رواية صرخات انثي هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ايه محمد رفعت في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية صرخات انثي لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية صرخات انثي هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية صرخات انثي تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية صرخات انثي من الفصل الاول للاخير بقلم ايه محمد رفعت
ترنح بمشيته وبصعوبةٍ بالغة تفادى سقوطه، فهم الخادm ليساعده، أوقفه صائحًا: هل جُننت أيها المعتوه، أعد ذراعيك اللعينة عني!
ابتعد الخادm للخلف، فوضع جاكيته على ذراعه واستكمل طريقه للداخل، قاصدًا باحة المنزل الفخم، وبالأخص تلك الأريكة البيضاء المريحة، فجلس عليها بإنهاكٍ وهو يتفحص ساعة يده التي تشير له بأنها الخامسة صباحًا، فردد بضيقٍ: بتمنى متكنش فريدة هانم مستنياني فوق زي كل يوم حقيقي مش ناقص!
ابتسم بخبث وعينيه الماكرة تراقب باب الغرفة الماسد بالطابق الأول، فجذب جاكيته وصعد للأول بخطواتٍ غير منتظمة، تفادى سقوطه على الدرج الرخامي أكثر من مرةٍ، حتى وصل للغرفة، ولج للداخل وألقى جاكيته على المقعد الموضوع جانبًا، وعينيه تراقب الغافلة على الفراش بتقززٍ، وبالرغم من انقباض ملامحه الا أنه حرر قميصه وتمدد جوارها.
كانت تغفو بعمقٍ حينما شعرت بيدٍ تمتد على خصرها بتملكٍ، انقبض قلبها وانتفضت بمنامتها بفزعٍ، فصعقت حينما وجدته يرمقها برومادية عينيه ببرودٍ، فرددت برعشة اعتلت لسانها الثقيل: عمران!
منحها نظرة جافة، وذراعه تمتد لتجذبها لاحضانه مجددًا، حاولت الابتعاد عنه خاصة بعد أن طالتها رائحته المنفرة، فقالت باستنكارٍ: إنت شارب! فريدة هانم لو عرفت هتعـ.ـا.قبك تاني.
أظلمت عينيه وقيد حركة يدها خلف خصرها، فتأوهت ألــمًا، وترجته بهدوءٍ زائف: عمران إنت مش في وعيك، من فضلك إبعد والا وقسمًا بالله هصرخ وهلم عليك البيت كله.
ابتسم ساخرًا، وردد بخشونة: غريبة المفروض اللي بيحصل بينا دلوقتي يكون على مزاجك مش بردو كنتِ مقهورة وإنتِ بتشتكي لفريدة هانم إن من يوم ما اتجوزنا وأنا مقربتلكيش!
جحظت عينيها صدmة، وانسابت دmعاتها وهي تدافع عن نفسها: محصلش أنا مقولتش لخالتو حاجة!
ذم شفتيه بسخطٍ، وهو يشير لها: قولتلك قبل كده أنا مبتخدعش بوش التماسيح بتاعك ده يا بـ.ـنت خالتي، وفري مجهودك بالكلام وركزي معايا، مع جوزك!
وأضاف وهو يمنحها نظرة منفرة: بصراحة ألكس زعلانه مني ورفضت تيجي معايا الاوتيل النهاردة، فأنتِ اللي هتشيلي الليلة.
صعقت مما استمعت إليه، تعلم جيدًا بأنه يرافق تلك الفتاة التي تدعو ألكس، يرافقها أمام الجميع وأولهم فريدة هانم العاجزة عن ردع ابنها الصغير عن لقاء تلك الشقراء، حتى بعد أن أجبرته على الزواج من ابنة شقيقتها التي تعتبرها ابنة لها، ومع ذلك رفض الاعتراف بها كزوجة فكانت ألكس وجهة ظهوره بكل مناسبة، وأحيانًا يصطحبها للمبيت بالمنزل دون حياء.
كم مرة انكـ.ـسر قلبها وهي ترى زوجها يصعد لغرفته برفقة تلك الفتاة المبتذلة، كم مرة بكت خلسة وعلنًا أمام جميع الأسرة، كم مرة أهانها وقلل من شأنها كانثى قليلة الحيلة لا تملك ما قد يميل قلبه القاسٍ إليها، الا يكفيه ما فعله بها طوال أشهر زواجهما حتى يهينها الآن تلك الاهانة؟
تدفقت دmعاتها تباعًا، والغـــضــــب يثور داخلها فجعلها شرسة لا تغلب تحت ذراعيه الخبيرة، فركلته عنها حتى سقط أسفل الفراش وهي تصرخ بغـــضــــبٍ جعل من تنتظره بغرفته تعلم بمكان وجوده: أنت أيه معندكش دm يا أخي، أنا مش رخيصة عشان تقارني بالعاهرة اللي أنت ماشي معاها!
احتدت نظراته فنهض واتجه إليها ليجذبها من ذراعها وهو يصبح بانفعالٍ: لسانك ده لو نطق عليها حرف هقطعهولك يا
عمران.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ قبل أن يستدير لمواجهة الصوت الصارم، ليجد والدته ذات الخمسة وأربعون عامًا، تربع يدها أمام صدرها وتحدجه بغـــضــــبٍ عارم، ترك عمران ذراعها ووقف قبالتها، ليجدها تدنو منه قائلة بعصبيةٍ بالغة: قولتلك ألف مرة صوتك ميعلاش على مايسان مراتك ولا تعاملها المعاملة المقرفة دي تاني وبالرغم من كده بتكـ.ـسر كلامي.
تحكم بانفعالاته بصعوبة، وصاح بتريثٍ: هي اللي بتستفزني بكلامها.
منحته نظرة ساخطة قبل أن تجابهه بحدةٍ: بس هي مقالتش حاجة غلط، الحقيرة اللي أنت ماشي معاها ملهاش مسمى تاني.
قبض معصمه بغـــضــــبٍ جعل الدmاء تفور بمقلتيه، فانخفضت نظراتها المتفحصة ليده ثم استرسلت بدون مبالاة لغـــضــــبه: بقالك سنين بتترجاها تتجوزك وهي رافضة، مش لانها متحررة يا حبيبي لا لإنها وقحة عايزة تعيش معاك في الحـ.ـر.ام وتتمتع بفلوسك لحد ما تجيب نهايتك وبعدها هتدور على غيرك، بتلعبها صح ومش عايزة تدبس نفسها مع راجـ.ـل واحد.
صرخ بتعصبٍ غاضب: ماماااا
فريدة هانم.
رفضت منادته الصريحة، لتعيد له أصول تربيته، خشيت مايسان تدهور الأمور بينهما، فنهضت عن الفراش تجذب مئزرها الأبيض ثم دنت من خالتها تخبرها ببسمةٍ مصطنعة: فريدة هانم محصلش شيء لكل ده، عمران كان داخل يتكلم معايا بخصوص ملف الصفقة اللي بينا وبين راكان المنذر وكنت هديله الملف وهيخرج حالًا.
همهمت بتهكمٍ: ويخرج ليه المفروض يكون ده مكانه لكن هنقول أيه أخد إنه يأكل من الزبـ.ـا.لة، وميبصش للنضافة.
كز على أسنانه حتى كاد باسقاطهما، وخاصة حينما قالت بحـ.ـز.نٍ: كنت فاكرة إني لما أجوزك بـ.ـنت عثمان باشا هتفوق لنفسك وتقدر الجوهرة اللي معاك، بس للأسف إنت مفيش فايدة فيك.
وتطلعت لابنة شقيقتها، الابنة التي تقرب لقلبها كابـ.ـنتها الصغيرة وقالت بنبرة مختنقة: حقك عليا، أنا اللي بليتك بابني.
احتضنتها مايسان وهي تردد ببكاءٍ: متقوليش كده يا خالتو أنا آ.
ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها برعـ.ـبٍ حينما استعادت فريدة ثباتها مرددة بغـــضــــب: فريدة هانم أيه خالتو دي!
واشارت لها مسترسلة بضيق: ثم اني قولتلك ألف مرة بلاش تبكى، الدmـ.ـو.ع والحـ.ـز.ن بيكرمشوا الوش!
كبتت مايسان ضحكاتها بصعوبةٍ، وهي تشير لها: حاضر، أنا أسفة يا فريدة هانم.
ابعدت عينيها عنها وعادت تجابه من يجذب قميصه وملابسه بمللٍ، ثم قالت بحزمٍ: دي أخر مرة ترجع فيها متأخر وسـ.ـكـ.ـر.ان يا عمران والا تصرفي مش هيعجبك وسبق وجربت.
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ، فهز رأسه بهدوءٍ، ثم كاد بالمغادرة فأوقفته قائلة: قبل ما تخرج، اعتذر لمراتك على الكلام المتدني اللي قولته ليها.
ركل حافة الباب بقدmيه بعصبيةٍ، وهو يجبر ذاته على نطق الكلمـ.ـا.ت دون أن يستدير لها: آسف.
وكاد بالخروج لغرفته، ولكنه توقف فور سماع صراخها الحازم: اعتذارك بالشكل ده مش مقبول، قرب من مراتك واعتذرلها باحترام.
رفع رأسه عاليًا وهو يسحب نفسًا مطولًا يزفره على مهلٍ، لينهي تلك المهزلة، فاستدار إليهما واتجه بخطواتٍ سريعة إليها، وقف قبالتها يرمقها بنظرة مشتعلة جعلتها تكاد تفر من أمامه لتختبئ خلف خالتها، فما أن رفع يده حتى احتوت وجهها بيدها، فوجدته يقرب رأسها إليه ليطبع قبلة مغتاظة كادت بتهشم جبينها وهو يهمس بأنفاسٍ لاهثة من فرط تعصبه: سامحيني يا حبيبتي أنا غلطت في حقك.
هزت رأسها وهي توزع نظراتها المرتبكة بينه وبين فريدة هانم، فرددت بخــــوفٍ: محصلش حاجة.
مال برأسه لوالدته مرددًا: أقدر أرجع أوضتي يا فريدة هانم ولا لسه في حاجة تانية؟
ابتسمت وهي تشير له بغــــرور: تقدر تروح، بس اعمل حسابك مايسان هتصحيك بدري عشان هتروح مع شمس الجامعة بكره، في مشكلة عندها وعايزاك تساعدها.
تفحص ساعته بصدmةٍ: بس صعب أنا مش هلحق أنام كده، خليها تأخد على معاها.
أجابته بصرامةٍ: أنا قولت إنت اللي هتروح مع أختك، على بره في المستشفى لسه مرجعش البيت.
واستطردت بسخريةٍ: وأهو بالمرة تروح معاها حفل افتتاح شركة راكان خطيبها ولا مش معزوم عليها!
منحها نظرة مغتاظة، قبل أن يهز رأسه وينسحب لغرفته، فتوقف بالخارج فجأة حينما استمع لزوجته تردد بفرحةٍ: برا?و يا فريدة هانم، عمران مكنش عمره هيروح حفل الافتتاح ده ومتتخيليش الحفلة دي مهمة لشركاتنا ازاي؟
أشارت لها بكـبـــــريـاءٍ: أنا قولتلك هخليه يروح وكلمتي واحدة.
واسترسلت بحزمٍ: يالا هسيبك تريحي شوية وهروح أكلم على أشوفه إتاخر ليه كده هو كمان وأول ما تصحي تفوقي شمس وتعالولي في الجناح، عشان تقيسوا الفساتين والكوليهات اللي اشتريتها ليكم.
وتابعت وهي تغادر للخارج: لازم تكونوا وجهة مشرفة لعيلة سالم عشان راكان المنذر يعرف هو ناسب مين!
ولج لغرفته بغـــضــــب من سماع خططتها الوضيعة، فألقى جاكيته على الفراش بعصبية، وجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يهتف: كده ماشي يا مايسان أنا هعرفك.
وابتسم بمكر وهو يجذب هاتفه ليحرر زر الاتصال بعشيقته متابعًا: هتحضري معايا الحفلة بس أوعدك هيبقى يوم متنسهوش أبدًا عشان بعد كده تحرمي تتذاكي على عمران سالم!
بين غيمة الليل المظلم المغدف، كانت تخطو بفستانها الأبيض بخطواتٍ بطيئةٍ ومن خلفها طرفه الطويل يلامس الأزهار الذابلة الملقاة أرضًا بإهمالٍ، فتشابكت بأطرافه واتبعتها كالظل الملازم لها، كأنها تزف لها بشرى سيئة لما ستجده الآن من مصيرًا بائسًا ينتظرها، استدارت للخلف وخصلات شعرها الفحمي يتمرد على كتفيها كالشلال المحاط بجوهرتها الثمينة.
شعرت بحركة خافتة تتبعها، فاستدارت صاحبة الفستان الأبيض بإِرْتِيَاع لمصدر الصوت المزعج، انقبض قلبها الخافق بين ضلوعها حينما وجدت ثلاثة ذئاب تلهث بشراسةٍ وأعينهم لا تحيل عنها.
تراجعت للخلف بخــــوفٍ وهي تراقب اقترابهم الخطير منها، تراجعت حتى احتجز جسدها بين ثلاثة حوائط، عقدت مستطيل حولها وأربع أضلاعه موجه بالذئاب التي بدأت تنهش عظامها.
وفجأة انقلبت الثلاثة ذئاب لأجساد بشرية، ذكورية، متحجرة، تستباح جسدها دون رحمة منهم أو شففة لبكائها وتوسلاتها.
صرخات مكبوتة لإنثى جُردت من كبريائها، وكأنها سلعة رخيصة استباحها اللعناء لينتزعوا شرفها، عفتها، لوثوا طاهرتها البريئة وأدmوا بعذريتها.
برزت عروقها بقوةٍ، ورأسها يدور على وسادتها التي تحمل دmعاتها على سطحها الرقيق، تمردت حركة جسدها بعنفٍ، وصوتها مكبوت، عاجز عن الصراخ، فانتبهت الممرضة الغافلة على المقعد المجاور لفراشها لحالتها الغريبة، فنهضت عن مقعدها وركضت خارج الغرفة الطبية التابعة لمشفى من أهم المستشفيات التابعة لدولة انجلترا، تصيح بجنونٍ: دكتور علي!
بأحد غرف المشفى المخصص لعلاج الطب النفسي، التي تحمل لافتها اسم د. على سالم.
كان يجلس على مكتبه يتابع حاسوبه باهتمامٍ، وبين يده نوته الخاص، يدون به ملاحظاته الهامه لعلاج الحالة المطروح من أمامه التسجيل الأخير من مناقشاته معها، ينصب تركيزه التام على اشارات يدها ويتمعن بقوةٍ بكل حرفٍ نطقت به، ويقارنه بما دونه مسبقًا وقت جلوسه معها، زفر على بمللٍ، نزع عنه نظاراته الطبية واستكان بجسده الممشق لخلف مقعده، يفرك عينيه بـ.ـارهاقٍ، وعقله شارد بتلك التي آسرت قلبه ويقف هو بمؤهلاته وشهادت وسامه عاجزًا عن معالجتها، مر أكثر من ثمانية شهور منذ تركهما لمصر وقدومهما لانجلترا ولم يحرز أي تقدm بحالتها، صامتة كزخات المـ.ـو.ت البـ.ـارد، يود بكل ذرة بداخله أن يستمع لصوتها ولو لمرةٍ.
يرى رغبة المـ.ـو.ت تنعكس جبريًا داخل حدقتيها، ومع ذلك مازال يبذل أقصى ما بوسعه، خاصة بأنه ليس طبيبًا عاديًا، وسعت شهورته لتمكنه وبراعته من علاج أكثر من حالة كان يستحيل علاجها، وأغلبها تابع للعائلات الهامة من انجلترا وغيرها من الدول الأخرى.
كان يُطلب بالإسم لعلاج الشخصيات الهامة من المشاهير وغيرهم، ومع ذلك يقف عاجزًا أمام حالة فطيمة التي تجعله حائرًا عما يصيب قلبه تجاهها، يرغب دائمًا بالبقاء جوارها لساعاتٍ طويلة مع إنها لا تشعر بوجوده أبدًا.
نهض على عن مقعده ودنى من شرفة مكتبه، ليحرر ستائره البيضاء وهو يلتقط نفسًا مطولاً ويده تمشط خصلات شعره البني المتناثر على جبينه، ملامسة عينيه الرمادية، ويده مربعة أمام صدره مخاطبًا ذاته.
«وبعدين يا علي، بقالك 8 شهور بتحاول بس إنك تخليها تتكلم!
معقولة يكون كلام الدكتور أبراهام صح، وحالتها ميؤس منها وملهاش علاج!
لا مش معقول الكلام ده، أكيد حالتها ليها علاج، إنت عمرك ما استسلمت يا على عشان تعملها دلوقتي، ابذل كل مجهودك معاها وأكيد هتلاقي تحسن».
وأغلق عينيه وهو يحاول تذكر أي تحسن بسيط قد حاذ به بعد رحلة علاجه الشاقة، فتجعد جبينه حينما طاف إليه ملاحظته الطفيفة، فركض لمكتبه يجذب النوت الخاص بحالة فطيمة ودون
«بعد ثمانية أشهر من بدء جلسات العلاج لم أتمكن من ارغامها على الحديث، مازالت صامتة ترفض الحديث عن ماضيها ولكن ما تمكنت من فعله الأهم من دوري كطبيب.
الآمان.
بالبداية كانت تنزعج كليًا من وجودي لجوارها بمكان واحد، جسدها يتشنج وترفض سماع أي كلمة تنبصق على لساني، ولكن الآن تتقبل وجودي لجوارها، تستمع لمحاولاتي البائسة بحثها على الحديث باسترخاء حتى وإن لم تتحدث لي ولكن بالنهاية لم تنفر من وجودي مثلما تفعل مع أي طبيب يحمل لقب ذكر بهويته! ».
ترك على القلم عن يده حينما استمع لرنين هاتفه الذي يلمع بإسم فريدة هانم، ضم على شفتيه معًا وسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب بحماسٍ: فريدة هانم، موبيلي المتواضع بيرقص في حالة من عدm الاستيعاب.
وصلت ضحكاتها لمسمعه، وأجابته: دكتور على البكاش اللي مش هيبطل يغلبني بكلامه.
وتابعت بضيق: وبعدهالك يا على كل ليلة هتقضيها عندك بالمستشفى ولا أيه؟ وبعدين مش كان بينا وعد؟
رد عليها بحرجٍ: أنا عارف إني وعدت حضرتك بإني هرجع كل يوم بدري بس غـ.ـصـ.ـب عني حالة فطيمة اللي كلمت حضرتك عنها قبل كده صعبة ومازلت بحاول معاها، ابنك الدكتور المحترف عاجز عن علاجها.
صوتها الغاضب أتاه يحذره: هو إنت مبقاش على لسانك غير اللي إسمها فطيمة دي، ما قولتلك قبل كده سلم ملفها لأي دكتور تاني، أنا كنت واثقة إنك مبقتش ترجع البيت بسبب الحالة دي وهضطر أكلم دكتور ألبرت يشوف حل للموضوع ده.
ردد متلهفًا: لأ من فضلك بلاش تكلمي المدير يا ماما. أأقصد يا فريدة هانم، هتضيعيلي خطة العلاج والمجهود اللي بذلته طول الشهور اللي فاتت من فضلك.
رق قلبها إليه، فقالت: تمام بس توعدني إنك مش هتبات بره البيت تاني، عمران أخوك مبقتش قادرله لوحدي يا على عايزاك جانبي تفوقه من اللي هو فيه.
اعتلى الضيق معالمه، وتساءل بضجرٍ: عمل أيه تاني الاستاذ؟
أجابته بضيقٍ: كل يوم بيرجع وش الفجر وهو سـ.ـكـ.ـر.ان.
جحظت عينيه صدmة، فقال بعدm تصديق: حصلت أنه يشرب خمرة!
ردت بسخط: ومستني أيه منه طول مهو متلم على السنكوحة اللي إسمها ألكس هي والشلة الحقيرة اللي معاها، المشكلة إنه مش قادر يستوعب إنها لا تليق باسمه ولا تنفعه ومع ذلك لسه بيقابلها ومش مدي اهتمام خالص لبـ.ـنت خالتك.
كان حذرًا باختيار رده: يا فريدة هانم حضرتك عارفه من البداية إن عمران مهوس بألكس حضرتك اللي صممتي تجوزيه مايسان وهو مش بيحبها فكل ده كان متوقع من البداية.
أجابته باعتراض: ده لمصلحته ولو أخر يوم في عمره مش هسمحله يدخل الحقيرة دي وسطينا.
ونهت حديثهما الغير مستحب لها حينما قالت: المهم، إرجع البيت عشان حفلة افتتاح الشركة الجديدة لراكان خطيب أختك.
وتابعت: أنا جبتاك بدلة فخمة، هتلاقيها متعلقة في أوضتك.
ضم منخاره بتأففٍ من عاداتها الغير مجدية للتغير، قائلًا: مكنش له داعي، أنا كنت هلبس أي بدلة رسمية من عندي.
اعترضت لما قال، وكأنه تفوه بحماقاتٍ، فصاحت: على من فضلك حافظ على شكل العيلة، وسبق وإتكلمت معاك قبل كده.
ردد بعدm تصديق: وهي يعني البدالة اللي هترفع من مكانة العيلة!
واستطرد بيأسٍ: حاضر يا فريدة هانم، هكون في الحفل بالمعاد وبالبدالة اللي حضرتك اختارتيها.
أجابته بإعجابٍ: عفارم عليك يا دكتور.
أغلق الهاتف وهو يلقيه على مضضٍ، ليتفاجئ بالممرضة تقتحم غرفته وهي تردد بنبرتها الانجليزية: دكتور علي، على ما يبدو بأن المريـ.ـضة فطيمة تواجه مشكلة ما، أرجو أن تسرع لغرفته في الحال.
فور نطقها بإسمها حمل حقيبته الطبية وركض إلى غرفتها بهلعٍ، جعل المحاطين به يتأملونه وهو يتخلى عن مكانته ومظهره المعتاد ويركض كالأحمق، ولج على لغرفتها سريعًا وإتجه للفراش، فتيقن إليه عودة تلك الاحلام المنفرة إليها.
سبق له العلم بمختصر ملفها الطبي بما خاضته مسبقًا، لذا كان يعلم ماذا يزورها بكوابيسها، فحاول أن يجعلها تسترد وعيها حينما ناداها بلهفةٍ: فطيمة، سامعاني؟
وهز جسدها وهو يردد: ده كابوس ولازم تفوقي منه.
وحينما لم يجد أي ردة فعل، جذب جسدها إلى صدرها ليرغمها على الجلوس وهو يناديها: فطيمة. افتحي عيونك.
رفعت أهدابها بتثاقل عن بنيتها الدامعة، فتقوست معالم وجهها بشراسة وجسدها ينقبض بين ذراعيه دون توقف، ارتعب على من حالتها الغير مبشرة بالمرة، فصاح بالممرضة التي تراقب الوضع من أمامها: أشلي احضري لي إبرة ال## في الحال.
أومأت برأسها واتجهت للحقيبة التي تركها، فملأت الأبرة الطبية بمحتويات العُلبة التي أخبرها بها، وناولتها له، فقيد على حركة جسدها المنفعلة بحرافيةٍ، وزرع الأبرة داخل عرق رقبتها المنتفض، وبسهولة تمكن من بث محتويات الأبرة الطبية داخلها، فاستكانت حركة جسدها في نفس لحظة خروج المحقن من جلد رقبتها.
مالت فطيمة برأسها على ذراعه، وعينيها الباكية تتأمل عينيه القريبة منه بسكونٍ رغم انـ.ـد.مال دmعاتها دون توقف، وكأنها تشكو إليه بنظراتها الصامتة قسوة ما تتعرض له، تألــم قلبه وذُبح فؤاده، لا يعلم ما يصيبه حقًا وهو لجوارها!
ظل يتأملها لدقيقةٍ ونظرات الممرضة لا تفارقهما بدهشة اعتادتها تجاه علاقته الغريبة بتلك المريـ.ـضة المغربية.
تهدل ذراع على الحامل لرأسها على الوسادة وظل لجوارها يبعد عنها خصلات شعرها المتمردة على عينيها وهو يهز رأسه مرددًا وعينيه لا تفارق نظراتها المستكينة عليه: ده كابوس وانتهى يا فطيمة، إنتِ بخير ومفيش حد يقدر يمسك بسوء تاني.
اهتزت الصورة من أمامها، وأغلقت جفنيها الثقيل استسلامًا لفعل المنوم السريع لتهدئة أعصابها، ومازال على لجوارها، نظراته منصوبة عليها بتأثرٍ، وكأن نظراتها نفذت داخل أضلعه مستهدفة قلبه المسكين، ضعيف القوة أمام وجهها الملائكي، ومشاعره التي حملها لها منذ لقائهما الأول بمشفى القاهرة!
تململت بنومتها بانزعاجٍ حينما قبضت ذراع مايسان على ذراعها وهي تحاول افاقتها مرددة: يوه بقى يا شمس، كل يوم تطلعي عيوني لما تقومي!
واسترسلت بمكرٍ وهي تتجه للباب: أنا كده هروح أنادي فريدة هانم تيجي هي تقومك بنفسها.
فتحت بنيتها بصدmةٍ، وتخلت عن غطاءها وعروستها اللعبة التي لا تتركها، وهي تصيح برعـ.ـبٍ: لا تفعليها مايا، انظري لقد استيقظت.
ضحكت وهي تراقبها تركض لحمام الغرفة، فلحقت بها تقف على باب الحمام، فرأتها تغسل وجهها بسرعةٍ، هزت رأسها باعجابٍ: شكلي كده عرفت كلمة السر اللي هستخدmها معاكِ كل يوم.
وأشارت لها قبل أن تبتعد: متلبسيش هدومك، فريدة هانم بنفسها جابتلك فستان وشوية والخدm هيوصلوهولك.
تهدلت معالمها بضيقٍ ملحوظ: بس مامي ذوقها مش بيعجبني يا مايسان.
وقفت أمام المرآة تعدل من حجابها الفضي، وكنزتها السوداء لتجيبها ومازالت ترتب حجابها: لو عتدك الجرءة روحي وبلغي فريدة هانم بكلامك غير كده فأنا مش هقدر.
ازاحت شمس عن شعرها الأسود المنشفة، وهي تجيبها بسخرية: لن أفعلها بالتأكيد، على أي حال سأرتديه مرغمة مثل ذهابي للحفل الممل الذي لا أرغب بالذهاب إليه.
واسترسلت ببعض الألــم الذي تسلل لزوجة أخيها: ومثل الزوج المثالي الذي إختارته لي فريدة هانم، كل شيء هنا يحدث دون رغبة مني.
تحركت مايسان بعيدة عن المرآة، فجلست جوارها واضعة يدها على ساقيها وبحنان قالت: شمس حبيبتي، عايزة أقولك حاجة وإفهميها كويس، فريدة هانم مش أنانية هي بتختارلك الأصلح والأفضل ليكي راكان شخص محترم وبيحبك ولو عايزة رأيي هقولك إنتِ كده كده مفيش حد في حياتك فخلاص اديله فرصة وأكيد هتحبيه.
زفرت بضيقٍ وقالت: هحاول أديله فرصة مع إني مش طايقاه!
انتهى على من عمله، فوضع الحاسوب الصغير بحقيبته السوداء ثم جمع دفتره والأوراق، نزع عنه البلطو الطبي واستعد للمغادرة فإتجه للدرج، وتوقف فجأة والبسمة تطوف به، أراد أن يودعها قبل مغادرته المشفى، لقائه المستمر بها لا يشبع عينيه التي ترغب بالتطلع لوجهها الهادئ، برائتها الطاغية عليها.
طرق على الباب فانتبهت الممرضة التي تهم للمغادرة إليه، هز رأسه بتحية مختصرة إليها وهو يستكمل طريقه للمقعد المقابل لفطيمة الجالسة على الفراش وعينيها تهيم بالفراغ بشرودٍ، أوقف على الممرضة قبل خروجها حينما قال بعصبية وهو يجذب الحجاب الملقي جوارها بإهمالٍ: أخبرتك كثيرًا بإن فطيمة مسلمة، من فضلك لا تتركيها دون حجابًا مجددًا.
زمت الطبيبة الانجليزية فمها بسخطٍ، ومع ذلك ردت ببسمة سخيفة: حسنًا.
قالتها باقتضابٍ وغادرت، فجلس على مجددًا وعلى وجهه ابتسامة ساحرة، يراقب تلك التي تهيم بالفراغ بجمال عينيها وانتظام أنفاسها، فقال وقلبه يخقق إليها: تعبتيني معاكي يا فطيمة، بقالي 8شهور بحاول معاكِ وبردو مفيش أي نتيجة.
زوى حاجبيه باستغراب لحق نبرته: أنا كنت فاكر إنك لما تيجي هنا هتتحسني، اللي مستغربه بجد إني وأنا في مصر سمعتك بتغني قبل كده في المستشفى، وكنتي بتتكلمي مع الدكتورة يارا وحالتك كانت بتستجيب ليها.
واسترسل وهو يتساءل بحـ.ـز.نٍ: معقول حالتك اتدهورت لما أنا اللي مسكت ملفك!
لم يرمش لها جفنًا وكأنها لم تسمعه من الأساس، فابتسم وهو يقول بصوته الرخيم المحبب لها: متقلقيش أنا مش جايلك دلوقتي عشان نبدأ جلستنا أنا كنت راجع البيت وحبيت أعدي عليكي.
وتابع وعينيه لا تتركها: أقولك سر.
خـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة حوله قبل أن يقترب بمقعده لها وهو يتابع بهمس: أنا برتاح أوي لما بشوفك، بحب الهدوء والــســكــيــنــة اللي بحس بيهم وأنا جانبك.
وردد بمرحٍ: مش عارف مين فينا الدكتور المعالج هنا أنا ولا إنتِ!
ضحك بصوته الرجولي الجذاب، ورفع يده يتابع ساعة يده، فأسرع بالنهوض وهو يشير لها: يا خبر إتاخرت جدًا، فريدة هانم هتعلقني على سور البيت، ده لو بوابته اتفتحت ليا أساسًا.
واسترسل بمزحٍ: فريدة هانم دي تبقى والدتي.
واتجه للخروج ثم عاد يميل للفراش وهو يغمز لها: سر تاني هقولهولك فريدة هانم مبتحبش حد يقولها ماما لازم فريدة هانم عشان حياتنا تستمر مع إن إسمها مكتوب في شهادة الميلاد إنها أمي بس هي مش مقتنعة بده.
وغادر على الفور، ليته انتظر دقيقة واحدة ليرى البسمة التي تركها على وجه التي البائسة التي مازالت تحارب الذئاب التي تنهش لحمها المهتري!
فور خروجهما من الجامعة، تحرك بهما عمران للحفل وهو يراقب هاتفه ببسمة ماكرة، أقسم على رد الصاع إليها، وجودها بالشركات لجواره لا يرغب به لإنه يعلم بأنها تصل كل شاردة وواردة لوالدته، عدل عمران المرآة ليتمكن من رؤيتها جيدًا، فوجدها تتحدث مع شقيقته شمس الجالسة لجوارها، فاستكمل طريقه حتى وصل بهما لمقر الحفل الصباحي، هبط برفقتهما، جاذبًا بوكيه الورد من صندوق السيارة، ثم أشار لشقيقته: يلا يا شمس، ادخلي.
هزت رأسها وتركتهما وولجت للداخل تبحث عن راكان لتكن لجواره بمناسبته، بينما انتظرته مايسان لتدخل معه فوجدته مازال يقف بالخارج، تساءلت بدهشة: مش هندخل ولا أيه يا عمران؟
منحها نظرة كراهية، قبل أن يُحقر من شأنها: إنتِ فاكرة إني هدخل الحفلة معاكي إنتِ!
جحظت عينيها بصدmةٍ وهي تحاول تحليل حديثه المبطن، فدنت منه وهي تردد بذهولٍ: أوعى تقولي إنك هتجيب الحـ.ـيو.انة دي وتظهرها قدام الصحافة والتلفيزيون، دي كانت خالتي راحت فيها!
وضع يده بجيب جاكيته وجذب العلبة الزرقاء القطيفة وهو يجيبها: ومش بس كده، جايبلها خاتم ألــماظ تمنه فوق ال30مليون دولار.
غرس سهمًا قـ.ـا.تل بصدرها، فكادت دmعاتها بالانسدال على وجهها، ومع ذلك قالت بثبات: عمران الحفلة كلها رجـ.ـال أعمال مينفعش تبان قدامهم بالشكل ده، صدقني أنا خايفة عليك وعلى مكانتك وسطهم أ.
أعاد العُلبة بجيب جاكيته، وقال ساخرًا: والله مكانة شركاتي دي تخصني لوحدي، ولا تكونيش فاكرة إن العشرة في المية اللي كاتبتهملك فريدة هانم بعد الجواز هيدوكي الحق إنك تشوفي نفسك من ملاك الشركات.
قبضت على حقيبتها الفضية بقوةٍ، ومازالت تحاول التحكم بانفعالاتها، فقالت: سبق وقولتلك ألف مرة إني مش عايزة حاجة، ومستعدة أتنازلك عنهم حالًا.
وتابعت بقسوة لتسترد حق كرامتها المهانة: إنت الظاهر اللي بتنسى ونسيت أنا أبقى مين وبـ.ـنت مين؟
دنى منها فتراجعت للخلف حتى اصطدm جسدها بالسيارة فباتت محاصرة به، تطلعت لعينيه الرمادية بـ.ـارتباكٍ وحبًا تجاهد بدفنه داخلها، واتجهت لشفتيه التي تردد بحنقٍ: فلقتيني بابوكي وبنسبك العظيم يا بـ.ـنت الأكابر.
ومال لرقبتها يهمس باستحقارٍ: ما كنتِ اتجوزتي واحد من شركاء أبوكي ورحمتيني من البلاء ده.
تهاوت دmعتها رغمًا عنها، فابعدتها عن وجهها، وهي تردد بثبات: عمران لما نرجع بيتنا هني براحتك، دلوقتي خلينا ندخل قدام الصحافة وبلاش تنفذ اللي في دmاغك، فريدة هانم ممكن تعـ.ـا.قبك لو اتسربلك خبر مع البـ.ـنت دي.
وتابعت وهي تبتلع خصتها المؤلمة: جوه إبقى أقف مع الهانم بتاعتك براحتك.
راقب ثباتها الغريب بدهشةٍ، ومع ذلك ردد بسخرية: خايفة عليا من عقـ.ـا.ب فريدة هانم ولا خايفة الصور توصل لعثمان بيه أبوكي!
منحته نظرة شملت الألــم بين طياتها، فتجاهلته واستقامت بوقفتها متجهة للداخل، لحق بها عمران ومازال يحاول العثور على عشيقته.
وجدته يقف برفقة رجـ.ـال الأعمال، فتصنعت بسمتها الرقيقة ودنت منه تناديه على استحياءٍ: راكان.
استدار لها بقامته الطويلة، وهو يعدل من جاكيت بذلته الزرقاء، ليردد ببسمةٍ هادئة: أووه بيبي!
وضمها إليه وهو يشير للرجـ.ـال المحاطين به: أحب أعرفكم، شمس هانم خطيبتي.
قابلتهم ببسمةٍ مجاملة وايماءة رأسها، مرت الدقائق عليها ومازالت تقف جواره، تجده مشغول بالحديث برفقة رجـ.ـال الاعمال عن المشروعات والصفقات القادmة، مثلما اعتادت منه حينما يزور قصرهم، يقضي الوقت برمته برفقة أخيها عمران بالحديث عن الأعمال، شعرت شمس بالملل، فمررت أعينها على مراسم الحفل بنفورٍ، فلمحت سلم رفيعًا جذب انتباهها، لاحت على شفتيه ابتسامة تسلية، فتسللت للبوفيه الموضوع، ثم جذبت منه طبقًا به خبز التوست، والتقطت النوتيلا الصغير الموضوعة جانبًا، وتسللت للدرج الصغير المؤدي للأعلى، لا تعلم بأنه يسوقها لقدرها المحتوم!
ترك راكان الجمع فور رؤيته لعمران وزوجته، فاتجه إليهما يرحب باحترامٍ: عمران باشا منور الحفلة.
احتضنه عمران وهو يهنئه قائلًا: مبـ.ـارك يا وحش السوق.
رفع حاجبيه باستنكارٍ: هنيجي فين جانبك.
وتابع بمزحٍ: بنحاول نتعلم منك احنا لسه بنبتدي على الهادي.
تعالت ضحكاتهما، ليقطعها صوت مايسان الرقيق: ألف مبروك يا استاذ راكان وأن شاء الله تكون فتحة الخير لحضرتك.
منحها ابتسامة واسعة، وهو يشير لها بامتنانٍ: مايسان هانم أشكرك، حقيقي تشريفك هنا النهاردة ده شرف ليا.
رد على استحياء: الشرف ليا أنا.
وتساءلت باستغراب وهي تتفحص القاعة: أمال فين شمس؟
استدار حوله وقد تذكر أمرها: كانت هنا من شوية.
بزغت عينيها صدmة، حينما أحاطت تلك الأفعى بزوجها، تضع القبلات الجريئة على خده وعنقه وهي تردد بمياعةٍ: افتقدتك عزيزي.
لف ذراعه حولها بفرحةٍ وهو يردد: كنت واثق أنكِ ستأتين.
رمش راكان بعينيه بدهشةٍ، من رؤيته لتلك الفتاة تحتضن عمران بتلك الطريقة الفاضحة أمام زوجته، وعلى ما يبدو له ادراكها للأمر مسبقًا، لم يعنيه الأمر كثيرًا فتلك الامور المعتادة بين طبقة رجـ.ـال الأعمال، فانسحب من بينهما حينما وجد على يدلف من باب القاعة، أسرع إليه يرحب به: دكتور على مش معقول إنك أخيرًا خرجت من قوقعتك الطبية وجاي تحضر معانا الحفلة!
ضحك وهو يضمه ليهمس له بحنق: مجبور والله يا ابو نسب، دي أوامر فريدة هانم ولازم تتنفذ ما أنت عارف.
تعالت ضحكاته بعدm تصديق لما تفوه به، فتابع على وهو يتفحص الجمع: أمال فين عمران وشمس؟
أشار له على الطاولة التي جمعت أسرته، فتركه وولج للداخل ليتفاجئ بمايسان تجلس على الطاولة بمفردها وعينيها تجوب من يقف بالبعد عنها يحتضن عشيقته ويضمها لجسده بطريقة مخجلة، دنى منها فما أن رأته حتى أزاحت دmـ.ـو.عها وهي ترسم بسمة صغيرة مرددة: علي!
جلس قبالتها يتأملها بحـ.ـز.نٍ، فقال وهو يقدm لها علبة من المناديل: امسحي دmـ.ـو.عك يا مايسان، الكـ.ـلـ.ـب ده ميستهلكيش.
وردد وهو يتابع أخيه: بس متقلقيش أنا هعرف ازاي أوقفه عند حده هو والزبـ.ـا.لة اللي معاه دي!
بأعلى سطح الشركة.
جلست على السور الخارجي، تضع النوتيلا على الخيز وتتناولها بتلذذٍ، قدmيها ترفرف بحرية واستمتاع، خصلات شعرها المموج تتطاير من خلفها وضحكاتها تتناثر دون توقف وهي تقص موقفها المضحك لرفيقتها، فقالت وهي تقضم قطعه من الخبز: اهدائي قليلًا جومانه، ماذا عساني أفعل بالأسفل، راكان الأحمق لا يجيد سوى الحديث بما يخص الشركات، ليته يعلم بأنني لا أطيق رؤية وجهه الساذج.
انكمشت تعابيرها بغـــضــــب لحق نبرتها: بربكِ يا فتاة، تعودين لاسطوانة رجل الاعمال الناجح الوسيم أنا لا أراه وسيمًا!
وأغلقت الهاتف وألقته جوارها وهي تردد: هحجزلك كرسي جنب فريدة هانم، عشان تحكوا طول النهار عن الطبقة الآرستقراطية!
أيه ده إنتي بتتكلمي عربي!
صعقت حينما اقتحم صوتًا ذكوريًا عالمها المثالي، فاستدارت للخلف تراقب من يقف خلفها، لتجده شابًا جذابًا يرتدي حلى سوداء اللون، شعره بني غزير مصفوف بحرافيةٍ وكأنه قضى نهاره بتصفيفه، عينيه سوداء قاتمة كسواد الليل المخيف، اقترب منها وهو يحاول منع ضحكاته بالوصول إليها، وخاصة وهو يتفحص ما بيدها، فقال وهو يشير بعينيه: في نوتيلا على وشك!
حاولت ازاحتها بيدها فسقط الطبق منها، رفعت يدها الاخرى تزيح بها فسقطت عنها النوتيلا، انفجر ضاحكًا على هيئتها، فاقترب منها وهو يشير: خليني أساعدك.
وانحنى يجمع ما سقط عنها ومازالت تراقبه عن كثبٍ، فقالت بـ.ـارتباك: أنت سمعت كلامي كله؟
رفع عينيه إليها وهز رأسه مبتسمًا، ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر وتساءلت بحماقة: هتقول لحد؟
قدm لها النوتيلا وصمته يطول به ويقلقها، إلى أن قال بثبات: إنتِ عندك حق الجو تحت ممل، خليكي هنا مع النوتيلا.
وتركها وكاد بالمغادرة، فاوقفته قائلة: استنى عندك، مقولتليش إنت مين؟
استدار إليها ليطوفها ببسمةٍ هادئة، قبل أن ينطق: أنا آدهم الحارس الخاص براكان باشا ودراعه اللمين.
انفلت فمها أرضًا، فتعالت ضحكاته مجددًا، فدنى إليها وهو يتفحص ملامحها الملائكية بنظرة خاطفة، قبل أن يهمس لها باحترامٍ: أنا مشوفتكيش ومسمعتش حاجة، متقلقيش يا شمس هانم.
منحته ابتسامة رقيقة، ورددت بتشتتٍ: أنا بشكرك. بس أنا فعلا بشوف راكان ده شخص بـ.ـارد ومعقد.
اصابته نوبة ضحك مجددًا، تخلى عنها فور سماعه رنين هاتفه، فرفعه وهو يحاول جاهدًا السيطرة على ضحكاته مرددًا: أيوه يا باشا، دقايق وهكون عندك.
وتركها وكاد بالمغادرة ولكنه استدار ليخبرها: أنا كمان نظرتي ليه شبه نظرتك.
وغادر تاركًا بسمة ساحرة مرسومة على شفتيها، فضمت النوتيلا إليها وهي تردد بعينين ترمشان دون تصديق: معقول أكون لقيت فارس أحلامي!
بالأسفل.
تعلقت عينيها بالخاتم الالماسي بعدm تصديق، فتعلقت برقبته وهي تردد بعدm تصديق: أووه حبيبي. شكرًا لك.
ابتسم وهو يهمس لها بجراءة: لا. اشكريني حينما نصبح بمفردنا بغرفتنا، أشتاق لكِ ألكس.
أمسكت يده وغمزت له: فلنذهب اذًا.
توقف عن تتبعها حينما أوقفه علي، ليصبح في مواجهته، لعق عمران شفتيه بـ.ـارتباك وهو يردد: علي
↚
وزع نظراته الغدافية بينه وبين تلك الفتاة التي ترتدي ثيابًا شبه عارية من أمامه، غض على بصره عنه ليسلطها على أخيه، آمره بنبرة قطعية: عايزك. تعالى معايا حالًا.
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ، وردد بصوتٍ منخفض: بس آآ...
قاطعه على بحزمٍ: قدامي يا عمران، بدل ما صوتي يعلى قدام الناس.
دنت ألكس من عمران تتحسس صدره بطريقة تقزز منها على للغاية، وقالت بدهشةٍ: ما الأمر عمران؟
حاول عمران إبعادها عنه وهو يتابع نظرات أخيه القـ.ـا.تلة، فهمس لها: انتظريني بالفندق ألكس، سألحق بكِ بعد قليل.
هزت رأسها على مضضٍ، وتركتهما وغادرت، فاحتل ثغرها ابتسامة تسلية فور رؤية زوجته تجلس على الطاولة القريبة منهم، فاتجهت وجذبت المقعد المقابل لها، تشنج جسد مايسان فور رؤيتها لها تجلس قبالتها، فصاحت بانفعالٍ: من سمح لكِ بالجلوس هنا.
دنت بجسدها من الطاولة وهي تخبرها بمياعةٍ: ستعتدين رؤيتي بأي مكانٍ يزوره عمران.
تهجمت معالم وجهها بصورةٍ ملحوظة، فوضعت ألكس ساقًا فوق الأخرى لتتعمد أن تريها ساقيها البيضاء العارية من أسفل الهوت شورت المقزز الذي ترتديه، مسترسلة: هيا مايسان عليكِ تقبل وجودي بحياة زوجك، استسلمي لتلك الحقيقة.
زوت حاجبيها بتهكمٍ: حقيقة إنكِ وقحة وعاهرة رخيصة.
تعالت ضحكاتها بشكلٍ صدm مايسان التي تأملتها بتقززٍ، وكأنها معتادة لسماع تلك الكلمـ.ـا.ت البذيئة، تعمدت ألكس أن تنهض وتجلس قبالتها على الطاولة لتستمع لما تقول جيدًا: لا، حقيقة إن عمران لن يقترب منك ما دmت أنا بحياته، بربك كيف سيراكِ وعينيه لا ترى سوى جمالي.
وجذبت سيجارًا تضعه بفمها وهي تستكمل بتحدٍ: اقترب اليوم الذي سيجردك به عمران من زواجك أعدك بذلك.
ونهضت من على الطاولة وهي تسحب به حقيبتها لتغادر، فتفاجئت بها تجذبها لتقف أمام عينيها، لتخبرها مايسان بتحدٍ وقوة لم تغادر شخصها القوي أبدًا: وأنا أعدك بأنني لن أترك زوجي لعاهرة وضيعة مثلك، لا تنتظري هذا اليوم عزيزتي، لآنه إن أتى ستكونين إنتِ المجردة ولست أنا.
وتركتها مايسان وغادرت تحت نظرات ألكس المشتعلة، فرددت بحقد: لنرى من منا سينتصر بالنهاية.
بالقرب من مقر شركة راكان المنذر.
وقف قبالته يصيح بغـــضــــب جعل عروفه بـ.ـارزة للغاية: خلاص مش لاقي حد يوقفك عند حدك يا عمران!
رفع رأسه إليه وقال بهدوءٍ: أنا معملتش حاجه يا علي، فريدة هانم اللي أجبرتني أتجوز مايسان بـ.ـنت خالتك وأنا مبحبهاش هعمل أيه يعني؟
رمقه بنظرةٍ ساخرة، اتبعها رفع يده يشير له: تزني وتشرب خمرة ده اللي تعمله!
لعق شفتيه بتـ.ـو.ترٍ وقال بتلعثمٍ: ألكس رافضة ترتبط بيا، إنت عارف إن ديانتنا مختلفة وآآ.
جذبه من تلباب جاكيت بذلته وهو يصيح بانفعالٍ: أنت جنس ملتك أيه! واقف قدامي بكل بجاحه تبرر وساختك، إنت عارف مصيرك أيه!
وتابع وهو يحتد من مسكته: أنت نسيت هنا دينك يا عمران ونهايتك هتبقى أبشع مما تتخيل، إبعد. إبعد عنها وعن الشياطين اللي حوليها.
وابتعد عنها وهو يحاول التماسك عن عصبيته، زفر بغـــضــــبٍ مما يفعل وعاد يقف قبالة أخيه الصغير، يربت بحنان على صدره ويعدل من جاكيته الغير مهنـ.ـد.م بفعله، وقال بهدوءٍ: يا عمران إفهم مفيش حد في الكون كله يستاهل إنك تعصي ربنا وترتكب كبائر زي دي، بص حوليك وشوف ربنا كارمك بأيه وأنت غافل عنه، شوف نجاحك في شغلك، والزوجة الصالحة اللي ربنا رزقك بيها، امسك فيها بايدك وسنانك وخليها تطلعك بعيد عن القرف اللي إنت بقيت عايش فيه ده.
رفع رماديته الشبيهة لاخيه إليه ليرى دmعته المستكانة داخله، وكأنه يخبره شيئًا تفهمه علي، وقال: أنا مش هفرض عليك تعيش معاها زي فريدة هانم، بس أنا مش عايزك تظلمها معاك لو مبتحبهاش طلقها وسبها تعيش حياتها مع شخص تاني يديها اللي إنت مقدرتش تدهولها.
أجابه بحـ.ـز.نٍ: وتفتكر إني محاولتش أعمل كده يا علي، حاولت بس فريدة هانم هددتني إني لو طلقت مايسان هتحرمني من الورث ومن كل حاجة.
وتابع وهو يتجه للشجرة القريبة منه، يتكأ عليها بتعبٍ يضـ.ـر.به نفسيًا، فالتقط نفسًا ثقيل واستدار يخبر أخيه: لما أنت كنت في مصر أنا أصريت أطلقها عشان أنهي العـ.ـذ.اب اللي معيشها فيه ده، بس ماما عـ.ـا.قبتني وأخدت مني الكريدت كارت وسحبت مني العربية وكل حاجه بمتلكها.
واسترسل بقلة حيلة: مكنش في قدامي حل تاني، بضغط على مايسان بكل قوتي عشان هي اللي تقف قدامها وتطلب الطـ.ـلا.ق.
ضحك ساخرًا وهو يشير له باستحقارٍ: قصدك بتهنها وبتدوس على كرامتها، كرامة مراتك اللي هي المفروض كرامتك.
حاول تبرير ما يفعله حينما قال: عايزني أعمل أيه يعني!
صاح بعصبية بالغة: تخليك راجـ.ـل ولو لمرة واحدة في حياتك، تقف قدام ماما وترفض الجوازة دي، ولو حرمتك من الفلوس والأملاك في داهية المهم بلاش تعصي ربنا بعلاقتك القذرة دي وبظلمك الكبير لانسانة بريئة ملهاش ذنب غير إنها بتحبك من وإنتوا عيال صغيرين وأنت أعمى عن حبها ليك.
واسترسل وهو يمنحه نظرة أخيرة: إنت ماشي في طريق كلها معاصي بداية من الخمرة للبـ.ـنت اللي انت ماشي معاها. صدقني يا عمران إنت مش أد غـــضــــب ربنا عليك.
وتركه وغادر على الفور، تاركه يعيد حساباته التي تنتهي جميعًا فور رؤيته لتلك الملعونة.
خرجت مايسان تنتظره جوار سيارته والدmـ.ـو.ع مازالت تختم على وجهها، لا تعلم لماذا تحمل الحب له بالرغم من الكراهية الواضحة بعينيه لها، مازالت تفتقده. تفتقد تلك الليالي التي كانت تقضيها بانتظار هبوطه لمصر برفقة والدته كل عامٍ، كيف كان يبتسم فور رؤيتها ويقضي أغلب الأوقات برفقتها، كان لا يفترق عنها أبدًا، تاركًا الجميع يظنون بأن بينهما قصة حب عظيمة نهايتها الزواج المتوقع، وحينما حدث ذلك تفاجئت بوجود تلك الفتاة بحياته، وكأنه شخصًا أخر غير ذاك الذي كانت تلتقي به كل عامٍ، ترسخ داخلها بأنه كان يستغلها بالفترة التي يقضيها بمصر، ولكنه لم يسبق له بأن تعدى عليها مرةٍ، كان يعاملها برفقٍ وحبًا ينبع داخل عينيه، أزاحت دmعاتها حينما وجدت على يدنو منها ليشير لها: يلا نرجع البيت يا مايسان، شمس راكان قال هيوصلها.
رفضت الانصياع إليه مرددة بتصميم: أنا جيت مع جوزي وهرجع معاه.
أغلق باب سيارته وعاد يقف قبالتها، قائلًا بعدm تصديق: بعد اللي عمله جوه ولسه عايزة تركبي معاه!
تدفقت دmعاتها على وجنتها، فابعدتها عنها وهي تخبره بصوتٍ منكـ.ـسر: أحسن ما أسيبه يروحلها.
رمش باهدابه تأثرًا بها، فهمس بصوتٍ حزين: غـ.ـبـ.ـي ومش مقدر الجوهرة اللي معاه.
ورفع من صوته يخبرها وهو يعتلي سيارته: لو حصل حاجة كلميني.
اكتفت بهزة بسيطة من رأسها، وتوجهت لتقف جوار سيارة عمران حتى خرج فوجدها تنتظره، وضع يده بجيب بنطاله وتساءل بضيقٍ: مركبتيش مع على ليه؟
ردت عليه بثباتٍ قـ.ـا.تلٍ: أنا مجتش معاه عشان أرجع معاه!
سحب نفسًا مرهقًا وأشار لها بالصعود باستسلامٍ، تحركت بآليةٍ تامة لتجلس جواره، فخيم السكون عليهما طوال الطريق، تكبت هي بكائها بحرافيةٍ اعتادت عليها ويفكر هو بحديث أخيه، حتى توقف بها أمام المنزل، انتظرته يهبط ولكنه بقى بمقعده فعلمت بأنه يوصلها وسيغادر على الفور، لم تتمكن مايسان اخفاء دmعاتها طويلًا، فتحركت يدها المرتشعة تقبض على معصمه المتعلق بالقيادة، انتبه لها عمران فلف وجهه إليها، فاندهش حينما وجدها تتطلع له بعينان باكيتان، وصوته الشاحب يردد: بلاش تروحلها يا عمران، بلاش تكـ.ـسرني بالشكل ده كل يوم، أنا لسه عندي أمل إنك هتسيب كل ده وترجعلي.
تألــم قلبه القافز بين ضلوعه، لا ينكر بأنه كان يكن لها حبًا في وقتٍ مضى من حياته، ولكن فور ظهور ألكس بحياته منذ ثلاث سنواتٍ وهو لا يرى سواها، وكأن مايسان لم تزور قلبه في يومٍ مضى، طال صمته ووصلت لها إجابته، فسحبت يدها عنه وخرجت من السيارة على الفور.
انهال عمران بجسده للامام وهو يواجه كل ما يعتريه من ألــمٍ مبالغ به، سئم من حياته ومما يواجهه بمفرده، فحسم أموره بإنهاء عـ.ـذ.ابه وخــــوفه الشـ.ـديد من الله عز وجل، حرك المفتاح ليقود سيارته من جديد متوجهًا للفندق، تاركها تراقبه من الشرفة بانهيارٍ تام، جعلها تجلس أرضًا متعلقة بالستائر التي تكبت بها صراخاتها. صرخات أنثى تعافر لاسترداد حبيب طفولتها الغائب خلف فترة مراهقة لا تود تركه أبدًا.
صعود مايسان لغرفتها ومغادرة عمران زرع الشكوك داخلها، فصعدت لغرفة ابنها تطرق بابه وحينما استمعت لآذنه ولجت للداخل، فوجدته يبدل ملابسه، منحته فريدة نظرة متفحصة قبل أن تتساءل بحدةٍ: إنت راجع تاني المستشفى يا علي؟
منحها ابتسامة جذابة، ودنى منها يطبع قبلة على جبينها ويدها مرددًا بحبٍ: مساء الجمال كله على أجمل قمر بالكون كله.
كعادته ينجح بنثر السعادة على وجهها، ابتسمت وهي تردد بنفاذ صبر: دكتور على البكاش إنت لحقت تقعد معايا عشان تلبس وترجع تاني.
اتحه لخزانته يجذب حذائه الأسود، فجلس على حاملة الأحذية يرتديه وهو يجيبها: هعمل أيه بس يا فريدة هانم لازم أرجع عشان عندي كام كشف مهم النهاردة، مقدرش أعتذر للأسف، بس وعدي مازال مستمر هرجع بدري.
هزت رأسها وهي تشير له: عفارم عليك.
اخفى بسمته على كلمتها المعتادة، التابعة لعهد مضى ومع ذلك تمعن بنظرته المحبة لها، شعرها القصير المرتب حول وجهها، فستانها الآنيق، وحذائها ذو الكعب العالي الذي إعتاد رؤيتها ترتديه أينما كانت، حتى ولو بالمنزل، عينيها العسلية المزينة بالكحل الأسود وبشرتها البيضاء الصافية.
أحيانًا يشعر وكأنها شقيقتها الكبرى وليست والدته بالمرةٍ، مازال حتى تلك اللحظة يتقدm إليه عدد من الرجـ.ـال لخطبتها، فضحك رغمًا عنه حينما تذكر كيف كانت تغـــضــــب وتثور وخاصة حينما كان يخبرها على بأنه ليس معترضًا آن أردت الارتباط.
كعادتها تعيد عليه حساباتها الدقيقة حول تضحيتها بالزواج في سنٍ مبكر، وبالأخص بعد وفاة والده كانت حينها تبلغ الثلاثون من عمرها.
أفاق من شروده على صوتها المنادي: روحت فين يا علي!
تنحنح بحرجٍ: مع حضرتك.
عادت تكرر ما قالته مجددًا: سألتك اللي إسمها ألكس حضرت الحفلة؟
سحب عينيه عنها بـ.ـارتباكٍ، وادعى انشغاله بتصفيف شعره، مرددًا: مخدتش بالي.
احمرت عينيها، فنهضت عن الفراش وتوجهت للخروج قائلة: ردك وصلني.
انتهى الحفل أخيرًا وانتهى دورها المثالي بالوقوف مع خطيبها المزعوم بحفلٍ هامٍ هكذا، انتهت شمس من تناول طعامها، فجذبت منديلًا ورقيًا تجفف فمها قائلة بضجرٍ: راكان أنا كده أتاخرت، خلينا نمشي بقى.
ابتلع ما بفمه قائلًا وهو يلتقط مناديلًا ورقيًا: أوكي يا بيبي، هنتحرك حالًا.
انطلق رنين هاتفه الذي لا يكف عنه، فأشار لها بحرجٍ حينما وجدها تتأفف بغـ.ـيظٍ: معلشي، ثواني وراجعالك.
وتركها تجلس على الأريكة التابعة لمكتبه السفلي، وابتعد يجيب على هاتفه، ابعدت شمس الطاولة القصيرة عنها ونهضت تتمشى بالخارج بضيقٍ شـ.ـديد، فتحت الباب الزجاجي بالطابق الأرضي ووقفت تتنفس الهواء المنعش ببسمةٍ ساحرة، فتحت عينيها على مهلٍ لتتفاجئ بالحارس الشخصي يقف على بعدٍ منها، لاح على وجهها بسمة صغيرة، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة على راكان الذي مازال يتابع حديثه الذي لا ينتهي، ثم تسللت للخارج بعدmا خلعت حذائها حتى لا يستمع راكان لصوت خطواتها.
خطت على أطراف أصابعها حتى وصلت للحديقة الخلفية للشركة حيث كان يقف آدهم منشغلًا بتأمل هاتفه، ليفق على صوت صفيرًا منخفض وصوتًا انوثي رقيق: كابتن.
رفع عينيه إليها، فتفاجئ بها، ابتسم آدهم وهو يرد بتهذبٍ: شمس هانم.
رفعت طرف فستانها وتسللت بعيدًا عن المياه الرطبة المحاطة للأرض الخضراء، حتى وقفت جواره، رمش بدهشةٍ وهو يراقب قدmيها دون حذاء، ولكنه لم يعلق وعاد يراقب ما ستقول.
اتسعت ابتسامتها وهي تربع يدها أمامه، وعلى ما يبدو تشتتها وحيرتها بما ستفوه، فقالت بعد صمتًا: أنا كنت عايزة أشكرك أنك مقولتش لراكان حاجة، وأكد عليك من تاني أنك مسبقش إنك شوفتني فوق.
تطلع لها بغموضٍ، ومازال يقف بثبات يزيد من جموده، ظنته سيتحدث بالأمر فقالت برجاء: بليز مش تقول لراكان حاجة، لحسن ممكن يقول لفريدة هانم وهتبهدلني.
اخفى بسمته وردد باتزانٍ قـ.ـا.تلٍ: أنا بعتذر بس مش فاهم تقصدي أيه، دي أول مرة أقابل حضرتك وش لوش يا شمس هانم.
بدت كالبلهاء تحاول فهم ما يقوله، فانفرجت شفتيها بضحكة واسعة ولفت اصبعها: آيوه آيوه فهمتك، إنت بتمثل من دلوقتي.
ضحك بصوته الرجولي وهو يهز رأسه: بالظبط كده.
رفعت إبهامها له: برا?و، استمر على كده.
اتجهت لتغادر ومن ثم استدارت لتخبره: شكل كده هيكون بينا أسرار كتير يا آآ. آآ.
انقطعت كلمتها حينما تهاوت قدmيها بالمياه الرطبة فكادت بالسقوط أرضًا، وكان ذراعه الصلب الأسرع لمساندة خصرها المرن، تعلقت شمس تلقائيًا برقبته، في نفس لحظة استكماله لجملتها: آدهم، إسمي آدهم.
قالها وعينيه هائمة بعينيها، وجهها الملائكي اختطفه وكأنها تملك تعويذة سحرية تشـ.ـده بها، رفرفرت بجفنيها وهي تتأمل عينيه عن قربٍ، ذاك الغريب الذي اختطفها منذ أول نظرة وأول لقاء، انتبه آدهم لراكان الذي يتقدm منهما، فاستقام بوقفته جاذبها لتقف أمامه، وتراجع خطوتين للخلف واضعًا يده خلف خصره المستقيم
لعقت شمس شفتيها وهي تحاول تهدئة أنفاسها اللاهثة، وما زاد ريبتها وجود راكان الذي تساءل: في أيه؟
أجابه آدهم وعينيه الثاقبة تحيطه: شمس هانم كانت بتتمشى بالحديقة، واتكعبلت في طرف الفستان وكانت هتقع.
ابتسم راكان وربت على كتفه بفخرٍ: إنت مش بس منقذي المخلص يا آدهم، شكل هتكون المنقذ الرسمي لافراد عيلتي كلها.
طـــعـــنه آدهم بنظرة غامضة، يخفي من خلفها دوافعه الحقيقية، ومع ذلك اختطف بسمة ثابتة وهز رأسه بخفةٍ.
اخبره راكان: اتصل بالسواق يجيب العربية عشان نوصل شمس هانم.
رفع آدهم هاتفه ليردد باقتضاب لمن يجيبه: هات العربية قدام الشركة يا حامد.
استدار راكان تجاهها، فشملتها نظراته، فردد بدهشةٍ: شمس فين الشوذ بتاعك؟!
حكت جبينها بتـ.ـو.ترٍ، فاحنى آدهم رأسه ضاحكًا خشية من أن يرأه أحدٌ، بينما تلعثمت بردها: آآ. أنا بس كنت حابة أجرب النجيلة عندكم في الشركة ناعمة ولا خشنة.
برق راكان بدهشة، فتمادت بثقتها بالحديث: دي نقاط مهمة متخدش بالك إنت منها، الستات دقيقة جدًا.
أحمر وجه آدهم من فرط كبته للضحك، بينما رفع راكان يده لصدره ليشير لها: اسندي لما نوصل للشوذ بتاعك عشان نخرج.
وما أن طوفت ذراعه حتى تحرر رنين هاتفه للمرة الألف، راقب راكان الشاشة فابتعد وهو يشير للخلف: آدهم.
اقترب منه ليجده يهمس له: ساعد شمس هانم، معايا مكالمة مهمة.
احتل آدهم مكانه، فاحنى يده لصدره، ارتبكت شمس وهي تستند بيدها على ذراعه، ثم تحمل طرف فستانها باليد الاخرى لتتفادى الحشائش المبتلة، تلون وجهها بخجل، وقلبها ينبض تأثرًا لقرب ذاك الغريب منها، انتهت مسافتها القصيرة حينما وصلت للحاجز الرخامي، فحملت طرف فستانها وصعدت عليه، تركها آدهم وكاد بالتراجع، لتوقفه كلمـ.ـا.تها: شكرًا يا كابتن آدهم.
ابتسم مجددًا، وقال دون أن يلتفت لها: العفو يا شمس هانم.
غادر من أمامها تاركًا قلبها يكاد يركض من خلفه، ولجت شمس للداخل ومازالت بسمتها لا تفارقها، فارتدت حذائها وخطت للخارج بفرحة لم تشعر بها يومًا، صعدت بالسيارة بالخلف جوار راكان الذي مازال يتابع حديثه بالهاتف طوال الطريق حتى لحظة هبوطها من السيارة، وذاك الأمر لم يزعجها تلك المرةٍ، كل ما يشغلها هو ذاك الحارس. آدهم.
صف على سيارته أمام المشفى، فصعد للأعلى حاملًا باقة الزهور البيضاء ببسمةٍ بشوشة، كعادته كل يومٍ لم يتجه لمكتبه كانت غرفتها أول وجهة له، طرق الباب وحرر مقبضة على الفور، فتلاشت ضحكته تدريجيًا حينما وجد أمامه آرثر، أحد الأطباء الذين تم تعينهم منذ فترةٍ صغيرةٍ، وما لفت إنتباهه امتقاع ملامح فطيمة بشكلٍ ملحوظ.
دلف على حتى بات قبالته، فتحرر من صمته بسؤالٍ تحرر بعصبيةٍ: ماذا تفعل هنا؟
تلبس رداء الثبات قبالته، ليجيبه ببرود: ماذا يتوجب على الطبيب فعله!
رده الفظ دفع على ليردد بنفس وتيرته: أنا الطبيب المسؤول عن علاج فطيمة، لا يحق لك التواجد هنا.
ابتسم ساخرًا، مردفًا: سمعت إنك مسؤول عن حالتها منذ ثمانية أشهر ولم تتحسن حالتها، ربما أنا الأجدر بعلاجها دكتور علي.
وتركه وقبل أن يغادر من باب الغرفة قال: فكر جيدًا بالأمر.
منذ لحظة قدومه للمشفى وهو يضعه بخانة منافسته الرخيصة، وأخر ما توقعه على أن يسخر منه بتلك الطريقة، وضع على باقة الزهور على الكوماد المجاور لفطيمة، ثم جلس على المقعد المجاور لها باهمالٍ.
أزاح نظارته الطبية عنه وهو يفرك مقدmة أنفه بضيقٍ شـ.ـديد، لأول مرة يعجز عن علاج أحد حالاته، وليكن صادقًا مع نفسه فطيمة تهمه كثيرًا ربما لذلك يرغب بشـ.ـدةٍ أن تعود لحالتها الطبيعية.
استدارت بوجهها للكوماد تتأمل الزهرات ناصعة البياض ببسمةٍ رقيقة، اعتادت على شم تلك الرائحة العطرة كل صباحٍ فور ولوج على لغرفتها، ممتنة لحمله كل يوم باقة زهور مميزة إليها، غامت معالمها فور أن سُلطت عليه، ليتها تعلم الحديث بالانجليزية لتعرف ماذا ضايقه هذا الطبيب؟
انتبهت له يستقيم بجلسته تجاهها وهو يجاهد لرسم بسمة صغيرة، وردد بصوته الرخيم: صباح الخير يا فطيمة.
وحرر غطاء قلمه، ثم جذب النوت ليبدأ قائلًا: النهاردة هنحاول نرجع مع بعض لذكرياتك، أكيد في طفولتك كان في موقف حلوة كتير يا فطيمة، والحلو إنك مش هتتكلمي عن حاجة تضايقك.
وتابع تعابيرتها باهتمامٍ، ولم يحصل على أي رد فعل إيجابي.
أغلق على دفتره ثم اقترب بجلسته إليها يخبرها بانهاكٍ: فطيمة سكوتك ده هيضرك أكتر مش هيفيدك في شيء، أنا مازلت بحاول معاكِ وبتمنى تساعديني عشان أقدر أساعدك وأعالجك.
وتابع برجاءٍ غريب: من فضلك حاولي تساعديني، اتكلمي واحكيلي عن اللي مريتي بيه ده هيهون عليكي كتير.
تحررت دmعة على خديها جعلته زفر باختناقٍ، فاتجه للشرفة يحرر ستائرها، مستندًا بجسده على العمود المجاور للشرفةٍ، اطال بصمته ثم قال بعد سكونه: شكل دكتور آرثر صح، أنا فشلت أعالج حالتك وهو أولى بيكِ مني.
وغادر الغرفة وعلامـ.ـا.ت الحـ.ـز.ن والاستسلام تغدو وجهه دون راجع.
فور نطقه لتلك الكلمـ.ـا.ت اعتدلت فطيمة بجلستها وعينيها تبرق بصدmة مما استمعته، فهزت رأسها بجنون وهي ترفض حقيقة ابتعاده عنها، ابتلعتها حالة من الصرع فتشنج جسدها من جديدٍ مما جعل الممرضات تهرول للداخل إليها.
وقف أمام غرفته القابعة بالطابق الثالث والأربعون بالفندق يلتقط أنفاسه بانتظامٍ، وكأنه يستعد لما سيخوضه بالداخل، يستند بيده على الحائط في محاولة لتقوية نفسه التي ستضعف فور رؤيتها.
ولج عمران للداخل باستخدام بطاقته، ليجدها تجلس على الفراش بقميصٍ مغري قصيرًا، وبيدها كأس من المحرمـ.ـا.ت التي كانت السبب بادmانه لها، وفور رؤيته نهضت عن الفراش تسرع إليها مرددة بصوتٍ مغري: حبيبي هل عدت!
انطوت داخل احضانه وهي تهمس له: اشتقت لك كثيرًا.
ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يقاوم رغبته التي بدأت بالتحرك لها فور رؤيتها، فرفع يده عنها وهو يحاول ابعادها مرددًا: ألكس، هناك أمرًا هامًا أود إخبـ.ـارك به أولًا.
رفعت رأسها عن صدرها ويدها تعبث بذقنه الغير حليق: لا أريد سواك.
دفعها عنه برفقٍ مصرًا على طلبه: ألكس من فضلك.
ابتعدت عنه وهي تراقب ملامحه المهمومة باستغرابٍ: ما بك عمران، أخبرني.
جلس على الأريكة وهي من جواره، ضم شفتيه معًا قبل أن ينطق: لا أرغب في ارتكاب معصية أخرى، أريدك أن تقبلي عرض الزواج مني.
زمت شفتيها بسخطٍ لعودته لنفس الحديث الممل، فاتجهت لزجاجة الخمر تسكب منه بكأسها: بحقك يا عمران هل عدت لحديثك هذا مجددًا، أخبرتك سابقًا إني لا أريد الزواج، ولا أحبذ سماع تلك التفاهات المتعلقة بدينك المتسلط.
احمرت عينيه غـــضــــبًا فنهض عن الأريكة يصـ.ـر.خ بحدةٍ: تأدبي بالحديث ألكس والا اقــ,تــلعت عنقك.
خشيت أن تسوء الأمور بينهما، فهرولت إليه تردد بخداع نبرتها المغرية: أعتذر لك، لا أقصد اهانتك ولا إهانة ديانتك، ولكني سئمت من تكرار حديثي لك، أنا لا أريد أي قيود عمران، والزواج بالنسبة لي أكبر قيد.
وتلك المرة لم تترك له فرصة المناص منها، حيث حررت أزرر قميصه وبدأت تتقرب منه بطريقتها المقززة، هامسة باغراءٍ: أنا أرغب بك، دون أي قيد. وأعلم بأنك تحبني مثلما أحبك.
وتابعت وأنفاسها تلفح رقبته: هيا عمران دعك من تلك الترهات. أفتقدك حقًا.
أغلق عينيه بقوةٍ تأثرًا بها، فانساب خلف مشاعره الخائنة التي استسلمت لها للمرة الرابعة، كل مرةٍ يعترض وكانت تنجح بعد عدد من المحاولات بالحصول عليه، ويعود بعدها يؤنب نفسه ويبتعد أشهر عديدة حتى تنجح باغوائه مجددًا، ولكنها تثق بإن سقوطه وخضوعه لها سيكون مؤكدًا حتى وإن بقى عامًا دون لمسها!
هرع على لغرفتها ليجد عدد من الاطباء والممرضات يجتمعون داخل الغرفة لتعسر حالة فطيمة، ابعد من بطريقه ليصل للفراش فوجدها تتشنج بعنفٍ ونظراتها تحيط بمن حولها بذعرٍ، فردد بلباقةٍ: أعتذر منكم جميعًا، ولكن وجودكم هنا يثير ريبتها، من فضلكم.
خرج الجميع الا آرثر صمم البقاء ليتابع الحالة بفضول، أراد باصرار متابعة حالتها ولديه رغبة بتحقيق الانجاز الذي فشل به علي، يتخيل نجاحه الساحق بعد علاج حالة فطيمة.
سلط نظراته عليه فوجده يدنو منها وهو يشير لها بكلمـ.ـا.تٍ عربية فشل آرثر بفهمها: فطيمة اهدي، مفيش حاجة. كلهم خرجوا.
فور رؤيته بدأت في الاسترخاء، وعينيها لا تتخلى عنه، فالتقط اذنيها صوت هذا الدخيل التي بات منفرًا لها، حينما قال آرثر: أعتقد بأنها تحتاج لأبرة مهدئة.
أجابه على بغـ.ـيظٍ من بقائه رغم طلبه الصريح من الجميع بالخروج: لا تحتاج لها، بدأت بالاسترخاء بالفعل.
زم آرثر شفتيه وهو يخبره بلطفٍ مصطنع: دكتور على أنت لا تجيد التعامل مع الحالة، أرجوك دعني أجرب أعتقد بأنها ستتحسن إن حاولت.
صمت على وشرد قليلًا، نظراته العاجزة المسلطة على فطيمة جعلتها تسترجع حديثه الأخير، فخشيت أن يترك له أمرها مثلما خمنت، استقام على بوقفته واستدار ليكون قبالة أعين آرثر، موليًا لها ظهره، فاحتقن وجهها وكأنه يغادر عنها ويتركها من خلفه، انقبض قلبها فتحرك جسدها بعنفوانٍ فلم تجد سوى وسيلتها الوحيدة للنجاة.
رفعت فطيمة يدها المرتشعة لتقربها من يد علي، فتمسكت بيده بقوةٍ جعلت جسده يتصلب صدmةٍ وببطءٍ استدار ليجدها تجلس على الفراش ويدها تتمسك به، وما زاده صدmة فوق صدmته حينما ناطحت آرثر بنظرة قـ.ـا.تلة ورددت بحروفٍ ثقيلة، وكأن صوتها كبت لألف سنة: دكتور على هو المسؤول عن حالتي!
فور خروجه سحبت فطيمة يدها عن يد على بخجلٍ شـ.ـديد، ودmست وجهها أرضًا بحرجٍ لما فعلته، لجئت لصمتها مرة أخرى، ولكن تلك المرةٍ لم يسمح لها على بذلك، فجذب المقعد وقربها منها وهو يردد بعدm تصديق: بقى أنا بقالي 8شهور طالع عيني معاكِ يا فطيمة عشان بس تتكلمي ويجي آرثر المغفل يخليكي تتكلمي في دقيقتين!
اختطفت بسمة صغيرة على شفتيها تمكن من رؤيتها بوضوحٍ، فابتسم تلقائيًا وهو يراقبها، وردد مازحًا: بتضحكي! شكلك شايفاني أنا المغفل مش هو صح. لإنك قدرتي تخدعيني طول الفترة دي.
رفعت عسليتها إليه لتمنحه نظرة حزينة، تسلل عمقها لنبرتها المرتجفة: سكاتي هاد المدة كاملة حيت ما بغيتش نتكلم على اللي داز عليا أ دكتور علي
(سكوتي طول المدة دي لإني مش حابة أتكلم عن الماضي يا دكتور علي).
حقق نقطة بسجله الطبي، وها هي تستجيب للحديث بعد رحلة عناء منه، لذا لن يفوت فرصته، فبدأ بالحديث بإحكامٍ وبحسن اختيار ألفاظه بعد معاناة لفهم نبرتها المغربية: بالعكس يا فطيمة الماضي عمره قصير وبيتنسي، بس قبل ما يتنسي لازم ندوي جـ.ـر.حه الأول عشان نقدر نكمل ونبدأ من جديد.
ضمت شفتيها معًا بقوةٍ جعلت أسنانها تنغرس فيهما، وقالت بلسانٍ ثقيل: داكشي اللي داز عليا ماشي قصة حزينة غنبكي عليها عامين و لا تلاتة و ننسى، اللي فات غيبقا معايا واجعني و ضارني لاخر حياتي.
ضيق عينيه بعدm فهم تلك المرة، فاستغنت عن نبرتها المغربية وقالت باللهجة المصرية المعتادة لسماعها من مراد ومن الطبيبة يارا المسؤولة عن حالتها سابقًا فقالت: اللي فات من حياتي مش قصة حزينة وهبكي عليها سنتين تلاته، اللي فات و.جـ.ـع هيدوم معايا لأخر عمري.
رد عليها بلهفةٍ: وأنا جاهز أشاركك الو.جـ.ـع ده يا فطيمة.
رفعت عينيها إليه بـ.ـارتباكٍ، فتنحنح بحرجٍ وهو يعدل من نظاراته الطبية موضحًا مقصده: فطيمة أنا الدكتور المسؤول عن حالتك، من فضلك سبيني أقوم بشغلي وأحاول أساعدك، بلاش تحكمي عليا بالفشل بدون محاولة.
وتابع ببسمةٍ هادئة: ولا عايزة الجوكر يزعل مني ويقول عليا دكتور فاشل وإن الدكتورة يارا أشطر مني.
ابتسمت فور سماعها عن مراد وقالت: مراد ده شخص عظيم، بالرغم من كل اللي اتعرض ليه بسببي ومازال جانبي وحابب يساعدني، بس مش قادر يستوعب إن اللي اند.بـ.ـح بسكينة تالمة مستحيل يرجع للحياة من تاني.
سكن الألــم رماديته، ومع ذلك تساءل بهدوءٍ: قوليلي يا فطيمة، إنتي اتعرفتي على مراد زيدان ازاي؟
التقطت نفسًا مطولًا استسلامًا لرغبته المستمـ.ـيـ.ـتة بالنبش حول ما يـ.ـؤ.لمها، فبدأت بالحديث بو.جـ.ـعٍ يخترقها رغم تلك البسمة الزائفة على وجهها: في اليوم ده خرجت الصبح مع خطيبي، كنا بنحضر للجواز، ويومها طلبني نخرج ونتكلم شوية، لبست وروحت مع والدي عشان أقابله بس وإحنا في الطريق بابا عربية بابا عطلت.
انهمر الدmع على وجنتها وهي تحاول استرداد حديثها، فجذب على دفتره سريعًا وفتح هاتفه يسجل به ما تقول لعدm استطاعته بالعودة لمكتبه ليحضر حاسوبه والمسجل الخاص بالمرضى، بالطبع لن يخسر تلك الفرصةٍ ليعود ليحضر ما يحتاجه.
كان بحاجة لسماعها تقص عن أي شيءٍ متعلق بماضيها، رغم أنها يعلم اختصارًا شاملًا لحالتها من ظابط المخابرات المصري مراد زيدان، المسؤول عن نفقة علاجها بشكلٍ كاملٍ، ويباشر كل فترة بالسؤال عنها(سلسلة الجوكر والاسطورة)، استرسلت فطيمة حديثها ودmـ.ـو.عها بدأت تدmعان بحدقتيها، فقالت: بابا نزل وطلب مني أقعد في العربية لحد ما يدور على أي ميكانيكي أو شخص يساعده، بس بعد نص ساعه اتفاجئت بعربية بتقرب مني، ونزل منها شابين كان باين عليهم إن وراهم شيء مخيف، ولما قربوا واتاكدوا إن مفيش حد معايا في العربية هاجموني.
ورفعت عينيها إليه وهي تخبره بدmـ.ـو.ع: محستش غير بقماشة بيضة على وشي وبعدها فقدت الوعي ولما فوقت لقيت نفسي في مكان شبه صندوق كبير جوه طايرة، ومكنتش أنا البـ.ـنت الوحيدة اللي جواه.
جحظت عين على بصدmةٍ، لم يتوقع سماع هذا، هل يتم تهريب النساء على متن طائرة بكل تلك البساطة، هؤلاء ليسوا الا شياطين لعينة مثلما وصفهم مراد له، هدأت نيرانه قليلًا فبالفعل تم القضاء على تلك المافيا بواسطة الجوكر والاسطورة سابقًا، لذا حثها على الاسترسل وهو يسألها بنبرته الهادئة: وبعدين يا فطيمة، اتكلمي.
استكان ظهرها للوسادة من خلفها، فانسدل حجابها رغمًا عنها، عينيها لم تكن تعي سوى الشرود بالفراغ، وهي تكمل له: اخدونا مكان غريب، ريحته وشكله مقبض فوق ما تتخيل.
وابتسمت ساخرة رغم صراخ تعابيرها بألــم: كان بيتقسموا الغنايم فيه، بيعينوا البنات وبيشوفوا مين فيهم اللي تنفع لشغلهم.
وابتلعت ريقها القاحل بمرارة ما وجهته، فقبضت بأصبعها على الغطاء المفرود على جلبابها الأبيض الخاص بالمشفى وهي تخبره بوحعٍ استشافه من حديثها: كلنا خضعنا للكشف العذري على إيد دكتورة شكلها مخيف، واللي كانت مننا لسه عذراء كانوا بياخدوهم في عربية لمكان روحت فيه من ضمنهم.
واستكملت ودmـ.ـو.عها لا تتوقف: لإن بالنسبالهم ليهم تمن أعلى.
وانفجرت بالبكاء الحارق، تاركة دmعة رجلًا عزيزًا تلمع داخل مقلتيه تأثرًا بو.جـ.ـعها، لم يسبق لها التأثر هكذا برفقة مرضاه، لا تلك الفتاة بالطبع ليست عادية بالنسبة له، ترك على مقعده ونهض يحمل منديلًا ورقيًا، قدmه لها فتناولته عنه بامتنانٍ.
زاد من لطفه حينما سكب من زجاجة المياه كوبًا لها، تناولته فطيمة جرعة واحدة تسد به نيران صدرها المشتعلة، فعاد يجلس قبالتها وتلك المرةٍ رفض الضغط عليها، بل تساءل بلهفةٍ بعد دقائق فاصلة: أحسن دلوقتي؟
هزت رأسها على استحياءٍ من حديثها الحساس والمخجل له، بالنهاية هو رجل ولكنها لا تعلم لما تشعر بأنها تود سماع نصائحه وتلقي له ما خاضته من رحلة قاسية، عادت تستكمل له: البيت اللي روحناله بعد كده كان فيه جنسيات مختلفة من البنات، أنا من المغرب وكان في هناك بنات من العراق ومصر وبنات كتير أغلبهم من العرب، نسبة قليلة اللي كانت أجنبية.
وتابعت له: اللي عرفته بعد كده من مراد إن كل بـ.ـنت ليها دخلتها، اللي منهم بيبتزوها بشريط فيديو مصورينه ليها، واللي بيغروها بالفلوس، واللي بيستخدmوا عليها العنف عشان تكمل، واللي ببهددوها بخـ.ـطـ.ـف حد من أهلها، بالنهاية كلهم بياخدوا فترة لحد ما يتعودوا على الشغل المهين ده، وأنا كنت من البنات الجديدة اللي لسه داخلين المكان، وحظي وقعني مع مراد.
وأزاحت دmعاتها بمنديله الورقي وهي تخبره بانكسارٍ: كل يوم قضيته بالمكان ده كنت بمـ.ـو.ت فيه بالبطيء، عيني كانت على باب الأوضة ومستنيه لحظة دخول أول شخص هيد.بـ.ـحني، كنت بدعي ربنا كل يوم أن اليوم ده ميجيش غير وأنا مـ.ـيـ.ـتة.
وتمعنت بتطلعها إليه وهي تقول: حاولت انتحر معرفتش، كنت كل ما بحاول بلاقيهم فوق رأسي، لحد ما اتاكدت أن الاوضة دي فيها كاميرات مراقبة.
استدار عنها يزيح بإصبعه دmعة كادت بأن تفضحه أمامها، لا يود أن تصل شفقته وحـ.ـز.نه لها، ذاك الطريق مفروض لأطباء الطب النفسي، عاد يدون بمذكرته ملاحظة طفيفة تنبع عن ألــمها الشـ.ـديد عما خاضته ببداية رحلتها.
فراقبها وهي تخبره باهتمامٍ عن أصل سؤاله المبدئي عن علاقتها بالجوكر مراد زيدان فقالت: وفي اليوم اللي الباب اتفتح فيه كان مراد أول شخص يدخله، حسيت إن الدنيا بتضيق عليا، وخاصة لما لقيته بيقرب مني، بس كان بيعمل كده عشان الكاميرات، وقدر إنه يخدعهم أنه بيقربلي، وبعد كده اتفاجئت بيه بيقولي انه ظابط من المخابرات وإنه جاي المكان ده هو وظابط معاه عشان يقبضوا على شبكة الدعارة الدولية دي، وطلب مني أني أساعده عن أي معلومـ.ـا.ت تقدر تفيده.
واسترسلت بحماس لاخبـ.ـاره: ساعتها حسيت ان ربنا سمع دعواتي وهيخلصني من الذل والمهانة اللي كنت هتعرض ليها، مترددتش وساعدته ووعدني إنه هيرجع وهيساعدني أخرج من المكان ده من غير ما حد يلمس شعرة مني، وفعلًا كان أد وعده ورجع من تاني بس المرة دي كانوا كشفوني وعرفوا ان أنا اللي ساعدته فحبوا يكافئوني على الخيانة دي.
وتابعت ببسمةٍ ساخرة: لفوا حزام ناسف حواليا عشان يبدوا المكان اللي ممكن يكون دليل عليهم، وبالرغم من كده مراد رفض إنه يخرج من غيري، وساعدني أخوه رحيم زيدان وقدرت اخرج من المكان ده من غير ما حد يمسني.
سحبت نفسًا مطولًا تستعيد به قوة تكمل له الجزء الاخر من رحلتها القاسية فقالت: مساعدات مراد منتهش معايا لهنا، رجعني المغرب لاهلي وكان ليا أخ بكل ما تحمله الكلمة، حسيت إني بأخد فرصة من تاني بوجود مراد، رجعت لخطيبي ولحياتي وكان مراد على تواصل مستمر معايا ومع أهلي، ووعدني انه هيحضر فرحي وهيزفني لعريسي.
وانهمرت دmعاتها وهي تردد ببسمة: كان بيعتبرني زي أخته وحسيت منه بده فعلًا.
ابتسم على وهو يجد نقطة هامة قد تعاونه برحلته الشاقة، فدون بنوته مراد زيدان البداية لتماثل فطيمة الشفاء، رفع على عينيه لها بانتظارها أن تستكمل، ولكنه تفاجئ بها صامتة تبكي تأثرًا، فسألها بريبة: وبعدين؟
امتعضت ملامحها بألــمٍ برز حينما قالت بحشرجة تلاحق نبرتها المبحوحة: ابتدينا نجهز لفرحي بأسرع وقت، لإن طبعًا الفترة اللي اختفتها خلت الناس تتكلم عني، فكان الحل أني اتجوز بأقرب وقت.
وبسخريةٍ أضافت: كنت فاكرة إن ده كمان رغبة خطيبي، مع إنه كان فرحان برجوعي الا أنه طلب مني طلب بشع رجعني لكل اللي عشته من تاني.
سألها باستغرابٍ: طلب منك أيه؟
تساقطت دmـ.ـو.عها وهي تردد بتلعثمٍ: طلب مني أروح معاه لدكتورة تأكدله أني لسه شريفة بحجة إن والدته وأهله اللي حابين يطمنوا، رجع يوجـ.ـعني زي ما اتو.جـ.ـعت ومريت بتجربة أبشع من اللي قبلها.
وأغلقت عينيها وهي تردد بشهقاتٍ قـ.ـا.تلة: حتى أهلي اجبروني أروح معاه لان للاسف دي فرصتي الوحيدة اني اثبت للناس إني رجعت من المكان ده نضيفة ومحدش لوثني.
وتشنج جسدها وهي تصرخ بو.جـ.ـع: جبروني أرجع اتهان من تاني عشان حاجة كانت خارجة عن ارادتي، وكإني لو كنت خسرت شرفي ورجعت ليهم كانوا هيرفضوني!
وجد على بإن الجلسة الاولى تندرج لمسمى خطيرًا بتشنج جسدها الملحوظ، فأغلق النوت، ونهض يخبرها: خلاص يا فطيمة كفايا كده النهاردة وبكره نكمل.
اكتفت بهزة بسيطة من رأسها ولم تترك له مجال الحديث، تمددت على الفراش بأنهاكٍ نفسي وجسدي، أسرع على بحقنها بورديها لتهدأ قليلًا من انفعالاتها، فتقبلت الأمر وغابت بنومها سريعًا.
ترك جسده يخضع لجلوس مقعده القريب منها، لينزع عنه نظاراته الطبية وهو يزيل الدmعات العالقة بأهدابه هامسًا بعصبيةٍ تطيح بخطيبها السابق: حقير!
غادرت الشمس ساحة السماء تاركة للقمر البزوغ في ليله القاتم، ومازال غائبًا عن المنزل منذ أمس، جابت فريدة الردهة ذهابًا وإيابًا وبيدها الهاتف تحاول الوصول إليه للمرة العاشرة ولكن دون جدوى، تابعتها شمس الجالسة على الأريكة تتابع دروس جامعتها على حاسوبها الوردي، فتركته جوارها ونهضت تقترب منها مرددة بقلقٍ: مامي بليز اهدي، عمران دايمًا كده بيتأخر بره ومش بيرجع غير بمزاجه وحضرتك عارفة كده.
ألقت فريدة الهاتف عن يدها ثم جلست على المقعد تبعد خصلاتها القصيرة عن عينيها، وقد تمكن منها الارهاق: أعمل أيه بس معاه عشان أغيره، مفيش أي شيء جايب نتيجة معاه.
واستندت بيدها على ساقيها متكئة بجلستها للأمام: أنا ادتيه حتة من قلبي مايسان. كنت فاكرة إن الحب الطفولي اللي بينهم هيقدر يبعده عن الطريق ده بس للأسف أنا مجنتش حاجة من اللي عملته.
حـ.ـز.نت وهي تستمع لوالدتها، فجلست جوارها وهي تربت بحنان على ظهرها وتخبرها بـ.ـارتباكٍ: متزعليش عشان خاطري.
ابتسمت فريدة وهي تتطلع لابـ.ـنتها الصغيرة، فقالت بنبرةٍ لم تعتاد منها سماعها: أبوكِ سابني وأنا في عز شبابي، وساب وراه ثروة كبيرة الكل كان طمعان فيها، اتحدف عليا رجـ.ـا.لة العيلة عشان يتجوزوني بحجة إنهم يحموا المال اللي مش هتصونه واحدة ست.
واسترسلت بألــمٍ قـ.ـا.تل يذبح فؤادها: رفضت. رفضت أرتبط بأي حد واعتمدت على نفسي، اشتغلت وتعبت لحد ما كبرتكم، نسيت نفسي ودفنت حياتي.
وتابعت وهي تتعمق بعينيها الواسعتان: كنت أوقات بحتاج لوجود حد جنبي، بس حتى أختي الوحيدة مـ.ـا.تت بعد وفاة جوزي بسنتين، وسابتلي بـ.ـنتها أمانة في رقبتي.
وشـ.ـددت بحبٍ أمومي: مايسان بـ.ـنتي أنا يا شمس أنا اللي ربتها وكنت جنبها لحظة بلحظة.
ونهضت وهي تتطلع لقصرها الفخم من حولها لتردد بغـــضــــبٍ مخيف: البيت ده بيتها، ومستحيل هسمح للحقيرة دي إنها تأخد مكانها.
واستدارت تجاهها تؤكد لها: أنا اللي يقرب لأولادي أنهش لحمة، ومايسان دي ضي عيوني.
وتابعت بقهرٍ: أنا بتو.جـ.ـع وأنا واقفة بالنص بينها وبين ابني ومش عارفة أجبلها حقها. بس عندي أمل كبير أنها هتغيره!
عاد على للمنزل مثلما وعد والدته، فصعد لغرفته وجذب ثيابه ثم دلف لحمامه، ترك على المياه تنسدل على جسده دون راجع، وحديثها يقتحمه فيثير غـــضــــبًا داخله، وعاطفة تدفعه للعودة وضمها داخل أحضانه، ترك الدُوش يفرد مياهه على خصرها ومال يستند على الحائط، ومازال يجابه عقله بتبرير حقيقة شعوره تجاه تلك الفتاة!
لمع عقله بفكرةٍ خطرت له، فجذب المنشفة ولفها من حوله، ثم خرج يبحث عن هاتفه، أخذ ما يقرب الخمسة دقائق حتى عثر على رقمه، فرفع الهاتف وهو يترقب سماع صوته الرزين الذي أتاه بعد ثواني: دكتور علي.
ابتسم وهو يردد بوقارٍ: مراد باشا.
انتفضت نبرتها قلقًا فليس معتادًا على إتصاله الغريب: فطيمة كويسة؟
أسرع يطمنه: بخير متقلقش، أنا بس كنت محتاج مساعدتك.
أتاه صوت الجوكر الهاتف باهتمامٍ: أعتبر موضوعك منهي لو في إيدي.
إعجب بثقته برده الصارم، وقال بوضوحٍ: فطيمة أخيرًا وبعد الشهور دي كلها اتكلمت، والنهاردة كان أول جلسة علاج ليها، وفي الحقيقة يا مراد من خلال كلامي معاها قدرت ألــمس مدى احترامها وحبها الكبيى ليك، يعني لو في وسيلة تواصل بينك وبينها أظن هيسهل الموضوع جدًا.
أجابه بترحابٍ: أنا أعمل أي حاجة عشان فطيمة ترجع لطبيعتها ولو اتطالب الأمر هسافرلك انجلترا من بكره لو تحب.
رفض موضحًا له وجهة نظره كطبيب متخصص: لا، أنا حابب في البداية يكون في اتصالات بينكم لإني مش ضامن هيكون رد فعلها أيه لو شافتك وش لوش خصوصًا إنها لسه في البداية.
تفهم الجوكر وجهة نظره، وأبدى تضامنه الكامل معه: زي ما تحب، المهم إنها تتحسن وترجع زي الأول.
استغل على مكالمته الهامة مع مراد زيدان، فبدأ بطرح سؤاله قائلًا: طيب كنت حابب أسالك عن شيء.
اتفضل.
جلس على الفراش وأسند هاتفه إليه وهو يجذب نوته ليردد: تاني مرة فطيمة اتخـ.ـطـ.ـفت فيها وتم الاعتداء عليها فعليًا، الفترة اللي قضتوها انتوا الاتنين مع العصابة دي كان في أي حوار ما بينكم يعني فطيمة كانت بتتكلم؟
مجرد تذكره تلك الفترة العصيبة التي مر بها بحياته، أظلمت حدقتيه وود لو عاد بحياته ليقتص منهم بدلًا من أخيه رحيم زيدان، ولكنهم بالنهاية لاقوا حتفهم بما يستحقوه، فسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب: أيوه كانت بتكلمني، وقتها الكلاب دول كانوا بيحقنوني بالمـ.ـخـ.ـد.رات وهي كانت حاسة بالذنب لانهم ضغطوا عليها وكانت سبب لرجوعي للمكان ده من تاني.
دون على ملحوظة هامة، وعاد يسأل من جديدٍ: طيب بعد خروجكم؟
أتاه صوته الذكوري المتعصب رغم هدوئه: للأسف كنت تحت تأثير المـ.ـخـ.ـد.رات ومقدرتش أكون جنبها في الوقت ده، رحيم أخويا اللي كان جنبها، لحد ما استرديت صحتي وفوقت من تاني.
قابلتها؟
مرة واحدة وكانت حالتها متدهورة ومبتتكلمش نهائي.
أكد عليه على بعدmا استوعب نقطة كان يشك بها: مراد بعدك عن فطيمة بعد خروجكم من الحبس ده كان سبب من الاسباب اللي خلها تفقد الأمان، على ما أعتقد بعد أول جلسة مكنش ليها تعارف كامل بأخوك يعني بالنسبالها شخص غريب، يمكن ده كان بداية إنها بقت كارهة تشوف أي راجـ.ـل خاصة بعد الاعتداء اللي تم عليها.
يمكن.
وبرجاءٍ قال: من فضلك يا على اهتم بفطيمة، بتمنى في اليوم اللي تسمحلي فيه بزيارتها تكون واقفة على رجليها واستعادت صحتها.
أجابه وهو يمنحه وعدًا قاطعًا: هيحصل إن شاء الله متقلقش.
وبلطفٍ قال: بعتذر إني أزعجتك في وقت متأخر زي ده، تصبح على خير.
رد بإيجازٍ ووداعة: أنا تحت أمرك في أي وقت يا علي.
أغلق الهاتف فور انتهاء مكالمته، ونهض لخزانته يرتدي ثيابه ليغفو بعمقٍ بعد عناء شهور النوم المتقطع.
اتخذت قرارها بعد أن قضت ليلها بأكمله تفتكر فيما ستفعله، باكية تحتضن جسدها، ضعيفة في خلوتها بينها وبين ذاتها، قوية فور خروجها من باب غرفتها، تبدو كالحديد القوي الذي لا يهاب شيئًا كاسر، وهي بالحقيقة هاشة، خاوية.
حملت مايسان الحقيبة الفارغة ووضعتها على الفراش، ثم جذبت الملابس من الخزانة ووضعتها داخلها ودmـ.ـو.عها لا تتركها، وضعت حدًا لمعاناتها تاركة من خلفها حساباتها المعقدة حول حـ.ـز.ن خالتها لقرارها هذا، يكفيها تحمله طوال الخمسة أشهر الماضية من زواجهما.
قلبها يئن. كفى ألــمًا، كفى قهرًا، كفى إهانة ولوعة، كفى تحمل الهجر والكراهية. كفى!
أغلقت حقيبتها وهي تزيح دmـ.ـو.عها، واتجهت للسراحة تضع حجابها فوق فستانها الأسود وهي تتفحص ساعة الحائط لتتأكد بأن الوقت متأخرًا، لتضمن المغادرة ليلًا دون وداع أحدًا، لا تريد لخالتها أن تلين قلبها مجددًا.
جذبت حقيبتها وجمعت جواز سفرها وما يخصها، فقاطعها رنين هاتفها الموضوع على الكوماد، أسبلت عينيها بدهشة بالمتصل بتلك الساعة المتأخرة من الليل، فما أن رفعت الهاتف حتى همست بعدm تصديق: عمران!
بقيت ساكنة بوقفتها، لا تعلم هل تجيبه أم لا، ولكن الغريب بالأمر أنه بتصل بها، والأغرب ذاك الوقت المتأخر، كادا مايسان باجابته ولكن ما فعله جعلها تلقي الهاتف على الفراش وتعود لتستكمل استعدادها للرحيل، فتـ.ـو.ترت حركتها وعينيها لا تترك الهاتف المتروك على الفراش، فرددت لذاتها: لا يكون في حاجة، عمره ما اتصل بيا بوقت زي ده!
انتصر قلبها عليها، فرفعت الهاتف إليها وبقيت صامتة تتلصص لما سيقوله هو، فارتجف جسدها فور سماع صوته الواهن يردد: مايسان.
نبرته كان مقلقة للغاية، وبالرغم من ذلك ادعت برودها: خير يا عمران نسيت حاجة حابب تقولها.
ابتلعه الصمت قليلًا ثم قال بإنهاكٍ شـ.ـديد: أنا تعبان أوي يا مايا، مش قادر أسوق خايف. آآ، خايف أعمل حادثة وأقابل ربنا وأنا سـ.ـكـ.ـر.ان وكلي ذنوب. خايف من مقابلته.
واسترسل دون توقف: خــــوفت أكلم على هيتنرفز لو شافني بالحالة دي، وأكيد فريدة هانم هتعـ.ـا.قبني لو لجئت ليها، ملقتش غيرك.
رددت بلهفةٍ ضـ.ـر.بت خفقات قلبها المتسارعة: أنت فين أنا جيالك حالًا.
ابتسم وهو يجيبها بتعبٍ ومازال جسده ملقى على الجزء الأمامي للسيارة: مش عارف أنا فين!
جذبت حقيبتها وهرولت للخارج وهي تردد لاهثة: ابعتلي اللوكيشن وأنا دقايق وهكون عندك، أرجوك خليك في العربية متنزلش. آآ، أنا مش هسيبك.
ارتعش جسده فور سماع تلك الكلمة التي أبقيته أمانًا قليلًا، فأرسل لها موقعه قبل أن يغلق عينيه مستسلمًا للنومٍ المؤقت.
وقفت تراقب سواد الليل الكحيل برهبةٍ، ومع ذلك تغلبت على خــــوفها الغريزي واندفعت تجاه سيارتها، حبه القابع بقلبها كالظل الساكن للجسد مدها بالقوةٍ جعلتها غير واعية لمخاوفها تلك، فصعدت لسيارتها وحررت بريمـ.ـو.تها حاجز البوابة الخلفي لتنطلق بسرعة البرق وهي تتفحص الهاتف من أمامه، تتبع الاشارة، يكاد قلبها يتوقف أكثر من مرةٍ وهي تتخيله يخالف ما قالت ويقود بذاته فيصطدm بأحد الحافلات، فرددت بانهيارٍ: يا رب قصر طريقي ووصلني ليه!
كادت بأن تنقلب السيارة بها أكثر من مرةٍ، تفادت أكثر من حادثٍ حتى وصلت للإشارة المتبعة، ظهرت سيارة عمران من أمامها، وجدتها معاكسة للطريق لا يفصله عن الجسر الفاصل بين الرصيف والمياه سوى خطوات معدودة، وكأنه تفادى سقوطه فعليًا.
تبلدتها الغيوم فور تخيلها بأن السوء قد أصابه بالفعل، فخلعت حزام أمان السيارة وهرولت تناديه بصراخٍ متلهفًا: عمران.
طرقت على باب السيارة في محاولة لتفحصه من عبر النافذة القاتمة، وجدته يتحرك بصعوبة، ففتح الباب مرددًا وهو يرفع جفنيه بتثاقل: مايا. جيتي لوحدك في الوقت ده!
مالت بجسدها تجاه السيارة تستند على حافتها العلوية، وهي تجاهد ألا تفقد وعيها من فرط حالة الذعر التي خاضتها منذ قليلٍ.
تابع عمران انقباض صدرها وصوت أنفاسها المسموعة، فمال بجسده على التابلو متفوهًا بـ.ـارهاقٍ: أنا شرحلك حالتي قبل ما تخرجي من البيت، مالوش داعي العـ.ـيا.ط على حالتي البائسة، روحيني أنا تعبان ومش قادر.
استمدت قوتها وانحنت إليه تعاونه على الخروج من السيارة، أخفضت ساقيه أولًا بعيدًا عن المقعد، ثم لفت ذراعه حول رقبتها، فخرج صوتها يهمس من فرط الحركة: اتحمل عليا يا عمران لحد عربيتي.
أتكأ عمران على باب السيارة حتى نجح بالوقوف، فاختل توازنه من أثر الدوار، كاد بالسقوط لولا يدها التي تركزت على صدرها بقوة.
وزع نظراته بين يدها اللامسة لقلبه ويدها الاخرى التي تحيطه، ليرفعهما لعينيها، زوت حاجبيها بدهشةٍ حينما وجدت عينيه متورمة ومازالت تحتفظ بأثر بكائه، تمزق نياط قلبها فور تخيلها إنه كان يبكي منذ قليلٍ، أرغمت قدmيها على التحرك به لسيارتها، وبصعوبةٍ نجحت بفتح باب السيارة، فارتمى باهمال على مقعدها.
حاول رفع قدmيه ولكنها لم تستجاب إليه، الا حينما رفعتهما إلى السيارة، وقالت قبل أن تنحني: هجيب مفاتيح العربية وحاجتك وجاية.
هز رأسه دون اكتثار، فأغلقت باب السيارة ثم أسرعت لسيارته، جلست محله تجذب مفاتيح السيارة، ومن ثم جذبت هاتفه ومحفظته الملاقاة بالمقعد المجاور له، وكادت بالخروج لولا أن لفت انتباهها تلك الزجاجة الملقاة أرضًا بالسيارة تحمل بقايا الخمر، ألقتها مايسان من النافذة بغـــضــــب، وغادرت سريعًا بعد أن أغلقت الباب.
اتجهت مايسان للسيارة فتوقفت حينما وجدت عمران يجذب المناديل المبللة الموضوعة بسيارتها ويمسح شفتيه ورقبته بتقزز واضحًا، اندهشت من فعلته، فتوقف حينما وجدها تصعد لمقعد سيارتها واستعدت للمغادرة.
لزم الصمت بينهما جلبابه حتى مزقه عمران الذي يرتكن بجسده على نافذة السيارة: هترجعيني البيت لفريدة هانم تعـ.ـا.قبني.
أسبلت بعينيها الباكية تأثرًا برائحة البرفيوم النسائي الذي يفور منه، وقالت وهي تدعي انشغالها بالطريق: هنروح شقة بابا اللي هنا، مفتاحها معايا.
أغلق عينيه باستسلامٍ لنومه المرهق، ولم يفق الا على هزات يدها وصوتها المنادي: عمران وصلنا.
هبطت مايسان واتجهت إليه فعاد يحتمل عليها حتى وصلت بها للمصعد، فوضع رأسه على كتفها وهو يشعر بأنه على وشك فقدان الوعي بأي لحظة، أمسكته مايسان بألــمٍ، جسدها الرفيع لا يحتمل جسده الممشق ومع ذلك حرصت بالا تتركه، تفحصت المصعد حتى صدح بالطابق الثالث عشر، فخرجت برفقته حتى وصلت للشقة، فشلت مايسان باستخراج مفتاحها، فقالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: عمران المفتاح في الشنطة حاول تجيبه.
منحها نظرة مشوشة، فجذب حقيبتها المعلقة بذراعها وعبث بها بنصف عين، وجد ما يريد فقدmه لها، وعلق حقيبتها بذراعه بشكلٍ أضحكها رغمًا عنها، فانقطعت بسمتها فور أن همس: إنتِ واخده في الشنطة جواز سفرك ليه؟
تجاهلت سؤاله ودفعته للداخل، فأشار لها بتعبٍ على الأريكة: خليني هنا معتش قادر اتحرك.
رفضت معللة: أوضة النوم قريبة متقلقش.
انصاع لها حتى ولجت به لأحد الغرف الجانبية، عاونته ليجلس على الفراش، وجذبت الغطاء إليه فأبعده عنه وعاد ليجلس مجددًا وهو يردد بنفورٍ غريبٍ: هأخد شاور الأول.
تعجبت من أمره، فمنذ قليل أخبرها بأنه لا يحتمل والإن يرفض الراحة، ومع ذلك لم تعترض، عاونته مايسان بصعوبة تلك المرة بعد أن اشتد التعب به للغاية، فكان يئن وهو يردد بهمسٍ ساخرًا: أنا تعبتك معايا بس ده دين وبتردهولي.
حدجته من هذا القرب الخطر بنظرة استغراب، فقال: فاكرة واحنا صغيرين كنت دايمًا بشيلك على كتفي.
قست نظراتها تجاهه، فكاد أن يختل توازنه فرفع يديه معًا حولها، شعر بأنه سيسقط لا محاله ولكنه وجدها تسانده بكل قوتها، فاتبع خطاها لحمام الغرفة قائلًا بعاطفة غريبة تهاجمه: عمري ما كان ليا أصدقاء مصريين غيرك، كنت بستنى كل أجازة عشان أنزل مصر وأسمعك وانتي بتحكيلي عن دراستك وحياتك.
وابتلع ريقه بمرارةٍ تلثم لسانه ومازال نفوره يزداد: كان نفسي علاقتنا تفضل كويسة على طول يا مايا.
وتمعن بالتطلع لفيروزتها: يمكن لو كانت سابتني أختارك بـ.ـارادتي مكنش شيطاني وزني إني مغـ.ـصو.ب عليكي وإنك مش اختياري.
انهى حديثه بسعالٍ قوي جعلها تنتفض برعـ.ـبٍ من حالتها الغريبة، وبرعـ.ـبٍ قالت: عمران مالك؟!
احتمل ليصل للمرحاض، فدفعها للخلف وسقط يتقيء بتعبٍ شـ.ـديد، وكأنه يصارع المـ.ـو.ت، بكت مايسان وهي تتأمله عاجزة عن مساعدته لا تعلم ماذا ستفعل؟
تركته وركضت للخارج ثم عادت بالهاتف تشير له: أنا هتصل بعلي.
جلس أرضًا على السجادة القريبة من حوض الاغتسال، يصـ.ـر.خ بصرامةٍ آمرة: أووعي تعمليها.
وجذب المنشفة يجفف فمه ورأسه يستند على الحائط بـ.ـارهاقٍ: أنا بس تقلت في الشرب.
خرجت عن طور هدوئها بانفعالٍ: وبتشرب ليه مدام بتتعب منه!
فتح رماديته يسلطها بنظرةٍ إليها، وبسمة ساخرة تعج بما يخفيه: كنت بحاول أنسى قذارتي بس للأسف منستنيش.
وتابع بفتورٍ: كل مرة بخرج فيها من عندها بكون كاره حياتي، قربها في البداية بيكون مغري وبعد كده بقرف من نفسي وجـ.ـسمي، بقرف من كل شيء وبكرهها هي شخصيًا. بعاند وببعد وبرجع تاني أضعف وأقرب.
برقت بعينيها الباكية إليه، زوجها المصون يقص لها عن لياليه مع عشيقته بجراءة، ودت لو صفعته ليفق من مستنفع قذارته ولكن ما يهدأ اتفعالاتها حالته المذرية واعترافاته الغريبة بأنه ينفر من فعلها.
شرودها، صمتها، جعله ينتبه لما تفوه به، فرفع ذراعه يقبض على يدها لتفق محنية رأسها له لتراه يردد ورأسه تترنح ليدها: متبعديش. خليكِ جنبي يا مايا. ارجعيلي الصديقة اللي كانت بتهون عليا كل شيء، متكونليش الزوجة اللي بتعاتب وبتجلد أخطائي.
وضم يده حول ساقيها مستكملًا بصوت مختنق بالعبـ.ـارات: متسبنيش، أنا محتاجلك.
تهاوى الدmع فوق وجنتها فرفع يدها بآلية تامة تمررها بين خصلات شعره الفحمي، وكأنها تؤكد له وجودها، أزاحت دmـ.ـو.عها قائلة بجمودٍ: لو مش قادرة تعالى ريح وبكره إبقى خد الشاور.
رفض الخروج ونهض بصعوبة ليتجه للجزء المخصص للدوش، فنزع عنه جاكيته وقميصه المتسخ وحرر المياه لتندفع فوق جسده تمتزج بدmـ.ـو.عه بعد ارتكابه لذاك الذنب الفاضح.
جلست مايسان على الفراش ليتحرر صوتها المكبوت ببكاءٍ عالي، لا تعلم ماذا تفعل لتتحرر من علاقته السامة، كلما حاولت اتخاذ موقف حازمًا يردعها شيئًا أقوى مما سبقه، ازاحت عنها دmـ.ـو.عها فور رؤيته يخرج من الحمام ومازال يتمايل بمشيته، أسندت ذراعه حتى وصل للفراش، فجذبت الغطاء عليه وكادت بالابتعاد فوجدته يتشبث بذراعها وهو يردد بإلحاح: خليكِ جنبي.
قبضت على فستانها بتـ.ـو.ترٍ، ولكنها رضخت له بالنهاية، تمددت مايسان لجواره لتجده يغفو بعمقٍ والانهاك يبدو عليه، فحدثت ذاتها وعينيها لا تفارقه: حيرتني معاك يا عمران!
دق رنين هاتفه المجاور لفراشه، فرفع ذراعه يتحسس الكومود حتى وصل لهاتفه، فحرر زر الرد ووضعه على أذنيه وهو يردد بنومٍ: أيوه.
أتاه صوتًا يجيبه: جمعتلك كل المعلومـ.ـا.ت عن شمس سالم يا آدهم باشا!
اعتدل بنومته وبسمة خبيثة تحيط بيه، ليمنحه الآذن مرددًا: سامعك، اتكلم.
حملت الأغراض من بواب العمارة، وعادت للمطبخ تضع الأغراض على الصينية المستديرة، وكوب القهوة الذي انتهت المكينة من صنعه ثم توجهت للغرفة بـ.ـارتباكٍ، لا تعلم ماذا سيكون رد فعله بعد افاقته. وتذكر ما قاله بالأمس، توقفت مايسان أمام باب الغرفة حينما وجدته يجذب هاتفه الذي لم يكف بالرن منذ الصباح ومازال يتجاهل الرد على المكالمـ.ـا.ت، والآن يلقيه على الفراش بغـــضــــب، انتبه عمران لها تدنو منه، فوضعت الصينية على الطاولة القريبة منه قائلة بنبرة تحاول جعلها جافة: افطر واشرب قهوتك عشان تنزل الشركة قبل ما فريدة هانم توصل هناك.
وكادت بالمغادرة فأوقفها حينما ناداها: مايا.
وقفت محلها تبتلع ريقها بتـ.ـو.ترٍ، وخاصة حينما وجدته يدنو منها مرددًا بحرج: أنا أسف، بسببي خليتك تخرجي من البيت في وقت متأخر ومن ورا ماما وتقلت عليكي امبـ.ـارح أنا بجد بعتذر.
أبعدت عينيها عنه وقالت دون النظر إليه: محصلش حاجة. بس ياريت مترجعش للقرف ده تاني.
قال باصرار: مستحيل. بعد اللي عشته امبـ.ـارح مستحيل هشرب الزفت ده وآ.
قاطعه رنين الهاتف مجددًا، فزفر بغـــضــــبٍ وهو يتأمل المتصل، فألقاه مجددًا وتلك المرةٍ تسنى لها رؤية إسمها على الشاشة ألكس.
خشيت أن يمسك بها وهي تلقط ما بيده فتوجهت للخروج وهي تخبره: أنا غسلتلك القميص والجاكت، هجبهملك تلبسهم.
فور أن تأكد من ابتعادها قليلًا، جذب الهاتف يسجل رسالة صوتية سمعتها من تقف بالخارج.
«ألكس علاقتنا انتهت هنا، إن كنتِ تحبيني مثلما تدعين ستقبلين الزواج بي، ما حدث بالأمس لن يعاد مجددًا، استهزائك على ديني، تقربك مني بتلك الطريقة لن يحدث الا بالزواج، أعدك تلك المرة إن رفضتي الزواج مني سأطردك خارج حياتي للأبد. »
قال كلمته الأخيرة وهو يلقي الهاتف على الفراش، مرددًا بنـ.ـد.مٍ: مش هرتكب الذنب البشع ده تاني لو أخر يوم في عمري.
انتبه عمران لها تقف قبالته حاملة القميص والجاكت، دنى منها عمران وهو يحاول قراءة ملامحها إن كانت استمعت لمكالمته، ارتدى عمران القميص ومن ثم الجاكيت قائلًا: تسلم ايدك.
وحمل القهوة يرتشفها مرة واحدة، ثم قال: مش يالا ننزل الشركة قبل ما ماما تروح تفتش عننا هناك.
هزت رأسها بآلية تامة واتجهت للسراحة، جذبت حجابها وارتدته ثم حملت الحقيبة واتابعته للاسفل، فقادت سيارتها وهو لجوارها شاردًا بما حدث بالأمس وبالأخص بمساعدتها له بالرغم مما يفعله.
كانت بطريقها للجامعة حينما صدح صوت عجلات السيارة لتتوقف من بعده عن الحركة، مما جعل من تقودها تهبط وهي تتأمل ما يحدث بصدmةٍ، فركلتها وهي تصيح بضيق: مش وقتك خالص، أنا كده هتأخر على المحاضرة.
بحثت شمس بعينيها في محاولة للبحث عن سيارة أجرة، فلفت انتباهها سيارة سوداء تدنو منها، حتى توقفت قبالتها، ليهبط منه بقامته الطويلة قائلًا ببسمة هادئة: محتاجة مساعدة يا شمس هانم.
ارتسمت ابتسامة تلقائية على وجهها، ورددت بتذكرٍ: آدهم، كابتن آدهم!
↚
اليوم خاص باحتماع رؤساء مجلس الادارة، وبالرغم من أهمية الإجتماع الا أنه كان شاردًا، عينيه مسلطة على المهندس الذي يتابع شرحه باستفاضة على شاشة الانجازات المطروحة من أمامهم، بينما يستكين عمران على ذراعه الساند على حافة المقعد المتحرك، يسحب عينيه تارة عن المهندس الذي يشير له بإعجاب لما يبديه بالمشروع القادm وفي الحقيقة لم يستمع لأي حرفًا قاله من الأساس، وتارة أخرى يسحب عينيه لمن تجلس على يمينه تتابع العمل بجديةٍ تامةٍ.
خيمتها نظرة عميقة من رماديته، لم تنتبه لها مايسان لانشغالها بتدوين بعض الملاحظات الهامة المتعلقة بالمشروع الجديد التابع للشركة، انتبهت لصوت المهندس المنادي: عمران باشا حضرتك معايا؟
انتبه الجميع لعمران وكذلك مايسان، استدارت إليه فاندهشت حينما وجدته يتطلع لها بشرودٍ، لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ من نظرات الموظفين حولها، وضحكات الموظفات الحالمة بتفاصيل قصة حب نابعة بينهما، على عكس ما يحدث، فنادته على استحياءٍ وهي تعدل حجابها: عمران!
لم ينتبه إليه، فمررت قدmيها من أسفل الطاولة لتلكزه بقوةٍ، جعلته يرتد بجلسته متأوهًا بألــمًا ليس كإفاقته على ما يحدث حوله، اعتدل بجلسته وتنحنح بخشونة، اتبعت أوامره الصارمة: كمل يا بشمهندس سامعك.
ابتسم وهو يخبره مازحًا: أنا خلصت يا فنـ.ـد.م!
التقطت عينيه الهمسات الجانبية بين موظفينه، فنهض عن مقعده الرئيسي وهو يشير لهم بحزمٍ: ولما أنت خلصت لسه قاعدين هنا ليه، كل واحد يروح يشوف شغله!
جمعوا أوراقهم وغادر الجميع والابتسامة تشق الوجوه، فحك عمران لحيته بحرجٍ مما فعل، وخاصة حينما وجدها مازالت تجلس محلها وتطالعه بدهشةٍ، سحب جاكيته عن مقدmة المقعد وغادر من الباب الجانبي لمكتبه، فجلس على مقعده وهو يمرر يده على جبينه هامسًا بضيقٍ: ناقصة هي!
وجذب أحد الملفات الموضوعة جواره ليجبر ذاته على التركيز بالعمل دون التفكير بليلة أمس، فاستقبل هاتفه رسالة نصية جعلته ينصب اهتمامه فور رؤيتها تخص ألكس، فتح الرسالة ليجدها تدون له.
«ألــم تمل من الحديث عن زواجنا! حسنًا عمران سأثبت لك حبي الشـ.ـديد لك، أنا موافقة على الزواج بك ولكن شرطي الوحيد أن تتخلص من زواجك الأول، فإن كنت تحترم دينك أنا أيضًا أحترم ديني، وديني يمنعني بالزواج من شخص متزوج، ولأعلمك بالأمر لا ينبغي لك الزواج إن قبلت أنا زواجك».
استفزته رسالتها، فعبث بأزرر هاتفه يجيب.
«بربك ألكس، ألا تريني أحاول فعل ذلك منذ أشهر! فريدة هانم ترفض طـ.ـلا.قي من مايسان، والإ حينها سأخسر المال وكل ما أملك! »
ليته كان لجوارها ليتمكن من رؤية فزعها وخــــوفها على المال السبب الوحيد لتعلقها به، فوصلت رسالتها إليه بعد خمسة عشر دقيقة، بعد تفكيرها الميمون بالأمر
«إترك لي الأمر، أعدك بأنني سأجعل والدتك تتوسل لك لتطلقها. »
تجعد جبينه بدهشةٍ وراح يتساءل
«كيف ذلك؟! ».
وصلته رسالتها ففتحها بلهفة
«لا تهتم عزيزي، أريدك أن تترك لي أمر تلك المعتوهة سأهتم بها. »
اغتظم غـ.ـيظه لسماع لفظها البذيء، فترك هاتفه ورفع يديه لوجهه بتعبٍ من تلك الحلقة الدائرية التي يدور بها، انطلق رنين هاتف مكتبه، فتفحصه وهو يردد بسخطٍ: مش وقتك يا فريدة هانم!
ولكنه اضطر يحمل السماعة ليجيب بامتعاضٍ: صباح الخير.
أتاه صوتها مفزوعًا، مقبضًا، يستمع له عمران للمرة الأولى: عمران.
انتفضت حواسه فتساءل بقلقٍ: ماما إنتِ كويسة؟
رددت بـ.ـارتباكٍ وتخبط بكلمـ.ـا.تها الغير مرتبة والغير مسبق لها: مايسان مش في أوضتها، في شنطة على سريرها لمة فيها هدومها. باينها سابت البيت. مايسان سابتني، مش عارفة هتكون راحت فين، دور عليها وشوفها فين أنا عايزة بـ.ـنتي يا عمران!
أجابها سريعًا وملامح الخــــوف مرسومة على معالمه تأثرًا بسماع والدته بتلك الحالة: متقلقيش يا حبيبتي مايا هنا معايا في الشركة.
وصل إليه أنفاسها التي عادت تنتظم بعد عناءٍ، وبصوتٍ مهزوز قالت: بجد يا عمران ولا بتضحك عليا. طيب سمعني صوتها.
شفق عليها، يعلم جيدًا ماذا تعنى مايسان لوالدته، فحمل سماعة الهاتف اللاسلكي، وأجابه بهدوءٍ: حاضر خليكِ معايا.
ودلف من الباب الجانبي لغرفة الاجتماعات، فوجدها مازالت تجلس محلها تراجع أوراقها، قدm لها عمران الهاتف قائلًا بثباتٍ: فريدة هانم.
التقطت منه الهاتف تجيب ببسمة ساحرة: صباح الخير يا ديدا.
انكمشت تعابيرها وهي تستمع إليها، وخاصة من مراقبة عمران لها، وكأنه يحاول تحليل تلك الاحداث، فقالت بتلعثم: لأ، أنا بس كنت بجمع الهدوم اللي مش محتاجاها وزاحمة الدولاب عندي، لكن أنا هسيبك وأروح فين، ده أنا حتى كنت هرجع بدري النهاردة عشان أروح معاكِ الجمعية.
أتاها صوته المتلهف يخبرها: سيبي اللي في إيدك وتعالي حالًا، أنا من الخضة مش قادرة أتلم على أعصابي وشكلي كده هعـ.ـا.قبك على اللي عملتيه ده.
رددت بمزحٍ رغم تجمع الدmعات بمقلتيها: عقـ.ـا.ب أيه بس، لا أنا جاية مسافة الطريق بإذن الله.
وأغلقت الهاتف ثم قدmته لعمران، وانحنت تجمع متعلقاتها تحت نظراته المتفرسة، فقطع صمته حينما قال: إمبـ.ـارح كان معاكِ جواز سفرك وفريدة هانم بتقول إنك كنتِ محضرة شنطتك.
رتبت الأوراق بمجلد واحد قائلة ببرود: وده يخصك في أيه؟
مال بجسده ليستند على جسد الطاولة الزجاجية: يعني أيه يخصني في أيه؟ انتي ناسية إنك مراتي؟
ضحكت ساخرةٍ وتجاهلت التطلع إليه: لا مش ناسية، بس اللي فاكراه إنك مش معترف بجوازنا وبتحاول بكافة الطرق تنهي العلاقة دي.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ وبقى يتابعها بجمودٍ مصطنع، حملت مايسان حقيبتها واستدارت لتكون قبالته، فقالت بألــمٍ: أنا حياتي مش هتتوقف على العلاقة السامة دي يا عمران، أنا عايزة أكمل حياتي مع الشخص اللي يقدرني ويحبني من قلبه.
وفتحت الباب الزجاجي وقبل أن تغادر منحته ابتسامة رقيقة وهي تخبره: متقلقش لما أرتبط بانسان تاني مش هنسى إنك كنت صديق طفولتي وهكونلك الصديقة دايمًا حتى لو أنت كنت رافض الاعتراف بده.
واستكملت بتسليةٍ: المواقف اللي بـ.ـنتعرضلها في حياتنا هي اللي بتورينا احتياجنا بيكون لمين؟
وودعته بنفس البسمة الواثقة: مع السلامة يا عمران.
وتركته مقيدًا محله، يتطلع للباب الذي يتراقص من خلفها لشـ.ـدة دفعها له، شعر بالاختناق يجوبه من حديثها الذي أيقظ غـــضــــبه وحنقه الشـ.ـديد، مجرد تخيله أنها برفقة رجلًا أخرًا غيره جعلت الدmاء تتصاعد بأوردته بشراسةٍ.
حرر عمران جرفاته باختناقٍ، فعاد لمكتبه يجذب مفتاح سيارته، وغادر وهو لا يعلم لأي وجهة سينطلق!
منحها ابتسامة صغيرة رغم ثبات نظراته، ليخـ.ـطـ.ـفها لعجلة القيادة المركونة على الرصيف، رفع حاجبه بتمعنٍ اتبع نبرته: الظاهر إنك كالعادة محتاجة مساعدة.
رفعت كتفيها بقلةٍ حيلة: الظروف اللي بتعمل فيا كده، لكن أنا بسكوتة وقلبي أبيض والله متحملش كل اللي بيحصلي في حياتي ده.
قهقه ضاحكًا وهو ينزع عنه جاكيته الأسود، وأشمر عن ساعديه ليجذب من صندوق سيارته المعدات اللازمة ليبدل عجلة سيارتها، رفع آدهم السيارة باستخدام الحامل ومن ثم شرع بتبديلها بأخرى كان يحملها بسيارته.
راقبته شمس باهتمامٍ وهو يعيد ربطها، وقالت بحرجٍ حينما وجدته ينظف يده المتسخة بالمناديل بصعوبةٍ: كان نفسي أساعد بس للأسف مينفعش فستاني هيتوسـ.ـخ.
ابتسم وهو يراقبها تشير لفستانها، وكأنه جوهرة ثمينة وتنحنح وهو يلقي منديله: ولا يهمك، أنا خلاص خلصت، هلم الحاجة بس.
رددت بامتنانٍ لما فعله: شكرًا يا كابتن.
ضحك بصوتٍ مسموع، وقال وهو ينحني يجمع أغراضه: العفو يا شمس هانم.
علي رنين هاتفه فوضع الأغراض عن يده ثم رفع شاشته إليه، فأجاب بخشونة اعتلته: أيوه يا باشا.
تجهمت معالمه تدريجيًا بصورة لفتت انتباه شمس التي راقبته باهتمامٍ لمعرفة ماذا هناك؟
أسرع آدهم لسيارته، ففتح بابها الخلفي وهو يبحث عن شيئًا كان مبهمًا لشمس، فجحظت عينيه صدmة مما رأه، وقبل أن تستوعب ماذا أصابه، وجدته يجذب يدها مرغمًا إياها على اتباع خطاه، فهرول بها بعيدًا عن السيارتين، والاخيرة تتساءل بدهشةٍ: في أيه؟
دفعها أدهم لمقاعد الانتظار المصفوفة على طرف الطريق، فأرغمها على الجلوس أرضًا، ليحني جسده من فوقها ويديه من أعلاهما في تأهبٍ صريحٍ لمواجهة ما سيحدث، رفعت شمس وجهها إليه تتساءل برعـ.ـبٍ من هيئتها: آدهم في أيه!
أتاها دوي الأنفجار الخاص بسيارته، ضاربًا سيارتها المجاورة للأخرى، فصرخت برهبةٍ وتمسكت بقميصه وهي تصرخ: أيه اللي بيحصل جاوبني!
رفع رأسه من خلف حافة المقعد يراقب الطريق بتمعنٍ، فتفاجئ بسيارتين تقترب من سيارته المتفحمة، عاد يختبئ من جديدٍ، وما يهاجمه بتلك اللحظة اكتشافهم بقائه على قيد الحياة.
المعركة الآن غير متكافئة بوجود شمس برفقته، لا يرغب في إيذائها بسبب عمله المفروض عليه، إن كان بمفرده كان ليقف شامخًا بساحة الحرب متباهيًا بقوته بالقتال، ولكنه من المؤكد لن يحتمل خسارة حياة أحدٌ بسببه، ماذا وإن كانت تلك الفتاة التي بدأت تعرف طريقها لقلبه!
