامحه متجهمة بضيق، ففك عقدة يديها من حول خصره ثم استدار لها و هو يقول بنفاذ صبر:
ـــ عايزة ايه يا نرمين؟!
ردت بنبرة هائمة و هي تكاد تلتهمة بعينيها:
ـــ عايزاك يا حبيبي…
أخذ يتنفس بعنف و هو بين نارين… يريد انهاء ارتباطه بها و في ذات الوقت يريد تلبية رغبتها به لآخر مرة قبل أن ينفصل عنها لعله يتخلص من شعوره بالذنب تجاهها، فليس ذنبها أن أحب غيرها كما أنها لم تقصر معه كزوجة قط.
حسم أمره بتلبية رغبتها و لتكن المرة الأخيرة ثم يتحدث معها في أمر الانفصال بعد ذلك، فقبض على خصرها يضمها إليه ثم انقض عليها يقبلها فتعلقت بعنقه و سحبته الى الفراش لترتمي عليه و هو فوقها حتى انـ.ـد.مجا سويا لوقت لم يشعر خلاله سوى بشعور الخيانة لحبيبته و كأنه يفعل جُرما مُحرما.
في تلك الأثناء تماما دلف آسر غرفة مكتب أدهم بمبنى العمليات الخاصة و بيده ملف ثم جلس قبالته فتحدث بفخر واضعا الملف أمامه على المكتب:
ـــ اتفضل يا باشا جبتلك كل اللي طلبته و في وقت قياسي… رغم ان العيال بتوع شركته متوصيين ميطلعوش معلومة براها بس الرجـ.ـا.لة ظبطوهم.
تتطلع للملف ثم أعطاه لصديقه مرة أخرى:
ـــ خود اقرالي اللي فيه و هات الخلاصة… ماليش خلق للقراية.
فتح آسر الملف ثم وضع ساقا فوق الأخرى و هو يقول:
ـــ انا أصلا قريته كله قبل ما اجيبهولك… اسمع يا سيدي… معتصم حمدان البدري ٣٢ سنة خريج كلية اقتصاد و علوم سياسية.. الأخ الأكبر عنده أخت اصغر منه متجوزة و مقيمة في القاهرة مع جوزها.. جوزها اسمه هشام و عضو في مجلس ادارة الشركة اللي صاحبها و مديرها معتصم….معتصم البدري متجوز من…
انتفض أدهم من مكانه حين سمع تلك الكلمة ليصيح بزمجرة:
ـــ متـ ايه ياخويا؟!
نظر له آسر بدهشة قائلا:
ـــ متجوز يا أدهم ايه الغريب في كدا؟!
ثم ضيق جفنيه بشك يسأله:
ـــ انت تعرفه منين و بتسأل عليه ليه؟!
عاد أدهم ليجلس بمكانه و قد زادت وتيرة تنفسه من فرط الغـــضــــب ثم حث آسر على اكمال ما بدأه:
ـــ كمل يا آسر و بعدين هعرفك كل حاجة..
استرسل آسر بنبرة هادئة:
ـــ متجوز من واحدة اسمها نرمين الانصاري بـ.ـنت رجل أعمال و صاحب مجموعة شركات الانصاري للمعمار و أرملة رجل الأعمال المعروف عادل الزهار الله يرحمه بقى.
هز ادهم رأسه بعصبية و هو يقول بغـــضــــب مكتوم:
ـــ و متجوز أرملة كمان؟!
رد آسر و هو يضحك:
ـــ أومال لما تعرف التقيلة بقى..
انتبهت كامل حواسه ليقول آسر:
ـــ نرمين أكبر من معتصم بعشر سنين… يعني عندها ٤٢ سنة حاليا و معتصم متجوزها من حوالي خمس سنين… يعني تقريباً كان لسة عنده ٢٧ سنة بس لما اتجوزها.
رد أدهم و هو يحاول السيطرة على أعصابه:
ـــ طاب معرفتش ايه اللي لم االشامي ع المغربي؟!
ـــ عيب عليك يا باشا… عرفت طبعاً..
رد بانفعال:
ـــ مـ.ـا.تقول علطول يا آسر أعصابي مش مستحملة..
رمقه باستنكار ثم استرسل بجدية:
ـــ اللي عرفته بس مش متأكد اذا كان الكلام دا صحيح ولا لأ ان نرمين اتعرفت عليه في مؤتمر لرجـ.ـال الاعمال و كان ساعتها لسة بيبتدي مشواره في البيزنس، اتكلمت معاه عجبها عرضت عليه الجواز مقابل انها تموله شركته و تكبرهاله…
هز ادهم رأسه بتفهم و هو يقول:
ـــ و طبعاً البيه وافق يتجوز ست اكبر منه بعشر سنين عشان يكبر على قفاها…
قاطعه آسر:
ـــ خاصة كمان انها عقيم و مبتخلفش..
ـــ يعني جوازة مش هتكلفه حاجة… فلوس و مفيش لا مسؤلية ولا عيال ولا و.جـ.ـع دmاغ و طبعاً شايف مزاجه معاها و هو مش قلقان من حاجة..
رد آسر بسخرية:
ـــ و الله يا جوازة زي دي يا بلاش…بس البت فورتيكة يا أدهم لو شوفتها مش هتصدق انها معدية الاربعين… هضبة…
ـــ و انت شوفتها فين يلا؟!
ـــ المخبر صورهالي و هي داخلة الشركة و بعتلي الصورة ع الواتس..
ـــ مش عارف ليه شامم ريحة شُبهة في الجوازة دي!..
ـــ قصدك ايه؟!
ـــ يعني ست أرملة و مبتخلفش تلف على حتة عيل شكله حلو و جـ.ـسمه رياضي و بتاع..ط لا و كمان تدفعله.. عشان ايه؟!
ـــ عشان مزاجها طبعاً..
ـــ يعني من الآخر كدا جواز متعة… و اللي يزهق من التاني يسيبه.
أومأ آسر بتأييد:
ـــ طبعاً و سيادته مسيره هيزهق و يدور على غيرها.. على الأقل عشان يستقر و يعمل أسرة و أولاد…
أخذ أدهم يصتك فكيه و يشـ.ـدد من قبضة يده من شـ.ـدة غـــضــــبه و غـ.ـيظه، فاسترسل آسر و كأنه تذكر شيئا:
ـــ اه نسيت اقولك انه صعيدي اصله من سوهاج و مقضيها بين هنا و هناك….و والدته متعرفش بموضوع جوازه من الست دي.
رفع حاجبيه بتفاجؤ ليقول بانفعال:
ـــ كماان!… دا كدا الحساب تقل أوي.
قطب جبينه متسائلا باستغراب:
ـــ ايه حكايتك مع الواد دا يا أدهم؟!
نظر في اللاشئ بشرود لبرهة ثم عاد ينظر لصاحبه و هو يقول:
ـــ هقولك…………
↚
خرج معتصم لتوه من المرحاض ليجد نرمين قد بدلت ملابسها الى بيچامة حريرية بحمالات رفيعة..
ارتدى ملابسه ثم أخذته من يده نحو طاولة الطعام و هي تقول بحماس:
ـــ يلا يا حبيبي نتغدى… الأكل لسة سخن و تحفة..
نزع يده من يدها برفق ثم قال بضيق:
ـــ انا ماليش نفس مش هقدر اكل.
اقتربت منه حتى التصقت به و أخذت تتحسس صدره و هي تقول بدلال:
ـــ عشان خاطري يا عصومي تعالى نتغدى سوى… من زمان مأكلناش مع بعض.
زفر بضيق ثم اضطر لمجاراتها و جلس قبالتها على الطاولة و شرع في الطعام و أكل بعض لقيمـ.ـا.ت بسيطة و هو شاردا حتى أنه كان لا يدري ماذا يأكل و نهض سريعا و اتجه نحو غرفة الاستقبال ثم جلس بأحد الأرائك ينتظرها حتى تنتهي لينهي مسيرته معها.
بعد دقائق أتت اليه ثم جلست قبالته على حافة الطاولة الصغيرة القريبة من أريكته حتى يكون وجهها قريبا من وجهه ثم مدت يدها اليمنى تتحسس لحيته النامية الناعمة و هي تقول برقة:
ـــ مالك يا حياتي؟!… مزاجك مش حلو ليه؟!
نظر لها يتأملها قليلا بشرود و هو يفكر ثم تحدث بنبرة جادة و هو يزيح يديها من على لحيته:
ـــ لحد هنا و كفاية بقى يا نرمين.. انتهينا
نظرت له مقطبة الجبين باستنكار، فاسترسل بجدية تامة:
ـــ أنا قررت أتجوز.
للحظة انتابتها صدmة قـ.ـا.تلة و لكن سرعان ما استعادت رشـ.ـدها لتبتسم باصطناع ثم قالت:
ـــ و ماله يا حبيبي… اتجوز.. و انا زي ما اتفقنا قبل كدا مش هتدخل في حياتك مع مراتك التانية ولا هأثر عليها.
رد عليها ببرود:
ـــ دا كان على أساس اني هتجوز في البلد و هسيبها في الدوار مع أمي… انما البـ.ـنت اللي عايز اتجوزها من هنا من القاهرة و مش هتقبل انها تكون زوجة تانية.
تحولت ملامحها للوجوم ثم قالت بتجهم:
ـــ بس دا مكانش اتفاقنا..
رفع كتفيه لأعلى و هو يقول:
ـــ أنا فعلاً مكانش في نيتي ابدا اني أخلف اتفاقي معاكي… و كنت باقي عليكي لآخر لحظة في عمري.. لكن..
ردت تسأله بنبرة أليمة:
ـــ لكن ايه؟!… متقوليش انك حبيتها..
هز رأسه بموافقة، فضحكت نرمين بسخرية بملئ فمها ثم تحولت ملامحها للوجوم فجأة و هي تسأله بتهكم:
ـــ هو انت بتحب زي الناس عادي كدا؟!… طاب يا ترى شوفتها فين و حبيتها امتى؟!.. شكلها ايه دي اللي قدرت توقع معتصم البدري؟.. أحلى مني مثلا؟!
أخذ يطالعها بنفاذ صبر ثم رد ببرود:
ـــ لو على الحلاوة انتي أحلى… لكن القلب بقى و ما يريد.
سكتت تتنفس بوتيرة سريعة و هي غير قادرة على ابداء أية ردة فعل… هي لا تريد خسارته، فحتما حبه لأخرى مجرد نزوة و ستمر أو هكذا تظن..
بركت على ركبتيها و استندت بذراعيها على فخذيه ثم تحدثت و هي تتوسل إليه:
ـــ معتصم انا… انا مقدرش اعيش من غيرك.. انت كل حاجة ليا… انت الحاجة الحلوة اللي في حياتي.. حِب و اتجوز بس متسبنيش… انا هضيع من غيرك يا معتصم.
رد برجاء و هو ينظر لعينيها:
ـــ لو بتحبيني بجد متقفيش في طريق سعادتي… و سيبيني أعيش اللي معرفتش أعيشه معاكي.
ردت بانفعال طفيف:
ـــ ايه اللي انت معرفتش تعيشه معايا… انا اديتك كل حاجة.. كنت بفهمك من نظرة عينيك..كنت محتارة اسعدك ازاي.. معصتش ليك أمر.. ايه اللي كان ناقصك معايا يا معتصم؟!
هب من مكانه يرد عليها بانفعال أشـ.ـد:
ـــ ناقصني استقرار…ناقصني حب… ناقصني بيت و اولاد.. ناقصني حياة كاملة مشوفتهاش معاكي يا نرمين.
أغمضت عينيها بألــم من سهام كلمـ.ـا.ته القـ.ـا.تلة، ثم ابتلعت ريقها بصعوبة محاولة السيطرة على موجة غـــضــــبها و نهضت لتقف أمامه و تقول بانكسار:
ـــ معرفش مين فينا اللي أناني.. بس اللي انا عارفاه و متأكدة منه اني بحبك بجنون و مهما تعمل حبك جوايا مش هيقل.
رد بنبرة معـ.ـذ.بة:
ـــ احنا الاتنين أنانيين…كل واحد فينا عايز يرضي قلبه و بس مهما كانت الطريقة حتى لو هيدوس على التاني…بس صعب عليا اكـ.ـسر قلبي و قلب الانسانة اللي حبيتها عشان مكـ.ـسرش قلبك يا نرمين…يا ريت تقدري تفهميني.. يا ريت.
عم عليهما صمتا بليغا.. نرمين تنظر لمعتصم بلوم و عتاب و معتصم يناظرها ببرود و كأنها تذكره بخطيئته التي ربما تحول بينه و بين حبيبته الى أن نطق أخيراً و قال بثبات:
ـــ انتي طــالـــق يا نرمين.
بدأت الدmـ.ـو.ع تغشي عينيها و هي تنظر له و تهز رأسها بعدm تصديق، فاسترسل بمزيد من البرود:
ـــ لو عايزة تنهي الشراكة اللي بينا و كل واحد ياخد نصـ…
قاطعته بوضع سبابتها على شفتيه ثم قالت ببكاء:
ـــ متكملش…انت كمان عايزنا ننهي الحاجة الوحيدة اللي هتربطني بيك!!.. لا.. مقدرش.. كفاية اني هشوفك حتى لو مش هتكون من حقي.. كفاية اني هسمع صوتك هشم ريحتك هشوف ملامحك اللي بتوحشني حتى و انت معايا…و حياة العشرة اللي بينا خليني جنبك حتى لو هنكون مجرد شركا.
تأثر كثيراً من تلك الحالة المو.جـ.ـعة التي أصابتها حتى أنه شعر بمدى أنانيته معها، فهو قد جرب الحب و يدري جيدا كم هو مو.جـ.ـع فراق المرء لمن يحب… و لكنه أيضاً ليس بامكانه التضحية بمن عشقها من أجلها.
مسد على شعرها و هو يقول باشفاق:
ـــ خلاص يا نرمين اهدي… خلاص شراكتنا هتستمر بس مش عايز أي تجاوز منك… عايزك تعامليني كأني شخص غريب عنك.
ارتمت بحـ.ـضـ.ـنه و أجهشت في بكاء مرير و هي تضـ.ـر.ب ظهره بكفيها و تهذي بلاوعي:
ـــ ازاي.. ازاي.. ازاي..
أخذ نفسا عميقا محاولا لملمة شتات نفسه ثم زفره ببطئ و هو يبعدها عن حـ.ـضـ.ـنه و يقول برجاء:
ـــ لو بتحبيني و عايزاني مقطعش علاقتي بيكي اسمعي كلامي..
ثم أخذ يهزها من ذراعيها و هو يصيح بعصبية و غـــضــــب:
ـــ متخلنيش أتخـ.ـنـ.ـق منك يا نرمين…قولتلك خلاص انتهينا.
أطبقت جفنيها محاولة السيطرة على سيلان دmـ.ـو.عها ثم فتحتهما لتقول و هي تهز رأسها عدة مرات:
ـــ حاضر… هسمع كلامك و مش هضايقك..
أشاح بوجهه للجهة الأخرى و هو يزفر بضيق من نفسه و من الموقف برمته ثم عاد ينظر اليها ليقول بنبرة جادة:
ـــ انا هسيبلك الشقة دي تعيشي فيها و انا هقعد مع عيشة لحد ما اشوفلي شقة تانية.
أخذت تمسح عبراتها بيديها ثم قالت بنبرة متحشرجة من أثر البكاء:
ـــ لا انا هرجع الفيلا بتاعتي… بكرة الصبح هلم هدومي و حاجتي و هروح على هناك.
أومأ بوجوم و هو يقول:
ـــ تمام اللي يريحك.. أنا لازم أروح الشركة دلوقتي…. و انتي اقعدي مع نفسك و راجعي حساباتك و بلاش تيجي الشركة النهاردة..
هزت رأسها بموافقة دون أن تتحدث، فلم يعد لديها طاقة للكلام بعد تلك الصفعة القاسية التي تلقتها منه على حين غرة.
تركها بمكانها و دلف غرفة النوم ليرتدي بدلة رسمية سوداء بدون رابطة عنق ثم أخذ هاتفه و مفاتيح سيارته و غادر الشقة متجها الى شركته.
بعد حوالي ربع ساعة وصل شركته و أخذ يتفقد ملفاته و جدول أعماله مواصلا العمل مع زوج شقيقته بلا انقطاع الى أن بدأت الشمس في المغيب و حينها رن هاتفه برقم أدهم، دق قلبه بقلق ربما.. و لكنه لا يدري لما انتابته تلك الحالة حين رأى اسمه على شاشة الهاتف و لكنه أجابه على أية حال:
ـــ ألو أدهم باشا عامل ايه؟!
ـــ بخير يا معتصم بيه… أنا كنت عايز أقابلك بس يا ريت نكون لوحدنا على انفراد.
سكت معتصم مليا يفكر ثم قال:
ـــ تمام يا باشا… ايه رأيك تشرفني في شركتي… هنكون براحتنا أكتر.
استحسن أدهم الفكرة ثم أومأ بموافقة:
ـــ تمام مفيش مشكلة… فاضي أجيلك دلوقتي؟!
ـــ و لو مش فاضي أفضالك.
ابتسم أدهم بسخرية متوعدا له في نفسه ثم قال:
ـــ طاب يا ريت تبعتلي location بتاعك و انا نص ساعة بالكتير ان شاء الله و هكون عندك..
ـــ تمام يا باشا في انتظارك.. مع السلامة..
اغلق معتصم المكالمة ثم أرسل له موقعه عبر رسالة نصية ثم عاد يستكمل أعماله بذهن شارد بعدmا أعطى اوامره للسكرتيرة بحسن استقبال الضيف القادm في خلال نصف ساعة.
بعد حوالي خمسة و ثلاثين دقيقة حضر أدهم و قد استقبلته السكرتيرة بحفاوة ثم أدخلته الى معتصم الذي استقبله استقبالا حارا و أجلسه في الصالون ذي الأرائك الجلدية الفاخرة و طلب له القهوة.
جلس أدهم و هو يدور بعينيه في انحاء الغرفة ثم قال بنبرة جليدية:
ـــ ما شاء الله المكان فخم أوي يا معتصم… اسمحلي اقولك معتصم من غير القاب؟!
ـــ أه طبعاً يا أدهم باشا احنا اخوات.
هز رأسه عدة مرات ثم تحدث بنبرة ذات مغذى:
ـــ بجد انا مبهور من شاب زيك لسة في مقتبل العمر و قدر يأسس شركة فخمة زي دي بدون مساعدة حد.
أحس معتصم بعدm الارتياح من نبرته التي يتحدث بها، و لكنه تجاوز ذلك قائلا:
ـــ انا بايع كتير من ورثي من ابويا الله يرحمه في تأسيسها.
تجاوز أدهم رده و كأنه لم يسمعه ثم استرسل بنبرة مبطنة بالسخرية:
ـــ بس انت فعلاً عاجبني… جريئ.. جريئ أوي..
بدأت نبرته تحتد و هو يقول:
ـــ جريئ لدرجة انك تتقدm لأختي و انت متجوز غيرها و بتخدعنا كلنا.
سكت معتصم بصدmة و أحس أن الأرض تهيم به، فقد انسحب البساط من تحت قدmيه دون أن يشعر، و لكنه حاول التحلي بالثبات ثم قال:
ـــ انا طلقتها… و بعدين مكنتش ناوي أخبي عليكم.. كنت هقول في الوقت المناسب.
لوى أدهم فمه بسخرية:
ـــ كنت هتقول امتى و انت المفروض مستني مني الموافقة.. انت انسان كـ.ـد.اب.
ابتلع ريقه ثم تحدث بثبات:
ـــ الموضوع دا يخصني انا و ريم…كنت هقولها و هفهمها انا اتجوزت ليه و ازاي..
ـــ لا متتعبش نفسك… انا هفهمها انت اتجوزت ليه و ازاي..جوازة رخيصة زيك بالظبط عشان متعتك و مزاجك.
أخذ يهز رأسه بنفي و هو يتحدث بانفعال نوعا ما:
ـــ لا يا أدهم باشا مش انا…يعلم ربنا ان الست اللي اتجوزتها دي مكنش في نيتي أبداً اني أطلقها… بس الظروف فاجئتني و حبي لريم لغبطلي كل حاجة… حبيتها و عايزها معايا علطول.. ايه يا أخي الحب معداش عليك؟!
رد أدهم بانفعال أشـ.ـد:
ـــ الحب اني اصارح اللي حبيتها بكل حاجة من اول لحظة.. مش أعلقها بيا و بعدين أقولها اسف انا كنت هقولك..
أخذ معتصم يتنفس بوتيرة عالية غير قادرا على تعزيز موقفه أمام أدهم، فاسترسل أدهم بنبرة جليدية بـ.ـاردة:
ـــ بس الحمد لله ان ربنا كشفك ليا في الوقت المناسب… مكنتش اتوقع انك دنئ و حقير كدا.
وقف معتصم بعصبية يجذبه من تلابيبه و يصيح بغـــضــــب:
ـــ أنا مش حقير.. انت فاهم؟!
ناظره أدهم ببرود ثم نزع يديه الممسكة بياقته و هو يقول ببرود:
ـــ ايه؟!.. و.جـ.ـعتك؟!.. معلش.. اصل دايما الحقيقة كدا بتو.جـ.ـع..
أخذ معتصم يطالعه بشر يود لو يلكمه في وجهه لعله يسترد بعضا من كرامته التي بعثرها له و لكنه تراجع فقط لأجلها، فاسترسل أدهم و هو ينوي انهاء ذلك الحوار السخيف:
ـــ اسمع يلا… ريم دي أغلى حاجة في حياتي و بحبها أكتر من نفسي.. معنديش استعداد أجوزها لواحد second hand.. و اياك…. اياك تحاول تقرب منها او تكلمها… ساعتها همحيك من على وش الدنيا.. كفاية الصدmة اللي هتحصلها لما تعرف حقيقتك.