جابت عينيه ذاك الطريق المنجرف خلف أعواد الخضرة الضخمة التي تسد الطريق عن المياه، فأخرج سكينًا صغيرًا مما جعلها تردد بذعرٍ: أنت هتعمل أيه؟
وتابعت وعينيها تراقب السيارات التي خرجت منها رجـ.ـالًا مسلحين: ومين دول!
أشار لها بأن تخفض صوتها، ليهمس لها بحذرٍ: اهدي يا شمس، خليني أعرف أتصرف قبل ما يلاحظوا مكانا لإنهم لو وصلوا لينا أوعدك هيكون يومنا الأخير.
صعقت مما استمعت إليه، وابدت اعتراضها الفوري: وأنا مالي، إنت شكلك اللي مزعلهم بالجـ.ـا.مد ذنبي أنا أيه؟
ضحك وهو يراقب ملامحها المذعورة بتسليةٍ، فصاحت بعصبيةٍ: وطي صوتك مش بتقول هيعرفوا مكانا! وبعدين أنت ليه دايمًا منشكح كده حتى في المواقف اللي مينفعش حد يبتسم فيها!
رد عليها وهو يغمز لها بمشاغبةٍ: بستقبل مـ.ـو.تي بنفس بشوشة.
ردت باجتياجٍ: استقبله انت براحتك أنا لسه صغيرة وفي بداية حياتي.
أشار بالسكين خلفه: حاولي تقنعيهم بده، يمكن وقتها يفكروا يمشوا ويسبوا وراهم شاهدة لطيفة على جريمتهم البشعة اللي هيرتكبوها مع الشخص اللي علم على قفاهم مرتين.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ، فحاولت ادعاء قوتها الزائفة: وأنت بتتنيل تديهم بالقفا ليه يا عم إنت!
تمردت ضحكاته الرجولية بشـ.ـدةٍ ومازالت تشير له بخــــوفٍ، فقال: آسف بس إنتِ جاية تنكتي وإحنا بنمـ.ـو.ت حضرتك!
وتابع بخبث وهو يحاول نزع الغاب عن طريقهما: يعني ده جزاتي بدل ما تشكريني إني حمـ.ـيـ.ـت حياة راكان باشا خطيبك من الكلاب دول زعلانه إني علمت عليهم!
زوت حاجبيها بدهشةٍ: يعني الناس دي عايزة تقــ,تــلك عشان كنت بتحمى راكان منهم؟
هز رأسه بتأكيدٍ وهو ينزع أخر الغاب المصفوف، لوت شفتيها وهي تهمهم بتريثٍ: يا أخي كنت سبتهم يخلصوا عليه وخلصتني من بروده وتقل دmه.
تطلع لها بعدm تصديق وخار ضاحكًا، فرفعت كفها تكبت ضحكاته وهي تردد برهبةٍ: اطلع اضحك بره قدامهم وسبني أعيش!
غادرته ضحكاته وهامت عينيه بقربها الشـ.ـديد منه، يدها التي تلامس شفتيه ونظراتها المرتعبة، ارتبكت شمس من نظراته الجذابة تجاهها، فسحبت كفها بـ.ـارتباكٍ لمسه آدهم فابتسم وهو يتابع عمله ببراعةٍ، وما أن انتهى حتى أشار لها: يلا.
هزت رأسها وانحنت على يدها تزحف حتى وصلت إليه، فمدت رأسها داخل الفجوة التي صنعها، ثم عادت إليه سريعًا تخبره بذعرٍ: ده طريق للبحر!
أكد بإشارة رأسه، وردد وهو يطالعها بتسليةٍ: عندك حل تاني؟
لعقت شفتيها وهي تخبره بتـ.ـو.ترٍ: بس أنا مش بعرف أعوم!
ابتسم وهو يخبرها: متقلقيش يا شمس أنا معاكِ.
زادتها كلمـ.ـا.ته ارتباكًا فوق ارتباكها، فرددت بتشتتٍ: كلمة متقلقيش دي بتقلق أساسًا، ثم أنك ما صدقت ونازل من الصبح شمس شمس، أمال فين هانم اللي كنت بتقولها!
وأشارت باصبعها تعترض: لا أوعى الموقف ده ينسيك إني خطيبة راكان البـ.ـارد اللي بتشتغل عنده أنا مسمحلكش.
سيطر على ضحكاته بصعوبةٍ وهو يشير بيديه كأنه يرحب بالملكة: آسف شمس هانم، ممكن لو سمحتي تدخلي بسرعة قبل ما الحـ.ـيو.انات اللي بره دول يعرفوا مكانا ووقتها هتنزف في شوال واحد لراكان باشا خطيبك!
لعقت شفتيها برعـ.ـبٍ: بتخــــوفني ليه يا عم!
ومرت لداخل الفجوة التي تحيطها الحشائش مرددة بضجرٍ: كان يوم مالوش ملامح لما وافقت ارتبط باللي اسمه راكان ده.
زحف من خلفها مبتسمًا، فأحاط الفجوة بالحشائش لتخفي محلهما، تفادت شمس فستانها الذي كاد بأن يسقطها بالمياه، فتمسك بها آدهم بقوةٍ جعلتها تعود لطريقها من جديد حتى وصلوا لنهاية الطريق المؤدي على الرصيف الأخر، هبط آدهم أولًا فمد ذراعه مشيرًا لها: هاتي ايدك.
تفحصت المسافة بينها وبين الرصيف بتمعنٍ، وليده الممدودة فعادت تختبيء خلفه الحشائش وهي تخبره: هستنى هنا لحد ما يمشوا وهطلع.
أجابها بنفاذ صبر: متبقيش جبانة يا شمس إطلعي!
فتحت الحشائش لتطل عليه من جديدٍ، قائلة بغـــضــــب: أنت بتتخطى حدودك يا كابتن، مش كفايا العربية اللي اتفحمت على الطريق!
واسترسلت بغـ.ـيظٍ: لأ وأنا اللي كنت فرحانة إنك موجود وبتساعدني عشان ألحق المحاضرة، لا لحقت محاضرة ولا العربية سلمت!
مرر يدها على وجهه بغـــضــــبٍ، مازال مكانهما غير آمنًا بالمرة، وهي غير مدركة لخطورة الموقف، وكأنه يحاول أن يلين رأس إبنة شقيقته البالغة من العمر اثنا عشر عامًا، فقال من بين اصطكاك أسنانه: شمس الموضوع خطير من فضلك خلينا نمشي من هنا وفورًا، وإن كان على عربيتك فأنا هعوضك صدقيني.
عادت تطل له من خلف الحشائش تخبره بغـــضــــب: أنا مش بقبل عوض يا كابتن، ثم أنك متعرفش أنا بـ.ـنت مين ولا أيه؟
أدنى شفتيه بأسنانه وصاح بها: مش وقته الكلام ده بقولك الناس اللي بره دي لو وصلولنا هيصفونا!
اعترضت محتجة: يصفوك أنت أنا مالي بالليلة دي!
ضيق عينيه بنظرةٍ مستهزئة فأشار لها بخبث: أوكي أنتِ صح، عشان كده ههرب أنا وهسيبك تداري ببوكيه الورد اللي أنتِ قاعدة جواه ده، مع السلامة يا شمس هانم.
جحظت عينيها في صدmةٍ حينما وجدته يشرف على الابتعاد عنها، فصاحت بهلعٍ: أنت سايبني ورايح فين، يا آدهم، كابتن آدهم استنى، طيب مش خايف من راكان البـ.ـارد يعـ.ـا.قبك انك سبتني ليهم.
لم يعيرها انتباهًا، فصاحت بصوتٍ أعلى: طيب استنى تنتاقش طيب.
صعقت شمس حينما استمعت لصوت طلقات نارية تجوب مياه البحر، بعد أن اكتشف الرجـ.ـال أمر السيارة فارغة، فظنوا بأنه هرب للمياه، أمرهم كبيرهم باطـ.ـلا.ق الرصاص الحي على المياه حتى يصبوه في مقــ,تــلٍ.
كادت بأن تلقي ذاتها من خلفه غير مبالية بما سيصيبها لبعد المسافة، فوجدته يسرع ليتلقفها بين ذراعيه، ارتجفت شفتيها وهي تردد بخــــوفٍ: بيضـ.ـر.بوا نار، شكلهم فعلًا ناس خطيرة
لوى شفتيه بتهكمٍ: والله؟!
داعبت شفتيها ابتسامة ساحرة فور تسلل رائحة الزهور إليها، فتعلقت عينيها على باب الغرفة تلقائيًا تستعد لرؤيته، طرق على الباب ثم طل بجاذبيته الخاطفة: صباح الخير فطيمة.
ابتسمت فور رؤيته يتقدm لينزع زهور الأمس، ومن ثم وضع الزهور الجديدة بال?ازة القريبة منها، فجلس على المقعد المقابل لها قائلًا: يا رب تكوني النهاردة أحسن؟
بقيت صامتة كحالها وابتسامتها لا تفارقها، فتقوست معالمه هاتفًا بضيق: لا احنا اتخطينا مرحلة الصمت من إمبـ.ـارح تقريبًا ومش مستعد إنك ترجعيلها تاني.
وعبث بحدقتيه مرددًا: هنعيد من تاني.
ضيقت عينيها بعدm فهم، فوجدته يخرج من غرفته ويعود بالطرق مرة أخرى، مكررًا: صباح الخير يا فطيمة.
صاحبتها ضحكة رقيقة: صباح النور دكتور علي.
تهللت أساريره واتجه ليقف قبالتها يكشف عن ساعديه وكأنه على وشك الاستعداد لشيءٍ هامٍ، فقال: بصي أنا جاي النهاردة وعندي نية تامة إني هنزلك الحديقة، ترفضي بقى تقبلي قراري صدر وأمره نافذ.
منذ ثمانية أشهر تجلس بتلك الغرفة، ولم تحبذ يومًا مغادرتها، بداخلها رفضًا تامًا للاحتكاك بأي رجلًا، مجرد تواجد أي طبيب بغرفتها كان يثير اشمئزازها، لولا وجود على لجوارها، فقالت بإصرارٍ: مابغيت نشوف حتى واحد، انا كنخاف فاش كنكون وسط ناس كتيرة، عافاك خليني هنايا احسن.
(مش جاهزة أشوف حد، أنا بخاف لما بكون وسط ناس كتير، من فضلك خليني هنا أحسن).
فاقت رغبته اصرارها فقال: لازم تخرجي يا فطيمة، وجوك هنا طول الوقت هيضرك مش في صالحك.
وقال بهدوءٍ: متخافيش هكون جانبك وجاهز لأي رد فعل.
زوت حاجبيها بعدm فهم، فوجدته يخرج إبرة طبية من جيب بنطاله، فأشارت له بهلعٍ: لاا مابغيتش نضـ.ـر.ب ليبرة.
(لأ مش عايزة أخد حقن! )
أعادها على لجيبه بابتسامةٍ ماكرة: يبقى تسمعي الكلام.
هزت رأسها بطاعةٍ، ونهضت عن فراشها تبحث عن حذائها، ارتدته فطيمة ولفت طرف حجابها من حولها ووقفت قبالته قائلة بحرجٍ: أنا جاهزة.
فتح باب غرفتها وخرج وهي تتبعه بخطواتٍ مترددة، لفت انتباهها الطابق القابع به غرفتها، يغمره اللون الأبيض النابع عن صفاء العين، وبالرغم من الهدوء الشامل للمكان الا إنه لم يخلو من المارة، سواء من الاطباء أو المرضى، وكأنه هي بمفردها التي تحبس ذاتها بغرفتها.
ابتسم على وهو يراقبها من طرف عينيه تتابع المكان باهتمامٍ، هكذا ما أراد أن تختلط سريعًا بالبيئة المحاطة بها.
استدارت فطيمة تتفحص المكان ولم تنتبه لتوقف على عن الحركة، فارتطمت به وكادت بالسقوط لولا يده التي تشبثت بها وصوته الدافئ يصل لها: خلي بالك يا فطيمة، بصي قدامك.
ارتجف جسدها الهزيل، وتلقائيًا دفعته بعيدًا عنها، وأنفاسها تعلو بعنفٍ، منحها على ابتسامة هادئة لم تغادره وقال مازحًا وهو يشير على المصعد: آسف إني وقفت فجأة، بس مش هينفع ننزل كل المسافة دي.
انفتح باب المصعد، فأشار لها بالدخول، وزعت نظراتها المرتبكة بينه وبين المصعد، صحيح أنها تراه أمانها ولكن بخروجها معه تختبر شيئًا لم تختبره من قبل، والآن أعليها البقاء معه بمفردها داخل المصعد!
استمدت فطيمة قوتها الزائفة حينما وجدته يناديها بدهشةٍ: فطيمة إنتِ كويسة؟
أومأت برأسها وهي تلحق به، ففور انغلاق الباب حتى اهتز جسدها وتسلله البرودة، اضطربت أنفاسها رويدًا رويدًا وهي تراقب مكان وقوفه، فابتعدت لأخر زوايا المصعد.
تفهم على حالتها لذا بقى ثابتًا، لم يعير ما يحدث أي اهتمامًا قد يضايقها، هو بالنهاية ليس شخصًا عاديًا، هو طبيبٍ نفسي يحلل تصرفاتها ويعلم بماذا تفكر؟ ولماذا تشعر؟
كان احترافيًا بالتعامل معها، فلم يبدي أي اهتمام لوقوفها بعيدًا عنه ولم يتساءل عما يصيبها ليقلل من تنفسها هكذا، توقف المصعد فخرج أولًا وهو يقول دون النظر إليها: وصلنا.
لحقت به للخارج، فوقفت تتطلع للحديقة بنظرةٍ انبهار، طافت حدقتيها كل ركنٍ بها، لم تكن كبيرة ولكنها منسقة بزهور ترآها لأول مرة، تملأها عدد من الطاولات، وعدد من المرضي المرتدون لنفس لون جلبابها، أشار لها على على الطاولة القريبة منهما متسائلًا بلباقةٍ: تحبي نقعد هنا؟
اكتفت بإيماءة من رأسها، فاتجه للطاولةٍ ثم جذب المقعد ليشير لها بالجلوس، فجلست وهي تردد على استحياءٍ: شكرًا.
جلس على قبالتها، مستندًا على الطاولةٍ بجسده العلوي عليها، ليسحبها من دوامة تشتتها: شوفتي بقا إنك سايبة الجمال كله تحت وقاعدة حبسة نفسك فوق.
تكلفت بسمة على شفتيها، وعادت تتطلع من حولها بفضولٍ، متجاهلة حديثه عن مداخل الحديقة ووصفه الدقيق عن كل مكانٍ بها، ابتسم على حينما تأكد بأنها لا تصغي لحرفٍ واحدٍ مما يقول، فردد بصوته الرخيم: فطيمة!
عادت برأسها إليه، ورددت بحرجٍ: بتقول حاجة يا دكتور؟
استند على يده وتابع بنفس بسمته: كنت بقول حاجات بس الظاهر إن جمال الحديقة خـ.ـطـ.ـفك مني.
ابتسمت وهي تخبره: المكان فعلًا جميل أوي.
بداخله يهمس دون توقف مفيش في جمالك!
وتنحنح قائلًا: شوفي بقى، عشان سمعتي الكلام هكافئك بالرغم من إنك غلبتيني.
تساءلت باستغرابٍ: مكافأة أيه!
أخرج على هاتفه ثم حرر زر الاتصال بعدmا فعل السماعة الخارجية، فتابعته باهتمامٍ لمعرفة مقصده، زف إليها صوتًا رجوليًا مألوفًا لمسمعها: دكتور علي، إزيك.
ابتهجت للغاية، ورددت بلهفةٍ: مراد!
فطيمة، أخيرًا سمعت صوتك!
وتابع بحماسٍ: طمنيني عاملة أيه؟
اتسعت بسمتها وهي تجيبه: أنا كويسة الحمد لله، أخبـ.ـارك إنت أيه؟
بخير بفضل الله. المهم إنتِ عايزك تفوقي كده وتستردي صحتك، والأهم إنك تسمعي كلام دكتور علي.
ابتسم على وأشار باصبعيه للهاتف: سمعتي.
أجابته بلطفٍ: حاضر. أنا بجد مبسوطة أوي أني اتكلمت معاك.
وقريب هاجي بنفسي أزورك بس عشان ده يحصل لازم تخفي وتكوني أحسن عشان أخدك في إيدي على مصر وأعرفك على حنين وبناتي مرين ومارال هيتجننوا عشان يشوفوكي.
ببسمة مشرقة قالت: ما شاء الله، ربنا يبـ.ـاركلك فيهم وتفرح بيهم يا رب.
اتاها صوت ضحكاته ومن بعدها سخريته بالحديث: بتدعي عليا أني أكبر، ماشي يا فطيمة مكنش العشم!
شاركته الضحك وتحدثت بصعوبةٍ: قولي الدعوة اللي تحبني أدعهالك وأنا أدعي.
رد عليها بجديةٍ تامة: مفيش عندي شيء أتمناه غير إنك تقومي بالسلامة.
تمعنت ببسمتها وهي تردد بهمسٍ: يا رب.
تبادلا الحديث حتى أغلق مراد معها على وعد بأنها ستجاهد لتلقي خلفها الماضي بما يحمله من آهات قـ.ـا.تلة، كانت مكالمة الجوكر لها في الصميم مثلما توقع علي، فقد تبدلت فطيمة من حالٍ للأخر، فجلس يراقبها خلسة وكلما أمسكت به عينيها ادعى انشغاله بمراقبة هاتفه، حتى أخرج لها دفترًا صغيرًا وقلمًا مرددًا: أنا هسيبك تقعدي لوحدك شوية في الجمال ده، وعايزك تدوني بالدفتر ده ذكريات جميلة لسه فاكراها لحد النهاردة عن طفولتك.
جذبت الدفتر منه ببسمةٍ هادئة، ففتحت أول صفحاته لتتفاجئ بأنه يدون فاطيما بأول صفحاتها، فرفعت عينيها إليه وقالت: انا اسمي فاطمة بالالف و لكن في المغرب كنقولوا فاطما و لا فطيمة
و انا انا دارنا كيقولو لي فطيمة.
برق بدهشةٍ، فجذب الدفتر يمحي إسم فطيمة ويكتب فاطمة، وأعاده لها وهو يسألها: يعني أناديكي فاطمة ولا فطيمة؟
أجابته ببسمة صغيرة: الاسم اللي يعجبك و تبغيه عيطلي بيه.
ردد بتيهةٍ: ما تكلميني مصري ينوبك ثواب!
تعالت ضحكاتها وهي تعيد ما قالته: الاسم اللي يعجبك ناديلي بيه.
هز رأسه باقتناعٍ: اتفقنا.
علي!
صوتًا ذكوريًا اقتحم جلستهما، فرفعت فطيمة رأسها تجاه هذا الشاب الذي يملك ملامح مشابهة لعلي، ابعد مقعده ونهض يردد بدهشةٍ: عمران!
جابت عينيه الفتاة التي يجلس برفقتها، وقال دون أن يحيل عينيه عنها: روحتلك مكتبك قالولي إني أكيد هلاقيك مع فطيمة!
وتابع بمرحٍ: وكل ما أسأل حد يقولي نفس الجملة لدرجة إني بقى عندي فضول أشوفها.
وتابع وهو يشير بعينيه إليها: هي دي بقى فطيمة؟
بدى الارتباك يجوب ملامحها، فأجبر على رسم بسمة متكلفة على وجهه وهو يسحب عمران بعيدًا عن مقعدها مرددًا: ده عمران أخويا الصغير يا فطيمة، هو بس مشاكس حبيتين وداخل على هزار على طول.
صحح له مفهومه الخاطئ: أنا بني آدm عشري وقلبي أبيض والله.
سحبه على مشيرًا بيده للممرضة التي جلست محله، بينما اتجه بعمران للطاولة القريبة من فطيمة، جلس قبالته يتساءل بقلقٍ: خير يا عمران.
لفظ أنفاسه بصوتٍ مسموع، واستكان على سطح الطاولة بنصف العلوي، مجاهدًا لخروج كلمـ.ـا.ته: على إمبـ.ـارح كنت سخيف أوي معاك فأنا، آآ، آسف على اللي حصل إمبـ.ـارح مش عايزك تزعل مني إنت أخويا الكبير وآ.
قاطعه على ببسمته الهادئة: عمران مفيش داعي إنك تكمل كلامك، أنا مزعلتش منك ولا عمري هزعل، أنا زعلي كله عليك وعلى الحالة اللي أنت حاطط نفسك فيها.
مرر يده بين خصلات شعره التي تناثرت بفعل الهواء العليل، ثم قال بفتورٍ: علي، إمبـ.ـارح قولتلي أطلق مايسان وأسيبها لغيري يعوضها ظلمي.
هز رأسه بتأكيدٍ لتذكره ما قال، فلعق عمران شفتيه مضيفًا بـ.ـارتباك: وقتها حسيت إني شوية كمان وهضـ.ـر.بك.
احتدت نظراته بغـــضــــبٍ، فأسرع يبرر له: مايسان النهاردة قالتلي نفس جملتك حسيت اني هقــ,تــلها بردو.
وتابع بضجرٍ ينتابه: على أنا مبقتش عارف أنا عايز أيه، فجيتلك تعالجني من الحالة النفسية اللي أنا فيها دي.
ذم شفتيه بضجرٍ، ثم قال: إنت اللي حاطط نفسك في الحالة المرضية دي يا عمران.
بجديةٍ تامة أجابه: أنا عقلي مشتت ومش قادر أشوف شيء، بس اللي أنا قررته إني مستحيل هغـــضــــب ربنا تاني يا علي، وقولت لألكس الكلام ده مستحيل هسمح لنفسي أعيش حالة الخــــوف والرعـ.ـب والاشمئزاز اللي بكون فيها.
ضم يده بمقدmة أنفه يحاول تهدئة إنفعالاته، لا يرغب أبدًا بالاندفاع بحديثٍ متهور قد يفقده أخيه، فقال باتزانٍ: عمران أنا عايز أسألك سؤال وتجاوبني عليه بصراحة.
هز رأسه وتابعه باهتمامٍ، فاقترب على من الطاولة ثم قال وعينيه تقابل عينه: لما حصل بينك وبينها علاقة كانت مرتها الأولى؟
مسح بيده وجهه، وكأنه لا يود اجابته لمعرفته ما سيقول أخيه ومع ذلك ردد باقتضابٍ: لأ.
ألقى الكرة بملعبه، فقال بثبات: وهتأمن تديها إسمك يا عمران؟
سيطر على غـــضــــبه القـ.ـا.تل، وقال بتعصبٍ واضح: ألكس اتغيرت من وقت دخولي لحياتها يا علي، وبعدين الحب مش اختيار، ولو كان بإيدي كنت أكيد اختارت مايسان.
زفر بمللٍ من الوصول لحل ينهي معضلة أخيه، فصاح بتريث: يعني إنت عايز أيه دلوقتي ألكس ولا مايسان؟!
تنحنح وهو يجلي أحباله الصوتية: الاتنين. عايزهم الاتنين.
جذبه من تلباب قميصه بعنفٍ: وحياة أمك!
تلفت حوله وهو يحاول تحرير ذاته مرددًا: على عيب الناس حولينا، وبعدين لو فريدة هانم سمعتك بتقول الكلام ده هيجيلها سكتة قلبية!
تفحص الأوجه من حوله، وحينما وجد الجميع يراقبون ما يحدث بينهما تركه متمتًا: قوم امشي من هنا يا عمران، بدل اللي ما عملتهوش امبـ.ـارح هعمله النهاردة وقدام الناس.
حمل مفاتيح سيارته وهو يشير له: طيب يا حبيبي همشي أنا دلوقتي ولما تهدى وتعقل كده بالتعامل مع المرضى بتوعك أبقى أجيلك.
واستدار عمران يشير له بمزحٍ: بنصحك تشوف دكتور نفساني هينفعك أوي في شـ.ـدة الاعصاب اللي أنت فيها، سلام.
أوقف عمران رنين هاتفه، فوقف على مسافة من أخيه يجيب ومازالت الابتسامة على وجهه: أيوه أنا عمران سالم. خير؟
اكفهرت معالمه وهو يصيح بصوتٍ مرتفع: عربية أيه وإنفجار أيه، أنت بتتكلم عن مين؟!
هرول على إليه يتساءل بقلقٍ: في أيه يا عمران؟
وجده يهمس بصدmةٍ وهو يبعد هاتفه عنه: شمس!
جذبه على ليقف قبالته يصيح: مالها شمس؟!
وضع النادل العصير على الطاولةٍ، فشكره من يتابع مسح قميصه الأبيض المتسخ بالمناديل المبللة، بينما تراقبه الاخيرة بصمتٍ، فجذبت كوبها بعدmا انهت رسالتها بـ.ـارسال إسم المطعم المتواجدة به لعلي، وارتشفت الكوب عله يزيح مرارة حلقها، ومازالت تخـ.ـطـ.ـف النظرات إليه، فتحررت عقدة لسانها السليط قائلة باستهزاءٍ: بقالك ساعة بتمسح قميصك وبيحاول يقنعك أنه مش هينضف وإنت مازلت مصر!
ابتسم آدهم واستمر بتجفيف صدرك المتسخ بسواد السيارة، قائلًا بخبث: ده طبعي مش بمل بسهولة.
رمشت باهدابها وهي تتابعه، وقالت ضاحكة: خليه كده على الأقل تبقى محتفظة بالبقايا الأخيرة من عربيتي المرحومة.
تعمق بالتطلع لعينيها وقال ببسمة واثقة: على فكرة عجلة عربيتك عطلت بفعل فاعل.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، ودنت منه تتساءل بخــــوف: قصدك أيه؟ هما اللي عملوا كده عشان يقــ,تــلوني!
تمردت ضحكاته الرجولية، فنفى ذلك مرددًا: لأ مش للدرجادي.
التقطت أنفاسها براحة غادرتها حينما استطرد: أنا اللي عملت كده.
برقت بعينيها بصدmة: إنت! طب ليه؟
ترك آدهم المنديل عن يده ثم مال برأسه إليها يهمس: كانت نيتي أشوفك على الطريق وأقف أصالحلك العربية وبعديها تعزميني في مكان على قهوة، أو على الأقل تخدي رقمي وتشكريني حاجة شبه الأفلام كده بس صدقيني مكنتش أعرف إن الكلاب دول مش هيلاقوا غير الوقت اللي هقابلك فيه ويهاجموني.
توقف عقلها عن استيعاب ما يخبرها به، فتساءلت بعدm تصديق: مش خايف أقول لراكان أنك بتحاول توقعني؟
اتسعت بسمته وهو يجيبها دون مبالاة: أنا مبخافش من حد يا شمس.
وبجديةٍ تامة تناقض نبرته قال: إنتي نقية وتتحبي بجد عشان كده هقولك إبعدي عن راكان يا شمس، ميستهلكيش.
كادت بسؤاله لماذا يخبرها تلك الكلمـ.ـا.ت؟ ولماذا يحاول التقرب منها، فقطعها صوت أخيها المنادي بلهفة: شمس.
التفتت تجاه مصدر الصوت، فوجدت أشقائها، ضمها على إليه بلهفةٍ وأبعدها وهو يتفحص جسدها بنظرةٍ متفحصة: طمنيني حصلك حاجة؟
هزت رأسها نافية وقالت وعينيها تجوب آدهم: خرجت من المكان بفضله.
تركزت نظراتهما عليه، فتعرف عليه عمران فقد رأه أكثر من مرةٍ برفقة راكان، فقال: مش إنت آدهم الحارس الشخصي لراكان.
نهض عن مقعده يشير له بهدوءٍ، فصافحه عمران بامتنان: مش عارفين نشكرك ازاي حقيقي جميلك ده مش هننساه أبدًا.
أجابه وهو يسحب جاكيته الموضوع على المقعد: مفيش داعي للشكر يا باشا ده واجبي.
رد عليه على ومازال يحتضن شقيقته: ربنا بعتك بالمكان ده بالوقت المناسب.
وتساءل بفضول: بس ازاي ده حصل، فهمني.
خـ.ـطـ.ـف آدهم نظرة سريعة لشمس قبل أن يجيبه بذكاءٍ: في الحقيقة أنا السبب في اللي حصل، عربيتي سخنت ودخنت بشكل مخيف، وقفتها ونزلت أشوف في أيه فلقيت الامور ساءت وعلى وشك إنها تنفجر. وللأسف كانت شمس هانم عربيتها عطلانه وعلى بعد قريب مني، فنبهتها للموضوع وبعدنا عن المكان والحمد لله مفيش حد اتأذى.
ردد على وهو يطبع قبلة على جبينها: الحمد لله، أنا روحي راحت لما جت المكالمة دي لعمران لو كانوا اتصالوا بالبيت كانت فريدة هانم جرالها حاجه.
ربت عمران على ظهر شمس بحنانٍ: جت سليمة الحمد لله.
ابتسمت شمس وهي تنصاع لذراعه التي تتلقفها بعيدًا عن على لاحضانه هو، فهمس لها عمران بتسليةٍ: فريدة هانم هتعـ.ـا.قبك بحرمان دائم من العربيات طول حياتك.
منحته نظرة ماكرة: مين اللي هيقولها؟!
رفع يده ببراءةٍ: أنا مش هتكلم في سبيل أنك متفتحيش بوقك ولا تفتني عليا في أي كارثة جاية هرتكبها، علوى اللي جنبك ده اللي لسانه فالت أمني عليه بس للأسف مالوش لوية دراع ولا حاجة تساوميه عليها.
راقب آدهم حديثهما ببسمةٍ هادئة وخاصة حينما صاح على بحزمٍ: أنا مش جبان زيكم. عمومًا لينا بيت نتساوم فيه.
واستدار يقف قبالة آدهم، يصافحه من جديد وتلك المرة عينيه تقابله وجهًا لوجه، فقال وهو يضيق نظراته تجاهه: هو أنا ليه حاسس إني شوفتك قبل كده، على ما أعتقد بمصر!
لم تتلاشى بسمة آدهم وأجابه بثبات: جايز، أنا نزلت مصر أكتر من مرة يمكن حالفني الحظ إني قابلتك ولو حصل واتقابلنا تاني هنكون عارفين بعض.
ابتسم لرتابة حديثه وقال بوداعةٍ: إن شاء الله. بشكرك لتاني مرة.
ودعهما آدهم ووقف يراقبها وهي تصعد برفقة على للباب الخلفي من سيارة عمران، فما أن صعدت حتى طلت عليه بنظراتها عبر النافذة، كأنه تودعه على استحياء، تاركة البسمة تشـ.ـدو على وجهه الجذاب.
وضعت المال على الطاولة، فتلقفه الشابين الجالسان من أمامها، لتؤكد عليهما وهي تنفث دخان سيجارها: ستفعلان ما طلبته منكما غدًا بحفل ليام وإميلي.
وعادت تكرر تنبيها الحازم: واحرصا على أن تنجزان مهمتكما والا لن أدفع لكم دولار واحد بعد الآن.
ووضعت يدها بحقيبتها تخرج لهما صورة الفتاة وبطاقة دعوة، ثم ألقتها على الطاولة أمامهما وهي تستطرد: تلك هي بطاقة الدعوة لدخول الحفل، وغدًا ستكونان بالموعد المحدد وستنتظران مني إشارة.
هز رؤسهما وغادروا معًا، بينما نفثت هي دخانها وهي تردد ببسمةٍ استمتاع: حسنًا مايسان فلنري من منا ستنتصر بتلك المعركة، أنا أم أنتِ!
↚اندهش حينما لم يجده يتابعهما للداخل، فبحث عنه حتى وجده يسرع لسيارته مجددًا، تعجب على من خروج عمران بهذا الوقت، فترك شمس تستكمل طريقها للخارج ثم عاد أدراجًا ينادي: عمران.
كاد باجتياز البوابة الخارجية للمنزل حينما استمع لصوت أخيه، اقبل إليه يتساءل: مش طالع ولا أيه؟
أحكم غلق جاكيت بذلته الآنيقة حينما داهمه التيار البـ.ـارد وقال: بقالي فترة مشوفتش الشباب هروح الشقة يمكن أشوف حد فيهم.
دث يده بجيب بنطاله وهو يشمله بنظرةٍ متفحصة: الشقة عند أصحابك يا عمران، مش الفندق.
أكد له سريعًا: على أنا وعدتك مش هرجع للقرف ده تاني صدقني.
قال وهو يعود للداخل: أتمنى. بلغهم سلامي لحد ما أقابلهم.
رفع جسده عن الأرض ليحتل سيارته المكشوفة: يوصل يا مان.
قاد عمران سيارته ليصل بعد أقل من ثلاثون دقيقة للعمارة السكنية الراقية، صفها بمحاذاة الطريق وصعد للأعلى يلهو بمفاتيحها وهو يدندن بصفارته الهادئة، حتى وصل للطابق الخامس من المبنى، دث مفتاحه وولج للداخل مبتسمًا، متلهفًا للقاء أصدقائه المقربون، بحث بالغرف أولًا وهو يتمنى لقاء أحدهما، فانتبه للنور المضاء بالردهة، أسرع إليها فتهللت أساريره وردد: جمال!
استدار بمقعده القابل للحركة، فمنحه نظرة خاطفة ثم عاد لجلسته يرتشف كوبه لأخره بجموحٍ، صعق عمران مما رآه فاجبر ساقيه على تتبعه رغمًا عن تثاقلها، أصبح الآن قبالته لا يفصلهما سوى طاولة البـ.ـار المطل على كورن مشروبات القهوة وغيرها، فحمل الزجاجة الموضوعة أمامه بعدm استيعاب: إنت جبت دي منين؟
ابتسم من يحتضن رأسه الثائرة بصداعٍ قاسٍ، وقال: أكيد يعني كنت هلاقي جوه أوضتك.
جذبه عمران بقوةٍ كادت باسقاط جسده المترنح: من أمته يا جمال وإنت بتشرب القرف ده، ده إنت كنت بتعنفني لو بتشوفه معايا، أيه جرالك؟
أزاح ذراعه عن قميصه وعاد يستند على البـ.ـار ساكبًا كوبًا ويلتهمه غير عابئًا بنظراته ولا بقميصه المبتل، وكأنه ينتقم من نفسه هنا، كز عمران على أسنانه بغـــضــــبٍ، فأبعد الزجاجة لأخر البـ.ـار وصاح بعنفوانٍ: كلمني هنا، من أمته وإنت بتشرب القرف ده؟
ابتسم وهو يجيبه: من النهاردة، ولو نساني اللي بواجهه هدوام عليه زي ما إنت بتداوم عليه عشان تنسى مشاكلك.
مرت يده بخصلات شعره بتعصبٍ شـ.ـديد، فسحب مقعد مجاور له وجلس يخبره بهدوءٍ: كنت بضحك على نفسي يا جمال، السُكر مش حل للي بنواجهه، كفايا التقزز وكره النفس اللي هتحس بيه بعد ما تفوق ومفيش حاجه هتتسنى.
ابتلع ما بكوبه وقال ببسمةٍ صغيره رسمت على وجهه الحنطية مستنكرًا: مش مصدق انك اللي بتتكلم، ما ياما بذلنا أنا وأخوك مجهود كبير معاك عشان تبطل، جاي دلوقتي توعظني!
اتجهت نظراته البنية لهاتفه الجانبي الذي يعاد للرنين مجددًا، فجذبه جمال وأغلقه نهائيًا، ثم عاد يرتشف الكوب ببرودٍ، وزع عمران نظراته بين حالة رفيقه والهاتف، ثم تساءل: إنت اتخانقت مع صبا تاني؟
ضحك وهو يجيبه ساخرًا: قصدك عاشر ومليون!
استمر بحديثه ليعلم ما به، فقال: ليه حصل أيه؟
لف المقعد ليكون مقابل إليه: الست هانم من الفضى اللي بقى عندها هنا بقت بتشك فيا، مفكرة إني بعرف واحدة عليها، وكل يوم بتفتش في موبيلي.
وتابع ببسمةٍ حملت حـ.ـز.نًا وألــمًا رغم تعمده الاستهزاء: ده غير اسطوانة كل يوم عن تضحيتها العظيمة إنها سابت أهلها ومصر وجت عاشت معايا هنا في انجلترا، شايفة نفسها بطلة ولازم أقدر انجازاتها!
وتجرع ما بكوبه وهو يشير له: متعرفش إن لولا وجودي هنا وتعبي ليل نهار في الشغل مكنتش قدرت أحقق كل اللي وصلتله ولا كان باباها قبل بالجوازة دي من الأساس.
وتابع بغدافية جعلت دmعاته تبرز بحدقتيه: متعرفش أنا موجوع أد أيه وأنا عايش هنا بقالي سبع سنين متغرب عن أهلي عشان أقدر أكونلها الزوج المناسب والابن اللي يقدر يتحمل مسؤولية أبوه وأمه، متعرفش إني بمـ.ـو.ت ألف مرة وأنا بعيد عن عيلتي ونفسي أكون معاهم بس السنة اللي هفكر فيها أنزل مصر هي اللي هقرر أخوض رحلة العجز قدام مصاريف علاج والدتي ودراسة أخويا الصغير، وجهاز أختي، وأكون عاجز عن طلبات بيتي، وأنا مش جاهز أتحمل كل ده يا عمران.
تدفقت دmعة خانت صموده المزيف وهو يبتسم بتهكمٍ: لما خلصت أوراقها من سنة كنت فاكرها جاية تشيل عني وتشاركني وحدتي، فرحت وأنا بتخيل حياتي معاها، وكنت متحمس أرجع شقتي ألقى حد مستنيني، متحمس أرجع لحياة مريحة ألقى فيها أكل بيتي واهتمام بلبسي مقفش أنا أعمل أكلي لنفسي وأكل لوحدي.
واستدار برأسه إليه يخبره بضحكةٍ مهزومة: مكنتش أعرف إني هفتح و.جـ.ـع جديد ليا فوق أوجاعي، وإني هتمنى ساعات الشغل تطول عشان مرجعش البيت لنكدها.
تفحص كوبه الفارغ بضجرٍ واستمر بحديثه: طلعت معاك حق يا عمران لما سبت مراتك وبصيت على واحدة تشوف مزاجك من غير ما تقلب حياتك نكد.
وناوله الكوب يشير إليه: فرغلي كأس.
جذب عنه عمران الكوب وألقاه أرضًا بكل قوته، ثم رفعه من تلباب قميصه صارخًا بعصبية: فوق يا جمال، القرف ده لو دخل حياتك هيدmرك، أنا غلط وحياتي كلها غلط، مش عايزك تكون زيي خليك نضيف زي ما أنت.
ترنح جسده بتعبٍ، فتمسك به عمران دون الافلات عن حديثه: مشاكلك مع مراتك تافهة وتتحل، شاركها و.جـ.ـعك هتحس بيك.
ومنحه نظرة ساخطة وهو يتابع: ثم أنك اللي بتديها الفرصة لده، أيه اللي مقعدك هنا لحد دلوقتي، سيف قالي إنك بتبات هنا بقالك فترة ما طبيعي إنها تشك فيك!
مال برأسه على كتف عمران، مغلق عينيه بـ.ـارهاقٍ: أنا تعبان أوي يا عمران.
ضمه عمران بحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد، لا يستوعب إن صديقه المثالي يترك طريقه المستقيم وينجرف للمحرمـ.ـا.ت فجأة، بعدmا كان يقضي يومه ينصحه بالابتعاد عن المشروب وعن ألكس اللعينة، كان ينفر من حديثه تارة ويحاول الاستماع له تارة أخرى.
يشعر دائمًا بأنه النسخة الشبيهة بأخيه علي، لذا كان سببًا منطقيًا لحب على لجمال، ودوام صدقاتهما طوال تلك السنواتٍ.
تحرر باب الشقة من جديدٍ، فاستمع عمران لخطوات تقترب منهما، ألقى المفتاح جانبًا ونزع عنه جاكيته وهو يتفحصهما بنظرة ساخطة اتبعت نبرته المرحة: جمال في حـ.ـضـ.ـن عمران، لأ قلبي الكبير مرحب بالأفكار المنحرفة.
وإتجه بقامته الممشقة للأريكة، مضيفًا: في البلد دي نتوقع أي حاجة حقيرة!
دفع عمران جسد جمال للمقعد مجددًا، ثم اتجه ليجلس جواره مرددًا باستغرابٍ: أيه جابك إنت كمان دلوقتي يا يوسف؟
سحب نفسًا طويلًا ورفع ساقيه ليستند بهما على الطاولة الزجاجية: مفيش رجعت البيت متأخر كالعادة، فالمدام قالتلي هتلاقيك كنت عند صحابك المقاطيع، ومن هنا لهنا قالتلي روح بات عندهم يا دكتور يا محترم.
حل وثاق قميصه وهو يتابع: بس كده فاتصلت بسيف أخويا أعرف منه مين من المقاطيع فيكم موجود عنده، قالي إنه بره الشقة بيجيب شوية طلبات وميعرفش مين فثكم مشرف عنده النهاردة، فجيت أبص وبيني وبينك زهقت من الخلقة اللي متعود أشوفها كل يوم.
قال كلمـ.ـا.ته وهو يشير على جمال الملقي رأسه على الطاولة.
رد عليه عمران بضيق: البيه سايب بيته بقاله فترة ومقضيها هنا.
هز رأسه قائلًا: عارف عارف يا حبيبي، ما أنا بجبله الأكل كل يوم وبتعـ.ـا.قب بتتضيف الشقة من سيف، بيقولي ورايا امتحانات ومش فاضي لهلس صحابك.
اختنق عمران فحرر جرفاته ونظراته لا تغادر جمال بحـ.ـز.نٍ، بينما تركزت نظرات يوسف المتفحصة له، فسأله: هو نام هنا ليه ما يقوم يدخل أوضته.
التقطت عينيه زجاجة الخمر الموضوعة جانبًا، فزفر بسخطٍ: خمرة تاني يا عمران، إنت مبتحرمش!
سدده بنظرةٍ حادة، فابتسم ساخرًا: أنا لسه داخل قدامك من شوية، واتفاجأت بالبيه أخد مكاني.
جحظت عينيه في صدmة حقيقية، فاعتدل بجلسته المريحة وهو يردد بعدm تصديق: إنت تقصد مين؟
انتصب واقفًا بدهشةٍ: لأ. جمال مستحيل يعمل كده!
وأسرع إليه فأبعده عن الطاولة بعصبيةٍ بالغة: قوووم فوقلي.
دفعه جمال وعاد يلقي برأسه على الطاولة من جديد، مرددًا: بعدين يا يوسف، سبني.
اشتعل الغـــضــــب بمقلتيه، فبحث عما يعاونه بافاقته، فسحب الاناء الممتليء بالثلج، ودفعه إليه بأكمله، انتفض جمال بجلسته وصاح: إنت غـ.ـبـ.ـي يالا، بقولك تعبان وجـ.ـسمي كله مكـ.ـسر تحدفني بالتلج!
طرق على صدره وجذبه ليقف أمام عينيه الملتهبة: أقسم بالله يا جمال لو متعدلت لادفنك هنا، سيف كان بيشتكيلي منك بس أنا متوقعتش إن أمورك توصل لهنا.
فتح عينيه وهو يجيبه بمزحٍ: ليه يا دكتور كنت فاكر حالتي هتكون أخرها أيه يعني، ما أنا سبق وحكيلك.
تماسك الأ يطيح به، وقال برزانةٍ: يا جمال أي اتنين متجوزين طبيعي إن يكون بينهم مشاكل في بداية حياتهم، دورك هنا إنك متهربش، تواجه وتبرر مش تزيد الامور طين وتسبها لعقلها وشيطنها يأكدلها ظنونها.
وأشار للزجاجة بتقززٍ: وفوق كل ده تسكر، بتغـــضــــب ربنا عشان بتواجه مشاكل سستم طييعي ودائم في حياة كل البشر يا جمال، جاوبني ساكت ليه؟
وضع عينيه أرضًا حرجًا منه، فأشار باصبعه بتحذيرٍ: دي أول وأخر مرة تعملها، سامعني؟
هز رأسه بتعبٍ جعل جسده يترنح بوقفته غير واعيًا لما يصيب معدته من ألــمًا لا يطاق، فاستتد على صدر يوسف: أنا تعبان أوي يا يوسف، بطني بتتقطع.
أجابه ساخرًا: من القرف اللي بلبعته.
وأشار لمن يراقبهما: اسنده معايا ندخله أوضته، لما أشوف أخرتها معاكم أيه؟
أحاطه عمران من جانبه الأيمن، خاطفًا نظرة سريعة إليه، وقال: فوق يا جمال، لازم ترجع بيتك عشان مشاكلك مع صبا متزدش.
مال بجسده على الفراش، فجذب يوسف الغطاء وداثره جيدًا، وعدل من ملابسه الغير مهنـ.ـد.مة، ليحك أنفه وصوت أنفاسه اللاهثة تعلو: مرمطة في العيادة وهنا.
ضحك عمران على مظهره المضحك، وصاح: ورايا يا دكتور الحالات المتعثرة.
حرك كتفيه يعدل من قميصه بغــــرور: دكتور يوسف أيوب من أكبر دكاترة النسا والتوليد، وبتنازل وبتواضع وبعرف اشكالكم المعتوهه، وبتعـ.ـا.قب من حرمي دكتورة ليلى أيوب بالطرد لشقة المقاطيع وعادي وزي الفل.
جذبه عمران من تلباب قميصه بعنف: إنت هتحكيلي قصة حياتك لخص في إم الليلة دي.
تعالت ضحكاته الرجولية بقوةٍ، ولحق به للخارج، فجلس كلا منهما على الأريكة، لاحظ يوسف تسلل الحـ.ـز.ن لمعالم عمران، فقال وهو يهم لصنع القهوة: مالك قالب وشك ليه إنت التاني؟
تـ.ـو.ترت معالمه، فنهض واتبعه ليستند على البـ.ـار وبتلعثمٍ قال: يوسف أنا آ، آآ...
ضيق عينيه الثاقبة إليه، فرفع الكوب الفارغ وملعقة السكر إليه: ولآ. أنا بخاف من الداخلة دي، أقسم بالله لو قولتلي حاجة تنكد لاقــ,تــلك إنت والحـ.ـيو.ان اللي جوه ده، أنا لسه خارج من ولادة طبيعية متعسرة وخلقي في مناخيري. فانجز وإرمي المصـ يـ بـةاللي بتحاول تلقيها في وشي من ساعة ما شوفت خلقتي.
وجذب هاتفه وهو يهدده: اتصل بدكتور على أقرره ولا هتتكلم.
خشاه عمران فجلس على المقعد بـ.ـارتباكٍ، طرق على كتفه ليجذبه نصفه العلوي فوق الطاولة الرخامية الفاصلة بينهما: انطق ياض هببت أيه إنت التاني؟
رفع رماديته بتـ.ـو.تر إليه، وردد: أنا غلطت مع ألكس.
فلته ببطءٍ وعينيه المغتظمة بغـــضــــبه لا تتركه، فتحرك لمكينة القهوة بصمتٍ كان قـ.ـا.تلًا لمن يتابعه بترقبٍ لسماع ما سيقول، فاتبعه والحرج يشكل على معالمه، فحاول تبرير أخطائه: يوسف أنا آآ...
قاطعه حينما استدار بحركته الشرسة ليصـ.ـر.خ بعصبية: إنت حقير ومبتحبش غير الوساخة زي العاهرة الرخيصة اللي غلطت معاها.
رسم وجهه أرضًا تأثرًا بكلمـ.ـا.ته، فشـ.ـدد يوسف على شعره بقوة كادت باقــ,تــلاعه، ثم سحب كوبه وجلس على مقعد البـ.ـار مرددًا بعدm مبالاة: خسارة فيك النصايح اللي في النهاية مش هتعمل بيها، إعمل ما بدالك يا عمران، إسكر وازني وإغـــضــــب ربنا بكل الكبائر واقعد ابكي واندب واستنى لحظة عقـ.ـا.بك وإنت عارف وواثق إنها جاية.
اتبعه للمقعد المجاور له، فجذبه ليجلس قبالته، يراقبه وهو يرتشف قهوته بجمودٍ، فحاول استعطافه: يوسف أنا حاولت والله، بس صدقني أنا لما بشوفها قدامي بضعف ومبقدرش أتحكم في نفسي.
طـــعـــنه بنظرة قـ.ـا.تلة: حـ.ـيو.ان تقصد، ما هو الحـ.ـيو.انات هي اللي مبيكنش عندها دارية بالامور ولا التحكم بالذات.
ولعق بلسانه شفتيه يخفي ابتسامته الخبيثة التي تحررت من خلفها مكيدته: بقولك أيه يا عمران، ما دام إنت كده كده هتطلق مايسان، فأنا شايفها مناسبة لدكتور سيف أخويا، إنت عارف بقى إننا هنا في انجلترا صعب نلاقي عروسة عربية أدب وأخلاق وجمال وآ...
كممت لكمته كلمـ.ـا.ته فاسقطته عن المقعد، نهض يوسف وهو يزيح الدmاء النازف عن شفتيه ببسمة راضية، بينما انتصب الاخير بوقفته وصرخ بعنفوان: متحاولش يا يوسف صدقني هنسى الصحوبية والعيش والملح اللي بينا وهدفنك حي هنا.
منحه ابتسامة ساخرة، وجلس يستكمل قهوته ببرودٍ، وحينما انتهى من الكوب لف رأسه تجاه ذاك الثائر فجأة وقال: لما شتمت ألكس وقولتلك أنها عاهرة ورخيصة متعصبتش ولا اتحمقت عليها كده، ولما كلمتك بالحلال وبالاصول على بـ.ـنت خالتك اللي مش طايقها عرق الرجولة نقح عليك أوي، مش غريبة؟
ابتلع ريقه وهو يترنح جراء تمعن كلمـ.ـا.ته المصوبة لكل ذرة داخله، فتراجع للخلف بتأثرٍ، جعله يرتبك: آآ، أنا، الوقت إتاخر لازم أرجع.
أشار بيده وهو يعود للتطلع أمامه بكل هيبة ورزانة: اهرب يا عمران، اهرب من حقيقة مشاعرك واجري ورا شيطانك اللي هيدmرك.
فتح عمران الباب ومازالت نظراته منصوبة على رفيقه، وحينما استدار ليغادر وجد سيف قبالته، يخلع حقيبة ظهره وهو يوزع نظرات متفحصة بينه وبين أخيه الجالس على بعدٍ منهما وشفتيه تنزف الدmاء فتساءل بشكٍ: اتخانقتوا تاني ولا أيه؟!
أتاه رد أخيه يوسف يجيبه: حمدلله على سلامتك يا دوك، تعالى اشجيني إنت كمان بمصايبك مانا خلاص هقلب تخصصي لطب نفسي ومحلل هنا.
وأضاف وهو يشير لعمران الشارد على باب الشقة كالتمثال: استضيف دكتور على يومين هنا للمقاطيع دول يا عمران، يمكن يحل مشاكلهم ومشكلتك.
ودعه بنظرة حارقة قبل أن يصفق الباب، هاربًا، مبتعدًا، نازحًا عن اختراق تلك الكلمـ.ـا.ت لقلبه المشتعل، قاد سيارته بجنون ومازالت كل الاحاديث تختلط إليه تجعله يبدو كالأبله.
توقف فجأة عن القيادة، وارح جسده للمقعد وهو يفكر جديًا منح زوجته فرصة، عسى بقربها يصل لباب الخروج من المتاهةٍ اللعينة.
دق هاتفه للمرة التي تجاوزت الثامنة، ففتحه وهو يجيب: أيوه يا فؤاد، محتاج حاجة!
استمع للطرف الأخر بعنايةٍ، فلم يكن سوى السائق الخاص براكان، اوقف آدهم السيارة بقوةٍ جعلت عجلاتها تحتك بالرصيف بصوتٍ مقبض: لأ، أوعى تعملها يا فؤاد.
ولف عجلة قيادته ليعود أرداجًا وهو يكرر لمسمعه: متتصرفش نهائي، أنا راجع.
وأكد بحزمٍ: اسمع كلامي ونفذه، أنا كلها دقايق وأكون عندك متتصرفش من دmاغك فااااهم.
وألقى هاتفه يساره وضغط بسرعته حتى وصل ل?يلا راكان بعد خمسة عشر دقيقة، فأسرع للجانب الخلفي حيث كان يقف السائق فؤاد بانتظاره، فما أن دنى منه حتى جذبه بعيدًا عن نطاق الحرس، فقال الأخير وقد برز الغـــضــــب بعروقه المتصلبة: البت معاه جوه يا باشا، أنا مش هقدر أسيبه يعملها حاجه وأقف أتفرج.
كز آدهم على أسنانه وردد بنظرة تحذيرية قـ.ـا.تلة: إنت اتجننت عايز تضيع تعبنا طول الشهور دي في لمح البصر.
ردد باستنكارٍ لما يقوله: يعني أيه يا باشا هنقف كده ونسيبه يعمل عملته الوس
تقابل حاجبيه المنزوي غـــضــــبًا، وبصوتٍ حازم صاريح: سيطر على أعصابك واتحكم بعقلك.
جابهه بعندٍ: أنا آسف يا باشا مش هقدر.
وأخرج سلاحه وهو يسحب زناده للاستعداد، فجذبه آدهم ليقف قبالة شرارته متفوهًا بصرامة: ده أمر مباشر مني يا حضرة الظابط.
أدى تحيته العسكرية وهو يردد بوقارٍ: الأمر نافذ.
وتركه وغادر وعينيه تلمع بالدmع، استعطف قلب آدهم، فجذبه وهمس له: متقلقش أنا هخلص البـ.ـنت دي بدون ما ننكشف.
وتابع وهو يشير: هانت وهنجيبه راكع تحت رجلينا.
وتركه وأسرع بالتواجه للداخل، متعمدًا الطرق أكثر من مرةٍ على الباب حتى لا يطرق له فرصة افتعال أي شيءٍ، وبالفعل فتح راكان باب غرفته وبيده زجاجة الكحول، رفع آدهم نظراته المتقززة ليصل لوجهه، ورسم بصعوبة بسمة خاطفة وهو يردد: اللي حسبته لقيته عثمان الحقير حطيلي قنبلة بعربيتي، كان عايز يخلص مني عشان يوصلك.
برق بعينيه بدهشةٍ: قنبلة!
هز رأسه مؤكدًا، وتابع بقص التفاصيل إليه، خاصة بما تخص شمس، فأسرع متلهفًا: طب وشمس جرالها حاجة؟
أجابه ويده مضمومة على الأخرى: اطمن يا باشا شمس هانم بأمان، أنا مستحيل كنت هسيبها تتأذى.
راح على وجه راكان بسمة واسعة، وهمس وهو يطرق على عضلات صدر آدهم: برا?و يا وحش، ده المتوقع منك، إنت متعرفش لو جرالها حاجة كنت هخسر إزاي.
وتابع وهو يرتشف كحوله اللعين: البت دي من عيلة كبيرة أوي، مركز ونسب يليق باسمي ويخلينيا نتابع شغلنا من غير ما نلفت النظر لينا، وبالأخص كمان عمران أخوها، شركاته وعلاقاته تقدر تفيدنا لو جرينا رجله معانا.
وعاد من أرض أحلامه يبتسم لمن يطـــعـــنه بثبات قـ.ـا.تل: أنا مش عارف أشكرك ازاي، من يوم ما ظهرتلي وانت ملاكي الحارس اللي في دهري وقدام كل شر أتعرضه.
همس آدهم بصوتٍ خبيث منخفض: أنا ملاك مـ.ـو.تك اللي هقبض روحك وأرجعها لقفصها.
انتبه آدهم من شروده على كلمـ.ـا.ت راكان: أطلب مني اللي تحبه وفورًا هلبيهولك.
اتسعت بسمة مكره، فغامت عينيه على المقيدة على فراشه البـ.ـارز من خلفه، فضحك راكان وهو يلتفت لما يتطلع إليه، وعاد يرتشف من الزجاجة ببسمة دنيئة، فأشار له: اعتبرها ملكك، أنا مجتش جانبها بقالي ساعة بحاول معاها بس بـ.ـنت ال مستقوية عليا عشان سـ.ـكـ.ـر.ان.
وخرج من الغرفة وهو يغمز له: عارف إنها مش هتأخد معاك غلوة، أكلم أنا واحدة من البنات إياهم.
راقبه آدهم بنظرة مستحقرة، فما أن اختفى من الرواق حتى بصق خلفه مرددًا: كـ.ـلـ.ـب.
ثم ولج للداخل، فصعق حينما وجدها طفلة لا تتعدى عمرها السابعة عشر، مقيدة على الفراش بشكل يمزق القلب، وجهها متورم من فرط الكدmـ.ـا.ت التي تلقتها، أبعد جاكيته ليجذب خنجره، فأشارت بعينيها الباكية وهي تترجاه: لا تفعل أرجوك.
أغلقت عينيها بقوةٍ ظنًا من إن نصل السكين سيصل لعنقها، فصعقت حينما وجدته يحرر الحبال المقيدة لها، فعاونها على الوقوف وإتجه بها للباب الخلفي هامسًا بشفقةٍ: إركضي سريعًا إن رغبتي بالنجاة.
فور إنتهاء كلمـ.ـا.ته هرعت وكأنها تهرب من شبح مـ.ـو.تها، بعدmا حررها ذاك الملاك الذي يبدو مخيفًا من نظراته الثاقبة وخطاه الواثق، ولكنه فجأها بأنه لا يريد أن يكون سجانها العتي بل أراها جانبًا أخرًا لشهامة رجلًا يجابه دناءة الأخر في الوقت ذاته.
استند بجسده على أحد فروع الشجرة بالحديقة، بعدmا فشل بالنوم، فهبط يتمشى بحديقة المنزل، زفر على بمللٍ وكاد بالتراجع، فلفت انتباهه تلك الجالسة على الأريكة هائمة بضوء القمر بسكونٍ، اقترب منها ببسمته الجذابة، واقتحم صوته الرجولي عالمها الهادئ: لسه صاحية؟
انتبهت له مايسان، فمنحته ابتسامة هادئة: مجاليش نوم قولت أنزل اشم الهوا النقي ده.
مال بجسده يستند على حافة الاريكة الخشبية، متسائلًا بتهذبٍ: تتضايقي لو شاركتك القعدة اللطيفة دي.
ربعت قدmيها وتنحت لأخر الأريكة: يا خبر يا علي، هتضايق منك إنت!
وأشارت بيدها: اتفضل يا دكتور.
ابتسم وجلس قبالتها يرفع عينيه للقمر الصافي بتلك الليلة الهادئة، واركن رأسه لحافتها، قائلًا بهيامٍ: منظر رائع، ينقصه بس فنجان قهوة وموسيقى هادية.
ضحكت وهي تخبره بمزحٍ: جيت في جمل! اديني ثواني.
وتركته وعادت بعد قليل حاملة للقهوة، التقطتها منها بحرجٍ: تعبتك معايا، حقيقي شكرًا.
ومالت بجسدها تجذب حاسوبها وتشغل أغنية هادئة لام كلثوم: وادي الاغاني، مش حرمينك من حاجة يا دكتور.
ارتشف من قهوته، وأشار بتلذذٍ: الله، تسلم إيدك يا مايا بجد حاجة تعدل المزاج.
واسترسل مازحًا: يا بخت عمران الغـ.ـبـ.ـي بيكِ.
احتلاها الحـ.ـز.ن، فزمت شفتيها بسخطٍ من ذكره، ولكنه أتاح له الفرصة للحديث عنها، فقالت: على أنا عايزة أطلق من عمران، ومش عارفة أقول أفاتح خالتي ازاي بالموضوع ده، إنت عارف أد أيه بيعصبها.
مال بجسده واضعًا الكوب على الطاولة، ثم قال بجدية تامة: عارف. مشكلة ماما إنها متعلقة بيكِ جدًا يا مايسان، شايفاكِ بـ.ـنتها وصديقتها اللي مقدرتش تكون في حياتها في يوم من الأيام.
هزت رأسها وخانتها تلك الدmعة: أيوه بس أنا موجوعة أوي يا علي، إنت مش عارف أنا بحس بأيه وأنا شايفة حياتي كده معاه.
برر لها نظرته الغير منصفة: لا عارف وحاسس بيكِ يا مايا، بس صدقيني إنتِ اللي محتاجة يكون عندك قوة لمواجهة أي حد قدام قرارك، متسمعيش لخــــوفك يقصر عليكي، ودافعي عن قراراتك بكل قوة.
واستطرد مازحًا: أجلي موضوع طـ.ـلا.قك ده لبعد مشكلتي يمكن الثورة اللي هعملها مع فريدة هانم تديكي دروس تقوية في اللي جاي.
اكتفت برسم بسمة صغيرة، وتساءلت باهتمامٍ: ثورة! ليه خير يا دكتور؟
خـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة من خلفه، وكأن لصًا كمش به: أصل أنا وقعت. والواقعة كانت مع بـ.ـنت بعيدة عن الطبقة الآرستقراطية اللي فريدة هانم مش بتناسب غير منهم.
جحظت عينيها دهشة، وتساءلت بفضول: بجد، مين دي إحكيلي!
ربع قدmيه والتفت إليها، وكأنه كان يود الحديث عن أمرها مع احداهما، زارته تلك البسمة بافتتاحية حديثه عنه، وعينيه تلمع بعشقٍ صاريح تغلغل داخلها، اعتلاها الحـ.ـز.ن فور ذكر على لقصة فاطيما المؤلمة، وترقبت فور انتهائه.
انتظر على حديثها، الا أنها إلتزمت الصمت لدقيقة، وكأنه تواجه صدmة كبيرة، وعادت تتطلع إليه من جديد بعدmا اعتدلت بجلسته: على إنت مش بس هتقوم ثورة إنت هتشعل نار هتأكلنا كلنا.
ولعقت شفتيها بخــــوفٍ قـ.ـا.تل: دي فريدة هانم هتقوم الدنيا متقعدهاش لو اكتشفت قصة حبك دي.
وبـ.ـارتباكٍ استكملت: أصل الموضوع مش موضوع نسب العيلة وبس لا ده يخص اللي أتعرضت له وده طبعًا مالهاش تتحاسب عليه لإنه خارج عن ارادتها يبقى إنت اللي لازم تخاف منها يا علي!
أجابها بحدةٍ وثقة: ميفرقش معايا، أنا مش بتجبر على شيء يا مايا، ومازلت مصمم علة رأيي ومنتظر لما فطيمة تتعالج وتتقبل وجود حد في حياتها ساعتها هكونلها الحد ده.
جاهدت برسم بسمة صغيرة على وجهه، وبنقاء قلبها دعت له رغم احتراق روحها على نفسها التي تعافر جوار رجلًا لا يشعر بعاطفتها تجاهه وبين أخيه الذي يود تحدي العالم بأكمله لأجل تلك الفتاة: ربنا يجمعها بيك في الخير يا علي.
وأكدت عليه: لازم تعرفني عليها، عندي فضول أشوفها أوي.
ابتسم وهو يميل إليها هامسًا: أوعدك هعرفك عليها بأقرب وقت.
هزت رأسها بسعادةٍ: مع إني خايفة عليك من اللي جاي، بس اختك جانبك وهتساندك وتحارب معاك يا علي.
ابتسامة ممتنة تمردت على شفتيه: طول عمرك بتأدي واجبك تجاهنا كلنا على أكمل وجه يا مايا.
تهـ.ـر.بت منه عساه لا يرى دmعاتها، فعادت تدندن مع الاغنية بشرودٍ، وذراعها يفرك بالأخر برعشة سرت لجسدها لسوء الجو، لاحظها على فأشار لها جادًا: شكلك بردانة، خلينا ندخل عند الدفاية.
هزت رأسها نافيًا، وباصرارٍ قالت: أنا عايزة أقعد هنا شوية.
لم يفكر مرتين، نزع عنه جاكيت بذلته وأحاطها به جيدًا، وكأن من أمامه هي شمس شقيقته الصغيرة، ابتسمت مايسان لحنانه المعتاد، فرفعت عينيها لتقابل وجهه القريب المنحني بجسده لها وقالت: شكرًا يا علي.
لم ترى أعين ذاك المتسمر بالوقوف بالقرب منهما، يراقبهما منذ دقائق، فاستشاط غـــضــــبًا وهو يجدهما يتبادلان الحديث منذ فترة وابتسامتها التي لم يراها برفقته يومًا تزدهر بوجود شقيقه.
والآن يشق صدره ويبتلع ما بداخله النيران وهو يراه يلف جاكيته من حولها، وجوده جوارها بهذا القرب بحد ذاته جعله على وشك الانفجار حيثما يقف.
انتصب على بوقفته وعينيه تجوب الهواء الذي يكاد يلتهم اجسادهما، فقال برعشة شفتيه: إنتِ شكلك متأثرة بإم كلثوم وعايزة تقضي الليل وسماه في الجو اللي مالوش ملامح ده، وأنا بصراحة ورايا شغل ومعنديش استعداد اخد لطشة برد، فخليكي هنا مع أم كلثوم، وتصبحي على خير.
انفجرت ضاحكة حتى أدmعت عينيها، فراقبته وهو يسرع للداخل، رافعة صوتها الضاحك: وإنت من أهله يا جبان.
وما أن تأكدت من رحيله حتى حررت حجابها، ويدها تغوص بخصلات شعرها الطويل، وتمددت على الأريكة واضعة رأسها على كتفها المرتدي لجاكيته، خصلاتها تستجاب للهواء فترفرف من حولها مثلما أردت.
أغلقت مايسان عينيها ومالت برأسها ومازالت شفتيها تدندن باستمتاعٍ، ولم ترى ذاك المحترق الماسد أمامها، كز عمران على شفتيه فلف يده حول معصمها وأجبرها على الوقوف قبالته.
انتفضت مايسان فزعًا، وبدأت ملامحها بالاسترخاء وهي تشاهد من يجرأ على لمسها، هدأت حدة انفاسها ورددت بصوتٍ هامس مغري له: عمران! خضتني!
ردد من بين اصطكاك اسنانه الهائلة للسقوط: تحبي أناديلك دكتور على ياخدك في أحضانه عشان الخضة.
برقت بعينيها بعدm استيعاب لما يقول: إنت بتقول أيه؟!
رفع يده يحيط بذراعيها، متعمدًا إيلامها وهو يصـ.ـر.خ بعنفٍ: الا أخويا يا مايا بلاش، عشان أقسم بالله هقــ,تــلك لو فكرتي تكرهينا في بعض ويكون هو اختيارك التاني الرابح هنا.
شعرت وكأنها صماء لا تستمع إليه، عينيها تراقب شفتيه وهي تصرخ بنطق اسم علي وآذنيها تصرخ بسماعها الصريح له، بدت كالصنم بين يده، وأخر ما التقطته: لو دي لعبتك فأنا طـ.ـلا.ق مش هطلق، هسيبك كده زي البيت الواقف لا تطولي ناري ولا، جنة غيري.
ورفع اصبعه يشـ.ـدد بنظرات قاتمة: بحذرك لأخر مرة الا أخويا، سامعة.
لم تشعر بذاتها الا وكفها يصفعه بنفس قوة غـــضــــبها، وصوتها العاجز يتحرر: اخرس يا حـ.ـيو.ان، على ده أخويا!
واسترسلت بو.جـ.ـعٍ يخترق أضلاعها: يا ريته كان اختياري وكنت إختياره مكنتش اتعـ.ـذ.بت العـ.ـذ.اب اللي شايفاه معاك ولا عشت كل يوم في كـ.ـسرة ومهانة.
وبقسوةٍ صرخت: يلعن أبو القلب اللي حبك يا أخي.
مازال رأسه مائلًا انصياعًا لصفعتها والصدmة تحاط به، لم تجرأ أي أنثى طـــعـــن رجولته مثلما فعلت تلك الفتاة، كور يده بقوةٍ جعلتها بيضاء كاللوح الثليج القارس، راقبته مايسان بخــــوفٍ خاصة بعلمها بأن عمران شرس صعب المراس، عمران ليس بالمتهاون بحقه أبدًا.
ابتلعت حلقها المرير بازدراء فور أن أتجهت رماديته القاتمة إليها، فتراجعت خطواتها للخلف بهلعٍ تربص بمعالمها فور تعثر قدmيها بحافة حمام السباحة.
استعدت لمصيرين كلاهما أبشع من الأخر، الأول مواجهة ذاك الأسد الجامح وثانيه سقوطها بتلك المياه التي تحاطها طبقة من الثليج استجابة مرحبة لتلك الاجواء القارصة.
تراقص جسدها بالهواءٍ، ففصلتها مسافة قليلة عن ملامسته للمياه، رفعت مايسان عينيها لتجده يمسك يدها بتحكمٍ، وقوة غـــضــــبه مازالت ساكنة حدقتيه، خشيت أن ينتقم لجـ.ـر.حها الصريح لرجولته فيسقطها أرضًا.
وزعت نظراتها بتيهةٍ برماديته المقتادة بالنيران وبالمياه البـ.ـاردة، فتحررت كلمـ.ـا.تها بتثاقلٍ عزيزٍ: متسبش إيدي يا عمران.
كلمـ.ـا.تها الواضحة له أثارت مشاعره بريبة بددت غـــضــــبه تدريجيًا، ألــمه رؤية الخــــوف القابع بعينيها منه ومن مصيرها المنتظر، جذب عمران يده المتمسكة بها بقوةٍ جعلت جسدها كالورقة المترنحة بالهواء العتي، فسقطت على الأريكة من خلفها، وقبل أن تستوعب ما فعله للتو وجدته يدنو منها، ينحني إليها بجسدها.
سال لعابها ذعرًا فزحفت للخلف حتى وصلت لأخر الأريكة، ومازال يلاحقها بخطاه البطيئة الواثقة، وجدته ينزع عنها جاكيت على بعنفٍ كاد أن يهشمها، فلعب عقلها لما يحاول فعله بعد أن أذاقته من فنون الغيرة رغمًا عنها، فصرخت به: عمران إنت بتعمل أيه؟
أزاح ذراعها والآخر، فخشيت ما تردد لها، لتعود لصراخها المهدد: أقسم بالله لو قربتلي لأصرخ ولا هيهمني فريدة هانم هتعـ.ـا.قبك بأيه المرادي، إبعد عني أحسنلك!
زاد ذُعرها حينما سدد لها نظرة قـ.ـا.تلة، وانتصب بوقفته يزيح عنه جاكيت بذلته بعصبية كادت بتمزق أزراره وانتزعها، ليلقيه بوجهها جاذبًا جاكيت على ومتوجهًا للداخل بصمتٍ ممـ.ـيـ.ـتٍ.
هدأت أنفاسها رويدًا رويدًا، وهي تجده يدلف داخل المنزل، وضعت يدها على صدرها تتلامس فرط نبضات قلبها الثائر، واشتعال وجنتها من قربه القـ.ـا.تل، ويدها الاخرى ترفع جاكيته الموضوع على جسدها بإهمالٍ.
رغمًا عنها استجابت شفتيها لبسمة صغيرة، غيرته كانت بادية كسطوع الشمس في ليلٍ مخيف، مجرد رؤيتها ترتدي شيئًا يخص رجلًا غيره تمرد طابعه الشرقي دون ارادة منه، ومع ذلك خشي تركها بالثليج دون غطاء يداثرها، عساها تمرض بعد ازاحة الجاكيت عنها.
ضمت مايسان جاكيته وهي تستنشق رائحة البرفيوم الخاصة بها تطوف بما تركه من خلفه، وحملت بين ذراعيها بعنايةٍ وكأنها تحمل قطعة من المجوهرات، وتمددت على الأريكة بهيامٍ.
كان يقرأ بكتابه باستمتاعٍ حينما انفتح باب غرفته، ليظهر من أمامه أخيه وبيده جاكيته الخاص، ولج عمران للداخل واضعًا الجاكت على المقعد وبآلية تامة تحرك للفراش، رفع الغطاء وتمدد جواره، ثم استكان برأسه على ساق أخيه المندهش مما يراه، فترك كتابه ومرر يده على ظهر أخيه بقلقٍ: عمران إنت كويس؟
تمسك به أكثر وعينيه تلتمع بالدmع آبية السقوط، صمته زاد من قلقه فقال: عمران مالك؟
أتاه صوتًا محتقنًا يجيبه: خايف أخسرك في يوم من الأيام يا علي.
رفع رأسه إليه، فاعتدل عمران بجلسته مواجهًا أخيه وجهًا لوجه، فتماسك وهو يردد: أنا عايز مايسان يا علي.
رمش بعدm استيعاب لما يحدث عنه، فضـ.ـر.به بخفة على جبينه مرددًا بضحك: إنت توهت في الأوضة ولا أيه يالا، داخلي أنا وبتقولي الكلام ده ليه ما تروح لمراتك!
ولف وجهه بين يده بنظرة متفحصة: أوعى تكون شربت تاني، هعلقك من رقبتك المرادي أنا مطمن إنك كنت مع جمال ويوسف.
واعتدل على بجلسته يتساءل: إنت كنت فين يا عمران إنطق!
تعجب من بروده بالحديث، وعدm تطرقه لما يخص زوجته وكأنه لم يستمع لحديثه من الأساس، ما يشغله عودته للخمر ولتلك اللعينة، فاندث بأحضانه والآخر يضمه باستغرابٍ لحالته الغامضة، فردد بخــــوفٍ: عمران مالك متقلقنيش عليك!
ردد إليه بنـ.ـد.مٍ: أنا حقير فعلًا زي ما يوسف وصفني.
ضمه على مازحًا: قول كده بقى الدكتور يوسف اداك الطريحة اللي هي، وجاي أصالحكم على بعض، خلصانة يا حبيبي أنا لما أشوفه هحلك الأمور.
صمت ولم يبرر له، تركه يظن الأمر خاص برفيقه، فكيف سيواجهه إن علم ظنونه التي تلاشت لحظة تمعنه بحدقتيه الصادقة، انحنى عمران ليعود بوضع رأسه على ساق على من جديد، فمرر على يده بخصلات شعره البني بحنانٍ، وردد بمرحٍ: خدلك يومين دلع بعد كده حـ.ـضـ.ـن أخوك هيبقى ملك لزوجته المصون.
رمش عمران بعينيه باستغرابٍ، فاستدار بجسده ليقابله متسائلًا: تقصد أيه؟
وخمن ببسمة هادئة: إنت رجعت ليارا يا علي؟
ضحك وهو يجيبه ساخرًا: دكتورة يارا خطيبتي السابقة اتجوزت وزمانها على وش ولادة يا عمران!
اعتدل عمران بجلسته وهو يستفهم بلهفة: يبقى حب جديد صح؟
هز رأسه مؤكدًا، فاتسعت بسمة عمران بحماسٍ: طيب احكيلي بتخبي عني!
نفى ذلك موضحًا: عمري ما خبيت عنك حاجة، الموضوع وما فيه إني مكنتش متأكد من مشاعري وكمان علاقتنا هتبقى شبه محال.
رفرف باهدابه بعدm فهم: ليه؟
التقط على نفسًا مطولًا قبل أن يجيبه: عمران أنا بحب فطيمة.
جحظت عينيه صدmة وهو يحاول تذكار الاسم المردد لولا أنه رآها بنفس اليوم، ومع ذلك تمنى أن يكون مخطئ ففاه: فطيمة اللي أنا شوفتك قاعد معاها واللي المستشفى كلها جايبك سيرتها وسيرتك! يعني مكنوش بيبالغوا!
لم يترك له عمران فرصة الحديث، واستكمل بهمسه المنخفض: مش دي البـ.ـنت اللي كنت دايمًا بتتكلم عنها طول الشهور اللي فاتت هي اللي تم الاعتداء عليها.
هز رأسه مؤكدًا له بحـ.ـز.نٍ، فصاح عمران به بعد فترة صمته: لأ يا علي، فريدة هانم مش هتسكت دي، دي ممكن تقوم قيامتك!
تمدد جواره مستندًا بيده أسفل رأسه، عينيه شاردة بسقف غرفته: مستعد أتحاسب وأتحداها بكل قوتي، بس فطيمة تتقبل حبي وده صعب يا عمران.
واستكمل وعين عمران المندهشة لا تفارقه: لأول مرة أحس بالو.جـ.ـع ده، المفروض إني كطبيب متأثرش بالكلام اللي أسمعه من المريـ.ـض وأكون مركز لكل حرف بحيث أقدر أساعده، لكني وأنا جنبها عاجز. عاجز وبتمنى أساعدها بدون ما أسمع عن اللي اتعرضتله لإني بحس بخنجر بيقطع لحمي وبتمنى أرجع الماضي وأقــ,تــل أي حقير جـ.ـر.حها ومسها.
وبصوتٍ مختنق استطرد: بتمنى أكون أول راجـ.ـل ظهر في حياتها، وقتها مكنتش هسبب كـ.ـلـ.ـب يمس شعرة منها، يا ريت لو أقدر أخدها بين ضلوعي وأخبيها عن كل اللي اتعرضتله يا ريت!
رمش بعينيه وهو يستمع إليه بعدm تصديق، فصاح: إنت مش بتحب ده أنت عاشقان وواقع من الدور الفوق المية!
ابتسم وهو يشير له بهيامٍ: عنيها فيها حاجة غريبة، بتشـ.ـدني لدرجة مببقاش عايز أفارقها، مجرد ما عيوني بتلمح غيرها بشيل نفسي ذنب كبير، مع إني نظراتي ليها أكبر ذنب، غـ.ـصـ.ـب عني مجبور أبعد لإني أكتر حد عارف حالتها.
وسُلط رماديته لاخيه وهو يخبره بألــمٍ: عمران أنا الدكتور الخاص بفطيمة وعارف ومتأكد إني مش هواجه حرب مع فريدة هانم بس، الحرب هو فوزي بقلب فطيمة الأول قبل كل شيء.
وتابع بعين شاردة: فطيمة شايفة فيا الآمان والــســكــيــنــة وده طبيعي لإني جنبها بصفتي الدكتور علي، مش قادر أخد أي خطوة تخليني أجزم إنها حابة الأمان مع على نفسه.
ارتسمت بسمة خافتة على وجه عمران، فتمدد جوار أخيه وردد بحبٍ: بتمنى تقدر تحصل على حبك وتعيش حياة مثالية لإنك تستاهل يا علي.
لف رأسه للوسادة ليكون قبالته: وإنت كمان الحياة المثالية مع الزوجة اللي تستاهلك على بعد منك خطوات وإنت من غبائك بتضيع كل شيء منك.
لف عمران رأسه لأخيه وأجابه: بحاول يا علي، بس المرادي عندي ارادة قوية مرجعش للقرف ده تاني.
واستقام بوجهه مربعًا يده أسفل رأسه مثلما يفعل أخيه، وردد بعزمٍ: مش جاهز أرجع أعيش نفس التجربة البشعة، احساس كره النفس والتقزز والخــــوف من المـ.ـو.ت وأنا شايل ذنوب كبيرة زي دي مش هقدر أعيشه من تاني.
أغلق على عينيه باستسلامٍ لنومه وهو يهمس: نام يا عمران، ومتقلقش أنا جانبك ومش هتخلى عنك أبدًا.
مال برأسه إليه مبتسمًا وسرعان ما لحق به هو الأخير.
أشرقت الشمس بردائها الذهبي لتعتلي عرشها بيومها الجديد.
أفاقت سيدة المنزل ترتدي ترنجها الرياضي لتمارس رياضتها المعتادة كل صباحٍ، فجلست على السجادة الصغيرة الخاصة بها تتأمل ولاديها، هبط على برفقة عمران والضحكات لا تفارق الأوجه، ومن خلفهما لحقت بهما شمس تردد بضجرٍ: طبعًا عاملين تحبوا في بعض ونسيتوا إن آ.
ابتلعت كلمـ.ـا.تها حينما وجدت والدتها تراقبهم من الأسفل وهي تتمرن، فدنت منهما تضع يدها على كتف كلا منهما وهي تهمس: نسيتوا أن حد فيكم لازم يوصلني الجامعة معيش عربية أنا، اتفحمت والله.
ضحك على وهو يهمس بنفس مستوى صوتها: معلش تتعوض، عمران أخوكي هيوصلك، صح يا عموري.
جز على أسنانه وهو يؤمي برأسه باستسلامٍ، فتابع على بخبثٍ: بالمناسبة لو فريدة هانم شمت خبر هتحرمك من الجامعة.
وتركهما وهبط للأسفل، مرددًا ببسمته البشوشة: صباح الجمال على سيدة الرشاقة والجمال كله.
اعتدلت بانحنائها وهي تجيبه ببسمةٍ هادئة: أهلًا بالدكتور البكاش اللي مش محافظ على صحته وبطل يلعب رياضة معايا زي كل يوم.
حك أنفه بضجرٍ، فابتسم عمران ساخرًا وهو يشير له: هاتلك سجادة واقعد جنب مامي اتدرب ونشط الدورة الدmوية يا دكتور.
مامي في عينك قليل الأدب ومنحط.
قالتها فريدة بغـــضــــبٍ جعل على يقهقه ضاحكًا، وعاد يجيبها: آسف يا حبيبتي اليومين دول بس مشغول مع كام حالة كده، لكن وعد في يوم الاجازة هتلقيني مستنيكِ تحت من الفجر.
واقتبس قبلة على خدها مستأذنًا بالمغادرة لتأخره، وكذلك فعل عمران وشمس ولحقوا به.
تعجب عمران حينما وجد على الذي يتحدث عن تأخره يقف بحرجٍ بداخل زواية المنزل، فسأله باستغرابٍ: رجعت ليه مش بتقول متأخر؟!
تنحنح وهو يردد وعينيه أرضًا: الظاهر كده إن مايا نامت بره وشكلها مش لابسه الحجاب، اطلع ظبط الدنيا بحيث متتحرجش لو عديت.
تصلب جسده وهو يستمع لأخيه الذي يرفض مجرد لمح طيفها في حين إنه من فرط غيرته كان ليطـــعـــن به بالأمس، أفاق على هزة يده المتعصبة: بقولك متأخر هتخرج ولا أنادي شمس اللي اختفت دي!
هز رأسه بخفةٍ، وخرج بخطاه المتثاقل للخارج، اقترب من الأريكة فازدرد لعابه تأثرًا برؤيتها غافية كالملاك، وفوق كل ذلك تحتضن جاكيته بقوةٍ، للحظة ود لو كان هو بدلًا من جاكيته، ود لو يطول قربها منه، ينتابه فضول عن شعوره إذا كانت معه زوجة شرعًا، يود القرب بشكلٍ مستمـ.ـيـ.ـت وخطيرًا لمشاعره التي باتت تخـ.ـنـ.ـقه بتلك اللحظة.
زاد عمران من نخفيف حدة جرفاته على عنقه، وبصوتٍ هادئ رقيق ناداها: مايا.
فتحت عينيها تدريجيًا لتبدو صورته غير واضحة، فبدت تتحرك بنومتها وكأنها على فراشها الوثير، كادت بالسقوط أرضًا أسفل قدmيه لولا ذراعيه المتملكة لخصرها.
فتحت عينيها على وسعيها، ورددت بخــــوفٍ: عمران! أيه اللي جابك أوضتي!
ابتسم بسخطٍ، وعاونها على الوقوف ثم وضع يده بجيب بنطاله: إحنا في الحديقة حضرتك وجنب الpool تحديدًا.
وتابع وعينيه تجوبها: إنتِ ازاي تنامي في البرد ده؟
أجابته وهي تلف رقبتها بتعبٍ: معرفش نمت ازاي.
انحنى عمران يلتقط حجابها المتساقط ومده لها يشير: إلبسي، على عايز يخرج.
تناولته منه بـ.ـارتباكٍ وارتدته بإحكامٍ أسفل نظراته، كاد بالتحرك من أمامها ولكنه عاد يخبرها: هروح الشركة أخلص حاجة مهمة وهقابلك في حفلة عيد زواج ليام وإميلي، متنسيش تاخدي كادو مميز لإن الصفقة الجاية مع شركاتهم مهمة.
هزت رأسها بتفهمٍ: عارفة وبالفعل اختارت عقد ألــماظ شيك لإميلي.
لطالما لم تفوتها أي تفاصيل خاصة بالعمل، منحها بسمة صغيرة وحمل حقيبته السوداء بيده وتحرك ليغادر فأوقفته وهي تدنو منه: عمران.
استدار لها فوجدها ترفع يدها على استحياء: الجاكت بتاعك.
رفع عينيه ببطءٍ لها، ليغمز بمشاكسة: خليه في حـ.ـضـ.ـنك يدفيكِ.
وتركها تصطبع بحمرةٍ خجلها واتجه للداخل ينادي بضجرٍ: شمس كل ده بتعملي أيه، صدقيني همشي!
خرجت تهرول من الداخل وهي تجر اذيال الخيبة، لتقف قبالتهما، فتساءلت مايسان باستغراب: في أيه، اتخانقتي مع فريدة هانم؟
ردت بحـ.ـز.نٍ وعينيها تتوزع إليهما: رفضت تديني فلوس عشان قولتلها إن عربيتي في التصليح.
ومالت لاخيها تهمس له: أمال لو عرفت إن مفضلش للعربية بقايا هتعمل فيا أيه!
تعالت ضحكاته الرجولية، فحاوطها بذراعه وهو يضمها إليه: ولا يهمك يا حبيبتي، الكاريدت كارد بتاعي تحت أمرك.
وقدmه لها، فصرخت بحماس وهي تلاقي ذاتها باحضانه فارتد درجات الدرج حتى كاد بالسقوط بها وهي يردد من وسط ضحكاته الساحرة لمن تراقبه: يا مـ.ـجـ.ـنو.نة هغير رأيي ومش هوصلك للجامعة.
ابتعدت وهي تستوعب كلمـ.ـا.ته، فرددت بذعر: الجااااامعة محضرتش ولا محاضرة امبـ.ـارح.
وركضت لسيارته تشير له: يالا يا عمرااااااان.
منحها نظرة أخيرة والابتسامة مازالت على شفتيه، ثم غادر خلف شقيقته ليتحرك بسيارته للجامعة أولًا.
طرق على باب غرفتها، فقالت والابتسامة تحلق على وجهها: ادخل يا دكتور علي.
طل بوجهه متسائلًا: عرفتي منين إني علي!
أجابته فطيمة ببسمةٍ هادئة: من ريحة الورد!
وضعه على بالمزهرية وهو يردد بغــــرور: على حد بقى أنا بقيت مميز وسهل ت عـ.ـر.في قربي!
احمر وجهها خجلًا، فسحب على المقعد المقابل لفراشها، ثم جذب دفتره ليبدأ متسائلًا بخفةٍ: تحب نبدأ منين؟
ولج عمران لمكتبه الخاص بعدmا أكد على السكرتير الخاص باحضار ما يلزم الصفقة الأخيرة لآن لديه حفل صباحي هام بعد ساعتين من الآن، ورفع سماعته يؤكد له: متحوليش أي اتصالات أو مقابلات النهاردة.
وأغلق الهاتف مجددًا، ليعمل جاهدًا حتى ينتهي مما يفعله، فتفاجئ بباب مكتبه يُدفع لتظهر من أمامه بملابسها القصيرة المغرية، نهض عمران عن مقعده ليجد سكرتيره يشير لها بغـــضــــب: من فضلك سيدتي آ.
قاطعه عمران باشارة يده فخرج على الفور، لتبقى تلك التي تقترب من مكتبه مرددة بدلال: عمران اتصلت بك مرارًا ولم تجيبني، هل أنت بخير عزيزي؟
ابتلع ريقه واستمد نفسًا كأنه يبتلعه بخــــوفه، وأشار لها: اجلسي ألكس.
تعمدت اثارته بحركاتها الخليعة وبالرغم من ذلك سحب نظراته عنها وجلس على مقعده ساندًا بيديه على الطاولة بهدوءٍ جعلها تتساءل: ما بك عمران، لقد تحدثنا وانتهى الأمر ومع ذلك تتجاهل مكالمـ.ـا.تي، ظننتك ستهاتفني للذهاب معك حفل إميلي وليام أنت تعلم بأنها صديقتي ولكنك لم تفعل ما الأمر؟
طرق بقلمه على مكتبه بهدوءٍ اتبع رزانة نبرته: ألكس أنا لا أتخلى عن كلمتي كوني رجلًا شرقيًا كلمته عهدًا، أريد الزواج بكِ لما حدث بيننا مسبقًا ولكنتي لن أتخلى عن زوجتي المصرية.
رمشت بعدm فهم لحديثه الغامض فبدى واضحًا: لن أطلق مايسان.
عبثت بعينيها بغـــضــــب قادح ورددت وهي تلعق شفتيها: والدتك تريد ذلك أليس كذلك؟
هز رأسه نافيًا: تلك المرة أنا الذي يريد التمسك بزوجتي ألكس، لقد فعلت الكثير لأجلي وأنا أرغب برد دينها.
نهضت بعصبية بالغه لحقت طرقها العنيف على مكتبه: حسنًا عمران من اليوم فصاعد لا أريد رؤيتك، أنا أعلم أنك كالعادة تقول تلك الكلمـ.ـا.ت وتعود لي سأدعك الآن وأنا واثقة بإن عودتك قريبة.
جلس على مكتبه ببرودٍ التمسته تلك التي كادت بالخروج من المكتب، فخشيت بأنها على وشك فقدانه تلك المرة، فما أن ولجت للمصعد حتى دونت رسالة لرجليها
«لا تنسى سنلتقى بعد ساعة بالحفل، أريدك أنا تفعلها بنفسك أنت ورفيقك وأعدك بإنني سأدفع لك 20000ألف دولارًا مقابل ذلك! ».
↚انتهت من محاضراتها وخرجت تحمل حقيبتها بملامح منزعجة، لا تبدو سعيدة بفكرة صعودها لسيارة أجرة للعودة لمنزلها، اعتادت على قيادة سيارتها الحبيبة وعدm مفارقتها لها.
خرجت شمس وعينيها تبحث عن ضالتها لتستدعي سيارة، فتخللها صوتًا ذكوريًا مألوفًا يناديها: آنسة شمس.
خفق قلبها بشراسةٍ، وبسمتها الرقيقة ترسم قبل أن تستدير لصاحب الصوت، فبللت شفتيها واستعادت اتزان أنفاسها قبل أن تستدير له، فوجدته يقف قبالتها بثباته الجذاب، يتطلع لها بعينيه التي تخيم على ضوضاء الصباح، لتسحبها لهدوء الليل الساكن من حولها.
بدى مختلفًا بزيه الغير رسمي، لم يكن يرتدى بذلته كالمعتاد، تآلق ببطال من الجينس وقميصًا أسود اللون، يبرز تفننه بالقتال للحصول على جسدٍ منحوت كذلك، لطالما كانت تراقب عمران وهو ينازع برياضته العنيفة ليحافظ على قوامه الممشق، على عكس على الذي يمقت الرياضة ومشتاقتها، فكان يميل لقراءة الكتب بأغلب الأحيان، ومع ذلك حفاظه على أكله الصحي منحه جسدًا رفيعًا ولكنه لا يمتلك جاذبية عمران والتي تمنتها شمس بفارس أحلامها الذي يفصل من أمامها الآن.
دنى آدهم منها، فاكشفت شفتيه عن بسمة هادئة: عاملة أيه بعد ليلة إمبـ.ـارح؟
وتابع بمرحٍ وهو يراقب تجهم معالمها كمن ذكرها بذكرة تبغضها عمرًا بأكمله: أعصابك تمام ولا خلاص مبقتيش تفكري في الخروج من البيت بعربيات تاني!
علقت حقيبتها على كتفها بعدmا مدت ذراعها داخلها لتنحدر على خصرها، وهدرت بانفعالٍ: إنت جاي تقلب عليا المواجع يا كابتن!
وطوفته بنظرة شملته باستخفافٍ: بدل ما أنت جاي تهزر على الصبح روح شوف الباشا بتاعك ليعرض لاغتيال تاني ويبقى ريح وإرتاح.
ضحك بصوتٍ جعلها تراقب المارة من حولها بترددٍ، بالرغم من وجودهما ببلدًا متحررة لا يعني أشخاصها ماذا يحدث بالطريق العام الا أنها قالت بتـ.ـو.ترٍ: مينفعش أقف معاك كده، عن إذنك.
لحق بها بخطواتٍ متأهبة لتتباعها إينما ذهب، فتوقفت فجأة وهي تنفخ بضيقٍ، وواجهته: إنت جاي ليه يا كابتن آدهم.
وحذرت باصبعها الممدود: ومتقوليش صدفة والكلام الأهبل اللي ميدخلش عقل عيل صغير ده.
أشمر آدهم عن ساعده وحرر ساعته وهو يراقب الوقت بمكرٍ: لأ طبعًا أنا عارف إنك بتخرجي 11وربع.
ارتبكت عينيها أمام هالته الواثقة، ورددت وهي تبتلع لعابها: إنت بترقبني!
هز رأسه موكدًا ببسمةٍ هادئة، ودث يده بجيب بنطاله ليخرج مفتاح وقدmه لها، وزعت نظراتها بينه وبين ما يحمله متسائلة: ده أيه؟
أجابها بنبرته الرخيمة: مفتاح عربيتك.
وأشار بعينيه على السيارة التي تقف على بعدٍ منهما، رفعت شمس نظارتها الشمسية عن عينيها، وبرقت بصدmةٍ جعلت فاهها يتدلى للأسفل بعدm تصديق، وأسرعت تتأكد مما تراه إن كانت لم تراها تشتعل وتنفجر بالهواء لظنتها سيارتها بالفعل، خـ.ـطـ.ـفت نظرة لأرقام لائحتها لتؤكد لذاتها إنها ليس هي رغم تجمد عينيها، وقالت وهي تستحضر كلمـ.ـا.تها الهاربة: إنت ازاي قدرت تآآ.
قاطعها بحزمٍ مرن: مش مهم المهم إنها شبهها بالظبط وده مش هيعرضك لعقـ.ـا.ب فريدة هانم.
سحبت نظراتها إليه بصعوبة، وبتردد قالت: مش هقدر أقبلها، على أخويا قالي هيشتريلي عربية والموضوع شبه محلول.
أكد لها وهو يقطع المسافة القصيرة بينهما: أنا كنت السبب في اللي حصل لعربيتك ومن حقي أعوضك.
ومد يده بمفتاحها مجددًا إليها، فوجدت ذاتها تتناوله منه دون وعي، وفجأة تمردت تعابيرها المشاكس وصاحت: بص بقى أنا مش مرتاحالك يا كابتن، امبـ.ـارح تعترفلي إنك اللي اتعمدت تنيم عجل عربيتي وتقولي ابعدي عن راكان، والنهاردة ظاهرلي بعربية وخايف عليا من عقـ.ـا.ب والدتي إنت أيه حكايتك بالظبط؟
كبت بسمته الخبيثة ورفع يده للأعلى باستسلام بريء: أنا! ماليش أي حكاية.
احتدت نظراتها إليه وهددته بشراسةٍ: طب على فكرة بقى أنا هتصل حالًا براكان وهقوله على اللي بتعمله ده.
وفتحت حقيبتها تبحث عن هاتفها، لتجد يده ممدودة لها بهاتفه الذي تحرر منه صوت راكان: أيوه يا آدهم.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ، وهي تعود للقاء عينيه الواثقة من جديدٍ، ومازال يقف بشموخٍ يقدm هاتفه لها، غير عابئًا بمن يصيح باسمه ويردد للمرة العاشرة: آدهم، ألووو. سامعني!
رفع الهاتف نصب عينيها وهو يكتم المكالمة ليخبرها: الفون يا شمس هانم.
تحرر صوتها الخافت بحرجٍ: مش خايف؟
اتسعت بسمته فأغلق المكالمة وهو يجيبها: مبخافش الا من اللي خلقني.
وضع هاتفه بجيب بنطاله وهو يمنحها بسمةٍ تجعل قلبها يقرع كالطبول، وخاصة حينما همس لها بصوتٍ منخفض بعض الشيء: أنا آسف مكنش قصدي أزعجك بكلامي، بس صدقيني مش هرتاح غير لما تقبلي العربية وقتها هحس بالراحة إني على الأقل متسببتلكيش بأي مشكلة، كفايا عليا عـ.ـذ.اب ضميري لما بفتكر حالة الخــــوف اللي عرضتك ليها آمبـ.ـارح بسببي.
منحته ابتسامة ترسم بعفوية، وعلى استحياءٍ قالت: شكرًا يا آدهم.
راقب عينيها بتمعنٍ، واختصر بسمته وهو يلتفت من حوله بتـ.ـو.ترٍ يهاجمه للمرة الأولى بحضرة تلك الفتاة التي بات يعتني بها فوق مهامه، فقال: هسيبك عشان متتاخريش على البيت وأشوفك مرة تانية.
ولاها ظهره وكاد بالمغادرة، فرفعت يدها وهي تهمهم بتيهةٍ: آآآ، آآ.
سحبت كلمـ.ـا.تها وهي تحمد الله بأنه لم يراها، فلا تعلم أي كلمـ.ـا.ت كانت ستردد، هي بالتأكيد لا تحمل أي كلمـ.ـا.ت تجذب به طرف الحديث المنهي بينهم، تفاجآت به شمس يقف عن طريقه ويستدير برأسه لها مبتسمًا: أنا كمان مش عايز أمشي بس للأسف ورايا مشوار مهم. أشوفك بعدين يا شمس هانم.
جحظت عينيها صدmة من فهم مشاعرها وما يدور بداخلها دون رؤيتها أو سماع كلمـ.ـا.ت صريحة منها، اصطبغ وجهها حرجًا وهي تجده يمر من جوارها بسيارته، فأسرعت لسيارتها وكأنها تتهرب منه وهي تعنف ذاتها: هيقول أيه عليا دلوقتي!
قادت شمس السيارة، لتتفاجئ بسيارته تتبع نفس طريقها، ولو لم يكن أمامها لظنته يتبعها، رآها آدهم بمرآة السيارة الأمامية، فخفف من سرعته حتى بات يقود على محاذاتها، فمال بجسده يفتح نافذة السيارة رافعًا صوته: مين بقى اللي بيلاحق مين دلوقتي؟
أخفضت نافذتها وأجابته وعينيها لا تفارق الطريق: هو إنت كاتب الأسفلت باسمك ولا أيه يا كابتن؟
قهقه عاليًا: لا بس على ما أعتقد مش ده طريق البيت!
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة له وبررت ببسمة هادئة: الباشا اللي بتشتغل معاه مأكد عليا أروح حفلة عيد زواج ناس أنا معرفهمش.
رفع حاجبه بدهشةٍ: تقصدي حفلة ليام وإميلي؟
هزت رأسها مؤكدة له، فغمز لها ومازال يتفادى السيارات ليبقى على محاذاتها: يبقى طريقنا واحد وونس طول الطريق!
بدأ الحفل وازدادت أعداد المدعوون بالحضور، نخبة من أهم رواد الصناعة والتصدير، أغلبهم من جنسيات غير عربية ونادرًا بتواجد عدد من العرب، ساد الحفل عددًا ضخمًا من الفتيات المرتديات لثياب عارية، والكؤؤس محملة بعدد مهول من الخمور قلة من لعصائر لبعض الناس الممتنعة عن شرب المحرمـ.ـا.ت بين هؤلاء، ومن بينهم كانت تقف ألكس بفستانها الأزرق القصير، وشعرها القصير المصبوغ بالبرتقالي بعد أن انتهت اليوم من صنعه استعدادًا للحفل، تلتهم كوبها وعينيها تبحث عن بين الوجوه عن أبطال قصتها المدmوجة داخل عقلها المريـ.ـض المحدد لطوائف خطتها المدبرة.
وكانت أول أفرادها صديقتها إميلي بعد أن اتفقت معها مسبقًا، ووافقتها على الفور لعنصـ.ـر.يتها المندثة داخلها تجاه أي عربي، ولكنها مرغمة على تواجد عدد منهم لمراكزهم الهامة التي تخضعهم لهم مزللين.
اقتربت منها ألكس تميل على آذنيها هامسة وعينيها لا تفارق بوابة المنزل البيضاء: أصابني الخــــوف من تأخرهما الملحوظ، أخشى أن لا يحضران وتنتزع خطتي بأكملها.
خـ.ـطـ.ـفت تلك السيدة الثلاثينية بصرها إليها، ورسمت ابتسامة واسعة وهي تشير لها بمكرٍ: خاطئة ألكس لقد وصلت عائلة السيد عمران بالفعل.
اتجهت عينيها تلقائيًا للبوابة بلهفةٍ، فاعتلتها بسمة شيطانية مخيفة فور رؤيتها لمايسان تدلف برفقة عمران بفستانها الأبيض الطويل المحتشم، وحجابها المتدلي من خلفها، وكأنها عروس تزف لعريسها!
راقبتهما جيدًا فوجدته يستأذن منها ويغادر ليقابل رفيقه جمال الذي استقبله بالاحضان، بينما استكملت مايسان طريقها باحثة عن آميلي، فما أن رآتها حتى دنت منها تقدm هديتها باحترامٍ وبسمة بشوشة: عيد زواج سعيد إميلي.
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت بسمة فاترة على شفتيها وهي تجيبها: أشكركِ عزيزتي.
وأشارت بيدها على الطاولة القريبة منهم: تفضلي بالجلوس.
انتبهت مايسان لمن تجاورها بوقفتها، فاغتظمت معالمها غـــضــــبًا، ظنًا منها إن عمران كعادته لا يستغني عنها بحفلاته الهامة، فلحقت إشارة إميلي بالجلوس، وجلست تترقب انضمام شمس لها بصبرًا لا يطاق.
جلس عمران برفقة جمال الذي يتهرب من التطلع بعينيه بحرجٍ، فابتسم لمعرفته ذاك الشعور جيدًا، فربت على يده الممدودة على الطاولة وهو يخبره: مفيش داعي يا جمال، أنا عارف إنك مش هتعملها تاني، ولا عمرك هتشرب القرف ده.
تنحنح بجلسته وهو يؤكد له: أنا مكسوف من نفسي يا عمران، مش قادر أوري وشي ليوسيف، إنت عارف إنه بيخاف على سيف أخوه أوي هيكون وضعه أيه وهو شايفني بسكر قدامه، الولد صغير ومينفعش يشوفني كده.
تلبسه الألــم، فزاغت عينيه بالفراغ وهو يردد بنـ.ـد.م: أنا السبب، أنا اللي دخلت القذارة دي بيت يوسف، بس مش هتتكرر تاني.
اتسعت بسمة جمال وبفخرٍ قال: لو عملتها تبقى راجـ.ـل بصحيح.
أكد له: هيحصل بإذن الله.
وتابع بسؤاله وهو يتابع تلاشيه لهاتفه مجددًا: إنت لسه مصالحتش صبا بردو؟
ألقى الهاتف جانبًا وارتشف عصيره بهدوءٍ: لأ وشكلنا كده مش هنتصالح أبدًا.
ووضع الكوب وهو يسحب جسده للطاولة هامسًا: ولولا الصفقة المهمة اللي بيني وبين ليام مكنتش جيت الحفلة المملة دي من أساسها، بس مش هطول شوية وهخلع عند سيف، النهاردة يوسف قايل إن الدكتورة ليلى محضرلنا محاشي وكفتة من اللي قلبك يحبها.
ضحك بصوتٍ مسموع، وأكد عليه: معاك وش، شوية وهخلع معاك نفس الخلعة.
التفت جمال لطاولة مايسان البعيدة عنهما، وربت على يد عمران: طيب روح إقعد مع مراتك متسبهاش لوحدها ميصحش كده.
ود بالنهوض ولكنه فضل البقاء برفقة جمال حينما وجد ألكس تحاول الاشارة له كل دقيقة، ففضل البقاء بعيدًا عنها، لا يريد أي شيء ينزع حالة الــســكــيــنــة المؤقتة بينه وبين زوجته.
تناول عمران المقبلات من أمامه وهو يتفرس ملامح جمال الذي يقرأ رسالة وصلت لهاتفه، فأغلقه من الزر الجانبي وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه: وأدي أم التليفون هددي نفسك بقى!
أبعد طبق المقبلات عنه، وسحب مقعده ليدنو من رفيقه مرددًا بجدية: جمال إنت كده بتدmر حياتك، مش كده اهدى وإرجع بيتك اقعد مع مراتك واتناقش معاها بهدوء.
سحب جمال المقبلات بكمية يدس بها غـ.ـيظه وغـــضــــبه الشـ.ـديد: قولتلك دي فاضية ودmاغها رايقة بالبلدي كده مورهاش حاجة غيري، فتعمل أيه تتفنن في إنها كل يوم تطلعلي عيب شكل.
انفجر عمران ضاحكًا، وقال بصعوبة بالحديث: بسيطة شوفلها شغل، إنت مش بتقول إنها معاها كلية حاسبات ومعلومـ.ـا.ت يبقى سهل تشتغل!
وتابع حينما تآلقت فكرته: شغلها عندك في الشركة هتفيدك وهتنشغل عنك إسالني أنا!
خـ.ـطـ.ـف بسمة ساخرة: مـ.ـجـ.ـنو.ن أنا عشان أجيب النكد لنفسي لحد الشغل كمان، أهو ده اللي ناقص!
تحلى بصمته لدقيقةٍ ثم قال: خلاص خليها تشتغل مع مايسان بشركاتي، أنا كده كده محتاج لناس عندهم خبرة في الحاسبات، وفوق كل ده هتسحب مع مايسان اللي طالع عينها وسط الموظفات الأجانب.
ضم شفتيه بحيرةٍ من اتخاذ أمرًا كذلك، ففاه بـ.ـارتباكٍ: بس آآ.
قاطعه بحزمٍ بعدmا وجد الحل الأمثل لمشكلته: صدقني ده الحل، اختلاطها مع الناس اللي هنا هيفيدها جدًا، ومش هيخليها تحس بالوحدة، وهتحل عنك بردو يا سيدي أنا عارفك مبتحبش الرغي ولا الاسئلة الكتير فالليلة دي مقاسك.
هز رأسه باقتناعٍ: خلاص لما أرجع بليل هكلمها في الحوار ده وأشوف.
ورفع يده لكتفيه بامتنانٍ: مش عارف أشكرك ازاي يا عمران، بجد نجدتني من قنبلة الاكتئاب دي!
تمردت ضحكاته مجددًا، وبات مازحًا: يا ابني مش دي صبا اللي حفيت عشان تتجوزها، حبك راح فين؟
لوى شفتيه بتهكمٍ وكأنه يذكره بما مضي ولم يعاد إليه، فسحب رشفة من كوب عصيره، قائلًا: كانت كريزة بعد الجواز بقت كئيبة!
تفحص على النوت الصغير ببسمةٍ هادئة، يقرأ الآن مواقفها الايجابية بحياتها، يدفعها لرؤية ما تحتفظ به داخل ذكرياتها، يدفعها تلامس حقيقة أنها تحوي الذكرى القاسية واللطيفة بآنٍ واحدٍ، وحينما انتهى من القراءة قال وعينيه منصوبتان عليها: شوفتي إن جوانا حاجات كتيرة حلوة حتى لو فيها الوحش!
ابتسمت بمرارة تجرعتها بكلمـ.ـا.تها: أنا الوحش عندي أكتر من الذكريات الحلوة اللي تتعد على الأيد يا دكتور.
خلع نظارته الطبية وتطلع لها يخبرها: حتى لو الحلو قليل يا فطيمة اتمسكي بيه ومتسوفيش غيره.
انهمرت دmعتها الصريحة على خديها، فازاحتها وتمعنت بالتطلع له قائلة بجراءة وقوة لم يراها منها قط: دكتور على أنا اد.بـ.ـحت من تلات كلاب أكثر من مرة، قــ,تــلوني بالحيا وسابوني أنازع وعقلي مش مستوعب اللي حصلي، سابوني بدور زي المـ.ـجـ.ـنو.نة على أي حاجة أقــ,تــل نفسي بيها بس مكنش في حاجة حوليا غير الضلمة وعـ.ـذ.اب الضمير على مراد.
وجده طريقًا سلسًا للخوص داخل رحلتها من جديد، وبالرغم من أن النيران تلتهمه هو أولًا قبل أن تصل له، الا أنه استكان بجلسته وهو يحافظ على أنفاسه الهادرة داخل قفصه بانفعالٍ وكأنه يركض لمسافاتٍ وداخله يهمس: اهدى يا علي، إنت في الأوضة دي كدكتور وهتقوم بواجبك على أكمل وجه، مشاعرك وو.جـ.ـعك ارميهم على جنب.
تنحنح وهو يجلي حلقه: أخر مرة اتكلمنا فيها كان عن خطيبك.
وابتلع غصته المؤلمة وردد بحروفٍ طاعنة: بعد ما خضعتي لكشف العذرية أيه اللي حصل بعد كده يا فطيمة؟
أغلقت جفنيها بقوةٍ جعلت دmعها يتدفق بصمتٍ، وكأن أحدًا يتنزع قدmيها المثبتة على الدرج الخشبي ويجذبها للقاع من جديد، فقالت وهي تسترد انفاسها الثقيلة: عديت الموقف وكل حاجة عشان أهلي، وابتدينا نحضر للجواز، بالرغم الألــم اللي كان جوايا الا إني حاولت أتخطاه وأركنه جنب اللي مريت بيه في سبيل اني كويسة ومحدش مسني وده هو وأهله اتاكدوا منه، بس اللي مكنتش أعرفه إني اتحررت من سـ.ـجـ.ـن صغير لسـ.ـجـ.ـن أكبر ولجلادين أبشع.
وازاحت دmـ.ـو.عها بقهرٍ وهي تردد: خـ.ـطـ.ـفوني تاني بس المرادي كانت مختلفة، كانوا عايزين الملاك اللي ساعدنا وهربنا من المكان القذر اللي كنا فيه.
وسلطت عينيه له وهي توضح له: كانوا عايزين مراد، عشان بـ.ـنتقموا منه ومن اللي عمله بالشبكة الدولية اللي محدش قدر يكتشفها.
واستطردت بصوتٍ مرتعش: عـ.ـذ.بوني وهدودني بأختي لو مطاوعتهمش هيقــ,تــلوها هي وعيلتي، مكنش قدامي أي حلول تانية اضطريت أخضعلهم واتصلت بمراد وطلبت منه يجيلي على العنوان اللي بعتهوله، كان نفسي أصرخ في نفس المكالمة وأحذره إنه يسمع كلامي وفي نفس الوقت كان جوايا أمل إنه يقدر يخرجني المرة دي كمان من غير ما حد يمسني، بس أحلامي اتدmرت في كل مرة اتعدوا فيها عليا، والبشع إنهم مرحموش مراد، كانوا بيحقنوه بالمـ.ـخـ.ـد.رات لحد ما بقى مدmن.
وتابعت وهي تزيح عنها دmـ.ـو.عها: احساس الذنب كان هيقــ,تــلني وأنا شايفاه بالحالة دي، مراد شخص قوي وعزيز كان صعب عليه المهانة اللي عاشها ونظرات عينه كانت كلها غـــضــــب لعجزه إنه يدافع عني، لدرجة خلتني أتاكد إن خروجي أنا وهو شبه مستحيل، فهـ.ـر.بت من المواجهة، سكوتي كان هرب ليا من كل شيء، من الو.جـ.ـع والقهرة وكـ.ـسرة النفس، كل يوم بشوفهم في حلمي وهما بينهشوا لحمي، وأنا عاجزة عن إني حتى أصرخ وأتو.جـ.ـع.
واسترسلت وجسدها ينتفض من فرط البكاء: الأيام اللي فضلتها هناك كانت بالنسبالي 100000سنة، كل يوم كنت بتجلد لما أسمع صوت الباب بيتفتح وبدعي إن روحي تفارقني.
وضمت ساقيها لها وهي تستند برأسها عليهما: كنت بتوسل ليهم كل يوم عشان يقــ,تــلوني بس دmـ.ـو.عي وصراخي كان بيخليهم مبسوطين أكتر، أنا ناري مبردتش وأنا شايفة رحيم أخو مراد بيتقم منهم وبيقــ,تــلهم قدامي، نار لسه مبردتش لحد اللحظة دي، أنا أوقات بكره نفسي وبحملها ذنب اللي حصل، بحملها ذنب عجزي.
أغلق عينيه بقوةٍ أدmت تلك الدmعة التي انسدلت على خديه لأول مرة، وصوته المختنق بالعبرات يهاتفها برجاءٍ: كفايا. كفايا يا فطيمة!
رفعت عينيها إليه بصدmةٍ، لم تستوعب مدى تأثره الشـ.ـديد بحديثها، دmعة الرجـ.ـال عزيزة وها هو يضعها متخبطة أمامه، لا تعي لماذا تأثر لتلك الدرجة التي جعلته يترك نوته، هاتفه، سماعته، كل شيءٍ ويهرول لخارج الغرفة بانفاسٍ متحشرجة، راقبته بشرود وصدmة مازالت تبتلعها.
نهض عمران ليستقبل راكان الذي يسرع إليه برسميةٍ تتلقفها أعين الصحافة، بعد أن انتشر خبر ارتباط شقيقة عمران سالم براكان مثلما أراد، فمال عليه يهمس وابتسامته المصطنعة تغزو وجهه المرتفع بكـبـــــريـاءٍ: فين شمس؟
منحه نظرة ساخرة لعنجهيته التي لم تتركه بعد، وقال: أكيد على الطريق متنساش إن المكان بعيد.
هز رأسه متفهمًا، واتبعه للداخل والنقاش المتبادل يخص تجارة عمران وإلقاء راكان أول حبال خطته الدانيئة بعرضه الشراكة الصريحة بالصفقة القادmة بينه وبين عمران الذي أجابه بمهنيةٍ: شرفني مكتبي في أي وقت نتكلم أفضل في التفاصيل.
هز رأسه بانتصارٍ وابتسامته الشيطانية تغادره رويدًا رويدًا لتنقلب للدهشة حينما وجد شمس تقترب منه بملابس عادية لا تليق بحفلٍ كذلك، ضرمت مخططاته بالظهور برفقتها أمام الصحافة، لتنتشر اخبـ.ـار نسبة المشرف بين زيجات رجـ.ـال الأعمال، أسرع إليها بخطواتٍ سريعة يمنعها من التواجد لعرضة الصحافة، وعنفها بعصبية استمع لها آدهم الذي يهم بالاقتراب: أيه اللبس ده؟ بتهزري صح!
رمشت بعدm فهم، وادعت برائتها: ماله لبسي، مريح ورقيق جدًا.
كز على أسنانه بحنقٍ: يعني إنتِ مش عارفة إنك جاية حفلة زي دي يا شمس، هتظهري إزاي كده جنبي قدام الصحافة.
أجابته ببرودٍ ونظرات مستشاطة من طريقته بالحديث: والله أنا رفضت أحضر الحفلة دي من البداية إنت اللي صممت آني أحضرها ده أولًا، ثانيًا بقى ودي الأهم أنا كان عندي محاضرات مهمة ومكنش عندي الوقت اللي أرجع فيه البيت وأغير هدومي.
اقترب منهما عمران يتساءل باستغراب وعينيه تجوب وجوهمها: في أيه؟
التفت له راكان بجسده وصاح بانفعالٍ: بذمتك يا عمران ده لبس تظهر بيه خطيبتي قدام الصحافة ورجـ.ـال الأعمال جوه!
وضع يده بجيب بنطاله ليبجبه بجمودٍ وصرامة مخيفة: خد بالك من كلامك كويس يا راكان، واعرف إنت بتتكلم بإنهي طريقة بدل ما أفهمها تقليل من إختي وأرمي خاتمك في وشك وقدام الصحافة اللي عاملين ليك هوس دول عشان بعد كده تعرف حدودك وأخرك في الكلام.
ارتعب راكان من نبرته وخشي أن تضرم مخططاته هباءًا فقال بلطفٍ: مقصدتش حاجة يا عمران أنا عارف كويس أنا مختار بـ.ـنت مين، بس الحفلة ليها فساتين ولبس معين ما أنت عارف، ثم إني بعتبرها مراتي ومسؤولة مني وشكلها أكيد من شكلي.
واستدار لشمس التي ترمقه بغـ.ـيظٍ وقال: أنا آسف يا حبيبتي مقصدتش شيء، ولو عمران باشا يسمحلي أخدك لأي أتليه نشتري فستان سريع ونرجع عشان لازم أعرفك على كذه حد مهمين.
رفعت عينيها لأخيها فوجدته يهز رأسه بخفوتٍ لتتبعه، فما أن استدار راكان ووجد آدهم حتى ردت روحه وانتشت ابتسامته، فأشار له: آدهم.
أنهى آدهم اتصاله ودنى منهما يتساءل: خير يا باشا.
ابتعد به راكان عن نظراتها المحتقنة، ومال عليه يهمس بغـــضــــبٍ: خد شمس لأي أتليه شيك اشتريلها فستان قيم وكوليه غالي من الآخر عايزك مترجعهاش ناقصها حاجة إنت عارف الحفلة دي مهمة لينا أد أيه، ليام وإميلي معارفهم مهمين لينا خصوصًا الفترة الجاية.
حك أرنفة أنفه يخفي تعصبه وصاح: أنا ماليش في أمور الحريم دي يا باشا، فستان أيه اللي أجابه!
أكد عليه ومازال يرسم بسمته الساذجة لتلك التي تحاول الاستماع لحديثهما: اتصرف يا آدهم، وشوفلها حد يحطلها ميكب إنت مبتغلبش.
زوى شفتيه تهكمًا: حد قالك إني ساحر!
وأضاف بتحفزٍ: اللي بتطلبه ده أساسًا لا يمت للاسلحة والقــ,تــل والحراسة والاكشن ده بشيء، صدقني لو حاجة تانية هقدر أفيدك لكن آآ...
أوقفه حينما أخرج الفيزا إليه: اتصرف يا آدهم قبل ما نتفضح باللبس اللي هي لابساه ده!
وتركه وغادر ومازال آدهم يقف محله، يضم ذراعيه لخصره بانهاكٍ، هامسًا: المهمة دي جابت أجلي، أقــ,تــله وأقصر وقتي ولا أصبر لما أوقع اللي وراه وأهو كل بثوابه!
رفع آدهم هاتفه يستدعي فؤاد واتجه يقف قبالة شمس، فما أن تأملها حتى هرولت عنه كل طاقة غـــضــــب سكنته، فابتسم وهو يشير لها على السيارة التي وقفت قبالتهما: شمس هانم. اتفضلي.
منحته نظرة غاضبة ومازالت يدها تضم صدرها وقدmيها تهتز بعصبية واشيكة على قــ,تــل من يقابلها، فصعدت للخلف وهي تبرطم: كان ناقصني راكان الاهبل ده كمان!
كبت ضحكاته فأغلق باب السيارة الخلفي وأتجه ليستقر جوار فؤاد الذي تلقى تعليمـ.ـا.ته بالتحرك، بينما يتابعها آدهم من مرآة السيارة الأمامية، يبتسم وهو يرآها تكاد تشتعل من الغـ.ـيظ والغـــضــــب، لا يعلم لما تألــم لأجلها.
رغم تفاهة الموقف الا أنه كان يتابعها باهتمامٍ، يود بأي طريقة يتحدث إليها ليخرجها عن صمتها الذي بات مقلقًا له، ولكن وجود فؤاد يعيقه عن فعل أي شيءٍ سيجعله يخسر هيبته السرية المعتادة بين فريق عمله السري المحاطين به بكل جانب، التزم الصمت حتى هبط معها لأحد المحلات الفخمة المعروفة، فولجت برفقته للداخل ووقفت تربع يدها ومازال الغـــضــــب يحاط بها.
دنى منها آدهم فابتسم وهو يمازحها: أنا عارف إن البنات بتاخد أربع خمس ساعات على ما تجهز فمتوقع بقى عما تنقي اللي إنتِ عايزاه وتلبسي هيكون تقريبًا الليل ليل والحفلة انتهت.
استدارت إليه لتتفجر عما كانت تحتسبه طوال الطريق: أأنا لا عايزة ألبس فساتين ولا أحضر حفله ولا أشوف خلقة الباشا بتاعك من الاساس أنا عايزة أروح.
لم يخسر حكمته بحل تلك المواقف أبدًا، إن تمكن من تفكك القنبلة المؤقتة بالظلام، واستخدام اسلحة مدmرة كتلك التي يتدرب عليها بالجهاز الأمني، الا يستطيع تحقيق الانصاف لتلك الانثى، قلص مسافته منها ورفع الفيزا إليها وهو يشير بمكرٍ: أنا بقول نسمع كلام الباشا أفضل، ونختار الفستان الشيك الغالي عشان نشرفه حتى لو هنصرف نص رصيده ونقهر قلبه المهم نتألق زي ما هو عايز ولا أيه؟
ارتسمت بسمة شيطانية على شفتيها، فاستدارت له بسعادة غريبة: عندك حق أنا هخليه يقول حقي برقبتي ويجري على فريدة هانم يبـ.ـو.س رجليها إني أرمي دبلته في وشه.
تعالت ضحكاته لسماعه أحلامها البعيدة على البعد عن محاربة ذاك الشيطان فقال: راكان مش هيتنازل عنك بسهولة، إساليني أنا.
رمشت بتـ.ـو.ترٍ، وازدردت لعابها بـ.ـارتباك: يعني أيه؟
تعمد تجاهل سؤالها، واتجه لاحد الفساتين الموضوعة بزواية مخصصة، وأشار: أيه رأيك في ده؟
تفحصته جيدًا فوجدت قصته تليق بها، كان يضيق بالاعلى ويهبط باتساعٍ بعدة طبقات تحوي الفراشات الفضية، تحيط به جوهرة بدت ثمينة للغاية، عادت خطوتان للخلف لتكن جواره بالتحديد: بس ده شكله غالي جدًا جدًا يا آدهم، إنت مالي إيدك من غـــضــــب راكان ده ليقــ,تــلني.
قهقه ضاحكًا وهو يجيبها: هحميكي متقلقيش.
شاركته الضحك ورددت ساخرة: ليك حق تضحك، ده أنا بشوفك وبتكلم معاك أكتر ما بشوفه هو شخصيًا!
قالت كلمـ.ـا.تها غير واعية لمن يتمعن بها بشرودٍ، خفق القلب وتمرد من لجامه ليتبعها دون ارادة منه، تنحنح بحرجٍ حينما انتبه لشروده وتحرك للعاملة يقدm لها الفيزا ويخبرها بحمل الفستان للأعلى لتتمكن شمس من ارتدائه، وبقى هو بالأسفل ينتظرها.
لف ظهره يتأمل المارة من خلف الزجاج الشفاف المحاط بالمحل، ينتظرها تهبط للاسفل، مرت ثلاثون دقيقة ومازال يقف محله حتى إنتبه لصوتها اللاهث القادm من الدرج القابع بمسافة منه: آدهم.
استدار وليته لم يفعل، سقط أخر حصن امتلكه، وأوشك الأمر لخطورة يعلمها جيدًا، يكاد بفقدان أكثر ما تمرن عليه، التحكم بالنفس أمام أي أنثى تحاول اغرائه، وفعلتها تلك دون عناء منها.
تحكم بذاته وهو يدنو منها، فوجدها تهبط للاسفل بتعبٍ شـ.ـديد، لتشكو له: الفستان ده تقيل أوي!
ضحك وهو يغمز ماكرًا: طبعًا مش مدفوع فيه نص مليون دولار.
جحظت عينيها صدmةٍ، ورددت وهي تستند على درابزين الدرج المعدني: ده كتير أوي يا آدهم، لأ خليني أشوف حاجة تانية بدل ما آ.
قاطعها بخبث: يعني مش عايزة تنتقمي من راكان المتغطرس ده اللي طول الطريق بتهري وبتنكتي في نفسك بسبب كلامه.
لاح لها ما فعله، فقبضت على معصمها وهي تستكمل طريقها للأسفل قائلة: ادفع يا آدهم وميهمكش.
انتظر مرورها ولحق بها، فتمكن رؤية فتحة ظهر الفستان وإن كانت صغيرة، فتنحنح وهو يشير لها: شمس.
توقفت وهي تتفحص ما قدmته العاملة لها من أدوات تجميل باهظة للغاية، فاستدارت إليه تتساءل: ده أيه ده كمان؟
زوى شفتيه وكأنه على وشك بترهما: هو اللي طلب إنك تحطي.
اعادتهم ليد العاملة وهي تخبره بغـــضــــب: مش هحط حاجة ولحد كده وكفايا هو مش واخدني فرجة للناس سعاته!
ابتسم وهو يردد بنبرة حنونة: اهدي وبلاش تعصبي نفسك، ولا يهمك اللي إنتي عايزاه إعمليه.
وتركها تكمل ارتداء حذاء الفستان المرتفع، وتعدل من خصلات شعرها أمام المرآة المطولة، فتوقفت حينما وجدت انعكاس صورته بالمرآة، يقف خلفها بالتحديد ويدنو منها، لتجده يضع من حولها شال رقيق من اللون الأسود، هامسًا جوار أذنيها: الفستان مكشوف شوية خليه عليكِ أفضل.
وتراجع وهو يشير لها بالتقدm، سحبت قدmيها بتـ.ـو.ترٍ مما فعله، حتى فتح باب السيارة.
خـ.ـطـ.ـفت شمس نظرة أخيرة إليه قبل أن تعتلي المقعد الخلفي، بينما صعد آدهم جوار فؤاد مبتسمًا كلما وجدها تراقبه بالمرآة، وعينيها لم تتركه أبدًا.
كانت تتمعن بهاتفها وهي تراقب رسالة شمس التي توضح لها ما فعله راكان، وأخبرتها بأنها ستستغرق وقتًا لتصل للحفل، أعادت مايسان الهاتف لحقيبتها بمللٍ من الحفل الذي تجلس به بمفردها، فبحثت عنه بعينيها وسط رجـ.ـال الأعمال، ولكن خاب أملها حينما لم تتمكن من رؤيته.
لا يقف هنا، عمران بالخارج.
قالتها تلك الشمطاء التي تدنو منها، فكزت باسنانها على شفتيها السفلية وهي تردد: أووف.
ثم قالت بعصبية بالغة: ماذا تريدين مني ألــم أحذرك من الاقتراب مني!
تعمدت اثارت غـــضــــبها بصوت ضحكاتها، وانحنت لجلستها تهمس لها بفحيح أفعى قـ.ـا.تلة: اعتادي وجودي مايا، لقد وافقت اليوم على زواجي من عمران بشرط أن يطـ.ـلقكِ، ووعدني بأنه سيجد حلًا يرغم والدته على الموافقة.
وتجرعت النبيذ وهي تشير لها بحقد: أخبرتك بأنني من سينتصر هنا.
وقبلتها بالهواء وغادرت تاركة من خلفها عينيان غائرتين لا تستوعبان ما استمعت إليه، وما يعاد لها الآن ما الذي سيفعله عمران ليجبر خالتها على الموافقة، ماذا تقصد بالتحديد؟
لم تحتمل مايسان البقاء بعد سماعها ذلك، فجذبت حقيبتها وهمت بالرحيل في نفس لحظة اقتراب إميلي تبعًا لخطتها، اصطدmت بها عن عمدٍ ليسقط عصير الفراولة على فستان مايسان الأبيض فاتنزع لونها بنجاح، متعمدة أن يصل العصير لنصفها السفلي بانحناءة جسدها الهايل لسقوطها الزائف.
إدعت إميلي فزعها الشـ.ـديد، وجذبت المناديل الورقية القريبة من الطاولةٍ وهي تردد: أعتذر منكِ مايا، نهضتي عن مقعدك فجأة ولم أنتبه لكِ.
التقطت منديلًا تحاول به ازاحة الاتساخ العميق عنها وهي تشير لها باحترامٍ: لا عليكِ، أنا التي كان ينبغي عليها الحذر.
مالت إميلي عليها تخبرها بصوتٍ منخفض وكأنه يعنيها أمرها كثيرًا: اصعدي معي للأعلى، اغتسلي وسأحضر لكِ فستانًا من ملابسي
اعترضت على ذلك بتهذبٍ: لا بأس، سأغادر على الفور.
أبدت موضحة رأيها وهي تشير بيدها للخارج: لا ينبغي لكِ المغادرة هكذا أمام أعين الصحافة، وفوق كل ذلك لن أسمح لكِ بالمغادرة، الحفل لم يبدأ بعد.
وحينما لمست تـ.ـو.ترها، مدتها بأمانها الزائف: لا تقلقي سأختار لكِ فستانًا واسعًا ليس عاريًا مثلما ترغـ.ـبـ.ـين.
أومأت باستسلامٍ فبالنهاية لن تتمكن من المغادرة بفستانها الذي طغاها اللون الأحمر من تجاه ساقيها فباتت أمورها أكثر حرجًا.
صعدت معها لأحد غرف الطابق العلوي بخجلٍ، لتجدها تفتح باب الحمام مشيرة لها: اغتسلي وسأحضر لكِ فستانًا أخر.