ألقى بكلمـ.ـا.ته ثم استدار مغادرا من أمامه و عروق رقبته منتفخة من فرط الغـــضــــب، فخرج من الغرفة و هو يسير بسرعة حتى أنه اصطدm بنرمين و لم يلتفت اليها حتى ليعتذر، فصرخت به بعدmا تخطاها:
ـــ ايه قلة الذوق دي؟!
لم يكترث لها و انما استمر في طريقه الى ان سمع صوت السكرتيرة ترحب بها قائلة: “أهلا يا مدام نيرمين”.
قاده فضوله لمعرفة شكلها فوقف بغتة و استدار يطالعها بنظرة شمولية، فقد كانت طويلة القامة ذات قوام أنثوي لا يقاوم، ترتدي بنطال اسود جلدي يلتصق بساقيها تعلوها كنزة قصيرة للغاية بنصف كم بالكاد تغطي بطنها و شعرها الأشقر المموج منسدلا على ظهرها علاوة على مستحضرات التجميل الصارخة التي صبغت بها وجهها، فأخذ ينظر اليها باشمئزاز و هو يتمتم بصوت خافت:
ـــ ” ليه حق يريل عليها ” ثم بصق على الأرض من شـ.ـدة اشمئزازه منهما و استكمل طريقه مغادرا الشركة بأكملها.
بينما معتصم اخذ يدور بالغرفة بعصبية و هو يجذب خصلات شعره من شـ.ـدة انفلات اعصابه، ثم قام بالاتصال بهشام و بمجرد ان رد عليه صرخ به:
ـــ شوفلي شوية البهايم اللي في الشركة ازاي يطلعوا اسرارنا براها… ازاي دا يحصل؟!.. انا مش عايز أشوف وشهم تاني في الشركة.. اقسم بالله حسابهم هيكون عسير معايا..
اغلق المكالمة دون أن يستمع لرده، فقد كان في حالة لا تسمح له بجدال أي شخص حاليا، علت وتيرة تنفسه للغاية و هو يشعر بالضياع… لا يدري كيف سيصلح تلك المعضلة و كيف سيكون موقف ريم ان أخبرها أخوها بما علم..
فقام بالاتصال بها ليكون هو أول من يخبرها قبل أن تعلم من غيره حتى يتمكن من شرح مبرراته و أسبابه ربما تلتمس له العذر و تتجاوز عن ذلك الذنب الذي اقترفه في حق نفسه و حقها..
ـــ ألو.. ريم أنا عايز أقابلك دلوقتي.
ـــ دلوقتي؟!.. ليه في ايه قلقتني..
ـــ هقولك بس لما أقابلك… مش هينفع اقول اي حاجة في التليفون.
سكتت قليلا تفكر بحيرة و لكنها أحست من نبرة صوته أن الأمر جلل، فحثها معتصم قائلا برجاء:
ـــ عشان خاطري يا ريم لازم اشوفك دلوقتي…متقلقيش مش هأخرك..
تنهدت بقلة حيلة ثم قالت:
ـــ حاضر يا معتصم… اقابلك فين؟!
ـــ قبل اي حاجه متقوليش لأدهم انك هتقابليني لأنه أكيد هيرفض و هيمنعك… أنا آسف اني هحطك في الموقف دا بس صدقيني غـ.ـصـ.ـب عني.. مضطر.
ـــ ماشي يا معتصم… بس يكون في علمك مش هقابلك تاني ابدا بدون علم أدهم..
ـــ ماشي يا حبيبتي… ابعتيلي بس اللوكيشن بتاعك و انا هستناكي في العربية برا الكومباوند.. عربيتي چيب سودا.
ـــ تمام هلبس و هرن عليك.. باي.
أغلقت الهاتف و هي في حالة من القلق من مقابلة معتصم من ناحية و من خروجها بدون علم شقيقها من ناحية أخرى.
بينما معتصم التقط مفاتيح سيارته ثم خرج مسرعا من غرفة مكتبه ليصطدm هو الآخر بنرمين حيث كانت في طريقها لغرفته و لكنه تجاوزها دون أن ينبس ببـ.ـنت شفه مستكملا طريقه خارج الشركة الى حيث يصف سيارته.
اخذت نرمين تضـ.ـر.ب الأرض بقدmيها بغـ.ـيظ منه، فخرجت هي الأخرى لتستقل سيارتها ثم أخذت تسير في الطرقات بلا وجهة محددة تحاول التفكير بهدوء أعصاب ربما تجد حلا تستعيد به معتصم الى أن اهتدت الى الاتصال بشقيقها المقيم بالامارات العربية المتحدة ربما يستطيع مساعدتها.
اتصلت به و بمجرد أن أجابها أخذت تبكي و تتحدث بانهيار:
ـــ الو… الحقني يا نادر معتصم طلقني.
ـــ ايه؟!… طاب اهدي يا حبيبتي بس و فهميني.. ايه اللي حصل؟!
ـــ اتعرف على بـ.ـنت و حبها و عايز يتجوزها… طلقني عشان يتجوزها يا نادر..
أخذ يعتصر كفيه بغـــضــــب ثم قال بهدوء مصطنع:
ـــ طاب سيبيني شوية كدا يا نرمين أفكر في حل… لازم يبعد عن البـ.ـنت دي عشان يرجعلك تاني.. يا إما لو عايز يتجوزها يسيبك على ذمته.
ـــ قولتله يتجوزها و يخليني معاه بس رفض… قالي انها مش هتقبل تكون زوجة تانية.
ـــ خلاص يبقى هو اللي جابه لنفسه و يستحمل بقى اللي هعمله فيه..
ـــ لأ… لأ يا نادر اوعى تأذيه.. أنا بحبه و عايزاه يرجعلي بأي طريقة و بأي تمن.
ـــ متخافيش يا قلبي مش هأذيه… و هرجعهولك يا نيرو… و غلاوتك عندي هيرجعلك و هينـ.ـد.م على اليوم اللي فكر يسيبك فيه و من غير ما أذيه متقلقيش..
تنهدت بـ.ـارتياح قليلا ثم قالت بامتنان:
ـــ ربنا يخليك ليا يا نادر… مش عارفه لو انت مش موجود في حياتي كنت عملت ايه..
ـــ حبيبتي انتي اختي و حتة مني و ان موقفتش جنبك مين يعني اللي هيقف جنبك في مشكلة زي دي… مش عايزك تفكري و سيبي الموضوع دا عليا… هحسب حسبتي كدا و هكلمك تاني عشان افهمك هتعملي ايه بالظبط.
ـــ حاضر يا حبيبي… هستنى مكالمتك بفارغ الصبر.. بوسلي هايدي و سلملي عليها..
ـــ حاضر يا قلبي… مع السلامة
بعد حوالي ربع ساعة انتهت من تجهيز حالها ثم التقطت هاتفها وضعته في جيب بنطالها ثم خرجت من غرفتها تتفقد أمها فوجدتها نائمة بغرفتها و أيضاً ندى كانت نائمة، فاتجهت نحو باب الشقة تفتحه في نفس اللحظة التي كان يفتح فيها أدهم الباب لتتفاجئ بمثوله أمامها، فتحدث و الغـــضــــب يكسو ملامحه:
ـــ رايحة فين؟!
سكتت تنظر له و هي تبتلع ريقها بخــــوف ثم لم تجد بدا من البوح بالحقيقة حيث قالت بتـ.ـو.تر:
ـــ مـ معتصم كلمني عايز يقابلني دلوقتي في موضوع ضروري و أناااا…
قاطعها و هو يجذبها من رسغها الى داخل الشقة يجرها خلفه بعدmا أغلق الباب حتى دلف غرفتها ثم تركها ليقول بحدة:
ـــ أنا هقولك هو كان عايزك ليه؟!
تطلعت اليه باستغراب و خــــوف في ذات الوقت في انتظار ما سيقوله ليتحدث أدهم بانفعال:
ـــ الباشا طلع متجوز و مخبي علينا… و سيادته طبعاً عايز يقابلك عشان يعترفلك بنفسه قبل ما ت عـ.ـر.في مني..
اتسعت عينيها بصدmة بالغة و هي تهز رأسها بعدm تصديق:
ـــ متجوز!!… ازاي… لأ… معتصم ميعملش كدا… كان هيقولي.. لا أكيد انت فهمت غلط يا أدهم… في حاجة غلط.
هزها من كتفيها و هو يصـ.ـر.خ:
ـــ هي دي الحقيقة… متجوز من خمس سنين ست أرملة و أكبر منه بعشر سنين..
ازدادت وتيرة تنفسها للغاية و أخذ صدرها يعلو و يهبط من فرط الصدmة، فاسترسل أدهم بمزيد من الحدة:
ـــ الوا.طـ.ـي الحقير متجوزها جواز متعة و لما حب غيرها رماها و طلقها و كل دا و احنا نايمين على ودانا و بيخدعنا.
انتبهت حواسها لهاتين الكلمتين “جواز متعة” فسألته:
ـــ يعني ايه جواز متعة؟!
سكت أدهم لا يدري كيف يشرح لها معناها الى أن قال:
ـــ يعني متجوزها بغرض اشباع رغباته مش بغرض الاستقرار و تكوين بيت و أسرة… و دا في حد ذاته فيه شبهة شرعية دا ان مكانش جواز باطل من الأساس.
اتسعت عينيها بصدmة أخرى لتشعر بمدى دنائته و انحطاطه و انتابها شعور آخر بالاشمئزاز منه و من نفسها أن انساقت خلف أكاذيبه و وقعت في حب ذلك الحقير.
في تلك اللحظة رن هاتفها في جيبها، فقال أدهم:
ـــ هو اللي بيرن؟!
اخرجت الهاتف من جيبها تتفقده فوجدته هو فهزت رأسها بايجاب، فرد أدهم بجدية:
ـــ ردي عليه انهي معاه كل حاجة…و فهميه ميحاولش يتصل بيكي تاني.
ألقى بأوامره ثم استدار مغادرا الغرفة، ففتحت المكالمة ليأتيها صوته الملهوف:
ـــ ريم انتي اتأخرتي كدا ليه؟!.. انا مستنيكي عند بوابة الكومباوند.
حاولت السيطرة على أنفاسها المتسارعة لتقول بغـــضــــب مكتوم:
ـــ خلاص مالوش لزوم… مفيش كلام يتقال بعد اللي عرفته.
علم من ردها أن أدهم قد سبقه و تحدث معها، فرد عليها بعصبية:
ـــ لا يا ريم انتي مت عـ.ـر.فيش حاجة… لازم تسمعي مني.
ـــ مش عايزة أسمع حاجة من واحد وا.طـ.ـي و كـ.ـد.اب زيك..
ـــ ريم أدهم فاهم غلط…اه انا كنت متجوز و خبيت عليكي بس لازم ت عـ.ـر.في مني القصة كلها مش من اخوكي… الكلام اللي أدهم قالهولك عني مش صحيح.. هو حلل اللي عرفه عني بطريقته.. بس انا مش حقير زي ما فهمك… انتي لازم تسمعيني يا ريم.
صرخت به و هي تبكي:
ـــ خلااااص… مش عايزة أسمع اي حاجة… كفاية بقى.. كفاية.. ابعد عني و انسى انك عرفتني في يوم من الأيام…
أغلقت المكالمة قبل أن يرد ثم أغلقت الهاتف بالكلية ثم ارتمت على سريرها تدفن وجهها في وسادتها و هي تبكي بحرقة… تبكي حبا قد تملك منها حتى ظنت أن السعادة قد فتحت لها بابها لتعيش معه حالة من العشق كم حلمت بها و لكن صار الحلم هباءا بل تحول لكابوس.
على الناحية الأخرى أخذ معتصم يضـ.ـر.ب عجلة القيادة بقبضة يده مرات كثيرة يفرغ بها غـــضــــبه بعدmا انقلبت مخططاته كلها ضده في لمح البصر.
↚
قبل ما نبدأ في الأحداث الجديدة أحب أنوه ان التفاعل على الرواية قل جدا و دا طبعاً بيقلل وصولها للمتابعين
يعني بجد حـ.ـر.ام ابقى عاملة فيها مجهود و كتير جدا بيستنوها و الحمد لله انا واثقة انها من الروايات المشوقة و مع ذلك مش لاقية تقدير متكافئ و لا تفاعل يستحق الاستمرار في النشر
فضلاً اتفاعلو و قولو رأيكم و ارفعوا الفصول بكومنتات كتير
بينما كان آسر جالسا بفراشه شاردا في ذكرياته مع حبيبته الراحلة يسترجعها من خلال صورهما المحفوظة بهاتفه بعدmا جافى النوم عينيه، أتاه اتصال مكالمة فيديو من حماه السابق محمد.
للوهلة الأولى شعر بالخجل من نفسه لأن حماه من بادر بالاتصال به مع أنه من المفترض أن يبادر هو بالسؤال عليه و متابعة أخبـ.ـاره أثناء اغترابه بابـ.ـنته المريـ.ـضة، و لكنه لا يدري كيف فاته ذلك الأمر… و لكنه بالأخير اعتدل بجلسته ثم فتح المكالمة ليجيب:
ـــ ازيك يا عمو محمد أخبـ.ـارك إيه؟
ـــ الحمد لله يابني بخير… يااه يا آسر مكانش العشم.
حمحم بحرج و هو يبتلع ريقه:
ـــ أنا عارف اني مقصر معاكم بس اعذرني انشغلت شوية في الشغل.
ـــ أنا بعاتبك لأني بعتبرك ابني اللي مخلفتهوش.. و مكنتش اتمنى ابدا انك تقطع علاقتك بينا بعد وفاة ميري.
ـــ مـ.ـا.تقولش كدا يا عمي… حضرتك في مقام والدي بالظبط و مودة كمان زي أختي… بالمناسبة هي عاملة ايه بعد العملية؟!
ـــ الحمد لله في تحسن كبير.. استردت وعيها الى حد ما.. بس طول اليوم نايمة و بتصحى دقايق بسيطة و بتنام تاني.
ـــ أكيد جـ.ـسمها مجهد بعد كل اللي مرت بيه.. ربنا يتمم شفاها على خير.
ـــ يا رب يابني… كل ما بتصحى بتسألني عليك.. و بتسألني على ميري… مش عارف أقولها ايه؟!
أجهش محمد في البكاء ثم قال بنبرة باكية:
ـــ أنا محتاجك جنبي يا آسر… محتاج مساعدتك في ان مودة تتخطى أزمة مـ.ـو.ت اختها بدون ما تتأثر.. أنا بجد محتار و مش عارف اعمل ايه… خايف.. خايف اوي لتروح مني هي كمان…
أجهش مرة أخرى في البكاء، لينخلع قلب آسر لمظهره الأليم فأخذ يواسيه:
ـــ عمو محمد استهدى بالله…كل حاجة هتعدي باذن الله و هتبقى زي الفل.. انا على اتم استعداد اني أجيلك ألــمانيا..
أخذ يمسح عبراته من وجنتيه و هو يقول:
ـــ لا يا آسر ان شاء الله هحاول أسرع اجراءات رجوعنا و كدا كدا هي لسة محتاجة رعاية في المستشفى و هتكمل في مستشفى الدكتور رؤف ان شاء الله.
ـــ تمام يا عمو… و انا ان شاء الله هكلمك كل يوم عشان أطمن عليكم.. و انا متأسف جداً على تقصيري الأيام اللي فاتت.
ـــ لا يا حبيبي ولا يهمك… انتي غالي عندي اوي يا آسر.. غلاوتك من غلاوة ميري الله يرحمها… كفاية انك من ريحتها و أكتر واحد كانت بتحبه.
اغــــرورقت عينا آسر بالعبرات من كلمـ.ـا.ت حماه المؤثرة ثم قال و هو بالكاد يتمالك نفسه:
ـــ سلملي على مودة لما تصحى.
ـــ هخليك تكلمها فيديو المرة الجاية ان شاء الله..
ـــ تمام يا عمو في الانتظار… في رعاية الله يا حبيبي..
أغلق المكالمة ثم استند بظهره الى الوسادة و هو يشعر بالضياع و الحـ.ـز.ن الشـ.ـديد… يا الله متى يأني لهذا الحـ.ـز.ن أن يزول!!…
بقي أدهم في غرفته شاردا بحـ.ـز.ن بعدmا أخبر شقيقته بما عرفه عن معتصم …
كان يفكر بريم و كيف سينكـ.ـسر قلبها بعدmا تعلقت به و هامت به الأفكار من هنا لهناك حتى أنه مرت عليه أكثر من ساعة و لم يتذكر حتى أن يطمئن على ندى منذ مجيئه من الخارج.
بعد تفكير طويل استقر أن يتفقد ريم أولا ربما تسوء حالتها النفسية و هي لا ينقصها… فهي أساسا غير متزنة نفسيا منذ تلك الحادثة الأليمة التي تعرضت لها في طفولتها و جعلت أعصابها تتلف من أقل شيئ.
بدل ملابسه لأخرى بيتية ثم خرج من غرفته و سار باتجاه غرفة ريم، ثم طرق الباب عدة مرات و لكنها لا ترد، الأمر الذي أقلقه للغاية، ففتح الباب فورا و دلف ليجدها متمددة على الأريكة الكبيرة بالغرفة و يبدو أنها شاردة للغاية حتى أنها لم تسمع طرقاته.
اقترب منها ثم برك أمامها على ركبتيه ثم أخذ يهزها من كتفها برفق:
ـــ ريم…. مالك يا حبيبتي؟!
نظرت له بملامح ذابلة و تبدو آثار البكاء عليها، فآلمه قلبه للغاية لأجلها فاسترسل بجدية و هو يمسد على شعرها بحنو:
ـــ صدقيني يا حبيبتي ميستاهلش دmعة واحدة من عيونك الحلوين دول.. ارميه ورا ضهرك يا ريم و كأنك معرفتهوش.
بدأت ملامحها تنكمش و كأنها توشك على البكاء ثم تحدثت بنبرة شبه باكية و هي تضع يدها على موضع قلبها:
ـــ قلبي بيوجـ.ـعني أوي يا أدهم… مش قادرة أصدق ان… ان معتصم يبقى كدا…
أطبق جفنيه بغـــضــــب من مجرد ذكر اسمه… ثم سيطر على غـــضــــبه متسائلا بترقب:
ـــ انتي بتحبيه يا ريم؟!
اعتدلت لتجلس فنهض أدهم و جلس بجوارها فسكتت قليلا تفكر ثم رفعت كتفيها لأعلى و هي تقول بذات النبرة الباكية:
ـــ مش عارفه… يعني متكلمناش كتير… و كنت دايما بكلمه بحدود.. بس أكيد كنت معجبة بيه مش هكدب عليك… بس هل حبيته.. مش قادرة أقول اه و مش قادره اقول لأ..
استرسل يسألها بحنو:
ــــ طاب ايه اللي عجبك فيه؟!
سكتت مليا تتذكر بعض المواقف التي مرت بهما سويا ثم حانت منها نصف ابتسامة و هي تقول:
ـــ عجبني فيه شخصيته المختلفة… كان قوي و في نفس الوقت هادي و رزين… شـ.ـديد و في نفس الوقت حنين و رقيق… كنت بشوفك فيه يا أدهم… يعني بشوف فيه السند اللي اعتمد عليه و اللي ممكن ارمي نفسي في النار و مخافش طالما هو معايا.. هو بالنسبالي كان نسخة تانية من أدهم حبيبي.
ـــ اممممم… و ايه تاني اللي عجبك فيه؟!
أطرقت رأسها بخجل ثم نظرت بعينيه و هي تقول بجدية:
ـــ انت عارف اني مش بحب أخبي عليك حاجة.. و بتكلم معاك كأني بتكلم مع نفسي..
هز رأسه عدة مرات و هو يحثها برفق:
ـــ اتكلمي يا ريم متتكسفيش مني.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر ثم قالت:
ـــ أنا أعجبت بشكله كمان…يعني هي مين أصلاً اللي ممكن تشوفه و متعجبش بيه… دا حتى مارتينا صحبتي الصيدلانية اللي عرفتك عليها في فرح حمد امبـ.ـارح… فاكرها؟!
ـــ اه اه فاكرها..
ـــ رغم انها مسيحية بس هي كمان كانت كل يوم تقعد تقولي اشعار في شكله و جـ.ـسمه و شعره و و… كانت بتقولي لو مكنتش مسيحية كنت اتجوزته.. ههه.. قولتلها يجوز تتجوزيه على فكرة… قالتلي هو يستاهل اني أضحي عشانه بكل حاجة بس مش لدرجة اني أضحي بعمري يا حبيبتي… دا أهلي يد.بـ.ـحوني قبل ما اعملها… هههه..
ضحك أدهم ضحكة بسيطة فاسترسلت ريم بجدية:
ـــ يعني ممكن اكون انجذبت لشكله الحلو شوية… او كتير ممكن.. كل حركة بشوفها منه كانت بتشـ.ـدني ليه أكتر… طريقة كلامه… وقفته.. ابتسامته… ضحكته.. كل حاجة فيه حلوة… اه سبحان من صوره يا أدهم.
حانت منه نصف ابتسامة ليقول بسخرية:
ـــ انتي في لحظة كدا نسيتي اللي عمله و عمالة تتغزلي فيه و كأنك ما صدقتي اني أسألك عنه.
تنهدت بعمق ثم قالت:
ـــ أنا بس بفضفض معاك.. يمكن اهدى شوية و انسى الو.جـ.ـع اللي جوايا.
قبض على كفها المستقر بجوارها ثم قال بجدية تامة:
ـــ انتي عارفة يا ريم؟!… ساعات الجمال بيبقى لعنة على صاحبه..و فتنة للي حواليه.. يعني سيدنا يوسف عليه السلام جمال خلقته خلى زوجة العزيز تفتتن بيه و كانت سبب في دخوله السـ.ـجـ.ـن كام سنة لحد ما ربنا أذن بخروجه.. يعني لو مكانش جميل مكانش اتعرض للكرب دا.. و معتصم شكله هو اللي خلى واحدة زي الست اللي اتجوزها دي انها تعرض نفسها عليه مقابل انها تأسسله شركة ضخمة زي اللي بيديرها حاليا… يعني انا مش ببررله بس طبعا كان عرض لا يقاوم..
اتسعت عيني ريم بصدmة لتسأله باستنكار:
ـــ هي اللي طلبته للجواز؟!.. انت قصدك انها اشترته بفلوسها؟!.. يعني معتصم باع نفسه ليها!!.. معتصم!!
رفع كتفيه لأعلى و هو يقول:
ـــ مش بقولك الجمال احيانا بيبقى لعنة لصاحبه.
تنهد بعمق ثم استرسل بجدية و حنو في آن واحد:
ـــ عايزك تنسيه و تلتفتي لشغلك و مستقبلك… و صدقيني يا ريم لو كان ليكي نصيب فيه لو الناس كلها اجتمعت عشان ميكونش ليكي.. هيكون لو مهما حصل.. انتي مش صغيرة و فاهمة اللي بقوله كويس.
ردت بنبرة حزينة:
ـــ متقلقش يا أدهم…هو أصلا نزل من نظري بعد ما كان حاجة كبيرة اوي في عنيا… و اللي حصل دا درس اتعلمت منه ان الشكل مش كل حاجة… و ان الجمال جمال الروح.
مسد على شعرها و هو يبتسم لها بفخر و يقول:
ـــ و هي دي ريم بـ.ـنتي اللي ربيتها و فخور انها اختي.
ابتسمت له ثم احتضنته بحب أخوي و هي تغتصب ابتسامة على شفتيها لعلها تخرج من حالة الاكتئاب التي أصابتها..
خرج من عندها و هو يشعر بالارتياح قليلا متمنيا في نفسه أن تتخطى تلك الأزمة بأقصى سرعة، ثم سار باتجاه حبيبته الثانية ليطرق باب غرفتها فسمعها تأذن له بالدخول، ففتح الباب ليجدها تجلس بمنتصف الفراش و تنظر له بعتاب، فدلف الغرفة مغلقا الباب خلفه ثم وقف أمامها يتأمل ملامحها الغاضبة و حركة صدرها السريعة ليقول من مكانه:
ـــ أنا عارف انك زعلانة مني عشان مسألتش عليكي النهاردة ولا شوفتك… بس لو عرفتي انا كنت مشغول قد ايه هتعذريني..
سار نحوها و لكنها استوقفته سريعا لينظر لها بعتاب، فأسرعت باستخراج كمامة مغلفة من أسفل الوسادة ثم أعطتها له و هي تقول:
ـــ عشان خاطري متقربش مني غير لما تلبس الكمامة الأول.
تنهد بنفاذ صبر ثم أخذها منها و ارتداها ثم سار نحوها حتى جلس بجوارها بالفراش و التقط كفيها يحتضنهما بين كفيه و ينظر لها بهيام:
ـــ عاملة ايه النهاردة؟!…في تحسن يعني؟!
ـــ الحمد لله أحسن كتير.
ـــ أومال لسة بتنهجي ليه؟
ـــ متقلقش يا أدهم النهجان دا طبيعي… هياخد فترة كدا و هيعدي ان شاء الله.
هز رأسه عدة مرات و هو يتأملها بعشق، فقد افتقدها كثيراً، الأمر الذي أثار خجلها من نظراته المصوبة عليها تماما… فهي لا ترى سوى عينيه بسبب تلك الكمامة، و لكنها حمحمت بتـ.ـو.تر ثم سألته لتتهرب من نظراته:
ـــ احم.. قولي بقى ايه اللي كان شاغلك؟!
تنهد بحـ.ـز.ن ثم قال:
ـــ قابلت معتصم النهاردة.
سألته بحماس:
ـــ أكيد طبعاً بلغته موافقتك.
هز رأسه بنفي ثم قال بشجن:
ـــ كان نفسي أوافق خاصة لما حسيت ان ريم مبسوطة بيه و بتحبه… بس للأسف عرفت انه متجوز من فترة و مخبي.. و لولا اني كلفت حد يجيبلي اخبـ.ـاره مكنتش عرفت.
حـ.ـز.نت ندى كثيراً لأجل ريم ثم قالت بخيبة أمل:
ـــ أوف ليه كدا بس… دي ريم كانت فرحانة اوي و كلمتني و هي هناك حسيتها طايرة من الفرحة…ليه يخبي عليها حاجة مهمة زي دي.
ـــ مفيش نصيب.. الحمدلله اننا عرفنا بدري قبل ما كانت تتعلق بيه أكتر من كدا… ساعتها الصدmة كانت هتكون شـ.ـديدة.
ـــ قدر الله و ما شاء فعل.
سكتا قليلا بشرود ثم عاد أدهم ينظر لها بهيام:
ـــ المهم عايزك تخفي بسرعة بقى عشان محضرلك مفاجأة..
ـــ مفاجأة ايه؟… قول دلوقتي..
ضحك و هو يقول:
ـــ و دي هتبقى مفاجأة ازاي؟… و بعدين مفاجأتي عايزاكي تبقي كويسة و صحتك بمب.
تبسمت ضاحكة و هي تقول:
ـــ شوقتني يا أدهم قول بقى.
ـــ تؤتؤ… مش هقول دلوقتي.. متحاوليش… أخدتي علاجك؟!
ـــ أيوة أخدته.
ـــ طيب نامي بقى عشان ترتاحي و تخفي بسرعة.
تزمرت ملامحها بضيق و هي تقول:
ـــ أوف انا زهقت من النوم و الحبسة في القوضة.
ضحك و هو يقرصها من وجنتها:
ـــ لاحظي ان معداش غير يومين من الاسبوعين… خلي نفسك طويل يا روحي.
هزت رأسها و هي تتنهد بقلة حيلة، فعدل الوسادة خلفها ثم ساعدها على الاستلقاء و دثرها جيدا بغطاء خفيف ثم نظر بعينيها بعشق مخللا أصابعه بين خصلات شعرها الناعمة و هو يقول برقة بالغة:
ــــ تصبحي على خير..
بالكاد خرج صوتها و هي تقول:
ـــ وانت من أهل الخير.
ابتسم لها بسمته الجذابة التى انعكست على عينيه ثم تركها و سار نحو الباب بخطى بطيئة للغاية و كأنه لا يريد تركها و لكن حسنا… فليصبر الى أن تُشفى تماما.
عاد معتصم الى شقته في ساعة متأخرة بحالة يرثى لها، فقد كان شعره أشعث من كثرة عبثه به من فرط غـــضــــبه، و أزرار قميصه العلوية مفتوحة من شـ.ـدة ما جثم على صدره حتى جعل تنفسه بحرية أمرا عسيرا، و چاكت بدلته يمسكه باهمال، و بمجرد ان دلف الشقة ألقى بالچاكت على أقرب كرسي ثم سار الى الغرفة و فتحها ليتفاجئ بنرمين نائمة بالفراش و كأنه قد نسيها تماما، فدلف الغرفة بهدوء و فتح خزانته ليستخرج منها ملابس للنوم ثم خرج بهدوء حتى لا يوقظها ثم اتجه الى غرفة أخرى و أخذ حماما بـ.ـاردا و بدل ملابسه ثم استلقى بفراشه.
شرد قليلا بما حدث في ذلك اليوم الصعب، ثم التقط هاتفه ليفتحه على تلك الصورة الوحيدة التي التقطها لها دون أن تشعر حين كانت تصفق بسعادة في حفل خطبة حمد حين ارتدت ذلك الفستان الأبيض المزرقش بالزهور الحمراء.. كانت رقيقة و بريئة حقا… وجهها يشع ببراءة لم يراها من قبل…
رغم الموقف البغيض الذي اتخذه من شقيقها الا أنه يشعر نحوه بالامتنان أن قام بتربيتها على أحسن ما يكون.
أخذ يتأمل الصورة طويلا و هو يتحسسها بأنامله و كأنها أمامه الآن حتى آلمه قلبه بشـ.ـدة حين خطر بباله أنه من الممكن أن يخسرها للأبد..
أطبق جفنيه بقوة يحاول عدm التفكير في ذلك الأمر و الا تَعِست حياته، ثم فتح عينيه و هو ينوي باصرار عدm الاستسلام بسهولة و أن يفعل ما بوسعه لربما تسمعه و تسامحه.
أما حمد أيضا لم يكن يومه الأول مع زوجته على خير ما يرام، بل أبداً لم يستطع التعامل معها بطبيعته، فمازال متخذا منها موقف بسبب غبائها في ليلتهما الأولى… كان يتعامل معها بصمت تام فقط يطلب الطلب ولا يطيل.
أما صافية فقد استقبلت أمها و أخواتها و هي في حالة من الرعـ.ـب خشية أن ينفلت لسانها بشيئ يغـــضــــبه.
ليس حبا فيه و لكن خــــوفا من بطشه الذي لاقته منه في أول ليلة لهما… تلك البريئة لم تفهم بعد قيمة زوج كحمد… مازالت تعيش بقوقعة أمها المتسلطة.. لم تفهم معنى الزواج ولا عش الزوجية و ما به من أسراره الخاصة… لم تذق طعم الحب بعد.. و لكن هل سيستطيع حمد أن يستخرجها من شرنقة أمها لتتحول الى فراشة حرة تحلق في سماء حياته؟!
نام بجوارها تلك الليلة و لكن دون أن يلتفت لها رغم اشفاقه عليها من تلك السذاجة التي ستجعل مهمته معها عسيرة للغاية.
كانت ليلة سيئة حقا على الجميع…
ريم نامت باكية على أطلال حبها لمعتصم..
معتصم نام و الهاتف مفتوح على صورتها بيديه.. نام بعدmا تألــم قلبه و احترق من شـ.ـدة الألــم..
ندى نامت و قلبها يتحرق شوقا لقرب حبيبها.
أدهم نام و هو يحصي الليالي و الأيام حتى يعترف لها بحبه الذي ينمو بسرعة هائلة بداخله و كأن البعد كان امتحانا قاسيا له ليدرك مدى محبته لها.
آسر نام بعدmا أثارت مكالمة محمد بداخله براكين الأحزان حتى أدmعت عيناه و هو يتذكر حبيبته الراحلة… لوهلة تمنى لو يلحق بها لعله يتخلص من هذا العـ.ـذ.اب.
بينما محمد نام و هو حزينا على ابـ.ـنته التي تخطو نحو حياة جديدة و لا ينفك لسانها عن ذكر آسر حبيب شقيقتها في نومها و يقظتها… يبدو أن القلب يدق و يحن لحبيبه و ان لم يكن بداخل أحشاء صاحبته الحقيقية……
أما حمد نام بصعوبة و هو يفكر هل حقا ستستمر حياته مع صافية على هذا المنوال… يا لها من حياة قاسية حقا.. لا يدري من أشـ.ـدهم قسوة عليها من الآخر هل سيكون هو أم ما عاشته مسبقا في كنف أمها.
↚
استيقظ معتصم قبيل الفجر بنصف ساعة، فكان نومه متقطعا لم يخلو من الكوابيس.
جلس بالفراش قليلا يستجمع نفسه ثم نهض الى المرحاض فتوضأ و عاد ليصلي ركعتين قضاء حاجة تضرع فيهما الى الله بألا يحرمه من ريم و أن يجعل له فيها نصيب.
لم ينقطع دعائه حتى صدح أذان الفجر في الأرجاء فقام بأدائها و جلس يدعو الله مجددا الى أن أشرقت الشمس فنهض و دلف غرفته التي تشاركه فيها نرمين و بمنتهى الحذر التقط بنطال چينز أسود و قميص رصاصي و بليزر أسود كاچوال و أخذ حذائه و جواربه و خرج على أطراف أصابعه حتى لا تستيقظ نرمين و تبدأ معه استجوابا هو في غنى عنه.
عاد الى الغرفة و أخذ حماما سريعا ثم ارتدى ملابسه و مشط شعره و نثر عطره ثم ارتدى حذائه و ساعة اليد و بعدها وقف أمام المرآة يتأمل نفسه قليلا، فأخذ يتحدث اليها بشجن:
ـــ ايه اللي انت عملته في نفسك دا يا معتصم؟!… يا ترى انت كنت صح لما قبلت تتجوز نرمين؟!.. ولا كانت غلطة و انت بتدفع تمنها دلوقتي؟!… أقول ايه؟.. أقول يا ريتني ما كنت قابلت ريم ولا حبيتها؟!.. بس متنكرش ان هي اللي نورت حياتك و خلت فيها روح بعد ما كانت فاضية و بـ.ـاردة و مالهاش طعم… بس يا خسارة أخدت روحي معاها و مشيت..
تنهد بحـ.ـز.ن شـ.ـديد و هو ينظر الى السقف و يضع يديه في جيبي بنطاله لعله يهون من عاصفة الأفكار التي تضـ.ـر.ب رأسه ثم استجمع حاله مرة أخرى و التقط مفتاح سيارته من على الكومود و خرج من الشقة بهدوء ثم استقل سيارته و انطلق في ساعة مبكرة جداً الى الشركة.
بعد حوالي ربع ساعة كان جالسا بغرفة مكتبه بالشركة و الموظفون لم يحضروا بعد، فشغل نفسه في العمل لعله يتناسى ما به من حـ.ـز.ن و كآبة، فأخذ يراجع بعض الملفات و ينظم بعض المواعيد و يفحص العقود و ما الى ذلك حتى بدأت ساعة الحضور و بدأ الموظفون في التوافد على الشركة.
دلفت السكرتيرة ترحب به فطلب منها وجبة خفيفة مع فنجان القهوة خاصته و أخبرها بادخال هشام له فور مجيئه…
بعد نصف ساعة دخل إليه هشام زوج عائشة شقيقته و جلس بالكرسي المقابل له بعدmا ألقى عليه تحية الصباح فتحدث معتصم بجدية و ملامحه عابسة:
ـــ عملت ايه مع موظفين الأمن و الاستقبال؟!
تنهد هشام بضيق ثم قال:
ـــ موظفين الاستقبال اديتهم قرصة ودن مع خصم خمس ايام.
ضـ.ـر.ب سطح المكتب بانفعال:
ـــ يترفدوا يا هشام… انا قولت يغوروا من هنا..
رد هشام بعقلانية:
ـــ صعب يا معتصم نلاقي غيرهم دلوقتي… و بعدين الشباب معذورين انضغط عليهم من شوية مخبرين و هددوهم بتلفيق قضايا مـ.ـخـ.ـد.رات ليهم لو مقالوش على كل اللي يعرفوه عنك و عن نرمين… و نفس الحكاية مع البودي جارد.. بس دول بقى غيرتهم.. الشركة اللي بـ.ـنتعامل معاها بعتتلنا ناس جديدة النهاردة.
زفر معتصم بضيق بالغ، ثم استرسل بجدية:
ـــ هشام انا مش عايز نرمين تعرف اي حاجة عن ريم… ولا حتى اسمها… استسلامها بسهولة لموضوع الطـ.ـلا.ق دا مش مريحني… انت عارف ان الأذية بتجري في دmها و ممكن تنسف أي حد يفكر ياخد منها حاجة… و انت شوفت بنفسك كانت بتعمل ايه مع الشركات المنافسة اثناء المناقصات.. بس كنت سايبها بمزاجي لأنه في الآخر كان بيصب في مصلحة الشركة… انما انها تفكر تأذي ريم فدا اللي مش هسمح بيه أبداً.
لوى شفتيه ببسمة ساخرة و هو يقول:
ـــ و الله لو رجعتلها مش هتفكر حتى تعرف اسمها… نصيحة مني يا معتصم طالما جوازك من ريم بقى صعب.. انساها و كمل حياتك زي ما كانت ماشية مع نرمين… انت كنت مرتاح أكتر قبل ما تقابلها..
تنهد معتصم بعمق و لم يبدي أي ردة فعل، فظن هشام أنه قد اقتنع بكلامه، و لكن هيهات… لقد أقسم أن يفعل ما بوسعه لربما تعود له و لكنه أسرَّ ذلك الأمر لنفسه و لم يبده له.
استيقظت ريم أيضا مبكراً و ترددت كثيراً أتذهب لعملها اليوم أم لا.. فهي ليس لديها طاقة للعمل، و بعد تفكير طويل أقرت أن تذهب لعلها تلهي نفسها عن التفكير في أحداث الأمس..
وصلت المشفى في الوقت ثم ارتدت المعطف الطبي خاصتها و بدأت عملها بعدmا أقرت في قرارة نفسها ألا تفكر بمعتصم أبداً بعد ذلك لا بالخير و لا بالشر… تريد أن تمحي صورته الجميلة من عقلها و كأنها لم تراه من قبل و ان كان ذلك الأمر صعبا و لكنها ستصر على ذلك.
بعد الكشف على بعض الحالات عادت لتأخذ استراحة قصيرة بمكتب الأطباء بقسم الاستقبال و الطوارئ الذي تعمل به ليدخل اليها خالد، فجلس بالاريكة المقابلة لها و تبدو على ملامحه الارهاق:
ـــ صباح الخير يا ريم.
ـــ صباح النور.. ازيك يا خالد.
ـــ بخير الحمد لله… انتي اللي اخبـ.ـارك ايه.
ـــ أنا تمام.
تأملها قليلا باعجاب بالغ ثم حمحم ليتحدث بتردد:
ـــ ريم… احم.. أنا كنت مستني فرصة مناسبة عشان أكلمك في موضوع كدا بس بصراحه مش لاقي أي فرصة… تسمحيلي نتكلم دلوقتي بما ان مفيش حد قاعد غيرنا؟!
ردت بعفوية:
ـــ اه اه طبعاً انا سامعاك..
حمحم ثم استرسل بجدية تامة:
ـــ أنا معجب بيكي و عايز أتقدmلك و اطلبك للجواز.
تجمدت ملامحها بصدmة، فلم تتوقع ذلك أبداً منه، لم تشعر ناحيته سوى بأنه زميل فقط و حتى لم تلحظ اعجابه بها، و حين طال سكوتها، تجهمت ملامحه بحـ.ـز.ن ليقول:
ـــ واضح ان طلبي مرفوض..
عادت لتستجمع حالها ثم ابتلعت ريقها و هي تقول بتـ.ـو.تر:
ـــ لا أبداً أنا… أنا بس اتفاجئت..
حانت منه نصف ابتسامة:
ـــ الحقيقية أنا مش معجب بيكي بس… لا دا أنا بحبك يا ريم… بحبك من أيام ما كنا مع بعض في الكلية بس مكانش ينفع اتكلم معاكي في اي حاجة و احنا لسة بندرس خاصة اني كنت حاسس و ما زلت انه حب من طرف واحد… بس اتمنى تفكري مع نفسك و تحاولي تغيري نظرتك ليا كزميل مهنة و تشوفيني خالد اللي بيحبك و بيتمناكي من زمان أوي.
تـ.ـو.ترت حالتها للغاية و لم تدري بما يجب عليها أن ترد الآن، لقد وضعها في مأزق صعب… كيف ذلك و قلبها مازال متعلقا بآخر… و لكن لا.. فقد قررت نسيانه للأبد، و يبدو أن ما حدث من خالد الآن ما هو الا اختبـ.ـار لها أتكون صادقة مع نفسها أم أن قراراتها ستكون هباءا منثورا.
لمس خالد تـ.ـو.ترها الشـ.ـديد فأراد أن يقلل من وطأة ارتباكها، فنهض و استأذن منها بالخروج قائلا:
ـــ أنا هخرج دلوقتي اكمل شغلي و انتي فكري و اتكلمي مع عيلتك و هستنى رأيك… و أيا كان هو ايه مش هيقلل من حبي و احترامي ليكي يا ريم.
هزت رأسها عدة مرات بـ.ـارتباك و هي تتحاشى النظر بعينيه الى أن خرج من الغرفة فتنفست الصعداء و تشوش تفكيرها أكثر… و لكنها آثرت عدm التفكير في أي أمر الآن و لتتحدث مع أدهم لاحقا… فهو أكثر من يعلم خباياها و أكثر شخص سيساعدها في تخطي أمور كهذه.
عودة لشركة معتصم..
حين ثقل عليه حمل العمل أخذ يدلك جانبي جبهته بأصابعه لعله يستعيد تركيزه و يشعر بالارتخاء قليلا..
و اذا به يفتح هاتفه ليأتي بصورتها و يتأملها بروح معـ.ـذ.بة و لكن يكفيه النظر لملامحها التي يعشقها، فهي كفيلة بأن تنسيه همومه و لو قليلا..
بدون سابق تخطيط منه وجد نفسه يرسل لها رسالة عبر الواتساب كتب فيها
“عمري ما نـ.ـد.مت في حياتي على حاجة عملتها قد نـ.ـد.مي على جوازي من غيرك… بس و الله العظيم لو كنت اعرف اني هحبك ما كنت اتجوزت قبلك أبداً.. انا عارف اني غلطت اني خبيت عليكي من الأول بس كنت خايف تكرهيني و تبعدي عني.. عايزك تسمعيني لو مرة واحدة بس و بعدين قرري.. و أيا كان قرارك هقبله يا ريم مهما كان”
تردد كثيراً أيرسل لها تلك الرسالة أم يمحوها، و بعد تردد كبير قام بلمس أيقونة الارسال ثم وضع الهاتف على سطح المكتب و هو يزفر بعنف… فهو أبداً لم يكن لَزِجا و لم يحدث من قبل أن توسل لفتاة.. و لكنها ليست أي فتاة… لأجلها يفعل المستحيل.