شكرتها مايسان على استحياءٍ: لا أعلم كيف أشكرك على هذا المعروف إميلي، الأمر مخجل برمته.
ردت عليها ببسمتها الشيطانية: أووه مايا أنتِ لا تعلمين ماذا تعنين لي، والآن اعطيني فستانك سأقدmه للخادmة تنظفه لكِ إن وددتي العودة به مجددًا.
قالتها بمكرٍ وهي تفتح يدها لها، وبالرغم من الحرج الشـ.ـديد الا أنها ولجت للحمام ونزعته عنها لتقدmه لمن تلقفته وابتسامة الشر تنبع على وجهها، لتغادر الغرفة قائلة لمن بداخل الحمام: سأعود بالفستان حالًا.
وحينما أغلقت باب الغرفة أرسلت رسالتها لألكس، وبدورها أرسلت للرجلين وحثتهما على بدء تنفيذ مخططها.
أرهقتها قدmيها من فرط البحث عن زوجة أخيها بين المدعوون، أكد لها عمران منذ وصولها برفقة آدهم بأنها بالداخل، بحثت عنها كثيرًا ولم تجدها على أي من الطاولات بالداخل، تخشى أن يعثر عليها راكان مجددًا فيجذبها لتقف برفقة رجـ.ـال الطبقة المخملية المملة.
رفعت شمس هاتفها في محاولة للاتصال بها، فاستمعت لصوت هاتفها قادm من مكانٍ مجاور لها، اتبعته حتى وصلت لطاولةٍ فارغة تضم حقيبة مايسان، فاعادت الاتصال بعمران الذي أجابها ممازحًا: لحقت أوحشك.
اتاه صوت شمس المرتبك: عمران أن قلبت الحفلة كلها على مايسان ملقتهاش، حتى شنطتها لقيتها على التربيزة!
رد عليها بهدوءٍ: يمكن واقفة مع حد من صديقاتها أو بالحمام يا شمس.
اجابته بقلق وهي تجلس على الطاولة: ممكن، عمومًا هستناها هنا.
أغلق عمران هاتفه وأعاده لجيب بنطاله لينتبه لتلك التي تحاوط رقبته وهي تهمس بصوتٍ مغري: مرحبًا أيها الوسيم.
أبعدها عمران وعينيه تتلصص على من حوله بخــــوفٍ، ازداد حينما رمقه جمال الواقف بصحبة احد رجـ.ـال الأعمال بنظرة حازمة، فصاح بها: بربك ألكس ماذا تفعلين؟!
حاولت أن تجعل شفتيها المصطبغة بطلاءٍ باللون الأحمر تلامسه الا أنه شـ.ـدد على معصمها بغـــضــــبٍ، ليخبرها من بين اصطكاك اسنانه: اكثرتي بالشراب ألكس.
وضعت رأسها على صدره، ويدها تتحسس صدره، فأزاحها بنفورٍ: الناس يرقبون ما تفعلينه، كفى!
أجابته وهي تحاول البقاء بأحضانه: وإن يكن، دعهم يراقبون غرامنا عمران، اليوم سأحررك من تلك العلاقة اللعينة، سأقدm لك خلاصك الأخير من تلك الساذجة المصرية.
جحظت عينيه صدmة مما يستمع، وقد بدأ عقله بالعمل على الخيوط المدروسة من أمامه. حديثها بالأمس عن خطة سترغم والدته على أن يطـ.ـلق مايسان، شمس التي أخبرته بعدm وجود زوجته بالحفل، وحديثها الآن!
أبعدها عمران عنه بقسوةٍ جعلت ذراعيها تلتهب من فرط تمسكه العصبي ليدها، وبنبرة كالجحيم تساءل: ماذا فعلتي بحق الجحيم! أخبريني ماذا فعلتي؟ أين مايسان؟ أين زوجتي؟!
تخبطت وتشتت بمن يقف أمامها، وكأنه شخصًا أخر، سال لعابها من فرط الرعـ.ـب، فابتلعت ريقها وهي تردد: إهدأ حبيبي، ألــم كنت تعاني من وجودها بحياتك!
أنا سأحررك الآن، سيلتقط لها بعض الرجـ.ـال المتسأجرون صورًا وهي برفقتهم وحينها ستجبرك والدتك على تركها.
دارت الأرض به، فشعر بأنه سيسقط لا محالة، رمش في محاولةٍ لاستيعاب ما تقوله، فخرج صوته هادئًا يعاكس نيرانها المقتادة داخل صدره: تبًا لكِ، سأقــ,تــلك ألكس.
وركض للداخل بسرعةٍ، حتى تفادى اسقاط الخادm الحامل لصينية الكؤؤس، ركضت ألكس حوله، جذبته وهي تصرخ بعصبيةٍ: ما بك عمران، هل جُننت؟
رفع يده ليهوى على وجهها بصفعة اسقطتها أرضًا وهو يفوقها بصوتٍ عنيف: سأعود لمحاسبتك لاحقًا، أعدك بأنني سأعود.
وهرول للداخل مقتحمًا المنزل، في محاولة للعثور عليها، صعد عمران للطابق العلوي فجحظت عينيه حينما وجد فستانها ملقي بسلة القمامة القريبة من الدرج وعلى ما بدى له من بعيدٍ بأنه يحمل الدmاء!
انتظرتها مايسان لأكثر من ثلاثون دقيقة ولم تعد حتى الآن، بقيت محتبسة بالداخل بقميصها القصير بخــــوفٍ هاجمها في كل مرةٍ فتحت الباب ولم تجدها بالغرفة، نادتها كثيرًا ولم يجيبها أحدٌ، فهمست برعـ.ـبٍ: هي نسيتني هنا ولا أيه!
وزفت بغـــضــــبٍ شـ.ـديد: حتى موبيلي مش معايا!
زارتها سعادتها المهاجرة فور سماعها لصوت أقدام تقترب بالخارج ففتحت الباب تتفحص عودة إميلي، تلاشت ابتسامتها ذعرًا حينما وجدت رجلين يتتسلان لداخل الغرفة، واحداهما يحمل كاميرا بيده ويشير للأخر بالتقدm مردفًا بصوتًا شبه هامس: إبحث بالداخل لم تخبرنا هي بأي غرفة، تأكد من تلك الغرفة وسأبحث بالغرفة المجاورة لها.
أشار له وهو يخرج محقنًا من جيبه: ملأتها بالمـ.ـخـ.ـد.ر حتى لا يستمع لصوتها أحدٌ.
تراجعت مايسان للخلف بصدmةٍ، ويدها تكمم فمها الواشك على الصراخ، فأغلقت ضوء الحمام بحذرٍ وتسللت للكايبنه الخاصة بالدُوش، تجلس أرضًا محررة باب الحمام من الداخل وتاركة باب الكابينه مفتوحًا حتى لا يشك بوجودها.
ارتعبت وحافظت على أنفاسها بصعوبة حينما تحرر باب الحمام ومن بعده الضوء، فولج للداخل يلقي نظرة متفحصة، وخرج بعدها يصيح لرفيقه: ليست هنا.
فور انغلاق باب الغرفة هرولت راكضًا لتغلق باب الحمام من الداخل وسقطت من خلفه تبكي بقهرًا وكل ما يحاوطها بتلك اللحظة جملتها
«عمران وعدني بأنه سيتخلص منكِ؛»
هل قصدت بأن زوجها الحبيب أراد أن يلوث شرفها؟!
أليس شرفها هذا هو شرفه هو الآخر؟!
كيف يسلمها بيده لهؤلاء الرعناء؟ أيفعل ذلك لأجل أن يحصل على سببٍ مقنعٍ للطـ.ـلا.ق دون أن يخسر المال والممتلكات!
تحلياتها مزقت نياط قلبها، فتحولت يدها لتضـ.ـر.ب فمها بقوةٍ ألــمت أسنانها و.جـ.ـعلت شفتيها تنزف بقوةٍ، لا تعلم أتضـ.ـر.ب ذاتها لتكف عن البكاء حتى لا يستمع إليها أحدٌ، أم من شـ.ـدة القهر والمهانة التي تخوضها الآن وبالأخص بخطته التي حرصت على تجرديها من كبريائها بلا رحمة!
حمل عمران فستانها وهرع للغرف كالمـ.ـجـ.ـنو.ن وهو يناديها بصوتٍ جريح مذبوح: مايا.
تمزقت احشائه كلما بعدت مسافته بينه وبينها، فحرر الباب المقابل له بعنفٍ جعل الرجلين المستمرين بالبحث يرتعبون من نظرات ذاك الراجـ.ـل.
هبطت نظرات عمران تدريجيًا الكاميرا المحمولة ولهيئتهما فاستكشف أمرهما دون عناءٍ، فلم يدري بذاته الا وهو ينقض عليهما كالأسد الذي طـــعـــن بمخالب صغيرة أصابته بو.جـ.ـعٍ جعله يخرج زمام غـــضــــب على نملة تمر من جواره مرور الكرام.
انبصق الدmاء من فم هذا المقيد أسفل جسد عمران القوي، فاستغل الاخير انشغاله به وتأوه على ذراعه المكـ.ـسور وهرول للأسفل سريعًا، فدفعه الاخير وهرول من خلف صديقه.
اتكأ عمران على يده وهرول من خلفهما، متبعًا الشرفة الخارجية، وقد صدق حدثه حينما وجدهما يخرجون من الباب الرئيسي، فانتبه لمن يقف على بعدٍ منه، فصرخ آمرًا: آدهم، إمسك الكـ.ـلـ.ـبين دول متخلهمش يهروبوا.
أحاطهم آدهم ورجـ.ـاله بمهارةٍ وقيدوهما أرضًا جوار سيارات حراسة راكان، وانتظر آدهم هبوط عمران ليعلم ماذا فعلوا هؤلاء ليجن هكذا، لم يسبق له التعرف عليه عن قربٍ ولكنه يعلم بأنه مسالمًا لا يخوض حياة تعج بالشر مثلما يفعل راكان فيحتمي بالحرس طيلة الوقت!
ركض عمران بالطابق الثاني في محاولة لايجادها، وصراخه باسمها لا يهديء، يكاد أن يسقط بنوبة قلبية من فرط حالة الهلع التي يخوضها الآن، لا يود تخيل السوء وأن أيدهما القذرة أحاطت زوجته.
مال على الحائط يلكم ما تتلقفه يده وهو يتذكر رؤيته لفستانها الملقي بالخارج فانهال عليه ألــمًا جعله يلقي جرفاته أرضًا وهو يردد برعشةٍ: لأ، مستحيل يكون حد لمسها. لأ.
وهرع للخارج يبحث بأخر غرف الطابق، فلفت انتباهه ضوء الحمام المفتوح، والظل القادm من أسفل بابه، كان واضحًا لعينيه بأنها تجلس من خلفه، شهقاتها المكبوتة تصل إليه، ارتعبت نظراته، فجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا في محاولة للسيطرة على ذاته أولًا.
واتجه ليطرق على الباب مرددًا برعـ.ـبًا يسبقه: مايسان، افتحي الباب.
لم يأتيه أي ردًا منها، فقال وهو يعصر قبضته: افتحي من فضلك خليني اتطمن عليكِ.
واسترسل بحدة: أنا ضـ.ـر.بتهم ومش هخلي حد يقربلك، افتحي الباب ده.
شهقاتها هي التي تزف إليه فتستهدف ما تبقى منه، مال عمران بجبهته على الباب يحاول باستمتاتة ترويض شيطانه الذي يدفعه لتحطيم الباب، فقال بحـ.ـز.نٍ مقهر: طب حد قربلك؟
تحرر صوتها أخيرًا، ببحته المؤلمة: مكنتش أعرف أنك بالحقارة دي، ازاي تعمل فيا كده وأنا عرضك وشرفك وكل ده ليه عشان فريدة هانم متحرمكش من الميراث والثروة، أنت أحقر إنسان أنا شوفته في حياتي يا عمران.
لكم الباب بقوةٍ جعلتها ترتد ألــمًا، وصرخ بجنونٍ نافيًا تهمتها التي تبيد رجولته: انتي مـ.ـجـ.ـنو.نة بتقولي أيه! أنا مكنتش أعرف حاجة يا مايا، وأول ما عرفت جتلك جري، أنا مش حقير للدرجادي إنتِ مراتي واللي يمسك أكله بسناني مهما كان اللي بينا وفوق كل ده بـ.ـنت خالتي.
وارتكن بجسده على الباب وهو يتوسلها: أرجوكِ افتحي الباب خليني أطمن عليكِ، مش عايز أكـ.ـسره هتتأذي وأنتِ وراه!
تعالى بكائها بانكسارٍ، شعور عدm الأمان والثقة يجابهان قلبها الضعيف، تخشى أن تسلمه ثقتها فيطـــعـــنها بمنتصف قلبها، فاستدارت متكأة على الباب وهي تهمس له بضعف: عمران.
أجابها بلهفة وهو يود أن يخلع ذاك الباب الفاصل بينهما: معاكِ يا مايا ومش هسيبك يا حبيبتي، ولا هخلي حد يلمس شعرة منك أوعدك بس افتحي طمنيني عليكي.
نكزته بقسوة حينما قالت: مشيهم عشان خاطري بلاش تسلمني ليهم يا عمران وأنا هخلي خالتو تقبل بطـ.ـلا.قنا من غير ما تحرمك من ميراثك، أرجوك يا عمران متعملش فيا كده أنا مستحقش منك كده.
رفع يده يححب و.جـ.ـع صدره القافز بين أضلعه تأثرًا من حديثها، يحق لها ظن السوء به، لم يمنحها السعادة يومًا لم يقربها منه لتكتشف شخصيته وتعلم ماذا يفعل وما الذي لا ينطبق لشخصيته.
أزاح عمران دmعة خائنة فرت من عينيه، أزاحها وهو يجيبها بصوتٍ زرع صدق العالم بأكمله به: مش أنا اللي عملت كده يا مايا، أقسملك بالله ما أنا الراجـ.ـل اللي يسمح لمخلوق يبص لمـ.ـر.اته بعين!
وتابع بصوت محتقن بالدmـ.ـو.ع: أنا مش وحش أوي كده، والله ما أنا، أنا هجبلك حقك من الكلاب دول، كرامتك من كرامتي يا مايا، افتحي الباب ده.
نهضت عن الأرض تقدm يدها المرتشعة للباب بترددٍ، فمالت برأسها فوق الباب بجبينه المقابل لجبينه من الخارج، تخشى أن تفقد أخر أملها بالنجاة.
التقطت نفسًا مطولًا قبل أن تحرر المزلاج، وتبتعد بخطواتٍ مرتعبة للخلف، تضم جسدها العاري ليدها، ولج عمران للداخل فأسرع إليها يتفحصها بأعين تجوبها بلهفةٍ، انهمرت دmعة منه وهو يراها تراقب الباب برعـ.ـبٍ من دخول أحدًا، رعـ.ـبًا من أن يكون خائنًا غير موثوق به.
ضمها إليه بقوةٍ، يخبأها بين ضلوعه مرددًا بو.جـ.ـعٍ: أنا لوحدي يا مايا متخافيش.
زال جليدها، فتعلقت بجاكيته وانهمرت باكية، وكأنها تزيل أوجاع تراكمت منذ زمنٍ بعيد، بكت حتى جلس بها على السجادة المفروشة من أسفل قدmيهما، يحتوي جسدها بجاكيته، وهمس لها: أنا آسف. أوعدك اني هطربق الدنيا فوق دmاغهم ودmاغ أي حد كان له علاقة بالموضوع ده.
ورفع ذقنها إليه وهو يسألها: أيه اللي حصل؟ وفستانك فين؟
أجابته وهي تتحاشى التطلع إليه خجلًا من قميصها القصير التي تجلس قبالته به، فقالت: إميلي اتخبطت فيا ووقعت العصير على فستاني، وصممت أغير هدومي ولما طلعت هنا أخدت فستاني تنضفه وقالتلي هتجبلي حاجة ألبسها ومن وقتها مرجعتش.
غامت عينيه القاتمة بقسوةٍ، فاحتضن خديها يضمه لصدره وعينيه تتطلع للفراغ، وصاح بعنفوان: يا ولاد ال.
نهض بها عمران لتقف من أمامه، فنزع عنه جاكيته وهو يشير لها: خليكي هنا، هجبلك فستانك وراجع.
وتركها وكاد بالرحيل فتمسكت بمعصمه تردد بخــــوفٍ: متسبنيش لوحدي يا عمران هيرجعوا تاني.
حاوط وجهها بذراعيه قائلًا بحـ.ـز.ن: محدش هيرجع تاني، الكلاب دول تحت مع آدهم وحرس راكان لسه حسابهم معايا تقيل بس أحاسب اللي جوه الأول، هوريهم مقامهم اللي نسوه.
وتركها وغادر ليعود بعد قليل بفستانها المتسخ، واتصل بشمس بخبرها بالصعود، عاون عمران مايسان المرتشعة بـ.ـارتداء فستانها وجذب الجاكيت ليلفه من حولها ليحجب بقعة العصير عن الأعين.
كاد جسدها بالتراجع للخلف من فرط ما خاضته منذ قليلٍ، أسندها عمران وخرج بها ليجد شمس قبالتهما، تتطلع لمايسان بصدmة، فهرعت اليها تتساءل: مايا أيه اللي عمل فيكي كده؟!
سلم يدها لشمس وتحرك وهو يخبرها: هاتيها وتعالي ورايا يا شمس.
استندت على يدها حتى هبطت للأسفل، ليجد حالة من الهرج والمرج بعدmا لاحظ الجميع ما يحدث بين حرس راكان والرجـ.ـالين، وانتهى بهبوط عمران للأسفل ليقف قبالة ليام وعيونه تخترق بسهامها زوجته، ومن بعدها صاح بصوته الرعدي: جمال حالًا تلغي كل تعاقداتك مع الكـ.ـلـ.ـب ده وأنا هعوضك عن الخساير مهما كان التمن.
أسرع إليه جمال يراقب حالته الغير مهنـ.ـد.مة بدهشة ازدادت حينما خرجت مايسان بحالتها تلك، فغلت عروقه لمجرد تخمينه الأمر.
تابعهم الجميع بدهشة وعدm فهم لنبرتهم العربية، ليصبح جمال لمن يراقبه: عذرًا سيد وليام أسحب اتفاقي المسبق بشركتك، فلتعد كل اتفاقنا لم تحدث من الأساس.
ردد بفزعٍ: ماذا حدث سيد جمال؟
تحرر صوت عمران وعينيه تمر بين الحضور: السيدة إميلي أرادت أن تهين زوجتي بمنزلها بالاتفاق مع عاهرة رخيصة وعلى الأحرى ظنت بأنني لن أكشف أمرها.
واستكمل وراكان وآدهم يقتربان منه لمحاولة فهم ما يحدث بالتحديد: ظنت بأنني سأسمح لها بأن تهين زوجتي. زوجة عمران سالم ربما عقوبتي ستجعلها لا تنسى ما فعلته اليوم هي وزوجها، أعلن اليوم بالحفل هذا بأن من يتعاون بعمله مع شركات هؤلاء اللعناء سيواجه عمران سالم بذاته.
جذبته ألكس لتجابه غـــضــــبه بحقد: هل جننت عمران أتفعل كل ذلك لأجل تلك الفتاة ال...
بترت كلمـ.ـا.تها حينما هوى مجددًا بصفعة جعلتها تسقط بالمسبح القريب منه والجميع من حوله يراقبون ما يحدث بصدmة، وخاصة حينما انحنى يحمل مايسان وهو يشير لراكان غير عابئًا بتوسلات اميلي واعتذاراتها: هات شمس وتعالى ورايا.
عاونها راكان على الهبوط من خلف أخيها، لينسحب آدهم وجمال من خلفه، ليجتمعون بالخارج بعدmا وضعها جوار شمس بالسيارة، فقال جمال باستغرابٍ: ما تفهمنا يا عمران أيه اللي حصل خلاك تشن الحرب على وليام ومـ.ـر.اته؟!
↚رؤيته لها تنتفض بين أحضان شقيقته داخل السيارة أججت نيرانه، فلم يبالي بمن يلتفون به في محاولةٍ لمعرفة سبب غـــضــــبه الجحيمي هذا، تركهم وإندفع تجاه سيارة آدهم المصفوفة جانبًا، ويتجمع من حولها رجـ.ـاله، فتح عمران باب السيارة الخلفي واندفع يكيل اللكمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة للرجلين وصرخاتهما تغدو مقبضة لمواجهةٍ هذا الجريح.
جذبه جمال وهو يصـ.ـر.خ به: كفايا يا عمران هيمـ.ـو.توا في إيدك! بلاش تودي نفسك في داهية إنت عارف القوانين هنا.
دفعه عمران بركلته للخلف، وبعدائيةٍ شـ.ـديدة صاح: إبعد يا جمال، هقــ,تــلهم واللي يحصل يحصل.
جذبه راكان وهو يحاول أن يهدئه، متسائلًا بفضولٍ: طب فهمنا بس أيه اللي حصل وحقك هيرجعلك!
لم يكترث لحديثهما، وكأنهما نسمة هواء عابرة لا تلامس جبهة الوحش العتي الذي يهاجم بشراسه فريسته، فتدخل آدهم على الفور حينما وجد الأمور تزداد سوءًا، فنجح بضخامة جسده بإبعاده عنهما متفوهًا باحترامٍ رغم موقفه: يا باشا اهدى دول ميستاهلوش، أنا هخلي واحد من رجـ.ـالتي يربيهم وبدون ما يكون لحضرتك علاقة بالموضوع، متنساش إنك ليك إسمك وتصرفاتك دي متنفعش.
خدmهما آدهم حينما أبعده عن السيارة، فاستغل جمال الفرصة ووضع يده على كتف عمران يسترسل ما بداه آدهم: إسمع الكلام يا عمران، وأهم أخدوا جزاتهم واللي يستاهلوه.
وأشار برفقٍ وهو يتابع اتقباض صدر عمران المختلج أنفاسه بعصبيةٍ بالغة: ارجع البيت عشان مدام مايسان شكلها تعبانه، وقابلني عند سيف، يوسف متصل بيا ومأكد عليا نروحله، أنا هفوت على الشركة ونص ساعة وهحصلكم.
هز رأسه بهدوءٍ، وتطلع لراكان ببعض الحدة: فريدة هانم متعرفش بحاجة من اللي حصلت هنا يا راكان من فضلك.
أجابه باستغرابٍ من طريقة حديثه، وكأنه طفلًا صغيرًت سيهرول ليقص ما رآه: أنا بشوفها فين أصلًا.
سحب نظراته عنه لآدهم مرددًا بامتنانٍ: شكرًا يا آدهم، لولاك كانوا الكلاب دول هربوا.
أحنى رأسه قليلًا وأجابه: معملتش غير الواجب، المهم إنك تهدي نفسك وتتصرف بحذر الحفلة مليانة صحافة.
منحه ابتسامة صغيرة قبل أن يتجه لسيارته، وحينها توجهت شمس لسيارتها لتتبعهما للمنزل، مودعة بعينيها ذاك الذي يرتكن بجسده على سيارته وعينيه تصرخان بالوداع رغم جمود وصلابة جسده.
اهتز مقعده استجابة لحركة جسده المتعصبة، ويده تضغط على الجزء المتحكم بسن القلم مرات متكررة، وكأن صوته المزعج يريح عصبيته التي تكاد تقــ,تــل كل هدوء منحه لذاته بفضل عمله الشاق، أطبق بشفاه على الأخرى في محاولاتٍ بائسة للسيطرة على أعصابه، لم يبقى بالغرفة ضوء يرشـ.ـده لضالته بعدmا أغلقه لرغبته بالبقاء بالظلام.
لم يمل ببقائه هكذا منذ ساعتين، عاجزًا عن تخطي تلك الأحاسيس والعاطفة التي تدفعه للتوجه لغرفتها وضمها إليه، يعتصرها بقوة بين ضلوعه، يزيح كل و.جـ.ـعٍ خاضته يومًا، وإن كان عاجزًا مكتف الأيدي أمام استماعه لتلك المأساة فيخوض نفس المعانأة في محاولته ليتوقف عن فعل ما يرغب به.
انطلقت دقات خافتة على باب مكتبه جعلته يردد ومازال يستكين بجلسته: تفضل بالدخول.
فتحت باب غرفته، وولجت للداخل بخطواتٍ مرتبكة، متـ.ـو.ترة، لم تصل لحركة جسدها فحسب بل لحقت صوتها الرقيق: دكتور علي.
فتح عينيه لهفةٍ وعدm استيعاب من سماع صوتها ووجودها بغرفة مكتبه، ابتسامة مرحبة تحررت على شفتيه فانحنى يحرر ضوء الغرفة بالريمـ.ـو.ت ليتأكد من أنه لا يتوهم.
نهض على عن مقعده مرددًا ببسمة ساحرة: فطيمة! مش معقول أنك نزلتي وجيتيلي مكتبي.
وتابع مازحًا على حالته المريـ.ـضة التي تستدعي الاهتمام الطبي: شكلي من كتر ما بقيت بفكر فيكِ بقيت بتوهم وجودك في كل مكان أروحه حتى مكتبي!
تلألأت جوهرتها الباسمة، ودنت منه ترفع ما بيدها: نسيت موبيلك ومش مبطل رن.
رمش بعينيه بحرجٍ، بالفعل لم يتوهم وجودها، تناوله منها على ثم وضعه دون اكتثار على الطاولة، ليوقفها قبل أن تعود: فطيمة استني أنا عايز أتكلم معاكي.
التفتت إليه بحـ.ـز.نٍ ظنًا من أنه يود النبش بما حدث: مش قادرة أتكلم تاني في الموضوع ده يا دكتور على من فضلك.
منحها ابتسامة جذابة وهو يبرر: متقلقيش مش ده موضوعي.
وإتجه للطاولة البلاستكية البيضاء، فجذب مقعدًا وجلس وهو يشير لما يقابله: اتفضلي.
ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباكٍ، ومع ذلك اتجهت لتعتليه بخفوتٍ، لتجده صامتًا يتطلع لمعصمه ويده تلهو بالساعة التي يرتديها، تمكنت من الشعور بربكته وتردده الصريح بما يود قوله، لذا انتظرته حتى يجد وقته المناسب للحديث، ولم تقاطع صمتهما المطول.
رفع عينيه لها ثم قال بصوتٍ محتقن يخفي و.جـ.ـعًا عظيمًا: أنا عارف إن اللي عشتيه وفات من حياتك ده صعب ومـ.ـيـ.ـتنساش بس أنا مش عايزك تفكري فيه وتحاولي تخرجيه من حياتك.
كادت بأن تزجره بغـــضــــبٍ، أكدت عليه مسبقًا بأنها لا تود الحديث على الأقل بالوقت الحالي، ولكنها صمتت حينما استرسل ونظراته الغريبة تحيطها: من أول يوم شوفتك فيه حسيتك مختلفة عن الكل، كنت كل ما بقربلك قلبي بيتعلق بيكِ وبيتألــم عليكِ، عيونك فيها و.جـ.ـع بيجلد روحي، لدرجة إني اتمنيت أقابلك وأكونلك أول راجـ.ـل في حياتك. اتمنيت أغيرلك الفكرة البشعة اللي اترسخت جواكِ بسبب الكلاب دول بما فيهم خطيبك.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، فقدت قدرتها على جسدها، على لسانها، على مشاعرها المنساقة من خلفه، لم تتفاجئ من حديثه، لطالما كانت تستمع له طوال الثمانية أشهر يتحدث معها عنه وعن عائلته، بالرغم من صمتها الا أنها كانت تتمنى الحديث إليه، تبتهج بلقائه كل يوم وتترقب لحظة دلوفه كل صباحٍ غرفتها حاملًا باقة الورد بين يده التي تزف رائحتها من قبل دخوله لها، كانت تسمعه وهو يلمح لها عن مشاعره.
ولكن ما يعجز عقلها تقبله لها وتصريحاته الجريئة بحبها بالرغم ما تعرضت له، كيف يسمح لذاته بفعلها وهو طبيبًا من عائلة مرموقة يستحق التفكير بأنثى عذراء يكون هو رجلها الأول، كيف تقنعه بذلك وهو الأحق بعلمه كونه طبيبها!
أكثر الناس دارية بحالتها هو، بداية بما تعرضت له وإلى ما وصلت إليه، صممت آذنيها عن سماع أي شيئًا فأفاقت على صوته العـ.ـذ.ب المنادي: فطيمة سمعاني.
رفعت عينيها الغارقة بالدmع إليه، فتركزت على شفتيه التي تعيد كلمـ.ـا.ته الغير مسموعة مجددًا: أنا بأحبك وعايزك زوجة ليا.
أيمنحها الأمل وقد غادرت عنها الحياة مولية لها ظهرها؟!
من بين نساء العالم الجميلات ألــم يختار سواها؟!
ليته حلمًا، ليته وهمًا، ليته مجرد تخيل يزينها قلم بدفترها الذي قدmه لها!
تمعن على بملامحها ولأول مرة يعجز عن فهم ما يدور برأسها، اعتاد فهم المريـ.ـض من أمامه بنظرةٍ، والآن يعجز عن فهمها، ويخشى أن تنفلت الأمور عكس توقعاته، فقال بـ.ـارتباكٍ: أنا عارف أن الوقت مش مناسب لكلامي، وإني كان المفروض انتظر الوقت المناسب لده بس صدقيني مش قادر، مش قادر أكون بعيد وأشوفك بتعاني وأنا مقيد على الكرسي بمارس شغلي.
ومال بجسده يستند على الطاولة حتى بات قريبًا، مسموعًا: فطيمة أنا عايز أخدك في حـ.ـضـ.ـني وأدوي كل جـ.ـر.ح جوه قلبك، أنا شايف نفسي عاجز في اللبس ده لكني واثق لما أقرب منك مش هفشل.
صامتة عن الحديث، تصغى جيدًا إليه، ويترقب هو سماع أي كلمة منها، فقال بحـ.ـز.نٍ: ساكتة ليه يا فطيمة، إتكلمي!
تحررت شفتيها المطبقة على بعضها لتحرر كلمـ.ـا.تها المتحشرجة: مش عارفة هقول أيه، أنا مش لاقية كلام أقوله لإن كل اللي هيتقال أنت تعرفه وكويس جدًا لانك دكتوري.
وتابعت وهي تفرك أصابعها تخفي تأثرها بما ستقول: لكن هقولك إنك تستاهل إنسانة تانية تكونلها الراجـ.ـل الأول في حياتها، لكن أنا حياتي كلها معاناة سواء بالماضي أو بالمستقبل، يعني اللي فات مش هيسبني هفضل أعاني منه دايمًا.
وأنا جاهز ومتقبل يا فطيمة.
قالها باصرارٍ عجيب، واسترسل: أنا بحبك ومستحيل هتخلى عنك.
وقرب مقعده منها قليلًا، ليخبرها بتوسلٍ: وافقي يا فطيمة وأنا أوعدك إني هعوضك عن كل شيء عيشتيه.
نهضت عن المقعد وتراجعت بظهرها للخلف تلتقط أنفاسها المرتبكة، فتمكنت بالسيطرة على ذاتها أخيرًا وهدرت من بين انفعالاتها: حـ.ـر.ام أني أدmرك بالماضي اللي يخصني.
وتراجعت للخلف حتى وصلت لباب الغرفة، وقبل أن تغادر ضغطت على ذاتها بألــمٍ وكأنها تخطو فوق زجاج مهشم: لو سمحت يا دكتور على تسيب ملف حالتي لدكتور تاني، أفضل ليك وليا.
وتركته وغادرت، فضم يديه على وجهه بضيقٍ شـ.ـديد لما حدث، فألقى الطاولة بعصبيةٍ بالغة: غـ.ـبـ.ـي، اتسرعت!
طوال الطريق حاول جاهدًا حثها على الحديث، ولكنها كانت صامتة لا ترغب بتلبية قلقه الشـ.ـديد عليها، فما أن توقفت سيارته قبالة باب المنزل، تحركت كالدmية المتحركة لتخطو للداخل بعدm اتزانًا، لحق بها عمران، فأمسك بمعصمها يمنعها بصعود الدرج وهو يناديها: مايا!
رفعت عينيها المتورمة بالبكاء إليه، ترمق رماديته بنظرةٍ قوية رغم انكسارها الأذلي، وبنبرة مرتجفة كحال جسدها المرتعش رددت: طلقني يا عمران. من فضلك طلقني.
وتركته مندهشًا يحاول استيعاب ما قالته للتو وصعدت للأعلى بآلية تامة، تابعها بعينيه وتمنى لو استدارت إليه ليعاتبها عما فعله لتطالبه بذاك الأمر، ولكنها لم تستدير إليه، وكأنه غير موجود بالمرةٍ.
أغلقت باب غرفتها وتركت قدmيها تستكين أرضًا ببكاءٍ حارق، بينما الأخير مازال يقبع بالأسفل، يده تشـ.ـدد على الدرابزين، يود الصعود إليها ولكنه يعلم جيدًا بأنها ترغب البقاء بمفردها حينما تخونها دmعاتها، هكذا حفظها منذ الصغر.
لم يفوته تفاصيلها، كانت تلك الفتاة قوية بالماضي والآن يعهدها أكثر قوة، تطـــعـــن حبها وتطالبه بالطـ.ـلا.ق والتحرر، يعلم بأنه سيعاني فزوجته صعبة المراس، ولكنه يستحق لما فعله بها طيلة الخمسة أشهر.
اعتاد رؤيتها كل عامٍ بأعين مفعمة بالحب، ولكنه امتنع عن رؤيتها منذ ثلاث سنواتٍ، وبالأخص منذ دلوف تلك اللعينة ألكس لحياته، كان يعترض على الهبوط بزيارته السنوية لمصر خشية بأن يحاربه حبها، اقتناعًا بأن ألكس قد خـ.ـطـ.ـفت قلبه الذي كان لها بيومٍ ما، ورهن حبها بالمراهقة الغير متزنة، ولكنه الآن رجلًا يختار ألكس بعقلانية!
والآن يكتشف الحقيقة، والحقيقة تتكمن بكونه رجلًا أحمقًا لم يكن يمتلك عقلًا من الأساس، هو الآن بحاجة فرصة ولا يعلم إذ كانت ستمنحه إياها أم لا.
أفاق عمران على كف شمس الموضوع على كتفه، استدار فوجدها تتطلع له بحـ.ـز.نٍ وخــــوف لما تعرض له هو وزوجته، ضمها عمران لأحضانه وهو يبدد خــــوفها: امسحي دmـ.ـو.عك مايا كويسة وأنا كمان بخير يا شمس.
وأبعدها عنه وهو يضم وجهها بحنان: اطلعي غيري هدومك وخليكي معاها متسبهاش.
أومأت برأسها تؤكد له وهي تمسح دmـ.ـو.عها وترفع طرف ثوبها لتلحق بها للاعلى، بينما ترنح هو على الأريكة بتعبٍ جعله يسترخي ساندًا رأسه للخلف بإرهاقٍ تام، فرن هاتفه ليعيد صحوته الغير مريحة.
رفعه عمران مرددًا بإنهاكٍ بعدmا تحقق من كناية المتصل: أيوه يا يوسف.
اندفع صوته المتعصب: إنت فين يا مقطوع أنت والمقطوع التاني، مش اتفقنا نتجمع بالشقة يا ابني دي دكتورة ليلى صاحية من النجمة تحضر الأكل انت نسيت العزومة ولا أيه؟
أجابه وهو يفرك جبينه بـ.ـارهاق: لا منستش أنا شوية وكنت هتحرك عليكم على طول، وجمال بيخلص حاجة في مكتبه وزمانه جايلك بالطريق.
رد محذرًا: طب تعالى بسرعة قبل ما الأكل يبرد، وخليك فاكر الجمال أنا لسه متجوز من شهرين ومغرقكم خير وأكلات مصرية شوف بقى إنت والحـ.ـيو.ان جمال متجوزين بقالكم زمن ومحدش فيكم كلف مـ.ـر.اته تعملنا أكلة مصرية ترم العضم بدل العكعكة دي.
ابتسم وهو يردد ساخرًا: جمال بيروح بيته أصلًا عشان يخلي مـ.ـر.اته تطبخ!
طـــعـــنه بالرد القاطع: طب وسيادتك نظامك أيه؟
اعتدل عمران بجلسته وهو يجيبه بجدية مضحكة: تصدق إني إلى الآن معرفش إذا كانت مايا بتعرف تطبخ ولا لأ.
ضحك مستهزئًا: إنت أيه اللي تعرفه عن مراتك أساسًا يا معتوه، أخبرتك سابقًا أنت حقيرًا أرعن!
دmج حديثه بالانجليزية، فشن هجومه باكرًا على من تفاده مرددًا: سخن الأكل أنا جاي. وكلم جمال يجبلنا حلويات.
ضحك بصوته الرجولي المسموع: أنت نفسك مفتوحة على كده.
جذب مفاتيح سيارته واتجه للسيارة، رفع جسده برشاقة واعتلاها وهو يخبرها بهيامٍ: تقدر تقول إني تقريبًا فوقت ومبقتش الغـ.ـبـ.ـي اللي يتضحك عليه، لقيت اجابة لاسئلتي ونهايتها إني كنت غلط يا صديقي.
تلهف باخبـ.ـاره: لأ ده إنت تيجي بسرعة نشوف حكايتك أيه؟
أغلق عمران هاتفه وألقاه جواره وهو يصفر بهيامٍ بما توصل إليه بعد معاناة، فعاد يدق من جديد، وما أن إضأت شاشته بإسم ألكس حتى جذبه ليلقيه بالمياه المجاورة لسيارته وهو يردد: خلاص الأهبل مسح ريالته، مش هيكونلك وجود بحياتي تاني لا بالرخيص ولا بعقد جواز!
حاولت شمس أن تستميل مايسان لحديثها، ولكنها كانت صافنة على فراشها، تضم جسدها بحـ.ـز.نٍ تام، ومع ذلك تابعت شمس حديثها الحزين مرددة في محاولة لجذب انتباهها: اتصـ.ـد.مت منه لما لقيته بيتكلم على لبسي بالشكل ده ولما رجعت لابسه الفستان اتصـ.ـد.مت أكتر لما لقيته كل شوية يقولي إقلعي الشال، الاستاذ كان عايز البروچ الغالي يبان للناس عشان يتأكدوا إن الفستان غالي!
وزفرت بغـــضــــب: بني آدm حقير وحقيقي يا مايا مش قادرة أتحمله أنا بكره الصبح هروح لعلي المستشفى وهكلمه يقول لفريدة هانم تفسخ الخطوبة دي.
وحانت منها نظرة إليها، فوجدتها لم يرف لها جفنًا، فأمسكت ذراعها تحركها بحـ.ـز.نٍ: مايا إنتِ مش معايا خالص، مالك بس يا حبيبتي المفروض إن اللي حصل يفرحك، الحمد لله إنتِ سليمة محصلكيش حاجة وعمران أخدلك حقك وهان الكـ.ـلـ.ـبة دي، أيه بقى اللي مزعلك؟
رفعت عينيها إليها، باسمة بتهكمٍ: عمران عمل كده عشان رجولته وشكله قدام الناس يا شمس، مش لإنه واقع في غرامي.
واسترسلت بو.جـ.ـعٍ تجمع بهالته: بكره ترجع وتتقربله وكالعادة هيستسلم ليها.
وبحقدٍ مندفع استرسلت: اللي يضعف مرة قدام واحدة ست هيضعف مليون مرة ليها ولغيرها.
وتابعت وعينيها تحرر دmـ.ـو.عها: عمران ضعيف يا شمس، مش هيقدر يحارب شيطانه، كان متوقع إني هفرح وهجري عليه بعد ما يكـ.ـسر ألكس أو يسيبها خالص، ميعرفش أني بحاول أحافظ على نفسي.
أنا لو سلمتله يا شمس وخاني بعدها همـ.ـو.ت ومش هقدر أحارب علشان حبي وكبريائي تاني، الخساير مش هتكون كـ.ـسرة قلبي وبس يا شمس الخساير هتكون كـ.ـسرتي ونهاية حياتي!
وانهارت باكية فضمتها شمس إليها بتأثرٍ، شاركتها البكاء وبشهقاتٍ مختنقة قالت: اهدي عشان خاطري، أنا فهماكِ ومقدرة والله، بس أنا حاسة إن عمران لو أخد فرصة تانية منك هيتمسك بيها ومستحيل هيضيعها من إيده.
ابتعدت مايسان عنها، وأزاحت دmـ.ـو.عها بقوةٍ امتدت لها فجأة، فقالت وهي ترسم بسمة هادئة: قومي نامي علشان جامعتك، أنا تعبانه وعايزة أرتاح.
وتمددت مايسان على الفراش، فاحترمت شمس رغبتها بالبقاء بمفردها، ففردت الغطاء عليها وخرجت لغرفتها.
ما أن ولج للداخل حتى ألقى جاكيته على المقعد، وحرر قميصه ليتركه مفتوحًا، ألقى عمران بجسده على الأريكة المقابلة ليوسف الذي يلقيه بنظرة ساخرة: إلبس هدومك بدل ما تاخد لطشة برد، أنا جاي أكل وأنبسط معنديش استعداد أجري بحد.
استند بيده أسفل رأسه وهو يخبره: متقرفناش بقى يا عم يوسف، قوم هات الأكل خلينا نأكل ونغور.
ضحك سيف الذي يتابع دراسته على الحاسوب، فأشار له يوسف بضيق: شوفت بيتكلم ازاي معايا يا سيف!
هز رأسه مؤكدًا، ثم قال مازحًا: صحابك عنيفين أوي يا جو، بالأخص جمال تحسه إتولد روحه على طرف مناخيره.
رد عليه عمران بتحذير مبطن: مالك بينا يا دكتور سيف، ركز في دراستك أحسن من المقاطيع اللي تودي ورا الشمس دول.
رفع يوسف يده بمكر: بيتكلم صح، قوم يا سيفو سخن الأكل عما جمال يجيب الحلويات ويجي.
ضيق عينيه بغـــضــــب: ورايا Test ومش فاضي، قوم اخدm اصحابك بنفسك والا هتصل بماما وأقولها إنك معطلني عن المذاكرة وشوف بقا هآآ...
قاطعه حينما ألقى الوسادة المطولة لوجهه بعنفٍ: خلاص خلاص ما صدقت!
ونهض وهو يعدل من ملابسه الغير مرتبة: هقوم أنا، ما خلاص بقيت دكتور نسا وتوليد طول اليوم وبليل الخدامة الفلبنية اللي جابهالك أبوك كنس وطبخ وغسيل هدومك المعفنة يا معفن!
انفجر عمران ضاحكًا وهو يتابع المشاجرة اليومية المعتادة بين يوسف وأخيه الصغير، فقاطعهم صوا غلق الباب ليطل جمال من خلفهم يضع أكياس الحلوى وهو يردد ببسمةٍ خبيثة: إوعوا تكونوا كلتوا من غيري أزعل!
أجابه سيف ومازال نظراته متركزة على الحاسوب: يوسف لسه داخل يسخن الأكل، اديني أحلي عما يخلص.
رمقه يوسف بازدراء: طفس!
وتركهم وغادر للمطبخ، بينما جلس جمال جوار عمران ينشب تحقيقه حول ما حدث اليوم بالحفلة، مستفسرًا عن علاقة ألكس بالرجلين.
انتهى يوسف من تسخين الطعام، فوضعه على الطاولة واتجه ليجلب المياه ولكنه توقف حينما صدح جرس الباب يدق بطريقة أفزعته، ظن وكأن الشرطة هي التي تدق الباب.
فتح يوسف ليتفاجئ بفتاة أمامه تتطلع إليه بغـــضــــب شـ.ـديد، تلاشى حينما رأته يقف أمامه، كانت ترتدي فستانًا أزرق اللون وحجابًا من اللون الأبيض، بدت عربية بملامحها الهادئة، ارتباكها وعرفها النازح فوق جبينها وكأنه كانت تواجه شيئًا قـ.ـا.تل بالخارج جعله يتساءل: كيف أساعدك؟
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ شـ.ـديد، وفجأة تحركت آذنيها تجاه صوت الضحكات المسموع من الداخل، فلم يكن سوى ضحكات عمران وجمال من وسط مزاحهما والأخير يحاول لكمه بمرحٍ.
تعجب يوسف من تلك الفتاة، وخاصة حينما دفعته وهرعت للداخل، فاتبعها وهو يصيح: هيي. توقفي وأخبريني من أنتِ؟
انصاعت خلف صوت الضحكات حتى وصلت للغرفة المقابلة لها، لتستقبل ما ستراه بقتامةٍ حارقة، تلاشى عنها الغـــضــــب تدريجيًا حينما وجدت شابًا يدرس على حاسوبه، وأخر ممددًا على الأريكة وما أن رآها حتى نهض يغلق أزرر قميصه المفتوح، وبالمنتصف الطعام الموضوع ولجواره أكياس الحلوى الذي راقبته وهو يشتريها أثناء هبوطه من مكتبه.
كانت بموقف لا تحسد عليه، خاصة حينما انتصب بوقفته وهو يرمقها بعدm تصديق، بينما تساءل عمران بدهشة: في أيه يا يوسف؟ ومين دي؟
أجابه بحيرةٍ من أمرها: معرفش بس هي تقريبًا تايهة بالعنوان.
أتاهما ردًا حارقًا ينبع من ذاك الغائم: لا مش صح الهانم المحترمة نازلة في نصاص الليالي تراقبني وطالعة لحد هنا بنفسها تدور على الست اللي واخدني من حـ.ـضـ.ـنها زي ما هي رسمت.
بدت حقيقتها للجميع بأنها صبا، زوجة جمال التي لم يسبق لاحدٌ منهم رؤيتها، تـ.ـو.ترت الأجواء وخاصة حينما جذبها جمال من ذراعها هادرًا وهو يهزها بعنفٍ: ادخلي، ادخلي دوري جوه في الأوض يمكن نكون خبينا الستات في الدولاب ولا تحت السرير.
تدخل عمران على الفور فجذبه بعيدًا عنها مرددًا بهدوءٍ: جمال ميصحش كده، من فضلك اهدى.
صرخ بعصبيةٍ جعلتها تنتفض بوقفتها وتتراجع بخــــوف: اهدى! مراتي بتراقبني وطالعالي في وسط صحابي وخرجت بدون إذن مني عايزني أكون هادي ازاي يا عمران؟!
واستدار يقابلها بغـــضــــبه القـ.ـا.تل، فدفعها للخارج مرددًا بتوعدٍ: قدامي يا هانم حسابنا في البيت، أنا غلطان اني خليتك تسيبي مصر وتيجي تعيشي معايا هنا، كنت مغفل بس هصلح غلطتي دي وحالًا هحجزلك على أول طيارة راجعة مصر.
بكت وهي تحاول تحرير ذراعها بألــمٍ اتبع نبرتها المتوسلة: جمال إيدي!
أبعده يوسف عنها ليعترض طريقه فاوقفه عن هبوط الدرج قبالة باب الشقة: جمال احنا على السلم مينفعش اللي بتعمله ده، ادخل جوه واقعدوا اتكلموا بهدوء أفضل من عصبيتك دي.
أشار له بتحذيرٍ: إبعد عن طريقي يا يوسف أنا مش طايق الهوا اللي قدامي.
كعادة عمران حينما تشتد الامور سوءًا، منحه لكمة جعلت جسده بترنح للخلف، فدفعه مستكملًا بقامته لداخل الشقة، بينما بقى يوسف برفقة صبا بالخارج مشيرًا لها: حاولي تهدي، متخافيش عمران هيعقله.
إلتف العالم بها، فلم يكن بأوسع مخيلاتها أن تمر بما تمر به الآن، تواجه الكثير من العقبات بمفردها رغم وجود زوجها الذي تركها للهواجس تخبرها بأنه يعرف أخرى عليه، وخاصة بعد رؤيتها النساء المتحررات هنا، وباليوم الذي قررت فيه تتبعه تضع ذاتها بهذا الموقف المحرج.
ترنح جسدها للخلف فاستندت على باب المصعد، صدرها يختلج ويهرب عنه الهواء تدريجيًا، شعر بها يوسف فألقى نظرة متفحصة عليها، قائلًا بقلق: مدام صبا إنتِ كويسة؟
ارتمى جسدها أرضًا مستسلمًا للدوار القـ.ـا.تل الذي يضمها إليه، فهرع يوسف لداخل الشقة يهتف بغـــضــــب: مراتك وقعت من طولها بره، مش عاملي فيها دراكولا!
فور سماعه ما قال، هرع جمال للخارج فانحنى يحمل جسدها إليه وهو يحرك وجهها بفزعٍ: صبا، صبا سامعاني، ردي عليا، صبا.
خرج الشباب من خلفه، فانحنى يوسف يتفحص نبضها، ومن ثم استقام بوقفته وهو يشير لجمال: هاتها جوه بسرعة.
إنصاع إليه فحملها وولج لغرفته، وضعها على الفراش وانزوى جانبها يحركها برعـ.ـبٍ.
بينما وقف عمران بالخارج حتى يترك لهما مساحة لا ينبغي له تحطميها، فلفت انتباهه يوسف المستند على الحائط جواره، رمش بعدm تصديق وصاح: إنت بتهبب أيه هنا؟
برق ساخرًا: هكون بعمل أيه يعني واقف مستني لما يفوقها.
ضـ.ـر.ب كفًا بالأخر وهزه بغـــضــــب: إنت مش دكتور يا بجم متخش تتصرف.
رد مستنكرًا: عايزني أدخل لجمال الطايش ده علشان يديني لكمية يجبني الأرض، ترضاهالي يا صاحبي؟
جز بأسنانه على شفتيه: يا مثبت العقل والدين، هتتنيل تدخل ولا أكيفك أنا بدل جمال!
تنحنح وهو يعدل قميصه المتسخ بالزيوت جراء تسخينه للطعام: لا هدخل وهطرقلك جمال تتصرف معاه إنت.
أجابه بضجرٍ: مفيش مشكلة.
ولج يوسف للداخل، فدنى منها بعدmا جذب حقيبة صغيرة من غرفة سيف، وبدأ بتفحصها ويقاس ضغطها، تكون لديها فكرة عما يصيبها، ولكنه ترقب لحظة افاقتها.
بدأت صبا تحرك رأسها يمينًا ويسارًا، حتى استردت وعيها، فوجدته يجلس جوارها يسألها بلهفة: حاسة بأيه؟
انهمرت دmعة على خدها ولفت رأسها عنه للجهة الأخرى، كز على أسنانه وردد من بين اصطكاكها: إنتي كمان ليكي عين تزعلي مني. ماشي يا صبا.
ونهض وهو يشير لها بينما يتابع يوسف تدوين الادوية دون أن يعبئ به: قوومي بينا نرجع شقتنا.
لكزه يوسف ببسمة واسعة: لا مهو المدام هتركب محلول، وشكلكم هتناموا هنا النهاردة.
صاح متعصبًا: أيه اللي بتقوله ده يا يوسف نبات فين؟
أجابه وهو يقدm له الورقة: متقلقش هأخد سيف يبات عندي النهاردة، المهم ادي لعمران يجيب المحلول ده وخليك بره شوية، محتاج أتكلم مع مدام صبا عشان أقدر احدد سبب الاغماء.
لوحديكم ليه إن شاء الله؟!
رددها بعصبية بالغة، فنهض يوسف عن المقعد وأشار له وهو يغادر: طب بالسلامة أنا عريس جديد ومش فاضي للعب العيال ده، إبقى شوفلك دكتور تثق فيه غيري.
جز على شفتيه السفلية بغـ.ـيظٍ، فجذبه من تلباب قميصه بشراسةٍ: بتهددني يا يوسف؟!
أزاح يديه عنه وهو يصيح بغـــضــــب: أنا بشوف شغلي يا محترم، واتفضل بقى هوينا بسحنتك اللي تصد النفس دي.
منحه نظرة مغتاظة قبل أن يتركه مغادرًا للخارج، وعاد يعيد فتح باب الغرفة على مصراعيها مما جعله يضحك بعدm استيعاب لجنون أصدقائه على زوجاتهم بالرغم من معاملاتهم الغير منطقية لغيرتهم المـ.ـجـ.ـنو.نة.
لفت انتباه صبا الغرفة، وجدت بها الكثير من الصور لجمال زوجها وهو بسنًا أصغر برفقة يوسف وذاك الشاب الذي رأته بالخارج منذ قليلٍ وعلى ما تتذكر عمران كان إسمه.
عادت تسلط نظرها على يوسف الذي بدأ بحديثه الجادي: مدام صبا حضرتك عارفة أنك حامل صح؟
زفرت بحـ.ـز.نٍ وهي تشير برأسها بعلمها بذلك، فقال بهدوءٍ: في الشهر الكام؟
أجابته وقد بلغ الحـ.ـز.ن بصوتها: أول التالت.
تابع بعقلانية: معنى كده إنك مخبية على جمال كل ده؟!
لعقت شفتيها الجافة عسى أن ترحل مرارة فمها عنها وهي تجيبه: مكنتش جاهزة أقوله وأنا جوايا احساس قوي أنه بيخـ.ـو.ني.
ابتسم وهو يستمع لها، وقال: أنا طبعًا مش هبررلك غلطه لإن تصرفاته كانت في قمة الغباء، بس عايز أقولك أني أعرف جمال من لما كنا لسه بندرس، أنا وهو وعمران نعرف بعض من سنين من أول ما سكنا بالشقة دي واحنا مش بنفارق بعض، وحاليًا بعد ما كل واحد بقى له بيت والشقة بقت لاخويا سيف الا أننا بـ.ـنتجمع هنا ومش بنقدر نبعد كتير.
اللي عايز أقولهولك جمال الوحيد فينا الا عمره ما بص لواحدة ست ولا كان له تجارب سابقة، جمال شخص نضيف فبأكدلك إن شكوكك كلها مش صحيحة.
بكت وهي تستمع إليه، وقالت باحتقانٍ: طيب ليه مقاليش هو بيجي فين وريحني من العـ.ـذ.اب ده؟
أجابها بحـ.ـز.نٍ وهو يراقب بكائها: لانه كالعادة بيعاند وهتلاقيه كان عايز يشوف هتتهميه بأيه تاني، واللي زاد بقى لو اكتشف أنك كنتي مخبيه عنه حملك هيتضايق جدا.
ابتلعت ريقها بخــــوفٍ شـ.ـديد، فابتسم يوسف وهو يطمنها: متقلقيش أنا هلف الموضوع وهشيله الجمل بما حمل.
لم تفهم ما قاله، الا حينما ناداه فولج للداخل حاملًا الأكياس: عمران جاب الادوية أهي.
جذبها منه يوسف وبدأ بتجهيزها، بينما دنى جمال من الفراش يتفحصها بنظرة مهتمة وبـ.ـارتباك قال: أحسن ولا لسه تعبانه.
هزت رأسها بخفوتٍ، بينما اتجه إليها يوسف يدث إبرة المحلول بيدها واليد الاخرى تشـ.ـدد على يد حمال المتمسكة بها، فتساءل بفضول: عرفت عندها أيه؟
أجابه وهو يضع الحقن بالمحلول المعلق: مدام صبا كانت شادة العيارين عليك بسبب الهرمونات يا جيمس.
ضيق عينيه بعدm فهم، فقال: مراتك حامل في الشهر الثالث، وشكلها كده من الزعل اللي إنت عامله فيها مخدتش بالها.
برق بعينيه بعدm استيعاب. فوضع يده على بطنها تلقائيًا وهو يردد: حامل!
استأذن عمران بالانصراف خاصة بعد تأخر الوقت، فكاد بالتوجه لغرفته ولكنه عكس إتجاهه لغرفتها، فتح بابها لتتفاجئ بوجوده ومع ذلك لم يعنيها أمره فاستمرت بمتابعة ما تفعله.
اتجهت للخزانة تجذب باقي الملابس لتضعها بالحقيبة لتضمن هروبها دون أن تراها خالتها، ولج عمران بخطواته المنتظمة حتى وصل للفراش فجلس وهو يردد بألــمٍ: كنت واثق إنك هتعملي كده.
تجاهلته وهي تضع أغراضها بالحقيبة وكأنه نسمة هواء عابرة، ألقى عمران الحقيبة حينما وجدها تحمل باقي متعلقاتها، ونهض ليقف قبالتها مرددًا: مش هتطلعي من هنا يا مايا. لو مهما عملتي.
رفعت عينيها المدعية للقوة له، قائلة: أنت ليك عين تتكلم!
ناطحها بعنفٍ: مايا صدقيني أنا ماليش علاقة باللي حصل ده.
تركته وهي تعيد حمل الحقيبة لاستكمال وضع أغراصها، فجذبها لتقف قبالته: من فضلك إبعد عني وسبني في حالي يا عمران، ولو خايف إن فريدة هانم تعرف فأنا مش هتكلم.
ضـ.ـر.بته في مقــ,تــلٍ، وهو يراها رافضة لوجوده جوارها، فاستظردرت مولية ظهرها: أنا خلاص يا عمران فاض بيا ومبقتش قادرة أتحمل، فل. باقي على رابط الدm اللي بينا هتطلقني وحالًا.
قالتها بقسوة ومازالت توليه ظهرها، وفجأة استمعت لصوت من خلفها بدى قوية، استدارت لتجده ينحني بكبريائه وهيبته أمامها، واضعًا رأسه بالأسفل وهو بكافح ليتحرر صوته: مايا دي فرصتي الأخيرة من فضلك متحرمنيش منها ولا منك، أنا بحترمك فوق ما تتخيلي وعايز أقضي عمري معاكي.
رؤيته يجلس على قدmيه هكذا جعلتها تندفع إليه لتنحني على قدmيها أمامه، ابتسم عمران ورفع رأسه إليها فوجدها تغفو على صدره، فضمها إليه بقوة جعلتها تتألــم من و.جـ.ـع ذراعيها، وهمساته لا تفارقها، فرغمًا عنه انصاع خلف عاطفته التي تحركت لها، فمنحها من بتلات العشق وعينيه لا تتركها فدنى يقتبس من رحيقها ولكنها تراجعت للخلف وتركته برفضًا تامًا لمشاعره، فمنعها من الابتعاد حينما حاوط وجهها بيديه بحبٍ، ليسحبها مستندًا بجبينه على جبينها وأنفاسه المحترقة تلفح وجهها: مايا أنا عايزك، أنا بأحبك!
تحررت من يديه ونهضت عن الأرض توليها ظهرها، فنهض يلحق بها وهو يضمها إليه، ابعدته مايسان وهي تشير بغـــضــــبٍ: لأ يا عمران، مش هسمحلك تقربلي الا لما تستحقني.
وبقسوةٍ قالت: طول ما أنت ضعيف وبتجري ورا نزواتك هبقى بالنسبالك أبعد من السما للأرض!
↚غادر سيف برفقة يوسف، ولم يتبقى سواهما، نزع جمال عنه جاكيته وتمدد جوارها ومازالت رأسها مستدير عنه، مد ذراعه يلف وجهها إليه حتى باتت قبالة وجهه المستكين بنومته قبالتها، فابتلع ريقه بجموحٍ تأثرًا برؤية الاحمرار يبتلع بشرتها جراء بكائها، عينيها الباكية تتمعن به والصمت يبتلعهما بجوفه، حتى مزقته نبرته الهادئة: عجبك اللي وصلناله ده؟
تشكلت سخرية بسمتها على شفتيها، فسحبت نفسًا مختنق وعادت لتتطلع إليه: أكيد هتقول إني السبب في كل اللي حصل ده، زي ما اتعودت أكونلك شماعة تعلق عليها أخطائك.
تجعد جبينه مستنكرًا تهمتها: أخطائي! طيب يا هانم يا محترمة يا اللي نازلة تراقبي جوزك ونازلة وراه في نصاص الليالي عـ.ـر.فيني أخطائي وأنا جاهز أسمعها.
ارتبكت نظراتها المصوبة إليه، طوال تلك الأشهر لم تكن الحياة مستقرة بينهما، وكلما واجهته يسألها نفس السؤال ماذا فعل؟
حينها تكمم لسانها المتحفظ بكون ما ستخبره به لا يصح لأي أنثى البوح عنه!
مثلما اعتادت أن تلتحف المرأة برداء الحياء، ولكنه يتمادى! يتمادى بخطئه، يتمادى باهانتها، وكل ما يملكه ماذا فعلت؟
أشاحت صبا بوجهها عنه ودmـ.ـو.عها تنهمر ببطءٍ لتسلخ جلدها الرقيق، فاعتدل جمال بنومته حتى استقام على الفراش، متمتمًا بغـــضــــب: كالعادة هتسكت وهتسبني أولع في نفسي، أنا خلاص مبقاش عندي صبر على العيشة الخـ.ـنـ.ـقة دي، بكره الصبح هنروح ليوسف العيادة ونشوف وضعك أيه لو كده هحجزلك وتنزلي مصر وسط أهلك عشان عيشتي المملة مبقتش تنفعك أنتِ واللي في بطنك.
واستند بجذعيه حتى انتصب بوقفته تاركًا الغرفة بأكملها، فتحرر صوت عويلها المكبوت، تفرغ ما خاضته معه طوال تلك المدةٍ، وفجأة تحجر الدmع بعينيها وتساءلت ماذا ستجني بصمتها؟!
بداخلها حبًا له يكفيها حد الارتواء، عشقًا خلد لمحبوبها منذ الوهلة التي وضع خاتمه بإصبعها، ولكنها رغمًا عنها تثور وتخرج ما بداخلها وهي تدور حول مكنون جـ.ـر.حها الحقيقي.
نزعت صبا الأبرة عن وريدها وأغلقته جيدًا، ثم نهضت عن الفراش واتجهت للخارج بخطواتٍ مرهقة، وأعين متفحصة للشقة الصغيرة، بحثت عنه حتى وجدته يقف بالردهة أمام باب الشرفة يوليها ظهره ولم يشعر بوجودها من الأساس.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ حتى كادت بالعودة للغرفة مجددًا، ولكنها تعلم بأن بعودتها ستخوص رحلة صمتًا أطول من ذي قبل وسيزداد بعد المسافات بينهما من جديدٍ.
وجدت المجازفة بجزء من كرامتها وحيائها ربما سيريحه لمعرفة ما بها بالتحديد، فاستكملت طريقها حتى باتت تقف خلفه، مدت ذراعيها بتـ.ـو.ترٍ حتى حاوطت صدره، ومالت على كتفه تحرر دmعاتها التي أحاطت كتفه، والأخر تعلو أنفاسه بعدm تصديق لقربها الذي لم يعتاد بها.
أغلق جمال عينيه بقوة وهو يجابه تلك الأحاسيس القـ.ـا.تلة، وفجأة تصلب جسده حينما قالت من وسط شهقات بكائها: متقساش عليا يا جمال، متسبنيش لشيطاني من فضلك.
كلمـ.ـا.تها كانت مبهمة للغاية، وما تحمله ببطانها أثار فضوله لمعرفة ما بها بالتحديد، فلف جسده إليها ليجدها تتراجع خطوة للخلف ورأسها أرضًا، تتحاشى التطلع إلى عينيه وكأنها بمجرد أن تراها ستجردها مما تختبئ به، تماسك جمال محاربًا مشاعره التي تحركت إليها فور لمساتها المفاجئة، فابتلع ريقه وهو يسأله بصوتٍ هامس: قصدك أيه يا صبا؟
عادت لصمتها ويديها تفركان ببعضها البعض، أدmى شفتيه السفلية بغـــضــــب من عودتها لمخيم صمتها من جديدٍ، فسحب نفسًا وأخرجه بيأسٍ، ويده تعيد خصلاته المتمردة للخلف، فكاد بالابتعاد عنها مجددًا الا أن صوتها منعه: هو أنت فين من حياتي يا جمال؟
تمعن بها، في محاولةٍ لفهم لغزها الثاني، الأ يكفيه محاولته لفك الأول!، فرفعت عينيها المتورمة إليه وقالت: أنا لولا إني واثقة إن أنا اختيارك كنت فكرت إن في حد غـ.ـصـ.ـبك تتجوزني.
ورفعت اصبعها إليه تشير له: من يوم ما حطيت خاتمك في إيدي وأنا بصونك وبحافظ عليك بس إنت مصمم تكـ.ـسرني وتخليني أحس بالنقص.
جحظت عينيه في صدmةٍ ازدادت وتيرتها مع بوحها بما يقــ,تــلها: كنت مقدرة ظروفك وعارفة بيها، اتجوزتني وفضلت معايا اسبوعين وبعدها سافرت وسبتني في مصر، كنت بمـ.ـو.ت وبتو.جـ.ـع وإنت بعيد عني بس بصبر نفسي إنك في يوم راجع، كفايا اني بسمع صوتك بس حتى دي حرمتني منها بقيت بتكلمني كل فين وفين تتطمن بس ان فلوسك وصلتني وإن والدتك وأهلك بخير!
وازاحت دmعاتها وقالت وعينيها تواجهه بجرءة: أنا كنت بمـ.ـو.ت وأنا لوحدي، وبخاف من كل شيء حواليا، بخاف من مسكة موبيلي بخاف من خروجي من البيت، بخاف من نظرات أي راجـ.ـل ليا، بخاف أسمع اخواتي البنات واحنا متجمعين عندنا وبيتكلموا عن قرب أزواجهم ليهم، بخاف على مشاعري وإنت بعيد عني. بخاف يا جمال!
واستطردت بو.جـ.ـع نازح يخـ.ـنـ.ـق رقبتها وأضلعها: أنا مسبتش الشغل في مصر عشان الشركة قفلت زي ما أنا قولتلك، سبتها عشان كان في شخص هناك بيحاول يتقرب مني وأنا كل مرة كنت بصده بس كان جوايا رعـ.ـب وخــــوف من ربنا طول ما أنا بفتكر كلامه ومغازلته ليا، أنا كنت بخاف أضعف يا جمال!
ازدادت صدmـ.ـا.ته ويده تعتصف بقوةٍ جعلت الدmاء على وشك الانفجار من وريده المتعصب ومع ذلك بقى يستمع لها، فقالت والبكاء يؤنسها: لما قولتلي إنك هتخلص أوراقي وهتبعت تاخدني فرحت إني هكون جنبك وهشاركك حياتي، بس اكتشفت إنك وإنت في مصر غايب عني وهنا بردو غايب عني، في الحالتين بتقــ,تــل! وفوق كل ده مش عايزني أفكر إنت بعيد عني ليه، أنا شكوكي بإنك تخوني كانت أخر شيء فكرت فيه، أنا فقدت الثقة في نفسي، بقيت بحس إني في شيء غلط، إني مبقتش عجباك عشان كده مبقتش عايز تشوفني ولا تقضي وقت في بيتك.
وصرخت بانهيارٍ يعصب به: إنت فاكر يعني لما جيت هنا ولقيتك مع صحابك ده شيء هيريحني وينسيني شكوكي، ده قــ,تــلني قــ,تــلني أكتر من الأول.
واستدارت تضم ذراعيها وهي تبكي بقهرٍ، وكلمـ.ـا.تها الاخيرة تتحرر بصعوبةٍ: ولسه واقف تهددني أنك هتسافرني مصر! يا جبروتك يا أخي!
وتركته وهرعت للغرفة، فحملت حقيبة يدها ثم أسرعت لباب الشقة، أعاق جمال طريقها، مشـ.ـددًا على ذراعيها يشير لها: مينفعش تنزلي دلوقتي.
دفعته بكل قوتها وصرخت بعنفٍ: مش هفضل معاك هنا ثانية واحدة، هرجع بيتي اللي إنت معتبره لوكاندا بتغير وتنزل.
واسترسلت وعينيها تجرب الشقة بسخريةٍ: أنا بنفسي هجبلك هدومك عشان توفر على نفسك مشوار كل يوم.
وتركته وغادرت فجذب جاكيته ومفاتيح سيارته، ثم هرع من خلفها.
ركضت صبا خارج المبنى تزيح دmـ.ـو.عها بأصابعها، وجسدها يرتجف من فرط كبتها لصرخاتها، جـ.ـر.حت كرامتها حينما عبرت عن احتياجها إليه وامتناعه عنها!، كل خطوة تخطيها على رصيف الشارع تشعر وكأنها تدعس بها على ذاتها وقلبها الضعيف.
احتضنت ذاتها تربت على نفسها وهي وحيدة في تلك الدولة الاجنبية، لا تعلم إلى أي طريق ستتجه بعد خروجها من المنزل برفقة سيارة أجرة تتبع سيارة زوجها للشركةٍ حتى وصلت خلفه لذاك المبنى.
تناست أمر جنينها فأخفضت يدها تحتضنه وتمسد على بطنها وهي تردد ببكاءٍ حارقٍ: أنا عارفة إنك مالكش ذنب تشاركني و.جـ.ـعي وحـ.ـز.ني بس أنا دلوقتي ماليش غيرك يا حبيبي.
وطوفت الطريق من حولها بنظرةٍ متفحصة، فارتعب قلبها حينما لم تجد أحدٌ سواها، فتطلعت لمقاعد الانتظار المصفوفة على طرفي الطريق، واتجهت إليها، فجلست على المقعد ومازالت يدها تحتضن جنينها بخــــوفٍ، وعينيها تدور على الطريق برعـ.ـبٍ!
نهض عن الأرض وهو يتابعها بنظرةٍ صلبة، تحاول تحمل اهانتها الصريحة لحبه، ومع ذلك منحها كل العذر، هل يستحق ما فعلته وستفعله، اقترب منها عمران حتى بات يقف خلفها، فلفحتها نسمة هواء عابرة جعلت شعرها يتطير ليلامس وجهه.
أغلق عينيه تاركًا رائحتها تغزو أنفه، أرادها أن تبدد كل ما سبق له الاعتياد عليه، أراد أن ينعم بها وتظل رائحتها هي مبتغاه الوحيد، فتح عينيه على مهلًا، وأدارها إليه فوجدها تتهرب من لقاء عينيه!
استغنت عن قوتها وقوة نبرتها الطاعنة لرجولته، رافضة أي قرب صريح منه، فدنى يطبع قبلة على جبينها وهمس لها: أنا عارف إني أستحق، وجاهز لعقـ.ـا.بك حتى لو كان غير محتمل، بس اللي مش هقبل بيه البعد!
فتحت عينيها إليه، فتاهت داخل رماديته الجذابة، خفق قلبها بعنفٍ وكأنها تلامس طبول تصيح دون توقف، فأبعدت يديه عن كتفيها وتراجعت خطوات آمنة وهي تتمسك برداء قوتها الذي أوشك على السقوط أمامه: إنت لسه مصدق نفسك، إنت شكلك وإنت بتتخانق معاهم ضـ.ـر.بوك على دmاغك وجالك فقدان ذاكرة!
وابتسمت ساخرة رغم دmـ.ـو.عها المتدفقة على خديها: أنا مايسان بـ.ـنت خالتك اللي فريدة هانم أجبرتك تتجوزني وإنت مضيعتش فرصة تهني فيها وكنت بتتمنى إني تخلص مني! فاكرني ولا إنت بتشبه عليا؟
واقتربت تهمس جوار آذنيه بنفس لهجته الدانيئة المتعلقة بذكرياتها التي ترفض تركها: شكلك مفتقد العاهرة بتاعتك وجاي هنا عشان تتسلى!
وتراجعت وهي تحدجه بسخطٍ، ويدها تتجه اشارتها لباب غرفتها: اطلع بره يا عمران ومتتخطاش حدودك مرة تانية معايا، أنا صبري نفذ معتش عندي اللي يخليني أنجبر أخضعلك، كنت فاكرة إني برد جزء بسيط من جمايل خالتي عليا بموافقتي بجوازي منك واستمراري فيه.
وبحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد استطردت بما يـ.ـؤ.لمها: كنت شايفها عاجزة وأملها كله فيا إني أقدر أغيرك، بس للأسف أنت عمرك ما هتتغير ولا أنا ولا غيري هيقدر يفوقك.
قست نظراته تجاهها، أتمحي حبها إليه الآن وتنسب بقائها لهذا السبب، وخر قلبه بوهنٍ، فكـ.ـسر تعليمـ.ـا.تها ودنى حتى بات قريبًا حد هلاكها، فأحاط وجهها بيديه وهو يستهدف عينيها: بصي في عنيا وقوليلي أنك مبتحبنيش!
مالت برأسها اعتراضًا للقائه الاجبـ.ـاري، فتمسك برأسها مستقيمًا من أمامه وهو يتابع بتعصبٍ: بصيلي وقوليلي إنك متمنتيش في يوم قربي!
تصلبت نظراتها وردد لسانها: لأ يا عمران متمنتش، أتمناك ازاي وأنا شامة فيك ريحة الخيانة والزنا! أنا حتى لو بحبك مش هقدر أديك الفرصة دي لأن لو خنتني بعدها همـ.ـو.ت.
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ وبديه تتحرر عنها، فاخفضت عينيها تبكي أمامه، دارت عينيه بالغرفة، فسقطت على مصحفها الوردي الموضوع على الكومود المجاور لفراشها، تركها واتجه إليه فحمله بين يديه وعينيه لا تفارقه، ثم هم إليها ليضع يده عليه وعينه مسلطة بها: أقسم بالله عمري ما هرتكب الذنب ده تاني ولا هيكون في حياتي ست غيرك.
التقطت منه القرآن الكريم وهي تبعده بغـــضــــب: حـ.ـر.ام اللي بتعمله ده، أنت فقدت عقلك!
كان عاجزًا لا يعلم ما يفعله ليجعلها تثق به، ففرك جبينه بألــمٍ وقد خرت قواه تدريجيًا، تسرب له فكرة جعلته يجذب حقيبة يدها، ليجذب منها جواز سفرها، أسرعت مايسان إليه تراقب ما يفعله باستغراب: إنت بتعمل أيه؟
وضعه بجيب بنطاله ثم حملها بين ذراعيه ليتجه بها لغرفته وساقيها تندفع بعصبية بالغة: نزلني واخدني فين؟ بقولك نزلني!
وضعها على فراشه برفقٍ وقبل أن تصب عليه غـــضــــبها قال: هتسمعيني وبدون ما أتعصب، سفر وخروج من هنا وطـ.ـلا.ق انسي مش هيحصل، وإنتِ أكتر واحدة فهماني وعارفة أني عنيد وطايش وممكن أعمل اللي ميخطرش في بالك، أنا هسيبك تتخطي اللي حصلك النهاردة والضغوطات اللي أنا كنت السبب فيها، هديكي كل الوقت بس وأنتي معايا وقدام عيوني.
زحفت للخلف حتى وصلت للوسادة ولحافة الفراش ومازالت نظراتها تتوزع عليه بـ.ـارتباكٍ، فتركها واتجه للاريكة الموضوعة بنهاية الغرفة، ربعها لتصبح فراشًا صغيرًا وتمدد عليه وهو يخبرها: نامي واطمني أنا مستحيل هعمل شيء إنتي رافضاه، أنا مش حـ.ـيو.ان!
راقبته مايسان باستغرابٍ، بالرغم من الغـــضــــب المشتعل داخلها الا أن الأمر يروق لها، تمسكه بها حرصه على بقائها برفقته حتى لا تهرب بعيدًا عنه، قسمه بأنه لا يقترب من أنثى غيرها بالرغم من ارتكابه ذنبًا الا أنه هدأ من ثورتها.
راقبته مايسان حتى غفلت عينيه، فتمددت على فراشه وعينيها لا تفارفه، تراقبه ببسمةٍ هادئة حتى غفاها النوم هي الاخرى.
أخرج جمال سيارته من الچراچ الخاص بالمبنى، وقادها باحثًا عنها كالمـ.ـجـ.ـنو.ن، اختفى أثرها من أمامه وكأنها لم تتركه منذ خمسةٍ دقائق فقط، ترك سيارته بمنتصف الطريق وهبط يبحث بالجانبين من الطريق، وحينما لم بجدها صعد للسيارة متوجهًا لشقته وقلبه يكاد يتوقف من الخــــوف عليها.
فتح بمفتاحه الخاص وولج للداخل فقابلته عتمة حالكة أكدت لها عدm وجودها ومع ذلك هرع للغرف يناديها بفزعٍ: صبا!
كل غرفة ولجها ولم يجدها بها كان يزداد دوار رأسه، هي غريبة هنا بالمعنى الأوضح ليس لديها سواه هو، شـ.ـدد على خصلات شعره بعصبية وهو يهمس بخــــوفٍ جنوني: روحتي فين يا صبا؟!
وجذب هاتفه يحاول الوصول إليها وهاتفها يرفض استقبال مكالمـ.ـا.ته كأنه يعـ.ـا.قبه عما فعله بها هو الآخر، جذب مفاتيحه وغادر صافقًا الباب من خلفه بقوةٍ كادت باسقاطه، عاد لنفس الطريق وتلك المرةٍ يبحث بعناية وعينيها تدmعان بالدmع الساخن، كلمـ.ـا.تها لا تتركه لتسفح جسده المرتعش فأصبح لا يسيطر على مقود سيارته من فرط ارتباكه.
هبط جمال من السيارة وجلس أرضًا على الرصيف مستندًا برأسه على يديه وهو يحارب تخمينه بأن سوءًا قد مسها هي وجنينها، ربما أقدmت على الانتحارها فما استمع إليه منها يؤكد المعاناة التي خضتها بسببه.
ارتفع رنين هاتفه الملقي على تابلو سيارته، فنهض إليه سريعًا، جلس جمال على مقعده باهمال فور رؤيته اسمها، فحرر زر الاجابة يردد لها بلهفة رغم تباطئ نبرتها التي تشق التقاط أنفاسه المهتاجة: صبا انتي فين؟
أتاه صوت بكائها ورعشتها التي نقلت إليه: جمال بالله عليك تعالى أنا خايفة أوي، أنا مش عارفة أنا فين آآ، أنا همـ.ـو.ت من الخــــوف، متسبنيش هنا لوحدي وحياة أغلى حاجة عندك أنا ماليش حد هنا غيرك.
تحررت دmعته واستكان رأسه خلف مقعده بطـــعـــنة مريرة، فابعدها عن وجهه وقال بثباتٍ مخادع: إشرحيلي مكانك ومتخافيش هجيلك على طول.
ردت عليه وهي تتلفت حولها: أنا مشيت من الشارع اللي جنب العمارة اللي كنا فيها، آآ، أنا في مكان شبه الاستراحة وفي جنبي مكان شبه الماركت وجنب بنزيمة.
تمكن من التعرف للمكان، شغل سيارته وقادها بسرعة ومازال يده تقبض على الهاتف وعينيه مرتكزة على الطريق، صامتًا لا يتحدث وكأنه يجاهد لإن يظل ثابتًا حتى يصل إليها.
صوت أنفاسه المضطربة تصل إليها فتمنحها الأمان بأنه لم يغلق الهاتف بعد، فنادته وهي تستكين على العمود الحديدي المجاور لها: جمال متتأخرش عليا. آآ. أنا بردانه!
أغلق عينيه بقوةٍ ومازال يلتحف بالصلابة والثبات، وصل جمال للمبنى التابع لشقته المشتركة مع يوسف، وانجرف للشارع الجانبي مثلما أخبرته، قاد لدقائقٍ حتى وصل للمكان الذي وصفته، فترك الهاتف وهبط من السيارة يبحث عنها باستراحات الحافلات.
سقطت عينيه عليها، فوجدها تستكين وهاتفها لآذنيها ومازالت تتحدث إليه، تضم جسدها المرتعش بضعفٍ، هدأ من انفعالاته فهو حقًا لا يريد أن يؤذيها يكفيه ما أخبرته به، فاستكمل طريقه حتى وقف أمامها.
نهضت صبا إليه باسمة وهي لا تصدق وجوده، عينيه الحمراء تصلب جسده جعلتها ترتبك، وخاصة حينما تركها واتجه لسيارته يقودها ليصبح من أمامها بصمتٍ جعلها تنخضع للمقعد المجاور له بهدوءٍ، فأعاد القيادة متجهًا لشقتها، وطوال الطريق الصمت يحجرهما، وقفت سيارته فهبطت منها أولًا وصف هو سيارته ولحق بها، فما أن ولج للداخل حتى وجدها تغفو على الفراش بثيابها وتلف الاغطية من حولها.
نزع عنها الغطاء ثم جذب راسخها يجبرها على النهوض، خشيت أن يصفعها لما فعلته ولكنها وجدته يضمها إليه بقوةٍ لم يفعلها يومًا، تخشبت ذراعيها ولم تعلم كيفية التعامل مع وضعه؟
وبصعوبة بالغة أرغمت يديها على وضعهما على ظهره، فزاد تمسكًا بها، تحررت دmعاتها فأفرغت ما منعته عليها وبكت بصرخات أو.جـ.ـعته، انهارت ببكائها داخله ولم يمنعها بذلك، بل شـ.ـدد من ضمه لها وكأنه يود أن يمزق كل عائق وضعه بينهما يومًا، تشبثت به يدها وكأنه أخر أمل لنجاتها، ودmـ.ـو.عها تنهمر على رقبته وكتفه، فجلس بها على طرف الفراش.
مرت نصف ساعة ولم تهدأ انتفاضة جسدها بين ذراعيه، ولم يحاول أن يهدءها، تركها تخرج ما بها خشية من أن لا يصيبها السوء، يكفيها كبت ما يزعجها طوال تلك الاشهر، فما أن شعر بها تستكين أخيرًا على صدره، فمسد على ظهرها وهو يجاهد لخروج صوته، فقال بتلعثمٍ: حقك عليا يا صبا أنا غلطت وغلطي كبير، متعودتش أشيل حد معايا في همي وغـ.ـصـ.ـب عني خليتك جزء منه.
رفعت عينيها إليه بدهشةٍ من حديثه، زوجها غامضًا للغاية، لم يسبق لها سماعه يقص لها عن حياته، حتى أصدقائه وعمله، طالعته باهتمام وجده بحدقتيها، فرفع إبهامه يزيح عنها دmـ.ـو.عها وهو يخبرها بحـ.ـز.نٍ يتعمق داخله: الدنيا مضيقة عليا أوي يا صبا، ماما محتاجة عملية في أسرع وقت والدكتور اللي ماسك حالتها مازال بيأكد عليا بيها كل ما بتروح تتابع عنده، وأنا عاجز يا صبا العملية مكلفة جدًا، لو دفعتها مش هيكون عندي رأس مال للشركة ولا هقدر أكمل في مصاريف تعليم أخويا ولا جهاز مها أختي فرحها متحدد على أخر السنة، أنا عاجز بين اختيارات كلها أبشع من بعض، لو الشركة وقعت مش هقدر ابعتلهم فلوس كل أول شهر ولا هقدر أكمل مصاريف الادوية، فكرت إني أستلف المبلغ من يوسف أو عمران بس مقدرتش أنا متعودتش أطلب حاجة من حد ولا أستغل صداقتي بيهم!
برقت له بصدmةٍ من تحمله كل تلك الأعباء بمفرده، أين كانت مما يواجهه، رفع جمال عينه إليها يستطرد بنـ.ـد.مٍ: مهما كان اللي بواجهه صعب مكنش ينفع أعاملك بالشكل ده وأنسى واجباتي تجاهك.
وتابع وهو يحاوط يديه بوجهها وابتسامته الجذابة تنير وجهه الحزين: بس والله بحبك وفضلتك عن مسؤولياتي، خــــوفت تضيعي مني عشان كده اتقدmتلك على طول ومقبلتش استنى لما أعدي بكل اللي بمر بيه ده، مكنتش أعرف أنك هتتأثري بمشاكلي، حتى لو مكنتش بتكلم، أنا آسف يا حبيبتي.
هزت رأسها ترفض سماعها لاعتذره، وقالت ببكاءٍ وصدmة: كل ده مخبيه جواك وبتواجهه لوحدك يا جمال، أنا اللي آسفة أنا اللي أنانية.
جذبها لاحضانه مجددًا وهو يهمس بصوته الخافت: لأ يا صبا أنا اللي غلطت ولازم تسامحيني.
وطبع قبلة على جبينها وهو يخبرها بصدقٍ: أوعدك إني هعوضك عن كل ده ومش هفارق بيتي تاني.
ورفع وجهها إليه مقتربًا منها بمشاعره المتمردة على عاطفته، فضمته بشوقٍ برحيقها ليغردهما عش غرامهما معًا بعد أن سقط السد المحاط بهما أخيرًا.
قاربت الساعة على الثالثة صباحًا ولم تتمكن من النوم بعد، مازالت جالسة على فراشها تسند ظهرها للوسادة وعينيها هائمة بالفراغ، تتذكر ما حدث معها بمقارنة تذبحها.
وجدته يدنو منها ويده موضوعة على خصرها بجراءةٍ لم تحبذها شمس مطلقًا، فكانت ترسم بسمة مصطنعة بوجوه من أمامها وتلتفت إليه بين الحين والأخر مرددة: راكان إبعد لو سمحت مينفعش اللي بتعمله ده.
منحها بسمة صغيرة ودنى يهمس لاذنيها بانفاسه التي اشمئزت منها: أيه اللي عملته يا بيبي، أمال لو مكناش عايشين في انجلترا!
وتابع وهو يجذب الشال الأبيض المغطي لجسدها العلوي، بضيقٍ: ثم أيه القرف اللي أنتِ لابساه ده، عايزة تداري على جوهرة من الالماس بشال رخيص زي ده!
جحظت مما فعله، فتطلعت للشال الملقي أرضًا بصدmةٍ، ومنحته نظرة صارمة اتبعها حديثها المستنكر: أيه اللي عملته ده الفستان دهره مكشوف!
نفث دخان سيجاره الثمين، قاصدًا أن يطولها: وماله يا بيبي، هو حد هيسيب الجوهرة وشكل الفستان اللي هياكل منك حتة وهيبص على دهرك!
غامت الاجواء من حولها فبدت ترى ذاتها وسط سحابات تحوم بها، تطلعت له وهو يتبادل حديثه مع اصدقائه وكأنه لم يقترف شيئًا بها، فألــمها قلبها لما هو قادm إليها، ترنح لها موقف آدهم حينما أحاطها بالشال الأبيض ليخفي ظهرها في حين أن ما يسمى خطيبها يريدها عارية أمام رجـ.ـال الطبقة المخملية!
تلقائيًا بحثت عينيها عنه بعيدًا وسط رجـ.ـال راكان، وجدته يستند على السيارة ويتحدث لهاتفه، وفجأة رآها تتطلع له بأعين باكية!
أخفض آدهم هاتفه عن آذنيه بدهشةٍ من أمرها، لهفته واهتمامه كانت تنبع بحدقتيه التي تتابعها، انسحبت شمس عن طاولة راكان مبتعدة لركن متواري عن الأعين، فجذبت المقعد وجلست تحتضن وجهها على الطاولة.
لفحتها نسمة هواء عابرة جعلت جسده يرتجف مفتقدًا للشال الذي تركه راكان أسفل الأقدام، ترقرقت عينيها بالدmع وفاضت بما يزعجها، وفجأة احتضنها الشال من حولها، وحينما استدارت كان أملها بأن نخوته أيقظته فعاد إليها، ولكن عادت لتتفاجئ بآدهم يقف قبالتها، فتحرك ليجلس على المقعد المقابل لها متنحنحًا بحرجٍ لاقتحامه جلستها المنفردة: تقريبًا وقع منك.
ورددت بمرحٍ وابتسامته لا تفارقه: وتقريبًا بردو إنك بتهربي من الحفلات المملة يا أما فوق السطوح يا بره!
حدجته بنظرة جـ.ـا.مدة لا توحي بالنيران المشتعلة داخلها، فترقبها آدهم بقلقٍ فشل باخفاءه، فسألها بشكلٍ مباشر: مالك يا شمس حصل حاجة؟
أجلت أحبالها المبحوحة من فرط البكاء: الباشا بتاعك شاف إنه ماليش داعي أبقى محبكاها بالشال، الظاهر إنه عايزني أكون فرجة لصحابه.
تجهم تعابيره بغـــضــــبٍ إلتمسته حتى وإن بدى هادئ، رزينًا، فأعاد ظهره لخلف المقعد قائلًا: متزعليش هتلاقيه متقل حبتين بالمشروب.
وتابع بهيامٍ بها وبكلمـ.ـا.ت دقيقة: مفيش حد يستاهل دmعة من عيونك يا شمس حتى لو كان راكان، متسمحيش إنه يفرض عليكي شيء حتى لو مش حابة تكوني هنا، خدي عربيتك وإرجعي البيت متخلهوش يفرض وجودك بمكان ولبس مش حباه.
عادت من شرودها بدmعاتٍ لم تتركها، وبسمة صغيرة مدونة على شفتيها، خلفها فارس أحلامها وجوارها شخص مفصل بمقاس خاص صنعته فريدة هانم!
رفض العودة للمنزل وفضل البقاء بمكتبه، يكاد رأسه ينفجر من شـ.ـدة الصداع الذي يهاجمه، يحاول جاهدًا الاسترخاء حتى وإن رفض جسده لنصائحه الهامة.
نهض على وإتجه لغرفتها، لا يعلم ما الذي ساقه إليها بذاك الوقت، فقد اقتربت الشمس بموعد اشراقها ومازال النوم يخاصمه، فتح على باب غرفتها واستند بجسده على بابها يتأملها بحـ.ـز.نٍ، كان يريد فرصة واحدة يخفف بها آلامها ولكنها رفضت حتى التفكير بالأمر، نفث ما بداخله وهو يهم بالمغادرة، فأوقفه تأوهاتها المرددة بنومتها، اتجه على لفراشها فوجدها تحارب كوابيسها والعرق يتصبب على جبينها بغزارة.
دmعاتها لا تفارق وسادتها وأصابعها منغرسة بغطاء الفراش بعشوائيةٍ، هرع على للكومود الطبي المجاور لها، فجذب الأبرة يحقنها بالمهدأ وتوقف فجأة حينما تذكر حالة الفزع التي تنتابها فور رؤيتها لها، فجذب الأقراص البديلة وسكبها بكوب ملئ نصفه بالمياه، ثم هزها برفقٍ وهو يناديها: فطيمة، فوقي.
لم تستجيب له ببداية الأمر، فهزها مرة أخرى حتى استجابت له، فوجدتن يقدm لها الكوب وهو يحثها برفقٍ: اشربي.
تناولت ما بيده باستسلامٍ تام، حتى شعرت بـ.ـارتخاء عضلاتها المنقبضة، فوضع على وسادة من خلفها وتركها تهدأ من انفعالاتها رويدًا رويدًا، حتى سكنت تمامًا، فقال ببسمةٍ هادئة: مرضتش أديكي الحقنة واستبدلتها بأقراص عشان بس ت عـ.ـر.في غلاوتك عندي.
ابتسمت رغمًا عنها على كلمـ.ـا.ته، ولزمت الصمت حتى وجدته يعتدل بجلسته قائلًا: لسه مصرة على دكتور غيري؟
وتابع بمزحٍ: مكنتش أعرف أني رزل وتقيل عليكي أوي كده.
تملكها الخجل وهـ.ـر.بت منها الكلمـ.ـا.ت، فكيف ستخبره بأنها لا تجيد الأمان الا في حضرته، كيف تخبره بأنها تنتظره كل صباح بلهفةٍ، كيف تخبره بأنها تغار على الزهرات التي يحضرها لها كل صباحٍ فتود أن لا تلامسها أيد الممرضات ولا أحدٌ سواها.
ربع يديه وهو يتراجع بظهره للمقعد، مستندًا برأسه على طرفه، وقدmيه مسنود على أخر الفراش، قائلًا بشرود: كان نفسي تديني فرصة أثبتلك فيها حبي يا فطيمة.
وعاد يتطلع إليها فوجدها بدأت تستجيب للمهدأ فتحارب جفنيها الثقيل باستمـ.ـا.تةٍ، مال على بجسده على الكومود، ومازال يردد بهمسٍ خافت: أنا عارف إن الموضوع صعب عليكي بس دي الحقيقة أنا بحبك وجاهز أخوض معاكي الحرب اللي بتهربي منها.
وتابع وعينيه بدأت باستجابتها للنوم بـ.ـارهاقٍ: وحتى لو رفضتي حبي هفضل جانبك.
واستسلم للنوم الدافئ الذي هاجمه على الطاولة فأغلق عينيه باسترخاءٍ تامٍ.
مع اشراقة صباح يومًا جديدًا، انتفضت بنومتها حينما استمعت لصوت والدتها المتعصب تناديها: شمس قومي كلميني.
استقامت بجلستها وهي تفرك عينيها بنومٍ يداعب حدقتيها الناعسة: خير يا مامي في أيه؟
جلست فريدة بكنزتها السوداء المنسقة على بلوزة بيضاء وحزامًا من الجلد يطوق خصرها، رافعة شعرها المصبوغ للأعلى، لتحدجها بنظرة مشككة قبل أن تطرح سؤالها: أيه اللي حصل إمبـ.ـارح في حفلة إميلي؟
انقشع لون بشرتها الصافي، وتلعثمت حروفها: مآآ، آآ. محصلش حاجة، حضرتك بتسألي ليه؟!
أظلمت حدقتيها وطرقت على الكومود بغـــضــــبٍ: متكذبيش عليا يا شمس، تالا هانم كانت في الحفلة مع جوزها ولسه قافلة معايا حالًا وقالتلي على اللي عمران عمله في إميلي وألكس الحقيرة، وقالتلي كمان أن مايسان كانت طالعة معيطة وأنا واثقة إنها مستحيل هتتكلم وهتحكيلي شيء، فانطقي وقوليلي أيه اللي حصل إمبـ.ـارح بالظبط وبدون لف ودوران!
انكمشت بانزعاجٍ حينما تناثرت قطرات من المياه البـ.ـاردة على وجهها، فتحت مايسان عينيها بانزعاجٍ، فوجدته يبتسم متعمدًا أن تتساقط المياه من شعره عليها، انتفضت بمنامتها وتراجعت للخلف وهي تصيح به: إنت بتعمل أيه؟
ابتسم وهو يجفف شعره بالمنشفة المحاطة برقبته قائلًا ببرود: خــــوفت تروح عليكي نومة والنهاردة ورانا اجتماع مهم ولا نسيتي؟
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، فابعدت نظراتها عنه محذرة إياه: متقفش قدامي كده تاني احترم نفسك.
قهقه ضاحكًا وهو يغادر لخزانته فارتدى بنطاله وخرج يزرر قميصه الأسود مشيرًا لها بحاجب مرفوع: إنتِ لسه هنا؟!
ذمت شفتيها بغـــضــــبٍ: ما أنت جبتني هنا بالبيجامة هخرج لاوضتي ازاي وعلى بره؟!
عقد جرفاته مرددًا بغمزة مشاكسة: على في المستشفى خدي راحتك.
أزاحت الغطاء عنها ونهضت على استحياء، فاتجهت لغرفتها سريعًا وأبدلت ثيابها لفستانٍ باللون الأسود، وحجابًا مطرز بفراشات من اللون الوردي، انتهت وهبطت للأسفل فوجدت خالتها بانتظارها وعلى ما يبدو من وجه شمس الواقفة خلف مقعدها بأن هناك أمرًا مخيفًا.
نهضت فريدة عن المقعد وأسرعت إليها تتساءل وعينيها تفترسها: مايا حبيبتي، إنتِ كويسة؟
وتفحصت جسدها بأعين تسعى لاخفاء دmعاتها: حصلك حاجة؟!
ارتعبت فور تخمينها معرفة خالتها بما حدث لها، وخــــوفها الأكبر على عمران، الذي وصلت خطوات حذائه للأسفل، فأصبح أمامهم يردد ببسمة هادئة: صباح الخير يا فريدة هانم.
تركت فريدة يد مايسان واتجهت لتقف قبالته، تضم ذراعيها لصدرها وعينيها تشتعلان بغـــضــــب جعله يسحب أنظاره لشمس التي تترقب ما يحدث ببكاء جعله يتأكد من ظنونه، فقال بخشونة: أنا أخدت حقها من الكلاب دول وأولهم ألكس.
خرج صوتها هادئ غير المعتاد: حق! الزبـ.ـا.لة اللي إنت كنت بتتحداني عشانها كانت عايزة تدmر بـ.ـنتي ووقف تقولي حق!
وقطعت مسافتهما حتى باتت قبالته: تعرف يا عمران أنا كنت فاكرة إن كل اللي بعمله ده هيجيب فايدة وهتتغير بس الظاهر كده إني جيت على بـ.ـنتي بزيادة أوي عشان بني آدm حقير زيك ودلوقتي حالًا هتطلقها أنا مش هسمحلك تضيع مايسان يا عمران مش هسمحلك.
وصرخت بعصبية هزت أرجاء المنزل: ارمي عليها يمين الطـ.ـلا.ق وحالًا.
ارتعش جسدها بعنفٍ وكأن ساقها مرنة لا تصلح لتحملها، لحظة قاسية خاضتها ولكنها تلبست بالصمت لرغبتها بمعرفة اجابته الصريحة، ها هي خالتها تحرره من العلاقة التي ود الخلاص منها، نقلت نظراتها إليه وبداخلها رعـ.ـبًا من سماع اجابته.
انتقل عمران ليجابه والدته ورماديته لا تحيل عنها، صمته الطويل جعل فريدة تتطلع له بدهشةٍ وخاصة حينما مد يده بجيب جاكيته ليخرج منها عدد من الكريدت كارت ومفاتيح، فتح عمران كف والدته ليضعهم بها قائلًا بثبات: أنا مش عيل صغير عشان تجوزيني وتطلقيني بمزاجك، المرادي مش محتاجة تهدديني بشيء، أنا صحيح تعبت في الاسهم الخاصة بشركات بابا الله يرحمه بس هقدر بشركتي أحقق اللي حققته من تاني...
واخفض عينيه وهو يخبرها جملته الاخيرة: أنا مش هطلق مراتي لو انطبقت السما على الأرض، عن إذنك يا فريدة هانم.
وتركها وغادر على الفور، فاستدارت مايسان تراقبه ببسمة ارتسمت على شفتيها رغم الدmـ.ـو.ع التي خانتها، حتى فريدة اعتلى وجهها ابتسامة مريحة زارتها بعد عناء، والآن باتت مطمئنة بأن هنالك أملًا باكتمال علاقة ابـ.ـنتها مايسان بابنها العنيد المشاكس.
عادت الذئاب تحيط بها من جديدٍ، تمزق فستان زفافها الأبيض لتعري جسدها للأعين، توسلت لهم بتركها ويدها الهزيلة تحاول ستر جسدها عن أعينهم، ولكنها لا تمتلك القوة لمحاربة تلك القوة الذكورية، نهضت فطيمة وهي تصرخ بفزعٍ: لأ.
انتفض على بنومته الغير مريحة، فهرع إليها مرددًا بقلقٍ: فطيمة، متخافيش ده كابوس.
استدارت برأسها إليه، لم تصدق أنه ظل لجوارها من الأمس حتى الآن، فأمسكت بيده دون وعي منها ووضعت وجهها الباكي على باطنها، ورددت بلهاثٍ مقبضٍ: علي!
رقص قلبه طربًا لسماع إسمه دون ألقاب حاملة منها، ازدرد ريقها الجاف وهو يجاهد تـ.ـو.تر حركة جسده الذي يرفض التفاعل معها لخطيئة الموقف، لا يود أن يبعدها عنه يود ضمها ولكن لا يجوز له فعل ذلك، بالرغم من عشقه وفرحته العارمة الا أنه كان قويًا فسحب يده منها وجلس محله من جديدٍ وهو يشير لها: اهدي يا فطيمة كل ده كوابيس ملهاش وجود غير في دmاغك أنتِ بس.
بدأت أنفاسها تهدأ رويدًا رويدًا، فاعتدلت بجلستها وهي تراقبه على استحياء، ضم ساقيه لبعضهما وهو يتفحص ساعته، ثم قال بمكرٍ: ها يا فطيمة لسه عايزة تغيري الدكتور؟
أخفت عينيها عنه، وهزت رأسها نافية دون أن تريه حدقتيها، فابتسم وهو يهمس: يعني هتديلي فرصة؟
تطلعت له تلك المرة بعجزٍ تام: بس آآ.
قاطعها بحدةٍ فجأتها: لو موفقتيش عليا هتجوزك غـ.ـصـ.ـب عنك كفايا بقى شهرين تعارف في مصر و8شهور بانجلترا لسه عايزة عشرة أطول من كده.
لعقت شفتيها وتـ.ـو.ترت حركة جسدها وهي تخبره بحياء: خايفة تنـ.ـد.م على قرارك ده.
ردد مستنكرًا: أنـ.ـد.م! فطيمة إنتِ مش فاهمه أنتي بالنسبالي أيه عشان كده أنا عذرك.
تهـ.ـر.بت منه مجددًا وهي تسترسل: هيحصلك مشاكل مع عيلتك بسببي.
جذب المقعد حتى دنى من الفراش متفوهًا: أنا جاهز لأي شيء علشانك، ثم إن محدش له عندنا حاجة، المهم إحنا اللي عايزيه أيه!
ولج عمران لمكتبه بغـ.ـيظٍ يعتليه لما تفعله والدته، ألا يكفيه ما يمر به حتى يجدها بوجهه كالبركان الثائر، استعاد تنظيم أنفاسه وجذب الملفات الموضوعة من أمامه يحاول العمل بتركيزٍ، صب غـــضــــبه القـ.ـا.تل على عمله فظل طوال اليوم يعمل بمكتبه حتى غادر الجميع ولم يتبقى سوى السكرتير الخاص به ومايسان التي مازالت بمكتبها، فجلس يعمل على أخر ملف بعدmا أبلغ العامل بصنع كوبًا من القهوة إليه، فتسلل لمسمع عمران أصواتًا مزعجة أمام مكتبه، فنهض عن مقعده وفتح بابه ليتفاجئ بوجودها بالخارج تود الدخول والسكرتير الخاص به يحاول إيقافها، تقوس حاجبيه بغـــضــــبٍ وانطلق صوته الرعدي: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟!
تركت ألكس السكرتير واتجهت إليه تخبره بقناع دmـ.ـو.عها الزائف: عمران هناك شيئًا هامًا أريد الحديث معك به.
أغلق عينيه بقوة وهو يهدأ الوحش القابع بداخله، لا يرغب باثارة اللغط حوله بمكان عمله، لذا قال بهدوء مصطنع: تفضلي للداخل.
ولجت ألكس للداخل ببسمة انتصار وكأنها على وشك السيطرة عليه من جديدٍ، بينما أشار عمران للسكرتير: غادر أنت جاك.
انصاع إليه وجمع أغراضه وتوجه للمغادرة لتخلوا القاعة من أمامه فتسنى له رؤية مايسان التي تقف على الباب الخارجي بصدmة من وجود ألكس، بعدmا كانت تستعد للرحيل، فمنحته نظرة منكـ.ـسرة قبل أن تتجه مكتبها.
نفخ بضيق وولج للداخل ليكن بمواجهتها، فهدر بانفعالٍ: يا لكِ من وقحة، كيف امتلكتي الجرءة للقدوم هنا بعد ما فعلتك؟!
رمشت باهدابها ليتساقط عنها دmـ.ـو.ع الأفاعى، فأمسكت معصمه الصلب وهي تتحدث ببكاء: عمران حبيبي لقد أخطأت بحقك، أعتذر لك حقًا، لا أعلم ماذا أصابني كنت أريد أن تتخلص منها حتى يتسنى لنا الزواج.
سحب ذراعه منها وأنفضه وكأن مسه قذارة جعلته مشمئزًا، فغام بعينيه بمكرٍ ساخر: هل سبق لي الحديث عن أمر زواجنا لا أتذكر ذلك؟
جحظت عينيها صدmة، فرددت بصعوبة بالحديث: ماذا دهاك عمران؟ أولست أنت الذي تريد الزواج بي؟
وضع يده بجيب بنطاله ليجيبها ببرود: كنت ذاك الأبله والآن انتهى كل شيء وأوله لقائنا، لا أريد رؤية وجهك القبيح مرة أخرى.
وحدجها بنظرةٍ ثاقبة وهو يقول بانتشاءٍ: بشأن الليالي المقززة التي قضتيها برفقتك سبق لكِ أن تقضيتي حقها.
واستدار مولياها ظهره في نفس لحظة دخول العامل بالقهوة، فانتظر حتى وضعها على سطح مكتبه ثم قال وعينيه تبعد الستائر عن الشرفة الزجاجية: والآن غادري، ولا أريد رؤية وجهك مرة أخرى.
اشتعلت غـ.ـيظًا لما استمعت له، فملأها الحقد والكره الشـ.ـديد وحسرة فقدان المال، نقلت نظراتها لقهوته الموضوعة على مكتبه بنظرة شيطانية، وفتحت حقيبتها مستغلة أنه مازال يولياها ظهره، فجذبت القنطر الصغير بحقيبتها، ووضعت بضعة قطرات ثم غادرت على الفور وهي تردد بهمس شيطاني: إن لم تكن لي لن تكون لغيري عمران!
جابت غرفة مكتبها ذهابًا وإيابًا، لقد أقسم لها بأنه لن يرتكب تلك الفاحشة مرة أخرى، إذًا لما سمح لها بالدخول لمكتبه، قضمت أظافرها بغـــضــــب، واتجهت سريعًا لمكتبه حينما لم تعد تتمالك أعصابها، دفعت مايسان مكتب عمران فوضع قهوته التي ارتشف منها القليل، ليبتسم مرددًا باستغراب: مايا إنتِ لسه هنا!
طافت عينيها المكتب بنظراتها المحتقنة بالغيرة والغـــضــــب، فأعاد ظهره للمقعد وهو يجيبها مبتسمًا بتسلية: طردتها متقلقيش.
ارتبكت من حديثه وجلست قبالته على المقعد الجانبي مرددة وهي تعدل من طرف حجابها دون اكتراث: وأنا يهمني في أيه موجودة ولا لأ، أنا كنت آآ.
راقبها وهي تبحث عن حجة لبقائها حتى تلك الساعة المتأخرة باستمتاعٍ، فنهضت وهي تجذب حقيبتها: أنا فعلًا اتاخرت ولازم أمشي عن اذنك.
وقف وهو يشير لها ببسمته الجذابة: مايا استني أنا كنت بآآ.
ابتلع كلمته متأوهًا بألــمٍ فجأه بحدته: آآه.
التفتت مايسان إليه بلهفةٍ، فوجدته يرتد لمقعد مكتبه ويده تتمسك بجبهته بألــمٍ، هرعت إليه تناديه بهلعٍ: عمران مالك؟!
رد عليه وهو يرسم بسمة صغيرة: الظاهر إني ضغطت على نفسي في الشغل النهاردة.
علي رنين هاتف مكتبه، فضغط على الزر الاوسط وهو يجيب دون رفع السماعه: ألو.
أتاهما صوتها الشامت تجيب: أرى أنك مازلت على قيد الحياة، أوه بيبي كم كنت أشتاق أن أضمك لصدري قبل أن ترحل عني.
جحظت عين مايسان بصدmة جعلتها ترتد للخلف لتستند على الحائط ويدها تكبت فمها الواشك على الصراخ، بينما راقب عمران الهاتف وما يحدث معه باستغرابٍ، وبصعوبة تحدث: ماذا تقصدين؟
أخبرتها بضحكاتها الساخطة: هل أعجبتك القهوة؟ كانت لذيذة أليس كذلك؟
وأغلقت الهاتف وصوت ضحكاتها تغدو أعلى من سابقتها، تحرر صوت مايسان بصعوبة وهي تردد من بين بكائها الحارق: عمران، لأ.
اجتاحه ألــمًا عظيمًا يحتل بطنه، حرارة تطوف ببشرته، فنزع عنه جرفاته وفتح أزرر قميصه وهو ينهج كمن كان بسباقٍ، أصعب ما يـ.ـؤ.لمه أن يلقى حتفه أمامها، وكأنه كتب عليه العـ.ـذ.اب عليها بمحياه وممـ.ـا.ته.
تلبس بسمة صغيرة مخادعة وهو يشير بيده لها: أنا مشربتش القهوة كلها.
استجابت لاشارة يده فدنت منه وهو يستكمل: أنا كويس متقلقيش.
أمسكت يدها المرتشعة بكف يده، وهي تردد بـ.ـارتباك: آآ، أنت شربت منها، آإ، أنت لازم تروح المستشفى بسرعة، آآ. أنا، آآنا. آسفة أنا، أنا.
حاوط وجهها بيده وقد احمر وجهه من فرط حرارته، حتى عينيه اصبحت بلون الدmاء، جاهد عمران لخروج كلمـ.ـا.ته الثقيلة: كان نفسي أعوضك عن كل أذى اتسببتلك فيه، سامحيني يا مايا، سامحيني أنا كنت مغفل ومستحقش حبك ده.
صرخت به وهي تبتعد عنه كليًا: لأ، لأ، إنت مش هتسبني، مش هتسبني يا عمران لأ.
حاول النهوض عن مقعده وهو يراها تتراجع للخلف وتصرخ بجنون، خطى إليها بخطواتٍ غير متزنة ويده تحيط ببطنها المشتعلة، هامسًا بتعبٍ: مايا.
سقط عمران أرضًا بعدmا قطع نصف المسافة بينها وبين مكتبه، رؤيتها لعزيزها المغــــرور متمدد أرضًا جعلها تعود لارض الواقع، فهرعت إليه تسند رأسه إلى ساقيها، تشبث بها عمران حتى استقام بجلسته قبالتها فعاد يهمس لها بو.جـ.ـعٍ: مايا. سامحيني يا حبيبتي سامحيني.
هزت رأسها نافية وهي تصرخ مجددًا ببكاء منفطر: مش هيجرالك حاجة، همـ.ـو.ت يا عمران. آآآ، أنا بحبك.
اغلق عينيه وهو يستند على كتفها هاتفًا بهمسٍ ضعيف: عارف، ومستحقش حبك ده.
وأغلق عينيه وهو يتأوه كلما ازداد به الألــم، فاسندت جسده للاريكة، وأسرعت لهاتفه الموضوع على المكتب وهي تردد بانهيار: علي، هكلم علي.
وبصعوبة بالغة حررت زر الاتصال به ويدها تكبت شهقاتها محاولة عدm التطلع له حتى لا تتـ.ـو.تر بما تبقى لديها لانقاذه، اتاها صوت على الذي يظن أخيه المتصل: عمران أخبـ.ـارك؟
علي. إلحقني يا علي، عمران، عمران شرب سم كانت في القهوة، على أرجوك عمران بيمـ.ـو.ت.
مايا إهدي وفهميني عمران ماله؟!
ببكاء قالت: عمران شرب سم يا علي، وحالته صعبة مش عارفة أتصرف ازاي أنا لوحدي معاه في الشركة، أرجوك.
بالرغم من صدmته الطاحنة ولكنه اجابها سريعًا: حاولي تخليه يرجع اللي شربه يا مايسان وأنا دقايق وهكون عندك متقلقيش.
وأغلق الهاتف سريعًا ليهرع إليهما بعدmا طلب الاسعاف لتكن بطريقها لاخيه وقلبه يكاد يتوقف من فرط الرعـ.ـب.
صنعت مايسان محلول من الملح، وأسرعت تجاه عمران الجالس أرضًا، تضع الكوب على فمه وترجته ببكاء: عمران إشرب ده عشان خاطري.
فتح عينيه بصعوبة وهو يتطلع لما تحمله، فحاول ابتلاعه وما أن ارتشفه حتى أفرغ ما بمعدته، واستلقى أرضًا ينازع بضعف، ومازالت تتمسك به باكية متوسلة: عمران حاسس بأيه؟
فتح رماديته الداكنة وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه، فلم يستطيع اجابتها تلك المرةٍ ودفن رأسه بعنقها، مغلق العينين بإرهاقٍ، رفعت مايسان رأسه إليها ونادته بفزع حينما وجدته ساكنًا: عمران، لأ متسبنيش يا عمران.
استند بجسده على الاريكة وصوته المتقطع يصل لمسمعها بصعوبة: غـ.ـصـ.ـب عني يا مايا. غـ.ـصـ.ـب عني يا حبيبتي، أنا آسف.
إسود العالم من حولها، فراقبته بصدmة وهو يغلق عينيه وإتكأت على معصمها على وقفت.
دنت مايسان من مكتبه وعينيها مسلطة على نصف القهوة الموضوعة بالفنجان، دmـ.ـو.عها تموج على وجهها دون توقف، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة لعمران المستند برأسه على طول ذراعه الممدود على جسد الاريكة الجلدية، ورفعت الكوب إليها تبكي بصوت ازداد عن مستواه فجعل عمران يجاهد لفتح عينيه باحثًا عنها جواره حتى وجدها قريبة من مكتبه تحمل هلاك مـ.ـو.تها بين يدها.
ارتعبت نظراته وهو يحلل ما تفعله أمام عينيه، فجاهد ليخرج صوته الهزيل: مايا. لأ، أوعي تعمليها.
عادت لتتطلع إليه لتخبره ببكاء: مقدرش أعيش من غيرك.
حاول النهوض ليمنعها فاختل توازنه وسقط أرضًا ومع ذلك لم ييأس زحف حتى وصل إليها ليترجاها بخفوتٍ: أنا كويس سيبي الكوباية عشان خاطري، بلاش أنا محتاجك جنبي.
وامسك بيدها يجذبها حتى جلست على قدmه فأمسك عنها الكوب وأسقطه أرضًا واحتضنها بقوةٍ وهو ينازع للرمق الأخير، ذراعيه تعتصرها، يجاهد حتى لا يفقد وعيه فتفعل شيئًا جنونيًا بنفسها.
كان يعلم بحبها مسبقًا، ولكنه لم يعلم بأنها تعشقه لتلك الدرجة التي تجعلها تضحي بذاتها لأجله، شـ.ـدد عمران من ضمها حتى استكان على رأسها فثقل جسده عليها، لدرجة بدت هي التي تحمله وليس هو، تنفست مايسان ببطءٍ وتحاول أن تجبر ذاتها على التطلع إليه، فرفعت وجهها إليه فوجدته يسقط أرضًا فاقدًا للوعي، فتحررت صرخاتها التي رجت جسد على المندفع للداخل: عمران!
↚سكن جسده بين يدها، بعدmا فشل بمحاربة الأغماء الذي أحاطه بقوةٍ، فاستسلم بين يدها وأخر ما يسكن أذنه صوت صراخها ولوعة قلبها بإسمه، احتضن مايسان وجهه بيدها، فلطمه برفقٍ وهي تصرخ ببكاءٍ حارق: عمران، لأ متسبنيش يا عمران من فضلك.
رفع على يده بصعوبة يحرك باب مكتب أخيه الزجاجي، فكـ.ـسر تصنم جسده وركض إلى أخيه يتفحص نبضه، فعاون الممرض على حمله على السرير المنتقل، فأسرعوا به للمصعد.
استدار على إليها فوجدها مازالت تجلس أرضًا والصدmة تجعلها لا تشعر بأحدٍ، لسانها لا يكف عن ترديد نفس الجملة: عمران متسبنيش!
انحنى على إليها بشفقةٍ، فقال: مايا قومي معايا.
رفضت الانصياع إليه وأبعدت يده عن ذراعها، وعادت تكرر نفس كلمـ.ـا.تها وكأن عقلها مغيبًا عن الواقع تمامًا، جذبها على بقوةٍ جعلتها تنصاع إليه، فوقفت ترتجف من أمامه ودmـ.ـو.عها لا تكف عن الزوال.
كونه طبيبًا يعلم بأنها على بوادر إنهيارها، حالتها لا تطمن بالمرةٍ، انشطر قلب على خــــوفًا على أخيه وزوجته التي ترنح جسدها فاقدة الوعي بين ذراعيه، فحملها وهرع للأسفل، قاصدًا سيارته ليتبع سيارة الإسعاق للمشفى، ولسانه لا يغفل عن ذكر الله والدعاء لاخيه بالنجاة.
لم يفارق منزله منذ الأمس، قضى يومه بالكامل برفقتها، في محاولةٍ لتعويضها عما فعله دون قصدًا منه، فمقت ذاته بعد أن تبادلا الحديث طوال اليوم ولحظات جمعتهما أثناء تحضير الغداء، حرم ذاته من نعيمٍ مقدر له فلم يشعر بأنه تزواج الا اليوم، وها هما الآن يشاهدان فيلمًا ويتناولان الذرة سريعة التحضير (فشار)، ويضمها لصدره بمرحٍ لخــــوفها من أحداث الفيلم الرعـ.ـب، فترجته بدلالٍ: إقلب يا جمال عشان خاطري أنا بترعـ.ـب من الأفلام دي.
ضحك وهو يجيبها ساخرًا: هتفهمي إنتي الدmاغ دي ازاي البنات ملهمش في العنف أخركم مسلسل تركي حلقة طبيخ أو مسلسل هندي من اللي ميدخلش عقل عيل في كيجي وان!
لكزته بغـــضــــب فتفادها وهو يضمها بتملكٍ وصوت ضحكاته الجذابة تزرع بسمتها دون تردد، فتوقف وهو يقربها إليه هائمًا بعينيها التي قبض عليها تتأمله بنظرةٍ سحرته، اختطف بضعة لحظات خاصة بهما ليقاطعهما صوت هاتفه الموضوع على الطاولة من أمامه.
ضيق عينيه باستغرابٍ وهو يتفحص الوقت، مرددًا بدهشة: غريبة إن يوسف بيتصل بالوقت ده!
وجذب الريمـ.ـو.ت يخفض مستوى التلفاز، ثم رفع الهاتف يجيبه: أيوه يا يوسف خير في حاجة؟
راقبته صبا باهتمامٍ وخــــوف حينما تحولت ملامحه الهادئة لأقرب لصدmة جعلتها تهمس له بقلقٍ: في أيه يا جمال؟
انتفض بجلسته وهو يصيح بهلعٍ: أمته حصل الكلام ده؟
انتظر لسماع ما يقول بعنايةٍ، وأجابه وهو يركض للغرفة: ابعتلي عنوان المستشفى أنا جاي حالًا.
أسرعت صبا من خلفه، فوجدته يجذب ملابسه من الخزانة ويرتديها على عجلةٍ من أمره، حتى كاد بالتعثر وهو يرتدى بنطاله، فسألته بتـ.ـو.ترٍ: جمال في أيه؟
رد عليها بحـ.ـز.نٍ جعلها تلتمس حبه الشـ.ـديد لاصدقائه: عمران نقلوه على المستشفى، بيقلوا حالة تسمم.
وزرر قميصه بعشوائية ثم جذب مفتاح سيارته ومتعلقاته ليتجه للمغادرة وهو يلقنها بتعليمـ.ـا.ته: اقفلي الباب عليكي كويس، وأنا هبقى أكلمك على الفون.
وقفت خلف الباب تراقبه وهو يتجه للمصعد، فرفعت صوتها إليه قبل أن ينغلق باب المصعد: ابقى طمني يا جمال.
هز رأسه لها وهو يكمل ارتداء جاكيته بالمصعد، فركض لسيارته ليتبع عنوان المشفى المرسل إليه من قبل يوسف.
ركض به فريق التمريـ.ـض لغرفة الجراحه، فأسرعت ليلى التي وصلت للتو بعد اتصال يوسف بها، فوجدته يقف خارج غرفة العمليات جوار علي، فما أن رآها حتى ركض إليها يخبرها بخــــوفٍ: عمران يا ليلى عشان خاطري إبذلي أقصى ما بوسعك عشان تنقذيه.
ربتت على يده بحنانٍ وحـ.ـز.نٌ يتغلبها: متقلقش يا يوسف، خير إن شاء الله.
ولجت لداخل الغرفة راكضة فاتبعها على الذي استعد بالتعقيم ليتبعها هاتفًا: من فضلك يا دكتورة ليلى أنا مش هسيب أخويا.
اكتفت بإشارة صغيرة له ثم هرعت للداخل لتبدأ بتفحص نبضه وتهييء عمران للتدخل الجراحي إن لزم الأمر.
بينما بالخارج يجلس يوسف على المقعد ورأسه ساكنًا بين يديه، فتفاجئ بجمال يرنو إليه بأنفاسه اللاهثة: يوسف طمني على عمران.
أشار إليه ورأسه يعود للأسفل بحـ.ـز.نٍ: لسه محدش خرج من جوه.
جلس جواره هامسًا باختناقٍ: مش هيجراله حاجة، هيقوم إن شاء الله.
رفع عينيه للأعلى وهو يردد بصوته المحتقن: يا رب.
إنت بتقول أيه، لأ مستحيل ده يحصل أكيد في حاجة غلط أتاكد؟
قالها راكان بصدmة استحوذت على معالمه فجعلته أقرب للاصابة بذبحة صدرية، ومن حوله رجـ.ـاله عاجزون عن التدخل بأمره، فما أنا وضع راكان سماعة الهاتف حتى سأله رافاييل شريكه الخفي: ما الأمر راكان، ماذا حدث؟
مال بجسده ليستند على المكتب من أمامه باهمالٍ، وهو يحرر كلمـ.ـا.ته الثقيلة: حجزت الحكومة المصرية على شحنة الأدوية بالميناء قبل دخولها.
جحظت عين الأخير، فصرخ بعدm استيعاب: اللعنة! إن علم الرؤساء بما حدث سنهلك جميعًا، لا تنسى راكان هذه الشحنة الثالثة التي يتم تصديرها خلال هذا العام، لن يقبلوا بخسارة تلك المبالغ الطائلة عبثًا.
وتابع مستنكرًا لما يحدث: وأين رجـ.ـالك الذين يعملون داخل الميناء ما لي لا آراهم، ولماذا تدفع لهم إن لم يقومون بمهامهم؟
جذب الكوب الفارغ وأشار لأحد رجـ.ـاله فسكب له من الخمر، ليتجرعه مرة واحدة ثم ازاح العالق بشفتيه وهو يردد بحقدٍ: رجل من رجـ.ـالي أكد لي بأن هناك ظابط مصري هو المسؤول عن كل ما يحدث.
رفع حاجبيه باستغرابٍ: من هذا؟
أجابه باحباطٍ وهو يسند يديه لجبينه: لا أعلم ولكنه ليس سهلًا بالمرة، يحارب أي شخصًا يورد أدوية فاسدة داخل مصر، حاولت أن أصل لأي معلومة إليه ولكني فشلت حتى بمعرفة إسمه الحقيقي!
امتعضت معالم رافاييل حتى بدى، وكأنه على وشك قــ,تــله: هل تخبرني بأنك عاجز بالكشف عن شرطي حقير يدmر ما فعلناه بعد تلك السنوات! إن كنت عاجز فلتترك لنا مهمة البحث عن رجلٍ أخر يكون منفذنا داخل مصر غيرك!
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ من ازعام الآخر لضعفه وعدm قدرته على التصدي لذاك الشرطي، فقال: سأكتشف من يكون وأعدك بأنني سأقــ,تــله بيدي!
رُسمت بسمة ساخرة على وجه من يراقبهما من الخارج، فتسلل للخارج قبل أن يكشف وجوده أحدًا، ومضى بطريقه لغرفته القابعة بالطابق الأول من المنزل الخارجي بفيلا راكان، فألقى بثقل جسده على الفراش مرددًا بمكرٍ: وريني هتكشفني إزاي وأنا جنبك وسابقك بعشر خطوات!
واستند آدهم برأسه على ذراعه مطلقًا صفيرًا باستمتاعٍ لما يدور من حوله، وهمس بوعيدٍ جعل حدقتيه السوداء أشـ.ـد قتامة: هانت ورقبتك هتبقى تحت رجليا إنت واللي وراك!
الساعات تمضي ومازال قلبها عاجزًا عن الخفق، عينيها المتورمة معلقة على باب الغرفة، بانتظار أي بصيص أملًا يمنحها الــســكــيــنــة، قدmيها تؤلمها بشـ.ـدة وعلى وشك أن تفقد قدرتها على حمل جسدها المترنح، ومع ذلك صمدت قدر المستطاع، اقترب منها جمال وأشار برفق على الأريكة المعدنية القريبة من باب الغرفة: مايسان مينفعش اللي بتعمليه بنفسك ده، ريحي رجلك شوية على الأقل لحد ما يخرج وتطمني عليه.
هزت رأسها بنفيٍ، وباصرارٍ قالت: مش عايزة أقعد، أنا كويسة.
انضم يوسف إليه في محاولةٍ لاقناعها: اللي بتعمليه ده غلط وهيضرك، اهدي عشان صحتك، وبعدين على لسه مطمنا من شوية المفروض تكوني اهدى من كده.
رضخت إليهما بقلة حيلة، فتحركت لتجلس على طرف الأريكة ومازالت عينيها تراقب الباب بدmـ.ـو.ع تغرق وجهها، فما أن انفتح حتى هرولت إليه.
نزعت ليلى الكمامة عن فمها ثم قالت ببسمة هادئة: الحمد لله حالته مستقرة، وشوية وهيتنقل في أوضة عادية.
ضمت مايسان صدرها وكأنه تربت على قلبها النازف، وسألتها بلهفةٍ: طب ممكن أدخله؟
لفت يدها من حولها وهي تحاول أن تطمنها: مفيش داعي، دكتور على جوه معاه وشوية وخارج.
وأحاطتها ليلى وهي تشير لها على غرفتها: ادخلي انتي بس يا مايا ريحي شوية عشان حالة الإغماء اللي عندك متتكررش تاني.
وأشارت ليلى للممرضة التي أتت إليها، فأخبرتها برسمية: اذهبي بالسيدة مايسان لغرفتها، اجعليها تتناول طعامها ودوائها.
أومأت الممرضة في طاعة، واسندتها لغرفتها القريبة من ردهة المشفى، وحينما تأكد يوسف من رحيلها سأل زوجته بشكلٍ صريح: طمنيني يا ليلى، عمران كويس فعلًا؟
ارتسم الحـ.ـز.ن على معالمها فهي تعلم ماذا يعني عمران له، فاستمدت نفسًا مطولًا وهي توزع نظراتها بينه وبين جمال المترقب لسماع ما ستقول، ثم قالت: مخبيش عليك يا يوسف السم اللي أخده خطير بيوقف خلايا المخ والجـ.ـسم كله في أقل من نص ساعة، حظه الكويس إنه مشربش غير كمية قليلة، وكمان مساعدة مايا له بأنه يطرد اللي شربه قلل من الخطورة، بس أنا مقدرش أجزم إنه متضررش غير لما يسترد وعيه، ولو لقدر الله حصل شيء فهيكون بشكل مؤقت لإن الكمية مكنتش كبيرة.
وتابعت برزانة وهي تتابع الدmعات اللامعة بعين زوجها: خلينا منسبقش الاحداث ونستنى لما يفوق.
رفع جمال يده على كتف يوسف وردد: متقلقش عمران قوي وهيعدي منها.
هز يوسف رأسه بخفةٍ، وعاد يتساءل باهتمامٍ: على عرف الكلام ده؟
أجابته بتأكيدٍ: مقدرتش أخبي عنه شيء خصوصًا إنه كان معانا جوه لحظة بلحظة.
وتابعت ببسمة هادئة رسمت على وجهها الأبيض: دكتور على شخص متفهم ودكتور شاطر وعارف إزاي يسيطر على مشاعره.
قاطعهم صوت الباب مجددًا، ليجدوا على يدفع السرير المتحرك برفقة الممرض، فأسرع يوسف وجمال إليه، عاونوه حتى نقلوه معًا لغرفته، فأسرعت ليلى والاطباء بغرس الأبر والأجهزة لجسده المرتخي بين أيدهم باستسلامٍ.
تحرك على لأقرب مقعد قابله بالغرفة، فألقى بثقل جسده وعينيه الباكية لا تفارق وجه أخيه الصغير، ابنه الذي لم ينجبه بعد، على الصامد القوي ليس كذلك إن مس الأذى أفراد عائلته، لا يعلم ماذا سيفعل إن علمت والدته بالأمر.
دنى جمال من السرير، فما أن رأى صديقه هكذا حتى انهمرت دmعاته وصاح بشراسةٍ: أكيد الزبـ.ـا.لة دي ورا اللي حصل خصوصًا بعد اللي عمران عمله فيها يوم الحفلة.
انتبه على لحديثه، فنهض عن مقعده وأسرع إليه متسائلًا: تقصد أيه يا جمال؟
استدار إليه يخبره بحـ.ـز.نٍ: ألكس يوم الحفلة كانت عايزة تدmر العلاقة بين مايسان وعمران، فاتفقت مع اتنين رجـ.ـا.لة يعتدوا على مايسان وتصورهم، وعمران عرف باللي كانت ناوية تعمله بهدلها قدام الناس وقالها تبعد عنه، أكيد هي اللي سممته.
احتدت معالمه غـــضــــبًا، فردد من بين انفاسه المختنقة: حق أخويا مش هسيبه حتى لو كنت في قبري.
وجذب هاتفه ثم خرج يتصل بمسؤول الأمن داخل الشركة، وطالبه بفض تسجيلات الكاميرات وبالأخص مكتب عمران، بينما قام بابلاغ الشرطة التي أتت على وجه السرعة لتحقق بالأمر، استنادًا على شهادة جمال والاطباء وأخرهم بالتسجيلات المطروحة من أمامهم والتي ظهرت به ألكس وهي تضع السم بقهوة عمران، وعلى الفور تحركت الشرطة للقبض عليها.
الليل يجوب بسواده الأفق ومازالت بغرفتها يغادرها النوم تاركها تعاني بمفردها، عينيها الزرقاء تجوب خزانتها بنظرة تحمل الحنين لما يخترق قلبها، حاولة جاهدة البقاء والابتعاد عما بوسوس لها قلبها ولكنه بالنهاية انتصر بمعركتها الخاسرة، فنهضت بآلية تامة تغلق باب غرفتها جيدًا، ثم فتحت خزانتها لتجذب صندوقها الذهبي العتيق.
لامسته فريدة بأصابعها المرتجفة، ويدها تمر على تفاصيله بعنايةٍ وكأنه تحفر داخلها ألف ذكرى، حتى تحرر رافعته، تطلعت لما بداخله بأعينٍ لامعة بالدmـ.ـو.ع، ومع محاولاتها بعدm البكاء الا أنها فشلت كعادتها بحجبها، يكفيها ارتداء قناع جمودها الزائف بالخارج، هي الآن ضعيفة أمام ما تحمله من أوجاع ممسدة بذكرياتها القابعة بيدها.
حملت تلك الزهرة التي أحاطها الزمان فجعلها جافة كجفاء قلبها، مررت يدها عليها وهي تتذكره، رسمت صورة إليه في نفس لحظة لامسها للزهرة، وفجأة انتفض جسدها بعنفٍ حينما ضـ.ـر.بتها كلمـ.ـا.ته التي لا تتركها.
«قصتنا نهايتها كانت في اللحظة اللي طالبك فيها أخويا سالم يا فريدة، إنتِ دلوقتي محرمة عليا حتى لو رفضتيه مستحيل هيكون في شيء بيجمعني بيكِ»
ذكرى أخرى هاجمتها وكل ما يتردد لها سماع جملته بصوته الغائب.
«فوقي من الوهم ده، لا أنا ولا إنتِ هنقدر نواجه العيلة، متنسيش إن جدك ممكن يقــ,تــلك لو شك بس إنك ممكن تسببيله العار. »
مالت على الفراش وهي تكبت آذنيها وخاصة حينما رأت أخر مشهد جمعهما، تذكرت كيف كانت تتوسل إليه وهي تردد ببكاءٍ: أحمد إنت كده بتقــ,تــلني، أرجوك متتخلاش عني، حارب علشاني أنا مش هقدر أقف قصاد بابا وجدي لوحدي، أنا محتاجة إنك تكون معايا وجنبي.
منحها نظرة أخيرة من عينيه الدامعة قبل أن يوليها ظهره بكل كـبـــــريـاء: الست اللي عين أخويا تيجي عليها تبقى محرمة عليا.
جلدتها كلمـ.ـا.ته واخترقت سهام قلبها النازف، استمدت قوتها من العدm ولحقت به حيث محل وقوفه، لترسم بسمة باهتة وبسخرية قالت: هو فين أخوك ده، يعرف أيه عنك وعني!
وتابعت بصراخ أنثى ذُبحت على يد من عشقته من طفولتها: أخوك طول عمره عايش في انجلترا ميعرفش عني حاجة، وأول ما افتكر إنه له أهل نازل وعينه عليا وبدل ما تعمي عينه اللي جت عليا بتتنازل عني بمنتهى البساطة كده يا أحمد، فين رجولتك وفين حبك وغيرتك عليا!
أغلق عينيه بغـــضــــب عصف داخله قبل أن تتشربه بشرته، فقال من بين اصطكاك أسنانه دون أن يستدير لها: امشي من هنا يا فريدة، أنا مش عايز أذيكي بايدي!
هزت رأسها وهي تجيبه بحقد: ماشي يا أحمد، همشي وهوافق على أخوك.
وتابعت بكرهٍ شـ.ـديد: بس أقسم بالله لأكـ.ـسرك وهخليك تتمنى المـ.ـو.ت كل ثانية هكون فيها جنب أخوك، هدفعك تمن السنين اللي قضتها كلها في حبك، هدفعك تمن انتظاري للحظة اعلانك لحبنا قدام جدك والعيلة، هدفعك تمن ضعفك وهروبك، تمن استسلامك وتخليك عني وبكره تشوف.
وغادرت تاركته من خلفها يبكي حتى سقط أرضًا يلتاع من فرط ألــمه، ليته أخبرها الحقيقة وترجاها بأن تتزوج أخيه ربما حينها لن تمـ.ـو.ت باليوم ألف مـ.ـو.تة، ربما ظل قلبها على قيد الحياة.
تدفق الدmع على وجنتها ويدها تكبت شهقاتها خشية من أن يستمع إليها أحدًا، ذكرياتها قـ.ـا.تلة حد النخاع، لدرجة لا تستطيع بها تذكر ما مضى، كل ذكرى تذبح فؤادها وبالأخص بتلك الايام التي قضتها بعد خطبتها من سالم، كانت تحاول بكل طاقتها أن تثير غيرة حبيبها، عله يعود لرشـ.ـده ولكنها كانت تعود بـ.ـنتيجة معاكسة لما تنتظره، كانت هي من تتألــم وليس هو، وما زاد الأمر الا تعلق سالم بها وتحديد يوم زفافهما على وجه السرعة، بعد أن قرر أن تنتقل للعيش معه ومع باقي أفراد العائلة بانجلترا.
حملت فريدة بأصابعها المرتعشة ساعة رجـ.ـالية موضوعة بين أغراض الصندوق، وزجاجة من البرفيوم رفعتها نصب عينيها الباكية لتجوبها لذكرى أسوء يوم بحياتها بأكملها، نثرت البرفيوم على يدها، وقربته لانفها بتأثرٍ، أخر مرة قامت باستخراج محتويات الصندوق منذ خمسة عشر عامًا، وكل فترة تقوم بشمه يكون على فترات متباعدة بعد عدة معارك تخوضها مع ذاتها فتبتعد أعوام وحينما تنتصر تعود للصندوق الذي قذفها الآن لتلك اللحظة، لحظة انتهائها من زينتها وارتدائها فستانها الأبيض، لحظة ركضها لغرفته فولجت خفية من الشرفة بعد أن طالبت الجميع بدقائق تنعزل بها مع ذاتها.
ولجت تبحث عنه بلهفة، فوجدته يقف بشرفته يتكئ على الاريكة المقابلة له وعلى ما يبدو كان يبكي!
صوت أنفاسها العالية جراء ركضها جعله يستقيم بوقفته، لا يريد أن يستدير، يخشى أن يصدق حدسه وتكون أمامه، فتحرر صوتها ليحطم مرآة حقيقته حينما نادته باكية: أحمد.
استدار للخلف ببطء لينغز قلبه دون رحمة وهو يرأها من أمامه بفستانها الأبيض الذي حلم رؤيتها به يومًا تزف إليه، ابتلع ريقه الجاف بمرارةٍ وادعى الجمود لمرته الاخيرة، هاتفًا بخشونة: أيه اللي جابك هنا؟!
الجفاء كان طريق التعامل معهما منذ أخر لقاء وأخر قسم منحته إياه، كانت كل مرة تتصنع سعادتها برفقة أخيه وهو يعلم بأنها تقتص منه، وبين قرارة نفسه يتمنى أن تظل تدعي سعادتها لتحاول قمع و.جـ.ـعه.
دنت منه فريدة قـ.ـا.تلة بداخلها كل ذرة كـبـــــريـاء داخلها، وسقطت أرضًا تتمسك بساقه وتردد بانهيارٍ زلزله: متعملش فيا كده يا أحمد، أنا مقدرش أكون لراجـ.ـل غيرك، أنا حبيتك إنت وأتمنيتك إنت، أبوس إيدك أتكلم ودافع عن حبنا، أحمد أنا لو حد تاني قربلي غيرك همـ.ـو.ت نفسي، أرجوك إتكلم.
كور يده بقوةٍ واستمد عون أنفاسه، فانحنى يجذبها لتقف أمام رمادية عينيه، ثم قال بصوتٍ شبيه للباكي: فات الأوان يا فريدة، اتقبلي الأمر الواقع إنتِ دلوقتي بقيتي مرات أخويا.
تمسكت بذراعيه القابضة عليها ورددت ببكاء: لا يا أحمد لسه معانا وقت، تعالى نهرب عشان خاطري.
جحظت عينيه صدmة مما استمع إليه، فنهرها بشـ.ـدة: انتي مـ.ـجـ.ـنو.نة يا فريدة نهرب فين، مكنتش أعرف انك انانية ميهمكيش غير نفسك وبس، مفتكريش في سمعة العيلة بعد اللي بتفكري فيه ده، مفكرتيش في أختك! مفكرتيش في اخواتي!
وتركها وهو يشير لها بالخروج: اطلعي من أوضتي ومن حياتي كلها وانسيني، انسي إن ليكِ ابن عم اسمه أحمد، إنسيني يا فريدة.
تفادت سقوطها أرضًا ونهضت تتأمله بنظرة محطمة، فقالت بصوتها الخافت: إنت كده حكمت عليا بالمـ.ـو.ت يا أحمد، والله العظيم لو خرجت من الباب ده همـ.ـو.ت.
زاح عنه قناع جموده، فتهاوت دmعاته على وجهه فرأتها لأول مرة وتمعنت بتطلعها إليه عساه يتراجع عن قراره، دنى منها بخطواته البطيئة حتى أصبح قبالتها، فقال بصوته المحتقن من الدmـ.ـو.ع: ارحميني يا فريدة، كفايا عليا كل ده كفايا أرجوكِ، عشان خاطري اخرجي من هنا ومتبصيش وراكِ، انسيني وانسي أي وعد كان بينا، متزرعيش الكره بيني وبين أخويا من فضلك.
وتابع وقد انهمرت دmعاته على خديه: إنتِ أكتر واحدة عارفة الحساسية اللي بينا لاننا مش من نفس الأم أي قرار هتحصل دلوقتي هيتقال إني بأخد حق أمي منهم، من فضلك بلاش أنا ما صدقت إن اخواتي مصطفى وإيمان يعيشوا عيشة طبيعية مش هحرمهم من حقوقهم عشان انانيتي.
تحجرت دmعاتها بعينيها وهي تتطلع إليه مهزومًا، ضعيفًا، يترجاها بأن تنساه وتمضي برفقة أحضان رجلًا غيرها!
جابهته وهي تصيح بقوة جعلته يتابعها بدهشة: موافقة أطلع من هنا واتجوز أخوك وأعيش حياتي بس عندي شرط واحد يوم ما تخلى بيه أنا هخلى بوعدي ليك.
بالرغم من مرارة ألــمه الا أنه تساءل بفضول: شرط أيه؟
تابعت رماديته بنظرة محبة لكل تفاصيله واجلت صوتها مرددة: هتعـ.ـا.قب وهتحمل مقابل أنك تعيش حياتك كلها لوحدك من غير جواز، موافق؟
ترقبته بصبرًا واهتمامًا، توقعت رفضه التام لشرطها المحال، وحينها ستملي شروطها الاخرى، ولكن خاب أملها حينما ابتسم وهو يجيبها: أنا مستحيل هخليكي تعيشي الو.جـ.ـع اللي أنا بعيشه دلوقتي يا فريدة، فاطمني مش هرتبط بأي ست على وجه الأرض.
انزلقت دmعاتها تدريجيًا لسماع كلمـ.ـا.ته، أيعشقها بتلك الدرجة التي تجعله يخشى أن تخوض و.جـ.ـعًا بزواجه بأخرى ويحتمل و.جـ.ـعه الآن وهي تفارقه!
انسحبت الكلمـ.ـا.ت عن لسانها واستدارت عنه واقفة تتطلع لباب الغرفة وكأنه باب مصيرها الأسود، وقبل أن تخطو للخارج عادت إليه راكضة لاحضانه، فبقى متخشبًا أمامها لا يقوى على رفع ذراعيه بالرغم من حاجته لعناقها.
فهمست إليه بدmـ.ـو.ع: احـ.ـضـ.ـني لأخر مرة يا أحمد.
انصاع إليها فرفع ذراعيه يحاوطها باكيًا بتأثرٍ، وفجأة ابعدها بخــــوف، من طفولتهما يخشى أن يلمس يدها، يحافظ عليها أكثر من حياته، والآن ينجرف خلف شيطانه!
ابتعدت عنه واتجهت لمغادرة غرفته وقبل أن تخرج اتجهت للسراحة، فمدت يدها وهو يراقبها، فوجدها تجذب ساعته والبرفيوم الخاص به ثم هرولت من أمامه وكلما ابتعدت سحبت روحه من خلفها، فسقط على المقعد يبكي وهو يصـ.ـر.خ بو.جـ.ـعٍ: يا رررب!
أغلقت فريدة صندوقها وعينيها يملأها الكره، فاعادته لمحله وكأنها تحمل شيئًا منفرًا، ثم عادت لفراشها وهي تبعد هاتفها الذي يحمل رسائله المعتاد لمراسلتها كل فترة، وهي تردد بجحود: اتعـ.ـذ.ب وإتألــم يا أحمد بحق و.جـ.ـعي وقهري عمري ما هسلملك ولا هريح قلبك.
وتابعت ويدها تجذب الصورة الموضوعة على الكومود التي تحمل مايسان وشمس، فقالت وعينيها تراقب مايسان بشفقة: مكنتش عايزاكي تعيشي اللي عيشته يا مايا، بس الحمد لله النهاردة حسيت بالأمل عمران فعلًا بيحبك زي ما توقعت، وبكره هيشوف ده بنفسه وهينـ.ـد.م على معاملته ليكي بس وهو معاه فرصة يقدر يصلح بيها أخطاءه وهتقدري تتقبلي ده، المهم انكم بالنهاية مع بعض!
النهار على مشارفه ومازال يجلس على مقعده جوار أخيه، ينتظر أن يستعيد وعيه بلهفةٍ وخــــوف، لم يمل من مراقبته ولم يغفو له عين، يخـ.ـطـ.ـف إليه نظرة ويعود لزوجة أخيه الغافلة على المقعد المجاور إليه بعدmا رفضت رفض قاطع تركه، كان يخشى أن يحدث لها سوءًا فحينما يجدها تتنفس بصورةٍ طبيعية يجلس باستقامةٍ، فتلصص له صوت همهمة تصدر من عمران، فنهض وإتجاه إليه، ينحني على شفتيه ليستمع ما سيقول، فناداه بصوت واهن: علي.
أجابه بحماسٍ لاستعادته وعيه: أنا جانبك يا عمران سامعني!
هز رأسه وحاول فتح عينيه الثقيلة، راسمًا ابتسامة صافية: حاسس بيك من لما كنت بالعمليات.
طبع قبلة على جبينه ويده المتشابكة بالأبر مرددًا بصوته المتقطع من فرط كبته للبكاء: كده تعمل في أخوك كده، أنا كان هيجرالي حاجة، ربنا اللي عالم أنا واقف على رجلي ازاي؟
أعاد غلق عينيه بتعبٍ، ولسانه يردد: حقك عليا، أنا اللي عملت كده في نفسي لما سمحت لواحدة آآ.
قاطعه بحزمٍ: بلاش تتعب نفسك بالكلام عن الرخيصة دي، الشرطة مسكتها وبيحققوا معاها، مستحيل هتخرج منها بسبب التسجيلات اللي قدmناها.
منحه ابتسامة متشفية وقال: تستاهل.
ربت على كتفه وهو يجذب الغطاء لصدره العاري: ارتاح وبكره هنتكلم.
وكاد بالتراجع لمقعده، ولكنه عاد يخبره بحـ.ـز.نٍ: عمران إنت لو حاسس نفسك كويس هصحي مايا تطمنها عليك لإن حالتها صعبة أوي ورافضة تروح أو ترتاح، نايمة على الكرسي هنا ومش راضية تتحرك.
حاول رفع رأسه ليراها ولكنه لم يتمكن، فرفع على السرير بالقابض المتحكم به، فتمكن من رؤيتها جيدًا، راقب معالمها بنظرة حزينة طـــعـــنها الألــم بنبرته: كانت عايزة تشرب السم ورايا، كل مدى بكتشف إني كنت حـ.ـيو.ان ومغفل.
ابتسم على ومازحه باشمئزاز: قولنالك وأنت مصدقتش.
وأشار وهو يتجه إليها بلهفة: هصحيها. هتفرح أوي.
وإتجه إليها علي، فناداها عن قرب: مايسان، مايا.
حركت رأسها بإنزعاجٍ، حتى بدأ عقلها بالاستيقاظ لمكان وجودها، فانتفضت بجلستها وهي تردد بهلعٍ: أيه يا علي، عمران جراله حاجة؟
ابتعد عن مرمى بصرها لتتمكن من رؤية زوجها وهو بجيب: مهو زي القرد أهو يا بـ.ـنتي استهدي بالله.
اتجهت نظراتها إليه، فابتسمت رغم الدmعات المتدفقة من حدقتيها مرددة بفرحةٍ: عمران!
وهرعت إليه تحتضنه وقد تحرر بكائها، ضمها بذراعه الأيمن، فحاول جاهدًا رفع ذراعه الأخر ولكنه لم يستجيب لحركته رغم حركته الخافتة تحت مراقبة على إليه وقد تسنى له معرفة ما سيواجه أخيه بالبداية، فانسحب بهدوءٍ تاركًا لهما مساحتهما الخاصة.
تنهيداتها كانت تضـ.ـر.ب صدره بعنفٍ وشراسة، فهمس لها بتعبٍ: مايا بصيلي.
استجابت له فرفعت وجهها إليه، فوجدته يبتسم لها وقال بأنفاسٍ ثقيلة: أنا كويس فبلاش تتعبيني بدmـ.ـو.عك دي عشان مش خاطري.
وحذرها بصرامة جاهد لها من وسط سعاله: والا هنادي على يروحك.
هزت رأسها بخــــوفٍ: لأ خلاص.
وأزاحت دmعاتها، فرفع عمران الغطاء وهو يشير لها: اطلعي هنا جنبي.
تلفتت حولها بتـ.ـو.ترٍ: بس على آآ.
قاطعها وهو يجاهد نومه المستجيب للمسكنات: متقلقيش على مش هيدخل علينا.
انصاعت إليه لحاجتها بالبقاء جواره، فوجدته يضمها لصدره فاحتضنته بقوةٍ ألــمت جسده الذي استجاب للنوم سريعًا.
سطعت شمس يومًا جديد، فتسلل ما حدث لعمران لفريدة وشمس والجميع، فأسرعوا للمشفى ومن خلفهم راكان الذي يصطحب آدهم بأي مكان يذهب إليه خشية من أن يتعرض له أحد من منافسيه بعد أن سبق له الدفاع عنه كثيرًا، فاجتمعوا بغرفته جميعًا بحضور يوسف وجمال وسيف.
جلست فريدة على المقعد القريب من فراش ابنها تهدر بغـــضــــب: ازاي ده كله يحصل لابني ومحدش فيكم يكلمني، جاوبني يا علي؟!
رد عليها بهدوءٍ: كنت خايف على حضرتك، فاستنيت لما اطمنت عليه وأهو الحمد لله بخير وربنا لطف بينا.
انفلتت أعصابها بصراخ: ده مش مبرر، أنا مش هعدهالك يا على سامعني!
ومسدت على يد عمران وهي تتساءل بثباتٍ زائف: عمران يا حبيبي طمني حاسس بأيه؟
أجابها ببسمة هادئة: أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش.
ربت جمال على ساقه بحنان: شـ.ـد حيلك كده، مش واخد عليك بالوضع ده.
أضاف يوسف ممازحًا ليخف حدة الاجواء بين على ووالدته: عمران شكله كده زهق من خلقنا فقالك أجي أريح هنا يومين تلاته فكره إننا هنسيبه، لمينالك الشلة وهنقضيها هنا لحد ما تقول روحني أنا بقيت زي الحصان.
ضحك وهو يشير له: ماشي يا يوسف بكره تشوف.
دنى راكان منه فوضع باقة الزهور على الكومود مرددًا برسمية متعجرفة: سلامتك يا عمران.
منحه ابتسامة صغيرة مجاملة، بينما تعلقت عينيه بآدهم الذي قال ببسمة بشوشة: حمدلله على سلامتك يا عمران باشا.
ابتسم له بامتنان: الله يسلمك يا آدهم تسلم.
أمسكتها عينيه وهي تتهرب من نظرات راكان إليها، فتسللت للخارج بخفةٍ ظنًا من أن لا أحدًا يراها، فتسلل من خلفها فوجدها تتجه للكافيه الخاص بالمشفى، فجلست على المقعد بحـ.ـز.نٍ تام، نظراته أصبحت تسبب لها اشمئزاز، كانت تود إخبـ.ـار على بأن عليها الانفصال عنه سريعًا، ولكن ما حدث لعمران غير مخططاتها.
فاقت شمس على صوت احتكاك المقعد المقابل لها، تطلعت أمامها فوجدت آدهم يجلس قبالتها ببسمته الهادئة مرددًا بنظرة ماكرة: حسيتك هتنسحبي من جوه وفعلًا شكي كان بمحله.
تعمقت بنظرتها المشتتة إليه، ورددت بحيرةٍ: إنت عايز مني أيه يا آدهم؟
زوى حاجبيه باستغراب: أنا!
استندت بذراعيها على الطاولة وهي تجابهه بقوةٍ: متحاولش تتهرب من اجابة سؤالي.
ونهضت وهي تجذب حقيبتها لتخبره قبل مغادرتها: خليك بعيد عني يا آدهم أنا بسببك بقيت بكره خطيبي ومش شايفاه أساسًا.
نهض قبالتها مربعًا يديه أمام صدره يرد ساخرًا على اتهامها: ملقتيش شمعة لغـــضــــبك وكرهك ليه غيري!
ودنى منها ومازالت تقف قبالته مندهشة من حديثه: بالنسبة لسؤالك فاجابته مش محتاج أتهرب منها يا شمس، سبق وقولتلك إني مبخافش من مخلوق على وجه الأرض.
وانحنى يهمس لاذنيها: إجابة سؤالك هي أني من أول ما عيني وقعت عليكي وجوايا مشاعر مشلتهاش في قلبي لواحدة ست قبل كده.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، فمنحها ابتسامة هادئة متابعًا بحديثه: وواثق إن في مشاعر ليا جوه قلبك بتحاولي تداريها كل مرة بقابلك فيها بس عيونك فضحاكِ يا شمس!
وتركها شاردة بكلمـ.ـا.ته وبمصرحته الجريئة وغادر على الفور.
نهضت عن فراشها وأسرعت لنافذة غرفتها تترقب البوابة الرئيسية الخاصة بالمشفى بلهفةٍ وخــــوفٍ، لأول مرة يغيب عن رؤيتها هكذا، المساء قد شارف على قدومه ولم يأتي حاملًا للزهور ككل صباح، ارتعبت فطيمة وبدى عقلها يصور لها أشياءًا كثيرة، كتركه لها وتخليه عن دوام علاجها مثلما طلبت منه.
تهدلت دmـ.ـو.عها دون توقف، كانت تطالبه بالبعد وهي الآن تلوم نفسها وتكاد بصفعها لما فعلته، طوال تلك الشهور كان قبالتها، صباحًا مساءًا، لم يغيب عن عينيها كل تلك المدة.
انتبهت للممرضة التي تنظف الغرفة من حولها، فاتجهت إليها تسألها بلهفةٍ: عذرًا، كنت أود سؤالك أين الدكتور على لم آراه منذ الصباح؟
أجابتها الممرضة بنزقٍ: لا أعلم ربما مشغول مع حالات أخرى.
واستكملت عملها متجاهلة وجودها تمامًا، فجذبت مقعدها قرب الشرفة وجلست تراقب الطريق بلهفة انتظار الصغير لعودة والده!
استجابت مايسان لفريدة وشمس وعادت برفقتهما للمنزل لتغير ملابسها المتسخة، فما أن ولجوا للمنزل حتى صعدت الفتيات للأعلى، بينما اتجهت فريدة للخادmة التي تشير لها على الصالون باشارة أن هناك ضيوف بانتظارها، فاتجهت إليها متسائلة باستغراب: مين؟
أتاها صوت كان محبب لقلبها بيومٍ ما يجيبها: أنا يا فريدة.
التفتت خلفها، فبرقت بعينيها بدهشةٍ ولسانها يهمس بعدm تصديق: أحمد!
↚من قال إن الفراق يقــ,تــل حب أحاطته الذكريات بالكراهية، حتى وإن شاب الجسد بقى القلب صبيًا مرهفًا، بالرغم من بعد المسافات ورغبتها بالابتعاد، ولكنها والله ضعيفة لا تتمكن من محاربة لقائه!
وإن تغير وجهه قليلًا فمازال يحتفظ برمادية عينيه التي تقــ,تــلها رويدًا رويدًا، وبالرغم من جمود ملامحها باستقباله المعتاد بحياتها بالسنوات الأخيرة ولكن داخلها قلبها يقرع كدفزف حربًا تنشب عليها!
ترك كوب قهوته على الطاولة الرخامية من أمامه، ثم نهض يقترب إليها ببسمةٍ شوقٍ تذبح فؤاده، عينيه وآه من عينيه تكاد تناشـ.ـدها بعتاب لا يزيدها الا و.جـ.ـعًا!
وبكل خطوة دنى بها إليها كان يقذف لها ذكرى تلو الاخرى لدرجة جعلتها لا تتمناه يقترب أكثر من ذلك، ملامحه الهادئة الجذابة، شعره البني المحاط ببعض الخصلات البيضاء، هالته التي مازالت تحيطه بعد ذلك العمر، قبضت على قلبها بنيران عاصفة وقالت بجمودٍ: أيه سر الزيارة الغريبة دي ومن غير ما تسيب خبر إنك نازل انجلترا!
مازالت كما هي، حادة اللسان رقيقة الشكل، تغرد نظراتها و.جـ.ـعًا يذكره بالماضي ما دام حيًا، تنحنح وهو يجيبها بخشونةٍ: مش محتاج إذن عشان أجي بيت أخويا يا فريدة هانم.
علمت بأن الحديث يتجه لمسارًا حاد بينهما، فأشارت للخادmة وهي تمنحها حقيبتها: اذهبي إنتِ الآن.
وما أن رحلت حتى استدارت إليه مدققة بمعالمه، مثقلة نطقها للكلمـ.ـا.ت: لا محتاج تستأذن لإن ده مبقاش بيت أخوك خلاص، أخوك دلوقتي عند اللي خلقه واللي عايش في بيته مـ.ـر.اته وأولاده.
سحب نفسًا مرهقًا، بالرغم من اعتياده على معاملتها البـ.ـاردة الا أنه قد سئم بالفعل، فقال بصوته الهادئ المتعب: وبعدهالك يا فريدة، هتفضلي كده لحد أمته؟
تعلم جيدًا ما يقصده بحديثه، وبالرغم من ذلك ضمت يديها لصدرها ورددت بفتورٍ: كده اللي هو ازاي يعني؟
تمرد عن رزانته حينما صاح بها غاضبًا: فريدة احنا مبقناش صغيرين لعنادك ده، فوقي العمر بيجري وأنا لسه جنبك بواجه عـ.ـا.قبك!
وزفر بضجرٍ مشيرًا بيده في محاولةٍ لاعتذاره عن صراخه الحاد مستطردًا بهدوءٍ: أنا اتحرمت من إني ارتبط ويكونلي أولاد ومازلت محافظ على وعدي ليكي يا فريدة، بس خلاص مبقتش عارف مطلوب مني استحمل أد أيه، أنا بقى عندي 45سنة مبقتش صغير لكل ده.
استدارت تخفي عينيها عنه، لتجيبه بجحود وهو تعدل جاكيته الرمادي الشبيه للتنّورَة الطويلة التي ترتديها بأناقةٍ: سبق وقولتلك قبل كده أن من اللحظة اللي سالم مـ.ـا.ت فيها إني حليتك من وعدك.
واستدارت توجهه بقوةٍ شرسة: يعني من 15سنة كنت تقدر ترتبط وتعيش حياتك، أنا مضـ.ـر.بتكش على ايدك وطلبت منك تستناني!
قبض قبضة يده بشكلٍ مخيف ومع ذلك لم يرف لها جفن، فمرر يده بين خصلاته بانتظام قـ.ـا.تل، ثم دنى ليصبح قبالتها فقال وعينيه تجوه الفراغ لا تقوى على التطلع لها عن قربٍ: مبحبش أشوفك بتكدبي ولما ببصلك مبشوفش بعيونك غير الكدب.
واسترسل وتلك المدة يحدجها بقوة تناهز قوتها ويده تشير للمنزل: من 15سنة جيت المكان ده ووقفت قصاد العيلة كلها وطلبتك للجواز وانتِ رفضتيني بدل المرة ألف مرة، وكل ده ليه؟، ليه يا فريدة جاوبيني ليه قلبك بقى بالقسوة دي! مكفكيش السنين دي كلها بتعـ.ـا.قبيني مكفكيش و.جـ.ـع في قلبي، لسه عايزة تمـ.ـو.تي جوايا أيه تاني؟
تحررت عن رداء ثباتها المخادع، فصرخت بجنون أنثى مجروح قلبها، لا يعرف طريق شفاءه منذ أعوامٍ: و.جـ.ـعك ميجيش نقطة في و.جـ.ـعي، لسه لحد النهاردة مش قادرة أنسى وأنا بتوسلك توقف جوازتي، لسه فاكراك وإنت بتقدmني بإيدك لأخوك، قلبي موجوع منك بشكل عمري ما هقدر أوصفهولك، كل ليلة قضتها في البيت ده كانت عـ.ـذ.اب ونار بتحرقني.
ورفعت اصبعها تشير للدرج المؤدي لغرف النوم: كل يوم كان بيتقفل عليا باب واحد معاه كنت بتكوي وبتمنى المـ.ـو.ت كل ما كنت بشوفه هو اللي جنبي على سريري مش إنت!
تلألأت عينيها لتنفجر بدmـ.ـو.عها المتحجرة، مشيرة برأسها باعتراض متعصب: لا يا أحمد مستحيل هسامحك، ولا هسمح انك تدخل حياتي وتدmرني تاني.
وبسخرية اعتلت بسمتها قالت: مش بعيد لما أديك فرصة تانية أعجب حد من أصحابك المرادي وألقيك بتسلمني زي ما عملتها قبل كده.
فريدة.
طـــعـــنت رجولته بكل ما تحمله معنى الكلمة، جعلته يرمقها بعصبيةٍ بالغة، كل لقاء بينهما يجمعهما نفس العتاب، لا تمل من ذكر الماضي له على مدار تلك السنواتٍ، فخرج عن طور هدوئه حينما صاح بانفعالٍ: إنتي ليه متخيلة إنك الوحيدة اللي كنتي بتعاني! فاكرة إني كان عندي رفاهية الاختيار! أنا كل ثانية كنت بفكر فيها إنك معاه كنت بتقــ,تــل، كل لحظة كانت بتجمعنا مناسبة عائلية كنت بتمنى أتعمي ومشوفكيش معاه، انتي مـ.ـو.تي مرة أنا مـ.ـو.ت ألف مرة وخصوصًا لما كان بيجيني خبر حملك.
برقت بحدقتيها غاضبة تجاهه، ظنًا من أنه سيخوض بكرهه أولادها، فوجدته يخبرها بأعين دامعة: متقلقيش أنا كنت فاكر زيك كده إني هكرههم، بس لما شلت على بين ايديا مكنش في عيوني غير الحب والحنان ليه، كنت بضمه ليا وبحاول أشم ريحتك فيه، كنت بتمنى إنه يكون مني وإسمي هو اللي ورا اسمه.
واستدار يوليها ظهره يذيح دmعة كادت بفضح ضعفه أمامها، فوجدها تصفق بيدها وهي تدنو لتصبح هي بمقابلته لتشير له ببسمة ساخرة: برا?و ابتديت اقتنع إنك الضحية فعلًا، ده أنا شكيت إن أنا اللي دوست على قلبك وروحت اتجوزت أخوك غـ.ـصـ.ـب عنك!
واسترسلت باستهزاء: ما كله كان بالاتفاق يا أحمد باشا ولا نسيت؟
ابتسم بجابهه برأسه المصلوب وجسده الممشق، واضعًا يده خلف ظهره وهو يجيبه برتابةٍ: لا منستش يا فريدة، بس إنتِ اللي شكلك نسيتي إن أحمد اللي حبتيه عمره ما كان أناني، أحمد اللي اختارتيه حبيب من طفولتك كان جواه شرخ كبير وو.جـ.ـع بيطارده كل ما بيشوف أخواته بيعانوا لمجرد إن أبوه كان بيتسلى في فترة اجازته اللي بيقضيها بمصر فقرر يتجوز واحدة يقعدها مع والده عشان تسليه وقت ما يسيب انجلترا، أحمد اللي حبتيه كان بيدفع تمن إنه ابن الزوجة التانية وعاش عمره كله يدفع التمن ده، حتى بعد ما مرات أبوه اكتشفت بجوازه، فقررت تعيشه هو واخواته في معاناة أكبر ولولا وجود جدي كان زماني أنا واخواتي في الشارع، وبعد السنين دي كلها يحسن سالم العلاقة دي ويبتدي اخواتي يعيشوا عيشة طبيعية أجي بانانيتي وأقف واتحداه!
تدفق الدmع على وجنتها لتجيبه بقسوة: لا تسلمه حبيبتك!
دفنت وجهها بين يديها تذيح دmـ.ـو.عها، والتقطت أنفاسها وهي تخبره بجمود: مبقاش له لزمة الكلام دلوقتي، خلاص اللي فات مستحيل هيرجع، وسالم دلوقتي بين إيدين ربنا.
ورفعت عينيها إليه تخبره بألــمٍ: متجنيش على روحك بالانتظار يا أحمد، أنا معملتهاش وأولادي صغيرين معنديش الجرءة أعملها وهما رجـ.ـا.لة وعلى وش جواز، اخرج من هنا اتجوز وخلف وعيش حياتك، إنت مش كبير أوي وألف ست تتمناك.
رنا إليها بانفاسه اللاهثة من فرط غـــضــــبه المكبوت: مش عايز غيرك، إنتِ عندي بكل ستات الدنيا كلها يا فريدة! قلبي رافض ينبض لغيرك! كل حتة جوايا عايزاك إنتِ!
وبرجاء مرهق قال: من فضلك إرحميني من الأثم اللي عايش فيه بسببك!
وتابع في محاولته البائسة: على وعمران بيحبوني وبيحترموني هيتفهموا الموضوع ومحدش هيعارض الجواز ده صدقيني.
انهمرت دmعاتها وهزت رأسها مجبرة لسانها على الحديث ببكاء: إنت ليه مش عايز تفهمني، أنا مش عارفة أثق فيك تاني يا أحمد؟
وإتجهت لأقرب مقعد تجلس عليه حينما انهارت قوتها، فبكت بانكسارٍ جعله يتابعها بصدmة من سماع كلمـ.ـا.تها، ليته مـ.ـا.ت قبل أن تطـــعـــنه بكلمـ.ـا.تها القـ.ـا.تلة.
تزيد من و.جـ.ـعه مجددًا وقد سئم منه الألــم وفاق حد تحمله، أغلق عينيه بقوة يحاول محاربة ما يعتريه بتلك اللحظة من أن لا يندفع تجاهها ويضمها إليه، ولكنه ليس بحاجة لارتكاب هذا الذنب يكفيه أثمه الأعظم بالتفكير بها!
انحنى على الطاولة يجذب علبة المناديل الورقية، ثم اقترب يضعها جوارها، فسحبت منه تجفف دmـ.ـو.عها، بينما اتجه للاريكة المقابلة لها، يجلس بهدوء رزين وكأنه لم يحاورها بما يـ.ـؤ.لمه منذ قليلٍ، فحرر زر جاكيته بذلته وإتكأ على ساقيه ناظرًا للأسفل وهو يسألها بجمود ارتدى قناعه: أخبـ.ـار الاولاد أيه؟ هما فين من ساعة ما جيت مشفتش حد منهم؟
وضعت ساقًا فوق الأخرى، واستعادت جلستها تجيبه: عمران في المستشفى وعلى معاه، وشمس فوق في أوضتها.
برق بعينيه بدهشة مما استمع إليه، فقال: في المستشفى ليه، أيه اللي حصل؟ وليه مبلغتنيش!
أجابته وهي تتحاشى التطلع إليه: ألكس حاولت تسمه بعد ما حاول يبعد عنها.
واستكملت وعينيها تشرد بالفراغ: هو كويس دلوقتي الحمدلله.
استقام بوقفته يغلق زر جاكيته متلهفًا: في مستشفى أيه أنا هروحله.
عمي!
صوتًا غامضًا اقتحم مجلسهما، فاتجهت نظرات أحمد إليه، مرددًا ببسمته الجذابة وهو يفتح ذراعيه إليه: على حبيبي وحشني أوي.
مال على برأسه على كتفه يحجر نظراته الساهمة، وحينما أخرجه أحمد من احضانه منحه ابتسامة رسمها بالكد وهو يجاهد ما يعتريه الآن، فأجلى صوته بصعوبةٍ: وإنت كمان وحـ.ـشـ.ـتني أوي، بتمنى السفرية المرادي تكون طويلة لإن الوقت اللي بنقضيه مع حضرتك مـ.ـيـ.ـتشبعش منه.
ربت على كتفه بحنان وهو يخبره: اطمن عندي شغل هنا مش هيخلص الا بعد كام شهر، لإني هفتتح فرع لشركتي مع مؤسسة كبيرة هنا.
كانت نظرات على مبهمة تجوب والدته تارة وعمه تارة أخرى، لدرجة جعلته بتساءل بقلقٍ من صمته الغريب: على إنت كويس؟
ضم مقدmة أنفه وهو يخرج زفيره: أنا بس منمتش كويس، هطلع أخد شاور وهرجع لعمران الدكتورة كتبتله على خروج بليل.
هز رأسه بتفهمٍ، وقال: اطلع خد شاور وفوق وأنا هرجع الاوتيل هغير وهحصلك.
اعتلاه الضيق وفاض به: المرادي مش هسمحلك تنزل بأوتيل يا عمي، وسبق ونبهت على حضرتك أكتر من مرة ومعرفش سبب اصرار حضرتك إنك تفضل باوتيل وبيتك موجود.
اتجهت عينيه لفريدة التي انقشعت معالمها غاضبًا، فخشى أن تعود للشجار بينها وبين على كالمعتاد حينما يصر بجلوسه هنا، فقال برزانةٍ: معلش يا على سبني براحتي، أنا برتاح في الاوتيل.
تلك المرة كان مصر اصرارًا غريبًا، فقال وهو يدنو من الدرج: مش هيحصل، هطلع حالًا أغير وأجي مع حضرتك تجيب الشنط قبل ما نروح المستشفى.
وتركه بتطلع لأثره وصعد للأعلى، فدmت فريدة شفتيها بغـ.ـيظٍ مما يحدث لها، ولكنها لم تكن تحمل طاقة الشجار والحديث يكفيها كل تمر به بداية من يومها العصيب.
وجدها أحمد صامتة مستكينة على غير عادتها، فدنى يجلس جوارها وهو يهمس بصوته المنخفض: متقلقيش هقنعه واحنا في الطريق ومش هخليه يعمل كده.
رفعت عينيها إليه بـ.ـارتباكٍ إلتمسه برفرفة جفونها، فجاهدت لخروج كلمـ.ـا.تها الثقيلة: ل، لأ. تعالى اقعد هنا، آآآ، أنا محتاجة لوجودك الفترة دي.
وسرعان ما بررت حديثها وهي تنهض من جواره: عمران مشاكله كترت وأنا وعلى مبقناش قدرين نحل معاه، هو بيحترمك وأكيد هيسمع منك.
نهض ليقف على محاذاتها، مرددًا بفرحة وكلمـ.ـا.ت تنبع من صمام قلبه: أنا جنبك ومستحيل أتخلى عنك لأخر نفس خارج مني، وقولتلك قبل كده يوم ما تحتاجيني هتخلى عن دنيتي كلها عشانك يا فريدة.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، جعلها تتهرب من أمامه مرددة بتلعثمٍ وهي تتجه للمصعد: عن إذنك. هطلع أشوف شمس.
ابتسم وهو يراقب دلوفها للمصعد، فمنحها نظرة أخيرة قبل أن ينغلق الباب بينهما، فصعدت عينيه عليه وهو يصعد بها للطابق الثالث، فابتسم هامسًا: اهربي على قد ما تقدري أنا مش بمل ونفسي أطول مما تتخيلي!
ألقى بجسده أسفل الدوش مستخدmًا المياه البـ.ـاردة عوضًا عن الساخنة بمثل هذا الطقس، عل تلك البرودة تشل عصبة تفكيره.
فتح على عينيه على مصرعيها وهو ينهج بصعوبة أسفل المياه، ليردد بصدmة مازالت تستحوذ عليه: معقول عمي وماما!
أغلق عينيه بقوة تحرر تلك الدmعة التي أججت حدقتيه، يتذكر كيف جلدته سماع حديثهما دون قصدًا منه، بعدmا استأذن بالانصراف من المشفى ليبدل ملابسه ويخبر مايسان بأن تحمل ملابس نظيفة لعمران بعد أن أكدت الدكتورة ليلى خروجه، فما أن ولج الداخل حتى سمع صراخ والدته القادm من غرفة الصالون، وكلما خطى لمعرفة ما أصابها كانت تتوقف قدmيه غير قادرًا على استكمال طريقه صدmة مما يستمع إليه، وخاصة حينما فاض عمه بما كبت داخله.
كان يشك بأن هناك شيئًا يخفيه عمه وراء نظرات حنانه له ولوالدته، وظل سبب عذوبيته لتلك السنوات السر الأعظم بين طوائف العائلة، والجميع يجزم بأن هناك سيدة تحتل قلب عمه الغالي، وها هو الآن يعلم عن تلك السيدة ما يجعله يئن و.جـ.ـعًا!
لم يرفض قط أن ترتبط والدته مجددًا خاصة بأن أبيه توفى وتركها صغيرة للغاية تحتمل مسؤولية ثلاث أطفال بمفردها، تذكر كيف تقدm لخطبتها أبناء عم أبيه حتى أخوه الشقيق القابع هنا بانجلترا ولكنها رفضت الجميع، وبالرغم من انزعاجه صغيرًا الا أنه تمنى من كل قلبه أن تقبل عرض زواج عمه أحمد حينما طالبها بذلك.
الوحيد الذي تمناه أبًا له، ولكن مع رفض والدته تيقن بأنها لا تود الارتباط مجددًا، ومع ذلك كلما تقدm أحدٌ لخطبتها كان يحاول اقناعها بذلك معللًا بأن لا تشعر نفسها بذنب مسؤوليتهم فلم يعدوا أطفالًا صغارًا.
خرج على من الحمام متجهًا لخزانته بآلية تامة، فجذب الملابس يرتديها شاردًا فإن كان لا يحتمل لوعة حب فطيمة لعامٍ واحد كيف تحمل عمه كل تلك الأعوام!
بالطبع إنه لعاشق وقد فاق عشقه ما استشهدته قصص العشق بالاساطير، يعلم بأن ثمة و.جـ.ـعًا داخله تجاه أبيه الذي عاش مع امرأة كان قلبها لاخيه ولكن ما فائدة العتاب والافتراضات لقصة انتهت منذ أعوام.
أغلق جاكيته الجلد الأسود، ومشط شعره وهو يردد باصرار: أنا اللي هجمع بينكم من تاني، وعد!
وضعت هاتفها جانبًا بعدmا قامت بوضعه صامتًا أمام نظرات والدتها المتفحصة لها، والاخيرة تمرر عينيها ببطءٍ عليها في محاولةٍ لفهم ما يحدث مع ابـ.ـنتها الصغرى، فعاد الهاتف يضيء من جديد حتى وإن كان صامتًا، فلمحت فريدة اسم المتصل والاخيرة تنهي الاتصال، فقالت بشكٍ: إنتِ اتخانقتي مع راكان؟
هزت رأسها نافية، فعادت فريدة لسؤالها من جديدٍ: طيب ليه مش بتردي على مكالمـ.ـا.ته؟
ابعدت شمس غطاء الفراش عنها، ثم زحفت حتى وصلت لاخر الفراش تخبرها بتـ.ـو.تر: مامي أنا مش مرتاحة لراكان ولا قادرة أحبه ولا أتقبله في حياتي، حساه مختلف عني ومفيش بينا حاجة مشتركة وآ.
قاطعتها فريدة بصرامةٍ: كل ده قدرتي تحدديه من شهر خطوبة!
ونهضت عن الفراش تصيح بها بعصبية كانت تشتعل داخلها قبل الصعود لها: بلاش دلع وكلام ماسخ، إنتِ مش هتحكمي عليه من 30يوم! أنا فاهمه وواعية أكتر منك ومتأكدة من اختياري، راكان شخص لبق ومناسب جدًا ليكي.
وجذبت هاتفها الموضوع على الكومود تعيد فتحه، ثم قدmتها لها بغـــضــــب: دلوقتي حالًا هتكلميه وهتعتذري عن عدm تقديرك لمكالمته ومش عايزة أسمعك بتقولي الكلام العبـ.ـيـ.ـط ده تاني، سامعة؟
هزت رأسها وهي تكبت دmعاتها بصعوبة، ففتحت الهاتف تجيب على رسائله تحت نظراتها المراقبة، لتخبرها بعد دقائق من محادثته: عايزني أتغدى معاه بره.
هزت رأسها تخبرها وهي تتجه للخزانة: ردي عليه إنك موافقة، وتعالي أختارلك لبسك اللي هتروحي بيه ما أنا عارفاكي ذوقك بقى في النازل!
تحررت تلك الدmعة عن عينيها وراقبتها وهي تتفحص الملابس بخزانتها بنظرة مقهورة، فنهضت بصعوبة تلتقط ما وضعته والدتها على الفراش ودلفت للمرحاض تبدل ثيابها بجمود اعتادت عليه كلما أمرتها بشيء!
كده أحسن؟
سأله جمال وهو يحاول أن يعدل السرير الطبي لعمران الذي أشار له بخفة، بينما جذب يوسف الطاولة البيضاء يضع الطعام من أمامه قائلًا: يلا اتغدى عشان معاد الأدوية، مش عايزين دكتورة ليلى تتضايق مننا الله يبـ.ـاركلك العملية مش ناقصة.
أضاف جمال بفزع: كله كوم وغـــضــــب دكتور على كوم، هيحبسنا في العباسية، كل ياض خلص كل الأكل مش عايزين مشاكل مع دكاترة الوسط.
ابتسم وهو يراقبه يقرب ملعقة شوربة الخضار منه، فمال برأسه جانبًا بتقزز: مبحبش الأكل ده قولتلكم كذه مرة، اقــ,تــلوني ومتأكلونيش خصار ني!
دفع يوسف الملعقة بطبق الشوربة حتى وقعت محتوياتها على الصينية واضعًا يديه بمنتصف خصره بنفاذ صبر: وبعدين بقى، ده ناقص ارقصلك عشان تأكل؟!
أبعده جمال للخلف وهو يتحكم بضحكاته بصعوبة: طب وسع كده إنت يا جو وسبني أحاول معاه.
وزع عمران نظراته الساخطة بينهما، مرددًا: تحاول معايا! انتوا ليه محسسني إني عيل صغير خفوا عليا وارجعوا شغلكم أحسن!
جذب يوسف جاكيت بذلته ليضعه على ذراعه وهو يشير بشراسة: تصدق إني غلطان، ده أنا سايب حالة ولادة قيصرية وجاي أبص عليك يا حقير.
ضحك بصوته الرجولي، ونظراته تحيط بجمال المبتسم متسائلًا: وإنت سايب أيه إنت كمان؟
استند بذراعيه على جسد الاريكة باسترخاء: لا أنا مخلص شغلي وفاضيلك.
انتهى يوسف من ارتداء جاكيته، ودنى من عمران يتساءل بجدية: ساعتين وراجعالك، مش عايز حاجة أجبهالك وأنا جاي؟
هز رأسه ببسمة صغيرة: خيرك سابق يا حبيبي، تسلم.
ربت على ذراعه بحبٍ وكاد بالمغادرة حينما وجد زوجته تدلف للداخل بردائها الطبي، وحجابها الأبيض الذي زاد من جمال بشرتها النقية، فتراجع للخلف وهو يغمز بمكر: أنا بقول أقعد معاك النهاردة يا عمران شكلك تعبان ومحتاج لوجودي جنبك.
قهقه ضاحكًا وهو يتابع بسمة ليلى التي اتجهت لتفحص عمران متجاهلة إياه، ووجهت حديثها لعمران: خلي صاحبك يروح يشوف شغله يا بشمهندس احنا موجودين ومش محتاجين لخدmـ.ـا.ت دكتور النسا والتوليد!
ردد جمال مازحًا: يا رب تتحرج وتمشي شكلك مبقاش له ملامح!
ذم شفتيه ويده تمر على لحيته الكثيفة موجهًا حديثه لجمال بينما عينه تقصدها: ماشي يا جيمس مصيرك تقع في إيدي ويجمعنا بيت واحد بعد الدوام.
ردد عمران بحزمٍ ضاحك: بره يا متـ.ـحـ.ـر.ش بدل ما أطلبك الآمن.
تعالت ضحكاتهم جميعًا، فأشار لهم يوسف وغادر على الفور، وما أن تأكد عمران من مغادرته حتى تطلع لها قائلًا بثباتٍ: صارحيني يا ليلى أنا متقبل كل شيء متقلقيش.
ارتبكت أمامه وكذلك فعل جمال، فتابع ببسمته الهادئة وعينيه لا تفارق ذراعه الأيسر: أنا مش حاسس بايدي ورجلي من امبـ.ـارح ومازلتي بتقنعيني إن ده بسبب تأثير المـ.ـخـ.ـد.ر، وأنا بحاول أصدقكم كلكم بس آ.
قاطعته ليلى حينما قالت: مسألة وقت يا عمران لحد ما السم ينطرد من جـ.ـسمك بشكل نهائي، يعني ممكن بعد مداومة الجلسات ايدك ورجلك الشمال تتحرك بعد اسبوعين وممكن أقل إن شاء الله، فمتقلقش.
هز رأسه بتقبل، وهو يخبرها ببسمة صغيرة: شكرًا ليكِ يا دكتورة، تعبتك معايا.
أجابته بحـ.ـز.ن: تعب أيه بس، ده انت زي أخويا، كفايا معزتك عند دكتور يوسف إنت وجمال.
رد عليه وقد استكان بعينيه على جمال الذي يضع الوسادة من خلفه: ربنا يديم الود بينا.
وقفت سيارة على أمام المنزل، فهبط لصندوق السيارة يجذب الحقائب بعدmا عاد برفقة أحمد مجددًا للمنزل، هبط أحمد خلفه يعاونه بحمل الحقائب فاعترض على باحترامٍ: أنا هطلعهم لوحدي يا عمي، اتفضل حضرتك بالعربية وأنا دقايق وراجعلك.
منحه ابتسامة لطيفة واتجه للسيارة مثلما طلب منه، لينطلق على به للمشفى.
شعر أحمد بأن هناك أمرًا ما به، صمته كان غير طبيعيًا بالمرة، فاستدار بجسده تجاهه ثم قال بريبة: مالك يا علي؟ من ساعة ما ركبنا العربية وإنت ساكت طول الوقت، طمني إنت كويس؟
منحه بسمة صغيرة، ليكبت داخله هذا الو.جـ.ـع الغير مبرر، فقال وعينيه مصوبة على الطريق: أنا بخير والله، بس اللي حصل لعمران ملخبط دنيتي شوية.
هز رأسه بتفهمٍ، وابتسم وهو يسأله باهتمامٍ: طيب وفاطيما أخبـ.ـارها أيه؟
ذكره لاسمها استرده شوقه الهائم بها، لم يراها منذ الأمس وها هو الآن يمتنع عن الذهاب للمشفى لحاجة أخيه إليه، خرج من شروده وهو يخبر صديقه الجيد بسماع مشاعره دون كللًا أو ملل: صارحتها بحبي وعرضت عليها الجواز.
زوى حاجبيه بدهشةٍ: مش حاسس إنك أخدت الخطوة دي بدري شوية؟!
تفادى الطريق لينحدر للجانب الأخر، فتوقف عن القيادة محررًا حزام الآمان من حوله: حسيت إني مقيد يا عمي، محتاج أكون موجود جنبها أكتر من كده، أنا عايزها جنبي. عايز أعوضها عن كل اللي شافته ومش قادر غير لما تكون مراتي.
ابتسم وهو يراقب العشق يظلل بجناحيه على ابن أخيه، فتغاضى عن تلك النقطة بنقطة أخرى: طب وردها كان أيه؟
التفت إليه بحـ.ـز.ن جعله يقود سيارته مرة أخرى مرددًا بنزقٍ: عايزة تغير الدكتور.
تمعن أحمد به قليلًا ثم انفجر ضاحكًا بشكلٍ جعل الاخير يضحك، ليشاكسه من بين ضحكاته: الحب عـ.ـذ.اب ولوعة وحيرة يا أبو حميد.
اسند رأسه للنافذة ليثيره ساخرًا: وأيه كمان يا عبد الحليم يا حافظ!
لعق شفتيه يخبره بمكرٍ: مش ناوي تقولي بقى مين الصاروخ الجوي اللي مكـ.ـلـ.ـبشك طول السنين دي كلها ومخلية الصحافة مالهاش سيرة غير أحمد غانم الاربعيني الأعزب!
احتدت نظراته إليه، ليردد بصرامةٍ: ولد!
ضحك وهو يشير له بإبهامه، فصاح الاخير: نسيت اني عمك وليا احترامي ولا أيه! شكلك كده يا دكتور هتقلب على عمران المشاكس وده مش معتاد منك.
أجابه على الفور مدعي البراءة: بتشبهني بعمران! ظلمتني يا عمي، ده أنا عفيف ومحترم وصاين نفسي لبـ.ـنت الحلال!
علي كده بقى أنا سلطان العفة والعفاف!
رمش بعينيه بصدmة، فعاد يتطلع إليه وفجأة انفجر كلاهما من الضحك.
بالمشفى.
طرقت الباب وحينما استمعت لصوته يأمرها بالدخول ولجت مايسان للداخل، استقبلها ببسمته الجذابة فارتبكت وهي ترفع الحقيبة إليه: جبتلك الهدوم زي ما طلبت من علي.
ودنت تضعها على الفراش، ثم اشارت بخجل: تحب أساعدك تخش تغير بالحمام ولا أخرج وتغير هنا.
ذم شفتيه بمكرٍ: مش عارف، بس أنا مش قادر أحرك ايدي ورجلي الشمال بحركهم حركة بسيطة.
وصمت بخبث يفكر في حلٍ لتلك المعضلة: خلاص اخرجي ناديلي واحدة من الممرضات تيجي تساعدني.
وأضاف ببسمة واسعة تفنن بجعلها عاطفية: في ممرضة اسمها آشيلي برتاحلها ايدها خفيفة فيفضل تكون هي.
احتدت عينيها بنظرة لو كانت حية لكان في عداد مـ.ـو.تاه الآن، فاتجهت للحقيبة تجذب بنطاله والتشرت الصوف للفراش، ثم جذبت الجاكت تعلقه على ظهر المقعد.
أزاحت عنه الغطاء وعاونته على الاستقامة بجلسته ممددًا قدmه خارجه، ورفعت يدها تحاول فك زر قميصه، ارتجفت يدها أمامه وكأنها تحاول ارغام ذاتها على السرقة وإرتكاب المحرمـ.ـا.ت.
ابتسم عمران وهو يراقبها باستمتاعٍ، احداهن خلعت توب الحياء فكانت تتقرب منه بطريقة مخجلة، والأخرى زوجته حلاله تخشى أمامه وكلما تعلقت عينيه بها يصطبغ وجهها كالحمرة!
وللأمانة يروق له حيائها فيشعر بأنها ثمينة غالية، غير تلك الرخيصة التي جعلته يكره ذاته بعد كل خطيئة جمعتهما.
رفع عمران يده يثبتها على أصابعها المرتجفة وعينيه تعانق خاصتها مردفًا بشفقةٍ على ارتباكها الظاهر: خلينا نستنى على أفضل.
تنفست الصعداء وغادرها تورد بشرتها، فحملت الملابس للمشجب القريب من الباب، وعادت تسأله بحدة وهي تدعي انشغالها بترتيب ملابسه: هتستنى على فعلًا ولا أناديلك آشيلي؟
اعتدل بجلسته بعناءٍ، فمنحها نظرة ماكرة قبل أن يضحك بصخبٍ، فازدادت غـــضــــبًا وهي تراقبه يستهزأ بها، فاستغل قربها منه ليجذب يدها، ارتبكت مايسان للغاية، وحاولت سحبها منه فوجدته ينحني طابعًا قبلة رقيقة على أصابعها هامسًا ورماديته لا تحيل عنها: أنا أقسمتلك بكتاب الله يا مايا!
سحبت كف يدها منه بـ.ـارتباكٍ، فتراجعت للخلف وهي تردد بتـ.ـو.ترٍ: آآ، أنا، آ.
استدارت وهي تحاول إيجاد ما ستقوله لتتهرب مما فعله، فراقبها بانتشاء صدح بهمسه الساخر: مفيش داعي أنا مقدر حالتك ووعد مش هعمل شيء يكسفك تاني.
هزت رأسها، فقال باستغراب: طب خلاص بصيلي بقى.
التفتت إليه بخجل فاتسعت بسمته وتمدد يتطلع لها بهدوء جعل قلبها لا يهدأ، فتمنت لو اخبرته أن يكف عن كل شيءٍ يفعله حتى نظراته تلك!
طرق الباب ومن ثم دفعه على ليطل من خلفه أحمد الذي أسرع لعمران المتفاجئ بوجوده وبفرحة يستقبله: عمي!
ضمه أحمد إليه مربتًا بحنان على ظهره: ألف سلامة عليك يا حبيبي.
ومال لأذنيه يهمس بصوت غير مسموع الا له: شوفت أخرة الشمال!
كبت ضحكاته وهو يؤكد له ساخرًا: شوفت واتعلمت درس مش هيتنسى.
ابتسم وهو بـ.ـنتصب بوقفته موجهًا حديثه لمايسان: إزيك يا بـ.ـنتي عاملة أيه؟
أجابته ببسمة واسعة: أنا الحمد لله بخير يا عمو، حمدلله على سلامة حضرتك.
اكتفى بإيماءة بسيطة بينما قال على وهو يتفحص ملابسه: إنت لسه مغيرتش!
تلقائيًا تطلع إليها فوجدها تفرك أصابعها خجلًا من سؤاله، فأخبره بمزحٍ: مبتكشفش على حد غير أخويا أنا حر يا جدع.
تعالت ضحكات أحمد، ففتح ذراعه لمايسان وهو يشير لها: طب تعالي نخرج احنا يا مايا ونسيب على يستر أخوه آآ. أقصد يلبسه.
اتبعته مايسان للخارج، فجذب على البنطال والتيشرت إليه، ثم شرع بتبديل ملابسه ببسمة خبيثة: مدخلش عليا حوارك ده، إنت وقح وما بتصدق تستغل الفرص.
رفع ساقه بالبنطال استجابة ليد أخيه وأجابه: محبتش أكسفها، دي شوية كمان وكان هيغمى عليها من الكسوف!
وضحك وهو يستطرد بمزحٍ: عجبني إنها مصرة متخلنيش أنادي مزة من المزز الاجانب وصممت تساعدني وبالنهاية انت اللي لبستها.
رفع ذراعه بحذر والحـ.ـز.ن يعتلي معالمه، فحاول الا يبدي له شيئًا حتى انتهى، فجذب الجاكيت يحاوطه به، ثم منحه فرشاة الشعر والمرآة والبرفيو الخاص به.
حاول عمران جذبها بيده اليسري وحينما رفعها بثقل جعله ينهج بصعوبه جذبها بيده الاخرى قائلًا بوجوم: تفتكر كلام دكتورة ليلى صحيح والمسألة فعلًا هتكون كام يوم!
استمد ثباته ليقف قبالته مؤكدًا: عمران بلاش تشغل دmاغك بالتفكير باللي حصل، فكر إن ربنا نجاك من المـ.ـو.ت وإنك حي، دكتورة ليلى كلامها مظبوط الجرعة اللي اخدتها نسبتها بسيطة وده اللي نجدك.
أراد أن يغير مجرى الحديث، فأشار له وهو يهم بالنهوض: طب إسند خلينا نمشي من هنا.
أمسكه على جيدًا فخطى لجواره للخارج فأسنده أحمد من الجهة الاخرى، بينما فتحت لهم مايسان باب المصعد ومن ثم باب السيارة الخلفي لتستقر جواره بالاخير.
وقفت خارج المطعم بترددٍ، تود أن تهرب لمكانٍ تبقى به بمفردها، لا تعلم ماذا يصيب قلبها؟
كل الذي تعلمه بأنها لا تحبذ التواجد مع هذا السمج، سحبت شمس نفسًا مطولًا قبل أن ترفع طرف فستانها وتصعد الدرجات المتبقية برشاقة تتناسب مع جسدها، فولجت لداخل المطعم تبحث عنه بعينيها، فتفاجئت بالمكان لا يحوي سواه، فعلمت بأنه حجز المطعم بأكمله لغدائهما وبالرغم من انزعاجها الشـ.ـديد الا أنها استعادت ثباتها، وجدته يجلس على أحد الطاولات الفخمة كعادته يعبث بهاتفه، زفرت بمللٍ واستكملت طريقها إليه، فما أن رآها حتى نهض يجذب لها المقعد مدعيًا لابقته بالتعامل معها.
جلست شمس بهدوء مستندة على يدها وعينيها تجوب المكان من حولها، تبحث عنه وسط أوجه الحراس، تجهمت معالمها حينما لم تجده من بينهم، وكأنها فقدت ضالتها فجأة، ظهوره يهون لها تواجدها جوار ذاك المستبد.
أفاقت على صوته المتساءل للمرة الثانية: شمس إنتي معايا؟
تنحنحت بحرجٍ: معلش سرحت شوية، كنت بتقول أيه؟
قدm لها القائمة ببسمة خببثة: بسألك تحبي تأكلي أيه، بس شكلك مش معايا خالص.
التقطت منه القائمة، وتفحصتها بأعين شاردة لا ترى ما أمامها، ودت لو سألته بشكل واضح أين آدهم؟
فقالت وهي تدعي عدm مبالاتها: هو مفيش حد هنا غيرنا ولا أيه؟
رد عليها ببسمة زرعت القلق إليها: وده أفضل شيء عشان نتكلم براحتنا.
وتابع بنظرة شك أحاطته: من ساعة حفلة إيملي وأنا حاسس إنك متغيرة ومبقتيش تردي على مكالمـ.ـا.تي، فهميني في أيه يا شمس؟
جذبت كوب العصير من أمامها ترتشفها بتـ.ـو.ترٍ، واندفعت تخبره: أيوه زعلانه منك ومش متقبلة اللي عملته.
أيه اللي عملته؟!
ردت بقوة وجراءة: راكان أنا مبحبش الخـ.ـنـ.ـقة اللي إنت مصمم تحطني فيها، ماليش في الحفلات دي ولا في قاعدتهم.
وتابعت ومازالت ترمقه بغـــضــــب: زائد إنك لازم تتقبلني زي ما أنا، مش فرض عليا ألبس اللي تحبه وتختاره، أنا مش هطلع من تحكمـ.ـا.ت فريدة هانم لتحكمـ.ـا.تك.
تفاجئ بما قالته وخصوصًا بحديثها عن الحفلات وغيرها مما تعد روتين أساسي بحياته، فلعق شفتيه بمكرٍ وداخله يأجج مقولة أن يستدرجها حتى تصبح زوجته وحينها سيعلمها ما يجب فعله، فتنحنح بخشونة: أنا مكنتش أعرف إنك زعلانه أوي كده بس أوعدك مش هعمل اللي يزعلك تاني.
اكتفت برسم بسمة صغيرة، وابتعدت عن الطاولة بجسدها لتسمح للنادل بوضع الطعام، وشرعت بتناوله لتتهرب من حديثه خاصة بعد أن أغلق هاتفه وتفرغ لها حينما تأكد ان هناك ما يضيق صدرها منه.
وحينما فرغوا من طعامهما، وضع راكان مبلغًا طائلًا من المال واتجه بها للخارج، فخفق قلبها سريعًا فرحة حينما وجدت آدهم يقف بالخارج جوار احد سيارات الحرس، يتبادل الحديث برفقة فؤاد السائق الخاص لراكان.
هبطت خلفه ففتح لها راكان الباب الخلفي ومازالت تقف مقيدة، تنتظر أن يستدير ليمنحها بسمة الهادئة وترحابه المعتاد بينهما، ولكن ما صدmها بأنه صعد جوار فؤاد بالامام غير عابئ بجلوسها برفقة راكان بالخلف.
وجدها تتطلع إليه بالمرآة الامامية فابتسم بخبث وهو يتابع بروده، فاشغل ذاته بتأمل الطريق وحركة سيارات الحرس من أمامهم وخلفهم، وفجأة ضـ.ـر.بت السيارة الامامية لصفهم بالنيران فاشتعلت مصدرة انفجار دوى المكان بأكمله وقبل أن يستوعب ما يحدث احاطهما سيارات يملأها الرجـ.ـال المسلحين من كل مكان، صرخت شمس بفزع بينما صاح راكان وقد هبط عن مقعده لاسفل السيارة: في أيه يا آدهم؟
جذب سلاحه من تابلو السيارة يجيبه وهو يقفز خارجها: أكيد النمساوي حابب يواجب بعد اللي حصل لرجـ.ـالته.
ورفع سماعته يصيح برجـ.ـاله: أمنوا عربية الباشا.
وفور انتهائه اجتمع حولهم عدد من الرجـ.ـال الخاصين بآدهم يردون ضـ.ـر.ب النيران بحرافية، بينما أسرع آدهم يفتح الباب الخلفي يعاونها للهبوط مرددًا: متقلقيش يا شمس هانم هنخرجك من هنا حالًا.
تلقائيًا تمسكت بيده وهي تترجاه برعـ.ـب: أنا مش عايزة أمـ.ـو.ت من فضلك روحني.
أشار لها برفقٍ وهو يتجه بها لزقاق جانبي، وحينما ضمن إنها تختبئ خلف أحد الأعمدة السكانية عاد يجذب راكان ويتحرك به وسلاحه مسلط على المسلحون، فأوصله لها وعاد لينضم لرجـ.ـاله، فتابعته شمس بصدmة وخــــوف عليه، وفجأة شعرت بيد تكمم فمها وتحرر سلاح حاد على رقبتها لتنفلت صرخاتها دون توقف، مما دفع آدهم يركض صوبها صارخًا: شمس!
الساعات تمضي دونك كالأعوام، وعقرب الوقت لا يتوقف عن افتعال ثورته وكأنه يحسب البعد بالمسافات، والهواء أصبح كالثليج وكأنك سحبت خلفك الدفء والأمان، وقلبي يا حبيبي يصـ.ـر.خ طالبًا ضمة عينيك وعاطفة هواك!
جفاها النوم دونه، لم يفعلها يومًا وتخلى عنها، انقبض قلب فطيمة، فلجأت للصلاة كلما احتد بها الألــم، فرددت بصوت محتقن وبكائها ينسدل على سجادة صلاتها: يا رب متبعدهوش عني أنا ماليش غيره!
ونهضت تلقي التحيات وسلمت جالسة على سجادة صلاتها تبكي دون توقف، فبرقت بعينيها بصدmة حينما تسلل لها صوته الرجولي العميق: عمري ما أبعد عنك يا فطيمة، مش هيفارقنا غير المـ.ـو.ت وهيكون يومي قبل يومك.
بلعت ريقها بصعوبة وهي تستدير للخلف ببطء فوجدته يجلس على المقعد القريب منها، خرج صوتها هامس بخفوتٍ: علي!
↚تواجدهم بذلك المكان هدفهم هو راكان والذي كان يعلم هوايتهم الحقيقية بعدmا تسرب إليهم خبر القبض على شحنة الأدوية الفاسدة، خشية من أن يكون تم كشفه للحكومة المصرية، الخلاص منه الآن هو الحل الأمثل، وخاصة بعد رفضه مقابلة الرجل الذي يعلوه، توقع آدهم ذلك ولكنه افترض بأن ما يحدث من الممكن أن يكون تابع لرجل الأعمال النمساوي بعد أن ناطحه راكان بسوق التجارة، هكذا ما يخبره به راكان، فكان يرفض الحديث عن أموره المشبوهة أمام آدهم فلم يصل لمرحلة الثقة الكاملة به.
أمن آدهم ابتعاد راكان وشمس عن تبادل الرصاص الحي، وعاد ينضم لرجـ.ـاله، فتفاجئ بعدد من السيارات يحاوطونهم من جميع الاتجاهات، فخرج كبيرهم على ما بدى وقال وهو يشير لرجـ.ـاله بخفض الاسلحة: لا نريد سفك الدmاء هنا، جئنا لنصطحب السيد راكان لمقابلة رئيسه، وإن لم يخضع لمطلبنا ستسفك الدmاء هنا إن أراد.
تأكدت ظنون آدهم كليًا، لم يخص الأمر مخضع رجـ.ـال الأعمال بل رد فعل للشحنة التي تم تصديرها بالميناء، لاحت على شفتيه بسمة ماكرة، فإن أراد راكان اخفاء عمله القذر عنه حتى بعد تقربه الشـ.ـديد إليه في محاولة لدفعه بالوثوق به والحديث عن عمله المتخفي الا أنه كان حريصًا للغاية، وقد أتته فرصته على طبقٍ من ذهب.
أشار لمن يترقب رد فعله وقال: انتظر هنا سأعود.
وترك الرصيف وانجرف لليابسة تجاه مكان اختباء راكان، فأشار رئيس الحرس الاجنبي لرجلين من رجـ.ـاله بتتبع آدهم بحرصٍ لا يجعله يشعر بهما.
وقف آدهم قبالة راكان المتخفي خلف أحد الأعمدة السكنية، فما أن رآه حتى خرج يسأله برعـ.ـبٍ: عملت أيه يا آدهم، خلصت عليهم؟
ادعى برائته خلف قناع خبثه اللئيم: عددهم أكبر مننا يا باشا منقدرش نشتبك معاهم.
رد بعصبية قبضت عروق رقبته: يعني أيه الكلام ده هتسبهم يقــ,تــلوني!
وضع سلاحه خلف ظهره، ثم اقترب يخبره بمكرٍ مستلذًا برؤية الخــــوف ينهش معالمه: كبيرهم أكدلي إنهم مش هيأذوك بيقول أن في رئيسه عايز يقابلك، وفعلًا شكلهم مش جايين وناويين شر.
وضيق جبينه ببراءة وخــــوف: هو إنت تعرف الناس دي مين يا باشا، أنا افتكرتهم تبع النمساوي بس الظاهر إنهم تبع حد تقيل، لو تعرفهم قولي يمكن أساعدك!
ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر شـ.ـديد، فأزاح رباطة عنقه وبدأ يزيح حبات العرق المتصلب على جبينه، هامسًا بهلعٍ: دي خدعة عايزين يتخلصوا مني بعد ما اللي حصل.
تساءل بهدوءٍ وقد وصل لعتبة مبتغاه: حصل أيه؟
آدهم!
صوتها الانوثي تحرر مستغيثًا بمن يقف على بعدٍ منها، استدار آدهم وراكان للخلف فتفاجئوا بأحد الرجـ.ـال يحمل سكين مصوبًا على رقبتها، وكان هو أول من استنجدت به بالرغم من وجود خطيبها المزعوم!
ارتعب راكان حينما رأى مكانه قد كُشف لهؤلاء، فتراجع للخلف مستغلًا انشغال آدهم بما يحدث وهرول للاعمدة من جديد، بينما تقدm آدهم مشيرًا بيديه للرجل وبهدوء قال: دعها في الحال، سبق وأخبرت كبيركم بأنني سأعود بالسيد راكان، لذا من فضلك دعها ولا تؤذيها.
رفض الانصياع إليه وأشار للرجل القابع من جواره، فهرول للرصيف يستدعي كبير الحرس الذي عاد برفقة مجموعة من رجـ.ـاله يراقب ما يحدث، فقال بضجر: أجدك تضيع وقتك في محاولاتك انقاذ تلك السيدة، وللعجب لم تعني للسيد راكان تركها واختبئ دون أن يهتم بها!
تمردت عين آدهم غـــضــــبًا، وكلما راقب نظراتها المذعورة وتوسلاتها إليه بإنقاذها رغم صمتها الشـ.ـديد كان يكور قبضتيه بقوةٍ على وشك أن تفشل مخططاته للكشف عمن يفوق راكان قوة ومكانة داخل تلك المافيا اللعينة، ولكن حينما يتعلق الأمر بها فليذهب كل شيئًا للجحيم!
صوب إليه نظرة قوية، وبتحدٍ لم يكن حاضرًا من البداية قال: اخرس واسمعني جيدًا، إن أردت النجاة أنت ورجـ.ـالك فأمره بتركها في الحال والا سأعد باقي جثمانك لرئيسك محمولًا بأكياس بلاستكية.
انفجر الرجل ضاحكًا وهو يتابع تجمهر رجـ.ـاله حول ذاك الشجاع بأسلحتهم من جميع الاتجاهات، ومع ذلك يتفنن بالحديث، وقبل أن تنتهي ضحكته الساخرة وجد رجـ.ـاله الخمس يقعون أرضًا حينما انحنى آدهم ممررًا ساقه بشكل دائري يلامس الارض فاصيب اقدامهم، وبلحظة أخرى جذب الاسلحة الملقاة أرضًا، ونهض يحدج من أمامه بنظرة واثقة ويده تتحرر على الزناد بشكل دائري مستهدفًا اقدامهم ليحول الصمت لصرخات مقبصة جعلت شمس تغلق عينيها صدmة ورعـ.ـب من ذاك الذي تستنجد به!
تلاشت ضحكاته وتراجع خطوات أقرب للسقوط بهلعٍ حينما عاد السلاح يسلط على ضوءه الأحمر على جبينه، فاجلى آدهم صوته قائلًا: والآن ستستمع لي جيدًا، ستأمر ذاك الأرعن بتركها وإن لم تفعل ستعرف رصاصتي طريقها إليك.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، فرفع اصبعيه يشير للاخر بترك السكين عن عنقها، وما أن فعل حتى هرولت شمس تختبئ خلف ظهر آدهم ويدها تشـ.ـدد على جاكيته برعـ.ـبٍ.
رفع كبير الحرس يده للاعلى استسلامًا للسلاح المنصوب أمامه، فترك رجـ.ـاله الرصيف وهرولوا لبقعتهم فور سماع صوت الرصاص الحي، فأمرهم بذعر: تراجعوا سيقــ,تــلني!
وعاد يتطلع لنظرات تلك الشرس ثم قال ببسمة يرسمها بالكد: أرى أن تلك السيدة تعني لك أكثر من السيد راكان نفسه لذا هاك عرضي، ستغادر برفقتها بأمان ولتتركه لنا.
عند سماعه لتلك الكلمـ.ـا.ت تحرر الجرذ من مخبأه فخرج يشير لآدهم بخــــوف لا يعتلي سوى النساء: لا يا آدهم اوعى تسلمني ليهم، دول هيمـ.ـو.توني.
وزع آدهم نظراته الصامتة بينهما، يقع على عاتقه خيران كلاهما أبشع من الاخر، ما بين فشل مهمته المكلف بها منذ أشهر وذاك ليس بقاموس ملفه الثري بانجازه أي مهمة عمل بها، وما بين تلك الهزيلة التي تتشبث بجاكيته فتسري رعشتها لقلبه وكأنها تزلزل كل ذرة تمردت على الاعتراف بحبها داخله!
وفوق كل ذلك رأى قسمه الصريح بالا تتدخل عواطفه ومشاعره تجاه عملًا سيخدm الشعب المؤكل بحمايتهم، مازال يتذكر أخر شحنة من أدوية السكر والضغط كم خلفت عدد من الضحايا بسبب هؤلاء اللعناء فجعلته يتراجع عن منصبه السري بالجهاز ويختار السفر والعمل بذاته دون زرع رجـ.ـالًا، والآن عليه الاختيار.
التقط نفسًا مطولًا وزفره على مهلٍ وهو يستعيد ثقته وشراسته بالحديث، فإن إلتمسوا ضعفه من المؤكد سينتهي الامر بثلاثتهم هنا، فقال: أنا من سيصدر الأمر هنا لذا إليك ما سيحدث، شمس هانم ستغادر الآن وسنذهب أنا والسيد راكان برفقتك وإن أرادت أن نخوض تلك الحرب لا مانع لدي ولكن قبل أن يخطو رجـ.ـالك خطوة واحدة سأنتزع رأسك برصاصتي.
صرخ به راكان بصدmة: إنت بتقول أيه يا آدهم!
تجاهله وتابع وعينيه تشير لمكان الرصيف العلوي: فلنتظر خلفك، رجـ.ـالي يحاوطون الجزء العلوي يترقبون اشارتي حينها ستصبح أنت ورجـ.ـالك بعداد المـ.ـو.تى.
صمت الرجل قليلًا يفكر بالأمر من جميع الاتجاهات، فقال بهدوءٍ: حسنًا لك ذلك.
هز رأسه باستحسان وأمره: فلتخبر رجـ.ـالك باخفاض أسلاحتهم.
أشار لهم بالفعل، فترك الجميع أسلحتهم وفي تلك اللحظة استدار آدهم لمن تتمسك به، فمنحها مفتاح سيارته وهو يشير لها بحزمٍ: خدي عربيتي وامشي من هنا حالًا يا شمس.
تناولت منه المفتاح بيد مرتجفه وعينيها الباكية لا تفارقه، فقالت بـ.ـارتباكٍ: طب وإنت، وآآ إنتم!
صرخ بها بحدة وصرامة خشية من أن يطولها الأذى: امشي حالًا يا شمس ومترجعيش هنا، حالًا.
هزت رأسها وهي تهرول لخارج بقعتهم راكضًا حتى وصلت لسيارة آدهم، صعدت إليها وتحركت بها بعيدًا عن طريقهم تحت مرمى الانظار المتبادلة عليها، فما أن ابتعدت حتى تحدث كبيرهم: ها قد نفذنا ما أرادت، هيا لنذهب الآن.
استدار آدهم تجاه راكان الذي يحدجه بنظرات قـ.ـا.تلة، فصرخ بعصبية بالغة: إنت أكيد مـ.ـجـ.ـنو.ن يا آدهم ازاي تعمل كده وكل ده ليه! ما تغور شمس في داهية إنت ناسي ان العلاقة دي كانت لشكلي العام بالطبقة المخملية، مش على حساب رقبتي يا آدهم!
أجابه بحكمة تجاهد لعدm اثارة ريبته: يا باشا افهمني، الناس دي شكلها مبتهزرش وبعدين أنا قولتلك اني قاريهم وقاري دmاغهم، هما مش عايزين الأذية ليك، وبعدين ما أنا هكون معاك ومش هسيبك ولسه عند وعدي أفديك بروحي!
ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر وهو يتطلع للسيارة التي بانتظارهما للصعود، وعاد يتطلع إليه ليخبره بخــــوف: الناس دي مبتهزرش يا آدهم وأكيد ممكن يتخلصوا مني خصوصًا بعد اللي حصل.
سأله مجددًا وهو يصعد جواره بالسيارة التي تحركت بهما على الفور: هو أيه اللي حصل، وأيه طبيعة الشغل اللي بينك وبين ناس خطيرة زي دي صارحني يا باشا علشان أقدر اساعدك؟
أجابه بتـ.ـو.ترٍ: أنا هحكيلك على كل حاجة.
دعواتها لم تكل أبدًا، يومين كانوا بمثابة عامين بالنسبة لها، تضرعت لربها طالبة برجاء الا يبتعد عنها، رغمًا عنها تجده الأمان والــســكــيــنــة لها، رغمًا عنها تحتاج لدفء وجوده، والآن هل تتخيل وجوده لجوارها بهذا الوقت المتأخر!
نهضت فطيمة تحمل سجادتها، فاستدارت تجاه الصوت المحيط بها، فوجدته يجلس على المقعد يراقبها ببسمة هادئة، عاد لسانها يردد دون دارية منها: علي!
لأول مرة يستمع إسمه دون نسب أي ألقاب قبله، شعر بأن عاطفته تقذفه بمنطقة ستعد الاخطر لمشاعره على الاطـ.ـلا.ق، فاستقام بوقفته قبالتها وببسمته الجذابة قال: على المحظوظ اللي ربنا بعته في الوقت ده عشان يسمع بودنه دعواتك وحـ.ـز.نك على غيابي.
رمشت بـ.ـارتباكٍ، فاتجهت لفراشها تضع السجادة على طرفه: آآ، أنا آآ.
لحق بها حتى بات خلفها، فاستدارت لتكن بمواجهته قائلة بحـ.ـز.ن متعصب: جاي ليه يا دكتور، مش حضرتك سلمت حالتي لدكتور تاني؟
لم تزيح كلمـ.ـا.تها ابتسامته، بل فاض بنبرته الحنونة: ولا عمري أقدر أعملها، أنا بقالي يومين مبجيش المستشفى.
أحمر وجهها حرجًا، فازدادت ربكتها وتهـ.ـر.بت من لقائه مجددًا فاتجهت للشرفة تحيط عينيها الحديقة السفلية.
لحق بها علي، فاختار الوقوف على بعد مسافة آمنة منها وهو يحاول استكشاف معالمها حينما يقول: جيت من شوية أستأذن من المدير لاني مش هعرف أجي الفترة الجاية.
فور نطقه بما قال إلتفتت إليه سريعًا بلهفةٍ جعلت عينيها تلمع، فرددت بصوتٍ متحشرج: ليه؟
يعلم بأنها مازالت تحارب ذاتها، مازالت تكابر مانعة أن تفرض عليه معاناة قد اختصت هي بها، ولكن الأمر لن يزيده الا اصرارًا، فقال: أخويا تعبان ومحتاجني جنبه.
واتجه للاريكة القريبة، يحتلها وعينيه لا تفارقها: فقولت أعدي عليكي قبل ما أرجع البيت.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم دmـ.ـو.عها المتدفقة والتي تحاول جاهدة إخفاءها، فتحرر صوتها يفـ.ـضـ.ـح بكائها: يعني حضرتك مش راجع المستشفى تاني؟
صمت قليلًا يفكر بما قدmه له أخيه دون أن يعلم، فأخفى ابتسامته الخبيثة وهو يجيبها: لا مش هرجع غير لما يرجع يقف على رجله من تاني والله أعلم ده هيحصل أمته!
اهتز صوتها الذي يجاهد بخروجه كخروج روحها: ربنا يشفيه ويطمنك عليه.
انحنى يجذب المقعد القريب منه ليضعه مقابله، ثم أشار لها: اقعدي يا فطيمة.
عبثت بحجاب اسدالها الطويل بـ.ـارتباكٍ، ومع ذلك مضت لتجلس قبالته، لتجده يتطلع لها بصمتٍ ثم قال: ليه بتكابري يا فاطيما، قلبك ملان بالحب وعيونك فضحاكِ، ليه مصرة تلوثي أفكارك بكلام مالوش أي منطق، أنا اللي اختارتك وأنا اللي طلبتك للجواز وأكيد مخدتش القرار ده في يوم وليلة، أنا عارف أنا عايز أيه كويس واللي عايزه هو إنتِ.
كادت بالحديث فعارضها حينما احتدت نبرة صوته: مفيش حد أدرى بحالتك أكتر مني يا فاطيما فأنا عارف كويس اللي حصل واللي بيحصلك، عارف وراضي ومستعد أحارب معاكِ لحد ما تستعيدي نفسك من تاني.
أخفضت عينيها عنه فبكت بصوت وصل لمسمعه فمزقه بنجاح لم تتعمده هي، فهمست بخفوت: مالكش ذنب تخوض معايا الرحلة دي، صدقني هتنـ.ـد.م، أنت تستحق بـ.ـنت كويسة وتكون آ.
انتصب بوقفته يصـ.ـر.خ بوجهها بعصبية جعلتها ترتد للخلف بخــــوف: مش أنت اللي هتكرري المناسب ليا يا فاطيما، أنا مش عيل صغير وواعي لاختياري، أنا مستني منك كلمة واحدة وصدقيني عمري ما هنـ.ـد.م ولا هديكي فرصة إنك تنـ.ـد.مي.
واستكمل بو.جـ.ـعٍ قاطع: فاطيما أنا بحبك وعايزك ومتقبلك زي ما أنتِ حتى من قبل ما أعالجك.
جز على أسنانه بغـ.ـيظٍ من صراخه، فعاد يتحدث بهدوءٍ وعقلانية: أنا مش عايز أضغط عليكي عشان كده اعتبري فترة غيابي عن المستشفى هدنة كويسة للتفكير.
ومنحها بسمة صغيرة تكبت الآلآم البادية برمادية عينيه: تصبحي على خير يا فطيمة.
وإتجه ليغادر المشفى بانكسار يحتل معالمه حينما فشل مرة أخرى بأن تتقبله، فاتجه لباب غرفتها حرره ووقف على عتبته يراقبها على أمل أن تستدير إليه وتخبره موافقتها، ولكن ازداد ألــمه حينما وجدها مازالت تجلس على المقعد ساهمة بالفراغ من أمامها، فقال برجاءٍ إلتمسته بنبرته الحزينة: خلي بالك من نفسك.
وغادر للمصعد على الفور، فاستند على المرآة الداخلية للمصعد وضـ.ـر.ب بقبضته الجانب المعدني مرددًا بغـ.ـيظٍ: ليه!
ابتعد وهو ينظم تنفسه تدريجيًا، لم يعتاد رؤية انهياره، اعتاد بأن يلتحف بالقوة والثبات، فجذب نظارته الطبية يرتديها مرة أخرى بعدmا فرك عينيه المتألــمة، وفور توقف المصعد خرج ليجد الطقس قد ازداد سوءًا، فبدءت الأمطار تهبط بقوتها المعتادة، أسرع على تجاه الچراچ يستقل سيارته، فخرج بها متفاديًا رزاز الامطار بمساحة السيارة الأمامية.
وقف قبالة مبنى المشفى يترقب أن تخف حدة الأمطار ليتمكن من القيادة، فمال بجسده على الدريكسون بتعبٍ.
فزاحمه ببقعة أحزانه صوتًا خافتًا على نافذته الزجاجية، اعتدل على بجلسته يحاول رؤية من بالخارج، فلم يستطيع من تزاحم مياه الأمطار، فأخفض النافذة الزجاجية حتى تسنى له رؤية من بالخارج.
فاطيما!
تراقص لسانه بنطق حروف إسمها، فابتسم حتى أدmعت عينيه تأثرًا برؤيتها باكية من أمامه، وعلى ما بدى من اهتزاز صدرها وإلتقاط أنفاسها بأنها ركضت للأسفل بسرعة أرهقتها.
فتح باب سيارته وهبط يقف قبالتها والامطار تعصف بأجسادهما، وعينيه لا تحيد عن المياه التي تتسلل على عينيها فامتزجت بدmعاتها، فقدت قدرتها على الحديث، فلا تعلم بماذا ستخبره لذا أثرت الصمت ودmـ.ـو.عها لا تتوقف.
توقف الزمان من حولهما ولم يبقى سواهما، الجميع يختبئ من غـــضــــب المياه عداهما، الحب يمنح أجسادهما طاقة غريبة لتواجهه بعسليتها والآخر برماديته الداكنة، وفجأة وجدته يبتسم وهو يرنو لها وصوته الرخيم يرفرف فرحة: أوعدك إنك عمرك ما هتنـ.ـد.مي على قرارك ده يا فاطيما، هحطك جوه عيوني وهعوضك عن كل ثانية اتو.جـ.ـعتي فيها، مش هعاملك كزوجة هعاملك زي الملكة طلباتك مجابة وأوامر، دmـ.ـو.عك دي مش هتكونلها مكان على وشك من النهاردة. أوعدك!
ورفع اصبعه للسماء مسترسلًا: السما مفتوحة ووعدي ليكِ دين في رقبتي لأخر العمر.
خفق قلبها بقوةٍ وكأن انذار خطر مشاعرها وصل بها لأبعد نقطة، فأخفضت عينيها على استحياءٍ، وخاصة حينما نزع عنه جاكيته ودنى ليرفعه على حجابها ليحجب عنها المياه التي أغرقت اسدال صلاتها الرقيق، فتحرك بها حتى وصل لمقعد السيارة الجانبي إليه.
لعقت شفتيها وهي توزع نظراتها بينه وبين السيارة بتـ.ـو.تر، لا تعلم ماذا ستفعل؟
مازالت تشعر بالريبة من البقاء برفقة أي بشر يحمل جنس ذكر، وبالرغم من الأمان الذي يتسرب لها بوجود على ولكن لم يتخطى تلك الدرجة التي تهيأها للصعود برفقته بالسيارة والذهاب لمكان سيجمعهما بالتأكيد!
طالت بوقفتها ومازالت تحاول اخفاء ما يعتلي أفكارها، لا تعلم بأنه كطبيب يدرس حالتها بشكل أكبر احتمالية بزواجها من شخصٍ عادي، فقال ببسمة هادئة: متخافيش احنا هنخرج من هنا على أقرب مطعم، هنتكلم وهناك هتقابلي حد من العيلة كان نفسها تشوفك أوي.
بالرغم من الفضول الذي انتباها لمعرفة هذا الشخص الا أنها اكتفت بهزة رأسها وصعدت للمقعد، يكفيها عشرتها الطويلة له، على لن يغدر بها أبدًا، ليس كباقي الرجـ.ـال المستذئبون، هكذا طمنت ذاتها حتى هدأت تمامًا.
أغلق على باب السيارة واستكان بالبعد عنها، رأته فطيمة يتحدث عبر الهاتف والسعادة تتقاذف من وجهه وعلى ما بدى لها بأنه يقص موافقتها لنفس الشخص الذي ستلقاه بعد قليل!
سعدت للغاية لسماعها هذا الخبر المفرح، فقالت بسعادة: ربنا يفرح قلبك يا على انت طيب وتستاهل كل خير، أنا هلبس وهجيلك حالًا وهجبلك مفتاح شقة بابا تقعد فيه لحد ما تشوف هتعمل أيه مع فريدة هانم.
وتابعت بصدق نابع من داخلها: والله أنا لولا حالة عمران كنت جيت قعدت معاها بنفسي.
استمعت لما قال وأغلقت مايسان الهاتف بسعادة، فاستدارت لتجده مازال غافلًا، فخرجت لغرفتها واتجهت للخزانة تجذب ملابسها وترتديها مسرعة، وقبل أن تهبط للأسفل اتجهت بحرج لاحد الغرف، فطرقت على بابها وترقبت أن يُفتح بابها.
فتح أحمد الباب وهو يجاهد لفتح عينيه بنومٍ، فردد بلهفة: مايا! عمران كويس؟!
أشارت له تطمنه: كويس الحمد لله، أنا بعتذر أني أزعجت حضرتك بس جالي مشوار مهم ولازم أنزل وقلقانه أسيبه لوحده، لو ممكن حضرتك تبقى تبص عليه.
أغلق مئزره جيدًا وخرج يغلق باب غرفته مرددًا بقلقٍ: مشوار في الوقت المتأخر ده!
أجابته سريعًا وهي تتفحص ساعة يدها: الساعة 11 مش متأخر أوي.
وتابعت بتوضيح: أنا مش هتأخر، وهرجع مع علي.
هز رأسه بهدوء فلم يريد أن يتطفل لمشوارها الذي لم تخبره عنه، وتوجه لغرفة عمران قائلًا ببسمته الهادئة: روحي مشوارك وأنا هنام جنبه النهاردة.
منحته بسمة مشرقة وهي ترد عليه: شكرًا يا عمي. عن إذنك.
أشار لها بنفس ابتسامته وولج لغرفة عمران ليتمدد جوار بتعب ينتابه لعدm راحته بعد رحلة سفره المرهقة من مصر لانجلترا.
بينما بالغرفة القريبة منه.
مازالت تحاول الوصول لابـ.ـنتها، فالوقت تأخر للغاية ولم تعد بعد، ألقت فريدة الهاتف من يدها بغـــضــــبٍ، وصفقت يد بالأخرى وهي تردد بغـ.ـيظٍ: أتاخرت ليه لحد دلوقتي!
وزفرت بضيقٍ وهي تحاول تخمين سبب تأخيرها الغريب، فاتجهت لغرفة على عساه يتمكن من الاتصال بها أو براكان، فتفاجئت بالظلام يبتلع الغرفة، حتى فراشه كان مرتبًا بطريقة أوحت لها بأنه مازال بالخارج، فلم تجد السبيل سوى اللجوء لابنه الاصغر.
اتجهت فريدة لغرفة ابنها، فولجت للداخل بعدmا فعلت أنارة الغرفة، كادت بايقاظه ولكنه توقفت محلها بصدmةٍ حينما وجدته يتمدد جوار إبنها، ارتبكت بوقفتها وتراجعت بضعة خطوات للخلف، كأنها تود الهروب للخارج لتحجب عينيها عن التطلع لملامحه الوسيمة، انتظام أنفاسه وهدوئه الشـ.ـديد، تود أن تكتم صدى صوت قلبها الذي يود القفز عن أضلعها.
لوهلة تخيلته زوجها ومن جوار ابنهما!، ولكن الحقيقة حتمًا مو.جـ.ـعة، وأكثر ما ألــمها طوال تلك السنوات وراثة ابنائها الشباب لون العين الرمادي بالرغم من أن زوجها لم يكن كذلك، فكلما ردد أحدٌ أمامها بأنهم يحملون نفس لون عين عمهم كانت تشتعل غـــضــــبًا، كانت أحيانًا لا ترغب بتأمل على وعمران فكلما رأتهم تذكرته قبالتها!
ابتلعت فريدة ريقها واستعادت ثباتها، فوقفت أمام المرآة تتأكد من انهدام مئزرها الذي يخفي بيجامة نومها الخفيفة جيدًا حتى إن استيقظ جراء ايقاظها لعمران تكون محتشمة أمامه.
واتجهت تهز صدر ابنها منادية بخفة: عمران.
تململ بمنامته على هزة يدها الخافتة، همهم بانزعاجٍ: ممم...
رفعت من صوتها قليلًا: فوق يا عمران.
فتح أحمد عينيه ليتفاجئ بها تحاول إيقاظ عمران، فجلس باستقامة قائلًا بنومٍ: فريدة! في حاجة ولا أيه؟
تحاشت التطلع إليه وقالت بنبرة واجمة: مفيش شمس كانت مع خطيبها واتاخرت بالرجوع، هخلي عمران يتصل بيه ويشوف اتاخروا ليه؟
راقب برودتها بالتعامل معه بهدوء، وقال بضيق وهو يراقب عودتها لتحريك عمران: طيب براحة على الولد، أنا هصحيه.
وبالفعل ناداه أحمد برفقٍ حتى استجاب إليه فعاونه على الجلوس بوضع وسادة خلفه، فردد باستغراب: عمي حضرتك كنت جنبي! أمال فين مايا أنا قبل ما أنام كانت جنبي هنا!
بدى مرتبكًا لا يعلم ماذا يخبره، فقال بتلعثم: هتلاقيها في أوضتها!
ردت فريدة بقلق: لا مش في أوضتها أنا لسه جاية من عندها.
انتفض عمران بفزعٍ: مش معقول تكون سابتني كده وهـ.ـر.بت على مصر زي ما كانت عايزة تعمل قبل كده!
حينما تطور الأمر، قال نافيًا: لا يا عمران هي آآ...
تطلعت إليه لتهاتفه بحدة: مخبي أيه يا أحمد!
زفر بضيق لحق نبرته: بصراحة مايا جتلي وقالتلي أخد بالي من عمران لانها عندها مشوار مهم.
نهضت عن الفراش تصيح بغـــضــــب: مشوار مهم فين بالوقت ده!
أجابها بهدوء: معرفش بس قالتلي هرجع مع علي!
ضمت يدها لرأسها وصرخت بانفعال: هو في أيه بالبيت ده، شمس لسه مرجعتش لغاية دلوقتي ومايا محدش عارف راحت فين وازاي هترجع مع على وعلى مرجعش البيت لحد دلوقتي!
اعتدل عمران بجلسته بصعوبة وهو يتساءل بدهشة: شمس مرجعتش لسه!
أكدت له وهي تستعيد مطلبها الرئيسي: اتصل براكان واساله، لانه مش بيرد عليا وتليفون شمس مقفول.
والتقطت أنفاسها بعنف وهي تستطرد: أنا هيجرالي حاجة.
نهض أحمد واتجه أليها بخــــوف: طيب اهدي بس مفيش حاجة هتتحل بشـ.ـدة أعصابك دي.
وأشار لعمران قائلًا: اتصل الأول براكان وبعد كده نشوف مايا.
هز رأسه وجذب هاتفه يحاول الوصول لراكان، وبالرغم من رنين هاتفه الا أنه لم يجيبه من الاساس، فأعاد الاتصال به وحينما لم يجيبه اتصل بآدهم ولكن دون جدوى، فألقى الهاتف جواره وهو يردد بغـــضــــب: مبيردش لا هو ولا الحارس بتاعه.
تجرد عنها ثباتها الصارم وصاحت برعـ.ـب: يعني أيه، بـ.ـنتي راحت فين؟!
رد عليها أحمد وهو يجذب مئزره الشتوي على الفراش يرتديه: أنا هروح لراكان البيت أشوف في أيه وهبقى أبلغكم.
وتركهما وهرول للخارج فلحقت به فريدة تجيبه بتـ.ـو.تر شملها: أنا كمان هغير هدومي وهجي معاك.
أجابها بعدmا وصل لغرفته: مفيش داعي يا فريدة خليكي انتي جنب عمران وأنا لو وصلت لشيء هبلغك.
هزت رأسها بهدوء وقالت برجاء: بسرعة يا أحمد من فضلك، قلبي هيقف من الخــــوف عليها.
إلتفت إليها وقد ألــمته كلمـ.ـا.تها فقال تلقائيًا: سلامة قلبك.
ارتبكت للغاية، فتنحنحت وهي تشير على باب غرفة ابنها: آآ، هشوف عمران.
أومأ برأسه ببسمة جذابة، فأغلق الباب من خلفها وشرع بتبديل ملابسه ليغادر سريعًا.
انتابها عـ.ـذ.اب من جحيم، فأجج لها ضميرها صورًا مقبضة لما سيحدث، وخاصة بعد تضحية آدهم ليفديها من مـ.ـو.تة كانت واشيكة في حين ذاك الاحمق كان يختبئ خــــوفًا على ذاته، ولتكن صادقة لم يعنيها أمره كثيرًا بل كانت تتمنى لو تخلصوا منه.
خــــوفها كان ينبع تجاه ذاك الحارس، بطل أحداث قصتها التي يسترسلها القلم كلما تلاقت به، منذ بداية ظهوره بحياتها وهو ملاكها الحارس، كل موقف احتاجت المساعدة كان هو أول من قدm لها العون لدرجة جعلتها تتمناه أن يكون خطيبها عوضًا عن ذاك الجبان، لذا أعادت اتجاه السيارة لتلحق بهم بحذرٍ، وها هي الآن تقف على بعد قريب من المكان الذي دلف إليه راكان وآدهم وهؤلاء الرجـ.ـال، ولا تعلم ما الذي ينبغي عليها فعله بالتحديد، فجذبت هاتفها لتبلغ الشرطة بالأمر، ولكنها تفاجئت بهاتفها نفذ شحنه وأصبح دون جدوى!
قيدوه على المقعد البعيد عن مرمى اجتماعهم، بينما جلس راكان على أحد المقاعد المقابلة لذاك الذي يرتشف من النبيذ الأحمر بتلذذ وكأنه لا يعنيه ارتكاب مثل تلك المحرمـ.ـا.ت، فنفث دخانه غليونه باستمتاعٍ يجوبه بنظراته تجاه ذاك الذي على وشك البكاء من فرط الخــــوف، فقال بسخرية: إن كانت تخشاني لتلك الدرجة لما قمت بتجاهل طلبي بلقائك بوقاحة!
ابتلع راكان ريقه بصعوبة وهو يجاهد لخروج كلمـ.ـا.ته: سامحني سيدي، خشيت أن تعـ.ـا.قبني على ما حدث بمصر.
وأخذ يبرر لنفسه سريعًا: أنا لا ذنب لي بما حدث، هناك ظابط مصري يعبث خلفنا وينصب شباكه لنا.
منحه نظرة قـ.ـا.تلة قبل أن يهدر بانفعال: هل نسيت ما وكلتك به، أنت مسؤول عن توصيل تلك البضاعة من الميناء، وبدالًا من القيام بعملك تجلس وتخبرني ترهات ستجعلني أقــ,تــلك بيدي بأي لحظة.
ارتعب لمجرد سماعه تهديده، فهرع لمقعده يجلس على قدmه وهو يقبل يده بذل جعل آدهم يمقته بنظرة مستحقرة: لا سيدي أرجوك لا تفعلها، أعدك بأنها لن تتكرر مجددًا.
تابعه بنظرة انتشاء، فنفث دخانه بوجهه وهو يشير له ببرودة: حسنًا سأمهلك فرصة أخيرة، وإن فشلت سأنحر عنقك بنفسي!
هز رأسه بعشوائية وكأنه لا يصدق بأنه وجد فرصة صريحة للبقاء على قيد الحياة، فنهض ماريو عن مقعده تاركه مازال ينحني إليه، ثم خطى لأخر القاعة ليقف قبالة آدهم المقيد على المقعد، فابتسم بتسلية وهو يشير باستهانة: هل هذا الذي وُكلته بحمايتك! أراه عاجزًا عن حماية نفسه حتى!
ضحك آدهم بصوته الرجولي مما جعل ابتسامة ماريو تتلاشى باستغراب، وخاصة حينما قال: أنا الآن أحترم النقاش المتبادل بين رئيسي وبينك لذا أجلس هنا بهدوء، وإن منحني الآذن حينها لن يروق لك الأمر!
احتدت نظراته تجاهه وخاصة حينما قال باستهزاء: لست من النوعية التي تنحني لأحدٌ بحياتها قط.
تحرر صوته المتعصب مناديًا: راكان.
هرع إليه مرددًت ورأسه ينحني في طاعة: سيدي.
قال ساخرًا ومازالت عينيه تراقب ذاك الشرس: امنحه الآذن لنرى ما لديه وهو مقيدًا هكذا!
سحب نظرة محذرة تجاه آدهم الذي لم يراه من الاساس فمازال يناطح ذاك الواقف قبالته، تاركًا زر جاكيته يسجل بكاميرته الخفية وجهه جيدًا للسلطات.
طال الصمت فصرخ ماريو بتعصب: هيا أمره بذلك الآن.
تحرر صوته المرتجف قائلًا لآدهم: لك ذلك.
اتسعت ابتسامته الماكرة، فرفع جسده للأعلى بعنفٍ جعله يترنح للخلف فانخلعت مقدmة المقعد، فأخفض الحبل من أسفل ليفك وثاقه بشكلٍ فاجئ من يقف أمامه.
أخرج رجـ.ـاله أسلحتهم وأحاطوا آدهم الواقف بثقة يتابع من أمامه، بينما ردد كبير حرس ماريو بتـ.ـو.تر: احترس سيدي هذا الرجل خطيرًا للغاية، أسقط أربعة من رجـ.ـالنا وكاد باستكمال فعلته وكأنه لم يفعل شيئًا!
ابتسم آدهم وردد باستهزاء: ايوه زي ما سمعت من أختك كده احترس عشان محزمش وسطك بطرحة!
ضيق حاجبيه بعدm فهم: ماذا قال للتو؟
ازداد تـ.ـو.تر راكان وصاح به: آدهم هيقــ,تــلونا مكانا اهدى!
تجاهله للمرة الثانية وقام بترجمة ما قال: أخبرتك بأن تنتبه لنصيحة رجلك الشهم وتحترس غـــضــــبي، وأنا أعدك الا أتركك وحيدًا بقبرك الذي سأصنعه لك، سأضع رجـ.ـالك معك ليكونوا ونسًا لك، وحينها ستتذكر شهامة المصريين وكرمهم!
ابتسم ماريو وهو يتابعه بإعجاب انقلب إليه بعدmا كان متعصبًا، فدنى منه وهو يقف بنظرة ذات مغزى: اسمع يا فتى، سأعقد معك صفقة لن تكرر مطلقًا، إن قــ,تــلت رجـ.ـالي ستصبح الرجل الأقرب لي، سأحيطك بالمال وكل ما تريد.
جحظت أعين رجـ.ـاله بصدmة، مما يستمعون إليه حتى راكان نفسه.
اقترب آدهم المسافة المتبقية بينهما ليردد بنظرة تحدي: لست فتى، أنا رجلًا سيحرص أن يلقنك أنت ورجـ.ـالك دروسًا عن رجولة وشهامة العرب.
واسترسل ببسمة ماكرة: أما عن عرضك السخي فأنا أقبل نصفه الأول، لم أكن عبدًا لصبيك حتى أصبح عبدًا لك.
وفور انتهائه من حديثه اشتبك معهم على الفور، تاركًا راكان يفتح فاهه صدmة بينما يراقبه ماريو ببسمة تسلية، فدنى الاخير منه يهمس له: سيدي أرجوك أوقفه سيقــ,تــل رجـ.ـالك!
قال بعدm مبالاة وهو يشعل غليونه: لا أريد رجـ.ـالًا ضعفاء أمثالهم.
واستدار بوجهه إليه يخبره ببسمته: عليا الاعتراف إنك قمت باختيار الرجل الصحيح لحمايتك أيها الوغد!
كانت تحيط الناس من حولها بنظرة مرتبكة، بالرغم من أن المكان لم يكن بالمزدحم، فحاولت اخفاء تـ.ـو.ترها بتناول الشاي الساخن الموضوع من أمامها تهربًا من نظرات على المبتسم إليها، وفجأة تسلل لمسمعها صوت أنثوي يردد بحماسٍ: علي.
كانت فتاة على ما بدى لها بأوائل العشرين من عمرها، ترتدي فستانًا بسيطًا من اللون الأسود فضفاض، على حجابًا من اللون الأزرق، وجهها بشوش بقدر جعلها تبتسم وهي تراقبها.
اتجهت نظرات مايسان لها، فتساءلت باهتمامٍ: دي فاطمة صح؟
أجابها على ببسمة حب لمن تقف قبالتهما: ناديها فطيمة.
قدmت يدها في دعوة ترحاب لها: كان نفسي أتعرف عليكي من زمان يا فاطيما، أنا مايسان.
هزت رأسها وهي لا تجيد اجابتها من شـ.ـدة ارتباكها، فأشار لها علي: مايسان تبقى بـ.ـنت خالتي ومرات أخويا الصغير يا فطيمة.
تحرر صوتها أخيرًا: أهلًا بيكِ.
سحبت المقعد المجاور لها وجلست جوارها، تخبرها بلطفٍ: ما شاء الله قمر، أنا قولت كده بردو إن مش أي بـ.ـنت توقع دكتور علي.
تعالت ضحكاته الرجولية لتصل كلمـ.ـا.ته لها: أيوه ادخلي علينا بحواراتك، ده اللي بأخده منك.
واستطرد بجدية: قوليلي يا مايا ماما سألتك راحه فين؟
ردت عليه ببسمة فخر: محدش شافني وأنا جاية غير أنكل أحمد.
عبثت معالمه ضيقًا، متسائلًا: وعمران!
أكدت له باشارة رأسها، فقال بتذمر: مكنش ينفع تنزلي بالوقت ده من غير ما تستأذنيه يا مايا!
راقبت فطيمة حوارهما باهتمام، فاجابته مايسان: كان نايم يا على وإنت عارف إنه مكنش بيعرف ينام بالمستشفى فمحبتش أقلقه لكن لما هرجع ان شاء الله هقوله.
أماء برأسه وسألها بجدية: جبتي المفتاح؟
أخرجته من حقيبة يدها قائلة: عيب يا دوك ودي حاجة تتنسي!
وقف على يشير لهم وهو يضع مبلغًا من المال على الطاولة: طيب يلا نتحرك لإن الوقت أتاخر.
أمسكت مايسان يد فطيمة وخطت جوارها تتهامسان بصوتٍ منخفض، بينما صعد على بمقعد القيادة يترقب صعودهم بالخلف، ليتحرك بهم للمبنى، بينما يهاتف مدير المشفى لأمر فطيمة حتى لا تحول المشفى للهلاك ظنًا من إنها هـ.ـر.بت منها، فأخبره بأنه سيتزوج بها وسيقوم بعلاجها بنفسه، فلم يواجه صعوبات بذلك لتكفله أمرها كاملًا بأمرٍ من مراد زيدان شخصيًا.
راقب رجـ.ـاله الملقون أرضًا ببسمة شيطانية مخيفة، ورفع حدقتيه له يحاول استمالته للمرة الأخيرة: متأكدًا من رفضك للعمل معي.
رمقه بنظرة ساخطة قبل أن ينحني ليجذب جاكيته الملقي أرضًا ثم اتجه لراكان يسأله بنفور: هتيجي معايا ولا هتخليك مع فرقع لوز ده.
رفع راكان عينيه لسيده، فسأله بتـ.ـو.تر: سأغادر يا سيدي، هل من أمرًا أخر؟
تركهما واتجه لمكتبه فجلس باسترخاء قائلًا: دعه يغادر بمفرده ولتبقى هنا أريدك بأمرٍ هام لا أريد لأحدٍ سماعه غيرك.
حدجهما آدهم بسخرية لحقت نبرته: وكأنني أهتم!
وغادر وهو يستطرد لراكان: هبعتلك فؤاد ياخدك أو يمكن فرقع لوز اللي جنبك ده يوصلك لإن تقريبًا رجـ.ـالته بح!
وغادر وابتسامة المكر تحيط به، تعلم أن يسبق عدوه بخطوة، فتوقع أن يطالبه ماريو بالمغادرة لينقاش أمر الشحنة القادmة مع راكان بمفردهما لذا كان الأسراع حينما تصنع انحناء جسده ليجذب جاكيته الملقي أرضًا وقام بزرعة جهاز التصنت بمعدن الطاولة القريبة منه.
أطلق صفيرًا مستمتعًا وهو يرتدي جاكيته ويحرك كتفيه بانتشاء، فخرج من المبنى يبحث بعينيه عن وسيلة مواصلات تعاونه على العودة لفيلا راكان حيث يقطن، وإذ فجأة يعلو صوتًا يناديه كان سهلًا بالتعارف عليه
آدهم.
استدار للخلف وهو يقنع ذاته بأنه يتوهم سماعه، برق بحدقتيه صدmة حينما هبطت شمس من سيارته وركضت تجاهه، فالتفت حوله يراقب أن رآها أحدًا، وهم إليها يصـ.ـر.خ بعصبية: شمس إنتِ بتعملي أيه هنا؟ أنا مش طلبت منك ترجعي البيت!
انهمرت دmعاتها المعاكسة للابتسامة الواسعة على شفتيها، فسألته بلهفة وكأنها لم تستمع لاسئلته: إنت كويس؟
راقبها بدهشةٍ، فتابعت بحيرة مما ستخبره به بتشتتٍ: أنا مقدرتش أمشي، فمشيت وراكم وفضلت هنا مش عارفة أعمل أيه؟
ورفعت هاتفها إليه كأنها تشكو له: حتى موبيلي فصل شحن معرفتش أكلم الشرطة ولا أعمل أي حاجة.
منحها ابتسامة تعمقت داخلها، وقال بصوته الرخيم: ممكن تهدي طيب.
وتابع وعينيه تشير على المبنى المجاور له: متقلقيش راكان كويس، كان سوء تفاهم وراح لحاله.
زوت حاجبها لتتمرد بعصبية شبيهة للجنون: ما يولع الجبان القذر. مستخبي شبه الستات وسايبهم يخـ.ـطـ.ـفوني وهو مش همه غير نفسه وبس.
راق له تعصبها وبالرغم من قراءته لمشاعرها بوضوحٍ، الا أنه ادعى الفضيلة: طيب راجعه تاني ومعرضة نفسك للخطر ليه وهو مش فارق معاكي!
أزاحت دmـ.ـو.عها بغـ.ـيظٍ من طريقته، تعلم بأنه يود أن ترددها صريحة، ولكنها مشتتة لا تعلم ماذا تفعل، وبالرغم من أنه لا يربطها براكان سوى خطبة الا أنها أحيانًا تشعر بالذنب لمجرد تفكيرها بآدهم، فيزيد من أمورها هو الآن!
ألقت شمس مفاتيح السيارة إليه وقالت بغـــضــــب وهي تبتعد عنه: أنا غلطانه إني رجعت عشان خايفة عليك، خد مفاتيحك أهي أنا ماشية.
التقط المفاتيح وهرول خلفها يناديها ضاحكًا: طب استني طيب هوصلك، الحتة هنا غريبة عنك.
اكملت طريقها دون أن تستدير إليه: مالكش دعوة بيا ارجع للباشا بتاعك.
راقبها آدهم ببسمة جذابة، فصعد لسيارته وقادها حتى بات يقودها بنفس مستوى خطاها، فقال وهو يراقب الطريق بحذر: شمس بطلي جنان وإركبي.
لم تعيره انتباهًا واستكملت طريقها بخطوات سريعة، متعصبة، وكأنها ستتمكن من الفرار منه، فأسرع من قيادته قائلًا: خلينا نتكلم من فضلك.
رفضت الانصياع إليه فزفر بنفاذ صبر، وقاد السيارة ليكـ.ـسر الطريق من أمامها، ففتح الباب المجاور لها مهددًا إياها بصرامة: هتركبي ولا أنزل أشيلك وأدخلك العربية بالعافـ.ـية.
بللت شفتيها بلعابها وهي تتفحص الطريق المظلم من حولها بخــــوفٍ، وبالنهاية انصاعت إليه وولجت للسيارة تجلس جواره، فابتسم وعاد للقيادة بصمت.
كظمت غـــضــــبها بصعوبة، تود البقاء ساكنة أطول فترة ممكنة ومازال الأخير يراقبها ببسمة تسلية، فقال: اتكلمي باللي عايزة تقوليه بدل ما يجرالك حاجة من الغـ.ـيظ اللي جواكِ ده!
اتجهت بجسدها إليه وقالت بتـ.ـو.تر: آدهم أنا بقيت متأكدة إن راكان ده شمال، وخصوصًا بعد اللي حصل النهاردة.
ترك مراقبة الطريق وتطلع إليها: أنا حذرتك قبل كده وقولتلك إبعدي عنه.
تجهمت معالمها، وفاهت: ماما مش مقتنعة غير إنه شخص مناسب ليا وأنا بحاول أقنعها بس أعتقد بعد اللي حصل النهاردة ده هتغير رأيها.
ترقب لوهلة قبل أن يخبرها: مفيش داعي يا شمس، متقوليش حاجة، قريب جدًا والدتك هتقتنع جدًا، لإن راكان هيكون انتهى خلاص.
زوت حاجبيها باستغرابٍ: تقصد أيه؟
وبدى عقلها يعمل سريعًا، فرددت: هتقــ,تــله!
قهقه ضاحكًا، وأضاف مازحًا: لو إنتِ بتكرهيه أوي كده عيوني هخلص عليه.
شملها الحـ.ـز.ن والألــم، فقالت باصرار وغـــضــــب ثائر: نزلني، وقف العربية.
وزع نظراته بينها وبين الطريق: أيه اللي حصل بس؟!
صرخت بعنف وكادت بفتح باب السيارة وهو ينطلق بسرعته القصوى: بقولك وقف العربية والا هحدف نفسي.
أمسك راسخها وثبته جيدًا ويده الاخرى تهدأ من سرعته قائلًا: طيب طيب اهدي، هركن على جنب.
وبالفعل هدأت سرعة السيارة حتى وقفت تمامًا، فاستدارت تجاهه تخبره قبل هبوطها: أنا هتوقع أيه منك، ما أنت بتشتغل معاه يعني أكيد إنت شبهه في كل شيء.
وهبطت لتجده يسرع خلفها فسد طريقها وهو يقول: أنا مش شبهه ولا عمري هكون شبهه يا شمس.
ارتبكت من قربه منها، فتراجعت للخلف وهي تردد بخفوت: من فضلك سبني أمشي، أنا مبقتش قادرة لكل ده، الظاهر إني كنت غلط لما قبلت بالخطوبة دي وغلطت لتاني مرة لما حبيتك.
ابتسم ومازال يدنو منها ليوقفها عن الهرب للطريق، فقال: غلطي فعلًا، بس حبك ليا مكنش غلطة.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، فتراجعت بظهرها للخلف وهي تهز رأسها برفض: لا غلطة وغلطة كبيرة كمان، إنت مجرم زيك زيه يا آدهم.
وبتـ.ـو.تر قالت: آآ. أنا شوفتك وإنت بتضـ.ـر.بهم بالنار إنت انسان مش طبيعي، آآ. أنت مجرم.
قالت كلمـ.ـا.تها الاخيرة وكادت بالركض فجذبها بقوة جعلتها تصطدm بالسيارة من خلفها، لتنحول نظراتها إليه بهلعٍ جعلته يعيد خصلاته المتمردة للخلف بغـــضــــب، فسيطر بصعوبة على أعصابه وهو يراها تتأمله بخــــوف ويدها تحتضن حقيبتها، فهمس لها: شمس أنا ظابط مش مجرم.
برقت بعينيها بدهشة، فتابع قائلًا: أنا هنا عشان أقبض على راكان الكـ.ـلـ.ـب واللي وراه وإني أكشف هويتي الحقيقية لحد دي ليها عقوبة وبالرغم من كده ارتكبتها عشان مشوفش النظرة دي في عيونك.
وإتجه يفتح باب سيارته بهدوءٍ رغم سخرية نبرته؛
هتركبي ولا أطلعلك جواز سفري عشان تتأكدي!
تطلعت له بصدmة، وتحركت بآلية تامة للمقعد مجددًا، فصعد جوارها يقود والغـــضــــب لخيانة مهام عمله يجوب على معالمه، من لم يستطيع كشفه أتت تلك الفتاة وفعلتها!
شعرت شمس بأنه على وشك الانفجار بأي لحظة، وبالرغم من ذلك لم تتراجع عن سؤاله: هو راكان بيتأجر في أيه؟
منحها نظرة خاطفة قبل أن يعود لتأمل طريقه صامتًا من جديد، فعادت تسأله: سلاح ولا مـ.ـخـ.ـد.رات؟
زفر بنفاذ صبر، فلكم المقبض وهو يصيح: يا بـ.ـنتي اتقي الله متعودتش أسرب أسرار الشغل، دي كده خيانة!
منعت تلك الابتسامة من السطوع، وقالت ببراءةٍ مصطنعة: متخفش سرك جوه بير مدفون ملهوش قرار، أنا حتى مش هحكي لمامي على اللي حصل لحد ما تقبض عليه وتخلصني منه.
ابتسم رغمًا عنه ولزم صمته حتى منتصف الطريق، خـ.ـطـ.ـف نظرة إليها فوجدها تكتف ساعديها أمام صدرها بحـ.ـز.نٍ جعله يقول: راكان بيهرب لمصر أدوية فاسدة.
جحظت عينيها صدmة، فاستطرد بألــم تشعر به بنبرته لأول مرة: أنا موجود هنا بانجلترا مخصوص عشان أقبض عليه وعلى اللي وراه مع إن ده مش تخصصي، بس زي ما تقولي كده له عندي تار ومش هيبرد غير وأنا شايفهم راكعين تحت رجليا.
انجرفت بجلستها تجاهه، وازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تقول: أوعى تكون متجوز وقــ,تــلوا مراتك ولسه بتحبها وجاي تنتقم والجو ده، أقسم بالله هطلع على راكان أقوله حقيقتك ولا هيهمني!
انفجر ضاحكًا وهو ينفي تهمتها مردفًا: لا أنا مش مرتبط متقلقيش، انتي أول واحدة قلبي ارتبط بيها.
احمر وجهها خجلًا فحاولت أن تقلب مسار الحديث، فقالت بحيرة: طب تار أيه؟
سيطر الحـ.ـز.ن على معالمه وبدى كأنه على وشك البكاء، ولكنه تماسك وهو يحرر جملته: أمي يا شمس، مـ.ـا.تت بسبب جرعة الانسولين المغشوش اللي أخدته.
أدmعت عينيها تأثرًا، فبكت وهي تراقب تعصب يده على حركة مقود السيارة، وأنفاسه التي تصل لمسمعها، فقالت بحقد: طيب ومستني أيه ما تقبض عليه.
ابتسم ساخرًا: مش بالبساطة دي، راكان ما هو الا كـ.ـلـ.ـب بيتحرك باشارتهم، اللي وراه هما اللي تاري وتار بلدي معاهم.
واسترسل بوعيد: بس خلاص هانت وأمسك الاوراق اللي راكان مخبياها ووقتها هكشفهم كلهم.
رمشت بحيرة وتساءلت: يعني طول الفترة دي كلها معرفتش تاخد الاوراق دي.
أجابها وهو يبطيء من سرعة سيارته رويدًا رويدًا: دورت في خزنة مكتبه وبالبيت بتاعه ملقتش حاجة، بس مازلت بدور وأكيد هوصل للملف ده ووقتها هتكون نهايته.
ابتسمت وهي تراقبه بحب ينبع بعينيها، فرددت: هيحصل، ربنا أكيد مش هيضيع تعبك.
التفت إليها يمنحها بسمة جذابة وهو يشير لها: إن شاء الله يا حبيبتي، وساعتها هتلاقيني عند فريدة هانم بطلبك للجواز وواثق إنها مستحيل هترفضني.
تلاشت بسمتها باستحياء، فغمز بعينيه بمشاكسة: حمدلله على السلامة شمس هانم.
لم تستوعب كلمـ.ـا.ته الا حينما التفتت فوجدت ذاتها قبالة منزلها، ففتحت باب السيارة وهبطت، ثم انحنت على النافذة الخاصة بمقعده بعدmا استدارت تخبره ببسمتها المشرقة: شكرًا على كل حاجة عملتها علشاني يا آدهم.
راقب ابتسامتها الرقيقة بحب نبع داخل حدقتيه، وهمس بصوت مغري: عمر، إسمي الحقيقي عمر!
استقامت بوقفتها وغادرت وهي تصيح بضحكة: هناديك آدهم لحد ما أتعود، باي.
راقبها حتى ولجت للباب الخارجي لمنزلها، مرددًا بابتسامة ساحرة: مع السلامة.
عاد على برفقة مايسان للمنزل بعد أن أوصل فطيمة للشقة وتأكدت مايسان من أنها لا تحتاج لشيءٍ، فما أن ولجوا للداخل حتى وجدوا فريدة تجوب الردهة ذهابًا وإيابًا وعلامة الذعر تخطو على وجهها، وعلى المقعد يجلس أحمد يحاول تهدئتها وعلى ما يبدو من ملابسه أنه كان بالخارج، فما أن استدارت حتى وجدت على ومايسان قبالتهما ومن خلفهما ولجت شمس، فصرخت بعصبية بالغة: أنا عايزة أعرف انتوا كنتم كلكم فين لحد دلوقتي!
تململ بنومته بانزعاجٍ، ففرد ذراعه يحتضن زوجته فتفاجئ بعدm وجودها لجواره، استقام جمال بنومته وجذب التيشرت الملقي أرضًا يرتديه وهو يناديها: صبا!
خرج من الغرفة يبحث عنها فوجدها تجلس بالشرفة وجسدها متكئ على السور الحديدي، بدت له شاردة حتى أنها لم تشعر بوجوده، انحنى جمال لمستواها فضمها طابعًا قبلة حنونة على خدها: حبيبي قاعد سرحان في أيه بنص الليل؟
ابعدت يدها عنه بخجلٍ، ورددت بتلعثم: مفيش آآ، أنا مكنش جايلي نوم بس آآ. هدخل أنام حالًا.
منعها من النهوض، وجذب المقعد المجاور لها ليضعه قبالتها، وقال بحـ.ـز.نٍ: مالك يا صبا من يوم خناقتنا دي وإنتِ متغيرة مع إني معتش بنام بره البيت ولا بتأخر بالرجوع!
أخفت عينيها من لقاء عينيه، فرفع ذقنها يجبرها على التطلع إليه، متسائلًا بلهفة: أنا عملت حاجة زعلتك مني؟
رددت بزعل انتابها: مهو ده اللي مزعلني إنك بقيت مهتم بيا جدًا، فحاسة إني فرضت نفسي عليك لما صارحتك بمشاعري، لدرجة إنك بقيت بتجبر نفسك تكون معايا بشكل مستمر، ده مخليني أبقى مكسوفة من نفسي.
صعق مما استمع إليه ومع ذلك بقى هادئًا، واختار كلمـ.ـا.ته بعناية: ليه بتقولي كده يا صبا، كل الحكاية إني شلت الهموم اللي على كتافي، أنا ظلمت نفسي قبل ما أظلمك معايا يا صبا وفوقت!
واسترسل وهو يجذبها لتجلس على ساقه: ثم إن المفروض تكوني حاسة بحبي ليكي وفاهمه ده كويس!
منحته بسمة رقيقة، فضمها إليه وهو يهمس لها: بحبك ونفسي تفهميني بقا، أعملك أيه تاني ده أنا بطلت أشوف المقاطيع بالساعات بسببك وواخدني تريقة في الراحة والجاية ومستحمل علشان عيونك الجميلة دي.
ابتسمت مجددًا، وسألته بجدية: أخبـ.ـار عمران صاحبك أيه؟
أجابها وهو يغمز لها بخبث: كويس أوي أنا اللي مش تمام.
وحملها ليدلف بها لغرفتهما وضحكاتها تعلو دون توقف، فما أن وضعها على الفراش وكاد بالتمدد جوارها حتى صدح هاتفه برقم يوسف، فحمله بسخط: شوفتي أديكي نقيتي فيها، يوسف ميرنش نص الليل الا لما يكون في بلوة!
كبتت ضحكاتها حينما حرر زر الاجابة، ليجد الاخير يخبره بغـــضــــب: تعالى حالًا، صاحبك اتطرد في الشارع في نصاص الليالي وعربيته عطلانة، استر هيبتي قدام الجيران سترك الله!
↚ساد الصمت الأجواء، وكلاهما ينتظر سماع الرد القاطع للسؤال المطروح، فكانت شمس أول من تحدثت بثبات مصطنع تخفي به ما تعرضت له بيومها الغامض هذا، فقالت: أنا كنت مع راكان يا مامي والوقت سرقنا حتى موبيلي كان فاصل شحن، أنا أسفة مش هتتكرر تاني.
واستطردت ببسمة تصنعها بالكد: حمدلله على سلامتك يا أنكل، نورت الدنيا كلها.
واحتضنته شمس بشوقٍ، فربت على ظهرها وهو يعاتبها ببسمة هادئة: كده تخضينا عليكي الخصة دي، وخطيبك ده مكنش بيرد على مكالمتنا ليه ده أنا روحتلكم البيت والحرس قالولي إنه مرجعش من بره.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة مترددة لوالدتها المتجمدة محلها بملامح واجمة لا تنذر بخير، فقالت: موبيله كان صامت، لإنه محبش حد يزعجنا زي كل مرة، بعتذر على الازعاج اللي سببنهولكم مرة تانية.
مسد على شعرها الطويل بحنان: ولا يهمك يا حبيبتي. المهم إنك بخير.
تحرر صوت فريدة الحازم لتغزو مايسان وعلي: وحضراتكم كنتوا فين لحد دلوقتي، وإزاي يا مايا تنزلي بوقت زي ده من غير ما تأخدي اذني أو ت عـ.ـر.في جوزك على الأقل!
أخفضت عينيها خــــوفًا مما ستلاقاه الآن، فرددت بتلعثم: آآ، أنا. آآ.
ناب عنها على حينما قال بخشونةٍ: أنا اللي كلمت مايا وطلبت منها تقابلني في المطعم لإني كنت محتاج مفاتيح شقة والدها.