في تلك الأثناء تماما دلفت اليه نرمين و ألقت عليه تحية الصباح و سارت باتجاه مكتبه لتجلس أمامه و تضع ساقا فوق الأخرى ثم تحدثت بدلال:
ـــ مالك يا حبيبي قاعد زعلان كدا ليه؟!.. هي العروسة قافشة عليك ولا ايه؟
ضـ.ـر.ب سطح المكتب بقبضة يده بعصبية ليصيح بانفعال:
ـــ الزمي حدودك و مسمعكيش تتكلمي عنها تاني..مفهوم؟!
لم تعير كلامه اهتماما و استرسلت بمزيد من الاستفزاز:
ـــ ليه؟!..مش ناوي تعرفني عليها؟!..ولا هتستنى بقى ليوم الخطوبة؟…امممم..طاب اسمها ايه؟!..مش معقول كمان مش هتقولي على اسمها.
كان يستمع اليها و هو يحاول السيطرة على تلف أعصابه، فهو يدرك جيدا أنها تريد الوصول الى ذلك، فأجابها ببرود:
ـــ متقلقيش هت عـ.ـر.فيها قريب… قريب أوي كمان.
هزت رأسها و هي تحاول كبت غـ.ـيظها بصعوبة فاسترسلت حديثها و لكن تلك المرة بجدية:
ـــ أنا بعت هدومي و حاجاتي على الفيلا الصبح قبل ما اجي الشركة… تقدر تنام في قوضتك براحتك.
هز رأسه بايجاب دون أن يتكلم، فسكتت قليلا ثم نظرت اليه مجددا و هي تقول باستعطاف:
ـــ أنا هعتبر ان طـ.ـلا.قنا دا مجرد هدنة ليك عشان تفكر اذا كنت فعلا واثق من قرارك دا ولا لأ… و أنا زي ما قولتلك هفضل احبك مهما حصل و باب قلبي مفتوحلك في أي وقت.. مهما حصل يا معتصم مش هلومك ابدا لو حبيت ترجعلي و هفتحلك دراعاتي و مش هسألك رجعت ليه.. صدقني.. مش هتلاقي حد يحبك قدي.
تنهد معتصم و هو ينظر للجهة الأخرى ثم عاد ينظر اليها ليقول بجدية تتخللها نبرة سخرية:
ـــ تمام…و أنا طبعا مش هنسالك وقفتك جنبي.. و مقدر قد ايه انتي بتحبيني… بس زي ما قولتي اديني هدنة و سيبيني أجرب.. يمكن اكون غلطان فعلاً… بس من هنا لحد ما أعرف غلطي يا ريت تحاولي تفتكري دايما ان احنا مجرد شركا و بس… اتفقنا يا نرمين؟!
أصابتها حالة من الاحباط و لكنها على أية حال أومأت بموافقة ثم استأذنت منه بالخروج..
زفر أنفاسه بعنف فقد استطاعت اتلاف أعصابه للغاية و هو بالكاد يسيطر عليها.
تفقد هاتفه ليرى اذا ما كانت ريم قد رأت رسالته، فوجد أنها قرأتها و لكن لم ترد، فاغتاظ كثيرا و تلفت أعصابه أكثر و بدون وعي منه وجد نفسه يتصل بها…
على الناحية الأخرى بعدmا قرأت رسالته شعرت بالبغض الشـ.ـديد تجاهه و لم تهتز مشاعرها نحوه قيد أنملة بل ازداد سخطها عليه أكثر و اعادت الهاتف الى جيب معطفها مرة أخرى و تابعت طريقها نحو غرفة سكن الطبيبات.
بعد دقائق رن هاتفها برقمه فقررت أن ترد عليه الرد الأخير و الذي ستنهي به على ما تبقى بينهما….
ـــ ألو… ريم اظن انتي شوفتي رسالتي.. يعني مجاش على بالك تردي عليا؟!
أجابته ببرود تام:
ـــ معادش فيه بينا كلام يتقال..
أجابها باصرار:
ـــ لأ في..لازم تسمعيني..لازم نتقابل و تفهمي كل حاجة و بعدها قرري.
ردت بنبرة مو.جـ.ـعة:
ـــ صدقني مش هتفرق كتير…قراري مش هيتغير..
ـــ بس على الأقل متسبينيش و أنا صغير في نظرك.
أجابته و هي تشعر بوخذات أليمة بقلبها:
ـــ صغير او كبير..مفيش بينا حاجة تستاهل اللي انت بتعمله دا كله..
اجابها بانفعال:
ـــ لا في يا ريم… في بينا حب يستاهل أعافر عشانه.. انا بحبك و انتي بتحبيني و…
قاطعته بقولها:
ـــ لحظة كدا… انا امتى قولتلك اني بحبك؟!
سكت و كأنها سكبت دلوا من الثلج على رأسه و لكن سرعان ما عاد ليقول بنبرة أليمة:
ـــ مقولتيش بس حسيت منك كدا.. شوفتها في عنيكي.. في كلامك.. في ابتسامتك.. يعني اكيد احساسي مش غلط.
ردت بسخرية:
ـــ لا تقريبا كدا انت محتاج تكشف على نظرك.. مش معنى اني وافقت اننا نرتبط يبقى انا حبيتك.. بدليل اني اتخطيتك و هتخطب لواحد تاني عادي جدا.
سكت معتصم مصدوما مما تقوله و علت وتيرة تنفسه للغاية من فرط الصدmة، فاسترسلت ريم بمزيد من الضغط و كأنها تضـ.ـر.به بقبضتيها على جـ.ـر.ح عميق في قلبه ينزف بضراوة حتى كاد أن يودي بحياته:
ـــ يا ريت بقى تنسى انك عرفتني و متحاولش تتصل بيا تاني لاني هكون ملك واحد تاني يا معتصم بيه.
أغلقت الخط ثم بدأ صدرها يعلو و يهبط بشـ.ـدة و عبراتها تهطل بغزارة من عينيها، لا تدري كيف خطر ببالها أن تنتقم منه بهذه الطريقة و تخبره بأمر خطبتها لغيره و لو بالكذب؟!
و حين علت وتيرة تنفسها و زاد ارتجاف جسدها احتضنته بذراعيها ربما تنتظم أنفاسها و لكن هيهات…انها تحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى..انها تريده أمامها الآن ليحتضنها و ينتشلها من تلك الحالة التي أزهقت روحها…رباه ماذا فعلت بنفسها؟!…انها تعـ.ـا.قب نفسها أكثر مما تعـ.ـا.قبه…
حمدت الله أنها الآن بغرفة السكن بمفردها و الا كانت الأعين ستنظر اليها بالفضول..
بقيت قرابة النصف ساعة تحتضن جسدها و تحاول تهدئة نفسها الى أن غفت بمكانها على الكرسي دون أن تشعر..
بينما معتصم هامت به الدنيا حتى شعر بالاختناق، فنهض ليخلع سترته ثم فك أزرار قميصه العلوية ربما يستطيع التنفس بعدmا خـ.ـنـ.ـقته بكلمـ.ـا.تها القاسية و غرست سكينا ملتهبا في عمق قلبه…
مساءا عاد آسر الي منزله و تناول العشاء مع والده ثم دلف غرفته ليأخذ قسطا من الراحة، فخطر بباله أن يتصل بعمه محمد ليطمئن على موده كما وعده أمس،
و لحسن الحظ كانت مودة في ذلك الوقت مستيقظة و حين أتى محمد اتصال آسر انفرجت أساريره و راح يقول لابـ.ـنته:
ـــ اهو يا ستي آسر بيتصل على السيرة… انا هكلمه كلمتين و بعدين هديكي الفون تكلميه فيديو.. تمام؟!
ردت بصوت مجهد قليلا:
ـــ تمام يا بابا.
فتح المكالمة ليظهر أمامه آسر على شاشة الهاتف فابتسم محمد بحبور:
ـــ و الله فيك الخير يابني.. مخلفتش بوعدك.
ضحك آسر:
ـــ مقدرش أخلف وعدي معاك يا عمو… عامل ايه يا حبيبي و صحتك اخبـ.ـارها ايه؟!
ـــ و الله يابني أنا كويس طول ما انتو كويسين.
ـــ و ميري أخبـ.ـارها ايه؟!
سكت محمد و هو يبتلع ريقه فقد أخطأ في ذكر اسم مودة، ليحمحم مصححا له:
ـــ مودة بخير يا حبيبي… عايزة تكلمك..
حمحم آسر بحرج بعدmا أدرك خطأه و دعى بألا تلحظ مودة ذلك، فالتقطت الهاتف لتظهر أمام آسر بوجه مستدير تغطي شعرها بغطاء طبي أزرق مظهرا رقبتها الطويلة البيضاء و ترتدي أيضاً مريلة طبية زرقاء، فاخذ آسر يتأملها بتعحب.. انه يراها و كأنه يرى ميريهان أمامه، فدق قلبه بعنف و أخذ يبتلع ريقه بتـ.ـو.تر من تلك الحالة الغريبة التي انتابته، و لم يكن حالها أقل منه، بل أيضا دق قلبها بشـ.ـدة حين تمثلت صورته أمامها و كأنها تراه لأول مرة، اختلفت نظرتها له كثيرا، فأخرجته من تلك الحالة بصوتها الرقيق:
ـــ ازيك يا آسر عامل ايه؟!
عاد لوعيه حينها ليرد عليها بابتسامة صافية:
ـــ انا تمام يا مير… يا مودة بخير الحمد لله.. انتي اللي عاملة ايه؟!
ابتسمت له برقة فاختطفت قلبه ببسمتها:
ـــ انا الحمد لله بقيت كويسة..
زادت بسمته اتساعا ليقول و الدهشة بادية على وجهه:
ـــ سبحان الله كأني شايف ميري قدامي دلوقتي..
ضحكت ضحكة بسيطة لتقول:
ـــ ما هي ميري اصلا فيها شبه كبير مني.. بس انت اللي مكنتش واخد بالك..
رفع كتفيه لأعلى:
ـــ يمكن.. بس أول مرة فعلا أحسن انها شبهك اوي كدا..
تحولت ملامحها بحـ.ـز.ن لتسأله بترقب:
ـــ هي عاملة ايه يا آسر… تفتكر ممكن تعدي من الغيبوبة دي؟!
احتلت الصدmة ملامحه فلم يخبره ابيها بما قاله لها بالضبط، فتدخل محمد سريعا يقاطعهما:
ـــ بقولك ايه يا آسر يا حبيبي.. أنا هروح اشوف الدكتور رؤف و هرجعلك تاني.. سلام يا حبيبي..
ـــ تمام يا عمو مع السلامة… في رعاية الله.
تنفس آسر الصعداء و حاول لملمة شتات نفسه بعدmا اخطأ في نطق اسمها و ارتباكه حين سألته عنها، و حالة التشوش التي انتابته حين رآها و كأنه رأى حبيبته… حقا لا يدري ماذا حل به.. و لكنه لا ينكر أن رؤيتها هونت من حـ.ـز.نه على ميريهان و كأنها حية و تعيش بدنياه..
بينما محمد غادر من أمام مودة سريعا قبل أن تستجوبه بخصوص شقيقتها، و اتجه الى مكتب الدكتور رؤف…
ـــ انت فعلا كان عندك حق يا رؤف… مكالمة مودة مع آسر خلتها واحدة تانية خالص.. و صوتها فجأة بقى طبيعي بعد ما كان علطول تعبان.
ابتسم رؤف بسعادة ليقول بجدية:
ـــ يبقى توقعي طلع صحيح… رغم ان الدراسات و الابحاث اللي اتعملت على مرضى زراعة القلب اثبتت ان القلب المزروع مالهوش علاقة بالمشاعر بس مرضى كتير حكوا تجربتهم ان فعلا مشاعرهم و طباعهم اتغيرت بنسبة ما بعد الزرع.. و بقى بيحبوا حاجات مكنوش بيحبوها قبل الزرع و دا بيرجع لقلب المتبرع و حبه و كرهه للحاجات دي..
أخذ محمد يهز رأسه بتعحب و هو يقول:
ـــ سبحان الله… له في خلقه شؤون.
استند رؤف بذراعيه الى سطح المكتب ليقترب برأسه من محمد ثم قال:
ـــ أنا رأيي انها ترجع مصر بقى و التواصل بينها و بين آسر يزيد.. دا هيحسن نفسيتها جدا و هنضمن ان العملية نجحت بنسبة مية في المية.
تنهد محمد بقلق:
ـــ لو شوفتهم و هما بيتكلمو مع بعض من شوية هتحس فعلا انهم اتنين حبيبة … بس آسر بطبيعته شخصية عاطفية و رومانسي و أسلوبه كدا في الكلام…دا العادي بتاعه… يعني خايف مـ.ـيـ.ـتقبلش ان مودة تحل محل ميري في قلبه.. مش عارف اعمل ايه..
ـــ دي مهمتك بقى يا محمد… حاول تخترع حجج عشان يقربوا من بعض و اديله انطباع انك مش ممانع ارتباطهم و ان ميري مش عائق بينهم أبداً.
أومأ عدة مرات و هو يفكر بشرود، فانفجر رؤف في الضحك فجأة ليرمقه باستنكار و هو يسأله:
ـــ ايه يا رؤف؟!.. بتضحك على ايه؟!
رد و هو يضحك:
ـــ يا أخي انت خلتني اسيب الطب و اشتغل خاطبة عشان خاطر سيادتك..
ضحك محمد على كلامه و هو يهز رأسه بسخرية ثم قال من بين ضحكاته:
ـــ بس يارب نصايحك تيجي بفايدة…
↚
مساءا عادت نرمين من الشركة الى فيلاتها التي تعيش فيها بمفردها مع الخادmة و البستاني..
قامت بركن سيارتها ثم صعدت الى غرفتها و قامت بالاتصال بشقيقها بعدmا أرسل لها رسالة برقم شخص يدعى راغب..
ـــ ألو… ايوة يا نادر.. رقم مين دا اللي انت بعتهولي..
رد عليها ببسمة واثقة:
ـــ دا يا ستي رقم أشطر هاكر في مصر و الشرق الاوسط.. واد داهية مالهوش حل..
قطبت جبينها باستغراب:
ـــ هاكر؟!.. و دا هعمل بيه ايه؟!
رد ببسمة ماكرة:
ـــ هقولك بس ركزي معايا كويس أوي……………
استمرت المكالمة بينهما قرابة الساعة يشرح لها خطته اللئيمة و هي تستمع له بانبهار، فتلك الخطة سوف تقضي على العلاقة بين معتصم و حبيبته تماما دون أن يشعر بأن لها يد في ذلك..
بمجرد أن أنهت المكالمة معه لم تكذب خبرا و بدلت ملابسها فورا و اتصلت بالمدعو راغب و عرفته بنفسها و أخبرته أنها تريد مقابلته الآن، فرحب بذلك و أرسل لها مكانه عبر رسالة على الواتساب.
قادت سيارتها قرابة النصف ساعة حتى وصلت الى مركز لصيانة المحمول و هو صاحبه، فقط يتخذ منه ستارة يواري بها أعماله المشبوهة في تهكير الهواتف و الحواسب النقالة و غيره و التي تدر عليه أموالا طائلة.
استقبلها راغب استقبالا حارا و جلسا سويا في ركن بالمركز به صالون صغير، فأدار دفة الحديث قائلا بجدية:
ـــ عشان نكون متفقين يا هانم…العملية دي هتكلفك كتير..
ردت بلهفة:
ـــ أنا ميهمنيش الفلوس خالص…اهم حاجة تنفذ اللي انا عايزاه بالحرف و بدون أي غلط..
ـــ من الناحية دي متقلقيش.. حضرتك هتاخدي من ايدي شغل احترافي..
تحمست للغاية و هي تقول:
ـــ تمام يلا نبدأ.
اعطاها ورقة و قلم ثم قال:
ـــ اكتبيلي هنا رقم تليفون الباشا و حساباته على الفيس و الانستا و اكس و كل مواقع السوشيال ميديا اللي مشترك فيها..
بدات تكتب كل ما تتذكره و تعرفه و استعانت بالطبع بهاتفها ثم سالته و هي تكتب:
ـــ على فكرة انا مش عارفة اي حاجة عن البـ.ـنت اللي بيحبها و لا حتى اسمها..
رد بثقة:
ـــ متقلقيش يا هانم..دلوقتي هفتحلك الواتس بتاعه و هتشوفي محادثاته كلها و أكيد طبعاً في بينهم كلام ع الواتس و هقدر اوصلها و أهكر الواتس بتاعها بسهولة.
ازدادت بسمتها اتساعا و هي تفكر بحماس في نجاح تلك الفكرة الشيطانية..
ـــ هاتي تليفونك.
نظرت له بشك:
ـــ ليه؟!
ـــ هفتحلك الواتس بتاعه من تليفونك عشان تتعاملي براحتك في اي مكان و تبعتي الرسايل اللي انتي عايزاها من رقمه كأنه هو اللي بيبعتها.
ابتلعت ريقها بقلق لتسأله:
ـــ طاب هو كدا مش هيكشفني ولا هياخد باله؟!
ـــ لا ما أنا هعلمك ازاي تبعتي من غير ما يكتشف ان في حد بيبعت من رقمه غيره.
اومأت و هي تعطيه الهاتف بعدmا فتحته له، فأخذه منها ثم أخذ يعبث به حوالي عشر دقائق حتى تمكن من فتح تطبيق الواتساب الخاص بمعتصم من هاتفها، فاتسعت عينيها بدهشة بالغة و هي ترى محادثاته كلها أمام عينيها على هاتفها و كادت أن تطير من السعادة لنجاح اولى خطوات خطتها، فأخذت الهاتف و تفقدت المحادثات الواحدة تلو الأخرى حتى فتحت محادثته مع ريم و قرأت آخر رسالة منه لها و التي كتب فيها:
” عمري ما نـ.ـد.مت في حياتي على حاجة عملتها قد نـ.ـد.مي على جوازي من غيرك… بس و الله العظيم لو كنت اعرف اني هحبك ما كنت اتجوزت قبلك أبداً.. انا عارف اني غلطت اني خبيت عليكي من الأول بس كنت خايف تكرهيني و تبعدي عني.. عايزك تسمعيني لو مرة واحدة بس و بعدين قرري.. و أيا كان قرارك هقبله يا ريم مهما كان”
حين قرأت تلك الرسالة انتفخت أوداجها بغـــضــــب بالغ بسبب تقريره بنـ.ـد.مه على زواجه بها و لكن ما هون عليها الأمر قليلا أن بدا من محتواها أنها ترفضه، فحانت منها نصف ابتسامة و هي تقول بسخرية:
ـــ غـ.ـبـ.ـية..في واحدة عاقلة ترفض عصومي!
رد عليها راغب باستغراب:
ـــ نعم؟!
ـــ ها؟!.. لا دا انا بتكلم مع نفسي.. بجد ميرسي اوي يا راغب.. بص كدا.. دا رقم البـ.ـنت اللي بيحبها..
أخذ منها الهاتف ثم دون الرقم بورقة، و في خلال عشر دقائق أخرى كان قد فتح الواتس الخاص بريم أيضا، فازدادت بسمة نرمين اتساعا و انبهارا و أحست أنها قد سيطرت عليهما و أنهما أصبحا لعبة بيديها..
استمرت جلستها معه لساعة أخرى يشرح لها كيف يمكنها ارسال الرسائل من ارقامهما من هاتفها دون أن يكتشف ذلك أيا منهما، و في نهاية الجلسة قامت نرمين بتحويل مبلغ هائل لراغب على حسابه البنكي الأمر الذي زاد من حماسته للعمل معها..
نهضت أخيرا لتمد يدها تسلم عليه و هي تقول:
ـــ بجد انت ابهرتني… و طبعا دي مش هتكون اول مقابلة لينا.
ـــ أنا تحت أمرك يا هانم… و احنا مع بعض على التليفون…. بس كل طلب بحسابه..
حانت منها بسمة صفراء و هي تقول:
ـــ اه طبعاً حقك… انت تستاهل تقلك دهب.
هز رأسه و هو يبتسم لها ثم قام بتوصيلها الى حيث صفت سيارتها، فاستقلتها و انطلقت عائدة الى منزلها و هي تشعر بنشوة الانتصار..
فقد معتصم كامل تركيزه في اعماله بعدmا أخبرته ريم بأنها ستخطب لشخص آخر، و أخذت الأفكار تتوالى على رأسه… ترى من يكون؟!.. هل هو أفضل منه؟!.. هل تحبه؟!.. هل يحبها؟!.. هل و هل و ألف هل سألها لنفسه، إلى أن نفذ صبره و ضاقت أنفاسه من فرط التفكير..
بعد وقت طويل من التفكير و عدm التركيز تحدث مع نفسه بصوت عالي:
ـــ لاااا انا هفضل قاعد في مكاني كدا و اقعد اقول يا ترى!!
التقط هاتفه ثم استخرج رقما ما و من ثم قام بالاتصال
به فرد عليه الطرف الآخر ليقول معتصم:
ـــ فريد باشا كنت عايز حضرتك تبعتلي بودي جارد يكون ثقة.. مش شرط يكون طول و عرض و عضلات.. انا عايز واحد عادي هكلفه بحراسة حد عزيز عليا….. تمام يا باشا.. يا ريت تبعته بعربية من عندك و ضيف حسابها عليا… يا ريت دلوقتي لو أمكن… تمام أنا في الانتظار.. مع السلامة.