زوت حاجبيها باستغرابٍ: محتاج المفاتيح ليه؟
ها قد بدأت الدفوف لاعلان الحرب المترقبة، فسحب على نفسًا مطولًا ليجيبها: كنت محتاجه لفطيمة هتقعد بالشقة لحد ما نكتب الكتاب وبعدها هتيجي تعيش معانا هنا لحد ما نحدد معاد الفرح.
سقطت الكلمـ.ـا.ت عليها كالصاعقة، فبدت بالبداية كالبلهاء لا تفقه فهم كلمـ.ـا.ته، فطيمة تتذكر جيدًا هذا الإسم فقد سبق عليها سماعه، مهلًا هل يقصد مريـ.ـضته التي سبق وقص لها ما تعرضت له من اعتداءً!
تصلب جسدها جعل أحمد يمنحه نظرة معاتبة لتسرعه باخبـ.ـارها، بينما خشيت مايسان تلك العاصفة التي سترج أركان المنزل، أما شمس فبدت متحيرة في فهم ما يقوله أخيها، كل ما تمكنت من فهمه بأن سيعقد قرانه على فتاة وسيحضرها هنا لحين تحديد حفل الزفاف.
تمكنت فريدة من تحرير لسانها الثقيل، لينطق: إنت بتقول أيه؟!
وتابعت وهي تعيد خصلات شعرها القصير للخلف: لا أكيد بتهزر، اللي فهمته أكيد غلط إنت متقصدش البـ.ـنت المغتصبة اللي بقالك شهور بتعالجها، أكيد دي واحدة ليها نفس الإسم صح؟
اسند يديه لبعضها البعض خلف ظهره، وأكد بثقة: لا يا فريدة هانم، هي نفسها المريـ.ـضة اللي بعالجها.
تحررت عن حالة جمودها، لتصرخ بصوت أخاف الفتيات: إنت اتجننت يا على عايز تتجوز واحدة اتعرضت للاغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب أكتر من مرة، قبلتها على نفسك إزاي، إنت أكيد مش بعقلك!
أجابها بتحدي وعينيه لا تفارق خاصتها: أنا طول عمري عاقل وعارف كويس أنا بقول أيه، وحضرتك نطقتي بلسانك إنها مغتصبة يعني اللي حصل ليها مكنش بـ.ـارادتها!
تدخل أحمد سريعًا يحاول تلطيف الأجواء، فقال: اهدوا يا جماعة النقاش مش كده!
وتطلع لفريدة يخبرها بهدوء: فريدة، على معاه حق البـ.ـنت مالهاش ذنب في كل اللي حصلها، حـ.ـر.ام تتعـ.ـا.قب على شيء اتفرض عليها.
رمشت بعينيها بعدm تصديق: إنت كنت عارف يا أحمد؟
اكتفى بإيماءة رأسه مما جعلها تصفق كف بالأخر وهي تصيح: مش معقول أكيد ده حلم سخيف!
وتابعت بصوت محتقن: إنت مختارتش واحدة بره الطبقة الراقية اللي عايشين جواها يمكن كان الموضوع هيبقى صعب بس مش مستحيل، لكنك اختارت واحدة ملوثة متناسبش العيلة لا بالنسب ولا بأي شيء وواقف قدامي بكل جراءة وتقولي هتتجوزها!
واستكملت بعنف وقد تلون وجهها بحمرة مخيفة: لا يا على مش هسمحلك تعمل كده، الجوازة دي مستحيل هتتم سامعني!
اقترب منها على حتى بات يقف قبالتها، فردد بصوتٍ منخفض لا يهنيها بحدته: فريدة هانم أنا مش عمران هقبل بقراراتك وأنخضع ليها، أنا على اللي لا يمكن مخلوق على وجه الأرض يمشي أوامره عليا وحضرتك عارفاني كويس.
وتابع وهو يتطلع لأحمد: الجوازة هتم يا عمي، بكره هكتب كتابي على فاطيما والاسبوع الجاي هنعمل الفرح هنا بالبيت.
وتركهم وكاد بالصعود ولكنه توقف فور أن صرخت فريدة بعصبية: القذرة دي مستحيل هتعتب خطوة واحدة جوه بيتي، ولو فاكر إني هسكت تبقى بتحلم يا علي.
أطبق يده على درابزين الدرج يبث عصبيته الكامنة بها، فهدأ من أعصابه قبل أن يستدير ويخبرها: يبقى أنا كمان من النهاردة ماليش مكان جوه البيت ده.
وهبط يتجه للخارج، فهرعت شمس من خلفه تردد ببكاءٍ: على أنت رايح فين؟ أرجوك تهدأ وترجع.
لم يستمع أليها وأكمل طريقه، حتى صاح به أحمد بغـــضــــب: أيه اللي بتعمله ده يا علي، بطل جنان واطلع أوضتك وأنا هحاول أتكلم مع فريدة.
لا يريد أن يكون وقحًا مع عمه، فقال برزانة: من فضلك يا عمي أنا مش مستعد يكون في زعل بيني وبين حضرتك، أنا قولت اللي عندي وده النهاية.
قالها وهو يهم بالخروج، فأوقفه صوتها المنادي: علي.
توقف محله واستدار إليها، فاقتربت منه تردد بحزمٍ: بلاش تخسرني عشانها يا علي، إختار أي بـ.ـنت حتى لو مكنتش من مستوانا وأنا بنفسي هروح أخطبهالك بس من فضلك تكون عذراء متكنش ملوثة.
برق بعينيه بصدmة من حديث والدته، فابتسم ساخرًا: أنا طول عمري بحترم حضرتك بس حقيقي أنا النهاردة مصدوم ومش قادر أتكلم، بتحسسيني بكلامك إنها هي السبب في اللي حصلها!
وتابع وهو يشير باصبعيه: اللي حصلها ده كان ممكن يحصل لشمس أو لمايا وقتها كنتي هترميهم من حياتك!
علي!
تحرر صراخها يستوقف حديثه، فرددت بحدة: ازاي تجرأ تقارنها ببناتي، الظاهر كده إن عمران لوحده اللي مرتكبش معصية وسكر إنت كمان مش في وعيك.
ازدادت ابتسامته الساخطة: لا يا فريدة هانم أنا لا مـ.ـجـ.ـنو.ن ولا سـ.ـكـ.ـر.ان، أنا واعي كويس للي بقوله.
وتابع قائلًا: أنا مأجرمتش بحبي ليها، قلبي هو اللي اختارها عن قناعة إنها انسانة متكاملة وزي كل البنات مش ناقصها حاجة.
وضم شفتيه معًا بقلة حيلة كونها والدته، ثم قال: بسبب وجود ناس تفكيرهم زي حضرتك في ألف بـ.ـنت زي فاطيما بيعانوا ومش بس وصل بيهم الحال في أوضة بمستشفى للأمراض النفسية، وصل بيهم الحال للانتحار يا فريدة هانم.
تمردت عن ثباتها وتحرر صوتها المبحوح: على هعملها لأول مرة وهمد إيدي عليك.
تدخل أحمد على الفور، فأشار إليه بصرامة: اطلع على أوضتك دلوقتي يا علي، واللي إنت عايزه هنعملهولك.
اعترض على أمره قائلًا باحترام: عمي من فضلك آ.
قاطعه بنظرة حازمة وصراخه الذي تمرد على هدوئه الرزين: أنا قولتلك اطلع أوضتك وسبني دلوقتي مع والدتك.
اقتربت شمس منه تترجاه برجفة يدها: على بليز تعالى معايا.
رؤيته لدmعاتها ورجفة أصابعها المتمسكة بقميصه جعله ينصاع إليها برفقة مايسان للمصعد.
ما أن فرغت الردهة بها حتى جلست على أقرب مقعد تحتضن جبينها بتعبٍ شـ.ـديد، وتردد بصوتٍ مرهقٍ خافت: أولادي بيضيعوا مني يا أحمد، لسه متجاوزتش اللي عمران عمله ودلوقتي طلعلي علي!
تطلع لها بحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد، فجذب أحد مقاعد السفرة ليجذبه قبالتها ثم جلس وقال بألــمٍ: اهدي يا فريدة، الأمور متتحلش كده.
رفعت عينيها الباكية إليه تشير بقلة حيلة: أمال تتحل ازاي! أنا تعبت تعبت وحاسة إني خلاص مبقتش حمل المسؤولية دي.
وعادت تنحني دافنة رأسها بين ذراعيها هاتفة ببكاء: لأول مرة أحس إني عاجزة ومفتقدة لوجود سالم جنبي، خلاص بقالي 15سنة بحارب لوحدي!
طـــعـــنته بخنجر قاسٍ استهدف صدره دون راجع، اتشتاق لرجلٍ أخر سواه وترددها بوجهه!
نعم لم تخطئ فهو بالنهاية زوجها، ولكن الا تمنحه الرحمة لعـ.ـذ.اب خاضه وأخيه حيًا لتلزمه به وهو مـ.ـيـ.ـتًا! الا تشفق تلك المرأة على حاله؟!
أفاق من شروده حينما وجدها تنحرف بجلستها تجاهه، لتسأله بلهفة: قولي يا أحمد أعمل أيه؟ أنا مش قادرة أتخيل إن البـ.ـنت دي تبقى مرات ابني! أنا ممكن يجرالي حاجة لو ده حصل.
وتابعت وهي تلتفت بجنون: هودي وشي فين من الناس لما يعرفوا اللي حصل معاها ولا لما يعرفوا هي بـ.ـنت مين وأصلها أيه؟
واستطردت تجلب حجج من أمامه: إنت أكتر واحد عارف الطبقة اللي عايشين فيها عاملة إزاي.
تحرر عن صمته بنبرته الرجولية الصارمة: ما يغوروا في داهية يا فريدة، ناس أيه اللي بتتكلمي عنهم!
وتنفس بضيقٍ، ثم عاد يشير لها بهدوء: يا فريدة إفهمي على غير عمران وإنتي عارفة كده كويس، مدام أخد القرار مستحيل هيتراجع فيه.
انفطرت ببكاء جعله يود أن يجلد ذاته، يتمنى من أن يضمها إليه، تبًا لتلك المسافات التي مازالت تضعها بينهما حتى تلك اللحظة، ليته يتمكن من الزواج بها رغمًا عنها، ليته يقسو عليها ولو بمجرد الكذب عليها بشأن زواجه من أخرى ولكنه يخشى أن يحـ.ـز.نها، وكأن قلبها هذا هو النابض بجسده، لا يريد أن يسبب لها الألــم يكفي ما فعله بها.
تنحنح أحمد وببحة صوته المميز قال: فريدة كفايا عشان خاطري، بتو.جـ.ـعيني بعـ.ـيا.طك ده وأنا قلبي مش متحمل، اهدي من فضلك.
أزاحت دmـ.ـو.عها وانتفضت محلها فجأة وكأنها لم تكن تعي ما فعلته، فقالت بعصبية: إنت رجعت ليه يا أحمد، رجعت عشان تشوفني ضعيفة ومهزومه صح، لا ده بعدك أنا شلت البيت ده وأولادي 15سنة، وكلمتي هي اللي هتمشي على مش هيتجوز البني آدmة دي لو أخر بـ.ـنت في الدنيا، هختارله البـ.ـنت المناسبة ليه وبنفسي.
انتصب بوقفته يرمقها بنظرة غاضبة، وهاج بسخط: اعمليها مش جديدة عليكي، بس وقتها هتكوني خسرتي ابنك التاني هو كمان.
وتابع ورماديته تناطح زرقة عينيها دون تراجع: انتي كنت سبب دmار علاقة مايا بعمران، لإنك جبرتيه يتجوزها مع إن الولد كان بيحبها ويمكن مع الوقت كان هو اللي هيطلبها بنفسه للجواز، ومهما كان احساس إنه اتجبر على شيء غير مقبول لأي راجـ.ـل اتخلق على وش الأرض وابنك راجـ.ـل مش دلدول أمه يا فريدة هانم.
تراجعت للخلف خطوة وكأنها على وشك السقوط، فاستطرد بقسوة علها تعود لرشـ.ـدها: حتى شمس فرضتي عليها راكان لإنه من وجهة نظرك رجل الاعمال ابن الحسب والنسب واللي يليق بالعيلة، لكن بـ.ـنتك بتفكر في أيه وجاهزة للجواز دلوقتي ولا لأ ولا همك!
ابتلعت ريقها المتحجر بصعوبة، فاحتقنت حدقتيه وبو.جـ.ـعٍ أضاف: دmرتيني ودmرتي عمران ودmرتي شمس ودلوقتي جيه الدور على علي!
لسه عايزة تعملي أيه تاني يا فريدة؟
تحررت عن صمتها لتحرر صراخ الأنثى الباكية داخلها فقالت: أنا مدmرتش حد، أنا كنت بحمي عمران من الحـ.ـيو.انة اللي كانت هتدmره، وكنت بحافظ على مايا بـ.ـنتي اللي ربتها على ايدي يا أحمد!
وبكت وهي تخبره: خــــوفت إنها تعيش في النار اللي أنت رمتني فيها، خــــوفت أشوفها بتنهار لو اتجوزت شخص مبتحبهوش، احساس بشع متمنهوش لألد أعدائي عايزيني اتقبل إن بـ.ـنتي تعيشه!
مسحت عبراتها وهي تستمد قوتها: على الأقل عمران كان بيحبها ودلوقتي ابتدى يقتنع بغلطه ويصلح علاقته بيها، أما شمس فأنا مستحيل هرميها أنا عارفة ومتأكدة إن مفيش حد في حياتها عشان كده اختارتلها المناسب ليها وطولت فترة الخطوبة بحيث إنها تعاشره وتقدر تتعرف عليه كويس، ولو إنها ذكرتلي سبب مقنع لفسخ الخطوبة مش هتردد ثانية واحدة.
وأشارت باصبعها باصرار: لكن على لازم أقفله وأمنعه من اللي هيعمله ده مهما كان التمن.
ابتسامة موجوعة ارتسمت على شفتيه، وقال بانهاكٍ: حتى لو كان التمن خسارته!
جحظت عينيها صدmة، فتابع بهدوء غريب: فريدة أنا مش ضدك ولا عمري هكون، أنا في صفك ومش عايز غير مصلحتك، ومصلحتك إنك متخسريش علي، وافقي على جوازه منها لانه كده كده هيتجوزها وإنتِ عارفة ده.
هدأت قليلًا، وجلست على الاريكة باسترخاء، ليطول صمتها وكأنها توازن الأمور جيدًا، ورددت بهمس: بس أنا مش هقدر أتقبلها يا أحمد.
جلس على بعد معقول منها، وقال: مش مهم، المهم إنك متخليش على يطلع من تحت طوعك ده لمصلحتك.
أغلقت عينيها بقوةٍ تحرر دmعتها، وهزت رأسها متفوهة بازدراء: سبني لبكره أفكر!
هدأ من سرعة السيارة حينما اقترب من العمارة، ولكنه وللعجب لم يجد أحدًا، فرفع هاتفه يطلبه فإذا بذراعٍ يشير له من مدخل العمارة، يحثه على التحرك والوقوف قبالة الباب، فقاد جمال السيارة حتى بات قبالته، فركض يوسف ليفتح باب السيارة ولكنه لم يستجيب له، فصرخ بمن يتأمله بفمٍ بكاد يصل للأرض من فرط الصدmة: افتح الباب بسرعة هتفضح يالا!
فتح القفل الالكتروني، فصعد يوسف يلتقط أنفاسه وهو يشير له: اطلع بسرعة.
تمادى بالضحك وهو يردد بصعوبة: بالبيجامة الستان يا دكتور!
رمقه بنظرة قـ.ـا.تلة، فكبت جمال ضحكاته وقاد بصمت، ومن ثم عاد يتطلع إليه فضحك مجددًا وهو يخبره: مش ممكن، لو حد من المرضى بتوعك شافوك كده هيركبوك التريند.
وقهقه ضاحكًا وهو يتابع بسؤال هام: ازاي دكتورة ليلى سمحتلك تنزل كده، لا أكيد في سوء تفاهم!
لزم الصمت ونظراته الحادة هي التي تخترق ذاك المتطفل، فعاد لنوبة ضحكه مجددًا وأشار له لاهمية الأمر: يعني دلوقتي هنخش على أخوك سيفو كده ازاي، هتكون قدوة ليه من أي جهة وإنت راجع الساعة 2وش الصبح بالبيچاما الستان المنيـ.ـلـ.ـة بسواد دي!
زفر بغـــضــــب، فتابع جمال بمشاكسة: لو عايز مفتاح مكتبي تتكوم فيه للصبح معنديش مانع أهو أهون من الفضايح دي.
تحرر يوسف عن جلباب صمته العتيق، فطوق عنقه بقبضته، صعق جمال مما فعل فحاول السيطرة على حركة السيارة وهو يصيح: يوسف بطل غباء هنعمل حادثة.
لم يزيح يده فقال بضحك: طب خلاص حقك عليا، أنا اللي مطرود بالبكيني يا عم.
تركه يوسف وجلس بهدوء جعله يتساءل: مالك يالا، ساكت من ساعة ما ركبت هي دكتورة ليلى كلت لسانك ولا أيه؟ لو تحب نطلع على المستشفى مفيش مانع!
صرخ بعصبية: أنا كرهت المستشفيات والدكاترة كلهم، جالي مكالمة شغل مريـ.ـضة بتحكيلي على مشاكل عندها في الحمل فسألتها بمنتهى العملية إذا كان حدث علاقة مع زوجها بنفس اليوم ولا لأ مرات أخوك سمعت المكالمة جنونها طارت مسكتني من ياقة البيجامة الستان السودة وطردتني بره الشقة!
لم يستطيع السيطرة على ذاته، فأحمر وجهه من فرط الضحك والاخير يتطلع أمامه في محاولة للسيطرة على أعصابه بالنهاية يقدm له المساعدة.
رفع جمال يده له بحرج: أنا آسف يا جو النية مش شمـ.ـا.تة أبدًا بس الموضوع مضحك!
وتابع بمزح: أنا كنت جايلك على أخري منك لإنك بتختار أوقات مش تمام وتكلمني فيها، بس بصراحة ناري بردت لما شوفت حالتك المذرية دي!
لكمه بشراسة وهاج به: ما تنزل تشحت عليا أحسن! مهو خلاص معتش غيرك إنت والوقح عمران اللي تتمسخروا بدكتور يوسف أحلى دكتور نسا وتوليد فيكي يا انجلترا.
هز رأسه مؤكدًا بسخرية: دكتور الحالات المتعثرة!
لكمه مجددًا فقهقه ضاحكًا وهو يوقف السيارة بقوةٍ جعل جسده يندفع بعنف للامام، ليشير له بتسلية: يلا يا جو اطلع لسيفو يكمل تحفيل عليك وأنا هبقى أجي أكمل بكره، أقصد هجبلك بدلة شيك وأجيلك بكرة بإذن الله عشان نروح لعمران.
هبط يغلق باب السيارة بعنف، وانحنى للنافذة يشير له: بكره هوريك مقامك يا حقير!
ولجت لغرفتها أبدلت ثيابها وقبل أن تذهب للنوم اتجهت لتتفحص عمران قبل أن تغفو، فما أن وجدت الغرفة معتمة كادت بالعودة لغرفتها، فتفاجئت بالنور يضيئها، فتمكنت من رؤيته يجلس على الفراش والضيق يتسلل لمعالمه بوضوح، ابتلعت مايا ريقها بتـ.ـو.تر فبررت لما خمنت سبب غـــضــــبه: عمران أنا أسفة أني خرجت في الوقت ده بدون إذنك، بس والله كنت نايم ومحبتش أزعجك، على بعتلي وكان عايز مفتاح الشقة لفطيمة.
رد عليها ونظراته تحيطها بثبات: مش زعلان عشان تبرريلي يا مايا، أنا متضايق من اللي بيحصل معانا بسبب عناد فريدة هانم.
وأضاف بغـــضــــب: الصوت كان عالي تحت وسمعت كل حاجة، وبصراحة على معاه حق.
رفعت حاجبها بدهشة، فدنت تجلس أمامه على الفراش تردد: مش مصدقة إن عمران سالم اللي بيقول الكلام ده! أنت لسه تعبان ولا أيه؟
تمردت ضحكاته الرجولية، ليغمرها بنظرة مشاكسة: لا ده عمران اللي قلبه رجع يدق بحب مايا من تاني فبقى عاطفي ويقدر القلوب العاشقة زي قلب الدكتور على كده.
أخفضت عينيها عنه بـ.ـارتباك، فاقترب بوجهه يهمس بصوتٍ منخفض مغري: أيوه يعني هتهربي مني كده لحد أمته؟
وتابع بخبث: زي ما أنتِ شايفة بقيت عاجز عن الحركة وهحتاجك جنبي طول الوقت، وانتي من كلمتين بتفرفري قدامي، مينفعش كده هحب في مين طيب في على أخويا ولا انكل أحمد مثلًا!
اشتعلت وجنتها فنهضت عن الفراش واتجهت للمغادرة وقبل أن تغلق بابها رددت بغـــضــــب: يوسف صاحبك معاه حق إنت وقح!
تمؤدت ضحكاته باستمتاعٍ لرؤيتها تهرول خجلًا منه، فراق الأمر له كثيرًا، سحب عمران جسده للأسفل ليتمدد بـ.ـاريحية لحقت نبرته: شكلنا كده هنتسلى كتير الفترة الجاية!
طرق على الباب ويده على جرس المنزل لدقائق متتالية حتى استجاب أخيه لندائه المزعج، ففتح الباب يعبث بحدقتيه الناعسة: يوسف! أيه اللي جابك بالوقت ده!
ربع يديه أمام صدره بضيقٍ: مطرود ولو هتفتح تحقيق فالعملية مش ناقصك إنت كمان، وسع من قدامي خليني ألحق اتخمد قبل معاد المستشفى.
وكاد بالدخول فقاطعهما صوت أنوثي يردد بفزع: دكتور سيف ماذا هناك؟ ومن هذا المزعج الذي يدق بابك بتلك الطريقة!
استدار يوسف للخلف، فوجد باب الشقة المقابل لاخيه مفتوح ومن أمامه تقف بـ.ـنت شقراء، ترتدي تنورة قصيرة وتوب قصير، فالتفت لأخيه يجذبه من تلباب ملابسه، ثم دفعه للداخل ليغلق الباب بقوة بوجهها، فلف يده حول رقبته وهو يصيح: مين دي يا وقح أنا شكلي هسحب الوقاحة من عمران وأديها لاخويا اللي مدورها بغيابي!
ابعد سيف يده عن رقبته باختناقٍ: يوسف أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن، أنا أبص على اللحم الرخيص ده! دي جاسي واحدة لسه ساكنة جانبنا من أسبوع وسبق واتعرفنا بالاسانسير بس كده!
منحه نظرة قاتمة قبل أن يحرر يده كليًا، فجذب القميص يعدله على جسد أخيه وهو يشير له: يالا لو واقع قولي وأنا أروح اخطبهالك ونخلص.
جحظت عينيه صدmة: تخطبلي مين! أنا ساعات بحس إنك عايز تلقفني لأي عروسة عشان تتخلص مني.
أحنى رأسه ليسدد له صفعه على رقبته: يا حمار خايف عليك من الفتنة، إنت شايف البلد اللي احنا فيها عاملة ازاي!
تركه وولج للمطبخ يجذب كوبًا من المياه يرتشفه وهو يشير له: اطمن يا حبيبي أخوك راجـ.ـل مش أي ست تجيب رجليه.
وأسترسل بغــــرور: أنا يوم ما أقرر اتجوز هتجوز بـ.ـنت مسلمة ومحجبة يا يوسف، تخفي جمالها عن الرجـ.ـا.لة كلها لحد ما يتقفل علينا باب واحد!
ابتسم وهو يستمع إليه، وقال بجدية: راجـ.ـل يالا، تربية ايدي!
ضحك وهو يغمز له: طب فكك من حوار نونة الخاطبة دي وأرغي دكتورة ليلى طردتك ليه المرادي؟!
تقلب بفراشه بانزعاجٍ، يحاول السيطرة على لهفته فالوقت قد شارف على الثالثة صباحًا، كيف سيتصل به بوقتٍ كذلك، ولكن النوم جفاه وعينيه لا تفارق ساعة الحائط، فاستقام بجلسته وهو يردد: أنا هتصل بيه دلوقتي واللي يحصل يحصل.
وعاد يجيب على ذاته: بس الوقت متأخر جدًا يا علي، هيقول أيه!
واقنع ذاته ببسمة واسعة: هي رنة واحدة رد رد مردش هكلمه بكره.
وبالفعل حرر زر الاتصال، ليتفاجئ بصوت الجوكر الناعس يجيبه: دكتور علي، خير؟!
سحب نفسًا طويلًا، ليجيبه ببسمة واسعة: النهاردة كتب كتابي على فطيمة!
تسللت الشمس بخيوطها لساحتها العتيقة، ففتحت فطيمة عينيها، ونهضت تتجه لحمام الغرفة، فاغتسلت وخرجت تؤدي صلاتها وهي تدعو الله مرارًا أن يقرب منها الخير ويبعد الشر عنها، تعلم بأن هناك حربًا سيخوضها على برفقة والدته التي سبق له الحديث عنها لها بتلك الايام التي كانت تلجئ بها للصمت، فلم يكتفى بالحديث لها عن والدته فقط، كان يجلس جوارها كل يوم بعد انتهاء عمله بالمشفى يقص لها عن حياته وكأنها طبيبه النفسي!
أخبرها عن يارا خطيبته السابقة وحبها لمروان زيدان ابن عم مراد، وعن أخيه وزواجه من مايسان ابنة خالته حتى شمس كان يقص لها عن تلك الفتاة المدللة، وأيضًا لم ينسى ذكر فريدة هانم بسلطاتها القوية بالسيطرة على المنزل وأبنائها.
بداخلها خــــوفًا كبيرًا تجاه ما سيتعرض له على بسببها ولكنها الآن كالغريقة التي تتمسك بقشة نجاتها، وعلى هو كل شيءٍ لها، الثمانية وأربعون ساعة التي قضتها دون رؤيته بالمشفى كانت على وشك الجنون، وكأنها تترقب جرعة المـ.ـخـ.ـد.ر الذي سيذهق عقلها عن آلآمه جميعها، وكأنه البلسم لكافة جروحها، لا تحتاجه كطبيب يكفي وجوده لجوارها حتى وإن كان صامتًا، الأمر يتعلق به.
خرجت من غرفة النوم واتجهت للمطبخ الفخم الموجود بطرفي الردهة، تحمل من الثلاجة بعض الفواكه واتجهت للطاولة القريبة من الحائط المشكل على هيئة من الزجاج الشفاف، فراقبت المارة بأعين ساهمة لا تدري ماذا سترى بالايام القادmة!
انتهى من ارتداء ملابسه وأخذ يصفف خصلات شعره حينما اتاه صوت طرقات باب غرفته ومن خلفها صوتها الرقيق يستأذن: ينفع أدخل؟
ابتسم وهو يشير لها: تعالى يا روح قلبي.
ولجت شمس للداخل بفستانها الأزرق الطويل، تهرول حتى أصبحت أمامه تخبره بحماس: أنا جاهزة.
عقد حاجبيه باستغراب، فأحاط رقبته بالجرفات متسائلًا: جاهزة لأيه، مش فاهم؟!
ذمت شفتيها بضيق: هو إنت عايز تروح تكتب كتابك من غير أختك يا علي!
استدار إليها يرمقها بنظرة متفحصة قبل أن يسألها بمكر: مش خايفة من فريدة هانم؟
هزت شمس رأسها نافية، وأضافت: أنا جاهزة أتعرف على البنوتة اللي سحرت قلب دكتور علي.
فتح ذراعيه لها ببسمة جذابة، فاحاطت رقبته ورأسها ممدد على صدره، فربت بحنان على خصرها وهو يهمس لها: حبيبتي منحرمش منك أبدًا، أكيد طبعًا هاخد شمس هانم بنفسي لهناك.
صاحت بحماس: هجيب شنطتي وهجي.
هز رأسه بتفهمٍ، وجذب جاكيته يرتديه على عجلة، ثم توجه لغرفة عمران يطرق بابه وما ان استمع لصوته يأذن له بالدخول، ولج ببسمته الواسعة: صباح الخير.
ابتسم ذاك المشاكس الذي يتناول طعام الافطار بيد مايسان التي تجاهد لاخفاء خجلها الشـ.ـديد وخاصة مع دخول علي: صباحك ورد يا دوك، تعالى افطر.
غمز على بخبث: مايا هانم بتأكلك بنفسها! الله يسهله يا عم.
ارتبكت مايسان، فطرقت الصينية من يدها على الكومود ورددت لعلي بحرج وخــــوف: والله ما أنا، أخوك الوقح اللي أجبرني أكله بيقول مش عارف يأكل بإيد واحدة.
تعالت ضحكات على حتى كاد بالسقوط أرضًا، بينما كز عمران على شفتيه وهو يصيح بانفعال: هو قافشنا في شقة مفروشة! أنتِ مراتي يا غـ.ـبـ.ـية، تأكليني تحـ.ـضـ.ـنيني كل شيء وارد.
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة، فأشارت بـ.ـارتباك: شوفت يا على أخوك بيتكلم ازاي، آآ. أنا غلطانه إني جيت أشوفك فطرت ولا لا. أنا ماشية.
وكادت بالهروب كعادتها ولكن صوت على أوقفها: مايا استني أنا عايزك.
عادت لتقف على مقربة منه ونظراتها الساخطة تحيط عمران الذي يغمز لها، ويمنحها قبلات بالهواء متعمدًا أن يثير غـــضــــبها، مستغلًا أن على يستدير بوجهه عنه.
أخرج على من جيبه الفيزا الخاصة به ثم قال: مايا أنا عايزك تاخدي فطيمة وتنزلي تشتريلها شوية هدوم وكمان تجبيلها فستان شيك كده عشان بليل هعدي عليكم وهنطلع على المحامي نكتب الكتاب.
هزت رأسها بترحاب: بس كده عيوني.
ابتسم وهو يشكرها بامتنان: الأخت الجدعة متتعوضش حقيقي بشكرك على كل حاجة يا مايا.
اعترضت بلباقة: متقولش كده يا على انت أخويا. المهم بس تنفد من فريدة هانم النهاردة ربنا معاك.
ضحك وهو يعدل من جرفاته بغــــرور: متقلقيش على أخوكي، جـ.ـا.مد ومفيش حاجة تهزه.
ردد عمران ساخرًا: طيب يا جـ.ـا.مد متنساش تاخدني معاك أبـ.ـارك ولا هترميني على السرير كده شبه العانس وانت مدورها!
انطلقت ضحكاته وقال وهو يتفحص ساعة يده: متقلقش، على فكرة دكتورة ليلى هتبعتلك دكتورة علاج طبيعي هتساعدك بتمارين خفيفة كده من النهاردة، زمانها على وصول.
انشرح وجهه ومنح بسمة خبيثة لزوجته قبل أن يقول: والله دكتورة ليلى دي بتفهم.
انفجرت مايا بغـ.ـيظها مرددة: مفيش غير دكتورة يا على متشوق دكتور أحسن!
نهض عن الفراش يقف قبالتها: هشوف حاضر، بس الدكتورة دي كبيرة بالسن متقلقيش منها يعني.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ من كشف أمرها أمامهما، فقالت بـ.ـارتباك: وأنا هقلق ليه يعني.
شهقت صدmة حينما جذبها عمران لاحضانه يتعمق بالتطلع لوجهها القريب ويهتف ساخرًا: كل اللي هنا عارفين إنك واقعة في غرامي، ما تحني بقى!
لكمته مايا بغـــضــــب وصرخت به: سبني انت اتجننت أخوك واقف!
هز على رأسه بسخطٍ، واتجه ليغادر مرددًا: أخوه عارف إنه وقح متقلقيش.
نجحت بالتحرر من قبضته وهرولت خلف على تخبره باستحياء: هغير وهنزل حالًا يا علي.
أجابها دون أن يستدير: واستعجلي شمس معاكي.
طب وأنا يا علي، مش هتأخدني معاك!
جحظت عينيه صدmة، فاستدار للخلف ليتفاجئ بها تقف مرتدية ثياب الخروج برفقة أحمد الذي غمز لها بمكرٍ، فردد بصدmة: فريدة هانم!
↚تجمعت الدهشة والريبة لتشكل على معالم على بحرافيةٍ، وبالرغم من محاولات أحمد ببث الأطمئنان إليه الا أنه لم يكن بذلك أبدًا، فما أن توقفت سيارته قبالة العمارة حتى قال قبل هبوط الجميع: فريدة هانم من فضلك يا ريت تتعاملي مع فطيمة بحذر، فطيمة مريـ.ـضة نفسيًا يعني ده هيدmر اللي وصلتله بحالتها.
حدجته من تجلس بالخلف جوار مايا وشمس بنظرة قـ.ـا.تلة، ورددت باستهزاء: والله؟ ولما هي مبقتش كويسة خرجتها من المستشفى ليه يا دكتور!
تنحنح أحمد الجالس بالأمام جوار علي: فريدة، وبعدين؟!
ادعت برودها ووداعة ملامحها وهي تجيب: أيه اللي قولته غلط يا أحمد! المكان الطبيعي للمرضى النفسين هو المستشفى!
أغلق على عينيه بقوةٍ وهو يحاول التماسك، لا يريد نزع تلك الليلة، وخاصة بأنه لن يترك فطيمة تجلس بمفردها، سيصطحبها للمنزل حتى موعد الزفاف، فوجد شمس تمسد على كتفه وهي تمنحه رسالة مبطنه لقلقه بعدm تمكنه من الصعود برفقتهم الآن: متقلقش يا على هنتعامل معاها بحرص، وأنا ومايا مش هسيبها خالص لحد ما ترجع بليل.
أكدت له مايا وهي تتابع نظرات فريدة المشتعلة على ابـ.ـنتها: احنا أساسًا يدوب ننزل عشان نشتري الفستان ونجهز فطيمة.
ضيقت عينيها بدهشة: تخرجوا فين؟
ردت شمس بتـ.ـو.تر: هناخد فطيمة نجبلها فستان لكتب الكتاب.
زوت شفتيها بسخرية: والله! طب تمام يلا عشان منتأخرش.
جحظت أعين مايا وتبادلت النظرات مع شمس وعلى وهي تتساءل: هو حضرتك هتيجي معانا؟
أغلقت زر جاكيتها الأسود الشبيهة للتنورة السوداء وقميصها الأسود الأنيق من أسفل الجاكيت الثمين، قائلة: عندك اعتراض يا مايا؟
هزت رأسها نافية وبالكد قالت: لا طبعًا أنا بسأل بس.
فتحت شمس باب السيارة وهبطت لتلحق بها فريدة ومايسان، بينما ظل أحمد جوار علي، ليشير له: يلا يا على إطلع على المحامي نرتب معاه الأوراق عشان منتاخرش.
زادت صدmة علي، فصاح بعدm تصديق: عمي حضرتك جاي معايا؟
هز رأسه مؤكدًا، فقال الاخير: لا طبعًا، متقوليش إنك هتسيب فريدة هانم مع فطيمة لوحدها، محدش هيقدر عليها غيرك إنت!
ضحك أحمد بشـ.ـدة وردد: إنت قاريني غلط يا علي، فريدة أمك مش بترضخ لحد هي ممكن تكون بتتفادى رغيي فبتعمل اللي بطلبه عشان أبطل أتكلم بالموضوع، لكن في حقيقة الأمر فريدة هانم مفيش شيء بيردعها عن اللي في دmاغها.
وهمس بصوتٍ ظنه غير مسموع لعلي: لو كنت قدرت عليها يمكن ده مكنش حالي!
ابتسم بسخطٍ تمكن من إخفائه، وقال محاولًا تصنع جديته: عمي أنا مش هقدر أمشي من هنا وأنا قلقان عليها، وجودك على الأقل هيطمني.
وتابع بحـ.ـز.نٍ تغلب عليه: فطيمة أقل شيء بيخلي حالتها تسوء أكتر من فضلك حاول تمنع ماما إنها تضايقها.
شفق عليه وعلى القدر الذي وضعه باختبـ.ـار سيكون من الصعب عليه تجاوزه، كان يعلم منذ أشهر بأنه على قد سقط بداء العشق، فلم يكن بذاك الطبيب الذي يفشي أسرار عمله عن مرضاه أبدًا، ولكن من كثرة تفكيره بفطيمة وما يخصها كان يشعر تجاهها وإنها من أولويات حياته، وكأنها أحد أفراد عائلته، فكان يحاول باستمـ.ـا.تة علاجها طوال تلك المدة التي تكمل العام بعد سفرهما من مصر لانجلترا، فنتج عن انشغاله تقصيرًا شمله تجاه العائلة، فاضطر أسفًا يبرر انشغاله لرفيقه الودود أحمد، ووالدته وأخيه ظنًا من أنهم سيتفهموا سبب غيابه بالأيام عن العودة.
ورغمًا عنه وجد الامور تخرج عن طور سيطرته، فإذا بقلبه المغدور يعلن حبها صريحًا له، جابه مشاعره كثيرًا ولكن قلبه بالنهاية انتصر.
تحركت يد أحمد تربت على ساقه وهو يخبره ببسمة هادئة: متقلقش يا علي، هكون موجود معاهم ومش هسمح لفريدة تعمل شيء.
وهبط يغلق باب السيارة وهو يشير إليه: روح إنت مشوارك ومتقلقش.
ابتسم براحة بعدmا تفادى الخمسون بالمئة من المشاكل، فحتى إن كانت فطيمة ستواجه جزءًا من تسلط والدته ولكنها ربما تكون هينة أمام المئة بالمئة!
ارتدت حجابها حينما استمعت لرنين جرس الباب، واتجهت لتفتحه، فوجدت مايسان تقف ولجوارها فتاة وامرأة تسدد لها نظرة لو حملت الجمر لأشعلت فطيمة على الفور، بدى لها بأن تلك المرأة لم تكن سوى فريدة هانم والدة علي، وقد صدقت أحاسيسها حينما قالت مايسان: دي شمس إخت على يا فطيمة، ودي فريدة هانم والدته.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ شـ.ـديد، ورددت: أهلًا وسهلًا. اتفضلوا.
ابتسمت فريدة ساخرة، وولجت للداخل متعمدة أن تحك كعب حذائها الأبيض العالي بالأرضية، مرددة: مش محتاجين عزومة إننا ندخل بيتنا يا حبيبتي.
كانت بدايتها معلنة للفتيات، بأن تتهييء للحرب منذ الآن، فخففت شمس وطأة الاحداث حينما أحاطت فطيمة بذراعيها وببسمة مشرقة قالت: أهلًا بعروستنا الجميلة اللي هتنور بيتنا.
استلطفتها فطيمة، فكانت بشوشة رقيقة مثل مايسان، فضمتها وأجابتها على استحياءٍ: تسلميلي يا حبيبتي.
مازحتها وهي تدعي بحيرة: قوليلي بقى أناديلك فطيمة ولا فاطمة ولا فاطيما.
ضحكت وهي تجيبها: براحتك الإسم اللي حاباه ناديني بيه.
أشارت لهما مايسان التي تقف بالردهة تراقب فريدة الجالسة على الأريكة تحدجهما بنظرة قـ.ـا.تلة، ثم قالت: يلا يا فطيمة ادخلي غيري هدومك عشان هننزل نشتري فستان لكتب الكتاب.
أخفضت عينيها أرضًا بحرجٍ، فدنت منها مايسان تهمس لها بضيق: هو انا مش وريتك امبـ.ـارح أوضتي وقولتلك إلبسي اللي تحبيه يا فطيمة، لسه بالاسدال ليه؟
يمكن مش مستنضفة تلبس مكانك يا مايا، ومستنية الجديد يوصلها!
قالتها فريدة وقد بدأت تلقي سهام حربها، فانقبضت معالم فطيمة خــــوفًا من القادm، خاصة بأن نظراتها كانت مقبضة، أجل هي تعلم بأنها لن تكون بداية سلسة بقرار زواجها، ليس من على بالتحديد بل بأي رجلًا، من البديهي أن والدته لن ترضخ لطلبه الغير مقبول بالزواج من أنثى تم تجرديها مما تمتلك!
هي من البداية كانت تصر برفضها لعلمها ذلك، ولكنها بالنهاية لم تكن قاسية على قلبها مثلما قسى عليها الجميع.
خـ.ـطـ.ـفت فطيمة نظرة لفريدة التي تقتص بنظراتها التي شملتها من رأسها لأخمص قدmيها، كأنها تقيمها بنظرة تحط من قدرها، فوجدت الكره والحقد يترأسان حدقتيها، اعتلاها الحـ.ـز.ن وفضلت الصمت، فتركت فريدة حقيبة يدها البيضاء جانبًا واتجهت لتقف قبالتها، فمازالت تقف جوار شمس ومايسان جوار باب الشقة المفتوح، مربعة يدها حول صدرها بثقة: قوليلي يا فاطيما، عملتيها إزاي دي وقدرتي توقعي ابني الدكتور علي!
واستكملت بسخرية: أصل بصراحه شايفة إنك بتمتلكي ذكاء وخبث ميلقش على وش البراءة اللي مصدرهولي من ساعة ما شوفتيني، واحدة زيك باللي حصل معاها كان ممكن يبقى طموحاتها توقع الفراش، حد من أمن المستشفى، صبي البوفيه، لكن الدكتور المعالج دي بصراحه تحسبلك!
صعقت مما استمعت، فشعرت وكأن قدmيها تهتز عنفًا طالبة جلوسها قبل أن تسقط أرضًا، بينما اندفعت شمس تهتف بها: مامي بليز مينفعش اللي بتقوليه ده حضرتك عارفة إن آآ.
رفعت كفها توقعها عن الحديث ومازالت نظراتها تحيط بفطيمة التي تتشبث بجوانب اسدالها الفضفاض، تجاهد أنفاسها اللاهثة، فتدخلت مايسان بهدوء: فريدة هانم ميصحش اللي حضرتك بتقوليه ده، على شرح لحضرتك قبل كده والموضوع انتهى!
أحالت بنظراتها عنها لتتجه لزوجة ابنها الأصغر وابـ.ـنتها، لتردد باندفاع: مفيش شيء انتهى يا مايا، الحرباية دي عرفت تتلون على ابني عشان توقعه بس مش هتنجح تخدعني، ولو عندها ذرة كرامة هتاخد نفسها وتمشي من هنا فورًا.
وخـ.ـطـ.ـفت مسافتهما لتصبح قبالة عينيها: ولو بتحبه مع إني أشك في ده، هتحب الخير ليه وإنه يكون سعيد مع بـ.ـنت يكون هو حظها الأول وميبقاش بسببها أضحوكة وسط الطبقة المخملية اللي مستحيل هتكون منها!
فريدة!
صوت ذكوري قوي قطع حديثها، ليمر من بين الفتيات حتى أصبح قبالتها عوضًا عن فطيمة التي يرتجف جسدها، فأشار لمايسان وشمس: خدوها تغير هدومها عشان هنتحرك حالًا.
جذبتها شمس بفرحة لوجود أحمد هنا، فلا هي تمتلك جرءة محاربتها ولا حتى زوجة أخيها، ولجوا بها لغرفة مايسان الجانبية، وأغلقوا الباب ليدعوا الساحة لأحمد ليحارب بمفرده.
فما أن تأكد من ابتعادهما حتى صاح غاضبًا: إنت شكلك مش ناوية تجبيها لبر، سبق واتكلمنا وانتهينا، لسه بتحاولي تعملي أيه تاني؟
تركته واتجهت تقف أمام الشرفة الزجاجية الضخمة، مرددة بانفعال: لا مخلصناش يا أحمد، أنا مش هقف أتفرج عليها وهي بتدmر ابني قصاد عيني.
حرر زر جاكيته الرمادي، ودث يده بجيب بنطاله القماشي، فاستند بيده الاخرى على العمود المجاور له وهو يردد بـ.ـارهاقٍ: وبعدهالك من العناد يا فريدة، تعبتيني وتعبتي اللي حواليكي!
واتجهت عينيه إليها يخبرها برزانة نبرته الجذابة: يا فريدة افهمي البـ.ـنت مريـ.ـضة حـ.ـر.ام عليكي اللي بتعمليه ده هيدmرها.
ضحكت ساخرة واقتربت منه: والله أول مرة تخليني أشك في ذكائك يا أحمد، البـ.ـنت دي سليمة وأحسن مني ومنك، عارفة هي عايزة أيه كويس وبتنفذ لعبتها من زمان، لدرجة أن على مكنش بيتنقل من المستشفى نهائي بسببها والله أعلم هي عملت أيه تاني عشان تخليه يصمم عليها كده، مستبعدش أنها أغريته أو آآ.
صوته الجهوري خرج متعصبًا: حـ.ـر.ام عليكِ تظلمي ابنك والبـ.ـنت بالشكل البشع ده، الظاهر إنك بعد اللي عمران عمله بقيتي تشوفي على نسخة منه، على يا فريدة العفيف اللي مبيسبش ولا فرض، على اللي عاش عمره كله يطيعك رغم إنه عارف انك غلط، تفتكر إنه ممكن يرتكب ذنب زي ده!
أخفضت وجهها للأسفل فانسدل شعرها القصير يخفي معالم وجهها عن عينيه، تراه لا يرغب برؤبة دmعاتها، مسح وجهه بقوة كادت باخفاء معالمه، ثم دنى يقول: حبيبتي سبيه يختار حياته ويعيشها زي ما هو حابب، والله أعلم بعد كده هيحصل أيه، ما يمكن مـ.ـيـ.ـتفقوش أو يحصل لا قدر الله عدm تفاهم بينهم ساعتها لو أخد قرار الانفصال يكون باختياره هو وبدون ما تفرضي عليه بشيء.
رفعت وجهها إليه، واتجهت لتلامس النافذة الزجاجية، هامسة بخبث: ده اللي هيحصل.
صفق كف بالأخر مرددًا بنفاذ صبر: مفيش فايدة فيكِ هتفضلي زي ما أنتِ.
أسرعت إليه تتمسك ذراعه وبرجاء قالت: أحمد افهمني أنا آآ.
ابتلعت جملتها بصدmة حينما وجدته يستل ذراعه منها بانتفاضة غريبة، فراقبت معالمه باستغرابٍ، تنحنح بحرجٍ مصطنع: اعذريني يا فريدة، أنا مش حمل أشيل ذنوب، متنسيش إني بالنهاية أخو جوزك وعم أولادك.
واستكمل طريقه للمقعد واضعًا ساقًا فوق الاخرى بثقة، تاركها تتأمله بدهشةٍ وخــــوفٍ بدأ يحيطها من فكرة نفوره منها ومن مشاكلها التي لا تنتهي، فوخز قلبها بقوةٍ جعلتها تتجه لتجلس على الأريكة المجاورة له لتردد بصوت محتقن تقطع صداه: أحمد إنت عايز تبعد عني؟
رفع رماديته لها بعتاب شق صدرها: وأنا من أمته كنت قريب يا فريدة هانم!
كادت بالحديث إليه فقاطعتهما شمس حينما قالت: احنا جهزنا يا أنكل أحمد.
نهض يغلق زر جاكيته وهو يشير لهم ببسمة جذابة: يلا يا شمسي، السواق جاب العربية تحت وأنكل أحمد بنفسه اللي هيوصلكم مكان ما تحبوا، بس من اولها كده انا مش حمل بهداله البنات والجري على كل محلات المول، يعني تحددوا قائمة المحلات اللي هتدخلوها وياريت تكون محدودة، مفهوم؟
ضحكت مايا وأجابته بمرحٍ: علم وينفذ يا باشا.
ابتسم وهو يراقبهما، واتجهت عينيه على فطيمة التي تتطلع أرضًا بحـ.ـز.ن، تتحاشى أن تتطلع تجاه مكان جلوس فريدة، فاقترب منها قائلًا بلباقة: أهلًا بعروسة ابني الغالي، وأكيد من النهاردة هتبقي بـ.ـنتي إنتي كمان.
واسترسل مازحًا: ما شاء الله الواد طلع بيفهم ومختار قمراية، مش كده ولا أيه يا شمس؟
أحابته الاخيرة وهي تضع قبلتها على خد فطيمة: الا كده، دي كريزة يا أنكل.
رددت بخفوتٍ شـ.ـديد: شكرًا لحضرتك.
أشار لهم على المصعد قائلًا: طيب يلا بسرعة ورانا مشاوير كتير.
واستدار تجاه تلك الساهمة التي مازالت تتطلع لمقعده: هتيجي معانا ولا هتخليكِ هنا يا مرات أخويا؟
انتقلت نظراتها الغاضبة إليه، وحملت حقيبتها واتجهت خلفهن بخطوات متعصبة جعلته يبتسم وهو يهمس بخبث: مفيش مانع وأنا بحل مشكلة على أحل مشكلتي بالمرة!
ولج ثلاثتهم للمصعد، فوقف جمال قبالة يوسف يعدل من الجرفات، مطلقًا صفيرًا مضحكًا: لا البدلة هتأكل منك حتة يا جو، دي مبتخرجش الا للحبايب خد بالك.
نزع يده عن عنقه وهو يصيح بضيق: خلاص يا عم قرفتني بام البدلة بتاعتك!
منحهما سيف نظرة ساخطة وعاد يتابع التاب في محاولة لمراجعة مذاكرته، فتوقف المصعد بأحد الطوابق، فولجت للداخل فتاة محجبة وضغطت على زر الهبوط للأسفل.
اتسعت بسمة واسعة على وجه يوسف وهو يراقب تلك الفتاة بأعين منبهرة، جعلت جمال يميل إليه هامسًا بصدmة: أوعى خناقتك مع دكتورة ليلى تأثر معاك وتتجوز عليها، اعقل يا جو!
لكمه بغـــضــــب جعلها تستدير للخلف بريبة، فقال يوسف ببسمة بلهاء: أعتذر عن الازعاج، صديقي لا يبدو بخيرًا.
منحته نظرة ساخطة وعادت تتطلع للأمام، بينما انجرف يوسف تجاه سيف المنعزل عنهم تمامًا بمذاكرة دروسه ليجد أخيه يلكزه بقوة، جعلته ينزع نظارته الطبية وهو يهدر بانفعال: في أيه تاني؟
أشار بغمزة عينيه: محجبة ولابسة واسع ومحتشمة، مالكش حجة.
وأشار لجمال المنصدm بقدر صدmة سيف: هعرف من أمن العمارة ساكنة في الدور الكام وهروح أنا وجيمس نخطبهالك، ها أيه رأيك؟
لطم جبهته بالتاب فاستغل خروجهم من المصعد ليصيح به وهو يسرع لسيارته المصفوفة بالخارج: أنا واكل ورثك بتحاول تتخلص مني بأي شكل! ما تنزلي اعلان على السوشيل ميديا أحسن!
وهمس بضيق وهو يصعد لسيارته: يا رب ارحمني منه ومن أصحابه لاني اتخـ.ـنـ.ـقت، أغير كالون الشقة ولا أطفش وأسبهاله!
غادرت سيارته وتبقى يوسف يلمح أثره بعدm رضا، فنزع يده المستندة على خصره ليشير لجمال: هات عربيتك يلا.
دنى منه يشاكسه: بدل ما أنت شايل هم أخوك كده شيل هم نفسك وفكر هتصالح دكتورة ليلى ازاي؟
وطرقع أصابعه بخبث: ولا أقولك إحنا في طريقنا للمعلم زير النساء، قاهر قلوب الأجانب استعين بمساعدته أياكش حظك النحس يتفك على إيده.
منحه نظرة غاضبة، ليصيح بوجهه: الزير الوقح مع كل النساء ومش عارف يتواقح مع مـ.ـر.اته! غور هات العربية يا جمال وخلي يومك يعدي!
انتقت مايسان أحد المحلات الراقية، وبمساعدة شمس اختاروا فستانًا بسيط من اللون الأبيض، تحيطه بطانة من الدنتل، وصف من الفراشات تحيط بكتفيه، لينتهي باتساع وكأنه فستان خاص لسندريلا عصرها، فجذبته العاملة بحرص حينما شـ.ـددت صاحبة المحل بحزم: إحمليه بحرص، ليس لإنه غالي الثمن بل لإن والدتي قد صنعته بيدها خصيصًا لمن ستكون صاحبة النصيب.
واستدارت تجاههم مضيفة ببسمة عملية: ويبدو بأن تلك الجميلة هي صاحبة النصيب.
اكتفت فكيمة بمنحها بسمة بسيطة بينما كادت بالانصياع ليد شمس التي تجذبها للغرفة بحماسٍ، فأستوقفتها جملة فريدة: الفستان شكله قيم ويستاهله عروسة بجد، مش كده ولا أيه يا مدام فطيمة؟
رفعت عينيها الدامعة إليها، فوجدتها تمنحها بسمة متشفية لما خاضته الآن، فتدخل أحمد حينما قال ببسمة مستفزة لتلك التي تراقبه، متعمدًا الحديث بالانجليزية ليرضي فضول العاملات من حوله بمحاولة فهم جملة فريدة العربية: بل صنع لصاحبة القلب الأبيض والوجه الملائكي، صنع خصيصًا لكِ فطيمة.
بالرغم من خــــوفها الشـ.ـديد من صنف الرجـ.ـال ولكن هذا الأحمد يبدو بأن شعورها غريبًا تجاهه، لم تقابله سوى بضعة دقائق وبدأ شعور الألفة والأمان يجتاحها، منحته فطيمة بسمة ممتنة وولجت خلف الفتيات للداخل ساهمة بما سيحدث لها من فريدة، إن كانت كذلك بأول يوم جمعهما به ماذا ستفعل حينما تذهب للعيش برفقتهم؟!
تحركت برفقتهما وتركتهما يعاونها على ارتداء الفستان وهي شاردة بعالم أخر، لا تعلم ماذا يتوجب عليها فعله، هل تخبره برفضها مجددًا أما تهرب منه تاركة قلبه ينكـ.ـسر من خلفها؟
والأهم من ذلك إن تركته إلى أين ستذهب، هي لا تعرف أحدًا هنا سواه هو ومراد الذي لم تمتلك له رقم هاتف حتى، لا تعلم لما حنت بتلك اللحظة لعائلتها، فافتقدت حـ.ـضـ.ـن والدتها الراحلة، بداخلها عـ.ـذ.اب يقــ,تــلها لأنها تعلم بأن والدتها مـ.ـا.تت من حسرتها على ما حدث لها، حتى والدها وشقيقتها انقطعت عنها أخبـ.ـارهم.
انسدل الدmع على وجه فطيمة وفجأة انتفضت باكية بشكلٍ قبض صدر مايا وشمس، فضمتها مايا إليها وهمست لها بحـ.ـز.ن: متزعليش يا فاطيما خالتي والله طيبة وقلبها أبيض هي بس مش متقبلة إن حد من ولادها يأخد قرار بدون الرجوع ليها، وبكره لما تعاشريها هت عـ.ـر.في الكلام ده بنفسك.
وطبطبت عليها وقد انسدلت دmعاتها تأثرًا بها، بينما قالت شمس بصوتها المحتقن: بليز فاطيما متبكيش، أنا عارفة إن مامي غلطت فيكي بس والله بكره هتحبك وهتتقبلك، لإنك حد كيوت ولطيف.
أبعدتها مايا عنها وأزاحت دmـ.ـو.عها قائلة ببسمة: متزعليش بقى ده النهاردة كتب كتابك يا عروسة، عايزينك مفرفشة.
وتابعت بسخرية: وبعدين إنتِ عايزة أيه من فريدة هانم، ما أنا وشمس وأنكل أحمد ودكتور على معاكي وبنحبك ده مش كفايا؟
رسمت بسمة رقيقة على محياها وهي تجيبها: كافي ليا يا مايا، أنا أساسًا حبتكم من اول ما شوفتكم والله.
ضمتها شمس بسعادة وهي تجيبها؛
أنا كمان حبيتك جدًا جدًا.
وأشارت لها وهي تخرج من حقبيتها أدوات التجميل: خلصي لبس بقى عشان لسه هحطلك الميكب، لكن لفة الحجاب مش هعرف لإني مش محجبة فنخلي مايا تلفهالك.
قالت على استحياء وهي تراقب ما تضع على السراحة الجانبية للغرفة: أنا مش بحب أحط مكياج.
استدارت إليها تخبرها: متخافيش انا هحطلك حاجات سمبل كده.
هزت رأسها بخفة وإنصاعت لمايا التي تديرها لتغلق سحاب فستانها الأبيض.
أبلغتهما الخادmة بأن عمران برفقة الطبيبة بالصالة الرياضية القابعة بالطابق الثاني، صعد جمال ويوسف للأعلى، فما أن رأتهم الطبيبة حتى تهللت أساريرها، و.جـ.ـعلتهما يعاوناها بعلاجه، فأمسك به جمال ليسنده على الحامل الخشبي، بينما يوسف يحرك قدmه مثلما أمرتهما الطبيبة، فعبث جمال ساخرًا: دي أخرتها خدامين لمعاليه!
رد عليه يوسف وهو يحرك قدm عمران بمهارة: الوقح ده مطلع عنينا وهو بصحته وهو راقد!
أغلق عمران عينيه باسترخاءٍ مستفز: اشتغل وإنت ساكت منك له. محدش قالكم تيجوا دلوقتي!
نغزه جمال ساخطًا: جاين نكفر عن ذنوبنا بمعرفتك السودة يا سيدي!
لف جسده بعنف جعل يوسف يرتد للخلف ساقطًا أرضًا ليسدد لكمة قوية اطاحت بفك جمال، ليصيح بغـــضــــب: احترم نفسك معايا، أنا دراعي لسه سليم فخدلك عازل مني بدل ما هلاكك يكون على يدي!
انتصب يوسف بوقفته فاحاط تلباب ملابسه بيده مرددًا من بين اصطكاك أسنانه: أقسم بالله يا عمران لو متلمـ.ـيـ.ـت لكون كـ.ـسرلك رجلك التانية، اعقل كده وسبنا نخلص التمرين المنيل ده خليني أغور من خلقتك أنت والحقير اللي جنبك ده.
برق جمال بدهشة لحقت نبرته المستنكرة: الحقير ده كنت بتترجاه إمبـ.ـارح لجل ما يسترك يا دكتور.
أصاب عمران نفس الدهشة، فاستدار لجمال تاركًا يد يوسف تحيط رقبته: تستره من أيه؟ انت انحرفت من ورايا يا دكتور العفة والشرف!
تركه يوسف واتجه للمقعد يجذب جاكيته ويرتديه متمتمًا بعصبية: أنا غلطان إني سايب المستشفى والعيادة وجاي لانسان وقح زيك، أنا ماشي شوفلك حد يساعد الدكتورة.
لم يعبىء به وسأل جمال باهتمام: عمل أيه قولي؟
أجابه وهو يحيطه بقوة بعدmا تخلى يوسف عن مساعدته: دكتورة ليلى طردته في نص الليل بالبيحامة الستان السودة، كان شكله مسخرة والله العظيم.
أدmى عمران شفتيه ساخطًا: اخص على دكتور الندامة، بقى تطردك بالبيجامة. بالبيجامة يا يوسف!
هدر بانفعال: غنوا وردوا على بعض ما أنا عارفكم واحد وقح وواحد حقير هستنى منكم أيه؟!
تعالت ضحكاتهما عاليًا، فقال عمران وهو يستند على الحاملين الخشب: لخص الحكاية ببوكيه ورد وروحلها المستشفى بيه، الستات تحب اللافتات اللطيفة دي وبالذات لو كان بمكان متتوقعش أنك تعملها فيه.
وجلس بتعب على أقرب مقعد وهو يستطرد: نسبة كبيرة منهم بيحبوا الواد الروش اللي يبين حبه ليها قدام خلق الله وبالأخص بمكان شغلها، ويحبذا بقى لو شخص معتوه راح لمـ.ـر.اته مكان شغلها واتخانق معاها هناك، دي بتكون نهاية للعلاقة يا صديقي!
أشار جمال بأصبعه ليوسف الشارد بحديث عمران: ركز يالا في الاختيار الأول، شيل ورد وروح بكرامتك.
وتابع بخــــوف: سكوتك قلقني إنت بتفكر في الحل التاني ولا أيه؟!
هز رأسه بنفاذ صبر: يا عم ارحمني انا لسه داخل الدنيا من كام شهر هنهيها من دلوقتي!
ودث يده بجيب جاكيته يجذب الهاتف الذي يعود لرنينه للمرة الثالثة، فخرج من الغرفة الشاسعة بأجهزة رياضية حديثه، ثم ذهب بعيدًا ليتمكن من الحديث مع زميله بالمشفى.
انحنى جمال لعمران الذي يمرر يده على قدmه بتعبٍ، وعينيه شاردة بأجهزته المفضلة بشوقٍ لعودته لممارسة الرياضة من جديد، فقال بحـ.ـز.ن: مع التمرين والعلاج هترجع أحسن من الأول.
ابتسم برضا تام وقال: لو ده عقوبة الكبائر اللي ارتكبتها فأنا راضي يا جمال.
وسحب نفسًا ثم مرره عبر أنفه مستكملًا بحـ.ـز.ن: إنت متعرفش الخــــوف اللي جوايا مدmرني إزاي، خايف من عقـ.ـا.ب ربنا ليا، خايف ميغفرليش أخطائي اللي ارتكبتها، بستنى بخــــوف العقوبة اللي هشوفها بالدنيا على جرايمي دي.
أدmعت عين جمال تأثرًا بحديثه، وقال بخشونة يخفي ضعفه خلفها: بطل الكلام الفارغ ده، إنت الظاهر كده السم اللي شربته دmرلك عقلك.
وتابع ببسمة هادئة: يا عمران ربنا غفور رحيم، وإنت مدام نـ.ـد.مت على أخطائك وبتعافر أنك ترجع لطريق الصلاح عمره ما يقفل بابه في وشك أبدًا.
وبصوتٍ عـ.ـذ.بٍ فاجئ عمران، ردد جمال بخشوع تام: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى? أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ? إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ? إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ?53 الزمر?.
أدmعت عين عمران تأثرًا من سماع صوته الدافئ، فقال: صدق الله العظيم.
وبلهفة أضاف: صوتك جميل أوي يا جمال، إزاي مسمعتوش قبل كده؟
ضحك وهو يشير لذاته بغــــرور مصطنع: صاحبك أحلى واحد يقيم الصلاة بالشركة.
وتلاشت بسمته حينما قال بحـ.ـز.نٍ: كلنا بنرتكب معاصي يا عمران، أنا مش قادر أنسى المرة اللي شربت فيها الزفت الخمرة، لحد الآن مش مسامح نفسي، بس بكمل حياتي وبستغفر ربنا على أمل إنه يغفرلي خطيئتي دي.
نزع عنه سترته الرياضية، وبتقزز شـ.ـديد قال: البلد اللي احنا فيها دي السبب، المعاصي محاوطنا من كل جهة، خمرة وستات وكل شيء هنا مباح بدرجة مرعوبة، تعرف أنا بتمنى أسافر لمصر ونعيش في القصر بتاع جدي الله يرحمه مع عمي أحمد بس للأسف غـ.ـصـ.ـب عننا لازم نكون هنا، أملاك بابا وشغل على ودراسة شمس حتى الجمعيات وشغل فريدة هانم كله هنا.
رد عليه جمال وعينيه لا تفارقه: دي حجة باطلة بنضحك بيها على نفسنا يا عمران، المسلم القوي إيمانه لو سافر لزمن الجاهلية والكفر مش هيتهز فيه شعرة، كل دي حجج يا صديقي!
هز رأسه باقتناعٍ، وبحرج أضعف حنجرته: عندك حق، إحنا محتاجين نقوي إيمانا بالله عز وجل.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يشير له: طب سند نعمل التمرين الأخير عشان يوسف مـ.ـيـ.ـتأخرش على شغله.
أومأ برأسه ونهض يحتمل على كتف رفيقه، فأحاطه بقوةٍ، بينما اقتحم. يوسف الغرفة يخبر جمال بحماسٍ وفرحة: جمال الدكتور الأمريكي اللي كنت بتسألني عنه عشان عملية القلب بتاعت والدتك جاي المستشفى عندنا كام يوم تبع المؤتمر اللي هيقام عندنا، دي فرصتك إنه يعمل لوالدتك العملية.
شحب وجه جمال تدريجيًا، فأجلى أحباله الصوتية: بعدين يا يوسف بعدين.
استغرب يوسف طريقته ومع ذلك أثر الصمت، فقال وهو يعيد هاتفه لجيبه: طيب لو خلصتم خلينا نتحرك اتأخرت.
أشار له جمال بـ.ـارتباكٍ من نظرات عمران إليه، فقال وهو يسنده: هدخل عمران أوضته وجاي.
أشار له يوسف: طيب هات المفاتيح أدور العربية لما تنجز.
دفع له المفاتيح وخطى جوار عمران تجاه غرفته، فما أن تأكد عمران من هبوط يوسف حتى منع جمال من الفرار قائلًا: استنى عايزك.
كاد بالخروج من باب غرفته، فاستدار وهو يقبض قبضة يده بغـــضــــب لحق هو الاخير بنبرة عمران: سبق وسألتك قبل كده على عملية والدتك وقولتلي إنها لازم تتعمل بأقرب وقت، ودلوقتي بعد ما الفرصة جتلك بتتهرب منها، في أيه يا جمال؟
زفر في محاولة لاختيار كلمـ.ـا.ته: مفيش، أنا حاسس إنها بقيت كويسة وآآ.
قاطعه بسؤاله المباشر دون لف ودوران: إنت محتاج فلوس؟
احمرت حدقتيه غـــضــــبًا وصاح بعصبية: مالكش دعوة يا عمران، أنا أقدر أحل مشاكلي لوحدي.
جذب المزهرية المجاورة لفراشه ليسقطها فوق رأسه بتعصب، تفادها جمال بصعوبة وهو يهمس بعدm تصديق: مـ.ـجـ.ـنو.ن!
بحث عمران عما يود استخدامه ولكنه فشل بالوصول للمزهرية الاخرى، فصرخ بعنف: استنى أنا هوريك الجنان اللي على أصوله، عشان تبقى تعرف تتكلم معايا كويس يا حقير.
وتابع بعصبية بالغة: بقى بتداري عليا بعد كل اللي بينا، ده أنا لو حصلي حاجة إنت أول واحد بتجري بيا، للدرجادي أنا مصدوم ومش مصدق إنك تكون بتمر بحاجة زي دي وتخبي عننا يا جمال، بجد مصدوم ولو قادر أقف كنت قــ,تــلتك وخلصت.
أسرع يخبره بحـ.ـز.ن: إنت عارف إني مش بحب أطلب مساعدة من حد حتى لو كنتوا اخواتي.
خرج عمران عن هدوئه، فجذب الوسادة من خلفه ليقذفها إليه، فالتقطها سريعًا ليعيدها إليه بحدة: اهدى بقى بهدلت الأوضة بجنانك ده، مش صالة رياضة هي!
أجابه من بين اصطكاك أسنانه: ما أنت معصبني خصوصًا إنك واقف بعيد ومش طايلك، تعالى لو راجـ.ـل تعالى أقف هنا قدامي!
انحنى يجمع زجاج المزهرية لسلة المهملات، مردفًا: لا أجيلك ولا تجيني، خليك مستريح مكانك أنا أساسًا مش فاضيلك.
وانتهى من جمع الشظايا، ثم إتجه ليغادر، فقال عمران بحزم: جمال جهز أوراق سفر والدتك، وأنا هتكفل بفلوس العملية ولما تجمع المبلغ بعد المناقصة اللي داخلها ابقى سددلي جزء منه وبعد كل مناقصة هأخد جزء من فلوسي، وبكده تكون رضيت غــــرورك الغـ.ـبـ.ـي.
أشتعلت حدقتيه، فابتسم عمران بخبث: اتعصبت! حلو تعالى اقعد جنبي هنا ونتكلم ونتناقش.
استدار ليغادر فعاد يناديه مجددًا: جمال.
توقف محله، ليأتيه تهديدًا قطعي: أقسم بالله لو مبعت جبت والدتك الاسبوع ده لا أنت صاحبي ولا أعرفك، وإنت عارف كويس إني قد كلامي، كفايا زعلي من اللي عملته، المرادي هتبقى كبيرة.
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ، خسارة أحد أشقائه تعني المـ.ـو.ت حتمًا فهز رأسه مرددًا: حاضر. هحجزلها.
وغادر على الفور من أمامه، تاركًا ابتسامة الانتصار تحيط بوجه عمران، فتمدد على الفراش، ليغلق عينيه براحة وفتحها مجددًا حينما فُتح باب الغرفة مجددًا، فاعتدل بجلسته هاتفًا بسخرية: يا هلا يا هلا بالعريس، أيه لسه فاكر أنك نسيتني وراك!
حدجه على بنظرة جـ.ـا.مدة قبل أن يتجه للخزانة قائلًا ببرودٍ: نسيت ابن أختي ورايا ورجعت أخده. قوم إلبس وخلصني.
منحه نظرة ساخرة قبل أن يشير بيده إليه، فجذبه على ليستقيم بجلسته ومن ثم اتجه للخزانة ليجذب بذلة آنيقة من اللون الأسود، مررها لعمران وكاد أن يشرع بمعاونته ليوقفه الأخر بسخط: أيه الذوق المقرف ده، إنت بتكروتني!
جحظت عينيه بصدmة، لحقت نبرته: هو أنا جايبها من دولابي، ده ذوقك يا حبيبي!
ألقاها عمران جانبًا وأشار له: مش بلبس أنا كده، بختار البنطلون وبعد كده بطقم باستايل مختلف مش اللبس المعتاد ده، أنت تايه عني ولا أيه يا دكتور؟
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ: هو ده وقت محاضراتك يا عمران، فطيمة سايبها مع فريدة هانم وحاسس إني هروح ألقيها نهشتها على سنانها.
ضحك بصخبٍ، وقال: تعملها مصدقك، بس في أمل عمك معاهم فمش هيسمحلها متقلقش.
علي ذكر عمه، قال على بجدية تامة: لما نرجع بليل محتاجين نتكلم شوية، في موضوع مهم لازم أقولك عليه يا عمران.
إلتحف بالجدية هو الأخر وسأله باهتمام: موضوع أيه ده؟
قال وهو يعود للخزانة في محاولةٍ إيجاد ما يناسبه: بخصوص عمك، بليل نتكلم أفضل، دلوقتي لازم نتحرك، فلخص وقولي أجبلك أيه؟
أشار على البنطال الداكن من خلفه، وإختار قميصًا أسود اللون، ثم أشار لعلي مرددًا: عندك درجات الكحلي نقيلي درجة متكنش داكنة أوي.
زوى حاجبيه بضجرٍ، كلما أمسك سترة أشار له بالنفي، فجذب أحدهن وألقاها بوجهه صارخًا: إنت بتستهبل! ده أنا العريس مخدتش الوقت ده كله باللبس!
أجابه بسخرية وهو ينزع التيشرت عن جسده: وإنت من أمته بتهتم باختيار لبسك! إنت دقة قديمة يا على مش ماشي تبع العصر!
ورفع ذراعه يقبل عضلته البـ.ـارزة، متفاخرًا: حتى الرياضة مالكش فيها لما بحس إنك شبه خلة السنان!
دنى منه على بنظرة جعلت الاخير يرتعب وخاصة حينما هدر: تحب أوريلك دلوقتي أنا أقدر أعمل فيك أيه بجـ.ـسمي اللي شبه خلة السنان ده!
عاد لذكرياته ما تلقاه من ضـ.ـر.بًا مبرحًا على يده، فأشار لذراعه الأيسر: كان على عيني والله بس إنت شايف أهو بعينك عندي شلل نصفي رباعي حاد الزوايا، لما أخف إبقى تعالى خد حقك.
انحنى يعاونه على ارتداء البنطال بنفاذ صبر، ليأتيه الأخير بصاعقة تفوقه حينما ظل لنصف ساعة يختار الحزام الجلدي المناسب للبنطال، ونصف ساعة أخرى ليصفف شعره ويختار البرفيوم المناسب، فأضرم على بأن اليوم هو موعظ زفاف أخيه وليس هو.
جذبه بغـــضــــب حتى وضعه بالسيارة، فأطلق صفيرًا كان مزعجًا لعلي الذي هاتفه مدعيًا ابتسامته: تعرف تقعد بهدوء بدل الازعاج اللي عامله ده.
أجابه ببسمة واسعة: فرحان يا أخي مش كتب كتاب أخويا!
رد ساخرًا: أخوك نفسه معندوش الاستعدادات والانشكاح ده!
مازحه بمكر وهو يغمز له: حد منعك من الانشكاح، انشكح براحتك بس بهدوء عشان فريدة هانم متفزعكش!
صف السيارة جانبًا وهبط بخطاه الواثق وإبتسامته الخبيثة تحيل على شفتيه، فدنى من فؤاد يتلقف منه ما بيده دون أن يصدر اي رد فعل تثير الشكوك إليه، فهمس إليه الاخير: هنوصلها لمصر المرادي إزاي يا باشا؟
أجابه آدهم وهو يتصنع أنه بعدل حذائه ليدس الفلاشة داخل جواربه، ثم انتصب بوقفته يهمس له: متقلقش هتوصل والمرادي بطريقة مختلفة.
وغمز له قبل أن يغادر لداخل قصر راكان، مستمتعًا بكل خطوة يخطوها للداخل بعدmا حقق اول إنتصارًا بكشف من يعلو راكان وتفاصيل العملية القادmة التي حتمًا ستكون بمثابة دق أخر مسمار بنعشه.
اصطدm إدهم بالهاتف الخاص براكان ملقي أرضًا أسفل قدmيه، فرفع بصره ببطء تجاهه، ليجده ينفث غليونه بغـــضــــب شـ.ـديد، وما ان رأه حتى صاح: الحـ.ـيو.انة شمس مش بترد على مكالمـ.ـا.تي، وأنا مش عارف هي قالت أيه لعمران ولا لفريدة هانم، كنت عايز أضحك عليها بكلمتين.
قبض يده بعنف تمنى لو تركها تطول فكه فتحطم صف أسنانه السفلية، ولكنه سيطر على انفعالاته ليبدو بـ.ـاردًا كلوح الثلج، وقال: وإنت كنت منتظر أيه منها بعد ما اتخليت عنها واستخبيت ورا العمود!
جذب كأسه يرتشفه بغدافية شـ.ـديدة، وتلفظ: وأنا كنت هعمل أيه يعني، أفديها بروحي مثلًا! ما إنت عارف اللي فيها.
تخلى عن صمته مجددًا وفاه: معتقدش شمس هانم تكون قالت لحد من أخواتها ولو ده كان حصل كان زمان حد فيهم كلمك، أعتقد إن حوار رجل الأعمال اللي قولنا عليه دخل عليها.
تمعن بحديثه جيدًا، وقال بتردد: طب وهعرف إزاي، هحط افتراضات؟
وتابع بعد تفكيرٍ: لازم أقابلها. هروحلها الجامعة بكرة!
طرقات على باب غرفتها حررت صوتها الرقيق: اتفضل.
ولج للداخل فوجدها تتمعن بتلك الاوراق التي توقع عليها وقالت بعملية دون الاهتمام بالتطلع لمن القادm: استريح، ثواني وهكون مع حضرتك.
منحها نظرة مستنكرة لوقاحتها بالتعامل مع المرضي، فقال بامتعاضٍ: من الذوق والأدب أنك تستقبلي المرضى بابتسامة واهتمام أكتر من كده يا دكتورة!
رفعت عينيها عن الأوراق تزيح نظاراتها، ولسانها بردد بدهشة: يوسف!
ابتسم ووضع باقة الورد على الأوراق التي أمامها مرددًا: دكتورة ليلى قلب دكتور يوسف وفشته وكليته وكل الأمعاء.
ضحكت وهي تراقب باقة الورد بعدm تصديق، فقالت باستغراب: ده أيه؟ أكيد بحلم مش كده؟
ازدادت بسمته عشقًا: احلمي وأنا المارد اللي هيحققلك أحلامك كلها، ومتعشم فيكِ تحققيلي حلم واحد بس.
امتعضت معالمها غـــضــــبًا بعدmا تسرب لها سبب وجوده هنا، فألقت باقة الورد بوجهه وهي تهدر بانفعال: آه قول كده بقى، إنت جاي عشان ترجع تفتح حوار الخلفة تاني.
أبعد الورد عن وجهه وأسنانه تكاد تنهش شفتيه، وبدأ يستعيد اتزانه كليًا، فابتسم وهو يحرر احتقان صوته الغاضب: حبيبتي أنا عارف إنك امبـ.ـارح اتحججتي بحوار البـ.ـنت الحامل اللي كلمتني علشان قبلها كنت بقولك تعدي عليا بالعيادة أكشف عليكي من باب الاطمئنان بحيث يكون عندنا بيبي بأقرب وقت.
طرقت على سطح المكتب بغـــضــــب: متفتحش الحوار ده تاني يا يوسف، من قبل ما نتجوز وأنا قايلالك إني نفسي أحقق طموحاتي وأبقى من أكبر الجراحين في انجلترا وإنت وعدتني إنك هتساعدني ومش هتقف بطريقي.
رد عليها بهدوءٍ رغم اشتعال روحه: وهي الخلفة اللي هتعطلك عن تحقيق ذاتك يا دكتورة؟!
منحته نظرة غريبة يراها ببنية عينيها لأول مرة، وألقت إليه تهمتها: يعني لو أنا طلبت منك تسيب شغلك ونجاحك اللي وصلتله هتقبل بده يا يوسف؟
رمش بعدm استيعاب: وده دخله أيه في موضوعنا؟
وبوضوحٍ شـ.ـديد تساءل: ليلى إنتِ بتلمحي لايه؟
نهضت بوقفتها تطـــعـــنه لأول مرة بما جعله عاجزًا محله: قصدي إنك غيران من نجاحي يا دكتور يا محترم، ودلوقتي عايز تهد كل اللي أنا حققته عشان أقعد في البيت وعلى كتفي عيل!
برق بعينيه بصدmة جعلته يحاول النهوض ليقف قبالتها، فاجبر صوته على الاستيقاظ: أنا هعتبر نفسي مسمعتش الكلام اللي قولتيه ده لإني لو أخدته بعين الاعتبـ.ـار فمش هخرج من الاوضة دي غير وأنا رامي عليكي يمين الطـ.ـلا.ق.
نالها من الصدmة جانبًا بعدmا أهانته وانتزعت قلبه من صدره، فحاولت الحديث عساها تمحي زلة اللسان الكريهة هذه ولكنه منعها حينما قال بألــم جعل صوته جاف: انا عمري ما غيرت من زميل ليا في مجال تخصصي ما بالك بمراتي اللي بتمنالها الخير على حساب نفسي!
وتابع يدافع عن نفسه المجروحه: ثم من أمته وأنا بقف بطريقك! أنا أوقات بحتاج لزوجتي تشاركني أجازتي زي أي إنسان طبيعي ومش بلاقيكي جنبي وعمري ما فتحت بوقي لإني عارف شغلك ومقدر ده، عمري ما جبرتك تقعدي من شغلك ولو يوم واحد، ولما بترجعي وبتحاولي تعوضي النقص بترتيب البيت والطبيخ بزعل لاني عارف وقفة طول اليوم بالمستشفى عشان المرضى عاملة ازاي، فبحاول أساعدك على قد ما أقدر، برتب كل شيء ورايا وبعمل لنفسي بأغلب الوقت أكلي، ده مش معناه إني ضعيف ومش قادر أكـ.ـسرك بأي وقت.
ورفع اصبعه يحذرها من الحديث حينما همت بذلك، ليتابع باندفاع: انتي موجودة هنا في شغلك مش عشان تشاركيني بمصاريف البيت، ولا لانك محتاجة للفلوس يا دكتورة، أنا سايبك هنا عشان تحققي ذاتك وتنجحي زي ما في احلامك، واتنازلت اتنازلت كتير أوي عشان نهايتها تقفي قدامي بكل بجاحة وتقوليلي غيران مني!
وابتسم ساخرًا وهو يضيف: وكل ده ليه عشان نفسي أخلف منك ولد! عشان اديتك وعد وانتظرتك أنتِ اللي تاخدي أي خطوة وتوقفي المانع من نفسك! كل ده عشان مقدرتش استحمل الو.جـ.ـع لما بيتولد على ايدي كل يوم طفل وعندي رغبة أشيل ابني بين ايديا زي أي زوج عايش حياة طبيعية مع مـ.ـر.اته! قوليلي أنا غلطت في أيه؟!
واخفض ذراعه ليضيف بتهكمٍ: بتطالبيني أسيب شغلي على أي أساس! أنا اللي هحمل بدالك وهشيل المسؤولية دي!، وبعدين هو كل ست حملت وخلفت سابت شغلها واتخلت عن حلمها؟!
ومنحها نظرة أخيرة قبل أن يخبرها: بس عندك حق أنا أستاهل إنك تتمادي بكلامك وطريقتك بالكلام معايا.
وحمل باقة الورد ووضعها بسلة القمامة المجاورة لباب الخروج ثم غادر على الفور، فانهار جسدها على المقعد، لتضم وجهها لكف يدها وهي تردد بصدmة: أيه اللي قولته ده؟!
وصلت سيارة على أمام الباب الخارجي للمول، فاتصل هاتفيًا بعمه ليجده يشير له فقاد للامام قليلًا، ليتفاجئ بها تهبط الدرج بفستانها الأبيض وملامحها الملائكية التي زلزته وكأنه لم يرى فتاة من قبل، هبطت برفقة مايسان وشمس حتى باتت قبالته تتحاشى التطلع له بحرج، فكانت عينيه لا تحيل عنها، حتى أنه لم يستمع لحديث شمس ولا لمبـ.ـاركات مايسان، وبصعوبة بالغة قال: القمر نزل من سماه لأرضي معقول!
تعالت ضحكات عمران المتدلي نصفه من نافذة السيارة، فصاح بخبث: الله أكبر دكتور على نبغة العلم والأدب نطق يا جدعان، بركاتك يا مرات أخويا شكلك كده وقعتيه واقعه مفهاش قومة.
استدار إليه علي، فدفعه للداخل بغـــضــــب، وأمر مايسان بحده: خدي جوزك لعربية عمي.
خرج من النافذة يرفض: ده بعدك يا أبو على لزقلك.
منحه على بسمة ساخرة، فأشار لعمه الواقف على بعد مسافة منهما، واتبعته فريدة تكتف ساعديها أمام صدرها بغـــضــــب، ففتح على الباب الخلفي لوالدته التي حدجته بنظرة غامضة ثم صعدت للخلف ومن بعدها مايا وشمس، فتساءل عمران باستغراب: والعروسة هتركب فين يا ابني!
اتجه على يميل على أحمد هاتفًا: المفاتيح يا أبو حميد ومرددالك.
غمز له بمكر وصعد يقود السيارة، فخرج عمران من النافذة يشير له بمرح: مش هعدهالك اصبر بس.
بينما صعد على سيارة أحمد وقادها قبالة فاطيما، فصعدت لجواره على استحياء ليتجه بها للمحامي لعقد قرانهما أمام أفراد العائلة، ليعودوا جميعًا للمنزل مرة أخرى، وما أن ولجت فطيمة للمنزل حتى أشارت فريدة لعلي قائلة بأعين لامعة بالدmـ.ـو.ع: عملت اللي في دmاغك يا علي؟ اعتبر إن من النهاردة مالكش أم!
↚ألقت جملتها وصعدت لغرفتها بهدوءٍ مخادع، بينما ربت أحمد على كتف على يواسيه على الحرب التي بطريقها للاشتعال، بينما ردد عمران بحـ.ـز.ن يلامس نبرته الثابتة: متزعلش يا علي، إنت عارف فريدة هانم كويس.
أومأ برأسه بعدm اهتمام، وتطلع تجاه فطيمة التي تقف جوار مايسان وشمس بحـ.ـز.ن وعينيها تلمعان بالدmع، فحاولت شمس أن تزيح عنها، فقالت: تعالي يا فاطيما هخدك أوضتك تريحي شوية.
أومأت برأسها بخفة، وقبل أن تتحرك خطوة واحدة أوقفهما صوت علي: شمس اطلعي إنتِ أوضتك أنا محتاج أتكلم مع فطيمة شوية.
هزت رأسها ببسمة متفهمة، ودنت من عمران تسانده برفقة مايسان ليتوجهوا معًا للمصعد ومن ثم لغرفته.
بينما أشار على لفطيمة للخارج: تعالي نقعد بالحديقة، المنظر بره هيعجبك جدًا.
اتبعته للخارج وهي تحمل طرف فستانها الأبيض الطويل، فجذب على المقعد لها وجلس قبالتها، يتابعها بنظرة ساكنة تحاول استكشاف ماذا يعتريها بعد سماع كلمـ.ـا.ت والدته، وحينما وجدها صامته، سألها بشكلٍ مباشر: لما كنا عند المحامي قولتيلي أراجع نفسي! أيه اللي خلاكِ تقولي كده يا فطيمة؟ هي فريدة هانم قالتلك حاجة؟
رفعت عينيها الباكية إليه، تحرر صوتها المكبوت بعجزٍ: أي حاجة هي هتقولها فمعاها حق يا علي، إنت تستاهل واحدة غيري.
زفر بضيقٍ جعله يستند على يديه المحاطة بالطاولة: وبعدين يا فطيمة هنرجع لنفس الحوار ده تاني!
ومال بجسده للأمام ليصبح أكثر قربًا، متعمدًا التباطؤ بنطقه: إنتِ دلوقتي بقيتي مراتي يا فطيمة، يا ريت ترمي كل اللي حصل وراكي وتعيشي حياتك معايا من جديد.
واستدار بوجهه ليعود إليه هاتفًا بضيق: أنا عارف إني غلطت من الأول لما صارحت فريدة هانم عن حالتك، أنا عمري ما فشيت سر مريـ.ـض عندي لحد بس إنتِ كنتِ حالة خاصة يا فطيمة، كنت متعلق بيكِ بشكل مش طبيعي، كنت حاسس إنك حد قريب مني، لدرجة إن قصرت مع نفسي ومع كل اللي حواليا عشان أكون معاكي وجنبك طول الوقت!
رفعت عينيها إليه، وقالت ببسمة حملت ألــمًا طفيفًا: بالعكس أنا ارتاحت أنها عارفة حكايتي، مكنش عندي استعداد أعيش في رعـ.ـب وانتظار للحظة رد فعلها لما تعرف الحقيقة، كده أفضل ألف مرة.
وتابعت وهي تزيح دmعاتها سريعًا: يمكن مع الوقت تتقبلني ولو ده محصلش فأنا راضية ومش طماعة في إن الكل حواليا يكونوا متقبلين وجودي، كفايا عليا إنت ومايسان وشمس وإنكل أحمد.
بالرغم من الآلآم التي طـــعـــنته بحديثها، الا أنه بادلها بسمة أكثر جاذبيية، وأطال بنظراته لها ثم قال بتردد ملحوظ: فطيمة. هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
ارتبكت وهي تخمن أي طلبًا هذا، فاكتفت بهزة رأسها إليه، لتجده يدنو بجسده من الطاولةٍ مجددًا وهو يهمس بصوتٍ خطيرٍ لمشاعرها: هو أنا ينفع أخدك في حـ.ـضـ.ـني؟
هرولت فطيمة من أمامه بهلعٍ، وكأنه استحضر شبحًا قبالتها فظنته ساحرًا شريرًا، كادت أن تتعثر أكثر من مرةٍ بطرف فستانها الطويل، فاحطته حول ذراعها ومازالت تركض بأقصى سرعتها للداخل، والأخر يكاد فمه يصل للأرض من فرط صدmته التي انتهت بسيل متواصل من الضحك، فهرع خلفها يناديها من وسط قهقهاته المتتالية: فاطيما، استني!
لم تلتفت لندائه المتكرر، واتجهت للدرج وبعد أول طابق وقفت بحيرةٍ من أمرها، تناست أنها الآن بمنزل جديد عليها لا تعلم حتى غرف الساكنين به حتى تتعرف على غرفتها!
انقبض قلبها وشحب وجهها بصورة مضحكة حينما تخيلت ذاتها تقتحم أحد الغرف فتجدها غرفة حمـ.ـا.تها المصون! حينها ستسقط بنوبة قلبية لا محالة!
اِلتقط على أنفاسه بصعوبة وهو يشير لها ضاحكًا: هو أنا طلبت منك أيه لكل ده؟
واستند بجسده على تمثال الحصان الضخم من جواره ليشير بانهاك: بسحب طلبي البسيط ولو ممكن ترجعي نكمل كلامنا.
زوت حاجبها بنظرة مشككة، فرفع ذراعيه للاعلى كابتًا ضحكاته بتمكنٍ: مش هتتكرر أوعدك!
عادت تدنو منه مجددًا، لتردد بـ.ـارتباك: فين أوضتي، عايزة أرتاح وبكره نبقى نتكلم يا دكتور.
ردد ببلاهةٍ: دكتور!
عبست معالمها بحدة: عايزة أرتاح ممكن؟
هز رأسه بتفهمٍ واتجه للطابق الثاني وهي من خلفه تتفادى مرات سقوطها من طول الفستان بصعوبة، فاستمعت إليه يهمس بحنقٍ: يا شمـ.ـا.تة عمران الوقح فيا!
توقفت فجأة حينما وجدته يفتح أحد أبواب الغرفة، مستديرًا ببسمته الهادئة ورزانة صوته المحبب لمسمعها: دي أوضتك يا فطيمة، والأوضة اللي جنبك على طول دي أوضة شمس، واللي بعدها أوضة مايا.
هزت رأسها ببسمة صغيرة، فتابع وهو يشير على الغرفة التي تجاورها من الجهة الاخرى قائلًا: ودي أوضتي، واللي جنبها أوضة عمران.
ضيقت حاجبيه باستغراب، لحق نبرتها الهاتفة: عمران؟!
قرأ ما يدور بعقلها بذات اللحظة، فابتسم وهو يردد: أيوه عمران ومايسان مش عايشين مع بعض في أوضة واحدة، زي حالتنا كده.
وتابع ساخرًا: نحن هنا نختلف عن الاخرون، وإن شاء الله لو حد من برة العيلة اكتشف اختراع الأوضتين ده، آل سالم هتبقى مهزلة السنين، وبما إنك فرد جديد بالعيلة فرجاءًا السر يبقى في بير!
ضحكت ومازال رأسها يشير له بتأكيد، فمنحها ابتسامة هادئة هامسًا: تصبحي على خير يا فطيمة.
كاد بالمغادرة فاستوقفته منادية: دكتور علي.
عاد إليها بملامح عابثة: دكتور!
وتفادى ذاك المأزق حينما تساءل ساخرًا: خير يا فطيمة، نسيتي تاخدي رشتة الدوا؟
كبتت ضحكاتها وتساءلت باهتمام كاد باضحكاه: أوضة والدتك فين أقصد فريدة هانم؟
مرر لسانه على شفتيه بتسليةٍ، فدنى منها والاخرى تتراجع للخلف حتى اصطدmت بالحائط، فتصنع أنه يهمس لها خشية من أن يستمع له أحدًا، فقال: في الدور اللي تحت وبالأخص بالمكان اللي جبتك منه، يعني رفضتي حـ.ـضـ.ـن على البريء وجريتي تتحامي بالكتعة!
جحظت عينيها صدmة وكأنها مازالت محتبسة بالأسفل أمام تلك الغرفة، فمنع ضحكته وهو يهز رأسه متحليًا بملامح الاكشن: أنا أنقذتك المرادي المرة الجاية يا عالم أيه اللي هيحصل!
وتابع ويده تشير على احد الغرف المتطرفة للدرج: ده حتى عمي خاف يقعد معاها تحت في نفس الدور سابها وبينام جنبنا هنا.
رفعت يدها تضم قلبها المرتجف، ففور تحقق هدفه قال بمكرٍ: لو حصل أي حاجة اجري على أوضتي وأنا أوعدك اني أفديكي بروحي!
وأشار لصدره بدراما أوحت لها بأنها على وشك أن تلقي حتفها على يد مجرمًا دوليًا: حـ.ـضـ.ـني جاهز ومفتوحلك أقصد بابي مفتوحلك بأي وقت.
منحته نظرة مرتبكة، واكتفت بإبماءة رأسها، فابتعد ليفسح لها المجال، فما أن رأها تتجه لغرفتها، حتى استند على بابها يردد بهيام: مش هتجيبي بقى.
تساءلت بدهشة؛
اجيب أيه؟
أجابها بمنتهى الجدية: حـ.ـضـ.ـن من تحت الحساب، عشان أقدر أحميكِ من الكتعة بضمير.
احتقن وجهها بشـ.ـدة، فأغلقت الباب بوجهه، وأخر ما تردد لها صوت ضحكاته الرجولية التي زرعت على وجهها البسمة تلقائية، وخاصة حينما مال على على الباب ليهمس بحبٍ: بكره حـ.ـضـ.ـني هيكون ملجأك الوحيد!
حملت كوب المياه واقتربت من الفراش تقدm له الكوب وحبات الدواء، التقطهما منها عمران وتجرعهما بمرارة جعلته يغلق عينيه بتقززٍ: طعمهم مر زي نظراتك بالظبط.
منحته مايسان نظرة غاضبة، قبل أن تجذب الغطاء على جسده مرددة بجمودٍ: تصبح على خير.
وكادت بالرحيل فجذب معصمها إليه يبتسم وهو يخبرها: غيري رأيك وأنا هشوف كل شيء تقدmيه ليا أجمل شيء أكلته في حياتي.
منحته نظرة شرسة قبل أن تجابهه بتحديها: اللي بتفكر فيه ده مستحيل يا عمران.
وجذبت يدها ثم استقامت بوقفتها، فقال بحـ.ـز.ن مصطنع: يعني إنتِ يا مايا عجبك منظرنا كده قدام أنكل أحمد وفطيمة، هيقولوا أيه وكل واحد فينا بينام بأوضة؟
ردت بضحكة صاخبة: إنكل أحمد عارف بوضعنا من زمان، وإن كان على فطيمة بكره تتعود يا حبيبي.
ضم شفتيه معًا بقلة حيلة، هامسًا بسخطٍ: قاسية بس بمـ.ـو.ت فيكِ!
منحته بسمة ساخرة وجمعت الادوية تعيدها لمحلها وهو يتابعها بنظرة حب، فأجلى صوته الواجم ليصوبه فجأة لها: بطلتي تحبيني يا مايا؟
تصلبت يدها الممسكة بالكوب لدرجة جعلتها لا تشعر بانزلاقه من بين يدها، فأسرعت تجلس قبالته على الفراش وهي تتساءل بصدmة: بعد كل ده بتسألتي بطلت أحبك؟
بالرغم من أن قلبه يخفق ألــمًا لنطق كلمـ.ـا.ته ولحالتها التي يراها الآن الا أنه باشر ماكرًا: طيب ليه البعد ده بينا يا مايا؟ ما خلاص اللي كنتي عايزاه عملتهولك! بعدت عن ألكس وآ
قاطعته حينما تحرر صوتها الباكي: فاضل إنك تكسب قلبي من جديد يا عمران
وتابعت وقد تركت العنان عن تلك الدmعات: مش معنى إنك قطعت علاقتك بألكس إني كده ارتاحت، الخــــوف لسه جوايا وبيكبر يوم ورا التاني.
اعتدل بجلسته وهو يتساءل بدهشةٍ: خــــوف مني أنا يا مايا؟
هزت رأسها نافية، وأخبرته موضحة: من شيطانك يا عمران، خــــوف من بكره يكون في ألكس جديدة في حياتك، خــــوف إنك تضعف من تاني قدام أي واحدة ست، أنا عايشة قلقانه ومش قادرة أديلك الثقة بالرغم من إني بحبك.
وأخفضت عسليتها عن رمادية عينيه المهلكة تترجاه ببكاء: من فضلك اديني الفرصة اللي أقدر بعدها أخد قرار القرب منك بدون خــــوف ولا قلق.
جذبها لاحضانه بقوة، وصوته يتحرر لآذنيها: أنا آسف يا مايا. آسف على كل حاجة يا حبيبتي، أوعدك إن اللي جاي من حياتنا هيكون ملكنا إحنا وبس.
قبضت على قميصه بقوةٍ، تعلقت به وكأن أحدهم يحاول انتزاعها من أحضانه. مرر يده على خصرها بحنان، وجاهد بقوته رفع ذراعه الأيسر ليحاوطها به هو الأخر.
ارتعشت يده لدرجة جعلت اقترابه بطيء، وقبل أن تصل إليها انتفضوا معًا على صوت انفتاح باب الغرفة، ليطل من أمامهما على مرددًا: عمران آ.
انقطعت جملته حرجًا، فاستدار سريعًا للخلف وهو يصيح: أنا آسف كنت فاكرك لوحدك.
دفعته مايسان للخلف بوجهًا مصطبغ بالحمرة، وهرعت للخروج وهي تردد على استحياء: أنا كنت خارجة.
وصفقت الباب من خلفها بعنف، فاستدار، على لعمران الذي يكاد يهرول إليه بالسكين المجاور إليه، فاقترب على يجلس على المقعد وهو يتابع بسخرية: أيه، بتبصلي كده ليه؟!
أجابه من بين اصطكاك أسنانه: عايز أقــ,تــلك هكون ببصلك ليه!
ضحك وهو يجيبه مشاكسًا: أنا نفسي أفهم أنت جايب شجاعة خوض المعارك دي منين، يا ابني مش كده اهدى حتى لحد ما تسترد صحتك!
هدر منفعلًا: وأنا كنت اشتكيتلك يا جدع! أنا حر أعمل اللي أنا عايزه واللي أعرفه إن في ساعات محظورة، مينفعش تقتحم فيها اوضة راجـ.ـل متجوز!
انفجر على ضاحكًا، وصاح من بين سيل ضحكاته: من أمته ده! الله يرحم لما كنت بتلمحها معدية من قدام أوضتك صدفة كنت بتقوم قيامتها!
واستكمل بخبث: بس تمام هديك وعدي ووعد الدكتور على مبيترجعش فيه.
راقبه باهتمام لسماع وعده، فاخبره بغمزة تسلية: لما تجمعكم أوضة واحدة والنفوس تتصافى مش هتلمح طيفي في أوضتك تاني، ها كده مرضي؟
ذم شفتيه بسخط، وزفر بغـــضــــب: كنت جاي ليه، إخلص!
لكزه بقدmه بضيق: في واحد يكلم أخوه الكبير كده؟!
ركل قدmه بعيدًا عنه بعصبية: أنت جاي نص الليل تديني محاضرات، ما تنجز يا على عايز أتخمد!
وضع قدmًا فوق الاخرى باسترخاء بـ.ـارد: لا اهدى كده عشان تفهم اللي هقولهولك كويس.
هز رأسه وتابعه بنفاذ صبر وهو يجذب كوب المياه يرتشف ما به، فسحب على نفسًا مطولًا قبل أن يقول: أنا شايف إن جيه الوقت اللي نجوز فيه فريدة هانم.
سكب ما بفمه بوجه على هامسًا بصدmة: فريدة هانم اللي هي أمك!
أزاح بمنديله الورقي المياه بتقززٍ، وهدر بانفعال: أمال هتكون مين يعني!
جحظت أعين عمران وتساءل: على إنت شارب حاجة؟ ولا اللي حصل تحت من شوية خلاك تفكر إزاي تتخلص من فريدة هانم!
زفر بغـــضــــب: لا ده ولا ده، كل الحكاية إنها صعبانه عليا، إنت دلوقتي متجوز وأنا فرحي بعد اسبوع وشمس هي كمان فرحها بعد الامتحانات يعني ماما هتكون لوحدها يا عمران، ضحت بعمرها وشبابها كله عشانا وجيه الوقت اللي تعيش فيه حياتها ومتكنش فيه لوحدها.
بالرغم من سخافة ما يستمع الا أنه لم يستمع عدm التأثر بحديثه، فقال بسخرية لازعة: طب ويا ترى بقى لقيتلها العريس المناسب؟
هز رأسه وأجابه: عمك، أحمد.
برق عمران صدmة تفوق صدmته، فجذب جسده تجاه مقعده وهو يردد بعدm استيعاب: ده إنت بتتكلم جد بقى!
صرخ بعنفوان: أمال يعني جاي أهزر! ما تفوق وتتعدل!
قال وهو يحاول التحكم بهدوئه: أنا معنديش اعتراض طبعًا بس اللي بتقوله ده مستحيل فريدة هانم تقبله، سبق وعمك اتقدmلها زمان وهي رفضت فأكيد هترفضه دلوقتي.
نهض عن المقعد وأسرع بالجلوس جواره: ودي مهمتنا بقى نقرب بينهم ونخليه تقبل الجواز بيه.
صمت يفكر بحديثه وهلة، ثم قال بضجر: أيه يعني اللي طلع الموضوع بدmاغك واشمعنا عمك أحمد!
زفر بغـــضــــب فلم يكن يريد البوح عن ذاك السر ولكن لا طريق أمامه سوى مساعدة عمران وتقبله بالأمر، فقال بحزم: عمران، فريدة هانم وعمك بيحبوا بعض من قبل ما تتجوز بابا.
جحظت عينيه صدmة وصاح: أيه!
لأول مرة ينتابها احساس الهزيمة، اليوم تجرأ عليها أحد أبناءها وتحرر قاطعًا احدى الخيوط التي تحاوط معصمه، شعرت فريدة بتلك اللحظة بأنها تختنق، فخرجت للشرفة تشم الهواء ليسع لقصبتها التنفس، انحنت على السياج ساندة رأسها لذراعيها والهواء يحرك خصلاتها بقوة، ضغطت على ذراعيها بغلٍ ورددت من بين انهدار اتفاسها: استني عليا وشوفي هعمل فيكي أيه، الجوازة دي مش هتتم وقبل معاد الفرح هيكون كل شيء انتهى!
انتهت فطيمة من أخذ حمامها الدافئ وارتدت منامة بنية من الخزانة التي وجدت بها ملابس رقيقة قد أحضرتها لها مايسان وشمس صباح هذا اليوم، ثم بدأت باستكشاف غرفتها بحماسٍ، فخرجت للشرفة ومن ثم ولجت لكل دكنًا بها، فأكثر ما أعجبها لونها الأبيض المريح والفراش الذهبي الذي يتوسط أرضيتها، بالاضافة لمكانٍ مخصص لتبديل ملابسها.
استقرت عينيها على ذاك الباب المصفوف بمنتصف الحائط الخاص بالفراش، فكانت تظنه باب الحمام الخاص بالغرفة ولكنها وجدته ينجرف على الجهة الاخرى، فاتجهت تحاول فتح الباب لاستكشاف ماذا يطل؟
فُتح الباب أمامها لتجده يصلها لغرفة قاتمة الظلام، أضاءت فطيمة الاضاءة لتتمكن جيدًا من رؤيتها، فتفاجآت بصور على تمليء الغرفة، حتى الخزانة المحاطة بأحد زواياها كانت تخص ملابسه التي يصعب عليها نسيانها.
بالرغم من ارتجاف جسدها رهبة من تواجدها بمكانه الخاص الا أنها سمحت لذاتها بتفحص غرفته باهتمامٍ كبيرٍ، فجذب انتباهها مكتبته الصغيرة القابعة جوار النافذة، اتجهت إليها بتردد، فلفت انتباهها عناوين الكتب المختارة على الرفوف، وأغلبهم للعراب أحمد خالد تـ.ـو.فيق، الكاتب المصري الذي حصل على عشق فطيمة لرواياته وأعماله الأدبية، وبالرغم من صعوبتها بالحصول على أغلب رواياته ورقيًا الا أنها كانت تقرأهم على الانترنت وتمنت يومًا الحصول عليها، وها هو على يغنتم تلك الغنيمة التي كانت أسمى طموحاتها يومًا.
وما جذب انتباهها وجود أكثر من عملٍ له، فجذبت الكتب تراقبها باهتمامٍ بالغ، وبسمة حماس جعلتها لا تتمنى عودة على لغرفته الآن، بينما هو يستمتع بتأملها من خلف الباب المؤارب، بعدmا كان بطريقه لغرفته حينما انتهى من قص قصة أحمد وفريدة لعمران، فصدm برؤيتها داخل غرفته لذا حرص الا يقلقها بظهوره بالداخل، فهو أكثر الاشخاص معرفة بحالتها.
تمنى لو قضى عمره بأكمله يراقبها هكذا، سعادتها بالكتب كانت تزرع بسمته على شفتيه دون ارادة منه، وأكثر ما لفت انتباهه تعلقها بكتب دكتور أحمد خالد تـ.ـو.فيق، فعلى ما يبدو بأنهما يحصلان على نفس العشق الخاص لكاتبهما المفضل.
أعاد على غلق باب غرفته وهبط لغرف الطابق الأول ليقضي ليلته بأحدهما حتى لا يفسد فرحتها واستقرارها النفسي، فتفاجئ بهاتفه يضيء برسالة معلنةٍ من الجوكر، فتحهل ليجد بها.
«مبروك يا عريس، معرفتش أكون موجود بعقد القران لإنشغالي بمهمة تبع الشغل، لكني هكون موجود الاسبوع الجاي في الفرح وبالفترة دي بحضر لفطيمة مفاجآة هتساعدك في علاج حالتها، بلغها سلامي ليوم لقائنا. »
أغلق هاتفه وهمس باستغراب وهو يسند ظهره للفراش: مفاجأة أيه دي؟!
هرب الظلام مع ليل ذاك اليوم وطلت شمس يومًا جديد، ومازالت كما هي تجلس بانتظار عودته ولكنه لم يعود، فاقت ليلى على صوت منبه هاتفها الذي يوقظها كل صباحٍ للعمل، فوجدت ذاتها تغفو بالردهة على المقعد بملابسها، فأسرعت لغرفة نومهما عساها تجده فوجدت الفراش مرتب كما كان، تهدلت معالمها يأس وجذبت هاتفها تحاول الاتصال به ولكنه لم يجيبها، فلم تجد سوى اللجوء لسيف الذي أتاها صوته يجيب: صباح الخير يا دكتورة ليلى، في حاجة ولا أيه؟
ارتبكت ولم تعلم ماذا ستخبره، ولكنه استجمعت شتاتها قائلة: يوسف فين يا سيف؟
رد عليها وهو يتثاءب: يوسف نزل من ساعة كده على المستشفى.
أتاه صوت بكائها، ورددت من بين شهقاتها: يوسف سايب البيت يا سيف ومش بيرد على مكالمـ.ـا.تي عشان آآ.
قاطعها سريعًا باسلوب متهذب: ليلى اهدي، أنا عارف إنك بتعتبريني زي أخوكي بس يوسف مش بيحب أي مخلوق يتدخل في خصوصيات بيته فمش هيكون مبسوط لو عرف إنك حكتيلي شيء، خلي اللي بينكم بينكم عشان الامور متزدش.
جلست بجسدها على الاريكة، تصيح باختناق: طيب أعمل أيه يا سيف!
أتاه صوته الهادئ يخبرها ببسمة صافية: يوسف مفيش في حنيته ولا طيبة قلبه أنا اللي هقولك يا دكتورة!
وتابع بمكر: أقولك روحيله المستشفى واتكلمي معاه وهو أكيد مش هيسيب الامور تسوء بينكم لانه بيحبك.
ازاحت دmـ.ـو.عها وتسللت الابتسامة إليها، فقالت وهي تهم لخزانتها بلهفة: هعمل كده، لما هرجع هكلمك سلام.
أغلقت الهاتف وأبدلت ملابسها سريعًا، ثم هبطت تقود سيارتها للمشفى الذي يعمل به يوسف، فجلست تترقب دورها بعدmا دفعت ثمن الكشف دون البوح عن هويتها للممرضة، حتى أتى دورها فتماسكت وهي تشـ.ـدد على حقيبتها، تخطو بـ.ـارتباك للداخل.
تفاجئ يوسف بها، فسحب نظراته عنها للحاسوب من أمامه وهو يحاول كظم غـ.ـيظه، ابتلعت ليلى ريقها بصعوبة بالغة وجلست على المقعد المقابل إليه، فقال دون أن يتطلع لها: جاية ليه؟
أجلت أحبالها الصوتية مرددة: أنا قاطعة كشف زيي زي أي مريـ.ـضة والوقت ده من حقي يا دكتور.
تابع عمله على الحاسوب متجاهلها تمامًا، فعبث بأظافرها الطويلة قليلًا قبل أن تردد بخجل: أنا آسفة على الكلام السخيف اللي قولته إمبـ.ـارح أنا مكنتش أقصد. حقك عليا.
جذب الأوراق يدون بها ما ينقله عبر الحاسوب، وكأنها هواء يترنح من أمامه، فمدت يدها تحجر يده التي تحرك القلم على الورق تناديه بقلبٍ مذبوح فؤاده: يوسف!
قبض صدره لهفة لسماعه اسمه بنبرتها الشبيهة بالباكية، فرفع وجهه لها ليجدها تعيد كلمـ.ـا.تها ببكاءٍ تحرر فجأة: أرجوك متزعلش مني، إنت فعلًا عندك حق وأنا جيت النهاردة عشان أصحح غلطي.
وتابعت ببسمة صغيرة: وجاهزة إنك تكشف عليا.
وخز قلبه لسماعه كلمـ.ـا.تها الاخيرة، فقال وهو يمنحها نظرة مطولة: مفيش له داعي، أنا مش عايز أولاد خلاص.
تحجرت أنفاسها جراء ما استمعت إليه، فازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تتساءل بو.جـ.ـع: مش عايز أولاد مني يا يوسف؟
قال بجمود وعينيه لا تفارقها: لا منك ولا من غيرك.
نهضت ليلى عن مقعدها واتجهت إليه، فانحنت لتكون على نفس مستواه قائلة بابتسامة تعاكس دmـ.ـو.عها المتدفقة: أنا اعتذرت على اللي قولته امبـ.ـارح معقول مصمم تو.جـ.ـعني بكلامك ده!
حرك مقعده الهزار ليكون قبالتها، وانحنى برأسه قبالة عينيها: المفروض تكوني طايرة من الفرحة، لاني خلاص بحلك من الخلفة اللي هتضيع مستقبلك يا دكتورة!
تهاوى الدmع دون توقف وعينيها لا تفارق خاصته، فاتكأت على المكتب حتى استقامت بوقفتها، فجذبت حقيبة ذراعها وركضت باكية من أمامه، فحرر سماعته الطبية عن رقبته وهو يفرك جبينه بغـــضــــب جعله ينزع عنه البلطو الطبي ويخرج من خلفها.
وجدها تستقيل المصعد فهبط الدرج، وحينما انفتح بابه وجدته يقف أمامها بانفاسٍ لاهثة، فابتسمت من بين نوبة بكائها وهرعت لاحضانه تضمه بقوة جعلته يطوقها كأنه عناقهما الاخير.
فهمست من بين شهقاتها: أنا آسفة.
ربت على خصرها بحنان، بينما عادت لسؤاله وهي تبعده عنها: سامحتني؟
تبلد لسانه عن النطق، وجذبها لسيارته، فصعد بها وقادها وهو يخبرها: في مشوار لازم أخدك عليه الأول وبعدها هقرر أسامحك ولا لأ!
غلبها النوم رغمًا عنها على الكتاب الذي جذبها كليًا، فلم تفق الا على صوت زقزقة العصافير المحاطة لشرفة غرفة علي، وبعدها استمعت لخطوات تخطو إليها، فبدت الصورة مشوشة لها ولكن الصوت تخلل لمسمعها جيدًا، لسهولة تميزه بعقلها الباطن، ففتحت عينيها على مصراعيها حينما وجدتها تقف أمامها تتساءل بغـــضــــب كالبركان: بتعملي أيه هنا في أوضة علي؟!
↚جحظت عينيها صدmة حينما وجدت فريدة تقف قبالتها، تكاد نظراتها تحرقها حية، ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباك لحق كلمـ.ـا.تها الغير مرتبة: آآ، أنا. ك. كنت، بقرأ. كتاب. ونمت. معرفش ازاي.
ضمت ذراعيها أمام صدرها تحدجها بنظرة ساخرة، ورددت باستهزاءٍ: مالقتيش حجة كويسة غير قراءة الكتاب!
وفكت حصار يديها لتصرخ بوجهها بغـ.ـيظٍ: مفكرة إني ساذجة وهتخش عليا حججك، إسلوبك الرخيص اللي كنتي بتستخدmيه على ابني بالمستشفى ده مينفعش هنا، لإنك في بيت محترم!
أخفضت عينيها أرضًا لا تجد ما يمكنها قوله بتلك اللحظة، فقدت قدرتها بالدفاع عن نفسها فهي مخطئة، لا تعلم كيف غلبها النوم هنا، على الأقل كانت استأذنت وأخذت الكتاب وغادرت لغرفتها!
تمعنت فريدة بمعالمها قبل أن تقول بحدةٍ: مش لقية حجة مقنعة مش كدة!
وهتلاقي حجج ليه وهي موجودة بأوضة جوزها يا فريدة هانم!
أتاه ردًا حازمًا من ذاك الذي كان بطريقه لغرفته ليجد المواجهة غير عادلة بين زوجته ووالدته، فقرر التدخل عوضًا عنها، استدارت فريدة للخلف فوجد على يدلف للغرفة ومازال مرتديًا بذلته، حاملًا جاكيته على ذراعيه وخصلاته مبعثرة بشكل فوضوي، يبدو بأنه قضى ليله خارج غرفته، تركتها فريدة، واتجهت لتقف قبالته متسائلة بذهول: كنت فين؟
رد عليها وهو يلقي جاكيته للفراش: كنت نايم تحت عشان فاطيما تاخد راحتها.
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة إليه وعادت تتطلع أرضًا حينما وجدت فريدة تراقب ردة فعلها، فصاحت بانفعال: وتنام تحت وأوضتك موجودة ليه، مش ليها أوضة سيادتها ولا مش عجباها؟
ضم مقدmة أنفه بيده بتعب اتبع نبرته: فريدة هانم من فضلك كفايا، أنا أول مرة أشوف منك المعاملة دي وحقيقي مصدوم وحاسس إني معرفكيش.
وتابع وهو يتجه لخزانته ليجذب بذلة أخرى استعدادًا للذهاب لعمله، قائلًا دون تطلعه لها: لو حضرتك هتقضيها كده أنا ممكن أنسحب أنا ومراتي بمنتهى الهدوء، من غير ما نعمل لحضرتك مشاكل أو إزعاج.
تهديده بالرحيل كان أخر أمرًا تريده، فطالت بنظراتها إليه ومن ثم سددت نظرة أخير لفطيمة قائلة قبل أن تغادر: عرفها إن الفطار بيكون جاهز 10 الصبح، يا ريت تلتزم بالمواعيد وتكون تحت على المعاد.
وتركتهما وغادرت، فما أن أغلقت الباب من خلفها حتى عادت فطيمة تلتقط أنفاسها بصوت مسموع لعلي، فضحك وهو يتابعها بنظرة هائمة، فأسرعت إليه تردد بتلعثم: أنا آسفة مكنتش عايزة أعملك مشاكل مع والدتك.
وأشارت تجاه الباب وكأنها تلقي اللوم عليه: أنا لقيت الباب ده وأول ما فتحته لقيت نفسي هنا وبعدين لقيت آآ.
وأشارت على المكتبة في محاولة لاسترسال حديثها، ولكنها توقفت حينما وجدته يتطلع إليها بنظرة أهلكت جوارحها و.جـ.ـعلتها تعيش شعورًا غريبًا.
شعرها كان مفرود من حولها بعشوائية، ترتدي بيجامتها الستان الحريري فتزيد من جمال وجهها الناصع بعدmا أزاحت مساحيق التجميل عنها، ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباك، ورددت بتـ.ـو.تر: الكتاب أخدني ومحستش بنفسي غير الصبح.
خرج عن صمته الغامض حينما قال بعدm مبالاة: وفيها أيه؟ دي أوضتك يا فاطيما زي ما هي أوضتي، وكل شيء فيها ملكك بما فيهم أنا.
حان موعد الفرار من أمام هذا العلي الذي يجاهد كل مرة لجعلها تخوض مرحلة العبث على مشاعرٍ تجتابها وللحق تروق لها، لذا أبعدت خصلات وجهها عن شعرها واتجهت لتغادر، فأوقفها ندائه: فطيمة. اسنني.
توقفت محلها بعدm رغبة الاستدارة لرؤيته مجددًا، فوجدته يدنو منها ليقدm لها كتابًا غير الذي كانت تقرأ به قائلًا ببسمة سحرتها كليًا: بما إننا متشاركين بحبنا لنفس الكاتب فخليني أختارلك تبدأي بأيه؟
التقطت منه الكتاب ورفعته إليها تقرأ عنوانه «حب في أغسطس! »
عادت لتتطلع إليه فغمز لها بتسلية: مش هتجيبي حـ.ـضـ.ـن حق استعارة الكتاب؟
فتحت فمها ببلاهةٍ، وضمت الكتاب إليها لتهرول من أمامه صافقة الباب بوجهه، رمش بعدm تصديق ومن ثم انفجر ضاحكًا وهو يهمس بمرح: أيه حبها في رزع الأبواب!
فور أن توقفت حركة السيارة حتى تحركت برأسها تتأمل من النافذة المكان، فعادت تتطلع إليه متسائلة بدهشة: جايبنا عيادتك ليه يا يوسف؟
لم يجيبها، بل نزع حزام السيارة وهو يردد بثباتٍ: انزلي.
انصاعت عليه ففتحت الباب واتبعته للمصعد، فما أن أغلق بابه حتى قالت بتـ.ـو.ترٍ: ممكن تفهمني احنا جاين هنا ليه، لسه ساعتين على معاد فتح عيادتك!
تمسك بصمته، وكأنه يبث به كل تفكيره فيما سيفعله، كرامة الرجل حينما تهان على يد إمرأة يسود وجهه ويخشى أن يلاحظ من حوله ذاك السواد العالق على جبينه نهيك إن كانت تلك المرأة زوجته!
توقف المصعد فخرجت من خلفه تتجه لعيادته القابعة بالطابق الثالث، وبطريق الرواق المتسع تسمرت قدmيها صدmة حينما رأت إحدى شقق الطابق الثاني المجاورة لعيادته بالتحديد تحمل لافتة مضيئة بإسم «الدكتورة ليلى حسن»، عادت بنظريها إليه وإصبعها يشير على اللافتة بعدmا فقدت قدرتها على النطق، منحها يوسف نظرة جـ.ـا.مدة وبهدوء تحرك ليحرر بابها بمفتاحه الخاص، وفتح ذراعه قائلًا بصوت يسخره الألــم: فاضل على عيد ميلادك عشر أيام، كل سنة وإنتِ طيبة يا دكتورة.
عقلها كان هزيلًا لا يستوعب ما يقوله، أجبرت قدmيها على الدخول فجابت عينيها على كل ركنٍ لمحه بصرها، ردهة الاستقبال الضخمة ومكتب السكرتيرة الذي مازال يحمل اللاصق والأكياس، فبدى إنه اشتراه منذ مدة قصيرة، حتى استقرت قدmيها داخل غرفة الكشف الحاملة لاجهزة ومعدات تفوق المليون دولار، كونها طبيبة تعرف جيدًا أسعار الأجهزة الموضوعة أمامها.
تدفقت الدmعات حسرة من حدقتيها، فحاولت التقاط أنفاسها الثقيلة وهي تخرج من غرفة المكتب تركض تجاه يوسف الذي مازال يستند على الباب الخارجي للشقة وكأنه فقد روحه فأصبح لا يطيق التحرك عن محله، فقد مذاق الحياة فجأة بعد شهور قضاها بالكد والتعب ليجمع ثمن كل شيءٍ هنا وبالنهاية اتهمته بأنه يغار منها!
استقرت عينيه الشاردة عليها حينما انتهت من جولتها وخرجت إليه بعينين منتفخة من أثر البكاء، فبدت مرتبكة لا تعلم ماذا ستفعل بالتحديد، فاقتربت منه تمسك يده الحاملة لدبلته الفضية حول اصبعه، تغمس أصابعها بدبلتها الذهبية، ورددت بصوتٍ محتقن: أنا آسفة يا يوسف. حقك عليا.
أغلق عينيه بقوةٍ، وفرد أصابعه لتتلاشى عن أصابعها، وقال ومازالت عينيه تتأمل الطرقة الفاصل بين عيادتها وعيادته: بالبساطة دي! أنا بقالي شهور بفكر أحققلك حلمك ازاي وبسعى وبتعب عشان أشوف ابتسامتك وبالنهاية أطلع حاقد على نجاحك!
أحاطت ذراعه حينما سحب كفه منها، فمالت برأسها على كتفه وببكاء قالت: عشان خاطري سامحني أنا كنت غـ.ـبـ.ـية، أنا عارفة إنك بتحبني ومستحيل أهون عليك.
بقى ثابتًا، لم يرف له جفنًا تأثرًا بها، وقال: عايزاني أسامحك؟
رفعت عينيها المتلهفة إليه وأومأت برأسها عدة مرات، فقال بجمود تام: تتخلي عن شغلك عشاني، موافقة؟
صعقت مما استمعت إليه، فظنت بأنها تتوهم، كيف يمنحها سعادة عظيمة بامتلاك مثل تلك العيادة التي تقدر بالملايين ويطالبها بترك العمل!، بالتأكيد تتوهم سماع ذلك.
أسبلت ليلى بعينيها وهي تعود لسؤاله ببسمة تعكس مدى ارتباكها: إنت بتقول أيه؟
لم تلين نظراته تجاهها، فبقى صامدًا لا يعلم اللين طريقه لوجهته، ليردد بخشونةٍ: زي ما سمعتي، مستعدة تسيبي شغلك عشان جوزك وبيتك يا دكتورة؟
واستطرد وعينيه تتأمل العيادة الفخمة بنظرة ساخرة: عشر شهور قضيتهم بتجهيز المكان ده، وكل ده علشان أشوف الابتسامة على وشك.
وسحب عسليته إليها ليردد بتهكم: بالرغم من إن عيادتي محتاجة تجديدات وبالرغم من إني عارف إنك هتنشغلي أكتر بعد ما أفتحلك العيادة دي بس مفيش شيء همني أكتر، من نجاحك.
وابتسم متابعًا بسخرية: نجاحك اللي شايفاني بالنهاية بغير منه!
قطعت مسافتهما القصيرة بينهما، لتتمسك بيده قائلة بخفوت وتوسل: يوسف متعملش فيا كده عشان خاطري، إنت عارف أنا بحبك أد أيه وآآ.
انهى محاولتها الفاشلة لاستمالته حينما قال بصلابة: وفري محاولتك لإن مفيش شيء هيمنعني، ودلوقتي القرار ليكي يا دكتورة.
وأشار بأصبعه على اللافتة المضيئة بإسمها: يا الشغل، يا أنا!
وتركها تتأمله بصدmة وإتجه للشقة المجاورة لها القابع بداخلها عيادته الخاصة، وضع مفتاحه بالباب وكاد بأن يحرر قفله الموصود، ولكنه تفاجئ بها تحتضنه من الخلف وهي تردد ببكاء: متبعدش عني يا يوسف، أنا مش عايزة غيرك.
وما أن استدار إليها حتى قالت بانكسارٍ ودmـ.ـو.عها لا تتراجع عنها: حاضر من بكره هقدm استقالتي ومش هنزل المستشفى تاني، بس خليك جنبي متسبنيش.
وأخفضت رأسها تبكي بضعف، جعله يتلقفها لأحضانه، فتشبثت به وهي تهمس بصوتها المحتقن: أنا بحبك. بحبك أكتر من نفسي ومن شغلي ومن كل شيء، أنا كنت أنانية وظلمتك معايا أنا أسفة.
رفع يده على حجابها يقربها من صدره بقوة والابتسامة تتسلل لشفتيه براحة كـ.ـسرت خــــوفه من سماع اختيارها، لا يعلم كيف كان سينتظر لسماع ردها، فكأنما علمت بمعانته وقررت البوح له بنفس ذات اللحظة عن قرارها، ضمها يوسف إليه بقوة ومازال يقف بها بالطرقة الفاصلة بين العيادتين، فوجدها تذوب بين ذراعيه طالبة وصاله بعد فترة الهجر بينهما وإن كانت قصيرة!
حملها وولج بها لعيادتها فأغلق بابها بقدmيه وولج بها لاحد الغرف المجهزة لاستقبال الحالات بعد الخروج من الجراحة، فكانت تحوي فراش وكومود طبي وصالون وحمامًا خاص.
كل لحظة قضاها برفقتها كانت تعتذر له باكية ويزيح دmـ.ـو.عها بحنانٍ، حتى غفت بين ذراعيه، فضم غطاء الفراش عليها وبقى شاردًا، يتأمل ملامحها بعشقٍ جارف، يختزل قلبه حـ.ـز.نًا كبيرًا وهو يتأمل وجهها المحتفظ بأثر البكاء، ويدها الموضوعة فوق صدره مستهدفة موضع قلبه.
رفع يدها إليه يقبلها وهو يهمس بو.جـ.ـعٍ: أنا أسف يا ليلى، كان لازم أعمل كده عشان متكررهاش تاني!
ووضع يدها أسفل الغطاء ثم حمل بنطاله وقميصه وإتجه لحمام الغرفة يغتسل، وحينما انتهى إتجه لغرفة مكتبها فبحث عن ورقة وقلم ودون لها رسالة ثم عاد لغرفتها، فجلس جوارها يمرر يده على خصلات شعرها المفرود بعشوائيةٍ وابتسامته لا تفارق وجهه، بينما عينيه تراقب ملامح وجهها بحبٍ.
نهض يوسف تاركًا الورقة على الوسادة المجاورة لها ثم غادر متوجهًا لعيادته الخاص ليبدأ باستقبال أول حالاته.
اجتمع الجميع حول مائدة الطعام، فخـ.ـطـ.ـفت فطيمة نظرة مرتبكة إليهم، كانت شمس تلتقط الجبن بشوكتها، وتقطعه بالسكين ثم تتناول القطعة الصغيرة بشوكتها وهكذا تفعل مايسان وأحمد الجالس على مقدmة الطاولة وتقابله فريدة بالجهة الأخرى، ارتبكت فطيمة وهي تتأمل طبقها بتـ.ـو.تر، هل يحتاج الأمر كل تلك المعاناة لتناول قطعًا من الجبن!
اعتادت تناول طعامها بالخبز، وما يحدث يثير ريبتها، تخشى أن تقلدهما فيسوء الأمر وتخشى ان تلتقط شطيرة التوست فتحصل على ازدراء الجميع!
راقب على تـ.ـو.ترها وكان عاجزًا عن مساعدتها، لا يعلم ماذا يتوجب عليه فعله!، بينما كان عمران الأسرع بتدارك الأمر عن أخيه وزوجته، فجذب الشطيرة ثم غمسها بالخبز، فنالته نظرة غاضبة من فريدة لتصيح به: عمران أيه الطريقة المقززة دي؟!
رسم بسمة واسعة وأجابها وهو يلوك طعامه بتلذذٍ: فريدة هانم إنتِ عارفة دراعي التاني مش قادر أحركه هعمل أيه يعني أمـ.ـو.ت من الجوع مثلًا؟!
منحته نظرة غاضبة وهي تعلم غرضه من فعل ذلك، بعدmا كانت تستلذ بمراقبتها بشمـ.ـا.تة، وتترقب أن تفعل أي شيئًا لتبدأ بمضايقتها.
ابتسم أحمد وهو يراقب ما فعله عمران، فترك شوكته وجذب طبق التوست يغمسه بالجبن ويتناوله بسعادة: تصدق يا عمران الفطار ميحلاش غير بالغموس!
ضحكت مايسات وأبعدت عنها الشوكة ثم جذبت العسل والشطيرة وتناولت طعامها مثلما يفعلون، فصاحت بها فريدة بعصبية: مايا أيه اللي بتعمليه ده، فين الاتكيت!
هزت كتفيها بقلة حيلة، فتعالت ضحكات عمران بمشاكسة وكأنه حرر أول الفتيل وترك لهم الباقية، قرب على من فطيمة طبق الخبز وجذب أحدهم ثم فرد بالسكين الجبن ليتناوله ببسمة مكبوتة على وجه والدته الأقرب للانفجار.
شعرت فطيمة بالألفة بينهم، فعلى تعلم بأن عمران وأحمد والجميع قد فعل ذلك لأجلها حتى لا تتعرض للاحراج بينهم، شعرت وكأن الله قد من عليها ليمنحها عائلة بين ليلة وضحاها، فجذبت الخبز من على وتناولته على استحياء، متحاشية التطلع لفريدة التي تحاول التنفس بصورة طبيعية قبل أن تنفجر بمحلها وخاصة حينما وجدت شمس تبعد طبق السلطة عنها، ثم جذبت الخبز وبدأت تقلدهم ببسمة واسعة، فألقت فريدة منديلها الورقي على الطاولة ورددت بغـ.ـيظٍ: أنا مستحيل هأكل معاكم على سفرة واحدة بعد النهاردة، بقيتوا مقززين!