اغلق الخط ثم عاد يستند الى كرسيه و هو يزفر أنفاسه بضيق و يفكر فيما نوى عليه لعله يرتاح قليلا..
في المساء تناولت ريم وجبة العشاء مع أمها و شقيقها و هي شاردة في مكالمة معتصم و أيضاً طلب خالد الذي جاء في وقت قـ.ـا.تل، لتقرر أن تتحدث مع أدهم ليتناقشا سويا.
ـــ أدهم كنت عايزة أتكلم معاك في موضوع كدا بعد العشا..
اوما و هو يمضغ الطعام بفمه:
ـــ ماشي يا حبيبتي انا تحت أمرك.
ابتسمت له بحب و امتنان و بعدmا انتهوا قامت ريم باعداد الشاي و من ثم قدmته له لتجلس بجواره و أدارت دفة الحديث قائلة:
ـــ في دكتور زميلي أعرفه من أيام الكلية.. بالصدفة قابلته في المستشفى بعد ما نقلت و شغال معايا في قسم الاستقبال… هو أكبر مني بسنتين.. و النهاردة اتكلم معايا و اعترفلي انه بيحبني و عايز يتقدmلي..
سكت أدهم مصدوما من كلام شقيقته، كيف تسأله عن مسألة محسومة كهذه… يبدو أن مشكلة معتصم قد أثرت على نفسيتها ما جعلها تتخطى ذلك بتصرف خاطئ كهذا..
ـــ ايه يا أدهم… انت ساكت ليه؟!
ـــ لا ما انا مستني اشوفك بتتكلمي بجد ولا بتهزري.
ـــ بتكلم بجد طبعاً يا أدهم… هي المواضيع دي فيها هزار؟!
ـــ ماهو دا بالظبط اللي عايز اقولهولك
ـــ بمعنى؟!
ـــ بمعنى انك لسة مفوقتيش من صدmة معتصم و ان تفكيرك في غيره بالسرعة دي يعتبر هذيان من الصدmة.
هزت رأسها بنفي لترد باصرار:
ـــ لا يا أدهم الحكاية مش كدا خالص..
ـــ فهميني الحكاية ايه؟!
ـــ معتصم رمـ.ـيـ.ـته ورا ضهري من اللحظة اللي عرفت فيها حقيقته… معادش فارق معايا.. انا اصلا مشاعري ناحيته كانت هشة بدليل اني اتخطيته بسرعة..
نظر في عمق عينيها ليسألها و هو يضيق جفنيه:
ـــ انتي متأكدة انك اتخطيتيه؟!
سكتت لوهلة ثم سرعان ما أومأت بتأكيد:
ـــ أيوة متأكدة..
ـــ و بالنسبة لزميلك دا… ايه مشاعرك ناحيته؟!
هزت كتفيها لأعلى:
ـــ مفيش مشاعر تقريبا.. بس هو محترم جدا و طول دراستي معاه مشوفتش منه حاجة وحشة دا غير سمعته الطيبة في الكلية و حاليا في المستشفى كمان.
ـــ يعني دا في رأيك كافي لإنك ترتبطي بيه؟!
ردت و هي ترفع كتفيها لأعلى و تهز رأسها بتعجب:
ـــ ايوة طبعاً كفاية… بعد اللي مريت بيه مع معتصم اكتشفت ان أهم حاجة الاحترام و الوضوح.
ـــ و الحب يا ريم؟!
حانت منها بسمة متهكمة لتقول:
ـــ حب؟!… الحب ممكن ييجي بعد الجواز عادي..
رفع حاجبيه بتعجب من رأيها فاسترسلت بجدية تامة:
ـــ يعني انت مثلا أقرب مثال… انت اتجوزت ندى و مكنتش تعرف حتى شكلها ايه؟!.. و مع العشرة واضح انك حبيتها… تنكر؟!
رد بجدية و هو في حالة ذهول من تفكيرها و حوارها بالكلية:
ـــ لا منكرش طبعاً… انا فعلا حبيت ندى بعد الجواز.. بس دي مش قاعدة.
أمسكت كفيه لتضغط عليهما برجاء:
ـــ سيبني أجرب..
ـــ الجواز مينفعش فيه تجارب.. دي حياة كاملة و خطوة لازم تخططيلها كويس و تفكري ألف مرة قبل ما تخطيلها.
ـــ هنتخطب لفترة يا أدهم و اكيد خلال الفترة دي هكون أخدت قراري الصحيح.
ـــ أنا خايف تاخدي الخطوة دي بهدف الانتقام من معتصم.. او عايزة ترديله الضـ.ـر.بة مثلا… ساعتها هتلاقي نفسك بتنتقمي من نفسك مش منه..
ـــ لا لا لا مش كدا خالص يا أدهم… معتصم غلطة و نـ.ـد.مت عليها و خلصنا.. مش بفكر انتقم ولا اي حاجة من اللي في دmاغك دي.
نظر لها مطولا ثم تنهد و هو يقول:
ـــ أتمنى ذلك.
ـــ يعني مقولتش رأيك برضو..
ـــ أقول ايه.. انا شايف انك واخدة قرارك اصلا.. بس مترجعيش تلومي الا نفسك.
ضغطت على كفيه و هي تقول بجدية:
ـــ ان شاء الله مش هيحصل لوم ولا عتاب..
هز رأسه عدة مرات ثم قال:
ـــ ابعتيلي اسمه و عنوانه و كل اللي ت عـ.ـر.فيه عنه في رسالة ع الواتس عشان أسأل عنه..
احتضنته بامتنان و هي تقول:
ـــ ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي.
في مكتب معتصم يجلس أمامه شاب طويل في الثلاثين من عمره أرسله مدير شركة الأمن الذي يتعامل معها معتصم كما طلب منه آنفا..
ـــ أهلاً يا عمر… انا عايزك في مهمة محددة الهدف منها تراقبلي بـ.ـنت أمرها يهمني جدا و في نفس الوقت تحرسها و تحميها من أي أذى ممكن تتعرضله.
أومأ الحارس باحترام، فاسترسل معتصم موضحا أكثر:
ـــ أنا عايزك معاها زي ضلها.. أي حاجة غريبة تشوفها تبلغني بيها فورا.. اي حد يكلمها او تخرج معاه تصوره و تبعتلي الصور ع الواتس.. خط سيرها تبلغني بيه… متقلقش المهمة هتكون سهلة لان هي مالهاش اي علاقات و غالبا من البيت للشغل و من الشغل للبيت..
أومأ و هو يقول:
ـــ أنا تحت أمرك يافنـ.ـد.م.. فهمت اللي حضرتك عايزه.
هز رأسه عدة مرات ثم قال:
ـــ هبعتلك اسمها و مكان شغلها و كل اللي اعرفه عنها في رسالة… بس عايزك تعرفلي بالظبط عنوان بيتها لان دا بقى اللي معرفهوش… هي ساكنة في كومباوند في التجمع الخامس بس معرفش مكان البيت بالظبط… و أهم حاجة مش عايزها تحس انك بتراقبها… مفهوم؟!
أومأ بجدية:
ـــ مفهوم طبعاً يافنـ.ـد.م حضرتك مش محتاج تنبه عليا في حاجة زي دي.
ـــ تمام… مهمتك هتبدأ من بكرة الصبح… هتستناها قدام المستشفى قبل معاد حضور الموظفين عشان تشوفها و تتعرف عليها…
فتح هاتفه على صورتها و أعطاه الهاتف لكي يراها و يعرفها، فتمعن عمر فيها النظر ليطبع صورتها بذاكرته ثم أعاده لمعتصم و هو يقول:
ـــ تمام يافنـ.ـد.م انا كدا حفظت شكلها..
هز رأسه عدة مرات ثم قال:
ـــ لو نفذت أوامري بالحرف و اتبسطت منك هيكون ليك مني مكافأة بخلاف مرتبك من فريد بيه.
اتسعت ابتسامته و هو يقول:
ـــ ان شاء الله يافنـ.ـد.م اكون عند حسن ظن سيادتك.
ـــ ان شاء الله… دا الكارت بتاعي يا ريت تبعتلي رسالة برقمك
أخذ منه الكارت ثم نهض من مكانه و هو يقول:
ـــ أي أوامر تانية يافنـ.ـد.م؟!
نهض معتصم ثم مد يده يسلم عليه ليقول مبتسما:
ـــ متشكر جدا يا عمر… فرصة سعيدة.. مع السلامه..
خرج عمر من المكتب مغلقا الباب خلفه، فعاد معتصم لكرسيه مسترخيا عليه و هو يتنهد بـ.ـارتياح… فعلى الأقل سيعرف ان كانت تتلاعب به أم أنها جادة فيما يخص خطبتها من آخر..
عودة لحمد بمحافظة سوهاج…
لاحظ أن صافية لم تصلي منذ صلى بها ليلة الزفاف، فانتهى من تناول غدائه معها ثم أجلسها بجواره على الأريكة و أدار دفة الحديث قائلا برفق:
ـــ صافية انتي مبتصليش ولا ايه؟!
أطرقت رأسها بخذي و هي تقول:
ـــ لاه.
ـــ ليه؟!.. عندك عذر يعني يمنعك من الصلاة؟!
رفعت رأسها له لترد بعفوية:
ـــ لاه.. بس أمي…
لم تكمل كلامها و أسرعت تكمم فمها بكفها خــــوفا من تحذيره السابق من ذكر سيرة أمها أمامه، فضيق جفنيه بترقب متسائلا:
ـــ ايه؟!.. اوعي تقوليلي ان امك قالتلك متصليش؟!
أسرعت تصحح بعفوية:
ـــ لاه.. اني كنت هجول امي معلمتنيش الصلاة… يعني بصلي اكده كل فين و فين.
هز رأسه بعدm رضا ليقول بنبرة لينة:
ـــ طاب ينفع بنوتة كبيرة زيك كدا متصليش؟!
زمت شفتيها و هي تقول:
ـــ مخبراش…بس بدي اشوف حد بيصلي و اني راح اصلي زييه.
ـــ قصدك حد يشجعك يعني؟!
هزت رأسها بايجاب فابتسم لها و هو يقول:
ـــ و أنا روحت فين؟!.. من النهاردة نشجع بعض و نصلي سوا… تمام؟!
ابتسمت و هي تومئ بموافقة، فشعر بكثير من الارتياح، على الأقل بدأت تستجيب.
ـــ حمد
ـــ اممم..
ـــ عايزة أجولك على حاچة بس سايج عليك النبي مـ.ـا.تزعج عليا.
ـــ قولي متخافيش..
أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر و هي تقول:
ـــ أمي اااااا…..
حثها بقوله:
ـــ كملي.. قالتلك ايه؟!
ـــ سألتني على الجماشة البيضا.
انتفخت اوداجه بغـــضــــب و لكنه كظم غـ.ـيظه و هو يسألها:
ـــ و قولتلها ايه؟!
ردت بعفوية:
ـــ جولتلها انك لجحتها(رمـ.ـيـ.ـتها) في الزبـ.ـا.لة..
ـــ اممم و قالتلك ايه؟!
ـــ زعجت عليا و جالت أبصر شرفك ولا مدري كيف… مفهمتش من كلامها حاچة واصل.
ضحك حمد بملئ فمه و هو يقرص وجنتيها و يقول:
ـــ طفلة يا ربي… و الله طفلة.
انزلت يده بغـــضــــب و هي تقول بضيق:
ـــ لاه اني مش طفلة يا حمد…اني زملاتي اتچوزوا و خلفوا قمان..
سكت مليا يتأمل ملامحها المتذمرة بغـــضــــب طفولي، ثم احتضن كفيها بين كفيه و هو يقول:
ـــ أنا خايف عليكي يا صافية… انتي صغيرة اوي على الجواز و مسؤلياته… انتي اللي قدك لسة بيلعبو و بيتعلموا و بيخرجوا و بيتفسحوا.. لسة بدري على الخطوة دي.
ردت عليه ببراءة و هي تضحك:
ـــ الكلام اللي عتجوله ده بيحصل في الافلام بس يا واد عمي… خيتي كريمة عنديها عشرين سنة و معاها اربع عيال ربنا يخليلها.
ضحك حمد من تلك العقيدة المترسخة في ذهنها كما لقنها والديها و الناس من حولها ثم سألها و هو يرفع حاجبيه بمكر:
ـــ طاب انتي عارفة الناس بتخلف العيال ازاي؟!
اقتربت برأسها من أذنه فقام بدوره بتقريب رأسه منها و هو في حالة من الدهشة ثم تحدثت بهمس و كأن أحدهم سيسمعها:
ـــ اني سألت كريمة خيتي كتير… بس مراضياش تجولي… طوالي تزعج عليا و تجولي اتحشمي يا بت.. هت عـ.ـر.في لما تتچوزي.
رفع حاجبيه و كأنه متفاجئ يسألها بذات الهمس:
ـــ بجد؟!
هزت رأسها بايجاب و هي تقول بثقة هامسة:
ـــ ايوة… زي ما بجولك اكده.
ضحك للمرة التي لم يعرف عددها و هو يجذبها الى حـ.ـضـ.ـنه و يحيطها بذراعيه و يقول بخفوت:
ـــ و الله يا ربي متجوز طفلة.
سمعته لتضـ.ـر.ب صدره بكفها الصغير بتذمر و هي تتمتم بغـــضــــب:
ـــ سمعاك يا واد عمي.
ـــ أي ايدك تقيلة يا طفلة..
أخذت تزيد في ضـ.ـر.به كلما نعتها بتلك الكلمة و هو لا يتوقف عن ترديد تلك الكلمة عنادا لها و لكي يرى غـــضــــبها الطفولي الذي أحبه منها و وجهها المرح الذي يراه لأول مرة.
ترك أدهم شقيقته بتخبطها ثم سار نحو غرفة ندى، و حين دخل الغرفة وجد أمه تجلس معها في انتظاره لتسأله بقلق:
ـــ ايه يا أدهم… ريم كانت عايزاك ليه.. انا سيبتكو تتكلمو براحتكم عشان هي بتضايق لما بتدخل بينكم..
قبل كفها بحب:
ـــ حبيبتي انتي تتدخلي زي ما انتي عايزة…دا انتي الخير و البركة يا ست الكل.
ـــ يابني قول قلقتني.
تنهد بعمق ثم قال:
ـــ مش هتصدقي يا ماما…بتكلمني على واحد زميلها في المستشفى عايز يتقدmلها.
اتسعت عينيها بدهشة:
ـــ نعم؟!..هي اتجننت دي ولا ايه؟!
ـــ و دا بالظبط كان رد فعلي.
ـــ طاب و بعدين…انت عارف انها بتتصرف كدا من صدmتها..و اكيد هي مش واعية للي بتعمله دا..اه يا ريم هتجننيني.
ـــ أنا عارف يا ماما ان تفكيرها في الوقت الحالي مشوش بس للأسف هي مصممة تخوض التجربة…انتي عارفاها عنيدة قد ايه؟..و مبتقتنعش غير لما تنفذ اللي في دmاغها.
ـــ اه انت هتقولي…فاكر لما صممت تستلم شغلها في الصعيد؟!..مع انك كنت هتنقلها في لحظة بس هي صممت و في الآخر مكملتش هناك شهر و رجعت تقول يا ريتني.
هز رأسه بقلة حيلة:
ـــ أنا بحاول مزعلهاش عشان حالتها النفسية مش مظبوطة و بسيبها تجرب بنفسها عشان تتعلم… بس الظاهر اني كنت غلطان… و كان لازم أشـ.ـد عليها شوية..
تدخلت ندى في الحديث قائلة:
ـــ اسمحلي يا أدهم…ريم شخصيتها قوية جدا و في نفس الوقت هشة جدا و اقل حاجة بتدmرها… فخليها تكتشف بنفسها ايه القرار الصح و ايه الغلط ساعتها هتكون مقتنعة أكتر… و في الاول و الاخر دي هتكون مجرد خطوبة.. لو ليهم نصيب في بعض هيكملو.. و العكس صحيح.
هز رأسه عدة مرات ثم قال بجدية:
ـــ انا للأسف مضطر أسايرها المرادي كمان لحد مانشوف آخرتها ايه؟!
ربتت أمه على فخذه تطمئنه:
ـــ خير يا حبيبي ان شاء الله… خير.
توالت الأيام على الأبطال دون جديد يذكر سوى أن عمر يراقب ريم كما أمره معتصم و قد عرف عنوانها تفصيليا و أرسله اليه، كما أنه التقط لها صورا مع خالد أثناء خروجهما من المشفى و أرسلها أيضا الى معتصم..
علم عمر مؤخرا من رجـ.ـال الأمن بقسم الاستقبال أن حفل خطبة خالد و ريم ستقام يوم الخميس المقبل و هو آخر يوم لندى في أيام عزلها بسبب الكورونا.
بالطبع أصابته صدmة بالغة و شعر أن الدنيا تهيم به و أحس بالعجز التام… فحبيبته التي يحلم ليل نهار باقتران اسمها باسمه ستكون ملكا لغيره.
و بالطبع نرمين تلك الأفعى مازالت تراقب محادثات معتصم و رأت محادثته مع عمر و ما يرسله له من صور لريم، الأمر الذي جعلها تكاد تفقد عقلها… ألهذا الحد قد هُوِسَ بها معتصم؟!.. لدرجة أن يراقبها و ينتظر أخبـ.ـارها؟!
كانت ريم تتزين في غرفتها و معها ندى و قد تحسنت كثيراً و لكن لاتزال ترتدي الكمامة، و شقيقتها روان استعدادا لحفل خطبتها على خالد.
و لكن رغم أنه كان من محض اختيارها الا أنها لم تكن سعيدة أبداً، كانت تغتصب الابتسامة على شفتيها… فقد سيطرت صورة معتصم بوسامته و هيبته على عقلها تماما خاصة في هذا اليوم بالذات، و لكن لا مجال للعودة و التراجع.
طرقت وفاء الخادmة الباب لتفتح لها ندى، فاعطتها باقة رائعة من زهور الاورجانزا ثم قالت:
ـــ في واحد جاب البوكيه دا للدكتورة ريم.
التقطته منها و هي تتأمله باعجاب بالغ:
ـــ مت عـ.ـر.فيش مين دا؟!
ـــ لا يا هانم.. تقريباً واحد من عمال المحل..
هزت رأسها بايجاب ثم شكرتها و أغلقت الباب، ثم سارت نحو ريم و أعطتها الباقة:
ـــ ريم حد باعتلك البوكيه دا.
ـــ مين يا ترى؟!
التقطت الباقة ثم لمحت تلك البطاقة الحمراء المدون عليها بعض الكلمـ.ـا.ت فقامت بقرائتها حيث كتب فيها:
“مبـ.ـارك الخطوبة … بتمنالك السعادة من كل قلبي.. و بتمنى انك تكوني مبسوطة بحياتك الجديدة.. بس للأسف عارف انك مش مبسوطة…. معتصم”
حين انتهت من قرائتها بدأت يديها ترتجفان و عينيها تتساقط منها العبرات ثم ضاقت أنفاسها قليلا و علت شهقاتها، فاحتضنتها روان و هي تصيح بها:
ـــ ريم… مالك يا حبيبتي.. اهدي.. اهدي يا ريم.. ايه اللي حصل بس… ندى بسرعة نادي أدهم.
خرجت ندى و هي تركض لتستدعي أدهم لغرفة شقيقته، فدلف الغرفة مذعورا ليصعق بمظهر ريم المذري ليبعد روان عنها و يحتضنها و هو يقول بحنو:
ـــ اهدي.. اهدي يا حبيبتي خلاص انا معاكي.. ايه اللي حصل يا روان؟!
أعطته تلك البطاقة التي قرأتها ريم للتو فأخذها منها ليقرأها، فانتفخت اوداجه بغـــضــــب و هو يسب و يلعن به بخفوت و ألقى بها على مد ذراعه ثم عاد يشـ.ـدد من احتضان أخته المذعورة و هو يتمتم بهمس حاني:
ـــ ريم اسمعيني… لو عايزاني اطلع دلوقتي أنهي كل حاجة و اعتذر لخالد هعمل كدا لو دا هيريحك… انتي قلبك مش معاكي يا ريم… اسمعيني يا حبيبتي متضغطيش على نفسك أكتر من كدا..
بدأت شهقاتها تقل رويدا رويدا الى أن هدأت تماما ثم ابتعدت عن حـ.ـضـ.ـنه و قالت بجدية تامة:
ـــ لا يا أدهم…في الأول و الآخر استحالة هرجعله بعد اللي عمله.. مفيش داعي للي انت بتقوله.. انا بس كانت اعصابي تعبانة شوية فعيطت غـ.ـصـ.ـب عني.. بس الحمد لله انا بقيت أحسن دلوقتي.. هغسل وشي و هظبط الميكاب و اخرج… زمان خالد و عيلته على وصول..
نظر لها مطولا ثم سألها بتوجس:
ـــ متأكدة انك كويسة يا ريم؟!
هزت رأسها و هي تبتسم له حتى لا تثير ريبته و قلقه، فتركها و هو يتوعد في نفسه لمعتصم أن أحـ.ـز.ن شقيقته و أوصلها لتلك الحالة السيئة.
لم يكن أحد سعيدا في ذلك الحفل سوى خالد و عائلته، بينما ريم كانت تتظاهر بالسعادة و أدهم لم يستطع أن يغض الطرف عنها و لو لحظة، فقد كان قلقا عليها للغاية و يشعر بها تماما و ما يموج بقلبها من تخبط.
انتظر أدهم بزوغ شمس اليوم التالي بفارغ الصبر ليلقن ذلك الأرعن درسا نظير فعلته بأخته بالأمس..
من حسن حظ أدهم أن معتصم بات تلك الليلة العصيبة بمكتبه بالشركة، فقد كانت حالته سيئة لدرجة لا تسمح له بمواجهة أي شخص ما.