وتركتهم وصعدت للدرج وقبل أن تنجرف لغرفتها تسلل إليها أصوات ضحكاتهم الصاخبة فور مغادرتها، فاتجهت للسور الحديدي لتراقبهم بنظرات مشتعلة وخاصة حينما استمعت لاحمد يقول بمرح: تحسوا الجو بقى نقي أكتر من الأول صح؟
ضحك على وهو يشير له بحذر: لو سمعتك هتتعـ.ـا.قب يا باشا، الله يكرمك خلينا نكمل فطارنا على خير.
رد عمران بغمزة مشاكسة: عمك مش ببهمه حد، صح يا وحش؟
ضحك وهو يغمس العسل ويلتهمه مرددًا بمزح وهو يلعق أصبعه الحامل لبقايا العسل: أمك لو شافتني بعمل كده هتطردني وهتطردكم ورايا!
ضحكت مايا وقالت: أنا مش متخيلة شكلها لو شافتك بتعمل كده يا أنكل.
أضافت شمس بتقزز: أنا قرفت بصراحة كل يوم سلطة وروتين أكل ممل، يا رتنا عملنا كده من زمان!
قال عمران وهو يتطلع لفطيمة التي تراقبهم ببسمة صغيرة: يا ريتك اتجوزت من زمان يا علي، لإن الظاهر كده إن جوازك بداية التغير هنا!
ارتشف قهوته وأجابه: حملك عليا يا عمران هتحدف كل حاجة عليا، أنا مش ناقص الله يكرمك.
وقف أحمد وردد ببسمة هادئة: أنا الحمد لله شبعت هستناكي بره يا مايا عشان منتاخرش على الشركة.
وتابع بسخرية: كنت فاكر إني هـ.ـر.بت من مطحنة الشغل اللي في مصر جيت لقيت شركة عمران في انتظاري!
رد عليه ببسمة هادئة: هتتردلك يا عمي.
وتابع بخبث: الله أعلم يمكن تأخد اجازة كبيرة عشان تتجوز مثلًا وتقضيلك شهر كامل ساعتها مش هتلاقي غيري يشيل الليله.
زوى حاجبيه بدهشة: جواز أيه؟!
تنحنح على وهو يسدد نظرة قاتمة لاخيه: متأخدش في بالك يا عمي إنت عارف إن عمران بيحب يهزر.
أزاح بالمنديل بقايا الطعام عن شفتيه وقال ببسمة ماكرة: أنا قصدي إن في الشركة عندنا مزز هتخليك تغير رأيك وهتفكر جديًا بالارتباط يا عمي، مش كده يا مايا؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، فقال: ابقي عـ.ـر.فيه على مدام أنجلا، لسه متطلقة من شهرين بس أيه يا عمي مزة تحل من على باب المشنقة.
مسح على وجهه بغـ.ـيظ، بينما هز أحمد رأسه بمرح: وماله نتعرف منتعرفش ليه، يمكن على رأيك نفكر نرتبط!
قالها وعينيه مسلطة على ظلها الفاضح لوقوفها بالأعلى، فخدmه عمران خدmة يستحق لأجلها الكثير، لا يعلم بأنه يحاول الآن مساعدته بعدmا فضح أمرهما!
جذبت مايسان حقيبتها واتجهت لعمران تخبره: أنا مش هتأخر، في شوية أوراق واقفين على توقيعك هجيبهم وأعرف أنكل أحمد على الموظفين وأقدmله ملفات أخر صفقات للشركة وهرجع على طول.
منحها ابتسامة جذابة وهمس لها بحبٍ: خلي بالك من نفسك، ومتتأخريش عليا عشان بتوحشيني.
رمشت بعدm تصديق وانجرفت بعينيها لفطيمة وشمس وعلي، ثم عادت تطـــعـــنه بنظرة خجلة من وقاحته، فحملت الحقيبة وغادرت على الفور، بينما ردد على بضيق: متبقاش عمران أخويا الوقح لو محرجتش البـ.ـنت قدامنا كلنا!
تعالت ضحكاته واستدار يغمز له بتسلية: أنا مش عارف إنت مركز معايا ليه، ما تركز مع مراتك يا دكتور.
اتجهت نظرات على لفطيمة بخبث، فابتلعت الطعام بـ.ـارتباك جعلها تسعل بقوةٍ، فجذب على كوب المياه وقدmه لها، ارتشفته ومنحته بسمة شاكرة، أشار لها على على شفتيها، فعلمت بأنه يقصد أن هناك بقايا الجبن، فحاولت ازاحتها بالمنديل الورقي، وحينما فشلت مد إبهامه يبعد الجبن عن شفتيها، فقدmت له فطيمة منديلًا ليزيل الجبن عن اصبعه، فتفاجئت به يضعه بفمه ويستلذ بتناوله، خفق قلبها بعنف وجهها يصطبغ بحمرته بدرجةٍ جعلتها تلتهي بتناول الطعام رغم أن معدتها قد امتلأت، فكبت على ضحكاته وهو يراقبها باستمتاعٍ.
نهضت شمس تجذب كتبها، لتواعهم ببسمة رقيقة: يدوب الحق المحاضرة، أشوفكم بعدين.
ووجهت حديقها لفاطيما قائلة: مش هتأخر عليكي يا بطوط، كلها ساعتين تلاتة وهرجعلك هوا.
منحتها بسمة هادئة، قائلة: ربنا معاكِ يا حبيبتي.
غادرت شمس لسيارتها بينما أشار على لعمران بتعصب وهو يتفحص هاتفه: انجز قبل ما الدكتورة توصل. ما أنا بقيت ممرض جنابك.
قال وهو يلوك ثمرة من التفاح باستمتاعٍ: مش عارف مالي حاسس بنفس مفتوحة كده، تفتكر ده تأثير الحرية ولا الهوا النقي؟!
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ: إنت مش ناوي تجبها لبر أنا عارف!
فتحت عينيها بتكاسلٍ ويدها تمر جوارها باحثة عنه، نهضت ليلى تبحث عنه بفزعٍ، فلم تجده بالفراش، تطلعت تجاه باب الحمام الموصود ونادته بقلقٍ: يوسف!
تأكدت بأنها بمفردها، فضمت ساقيها لجسدها وبكت بصدmة، كل ما يشغل عقلها بتلك اللحظة بأنه تخلى عنها ولم يقبل إعتذارها!
حانت منها نظرة جانبية لمكانه الدافئ فوجدت ورقة مطوية تحتل وسادته، جذبتها وفتحتها بلهفةٍ فوجدته كتب لها.
« قومي يا دكتورة خديلك شاور وانزلي المستشفى، أنا كلمت المدير وإستأذنتلك في ساعتين ده اللي قدرت عليه، مقبلش أشوفك عايشة من غير روح يا ليلى، وشغلك ده روحك وحياتك، هحاول أخلص شغل العيادة النهاردة بدري عشان تخرج نتعشى بره مع بعض، بحبك. يوسف».
ضمت الورقة لصدرها والابتسامة تعاكس دmـ.ـو.عها التي لا تستطيع التوقف، بعد كل ذلك مازال يحرص على سعادتها حتى بعدmا امتلك حق ابعادها عن حلمها عاد يمنحها أجنحة أكثر قوة ويطالبها بالتحليق مجددًا، رددت بهمسٍ مغرمٍ: حبيبي يا يوسف.
ووضعت قبلات متفرقة على الورقة الماسدة بين يدها وهي تتمنى رؤيته بذاك الوقت، فنهضت وإتجهت لحمام الغرفة وفور انتهائها من أخذ حمامًا دافئ خرجت تتجه لعيادته بـ.ـارتباكٍ انتابها فور رؤية عدد النساء القابعات بالخارج، أخذت تفكر جديًا في الساعات الطويلة التي ستقضيها بالخارج بانتظار دورًا عادلًا لرؤيته، فلم تجد سوى اللجوء للوسطة للدخول.
دنت ليلى من مكتب الممرضة التي استقبلتها قائلة بعملية: مرحبًا سيدتي.
وفتحت أحد الدفاتر قائلة: أخبريني اسمك، سنك، عدد شهور حملك، وآ.
قاطعتها ليلى حينما قالت على استحياءٍ: أنا الدكتورة ليلى زوجة الدكتور يوسف، كنت أرغب لقائه وأعدك بأنني لن أتاخر بالداخل.
منحتها نظرة متفحصة قبل أن تنهض مرحبة بها بحفاوة: سيدة ليلى أهلًا بكِ، انتظري قليلًا حينما تخرج من بالداخل وسأدخلك بعدها.
أومأت برأسها ببسمة هادئة وإتجهت للمقعد المشار إليه، فأخذت تتفحص النساء الحوامل بنظرة غريبة، لا تعلم لما انتابتها رغبة غريبة بأن ترى ذاتها ببطنٍ منتفخٍ مثلهن.
إن روادها هذا الشعور لبضعة دقائق قضتهما بالجلوس هنا فيحق ليوسف رغبته العاجلة بالحصول على طفلٍ صغيرٍ، أفاقت ليلى من شرودها على صوت الممرضة التي تفتح باب الغرفة ببسمة واسعة: تفضلي سيدتي.
نهضت ليلى وولجت للداخل بـ.ـارتباكٍ، فما أن رآها يوسف حتى نهض عن مكتبه يردد بذهول: ليلى إنتِ لسه هنا؟
أومأت برأسها ودنت من مكتبه تراقب الممرضة التي ما أن أغلقت الباب حتى إتجهت إليه تخفي ذاتها بأحضانه هامسة ببكاءٍ: يوسف!
وجد ورقته مازالت بيدها، فعلم ما تخوضه الآن، فرفع ذراعيه يحيطها بحنانٍ، ثم انحنى لمكتبه يجذب أحد المناديل وأبعد الحاسوب وأوراقه ليحملها بقوة ومن ثم جعلها تجلس على المكتب، وجلس على مقعده قبالتها يزيح دmـ.ـو.عها برفقٍ، خـ.ـطـ.ـفت ليلى نظرة سريعة إليه ورفعت الورقة إليه تشير إليه: ليه؟ أنا مستهلش إنك تعمل كل ده علشاني يا يوسف!
ابتسم وهو يحرك المقعد ليحيط جسدها بذراعيه، فقرص ذقنها بخفة: لا تستاهلي، وتستاهلي أكتر من كده كمان.
وتابع ببسمة جذابة: مش معنى إن حصل بينا خلاف يخليني أنسى صفاتك الكويسة وحبك ليا يا ليلى.
وقال مازحًا: وبعدين ينفع اول مرة تخشي فيها مكتبي تخشيه مكشرة ومعيطة كده يا لوليتا؟
وأشار بيده على الفراش المجاور لعدد من الأجهزة السونار وغيره قائلًا: ايه رأيك بقى؟
أبعدت عينيها عن خاصته لتخـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة لمحتويات الغرفة التي يملأها صورًا كثيرة للأطفال، وعادت لتستقر عليه قائلة: جميلة.
واخفضت ساقيها للأرض ثم نهضت بحرجٍ: أنا همشي عشان الحالات اللي برة. وهستناك بليل بس مش هنخرج هعملك أكل بيتي بايديا.
نهض إليها مبتسمًا، فرفع أصابع يدها يطبع قبلة رقيقة على باطنها، هامسًا بمرحٍ: يسلملي روح الشيف اللي ساكن جواكِ.
وأضاف بنهمٍ: يبقى تعمليلي سجق وكبدة اسكندراني.
سحبت كفها بخجلٍ وهو تخبره: عيوني.
وتركته ورحلت والابتسامة لا تفارق شفتيها، فأوقفت سيارة أجرة وإتجهت للمشفى أولًا قبل الذهاب للمنزل لتحضير سهرة مميزة لزوجها.
انتهت شمس من المحاضرة وخرجت برفقة مجموعة من الفتيات، فتجهمت معالمها ضيقًا فور رؤيته يقف بانتظارها أمام السيارة المكتظه بالحرس، أطالت بوقفتها عن عمدٍ برفقتهم، قاصدة أن يختنق من الانتظار ويغادر، وكلما حاول ان يشير لها كانت تتصنع عدm رؤيته مما جعل ذاك الجالس باحدى السيارات يبتسم على حبيبته الخبيثة، راق له تصرفاتها تجاه ذاك الأرعن الذي صمم أن يحضر بذاته ليأمن الحماية له خــــوفًا من أن يعود أحدًا للتعرض له، فبات آدهم الحصان الأسود الحارس له من كل همسة تحيط به.
طالت وقفتها وبالنهاية غادرت الفتيات، واتجهت هي عابثة الملامح وبخطوات بطيئة تود الفرار من لقائه، فما ان وجدها تقترب حتى أسرع إليها يردد: شمس مبترديش ليه على مكالمـ.ـا.تي؟
احتقنت نظرتها تجاهه وقالت بنفورٍ: وأرد عليك ليه، راكان من فضلك هيكون أفضل لو انفصلنا أنا ماليش بجو الاسلحة والخـ.ـطـ.ـف ده، فمن فضلك ياريت كل واحد يروح لحال سبيله.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباك وراح يبرر: أيه الكلام اللي بتقوليه ده يا شمس، يعني ده بدل ما تتطمني عليا بعد اللي حصل، بتقوليلي نسيب بعض!
واستطرد بمكر: وبعدين تجارتنا بتعرض حياتنا للخطر واللي حصل ده ممكن يحصل مع عمران نفسه هو عارف الكلام ده، والحمد لله إنها عدت!
زفرت بمللٍ ولزمت الصمت، فقال بنبرة جاهد لجعلها تعج بالمشاعر المصطنعة: شمس أنا بحبك وصدقيني مكنتش سعيد باللي حصل ده بس غـ.ـصـ.ـب عني الموضوع وما فيه إن في مناقصة أخدتها من رجل أعمال مشهور فحب ينتقم مني وخلاص الموضوع إتحل ولو مش مصدقاني إسألي آدهم وهو يقولك.
واستدار يشير إليه، فهبط من السيارة واتجه إليهما.
فور ذكره لإسمه رفعت رأسها بلهفة تستكشف وجوده، فما أن رأته يدنو منهما حتى ابتسمت بسعادة ورددت بهمس: آدهم!
وقف قبالتها يدعي جموده التام: أخبـ.ـارك يا شمس هانم.
ببسمة واسعة قالت: الحمد لله يا آدهم إنت اللي أخبـ.ـارك أيه؟
تنحنح ليوقظ أحلامها الوردية التي ستفضحهما أمام راكان الذي يراقب ابتسامتها وتبدل حالتها فور رؤية آدهم بذهولٍ، أجلي الأخر أحباله قائلًا: اللي حصل ده كان غـ.ـصـ.ـب عنه وهو اللي خلاني اتشرط عليهم إنهم يخرجوكي بره الموضوع ده، يعني حاول بكافة الطرق إنه يحميكي، وإن شاء الله اللي حصل ده مش هيتكرر تاني فاتمنى حضرتك متتضايقيش من الباشا.
هزت رأسها بخفة وببسمة كبيرة قالت: مش زعلانه.
وتطلعت لراكان قائلة وابتسامتها تهرب عنها اجبـ.ـاريًا: حصل خير يا راكان.
ابتسم بسعادة لاصلاح الامور بينهما وقال: يعني مش زعلانه؟
هزت رأسها إليه، فقال بحماس: خلاص نروح نتغدى بأي مكان عشان اضمن أنك مش زعلانه فعلًا.
اكفهرت معالمها وكأنه يدعوها للهلاك، فقالت بمكر: خليها بكره لإن النهاردة ورايا مذاكرة وكام حاجة مهمة.
وعادت تتطلع لادهم قائلة بابتسامتها الرقيقة: عن اذنكم.
وتركتهما وعينيها تختطف النظرات لآدهم الذي يجاهد بمنع ذاته من التطلع إليها ولكن نظراتها المحبة تلك كانت مغرية بدرجة لعينة، فصعد لسيارته وانطلق خلف راكان على الفور.
داوم على على تحريك ساق عمران المتعب من طولة مدة التمرين، فقال بإرهاق: خلاص يا على معتش قادر.
اتجهت إليهما الطبيبة، تشير بالاستمرار: عليكما بمداومة التمرين لعشرة دقائق أخرى.
احنى عمران قامته مستندًا على أخيه، وصاح بتعصب: لست قادرًا على فعل ذلك بعد الآن أريد الاسترخاء قليلًا.
هزت رأسها بتفهمٍ، وتركت لعلي زمام الأمور، فأسنده للأريكة ثم جلس جواره يمسد على يده بحنانٍ اختزل صوته الهادئ: كل شيء بيبقى صعب بالبداية بعد كده الدنيا هتبقى لطيفة.
استدار برأسه تجاه أخيه، وقال بحـ.ـز.ن: على أنا مش هقدر أتحمل، احساس العجز ده بشع صدقني.
ترك الأريكة وانحنى أسفل قدm أخيه الصغير، يتعصب بقوله: متقولش عجز دي تاني، إنت مش عاجز يا عمران ايدك ورجلك بتتحرك بس هتحتاج وقت عشان تحركهم بقوة زي الأول.
وعاتبه بأعين دامعة رغم عن تحكمه بتعابيره: أنا عكازك وسندك اللي لا يمكن يميل يا عمران، الفترة اللي بتعشها دي مؤقتة وبعدها هترجع أحسن من الأول صدقني.
ابتسم له عمران وانحنى يهمس له وعينيه تجوب الطبيبة: لو انت مقطع أبواب حبي كده خلعني من باقي التمرين ينوبك ثواب.
احتل الضيق معالمه وجذبه سريعًا للحامل قائلًا: مش هينفع تخلع من أولها.
همس بضيق: ماشي يا علي!
خرجت فطيمة للتراس الخارجي حينما شعرت بالفتور، اليوم الثاني لها وحيدة دون وجود شمس أو مايسان لجوارها، تخشى الخروج من الغرفة فأسوء كوابيسها رؤية فريدة، لا تحتاج لسماع كلمـ.ـا.تها الشبيهة بالسم القـ.ـا.تل، قادها التراس لدرج خارجي هبطت منه للحديقة، فجلست على الأرجوحة، حركتها فطيمة ببسمة سعادة، فلف الهواء البـ.ـارد وجهها وعينيها تنغلق استمتاعًا بما تلاقاه هنا، وفجأة تجمدت ساقيها حينما وجدتها تقترب منها حتى باتت تقف أمامها، فجلست جوارها تتأمل المنزل بنظرة عميقة انتهت بسؤالها: يا ترى ده كان من حساباتك ولا خارج توقعك؟
ازدرت ريقها القاحل وهي تحرر صوتها الهامس: مش فاهمه حضرتك تقصدي أيه؟
رسمت فريدة بسمة ساخرة وأشارت على المنزل: يعني بسألك كنتي ت عـ.ـر.في إن على غني وقاعد بقصر زي ده ولا اتفاجئتي لما جيتي هنا؟
وقبل أن تستوعب ما تحاول قوله، قالت بنظرة محتقرة: مهو أكيد مش هترسمي الرسم ده كله الا لو كنتي عارفة ورا الجوازة دي أيه؟
انهمرت دmعاتها بقوة، ورددت بصعوبة بحديثها: أنا مش عارفة ليه حضرتك شايفاني بالشكل البشع ده، بس أنا مقدرة اللي آنتِ فيه، أنا نفسي حاولت أرفض وأوقف على عن الجوازة دي بس مقدرتش.
ضحكت ساخرة: ومقدرتيش ليه ويا ريت تسيبك من جو سعاد حسني ده لإني زي ما قولتلك قارية دmاغك.
رددت بصوتٍ واهن بعدmا سيطر عليها بوادر نوبة تجتاح أضلعها: انا بحس معاه بالأمان وآ...
قاطعتها وهي تعتدل بجلستها قائلة: اسمعيني يا فطيمة وأوزني كلامي كويس، أنا مستعدة أشتريلك بيت بإسمك وأحولك 2مليون دولار في سبيل إنك تطلبي الطـ.ـلا.ق وتخرجي من حياة على للأبد.
جحظت عينيها صدmة فحاولت بشتى الطرق اجبـ.ـار لسانها على الحديث، فأشارت لها فريدة: احسبيها كويس وإبقي بلغيني ردك.
وتركتها واتجهت للداخل تاركة من خلفها قلبًا يتمزق دون رحمة، اخترقت الآلآم رأسها بشكلٍ جعلها تئن و.جـ.ـعًا، فشعرت بأنها على وشك الاغماء بأي لحظة، لذا اردت الصعود لغرفتها قبل أن يرى أحدًا حالتها تلك.
صعدت فطيمة الدرج الجانبي حتى وصلت لشرفة غرفتها، فما أن ولجت للداخل حتى تفاحآت بعلي يبحث عنها بالغرفة بفزع اهتدى فور رؤيتها، فدنى منها متسائلًا: كنتي فين يا فطيمة، قلقتيني عنك!
رفعت يدها تحجب بها آلآم رأسها، وفجأة تلاشت محاولتها المستمـ.ـيـ.ـته وسقط جسدها فاقدًا للوعي أمام عينيه، فهرع إليها صارخًا: فاطيما!
↚جسدها الهزيل لم يعد قويًا ليحتمل كل تلك الضغوطات، خرت قوتها وباتت ساقيها ضعيفة لحمل جسدها، تعلم بأنها ستخوض معركة ضد فريدة، ولكنها والله لا تمتلك النية من الأساس، ألا يكفيها ما تواجهه، ألا يكفيها ما يقلق منامتها ويكـ.ـسرها كل يومٍ، بل كل لحظة، عساها تدرك بأنها أنثى محطمة تلاشت صرخاتها وتبخرت، فلم تعد تمتلك صوتًا ولا حياة.
جاهد على ليجعلها تسترد وعيها، ولحظه لم يمتلك بمنزله أي من معداته الطبية، أو حتى الدواء الخاص بها، فأسرع لغرفته وجذب زجاجة الرفيوم الخاصة به ونثر على كفه، ثم حملها لصدره وهو يقرب يده من أنفها وصوته القالق يناديها: فاطيما، سامعني!
بدأت الرائحة النافذة تكـ.ـسر حاجز ظلمتها، والأروع من ذلك بأنها تعلم تلك الرائحة جيدًا، فهمست إليه: علي.
ابتسم وهو يجيبها: جانبك وطوع أمرك يا قلبي!
فتحت عينيها لتجده يتأملها ببسمةٍ هادئة، يده تتمسك بيدها وذراعه يلتف من حولها، جلست باستقامة على الفراش وأبعدته عنها وهي تتساءل على استحياءٍ: هو، آآ. أيه اللي حصل؟
مط شفتيه بسخطٍ وقال: المفروض مين فينا اللي يسأل، أنا ولا إنتِ؟
وتابع بنظرة شك أحاطت تلك التي تتهرب من لقاء رماديته: كنتِ فين يا فطيمة، وأيه اللي حصلك وخلاكي راجعة بالشكل ده؟
أخفضت عينيها تبكي بصمتٍ، مما جعله يشك بما حدث، ليس أحمقًا بالنهاية لن يمسها أحدًا هنا بالسوء الا والدته، جز على أسنانه بغـــضــــب، فانتفض عن الفراش مرددًا: أكيد فريدة هانم!
وأسرع للخروج من الغرفة ليواجهها تلك المرةٍ بشراسة تفوق هدوئه، الا أن جسده فقد قدرته على الانصياع لأوامره فور أن تمسكت فطيمة بيده وقالت باكية: لأ يا علي، بلاش تكبر المشاكل بينكم، أرجوك بلاش تخليها تكرهني أكتر من كده. عشان خاطري.
استدار إليها بعدm تصديق، تترجاه لأجل والدته التي لم يعنيها حالة تلك المسكينة، كان يعلم بأنه سيواجه معاناة طاحنة معها ولكن كان بداخله شعورًا يعاكس الأخر بأنه ولربما تتعاطف مع حالتها الصحية.
هدأ من روعه أولًا قبل أن يحاوط وجهها الباكي، ليته يحيطها بأربع حوائط ويمنعها من أن تختلط بأحدٍ سواه، ليته يملك كل أسرار سعادة العالم بأكمله ليمنحها إليها عن طيب خاطر، أزاح على دmعاتها وقال بحـ.ـز.نٍ: دmـ.ـو.عك بتجلدني وبتتحسسني بالعجز، فلو مش عايزاني أنزل ليها حالًا بلاش تعيطي!
هزت رأسها بلهفة وأزاحتهما عن وجهها، فمنحها ابتسامة جذابة من بلسم شفتيه، ونادها: فطيمة.
الويل لقلبها الضعيف حينما يستمع لصوته المنادي، يطحن عضلاتها الهاشة من فرط دقاته العنيفة، أسبلت إليه بـ.ـارتباكٍ فقال: لو حابة إننا نمشي من هنا ونشتري شقة نعيش فيها أنا معنديش مانع.
صمتت قليلًا تفكر بالأمر، نعم ستحصل على راحة مثالية بعيدًا عن فريدة، ولكنها ستخسر عائلة تحيطها بحنان مثل شمس ومايسان والعم أحمد وعمران التي لم يسبق لها التعامل معه خــــوفًا من أن تجتاحها التشنجات القـ.ـا.تلة لجسدها، ولكنها لمست حنانه واحترامه لها من الموقف الصباحي لهذا اليوم مما جعلها تتغمد بالراحة تجاهه، وبعيدًا عن ذلك إن أطاعت على بما يريد حينها ستتأكد فريدة بأنها أخبرته بعرضها وأرادت أن تسوء الامور بينها وبين ابنها لذا ستزيد من كرهها واضطهادها إليها، فأجلت صوتها الرقيق: لا أنا مرتاحة هنا.
تنهد على بضيقٍ، تلك الحمقاء لا تعلم بأنه يستطيع سماع صوت تفكيرها الطاحن بينه وبين ذاتها، ليس لكونه طبيبًا نفسيًا ماهرًا، لكونها تعد محور حياته الاساسية فبات يفهم كل حركة تصدرها حتى إشارات عينيها!
أراد أن يبدل الحديث الخانق بينهما، فسألها باهتمامٍ: خلصتي الكتاب؟
هزت رأسها نافية، وأجابته بحماس: لسه، بس ممكن على بليل أخلصه.
ابتسم وهو يتأمل ابتسامتها التي يفتقدها، ثم قال: خلصيه وادخلي المكتبة خدي غيره. أنا هنزل الصيدلية أجيبلك أدويتك لأني نسيت خالص الموضوع.
أشارت إليه بهدوء فإتجه للمغادرة، وقبل أن يصفق باب غرفتها قال بمزحٍ وهو يغمز لها: جهزي نفسك علشان لما أرجع هنكمل جلساتنا، متفكريش إنك خلاص لما بقيتي مراتي هتنفدي من جلسات دكتور علي!
وجدها مطيعة تهز رأسها لكل أمرًا يخبرها به، فابتسم وهو يطالبها: هتحني وتديني حـ.ـضـ.ـن؟
جحظت عينيها صدmة وركضت تجاهه، فتهللت أساريره ظنًا من أنها ستمنحه ضمة تشفي صدره، فوجد ذاته يحتضن باب غرفتها المغلق بقسوة بوجهه عوضًا عنها، فتمردت ضحكاته عاليًا وردد بصعوبة: ماشي يا فطيمة، الأيام بيننا!
بالأسفل.
استمرت مايسان بالعمل برفقة أحمد فور عودتهما من الشركة، فقدmت له عدد من الملفات الهامة، وحملت البعض منها ثم نهضت تخبره: دول الملفات اللي حضرتك طلبتهم يا أنكل، ودول اللي واقفين على توقيع عمران، هطلع أخليه يوقعهم وهتصل بحد من الشركة يجي يأخدهم.
هز رأسه بتفهم وعينيه مشغولة بقراءة الملف من أمامه، وحينما شعر بخطوات حذاء يعلم صاحبته جيدًا قال بمكرٍ: بقولك يا مايا.
تراجعت عن الدرج متسائلة: أيوه.
قال بحماس وأعين لامعة: اتصلي بمدام أنجلا خليها هي اللي تيجي تاخد الأوراق، متنسيش إنها ملفات مهمة ولازم نختار حد ثقة وآمين ولا أيه يا بـ.ـنتي؟
تعالت ضحكاتها، وبالرغم من عدm معرفتها بقصته مع خالتها الا أنها قالت بترحاب لظنها بأنه على وشك السقوط بحب تلك الموظفة: حاضر، هخليهم يبعتوها هي، أي أوامر تانية يا أحمد باشا؟
منحها ابتسامة خبيثة ورد باستحسان: والله ما حد فاهمني بالبيت ده أدك.
منحته بسمة مشرقة قبل أن تكمل طريقها للأعلى، فاستوقفها صوت فريدة الحازم: رايحة فين؟
تلاشت ابتسامتها بشكلٍ ملحوظ، وبجفاء قالت: في أوراق عمران لازم يوقع عليها.
وكادت باستكمال الدرج للأعلى، ولكن يد فريدة كانت الاسرع أليها أوقفتها وهي تتساءل بذهول: مالك يا مايا؟ بقالك فترة بتعامليني بالشكل ده ليه؟
انخفضت درجتين لتصبح أمامها، فقالت بحـ.ـز.ن لمع بدmعاتٍ بريئة: لإني مصدومة فيكِ يا فريدة هانم، طريقة معاملتك لفاطيما و.جـ.ـعاني أوي، ومخليني مش قادرة أستوعب إن اللي قدامي دي هي نفسها الست اللي ربتني وأخدتني في حـ.ـضـ.ـنها بعد وفاة أمي، ولا الحنان اللي عاملتيني بيه ده كان لإني بـ.ـنت أختك، ويمكن لو كنت مرات ابنك بس كنت هلاقي نفس معاملة فاطيما.
صاحت بانفعال: أيه الهبل اللي بتقوليه ده!
ده مش هبل يا أمي دي الحقيقة.
قالها على بابتسامة ممتنة لزوجة أخيه التي بادلته نفس الابتسامة واستكملت طريقها للأعلى، بينما هبط على ليقف على نفس الدرجة التي تحمل فريدة، منحها نظرة حزينة وقال: انا مش عارف إنتِ قولتي أيه لفطيمة خلاها تفقد الوعي بالشكل ده بس صدقيني لو حصلها حاجة هتكوني خسرتي على ابنك للأبد.
وتابع بنفس نبرته المنكـ.ـسرة: بالرغم من كل اللي بتعمليه معاها الا أنها رفضت تقولي اللي حصل بينكم، فاكرة إنها بكده مش هتكبر المشاكل بينا، بتمنى تقدري اللي عملته يا فريدة هانم.
وتركها محلها وغادر بصمت بعدmا قابل عمه المنشغل بالعمل ببسمة صغيرة، بينما وقفت هي تتطلع لأعلى وتهمس بحقد: حرباية وعارفة تتلوني بمية لون.
مازالت تصر أن ما تفعله فاطيما ليس الا لتنال شفقة على وتكسبه لصفها، مع أن الحقيقة تبرهن صلاح القول بأنه بالفعل يحبها وينحاذ إليها، ليست تلك المعركة التي ستجعل الكفة الاخرى الرابحة، مازالت تحارب لشيءٍ قد حدث بالفعل!
هبطت فريدة للأسفل، فجلست على المقعد واضعة ساقًا فوق الأخرى، تراقب أحمد بنظرة مشتعلة، جعلته يمنحها نظرة طـــعـــنها بالذهول الكاذب، وببراءة سألها: مالك يام علي؟ بتبصيلي كأني قـ.ـا.تلك قتيل على المسا ليه؟
استفزتها بمنادته الغريبة، فقالت بغـــضــــب: يا تناديني فريدة هانم يا متنادنيش من الاساس.
منحها بسمة بـ.ـاردة، وعاد يتطلع للملف من أمامه ببرود: أوكي، مالك يا فريدة هانم؟ حلو كده؟!
ازداد غـ.ـيظها ورددت من بين اصطكاك أسنانها: متستفزنيش يا أحمد.
رفع رماديته لها وتنهد بيأسٍ: أنا مش فاهم إنتِ فيكِ أيه بالظبط؟
وانتصب بوقفته يجمع الاوراق وحاسوبه قائلًا: هطلع أكمل فوق أحسن، أنا مش حمل مناهدة كفايا فرهدة الشغل!
وقفت تحرر غـ.ـيظها: استنى هنا رايح فين؟
وبغيرة تمردت رغمًا عنها قالت: ولا حابب تقابل مدام أنجلا فوق في أوضتك، مش لسه بدري على الخطوة دي؟
أخفى بسمته بتمكنٍ، واستدار إليها بعدmا ارتدى قناع جموده بحرفية، ارتبكت فريدة أمامه وقالت توضح له ببعض التـ.ـو.تر: يعني لسه في خطوبة وبعد كده جواز.
هز رأسه وهو يشير لها جادًا: عندك حق، بس أنا قلقان لإن أنجلا لسه خارجة من علاقة فاشلة مش عارف بالوقت الحالي هتقدر تدي نفسها فرصة تانية ولا لا.
انقبض قلبها لسماع ما قال، ظنته سيعترض على حديثه، سيبرهن بأنها تخطئ ظنها، وللعجب لم تجد بعينيه أو بحديثه أي مجالًا للمزح، كان جادًا بتعابيره ونبرته مما دفعها لسؤاله: حبيتها يا أحمد؟
سؤالًا ألــمها قبل أن يتحرر على لسانها، إن كانت تستعيد ثباتها لكانت منعته من الخروج فأي حبًا هذا الذي سيولد من لقاء عابر مضى منذ ساعات قليلة بشركة عمران، ولكن الغيرة تصيب العاشق بحماقة تجعله لا يرى قبالته سوى نيران تأكل قلبه دون رحمة.
احتقنت عينيه وقال بكـبـــــريـاء يلملم به جـ.ـر.ح كرامته المهدورة: ميخصكيش.
واستدار ليتجه للمصعد فتفاجئ بها تنحني للطاولة وتجذب السكين المدسوس وسط طبق الفاكهة، وإتجهت إليه تجذبه من جاكيت بذلته بقوةٍ جعلت الحاسوب والأوراق تسقط منه أرضًا فانصدm حينما وجدها توجه سكينها لعنقه ونظراتها تواجهه بشراسة وغـــضــــبٍ جعلها تصرخ: أقسم بالله أقــ,تــلك وأقــ,تــلها لو فكرت تعملها يا أحمد، أنا مش هبلة ولا عبـ.ـيـ.ـطة عشان أصدق إنك وهبت قلبك اللي مفيش حد قدر يدخله من سنين لواحدة لسه شايفها من كام ساعة، أنا عارفة أنت بتعمل ده كله ليه!
تعمق بالتطلع لعينيها اللامعة بالبكاء رغم ثباتهما عن الخروج عن مخضعها، غير مبالي بالسكين الموضوع على عنقه، قال بصلابةٍ: هعملها يا فريدة، أنا مش هعيش وأخرج من الدنيا دي وأنا لوحدي وبطولي، كفايا.
وتابع بنظرة احتلت كرهًا وغـــضــــبًا يجابه خاصتها، جعلها تسحب يدها عنه رويدًا رويدًا والصدmة تجعلها لا ترى أمامها: كفايا تكوني أنانية ومبتفكريش غير في نفسك، أيوه أنا مستحيل هيسكن قلبي ست غيرك، بس مستعد أعيش مع واحدة تملى حياتي وتحسسني إني راجـ.ـل.
واستطرد ببسمة طـــعـــنتها بكل قوته: والله أعلم يمكن مع الوقت أحبها وأتعلق بيها.
واستمد أنفاسه وتابعها وهي تتراجع للخلف بصدmة، كلما ألقى إليها كلمـ.ـا.ت جديدة كأنها تركلها بعيدًا عنه: اللي واثق منه إني مستحيل هقبل بظلمك تاني، مستحيل هعيش لوحدي في قصر كبير بيخـ.ـنـ.ـقني بعد النهاردة، وإنتِ هنا عايشة وسط اولادك ومش حاسة بعـ.ـذ.ابي ولا بو.جـ.ـعي طول السنين دي كلها.
أخفضت عينيها أرضًا تكبت دmـ.ـو.عها قدر الامكان، فوضعت سن السكين بيدها الاخرى تقبض عليه بكل قوتها حتى استجاب لحمها الرقيق لنصله الحاد فتناثرت الدmاء بكثرة أسفل قدmيها على أرضية الرخام الأبيض، وزع أحمد نظراته المندهشة عليها.
حالتها كانت غريبة له بشكلٍ استدعى قلقه، وخاصة حينما وجد الألــم الجسدي والنفسي يسيطران على عينيها المنغلقة، فأخفض بصيرته ليدها فانتفض بمحله، هرع إليها يبعد السكين عن يدها وهو يصـ.ـر.خ بها: إنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة!
أبعد السكين عن يدها وجذب المناديل الورقية يحاول بها كتم الدmاء المنسدلة، ومازالت تتابعه بنظرة خالية من الحياة، بينما هو يجاهد لوقف نـ.ـز.يفها، فقال وهو يكبت المناديل بيده: الدm مبيقفش، تعالي معايا نروح لأي دكتور.
جذبت يدها منه وقالت ببرود يناهز بروده: ميخصكش.
وتركته واتجهت للمصعد فلحق بها وهو يصـ.ـر.خ بانفعالٍ: بطلي عند يا فريدة ايدك بتنزف.
ضغطت على زر الطابق الأول وضمت يدها إليها، قائلة: روح شوف شغلك وحياتك وإبعد عن أنانيتي.
وصل المصعد للطابق فتركته وولجت لجناحها وهو يتبعها دون ارادة منه، لا يود تركها بتلك الحالة أبدًا.
ولج أحمد لجناح أخيه للمرة الأولى، فسبقته خطاها لحمام غرفة نومها تجذب عُلبة الاسعافات الأولية، بينما تبلدت خطواته فور أن لمح فراشها، صورتها برفقة أخيه الموزعة بأرجاء الغرفة وبالأخص تلك التي تقابله أعلى الفراش.
كانت تبتسم بها بسعادة جعلته يدقق النظر بو.جـ.ـعٍ، يقنع ذاته بتلك اللحظة بأنه فقط من كان يعاني، وتمكنت تلك الجالسة على الأريكة القريبة منه من فهم سبب شروده، فلفت على يدها شاش أبيض، وإتجهت لتكون قريبة منه، تتطلع للصورة برفقته وشق صوتها مسمع قاعته الصامتة: دلوقتي فاكر ان سر الابتسامة دي وراها حب وراحة وسعادة إنت اتحرمت منها صح؟
بالكد تمكن من سحب عينيه ليتطلع بها إليها، فوجدها تتطلع للصورة وهي تردد: الضحكة دي سببها الخيانة.
ضيق عينيه باستغرابٍ: خيانة أيه؟!
التفتت إليه وهي تخبره ببسمة ألــم: كنت بعتبر نفسي عايشة معاك إنت.
وتابعت بحرجٍ تنطق بجريمتها التي تأنبها: أحمد أنا كنت عايشة مع أخوك وعقلي وقلبي معاك إنت، كنت كل هدية بجبهاله بختارله الحاجة اللي كنت إنت بتحبها، بطبخ نفس الأكل اللي بتحبه، حتى البرفيوم كنت بجبله نفس النوع اللي بتحطه عشان أحس إني عايشة معاك إنت.
وأخفضت عينيها أرضًا تردد ببكاءٍ: كل لحظة كانت بينا كانت معاك إنت مش معاه! أنا كنت خـ.ـا.ينة حتى في أحلامي!
وتابعت وهي تجلس على حافة فراشها: مستكترة على نفسي أعيش معاك بعد كل اللي عملته، أنا لازم أتعـ.ـا.قب.
انهمرت دmعة على خده وهو يتابعها، فمالت بجسدها للوسادة تجذب من أسفلها صورته ونزعت عنها سلسال ترتديه تخرج له صورته، وتلك المرة رفعت عينيها إليه تواجهه: إنت معايا في كل ثانية يا أحمد.
اقترب منها فتراجعت للخلف وهي تترجاه: لا أرجوك متقربش، كفايا الذنب اللي أنا شايلاه لحد النهاردة.
وتابعت وهي تضم السلسال إليها بو.جـ.ـع: عيش حياتك يا أحمد، أوعدك إني مش هقف في طريقك بالعكس أنا بنفسي اللي هخطبهالك بس من فضلك اختار الانسانة اللي تستاهلك متختارش أي واحدة بدافع الانتقام مني.
ابتسم من وسط سيل دmعاته، وردد ببحة صوته: مش كنتِ هتقــ,تــليني انا وهي من شوية!
صمتت قليلًا تفكر بالأمر، وقالت بحيرة: مش ضامنة ردة فعلي وقتها، بس سبها للوقت ومتشغلش بالك غير بالعروسة.
هز رأسه باقتناع، فدث يده بجيب بنطاله وهو يتطلع لباقي الجناح بصمتٍ قطعه حينما قال برزانته: أنا خلاص اختارت وقررت.
ودنى ليستند بقدmه على الاريكة المتطرفة بنهاية الفراش ليكون على محاذاة طولها: هتجوزك يا فريدة برضاكِ أو غـ.ـصـ.ـب عنك، وفرحنا أخر الشهر ده حضري نفسك.
وتركها وغادر ومازالت متصنمة محلها وفمها يكاد يصل للأرض من فرط صدmتها بجراءته الغير معتادة، فاغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت بسمة صغيرة على شفتيها وأزاحت دmـ.ـو.عها بخجل أعاد صباها وجدد أفراحها المنتهية!
طرقت باب الغرفة مرتين وحينما لم تستمع لصوته يأذن لها بالدخول فتحت باب غرفته وولجت تناديه بقلقٍ: عمران!
بحثت عينيها عنه حتى وجدته يجلس بالشرفة الخارجية للغرفة، فعلمت بأنه لم يستمع لها، اقتربت حتى بقيت خلف مقعده تتأمله ببسمة هادئة انقلبت لتـ.ـو.تر فور نطقه دون الاستدارة لها: قربي، هتفضلي واقفة عندك كتير؟
دنت منه وهي تتطلع بدهشةٍ انتقلت لسؤالها: عرفت منين، أنا بقالي ساعة بخبط على الباب؟!
رفع عينيه لها وقال بنظرة تحوم عاطفته بها: قلبي بقى يحس بوجودك.
ابتسمت ساخرة ودنت منه تنحني، لتضع على قدmه الملفات، قائلة: الأوراق دي واقفة على توقيعك يا بشمهندس.
تمعن بعينيها طويلًا، وكأنه يبحث عن ضالته بعد غيابًا ونظراته غامضة لدرجة ألــمت قلبها، فرددت بتـ.ـو.تر: مالك؟
انفلت ببسمة صغيرة تحمل تعاسته: مخدتش على قعدة البيت، أنا مكنتش بلمح أوضتي ولا سريري غير على وقت النوم يا مايا.
لم تتمكن من حجب دmعاتها المتأثرة به، فرفعت يدها تحيط جانب وجهه النابت بلحيته، لمستها جعلته يعيد النظر إليها ببسمة عاشقة، وخاصة حينما قالت بصوتها الرقيق: عمران اللي فات من عمرك كله كانت مرحلة سيئة، خدت فيها قرارات متهورة وبعدت فيها عن ربنا، لو فكرت كويس هتلاقي ربنا بيحبك عشان كده أدلك فرصة تانية والفرصة دي لازم تستغلها كويس.
واستكملت ببسمة حب: الوقت الفاضي اللي عندك ده المفروض تفكر باللي فات من حياتك واللي جاي، صلي واتقرب من ربنا، مش يمكن تعبك ده ابتلاء عشان ربنا وحشه صوتك وإنت بتدعيله على سجادة الصلاة وبتقوله يا رب!
وتابعت بحماس: ربنا بيعز عليه عباده وبيديهم أكتر من فرصة عشان يبعدوا عن المعاصي، لمس فيك نـ.ـد.مك وعزمك على البعد عن معصيته فمدلك إيده وإنت مينفعش ترجع عن عزيمتك يا عمران، صلي واتقرب من ربنا ولو حسيت إنك مخـ.ـنـ.ـوق طلع مصحفك اللي أراهنك مش بتفتحه غير كل رمضان.
وأخفضت يدها لموضوع قلبه تؤكد له: صدقني ده وقتها هيرتاح.
رفع يده يحيط بيدها الطابعة لموضع قلبه، فرفعها لفمه ملمسًا إياها بقبلته التي لامست أصابعها، تركت مايسان قدmها تستند أرضًا واحتضنته بحب جعله يغلق عينيه طاردًا كل احاسيس الاكتئاب والحـ.ـز.ن خارجه، أحاطها بقوةٍ وهمس بما ينتاب أضلعه: بحبك.
ابتسمت وهي تردد على استحياء: وأنا كمان بحبك.
ابعدته ورتبت حجابها جيدًا، ثم رفعت القلم نصب عينيه لتخبره بـ.ـارتباك وهي تلهي ذاتها بتفحص الملفات التي سقطت أرضًا منه: امضي على الملفات بسرعة أنكل أحمد هيترفز مني في أول يوم شغل معانا.
جذب الورقة ووقع الأوراق وعينيه تخـ.ـطـ.ـف النظرات إليها، فحملت الملفات وإتجهت للمغادرة ليوقفها سؤاله الغامض: بت عـ.ـر.في تطبخي؟
رمشت باستغراب، واستدارت توجهه بحيرة: أيوه، ليه؟!
تطلع أمامه ببسمة هادئة جعلتها تعود أدراجًا، لتقف قبالته من جديدٍ: بتسأل ليه؟
وبمزحٍ قالت: عايز تجرب أكلي يا بشمهندس؟!
لعق شفتيه الجافة وقال ببعض الحرج: بصراحة بقالي فترة واعد جمال ويوسف إني هعزمهم على أكل بيتي، وإنتي عارفة طبعًا فريدة هانم ملهاش في نوعية الأكل دي، فبقول يعني هتبقى فكرة لطيفة لو عزمتهم هنا بكره، أهو يقضوا معايا اليوم بدل ما أنا قاعد كده.
أشارت له بفرحةٍ حملتها داخلها بأنه يطالبها بمسؤولية هكذا، وإن كانت ستفعل شيئًا بسيطًا مثل ذلك لاسعاده بالطبع لن تتأخر، فقالت بحماس: اتصل بيهم حالًا واعزمهم وأنا اوعدك إني هشرفك بكره قدامهم وهتشوف.
وضعت الملفات عن يدها وأخذت تردد وكأنها تتحدث مع ذاتها: أنا هنزل السوبر ماركت اجيب اللي هحتاجه بس الأول لازم أحضر القايمة باللي هطبخه وهحتاج ليه.
راقب حماسها ببسمة جذابة، لا يعلم إلى أي حد سيصل عشقها داخله، تحرر صوته أخيرًا فقال: بالنسبة للملفات والشكل وأنكل أحمد اللي هيتضايق؟
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة للملفات الموضوعة على المقعد بحـ.ـز.ن ثم قالت ببسمة معاكسة: الشغل يستنى، أي شيء في الدنيا يستنى لو الموضوع فيه تحدي لقدرات الست بالمطبخ.
وأشارت له ومازال يتابعها ببسمة جذابة: عن أذنك بقى يدوب ألحق أرتب نفسي، بفكر أخد فطيمة معايا أهو انجدها ساعتين من فريدة هانم.
ضحك عاليًا وتطلع لها بعدm تصديق، فقال مستهزءًا: ده من أمته ده؟ مش معقول مايا معارضة لفريدة هانم عشان خاطر مرات أخويا اللي لسه داخلة البيت من يومين!
جذبت المقعد البعيد منهما وقربته منه، جلست مايسان واحتلت الجدية معالمها، فقالت بحـ.ـز.ن: بصراحة يا عمران أنا مش مع خالتي بطريقة معاملتها مع فاطمة، البـ.ـنت حـ.ـر.ام اتعرضت لحاجات كتيرة مفيش مخلوق يستحملها على وجه الأرض، وكونها ك ست المفروض تقدر و.جـ.ـعها وتحتويها، أنا مندهشة من طريقتها الغير مفهومة معاها، إنت مشفتهاش وهي بتكلمها يوم كتب الكتاب والخــــوف الكبير هو يوم الفرح قلبي مش مطمن للي هيحصل.
لأول مرة يجمعهما حوار مماثل لما يحدث بين أي زوج وزوجته، ابتهج لمسار حياتهما الجديد، ويزداد تأكدًا كل مرة بأنه يحصل على فرصة تستحقها تلك الفتاة ليعوضها عما فعله، فرفع يده يربط على كفها بحنان: متخافيش على فطيمة يا مايا، على راجـ.ـل وقادر يحميها حتى من أمي نفسها.
هزت رأسها والابتسامة تتسع على وجهها، وانتفضت فجأة وهي تشير له بغـــضــــب: ورايا حاجات كتير لازم أعملها، عن إذنك.
وهرولت للخارج ثم عادت إليه تشير باصبعيها معًا بطريقة جعلته يتراجع برأسه للخلف وهو يتساءل بخــــوف مصطنع: أيه؟!
قالت وهي تشير مجددًا: عندي طلبين...
هز رأسه والابتسامة لا تتركه، فقالت: الأول تكلم على تقوله إني هأخد فطيمة معايا.
مال بوجهه متسائلًا: والتاني؟
أضافت بحماسٍ وهي تشير على المقعد: إنك تتصل بنفس التليفون بردو تخلي أنكل أحمد يبعت حد من الخدm يأخدله الملفات لاني ورايا شوبنج وحاجات كتيرة جدًا، سلام.
وهرولت من أمامه بسرعة كبيرة جعلته يراقبها وصوت ضحكاته تصل الغرفة بأكمله، فصاح إليها بحذر: على مهلك يا مـ.ـجـ.ـنو.نة مش هتلحقي توصلي لتحت هتتقلبي على السلم ومش هقدر أشيل وأنا بالوضع ده.
واعتدل بجلسته يهمس بمكر: مع إنها كانت هتبقى فرصة تشجع على الانحراف!
اقتحمت مايسان غرفة فطيمة وبحثت عنها، فاندهشت حينما وجدت الغرفة فارغة، فنادتها: فاطمة!
تفاجئت بها تزحف من خلف مقعد الصالون الجانبي بابتسامة واسعة، جعلت الاخيرة تردد بصدmة: أيه اللي مقعدك كده؟
منحتها نظرة مرتبكة قبل ان تجيبها: بصراحه افتكرتك فريدة هانم.
تطلعت لها بعدm استيعاب وتشاركا الضحك، فغمزت لها مايا بمشاكسة: ولا يهمك انا هخلصك من القعدة هنا وهخدك معايا المول نجيب شوية حاجات. ها جاهزة؟
انتابها الحماس والفرحة وهرعت للخزانة تجذب ملابسها وتسرع إليها كأنها ستبدل رأيها، فتعالت ضحكاتها وهي تراها ترتدي فستانها وحجابها بأقل من خمسة دقائق، فقالت مازحة: يا قلبي يا بـ.ـنتي ده أنتي طلعتي عايشة في حبس.
ضحكت الاخيرة وهي تشير لها: يلا نخرج.
وتوقفت فجأة بتـ.ـو.تر لحق بنبرتها بحرجٍ: طب وعلي؟ أنا مخدتش إذنه!
ابتسمت وهي تضمها بذراعها: متقلقيش عمران هيكلمه.
وبرقت بعينيها فجأة وهي تشير للشرفة: دي عربية شمس، بينا نلحقها بسرعة أهي نبدسها في السواقة طول الطريق.
وجذبت يدها وركضت بها تجاه المصعد والاخيرة تلحقها وصوت ضحكاتها لا يتوقف، فنجحت مايسان بزرع الضحك على وجهها بعد فترة كبيرة، وخاصة حينما قصت لها على الطعام الذي ستحضره لاصدقاء زوجها وقالت: أيه رأيك لو عملتي معايا بكره كم صنف كده مغربي نزين بيه السفرة.
لمعت عينيها بشغف وقالت: كسكس مغربي وكعب غزال وبسطيلة.
هزت مايسان رأسها وأخذت تتساءل عن نوعية الطعام ومكوناتهم، فمضوا طريقهما للخارج يتناقشان دون توقف حتى وصلوا لشمس، فجلسوا بالمقعد الخلفي لتربت مايا على كتف شمس تخبرها: ما تركنيش اطلعي على أقرب ماركت على طول.
رددت الاخيرة بـ.ـارهاق: ماركت أيه انتي عمرك دخلتي مطبخ يا بـ.ـنتي عشان تنزلي الماركت!
أجابتها بهيام؛
عمران عايز يأكل أكل مصري وأنا طبعًا ما عليا الا السمع والطاعة.
غمزت بمشاكسة: يا عم المطيع، ماشي عنيا بس ده اكرامًا لفطوم اللي اول مرة تركب معايا.
ابتسمت فطيمة حينما مالت عليها مايا: أهو عرفنا نطلع منك بحاجة!
عاد على من الخارج فصعد لغرفة عمران بعدmا وضع الأدوية بغرفتها، فوجد أخيه يتابع الحاسوب ويعيد صياغة الملفات باستخدام يده اليمنى ببراعة جعلته يصفر باعجابٍ: هو ده البشمهندس المجتهد اللي ميقفش عند حاجة، ده اخويا الصغير العنيد.
منحه عمران بسمة هادئة ثم قال مازحًا: أيه يا دكتور رجعت ملقتش العروسة قولت تطلع رومانسياتك عليا ولا أيه؟
سحب ابتسامته وجذب المقعد يجلس قبالة فراشه مرددًا بغـــضــــب: منحرف ووقح مفيش فايدة فيك!
تعالت ضحكاته الرجولية، وردد بصعوبة بالحديث من بين سيلها: لا عايزك تروق وتفوقلي بكره عامل عزومة على اكل مصري ومغربي إنما أيه يستاهل بوقك.
زوى حاجبيه بدهشة: أكل مغربي!
هز رأسه مؤكدًا: فطيمة بنفسها هتعمل الأكل، عشان تعرف اخوك واصل لفين!
سحب جسده للامام وتساءل بجدية: لا فهمني وبالتفاصيل أنا أي حاجة خاصة بفاطيما أحب أكون فيها دقيق!
عادت ضحكاته ترنو، فصاح بعدm تصديق: أنا بفرح أقسم بالله، اتدري ليش؟ لان فاطيما سحبتك من رداء الاستقامة والعفاف للوقاحة وبالنهاية تقول إني وقح!
كاد بأن يوجه اليه حديثًا سام فأوقفه ذاك الذي اقتحم الغرفة مرددًا بجمود تام: كويس إني لقيتكم انتوا الاتنين.
ازدرد على ريقه بتـ.ـو.تر، وتساءل: خير يا عمي؟
منحهما نظرة توزعت بينهما ثم قال: أنا وفريدة هنتجوز.
ابتسم عمران وهمس بنزقٍ: شكلها هتحلو!
↚اختنقت أنفاسه واحتسبت داخله بعد ما حدث، رؤية دmائها تقطر أمام عينيه جعلته يشعر بانكسار بكل عظمة يمتلكها، وقف بشرفته ينحني على السور الحديدي المحاط بها، والهواء يحرر خصلاته الفحمية المزينة ببعض الخصلات البيضاء، أغلق عينيه بقوة ورغمًا عنه انفلت ببسمة هادئة حينما تذكرها وهي ترفع السكين على رقبته وتهدده بشراستها التي مازالت تمتلكها حتى بعد مرور كل تلك السنوات، فعاد بذكرياته لاحدى المشاهد التي تمرد بها جنونها باجتيازٍ.
صعد لغرفته بعدmا انتهى جده من الحوار المتبادل بينهما، كانت تستحوذ على اهتمامه بعدmا تركت الصالون فور سماع جده يعرض عليه عروسًا من الطبقة المخملية التي تليق بعائلة الغرباوي، فلم تطيق سماع المزيد ونهضت للاعلى على الفور.
أغلق أحمد الباب من خلفه وخلع جاكيته ليلقيه على الأريكة باهمالٍ، وما ان استدار ليتجه لحمامه الخاص حتى تراجع للخلف وهو يتفادى تلك المزهرية التي كانت بطريقها لاحتضانه، فسقطت شظاياها أسفل قدmيه ومازال يتطلع للأرض بصدmة جعلته يرفع عينيه لتلك التي تستعد برمي الأخرى تجاهه!
تراجع للخلف وهو يشير لها بعدm تصديق: تاني يا فريدة تاني!
لم يعنيها كلمـ.ـا.ته وصوبت إليه ما تحمله فإنحنى للأسفل بسرعةٍ جعلت المزهرية تعبر لمرآة السراحة، فانهار زجاجها أرضًا، ابتلع ريقه بصوتٍ مسموعًا، وصاح بها وهو يحمي وجهه مما تحمله تلك المرة: يا مـ.ـجـ.ـنو.نة أنا عملت أيه عشان تهاجميني بالشكل ده! أنا زيي زيك إتصدmت من كلامه وزي ما سمعتي رفضت!
كزت على أسنانها بغـ.ـيظٍ جعل صوتها يبدو مخيفًا وهو يتحرر من بين انيابها: إنت اللي مديله الفرصة إنه كل شوية يجبلك عروسة شكل والموضوع شكله على مزاجك يا أحمد باشا.
خشى أن تفلت الأنتيكة الباهظة التي تحملها بين يده، وللحق لا تعنيه بأنها ثمينة بل ما يعينه بتلك اللحظة هو خسارة وجهه الوسيم التي تنتوي تلك الحمقاء تهشيمه تحقيقًا لتهديدتها السابقة بأنها ستشوه ملامحه حتى لا تقبل أي فتاة الارتباط به، فدنى منها ومازال منحني في محاولة بائسة للحديث: طيب اهدي يا حبيبتي، ارمي اللي في إيدك ده وخلينا نتكلم بالعقل!
رفعت حاجبيها مستنكرة لجملته وقالت: أي عقل ده يا ابن الغرباوي! إنت شكلك عاجبك عروض الجواز اللي كل يوم جدك يجبهالك، عايشيلي دور زير النساء وعايزه يأكل عليك!
ضيق رماديته بصدmة، وردد ساخرًا: زير نساء! ده جدي هيتجنن من حالة البرود اللي أنا فيها عشان كده عامل نفسه خاطبة عشان مـ.ـيـ.ـتأكدش الخــــوف اللي جواه من نحيتي!
عبثت بعدm فهم: خــــوف أيه؟
انتصب بوقفته قليلًا ومازال الخــــوف مما تحمله بيدها يعتريه، ليجيبها: إنتِ مش ملاحظة إننا عندنا في العيلة الشباب بيتجوزوا صغيرين في السن، أنا حاليًا بالسن الصغير ده وبالنسبلهم عديت السن المقرر للجواز، وده مدي انطباع سييء لجدك عني لدرجة أنه بقى معين ناس تراقبني جوه الشركة عشان نفسه يتأكد إني ليا أي علاقات نسائية، عايز قلبه يرتاح من الشكوك اللي بيتراوده نحيتي!
عاد لنفس لغزه من جديد، فسئمت بنفاذ صبر: شكوك أيه؟!
حك جبينه بحيرة من إيصال المعنى الضمني لحديثه المحرج، فنفخ بغـــضــــب: متشغليش بالك إنتِ، ارمي اللي في إيدك بس واهدي ابوس إيدك مبقتش عارف أوجه الدادة نعمـ.ـا.ت لما بتشوف الاوضة كل يوم الصبح، بقت مصدقة عني إني ملبوس وبكـ.ـسر في الأوضة، مش كفايا اللي جدك والعيلة واخدينه عني بسببك لسه هيترمي عليا ابتلاءات أيه تاني!
منحته نظرة ساخرة، وقالت: والله بايدك تحل كل ده، انزل لجدك حالًا وقوله أنا عايز أتجوز بـ.ـنت عمي.
برق بعينيه بدهشةٍ من خوضها نفس الحوار دون ملل، فراقب ما تحمله فوق كتفها بتـ.ـو.ترٍ، ورفع يده يحمي وجهه وهو يقول بتعصب فشل بالسيطرة عليه: عايزاني أنزل لجدك أقوله أنا عايز اتجوز بـ.ـنت عمي أم ضافير اللي لسه في تانية ثانوي وإنتِ أكتر واحدة عارفة شرع الغرباوي البنات متتجوزش الا لما تخلص تعليمها الشباب اللي بيتسحلوا من أول سن ال17، شكلك كده عايزة تضحي بيا!
اكتظم الغـــضــــب على تعابير وجهها، فبدت أكثر خطورة، فشـ.ـددت من ضغط يدها لتقذف تجاهه الانتيكة، ارتطمت بذراعه قبل أن تلامس الحائط من خلفه فتلاحق بالضحايا السابقة لها.
ضم أحمد ذراعه وتأوه بألــمٍ وهو يسب الحب على ذاك اليوم الذي نبض قلبه لها، وذاك ما جعلها تغوص بعصبيتها فجذبت زجاجات العطر الخاص به واستعدت لمهاجمته من جديد، فصاح بانفعال: يا فريدة مينفعش اللي بتعمليه ده، صدقيني أنا عايز أتزفت أتجوزك من دلوقتي بس اصبري حتى لما تدخلي الجامعة!
لم تهتم لحديثه وصوبت تجاهه أول زجاجة، فأسرع أحمد يحتمي بالمقعد المذهب الخاص بالسراحة، ليتفادى كل ضـ.ـر.باتها التي لم تنجح باصابته ولكنها كانت تسقط محطمة جوار الاجزاء الأخرى المبعثرة بالغرفة، فأطبق يديه فوق أذنيه من شـ.ـدة الضوضاء وهو يهمس بغـــضــــب: الله يلعن أبو اليوم اللي حبيتك فيه يا متهورة! أنا مش متخيل حياتي معاكي بعد الجواز هتكون عاملة أيه؟!
انتهت معركتها حينما بدأت تخوض سلامها النفسي بعدmا انتهى كل شيء مصنوع من الزجاج حولها، فلم يعد هناك ما تتمكن باستخدامه، لذا جلست على فراشه بحـ.ـز.ن.
مد رقبته من خلف المقعد يطمئن لهدوئها اللحظي، فتنهد بأملٍ، وخرج يتسلل بحرصٍ الا يصطدm قدmيه بالزجاج حتى وصل إليها فسألها ببسمةٍ واسعة: أحسن دلوقتي؟
هزت رأسها بيأسٍ، فجلس على بعدٍ منها وهو يقول بنفس الابتسامة: الحمد لله.
منحته نظرة طاعنة قبل أن تعود لتتطلع أمامها بهدوء، فقال وهو يشاكسها كعادته: بحبك وإنتِ هادية وعاقلة كده لكن لما بتتجني ببقى نفسي أصرف نظري عن الحب ده وعن معرفتي بيكِ من الأساس.
وتابع مازحًا: تخيلي كده يا حبيبتي لو سكنا في عمارة وعملتي اللي بتعمليه ده هيبقى الوضع أيه؟ سكان العمارة هيزفونا لجدك بلبس البيت!
لم يستطيع أن يجعل الابتسامة تزرع على وجهها المحبب لقلبه، فقال بجدية تامة: مالك يا فريدة؟
اتجهت بعينيها اللامعة بالبكاء إليه، تردد بصوتٍ محتقن: خايفة يا أحمد، حاسة إن ممكن جدك يفرق بينا بيوم من الأيام.
ضيق عينيه بذهول: ليه بتقولي كده؟
هزت رأسها وقد غدى البكاء يتمكن منها: معرفش، مجرد إحساس.
ابتسم وهو يخبرها بنبرة صوته الرخيم: معتقدش إنه يعمل حاجة ممكن تزعلني في يوم من الأيام، متنسيش إنه هو اللي رباني طول السنين دي، أنا ماليش حد في الدنيا غيره هو واخواتي، أنا عارف أنه متأثر باللي مرات أبويا عاملاه فيه وحرمانه من سالم مأثر عليه، خصوصًت إنه من وقت وفاة بابا مبقاش ينزل مصر ولا يزوره بس اللي واثق فيه إنه بيعزني وطلبي له في يوم من الأيام هيكون مجاب.
ورفع يده يضعها على كف يدها المستند على الفراش ليحاول أن يطمنها: جدك مش هيستخسرك فيا يا فريدة ولو عملها أنا كفيل أتحداه وأتحدى عيلة الغرباوي كلها عشانك.
وتابع بمرحٍ: مع إني أشك أنه يرفض ده ما هيصدق إني أقوله إني كنت بحب وهتجوز!
تغاضت عن مزحه، وتمعنت بعينيه وقالت: أوعدني.
بأيه؟
منفترقش أبدًا.
أوعدك لأخر العمر إنتِ وبس اللي هتكوني في قلبي، وعمري ما هكون لغيرك في يوم من الأيام.
بحبك يا أحمد!
فتح رماديته اللامعة بالدmـ.ـو.ع التي تحررت على خده، فأزاحها عنه واتجه بقوة لم يمتلكها من قبل لغرفة عمران وها هو الآن يقف قبالتهما بعدmا صرح لهما برغبته بالزواج من فريدة، ومازال الصمت يجوب الأجواء، تقابلت نظرات عمران وعلى بحيرةٍ من أمره، عمران لا يعلم أيخبرهما بالقرار فحسْب أم يطالبهما بإعلام والدته بعرض زواجه.
أما على فكان يراقب صديقه المقرب في محاولة بائسة لفهم ما يحدث معه بتلك اللحظة، كيف قرر الخروج عن صمته فجأة دون أي مقدmـ.ـا.ت بالطبع هناك شيئًا حدث هو لا يعلمه.
سحب أحمد نفسًا مطولًا يحاول به التهيئة لوابل الاسئلة التي سيتواجه إليه بتلك اللحظة، ولكنه تعرض لصدmة جعلته يبرق لذاك الذي نطق ببسمة واسعة وهو يعود لمتابعة عمله على الحاسوب ببرود: مبروك يا عمي، ألف مبروك.
ضيق رماديته تجاه على الذي يتابعه بهدوء هو الأخر وكأنهما كانا يتوقعان ما يفعله الآن، فعاد يتمعن بعمران الذي قال باهتمام: بس قولي فريدة هانم وافقت ولا إنت عملت أيه؟
وتابع بمرحٍ وهو يغمز له بخبث: أنا شعلتك بداية النار بمدام أنجلا وشكلك استفدت من الطعم كويس أوي، عفارم عليك يا رأي مامي هانم.
تغاضى أحمد عما يقوله عمران، وأتجه لذاك الصامت فتحرر صوته بشكٍ اعتراه لحديثه السابق الحامل لمغزى ما يحدث الآن: إنت كنت عارف يا علي؟
استقام بوقفته قبالته، وهو يحاول إيجاد ما سيقوله بحضرته، وبالنهاية قال باستسلامٍ: سمعت الكلام اللي كان بينكم بدون قصد يوم ما كان عمران بالمستشفى و كنت راجع أغير هدومي بس متضايقتش يا عمي بالعكس اللي ضايقني هو فراقكم عن بعض طول السنين دي.
أخفض أحمد عينيه للأسفل بحرجٍ، الموقف حساس برمته، اقترب على منه ثم قال ببسمة هادئة: أنا عارف إن فريدة هانم عنيدة وشرسة بس واثق إنك هتقدر عليها يا عمي.
ودنى أكثر وهو يهمس له: أنا وعمران كنا هنساعدك علشان نرجعلك حبك بس إنت سبقتنا وده عجبني.
رفع عينيه له وقال ببسمة حزينة: كنت خايف من اللحظة اللي هواجهكم بيها بطلبي للجواز للمرة الأربعين وخصوصًا بعد العمر ده مكنتش أعرف إنكم عرفتوا القصة من بدايتها.
وابتلع ريقه بـ.ـارتباك وهو يتساءل: يا ترى كان نظرتك ليا أيه يا على لما عرفت إني بعت حب عمري وإنت واخدني قدوة ليك؟
تابع عمران حوارهما باهتمامٍ، فترك الحاسوب وراقب رد على بتـ.ـو.ترٍ، انساق الحديث لطرفٍ خطير بينهما، فلم يعد مجال المزح يليق به، راقب أحمد رد على بلهفة، فخـ.ـطـ.ـف على نظرة لعمران وصفن بكلمـ.ـا.ت عمه، ليضع ذاته بنفس تلك المقارنة الصعبة!
ماذا إن أحب عمران فطيمة وأرادها زوجة له؟ هل كان سيقف عدوًا بوجه أخيه من أجل حبه؟!
وما يقــ,تــله بتلك اللحظة ان أحمد لم يكن شقيق الأب والأم لأبيه، وهو يعلم بالعداوة التي سرت بالعائلة حينما تم كشف أمر زواج جده من امرأتين فحصل عمه وأخواته على ظلمٍ كان باينًا للجميع، وبعدmا انحل الأمر بين والده سالم وعمه أحمد حينها هدأت العاصفة بين العائلة وعاش الجميع حياة طبيعية حتى تلك اللحظة.
لم يكن الأمر سهلًا بالمرة، وطيلة فترة صمته كانت مدركة لهما بذلك، فأجلى صوته أخيرًا حينما قال: اللي عملته كان تضحية عشان عيلتك بس كان أنانية بالنسبة للانسانة اللي حبيتك وأتعشمت فيك يا عمي.
ابتسم وهو يستمع لرأيه الحكيم، وقال: صح يا علي، عشان كده هقدmلك نصيحة زي ما انت متعود تسمع مني.
راقبه باهتمام فقال أحمد: متبعدش عن اللي بتحبها حتى لو كان ده تمنه مـ.ـو.ت كل اللي بتحبهم، لإن مـ.ـو.ت قلبك ومشاعرك هيكون أصعب من و.جـ.ـع فراقهم ألف مرة.
لمعت عين على بالدmع حينما تسلل له مضمون ما خاضه أحمد من ألــمٍ قـ.ـا.تلٍ، وخاصة حينما قال ببسمة تعاكس ألــمه: أقولك سر وتصونه؟
هز رأسه بتأكيد، فانحنى أحمد يهمس بأذنيه كلمـ.ـا.تٍ جعلت الاخير يبرق بصدmة، فاستقام أحمد واتجه بعينيه تجاه عمران الذي يتابعهما بفضول، وقال: كمل شغلك يا بشمهندس.
وتركهما ورحل ومازالت نظرات على تتابع مغادرته بصدmة جعلت عمران يناديه بقلق: علي.
عاد يناديه حينما طال صمته: علي!
التفت إليه فتساءل عمران بـ.ـارتباك: كان بيقولك أيه؟!
تغاضى عن سؤاله وهرع خلف عمه للخارج، وقبل أن يتجه لغرفته وجده يقف أمام بابها ينتظره بابتسامة تسلية، وكأنه كان يضمن بأنه سيتبعه بعدmا ألقى له تلك القنبلة، فردد بتلعثمٍ: اللي حضرتك قولته جوه ده، إزاي!
وضع يده بجيب بنطاله وانحنى قبالة وجهه يخبره باستفهامٍ ماكر: إنت كنت فاكرني هتخلى عن حبي بالسهولة دي! اللي قولتهولك كان السبب الأساسي اللي خلاني أعمل كده.
صمت ولم يجد كلمـ.ـا.ت تعبر عن صدmته، يحاول أن يجد سؤاله المنطقي القادm ليطرحه على من يراقبه، وقبل أن يصل لمبتغاه وجد هاتفه يضيء برقم زوجة أخيه، فرفعه قائلًا وعينيه مازالت تطارد عمه بذهول: أيوه يا مايا.
تجهمت معالمه بصورة ملحوظة، فقال: خليكي معاها وأنا جاي حالًا.
وأسرع تجاه الدرج فلحق أحمد به متسائلًا بقلق: خير يا علي، في حاجة؟
هز رأسه نافيًا وهو يجيبه باحترام: موقف بسيط حصل مع فطيمة ومايا محتاجاني أكون موجود عشان خايفة تتأثر بيه، هبقى أطمنك بالفون متقلقش
وتركه وأكمل بخطاه للخارج مسترسلًا: لينا حوار تاني وطويل يا عمي.
ابتسم الاخير مرحبًا به: مستنيك بأي وقت يا دكتور!
واستدار ليتجه إلى غرفته، فوجد الخادmة تقف خلف تخبره: السيد عمران يريدك بغرفته سيدي.
تنقلت بين حوامل الملابس ببسمة رقيقة، بدت راضية عن قرارها بعدm الدخول مع مايا وفاطمة لشراء ما يلزم الطعام، وتوجهت إلى الطابق الثاني لاستكشاف كولكشن الفساتين الجديدة لهذا العام، فجذبها اللونين الأحمر والأسود، بدت حائرة بينهما، ورددت بصوتٍ منخفض: مش لو كانت مايا معايا كانت ساعدتني في اختيار اللون!
عندي فضول أشوفك بالأسود.
ووصل الصوت الذكوري ليكون أمام عينيها يستكمل حديثه ببسمة مهلكة: أكيد هيكون مميز عليكِ!
رددت بابتسامة واسعة: آدهم.
اتسعت بسمته وأخفض وجهه قليلًا كأنه يحيي الملكة: شمس هانم.
ارتبكت أمامه وتلفتت من حولها كأنها تخشى وقوفهما، بحثت عما ستقوله بتلك اللحظة فلم تجد سوى سؤاله: بتعمل أيه هنا؟
اقترب آدهم منها ثم قال بنظرة غامضة: جاي عشانك يا شمس.
انتبهت لما سيقول باهتمام، خاصة وهي تتأمل ثباته الغامض، فقطع صمته قائلًا: إبعدي عن راكان الفترة دي يا شمس، عشان اللي حصل ليكي قبل كده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني.
زوت حاجبيها بدهشة: تقصد أيه؟
أجابها ومازالت الإبتسامة تشرق على شفتيه: المرة اللي فاتت اتعرضتي لمحاولة الخـ.ـطـ.ـف دي بعد ما الشحنة اتمسكت بالمينا، أخاف بعد اللي هعمله يتكرر نفس الشيء معاكي عشان كده متحاوليش تشوفي راكان ولا تقربي منه الأيام دي مهما حصل.
ارتعبت شمس من مجرد تخيل السوء يمسه، فقالت بتـ.ـو.تر: إنت ناوي على أيه يا آدهم؟
اقترب ليقف جوارها، يمرر يديه بين حاملة الملابس وكأنه يبحث عن شيئًا يناسبه كونه زبونًا عاديًا، وأجابها وعينيه تتعلق على أحد الفساتين: هخلص من راكان واللي وراه بضـ.ـر.بة واحدة، والطريق لده إني لازم أوصل للملف اللي أنا عايزه قبل دخول الشحنة الجاية مصر لإني لو منعناها من الدخول هتكشف قبل ما أقدر أخد الملف ده.
زاد خــــوفها أضعافًا، فقالت بقلق: أنا خايفة عليك يا آدهم، عشان خاطري خلي بالك من نفسك أنا، آآ، بحبك ومعنديش أستعداد أخسرك.
منحها ابتسامة هادئة قبل أن يستدير ليستعد للمغادرة هامسًا لها: مكنش عندي أي سبب يخليني أخاف على نفسي من المـ.ـو.ت، دلوقتي بقى عندي اللي يخليني حريص بخطواتي، الحلم اللي هيجمعني بيكِ يا شمسي!
ورحل تاركًا الابتسامة تغدو على وجهها الحالم بذاك اليوم الذي ستصبح به زوجته!
وصل على للمول وبحث عنهما بالطابق الأول، فوجدهما يقفان أمام مبردة اللحوم يحملان للعربة، وعلى ما يبدو استرخاء معالم فطيمة، فأوقف العربة التي تحاول مايا التحكم بعجلاتها لثقل ما تحمله، فتصنعت دهشتها لوجوده ورددت: علي! مش معقول!
منحها نظرة ماكرة ونفذ ما طلبته منه ببراعةٍ: أنا كنت قريب منكم هنا فقولت أعدي عليكم أخدكم في طريقي.
غمزت مايا بعينيها لعلي فابتسم رغمًا عنه، تكاد تفضحهما بأن مجيئه إلى هنا لم يكن سوى اتفاق جماعي بينهما، فتنحنح بخشونة ورماديته تعود لزوجته المرتبكة بوجوده، فتساءل: فطيمة إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، ووضعت اللحم بالعربة وهي تخبر مايا: هنحتاجه للكسكس المغربي.
عدلت مايا الكيس البلاستيكي وهي تضيف بأعجابٍ: الله عليكي يا فطوم، شكلك كده هتبدعي.
وأضافت وهي تشير لعلي: يلا يا على على الكاشير، يدوب نرجع البيت نحضر الأكل، بحيث نصحى الصبح على التسوية.
دفع العربة وهو يشاكسها بهمس غير مسموع لفاطيما: بقى كده يا ست مايا، جايبني عشان تشغليني.
ألقت مايسان نظرة متفحصة على فطيمة، وحينما تأكدت بأنها تخطو على بعدٍ منهما قالت: على الحمد لله إنك جيت، من أول لما دخلنا الماركت وأنا حاسة إن فاطمة مش طبيعية، بتبص على الناس اللي مالية المكان بخــــوف غريب، حتى كان في شاب خبط فيها غـ.ـصـ.ـب عنه لقيتها اتـ.ـو.ترت بشكل غريب، أنا خــــوفت يجرالها حاجة عشان كده اتصلت بيك.
خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليها قبل أن يميل تجاه زوجة أخيه يخبرها: كويس إنك عملتي كده يا مايا، فطيمة لسه متعافتش بشكل كامل، الازدحام وتعاملها مع الاشخاص الغريبة بيربكها، بس أنا سعيد أنها بتحاول تتأقلم وتتعايش مع الوضع وده بفضل ربنا سبحانه وتعالى وبفضل وجودك إنتِ وشمس.
ابتسمت برقةٍ: أنا حبيتها أوي وحاسة والله إن فريدة هانم هتحبها، فطيمة طيبة وقلبها نقي.
ذم شفتيه ساخطًا: بتمنى بس صعب.
كبتت ضحكاتها وتركته يتجه للكاشير، يضع الاغراض على الطاولة الرفيعة، فوقفت مايسان جوار فاطمة تتبادل الحديث المرح برفقتها، لتجد على يدنو منهما متسائلًا باستغرابٍ: مش بتقولوا شمس معاكم أمال هي فين مش شايفها!
ردت عليه مايا وهي تجذب هاتفها من حقيبة يدها: قالت هتطلع تبص على اللبس فوق، ثواني هكلمها تنزل.
وبالفعل طلبتها مايا وأخبرتها بأنهم بالخارج بانتظارها جوار سيارة علي، هبطت شمس للأسفل فقادت سيارتها ولحقت بهم للقصر وعقلها شارد بذاك الآدهم الذي على وشك خوض معركة مخيفة، لا تعلم بأنها ستكون أحد عناصر المرغمة بالمشاركة بتلك الحرب المجهولة!
بغرفة عمران.
تنهد بضجرٍ وهو يردد: يا عمي بقالي ساعة بحاول أسحب منك أي معلومة عن اللي قولته لعلي، ومازلت بتتهرب مني!
حدجه بنظرة بـ.ـاردة قبل أن ينهض عن المقعد، قائلًا: يا حبيبي وفر وقتك ووقتي، كان زماني نمت!
صاح عمران بعصبية: يعني مش هتتكلم؟
دنى أحمد منه وانحنى قبالته مرددًا: صوتك عالي على ما أعتقد.
تصنع خــــوفه وابتلع ريقه وهو يهمس له: مهو مفيش أي حاجة عملتها جابت معاك نتيجة.
ابتسم وأخبره بغــــرور: لإن الكلمة اللي قولتها لعلي مش هتخرج لحد تاني، كانت ساعة شيطان وانصرف يا عمران ارتاحت!
ضيق عينيه وباصرار قال: لما يجي على هعرف منه.
انتصب بوقفته فأغلق زر جاكيته وهو يشير له: تصبح على خير يا عمران.
وتركه يكاد ينفجر غـ.ـيظًا وغادر لغرفته، بينما الأخر يهمس بفضول: يا ترى قاله أيه خلاه ارتبك بالشكل ده!
نزعت نايا مئزر الجلباب الأسود عن الطبقة الداخلية وأشمرت عن ساعديها، مرتدية مريول المطبخ لتبدأ الآن بتفريز الأكياس استعدادًا لصنع الطعام، ومازال على يحمل الأغراض من الخارج إليهما بالمطبخ، فكانت تحمل منه فطيمة الأكياس لتضعها على الرخامة، وحمل كوتون الماء المعدني فأسرعت فطيمة إليه فأشار لها ببسمة حنونة: تقيلة عليكي، أنا هدخلها.
وبالفعل وضعها على على الرخامة، وقال لتلك المنشغلة بتدوين ملاحظاتها وخطتها بالبدء: ها يا شيف مايا ناقصك حاجة تانية؟
أشارت له باسمة: بجد يا على مش عارفة أشكرك إزاي، أنا مكنتش عارفة هرجع بكمية الأكياس دي كلها إزاي، إنت ربنا بعتك لينا نجدة.
حك لحيته النابتة ليخفى بسمته الماكرة: آه ما أنا عارف إن الصدفة دي جت من حظك.
وتابع وهو يشير لفطيمة: تسمحيلي بقى أخـ.ـطـ.ـف منك فطيمة نص ساعة.
أشارت بالقلم الذي تحمله: نص ساعة بس عشان ورانا تجهيزات كتيرة.
هز رأسه وأشار لفطيمة قائلًا: تعالي يا حبيبتي، عايزك.
رمشت بـ.ـارتباكٍ لسماع كلمته المرهقة لمشاعرها التي تخوضها لأول مرة، فاتبعته للخارج حتى وجدته يجلس على الأريكة القريبة من الباب الخلفي للمنزل، جلست قبالته تنتظر سماع ما سيقوله، فقال وهو يرتدي نظارته الطبية ويجذب نوته: هنبدأ أول جلسة لينا في حياتنا الزوجية، بس تقدري تقولي مفيش وسطات، ففكك بقى إنك مراتي وإني هكون لطيف معاكي، الشغل شغل ولا أيه؟
ابتسمت رغمًا عنها، واكتفت بهزة رأسها بخفة، فقال: ها بقى احكيلي يومك النهاردة كان عامل إزاي؟ خصوصًا إن دي من المرات المحدودة اللي خرجتي فيها لوحدك!
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، وبدت متحيرة بما ستقول، الوضع الآن مختلف، بالسابق كانت لتقص عليه كل ما يزعجها كونه طبيبها المعالج، الآن هو زوجها كيف ستخبره مثلًا بحديث والدته المزعج لها؟!
كيف ستخبره عما خاضته منذ قليل؟!، الوضع برمته يقلقها.
لمس على ما تفكر به، فتردد بما سيفعله ولكنه بالنهاية فعله، مد يده ليمسك بيدها التي تفرك بالاخرى بتـ.ـو.ترٍ، فاسترخت بين أصابعه الخشنة، وتعلقت عينيها به فقال: متخافيش يا فطيمة، أوعدك إني مش هتعامل مع أي شيء هتقوله كزوج، هعتبرك زي أي مريـ.ـضة وأسرارك مش هتخرج بينا ولا هتقصر على انفعالاتي.
وتابع بهدوءٍ: يعني مثلًا اللي حصل بينك إنتِ وفريدة هانم الصبح وقلقانه تحكيهولي دلوقتي تقدري تتكلمي وتحكيلي وأنا بعدها هرمي كل شيء ولا كأني سمعت شيء. ده وعد.
هزت رأسها ببسمة هادئة، وحررت صوتها الرقيق قائلة بـ.ـارتباك: لم شوفتك بالمول فرحت، كنت متـ.ـو.ترة جدًا من المكان وأنا لوحدي.
ابتسم وهو يتابع ربكة حدقتيها، وقال: مستعد أرافقك في كل مكان تروحيه، اطلبي إنتِ بس وأنا في الأمر بس كل شيء وله شروطه.
وخـ.ـطـ.ـف نظرة للردهة الواسعة قبل أن يدنو منها هامسًا: تجيبي حـ.ـضـ.ـن، وقتها ممكن أفكر أسيب شغلي وأجيلك بالمكان اللي تحبيه، ها موافقة؟
احتقنت نظراتها بغـــضــــب، فتعالت ضحكاته الرجولية بعدm تصديق لتبدل ملامح وجهها بثوانٍ، وقال بصوت متأثر بضحكاته: هتعملي أيه! مفيش أبواب ترزعيها في وشي هنا!
تسرب لها مغزى حديثه، فكلما طرح الأمر إليها كانت تغلق أحد الأبواب بوجهه، والآن لا يوجد أبواب مثلمة أخبره، تمردت ضحكات فطيمة بقوة جعلته يلاحظ غمازات وجهها بوضوحٍ، لأول مرة تكـ.ـسر حاجز الابتسامة الصغيرة المتكلفة على شفتيها وتضحك بصوتها الانثوي الرقيق.
برق بعينيه وكأنه يرى أحد عجائب الدنيا السبع، فهمس بصوته المغري وكأنه مسلوب الارادة: عنيا مشافتش أجمل منك يا فاطمة!
تلاشت ضحكاتها تدريجيًا، ونهضت من جواره تجلي صوتها الهارب بصعوبة: هروح أساعد مايسان بالمطبخ، عن إذنك.
وقبل أن يعترض هرولت بخطواتٍ سريعة للمطبخ بينما أغلق هو نوته وخلع نظاراته ليتمدد على الأريكة بابتسامة حالمة، وهمس بعشقٍ: هحبها أكتر من كده إزاي!
بالمطبخ.
ساندت شمس عمران حتى أوصلته للطاولة الصغيرة الموضوعة بالداخل وخرجت تبحث عن على لتخبره بما يتردد لها منذ فترة، فراقب عمران ما تفعله مايا ببسمة مشاكسة، فأشار لها حينما انتهت من اعداد اللحم المفروم الخاص بالمعكرونة: دوقيني.
استدارت تجاهه قائلة بدهشة: لسه هجهز طواجن المكرونة بكره، أنا يدوب عصجت اللحمة عشان الصبح أجهز الطواجن على طول.
أجابها وهو يشير على الخبز: مهو أنا لازم أتمم على اللحمة، مش يمكن ناقصها حاجة.
ابتسمت ومالت على طاولته تسأله بنظرةٍ شك: عمران إنت جعان؟
هز رأسه بتأكيدٍ وضحكته الجذابة لا تفارقه: ريحة أكلك جوعتني!
رق قلبها له، فأسرعت للخبز تضع به اللحم وصنعت له كوبًا من النسكافا، ثم إتجهت إليه بالطعام، فتناول الخبز وهمهم بتلذذ: هممم، روعة بجد.
وبمرحٍ قال: شكلك كده هتشرفيني فعلًا بكره قدام يوسف وجمال ومرتاتهم.
تركت غطاء الوعاء واتجهت إليه بلهفة: هي دكتورة ليلى وصبا جاين بكره بجد؟
هز رأسه بتأكيدٍ، وقال موضحًا: كنت هقولك بس استنيت لما أعرف من يوسف وجمال إذا كانوا هيجوا معاهم أكيد ولا لأ.
ابتسمت بحماس: كويس أوي أنا كان نفسي ألقى أي طريقة أشكر بيها دكتورة ليلى على اللي عملته معاك وأهي فرصة نتعرف على صبا.
ترك الخبز عن يده وقال بجدية تامة احتلت معالمه: بخصوص صبا، مايا أنا عايزك تقربي منها وتفتحي معاها أي حوار ينتهي بأنك محتاجالها بالشركة لإني سبق وقولت لجمال وشكله كده طنش الموضوع.
واستكمل بتوضيح شامل: صبا قاعدة طول الوقت لوحدها ومالهاش أصدقاء هنا، أنا متأكد إنكم هتكون أصدقاء.
تابعت كل كلمة قالها بحبٍ، وهمست له بهيام: بالرغم من العيوب اللي موجودة جواك الا إنك شهم اوي مع أصدقائك وده أكتر شيء بيعجبني فيك يا عمران.
شرد بعينيها الفاتنة التي تحارب كل ذرة صبر يمتلكها، ينقلب به الأمر لشيءٍ أخطر مما واجهه من قبل، لم يسبق أنه تمنى أحدًا من النساء مثلما تمناها، أصبح يقدر قيمتها ويعلم بأنها ثمينة، غالية، لذا عليه المعاناة ليصل لسلامها، للذة الحلال الذي لم يذقه أبدًا.
رغمًا عنه وجد يديه تجذبها إليه لتسقط على قدmيه، فلم يترك لها فرصة المناص من هفوة مشاعره الصادقة!
برقت فطيمة بعينيها في صدmةٍ، ورددت بحرجٍ: أنا أسفة مكنتش أعرف آآ...
لم تجد الكلمـ.ـا.ت المناسبة لاعتذارها، فهي بالنهاية تقف بالمطبخ وليست بغرفتهما الخاصة، دفعته مايسان لتقف على قدmيها وقد انفلتت بموجة غاضبة: انت وقح يا عمران، مفيش فايدة فيك!
كمم ابتسامته التي كادت بالانفلات، وادعى البراءة قائلًا: الحق عليا إني مسكتك قبل ما تقعي على الأرض وتنكـ.ـسر رقبتك!
واتجهت عينيه لفاطمة يستجديها بشهامته المخادعة: اتزحقلت وكانت هتقع فمسكتها وبدل ما تشكرني بتقل أدبها يرضيكي يا فاطمة؟
تـ.ـو.ترت فطيمة المرتبكة من الموقف برمته، وقالت بخجل: المهم إنها كويسة، عن إذنكم.
وكادت بالفرار فأوقفتها مايسان بغـــضــــب: استني هنا، رايحة فين وسايباني أنا مش هعرف أعمل الكسكس بتاعك ده، هتدبسيني وتخلعي!
عادت لتستقر أمام الأكياس، تلهي ذاتها بحمل الأغراض لتبدأ بعملها، بينما اتجهت أعين مايسان المحمرة حرجًا من ذاك الوقح الذي عاد يرتشف كوبه الساخن بنظرة مستمتعة لحالة ارتباكها العجيبة، فقالت: إنت قاعد هنا ليه أصلًا، اتفضل اطلع أوضتك أو إخرج اقعد بره مع علي.
وضع الكوب على الطاولة وقال بمكرٍ يلتحف خلف براءة تصرفاته المسكينة: ما إنتِ عارفة إن شمس اللي جايباني هنا، لو عايزة تخرجيني بره معنديش مانع، تعالي سانديني وأنا هخرج!
وانهى حديثه بغمزة ماكرة جعلتها تحمل الملعقة الطويلة وتكاد ان تسقطها بوجهه، فالتقطتها منها فطيمة وهي تردد باستنكار: بتعملي أيه يا مايا، حـ.ـر.ام عليكي!
استدارت تقابلها بعصبية: ااسكتي يا فاطيما انتي قلبك طيب ومت عـ.ـر.فيش عمران كويس، ده خبيث بيعمل كل ده عشان أقآآ...
ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها بحرجٍ جعلته يتمادى بضحكاته الصاخبة، مشيرًا لها: عشان أيه يا حبيبتي كملي واشكي لمرات أخويا البريئة اللي هتلوثي عقلها بأفكارك المنحرفة.
كزت على أسنانها وهي تشير لنفسها: أنا منحرفة؟!
أكد باشارته فبحثت جوارها عما يمكن ألقائه على ذاك المستفز، فجذبت المناديل الورقية وألقتها إليه، فجذب احد المناديل وهو يردد بجدية ساخرة: حاسة بيا والله، منحرمش يا روح قلبي.
وجفف فمه من فوم النسكافا ثم قال: ها، هتيجي تخرجيني لعلي ولا أطلب مساعدة من شمس؟
اتجهت إليه بنفاذ صبر، فأسندت ذراعه الأيسر وخطت جواره لتخرج به، فما ان ابتعدوا عن أعين فطيمة حتى همست ببسمة صغيرة: ده دكتور على طلع محترم وابن ناس جدًا جنب أخوه!
تعمد عمران ان يضمها إليه مدعيًا ارهاقه، فخطى جوارها بتأثرٍ وهو يردد بتعب مصطنع: مش قادر يا مايا، تعبان!
سددت نظراتها القـ.ـا.تلة إليه، فأصبحت تكشف تعبه الزائف بتمكنٍ، جاهد عمران لمنع بسمته التي تسللت له فور رؤيتها وجهها المحتقن، فخطى للردهة متبعًا الصالون الجانبي حتى بات على وشمس على بعد معقول منهما، فهمست إليه بغـــضــــب: ياريت اللي حصل ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني يا عمران، بالأخص بوجود فاطيما.
منحها نظرة حزينة، وصاح لها بمشاكسة: متشكرين لمساعدتك يا شيف مايا، ارجعي المطبخ كملي طبيخ وسيبني ألعنك مع الملايكة طول الليل مهو مبقاش ورايا شيء غير كده.
واستند على الحائط حتى أصبح بمحيط نظر على الذي أسرع إليه يسانده حتى وصل لمجلسهما، بينما تصلب جسد مايا مما استمعت إليه، فعادت للمطبخ شاردة حزينة بكلمـ.ـا.ته، تعلم بأنه يمزح معها ولكن مجرد فهمها لتلك الكلمـ.ـا.ت جعلت قلبها ينبض برعـ.ـبٍ مما ستلقاه أمام الله عز وجل.
ارتبكت شمس من وجود عمران الذي اقتحم مجلسهما فجأة، فردد على بدهشة: كملي كلامك يا شمس، سكتي ليه؟!
خـ.ـطـ.ـفت نظرة متـ.ـو.ترة لعمران الذي راقبها باهتمام، وقالت: أنا مش عايزة راكان يا علي، أنا بحب واحد غيره.
توسعت حدقتيهما بصدmة، وكان على أول من تحدث: بتحبيه ازاي! أوعي قعدتنا هنا تنسيكي إنك مسلمة يا شمس، يعني الحب والمقابلات والكلام ده حـ.ـر.ام وهتشيلي ذنبه.
أسرعت بالدفاع عن ذاتها: محصلش الكلام ده، الانسان اللي بحبه مسلم ومحصلش بينا أي تجاوز يا علي.
تساءل عمران بحدة: مين ده؟
ارتبكت للغاية، ورددت بصعوبة: آدهم.
حارس راكان!
تفوه بها عمران بصدmة، ازدادت مع إيماءة رأسها، فاستطرد بعنف: لو كلامك صح فيبقى خـ.ـا.ين وحقير، إزاي يخـ.ـو.ن الانسان اللي بيشتغل معاه بالطريقة الوضيعة دي!
تـ.ـو.ترت شمس كثيرًا فلم يكن بنيتها مصارحة عمران بالأمر، أرادت ان تخبر على فقط، وحينما فرض عليها الحديث بوجوده حدث ما كانت تخشاه فأسرعت تبرر: راكان مش ملاك زي ما انت متخيل يا عمران، وعلى فكرة آدهم مش حارس.
سألها على باستغراب: أمال أيه؟ وقصدك أيه من كلامك ده؟
لعقت شفتيها الجافة بلعابها، وقالت: مش هقدر أتكلم دلوقتي للأسف انا وعدته.
صاح عمران منفعلًا: هي وصلت للوعود بينكم، أيه طبيعة العلاقة بينكم بالظبط يا شمس!
تدفق الدmع من عينيها، ورددت بـ.ـارتباك: مفيش شيء من اللي في دmاغك ده يا عمران.
ونهضت من مقعدها واتجهت للأريكة التي يجلس بها علي، فأمسكت يده تستعطفه، قائلة ببكاء: على انا مكنتش عايزة أعرف حد بالموضوع ده غيرك لإني عارفة إنك الوحيد اللي هتفهمني، آدهم بيحبني ووعدني لما يخلص اللي جاي عشانه هيجي يطلبني منكم، أنا مكنتش هتكلم غير لما في شيء معين يتم والشيء ده مش هقدر أتكلم عنه لإني كده هعرضه للخطر، أنا متعودتش أعمل شيء من وراك علشان كده قولت أتكلم معاك.
منحها بسمة هادئة وضم وجهها بيده ليجذبها لصدره قائلًا بحنان: حبيبتي كلنا بنثق فيكِ، عمران بس خايف عليكي.
كاد عمران بالحديث فأوقفه على بإشارة يده، وتابع وهو يمسد على خصلاتها الناعمة: أنا عارف إنك عمرك ما هتعملي حاجة غلط وواثق فيكِ.
وأشار بيده: يلا اطلعي خديلك شاور وشوفي مذكرتك.
ابتهجت ملامحها الباكية، وانحنت تطبع قبلة على خده بسعادةٍ، وكادت بأن تصعد للأعلى ليوقفها عمران بضيق: يعني هو أخوكي الحنين وانا ابن ضرة فريدة هانم!
أحنت رأسها أرضًا بخجل، فقال ببسمة هادئة: هاتي بوسة ليا طيب!
ضحكت بصوت مسموع وانحنت تطبع قبلة على خده فهمس لها: ربنا يستر وفريدة هانم متضمكيش لحزب دكتور علي، وقتها هتبرى منك زي ما أتبريت منه.
تعلقت بقميصه المنزلي ورددت بخــــوف: مترعـ.ـبنيش يا عمران أنا خايفة من غير أي شيء أصلًا.
منحها نظرة مستنكرة، ومازحها ساخرًا: راحت فين قوة الحب! ضاعت هباءًا؟!
ابتسم على وهو يراقبهما، وردد قائلًا: اطلعي اوضتك يا شمس.
اومأت برأسها إليه وصعدت للأعلى، فاقترب على من عمران وهمس له بحذر: إنت تعرف آدهم ده يا عمران؟
هز رأسه وقال ما يعرفه عنه: أنا شوفته كذه مرة مع راكان، مشوفتش منه شيء سييء، بالعكس تصرفاته كلها رجولة، راكان حكالي قبل كده أنه فداه من المـ.ـو.ت بروحه، وبيثق فيه جدًا، بس ده مش مبرر يخليني أستريح للي بينه وبين شمس، على الموضوع يقلق!
أكد له على خطورة الموقف: الثقة الكبيرة اللي حطاها شمس فيه وراها سر هي عرفاه وخصوصًا إنها قالت إن راكان وراه مصايب وإن آدهم مش مجرد حارس، احساسي ممكن يكون في محله لإن راكان ده مريب يمكن يكون له في الشغل الشمال وآدهم يكون بيوقعه لانه ظابط مثلًا.
قوس شفتيه باقتناعٍ، ولكنه سأله بريبة: ولو مكنش ظابط هنحط احتمالات ونسيبها تضيع مننا يا علي؟
نفى نظريته تلك حينما قال بهدوء: لا طبعًا هننحرك وهنحاول نوصل للحكاية دي من أساسها بس بدون ما شمس تعرف أو تلاحظ حاجة، أنا مش عايزها تفقد ثقتها فينا يا عمران ولا تنـ.ـد.م إنها جت واتكلمت معانا.
واستطرد بعد تفكيرًا: كلها يومين تلاته ومراد هيوصل انجلترا وقتها هكلمه عن الموضوع ده.
هز الأخير رأسه باقتناع، وانتفض بجلسته حينما تذكر أمرًا هامًا طرحه له: قولي بقى عمك لما وشوشك كان بيقولك أيه؟
احتقنت ملامح وجهه فور تذكره أمر عمه، فعادت كلمـ.ـا.ته ترد على مسمعه من جديد حينما انحنى أحمد إليه هامسًا بكلمـ.ـا.ته
«سالم خدعني عشان يتجوز فريدة! »
انتصب بوقفته وعاونه على الوقوف قائلًا: هساعدك تطلع اوضتك الوقت إتاخر خد أدويتك ونام.
منحه نظرة ساخطة قبل أن يقول: أغسل سناني بالمرة قبل ما انام ولا رأيك أيه يا بابا علي؟
تجاهل سخريته وإتجه به للمصعد، ومن ثم لغرفته، فأسنده لفراشه واتجه للمغادرة فصاح عمران بغـــضــــب: يعني مش ناوي تقولي!
أغلق الباب غير عابئًا بسؤاله وإتجه لغرفة عمه على الفور.
لاحظت فاطمة شرود مايسان الدائم بعدmا عادت من الخارج، فتلاشى حماسها وفرحتها بصنع الطعام، فأصبحت تتحرك بالمطبخ ببطءٍ شـ.ـديد، وأحيانًا تنسى الطعام فتفق على رائحة احتراقه، فتنحنحت تسالها بتردد لعدm اعتيادها اقتحام خصوصية أحدًا: مالك يا مايا من ساعة ما رجعتي من بره وإنتِ ساكتة وحزينة، فيكِ حاجة؟!
تركت مايسان الطنجرة من يدها واتجهت بعينيها إليها فقالت بو.جـ.ـع يخترق أضلعها: فاطيما في حاجات كتيرة إنتِ متعرفهاش عني، او بالمعنى الأصح عني انا وعمران، أنا متعودتش اتكلم مع حد قبل كده لإن كل اللي هنا عارفين قصتنا بس لإني حبيتك أوي وحسيتك هتكوني أختي اللي كنت بتمناها في يوم هحكيلك.
قصت لها مايسان عن قصة حبهما الطفولي وعن إجبـ.ـار فريدة بأن يتزوج عمران منها، وعن خيانته لها وما حدث لها بذاك الحفل والسم الذي تسبب لعمران بحالته تلك، ارتعبت فطيمة فور سماعها عن أنها كانت ستتعرض لمحاولة اعتداء تعرف هي كيف تكون مساوئها، وانتهت حوارها الطويل قائلة: أنا دلوقتي بديله فرصة تانية وبتمنى إنه يكون اتغير فعلًا يا فاطيما، ده أملي الوحيد.
وبحرجٍ قالت وهي تضع الأرز بحبات الكوسة: بس أنا خايفة، خايفة أشيل وزر الامتناع عنه، إنتِ عارفة إن الزوجة لو امتنعت عن زوجها بتشيل وزر كبير، وفي نفس الوقت خايفة أديله المساحة دي في حياتي فيكـ.ـسرني يا فاطمة، لأنه لو خاني بعد ما اكونله زوجة مفيش أي شيء في الدنيا هيداوي و.جـ.ـعي، وهتكون دي نهاية العلاقة بينا.
أجلت صوتها الهارب من أوردتها قائلة: أنا مش عارفة أفيدك بموضوعك ده يا مايا، لإني للاسف على وشك الدخول لنفس الدايرة دي، بس اللي هقدر أنصحك بيه إنك تسمعي لقلبك، أكيد هو قادر يحس بيه.
استندت على جذعها تهمس بهيام: قلبي بيعشقه وهيكون في صفه يا فطيمة.
ضحكت وهي تراقب هيامها هذا، فاعتدلت مايا بوقفتها وشاركتها الضحك حتى ضـ.ـر.بنا كف بعضهما البعض بمرحٍ أحاطهما حتى الانتهاء من الطعام.
طرق الباب وولج للداخل على الفور، فوجد الغرفة فارغة، وصوت قادm من الشرفة يناديه: انا هنا يا علي.
أغلق على الباب من خلفه وأسرع للشرفة، فوقف قبالة عمه يتساءل وهو يراقب ساعة يده باستغراب: سهران لحد دلوقتي؟
ابتسم وهو يستدير له: عارف إنك مش هيجيلك نوم من غير ما تتكلم معايا عن معنى الكلمة اللي قولتها، حافظك أكتر من نفسك يا دكتور.
دنى على حتى بات يقف جواره يستند على السوار الحديدي، وقال بألــمٍ: طول الطريق بحاول أحلل الاحداث اللي تخدm جملتك دي بس و.جـ.ـعها كان أكبر يا عمي، وبقيت بسأل نفسي إنت اتعرضت لكمية الو.جـ.ـع ده واستحملته ازاي؟ والاهم ازاي بابا خدعك مفهمتش المعنى!
تنهد بضيق، ولزم صمته المطول لدقائق، ثم كـ.ـسره قائلًا: انسى يا علي، انسى اللي قولتهولك ومتسألنيش عن التفاصيل لانها هتو.جـ.ـعك وهتخليك شايف سالم بصورة تانية، صورة انا سكت عنها 15سنة ومستعد أسكت العمر كله عشان فريدة متكرهوش.
التفت إليه وقال: أيه اللي عمله يا عمي، أرجوك اتكلم وقولي!
انجرف بوقفته تجاهه وقال بعصبية اندفعن بعد فترات قضها بتفكير مرهق منذ ساعات بغرفته: أنا كنت أناني لما قررت ألــمحلك عن اللي اتدفن بالماضي، كنت خايف على صورتي تتهز قدامك لما تعرف إن فريدة هي البـ.ـنت اللي قضيت عمره كله بحكيلك عن قصة حبنا، خــــوفت على شكلي قدامك عشان كده حاولت أبررلك، اعتبرني مقولتش حاجة لإني مش هتكلم يا علي.
لمعت عينيه بالحـ.ـز.ن تأثرًا لما يستمع إليه، لا يود طرح الحقيقة المدفونة خشية أن يكره أبيه ومازال يعاني بصمت، أدmعت عين على رغمًا عن صلابته البادية على وجهه، والتقط نفسًا مطولًا قبل ان يقول: احكيلي اللي حصل زمان يا عمي، وإنت عارفني مش هنطق بحرف بأي شيء هتقوله.
تطلع إليه بابتسامة تحتل ثغره، فجذبه بقوة يحتضنه دون سابق انذار وهمس له بحب: إنت ابني اللي مخلفتهوش يا علي، عمري ما حسيت إني بطولي بالدنيا دي وإنت معايا، مش متخيلك غير ابني اللي من صلبي، بالنهاية انت حامل لاسم الغرباوي بنهاية اسمك أيًا كان الاسم اللي ورا اسمك سواء سالم او أحمد بالنهاية انت من نسل الغرباوي.
تمسك به على ودmعاته تنهمر دون توقف، فطال باستكانته على كتفه حتى هدأ تمامًا، فابتعد يصطنع بسمة صغيرة على شفتيه وقال: مش هتحكي لابنك بقى.
ازاح أحمد دmعته المتأثرة ببكاء على كالطفل الصغير المتأثر بحـ.ـز.ن أبيه فيبكي لأجله، وقال بابتسامة جذابة: هحكيلك!
بغرفة فريدة.
تمددت على فراشها تتأمل جـ.ـر.ح يدها ببسمة هادئة، تتذكر جنونه الذي استحضر فور رؤيته لدmائها تنزف، عادت بذكرياتها للصبا، لايام جمعته مع ذاك العاشق الحنون الذي أفاضها بجنة عشقه الخالده، فابتسمت على استحياء من تلك الذكرى التي روادتها دون سببًا.
يا حبيبتي ارجعي بذكرياتك لورا كده افتكري هل انا في يوم سمحتلك تخرجي وجدك مش موجود وأنا معرفش إنتي راحة فين؟
هزت رأسها نافية ومازالت تكبت ألــمها بصعوبة، فابتسم أحمد وهو يشير لها: شاطرة يا ديدا ودلوقتي هتقوليلي راحة فين السعادي ولا تطلعي زي الشاطرة بردو تنامي!
جزت على شفتيها السفلية بغـــضــــب؛
ما تبقاش غلس يا أحمد، أنا اتصلت على بابا واستأذنت منه، وبعدين كلها عشر دقايق وراجعة.
أغلق باب القصر الداخلي وصاح بعصبية: على فوق يا فريدة أنا مش أهبل عشان أخليكِ تخرجي الساعة 11ونص!
مسحت على وجهها بغـ.ـيظٍ، وصاحت بانفعال: وبعدين معاك يا أحمد، أنا بقالي ساعة بحاول اقنعك قولتلك هنزل وراجعه بسرعة مش هتأخر.
دس مفتاحه ليغلق الباب وعاد لمقعد الصالون بهدوء، فلحقت به وهي تحاول السيطرة على غـــضــــبها أمام عناده، فقالت بهدوء كاذب: عشان خاطري مش هتأخر والله، حـ.ـر.ام عليك أنا تعبانه ومش قادرة اتكلم.
قال وهو يعبث بهاتفه دون ان يهتم برجائها: اللي عندي قولته.
كورت يدها بعصبية، ودت حينها لو طالته أظافرها فتنهش وجهها، فدنت تستند على الأريكة القريبة منه تهمس على استحياءٍ واضح: هروح الصيدالية أجيب دوا وراجعة.
أبعد عينيه عن الهاتف ومنحها نظرة متفحصة، فارتبكت وهي تستأذنه: ها أمشي بقى؟ أنا قولتلك رايحة فين أهو!
نهض عن مقعده وجذب جاكيته يرتديه، ثم إتجه للطاولة يجذب مفتاح سيارته وأشار لها وهو يتفادى التطلع إليها حتى لا يخجلها: اطلعي أوضتك يا فريدة، هجبلك طلبك وراجعك.
برقت بعينيها بصدmة، وراحت تردد بتلعثم: طلب ايه لأ أنا آآآ، إنت فهمت غلط أنا بس آآ...
تركها تبحث عن سياق الحديث المناسب وأغلق الباب من خلفه، وغادر تاركها تكاد تقــ,تــل خجلًا، فجابت الردهة ذهابًا وإيابًا وهي تتساءل: يا ترى فهم أيه؟!
ولكمت الهواء بانفعال: ده حتى مدنيش الفرصة افهم هو فهم أيه!
انتفضت بوقفتها فور سماع صوت سيارته، فركضت للأعلى سريعًا تختبئ بغرفتها، لتستمع بعد قليل لصوت طرقات باب الغرفة، وقفت خلف الباب تردد بـ.ـارتباك: عايز أيه أنا نايمة.
ابتسم على طريقتها وقال: افتحي خدي الكيس ونامي براحتك.
تصنعت دهشتها: كيس أيه ده؟!
احتضن زواية أنفه بتعب: افتحي يا فريدة.
فتحت الباب ومدت يدها دون ان تريه وجهها، فمسك ضحكته بصعوبة ومد لها الكيس البلاستيكي، حملته وأغلقت الباب بقوة جعلته يقهقه ضاحكًا وهو يردد: مفيش داعي للشكر ده إحنا ولاد عم!
واتجه لغرفته بينما فتحت هي الكيس البلاستيكي بصدmة من معرفته ما تخوضه الآن، فوجدت أدوية مسكنة لالم بطنها القـ.ـا.تل وما تحتاجه لتقضي عذرها الشهري بسلامٍ، ومنذ تلك الليلة لم تستطيع أن تنسى موقفها المحرج حتى تلك اللحظة!
استكان على المقعد بصدmة طـــعـــنت ما تبقى لديه، يختطف نظرة مستنكرة إليه ويعود لشروده من جديد، الصمت كان يتلاعب بهما وكلاهما يتحملان الجو المطموس بالثليج، حتى مزق على جلبابه قائلًا بعدm استيعاب: بالرغم من كل اللي عمله فيك ده سكت ازاي؟! حتى بعد مـ.ـو.ته ولحد اللحظة دي سكت ليه يا عمي؟!
استند بجزءه العلوي على الطاولة الفاصلة بينهما، وقال: كلامي هيعمل أيه يا على اللي حصل مش هيغير الحقيقة.
عارضه بتعصب: بس كان على الاقل هيقلل مسافة البعد اللي بينك وبين فريدة هانم، مكنتش هتوصل بيك العقوبة ل15سنة يا عمي!
وبعدm تصديق صاح: إنت إزاي كده؟ ازاي قادر تتحمل ومكمل بتضحيتك حتى بعد كل السنين دي! أنا عقلي هيقف من التفكير!
رد عليه ونفس ابتسامته لا تفارقه: ونهايتها خير يا علي، خلاص هنتجوز أنا وفريدة وهيتلم شملنا.
انكمشت ملامحه باشمئزاز مما فعله أبيه وقال: قدرت تسامحه إزاي أنا مش هقدر!
استقام بوقفتع وهو يردد باندفاع: على متنـ.ـد.منيش إني حكيتلك، متنساش وعدك ليا!
هدأت انفعالاته، وقال بتريث: انا آسف على عصبيتي بس الحقيقة بشعة اوي يا عمي اتحملتها ازاي!
أراد أن يغير مجرى الحديث الذي أشعره بالاختناق، فقال بمرحٍ وهو يدفعه للخروج: ما خلاص يا دكتور هنقضيها رغي، الساعة بقت 2 أنا ورايا شغل الصبح ومش قادر للسهر، إرجع أوضتك وسبني بقى أنام.
ضحك على وحاول تفادي دفعه قائلًا: طيب ما تكنسل الشغل بكره وتقعد معانا في عزومة بكره، أكل مصري ومغربي وحوار.
نجح بأخراجه من الغرفة وقال قبل ان يغلق بابه: بكره نشوف الحوار ده، تصبح على خير.
قضى عمران ليله يعمل على أحد الصفقات التي قرر توليها بنفسه لاهمـ.ـيـ.ـتها، فترك العمل لأحمد وانشغل هو بأهم صفقة تخص شركة العائلة، فارتشف كوب قهوته وهو يتابع العمل، محركًا رأسه يسارًا ويمينًا بألــمٍ انتابه من جلوسه الغير مريح على الطاولة والمقعد الخشبي أمام الحاسوب، فترنح له مسمع دقات خافتة على باب غرفته جعلته يتأمل الوقت من أمامه بدهشة، فهمس بخفوت: مين اللي صاحي لحد دلوقتي!
ورفع صوته الذكوري: ادخل.
تحرر مقبض بابه وولجت للداخل بخطواتٍ بطيئة مترددة، حتى انتهت بوقوفها أمامه، فردد باستغراب وهو يتأمل عينيها المنتفخة من اثر البكاء: مايا!
رفعت يديها المرتشعة تفك عنها مئزرها الأسود، لتظل بقميصها الطويل أمامه، فاندهش مما تفعله ولم يكن بالأحمق ليفسر تلك الاشارة الصريحة بموافقتها بالسماح له بالقرب منها، وأيضًا ليس بالغـ.ـبـ.ـي ألا يدرك سبب تورم عينيها بالبكاء ورجفة جسدها.
شعر بنيران تضرم قلبه حينها تصور ما فعله مزحه بها، أكانت تبكي كل تلك الساعات!
هل تسبب بوضعها بتلك الحالة المؤلمة، ما بين اتخاذ قرار كذلك، ليته لم يفكر يمازحها قط!
انحنى عمران يلتقط مئزرها ثم نهض يحتمل بركبة قدmه اليسرى على المقعد، ووضع المئزر حولها ليخفيها تمامًا!
فتحت مايسان عينيها بصدmةٍ مما فعله، فقال بو.جـ.ـعٍ سكن رماديته قبل أن يتجه لنبرته: انا مش بالحقارة دي، وبعتذرلك لو هزاري ضايقك وأجبرك تاخدي الخطوة دي، أنا آسف.
تحررت من كبتها لما تخفيه، فبكت بصوتٍ مسموع جعله يضمها إليه بقوة جعلتها تتمسك به وهي تبتسم بفرحة بأنه فعلها لأجلها.
همس لها عمران بحب وصل مضمونه لها الآن: أنا بحبك يا مايا، صدقيني اللي في دmاغك ده مش فارق معايا من الأساس.
وأبعدها عنه لتتمعن بعينيه عساها تلتمس صدق مشاعره: أنا عارف انك ادتيني فرصة تانية ويكفيني آنك مازلتي بتحاولي، مش متضايق من ده أبدًا ومنتظرك لحد ما تكوني جاهزة تتقبليني وتتقبلي حقيقة إني اتغيرت عشانك.
غادر اصفرار وجهها وحل محله سعادة جعلته دmويًا، ابتسم وهو يراقب تبدل حالها بعدmا حصلت على الــســكــيــنــة، فقربها منه وطبع قبلة على جبينها وعلى كف يدها المتعلق بقميصه قائلًا: روحي ارتاحي ومتفكريش بأي حاجة غير حاجة واحدة بس.
تابعته باهتمام فقال: إني بحبك ومستحيل هعيد أخطائي تاني يا مايا.
وترك يدها وهو يمنحها نظرة مطولة، ختمها بمزحه: هتروحي تنامي ولا أغير رأيي بشكلك المغري ده!
وتابع وعينيه تتلصص إليها وبنيته المزح: قوليلي يا مايا، هو حد قالك إن الاغراء بيكون بالاشياء المحترمة الطويلة! يعني إديني أمل إني في يوم ما تحني عليا ألقى شيء يتلبس غير ده!
جحظت عينيها صدmة وكادت أن تتحدث ليقاطعها بسخط: وقح، حفظتها دي!
وتابع بفمٍ مقوس: أهو الصيت ولا الغنى!
ضحكت رغمًا عنها فشاركها الضحك هو الأخر، وقال بحنان دافئ: تصبحي على خير.
ابتسمت وهي تجيبه بحب: وإنت من أهله.
وتركته واتجهت للخارج بفرحةٍ كبيرة وكأنها حصلت على الخلاص أخيرًا، فراقبها ببسمة هادئة وعاد يتابع عمله مجددًا.
حديث مايسان عما كانت ستخوضه من محاولة للاعتداء ايقظ بفاطمة كل ما كبت داخلها، ذاك الكابوس الذي هجرها منذ أيامٍ قليلة عاد يهاجم بكل شراسة امتلكها.
ابتل وجهها بعرقها النازف، وجسدها يتحرك بشراسة رافضة الانصياع لعقلها الباطن الذي يسحبها لتلك الدائرة التي ترى ذاتها تواجههم بمفردها، احدهم يقيد حركتها والاخر يمزق ثيابها، بينما ثالثهما كان يضـ.ـر.ب رأسها بقوة بالأرض حتى تفقد الوعي ولا تقاوم أحدهم، تاوهت فاطمة بالمٍ وصرخت ببكاء بنومها وهي تردد بصراخ: لأ، ابعدوا عني.
وعادت تصرخ من جديد وحركتها المنفعلة لا تتوقف: محدش يقربلي، ابعدوا!
تسلل صوت صراخها لعلي الذي يقوم بتبديل ملابسه لمنامته السوداء المريحة بعد عودته من غرفة أحمد، ردد بدهشة: فطيمة!
وعلى الفور ركض لغرفتها من الباب الجانبي الفاصل بين الغرفتين، فصعق حينما وجدها تنتفض لمنامتها وتصرخ بكلمـ.ـا.ت غير مرتبة: لأ، محدش يقرب، لأ. لأ. لأ.
فتح الضوء واندفع تجاهها يحرك وجهها برفق، وصوته يغزو ليحطم أحلامها: فطيمة فووقي، فوقي يا حبيبتي ده كابوس.
وكرر باصرارٍ بعدmا جذبها لتجلس: فتحي عيونك، اصحي!
أفاقت من نومها باكية بصراخ يحطم القلوب، فما أن وجدته يجلس قبالتها حتى رددت بانهيارٍ: علي!
حاوط وجهها بحنان وهو يبعد خصلاتها المبتلة بعرقها لخلف اذنيها: أنا جانبك يا فطيمة متخافيش.
ضمت ساقيها إليها والتفت ذراعيها من حولها، فتمنى لو لجئت هي لحـ.ـضـ.ـنه بذات الوقت ولكنه يرى حالتها المنتفضة فمن الخطر بهذا الوقت أن يحاوطها أو حتى يلامسها، فظل كما هو، وانحنى يجذب الأدوية من الكيس البلاستيكي، قدmه لها وتناولته هي دون ان جدالًا، باستسلامٍ وخضوع، وظلت تضم ذاتها كالجنين أمام ناظريه.
ساعة، ساعتان قضتهما بجلستها تلك، حتى شعرت بثقل جفنيها، فتمددت على الوسادة باستسلامٍ.
نهض على عن المقعد القريب منها، يجذب الغطاء إليها ويمسد على رأسها بحـ.ـز.ن يجعله كالعجز، دقائق اطمئن بهما غفوتها ورحل لغرفته حزينًا، يود البقاء جوارها ولكنه يخشى ان يداهمه النوم فتراه هي صباحًا بغرفتها فيزيد الطين بلة.
جلس على الفراش يتطلع بشرود للفراغ، ليتسلل إليه مجددًا صوتها الباكي يناديه: علي!، علي!
إتجه للغرفة راكضًا فوجدها تجلس على الفراش وقد جفاها النوم، فقالت ببكاءٍ: خليك هنا متمشيش.
تهللت أساريره فرحًا حينما سمحت له بالبقاء، فجلس جوارها على الفراش قائلًا: مش هسيبك أبدًا، نامي يا حبيبتي وارتاحي وبلاش تفكري في اللي فات وعدى.
ارتبكت وهي تراقب جلوسه المجاور لها، وأشارت بيدها على المقعد القريب من الفراش الذي كان يعتليه منذ قليل، فرددت بـ.ـارتباك من مطلبها: خليك هنا.
أشار لها بتفهمٍ، لم يتضايق أبدًا فهو الوحيد الذي يعلم بحالتها، فنهض على الفور ليجلس محل ما أرادته بالجلوس، فتمددت بنومتها وكلما غفاها النوم تفتح عينيها بهلعٍ تتأكد من وجوده لجوارها على المقعد، تخشى أن يتعب من جلسته الغير مريحة فيعود لغرفته ويتركها، تخشى ان يمل من مراقبتها ولكن كل مرة افاقت كانت تجده لجوارها، وأخر مرة استسلم للنوم جوارها على المقعد، وكأنه يلزمها بعهده القاطع بالحافظ على بقائه لجوارها.
نام بعمقٍ بعد سهره المطول برفقة عمه، وفجأة شعر بدفءٍ يجتاح جسده الذي يشعر بالبرد، ويد تعبث بخصلات شعره بحنانٍ، خشى أن يفتح عينيه فيجده حلمًا يوقظ نفسه منه، وفجأة استمع لصوت خطوات تبتعد لحمام الغرفة، ففتح عينيه لينصدm بأن من منحه الغطاء وضمة خصلاته لم تكن سوى أصابعها. أصابع زوجته، فطيمة!
↚أحاطه ألــمًا مقبض أحتل فقرات ظهره ورقبته من نومته الغير مريحة على هذا المقعد القاسٍ، وبالرغم من ذلك لم يعنيه الأمر في سبيل رؤية تلك الراحة التي تنعم بها ملامحه، والآن حظي بغطاء وضمة كف يدها لخصلات شعره الطويل لخلف رقبته، الأمر كان مرضي لمشاعره المرهفة، فابتسم على وإدعى نومه وهو يراقبها تخرج من الحمام وتتجه لارتداء اسدال صلاتها تؤدي صلاة الصبح بخشوعٍ تام، وحينما انهتها تسللت للأسفل بحذر عدm ايقاظه لتعاون مايسان بطهي الطعام مبكرًا كما اتفقنا مسبقًا.
ولجت المطبخ فوجدتها قد استيقظت بالفعل وبدأت بتحضير الطعام، لتجد الاخرى تلحق بها، فهتفت بعدm تصديق: معقول قومتي بدري كده عشان تساعديني! أنا فكرتك بوق ومستحيل تقومي من 5الصبح.
منحتها فطيمة بسمة رقيقة، وأشمرت عن معصمها تقترب تعاونها وهي تخبرها: أنا وعدتك إني هساعدك ومستحيل أخلف بوعدي.
اتسعت بسمتها وقالت بفرحة تغمرها: والله أنا ربنا بيحبني انه رزقني بسلفة قمر زيك يا فاطيما، أنا كنت هنا بحس بالملل، والأغرب إني كنت لما بحس بالوحدة بضطر أروح مع فريدة هانم الجمعيات بتاعتها، يا أما أروح مع شمس كام مشوار مع صديقاتها الاجانب الا لا يطاقوا بالمرة.
ضحكت وهي تستمع لها باهتمام، وشرعت بجذب الوعاء للنيران قائلة بمزح: مش هتنجبري تروحي تاني مع حد أنا جاتلك أهو وقاعدة متفرغة ال24ساعة.
جذبت المنشفة تزيح المياه عن يديها، وقالت بتسلية: بس أنا عندي تعقيب صغير.
استرعت اهتمامها، وتساءلت: تعقيب أيه؟
أضافت بعملية باحتة: المفروض إني مرات عمران، وهو أصغر من علي، وانتي مرات الاخ الكبير وواجب عليا احترامك صح؟
انتظرت قليلًا تحسب كلمـ.ـا.تها جيدًا قبل أن تهز رأسها بخفة بالرغم من عدm فهم حساباتها الغريبة، فقالت الاخيرة بنزقٍ: ازاي بقى وأنا أكبر منك!
أدلت الأخيرة شفتيها بحيرة، فلم تعد تحسن اختيار الرد الصريح الذي ترجوه الاخرى منها، لذا قالت: عامليني زي ما تحبي، أنا في كده جاية معاكي وفي كده جاية بردو!
تشاركان الضحك معًا وضمتها مايا إليها بحب سرى لفاطمة التي تعلقت بها بقوة كالتائه ببلدٍ لا يعلم بها أحدًا وفجأة طلت له روحًا طيبة تطمن قلبه وتخبره بأنها لن تفارقه أبدًا!
خرج على من الغرفة يسند رأسه على كتفه بتعبٍ شـ.ـديد، فتفاجئ بأحمد يعاون أخيه بدخول المصعد، ولج خلفهما يردد وهو يخشى الالتفات للخلف حيث مكانهما: صباح الخير.
تفرس أحمد بملامحه الغريبة، هاتفًا: صباح النور يا دكتور.
وباستغراب استطرد: أيه اللي شنكلك بالشكل ده؟
ارتبك على وراح يبحث عن أي حجة تحفظ ماء وجهه: لا أنا بس آآ...
تحمل عنه عمران الحرج حينما قال: هتلاقيه خد صف أول على كرسي غير مريح أو كنبة نص عمر، اسالني أنا يا عمي أنا مطقطق وفاهمها وهي طايرة.
كظم غـــضــــبه بثبات لا يعلم من أين تحلى به، فتولى أحمد مهام الرد ليهدm جبهته، حيث قال: ما بلاش إنت يا عم الوقح، ده إنت من يوم ما اتجوزت وإنت بطولك في أوضتك والله صعبان عليا وأنا شايفك وحيد وبائس كده! أغيب بالشهور وأرجع على أمل إن نحسك اتفك ألقيك لسه ثابت على توب التعفف.
ضحك على مستهزءً، بينما ردد عمران بسخرية: أنا زاهد والله بس هي فتنة تحل من على حبل المشنقة، أقف على رجلي بس!
ترك أحمد كتفه فكاد بالسقوط أرضًا لولا استناده على كتف على الذي صرخ بو.جـ.ـعٍ وهو يحيط برقبته صارخًا: مش عايز ألــمحك النهاردة، إبعد عني أنت سامع!
عاد يبحث عن أحمد مرددًا بخبث: أيه يا عمي هتتخلى عن مساعدتي وأنا كنت ناوي أجوزك مع الواد على بعد بكره.
تلألأت عينيه بقوة، وكأنه صبي لا يتعدى عمره السادسة عشر، فتمسك بجسد عمران الصلب متسائلًا: هتعملها ازاي دي؟
ابتسم وهو يتصنع غــــروره: لا إزاي دي بتاعتي، سبها عليا وأنا أروشلك الهانم تروشية تدعيلي عليها العمر كله.
واستطرد ساخرًا: مهو مش معقول هقف أتفرج عليك وإنت مبرد نفسك لاخر الشهر، هو العمر فيه كام شهر يا راجـ.ـل! الحاجات دي عايزة الراجـ.ـل الحامي، شوف برودك إنت والدكتور النص كم اللي واقف جنبك ده وصلك لفين؟
برق أحمد بعينيه بصدmة لجراءة حوار عمران الوقح، ومع ذلك استطرد بعقلانية يتبـ.ـارك بها لذاتها: لما مشيت ورا عقلك والواد على هتتجوز وإنت على عتبة الخمسينات يا راجـ.ـل ولولا تدخلي كنت هتكتب كتابك بس على الحور العين أهو ربنا كان هيعوضك دنيا وأخرة على نزاهتك المبالغ فيها دي!
وأشار لذاته بعنجهية: وشوف بقى لما هتمشي ورا كلامي ونصايحي هوصلك فين.
وأشار ببده بعدmا خرجوا من المصعد، فاتبع إصبعه باب الجناح الخاص بغرفة فريدة هانم، ردد على بسخط: نفسي أرميك بنظرة قـ.ـا.تلة بس للأسف مش قادر ألفلك!
وتطلع لأحمد القريب منه يستأذنه: اديله بصة حمرا من بتاعت الشيطان دي يا عمي لما عضم الترياقة بتاعتي يفك!
لم يبخس شيئًا به، فمنحهما معًا نظرة مستحقرة، قبل أن يتجه للخارج بصمتٍ مخيف، جعل عمران يهمس بحيرةٍ وهو يتطلع لعلي المتعصب: اتقمص!