استقل سيارته في الصباح الباكر ليأخذ طريقه الى شركة معتصم و هو يتوعد له.
وصل الى الشركة و صعد الى الطابق الذي يقطن به مكتبه، فتخطى السكرتيرة و دلف مباشرة اليه دون أن ينبس ببـ.ـنت شفه، و حين انفتح الباب فجأة وقف معتصم ليتفاجئ بمثول أدهم أمامه و شرارات الغـــضــــب تتطاير من عينيه، فأدرك أنه جاء ليحاسبه على فعلته بالأمس..
ـــ مش عيب يا أدهم بيه لما ظابط محترم زي حضرتك يتهجم على واحد في محل عمله..
سار اليه بخطى واسعة حتى أمسكه من تلابيبه و هو يصيح بغـــضــــب:
ـــ هو انت لسة شوفت عيب يا ابن الـ…
نفض معتصم ذراعيه و هو يرد بانفعال:
ـــ احترم نفسك و متشتمش… متنساش انك في مكتبي.
ـــ تصدق خــــوفت يلا…انت عايز ايه بالظبط من اختي… هو انا مش حذرتك متقربش منها يا حـ.ـيو.ان.
رد معتصم و هو يصيح بغـــضــــب:
ـــ قولتلك متشتمش…
ثم تحولت نبرته للبرود و هو يضع يديه في جيبي بنطاله:
ـــ و بعدين حبيت ابـ.ـارك للدكتورة ريم…. مغلطتش يعني.
صاح به بغـــضــــب بالغ:
ـــ و تبـ.ـاركلها بصفتك ايه؟!.. ها؟!.. و بالنسبة للي كتبته على الزفت؟!
رد عليه بنبرة بـ.ـاردة:
ـــ أنا مكتبتش حاجة عيب ولا غلط… انا كتبت الحقيقة.. اه معلش اصل هي دايما كدا الحقيقة بتو.جـ.ـع..
أخذ أدهم يصتك فكيه بتغـ.ـيظ شـ.ـديد، فإنه يذكره بكلمـ.ـا.ته التي قالها له آنفا..
اقترب أدهم برأسه الى رأسه للغاية ثم قال بصوت كالفحيح:
ـــ و غلاوة ريم عندي لو فكرت تقربلها او تضايقها لكون حابسك في تأبيدة يا.. يا معتصم بيه.
رفع حاجبيه و هو يرد عليه بنبرة تمثيلية:
ـــ لا بجد خــــوفتني…
ثم علت نبرته ليقول بانفعال بالغ:
ـــ اسمع يا أدهم باشا…ريم هتفضل حبيبتي لاخر يوم في عمري شئت ام أبيت..و اوعى تفتكر اني خايف منك.. أنا قادر اغلط فيك زي ما بتغلط فيا و اضـ.ـر.بك كمان لو لزم الأمر…بس انا عامل خاطر لريم لأنك اخوها اللي بتحبه و بتحترمه… و لولا ريم بينا لكنت شوفت مني وش ربنا مايوريهولك..
حانت من أدهم بسمة ساخرة ليقول بوعيد:
ـــ هدد براحتك يا سي معتصم… و على جثتي ان ريم تكون ليك..
بالكاد سيطر معتصم على أنفاسه المتسارعة ثم وضع يديه في جيبي بنطاله و هو يقول بنبرة غليظة:
ـــ شرفت يا أدهم بيه.
ألقى عليه أدهم نظرة حارقة ثم تركه و عاد الى سيارته و هو يستشيط غـــضــــبا من ردود فعل معتصم البـ.ـاردة المستفزة، فقرر العودة للمنزل ليرتدي ملابسه الميري ليستكمل عمله على أية حال…
↚
حين خرج أدهم من غرفة مكتبه وقف معتصم ينظر في أثره و صدره يعلو و يهبط و ملامحه منكمشة من فرط الانفعال، فوجد نفسه يطيح بكل ما على سطح المكتب بيده و هو يصـ.ـر.خ بعصبية لعله يفرغ غـــضــــبه في تلك الجمادات، فاستند بكفيه الى حافة المكتب و هو يحاول السيطرة على عصبيته الزائدة.
و بعد ثواني قام باطفاء المكيف ثم فتح نافذة الغرفة الكبيرة على آخرها و التي تطل على الطريق و أخذ ينظر من خلالها في اللاشيئ و هو يستنشق الهواء لعل صدره يتسع بعدmا ضاق لحد الاختناق.
بعدmا هدأ تماما أمسك هاتفه و أتى برقم ريم، ينظر له و نفسه تراوده بأن يتصل بها و يحاول اقناعها مجددا لعله ينجح تلك المرة و لكنه عاد لينهر نفسه و يحدثها:
ـــ ايه يا معتصم اتغيرت اوي… كفاية بعترة في كرامتك لحد كدا.. من امتى و انت بتجري ورا حاجة مش ليك.. كفاية عليك الكام ذكرى اللي عيشتهم معاها و سيبها بقى تعيش حياتها زي ما اختارتها و حافظ على شوية الكرامة اللي باقيينلك.
ألقى بالهاتف على سطح المكتب ثم طلب من السكرتيره أن ترسل عامل لتنظيف المكتب و اعادة ترتيبه.
حاول أن يستعيد تركيزه قدر المستطاع حتى يتمكن من استئناف أعماله، و في خضم انشغاله دخلت اليه نرمين و جلست قبالته بعدmا ألقت عليه التحية.
ترك ما بيده من عمل ثم نظر لها بملامح واجمة في انتظار ما سوف تقوله، فحمحمت لتقول بتـ.ـو.تر و هي تفرك كفيها:
ـــ معتصم… مش هنرجع لبعض بقى؟!
قطب ما بين حاجبيه ناظرا لها باستفهام و كأنه يقول لماذا، فأسرعت ترد موضحة:
ـــ يعني البـ.ـنت اللي انت طلقتني عشانها اتخطبت لواحد تاني خلاص و الموضو…
قاطعها ليسألها بدهشة:
ـــ انتي عرفتي منين انها اتخطبت؟!
ارتبكت و أخذت تحاول اختلاق كذبة لانقاذ نفسها من ذلك المأذق الى أن قالت و هي تبتلع ريقها بتـ.ـو.تر:
ـــ هشام…. هشام قالي… بس أنا اللي ألحيت عليه يعني… مكانش راضي يقولي.. بس انا ذنيت على دmاغه لحد ما قالي.
أخذ ينظر لها بشك، فقد كانت حالتها مثيرة للشك حقا، و لكنه تجاوز ذلك على أية حال ثم قال بجدية:
ـــ مفيش حاجة هتتغير يا نرمين… خلينا كدا أحسن.. أنا كدا مرتاح أكتر.
ـــ بس أنا مش مرتاحة و انا بعيد عنك..
هز كتفيه لأعلى ليقول و هو يزم شفتيه:
ـــ دي مشكلتك انتي مش مشكلتي.. و بعدين ما احنا مع بعض علطول في الشركة و مفيش يوم بيعدي منغير ما اشوفك.
تنهدت بضيق ثم قالت:
ـــ معتصم اظن انا مش محتاجة اشرحلك اقصد ايه ببعدي عنك..
اقترب برأسه من رأسها ليقول و هو يصوب عينيه لعينيها لعلها تفهم أكثر:
ـــ قولتلك مفيش حاجة هتتغير.. و أظن مش محتاج أشرحلك أكتر من كدا.
بادلته النظرة بأخرى ساخطة ثم قالت بنبرة مغتاظة:
ـــ واضح ان لسة عندك أمل انها ترجعلك.
رمقها بنظرة حارقة ليصيح بها بعصبية:
ـــ ميخصكيش… و اتفضلي برا.. وقتك خلص.
نهضت و هي ترمقه بنظرات متوعدة و لكنه لم يهتم بنظراتها، و بمجرّد أن خرجت و أغلقت الباب من خلفها، دار بكرسيه حول نفسه و هو يضـ.ـر.ب المكتب بقبضته و يصـ.ـر.خ بعصبية:
ـــ أنا كنت ناقصك انتي كمان… سيبوني بقى.. عايزين مني اييييه!!…
دفن رأسه بين كفيه و هو يتنفس بسرعة، و بقي على تلك الحالة لفترة طويلة، فلم يستطع البقاء بالشركة أكثر من ذلك و ترك ما أمامه من ملفات و التقط سترته و مفتاح سيارته و غادر الشركة بأكملها الى حيث لا يعلم بعد..
خرجت نرمين من مكتب معتصم و هي تستشيط غـ.ـيظا، فذهبت الى غرفة مكتبها بالطابق العلوي و حين دخلتها أخذت تدور حول نفسها بغـــضــــب و هي تتحدث مع نفسها:
ـــ هي للدرجادي واكلة عقلك يا معتصم… بجد انا مش مصدقة… اه لو أشوفك يا زفتة انتي.. و الله ما اخلي فيكي حتة سليمة.. نفسي اعرف فيكي ايه مش فيا..
استخرجت هاتفها من حقيبتها ثم قامت بالاتصال براغب و بعد قليل اتاها رده لتقول:
ـــ ازيك يا راغب عامل ايه؟!
ـــ تمام يا هانم… ايه الاخبـ.ـار؟!
ـــ لسة مش قادرة اوصل لحاجة… رغم انها اتخطبت لكن لسة بيحبها و منتظر ترجعله و مش عايزنا نرجع لبعض تاني.
ـــ اصبري شوية يا هانم… لسة الجـ.ـر.ح مفتوح.
ـــ اصبر لحد امتى… لحد ما شهور العدة تخلص و يبقى طـ.ـلا.ق رسمي!
سكتت مليا ثم أخذت تقول و هي تعض اناملها من الغـ.ـيظ:
ـــ انا نفسي امسك البت دي اديها علقة مـ.ـو.ت و اشفي غليلي منها
حانت منه بسمة ماكرة و هو يقول:
ـــ سيبي الموضوع دا عليا يا هانم؟!
قطبت جبينها باستغراب:
ـــ قصدك ايه يعني؟… هتضـ.ـر.بها؟!
ـــ لا طبعاً مش هينفع اضـ.ـر.بها انا… بس عندي اللي هيجيبهالك من شعرها قدام عينيكي و اشفي غليلك براحتك… بس كله بحسابه.
هزت رأسها بحماس:
ـــ تمام اوكي حلو اوي… و طبعاً اللي تطلبه انا تحت امرك.
ـــ تمام.. ابعتيلي بس عنوان شغلها و خلي الباقي عليا.
ـــ اوكي..معتصم كان بعت عنوان شغلها للي اسمه عمر دا ع الواتس.. هبعتهولك حالا..
ـــ تمام… و ساعة التنفيذ هكلمك عشان تشوفيها و هي بيتعمل معاها الجلاشة.. سلام يا هانم.
أغلقت المكالمة و هي تبتسم بشمـ.ـا.تة و تمني نفسها برؤية تلك الدخيلة و هي تنزف دmا نظير سرقتها لأغلى ما تملك كما تظن.
أخيراً عادت مودة الى أرض الوطن و تم حجزها بمشفى الدكتور رؤف لاستكمال فترة النقاهة و قد استعادت قدر كبير من عافيتها، و لكنها منذ وطأت قدmاها أرض الوطن لم تنفك عن السؤال عن أختها و رغبتها الشـ.ـديدة في رؤيتها و ان كانت مازالت نائمة في غيبوبتها العميقة، و لكن محمد لم يعد يجد من المبررات ما يمنعها من رؤيتها الى أن نفذ صبره و استدعى آسر الذي وعده بالمرور اليه عقب انتهاء عمله مباشرة..
قبل أن يدخل آسر الى مودة استوقفه محمد ليأخذه الى المقهى الملحق بالمشفى حتى يتحدثان بأريحية أكثر…
ـــ آسر… أنا مش قادر اقول لمودة خبر مـ.ـو.ت أختها.. خايف عليها و في نفس الوقت مش هقدر اشوفها و هي منهارة… عشان كدا انا وكلتك انت للمهمة دي.. انا عارف انها هتكون صعبة عليك.. بس انا متأكد انك هتعرف تهديها أكتر مني.. انا اصلا قلبي مش مستحمل و هنهار قبل منها.
سكت آسر مليا يفكر في طلب حماه، الى أن قال بحـ.ـز.ن:
ـــ كتير عليا اوي يا عمو محمد… انت كدا هتحطني في موقف صعب و مش قادر اتوقع رد فعلي لو مودة انهارت قدامي… هتقلب عليا المواجع و الأحزان.
ربت على كتفه بحب و هو يقول ببسمة واثقة:
ـــ أنا متأكد انك قدها يا آسر… معلش يابني انا عارف اني بتقل عليك…و مش هنسالك الجميل دا أبداً.
تنهد بقلة حيلة ثم هز رأسه بموافقة، فاتسعت بسمة محمد و استرسل قائلا:
ـــ اطلعلها دلوقتي سلم عليها و قولها ع الحقيقة و انا هستناك هنا… مش هقدر اشوفها بعد ما تعرف.
أومأ بموافقة ثم نهض و هو يقول:
ـــ عن اذنك يا عمو…
صعد آسر الى غرفتها و قبل أن يطرق الباب أخذ نفسا عميقا و هو يغمض عينيه استعدادا لهذا الموقف الثقيل، ثم طرق الباب و دلف اليها ليجدها تجلس بمنتصف الفراش و بيدها هاتفها تتصفحه، و بمجرد أن التفتت له تنظر بابتسامتها الجميلة دق قلبه بعنف و كأنه يرى ميريهان أمامه للمرة الثانية، و لم يكن حال مودة بأقل منه، فقد كاد قلبها أن يخرج من مكانه حين طل عليها…
حاول آسر السيطرة على حالة التخبط التي أصابته ثم أخذ نفسا عميقا و تقدm من فراشها و هو يقول برسمية:
ـــ حمد الله على سلامتك يا مودة… نورتي مصر كلها..
ردت برقتها المعهودة:
ـــ الله يسلمك يا آسر.. مصر منورة بأهلها.
جذب كرسي و جلس بجوار فراشها ثم سألها بابتسامة سحرتها:
ـــ ها يا جميلة… عاملة ايه النهاردة؟!
تاهت منها الكلمـ.ـا.ت و هي تتأمله عن قرب و كأنها تراه لأول مرة، لم تكن تلك أبداً نظرتها له سابقا، ماذا تغير اذن… نهرت نفسها أن فكرت في خطيب أختها بتلك الطريقة، ثم ابتلعت ريقها و هي تقول:
ـــ الحمد لله انا بقيت كويسة و نفسي اخرج عشان اشوف ميري.
حمحم آسر بتـ.ـو.تر و هو ينظر للجهة الأخرى يحاول استجماع الكلمـ.ـا.ت التي سيقولها ليخبرها بالحقيقة الى أن قال بجدية:
ـــ هتقدري تقومي من السرير؟!.. تعالي نقعد على الكنبة دي عشان عايز اتكلم معاكي في موضوع كدا.
هزت رأسها بايجاب ثم تزحزحت حتى وصلت الى حافة الفراش ثم أنزلت قدmيها على الأرض، و بمجرد أن وقفت أصابها دوار طفيف و كادت أن تقع و لكن آسر أسرع باسنادها من خصرها، فتـ.ـو.ترت كثيرا من قربه و احمرت وجنتيها خجلا بينما هو تسارعت دقات قلبه أكثر و رغما عنه أخذ نفسا عميقا يستنشق عبيرها، الى أن عاد الى وعيه و قال بتـ.ـو.تر و هو مازال يسندها:
ـــ خلاص خليكي في السرير طالما بتدوخي.
هزت رأسها بنفي:
ـــ لا لا أنا زهقت من رقدة السرير.. اسندني بس لحد الكنبة.
أومأ و هو يبتلع ريقه من فرط الارتباك ثم اسندها الى أن جلسا على الأريكة، فنظر آسر في عينيها ثم قال بجدية:
ـــ مودة انتي عارفة ان ميري حالتها كانت وحشة بسبب الحادثة و انتي كمان ساءت حالتك أكتر و لكي أن تتخيلي باباكي كانت حالته عاملة ايه و هو حاسس ان بناته اللي طلع بيهم من الدنيا خلاص هيروحوا منه… لكن ربنا أراد انه يتكتبلك عمر جديد عشان يخفف عن والدك شوية… بس للأسف ميري… ميري مكملتش و اتوفت.
انكمشت ملامحها بعدm تصديق او ربما عدm استيعاب و أخذت تهز رأسها و الدوع تنهمر من عينيها بغزارة و تهذي بلا وعي:
ـــ لا.. انت بتقول ايه؟!.. المفروض انا اللي كنت امـ.ـو.ت… ميري لأ.. انا.. انا كنت مستنية مـ.ـو.تي انما هي لأ..
أخذت تهذي بتلك الكلمـ.ـا.ت و هي تلوح بيديها هنا و هناك و جسدها ينتفض بعنف من فرط الصدmة، و آسر يحاول تهدئتها ولكن بلا فائدة، فقد خرج الأمر عن سيطرتها.
أخذت تبكي بحسرة بكاء هيستيري و هي تتأوه بصوت عالي و تمسك موضع قلبها و آسر يحاول معها بشتى الطرق، فتارة يقيد يديها و تارة يحيط وجهها بكفيه و يهدئها بالكلمـ.ـا.ت و لكن أيضاً بلا فائدة، الى أن ساءت حالته هو ايضا و كأن عدوى الصدmة انتقلت اليه، فبكى رغما عنه و هو يراقب انفعالاتها بقلب مكلوم.
من فرط صدmتها نهضت من مكانها تحاول السيطرة على نوبة البكاء الهيستري التي أصابتها فنهض آسر سريعا يسندها من كتفيها قبل أن تسقط، فأمسكته من ياقة قميصه و أخذت تهذي و هي تبكي:
ـــ مش هشوفها تاني يا آسر؟!.. ازاي هعيش من غيرها.. ها قولي.. انا عايزة اشوفها..
رد عليها و هو بالكاد يسيطر على أعصابه:
ـــ مودة انتي انسانة مؤمنة و عارفة ان كل واحد لينا له عمر و ساعة… و هي خلاص عمرها خلص.. احمدي ربنا انك لسة عايشة و الا باباكي كان هيجراله حاجة.
ردت و هي مازالت تبكي بهذيان:
ـــ انا كدا كدا همـ.ـو.ت..
لم يتحمل كلمتها و كأنه تخيل فراقها و انشطار قلبه للمرة الثانية، فجذبها الى حـ.ـضـ.ـنه و هو يقول بنبرة شبه باكية:
ـــ لا متقوليش كدا… ان شاء الله هتعيشي كتييير و هتتجوزي و هتخلفي.. الدكتور رؤف قال ان انتي اتحسنتي كتير بعد العملية و تقدري تمارسي حياتك زي اي شخص عادي.
بدأت شهقاتها تقل رويدا رويدا و كأنها عادت لوعيها، فابتعدت عن حـ.ـضـ.ـنه و هي تسبل جفنيها بخجل، فابتسم آسر من بين ملامحه الحزينة ثم استرسل بجدية:
ـــ ميري زمانها مبسوطة دلوقتي انك رجعتي تاني للحياة… و انك هتقدري تعملي كل حاجة كنتي محرومة منها… عشان خاطري يا مودة.. لو ليا عندك خاطر تجمدي قدام باباكي… هو فيه اللي مكفيه و خلاني اقولك انا خبر وفاتها لأنه مش مستحمل يشوفك و انتي منهارة
أخذت تمسح عبراتها من وجنتيها و هي تومئ برأسها، ثم سارت الى الفراش حتى جلست على حافته و لكنها لم تستطع أن توقف عينيها عن زرف العبرات، فتركها آسر تفرغ ما بجعبتها من حـ.ـز.ن و عاد يجلس على كرسيه مرة أخرى و هو يراقبها بحـ.ـز.ن شـ.ـديد.
مساءا عاد أدهم لتوه مع ندى من عند طبيب الصدر التي تتابع زوجته معه منذ أن أصيبت بالكورونا، فتح باب الشقة و الابتسامة الواسعة لم تفارق محياه، فدلفت ندى و دلف خلفها يحيط كتفيها بذراعه ثم سار بها مباشرة الى غرفته تحت دهشتها و استغرابها، فضحك و هو يجرها الى الغرفة و يقول:
ـــ هششش… من النهاردة مفيش اعتراض على اي حاجة… من النهاردة مش هتباتي برا القوضة دي..
ضحكت و هي تقول:
ـــ طاب اصبر بس اخد نفسي و نطمن ماما.
ـــ بعدين بعدين.
سارت معه باستسلام، و لكن استوقفتهما تيسير قبل أن يفتح باب الغرفة و هي تسأل بتفاجؤ:
ـــ ايه دا انتو جيتو امتى؟!
استدارا اليها لينظر لها أدهم باحباط ثم قال بعجلة:
ـــ الدكتور قال انها بقت كويسة الحمد لله.. عن اذنك يا ماما..
قالها و هو يستدير و يضع يده على مقبض الباب فرفعت تيسير حاجبيها باستنكار لتقول بغـــضــــب:
ـــ ما تستنى يبني فهمني الدكتور قال ايه بالظبط؟!
تنهد بنفاذ صبر ثم عاد ينظر لها بضيق يحاول اخفاؤه فقال:
ـــ كويسة يا ماما.. كويسة.. ايه اللي مش مفهوم في كلامي؟!
كممت ندى فمها لتواري ضحكتها التي تكتمها بصعوبة فرمقها بغـ.ـيظ ثم وضع يده على المقبص للمرة الثالثة و هو يقول:
ـــ عن اذنك يا ماما..
ثم فتح الباب و دفعها الى داخل الغرفة و من ثم نظر لأمه و هو يبتسم بسماجة ثم أغلق الباب، كل ذلك تحت نظراتها المتعجبة من تصرفاته الغريبة فانفجرت في الضحك بمجرد أن انغلق الباب ثم أخذت تهز رأسها يمنة و يسارا و ذهبت لغرفتها..
أما بالداخل أخذت ندى تفرك كفيها بتـ.ـو.تر من نظرات أدهم الهائمة فقالت بـ.ـارتباك حتى تهرب من نظراته:
ـــ أنا هروح قوضتي اجيب هدوم ليا عشان اخد شاور و أغير.
استند بجسده على الباب و كأنه يمنعها من الخروج ثم قال بمراوغة:
ـــ انتي ناسية ان ليكي هدوم هنا… و بعدين مش عاجبني حوار قوضتي و قوضتك دا.
رفعت حاجبها و هي ترد بتحدي:
ـــ مش دا كان اختيارك من الأول؟!.. و بعدين في الأساس قوضتي دي كانت قوضتنا اللي المفروض ننام فيها سوا لو تفتكر.
لوى فمه ببسمة معجبة ثم سار نحوها بخطى متمهلة ما زاد من تـ.ـو.ترها أكثر حتى اصبح في مواجهتها تماما و تفصلهما انشات قليلة، فمد يده فك حجابها و ألقاه على الفراش ثم فك عقدة شعرها و سمح لغرتها أن تنسدل على جبينها ثم أخذ يتأملها بهيام و هو يقول بنبرة مبحوحة:
ـــ كنت مغفل.
ابتسمت و هي تطرق رأسها بخجل ثم تهـ.ـر.بت من مرمى عينيه و هي تقول بنبرة مهتزة:
ـــ احم… طاب انا.. انا هدخل اخد شاور..
ثم فرت سريعا من أمامه الى المرحاض الداخلي بالغرفة و تركته يضحك باستمتاع متمتما بخفوت:
ـــ كويس انها نسيت تفتح الدولاب.. ههههه.
بعد ثواني نادته:
ـــ أدهم ناولني بيجامة من الدولاب.. نسيت اخدها.
سكت لوهلة يفكر ماذا سيقول لها الى ان رد:
ـــ اخرجي بالبرنس و طلعي لنفسك.. انا مش هعرف اطلعلك هدوم.
ضـ.ـر.بت الارض بقدmها و هي تقول بغـ.ـيظ:
ـــ مش هينفع… يلا يا أدهم بطل غلاسة.
رد بعناد:
ـــ طاب غلاسة بغلاسة بقى مش جايب حاجة…
أصدرت صوتا مكتوما كناية عن غـ.ـيظها البالغ فضحك بخفوت و هو يقول:
ـــ متخافيش انا هدخل بعدك علطول و مش هخرج من الحمام غير لما تخلصي لبس.
استخرج من الخزانة ملابس له و كانت بادي ابيض كات و بنطال قصير بالكاد يغطي الركبتين من اللون البيچ ثم جلس بحافة الفراش ينتظر خروجها و هو يتحدث مع نفسه بصوت خافت:
ـــ يا رب تكوني عملتي اللي قولتلك عليه يا ريم و اللي فكرت فيه يحصل زي ما انا عايز.
بعد دقائق قليلة خرجت ندى مرتدية برنس الاستحمام، فدلف أدهم خلفها مباشرة دون أن ينبس ببـ.ـنت شفه حتى لا يثير خجلها أكثر و لتكون أكثر استعدادا للحظات القادmة.
فتحت درفتها لتجدها خالية الا من رداء واحد فقط عبـ.ـارة عن هوت شورت قصير جدا جدا و بادي بحمالات بالكاد يغطي الصدر و يظهر البطن، كممت فمها و هي تنظر لهاتين القطعتين بذهول، لقد اشترت مثلها الكثير من الولايات المتحدة و لكن لترتديها أسفل ملابسها او حين تكون بمفردها في غرفتها المغلقة عليها، متى أتت بهما الى تلك الخزانة… حقا لا تتذكر.
ـــ يا ربي هلبس دول قدامه ازاي.. لا دا انا كدا هيغمى عليا من الكسوف.. اووف.
خطرت لها فكرة، فقامت بـ.ـارتداء القطعتين سريعا قبل ان يخرج أدهم ثم فتحت ضرفته و…….
بعد دقائق قليلة خرج من المرحاض ليتفاجئ بها تجلس في شقها من الفراش و ترتدي تي شيرت خاص به و تغطي ساقيها بالغطاء و تنظر له ببسمة مصطنعة تواري بها فعلتها.
تسمر بمكانه ينظر لها بذهول الى أن نطق أخيراً:
ـــ انتي لابسة التيشيرت بتاعي؟!
هزت رأسها و زمت شفتيها:
ـــ ملقتش هدوم ليا في الدولاب.
اتسعت عينيه و هو يحدث نفسه:
ـــ يخربيت غبائك يا ريم انتي نسيتي تسيبلها هدوم!
و لكنه قال بتـ.ـو.تر:
ـــ ملقتيش اي هدوم خالص؟!
ردت بخجل:
ـــ لقيت اندر وير بس و لبست عليهم التيشيرت بتاعك.
أخذ يصتك فكيه بغـ.ـيظ و هو يسب ريم في سره، فذلك لم يكن اتفاقه معها.
ـــ ممكن تخرج بقى تجيبلي بيچامة من قوضتي.
لم يكترث لطلبها و انما ذهب ليجلس بشقه بالفراش بأريحية ثم قال ببرود:
ـــ اللي عايز حاجة يجيبها لنفسه.
ـــ أوفف.. يا أدهم هخرج ازاي بهدومك… افرض ماما ولا ريم شافوني ماشية في الشقة كدا هيقولوا عليا ايه؟!
ـــ خلاص اقلعي هدومي… انا اصلا عايز التيشيرت بتاعي.
نظرت له بتغـ.ـيظ شـ.ـديد أثار استمتاعه و لكنه بادلها بنظرة بـ.ـاردة ليثير استفزازها، فازاحت عنها الغطاء بعصبية فكشف عن ساقيها المثيرتين و لكنها لم تهتم من فرط غـ.ـيظها، فأخذ أدهم يراقبها بابتسامة ماكرة و هو يقول:
ـــ هتخرجي برا كدا؟!
ردت بانفعال طفيف:
ـــ أيوة.
فتحت باب الغرفة ثم أغلقته سريعا و هي تستند اليه من الداخل و هي توشك على البكاء، فضحك أدهم بقهقهة على مظهرها و سألها من بين ضحكاته:
ـــ مروحتيش ليه؟!
ضـ.ـر.بت الأرض بقدmيها و هي تقول:
ـــ ريم قاعدة برا.
قفز من الفراش بحركة رشيقة ثم سار نحوها حتى احتجزها بجسده بينه و بين الباب و استند بكوعه الى الباب من خلفها و اقترب بوجهه من وجهها حتى اختلطت أنفاسهما ثم قال بصوت مبحوح:
ـــ مش مهم خليكي بالتيشيرت… اصلا هياكل منك حتة.. و بعدين مش اول مرة اشوفك بالهوت شورت.
رمشت بأهدابها عدة مرات من فرط الخجل و التـ.ـو.تر من ناحية و من قربه المهلك من ناحية أخرى.
ابتعد قليلا عنها رأفة بخجلها ثم أطبق على كفها و سار بها الى الأريكة أجلسها عليها ثم سحب الكرسي الصغير الخاص بطاولة الزينة و جلس عليه قبالتها تماما بحيث أصبحت ساقيها المضمومة بين ساقيه ثم أمسك كفيها يحتضنهما بين كفيه و بدأ حديثه بنظرة مطولة هائما بملامحها التي عشقها و ذاب بها ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ كنت عايز أسألك في حاجة و أتمنى تفيديني.
أومأت دون أن تنطق فقد أفقدها وضعها المخجل أمامه قدرتها على النطق، فاسترسل حديثه بنبرة مبحوحة:
ـــ لما يكون في حد شاغل تفكيري اوي و بيوحشني دايما حتى و هو معايا.. تفتكري دا يبقى ايه؟!
نظرت له بشبه ابتسامة و كأنها تنتظر أن يقول المزيد، فاسترسل حديثه:
ـــ طاب لما احس ان قلبي هيخرج من مكانه و هو قدامي و مبكونش قادر أشيل عيني من عليه طول ما انا شايفه… تفتكري دا يبقى ايه؟
ازدات بسمتها وضوحا و هي مازالت تتأمله فاسترسل حديثه:
ـــ طاب لما احس اني عايز أقرب منه اوي و أحـ.ـضـ.ـنه و ادخله جوايا…
قال تلك العبـ.ـارة و هو يقف و يوقفها معه ثم جذبها الى صدره و طوق خصرها بذراعيه فقامت بلف ذراعيها حول عنقه، فأحس بانهيار كامل دفاعاته أمامها فتجرأ و رفع التيشيرت حتى نزعه من عليها و لم تقاومه، بل تركت نفسها له يفعل بها ما يشاء، فأخذ يتأملها باعجاب بالغ و هو يقول بهيام مستندا بجبهته الى جبهتها:
ـــ انا شايف قدامي جمال امريكاني محصلش..
ابتسمت و هي تقول بخجل:
ـــ ماهو دا يعتبر الزي الرسمي للبنات هناك.
أغمض عينيه باستمتاع بحالة العشق التي غمرته و أخذ يتمتم بصوت مبحوح:
ـــ مت عـ.ـر.فيش انا مستني اللحظة دي بقالي قد ايه؟!
ابتسمت و هي تشـ.ـدد من عناقه كناية عن مبادلتها له لنفس المشاعر، فاتسعت ابتسامته الهائمة و هو يسألها:
ـــ عرفتي دا يبقى ايه؟!
أومأت برأسها و هي تدفن وجهها في تجويف عنقه، فاسترسل قائلا:
ـــ عايز اسمعك.
ردت بنبرة خافتة:
ـــ بحبك…
انفرجت أساريره بابتسامة واسعة و كاد أن يرد عليها معبرا عن مشاعره تجاهها الا أن رنين الهاتف قطع تلك اللحظات النادرة، ليتأفف أدهم بضجر و هو يبتعد قليلا:
ـــ أوووف… نسيت اقفل التليفون… لحظة واحدة خليكي زي مانتي هقفله و ارجعلك.
هزت رأسها بصمت فتركها على مضض و ذهب الى الكومود حيث وضع الهاتف فتفقده ليجد ان اللواء سامي هو من يهاتفه فلم يستطع تجاهل الأمر، فطالما أنه يتصل بنفسه اذن الأمر لا يحتمل التأجيل..
نظر لها بأسف:
ـــ معلش يا ندى مضطر أرد.
هزت رأسها و هي تقول:
ـــ عادي رد يمكن حاجة مهمة.
فتح الخط ليأتيه صوت اللواء المذعور يقول:
ـــ أدهم لو ندى جنبك ابعد عنها.. مش عايزها تسمع او تحس باللي هقوله.
استأذن من ندى بالخروج متعللا بأن الشبكة سيئة بالغرفة ثم خرج الى الشرفة:
ـــ اتفضل يافنـ.ـد.م انا بعدت عنها.
ـــ مصـ يـ بـةيا أدهم… المافيا قــ,تــلت أنور ابو ندى و اتنين من الحرس اتصابوا و واحد مـ.ـا.ت.
ـــ ايه؟!
↚
تجري على شاطئ البحر و هي تضحك و ضحكاتها تدوي خلفها و هو يركض ضاحكا خلفها لعله يلحقها، و كلما اقترب منها تزيد من سرعتها و هي تصرخ بضحكة عالية الى أن أمسك بها، و من فرط سرعتها وقعت و وقع فوقها، لتواجه عينيه المبتسمة عينيها لا يفصلهما سوى انشا واحدا ليقول بنبرة هائمة سلبت عقلها”بحبك يا ريم”
و فجأة صرخت ببكاء و كأنها كانت بغيبوبة و استيقظت منها و أخذت تركله و تبعده عنها تحت دهشته البالغة، فاضطر الى أن ينهض و يبتعد عنها، فنهضت و ركضت بعيدا عنه حتى اختفت تماما و هو يناديها مرة و اثنان و ثلاثة” ريم…ريم…ريم” الى أن فتح عينيه فجأة ليجد نفسه نائما على الأريكة الجلدية بمكتبه بالشركة.
أخذ يدور بعينيه في أنحاء الغرفة و يستغفر ربه و يمسح وجهه و شعره من أثر النوم و يستعيد أحداث ذلك الحلم القصير و هو يفكر بها… متى ستخرج من رأسه يا ترى… لقد شغلته الى الحد التي أصبحت فيه تراوده بأحلامه و تؤرق نومه من كثرة التفكير بها… كيف سيتركها و شأنها اذن؟!.. كيف سينساها و يكمل طريقه بدونها اذن؟!
عودة الى أدهم..
خرج من الشرفة بعدmا تلقى ذلك الخبر الصادm من اللواء سامي، ليدلف الى الغرفة متهدل الكتفين و ملامحه واجمة ينظر اليها بـ.ـارتباك، لا يدري كيف سيخبرها بمقــ,تــل أبيها الذي لم يبقى لها سواه في هذه الدنيا.
كانت حينئذ جالسة على الأريكة تنتظره، فنظرت له باستفهام:
ـــ مالك يا أدهم شكلك متغير كدا ليه؟!.. في حاجة حصلت في الشغل؟!
تقدm منها حتى أوقفها أمامه ثم قبض على خصرها بتملك حتى لا تسقط منه حين تسمع الخبر:
ـــ بصي يا ندى.. عايزك تتأكدي ان انا هفضل معاكي لحد اخر نفس فيا و مش هسيبك ابدا مهما حصل.. انا ليكي كل حاجة في الدنيا.. انا جوزك و ابوكي و اخوكي و صاحبك و عمري ما هتخلى عنك أبداً.. انتي فاهمة؟!
هزت رأسها بصمت و قد انتابها القلق الشـ.ـديد بعد تلك المقدmة المؤثرة، ثم سألته بقلق:
ـــ في ايه يا أدهم؟!
ترك خصرها ثم أمسك وجهها بين راحتي يديه و ابتلع ريقه و هو يقول:
ـــ المافيا اغتالت والدك في بيتكم اللي في أمريكا… البقاء لله.
اتسعت عينيها ثم ما لبثت أن امتلأت بالدmـ.ـو.ع التي عرفت مجراها على وجنتيها فانهمرت بغزارة، و هي تهز رأسها بعدm تصديق:
ـــ بابا؟!.. لأ.. بابا.. هو فين؟! … لا اله الا الله.. انا لله وانا اليه راجعون… لا لا.. انا عايزة اشوفه.. هو فين؟!.. وديني لبابا يا أدهم..
تركته و أخذت تفتح درف الخزانة واحدة تلو الأخرى تبحث عن ملابس لها ترتديها لتذهب اليه، و لكنها تبحث بعشوائية و كأنها لا تعي ما تفعله تفتح الدرفة و تغلقها ثم تفتحها مرة أخرى و هي تبكي بانهيار الى أن خارت قواها و سقطت على حافة الفراش و أدهم يراقبها بقلب منفطر.
جذبها الى صدره و هو يحتضنها بشـ.ـدة و يواسيها بالكلمـ.ـا.ت بينما هي انخرطت في بكاء مرير ازداد أكثر من ذي قبل و هي تقول:
ـــ كان نفسي اشوفه يا أدهم… كان عندي امل ارجعله و نعيش سوا.. كان خايف عليا.. يا ريتني فضلت معاه و كنا متنا احنا الاتنين و مكانش سابني لوحدي.. ااااااه..
فرت دmعة من عينه حين لفظت تلك الآهة التي تردد صداها بصدره فشعر بمدى ألــمها و انكسار قلبها، فشـ.ـدد من احتضانها أكثر و هو يسألها بلوم:
ـــ لوحدك ليه يا ندى؟!.. طاب انا روحت فين؟!.. أنا معاكي يا حبيبتي و مش هسيبك؟!..أمي هي أمك و أختي هي أختك.. احنا عيلتك و انتي مش لوحدك يا حبيبتي..
أبعدها قليلا عن صدره و حاوط وجهها براحتي يديه ثم أخذ يمسح عبراتها بابهاميه و هو يقول:
ـــ انتي مش لوحدك يا روحي… انتي أحلى هدية باباكي قدmهالي.. و وعد هحافظ عليكي و افديكي بروحي كمان.. اصبري.. اصبري يا ندى و رددي إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخذت تشهق و هي تردد خلفه الى أن هدأت قليلا ثم تركته و دلفت الى المرحاض تغسل وجهها بينما هو بدل ملابسه لينطلق الى مبنى العمليات الخاصة لمقابلة اللواء سامي ليتفقد موعد و اجراءات استلام الجثمان لدفنه بالأراضي المصرية…
بينما بقيت ندى بحـ.ـضـ.ـن تيسير تبكي و بجوارهما ريم تواسيها في انتظار مكالمة من أدهم يخبرهم بها بموعد وصول جثمان والدها الحبيب.
مرت عدة أيام عسيرة على ندى و كانت حالتها النفسية سيئة للغاية حتى أنها كانت تنام بغرفتها بعيدا عن أدهم من فرط الكآبة و حتى لا يراها بتلك الحالة.
بينما هو بقي بغرفته ينعي نفسه مرة لفقدان حماه و مرات لعدm تمكنه من الحصول على لذة حياته مع زوجته التي عشقها حتى النخاع.
في شركة معتصم….
أمر السكرتيرة بابلاغ الموظفين بعقد اجتماع بعد نصف ساعة في قاعة الاجتماعات….
و في الوقت المحدد التف الموظفون حول طاولة الاجتماعات الكبيرة و كان من بينهم نرمين و هشام، ليدلف اليهم معتصم فحياهم باحترام ثم جلس على رأس الطاولة و أدار دفة الحديث قائلا برسمية:
ـــ طبعاً سمعتوا في الاونة الأخيرة عن شركة الرشيدي للمعمار و اللي ماسكة مشروعات ضخمة في العاصمة الجديدة…هما عاملين حفلة افتتاح ضخمة لمول تجاري متكامل بيعرض كل اللي يخطر على بالكم من اول المواد الغذائية لحد الأجهزة الطبية و تجهيزات العيادات و الشركات و مكاتب المحاماة… مشروع ضخم جداً.. و من حسن حظنا ان أحد شركاء المشروع يبقى صديق قديم من أيام الجامعة و بعتلي ٥٠٠ دعوة لحفلة الافتتاح.. طبعاً الدعوات دي هتتوزع على كل موظفين الشركة و مسموح لكل شخص ياخد دعوتين او تلاتة على حسب العدد.. ممكن يهادي بيها اصحابه او حد من عيلته.. و طبعاً دي خطة دعائية ذكية جداً عشان صيت المشروع يوصل لأكبر عدد من الشركات و كل من يهمه الأمر… الأستاذة هدى هتوزع عليكم الدعوات.. و عايزكم تشرفوا شركتنا في الحفلة.. بالتـ.ـو.فيق..
نهض معتصم من كرسيه مغادرا الغرفة، بينما بطاقات الدعوة تقوم السكرتيرة بتوزيعها، و في تلك الأثناء شردت نرمين التي كان رأسها مشغولا بمعتصم و علاقته بحبيبته السابقة و محاولاتها المتكررة لرده لها، بينما دائما يقابلها بالرفض.
كان هذا هو شغلها الشاغل و همها الأكبر… أن يخرج حبيبته من رأسه و ينعدm أمله في عودتها اليه..
فخطرت ببالها فكرة شيطانية ربما تستطيع بها التفريق بينهما و قطع كل الطرق التي من الممكن أن تجمعهما من جديد لعله يعود لرشـ.ـده كما تظن.
التقطت خمس بطاقات ثم دستها في حقيبتها و هي تبتسم بمكر و شكرت الظروف التي هيأت لها تلك الخطة.
في اليوم التالي بالمشفى اقبل خالد على ريم بابتسامة واسعة و بيده بطاقتين و حين وقف أمامها تحدث بسعادة:
ـــ ريم.. جاتلنا فرصة خروجة محصلتش.
مد يده لها بالبطاقتين فأخذتهما و فتحت احداها تقرأها بينما هو استرسل حديثه بحماس:
ـــ الدكتور سالم مدير المستشفى بعت الدعوتين دول لينا و معانا ٣ دكاترة تانيين لحضور حفلة افتتاح مول ضخم في العاصمة الجديدة.
نظرت له باستغراب:
ـــ و احنا مبعوت لينا دعوات بصفتنا ايه مش فاهمة؟!
زم شفتيه ليجيبها بلامبالاة:
ـــ عادي يعني يا ريم… اصحاب المشروع عاملين دعوات لكل الكوادر المهنية كنوع من انواع الدعاية لأن المشروع فيه أقسام مختصة بتجهيز العيادات و المستشفيات.. فطبيعي انهم يدعونا كدكاترة.
ـــ أيوة يعني اشمعنا احنا بالذات.. انا و انت؟!
رفع كتفيه لأعلى قائلا:
ـــ مش عارف.. المدير هو اللي اختارنا.. يمكن عشان احنا كابل.. بس اكيد مش هقوله اختارتنا ليه يعني… المهم اننا هنخرج و هنغير جو و هنشوف اجواء مختلفة بعيدا بقى عن المرضى و المستشفي…
نظر في عينيها بعمق و هو يقول بهيام:
ـــ من ساعة ما اتخطبنا و انا نفسي اخرج معاكي بس انتي مش سايبالي أي فرصة.
أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر و هي تتحاشى النظر بعينيه و تقول:
ـــ اااا انت عارف ان أدهم مبيحبش كدا و انا بحترم رغبته..