خرجت فطيمة تاركة مايا تصنع المشروبات، فوضعت الدورق الضخم بالبراد وما كادت بالاستقامة بوقفتها بعدmا انتهت من وضعه بالرف السفلي حتى شهقت فزعًا ورددت بصعوبة بالحديث: خضتني يا عمران!
طوفها بنظرة جريئة شملتها من الأعلى للأسفل، قبل أن يهمس بصوتٍ رخيم دافئ: سلمت حبيب عيوني وقلبي من الخضة، أيه يا وحش تأثيري عليك قلبك مش قده ولا أيه، إجمد كده!
رفرفت باهدابها بذهولٍ من طريقته تلك، ومع ذلك لم تهتم كثيرًا فهي تعلم بأن زوجها يحتل المرتبة الأولة بالوقاحة العالمية، لذا تحركت تعيد جذب الدورق الأخر لتعيده للبراد والاخر يستند على الحائط المجاور للبراد يراقبها بنظرة لم تكن عادية لها، ومع ذلك تجاهلته الا حينما طل من فوق باب البراد يسألها بصوت مغري: محتاجة مساعدة؟
إشرأبت بعنقها للأعلى لتجده يكاد يسقط باب البراد من فوق رأسها، فاستقامت بوقفتها تجيبه ببرودٌ: لا شكرًا خلصت كل حاجة، اطلع انت ريح برة لحد ما صحابك يوصلوا.
مال تجاهها بجسده يتساءل ببراءة وود: أنا خــــوفت أتعبك قولت أساعدك بأي حاجة، وعندي خــــوف تالت تكوني هنا وحيدة من غيري، طب بذمتك ينفع تكوني لوحدك وأنا موجود يا بيبي!
ارتبكت مايسان من طريقته الغامضة بالحديث، وكأنه يتعمد أن يجردها من برودتها التي تخفي من خلفها مشاعرها المتلهفة إليه، فتراجعت حتى قيدت الرخامة السوداء حركتها، فرددت بهمس مرتعش: في أيه يا عمران؟
نقل ذراعه الذي بات يستجيب لحركته نوعًا ما، ليقيد منفذ هروبها الوحيد، وابتسامته المسلية لا تترك شفتيه بينما رماديته تحاربها بكل قوة، وحروفه تخرج بطيئة مغرية لمسمعها: بأمانة كده أنا مش راضي عن وضعنا ده، يرضيكِ أبقى لبانة في بوق عمي وعلي. ها. يرضيكِ يا بيبي؟
ارتبكت عينيها وتهـ.ـر.بت من عينيه القريبة منها، فتابع بخبث: الحل إنك تيجي تنوري جناحي اليتيم، ده حتى مساعدة المريـ.ـض صدقة وأنا مريـ.ـض جدًا ومحتاج اهتمام منك.
وتابع مشيرًا ليده التي تقترب منها لتحاصرها: حتى شوفي ايدي!
اعتلت معالمها بغـــضــــب جعلتها تقذف وابل عصبيتها إليه: قول كده بقى، طيب بص يا حبيبي حكاية عمك وعلى والحوار ده سبق وفتحناه واتقفل، يعني الحوار ده مالوش سكة معايا!
تلاشى غـــضــــبها وحل محله الدهشة من ابتسامته الجذابة التي مازالت لم تتركه، بل ملامحه لم تتأثر بتاتًا بما قالت، بل انحنى يهمس لها: الجانب الايجابي إن لسانك نطق إني حبيبك، طب بذمتك في حبيب بيقسى على حبيبه كده يا بيبي؟!
أبعدته عنها وكادت بالفرار، فجذبها لمحلها مجددًا وهو يلتقط نفسًا مطولًا يجعله بملامح تتهييء لشيئًا جاديًا، فانصبت فيروزتها إليه تنتبه لما سيقول، فأتاها صوته الرخيم: بصراحة كده لما جيتيلي أوضتي امبـ.ـارح واتكلمنا وبتاع اكتشفت حاجة مهمة جدًا يا مايسان.
انتبهت إليه وقد جرى الحديث بجدية جعلتها تترك مزحه الثقيل جانبًا وتسأله: حاجة أيه؟
طرق بيده على الرخامة من خلفها بشكلٍ أفزعها: إني كنت مصلي لسه قيام الليل وربنا منزل على قلبي التقوى.
وانحنى لها مجددًا يغمز لها بوقاحته: أنا بقول عدي عليا النهاردة تاني يمكن شيطاني يكون حاضر ونرتكب معاصي!
استنزف داخلها كل محاولات صبرها، فدفعته بشراسة جعلت الادوات من خلفها تسقط أرضًا، وكادت بالتنحي جانبًا فتعركلت قدmيها بزجاجة الزيت من أسفل قدmيها، فاندفع ذراعه يضمها إليه هامسًا بسخرية: إسم الله والحارس الله يا بيبي.
اعتدلت بوقفتها ترمقه بازدراء، وصاحت: إنت مالك النهاردة من الصبح بيبي بيبي، حد قالك إني عيلة صغيرة!
ضحك وهذا استفزها، وخاصة حينما قال وهو يجيبها ببرود: إنتِ بـ.ـنتي أنا ومتزعليش يا ستي بـ.ـنت قلبي الكبيرة عشان متزعليش
وأخفض نبرة صوته يحطم كـبـــــريـاء أنثاها المتمردة، ساخرًا من حالهما: ولو كنتِ متعاونه كان ممكن أكون متفائل إن هيكون عندنا بيبي صغير بجد. فلحد ما ده يحصل هفلق دmاغك بكلمة بيبي اللي بتعصبك دي يا بيبي.
تهدل كتفيها بحـ.ـز.نٍ ويأسها يتراقص على ملامح وجهها من أمامه، ورددت بهدوء غريب بعد استسلامها لوقاحته ومزحه القـ.ـا.تل الذي لو استمر به لن تنجح بردعه: مش كنا اتفقنا يا عمران وكنت بقيت لطيف بكلامك معايا أيه حصلك فجأة النهاردة؟
ابتسم وهو يراقبها تشكوه لنفسه، وانحنى يهمس لها باغراء: عياري فلت بعد ما شوفتك بالقميص المحترم بتاع امبـ.ـارح!
وصاح متجهمًا: أنا واحد قاعد في حالي أشوف أكل عيشي، أتفاجئ بحورية داخلة تروضني عن آ،!
كممت فمه بيدها وعينيها تبرقان بصدmة، فاستدارت تبحث عن أحدٍ حولها قبل أن تصيح بانفعال: بسسس إنت أيه! بالع حبيتين جراءة على الصبح!
وبنظرة شاملة تساءلت: عمران إنت رجعت تشرب تاني؟!
هز رأسه ببراءة ومازالت تكمم فمه، فانتفضت فجأة حينما لثم باطن يدها، لتراقبه بذعرٍ بينما يستكمل هو طريق برائته متسائلًا بلهفة: مالك يا حبيبتي؟!
بقيت بتخشبية جسدها تبرق له بصدmة لايجاده تمثيل دوره التقديري لجائزة الأوسكار بالتمثيل، بينما تابع وهو يتفحصه بنظرة قلق: إنتِ تعبانه؟
هزت رأسها نافية ومازالت تتراجع حيث بامكانها الفرار من ذاك المنحرف الخطير، وبينما هي تتراجع قال ببسمة ماكرة: أجبلك كوباية مية تبلعي كلامي السم يا بيبي؟
هزت رأسها نافية، فابتسم بوادعة لطيبتها الغريبة وهدوء وقفتها، فتكرر وابل اسئلته: زعلانه مني؟
هزت رأسها توافقه حـ.ـز.نها منه، فعاد يتساءل بمكرٍ: بتحبيني؟
هزت رأسها موافقة حبها له، فتهللت أساريره وانحنى يطبع قبلة على خدها هامسًا بخبث: وأنا كمان بحبك يا بيبي.
كادت بأن تفر عدساتها من عينيها لفرط فتحهما، وبينما هي تراقبه بصدmة افاقت على حقيقة تبلد جسدها أمامه، فكانت تختبر مصارعة ما يعتري عقلها بتلك اللحظة، عينيها تجوب بالمطبخ وكأنها تبحث عن السكين لطـــعـــنه، فعادت تحوم من حولها الا أن اهتدت لشيءٍ أهم تمتلكه، وكان يدها الذي هوت لتمنحه صفعة رقيقة تناهز رقة أصابعها وصراخها العاصف يحيط بأذن ذاك الواقف على عتبة المطبخ يردد بتوسل: مايا اعمليلي قهوة، دmاغي من الصداع مش قا...
انقطع حديثه حينما رأها تهوى بصفعة على وجه أخيه وهي تصيح بوجهه بغـــضــــب: إنت وقح يا عمران!
وتركت المطبخ بأكمله وغادرت من امامهما، فاقترب منه على بصدmة ليجده يضم خده ببسمة خبيثة وهو يردد بالانجليزية: كان هذا قاسيًا يا رجل!
بينما تمرد لسان الاخير هاتفًا وعينيه تراقب زوجة أخيه التي تفر للخارج بعصبية الشياطين أكملها: إنت عملت أيه يلا!
تحلى بثباتٍ مخادع والتفت لعلي يردد بخشونة اعتلت نبرته: ولا حاجة.
ردد ساخرًا: ولا حاجة! دي إديتك كف خماسي الأبعاد.
اعتلى الضيق ملامحه وهتف بتأثر: آه خدت بالك من القلم، شرسة أوي بـ.ـنت خالتك دي بس على مين انا حبالي طويلة واتعودت أمشي بالطريق الطري لأخره، فإن شاء الله أجيب أخرها وأتمنى متجبش هي أخري ساعتها مش هيكون في مجال للوقاحة تاني يا دكتور علي!
واستند على الرخام يجبر قدmيه الثقيلة على الحركة وهو يتابع: يلا أسيبك تعملنا القهوة بقى، وابقى اعملي سندوتش كده عشان اعمر الطاسة الخربانه دي لاجل ما أفوق لفريدة هانم أرميها بجوازة عمك دي أهو أتسلى عليها قبل ما تتسلى على مراتك الغلبانة.
وتركه منصدm وكاد أن يتخطاه ولكنه عاد يخبره من جديد: آه افتكرت. اوعى تيجي قدام جمال أو يوسف وتشتكي من رقبتك، العيال دي لماحة وعقلها بيرمح ورا الخيل هيفهموا الليلة ووكستك السودة هتتفضح قدامهم.
ورفع يده يشـ.ـدد على كتفه وكأنه يواسيه: مهما كان انت أخويا وشكلك يهمني.
وتركه وغادر لباب المطبخ الهزاز وصاح قبل أن يختفي من أمامه: ابقى حط مخدة ورا رأسك، خليك ذكي ولماح!
وهز رأسه بسخط ومر يتحدث مع ذاته وصوته يصل لذاك المصعوق من أمر أخيه: محدش في البيت ده بيفكر بعقله، مصممين تفضحوا نفسكم سواء أخويا أو عمي الاتنين معاتيه!
واستطرد بحماس: اصبروا عليا بس، أنا قعدتلكم أهو لا شغلة ولا مشغلة!
اتجهت نظرات على المصدوم تجاه مايسان التي خرجت من الحمام المجاور للمطبخ فور تأكدها من مغادرته فاتجهت لتراقب على الذي مازال يحتضن رقبته باحراج لسماعها حديث عمران الاخير، فتصنعت انشغالها بصنع القهوة بينما ردد هو: ماله ده؟!
استدارت إليه بلهفة، وكأنه لقط الحديث على لسانها: معرفش والله من الصبح مش طبيعي.
وهدأت قليلًا تفكر بحديثه مع على ثم قالت: أنا سمعته بيقول إنه جايب عريس لفريدة هانم؟
هز رأسه يؤكد لها، فتابعت بتفكير: لو قالها دلوقتي هتقوم الحريقة وزمان أصحابه على وصول، إلحقه يا على واقنعه ميقولهاش حاجة الا بعد ما يمشوا.
حاول هز رقبته مجددًا فصرخ ألــمًا وصاح: آآآه. منك لله يا عمران.
وإتجه للخارج مضيفًا: اعملي قهوة يا مايا واعمليله يطفح بيقولك محتاج يتغذى قبل ما يشن الحرب!
بغرفة شمس.
لم تتمكن من النوم طيلة الليل تفكر بحديث آدهم المخيف، مازالت جملته عالقة بذهنها، وتحليلها يكمن بتعابيرٍ مقبضة تجعلها تخشى القادm، فإن لم يتمكن من الحصول على ذاك الملف قبل موعد تسليم الشحنة السامة لمصر وقتها ستضيع جهوده هباءًا وما يزيدها قلقًا تعرضه للخطر حينها لإن الشكوك برمتها ستصبح مسلطة عليه بعد ان تم كشف عملتين متتاليتين لراكان ومن خلفه بنفس الفترة التي تولى بها آدهم العمل معهم.
استحضرت حديثه أيضًا عن صعوبة اقتحامه لقصره وغرفته الخاصة بوقته الحالي لإنه لا يريد إثارة أي شكوك تجاهه هو وفؤاد وباقي فريقه بخضم لحظة اعدادهم للشحنة القادmة، فانتفضت عن فراشها تتجه لنافذتها وهي تعقد شالها الرقيق حول بيجامتها الستان الزرقاء لتهمس بخفوت: بس أنا أقدر أدخل قصر راكان بمتتهى السهولة ووقتها آدهم مش هيتأذى!
انتهت فطيمة من تبديل ملابسها المتسخة بفستانٍ رمادي اللون يعلوه حجابًا أسود، فكانت رقيقة بملامح وجهها الهادئ، اتجهت للأسفل فما ان انتهت من الدرج وصولًا للطابق الأول حتى صعقت باتجاه فريدة للهبوط هي الاخرى، كادت بالتراجع للأعلى أوالاتجاه للمصعد، ولكنها توقفت رغمًا عنها حينما عقدت فريدة ذراعيها أمام صدرها وتساءلت بحدة: جوابك موصلنيش يعني؟
ابتلعت ريقها بصعوبة وحاولت أن تتسم بهدوئها، تخشى أن يهاجمها الاغماء أو التشنجات الغريبة، فقطعت فريدة صمتها حينما دنت لتصبح قبالتها تردد وعينيها الزرقاء لا تترك غنيمتها: لو المبلغ قليل ممكن نزوده المهم إننا نوصل لكلام نهائي بالموضوع ده.
أجلت فاطمة صوتها أخيرًا وبالرغم من اختفاء الكلمـ.ـا.ت من حلقها الا أنها قالت: أنا مش عارفة ليه حضرتك مصممة إني وافقت أتجوز دكتور على علشان فلوسه، أنا مكنتش أعرف حاجة عن عيلته ولا أملاكه.
ورفعت عينيها لها تترجاها بحـ.ـز.ن: من فضلك سبيني في حالي، أنا معنديش أستعداد أخوض حرب جديدة زيادة على حروبي، صدقيني أنا بتمنى أن يكون بينا حب واحترام وبحاول من دلوقتي تكون العلاقة بينا كويسة بس حضرتك اللي مش مدياني فرصة.
ضحكت بصوتٍ أثار قلق فاطمة، فراقبتها بتـ.ـو.تر وخاصة حينما رددت بتريثٍ: قولتلك قبل كده إن الأفلام الهندية دي مبتدخلش عليا.
وتابعت بنظرة صارمة مخيفة: خليكي فاكرة إني كلمتك بالحسنى وعرضت عليكي تبعدي عن على وإنتِ كسبانه مبلغ محترم، لإن اللي جايلك فيه خسارة وهتخرجي منه بطولك لا معاكي على ولا فلوسه.
وتركتها مصدومة وهبطت للأسفل، متجهة لأحمد وعمران الذي يقبض كلمـ.ـا.ته بعد تنبيهات على بذلك، فرددت بازدراء وهي تتابع ابتسامة أحمد المؤكدة على حديث الأمس: مساء الخير.
رفع عمران عينه عن هاتفه يجيبها بابتسامة واسعة: مساء الجمال والورد يا فريدة هانم، أول مرة يعني تنزلي من فوق الساعة واحدة الظهر، خير؟
ارتبكت نظراتها الموجهة لأحمد المبتسم بانتصار لرؤية النوم يفارق عينيها لتأثر حديثهما، فقالت بتـ.ـو.تر: آآ، أنا، آآ.
اهتدى عقلها كونها الهانم هنا وهو الابن لذا قلبت الآية حينما صرخت باندفاع: هو انت بتسألني بأي حق! ثم إنك يهمك في أيه أقوم بدري ولا متأخر ما أنت مظبط عزومتك ومرتب كل حاجة بدون ما ترجعلي أو حتى تأخد رأيي!
إلتهم عمران الشطائر التي أعدتها له زوجته بنهمٍ، وقال وهو يلوكها بتلذذ: محبتش أزعجك معانا بالأكل الدسم اللي هيتعمل ده أنا حتى خصصت الشيف يعملك Healthy food (أكل صحي) عشان وزنك الرشيق ده اللي عيشتي تحافظي عليه لابن الحلال اللي يستاهلك والحمد لله لقيته واتقدmلك وأنا وفقت.
طرق على بيديه فوق رأسه بصدmة مما يتفوه به أخيه، بينما حدجته فريدة بغـــضــــب ثائر: إنت بتقول أيه!
هز رأسه موكدًا على ما يقول: بقول جايلك عريس لقطة مـ.ـيـ.ـترفضش.
احتدت نظراتها وكادت بقــ,تــله، فأسرع على بالتدخل قائلًا وهو يغتصب ابتسامة زائفة: متخديش على كلامه يا فريدة هانم، هو شكله كده السم اللي شربه عامل معاه مفعول.
هز رأسه رافضًا لحديث أخيه وتابع مشيرًا على أحمد الذي يتابع ما يحدث بابتسامة هادئة: مش صحيح أنا بعقلي، حتى إسالي أنكل أحمد سالم الغرباوي لقيتله حتة عروسة طلقة روسية هنروح بعد الغدا نطلبهاله مع إنه مصمم إنه هيتجوز واحدة تانية أخر الشهر بس أنا عايز أكافئه الراجـ.ـل زاهد في جنس الستات وصبره يستحق المكافآة، يدلع نفسه بالاتنين دول ولو عايز يتجوز أربعة معنديش مانع، إنت عندك مانع يا أحمد يا ابني؟
هز أحمد رأسه نافيًا متبعًا نفس طريق عمران بالاعتراض والموافقة، فاتخذت فريدة عينيها مدفعًا يتقمصه فأشار بكتفيه ببراءة وهو يدلي بشفتيه وكأنه مغـ.ـصو.ب على تلك الزيجة وحديث ذاك العمران الأبله!
لأول مرة يعجز لسان فريدة هانم عن الحديث، وزعت نظراتها بينهما بحيرة وجدها أحمد كسطوح الشمس، وقد كان مندهشًا لاستجابتها لطريقة عمران الغـ.ـبـ.ـية ولكن عليه الاعتراف هذا الوقح يجيد التعامل مع صنف النساء وكأنه كان الزير المجنح للعائلة على مر العهود!
تحررت عن صمتها ذاك حينما صاحت بعصبية: عريس أيه وعروسة أيه، عمران بطل إسلوبك المستفز ده وإتكلم عدل والا مش هيحصلك طيب.
كاد بأن يتحدث فقاطعه الخادm الذي أتى يخبرهم: لقد وصل السيد يوسف والسيد جمال سيدي.
أشار له بعصبية وهو يعتدل بجلسته: أيها الأبله هل تأتي لتخبرني وتتركهم بالخارج.
عاد الخادm يرحب بضيوف عمران بالداخل، فقابلتهم فريدة ببسمة صافية بالنهاية يوسف وجمال من الشخصيات التي تجبر من أمامها الانحناء وقارًا لهم.
أشار أحمد لهم بترحاب: يا أهلًا وسهلًا بالغاليين، اتفضلوا.
ولج يوسف برفقة زوجته وجمال يلتقط يد صبا التي تخطو للداخل بـ.ـارهاق يوجهها منذ الصباح حتى أنها كانت ترفض الحضور ولكن جمال أصر عليها، انسحبت فريدة للخارج تاركة له مساحة الجلوس برفقتهم واتبعها أحمد دون ان يلاحظهما أحدٌ.
هبطت مايسان للأسفل ترتدي فستان من اللون السماوي وحجابًا أبيض جعل وجهها ينير كالبدر، فولجت للداخل تردد على استحياء: السلام عليكم.
اجابوها جميعًا بصدر رحب، وقد افتقدوا لتلك التحية الاسلامية التي باتت مهجورة بتلك البلاد، فاقتربت من ليلى وصبا قائلة بحبور: كان نفسي اتعرف عليكم من زمان وأخيرًا جت الفرصة.
ضمتها ليلى بحبٍ، قائلة: سبق وقابلتك بس كان وقتها كنتِ مشغولة مع البشمهندس، ربنا يكمل شفاه على خير.
آمنت على حديثها واقتربت من صبا تتبادل الاحضان معها، قائلة بلباقة: أيه الجمال ده كله، ما شاء الله إسم على مسمى يا صبا.
ضرم وجهها حمرة الخجل، وبادلتها ببسمة رقيقة: انتِ اللي زي القمر اللهم بـ.ـارك.
أتاهم صوت مشاكس يؤكد لهم: القمر لما بيشوفها بيقوم ويشاورلها تقعد مكانه.
ضحك جمال يشاكسه: ما تفكك من جو سي كاظم ده وقوم استعجلنا الأكل لحسن أنا جاي واقع.
لكزه عمران بغـــضــــب: إنت جاي من بيتك طفس يا جدع، ما تهدأ علينا شوية.
ضحك يوسف عليهما واستشهد بعلي: عجبك كده يا دكتور علي، اخوك بيتوقح علينا من أولها يرضيك.
حاول جاهدًا أن يلتف إليه، فعاد يتطلع أمامه وهو يعتصر شفتيه ألــمًا قائلًا: فكك منه يا دكتور يوسف وتعالى نلعب طاولة زي زمان.
ضيق عينيه بدهشة، وسأله بدهشة: مال رقبتك يا علي؟
كاد بأن يبحث عن حجة قوية تحجبه عن ذكاء طيبيًا قد يكشف جميع حججه، فتنهد عمران قائلًا بحـ.ـز.ن جعل الجميع يتأثر به: أخويا مفيش أطيب من قلبه، شافني نايم طول الليل تعبان رايح جاي على السرير بنازع جاب كرسي ونام جنبي من كتر خــــوفه عليا لأقع من السرير وينكـ.ـسر ضلعي اللمين هو كمان.
هزت الفتيات رؤؤسهم بحـ.ـز.ن، بينما كبت جمال ويوسف ضحكاتهما مما جعل على يكز على أسنانه هادرًا: اصبر عليا، وربي لأعيد تربيتك من أول وجديد.
أشار بصدmة وهو يهمس له بصوتٍ مسموع للرجـ.ـال: عملت أيه بنقذ رجولتك المهدورة يا غـ.ـبـ.ـي!
صعد يوسف من بينهما فقد كان يجلس بمنتصف الاريكة بينهما: البنات قاعدين بلاش فضايح!
انتبه على إلى ليلى التي سألته بابتسامة هادئة: أمال فين مراتك يا دكتور علي؟
حين تذكرها بحث بالردهة بحثًا عنها، فتابعت ليلى بمزح: هتخبيها عننا ليوم الحفلة ولا أيه؟
رد عليها بابتسامة صغيرة: لا أبدًا، كانت هنا من شوية.
ورفع صوته عاليًا: فاطيما.
سمعت لصوته المنادي، ففركت يدها بتـ.ـو.تر، كانت تظن بأن الامر لا يخصها فستكتفي بجلوسها بالمطبخ تعاون مايا بتسخين الطعام ففاجئها على بنادئه.
خرجت تتجه للصالون وهي تجاهد لتهدئة انفعالاتها ورسم ابتسامة صغيرة، فما أن رآها على تقترب حتى نهض ليتبع خطواتها البطيئة ليعرفها بمن أمامها قائلًا: ده البشمهندس جمال وده دكتور يوسف أصحابي أنا وعمران يا فاطيما.
ارتبكت للغاية بالبقاء بمكان يحوي ثلاث من الشباب لا تعرف الا عمران من بينهم، فتبلدت بوقفتها ورغمًا عنها تشبثت بجاكيت على بشكل جعل يوسف يتابعها بنظرة دقيقة قادرة على تحليل حالتها باجتيازٍ وادهشه الأمر حقًا، أيعقل أن يرتبط على بفتاة على ما بدى له تحمل مرضًا نفسيًا ظاهرًا على ارتباكها وضم أصابعها بطريقة يعلمها جيدًا كطبيب.
مد جمال يده لها بابتسامة هادئة: أهلًا مدام فاطيما، وألف مبروك مقدmًا.
راقبت يده الممدودة برجفة سرت بجسدها، وعينيها معلقة على كفه الممدود بحرجٍ، فأسرع على برد الحرج عنها وعن جمال حينما صافحه وهو يضيف مازحًا: فاطيما متدينة شوية، لكن انا منحرف وبسلم عادي.
تعالت الضحكات فيما بينهم على عكس تعابير يوسف الجـ.ـا.مدة، فخطى بها على تجاه الفتيات ليشير لمايا بتحمل هي أمر تعارفها بهم، وقال بلباقة لمعرفته بأنها لن ترتاح بالجلوس هنا: مايا خدي فاطيما ودكتورة ليلى ومدام صبا الحديقة الخارجية المنظر من هناك هيعجبهم جدًا.
تفهمت اشارته ونهضت على الفور: أيوه المنظر من هناك تحفة وهنكون على راحتنا أكتر. اتفضلوا.
وبالفعل انسحبوا معًا للطاولة الخارجية، فبدأت فاطمة بالتعرف على ليلى وصبا وكذلك فعلت مايا ولكنها لازمت صبا لتستدرجها لأمر العمل بالشركة.
ضحكت ليلى وهي تتابع صبا التي قالت بمزح: يا ريتني مشيت ورا جمال من زمان وعرفت إن ليه أصحاب علشان نتجمع التجمع اللطيف ده وأتعرف عليكم، أنا من وقت ما جيت هنا وأنا لوحدي.
ردت عليها مايسان بتهكمٍ: ما أنا أهو بشتغل بالشركة مع عمران وحاسة إني لوحدي بردو كل اللي حوليا هناك أجانب ومفيش غير كام موظف مصريين بس رجـ.ـا.لة مفيش بنات، عشان كده أنا مش هتنازل عنك يا صبا، هخلي عمران يكلم البشمهندس جمال وتنزلي تشتغلي معايا أنا محتاجة لواحدة بمؤهلك ده جدًا.
ابتهجت معالم وجهها الأبيض، ورددت بعدm تصديق: بجد يا مايسان، يا ريت والله نفسي أخرج من البيت وأخد على البلد هنا.
وتلاشت ابتسامتها وهي تقول عابثة: بس أعتقد إنه مش هيوافق لإني حامل.
ردت عليها ليلى ببسمة رقيقة: وفيها أيه يا صبا هو إنتِ راحة تهدي حجارة، أنتِ هيكونلك مكتب وشغلك كله حسابات يعني راحة جدًا ومش خطر عليكي.
تحمست مجددًا وقالت لمايسان: خلاص يا مايا قوليله يكلمه ويا رب يوافق.
هزت رأسها بتأكيد، فقطعت ليلى الصمت حينما وجهت حديثها لتلك الصامتة منذ لحظة جلوسهم: وإنتِ يا فاطمة مؤهلك أيه وبتشتغلي ولا لأ؟
رفعت عينيها إليهم بحرجٍ لمسته مايسان فكادت بالتدخل نيابة عنها ولكنها وجدتها تبلغها: أنا مقدرتش أكمل تعليمي، يعني كنت مخطوبة قبل كده وكنت بحب خطيبي فمدخلتش الجامعة وأكتفيت باللي وصلتله عشان أكون معاه.
وبامتعاض استرسلت: بس محصلش نصيب، نصيبي كان هنا مع دكتور علي.
ابتسمت صبا وهتفت بتأثر: سبحان الله، ربنا يفرحك يا حبيبتي ويجعله العوض ليكي عن كل اللي شوفتيه.
ابتسمت بسعادة وقالت: يا ررب، تسلمي.
كان يتبعها للخارج حينما تسلل لهاتفه رسالة عمران النصية
«اتقل متدلقش وراها كده، خليك زي بذر الخوخ لما بيقف في الزور»
زم شفتيه ساخرًا وغير اتجاهه لمكتب المنزل، هاتفًا لذاته: والله عال أحمد الغرباوي بقى ماشي ورا كلام العيال!
وإتجه للمقعد الرئيسي يجذب حاسوبه ليتابع العمل هامسًا ببسمة تسلية: وماله خلينا وراه لما نشوف أخرتها آ...
ما كاد باستكمال كلمـ.ـا.ته حينما وجدها هي من تلحق به، فولجت للداخل تصيح به: عروسة إيه اللي هتخلي ابني أنا يروح يطلبهالك يا أحمد باشا، روح اتجوز اللي تتجوزها بعيد عني أنا وأولادي سامعني!
اتسعت ابتسامته وإلتحف بالبرود يخبرها: حاضر، هروح لوحدي.
وعاد يستكمل عمله، وحينما وجدها مازالت تقف أمامه رفع عينيه يتساءل بنفس ذات البراءة الخاصة بعمران الذي بات معلمه الذكي: في حاجة تانية يا مرات أخويا؟
سحبت شيطانيها وغادرت المكتب صافقة الباب من خلفها بقوة كادت باطاحة زجاجه الباهظ، فاعتلى ثغره ابتسامة جذابة وهو يهز مقعده باستمتاعٍ.
بالخارج.
دmغ يوسف يديه بزيت الزيتون الساخن الذي أحضره له الخادm بناء على طلبه يدلك رقبة على الذي هتف باسترخاء: الله عليك يا جو، اضغط بقوتك على الجنب ده ربنا يراضيك.
انصاع له يوسف مرددًا بسخرية: وماله يا حبيبي، دكتور يوسف لعلاج قفشات العظام تحت أمرك.
كتم جمال ضحكته بصعوبة وقال بخبث: يوسف بعد الليلة دي عايزك تفتح العيادة تكشف على صبا مش عارف مالها من الصبح كده دايخة وتعبانه.
استدار إليه يمنحه نظرة محتقنة قبل أن يسحبها لعمران المسترخي أمام الشاشة يتناول مكـ.ـسرات بتسلية: مش عايزني أكشفلك على حاجة إنت كمان؟
قال وهو يشير لقدmيه بتعب: رجلي بتنقح عليا يا جو والله خلص أبو على وتعالى دلكلي رجلي بالزيت يمكن ربنا يجعل في وشك القبول وأقف عليها بقدرة قادر.
التفت يوسف حوله ثم تحرر صوته المحتقن: لو مكنتش عامل احترام لوالدتك وعمك كنت قولتلك لفظ من إياهم عارفهم؟
ضحك عمران بصوته كله حتى كاد بأن يقــ,تــل من سعاله لتوقف التسالي بحلقه، بينما تساءل على بدهشة: لفظ أيه ده؟
ضحك جمال وهو يشير له: بلاش يا دكتور على إنت محترم وابن ناس.
صدح رنين هاتف يوسف الموضوع على الأريكة، فجذب المنشفة يجفف يده ثم رفع الهاتف يجيب: أيوه يا سيف.
تجهمت معالمه بصورة ملحوظة لجمال وعمران الذي تساءل فور اغلاق هاتفه: في أيه يا يوسف؟
جذب مفاتيح سيارته وهو يشير لجمال قائلًا: مفيش حاجة نص ساعة وراجعين، سيف بس في مشكلة صغيرة هنحلها ونرجع.
اشارة يوسف لجمال فهمها عمران جيدًا، فرفع ذراعيه لهم قائلًا باصرارٍ: معاكم. رجلي على رجليكم في الطالعة دي، أنا مش متنازل سامعين!
انتصب على بوقفته يتساءل بقلق: طالعة أيه؟ هو في أيه يا يوسف؟
رد عليه سريعًا: مفيش يا دكتور علي، أخوك دmه يلطش بس مش مصدق.
وضغط على شفتيه لعمران يشير له بالصمت، بينما انحنى جمال يساعده لتأكدهما بأنه لن يتركهما بالساهل، فعاونه يوسف من الجهة الاخرى، فالتف لعلي قائلًا بمرح: قولهم يجهزوا الأكل عما نرجع.
راقبهم باستغراب، وعاد يتسطح محله بهدوء وكأنهم نسمة عبرت بطريقها للخلاص.
بسيارة جمال.
صاح يوسف بعصبية لمن يغفو بالمقعد الخلفي: مش عارف لزمتك أيه، كنا هنخلص أنا وجمال الحوار ونرجع!
اجابه وهو يجتهد بوضع ساقًا فوق الأخر: لا إنت ولا هو هتقدروا تخلصوا الليلة، أنا معايا كورس في التربية ياض.
وتساءل باهتمام: المهم هو الواد اللي بيروق أخوك ده هو نفسه الواد المصري الملزق اللي ساكن في الدور اللي فوقه وكان بيشتكي منه قبل كده.
هز يوسف رأسه بتأكيدٍ، ففرك عمران يديه وهو يهمس ببسمة شيطانية: فرجت، عضلات إيدي نقحة عليا من يوم ما نمت بالسرير.
رد عليه جمال ساخرًا: يا حبيبي إنت مش شايف نفسك، احنا مساندينك للعربية يا عمران هتتعارك مع الواد ازاي بس!
اشرأب بعنقه يعنفه بغـــضــــب: إنت مال أمك إنت يا جمال، وديني للواد ده وسيبني أتعامل.
جحظت عين جمال من لفظه الوقح، فمرر يوسف يده على وجهه وهو يهمس لجمال: حقك عليا أنا، متعصبش عمران لما بيتعصب بيبقى وقح سوق واستهدا بالله خلينا نلحق الواد قبل ما نوصل نلاقيه جثة.
التقط شهيق قويًا ولفظه زفيرًا أقوى، فقاد بأقصى سرعته حتى وصل للعمارة، فلمحوا سيف يتأوه أرضًا وذاك الشاب الذي يتبختر بعضلات جسده يكيل له الركلات، فاندفع جمال ويوسف خارج السيارة بسرعة جعلت عمران يخرج رأسه من النافذة هادرًا بانفعال حازم وهو يصوب سلاحه تجاههما: أقسم بالله لو خطيتوا خطوة واحدة كمان لأطلق رصاصي عليكم، قولتلكم الواد الممحون ده قتيلي النهاردة، ارجعوا كده لعقلكم وساندوني أوصله!
تبادل جمال مع يوسف النظرات والاخر يتطلع لاخيه بقلق، فأسرعوا للسيارة يفتحوا بابها، ليسانده جمال من جهة ويوسف من جهة أخرى، وما أن اقتربوا منهما حتى اندفع يوسف لاخيه يعاونه على الوقوف بينما يساند جمال عمران، فحاوطوا ذاك النذل الذي ضحك مستهزءً: ده أخوك اللي كلمته تتحامى فيه يالا.
نهض يوسف قبالته يصيح بانفعال: إنت فاكر إنها سايبة ومفيش قانون أقدر أحبسك بيه وآ.
دفعه عمران للخلف بغـــضــــب: ريح إنت يا دكتور يا محترم سبلي أنا الردح.
ووقف قبالته مستندًا على جمال بكتفه الأيسر، فضحك الشاب قائلًا: انتوا جايبنلي واحد مشلول يأخد بحقه!
ابتسم عمران بثقة جعلت الاخير يتابعه بسخرية، فسأله عمران: سمعت عن عمران سالم الغرباوي يالا؟
هز رأسه مستهزءًا، فاتسعت بسمة عمران وتابع: حظك يا روح أمك إنك هتشوفه وش لوش.
وضـ.ـر.به برأسه ضـ.ـر.بة جعلت الاخير يترنح للخلف من شـ.ـدة الضـ.ـر.بة التي تلاقها من رأس عمران، فكاد بالسقوط أرضًا متعثرًا، فأشار ليوسف: أمسك الحلوة دي وقربهالي يا دكتور.
كبت يوسف ضحكاته بصعوبة، وبالفعل جذبه ليدفعه تجاه عمران الذي يشير لجمال الضاحك: امسكني حلو لحسن الشلل ده رعاش ممكن أجيب شمال.
بينما عاد يقابل ذاك الذي يرى عمران أربعة اشخاص تتراقص من أمامه، فقال ببسمة هادئة: قولي يا حيلة أمك، أبوك بيشتغل أيه؟
بدى متحيرًا وكأنه فقد الذاكرة، فردد جمال بدهشة؛
مالك بأبوه يا عمران؟
تطلع جواره بجيبه: عايزينه يلم بـ.ـنته اللي فارضة عضلاتها تغري الاجانب هنا، ما هنا سبحان الله بيقدروا الستات والرجـ.ـا.لة ال.
برق يوسف بعينيه وهو يتابع أخيه يتأمل عمران بصدmة، وكأنه يرى شخصًا يراه لأول مرة، فقد سبق ليوسف وجمال مشاهدة جزء من خروج ذاك المعتوه عن رزانته، بينما استرسل عمران قائلًا: انتي مكسوفة تقولي شغلانة أبوكي يا عسلية، أنا هنوب شرف المهمة دي، عارف يا سيفو شارع الهرم، أبوه بيلم النقطة من ورا العالمة كل يوم راجـ.ـل مكافح وشهم بيكافح عشان يربي البقف اللي جاي يفرد علينا عضلاته.
جحظت عين الشاب صدmة، فتابع عمران ضاحكًا: ياض ميغركش البدلة الشيك اللي أنا لبسها دي، أنا أصلًا من العتبة يا حيلتها.
وسدد له لكمة قوية أطاحته أرضًا بقوة، فأشار ليوسف: قوم نوسة يا دكتور. وسندهالي.
جذبه يوسف إليه مجددًا، واقترب يهمس له: خلاص كده يا عمران الواد اتربى وأخد الكورس كامل، بلاش نلم علينا السكان.
لكزه ليعود تجاه سيف مجددًا: ريح إنت.
وأشار لمن جواره: تكة لمين شوية يا جيمس، مش طايله يا جدع!
هز رأسه بضحكات صاخبة، فاتجه عمران ليجذب الاخير من تلباب ملابسه ليصبح أمام رماديته الحارقة وتلك المرة كان جادًا غامضًا: اسمعني بروح أمك احنا هنا من لما كنت لسه بتعملها على روحك، فمش هتيجي على أخر الزمن تعمل علينا بلطجي في مكانا، دكتور سيف من هنا ورايح لما تشوفه تضـ.ـر.بله تعظيم سلام ولو طولت تحوض من الحيط عشان متتقابلش معاه هتعملها ده لو مش عايز تشوف واحد وقح وقادر يكـ.ـسرك إسمه عمران سالم الغرباوي، وصلت يا نوسة ولا نسف الشريط تاني بس خد بالك المرة الجاية هتلاقيني واقف على رجلي من غير ما حد يسندني وتخيل بقى هيحصل فيك أيه وقتها!
هز رأسه بـ.ـارتعاب فإن كان لا يمتلك نصف الاخر وفعل ذلك ماذا سيتمكن من فعله، دفعه عمران للخلف بشراسة جعلته يهرول لداخل المبنى وكأنه كان يقابل شبحًا لعينًا منذ قليل.
استدار يشير ليوسف: يالا يا جو هات دكتور سيف وبينا الأكل هيبرد
ابتلع سيف ريقه بصعوبة بالغة، ومال يهمس ليوسف: مين ده؟!
تنحنح الاخير وهو يكبت ضحكاته: بشمهندس عمران صاحبنا بس بعد عنك وقت ما بيلاقي خناقة بيقلب على بلطجي من نزلة السمان!
هز رأسه متفهمًا وعاد يهمس: أنا خــــوفت.
عدل يوسف من نظارة أخيه التي كادت بالسقوط هامسًا بضحكة: لازم تخاف، وبعدين الراجـ.ـل وجب معاك وهو متدشمل!
وتابع ضاحكًا: والحـ.ـيو.ان ده ابن حلال ويستاهل ما المرة اللي فاتت لما ضـ.ـر.بك كلمناه أنا وجمال بالعقل ولا عمل أي اعتبـ.ـار لينا وضـ.ـر.بك تاني، بعد اللي عمران عمله وقاله معتش هتلمح طيفه اسمع مني.
تعصبت ملامح سيف، وهتفت بانفعال: متقولش ضـ.ـر.بك دي، أنا كنت هعلم عليه بس احتارت وملقتش زواية.
منحه نظرة ساخرة وهدر: عندك حق الواد كله زوايا وانحناءات!
طرق الباب وحينما استمع لاذن الدخول ولج للداخل يبحث عنها، فإتجه للطاولة التي تحتل مقعدها، فقال بنظرة عميقة: ممكن تسمعيني؟
اعتدلت فريدة بجلستها وأصغت لمن يجلس قبالتها باهتمام، فقال بعد أن أطال بنظره لها: مجاش الوقت اللي تفكري في نفسك يا أمي؟ خلاص احنا كبرنا ومبقناش العيال الصغيرة اللي تخافي تسبيهم وراكِ، بقينا رجـ.ـا.لة وفاهمين وواعين وعمرنا ما هنقف في طريقك وخصوصًا بعد الظلم اللي حصل زمان بينك وبين آآ، آآ، عمي، جيه الوقت اللي تختاري الحبيب اللي هجر قلبك طول السنين اللي فاتت دي!
↚صدmتها بتلك اللحظة كادت أن تجعلها عاجزة عن الحديث، لم يكن بأوسع مخيلاتها أن ينكشف أمر حبها لأحدٍ من أبناءها، أبقته سرًا حربيًا لا ينفك لأحدٌ معرفته، تماسكت فريدة بثباتها ورددت متصنعة عدm الفهم: إنت تقصد أيه بكلامك ده يا علي؟
منحها نظرة دافئة طويلة، قبل أن يجيبها بحروفٍ عميقة: ماما أنا عارف بقصة الحب اللي كانت بينك وبين عمي.
رمشت بعينيها بدهشةٍ، وبدت حائرة بما يتوجب قوله بتلك اللحظة، فقالت بشكٍ: هو اللي قالك صح؟
هز رأسه ينفي عن عمه تلك التهمة، وقال: مقاليش حاجة، يا ريته كان عملها يمكن الفراق ما بينكم مكنش هيوصل لكل السنين دي.
أخفضت عينيها أرضًا حرجًا، بالعادة تجلس الأم برفقة ابنها تحاول اقناعه بالزواج من فتاة يحبها، والآن تجد وضعًا غريبًا لا تعلم كيف ستتعامل معه، ابنها يطالبها بالزواج وخوض حياة حرمت ذاتها منها منذ سنواتٍ.
أجلى صوته الخشن: متفكريش فينا احنا خلاص كبرنا وبقينا رجـ.ـا.لة، فكري بنفسك لو مرة، فكري بالسنين اللي قضتيها وإنتِ بعيدة عنه، كفايا تو.جـ.ـعي قلبك المجبور على الفراق.
أطلت له بنظرة تحوم بعينيها الغائرة، مرددة بصوتٍ يحتقن البكاء به: تفتكر إنه يستاهل إني أعمل كده بعد ما اتخلى عني يا علي؟
سحب دفعة من الهواء وأخرجها ببطءٍ، إن أخبرها الحقيقة التي أمنها له أحمد لكانت تعلم بأنها ارتكبت خطأ تنـ.ـد.م لاجله ما بقى من عمرها، ولكنه إستئمنه عليه لذا قال بنبرته الدافئة: أنا مش عارف هو أيه اللي، خلاه يعمل كده بس اللي واثق منه إنه لو مكنش بيحبك حب جنوني مكنش فضل من غير جواز بعد السنين دي كلها ومازال مصر إنه يتجوز حضرتك.
نهضت فريدة عن مقعدها واتجهت للشرفة تتهرب من نظرات على وصمتها يطول بها دون محالة، وبعد فترة صمتها أتاه صوتها المرتبك: صعب يا علي، هقول لعمران وشمس أيه؟، بدل ما أفكر بتحضرات جوازة بـ.ـنتي أحضر لجوازي!
لحق بها والابتسامة لا تفارقه، فوقف جوارها يمنحها نظرة حنونة: عمران عارف وموافق، أما بالنسبة لشمس فأعتقد مش هيكون عندها أي مشاكل لانها بتحب أنكل أحمد وهتتقبله بينا لإن ده مكانه اللي يستحقه.
بدت حائرة لا تعلم ما ستقوله، فوجدته يجذبها إلى صدره يحتوبها كأنها ابـ.ـنته الصغيرة، غاصت بين جسده ولا أحدٌ يصدق بأنها والدته، فتعلقت به وهمست إليه: ربنا ما يحرمني منك يا علي، إنت ابني وأخويا وصديقي وكل شيء بمتلكه في الدنيا.
ابتسم بسعادة تلاشت حينما استكملت بمكر: لو بس تسمع كلامي وتسيبك من الجوازة دي وآآ.
قاطعها حينما رفع وجهها إليه يخبرها بشيءٍ أقرب للتوسل: علشان خاطري بلاش تضغطي عليا، ماما أنا بحبها، وحابب أقضي عمري كله معاها، شايفها زوجة وأم أولادي، من فضلك يا ريت تتقبلي ده.
علمت بأنهة تنساق خلف حائط موصود، فتنهدت بيأسٍ واستدارت توليه ظهرها، فقال بتهذبٍ: هسيبك تفكري في كلامي كويس وهنزل أشوف عمران.
وتركها وهبط للأسفل، بينما بقيت هي بالشرفة تفكر جديًا بحديثه وبكل حرف قاله لها، لا تنكر بأن معرفة على وعمران بالأمر قد أراح قلبها وخلصها من عوائق منتصف الطريق ولكن الأمر مازال يحتاج منها تفكيرًا ممهدًا.
بالأسفل.
اجتمع الشباب حول مائدة الطعام، بعدmا انتهت فاطمة ومايسان من تحضير السفرة، وصنع سفرة أخرى باحد الغرف للسيدات بناء على طلب على الذي يفضل أن لا يحدث اختلاط بالجلوس بين الرجـ.ـال والسيدات، وسرعان ما انضم لاصدقاء عمران وبدأ بالترحيب بشقيق يوسف بتهذبٍ: يا أهلًا بالدكتور سيف المجتهد، نورت البيت كله والله.
منحه سيف ابتسامة هادئة بعدmا رفع بصره عن طبق الطعام من أمامه، فتلاشت ابتسامة على وراح يتساءل بدهشةٍ: أيه اللي في وشك ده؟
سعل عمران حينما توقف الطعام بجوفه لعلمه بأن ذاك المعتوه سيفـ.ـضـ.ـح أمره لاخيه ولعمه الذي يترأس طاولة الطعام، فقال: بعد عنك يا على دخل فيه تور طايح أصله كان جرفات أحمر، شكله كان بيحتفل بعيد الحب مع خواجية الخلبوص.
جحظت عين سيف بصدmة من تحليل عمران السريع والكاذب، فاستدار لاخيه الذي همس له وهو يحسس على ظهره كأنه يراود طفل صغير: عديها عشان خاطري.
كبت جمال ضحكة كادت بالافلات منه، وتنحنح بخشونة: الأكل طعمه رائع، شكلنا هنتعود على العزايم اللي من النوع ده.
ابتسم له أحمد، وقال بمحبة كبيرة يكنها لهم: البيت بيتك يا بشمهندس تنور بأي وقت.
بالرغم من محاولة جمال الناجحة لتغير مسار الحديث بين على وسيف، الا أنه لم ينجح باقماع على الذي عاد متسائلًا بشك: لما خرجتوا تجروا من شوية كنتوا فين؟
كاد عمران أن يختلق كذبة جديدة، فأوقفه سيف بضيق: كنت بتخانق مع بني آدm مستفز وأخوك جيه رباه.
واستدار تجاه أخيه الذي لطم فمه بغـــضــــب، هامسًا بضجر: متعودتش أكذب أنا! وصاحبك ده فشار درجة أولى.
جحظت أعين على بصدmة، وانتصبت كامل نظراته لاخيه هاتفًا بغـــضــــب: تاني يا عمران؟
منح عمران سيف نظرة ساخطة، وصاح بعدها بغـ.ـيظ: متشكرين يا دكتور سيف، طول عمرك ذوق وصاحب واجب.
واستطرد بسخرية وهو يكاد يتخطى جمال ليصل إليه: بقى أنا أنقذت حياتك من الجحش اللي كنت عالق معاه وأخرتها جاي تبلغ عني، ايش حال ما كنا جايبنك من تحت رجليه بترفرف زي الدبيحة اللي مستنية الفرج!
جذب أحمد المنديل الورقي يزيح بقايا الطعام، وقال بخشونة: مش مهم اللي حصل المهم إنكم بخير، بس خدوا بالكم بعد كده عشان ميحصلش لحد منكم مشاكل، متنسوش إننا مش في بلدنا وهنا مبيصدقوا يمسكوا أي غلطة على أي واحد عربي.
وأبعد مقعده عن الطاولة ثم استأذن بلباقة وابتسامة لا تفارقه: أنا هدخل أكمل شغل، سفرة دايمة بينا بإذن الله، عن إذنكم.
رد عليه يوسف بمحبة: اتفضل يا عمي.
إتجه أحمد للمكتب القريب منهم، فما أن تأكد يوسف من رحيله حتى عنف سيف بحدة: عجبك كده الراجـ.ـل هيقول علينا أيه؟!
تناول عمران ما بملعقته مرددًا باستهزاء: هيقول عليا أنا يا حبيبي، ما أخوك خلاص طلعني بلطجي قدام عمي وأخويا أبو لسان طويل.
صاح على بانفعال: أيدي أطول من لساني يا عمران، تحب تجرب؟
التحف بتوب الصدmة والحـ.ـز.ن، وردد بنبرة ماكرة: إنت بتقول أيه يا علي؟ عايزني أمد إيدي على أخويا الكبير دي كانت تتقطع يا أخي لو اتعملت!
انفجر الجميع بنوبة من الضحك حتى على ضحك من بينهم، ذاك المغــــرور يحسم المعركة بانتصاره منذ الآن ويبرهن بأنه سيكون الحائق الوحيد خــــوفه من ضـ.ـر.ب أخيه الأكبر!
تناولوا طعامهم بتلذذ وقد استمتعوا كثيرًا بالطعام المغربي، وحينما اغتسلوا جلسوا بالصالون يتناولون الحلوى والعصائر، وعند ذاك الحد استأذن على ليترك لهم مساحة خاصة بالجلوس مع صديقهم المقرب، فأن كان يربطه علاقة صديقة بهم فلأجل صداقتهم بأخيه.
فور صعود على اعتدل عمران بجلسته على الأريكة يتطلع لسيف بنظرة جعلت الاخير يزدرد ريقه بتـ.ـو.تر فأسرع يبرر بـ.ـارتباكٍ: أنا مكنش قصدي أفتن عليك بس أنا بجد اتصـ.ـد.مت فيك يا عمران، إنت اتحولت من شخص اتعودت أشوفه كاريزما وشيك لشخص غريب معرفوش أنا لوهلة كنت شاكك إن عمران اللي أخويا مصاحبه غير اللي كان واقف يضـ.ـر.ب الولد، إنت علمت عليه بالجـ.ـا.مد أوي!
ردد جمال ساخرًا: وده يزعلك في أيه، مش ده اللي سحلك على الطريق مرتين؟!
تجاهل حديث جمال ومازالت نظراته مركزة على عمران الذي يرتشف عصيره ببرودٍ والاخر ينتظر سماع ما سيقول، فعلق بنبرة ذكورية خشنة: اسمعني يا سيف آآ.
قاطعه يوسف بحدة: يسمع أيه، ده غـ.ـبـ.ـي بدل ما يشكرنا إننا نجدناه واقف يتكلم في أيه!
التفت له عمران وصاح بتعصب: بتقاطـــعـــني ليه بروح أمك! ما تسبني أقوله الكلمتين من غير ما تعصبني!
برق سيف بعينيه بصدmة، فزفر عمران بغـــضــــب وعاد يهدأ من ذاته قائلًا بحرج: أخوك عارف إني لما بتعصب بتخرج ألفاظ غريبة على لساني، حقك عليا يا سيفو أنا لسه داخل مرحلة إعادة التأهيل مبقاليش اسبوعين، وأول المرحلة بعدت عن الشرب وعن الستات وانتظمت بالصلاة يعني مش هتخطى كل الوحش في يوم وليلة.
هز رأسه بخفة وإن كان غير مقتنع لوقاحته تلك، فاستكمل عمران حديثه ببسمة خبيثة: بص بقى يا دكتور سيف، خدها مني نصيحة وحطها مبدأ في حياتك.
كبت يوسف ضحكاته ومال لجمال يهمس له: أخويا هيضيع مني بعد نصايح الوقح ده، ما تيجي نمشي أنا محلتيش غيره!
هزه بضيق وهو يتابع الحديث بينهما باهتمام: اسمع بس لما نشوف هيقوله أيه؟
بدأ عمران بالحديث والابتسامة المغــــرورة تلاحق حديثه وكأنه يمنحهم وقتًا ثمينًا للغاية: الستات بتحب الراجـ.ـل الكاريزما الشيك، اللي يقدر يهتم بشكله وبجـ.ـسمه الرياضي ولبسه المتناسق، وفي نفس الوقت عايزاه وقت الجد أسد يهز الغابة علشانها ومفيش مانع إنه يكون بلطجي إن تطلب الأمر، مهو مش هيرضيها تتكوم على الأرض مضروب وإنت بالبدالة الشيك والبرفيوم الغالي والساعة الفخمة، اعقلها!
وتابع وهو يرتشف عصير البرتقال: دورك إنت بقى إنك تجمع كل الصفات دي في شخصية واحدة، تتعلم إزاي تكون كاريزما وشيك ولبق في كلامك وإمته تستحضر الانسان البلطجي اللي متدكن جواك وقت اللزوم.
وأشار على يوسف مستحضرًا بحديثه: فكك بقى من أخوك وجو المستشفيات اللي انتوا عايشين فيها دي!
ورفع يده يشير بحزم وجدية: متسبش قفاك مكشوف لحد يعلم عليه، لإن الايد اللي هتنزل عليك مرة مش هتتمنع عنك تاني!
راق له حديثه حتى وإن اتبع نبرة مرحة، ولكنه محق بنهاية الأمر، لطالما كان يوسف لجواره يعلمه أن يباشر دراسته دون أن يتأثر بأي شيئًا حوله، ولكن رغمًا عنه كان ينغمس بمشاكل غريبة كأي شابًا مغتربًا، كان يخشى التعامل بهمجية فيسوء من حوله التفكير به، ولكن ماذا حدث بالنهاية؟
بسبب صمته وتغاضيه عن حقه استغله ذاك الشاب الذي يحمل نفس دmاء العروبة بعروقه وود لو أن يسجل علامـ.ـا.ت فارقة بتاريخ شبابه ليقص بها لاجياله متفاخرًا بأنه سدد الضـ.ـر.بات لشابٍ ذات يومٍ!
حاول العمل على الحاسوب لأكثر من مرةٍ ولكنه لم يتمكن من كثرة الأفكار التي تتكوم عليه بتلك اللحظة، أحزانه تجمعت لتحاربه بكل قوته ليبقى بالنهاية بائس متخازل لا يعلم ماذا يحتاج من الصبر ليتجرع صبرًا فوق صبره؟!
أزاح أحمد الستائر عن الباب الزجاجي ليتأمل المسبح والحديقة بنظرة غائمة، فاسند جبهته للزجاج وهو يهمس بو.جـ.ـع: يا الله!
وفجأة تسلل له صوت طرقات خافتة اتبعها تحرر باب الغرفة، وولجت هي للداخل تقترب بعدmا أغلقت الباب من خلفها.
وقفت على مقربة منه تتطلع له بنظرةٍ غريبة، جعلته يستدير بجسده كليًا لها، دنت منه على استحياءٍ وبحثت عما ستقول، طال بها الصمت وكأنها لا تجد ما ستبدأ به، فقالت بتلعثم: أحمد لازم نتكلم.
أغلق عينيه مطولًا، واستمد جزء من طاقته المهدورة، فتحرك ببطءٍ للأريكة الجلدية، احتلها بصمتٍ قطعته نبرته الهادئة: سمعك.
جلست على المقعد المجاور له، تبحث عن بداية لحديثه، وبعد فترة قالت: مش عايزة أكون أنانية معاك يا أحمد، آآ، أنا...
وانقطعت عن حديثها بتـ.ـو.ترٍ تخـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليه فوجدته ساكن كسكون جثة لا تجيد التحرك بعد عناء مـ.ـو.تها، بصلابة يترقب سماع ما ستقول تلك المرة من رفضها، للحق يشفق عليها لم تجد حجة طوال تلك السنوات الا وذكرتها، ترى ماذا ستعلل سبب رفضها الآن؟
استجمعت فريدة شجاعتها التي لا تنفك عنها الا أمامه، تلزم جمودها وثباتها قبالة الجميع وتأتي أمامه تجد ذاتها طفلة تخشى كل شيءٍ بحضرته، تخلت عن تلعثمها وقالت بوضوح: أحمد إنت عشت عمرك كله بدون ما يكون عندك أولاد، وأنا مش هقدر أحققلك الحلم ده، مش هقدر أخلفلك بيبي وأنا المفروض أكون جدة بأي وقت، عشان كده مش عايزة أظلمك معايا، اتجوز يا أحمد وخلف أولاد يشيلوا إسمك قبل فوات الأوان.
تنهد بو.جـ.ـعٍ ويده تفرك جبينه، صوت أنفاسه الثقيلة كانت مسموعة بشكل أربكها، أحمد القوي يبدو ضعيفًا أمامها للمرة الأولى، لطالما كان عزيزًا، شامخًا. قويًا لا يتأثر بأي شيء، ارتعبت فريدة من صمته واختلاج أنفاسه داخل صدره بذاك الشكل، فهمست بخفوت ويدها تمتد بتـ.ـو.تر لكفه المرتخي على ذراع المقعد: أحمد!
فتح رماديته الداكنة ومال برأسه تجاهها، فأتاه سؤالها المتلهف: مالك؟ إنت تعبان أجبلك دكتور؟
تعمق بالتطلع لها بملامح جـ.ـا.مدة، تطيل بها ولسانه يردد ساخطًا: تعبي مالوش علاج عند أي دكتور يا فريدة، ريحي نفسك.
واتشح ببسمة ساخرة مستكملًا: بتو.جـ.ـعيني وعايزة تعالجيني!
تدفقت دmعة خائنة من عينيها الزرقاء، وهمست بألــمٍ: إنت متعرفش حاجة يا أحمد متعرفش حاجة.
ضم شفتيه بسخرية: والله. طب عـ.ـر.فيني إنتِ!
تـ.ـو.ترت قبالته ونهضت بعصبية عن جلستها، هاتفه بـ.ـارتباك: يا أحمد افهمني أنا مش عايزة أظلمك.
نهض خلفها يخبرها: سبق وظلمتك وجيه الدور عليا إدفع التمن، ثم إني مش شايف إنك هتظلميني، على وعمران وشمس أولادي وبالنهاية حاملين اسم الغرباوي بالنهاية.
وهمس رغم تخاذل الألــم أضلعه: غـ.ـصـ.ـب عنك وعن الكل هما من لحمي ودmي حتى لو انتِ مش شايفاني أنفع أب ليهم.
استدارت إليه تدافع عن ذاتها بصدmة: أنا مقولتش كده أبدًا، ده أنت أحن عليهم من سالم الله يرحمه.
أخرج زفيرًا قويًا اتبعه قوله الذي خرج ببطءٍ: اسمعيني يا بـ.ـنت عمي، دي فرصتك الاخيرة يا نكتب كتابنا ونعلن جوازنا مع على بعد بكره يا هرجع على مصر وهكون عم لاولادك بس المرة دي هتكون أخر فرصة ليكي يا فريدة لاني خلاص فقدت كل صبر كان جوايا ليكي.
وتركها وإتجه ليغادر بسئم من الاحاديث الغير متجددة بينهما، وقبل أن يحل عقدة الباب وجدها تقول: موافقة.
رمش بعدm تصديق لما استمع إليه، فاستدار إليها يحاول التأكد مما تلقاه منذ قليلٍ، فأجلى حلقه الجاف قائلًا بتـ.ـو.تر: موافقة على أيه بالظبط.
قطعت هي المسافة القليلة بينهما، وقالت وهي تفرك أصابعها كالمراهقة التي تعترف بحبها: موافقة تكونلي زوج يا أحمد.
تنهد بتعبٍ واضح على ملامحه المجهدة: أخيرًا يا فريدة، أخيرًا!
منحته ابتسامة مشرقة وابتعدت من أمامه على الفور تاركته يبتسم وهو يتطلع لاثرها بعدm تصديق، فجلس على المقعد وهو يردد بفرحة: اللهم لك الحمد حتى ترضى!
دعوته المعلقة لأعوامٍ باتت صداها ملموس الآن، وأخيرًا انتهى عـ.ـذ.ابه وارتوى بعد صبرًا رشفة كانت هنيئة لقلبه النازف، ولكن ترى سره العالق بصدره سيظل مدفونًا؟!
طرق على على باب غرفتها، وحينما استمع لإذنها بالدخول ولج يبحث عنها، فوجدها تجلس أمام المرآة شاردة الذهن ويدها تتمسك بفراشة الشعر تمشط شعرها بعشوائية وغير اهتمام.
جذب منها الفراشة وجلس خلفها يمشط شعرها البني الطويل بهدوءٍ، ونظراته الحنونة لا تفارق انعكاس صورتها بالمرآة، عادت برأسها إليه مستندة على صدره، ويدها تتعلق برقبته: كويس إنك جيت، أنا محتاجالك.
صوتها المحتقن كان يحمل أثر بكاء ممزق داخلها زرع القلق داخله، فرفع جسدها إليه وتساءل بقلق: مالك يا روحي؟ وليه حابسة نفسك في أوضتك من الصبح ومنزلتيش مع مايا وفطيمة؟
هوت دmعاتها على وجنتها ورددت بهمس ضعيف: خليك معايا يا علي.
تمزق قلبه لرؤية طفلته الصغيرة تبكي، فلف جسدها إليه وضمها بكل قوته، تمسكت بقميصه من الخلف وبكت بصوتٍ مسموع: أنا مفتقدة بابا أوي وبشم ريحته فيك لما بتاخدني في حـ.ـضـ.ـنك.
أدmعت عينيه حينما استمع لما تقول، فانحني يطبع قبلة عميقة على جبينها وقال بشكٍ لا ينحاز عن عقله الذكي: شمس، انتِ عرفتي بموضوع جواز عمي وفريدة هانم؟
هزت رأسها وقالت ومازال رأسها مدسوس باحضانه: عمران قالي، غـ.ـصـ.ـب عني يا علي، مهما كنت بحب أنكل أحمد بس الموضوع مش سهل صدقني.
مسد على ظهرها بحنانٍ، وهمس لها: فاهمك وفاهم مشاعرك يا حبيبتي، بس صدقيني اما تهدي كده هتلاقي إن أنكل أحمد هو المناسب والأحق إنه يكون مكان بابا الله يرحمه، متنسيش يا شمس إنك بكره هتتجوز وهتسيبي البيت وتروحي تعيشي في بيت زوجك وأنا وعمران كل واحد فينا هيكون له حياته المستقلة، بالنهاية يا شمس ماما هتكون لوحدها إنتِ حابة تشوفيها عايشة بالوحدة دي؟
هزت رأسها رافضة لما يقول، وعاد صوتها الهزيل يصل لمسمعه: ميرضنيش ومستحيل هعارض الجوازة دي، أوعدك إني مش هبين شيء ليها.
رفع ذقنها إليه مانحها ابتسامة جذابة: كده أقول عليكي كبرتي وعقلتي.
منحته ابتسامة رقيقة، وعادت تميل برأسها على صدره ثم قالت بخجل: علي. ممكن تخليك معايا النهاردة.
حمل جسدها إليه وزحف بها للفراش، فتمدد عليه وضمها إليه بحنان مثلما كان يفعل حينما كانت تتسلل لغرفته ريثما يطاردها كابوسًا مزعجًا أو ترى فيلمًا من صيحات الرعـ.ـب القـ.ـا.تل، استحوذ الأمان عليها وخاصة حينما همس إليها: أنا هنا في أي وقت هتكوني محتاجالي فيه يا شمس، أنا معاكي سندك وأمانك، أبوكي وأخوكي وصديقك وحبيبك. اللي جاهز يحارب الدنيا كلها عشان سعادتك، ومهما كبرتي هفضل شايفك الطفلة اللي ماسكة ايدي عشان أعديها الطريق.
ابتسمت وهي تغفو بين ذراعيه بانهاكٍ يتبع تؤرم عينيها وفكرها المرهف، مسد بيده على خصلات شعرها بحنان وظل يردد الآيات القرآنية يرقيها بها حتى لحق بها هو الأخر وسقط بنومٍ ثقيلٍ.
ودع عمران أصدقائه بحبورٍ وعاد للداخل يبحث عنها ليشكرها بامتنان على ما فعلته لأجله، وجدها تعاون الخادm بحمل الأطباق ووضعها بغسالة الأطباق، وحينما استدارت وجدته يدنو منها ويشير على الباب: عايزك.
أبعدت مريال المطبخ عنها وقالت بتعبٍ: حاضر، بس أطلع أخد شاور وأغير هدومي الأول لحسن مش قادرة.
هز رأسه بتفهمٍ، وقال وهو يرفع يده لها بتسليةٍ: خديني معاكِ أستناكِ لما تخلصي ونتكلم.
أسندت يده للمصعد ومن ثم ولجت لغرفتها، فوجدته يجلس على الفراش ويراقبها باهتمامٍ، تحركت بـ.ـارتباكٍ لخزانتها تجذب بيجامة من الستان وتتجه لحمام الغرفة، وقبل أن تغلق بابه قالت بحرجٍ: تحب أوديك أوضتك لحد ما أخلص وأجي نتكلم.
جذب هاتفه يدعي انشغاله به قائلًا: لا أنا مرتاح، خلصي وأنا هنا.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ وأغلقت الباب ثم بدأت بالاستحمام، وحينما انتهت ارتدت بيجامتها واتجهت للخروح وهي تجفف شعرها بالمنشفة، فما أن فتحت الباب حتى برقت بفيروزتها بصدmةٍ حينما وجدته ينحني أمامها، انتصب بهيبته أمامها، يحاول استكشاف تجمد معالمها باستغرابٍ، لا يعي ماذا يحدث معها؟
تمرد لسانها عن ثقله ورددت بعدm تصديق: بتبص عليا من عقب الباب يا عمران!
جحظت عينيه صدmة لاتهامها هذا، فقال بضجر: ليه شايفاني مراهق عشان أعملها!
قذفت وابل اتهام جديد: أمال موطي كده ليه؟
رفع ما يمسكه بيده قائلًا ومازالت صدmته جلية على ملامحه: الشاحن وقع مني، موبيلي فصل وكنت بوصله بشاحن موبيلك!
وحدجها بنظرة غاضبة قبل أن يخبرها: وبعدين يا حبيبتي مش أنا اللي أبص على مراتي من فتحة الباب، أنا زي ما قولتي عليا وقح والوقح بيعمل اللي على مزاجه في وش اللي قدامه ومبيهموش حد!
ارتخت معالمها واستكملت طريقها للسراحة تجفف خصلات شعرها وتمشطه ببراعةٍ، متسائلة لمن يراقبها: كنت عايز أيه؟
دنى منها وهو يمرر يده على الحائط، حتى أصبح قبالتها، فمد يده إليها والاخرى توزع نظراتها بين عينيه وبين يده الممدودة بعدm فهم، فرفعت كفها إليه، فوجدته يخرج من جيب سترته خاتم من الألــماس يبرق من شـ.ـدة لمعته، وضعه بين إصبعها وانحنى يلثمُ كفيها برقة جعلتها تغلق عينيها تأثرًا به وخاصة بكلمـ.ـا.ته التي تحررت على شفتيه: شكرًا على كل حاجة عملتيها النهاردة، الأكل كان طعمه جميل أوي، شرفتيني قدام الكل النهاردة.
نهضت عن المقعد وقالت ببسمة رقيقة: أنا معملتش حاجة مهمة تستاهل إنك تجبلي خاتم غالي زي ده يا عمران ده واجبي!
تابع عينيها بحبٍ وأجابها: مش فرض ولا واجب عليكي يا مايا، وحتى لو كان كده ففرض عليا أكافئك بعد اللي عملتيه. وبصراحة كده أنا جاي عشان أبلغك حاجة تانية.
سألته بلهفة: حاجة أيه؟
تمعن بها بهيامٍ، وقال وهو يشير برأسه: قربي علشان محدش يسمع اللي هقوله.
انكمشت تعابيراتها بغـــضــــب ورددت من بين اصطكاك اسنانها حينما تسرب لها خبث نواياه: عمران!
اتسعت ابتسامته التي زادت من وسامته الطاعنة لها، وقال ينفي شكوكها: هبلغك باللي جيت أقوله وهخرج على طول.
انصاعت له واقتربت بـ.ـارتباك ثم قدmت له أذنها، فانحنى تجاهها، لفحته رائحة شعرها المبتل فأنعشته و.جـ.ـعلته يغلق عينيه بقوة تحمل تلك المذبحة الطاعنة لرغباته ومشاعره.
ارتبكت من قربه فهمست بخــــوفٍ: عمران إنت وعدتني!
ابتسم وهو يطول بصمته الماكر، فعادت تناديه مجددًا: عمران!
أطبق بجفونه معتصرًا حدقتيه، وانحنى لأذنها يخبرها: بطلي تناديني باسمي، صدقيني بتصعبي البعد عليا!
كادت بالفرار من أمامه، فجذبها إليه بقوةٍ جعلتها تصطدm بصدره العضد مما ألــمها فجعله يتراجع للخلف قليلًا وهو يعود لتطلعه لها قائلًا: اسمعي اللي جاي أبلغك بيه علشان خلاص نفذ صبر أيوب اللي أنا عايش بيه، يوم فرح على وفطيمة جهزي نفسك، هنبدأ حياتنا مع بعض.
جحظت عينيها صدmة، ورددت بعدm استيعاب: بتقول أيه؟
ضحك وهو يخبرها بغمزة تسلية: ده اللي هيحصل يا حبيبتي لو مش عايزاني أنحرف بجد وأبص عليكي من فتحة الباب زي ما تخيلتي.
وتركها مندهشة محلها وغادر يردد ببسمة انتصار: تصبحي على خير يا. يا بيبي!
كادت بأن تنفجر من فرط كبتها لغـ.ـيظها، فما أن رأته يفتح بابها ليغادر حتى أسرعت خلفه تصرخ بغـــضــــب: مش هيحصل يا عمران. استنى هنا رايح فين؟
أغلق الباب واستدار لها ببسمة واسعة: بـ.ـنت حلال والله وحاسة بيا، إنتِ أساسًا مغرية بشكلك ده.
واقترب منها يشير: يلا بينا يا بيبي.
حاولت استيعاب مضمون حديثه، بالطبع ورائه كل ما هو وقح وجريء لذا قالت من بين اصطكاك اسنانها: اطلع بره يا وقح.
ابتسم ومرر وجهه بشكلٍ مستلذ: يا سلام بقيت بتكيف من الكلمة دي لما بتقوليها شوفتي تقصير كلمة بحبك يا عمران دي أقوى منها بمراحل!
عبثت بشكل مذري، واتجهت لفراشها تحتضن رأسها وهي ترتل بحـ.ـز.ن: يا ربي أعمل معاه ده أيه، أجيله كده يجبني كده آه منه ابن الغرباوي هيطلعني منها بدري!
راقبها ببسمة هادئة وتساءل بسخرية: هطلعك من أيه؟
من الدنيا، هتكون هتطلعني من أيه يعني!
لا يا بيبي مصدر الكلمة غلط، بتتقال هطلعني من هدومي تفرق!
اطلع يا عمران.
ما تطلعي انتي!
تساءلت باستغراب: اطلع منين دي أوضتي!
أجابها بغمزة وقحة وادعاء بالبراءة زائف: من هدومك أأقصد فكي كده واستقبلي اللي جاي بفرحة يا آآ، يا عروسة ما إنتِ هتكوني عروسة بردو ولا أيه؟
نفذ صبرها وكل محاولة بالتمسك بعقلها، فاطاحت به تدفعه للخارج بكل قوتها وهي تصرخ بها: بره بقى بدل ما ألــم عليك خلق الله عشان إنت وقح وتستاهل الفـ.ـضـ.ـيحة.
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يجدها تتحلى بقوة غريبة كانت قادرة على دفع جسده القوي لخارج غرفتها وأغلقت بابها بعنف بوجهه، استند على الباب وردد ضاحكًا: ماشي يا مايا، خليكِ عارفة بس إن ابن الغرباوي نفسه طويل!
واستدار خلفه يتفحص الرواق من حوله، فابتهج حينما وجد الجميع بغرفهم، فاتشح ببسمة خبيثة وابدل مساره لصالة الرياضة بدلًا من غرفته.
مرر يده على الجهاز متحاشيًا لمس بطنها المنتفخ بعض الشيء، وعينيه مسلطة على الشاشة من أمامه كالمعتاد له عدm اباحة عينيه أي جسد امرأة قط، بينما من خلفه يقف جمال عينيه تكاد تخرجان من مكانهما على الجهاز، يتأمله ببسمة واسعة، ولجواره كانت تقف ليلى تبتسم وهي تشاهد صورة الشاشة وخاصة حينما حرك يوسف الجهاز على أجزاء من جسد الرضيع التي بدأت بالتكوين مشيرًا: دي الايد أهي، ودي رجليه.
رددت صبا بحماسٍ: هو ولد؟
قال دون أن يتطلع لها: مش هقدر أكدلك غير في الاعادة إن شاء الله يا مدام صبا.
ترك جمال موضعه المقابل للشاشة الكبيرة واقترب لينحني فوق رأس يوسف الجالس على مقعده حتى كاد بأن يسقط من فوقه ليرى ما يقوم يوسف بالتطلع إليه باهتمامٍ عبر الشاشة الصغيرة، وكأنه يرى منظر أخر غير ما تطرحه الشاشة الاخرى، صاح يوسف منفعلًا: أيه يا عم، قارفني حتى هنا!
لكزه جمال بغـــضــــبٍ: ما تظبط الكلام يالا بدل ما أظبطك أنا.
كبتت ليلى وصبا ضحكاتهما عليهما، وخاصة حينما لف يوسف يده حول رقبة جمال ودفعه لداخل الشاشة حتى كاد بأن يصيبه العمى من فرط الاضاءة: أهو كده شايف! أكيد هتطلع او هيطلع سمج زي أبوه، مرضي كده يا عم! مش كفايا مخليني افتحلك العيادة مخصوص عشانك انت وابنك؟!
تعالت ضحكات صبا باستمتاعٍ، فاليوم كان مميز لها، يكفيها بأنه سمح لها الدخول لدائرة أصدقائه للتعرف عليهما وعلى زواجاتهما عن قرب.
تخلى يوسف عن مزحه حينما رأي جمال ينـ.ـد.مج بتأمل الشاشة بأعين شبه دامعة، فربت على ظهره بحنان: ربنا يكملها على خير ويجعله خلف صالح ليك يا حبيبي.
أجابه بتأثرٍ: يا رب يا يوسف، وعقبال ما نشيل خلفك.
اخترق الألــم قلبها لسماع دعوته المرهفة، فعلمت الآن ماذا يخوض زوجها طوال تلك الفترة من زواجهما، ولكن شملتها سعادة كونها تخلت عن عقار منع الحمل منذ اليوم الذي جمعهما بعيادتها الجديدة، وتابعت يوسف باهتمامٍ لتجده يمنح رفيقه ابتسامة مشرقة وقال: تسلم يا جيمي، ارجع بقى مكانك عشان أسمعك نبض الجنين.
أسبل بجفنيه بعدm تصديق: بجد؟
هز الأخير رأسه موكدًا ورفع من صوت الجهاز ليعلو لهم صوت الجنين فتسللت البسمـ.ـا.ت الوجوه، وخاصة صبا التي بدت لا ترغب بنزع الجهاز عن بطنها وقضاء يومها بأكمله تستمع للنبضات وترى صورة جسده الغير مكتمل بعد.
خـ.ـطـ.ـف يوسف نظرة سريعة لزوجته، فوجدها تراقب الشاشة بنظرات حالمة مهتمة، عاد يتطلع امامه وهو يبتسم ويهمس بصوت غير مسموع: عقبال ما دmاغك تلين وتكوني نايمة هنا مكانها!
انتهى الفحص وقام يوسف بتدوين بعض الادوية والمكاملات الغذائية التي تعاونها بتلك الفترة من الحمل، وخصص لها موعد بعد اسبوعين من الآن لتقوم بمتابعة مستمرة لحين موعد ولادتها.
خرجوا معًا مجددًا فعاون جمال يوسف باغلاق الباب الحديدي الخارجي للعيادة وهبط معًا للسيارة ليقوم جمال بتوصليهما أولًا، وما أن وصل للعمارة حتى انحنى يوسف لجمال يخبره: اعمل حسابك الاسبوع الجاي معزومين على افتتاح عيادة الدكتورة ليلى. ابقى بلغ الوقح بالكلام ده.
ضحك وغمز له: هي السهرة تحلى من غيره، عيوني هبلغه.
منحه الاخر ابتسامة هادئة واتبع زوجته للداخل بينما تحرك جمال بزوجته للمنزل.
شفتيها ملتصقة ببعضهما ومع محاولتها العديدة لنزعهما عن بعضهما البعض باءت بالفشل، أرادت الصراخ ولكنها لا تنصاع إليها، جسدها ينتفض بقوة مع سماع ذاك الصوت القـ.ـا.تل لها، ولم يكن سوى صوت تمزق الثوب الذي ترتديه، دmـ.ـو.عها لا تفارق مقلتيها وتوسلاتها لا تفارق حركة جسدها المنتفض، ثلاثون دقيقة تعافر بهم للخروج من تلك الحالة القـ.ـا.تلة وبالرغم من أن عقلها الباطن يهييء لها أن صوتها مكمم لا يخرج عن حلقها الا أن الحقيقة كانت معاكسة لذلك، فلقد تحرر صوتها بصراخٍ قابض خرج لأجله أحمد من غرفته ومايا وعمران الذي خرج بالمنشفة يزيح قطرات العرق عن جبينه، فدنى وهو يستند على الحائط من عمه الذي تساءل بقلقٍ: في أيه؟
أجابته مايا بخــــوفٍ يسيطر على رعشة صوتها: معرفش يا عمي أنا خرجت على صوت الصريخ ده؟!
قال عمران وهو يتلصص لسماع الصوت بحيرة: أعتقد ده صوت فاطيما!
اتجهت مايسان لباب غرفتها ترهف السمع، وحينما تأكدت اتجهت لمحلهما تردد: فعلًا ده صوتها.
رفع عمران حاجبيه ساخطًا: ومستنية حد فينا يدخلها! ادخلي شوفي في أيه؟
قالت بحرجٍ من نظراتهما المسلطة عليها: افرض على جوه!
رد عليها أحمد وهو يتجه لغرفة على المجاورة لفطيمة: كان زمانه قام أول واحد. على نومه خفيف!
ولج لغرفته فوجد الفراش مرتب لم يمسه أحدٌ، فتساءل عمران باستغراب: هيكون راح فين؟!
أشار أحمد لمايسان: روحي يا بـ.ـنتي شوفيها، وإنت يا عمران اتصل بعلي شوفه فين؟
افترض محله بعدmا جمع علامـ.ـا.ت استفهام سؤاله: على مخرجش، ممكن يكون عند شمس، هشوفه وراجع.
انتظر أحمد أمام باب الغرفة بالخارج، فجابها ذهابًا وإيابًا بقلقٍ شـ.ـديد يعتريه كلما على صراخها أقوى من السابق، فتفاجئ بفريدة تقترب منه متسائلة بحيرة: في أيه يا أحمد وأيه الصوت ده؟
ذم شفتيه بضيقٍ مما سيحدث هنا الآن، وبالرغم من ذلك قال: فطيمة شكلها شايفة كابوس من ساعتها بتصرخ وعلى مش فاهم اختفى فين دلوقتي وهو عارف حالتها!
منحته نظرة ساخرة، ورددت باقتضاب: عندك حق مينفعش يسبلنا المـ.ـجـ.ـنو.نة دي كده ويختفي، وبعد اللي بيحصل ده يرجعها مستشفى الامراض العقلية أفضل من الفضايح اللي هتحصلنا دي.
صفق كفًا بالأخر بقلة حيلة: ده وقته يا فريدة!
تسلل للداخل على أطراف أصابعه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة صافية وهو يراقب شقيقته تغفو على صدر على الذي يحتضنها بحنان، ابتسم عمران وانحني يقبل جبهة أخيه ومن ثم منح شمس قبلة على وجنتها، وهمس بحـ.ـز.ن: طب كنتوا خدوني معاكم!
وحينما تذكر حالة فاطمة، اتجه يحرك على بحذر، ففتح الأخير عينيه بانزعاجٍ: عمران! خير؟
همس له وهو يتفحص شمس: مش خير خالص يا قلب أخوك، قوم معايا ووطي صوتك عشان بـ.ـنتك متصحاش.
منحه نظرة محتقنة وعاد يضمها إليه ويغفو دون أن يعبئ به، فجذبه عمران مجددًا قائلًا بجدية: بقولك قوم في كارثة برة؟
نقلها على للوسادة ببطءٍ، ونهض ليتجه له، فاندهش حينما اتجه عمران لمحله وأشار له مدعيًا الألــم: ارفع رجلي بس بهدوء.
انصاع له على وعاونه على التمدد بشكلٍ مريح وهو يراقبه بغـ.ـيظٍ قد أوشك به على قــ,تــله، ولكنه يعلم بأنه سيلقي القنبلة المؤقتة حتمًا ولكن بعدmا يقوم باستفزازه كالمعتاد من هذا الوقح.
جذب عمران شمس إليه، ليضمها مثلما كان يفعل علي، ورفع عينيه له قائلًا: حلو الحـ.ـضـ.ـن ده يهون قسوة العيشة المرة معاكم.
وأغلق عينيه يستسلم للنوم وهو يتابع بحـ.ـز.ن مصطنع: البت دي بتفضلك عليا معرفش ليه، حاسس أنها بتخبي سر حربي عننا، يمكن تكون اكتشفت إني مش أخوها مثلًا! بس ازاي والراجـ.ـل ودع بدري وملحقش يتجوز غير فريدة! هكون ابن مين مثلًا!
وطبع قبلة على جبين شمس، ثم مال برأسه فوق رأسها، وأغلق عينيه مجددًا غير باليًا بمن يتابعه بنظرات قـ.ـا.تلة تكاد تجعله كالديناصور الذي سيبصق النيران من فمه تجاه هذا اللعين بأي لحظة، بينما تمتم عمران وقد اتشح بوشاح النوم فعليًا: ابقى فكرني الصبح نعمل تحليل DNA، أتاكد إني أخوكم بجد لإن اللي بيحصل هنا ده قاسي!
فقد على صبره، فانحنى تجاهه واضعًا يده حول رقبته ويحاول جذبه عن الفراش بها، فصاح الاخير يحذره: إياك البت هتصحى!
وتابع ليخلص ذاته: أنا جيت أقولك ان فاطيما بتصرخ جـ.ـا.مد وشوية كمان وفريدة هانم هتطردك إنت وهي برة البيت، كل عيش يا دكتور!
تحررت يده عن عنق أخيه وهرول من أمامه كأن شبحًا مسه للتو، بينما عاد الاخير يتمدد جوارها من جديد ليغفو هو الأخر جوارها.
تعالى صوتها بشكلٍ مقبض، مما دفع فريدة للدخول لمايا التي أخبرتهما بأنها عاجزة عن تهدئتها، فولجت الاخيرة تردد بغـــضــــب: الجيران هيطلبوا الشرطة لو مبطلتش صريخ وآ.
ابتلعت فريدة كلمـ.ـا.تها داخل جوفها حينما رأت جسد فاطمة متجمد، عينيها مغلقة بقوة ورأسها يلتفت هنا وهناك بعصبية مفرطة، والورم يحيط بجفونها من كثرة البكاء، وخذ قلبها ووقفت على عتبة الباب تتطلع لها بدهشة.
استكملت طريقها للداخل لتقف جوار مايا التي تتابعها ببكاء، فازدردت ريقها الجاف بصعوبة: روحي يا مايا شوفي على فين بسرعة.
هزت الأخيرة رأسها وهي تراقب نظرات فريدة الغريبة بعدm استيعاب، واندفعت للخروج من الباب ولكنها توقفت حينما كادت بالاصطدام بعلي الذي ولج للداخل راكضًا، ليسرع للفراش لاهثًا.
تفحصها جيدًا بنظرة سريعة شمل بها حالتها، لا يستطيع الدواء تخفيف وطأة الحالة الحرجة التي تخوضها فاطمة الآن، لذا أسرع لغرفته قاصدًا البراد الصغير بها، وجذب منها الآبرة التي يحضرها لحدوث أمرًا طارئ هكذا، ثم عاد راكضًا لغرفتها يبعد كم البيجامة عن يدها، ويسدد الأبرة بورديها بتريثٍ.
راقبته فريدة باهتمامٍ، وعادت تسحب نظراتها لفاطمة فوجدتها مازالت تنتفض بشراسة، فقالت بحـ.ـز.نٍ لم تستطيع اخفاءه: لذا بترتعش ليه يا على مش الحقنة المفروض تشتغل؟
كان بحالة عدm وعي، لا يشغله سوى التفكير بمحاولةٍ لايقاظها، فقط لسانه يردد وعينيه تراقب وجهها: مش على طول كده!
وحاوط وجه فاطمة بيده، ثم رفعها لصدره، فاستقر رأسها جوار رقبته، نادها بصوتٍ قوي: فطيمة، فتحي عيونك يا حبيبتي. سامعاني.
صوته أحاطها بهالة من الأمان، فانزرع بداخلها وجوده بنفس المكان الذي يتم الاعتداء عليها به، جاهدت لفتح عيونها فخـ.ـطـ.ـفت صورة له وعادت لدوامة ظلامها فتجده داخلها أيضًا، رائحة ملابسه تدفعها للشعور به، حتى الهواء الداخل لرئتيها كان مندفع من أنفاسه.
كـ.ـسرت حاجز صمتها المخيف ودmـ.ـو.عها لا تتركها، مرددة بعدm وعي: على متسبنيش يا علي.
ضمها إليه بعنفٍ وكأنه لقائهما الأخير، فهمس لها بحـ.ـز.نٍ خيم على صوته المبحوح: عمري ما هسيبك يا فاطمة، لو ده أخر يوم في عمري هقضيه ثانية ثانية معاكِ.
عادت تهمس له ببكاءٍ: خليهم يبعدوا عني، متخليش حد يقربلي!
تعالت شهقات مايسان وهي تراقبها بهذا الحال لأول مرة، فرفعت كفها المرتعش تكبت صوتها الباكي وتابعتها بشفقة قبل أن تخرج رافضة عدm القسوة على قلبها الذي ينهار لرؤية ذاك المشهد.
أحاطها بذراعيه بقوة وقال بعدmا فقد القدرة على السيطرة على دmعاته فانهمرت على وجه فاطمة القريب من أنفاسه، وردد باكيًا: مفيش حد هيلمس منك شعرة طول ما أنا على وش الدنيا، مش هيتكرر تاني يا فطيمة اللي حصل مش هيتكرر تاني أوعدك.
وترجاها بألــمٍ يكاد يمزق أضلعه: عشان خاطري افتحي عيونك، ده كابوس أول ما هتفتحي عيونك هتلاقيني جنبك.
إلتمعت تلك الدmعة الخائنة بعينيها وهي تتابع أمامها ما يحدث لها، ناهيك عن تلك الكلمـ.ـا.ت الطاعنة التي تفوه بها ابنها أمام أعينها، شعرت بوخزات حادة تطول صدرها المشتعل، فانسحبت خائنة الخطى للخارج بتأثرٍ، فوجدت أحمد يسرع إليها متسائلًا: ها يا فريدة فاقت؟
هزت رأسها نافية ومازال وجهها منغمس أرضًا بحالة جعلته يتساءل مجددًا: مالك يا فريدة؟
رفعت عينيها الباكية إليه، ورددت: البـ.ـنت صعبانه عليا أوي يا أحمد، منظرها يقطع القلب.
رفع احد حاجبيه باستنكارٍ، وكأنه يعلم حلمًا سخيفًا، عساه يتوهم هو الأخر، أراد أن يشن حملة جمله الماكرة والشامتة إليها، ولكنها لم تترك له المجال فانسحبت للاسفل قاصدة جناحها.
صفق أحمد كف بالأخر مرددًا بسخرية: مكدبش اللي قال إن المرأة صندوق أسرار مالوش قرار!
ذهق النهار ظلام الليل، فصدح منبه الهاتف ليزعج تلك الغافلة، فتحت شمس عينيها بانزعاجٍ فتفاجئت بعمران يضمها إليه ويبدأ هو الأخر بفتح عينيه بانزعاجٍ من صوت الهاتف، فقالت باستغرابٍ: هو أنا بتوهم ولا أيه، مش على هو اللي كان نايم جنبي امبـ.ـارح؟
أجابها وهي يحاول الاستقامة بجلسته: أنا طرقت على ونمت مكانه، وهكررها كل ما تفضليه عليا يا وا.طـ.ـية إنتِ أساسًا مبتعرفنيش غير وقت ما تتزنقي في فلوس، لإنك واثقة ومتأكدة إن ثروة العيلة البائسة دي ورأس مالها كله في ايدي أنا.
ضحكت وهي تتابعه وقالت: أمال أيه هو في حد في جنتالة عمران سالم!
ابتسم وهو يغمز لها: ثبتيني وأنا بتكيف من التثبيت!
دنت منه شمس بمكر وقالت: ومستعدة أديك حـ.ـضـ.ـن كبير كمان يا عموري بس على شرط.
زوى حاجبيه بدهشة: شرط أيه!
زحفت بجلستها تجاهه، تخبره ببسمة واسعة: تديني نفس الوعد اللي ادته لعلي يوم فرحه.
اعتلته الدهشة وصاح ساخرًا: مش لما اتنيل أنفذ وعد علي، ثم اني ادتله الوعد ده أيام الجامعة يعني في عز انحرافي دلوقتي أنا توبت وبقالي سنين مش بعزف ولا بغني!
ربعت يديها أمام صدرها بحـ.ـز.ن: كده ماشي يا عمران هتفضل ابن مرات أبويا وهتتعامل على هذا الاساس.
ذم شفتيه بسخط وتفوه: مستغلة.
أومأت برأسها بتأكيدٍ، فحك خده بتفكيرٍ ثم قال: طب بصي، أنا هجرب يوم حفلة على أوفي بوعدي لو لسه متمكن زي زمان أوعدك يوم فرحك هغنيلك، لكن لو اتفضحت عذرًا مطلعش المسرح مرتين، ها قولتي أيه؟
ارتسمت بسمة واسعة وانزوت باحضانه بحبٍ: إن كان كده موافقة.
ضمها ببسمة هادئة وهمس لها بحب: ربنا يسعد قلبك يا حبيبتي، يلا هسيبك تستعدي للجامعة وهطلع الصالة.
تعجبت من سماعها ذلك وقالت: هتعمل أيه بالصالة الصبح كده مش إنت وقفت تلعب رياضة.
هز رأسه مؤكدًا وبرهن لها: الدكتورة مدياني تمارين بسيطة بعملها على غير ريق.
وتركها واستند على الحائط ليغادر، فلحقت به تسأله؛
أساعدك.
استدار لها يشير: لا يا روح قلبي أنا عايز أحرك رجلي شوية.
منحته ابتسامة هادئة وراقبته حتى غادر من أمامها.
رمشت بعينيها بخفة، وبدأت باستعادة وعيها، فشعرت بثقلٍ يفوق قدرتها الجـ.ـسمانية، رمشت بعدm استيعاب ومازالت ذكراتها محتفظة ببقايا ما خاضته الآن، فاستعادت قوتها الهادرة ودفعت من يعلوها بكل طاقتها وهي تصرخ بفزع: إبعد عني.
أفاق على من نومه، فابتسم حينما وجدها استعادة وعيها، فقال متلهفًا: الحمد لله إنك فوقتي يا حبيبتي أنا كنت همـ.ـو.ت من القلق عليكي، طمنيني بقيتي أحسن؟
احتدت عينيها تجاهه وهي تراقب سيطرته على فراشها، واحتضانه لها، رفعت يدها تضم جسدها ونظراتها النافذة تحيطه، تابعها على بنظراتٍ مرتعبة وقد صدق حدثه حينما خرج صوتها مهزوز: انت عملت فيا أيه؟
ابتلع ريقه بصوتٍ مسموع من فرط التـ.ـو.تر، وقال: معملتش حاجة يا فطيمة، إنتِ كنتِ منهارة وآآ...
قاطعته بصراخٍ قـ.ـا.تل ونهضت تكيل له اللكمـ.ـا.ت التي تلاقاها صدره بو.جـ.ـعٍ جسدي مؤلم، كأنها أمتلكت قوة ذكورية مخيفة، ومازالت تصرخ: كـ.ـد.اب، كدااااب، كلكم زي بعض.
ازداد رعـ.ـب علي، وكل ما يخشاه أن يصيبها السوء وتعود لانتكاسة قد تهزم ما وصل له، فحاول احتضان وجهها بيده قائلًا بحنان: حبيبتي اهدي أنا مستحيل أذيكي، أنا نمت جنبك بس والله العظيم مقربتلك!
انهارت قوتها لفرط مجهودها المبذول ضده، فاستجابت للجلوس على الفراش قبالته، وكذلك جلس على يلتقط أنفاسه ويده تضم صدره المتورم من فرط ضـ.ـر.باتها، فخرج صوته مبحوح من وسط أنفاسه اللاهثة: فطيمة أنا بحبك، ومش عايز منك حاجة غير إنك تبادلني نفس الحب.
رفعت عينيها له وانـ.ـد.مست داخل رماديته لدقائقٍ، فوجدته ينهض عن الفراش بخطواتٍ غير متزنة، تحامل على الكومود وهو يخبرها: أنا هخرج وأسيبك، اهدي وارتاحي.
تابعت خطواته الغير منتظمة بنظرة نادmة، ما ذنبه أن يتلقى عاصفة غـــضــــبها الهادرة تجاه هؤلاء الذئاب، عادت لها صورتها وهي ترمي بكلتا يديها المتكورة الضـ.ـر.بات إليه ولم يحاول حتى الدفاع عن نفسه حتى لا يلامس جسدها فتعود لارتعاشة جسدها من جديد.
ومن ثم قذفت إليها لقطات متفرقة لما اجتاحها بالأمس، وصولًا لوجوده جوارها وتوسلاتها بالا يتركها، ودmعاته الساخنة التي شعرت بها على خدها.
نهضت عن فراشها واتجهت بخطوات مترددة للباب الفاصل بين غرفته وغرفتها، تطلعت لمقبض الباب طويلًا تحاول أن تسترد ثباتها وتهدأ ارتجاف جسدها الهزيل، وحينما شعرت بأنها أفضل حررت المقبض وولجت تبحث عنه.
وجدته يقف أمام المرآة المطولة عاري الصدر، يضع المرهم على الاحمرار القـ.ـا.تل الذي أصاب أعلى صدره محدثة كدmـ.ـا.ت زرقاء وأخرى حمراء، سابقًا كانت ستقــ,تــل رعـ.ـبًا إن رأته يقف أمامها هكذا ولكن ما أن رأت ما هي تسببت بفعله حتى اقتربت تناديه ببكاء: علي.
استدار ليتفاجئ بوجودها فارتعب من أن تسوء حالتها لرؤيته هكذا، فاستدار لفراشه يجذب قميصه يرتديه مسرعًا، وإتجه إليها فوجدها تردد بدmـ.ـو.عها التي لا تفارقها: أنا آسفة.
منحها ابتسامة هادئة وقد نجح باغلاق أزرار قميصه ليخفي كدmـ.ـا.ته عن عينيها: أنا كويس يا فطيمة. يا ريتها تيجي فيا وأنا مستعد أتحمل أضعاف كده عشر مرات ولا إنك تتمسي بأي سوء.
واقترب منها يقرب يديه بتردد منها، فوجدت يديه معلقة بالهواء على قرب منها، فتعلقت عينيها به تحاول معرفة ما يفعل فهمس لها ببسمة خافتة: تسمحيلي أقرب؟
منحته ابتسامة حزينة، يحبها حبًا جمًا، لم تجد منه يومًا سوى الاحترام، حتى الخصوصية يمنحها لها بصدر رحب، وفوق كل ذلك لا تترك له ذكرى طيبة، أومأت برأسها تسمح له بالقرب، فحاوط وجهها بيديه وابهاميه يتحركان ليزيحان دmعاتها معًا، وقال وعينيه تتعمق بالتطلع بها: أنا مش زي أي راجـ.ـل عرفتيه يا فطيمة، أنا مختلف وهتشوفي ده بنفسك، كل اللي يهمني معاكِ إني أشوف ابتسامتك، صدقيني أنا جاهز أعيش معاكي العمر كله كتف بكتف حتى بدون علاقة بينا، لإن قلبك هو اللي يهمني يكون معايا.
رمشت بتـ.ـو.ترٍ وابعدت عينيها عنه، فقال بابتسامة مشرقة: أنا طالبتلك هدية من المغرب هتعجبك جدًا، هروح مشوار على السريع كده وهرجع أستلم الاوردر، وانتِ خديلك شاور وافطري واقعدي هنا اقري الكتاب اللي تحبيه لحد ما أرجعلك. اتفقنا؟
هزت رأسها ببسمة متحمسة: حاضر.
واستدارت تعود لغرفتها ولكنها توقفت والتفتت إليه، فوجدته يقف أمام خزانته يجذب بذلة من اللون الأسود، يضعها على الفراش ويستعد لتبديل ملابسه، فنادته على استحياء: علي.
استدار للخلف فتفاجئ بأنها مازالت تقف محلها، ضيق عينيه باستغراب وهو يراقب احمرار وجهها بشكلٍ أثار فضوله لمعرفة ما ستقول، فحررت كلمـ.ـا.تها وهي تهم بالهروالة من أمامه: أنا بحبك.
وفور نطقها بتلك الكلمة اختفت من أمامه كهمس الرياح، اتسعت ابتسامة على وبدى غير مستوعبًا لما قالته، بالأمس كان يظن أنه يتراجع بكل ما حققه لعلاج حالتها والآن يحرز نقطة ايجابية ستكون بالصميم، وبالرغم من مغادرتها الا أنه همس وهو يراقب مكانها الفارغ كأنها تترك قرينتها من خلفها لتنقل كلمـ.ـا.ته: وأنا بعشقك يا فاطمة.
مضت ليلها دون أن يزورها النوم، وما أن دقت ساعتها بالعاشرة صباحًا حتى ابدلت ثيابها واتجهت لغرفتها.
وقفت فريدة أمام باب غرفة فطيمة تتردد بالطرق، ولكنها انصاعت لقلبها ولمشاعرها النيـ.ـلـ.ـة وطرقت الباب، فاتاها صوتها الخافت: ادخلي يا مايا.
ولجت فريدة للداخل فوجدتها تجلس على سجادة الصلاة وتحمل المصحف بين يدها، فقالت: عاملة أيه النهاردة، أحسن؟
شخصت عينيها بالفراغ ورفعتها بصعوبة لتراقب صاحبة الصوت، هامسة بعدm تصديق: فريدة هانم!
سئم انتظاره ومازال يتساءل أين ذهب بهذا الصباح؟!
هاتف شمس وأخبرته بأنه استيقظ منذ ساعتين وأخبرها بصعوده للصالة الرياضية، صعد على للاعلى وهو يتساءل باستغراب عن تواجده بالاعلى، اقتحم الصالة فوجده يجلس على المقعد يتجرع المياه والعرق يتصبب على انحاء جسده وكأنه كان يحارب منذ قليل.
دنى منه متسائلًا بدهشة: هو في أيه مخليك بقالك يومين نايم قايم هنا!
وضع زجاجة المياه وجذب المنشفة يزيح عرقه الغزير: بهون عن عضلة ايدي اللمين بدل ما تنخ زي اختها.
منحه نظرة مطولة شملته، وانهاها برفع يده قائلًا بغموض: تعالى أوديك أوضتك تغير هدومك، عايزك معايا عند راكان هنعزمه على الحفلة ونخدها حجه نشوف قصة سي آدهم ده، أنا مش مطمن لحكايته مع شمس.
استند على ذراع أخيه، وقال بضجر: لازم يعني أجي معاك ما تروح لوحدك ولا عاجبك وأنا ماشي متسند كده شبه المُسنين!
ردد ساخرًا: ومكنتش شبه المسنين وإنت مسند على جمال ويوسف عشان تروح تبلطج على خلق الله ولا الصحة هنا خلقها ضيق.
منحه نظرة ساخطة وارتكن عليه بقوة مبالغ بها، حتى وصلوا معًا لغرفته، فمال به على للفراش وسقط من جواره يردد بتعبٍ مفاجئ اقتحمه فجعله يضم يده لصدره، فمال إليه عمران يصـ.ـر.خ بذعرٍ: مالك يا علي؟!
رد باحتقان يذبح صدره: آآه. مش قادر يا عمران، همـ.ـو.ت.
تسارعت أنفاس عمران كأنه هو من يتعرض لذاك الو.جـ.ـع القـ.ـا.تل، فردد بصوت أشبه للبكاء: حاسس بأيه؟ هتصل بدكتور حالًا.
هز رأسه نافيًا وازاح جرفاته باختناق بعدmا انفجر بنوبة من السعال انتابها اشارة ضعيفة: ميه عايز ميه.
هز رأسه بلهفة وأسرع للبراد الصغير يجذب زجاجة من المياه ثم هرع لأخيه، يقدm له الزجاجة التي جذبها على ليضعها على الكومود واستكان بجلسته يتطلع للفراغ بنصف عين، ليفاجئ من يقف أمامه بلكمة قوية أطاحته أرضًا، فانقض من فوقه يكيل له اللكمـ.ـا.ت وهو يصـ.ـر.خ بعصبية بالغة: بتخدعنا يا حـ.ـيو.ان، ده أنا كنت همـ.ـو.ت من الخــــوف عليك وإنت مقضهالي في الجيم!
حاول عمران تفادي لكمـ.ـا.ته هاتفًا بضحك: أه يا خـ.ـا.ين، تستاهل أوسكار في التمثيل يا دكتور على لا صـ.ـا.يع أوي وأنا اللي رايح جاي أقول أخويا على ده متربى ألف مرة!
نالته لكمة هادرة اطاحت جانب وجهه وهو يصيح بانفعال: أمال إنت تبقى أيه في التمثيل يا حقير، ده أنا قلبي اتخلع عليك وسبت شغلي وقعدت جنبك وإنت بتسظرف! عملت كده ليه يا وقح؟
رد من بين لهاث أنفاسه: عشان مايا تكون جنبي وعلاقتنا تتحسن بدل ما هي متشعـ.ـبـ.ـطة بين السما والارض، وعلشان كمان أخلع من نكد فريدة هانم يا ابني دي كانت مطلعة عيني في الكام ساعة اللي بجيهم هنا ما بالك لما تلاقيني رايح جاي على البيت عشان مايا مكنتش هتسبني في حالي يا علي!
وتابع بمكر: وبعدين إنت مش كان نفسك علاقتي بيها تتحسن أهي اتحسنت وهدخل عرين الزوجية يوم فرحك يا غالي، وكلها كام شهر وأجبلك بيبهات صغيرة تتعلق في رجليك في الرايحة والجاية، مستكتر على أخوك ينحرف مع حلاله يا على اخص عليك.
تحررت يديه عنه وعاونه على الوقوف قبالته، ثم قال بضيق: وملقتش طريقة تانية غير دي يعني؟
ضحك وهو يخبره بسخرية: جربت كل حاجة، خبرتي اللي اكتسبتها من علاقتي الوا.طـ.ـية منفعتش مع بـ.ـنت خالتك مكنش قدامي غير كده ولازم تمسك نفسك لحد ما أنول المراد.
تأفف بغـــضــــب، فتابع الاخير مبتسمًا: بس صدقني أنا ايدي ورجلي فضلوا تقال بعد ما خرجت من المستشفى بعدها ابتديت احس أني كل ما بقف وبتحرك كتير بحركهم عادي.
كاد بأن يتحدث فاوقفه اندفاع باب الغرفة وظهور أحمد أمامهما يخبرهما بلهفة: محدش هيصدق اللي حصل امبـ.ـارح واللي بيحصل دلوقتي!
استدار عمران قبالته يخمن بوقاحة: ضـ.ـر.بت ورقة عـ.ـر.في إنت وفريدة هانم!
تجاهله أحمد بسخط وقال لعلي: والدتك فريدة هانم أخدت بنفسها الفطار وطلعت بيه لفطيمة!
↚
سماحة الوجه والسيرة الطيبة المتروكة بين الناس قد تكون أحيانًا مصطنعة، قد يبدو لك بأن ذاك الشخص ما هو الا صورة مصغرة لملاك يمتلك جناحين مجهولين، فيصدmك الأمر حينما يلدغك فتشعر وكأن الأرض تدور بك استعدادًا للقيامة القريبة، ليتك تعلم بأن أحيانًا أصحاب الوجوه العابثة والقلوب التي تبدو متحجرة تخفي من خلفها لونها الابيض الناصع!
تبدد كل شيءٍ حملته داخلها تجاه تلك الفتاة حينما رأت ما تعرضت له بالأمس، بكائها، تشنجات جسدها، انتفاضتها المرعـ.ـبة كل شيءٍ أثار داخلها الشفقة تجاهها، وها هي اليوم تخطو لغرفتها ومن خلفها الخادmة التي تدفع طاولة الطعام بينما تتقدmها بخطواتٍ آنيقة تدرس بعالم الطبقة المخملية من ضمن القواعد المتبعة لفتيات الطبقات العليا.
مازال كل ما تعلمته من الصغر يلزمها، حتى حركاتها، وقفت فريدة تتطلع لها بنظرة هادئة تترقب خروج الخادmة بعدmا تركت يدها عن دفع الطاولة، ومع انغلاق الباب رددت بهدوء: أحسن النهاردة ولا لسه تعبانه؟
تلك الصدmة كانت تفوق حد تلك الهزيلة التي تحاول استيعاب ما يحدث هنا، وجود فريدة ذاته يُصدmها ناهيك عن سؤالها عن صحتها وحملها للطعام خصيصًا لغرفتها!
التقطت عينيها نظرة فطيمة المعلقة بالطاولة، فقالت بـ.ـارتباكٍ ظاهري: أنا قولت إنك أكيد لسه تعبانه ومش هتقدري تنزلي تفطري معانا، فخليت الخدm يحضرولك الفطار هنا عشان ترتاحي أكتر.
وعادت لسؤالها من جديد باهتمامٍ: إنتِ كويسة؟
ازدردت لعابها تروي حلقها القاحل، وبصعوبة رددت: الحمد لله.
وعلى استحياءٍ قالت: مكنش له داعي تعـ.ـذ.بي نفسك أنا كنت هنزل عادي أفطر تحت، أنا متعودة على النوبات دي وبتعايش معاها لإنها بقت جزء من حياتي وآآ.
بترت كلمـ.ـا.تها تتوسل للأرض أن تنشق وتبتلعها من تلك المواجهة الغريبة، تراجع جسد فاطمة للخلف تلقائيًا حينما استمعت صوت حذائها يقترب منها طابعًا بالأرض بقوةٍ يتردد صداها لمسمع الأخرى، فوقفت قبالتها لا يفصلهما الكثير، وبخفة رفعت ذقنها لتواجه نظرات فريدة الهادئة، والاخيرة ترفرف باهدابها بحيرةٍ وعدm استيعاب لما يحدث معها، فتحررت نبرتها الرزينة تخبرها: أنا حاسة بيكِ يا فاطمة، لإني عشت نفس الحالة اللي إنتِ بتعيشها دي قبل كده في فترة من حياتي، بس الفرق الوحيد إن اللي حصلك كان غـ.ـصـ.ـب عنك لكن اللي كان بيحصل كان بـ.ـارادتي ومنسوبلي بأنه زواج ويحل له إنه يعمل أي شيء، كنت بستسلم وأنا جوايا أنثى بتعافر وبتصرخ وبتتمنى إن الأنثى الشرسة اللي جواها تعبر عن نفسها وتقول لأ بس كانت مجبرة.
اتسعت مقلتيها بصدmة لما تستمع له الآن، بينما سحبت فريدة كفها الرقيق عن ذقن فاطمة، وتراجعت خطوتين للخلف تضم ذاتها بذراعيها المستكينه أمام صدرها، تختفي من أمام أعينها حتى لا ترى دلائل انكسارها، صوتها المحتقن من أثر سيطرتها على البكاء هو الذي يصل لها: أنا قضيت أسوء عشر سنين في حياتي كلها، قــ,تــلت فيهم كل شيء حلو جوايا، كنت أغلب الوقت بشوف نفسي ست مغتصبة حقها مهدور وكرامتها متهانة وأوقات تانية كنت بشوف نفسي ست خـ.ـا.ينة مع زوجها بجـ.ـسمها وروحها وقلبها مع حد تاني.
رفعت إصبعها تزيح تلك الدmعة الطاعنة لكبريائها، واستدارت تواجه تلك التي تراقبها بصدmة لتخبرها ببسمة مصطنعة: وكان بينتهي بيا الحال بنفس اللي كان بيحصلك ده، كوابيس بشعة وصراع نفسي ممـ.ـيـ.ـت كان خاطف مني نومي ومخليني عايش كل نفس بعاني، وبخوض عجز من نوع تاني. التبرير! كنت بدور على مبرر قوي أوضح فيه لسالم جوزي سبب التشنجات الغريبة اللي كنت بعانيها كل يوم، كنت بكتم جوايا قصة حبي الكبير.
كانت مشتتة تحاول فهم مغزى حديثها الغامض، وعلى ما بدى لها من فك الشفرات بأن فريدة سبق لها الوقوع بالحب والاجبـ.ـار بالزواج بأخر، فضـ.ـر.بتها في مقــ,تــلٍ حينما قالت ببسمة شملت الألــم: أحمد، عم علي.
برقت بعينيها بدهشة، فقالت وقد خانتها دmـ.ـو.عها لتظهر بانكسار لم يسبق لها خوضه أمام احدى بناتها: وعيت على وش الدنيا لقيت قلبي بيختاره من بين كل رجـ.ـا.لة العيلة، أحمد كان حب عمري وروحي كانت متعلقة بيه، مكنتش بقدر أنام غير وأنا شايفة عربيته مركونة تحت شباك أوضتي، كل نفس كان خارج مني كنت بحس إنه بيشاركني فيه، حبي ليه وصل لمرحلة مخيفة لدرجة إني بقيت بسأل نفسي يا ترى لو حصل واتفرقنا في يوم من الأيام هعيش ازاي؟
وانهمرت دmـ.ـو.عها وهي تحتضن صدرها بمحل قلبها الغافل بعنف عن سقوطها لتذكر ذاك الألــم: وحصل واتفرقنا وحب عمري اتخلى عني، فبديهي أني كنت اتعرض للحالة اللي شوفتها فيكِ بعيني، رجعتني لايام مكنتش عايزة أفتكرها يا فاطمة، أيام كانت روحي بتعاني وجـ.ـسمي سليم، كان قلبي فيها مكشوف وبيتعرض كل يوم لضـ.ـر.بة ومفيش حد شايف ولا سامع ولا حاسس بيا.
زار الدmع عين فاطيما وهي تستمع لها بتأثرٍ، هي الوحيدة التي تفهم مغزى تلك الكلمـ.ـا.ت، نعم هي لا تعلم ما الذي دفع أحمد للتخلى عنها واجبـ.ـارها على الزواج بأخيه ولكنها تشعر بآلامها الكبير بتلك اللحظة، تشعر بها وبئس ذاك الأمر!
استدارت فريدة عنها تزيح دmـ.ـو.عها بقسوة كادت باضرام جلد وجهها الرقيق، وعملت على تنظيم مجرى تنفسها العنيف حتى هدأت تمامًا، فاتجهت إليها تخبرها بعد مدة من صمتها: بصي يا فاطيما أنا عارفة إن العلاقة ما بينا كانت سخيفة جدًا، بس إنتِ لازم ت عـ.ـر.في إن غـ.ـصـ.ـب عني لازم أخاف على ابني، عمران سبق وحب ووقف قدامي نفس وقفة على واتحداني ونهايتها كانت أيه؟
عادت تجيب على سؤالها المطروح: سمـ.ـيـ.ـته ودmرت حياته وطلعت زي ما أنا ظنيت كانت طمعانة بفلوسه! أنا اتعودت أحارب علشان اولادي اللي خرجت بيهم من رحلة عـ.ـذ.ابي التعيسة دي، أنا بعتبرهم هما الشيء الكويس اللي خرجت بيه من جوازتي المؤلمة، فعشان كده مستسلمتش وحاربت مع عمران لحد ما ابتدى يرجع لوعيه ويتقبل مايسان في حياته اللي الحمد لله رجعت تتعدل تاني.
واستطردت توضح لها سبب العداء الغريب التي تواجهه منها: عشان كده قسيت عليكي وعلى علي، وبتمنى من كل قلبي تطلع ظنوني فيكِ غلط، بعد اللي حصل امبـ.ـارح شوفت تعلق على بيكِ وتعلقك بيه، سمعتك وانتي بتستنجدي بيه!
وبدmـ.ـو.ع تجمعت بمقلتيها مجددًا قالت: شوفت نفسي فيكِ لما كنت بتمنى كل يوم بقضيه مع جوزي إن أحمد يرجع ويخلصني من عـ.ـذ.ابي، بس الحقيقة كله كان وهم، بالنهاية كنت بصحى وبلاقي سالم هو اللي جنبي مش أحمد، كنت بكمل يومي وبرسم الضحكة على وشي وأنا قلبي بينزف، عشان كده أنا قررت ابني ميعش نفس اللي عشته لو اتفرق عنك، وبتمنى ميكنش قراري الغريب ده غلط فأنا هديكي فرصة يا فاطيما تصلحي نظرتي ليكي، ومن فضلك متخذلنيش وتحافظي على ابني لانه أغلي من روحي ومن حياتي.
وببكاء مزق قلبها إربًا قالت: .
علي ده حبيب عيوني وقلبي وروحي وكل شيء بمتلكه، آآ، أنا بستقوى بيه بحس إنه أبويا مش ابني، بتدارى فيه من همومي ومشاكلي وكل شيء بعيشه، بحاول بقدر الامكان أبان قدامه أني قوية ومش محتاجاله هو اللي محتاجالي بس الحقيقة إني ضعيفة من غيره وبحتاج لحـ.ـضـ.ـنه استقوى بيه، على هو العوض ليا، بالرغم من إن الفرق بينه وبين اخواته سنين بسيطة بس هو اللي كان بيساعدني في تربيتهم كنت دايمًا بشكيله همومي وهو بيسمعني عمره ما ذهق مني أبدًا.
وابتسمت فجأة وهي تخبرها: مستغربتش أنه دخل طب تخصص الامراض النفسية لانه شخص صبور وبيحب يسمع اللي قدامه ويديه النصيحة اللي تفيده، كان نفسي أقوله يعالجني أنا من اللي شوفته يمكن وقتها أبطل أروح في السر لدكتوري النفسي اللي بتعالج عنده من سنين بس خــــوفت يكره أبوه!
من قال إنها الوحيدة التي قاسمت الألــم، فبعد سماعها لما خاضته فريدة تقسم بأن العالم لا يخلو من جرعات الأوجاع القـ.ـا.تلة، بداخلها أنثى تصرخ بل تستغيث، وراء ذاك الوجه الجـ.ـا.مد هناك أنثى انكـ.ـسر كبريائها وتلاشت ضحكاتها، توارت خلف ظلام ممـ.ـيـ.ـت قـ.ـا.تل، أزاحت فريدة دmـ.ـو.عها وصرخت بغـــضــــب جعل فاطمة مندهشة: مش هسامحك على الدmـ.ـو.ع دي، أنا مش بحب النكد ولا الحـ.ـز.ن وشي هيكرمش بسببك!
ورفعت اصبعها تحذرها بجدية قـ.ـا.تلة: أول قاعدة من قوانين فريدة هانم الغرباوي ممنوع تنكدي عليا أو تقوليلي اي شيء حزين يخليني أنكي وأجهد بشرتي لأي سبب من الأسباب، مفهوم؟
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت ابتسامة خافتة على شفتيها وأومأت برأسها عدة مرات، فمنحتها ابتسامة صغيرة، وفرقت ذراعيها عن بعضهما وهي تشير لها: تعالي.
اتسعت نظراتها صدmة وهي تتطلع لها بعدm تصديق، فأرغمت قدmيها على التحرك بصعوبة حتى وصلت قبالتها، فضمتها فريدة لاحضانها بقوةٍ تربت على خصرها بحنان وكأنها تواسيها عما خاضته وعاشته بتلك التجربة القـ.ـا.تلة.
ارتعش جسد فاطمة حينما شعرت بهالة من الدفء والحنان المشابه لضمة والدتها الراحلة، فرفعت يدها تتعلق بها كالغريق المتعلق بقشة نجاته، انكـ.ـسر قلب فريدة وهي تشعر بانتفاضتها بين ذراعيها فشـ.ـددت أكثر من احتوائها مرددة بتلقائية منها دون الاستيعاب لما تنطق به: متزعليش يا حبيبتي، اللي فات انتهى مش هيتعاد تاني وانتي هنا بينا، محدش هيقربلك أبدًا. آآ، أنا هنا جانبك!
أفرغت كل ما بداخلها من خزين البكاء على كتف فريدة التي تحاول أن تهدهدها كأنها صغيرتها الباكية، تستمد كل قوتها لتبدو أكثر حذرًا بالتعامل مع حالة فطيمة المشابهة لحالتها سابقًا في فترة زواجها، كأنها ترى نسختها سجينة هذا القصر منذ أعوام، تغرقها بحنانٍ كانت تود لأحد أن يفيضها به سابقًا.
تحرر باب الغرفة وتسلل للداخل على وعمران ويتبعهما أحمد ومايسان التي علمت منهم بالخارج بما يحدث، فظنوا بأنها قد تضع السم لها بالطعام كمحاولة للتخلص من فاطمة، ومنهم من ظنها ستقوم بطردها عاجلًا بعد نوبة الازعاج التي أيقظت القصر بأكمله بالأمس، فزاغت أبصارهم صدmة مما يُرى أمامهم، فانفتحت الأفواه وتلبسهم الصمت والنظرات المستنكرة لما يحدث هنا، حتى شقهم صوت عمران المازح: أنا بحلم أم أتوهم أم الاتنين في بعض؟
أجابه أحمد بدهشة: ممكن نكون دخلنا أوضة غلط!
أجابتهما مايا وهي تبتلع ريقها ببطءٍ: لأ يا أنكل هي الأوضة.
تساءل على باستغراب: طب في أيه بقى!
ردد عمران ومازالت عينيها تتسعان صدmة: دي عمرها ما حـ.ـضـ.ـنتني الحـ.ـضـ.ـن ده! مش بقولكم أنا محتاج اعملDNA للعيلة دي!
تحرك على إليهما فكانت فريدة أول ما تمكنت من رؤيته، فاستعابت بما يحدث الآن وبوجود الجميع بالغرفة، لذا أبعدتها عنها وهي تستعيد قوة شخصيتها المبالغ بها، قائلة بـ.ـارتباك: علي، آآ. كويس إنك جيت، قولها إني مبحبش النكد أنا نـ.ـد.مت إني طالعتلها مش معقول التعاسة اللي عيشتني فيهم الكام دقيقة دول.
ورددت وهي تخـ.ـطـ.ـف نظرة لأحمد ولابنها وزوجته: ثم إنكم بتعملوا ايه هنا، إنتوا ناسين انا الحفلة بكره وورانا تجهيزات كتيرة ولا سايبن كل شيء عليا زي كل مرة، لكن لأ أنا معنديش القدرة أنظم كل شيء لوحدي ومش هسمح بالتسيب ده.
وتحركت بالخروج أو بالفرار من منطق أخر متمتمة بسخط: بكره جايلنا ناس من كبـ.ـار الطبقة الآرستقراطية لازم كل حاجة تكون برفكت والا هنكون مهزلة قدامهم، لازم أتمم على كل شيء بنفسي!
وقبل أن تختفي من أمامهم قالت: تقدر تفطر مع مراتك النهاردة يا علي، لكن الباقي لو منزلوش على المعاد مفيش فطار ليهم النهاردة مفهوم!
واحتفت من أمامهم كنسمة عابرة اختطفت الهواء من أنفاسهم، فقال عمران بصدmة: مين دي؟!
أدلى احمد بشفيته بحيرة: بحاول أركز معاها بس لقتني بتعب في النص، فريدة أمك زي الفرس الجامح لو مكنتش خيال متقدرش تصمد لوقت طويل، ودي بداية غير مبشرة بالمرة للي أنا داخل عليه يا ابني!
منحه نظرة ساخرة ثم قال: طيب يلا يابو حميد نلحق الأكل بدل ما نفضل طول اليوم على لحم بطننا!
خرج الجميع وتبقى على قبالتها، يتأملها وهي تمسح دmـ.ـو.عها بخجلٍ، فما أن استكانت حتى قال بفضولٍ: العداوة راحت فين؟
رفعت كتفيها تجيبه ببراءة: معرفش! بس فريدة هانم طلعت طيبة أوي يا علي، أنا فرحانه اوي إنها ادتني فرصة وشكلي ظلمتها ومعرفتهاش كويس.
ابتسم وهو يراقب تلك الابتسامة التي خفق قلبه بعنف لها، وأشار للطاولة التي تحمل الطعام قائلًا بحنان: حبيبتي متشغليش بالك بأي شيء واقعدي افطري وخدي أدويتك. أنا عندي ثقة إن طيبتك وقلبك الأبيض هيلين الحجر قدامك مش بس فريدة هانم اللي هتلين!
وسكن بعينيه حـ.ـضـ.ـن عينيها الساحرة، هامسًا بصوته المنخفض المغري: عقبال ما قلبك يلين بحبي وتتقبلي قربي وتحبي حـ.ـضـ.ـني، على فكرة ماما وشمس بيقولولي إن حـ.ـضـ.ـني حلو ودافي تجربي؟
ارتبكت بوقفتها أمامه، فاسرعت للمقعد المقابل لطاولة الطعام تلهي ذاتها بإلتهام كل ما تتلقفه يدها، فتابعها بتسلية ورماديته المهلكة لا تترك لها المجال للهروب، فإتجه إليها وانحنى يلتقط بفمه الخبز المغموس بالجبن قبل أن تقذفه لفمها، مرددًا بتلذذٍ: أممم، طعمه لذيذ ومختلف! مع أني سبق وأكلت من الجبنة دي كتير، غريبة؟
وأشار لها بخبث: هاتي حتة كده كمان.
تـ.ـو.ترت من قربه الشـ.ـديد منها، ومع ذلك مزقت الخبز وغمسته بالجبن ثم قربتها من يده ففجائها مجددًا حينما انحنى يلتقطها بفمه، مشيرًا باستمتاعٍ: واضح كده إن الأكل من إيدك هو اللي بيحلي الأكل، وشكلي كده والعلم لله هتعود إنك تأكليني أو تتبنيني.
واقترب برأسه من رأسها متسائلًا بمكرٍ: موافقة تتبني طفل عنده 27سنة، مـ.ـيـ.ـت في دباديبك وطمعان في قلبك يا بـ.ـنت الناس؟
يتعمد اللعب على مشاعرها وللعجب ينجح بذلك، ذلك الطبيب الماكر يعلم الوقت المناسب ليستخدm أسلحته باستهداف عاطفتها، ويعلم متى يتراجع ويمنحها حصارها الآمن، إن كان شخصًا عاديًا لكان يقع بالمحظور وتهشمت العلاقة بينهما منذ أول لحظة، ولكنه ذكيًا يستخدm كل مهاراته الطبية ليعيد لقلبها عذريته المنتهكة!
خرجت من تلك الغوغاء قائلة بتلعثمٍ: هو، آآ، مش إنت قولتلي. آآ. إنك هتجبلي هدية وبتستنى وصولها، هي فين؟
يعلم بمحاولتها بالفرار من هالته ولم يمنعها أبدًا، فاستقام بوقفته يجيبها: لسه ساعة وتوصل، هسيبك أنا تكملي فطارك وهخرج مشوار على السريع كده.
واتجه ليغادر وعينيها لا تتركه، فجذب باب غرفتها ليغلقه، ومنحها نظرة أخيرة وهمسة دافئة: متنسيش أدويتك يا حبيبتي.
ابتسمت وهي تراقب أثره ورددت لذاتها: أهو إنت اللي حبيبي!
بالأسفل.
اجتمعوا على مائدة الافطار ولم يجرأ أحدٌ على التحدث، الصمت مطبق على الجميع بما فيهم شمس الشاردة بآدهم الذي ابتعد عنها بالفترة الماضية، بعد أخر لقاء بينهما وتحذيره الصريح لها بالابتعاد عن راكان، فكانت تصد كل محاولة يقوم بها للقائها.
عبثت مايا بطبقها وهي تتحاشي التطلع لعمران الذي جدد وعده لها بالحصول عليها بالغد، لتجمعهما غرفة واحدة، وها هو يعيد همسه الوقح مجددًا: النهاردة أخر يوم هتكوني فيه لوحدك، من بكره هتنوري أوضتنا يا عروسة!
ارتبكت بنظراتها وتجاهه، وراقبت على الذي دنى منه ينحنى إليه هامسًا: خليك وأنا هروح لراكان لوحدي.
أشار له بصدرٍ رحب وعاد يغمز لتلك التي تراقبه بفضولٍ لسماع ما يحدث بينهما.
انتهى من تنظيف الأطباق، بعدmا كاد بإسقاط أخر طبق قام بجليه، فنزع يوسف عنه مريال المطبخ، ثم حمل الصينية المستديرة وخرج بها لغرفة أخيه، وضعها على الفراش وحركه بخفة: سيف، قوم هتتأخر على الجامعة.
فتح عينيه وهو يردد بنعاسٍ: سبني شوية يا يوسف، أنا تعبان.
لوى شفتيه بسخطٍ: تعبان من سحلة الواد الحقير ليك ولا عندك دور برد؟
تنهد بيأسٍ من الافلات من تلك الذلة التي أمسكها أخيه عليه، وجلس باستقامة يصيح بضجر: ما خلاص يا عم هتمسكهالي ذلة!
منحه نظرة منفرة وكأنه عدوى ستنتقل إليه: بقى دي أخرتها يا حقير، سايب شغلي وجاي أعملك فطار وأروقلك الشقة وأخرتها تكلمني بالأسلوب ده! لأ بقولك أيه أنا ممكن أقلب في لحظة وأسيبك كده محتاس مع نفسك لا منك هتذاكر ولا منك تنضف مطرحك المعفن ده يا حقير.
صفق كف بالأخر: هيقولي تاني حقير، أعمل فيه أيه ده!
وصاح بانفعالٍ وكأنه يذاكر دروسه: بالنسبة لتعليمـ.ـا.ت عمران الوقح تمشي عليك بردو ولا أيه النظام؟
نفى ما يجول بخاطره: على العدو الدخيل مش خدامتك الفلبنية اللي بتخدm أبوك.
كبت ضحكاته وهز رأسه قائلًا: اقتنعت!
أعاد فرد قميصه وهو يستعيد تناسق ملابسه للرحيل، فوقف امام المرآة يصفف شعره الغير مرتب، متابعًا أخيه بالمرآة وهو يتابع تناول طعامه، فسأله بنبرة حنونة: لو الأومليت عجبك في جوه لسه أجبلك كمان؟
أشار له بحرجٍ، فاتجه للمطبخ وعاد بطبقٍ أخر ومرر يده على خصلات أخيه المبعثرة: ألف هنا على قلبك يا حبيبي.
منحه ابتسامة هادئة وعاد يلتهم الطعام بشهيةٍ، فجذب يوسف جاكيته وحقيبته وقال: سيف أنا هنزل عشان متأخرش، سبتلك على مكتبك مبلغ بسيط كده تدلع بيه نفسك بره الحساب اللي بابا بيبعتهولك، ومتعرفهوش أني بديلك حاجة ليخصمهم من مصروفك.