ثم ابتسمت لتسترسل حديثها بحماس:
ـــ بس خلاص ان شاء الله نروح الافتتاح دا طالما انت متحمسله كدا..
ضحك و هو يقول:
ـــ يعني اعتبر انك كدا بتصالحيني… او بتعوضيني عن رفضك للخروج؟!
لكمته في كتفه و هي تقول بتذمر طفولي:
ـــ خالد بقى.. لا طبعا.. عادي يعني عايزاك تكون مبسوط.
تأملها بنظرة هائمة:
ـــ بجد؟!.. عايزاني اكون مبسوط؟!
أومأت بخجل فاسترسل حديثه بمزيد من الهيام:
ـــ طول ما انتي معايا هكون دايما مبسوط.
ابتسمت بمجاملة، فحقا مهما أسمعها من غزل لا يحرك بها ساكنا و لكنها مضطرة لمجاراته ربما يهتز له قلبها يوما.
عاد أدهم من عمله بعد يوم طويل في التحقيقات في جريمة قــ,تــل حماه و دوافع و اسباب تلك العصابة التي أدت بهم الى قــ,تــله و عما كانوا يبحثون في منزله الذي كان منقلبا رأسا على عقب و يبدو أنهم لم يجدوا ضالتهم فاضطروا الى قــ,تــله ليتخلصوا من خطر تهديده لهم بما لديه من مستندات و أسرار.
رغم غـــضــــبه منها لأنها اعتزلته بغرفتها كل تلك الفترة منذ مقــ,تــل والدها إلا أنه مشفق عليها للغاية، فقد كان الخطب جلل و الامتحان صعب و أي شخص مكانها ربما لما تحمل فقدان عزيزه بطريقة قاسية كتلك مع بعد المسافات بينهما.
تحامل على نفسه ليذهب الى غرفتها لكي يطمئن عليها، فمنذ ذلك الحادث و هي تتحاشاه و كأنه هو من قــ,تــل أباها و لم تسأل عنه و لو مرة…
طرق باب غرفتها فلم ترد، زفر بعنف من فرط غـــضــــبه و لكنه حاول السيطرة على نفسه ثم فتح الباب و دلف مباشرة مغلقا خلفه، فوجدها نائمة بوسط الفراش متكومة على نفسها و كأنها في ملكوت آخر..
ذهب الى فراشها و استلقى بجوارها ثم أخذ يزيح غرتها من على جبينها ليرى عينيها و هو يناديها برفق الى أن فتحت عينيها و ليتها لم تفتحهما، فقد صعق من شـ.ـدة احمرارهما و تلك الهالات السوداء التي ظهرت أسفلهما..
ـــ ليه عاملة في نفسك كدا يا ندى؟!.. بقى انتي ندى المؤمنة اللي محافظة على صلاتها و أذكارها و وردها القرآني؟!.. مكنتش اصدق انك تتحولي كدا مهما كان صعوبة الابتلاء..
تنهدت بعمق ثم نهضت من نومتها فأسندها حتى جلست بالفراش ثم قالت بنبرة حزينة و عينين زائغتين:
ـــ الحمد لله أنا راضية بقضاء الله و قدره… و رغم حـ.ـز.ني الكبير اوي على بابا بس مقصرتش أبداً في صلاتي و لا أذكاري.. بالعكس بقيت أصلي أكتر و أدعي ربنا أكتر انه يرحم بابا و يغفرله و يصبرني على ابتلائي.
مسد على شعرها ثم اقترب منها حتى التصق بها و أسند رأسها الى صدره و هو يقول بنبرة حانية:
ـــ أومال مالك بس يا حبيبتي…شكلك اتغير و نفسيتك وحشة و الدنيا معاكي مش تمام خالص يا ندى.
بدأت شهقاتها بالبكاء في الظهور و هي تجيبه:
ـــ غـ.ـصـ.ـب عني يا أدهم… أنا بشر و اللي حصل كان فوق احتمالي.. حاسة اني فقدت الشغف في كل حاجة.. ماليش نفس اعمل أي حاجة.. انا بحمد ربنا اني لسة قادرة أصلي.. حاسة اني مشلولة.. اتكـ.ـسرت بعده.. كان نفسي بس اكون معاه.. مكنتش عايزاه يمـ.ـو.ت و انا بعيدة عنه… أنا نـ.ـد.مت اني وافقته و رجعت مصر و سيبته هناك لوحده… حاسة اني همـ.ـو.ت من احساسي بالذنب.. همـ.ـو.ت يا أدهم… همـ.ـو.ت….
ظلت تردد تلك الكلمة و هي تبكي بحرقة بينما هو أخذ يشـ.ـدد من احتضانها و يمسد على شعرها لعلها تهدأ قليلا..
ـــ عشان خاطري اهدي… كفاية عـ.ـيا.ط… عنيكي مش حمل العـ.ـيا.ط دا كله… يا ريته بيرجع حبيب يا ندى.. مكناش بطلنا بكى.
ابتعدت قليلا عنه ثم أخذت تجفف عينيها و هي تقول باعتذار:
ـــ أنا عارفة اني زودتها معاك اوي و عارفة ان هجري ليك دا اثم عليا.. بس اتمنى انك تعذرني و تسامحني عشان أنا مش قد الوزر دا
تنهد و هو يبتسم شبه ابتسامة ليقول بنبرة حانية:
ـــ ولا يهمك يا حبيبتي… يعني من جملة الأيام اللي كنا فيها بعيد.
رغما عنها ابتسمت بسخرية من تلميحه الذي فهمته جيدا لتشـ.ـدد من قبضتها على كفيه و تقول بنبرة حزينة:
ـــ لسة مآنش الأوان.
نظر لها متأملا ملامحها التي افتقدها كثيراً ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ كله يهون يا روحي.. أهم حاجة انك تكوني بخير و معايا دايما.
أطرقت رأسها بخجل من اطرائته فقبل رأسها ثم قال:
ـــ تصبحي على خير يا حبيبتي.
رفعت رأسها لتجيبه:
ـــ و انت من أهل الخير
رفع حاجبيه كناية عن عدm رضاه عن ردها، فابتسمت لتستكمل ردها:
ـــ يا حبيبي..
اتسعت ابتسامته الهائمة ثم تركها على مضض و عاد لغرفته… لم ينكر أنه انتظر أن تعود معه و لكنها خيبت آماله و تركته يذهب وحيدا و حتى لم تطلب منه البقاء معها بغرفتها، و لكنه أقنع نفسه بالصبر، فمصابها لم يكن بالهين.
قابلته ريم في طريقه الى غرفته لتقول له:
ـــ أدهم.. كنت عايزة أستأذنك في حاجة كدا..
ـــ قولي بسرعة لأني مرهق جدا و عايز أنام.
ـــ حاضر حاضر.. احم.. انا و خالد جاتلنا دعوة لحفلة افتتاح مول تجاري في العاصمة الجديدة و نفسنا نحضر الحفلة دي… ممكن؟!
قطب جبينه باستغراب:
ـــ و انتوا ايه علاقتكم بالمول دا؟!
ـــ مؤسسين المول دعوا كل الكوادر المهنية لأن عندهم أقسام لكل ما يخص كل المهن و منهم مهنة الطب.. و الدعوات وصلت مدير المستشفى و المدير اختارنا انا و خالد و تلاتة تانيين من الزملا.
سكت أدهم قليلا يفكر، فنظرت له ريم باستعطاف و هي تتوسل اليه:
ـــ عشان خاطري يا أدهم متكسفنيش معاه.. و بعدين دا مكان عام و هيكون مليان ناس اشكال و الوان.. يعني خليك كووول بقى.
حانت منه نصف ابتسامة ثم قال بجدية:
ـــ ماشي يا لمضة روحي.. بس طبعاً مش هوصيكي تـ..
قاطعته و هي تومئ برأسها:
ـــ تمام تمام متقلقش… حافظة الوصايا العشر و مش هنساهم..
قرصها من وجنتها:
ـــ مش بقولك لمضة… و غلباوية كمان..
ضحكت بملئ فمها:
ـــ تربيتك يا حضرت الظابط.
حمحم و كأنه تذكر شيئا للتو:
ـــ ريم.. عايزك تقعدي مع ندى و تحاولي تخرجيها من جو الكآبة اللي هي فيه.
ـــ على فكرة كل يوم بدخلها اقعد معاها و بـ.ـنتكلم بس هي معذورة مش قادرة تتخطى اللي حصل بسهولة و بسرعة كدا.. بصراحة يا أدهم الله يكون في عونها.. اللي حصل دا مكانش سهل أبداً.. ربنا يصبرها.
تنهد بحـ.ـز.ن و هو يردد:
ـــ يا رب… طيب انا هروح انام بقى.. تصبحي على خير.
ـــ و انت من أهل الخير يا حبيبي.
مرت ثلاثة أيام أخر و ها هو يوم حفل الافتتاح التي انتظرته نرمين طويلا لكي تكتمل خطتها بعدmا أرسلت خمس بطاقات لمدير المشفى التي تعمل بها ريم عن طريق أحد الوسطاء و الذي أوصاه باعطاء اثنتين منهم الى خالد و خطيبته بالذات و قد حصل ما أرادت و كان عرضا مغريا لخالد.
أرادت لريم أن ترى معتصم حبيبها بصحبتها بصفتها زوجته الأولى التي أخفاها عنها حتى تقطع بينهما سبل العودة الى الأبد… فهل يتحقق ما أرادت؟!
مر خالد على ريم بمنزلها ليأخذها بسيارة أجرة و يذهبا سويا الى الحفل و بالطبع رآها عمر الذي لم تنتهي مهمته معها بعد و استقل سيارته و سار خفية خلفهما، و حين تبين وجهتهما قام بالاتصال بمعتصم ليخبره و لكنه لم يسمع رنين هاتفه من أصوات الموسيقى الصاخبة و الازدحام… حاول كثيرا التواصل معه و اخبـ.ـاره بأن ريم في طريقها لذلك الحفل و لكن دون جدوى.
بينما نرمين أخذت تسير بين المدعوين بفستانها الأزرق الملكي المجـ.ـسم ذو الحمالات العريضة و الطويل و بفتحة كبيرة تصل حتى ركبتها و أسدلت شعرها الأشقر المموج على ظهرها و كتفيها فكانت فاتنة… كتلة فتنة متحركة..
أخذت تبحث بعينيها في كل ركن بالحفل عن ريم و لكنها لم تجدها، فأخذت تحدث نفسها بضجر:
ـــ و بعدين بقااا.. هي مش هتيجي ولا ايه… اوف.. و اصلا لو جات هشوفها ازاي في وسط الناس دي كلها.
أقبل عليها معتصم بملامح لا تنذر بالخير أبداً الى ان وقف قبالتها و قال بغـــضــــب مكتوم:
ـــ ايه اللي انتي لابساه دا يا مدام نرمين؟!.. هو مفيش فايدة فيكي أبداً.. مفيش مرة تخيبي ظني و تلبسي لبس محترم زي الستات المحترمة..
ردت عليه بتذمر:
ـــ قصدك ايه بقى يا معتصم؟!.. عايز تقول اني ست مش محترمة؟!
رد بانفعال طفيف حتى لا يثير انتباه الناس من حوله:
ـــ انتي شريكتي و أي تصرف منك او أي مظهر بتظهري بيه بيسيئلي قبل ما بيسيئلك يا هانم… و انتي عارفة كويس اني مبحبش اخرج معاكي و انتي لابسة اللبس المفتوح دا… انا مهما كان صعيدي و دmي حر.
نظرت له بشبه ابتسامة و هي تعدل من ربطة عنقه و تقول بدلال:
ـــ انت بتغير عليا يا عصومي.
أنزل يديها و هو يصتك فكيه بغـ.ـيظ:
ـــ بغير على شكلي و سمعتي و شركتي يا نرمين هانم.
قال تلك العبـ.ـارة ثم تركها تغلي من الغـ.ـيظ و ذهب ليسلم على أحد أصدقائه.
وصلت ريم مع خالد و دلفا سويا الى الحفل، فقد كان خالد يرتدي بدلة رسمية كاچوال من اللون الأسود و ريم ارتدت فستان اسود من الستان ضيق من الصدر و الخصر ثم يتسع من الخصر للأسفل و ارتدت حجاب قصير فضي اللون مع قليل من الزينة و مستحضرات التجميل فكانت حقا جميلة رقيقة هادئة تسر من ينظر اليها.
تجولت معه في المكان الواسع من هنا الى هناك و أخذت تراقب الحضور بمختلف طبقاتهم و بالطبع النساء منهم خاصة و قد كانت مستمتعة بالأجواء.
شعرت نرمين بأن عيناها سيصيبها الحول من كثرة بحثها عن ريم، فاعتقدت أنها لن تأتي و استسلمت للأمر الواقع و أقرت بفشل خطتها.
بينما في تلك الأثناء كانت ريم مع خالد في الطابق العلوي حيث يتجمع مجموعة من الأطباء و الطبيبات يتعرفن الى بعضهم البعض، فصدح في الأجواء صوت موسيقى هادئة جعلت كل زوجين يرقصان الرقصة البطيئة المعروفة” slow “، فأثار المشهد فضولها و همست بأذن خالد:
ـــ خالد انا هنزل اتفرج عليهم من تحت و لما تخلص كلامك انزلي.
ـــ هلاقيكي ازاي؟!.. انتي مش شايفة الزحمة؟
ـــ اتصل بيا و انا هخلي التليفون في ايدي.
ـــ تمام.. متبعديش و لو روحتي اي مكان كلميني.
ـــ حاضر… باي.
في الأسفل، ذهبت نرمين الى معتصم الذي كان مشغولا بالتحدث مع أحد عملائه، فاستغلت الموقف و استندت على كتفه لتقول بدلال:
ـــ بعد اذنك يافنـ.ـد.م هاخد منك عصومي خمس دقايق.. هنرقص سلو مع بعض..
لم يستطع الرفض بعدmا أحرجته أمام العميل، خاصة و أن تلك الشكليات مهمة في محيط عمله، فاستأذن باحترام من الرجل و ذهب معها على مضض الى ساحة الرقص و قبض على خصرها و هو في قمة غـــضــــبه منها و لكنه حاول السيطرة على ملامحه الغاضبة و بدأ يتمايل معها على أنغام الموسيقى الهادئة و هو يبتسم بتمثيل أمام الناس.
بينما هناك ريم تقف في ركن ما تراقب ساحة الرقص بانبهار و تتمايل برأسها مع الموسيقى بانـ.ـد.ماج الى أن ظهر أمامها معتصم الوسيم و هو يحتضن تلك الفاتنة التي يصل طولها لطوله تقريباً و يبتسم لها بسعادة، فتسمرت قدmاها و تجمد جسدها من الصدmة، أيعقل وسامته الفتاكة تلك التي خـ.ـطـ.ـفت أنظار النساء و هيبته التي سلبت عقولهن بين يدي أنثى أخرى غيرها؟!… و أي أنثى هذه؟.. انها تفوقها جمالا و قواما.. انه شيئا يدعوها للحسرة.
لو كانت الغيرة تقــ,تــل لأردتها صريعة الآن.. و لكنها تشعر بأن قلبها يشبه الجبل الذي رغم رساخته انهار حتى استوى بالأرض..
بدأت أنفاسها تتسارع و هي تنظر اليهما بحملقة، لا تستطيع زحزحة عينيها عنه… لا تدري أمن الاشتياق أمن تلك النيران المستعرة بصدرها كالجحيم..
لم يكن بمخيلتها أن هذا سيكون حالها حين تراه مع زوجته الفاتنة التي أخفاها عنها.. ليتها لم تراه.. ليتها لم تأتي من الأساس.
بالطبع كان معتصم زائغ العينين يتحاشى النظر إلى عيني نرمين حتى لا يرى رجائها المستمر بهما، كان ينظر في كل مكان عداها هربا من نظراتها الهائمة، الى أن التقت عيناه بتلك العينين المتلألئتين بالدmـ.ـو.ع، و هي تنظر اليه بعتاب، فتجمد جسده و توقف عن التمايل، فرمقته نرمين باستغراب:
ـــ ايه يا عصومي وقفت ليه؟!
في تلك اللحظة أدركت ريم أنه رآها ففرت من أمامه قبل أن يرى عبراتها التي تمردت و سقطت من عينيها و ركضت و هي تتخبط بالناس الى خارج الحفل..
ـــ نرمين لحظة بس.. في واحد مهم بيشاورلي هروح اكلمه و هرجعلك.
تركته و هي تتأفف بضيق و ذهبت الى المرحاض لتعدل من زينة وجهها بينما هو ركض باتجاه باب الخروج ليجد ريم تسير أمامه بخطى سريعة و كأنها على وشك الركض..
ـــ ريم… ريم.. ريم استني..
لم تلتفت له و كأنها لم تسمعه، فأسرع الخطى حتى لحق بها و أمسك معصمها ليوقفها.
استدارت له لتنزع معصمها من يده و تنظر له باشمئزاز بينما هو لا يصدق أنها أمامه الآن، تلك الغزالة المتمردة التي أفقدته عقله.. كم هي رقيقة و أنيقة.. رغم ملامحها المشمئزة الا أنها سحرته باطلالتها بتلك اللحظة.. رغم تفاجؤه بها و هو في وضع غير محبذ و رغم دmـ.ـو.عها المتحجرة في عينيها.. و رغم نظرة الكره و رغم كل شيئ إلا أنه لم يسعده شيئ في تلك الليلة بقدر سعادته برؤيتها الآن.
ـــ نعم؟!.. حضرتك جاي ورايا عشان تفضل تبصلي كدا.
أخيراً استعاد ادراكه بعدmا افقدته رؤيتها توازنه و سألها بجدية:
ـــ ايه اللي جابك هنا؟!
نظرت له بغـ.ـيظ و هي تقول بحدة:
ـــ و الله اللي جابك هو اللي جابني.
ـــ يعني اتبعتلك دعوة؟!
ردت بسخرية:
ـــ من سوء حظي.. و لو كنت اعرف انك موجود استحالة كنت جيت.
رد ببسمة أربكتها:
ـــ بس من حسن حظي انك موجوده
أطرقت رأسها و هي تتمالك نفسها و تبتلع ريقها، فوقوفه أمامها بهيبته و أناقته المفرطة و نبرته الحنونة أضعفت دفاعاتها تماما، فاقترب منها مقدار خطوتين ثم استرسل بنبرة كادت أن تفقدها وعيها:
ـــ مت عـ.ـر.فيش انتي وحشاني قد ايه… و مبسوط قد ايه اني شوفتك.
ابتعلت ريقها ثم سألته بتـ.ـو.تر لتغير مجرى الحديث:
ـــ اممم… واضح.. مراتك دي اللي كنت بترقص معاها؟!
هز رأسه بايجاب ثم أسرع يصحح لها:
ـــ كانت مراتي.. انا طلقتها..
ـــ تؤتؤتؤ.. ليه؟!.. يا خسارة… حد عاقل يسيب الجمال دا كله؟!
اقترب برأسه من رأسها ليقول بهمس مثير:
ـــ معلش أصل أنا مـ.ـجـ.ـنو.ن…في واحدة تانية سحرتني خلتني مش شايف حد غيرها..
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر ثم قالت بنبرة ذات مغذى متهربة من تلميحاته:
ـــ بس بجد اللي يشوفها ميصدقش انها اكبر منك بعشر سنين…ليك حق تتجوزها و تعيشلك معاها يومين..بجد عذرتك لما شوفتها..لايقين على بعض اوي
أغمض عينيه للحظة محاولا السيطرة على انفلات أعصابه من تلميحها السخيف، ثم رد بانفعال طفيف:
ـــ ريم انتي فاهمة غلط.. انا متجوزتهاش عشان أعيشلي معاها يومين و اسيبها زي ما اخوكي مفهمك.. قولتلك قبل كدا مش انا اللي اعمل كدا…
سكت يزفر أنفاسه بعنف، فردت عليه بحدة و كـبـــــريـاء:
ـــ أنا ميهمنيش كل اللي انت بتقوله دا… انت اصلا بالنسبالي ولا حاجة و مش عايزة اعرف حاجة عنك.
رد بحدة أجفلت منها:
ـــ لا لازم ت عـ.ـر.في.. تعالي معايا
قبض على رسغها ثم جرها خلفه الى حيث صف سيارته و هي تقاومه و تحاول نزع رسغها من قبضته و لكن بلا جدوى فقد كانت قبضته فولاذية، الى أن وصل الى سيارته و فتح بابها، فقامت بغلق الباب و استندت اليه و هي تصرخ بعصبية:
ـــ ايه اللي انت بتعمله دا؟!.. انت فاكرني ايه؟!
احتجزها بذراعه بين باب السيارة المنغلق و بين جسده فكاد أن يلتصق بها حتى لا تهرب منه، ثم قال بنبرة لينة مترجية:
ـــ عايزك تسمعيني و تفهميني… اديني فرصة واحدة بس.. هتركبي معايا دلوقتي و نروح مكان هادي نتكلم فيه براحتنا… ممكن؟!
ردت بحدة:
ـــ لا طبعاً مش ممكن…
أشهرت خاتم خطبتها ببنصرها الأيمن أمام عينيه لتسترسل كلامها:
ـــ أنا مش حرة نفسي على فكرة.. متنساش اني مخطوبة لواحد تاني..
أزاحت ذراعه الذي احتجزها به و قد استسلم لها و أنزلها و غادرت من أمامه فاصطدm كتفها بكتفه و لكنه بقي متصنما بمكانه من فرط انكساره، فاستند بجسده الى السيارة و كأنه يلحق نفسه من السقوط و نظر لأثرها الفارغ بحسرة و هو يضع يديه في جيبي بنطاله.
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