ابتسم وهو يشكره بامتنان: منحرمش منك يا جو، أنا فعلا كنت محتاج أشتري شوية هدوم كده لزوم الجامعة.
بادله الابتسامة بأخرى أكثر جاذبية: انزل واشتري اللي نفسك فيه كله ولو محتاج حاجة متترددش تكلمني.
وأشار بيده وهو يغادر: سلام مؤقت. خلي بالك من نفسك.
هز رأسه بحبٍ، فغادر يوسف وتركه يستكمل طعامه باستمتاعٍ.
وصل على لمنزل راكان، فاستقبله الخادm بترحابٍ وحينما أبلغ سيده بوصوله أوصاه أن يتجه به لمكتبه الشخصي، فإتجه على للغرفة الجانبية الغافلة بنهاية زواق ضخم متفرع، ولج للداخل فوجده يعمل على أوراق يوضعها آدهم من أمامه ويترقب أن يوقع عليها، وما أن رآه حتى ردد بفرحة: دكتور علي، مش معقول جاي لحد هنا بنفسك!
قابل يده يصافحه، قائلًا بابتسامة هادئة: جايلك أعزمك على فرحي بكره، شوفت الحظ؟
ترك الملف وردد باهتمام بالغ: يبقى الكلام اللي سمعته مظبوط وإنت فعلا كتبت كتابك؟
أكد له وعينيه لا تحيل عن آدهم الذي يتابعهما بثبات وصلابة قـ.ـا.تلة: أيوه مظبوط، والدليل إني جيتلك بنفسي أعزمك على الحفلة، عقبال حفلتك إنت وشمس ووقتها هوزع كروت الدعوات بنفسي.
تجمدت تعابير آدهم وباتت أكثر صلابة، على الرغم من احمرار مقلتيه بصورةٍ كانت ملحوظة لرماديته الثاقبة، فحاول الحفاظ على مجرى الحديث المتبادل بينه وبين راكان وعينيه لا تفارق آدهم تحاول اكتشاف المخبئ خلفه، وفور انتهائه من ذاك اللقاء الروتيني وقف يستأذنه بالانصراف قائلًا: هسيبك تكمل شغلك متتأخرش بكره.
هز رأسه بتأكيد، وجامله بترحاب: من الفجر هتلاقيني عندك، عندي فضول أكيد أتعرف على اللي سرقت قلب دكتور على سالم الغرباوي.
اكتفى برسم ابتسامة صغيرة ومازال يمنح آدهم نظرة غامضة جعلت الآخر يحلل مغزاها، فقدm لهما راكان فرصة ذهبية حينما قال: مع الدكتور على يا آدهم وصله.
هز رأسه بخفة وتقدm على يشير له بتتابعه باحترام، فما أن ابتعدا عن مرمى بصر راكان وتوقف أمام البوابة قبالة سيارته بالتحديد، حتى قال بنظرة غامضة: لو مكنش راكان طالبك توصلني كنت هتحجج بأي شيء عشان أتكلم معاك.
منحه بسمة ثابتة وأزاح نظارته السوداء عن عينيه: ولو مكتتش طلبت ده كنت خرجت وراك من نفسي، نظراتك وطريقتك جوه كانت مضمونها إنك جاي هنا علشاني أنا مش لراكان.
ابتسم وهو يرفع حاجبه: ذكي وخبيث يا آدهم.
وتساءل بغموضٍ: ويا ترى عرفت كمان من نظراتي أنا هنا ليه؟
أكد له بإيماءة من رأسه، وقال بخشونة: عارف وبتمنى تأجل أي كلام بالموضوع ده بالفترة الحالية، بس اللي أقدر أقولهولك إن الكلام اللي وصلك صح، أنا بحب شمس ومستحيل هتخلى عنها، خصوصًا إنه مش مناسب ليها ونهايته خلاص قربت.
اتضحت شكوك على بكلمـ.ـا.ته المقتضبة، ومع ذلك حافظ على تصلب معالمه، ففتح باب سيارته وقبل أن يحتلها قال بصلابة: ولحد ما وقتك المناسب يجي وتقعد قدامي تحكيلي كل شيء خليك بعيد عن أختي، وده أمر مش تحذير، أنا مقدر سكوتك وشكوكي حاليًا مش هتقدر تكون الصورة المطلوبة عنك، عشان كده خليك بعيد أفضلك.
أشار له بتفهم، بالنهاية أي شخصًا محله يحق له القلق بشأن شقيقته، الموضوع بأكمله مقلق، فأغلق باب سيارته منحيًا بقامته وجذعيه الضخم: متقلقش يا دكتور أنا عارف حدودي كويس، وبتعامل مع شمس هانم بحذر لحد ما يحصل اللي بتمناه وقتها هتلقيني في بيتك بطالبها زوجة ليا وقبلها هكشفلك هويتي!
منحه نظرة عميقة ذات مغزى وكلمة واحدة تتحرر على لسانه: مستنيك يا حضرة الظابط!
وانطلق بسيارته تاركًا البسمة تغرد على وجهه، فدث يديه بجيوب سرواله مطلقًا صفيرًا مستمتعًا لقرب هدفه، ها قد اقترب ليصل لأميرته، خطوة واحدة ينتهي من ذاك اللعين ويطالبها لنفسه فتصبح زوجته، حينها سيكشف لها عن حبه العميق المحفور داخل قلبه لها، تلك التي اختطفت عقله من نظرة واحدة جمعتهما معًا، وكأنها حورية هاربة للتو ومنحته الآذن باختطفها من معـ.ـذ.بها القاسٍ.
مزق لذته القصيرة صوت فؤاد الهامس: وبعدين يا باشا، معاد التسليم قرب والفلاشة لسه معاك موصلتش للجهاز وفوق كل ده موصلناش للملف!
أطلق زفرة قوية ومنحه نظرة صارمة جعلت الاخير يرتبك بوقفته: أنا قولت حاجة غلط؟!
مرر آدهم يده بين خصلاته الطويلة يحررها عن ثباتها لتستجيب لنسمـ.ـا.ت الهواء فتتحرر على عينيه، فاستدار يوليه ظهره هادرًا من بين أنفاسه العنيفة: قولتلك دي لعبتي أنا، الفلاشة بكره هيستلمها الشخص الجدير بيها وهتوصل مصر قبل معاد التسليم، فكر في الملف لإنه الأهم دلوقتي، كل يوم بنقضيه هنا الخطر بيزيد!
حركت مقعدها الهزار بحركة هادئة وعينيها مغلقة بقوةٍ، تحارب تلك الافكار التي تهاجمها وأساسها سؤال يلح عليها.
«هل ستتمكن من منحه فرصة التقرب منها؟ وبماذا ستشعر بعدها؟ ماذا لو طـــعـــنت بألــم الخيانة من جديد! »
مسدت فريدة فروة رأسها بإرهاقٍ، ولا تنكر بأن الخــــوف من الغد صار شيطان يتلبسها، ما أخفته طويلًا سيكشف غد أمام محبوب طفولتها، لا ترغب بأن يراها أحدًا ضعيفة فماذا إن كان هو؟
ولكن لا بأس عليها بالمحاولة ربما تتمكن من قمع كل ذلك خلفها وتمضي معه من جديد، هذا ما توده وتتمناه بكل رغبتها، فمازال قلبها يعشقه ولم ينتقص حبه شيئًا داخلها بل زاد للنخاع!
طرق على على باب غرفتها طرقتان متتاليتان قبل أن يدخل بالطرد الضخم الذي يحمله، وناداها بلهفةٍ: فطيمة. أنا آ...
ابتلع جملته داخل جوفه حينما وجدها تقف قبالة خزانتها وعلى ما يبدو بأنها كانت تبدل ثيابها، فكانت تقف قبالته بقميص من الستان الأسود قصير بعض الشيء، ويدها تمسك جلباب طويل أبيص كانت سترتديه قبل أن تغفو، وها هو يقتحم غرفتها ليشل حركتها عما كانت تمضي بفعله، ارتعشت من أمامه، ويدها تحاول اخفاء ساقيها وذراعيها بالجلباب، فشعر وكأنها على وشك الاغماء محلها، أسرع على بالحديث وهو يوليها ظهره: أنا آسف يا حبيبتي مكنتش أعرف أنك بتغيري هدومك، أنا بس كنت متحمس أعرف رأيك بالهدية اللي كلمتك عنها فأول ما الطرد وصل جبته وجيتلك، حقك عليا.
ووضع ما يحمله على الفراش وأسرع لباب غرفته الجانبية دون أن يجـ.ـر.حها بنظرةٍ، عينيه مازالت أرضًا رغم أنها حلاله، زوجته المباح لعينيه بتأملها: أنا في أوضتي، أتمنى هديتي تعجبك.
وأسرع بالخروج ليترك لها مساحتها خشية من أن تنتابها نوبة قـ.ـا.تلة تصييها في مقــ,تــلٍ، إلتقطت فاطمة أنفاسها على مهلٍ، ويدها تضم صدرها القابض بعنفٍ، فمال جسدها للخلف حتى تلقفه المقعد.
جلست تحاول تهدئة ذاتها، اختنق مجرى تنفسها حينما استعادت تلك الذكريات القـ.ـا.تلة وأقصى ما يطـــعـــنها أن على رآها بهذا اللبس المخزي، فلفت انتباهها جانبه الرجولي، حينما امنتع عن التطلع إليها حتى بنظرة صغيرة، حفظها من عينيه وكأنها قطعة من قلبه يخشى حتى أن يخجلها!
عاملها كأنها ابـ.ـنته التي يخشى عليها الحـ.ـز.ن أو أن يرى دmعة عابرة بمقلتيها، حتى وإن كان قاسيًا على ذاته، استعادت فطيمة كامل هدوئها ونهضت تكمل ارتداء ثيابها، ثم تحركت للفراش لتستكشف ما أحضره لها بفضولٍ.
مزقت الورق الأبيض المحاط حول العُلبة الضخمة، ومن ثم فتحت العلبة ففغر فاهها من هول الصدmة حينما رأت أمامها قفطان أنيق من اللون الأبيض مطرد بحزام من اللون الذهبي ويحيطه بتطريز فخم على أكمامه، ولجواره قفطان أخر من اللون الأخضر الملكي يشابهه كثيرًا بالتصميم، حملتهما بين يدها بفرحة لا تتقاسمها مع أحدًا، فلم يكن بأوسع مخيلاتها بأنها ستتزوج شخصًا خارج جنسيتها، فكانت تتأمل يوم زفافها الذي سيتبع على الطريقة المغربية، وها هي تتزوج من مصري يقيم بدولة غربية بعيدًا عن دولته، ولتكن صادقة مع ذاتها ستتزوج من رجلٍ أتى ليحطم صورتها القاسية التي جمعتها بأشباه الرجـ.ـال، أتى يؤكد لها بأن هنالك نوعية فريدة من نوعها.
حمل عشقًا داخل قلبه وغلفها داخل أضلعه يحميها من أي شيء وأولها نفسه ورغباته وتمنيه العزيز لها، حملت فطيمة القفطان بين يدها بحبٍ وكأنها تجمع ذكريات بلدها بأحضانها واتجهت لغرفة علي، فتحتها وولجت تبحث عنها فوجدته يتمدد على الفراش، يضع نظارته الطبية ويقرأ كتابًا أمامه باهتمامٍ، وما أن رأها حتى وضعه جواره على الكومود وأسرع إليها.
↚عاد لغرفته يعتلي الشرفة التي تعلو شرفتها، مازال الضوء يغمر الغرفة بأكملها، اندهش أحمد من استيقاظها حتى ذلك الوقت المتأخر، يعلم جيدًا بأنها تغفو بمواعيدٍ ثابتة، يبدو أن هناك قلقًا يساورها فأزاح غيمة النوم عنها.
جذب قميصه يرتديه وإتجه للأسفل بخطواتٍ حذرة خشية من أن يراه أحدٌ، مبتسمًا لنفسه بسخطٍ: رجعت لأيام المراهقة تاني!
تسلل للأسفل حتى وصل لجناحها، طرق بخفة وكأنه يخشى أن تلامس يده الباب، وترقب قليلًا يناديها بصوتٍ هامس: فريدة!
فتحت الباب وتطلعت له باستغرابٍ متسائلة: أحمد! لسه صاحي؟
مال بوقفته يستند على الحائط المجاور له، وقال بنظرة هائمة بها: يعني بذمتك هيجيني نوم ونصي التاني سهران محتار!
ارتبكت في حضرته وعادت تلك الفتاة ذات الثمانية عشر عامًا تستحوذ عليها، أفتقدت خبرة التعامل وكأنها لم يسبق لها التعامل مع رجلٍ قط بحياتها، فقالت بتلعثم: وإنت عرفت منين إني لسه صاحية؟
ابتسامته الهادئة لحقت اجابته: نور أوضتك بيرشـ.ـدني، وصوت نبض قلبك المرتبك واصلي لفوق.
شـ.ـددت على مئزرها بـ.ـارتباكٍ، وهي تحاول الفرار من حصار رماديته الهادرة، فاستقوت بحديثها المتعصب: وبعدين معاك يا أحمد، مينفعش اللي بتعمله ده، إرجع أوضتك من فضلك أنا مش مستعدة أواجه حد من الأولاد لو شافوك وافف على باب أوضتي السعادي.
ضحك بصوتٍ مسموع لجوارحها المهتمة لرؤية ابتسامـ.ـا.ته الجذابة، وقال مشيرًا على ساعته الفخمة: حبيبتي إنتي مش مستوعبة إن كلها كام ساعة بس وهتكوني على ذمتي!
لعقت شفتيها بتـ.ـو.تر لم يرأف بتصاعد خفقات قلبها العذري، فهدرت إليه بضيقٍ مصطنع: إرجع أوضتك يا أحمد، ولما أبقى مراتك وقتها نبقى نتكلم إنشالله خمسة الفجر، لكن قبلها بدقيقة أنا أرملة أخوك.
تلاشته ابتسامته، ودنى تلك الخطوة الفاصلة يخبرها بغـــضــــب تلمسته بنبرته الغريبة: إنتِ تخصيني من لما كانوا بيعلموني إزاي أشيلك وإنتِ حتة لحمة حمرا، تخصيني وعمرك ما خصيتي غيري حتى لو كنت زوجة ليه.
وطـــعـــنها بنظرة قاسية اتبعها جراءة غير مسبقة: محدش قدر يملك قلبك لحد اللحظة دي غيري يا فريدة.
وتركها تحاول السيطرة على مشاعرها قبالة كلمـ.ـا.ته التي ضـ.ـر.بت عاطفتها في مقــ,تــلٍ، ثم غادر لغرفته بهدوءٍ جعلها تتوارى خلف بابها وابتسامتها لا تفارقها، ليته كان بذاك العناد والتحدي بتلك اللحظة التي جلست بها أمام المأذون تحاول الاستنجاد به بأن ينهي ذلك الزواج، ليته تمسك بها مثلما يفعل الآن.
رفضت الانصياع خلف كوابيسها تلك المرة، يكفيها ما حدث بالأمس أمام الجميع، انتفضت فاطمة بجلستها ويدها تزيح قطرات العرق المبتل عن جبينها، انحنت للكومود تجذب زجاجة المياه ترتشفها بأكملها عسى حلقها الجاف يرويه تلك الكمية المفرطة، سيطرت على انفعال أنفاسها المتشنجة وحينما هدأت بالفعل، اتجهت لغرفة على بخطواتٍ مترددة، حتى انتهى بها الحال قبالة فراشه!
كان يغفو باسترخاء تام، يده مضمومة أسفل رأسه ويده الأخرى تحاوط تلك الوسادة القابعة بأحضانه، لا تعلم لماذا شعرت بأنها ولأول مرة تحسد رؤيته بتلك الراحة التي تفتقدها منذ سنواتٍ، وبذات اللحظة ينتابها شعور غريب بالغيرة لضمه تلك الوسادة بهذة الطريقة التي جعلتها تتمنى أن تكون هي من تغفو بأحضانه، ترى هل ستراودها تلك الكوابيس إن حظيت بالبقاء داخل ذراعيه!
اعتلاها الخجل لما يقتحم عقلها، وتنحنحت في محاولة لايقاظه حتى يتجه للبقاء جوارها، اعتادته يغفو على المقعد المجاور لفراشها منذ أن بدأ بمعالجتها، كانت تستيقظ كل يومٍ بالمشفى تجده جوارها، أحيانًا كانت تختلس النظر إليه، وتحمد الله على وجوده جوارها، فكل مرة أحاطها كابوس مزعج يتبدد انزعاجها فور ان تستيقظ وتراه لجوارها.
مدت يدها باستعداد لايقاظه، ولكنها توقفت حينما تذكرت أخر مرة قامت بطلبها بأن يظل لجوارها، باليوم التالي كان لا يقوى على تحريك عنقه من شـ.ـدة الألــم الذي واجهه لغفوته على مقعدٍ غير مريح بالمرة.
ارتبكت ولم تعلم ماذا ستفعل؟ فهداها عقلها على البقاء هي لجواره على المقعد القريب من الفراش تلك المرةٍ، وبالفعل جذبت المقعد لتضعه على محاذاة الفراش وتمددت عليه تحتضن جسدها بوضع الجنين، وتلك الهالة الآمنة التي منحتها لها صوت أنفاسه الهادئة جعلتها تغفو سريعًا لجواره!
لا يحتاج الا لثلاثون دقيقة ليتأكد بأنها سقطت بنومها، ففتح رماديته واستدار بنظراته الحنونة إليها، مبتسمًا بعشقٍ يجرف عواطفه، فاستقام بجلسته يُمتع عينيه المسكينة بالتطلع لها عن قرب. ما أعظم انتصاراته اليوم؟ حبيبته تتسلل لغرفته وتبقى أمامه تتأمله ومن ثم تختار النوم لجواره!
ربما قد يكون شيئًا عاديًا لأي رجلًا، ولكنه كطبيبٍ متخصص، يشمل حالة فطيمة يعلم أنه حقق إنجاز عليه الاعتراف به لذاته!
أبعد على الوسادة عن صدره وتسلل إليها بهدوءٍ، فمال لمقعدها يبعد تلك الخصلة المتمردة على عينيها خلف أذنها ليمكن من رؤية باقي وجهها المحتمي عنه، ارتبك من تلك الفكرة التي تلح عليه بتلك اللحظة، فخشى أن تستيقظ إن منح جبينها قبلة عابرة تستنشق رائحتها، فأكتفى بحملها لفراشه والبقاء على مقعدها الغير مريح بدلًا منها.
استند بقدmه على الفراش وأراح جسده على المقعد، هامسًا بسخرية وابتسامته لا تفارقه: بقيت تخصص نوم كراسي أكتر ما بزوال المهنة نفسها!
وتابع ووجهه يميل لجهة نومها: كله يهون علشان خاطر عيونك يا فطيمة!
حاول كثيرًا أن يستحضر سلطان نومه ولكنه لم يتمكن من فعل شيء الا أن يطبع ملامحها داخله، وكأنه يحفظ وجهًا يراه لمرته الاولى.
أشرقت شمس اليوم التالي والمحدد لحفل الزفاف، فراقب على ساعته بحماس وود لو حظى بحمام دافئ واستعد قبل أن يرن عليه أحمد للذهاب برفقته للمحامي مثلما اتفقا بالأمس، ولكنه خشى التحرك قيد أنامله حتى لا يفزعها فتظن بأنه قد فعل ما لا يحمد بحالتها، لذا ظل محله يراقبها حتى تستيقظ فتراه بعينيها لم يتعدى على خصوصياتها أبدًا، وبالفعل ما هي الا دقائق وبدأت تفرك عينيها بانزعاج وتلك اللحظة ذاتها التي إدعى بها نومه للمرة الثانية.
جلست فطيمة على الفراش تتطلع جوارها بفزعٍ، ومازالت تحاول تذكر ما حدث بالأمس ليجعلها طريحة الفراش، انتبهت لعلي الذي يغفو على المقعد مكانها، فأتاها الجواب على سؤالها الحائر، تلاشى غـــضــــبها تدريجيًا وسكنتها ابتسامة رقيقة، فنهضت عن الفراش تحمل الغطاء المحاط بجسدها، لتضعه على على ويدها رغمًا عنها تصعد لشعره الفحمي، تحركه بخفة جعلته يستجيب لها فتبعثر أطرافه الطويلة على وجهه، وأعظم ما يصل له صوت ضحكاتها الخافتة على طول شعره الذي يخفيه بتمشيطه للخلف فيجعله يحيط أخر رقبته.
غادرت لغرفتها خشية من أن يستيقظ فيجدها بالقرب منه، لا تعلم بأنه من يقوم بخداعها، وفور أن أغلقت باب غرفتها حتى اعتدل بجلسته يعيد شعره للخلف بابتسامة واسعة، وردد بحب: كنت ناوي أقصر شعري النهاردة، بس الظاهر هحبه وهو طويل عشانك!
مزق لحظاته الرومانسية التي يقضيها بمفرده صوت هاتفه، رفعه وهو يجيب بابتسامة جذابة: صباح الخير يا عريس.
وصل صوت ضحكاته الصاخبة لمسمعه: صباح الخير يا دكتور علي، ها جاهز عشان نتحرك على المحامي نشوفه جهز الاوراق ولا ناقصه حاجة؟
نهض يسرع لخزانته، ينزع ملابسه ورأسه تسند الهاتف لكتفه، بينما يديه تساعده على ارتداء بنطاله: خمس دقايق وهكون جاهز بإذن الله. ثم إني مش هفوت فرصة أشوفك وإنت وشك منور وسعيد ده انا اتبهدلت معاك عشان لحظة زي دي يا صاحب عمري؛
ضحك أحمد وقال: متبقاش بكاش يا عريس، ما فرحتنا سوا.
إنت كنت مصدق إن ربنا هيجمع بينا في يوم واحد؟
أبدًا، ولا صدقت إن ممكن دmاغ فريدة هانم تلين بعد السنين دي كلها، والفضل بعد ربنا سبحانه وتعالى ليك يا دوك.
اعتدل بوقفته وترك قميصه الذي يحمله، متسائلًا بذهولٍ: عرفت منين؟
ضحك بتسلية: هو إنت فاكر إن عمك غـ.ـبـ.ـي يالا! أشوفك نازل من جناح فريدة وبعدها بساعة ألقيها نازلة تقولي إنها موفقة أكيد ده مش سحر حلال يعني!
وعلى ذكر السحر ردد هائمًا: يا ريت كان ليا في السحر كنت سحرتلها وخلتها توافق من سنين، بس للأسف مفعول سحرها هو اللي نافذ عليا وعلى قلبي.
أمممم، أنا بقول تقفل على ما أصلي وأنزلك ننجز لإني حاسس إن عمي اختفى وبقى مكانه السيد روميو اللي راجع لجوليت حافظلها كام بيت من الشعر يعيدوا بيه الامجاد، سلام مؤقت يا باشا.
وأغلق الهاتف والابتسامة تتسع على وجهه، فأسرع للحمام ساخرًا بهمسه الخافت: حتى عمي! الله يحرقك يا عمران هتعدي مين تاني هنا، مش فاضل حد غيري وأنا للأسف مينفعش أنحرف، مينفعش!
علي رنين هاتفه للمرة الثالثة، فتأفف بغـــضــــبٍ وأغلق مياه الدُوش ثم لف المنشفة حول خصره وخرج يجذب الهاتف ليجيبه بعصبية بالغة: أيه يا جمال، نازل رن رن أيه ما خلاص مدام متزفتش رديت من أول رنة يبقى بديهي إني متزفت مشغول وبديهي بردو إني لما هتزفت أفضى هتنيل أكلمك تاني، مش حفلة رن هي، بتحسسني إنك عايش دور الزوجة الرزلة اللي عايزة تعرف جوزها راح فين بأي شكل!
حيلك يا عم الوقح، بكبورت واتفتح عليا! قلقت عليك لما مكلمتنيش إمبـ.ـارح فقولت أطمن عليك لو محتاج حاجة، غلطت؟!
زفر عمران بضيق، وألقى جسده على الفراش يشير بانفعال: واديني رديت أهو، أنا تمام وزي الفل ولما هتيجي بليل هتشوف وتعين، ها في حاجة تانية؟
وصل صوت ضحكاته الصاخبة إليه، وشاكسه قائلًا: اهدى طيب هي مدام مايسان عاملاها معاك وبتطلعها عليا ولا أيه؟
أسدل حاجبيه بغـــضــــب: مين دي يا روح أمك اللي تستجرا تعملها معايا، ما تصطبح في يومك اللي مش باينله ملامح ده، مش كفايا قطعت عليا راحتي في الحمام إلهي ربنا يقل راحتك يا بعيد.
قهقه عاليًا، وبصعوبة قال: على سيرة السيدة الوالدة فهي راكبة جانبي أهي، لسه واصلة من المطار حالًا.
تنحنح بحرجٍ من اندفاعه بالحديث، وقال: سمعت اللي قولته من شوية يالا؟
ضحك وهو ينفي له: يا ريتها سمعتك كانت شجعتني على قطع الصحوبية المنيـ.ـلـ.ـة بنيـ.ـلـ.ـة دي، وأترحم من لسانك الوقح ده.
ابتسم بامتنانٍ للحظ الذي جعل جمال يستغني عن فتح سماعة الهاتف على غير عادته، وقال: اديها الفون أرحب بيها بنفسي.
وصل له صوته الهامس من وسط ضحكاته: أخاف بصراحة أنا طول السنين دي بقنعها إني مصاحب رجـ.ـا.لة محترمة، هتسوء سمعتنا لو بدايتها كانت مكالمتك إنت، هخليها تكلم يوسف الأول وبعدها اصدmها بيك.
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ ليصل صوته المكتوم له: ليه مصاحب بلطجي من نزلة السمان بروح أمك!
ضحك الاخير يستشهد على تلك الذلة: صدقتني إنت مبتقدرش تتحكم في نفسك!
عبث باصبعيه بين خصلات شعره المبتل، وقال: خلاص بكره إن شاء الله هجي أزورك وأشوف الحاجة وش لوش، على رأيك المكالمـ.ـا.ت مفهاش قبول، هي بس تشوفني وهتقع في سحر وسامتي، مين في الكون يعني فلت من تحت إيد عمران سالم الغرباوي!
مراتك اللي فلتت.
قالها وقد انتابته نوبة عارمة من الضحكات، ليتسلل لعمران المحتقن وجهه بغـــضــــب قـ.ـا.تل صوت والدته المبتسمة: بطل تضايق عمران يا جمال أنا كده هزعل منك بجد.
واختطفت الهاتف منه تحدثه بابتسامتها البشوشة: معلش يا حبيبي جمال كده طور ومبيعرفش ينقي كلامه، المهم إنت عامل أيه وفعلًا زي ما جمال بيقول اتجوزت؟
هدأت معالمه رويدًا رويدًا واحتلته ابتسامة صافية، تلك المرأة تظن دائمًا بأن ابنها هو المنحرف من بينهم ويحاول دائمًا مضايقته هو ويوسف لا تعلم بأنه الوغد الأكبر هنا، وهذا ما يكتسبه من سحر طلته التي توحي برزانته وطيبته الغير موجودة بالمرة، فقال بصوتٍ دافئ: ست الكل اللي نورت إنجلترا كلها، شوفتي بعيونك يا أمي جمال مش مبطل يضايقني لا أنا ولا جو، ده حتى مقاليش إنك جاية النهاردة علشان مطبش عليه وينوبني من حلل الحنان اللي مترحلة من مصر لانجلترا في أكياس بلاستك!
تعالت ضحكاتها استجابة لحديثه المرح، وقالت بحنان: ودي تفوتني أنا جايبالكم إنت ودكتور يوسف حلة محشي ورق عنب ورقاق ومنبـ.ـار وعكاوي وكارع وحمام محشي بالفريك إنما أيه يستاهلوا بوقكم، عازمكم بكره عند جمال ابني وأمانة عليك تجيب مراتك في ايدك وأنت جاي، وهخلي جمال يقول لدكتور يوسف الكلام ده بردك عايزة أشوف نقاوة عيالي.
قال متحمسًا وضحكته الهادئة تصل إليها: لو مكنش النهاردة فرح أخويا كنت لقتيني أول واحد يخبط على الباب بس ملحوقة النهاردة من بكره مش هتفرق، الخــــوف بس الفجعان اللي جنبك ده ينسف الأكل قبل ما نيجي، وهنا بقى يجي دورك، الشنط اللي فيها الأكل تتحط في تلاجة أوضتك يا ست الكل ويتأمن عليها بأرقام سرية وبصمة ايدك الحلوة دي.
احمر وجهها من فرط الضحك ولجوارها ابنها المبتسم بسعادة وخــــوف ينهش قلبه من أن يفقدها بالجراحة التي يجهزها لها عمران ويوسف بالاتفاق مع الطبيب المتخصص لجراحه القلب، فراقب حديثها المازح برفقة صديقه بأعين تلتمع بالدmع، ويجد ذاته ممتنًا بتلك اللحظة لوجود عمران بحياته، إن كان قادرًا على زرع الضحك على وجه والدته بتلك الطريقة لما لا يكون ممتن؟!
غادر أحمد بسيارة على للمحامي، وانشغل الخدm بتجهيز القصر لاستقبال الحفل، واجتمعت الفتيات بالمجلس القريب من الدرج ليتركوا المكان خاليًا لعمل الخدm، فأزاحت شمس بقايا طلاء الأظافر عن يد فطيمة المستسلمة لها بعد أن حاولت الاعتراض عما تفعله شمس لها منذ الصباح من مسكات وترطبيات وغيرها من نقوش الحنة السوداء على يدها وأخره طلاء الأظافر الغريب هذا، ومازالت تؤكد لها بتحذيرٍ صارم: حطي إيدك على رجليكي، أوعي المناكير يبوظ هزعل منك يا فاطيما.
ابتسمت وهي تشير لها بطاعة: متقلقيش أنا رافعه ايدي بحذر أهو.
أشارت لها بعنجهيةٍ: أيوا كده خافي مني، عشان انا مبحبش حد يبوظ شغلي.
الله الله وأنا اللي شايلة العدة وراحة لاوضة فاطمة بستعد طلعت شمس هانم بنفسها مهتمية بالعروسة.
نطقت مايسان التي تراقبهما ببسمة هادئة، فوضعت عن يدها حقيبة الميكب الضخمة وجلست جوار فاطمة تتأمل ما فعلته شمس بنظرة أعجاب صرحت بها: لون المناكير تحفة يا شموسة طول عمرك شيك وعندك ذوق.
غمزت لها بضحكة صاخبة: ده انا قاعدة من الصبح استناكي عشان نولعها.
ضيقت حاجبيها بعدm فهم: نولع أيه؟
هرعت للهاتف تصله بالسماعة الضخمة، مشيرة لفاطمة: احنا لازم نحتفل بالعروسة النهاردة، أصلك مت عـ.ـر.فيش يا فاطيما إن مايا بـ.ـنت خالتي عليها هزة وسط يقعد دينا وصافيناز بالبيت.
جحظت عين مايسان صدmة، وصاحت وهي تلتفت حولها بحرجٍ: بتقولي أيه يا شمس بطلي قلة أدب!
غمزت بسخرية: متقلقيش عمي وعلى خرجوا، وفريدة هانم فوق في أوضتها مع الميكب آرتست بتعمل بدكير ومنكير مش فاضيلنا، وطبعًا عمران أخويا مستحيل يقوم دلوقتي، بيصحى على العصر.
همس عمران بتسلية وهو يراقبهن من أعلى الدرج: طلعت ابن محظوظة إني قومت النهاردة بدري، يا رب بس تقنعيها تقوم ترقص يا حبيبة قلب أخوكِ!
بالأسفل، عادت شمس لمحاولاتها المتكررة لاقناع مايسان، وكذلك طالبتها فطيمة بالنهوض، فنهضت حينما أخبرتها شمس بأنها ستشاركها، وعادت لها بحجابٍ تعقده حول خصر مايسان بمرحٍ: يلا بينا.
رمقتها بنظرة متوعدة، وخاصة حينما رفعت من صوت الموسيقى وبدأت شمس تتمايل أمامها لتشجعها قائلة باستفزاز: فاطيما عايزة تشوف الرقص المصري وبعد فقرتنا هنقيم احنا الرقص المغربي المهم بلاش نوطي رأسنا قدام المغاربة! صح يا فاطيما؟
همس ذاك المتلصص بالأعلى: كده انتِ أختي مش محتاج أعمل DNA!
تعالت ضحكات فاطمة وأكدت لها: صح أنا مسبقش ليا إني شوفت الرقص المصري وعايزة أقيم بصراحة لإن شمس بحركتها البهلونية دي مضحكة!
همس من الأعلى وهو يتابع بعينيه الشبيهة بالمنظار الدقيق: هنقيم مع بعض يا مرات أخويا يا غالية!
ابتسمت مايسان واستجابت ليد شمس التي تحركها بدلالٍ، ومع انسجام لحن الأغنية الشعبية تمايلت ببراعةٍ جعلت فاطمة تصفق بيدها ببسمة متحمسة، بينما شمس تحاول جاهدة تقليد حركات مايا ولكنها كانت تفشل فشلًا ذريعًا.
ابتلع عمران ريقه بصعوبة بالغة، فمرر يده حول رقبته هامسًا بخفوت: دي بوسي ملاك الرحمة! الظاهر إني محتاج قلب صناعي فوق قلبي عشان يكون في متسع يحب ويدوب في الجمال ده!
واسترسل ورماديته لا تترك تلك التي تتحرك برشاقة وخفة: أتوب إزاي والفتنة دي ملاحقاني يارب!
تمايلت ولسانها يردد انسجامًا مع كلمـ.ـا.ت الاغنية، فاتجهت لتجذب فطيمة عن الأريكة وحينذاك تراجع عمران عن الدرابزين وهو يغض بصره عنهن، بالنهاية يراقب زوجتن وشقيقته التي تجعله يضحك ساخرًا على ما تحاول فعله، فتسلل لمسمعه صوت زوجة أخيه المعترضة: مش هعرف، المنكير هيبوظ وشمس هتنزعل.
فعادت تجلس وهي تراقب ما يحدث، وعاد هو يعتلي محله ليتأملها بنظرة عاشقة وهمس بفتور: وبعدهالك معايا يا بـ.ـنت عثمان، أنا قلبي خلاص حن وداب أعمل أيه بس عشان تميلي!
واستطرد بسخطٍ وابتسامته الخبيثة تنفرد: وماله ده حتى الليلة ليلتك يا عروسة!
انتفضت عروقه حينما تسلل له صوت سيارة أخيه، وبالطبع لاقترابهن من صوت السماعة لن يلاحظ أحدًا قدوم عمه وأخيه، لذا أسرع بالتدخل لن يرضيه ان يرأها أحدًا دون حجابها وبذاك الموقف الذي سيجعل الدmاء تنبغث من ورديه، فطل بوجهة ملحوظة وهو يصيح بهن: بعد إذن رئيسة شارع الهرم نلم الليلة عشان الرجـ.ـا.لة وصلت بره، والله كان نفسي أشاركم بالنقطة الخضرا (الدولار) بس لا مواخذة مش قادر أنزل تحت!
جحظت الأعين المسلطة عليه، فركضت شمس تجاه المطبخ، بينما حلت مايسان الحجاب من حول خصرها وغطت به وجهها عن عينيه، فردد ساخرًا وهو يتابع شمس التي كادت بالتعثر أكثر من مرة، مدعيًا انزعاجه الشـ.ـديد في حين أنه كان يشاركهما الرقص بالأعلى: صبرك عليا يا أوزعة، ده اللي بيعلمهولك في الجامعة يا بت، ده انا حيلي اتهد عليكي بالمصاريف وكله بالأخضر.
ورفع صوته مجددًا: كنت محتار أجبلك أيه في عيد ميلادك، وخيالي البريء رايح إني أغيرلك عربيتك، شكلي كده هجبلك بدلة رقص تطفشي بيها جوزك وترجعيلنا هنا تاني يا فقر!
كمن لها بما فيه النصيب وتبقت زوجته التي مازالت تختبئ خلف حجابها وتجلس جوار فاطمة التي احمر وجهها من فرط الضحك حتى كادت بالسقوط عن الاريكة، فاتجهت نظراته تستحوذها، مستكملًا وابل سخريته: .
وانتي يا بوسي يا ملاك الرحمة، بدل ما تخلي في قلبك شوية رحمة وتطلعي تبصي على جوزك المسكين المعاق، تساعديه ينزل وتاخدي بيده بتنحرفي تحت! يا اختي انحرفي فوق مرة يمكن ربنا يسهلها ونجيب راقصات صغيرين أهو كانوا هيعملوا نمرة في فرح على ويوجبوا مع عمهم!
فشلت فاطمة بالسيطرة على ضحكاتها، فتسللت خلف شمس تجاه المطبخ لتحرر ضحكاتها كما تشاء، مددت مايسان يدها تتحسس الاريكة فوجدتها فارغة، رفعت الحجاب عن عينيها فوجدت فاطمة تهرول للداخل، كادت أن تلحق بها فاوقفها صوته الصارم: استني هنا عندك، اطلعي ساعديني أنزل مسمعتنيش!
علي شفى أن تبكي الآن من فرط حرجها، فاعدلت من حجابها وصعدت للاعلى بـ.ـارتباكٍ ساحق، مد له يده بمكرٍ، فساندته وهي تتلاشى التطلع لعينيه، فهمس لها بغمزةٍ خبيثة: ما احنا طلعنا جـ.ـا.مدين أهو، أمال بتيجي عند جوزك الغلبان وتعملي قطة مغمضة ليه؟
رددت على استحياء: والله ما أنا دي شمس اللي آآ...
وابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها وهي تكاد تدفن وجهها أرضًا من الخجل، فقال بمكر: مصدقك ما انا حاضر الحفلة من أولها!
ومال إليها يهمس بمرحٍ: والله لولا إني مش هقدر أستحمل حد يشوفك كده كنت فضلت واقف أتفرج باحترام، بس هعمل أيه بغير والغيرة قـ.ـا.تلة، عاشق وعشقك خلاني زي الغريق اللي بيتعلق بأي حاجة تديله أمل إنه ممكن في يوم يبقى سباح محترف ويواكب الموج، حتى لوكان عالي وشرس!
احمر وجهها خجلًا، فسحبت يدها عنه واتجهت لغرفتها غير عابئة بندائه وادعائه بالتعب وعدm مقدرته على الهبوط، فما أن تخفت عنه حتى استقام بوقفته الغير مريحة، يراقب باب غرفتها وهو يهمس بخبثٍ: هتلين بليل يا عسلية!
إنت بتكلم نفسك!
التفت يراقب مصدر الصوت الرجولي، فوجد أحمد يضيق بعينيه تجاهه بنظرة تشكك في قواه العقلية، حافظ على ثبات قامته وأجلى حلقه: لأ ده أنا كان معايا مكالمة غرام وكان لازم أقوي الوصال بين قلبين بريئين.
تهدلت شفتيه السفلية بسخطٍ: أممم. وماله يا حبيبي قوي الوصال براحتك بس متخدش على المكالمـ.ـا.ت لإنها مبتأكلش عيش حاف.
وتركه واتجه لغرفته بينما يتابعه عمران بنظراتٍ مغتاظة، فرفع من صوته ليصل لأحمد الواشك على غلق الباب: وماله يا أبو حميد، كلها كام ساعة وهنشوف، ده أنا قايم بدري النهاردة علشان أجهز الmusic عشان أغنيتي اللي هغنيهالكم بليل، وعدي لعلي لو فاكر.
جحظت عين أحمد، وتوقف عن غلق بابه ثم عاد يهرول له: أغنية أيه دي؟
ابتسم الاخير وأردف بسخرية: بفكر أغنيلكم أغنية حمادة هلال بتاعت «دي عيلة وا.طـ.ـية ونصابة» تقوم فريدة هانم يجيلها ذبحة صدرية وسط معازيم الطبقة الآرستقراطية، وتضيع مخططاتك ليلتك المنحرفة اللي بتتخطط ليها من يوم ما البـ.ـنت وفقت عليك، أصل محسوبك قاري العيون أوي وعيونك فضحاك يا عمنا!
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ، وأشار بحدة: شوف إنت رايح فين يا عمران ربنا يهديلك حالك وحالنا، أنا خلاص يا ابني مش غاوي أجادلك تاني وأجيب لنفسي و.جـ.ـع الراس.
وتركه وغادر مجددًا، بينما اتجه الاخير للاسفل ببسمةٍ مستمتعة.
الساعات مضت وشرع الحفل على الابتداء، وأخيرًا انتهت شمس من وضع لمساتها الاخيرة على وجه فاطمة التي ارتدت القفطان الأبيض الفخم، أما على فارتدى بذلة سوداء كلاسيكية ومشط شعره الطويل للخلف بعدmا ضمن وضع كمية من المثبت ليجعله خلفه لا يتهاوى على عينيه، وأكمل ارتداء ساعته الآنيقة ثم نثر البرفيوم على كتفيه ورقبته، وإتجه يطرق باب فاطمة حينما استلم رسالة من شمس على الواتساب تخبره بأنها انتهت من زينتها.
فتح شمس الباب فمنحها على بسمة هادئة، ثم مرر يده بين خصلات شعرها برفقٍ كأنه يحيي طفلته المدللة فور رؤيتها، ففتحت الباب على مصرعيه لتطل زوجته من أمامه بتلك الطالة الخاطفة التي سلبت عقله و.جـ.ـعلت وتيرة أنفاسه تتصاعد دون رأفة عليه، أتجه إليها حتى بات قبالتها يردد باعجابٍ شـ.ـديد: بسم الله ما شاء الله.
وتابع بمرحٍ وببسمةٍ جذابة للغاية: هو ربنا راضي عني لدرجة إنه يبعتلي واحدة من الحور العين في الدنيا!
سمحت لنفسها أن تخـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليه، فسلب اهتمامها و.جـ.ـعلها لا تقوى عن خفض عينيها عنه، اقترب على منها وضم يده لصدره قائلًا: اتاخرنا على الضيوف، عمي وفريدة هانم بيكتبوا الكتاب تحت.
رفعت يدها المرتعشة تضم مرفقه، فمنحها ابتسامة واسعة وخطى بها للأسفل وهو يهمس بحبٍ حينما وجدها تتطلع للاعداد الغفيرة بالأسفل بنظرة قلق: متخافيش طول ما أنا جانبك يا فطيمة، إنتِ سبتي خــــوفك وارتباكك فوق في الأوضة مفيش حوليكي غير الآمان وضمة كف إيدي اللي مش هتسيبك من أول الحفلة لأخرها.
منحته نظرة ممتنة فأطبق أصابع يده الاخرى فوق يدها الممسكة بمرفق يده اليمنى، مؤكدًا: أنا جانبك ومش هتخلى عنك أبدًا!
لم تترك مايسان فريدة أبدًا، كانت الاخيرة تضمها بتـ.ـو.ترٍ، وكأنها تستمد امانها من ابـ.ـنتها الكبرى، تآلقت فريدة بفستانٍ من الشيفون، المحاط بدنتل من اللون الأبيض، وشعرها كان ملموم بدبوس شكل على هيئة الطاووس، يضم خصلاتها للخلف، ها هي تجلس قبالته وتراقبه وهو يوقع على عقد الزواج بفرحةٍ تتقافز من عينيه، وحينما قُدm لها الاوراق كانت مرتبكة وكأنها مرتها الأولى، فبحثت عينيها عن أبناءها بتلقائية، لتجد على يهبط الدرج ومن خلفه شمس التي تخطته وهرولت لتكون جوار والدتها تخبرها ببسمة واسعة: مبروك يا مامي، مبروك يا أنكل.
فرق أحمد ذراعيه لها فاتجهت لمقعده تنزوي بأحضانه بحبٍ لم تشعر به مع أبيها التي لم تتذكره قط، ابتسمت فريدة وهي تراقبهما، وتحمست حينما انحنى لها على يقبل كف يدها المتمسك بالقلم بـ.ـارتباكٍ، وهمس لها: وقعي يا حبيبتي، ده حقك وحبك اللي اتحرمتي منه طول السنين دي كلها.
أدmعت عينيها تأثرًا من كلمـ.ـا.ته، وكأنه كان يشعر بـ.ـارتباكها وخــــوفها فأتى يزيل عنها العوائق، ابنها البـ.ـار الذي يزيح عنها كل عائق يحبطها، احتضنت فريدة أحمد بنظرة طويلة قبل أن تنحني للاوراق لتضع إسمها قبالة اسمه، وحينها شعرت بأن رحلة فراقهما القاسي قد انتهت، ولكن عـ.ـذ.ابها هي هل سينتهي أيضًا!
راقبت مايسان الدرج بلهفةٍ، كانت تود الذهاب لرؤيته منذ بداية الحفل عساه بحاجة لمساعدتها ولم يتمكن من الهبوط بمفرده، ولكنها تخجل من لقائه بعدmا حدث بالصباح، ختمت ارتباكها المطول وشجعها وصول جمال ويوسف، فوجدتها حجة تصعد لتخبره بوصول أصدقائه.
حملت طرف فستانها الأخضر بين يدها، وأدلت بحجابها الأبيض للخلف ثم اتجهت للدرج تخطو درجاته صعودًا، فتخشبت قدmيها على أول درجاته حينما وجدته بطريقه للهبوط، وفور أن رآها بذلك الفستان الساحر حتى منحها ابتسامة ساحرة.
أخفضت عينيها تدريجيًا لساقه التي تنساق للأسفل بتناغم وقوة، فبرقت بعدm استيعاب، خطى ليصبح قبالتها ببذلته الرماديه الشبيهة للون عينيه، كان آنيقًا مثلما إعتاد أن يكون، ولكن دهشتها تلك المرة ليست لجاذبيته، بل رؤيته يتحرك بقدmيه هكذا.
أطلق صفيرًا منخفض وهو يتفحصها: أيه الجمال ده كله، يا ترى الساحرة الشريرة عارفة إن سندريلا هـ.ـر.بت من الحكاية وخرجت لعمران الغرباوي المسكين؟
تجاهلت ما يقول وأفلتت سؤالها المنصدm: عمران إنت واقف إزاي؟
اتسعت ابتسامته وغمز لها: زي ما أنا قادر أخـ.ـطـ.ـفك حالًا وأهرب. بس للأسف ورايا وعد ولازم اوفي بيه.
وتركها منصدmة ثم كاد أن يتخطاها بهبوطه للأسفل، فصعد لها مجددًا يهمس جوار أذنها بالتحديد: لما هنتجمع بليل هحكيلك كل حاجة يا بيبي!
وتركها فارغة الفاه وهبط يستقبل أصدقائه بترحابٍ واسع، فكان جمال أول من تحدث: ما أنت بتمشي على رجلك أهو وحلو أمال أيه الحوارات دي!
ضحك وهو يعدل من جاكيته ببرود: مزاجي جابني كده، حـ.ـر.ام أتدلع عليكم يعني ولا أيه يا دكتور.
رمقه يوسف بنظرة ساخرة، ثم استدار لزوجته يخبرها: صدقتي إنه وقح يا ليلى.
ضحكت وهي تشير له بتأكيد، فصاح عمران بضيق: طيب ليه تسوء سمعتي يا دكتور، بالذمة ده كلام!
تعالت الضحكات بينهم، فقال جمال بنزق: لينا حوار في الدور التمثيلي ده بس دلوقتي قولي مين فيكم العريس إنت ولا دكتور علي؟ ده أنت متشيك ولا كأن الليلة دي عشانك أنت!
رد عليه بعنجهية: دي الحقيقة فعلًا يا حبيبي، مفيش فرق بيني أنا وأخويا، كفايا إني هغنيله بنفسي!
منحه يوسف نظرة تحمل الشك، وأضاف هامسًا لجمال: شكل كده عيادتي هتكون مستقرك إنت والحـ.ـيو.ان ده الفترة الجاية، يلا يمكن ربنا يكرم ابنك بعروسة مصرية بـ.ـنت ناس راقية صحيح أبوها وقح بس اللي يهمك اسم العيلة.
تركت صبا وليلى وقفتهم الشبابية واقتربتا من شمس ومايسان وفطيمة، فشكلوا حلقة دائرية تغتنم الضحكات، بينما اقترب على منهم ليرحب بهم بحرارة، وفجأة وجد أحد العاملين يشير لعمران بأن كل شيءٍ على ما يرام، ووضع على رأسه سماعة تلتف لتصل جزئها على فمه بالتحديد ليتمكن من الحركة بمنتهى الحرية دون أن يمسك المايك بيده.
سحب مقعد خشبي من اللون الأسود، سحبه متعمدًا أن يجعل قدmيه الخلفية تحتك بقاعدة المنصة مصدرة صوت جعل الجميع ينتبه له، فوضعه بالمنتصف وجلس عليه يفرق قدmيه بثقة، وانطلق يردد بلهجة انجليزية مفهومة لاغلب الحاضرين: اليوم مميزًا لوالدتي ولأخي ولي بشكلٍ خاص، أعتاد دومًا على استغلال أخي الأكبر الدكتور علي، لذا على أنا هنا الآن أستغلك للمرة التي أفشل بمعرفة عددها، لذا إن كنت لا تتذكر وعدي المسبق لك بأنني سأغني لك بيوم زفافك ها أنا أوفي بوعدي وأستغلك بنفس الوقت لإنني لا أرى بتلك اللحظة سوى زوجتي، والآن فلنبدأ الحفل!
جحظت عينيها صدmة تفوق صدmة الجميع، وأكثر ما يتردد لها «هل عاد عمران للغناء مجددًا؟ ألــم تكن تلك لفترة قصيرة قضاها بالجامعة وانتهى الأمر! ماذا سيغني لها الآن ولماذا تشعر بأن الخجل يكاد يقتنصها؟ »
ضحك على وهمس لجمال ويوسف المنصدmان: ضيفوا على إنه وقح إنه مستغل وانتهازي، بس للأسف صوته حلو!
وتابع بمزح: أنا زمان كـ.ـسرتله الجيتار ومنعته من الغنى النهاردة بيستغلني عشان يكسب قلب مايا، دmاغه سم!
انطلقت الموسيقى تغدو الحفل بأكمله، ومازال يجلس محله على المقعد ثابتًا، كأنه على وشك خوض حربًا طاحنة وليس يستعد للغناء، قدmه فقط كان يتطرق أرضية المنصة باستمتاعٍ لسماع النغمة التي تتحرر بانتظار أن يبدأ بانسجام أغنيته، صوت حذائه وتناسق ضـ.ـر.باته كانت تزيد من وتيرة الأعين، فانطلق صوته يردد وعينيه تتابع عينيها بتسليةٍ
«حاسس في بقلبي لهفة
عم تدفعني إني روح
اوميلا بإيدي وإعزمها
ع الرقصة وبسرّي بوح.
رح قوي قلبي وما خاف
منو خسارة الاعتراف
ملاك منزل ع الأرض
بيستاهل كرمالو تبوح! »
واستكمل ما يقول ببسمة واسعة قاصدًا بها ما حدث بالصباح حينما رآها ترقص برفقة شقيقته:
«شو عملت فيي من لما
لفت ع خصرا هالشال
ترقص قدامي وتتغمى
وتتلفت يمين شمال!
وتهز بشعرا الحرير
مـ.ـا.تحمل قلبي الصغير
اي والله دوخني كتير
خصرا الميال»
وتلقف الجيتار الذي منحه إياه أحد العاملين، يطرق عليه وهو يصيح:
«أحلى صبية بشوفها.
بعشق خجلها وخــــوفها
عطيني ضلوعك اغمرا
وحط النقط عحروفها
هزي براسك وافقي
وتركي عليي يلي بقي
سموني ب الحب الشقي
والدنيا عندي ظروفها
براكين بقلبي خليتي
يخرب بيتك شو سويتي
من السهرة دغري ع بيتي
جهزيلي حالك! »
وتلك المرة أحاطتها رماديته تتعمد نطق الكلمـ.ـا.ت كأنه يقصد بها ويتعمد كل كلمة لها:
«عليكي عيون مدري كيف
صوتك حنانو مخيف
وغمز لها وهو يكمل: «صفي نيتك قصدي شريف
لاتشغلي بالك! ».
ترك مقعده ونهض يختطف يدها بين يده ويده الاخرى تتمسك بالجيتار دون استخدmه، تلك المرة يواجهها وهو قريب منها:
«أحلى صبية بشوفها
بعشق خجلها وخــــوفها
عطيني ضلوعك اغمرا
وحط النقط عحروفها
هزي براسك وافقي
وتركي عليي يلي بقي
سموني ب الحب الشقي
والدنيا عندي ظروفها
بحلم كفي عمري حدا
شو بحكي عن حمرة خدا
ولما بإيدا الغرة تردا
عيونا بينباسو
كل الحلا جاية منين
حفظتلا شامـ.ـا.تا وين
تقبرني رموش العينين
طوال بينقاسو!
أحلى صبية بشوفها
بعشق خجلها وخــــوفها
عطيني ضلوعك اغمرا
وحط النقط عحروفها
هزي براسك وافقي
وتركي عليي يلي بقي
سموني ب الحب الشقي
والدنيا عندي ظروفها
يلا حلا الدني حلا
تضحكلي اي والله
ونعيشا وبصوت الضحكات
نملى الأرض كلا
عطيني
غمزة ودوبيني
ايدك بايديي شبكي
وخليا ع الله خليا عالله
خليا عالله
أحلى صبية بشوفها
بعشق خجلها وخــــوفها
عطيني ضلوعك اغمرا
وحط النقط عحروفها
هزي براسك وافقي
وتركي عليي يلي بقي
سموني ب الحب الشقي.
والدنيا عندي ظروفها»
انتهى من أغنيته أخيرًا لينطلق التصفقات الحارة إليه، ومازالت يده تحتجز يدها ونظراتها المنصدmة تحيطه، لم يتركها الا حينما توجهت شمس إليه تضمه وهي تردد باعجاب: صوتك بقى أحلى من الأول كمان ولا كأنك إعتزلت، ماليش دعوة إنت وعدتني لو قدرت تغني لعلي هتغنيلي يوم فرحي.
ضمها إليه وهمس لها ضاحكًا: استقري إنتِ بس على عريس وأنا عيوني ليكي وأهو بالمرة نكمل نمرة شارع الهرم اللي ابتدت الصبح أنا أغنيلكم وانتوا ترقصوا!
تجهمت معالمها بغـــضــــب وتركته وكادت بالرحيل فتفاجئت براكان يدلف للداخل برفقة آدهم، عينيها لم تلتقط سواه هو بحلته السوداء وثبات نظراته دون أن تحيل للبحث عنها، وكأنه يعلم مكانها، اتجه خلف راكان حينما وجده يتجه لشمس، فقال ونظراته الجريئة تحيط فستانها الأزرق الطويل: فستانك خرافة وشيك يا شمس.
امتقعت معالمها وبنفورٍ شـ.ـديد قالت: شكرًا.
وقبل أن يضيف راكان حرفًا، قالت وهي تتجه لفريدة: عن إذنك مامي بتشاورلي.
تابع تصرفاتها بدهشة بينما ابتسم آدهم وقد راق له معاملتها الجافة، وحينما تطلع تجاهها وجدها تشير له بتتابعها، استغرب من الأمر وحاول أن ينسحب دون أن يلفت لهما الانتباه، فوجدها تخطو بمنعطف جانبي للقصر خلف الحديقة، وبعدت كثيرًا عن المكان، وصل لها آدهم فوجدها تنتظره بتـ.ـو.ترٍ يعتلي معالمها وكأنها على وشك إلقاء قنبلة مؤقتة بوجهه!
بداخل الحفل.
حاولت فريدة الابتعاد عن مقابلة سيدات الطبقة المخملية، لتتغاضى عن أسئلتهم التي لا تطيق بصبرها لتجيبهم عن كناية زوجة ابنها الأكبر، سبق لها التفاخر بنسب عمران، فابنة شقيقتها تمتد أصولها لعائلة عريقة تضاهي عائلتها، ولكن الآن ماذا ستخبرهم؟
عاد شعور النفور يجتازها مجددًا، لا تملك أي قوة لتواجه أحدًا منهن، وإن كنا يتوقن لافساد مزاجها فقد فعلنا بالتأكيد، وها هي الآن تواجه سؤال من احداهن: ما بكِ فريدة كلما تساءلنا عن العروس لا تجيبينا، ما الأمر؟
قالت الاخرى بتهكمٍ صريح: عساها فتاة عادية وتخجل بقول ذلك!
أضافت احدهن وقد كان صوتها مرتفع مسموع للجميع: شكل كده كلامك صح، باين كده الدكتور على اتجوز بـ.ـنت من الطبقة المتوسطة عشان كده فريدة هانم مش عايزة تقولنا إسمها أو تقولنا هي بـ.ـنت مين، بس معقول يا فريدة تعمليها!
اتجهت احدى السيدات تسأل فطيمة التي تماسكت بيد على بـ.ـارتباكٍ: قولي لينا إنتِ يا عروسة مدام فريدة هانم مش قادرة تتكلم!
وضعت فريدة رأسها أرضًا بحرجٍ، بعدmا كانت تطلق أحكامها وتتهامس بجراءة على النسب وبمن تليق بابنائها توضع بموقف صعبًا، تأججت الدmاء بعروق عمران وأحمد، وكاد على بأن يخرس ألسنتهم وإن حتم الأمر سيطردهم من الحفل بكل تأكيدٍ، لن يتهاون مع من يقلل احترامها أبدًا، ولكن ذاك الصوت الصارم انطلق يصمم الآذان: فطيمة أختي وأي حد في الاحتفال المخملي ده قادر يعرف مين هي عيلة زيدان ونفوذها واصلة لفين!
ظهور الجوكر كان نقطة فاصلة لتلك الفتاة، أنفاسها بدت تعود لمجراها الطبيعي وهي تراه يقف قبالتهم بكل عظمة وكـبـــــريـاء، ومن جواره عدد من الحرس الملكي يزف لها هداياه الباهظة وسط همسات الجميع، تحرك ببذلته الآنيقة ليدنو من منتصف القاعة ليكون قبالة أعين فريدة الملتهبة، وصاح بكلمـ.ـا.ته الثقيلة الماكرة: ها يا فريدة هانم ده كافي بالنسبالك ويخليكي ترفعي رأسك وتقولي لضيوفك مين مرات الدكتور علي؟
ردت الدmوية بوجهها، للحق لم تتخيل أبدًا أن تكون فاطمة تجمعها علاقة بأحد أفراد عائلة زيدان، وبالأخص بمراد زيدان، انقلب السحر على الساحر وانقلب الحفل لهمسات لا حصى لها عن نسب تلك الفتاى التي أضافت سلطة وقوة لعائلة الغرباوي، وانطلقت الأعين تراقب الهدايا الباهظة التي يصعد بها الحرس للأعلى متبعين أحد الخدm ليريهم غرفة العروس.
تحرك الجوكر بصلابة وهيبة لا تليق سوى به، ليقف قبالة فطيمة يمنحها ابتسامة هادئة وعينيه تراقبه بالقفطان المغربي، وأخيرًا حرر لها مبـ.ـاركاته: مبروك يا فطيمة ألف مليون مبروك.
ابتسمت بسعادة وروحها قد ردت لها، كانت تشعر بالحرج لعدm وجود أحدًا من أفراد عائلتها، فأتى بهيمانته وهالته القابضة ليضيف لها قوة ودفء شعرت به، فهمست بفرحة: مراد!
اتسعت ابتسامته وهو يربت على يدها الممدودة لمصافحته، وقال بضيق: وعدتك أسلمك لعريسك بنفسي وطيارتي أتاخرت شوية للأسف.
واستطرد بثباتٍ قـ.ـا.تل وزرقة عينيه تتجه لعلي المبتسم بامتنانٍ لوجوده: بس هسلمك للدكتور على من تاني تنفيذًا لوعدي.
ورفع كف على بيده الأخرى ثم غمس يدها بين يده، فأدmعت عين فطيمة تأثرًا وقالت: شكرًا أنك وفيت بوعدك ليا وجيت يا مراد، متتخيلش أنا فرحانه إزاي أني شوفتك من تاني واقف على رجلك وبنفس قوتك وكبريائك اللي اتعودت أشوفك بيهم.
يفهم جيدًا ما تقصد بقوله، تلك الفترة التي فقد بها قوته جراء الآبر الحاملة بالمـ.ـخـ.ـد.رات السامة مازال يتذكرها، وكيف له بنسيانها وخلاصه منها صعب المنال، يعلم بأنهم فعلوا ذلك ليهبطوا قوته الشرسة فتعمدوا أن يكـ.ـسروه بالتعدي على فطيمة قبالة عينيه وهو تحت تأثيرهم اللعين ولكن بالنهاية عاد الأسد يحكم غابته من جديدٍ ومازال لا يروى عطشه فيستمر بالثأر من هؤلاء اللعناء حتى تلك اللحظة ولجواره الاسطورة المزعوم، أخيه رحيم زيدان (رواية الجوكر والأسطورة! ).
ربت على يدها مجددًا وهو يخبرها بصوته الرخيم: فترة وعدت ومش هترجع تاني يا فطيمة، المهم إنتِ، عايز أشوفك دايمًا بخير وابتسامتك متفرقكيش أبدًا، ولو احتاجتي أي شيء إنتِ عارفة إني موجود وهكون موجود في أي وقت تحتاجيني فيه وعمري ما هتخلى عنك أبدًا، لإنك عندي بالظبط زي ريم ونغم أخواتي.
مد على يده يصافحه قائلًا ببسمة صافية: نورت حفلنا المتواضع يا جوكر، ومبروك الترقية.
صافحه بقوة وقال بلباقة: مع إن كلمة مبروك دي تخصك النهاردة، بس مقبولة منك الله يبـ.ـارك فيك.
اتجهت نظراته لفاطمة من جديد، فانزعج حينما وجدها تبكي وهي تتطلع له رغم ابتسامتها، فضيق عينيه هاتفًا بانزعاجٍ: مفيش بكى النهاردة، كده هتضطريني أخد هديتي اللي واقفة بره وأرجع بيها تاني!
انتابها الفضول، فقالت باستغراب: هو لسه في هدايا تاني، كفايا الحاجات اللي طلعت فوق دي!
غمز لها بمكر: لا دي هتكون أغلاهم على قلبك، تيجي نتراهن؟
ومال برأسه لحارسه الذي انحنى قليلًا وغادر للخارج ومن ثم عاد إليه بتلك التي تلاحقه حتى وقفت قبالتهم، فبرقت فاطمة بعينيها بصدmة لحقت حروفها البطيئة الغير مستوعبة: زينب! أختي!
↚قلبها التعيس غمرته فرحة ضمتها لتدوي جميع أحزانها، وكأن اليوم هو الموعود لتضميد تلك الندوب التي تركها السواط بعلامـ.ـا.ته المؤلمة على جسدها، مرة حينما رزقها الله بزوجٍ حنون مثل زوجها، ومرة أخرى حينما رد لها شقيقتها الغائبة عنها منذ أعوامٍ وبالكد كان يصل لها خبر أنها على ما يرام، فقد بث لها مراد أنها بخيرٍ، وتتابع تعليمها على أكمل وجه وبتقديرات ممتازة، والآن يجمعها بها بعد فراق ولوعة.
لا تعلم كم قضت من الوقت تضمها بين أضلعها ودmعاتها تهوى على خديها دون توقف، لتهمس الأخرى بصوتٍ متألــم: فاطيمة حبيبة ديالي، انا ما ممصدقاش راسي فاش قالي مراد بانني غنحضر عرسك.
(فاطمة حبيبتي، مصدقتش نفسي لما مراد قالي إنه هيخليني أحضر فرحك النهاردة. ).
فقدت القدرة على الحديث، فبقت تربت بيدها بحنانٍ على ظهر شقيقتها، فاسترسلت زينب بسعادة تغمر عينيها: خبـ.ـاراتك كلها تتوصلني اول باول، و فرحتلك بزاف بزاف احبيبة ديالي، الله يفرحك و يسعدك.
(أنا اخبـ.ـارك كلها كانت بتوصلني، وفرحتلك أوي يا حبيبتي، ربنا يفرحك ويسعدك. )
أبعدتها عنها وسألتها بلهفة وعينيها تراقب المكان المحاوط بهما: فين بابا يا زينب؟
لمع الحـ.ـز.ن بحدقتيها، بعدmا دعستها بذكرى طفيفة دون علمًا بما تخوضه هي، فقالت وهي تحاول السيطرة على حـ.ـز.نها: بابا مـ.ـا.ت افطيمة، مقدرش يستحمل المـ.ـو.ت د ماما، كان كيتعدب ف اخر ايام حياته و ماكنش كيفارق بيته و لا سريره حتى دا مول الامانة امانته
(بابا مـ.ـا.ت يا فاطمة، مقدرش يستحمل وفاة ماما، كان بيتعـ.ـذ.ب في أخر أيامه ومكنش بيفارق البيت ولا سريره لحد ما ربنا استرد أمانته! ).
برقت بعينيها بصدmة، وانتقلت الدmـ.ـو.ع لتغزو عينيها، فتابعت زينب بانكسار: انا المدة اللي دازت كنت بوحدي من بعد المـ.ـو.ت د بابا، فكرت ف مراد يعاوني و يكون بجنبي حيت انا عارفة انه اهل ثقة و واثقة بانه ماغيخلينيش بوحدي
(أنا طول الفترة اللي فاتت كنت لوحدي بعد وفاة بابا وملقتش غير مراد ألجئ ليه لاني عارفة أنه أهل ثقة، وكان عندي ثقة إنه مش هيسيبني لوحدي. ).
واستطردت وهي تلتقط نفسًا مطولًا يكون عونًا لها: كانت فترة صعيبة بزاف ف حياتي، كون ما مراد من بعد الله سبحانه و تعالى كون اتكرفست و اتبهدلت، حتى انه نقل اوراقي للجامعة هنا باش نكون معاك و مانبعدش عليك احبيبة ديالي.
(كانت فترة صعبة في حياتي أوي ولولا مراد بعد ربنا سبحانه وتعالى كان زماني اتبهدلت، ده كمان نقل ورقي لجامعة هنا عشان أكون معاكي ومفارقكيش تاني يا حبيبتي! ).
ضمتها إليها بقوةٍ، وكأنها تود أن تنفرد بها بعيدًا عن ذلك الزحام، لتبقى برفقتها تستمع بالتفاصيل عما حدث إليها طوال تلك المدة، فتمهلت أن ينتهي هذا الحفل ويدها لا تفارق جسد شقيقتها الصغرى.
وقف قبالتها وعينيه مازالت تراقب الطريق، وبالرغم من أن شوقه لها يكاد أن يدفعه لاحتضانها الا أنه فضل عدm التطلع لها، بخشى أن يزيد بذنوبه بتأملها، ويود أن يتمعن بها فور انتهائه من قطع تلك المسافة بينهما ويكون بينهما رابطًا شريفًا، فقال: خير يا شمس؟
اندهشت من طريقته الغريبة بالتعامل معها، وقالت بدهشة: في أيه إنت ليه مش بتبصلي؟
مرر لسانه على شفتيه السفلية بتريثٍ، وقال: زي ما أنتي شايفة براقب الطريق، لإن وجودنا هنا مع بعض غلط، ومش عايز حد يشوفنا ويتفتح في حوار مالوش أي لازمة.
واستطرد بجدية تامة: قوليلي في أيه يخليكي تعرضي نفسك لموقف سخيف زي ده؟
عبثت بعينيها متسائلة: موقفي سخيف من نحية أيه يا كابتن؟
بقى كما هو لا يستدير لمقابلتها، مما دفعها لتخطيه فكانت الآن تقف نصب عينيه وجهًا لوجه، وبعصبية بالغة قالت: إنت ليه بتعاملني كده يا آدهم؟ بقالك كام يوم بعيد والنهاردة بتكلمني كده، هو أنا بفرض نفسي عليك؟
تعلقت عينيه بعينيها وليته لم يفعل، قفز قلبه بداخله منصاعًا لتلك الضـ.ـر.بات الصاخبة، فقال بهدوء نبرته: حبك اللي فارض نفسه عليا ومخليني أسير لعيونك يا شمس.
وتابع ببسمة صغيرة ينجح برسمها بالكد: أنا بحافظ عليكي يا هبلة، تخيلي حفلة زي دي فيها أكابر عائلات الطبقة الآرستقراطية، لو حد فيهم شافك واقفة معايا بمكان بعيد زي ده هيكون شكلك أيه.
وتابع ومازال يتابعها بحبٍ دافئ: وأنا وعدت دكتور على إني أحافظ على حدودي لحد ما أنجز مهمتي وأجي أطالبك منه بشكل رسمي.
رفرفت بعينيها بعدm استيعاب، وتساءلت: إنت شوفت على أخويا فين؟
تهدلت شفتيه ببسمةٍ هادئة: مش مهم، المهم ترجعي الحفلة وتخليكي زي ما إنتي بعيدة عن راكان قدر المستطاع، زي ما شوفتك كده بنفسي بتزحليقه كل ما يقف قدامك وبصراحه عجبني الوضع ومكيفني أوي.
ضحكت برقةٍ، وأخبرته بدلالٍ: بعمل كده عشان مبقدرش أشوف نظرات الغيرة اللي بشوفها جوه عيونك لما راكان بيقربلي.
اتسعت ابتسامته وتناغمت مع صوته الجذاب: مش بس هتعملي كده مع راكان، مع كل الرجـ.ـا.لة يا شمس، أنا غيرتي قـ.ـا.تلة خدي بالك عشان متقوليش إني محذرتكيش!
وتابع بنظرة عميقة لها: لما كل ده يخلص هيكون عندنا الوقت أنك تستكشفي طباعي وشخصيتي الحقيقية، وأولها إسمي الحقيقي اللي همـ.ـو.ت وأسمعه منك بدل آدهم اللي فلقتيني بيه قدام الناس وحتى وإحنا لوحدينا!
حذرته بأصبعها الممدود قبالة حدقتيه حتى كاد بأن يصفي عينيه: كله الا كده أنا حاباك بإسم آدهم ومش هناديلك غير بيه فمتعشمش نفسك يا باشا.
توالت ضحكاته المسموعة بشكلٍ جعلها تراقبه بابتسامة، وضع يديه بجيوب جاكيته وردد بيأسٍ: خدي راحتك لحد ما دوري في الفيلم ده يخلص وقتها هتطبعي على طباع عمر الرشيدي غـ.ـصـ.ـب عنك يا شمسي.
وتركها وخطى بطريقه للعودة، فأسرعت خلفه تناديه: أنا لسه مقولتلكش على اللي جبتك هنا علشانه يا آدهم.
توقف عن المشي واستدار لها باستغراب، فملامحها كانت تتسم بالجدية الطاغية، سألها برزانته المعتادة: قولي يا شمس، قلقتيني!
ضمت شفتيها معًا، وكأنها تحاول إيجاد المناسب لقوله وخاصة بمعرفتها بأنها ستفتح الطريق لاختبـ.ـار عصبيته لأول مرة، فقالت: أنا أقدر أساعدك بالملف اللي مش قادر توصله لحد النهاردة ده، يعني أقدر أدخل لقصر راكان بمنتهى السهولة وآ...
كممت باقي كلمـ.ـا.تها داخل جوفها فور رؤيتها لاحتقان معالم وجهه الأبيض، ليصبح كسواد الليل المحاط بها، تقنص منها خطوتان خطرة مثل نظراته الحالكة، وصاح بخشونة جافة: أوعي تنـ.ـد.ميني إني كشفتلك هويتي واللي موجود عشانه، أقسم بالله لو حصل يا شمس هتخسريني.
شفق على حالة الذعر المجتازة داخل نظراتها تجاهه، فهدأ من انفعالاته وأخذ يزفر تدريجيًا حتى هدأ بالفعل، فقال: إنتي مت عـ.ـر.فيش راكان ده واصل بالحقارة لأي درجة، لو عملتيها مش هتلحقي تخرجي من قصره على رجليكِ، أنا عارف ألعبه إزاي وأخليه يلف حولين نفسه، وعارف أمته هأخد الملف، ده شغلي ودي حربي أنا.
هزت رأسها بخفة ومازال الخــــوف يعتليها، فقال بحنان: شمس أنا خسرت مرة والدتي ومعنديش استعداد أخسر حد غالي على قلبي مرة تانية، عشان خاطري خليكِ بعيدة عن كل ده، أنا كافيل بيه وباللي وراه، أوعدك كل ده هينتهي وهنكون بعدها مع بعض على طول، المهم هنا هتستنيني؟
نجح بزرع الابتسامة على وجهها وهزت رأسها تؤكد له: هستناك العمر كله يا آدهم.
هز رأسه في يأس، وقال: عيدي الجملة اللي رشقت في قلبي دي تاني بس بإسمي الحقيقي لو لمرة واحدة.
اعترصت باشارتها النفية، فتوسل لها ببسمة تسلية: عشان خاطري طيب. أنا ماليش خاطر عندك!
احتلت الحمرة وجهها، ففركت أصابعها وتراجعت وبسرعة كبيرة رددت وهي تحمل طرف فستانها الطويل وتهرول من أمامه: هستناك يا عمر!
تابعها وهي تركض بخفة والابتسامة تزيد من ابتسامته الجذابة، وحينما اختفت من أمامه همس لذاته بحبٍ: مش هطول عليكِ بالغياب يا روح قلب عمر!
من قال أن المخابرات تتبع اسلوب أفلام الممزوجة بالأبيض والأسود الآن، ربما كان يتخفون جيدًا لايصال ما يردون من معلومـ.ـا.تٍ سرية، والآن على حسب تحديثات الجوكر والاسطورة والوحش وغيرهم من الظباط المتروك وسامهم فوق رؤوس الجميع باتت هناك قوانين جديدة، يتقابل بها القائد وتلميذه في خضم النهار وأمام أعين الجميع، كلاهما يعلمان بهوايتهم والجميع لا يدرون ما بهما، هكذا تم فور لحظة اصطدام آدهم بالجوكر حين عودته للحفل، فرفع يده يعتذر بلباقة: أعتذر منك سيدي.
منحه مراد نظرة عميقة، بينما يشعر بيده التي تمتد لجيب بنطاله لتدث له شيئًا كان جزءًا من قدومه إلى هنا، بينما الاخير يحيه بايماءة صغيرة من رأسه تقديرًا لقائده، والأخر يعلم تفسير الاشارة حتى وإن بدى منتصبًا بوقفته قبالته، فحرر صوته القاتم باستياءٍ: تطلع أمامك وأنت تسير يا فتى، إن كانت عينيك لا ترى العوائق أمامك جيدًا فلتنسحب من الحفل حتى لا تأذي نفسك ومن حولك هنا.
علم مغزى اشارته جيدًا، فهز رأسه ببسمة هادئة: أعتذر لك مرة أخرى.
وتركه واتجه ليكون قريب من راكان، وعقله شارد باشارة مراد الصارمة له بالا يعرض نفسه وفريقه للخطر لاجل الحصول على الملف، أمرًا صربحًا له بالانسحاب على الفور بينما تسعى القوات للقبض على راكان والتحفظ عليه لاستدراجه بالتحقيقات للاعتراف بمن ورائه، ولكنه مازال مصممًا على عدm الانسحاب دون هذا الملف، الرغبة بالانتقام كانت شخصية لخسارته والدته بسبب تلك الادوية المغشوشة وللعجب يعلم مراد بهذا ولكنه يخشى خسارة أحد تلاميذه المحترفين، فصوب له أمرًا مباشرًا بالانسحاب وهو يعلم بأن عمر الرشيدي ليس من ذاك النوع الذي يتقهقهر تاركًا ساحة القتال!
إتجه جمال للطاولة التي تحوي صبا بعد أن غادرت ليلى لطاولة يوسف القريبة منها، جذب مقعدًا وجلس قبالتها فوجدها تتطلع تجاه يوسف وزوجته بابتسامة رقيقة، وما أن انتبهت له حتى قالت: دكتورة ليلى دي سكر أوي، وواضح كده إنها هي وجوزها بيحبوا بعض جدًا.
أكد لها بابتسامة هادئة: دي حقيقة، يوسف وليلى بينهم قصة حب كبيرة من أيام الجامعة.
اعتدلت له بجلستها بحماسٍ لحق أسئلتها الكثيرة: بجد، يعني قصص الحب اللي بنسمع عنها في الروايات والمسلسلات دي حقيقية يا جمال؟
ضيق عينيه باستغراب لحالتها، وكأنه لا يكن لها حبًا مقدسًا شبيهًا لذاك، فقال: ومالك مستغربة ليه، هو احنا مفيش بينا الحب اللي يخليكي تصدقي ده يا صبا؟
تلاشت ابتسامتها تدريجيًا، وكأنه لمس وترًا مقطوعًا داخلها، فجذبت كوب العصير من أمامها تتجرعه قائلة وهي تزيح ذاك الموضوع من أمامهما: أنا قلقانه على ماما، مكنتش حابة أسيبها لوحدها خصوصًا إنها لسه واصلة النهاردة، بس هي اللي صممت أجي معاك!
تغاضى عما قالت، وسألها مباشرة: قصدتي أيه بكلامك ده يا صبا؟
منحته ابتسامة مصطنعة، وقالت بلطف: مقصدتش حاجة يا جمال، أنا بكلمك عادي يعني.
اتسعت ابتسامة سخريته ولحقت بنبرته: صبا من أسابيع علاقتنا كانت على وشك إنها تنتهي بسبب سكوتك، النقاش هو اللي بيحل أي عقبات بين أي زوجين، أنا مصدقت إنك ابتديتي تتكلمي قدامي بدون خــــوف أو خزي، أيه اللي حصل تاني؟
رفعت عينيها إليه وجاهدت لسؤاله باستحياء: أصلك بتقول إنك بتحبني، وإنت ناردًا لما بتقولي الكلمة دي، أعتقد قولتلهالي مرتين أو تلاته من يوم ما اتجوزنا!
ضحك باستمتاعٍ وهو يراها تكاد تنقلب لحبات الكريز الأحمر من فرط خجلها، فتنحنح قائلًا: أنا من النوع اللي نادرًا لما أعبر عن مشاعري، وده مش أنا بس يا صبا أغلب الرجـ.ـا.لة كده، مشاعرهم مدفونة جواهم، معرفش يمكن احراج أو تـ.ـو.تر، لكن بديهي أي زوج لو مبيحبش زوجته محدش هيجبره يعني انه يعيش معاها العمر ده!
واجهته بقوة وجراءة غريبة: وده اللي بيخلي قلوب الستات دايما مكـ.ـسورة، كلمة واحدة وبسيطة قادرة إنها تسعد الست، لو فاكر أن قلة الكلام الحلو بين الزوج وزوجته بيقربهم العشرة فده غلط، الست بتكون محتاجو لكلمة حلوة تسمعها من جوزها مش من حد تاني يا جمال، هو أيه اللي ممكن يقل من الراجـ.ـل أو ينتقص من رجولته لو قال لمـ.ـر.اته بحبك!، شكلك حلو، تسلم إيدك لو الأكل عجبه، لو دخل لقى بيته مترتب كالعادة ومدحها بكلام جميل ده هيقل منه!
بدى حائرًا أمامها، وردد بفتور: إنتِ عايزة توصلي لأيه يا صبا؟
أجابته وعينيها تتعمق بالتطلع إليه: مش عايزة أشحت الكلام الحلو منك، لو بينا قصة حب زي ما بتقول ليه مش بتعبرلي؟!
منع ذاته من الضحك حتى لا تظن أنه يسخر منها، فعاتبها وهو يقرب جسده من الطاولة ليصبح قريبًا منها: هو مش أنا ساعة المشكلة اللي حصلت بينا قولتلك بحبك وسمعتك كلام من على وش القفص، ولا إنتي زي القطط بتأكلي وتنكري إنتي وابنك!
لوت شفتيها بتهكمٍ: مهي دي يعتبر المرة الوحيدة اللي اتلحلحت واتكلمت فيها من وقتها رجعت لسكوتك وطبيعتك.
حك جبهته باحراجٍ: مهو أنا بتكسف يا صبا.
جحظت عينيها بدهشة من ذاك التصريح الصادm وكأنها هي الجريئة هنا!، نظف حلقه متنحنحًا: وبعدين عايز أقولك الكلام الكتير ده بالفاضي المهم الفعل، ونهايته إننا مع بعض واني بحبك.
واستطرد بغمزة مشاكسة: ولو الكلام الحلو هيبدد هرمونات الحمل اللي ناوية تخرب علينا دي عيوني هكترلك من المكـ.ـسرات واللوز رشوة تأكدلك إني بحبك.
وبمزحٍ لحق صوته الرجولي الضاحك: فكك من الكلام اللي مبيأكلش عيش واطلعيلك بمصالحة، متخليش أجواء الطبقة المتريشة دي تأكل بعقلك إحنا اتربينا في البيوت البسيطة اللي أهلها أغلب الموجودين بالمجتمع.
منحته نظرة مغتاظة وعادت ترتشف عصيرها من جديدٍ.
رحلة عناء الأعوام المرهقة انتهت بتوقيعهما على ورقة الزواج، معشوقة طفولته ومراهقته وكل مراحله العمرية باتت زوجة له أخيرًا، تلك التي اعتكف لأجلها عن نساء الأرض بأكملهن أصبحت تخصه، يود أن يعوضها عن تلك الفترة القاحلة التي تعرض لها حبهما، يود أن يختطفها الآن ليحظى بالبقاء برفقتها لأطول فترة تمكنه من تعويض كل تلك الآلآم التي قضاها بالبعد عنها.
مال أحمد برأسه عليها وخدmه قربها منه على الأريكة ليهمس بعشقٍ: وأخيرًا انتهت قصتنا بنهاية سعيدة يا فريدة، ألف مبروك يا حبيبتي.
إستدارت إليه تقابله بابتسامةٍ رقيقة، هادئة، وبصوتها الناعم قالت: الله يبـ.ـارك فيك يا أحمد، أنا كمان مش مصدقة إننا أخيرًا بقينا مع بعض.
أكد لها بوعده الصارم: لأخر العمر هنكون مع بعض، مفيش أي شيء تاني هيفرقنا يا أغلى من حياتي.
وانحنى بخفة يستغل انشغال الجميع من حوله، ليجذب يدها وإتجه بها للمصعد ومن ثم لجناحها القريب منهما، فما أن ولجوا معًا للجناح حتى طبع قبلة عميقة على باطن يدها وهمسه المغري يصل لها فيسري رعشتها بطريقة فجأتها: بحبك، وعمر قلبي ما اعتكف يوم عن حبك ولو لثانية واحدة، ثقتي في ربنا وفي الحب اللي بينا كانت بتقويني وبتديني الأمل أن في يوم هيكون في دوا لجروحي ولقاء يجمعنا.
واستكمل بحنين صوته الرخيم: الأيام كانت بتعدي عليا من غيرك قاسية زي الخريف اللي بينزع ورق الشجر ومبيتبقاش غير الغصن هو اللي صامد، ومتحمل فقدان كل ذكرى بتنزل مع الورقة اللي شايلها، كنت فاكر إني هنساكِ وهكمل بس الأيام يا حبببتي كانت بتعدي عليا ولا جـ.ـر.حي بيتداوى ولا أنا قادر أنسى!، أنا مبعدتش عن الستات ولا إرتبط بسبب وعدي ليكي لأ مش دي الحقيقة، الحقيقة إن قلبي مقدرش يحس بحد غيرك يا فريدة، والنهاردة المعاناة دي انتهت ومش هترجع تاني.
انهمرت دmعاتها دون توقف وهي تستمع إلى صوته المهزوز من تحمله لكمية تلك الآلآم العاصفة لجوارحه، فلعقت شفتيها الجافة ورددت بخفوتٍ: مين كان السبب في المعاناة دي يا أحمد، مش إنت؟
أغلق عينيه بقوةٍ رافضًا العودة للحديث بالماضٍ، فقال ورماديته لا تتحرك عينيها الفاتنة: بلاش نتكلم في اللي فات على الأقل النهاردة.
وكـ.ـسر جفاء تلك السنواتٍ القاحلة بمطرة من مشاعره تعوضه عن امتناعه عنها حتى حينما كان مراهقًا، كم تمنى أن يحظى بها منذ ذاك الحين ولكنه كان يحفظها من نفسه ولم يعلم بأنه سيفقدها بزواجها هذا ومن بعده فترة البعد الاجبـ.ـاري، وها هو الآن يقتبس أول قطفة من عشقهما، فتمادى برفقتها وللعجب أنه شعر بأن استجابتها الفطرية انقلبت لاعتراض جعلها متيبسة بين ذراعيه، فهمست له وهي تعافر اقحام أنفاسها المتسارعة: أحمد آآ. أنا مش هقدر!
هالة حبه الغريبة جعلته كالأصم لا يستمع لحديثها، وكأنها تتحدث بشفرةٍ غريبة، فقال بتريثٍ: مش فاهمك!
أبعدت يديه المحاطة لجسدها، وصاحت بـ.ـارتباكٍ: مش هقدر أعمل كده.
تجعد جبينه وتلامس حاجبيه من فرط انقباضهما: تقصدي أيه؟
تخلت عن مواجهته وولاته ظهرها، وهي تستطرد بصوتٍ محتقن بالبكاء: مش هقدر أخونه وأحس الاحساس البشع ده من تاني، من فضلك إخرج!
رمش بعدm استيعاب، وكأنه لا يرى الا مجموعة من الألغاز يحاول جاهدًا فكها ليصل له مضمون ما تود قوله له من خلال كلمـ.ـا.تها المستترة، فردد بوجومٍ شـ.ـديد: تخوني مين؟ سالم خلاص مـ.ـا.ت من سنين يا فريدة ومبقاش في غيري جوزك وحبيبك وهكون أب لأولادك زي ما إنتِ عايزة!
انتفض جسدها من شـ.ـدة البكاء، فراقبها بدهشةٍ لم تكن سوى تزيد من ألــمه أضعافًا، فابتلع ريقه المرير وهو يجاهد جملته التي تذبح فؤاده قبل أن تخرج لها: إنتي آآ، آنتي حبيتيه يا فريدة؟
لم تحتمل إلقائه لتلك التهمة القـ.ـا.تلة لها، فالتفتت إليه بعينينٍ شاخصتين، تهز رأسها نافية بتعصبٍ، وصرخت بوجهه: محبتش في حياتي راجـ.ـل غيرك إنت.
تماسك بأعصابه التي تندفع بانفعالٍ داخل جسده المتشنج، وصاح مستنكرًا: أمال أسمي ده أيه؟ رافضاني ومش قابلاني أقربلك ليه!
أخفضت عينيها أرضًا غير قابلة لمواجهة رماديته، وهمست بانكسارٍ: في حاجات إنت متعرفهاش يا أحمد.
ربع يديه أمام صدره وبقوةٍ وصلابة قال: جاهز أسمع، اتكلمي.
ولاته ظهرها من جديد، قائلة: مش جاهزة أتكلم دلوقتي، من فضلك إديني فرصة.
تنهد بو.جـ.ـعٍ خـ.ـنـ.ـق أضلعه ومزق قلبه المتهاري دون شفقة، فالتفت ليغادر غرفتها ولكنه توقف وأسرع يجذب ذراعها لتقف قبالته، اقترب إليها واسند جبينه لجبينها يلتقط أنفاسه المتصاعدة تاركها تلفح وجهها، لتتنفس من ذفيره الخارج عنه بعنفٍ: أحمد حبيبك تعب أوي عشان يوصل للحظة دي، فبلاش تقسي عليه أكتر من كده يا فريدة، عـ.ـا.قبيني على التخلي والبعد بأي شيء تاني غير بعدك عني، أنا موجوع ومش حمل و.جـ.ـع جديد أقسملك إني جاهز لأي عقـ.ـا.ب وهتقبله منك بس الا ده يا حبيبتي مش هقدر ليه!
انهارت بالبكاء، وبتوسلٍ شـ.ـديد وضعف يجده عليها لأول مرة: أنا محتاجة بس شوية وقت، مش عايزاك تبعد عني والله بس أنا حاسة دلوقتي احساس مش هقدر أوصلهولك، سبني يا أحمد بالله عليك سبني.
تراجع خطوتان للخلف وعينيه لا تفارقها بعتابٍ ولوم، واستدار كليًا ليغادرها وأخر ما تلتقفه حدقتيه صور أخيه القريبة من مجال خروجه، وكأنه يعلن له انتصاره في جولته الثانية!
أحاطه غـــضــــبًا حارقًا، فعاد لغرفته مهمومًا حزينًا، وأخر ما يشغل باله ما الذي تخفيه عنه فريدة؟
أحاط عمران كتف يوسف وقرب منه طبق الطعام الفخم الذي وضعه الخادm مشـ.ـددًا عليه: مش هتنتقل غير لما تخلص طبقك يا دكتور، إحنا أهل كرم.
إلتفت إليه باسمًا، ثم قال: مش محتاجين عزومة في بيت أخويا.
جذب عمران المقعد المجاور إليه ليجيبه باحترام تلثم به لوجود ليلى: بيت أخوك منور بيك إنت وجمال يا دكتور، بس فين سيف مجاش ليه؟
ردت عليه ليلى: سيف واخد دور برد ورافض يأخد المحلول، الادوية مش جايبة نتيجة مع حالته دي، بس أنا قررت بعد الحفلة هنروحله أنا ويوسف وهنعلقله غـ.ـصـ.ـب عنه.
قهقه يوسف ضاحكًا، وحذرها: سيف بيكره الحقن والمحاليل يا ليلى وكده ممكن يأخد منك موقف أنا نبهتك أهو.
ضحك عمران وردد باستهزاءٍ: ولما الدكاترة تخاف من الحقن الإنسان العادي يعمل أيه؟!
أجابه جمال الذي ترك طاولة زوجته ولحق بهم: ياخد دوا شرب.
لف عمران ذراعه الأخر تلقائيًا ليضم من اقترب إليهما، فسأله باهتمام: أكلت ولا جاي عامل دايت هنا إنت كمان؟
نفى ببسمة واسعة: نسفت طبقي يا باشا من غير أي عزومة، وكنت في طريقي للمرواح بس جبت أكد عليكم إن الحاجة مستنياكم بكره محدش يتأخر.
أجابه يوسف بحماس: من الفجر هنكون عندك أنا وليلى.
عاد بنظراته لعمران ليعلم بها اجابته، فقال ساخرًا: أنا بايت عندك من دلوقتي، دي الحاجة عليها شوية محشي هما السبب في نزولي مصر طول السنين اللي فاتت.
واستطرد بمرحٍ: صحيح أنا محروج منها لإنها كانت بتبعتلي مع جمال حلة محشي كل ما بينزل فالمرادي جايبها وجاية أكيد مفكرة إني طفس بس ولا يهمني.
تعالت ضحكاتهم جميعًا، فصاح يوسف بمكرٍ: وأيه الجديد ما انت طول عمرك طفس يالا!
وزع جمال نظراته بين صبا وليلى، وصاح بحزمٍ: متعصبش عمران يا يوسف، البنات واقفة!
أشار له بعنجهية: شوفت الناس اللي بتفهم!
انضم لهم على ببسمته البشوشة: ها يا شباب ناقصكم حاجة؟
أجابه يوسف بلباقة: ناقصنا وجودك معانا يا دكتور.
أضافت ليلى: ألف مبروك يا دكتور علي.
منحها ابتسامة هادئة: الله يبـ.ـارك فيكِ يا دكتورة، وعقبال كده ما نفرح بدكتور سيف قريب.
تخلى عمران عن رزانته التي ينجح بتلبسها أينما شاء: أكيد سيف هيقع في دكتورة بردو، ما العيلة دي تحسها قالبة على ادارة مستشفى عام حتى والد يوسف دكتور ووالدته دكتورة جامعية!
مازحه جمال هو الآخر: هاتله واحدة من كلية محاسبة تدير المواعيد وكشوفات المرضى!
انفجر الجميع ضاحكًا، فقال عمران لاخيه وعينيه لا تفارق زوجته المنزوية بين فاطمة وشقيقتها: مش هنقفل الليلة ولا أيه يا علي، ما خلاص على، كده!
رفع ساعة يده يتفحص الوقت، وقال: عندك حق الوقت إتاخر.
صاح يوسف بحماس: عمران قفلنا إنت الليلة دي، بأغنية رومانسية ندندن عليها أنا والدكتورة ليلى.
كاد بالاعتراض فلحق به جمال مؤكدًا: صوتك جميل ودافي يا عمران، عندي فضول أشوفك بتغني أغنية هادية. ولا أيه يا دكتور علي؟
خشى عمران أن يعود على لتعصبه من جديد، سابقًا منعه من الغناء حينما كان يهتم بمسرح الجامعة لابراز موهبته، والآن استغل موهبته ليعبر عن مشاعره لزوجته، ولكنه وجده يمنحه ابتسامة هادئة وأشار له للمنصة، انخفقت الاضوء وبات الجميع على استعداد لمشاركة الازواج بالرقص الهادئ.
صعد يوسف مع زوجته على المنصة وحاوط خصرها بينما تعتلي هي كتفيه، وبدأت الموسيقى الهادئة تجتاز المكان من حولهم.
تفاجآت صبا بجمال يدعوها للرقص، ولأول مرة تشعر بأنه رغم أنه شخصًا عاديًا لا يحب المبالغة بالامور الا أنه يحاول بشتى الطرق لاسعادها، فصعدت برفقته وتمايلت ببطء بين يده.
أما على فاكتفى بالوقوف جوار فطيمة وعينيه لا تفارقها كأنها هي من تراقصها الآن.
قدm عمران يده لمايسان، فمنحته اياها على استحياء، سحبها للمنصة وتمايل برفقته بعدmا ثبت سماعة الرأس حول أذنيه وشفتيه استعدادًا لاغنيته التالية، فطال صمته مما دفع يوسف لإن ينجرف برقصه برفقة زوجته حتى بات يقف جواره متسائلًا بدهشة: هنقضيها على الموسيقى كده، ما تغني يا ابني!
منحه نظرة مغتاظة وقال بسخط: قولتلكم ادوني وقتي بختار في دmاغي المناسب ليا وللحالة الشاعرية اللي بعيشها مع مراتي، مش زرار هو هدوس عليه وأنطلق، ارجع مكانك بقى خليني أركز.
ضحكت ليلى وغمزت لمايسان الذي تلون وجهها بحمرة الخجل، وكأنه يصر على أن يجعل الجميع يعلمون بقصة حبهما الخفية، فرفعت عينيها له لتحدثه بغـ.ـيظٍ مما يحاول فعله، فوجدته هائم بحدقتيها كالذي يبحث عن غايته بينهما، وفجأة انطلقت شفتيه تردد بعشقٍ: «أيوه بسببك قادر أكمل
وقت ما بتعب ليكي بروح
لما ببان الدنيا تقفل
حـ.ـضـ.ـنك آخر باب مفتوح
ياللي عيونك وقت ما بغرق
بالنسبالي دي مركب نوح! ».
ورفع يدها المنخفضة باستسلامٍ عنه ليضعها على صدره متعمدًا أن يحاوط بها موضع قلبه بالتحديد، ورماديته تتحداها بجراءة الا تحيل عينيها عن خاصته لتتمكن من فهم مغزى كلمـ.ـا.ت الأغنية، وكأنه يناشـ.ـدها بكل حرف: «إنتي الحته الحلوة في قلبي
ببقى ف قربك مش قلقان
إنتي حبيبتي وأمي وبـ.ـنتي
وماليش بعدك تاني مكان
حببتيني ف أيام عمري
رجعتيني لنفسي زمان. ».
طفولتهما المتشاركة تنـ.ـد.مج بتلك المقطوعة، مازال يتذكر صداقتهم القوية، وكيف غاب عنها خلال ثلاث سنوات التي احتلتهما ألكس، فاستكمل بعشقٍ:
«إحساسي بيكي
لو قلت ليكي مابيتحكيش
جيتي وبقيتي
أهلي وبيتي
لو يوم مشيتي
إزاي هعيش! ».
أتى لخلده ما فعله بها بعد زواجهما وتحملها العتي لاهاناته رغم إنه أكثر شخصًا يعلم كم أنها عزيزة غالية تأبى الخضوع لأي شخص، ولكنها كانت تنساق خلف قلبها العاشق له، انتابه ذكريات كانت هي لجواره على الدوام كلما احتاج لها، وبالأخص اليوم الذي تخلت عن خطة هروبها وهرولت إليه حينما أخبرها بأنه يعجز عن القيادة، مساندتها له وقت تناوله للسم حتى تلك اللحظة الذي بدى لها عاجزًا، لم تتخلى عنه، أدmعت عينيه وإحتقن صوته وهو يغني بباقي الكلمـ.ـا.ت التي لامستها فنقلت الدmع لعينيها هي الاخرى:.
«عمرك لحظه ما نزلتيني
لأ بالعكس أنا بيكي عليت
ولا بعتيني ولا خذلتيني
وبتديني أكتر ما إديت
قبل ما بندهلك بتجيني
ضهري وسندي لو إتهزيت!
نصي التاني إللي بيفهمني
قبلك عمري ماهوش محسوب
حبك هو إللي مكملني
من نقصي ومن أي عيوب
وسط حياه مليانه حروب! »
رفع إبهامه يزيح دmعتها المنسدلة على خدها، وبيده الاخرى ضمها لصدره ومال برأسه فوق رأسها مسترسلًا بحـ.ـز.نٍ:
«وأنا بين إيديكي
إحساسي بيكي.
لو قلت ليكي آه مابينتهيش
جيتي وبقيتي أهلي وبيتي
لو يوم مشيتي إزاي هعيش! »
تعالت الصفقات الحارة بين الجميع، وكان حسن ختام الحفل، فاستغل على هدوء الاجواء وأصر على مراد البقاء بضيافتهم للصباح وحينها يتمكن من المغادرة للمطار مثلما أراد، فصعد برفقته للطابق الأول الخاص باستقبال الضيوف، وحينما تأكد بأنه لا ينقصه أي شيء غادر لغرفته.
نزع الجوكر جاكيته وأخرج من جيب بنطاله الفلاشة يتطلع لها بنظرة غامضة، انتشله صوت هاتفه الذي دق برقمها، فزوى حاحبيه باستغرابٍ لاستيقاظها لهذا الوقت، فأتاته ضـ.ـر.بة أخرى أكثر حدة حينما أخبرته بأنها خارج القصر، فصاح بانفعالٍ: حنين، إنتِ ازاي تخرجي في وقت متأخر زي ده!
نطقها الجوكر بغـــضــــب حينما حرر زر مكالمة الفيديو، فرفعت كوب الحمص إليه وهي تبرر له ببراءةٍ خبيثة: نفسي راحتله وإنت عارف لما بحب أكل حاجة مش بيهمني وقت ولا قوانين!
احتقنت زرقة عينيه وبات أكثر خطرًا، فأزاح سماعته عن أذنه وصاح بها: اقفلي خليني أكلم حد من الحرس يجيلك، حسابك معايا تقل أوي يا حنين.
أشارت له سريعًا وهي تبتلع ما بجوفها: يا حبيبي إنت قلقان عشان فاكرني لوحدي؟
ضيق عينيه بعدm فهم لما تحاول صغيرته ذات اللسان السليط كما يسجل إسمها بهاتفه فعله، فرفعت هاتفها عن الحجر تراقب بعينيها نقطة معينة قبالتها، ثم همست له بصوتٍ منخفض: ده أنا معايا الحكومة كلها هنا، حتى شوف عشان تعرف إن مراتك مش أي حد وتقدر تعمل أي حاجة في أي وقت!
عبث بحدقتيه في محاولةٍ لفهم تلك الحمقاء، فوجدها تستدير بجانب الكاميرا، فاندهش بشـ.ـدةٍ حينما وجد رحيم يجلس على بعد مسافة منها يتحدث بهاتفه ويبدو على وجهه الامتعاض الشـ.ـديد وكأنه على وشك ارتكاب جريمة مرعـ.ـبة وبالطبع ستكون بمقــ,تــل قصيرته المختلة، وعادت بالكاميرا إليها تخفض من صوتها بغــــرور: الاسطورة بنفسه جبته معايا، قفشنس على البوابة وأنا خارجة فجبته معايا آآ، أقصد لقيته راجع بعربيته وباين عليه إنه مهموم كده، باينه متأثر ببعدك زيي كده يا حبيبي، فقولتله بينا نأكل حمص فقالي وماله.
منحها نظرة ساحرة وكأنه يحاول ابتلاع حديثها الأحمق، فقال بخشونة: وبعدين معاكي يا حنين، خفي شوية رحيم معندوش صبر ولا طولة بال هتجيبي لنفسك الأذى!
أتاه صوت أخيه الساخر: الأذى دخل حياتي من وقت ما جمعتنا مهمة واحدة يا حضرة الجوكر المزعوم، وحاليًا بعاني من توابع الأذى ده وحقيقي زي ما قولت أنا معنديش طولة بال لجنانها، فعقل مراتك بدل ما ترجع تلاقيني حابسها في زنزانة!
توالت ضحكات مراد الرجولية وهو يتأمل وجه حنين المرتعب، وكأنها على وشك البكاء من فرط الهلع التي خلفته كلمـ.ـا.ت رحيم المتعصبة، فهمست بخفوت: مراد إرجع إبليس ده قلبه جاحد ويعملها!
دث هاتفه بجيب جاكيته الفحمي، وأشار بزيتونية عينيه لباب السيارة بحزمٍ، مما دفعها لاستكمال طلبها للنجدة: ده باينه هيوديني الحبس فعلًا يا مراد، إلحقني الله يكرمك ده أنا حتى أم بناتك!
قهقه ضاحكًا ولم يتمكن السيطرة على ضحكاته وكأن الأمر يروق له، فقال بصعوبة بالحديث: على وضعك يا اسطورة، إتعامل أنا مديك الأذن!
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة، ورددت: مراد، بتتخلى عني يا مراد!
احتضن رحيم كفه جبينه يفركه بو.جـ.ـعٍ لحق نبرته: حنين أنا لو كنت بتعـ.ـا.قب على ذنب أسود في حياتي مكنش ربنا بعتك في طريقي، أنا كنت مستغرب إن في رأفة غريبة بيا لإني شخص لا يمت للضوضاء بصلة، والحمد لله شجن قدرت تنـ.ـد.مج معايا في المحيط، أنتي بقى بتكفري ذنوب مين فيا! يعني أخويا مش متعـ.ـا.قب بيكِ لوحده أنا كمان واخداني في الرجلين معاه!
تلبست رداء الحـ.ـز.ن بانعكاس ملامحها بشكلٍ جعل مراد يكتم ضحكاته، وأسرع بتحذير أخيه: وش البراءة بيترسم يا رحيم خد بالك!
سلط الكاميرا عليه ليمنحه بسمة مغتاظة: الوش ده بيأكل عليك إنت يا حبيبي، أنا محدش بيقدر يخدعني وإنت عارف.
وتابع بغـ.ـيظٍ من بين اصطكاك أسنانه: إسمع أنا تعبان ومرهق وفيا اللي يخليني أعتزل المخابرات على الجواز على الحياة الآسرية اللعينة دي، فبهدوء كده يا مراد لو مكنتش في القصر الصبح قدامي متلومش الا نفسك.
واسترسل ببسمة خبيثة: وأبقى فكرني أبعتلك جثة الطيار اللي كل شوية يهج بيك ده في تابوت من توابيتي، عشان بعد كده متفجئش إنك غطست في أي مكان بدون إذني.
وهمس بسخط: مهو إنت متغطتسش وأنا ألبس في أم لسان طويل دي هنا!
منع ضحكاته من الانفلات، وقال ساخرًا: شكلي وحشتك ومش قادر على غيابي فعلًا، عمومًا أنا طيارتي الساعة 6 الصبح متقلقش.
وتابع بجدية: رحيم خلي بالك من حنين ومرين ومارال، أنا مبثقش في حد غيرك!
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهه، وبسخرية قال: بتوصيني على أختي وبناتي!
واسترسل قائلًا: ارتاح ولما توصل مطار القاهرة هكون بانتظارك.
بشقة سيف.
انتفض بفراشه حينما وجد ليلى تثبت المحلول جوار الفراش وتحاول استهداف ذراعه لدث الأبرة بوريده، فصاع بهلعٍ: يا ليلى أرجوكِ أنا بخاف من الأبر، أنا خلاص بقيت كويس والله.
واستدار برأسه لمن يقف جوار الفراش يراقبهما بسخطٍ، فصرخ مستنجدًا: الحقني يا يوسف، إنت واقف تتفرج عليا أنا بمـ.ـو.ت من الحقن عندي فوبيا أنا!
ضحكت ليلى بعدm تصديق، وكأنها ترى طفلًا صغيرًا أمامها، فرددت بسخرية: أنت ازاي دكتور يا سيف؟
صعد ليجلس فوق وسادة الرأس يراقب ما بيدها، وأجابها: دكتور أطفال، يعني أسهل تخصص يبعدني عن الحقن والجراحة وكل الحاجات المكلكعة دي، كل اللي هعمله كشف بريء وكتابة الادوية المناسبة وطبعًا هحاول مكتبش حقن نهائي للأطفال.
تعالت ضحكاتها وهي تراقب سقوطه الوشيك عن الفراش، فحاولت استخدام نفس الاسلوب المتبع للاطفال: طيب يا سيف متخافش أنا ايدي خفيفة مـ.ـو.ت وفي لحظة هطلع العرق.
تراجع حتى اصطدm بيوسف، يحركه بقوة: إنت واقف كدليه! خد مراتك وامشي يا يوسف أنا بقيت كويس
رفع يوسف يده تلقائيًا يتلامس جبينه فور أن لمسه سيف، وردد بقلق: سيف حرارتك ارتفعت، بلاش لعب عيال وإعقل.
صرخ بعنف: أعقل أيه، بقولك عندي فوييا من الحقن وإنت عارف الكلام ده
ضمه إليه يمسد على ظهره بسخرية لحقت نبرته: محدش بالبشرية بيحب الحقن أساسًا، إكبر كده وإعقل عشان أعملك الأومليت اللي بتحبه يا سيفو.
واستطرد متهكمًا: وأنا اللي ماشي أدورلك على عروسة!
وضعت ليلى طرف المحلول عن يدها وصاحت بعدm تصديق: هو انتوا بتهزروا صح؟ مش معقول كده!
فاض يوسف عن صبره، فانقض عليه يقيد جسده ويمد ذراعه لزوجته قائلًا بلهاث؛.
مش هيجي غير كده، يلا يا ليلى سمي الله.
حاول سيف ابعاد أخيه المتمدد على أنفاسه، هاتفًا بفزع: سمي الله أيه هي هتد.بـ.ـح! خد مراتك وامشي يا يوسف!
لف نصفه العلوي لاخيه يغمز له هامسًا: عيب يا سيف، الدكتورة هتقول عليك أيه! يرضيك تتفضح أنك عيل وإنت خلاص هتتخرج كمان كام شهر!
وضم رأسه لصدره قائلًا وهو يكبت ضحكته: احـ.ـضـ.ـني واشغل نفسك بأي حاجة تانية.
وأخيرًا نجحت ليلى بدث الآبرة بين يده، وثبتتها جيدًا ثم اتجهت للمقعد القريب منهما لتجلس بـ.ـارهاق استنزفها له بعد رفضه القاطع، عبثت بهاتفها لنصف ساعة وخـ.ـطـ.ـفت بعدها نظرة للمحلول فوجدته انتهى، نهضت لتغلقه تمامًا واتجهت لتسحب الأبرة عن ذراعه فابتسمت وهي تراقب سيف الذي استجاب لتأثير أحضان أخيه، فغفل على صدره ومن فوق رأسه يغفو يوسف بـ.ـارهاقٍ ومازال يرتدي بذلته.
حاولت ايقاظه وحينما لم يستجيب لها، جذبت الغطاء وداثرتهما معًا ثم اتجهت لاحد الغرف لتقضي ليلها بها حتى الصباح!
ما فعله اليوم جعلها تخشى أن ينفذ كل تلك الوعود بالحصول عليها، بحثت عنه مايسان بالأسفل وحينما لم تجده ظنت بأنه غادر برفقة جمال ويوسف، فهرعت لغرفتها سريعًا وكأنها تلوذ بالفرار من شبحًا شريرًا، فما أن ولجت للداخل حتى أغلقت الباب بالمفتاح، وبدأت أنفاسها تهدأ تدريجيًا وهي تتأمل الباب بنظرة رضا تلاشت وحل محلها الذعر حينما أتاها صوتًا ذكوريًا يتساءل: قفلتيه كويس؟
هزت رأسها بالبداية تجيب سؤاله، ومن ثم انتفضت وهي تستدير فبرقت بصدmة حينما وجدت عمران يتمدد على فراشها، ونهض يقترب منها مرددًا بخبث: كويس أنك عملتي كده عشان نأخد راحتنا أكتر.
وبمكرٍ يدعي البراءة تساءل: أيه يا بيبي اتخضيتي من وجودي! إيش حال مكنتش مأكد عليكي تحت بالاغنية وقدام كل الناس إن النهاردة ليلتك!
كلما تقدm منها خطوة، تراجعت هي خطوتين حتى سد الحائط محاولات فرارها الفاشلة، وتبقت ذراعيه تحجب عنها الهواء، لتجده يقرب وجهه منها هامسًا بحب: كنتِ زي القمر النهاردة يا مايا، مقدرتش أرفع عيني من عليكي من أول الحفلة لأخرها.
تـ.ـو.ترت كلمـ.ـا.تها التي لم تخرج عن شفتيها، فأحاط خدها بيده وقربها إليه، فهمست باستحياءٍ: عمران أنا آآ...
أستكمل هو جملتها الغير مفهومة: إنتي إيه يا قلب عمران، إتكلمي وأنا عليا السمع والطاعة.
ورفع يده على حين غرة يزيح حجابها، ومن بعده رباطة الشعر، لينسدل على كتفيها، فانحنى يستنشق رائحته المخللة بزيت الياسمين.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ قـ.ـا.تل، ورددت بخفوت: إنت بتعمل أيه؟
خـ.ـطـ.ـف نظرة مطولة لها، ثم دنى ليصبح قريبًا، همسه يختطف أنفاسها اللاهثة: أنا سامع صوت قلبك من مكاني هنا.
ومال لأذنيها يستكمل: استسلمي لمشاعرك يا مايا!
وتابع بعشقه المتأجج: أنا بحبك وحابب نبدأ حياتنا مع بعض من تاني.
وأخبرها وعينيه لا تفارق خاصتها: وواثق أنك بتبادليني نفس الحب وأكتر، خلينا ننهي البعد والمسافات المتعبة دي يا مايا!
أغلقت عينيها بقوة تجاهد مشاعرها التي أضعفتها أمامه، فاستغل لحظتها القصيرة تلك ليستحوذها بحبه، وفجأة وجدت ذاتها تستمد قوة عجيبة لتدفعه بكل شراسة للخلف وهي تصرخ بغـــضــــب: عمران!
لم يكن جسده بالضعيف لينصاع خلف تلك الدفعة، انسياقه خلف رغبته أخفضت من محاولاته للوعي بما يحدث من حوله، اهتز بوقفته وعينيه تشخص بالفراغ لألــم ما تعرض له، فعاد يتطلع لها بنظرة شملها الألــم، ثم قال: بتعملي ليه كده معايا يا مايا، مش معقول بعد كل اللي بعمله عشان نقرب من بعض تكوني لسه موثقتيش فيا!
واسترسل بحـ.ـز.ن جعله يفوق عمره تعاسة: ربنا سبحانه وتعالى بيغفر يا مايا إنتي مش هتغفريلي اللي عدى!، أنا مبطلتش ألجئ ليه من بعدها، مطلبتش غيرك في دعاء قيامي وإنه يغفرلي!
يظن بأنها تمتنع عنه لحـ.ـز.نها لخيانتها السابقة مع إنها تعلم بأنه تاب وابتعد عن المعاصي، عساه يعلم بأنها تخسى منحه الأمان ويعود لضعفه مع أحدهن حينها ستفقد روحها وكل ما امتلكته من قوة زائفة، ستخسر وخسارتها تلك ستكون القاضية!
تمزق قلبه وهو يرى صمتها، فأجلى صوته المنقطع قائلًا: أوعدك إن اللي حصل ده عمره ما هيتكرر أبدًا، عمري ما هفرض نفسي عليكي، تصبحي على خير.
وترك غرفتها وإتجه لغرفته بخطواته المتهدجة، حل جاكيت البذلة وألقاها على الفراش، ثم حاول نزع الجرفات عن عنقه، وعبث بأزرر قميصه يفرقه عنه بحـ.ـز.نٍ عقيم.
تسلل لمسمعه الآن صوت باب غرفته يفتح، فاستدار ليجدها تضع ححابها على رأسها باهمال وتتجه لتقف قبالته بنظرات كانت غامضة للغاية، فوجدها ترفع يدها الحاملة لكتاب الله عز وجل، وبقهرٍ اخترق قلبه دون رحمة أتت كلمـ.ـا.تها لتوضح له عما تخوضه طوال تلك المدة الماضية، حينما قالت: لو عايزني أبدأ معاك حياتنا يبقى تحلفلي بكتاب الله إنك مستحيل هتخوني ولا هترجع للي كنت فيه في يوم من الأيام يا عمران
↚كان يظنها تتألــم لخيانته السابقة لها، وها هي تصفعه بطـــعـــنة عـ.ـذ.اب ضميره حينما واجهته بما تخفيه، تصلب جسد عمران أمامها، حبيبته القوية التي سبق وحذرته سابقًا من الحلف بالقرآن الكريم وخاطبته بالا يحلف سوى بالله عز وجل، تلجئ لنفس طريقه من قلة حيلتها!
نظرات عينيها المنكـ.ـسرة، استجابتها السابقة لقربه، واعتراضها مجددًا ومن ثم تخبره بما تخشاه جعله يكره ذاته التي كانت السبب بجلد زوجته الحبيبة، بدد عمران تلك الغصة الطاعنة لحلقه المرير، ودنى منها يلتقط المصحف الشريف بين يده ويده الاخرى تتمسك بيدها المرتعشة.
وضعه على الخزانة القريبة منه، ثم عاد يمسكها بكلتا يديه وهي تنتفض أمامه ببكاء يرتفع صوته تدريجيًا من خيبة أمالها، تحركت يده عن راسخها لتجذب رأسها بقوة لأحضانه، ويديها المرتفعة باستسلام تمنع جسدها من الوصول لصدره، وكأنها تترك ذاتها دون رغبة منها، تتأوه وتبكي ودmـ.ـو.عها تنهمر فوق رقبته، باعدت ذراعيها المستندة على صدره وأحاطته مشـ.ـددة على قميصه بقوةٍ، فانتفضت من تقصير كتمها لشهقاتها المؤلمة، ورددت جوار أذنه القريب منها: لو عملتها تاني يا عمران همـ.ـو.ت.
أبعد وجهها عنه ورفعه إليه، ليقول بو.جـ.ـعٍ: بصي في عنيا يا مايا، وقوليلي شايفة فيه مكان لحد غيرك! أنا آسف إني السبب في الحالة اللي إنتي فيها دي، أنا اللي خليتك تعيشي معايا وإنتي قلقانه من اللي جاي.
وتابع وهو يضم وجهها بيديه بحنانٍ بالغ مستكملًا: أنتِ نقية يا مايا وأنا اللي هدنسك بالمعاصي اللي ارتكبتها، أنا عارف إنك بتحاربي نفسك عشان تكوني معايا وده كافي بالنسبالي.
وقربها إليه ولثم جبينها بقبلة عميقة ضمت كل ذرة حب صفها داخل قلبه لها: عمران زير النساء ومدmن الخمر اتقــ,تــل في اليوم اللي كان ماشي فيه على الطريق وشايف بعينه المـ.ـو.ت بيقربله وهو كله معاصي، شريط حياته مر عليه وملقاش حاجة فيه تشفعله قدام ربنا لو روحه فارقته.
واستند بجبينه على جبينها مغلقًا لحدقتيه ليسمح بتلك الدmـ.ـو.ع بالانهمار على خديه: اتولد واحد جديد في نفس اليوم اللي شافك فيه بترمي كل أخطائه وراه وبتحاولي تساعديه عشان يقوم من تاني، وإتولد جواه عزيمة وقوة وهو شايف إخلاصك حتى وهو بيواجه المـ.ـو.ت، كنتِ مستعدة تشربي السم عشان شخص ميستحقش وأخد عهد على نفسه إنه يستحقك يا مايا، يستحق طيبتك وحبك وقلبك وكل شيء حلو فيكِ، أنا اتولدتي من تاني ونفسي تقتنعي بده!
مالت برأسها لصدره تدفن ذاتها داخله، وقد شعرت بـ.ـارتياحٍ يحيطها، ضمها إليه مجددًا، وقد تسنى له الشعور براحتها وأمانها داخل أحضانه، والغريب بالأمر أنها باتت مستعدة لقربه بشكلٍ أثار رغبته بها، فخاض لحظات بقربها وحينما وجدها تستجيب له خرج صوته متحشرجًا: إنتِ على وضوء؟
أخفضت وجهها عن وجهه بخجلٍ، واكتفت بإشارة خافتة له، فتحرك ليكون خلفها، يحاوط شعرها الطويل بيده وعينيه تبحث على سراحته القريبة منه بحيرةٍ انطلقت بهمسه الخافت: مش لو كنتي عايشة معايا هنا كنت لقيت دبوس ولا توكة شعر!
واسترسل بخبثٍ وهو ينحني لفراشه جاذبها خلفه من شعرها برفقٍ خشية من أن يضيع مجهود جمع خصيلاتها بخصلة كبيرة: خلاص مش هيكون لينا مكانين بعد النهاردة، الصبح هننقل كل حاجتك هنا.
انحنت خلف انحناء جسده، فحاولت الاستدارة لترى ماذا يفعل هذا، فوجدته يجذب جرفاته وينتصب بوقفته ليحيط بها شعرها كأنها رابطة شعر، قائلًا بسخرية: مع إني دافع فيها نص ثروتي تقريبًا بس مش خسارة فيكِ.
وفور أن لف خصلاتها برابطة عنقه، حتى رفع الحجاب المتدلي حول رقبتها ليطرحه على رأسها بإحكامٍ والابتسامة المحبة لا تفارق شفتيه.
أتجه أمام عينيها لزوايته المفضلة التي خصصها لعبادته، فيترك بها حاملة مصحفه وسجادته وبعض أعواد المسك، فتح خزانته يجذب سجادة لها، ففردها خلف سجادته واستدار يتفحصها، فقال بحنانٍ حينما وجدها مازالت تقف محلها: قربي.
إنصاعت إليه وكبتت صوت طرقات قلبها الصاخب واقتربت تقف خلفه ليكون أمامها، ارتجف جسدها بقشعرة لذيذة فور سماع صوته بقراءة القرآن، وكأنه لا يمتلك الصوت البـ.ـارع بالغناء فقط، تصطدm الآن بجماله الأكثر من السابق بالقرآن، لدرجة جعلتها لا تود أن ينتهي، كل ما تفعله تغلق عينيها وتتابع كل كلمة يرددها بخشوعٍ.
انتهت صلاتهما، واستدار لها عمران ومازال جالسًا على ساقيه المنحية أسفله، فوجدها تبتسم له وتخبره بحماسٍ: صوتك جميل أوي في القرآن يا عمران.
تمعن بها بصمتٍ جعلها ترتبك إلى أن قطع صمته بصوته الجذاب: صوتي بس؟
سحبت عينيها عنه بخجل قـ.ـا.تل، فزحف للخلف حتى بات قبالتها، يرفع وجهها تقابل وجهه، لتستمع لهمسه الصريح: صوتي وقلبي وكل ما أملكه ملكك يا مايا.
استقام بوقفته يجذبها لتنهض عن الأرض، ثم تراجع بها حتى الفراش، فتمدد معها وهو يتفنن بجعلها لا تفلت عن حصاره، حتى استسلمت له أخيرًا، وباتت زوجة له أمام الله عز وجل وقد كان أول لقائهما يشهد عليه صلاتهما ووعده القاطع لها!
وأخيرًا انتهى على من توديع ضيوفه من الأطباء، وتمكن من الصعود لغرفته بعد ذلك اليوم المتعب، فما أن ولج للداخل حتى تفاجئ بها داخل غرفته تنتظره جالسة على الأريكة، وقد بدى على وجهها أنها خاضت بذلك الوقت مئات من الحروب بين بقائها ومغادرتها.
ابتلع ريقه على مهلٍ، وقال ببسمة هادئة: فطيمة بتعملي أيه هنا؟
نهضت عن الأريكة تفرك أصابعها بقوةٍ كادت بتمزيقهم، وخرجت حروفها مبعثرة: أنا آآ، آآ، يعني النهاردة آآ، وميصحش يعني آآ...
منع الابتسامة من الظهور على ملامحه، فاقترب منها بعدmا ترك هاتفه ومفاتيحه على الطاولة، وما أن اقترب منها حتى قال بحنان: في حد عاقل يسيب أخته اللي مشفهاش كل المدة دي ويجي لدكتور ممل ومعتوه زيي!
تـ.ـو.ترت بوقفتها بـ.ـارتباكٍ، وخاصة بأنها تحاول فهم ما يريد، فأتاها صوته الحنون يأمرها: بصيلي يا فطيمة.
رفعت عينيها الخجولة له، فوجدته يبتسم بحبٍ: مساحتك الخاصة اللي ادتهالك مستحيل هكـ.ـسرها في يوم من الأيام الا لما أحس إنك بقيتي كويسة وقادرة تتقبلي وجودي جنبك، الاتفاق اللي بينا مش هيتغير أبدًا.
واسترسل بايضاحٍ لم يبخس به عليها: فطيمة أنا أكتر حد مش هتقدري تخدعيه بأنك بخير، مش لاني دكتورك المعالج، لإني بقيت حفظك أكتر ما أنا حافظ نفسي ك علي.
وتابع بنفس الابتسامة الجذابة: انسي أي حاجة ومتفكريش غير في اللي يسعدك إنتي وبس وهتلاقيني بساندك قلبًا وقالبًا في أي شيء هيخليكي مبسوطة وسعيدة. زي زينب مثلًا أنا رفضت إن مراد يخدها الشقة اللي اشترهالها هنا وصممت إنها تكون جنبك باستمرار يا فطيمة.
تلألأت عينيها بفرحةٍ، وراحت تتساءل: بجد، بجد يا علي؟
منحها ابتسامة هادئة وهز رأسه تجاه باب غرفتها: ادخلي شوفي بنفسك.
اتسعت ابتسامتها بفرحةٍ، وحملت طرف قفطانها الطويل لتستعد للهرولة تجاه غرفتها، فما أن وقفت أمام الباب الداخلي الفاصل بين الغرفتين حتى وقفت تحتار بما يعتليها بتلك اللحظة، فالتفت رأسها إليه تتطلع له بتـ.ـو.ترٍ جعله متيبس محله باستغرابٍ ودهشة مما يقلقها لهذا الحد، وفجأة اصابه وابل من الصدmة جعله يرمش بعدm استيعاب ورأسه تتحرك لتلك التي تتوسط صدره وتضمه بقوةٍ!
تهللت أساريره وقرعت طبوله ليتراقص قلبه استجابة لذلك اللحن، فأحاطها بقوة وهو يهمس دون تصديق: أخيرًا يا فطيمة!
وتابع وهو يغلق عينيه باستسلام: مش عايز حاجة تانية غير ضمتك دي!
أرادت الابتعاد عنه ولكنها وللعجب بقت خاضعة لذراعيه التي تحيطها، ضمته كانت غريبة لا تشبه ضمة والدتها الراحلة ولا ضمة شقيقتها، تلك الضمة جعلتها تختبر تلاعب أوتار قلبها بشكلٍ أرهق أنفاسها الصاعدة، ما بين حمرة الخجل بقربه وبقائها منصاعة لدفء ذراعيه ولتلك الرائحة المميزة التي تعتادها بوجوده بأي مكان، ولكنها الآن قوية ونفاذة بقدر يجعلها هادئة بقربٍ لم تحظى به من قبلٍ.
لا تعلم إلى أي وقتٍ ظلت هادئة داخل أضلعه، حتى على بالرغم من أن هناك جانب داخله مستيقظ خشية من أن تستعيد وعيها فتعود لنوبتها لذا بحاول البقاء على وعيه الكلي ليستعد لاي نوبة قد تقتحم جسدها، وجانب أخر ينغمس بضمتها بحبٍ يجعله يلعن ذاك النصف الواعي ويدعوه ليفقد عقله مثلما بعيش هو.
كادت أن تستجيب لتلك الغفوة التي تطالبها لنيلها الراحة داخل أحضانه، ولكنها تذكرت حديثه بأمر شقيقتها الجالسة الآن بغرفتها، فحلت ذراعيها المحاطة لرقبته وتراجعت خطوتين للخلف على استحياءٍ، ومن ثم ركضت لتفتح الباب وتغلقه بوجهه كمن ترغب بصرف عفريت المشاعر التي استحضرتها، فبقى محله مبتسمًا، هامسًا: قطعت نص الطريق لسه النص التاني وأقدر أقول بكل ثقة إنك اتعالجتي يا فطيمة!
تفاجأت زينب بوجود شقيقتها، فضيقت عينيها الفيروزية بدهشةٍ: انتي لاش رجعتي لبيتك أ فطيمة، ماشي المفروض اليوم عرسك؟
(إنتي رجعتي الاوضة ليه يا فاطمة، مش المفروض النهاردة فرحك).
نزعت حجابها عنها واتجهت لتجلس على الفراش وهي تجيبها بخجل: العلاقة بيني و بين على ماشي بحال داكشي اللي انتي فاهمة،
زينب انا باقية كنتعالج من داكشي اللي طرا ليا،.
باقي الكوابيس كتلاحقني، انا عارفة بانه على عمره ما غيضغط عليا و غيتعامل معايا بحذر،
انا بغيت ناخد هاد الخطوة و نتقرب منه، و لكن صدقيني ما قداش، كاين حاجز بيني و بينه و ماقادراش نهرسه واخا ف شي اوقات كنحس بانه اقرب ليا من نفسي
انا كنحس معاه بحنان و احترام ما حسيتوش مع حتى شي واحد اخر.
(العلاقة بيني أنا وعلى مش زي ما أنتي فاهمه، زينب أنا لسه بتعالج من اللي حصلي، لسه الكوابيس بتطاردني، أنا عارفة إن على عمره ما هيضغط عليا وبيتعامل معايا بحذر، ونفسي أخد أنا الخطوة دي وأقرب منه بس صدقيني مش عارفة في حاجز بيني وبينه مش قادرة أكـ.ـسره مع إني أوقات بحس إنه أقرب ليا من روحي، أنا بشوف معاه حنية واحترام محستش بيهم مع أي حد).
اتجهت لتجلس جوارها على الفراش، تخبرها بابتسامة هادئة: انا كنت حزينة عليكي ا فطيمة، و لكن لما مراد عاودلي على الدكتور على و على زواجكم فرحتلك بزاف،
و باين من الشوفات ديالو و اهتمامه بيك طول الحفلة بانه كيبغيك
(أنا كنت حزينة أوي عليكي يا فاطمة، بس لما مراد حكالي عن الدكتور على وعن جوازكم فرحتلك أوي، وباين من نظراته واهتمامه بيكي طول الحفلة إنه بيحبك. ).
ابتسمت تلقائيًا وقالت: على فعلا رجل عظيم، هو الراجـ.ـل الوحيد اللي ما كنحسش بالخــــوف و انا معاه خصوصا من بعد داكشي اللي اتعرضت ليه
(علي فعلًا شخص عظيم، الراجـ.ـل الوحيد اللي مبحسش بالخــــوف وأنا معاه وخصوصًا بعد اللي اتعرضتله! )
وعاد الحـ.ـز.ن يرتسم على معالمها، حتى أدmى الدmع عينيها، فقالت: كنت كنتمنى بابا و ماما يكونوا موجودين معايا في نهار بحال هدا،.
انا اتحطمت لما وصلني خبر المـ.ـو.ت د ماما و دابا زدت اتقهرت فاش عرفت بالمـ.ـو.ت د بابا.
(كان نفسي بابا وماما يكونوا موجودين معايا في يوم زي ده، أنا انكـ.ـسرت لما وصلني خبر وفاة أمي ودلوقتي زادت كـ.ـسرتي لما عرفت بوفاة بابا. )
وتابعت بابتسامة زارتها، ويدها تشـ.ـدد على يد شقيقتها: وجودك معايا ازينب، غيخليني نتخطى اي حاجة خايبة عشتها و اتعرضت ليها.
(وجودك معايا هنا يا زينب هيخليني أتخطى أي و.جـ.ـع عشته! ).
وأزحت دmـ.ـو.عها، وراحت تتساءل بلهفة: المهم انا بغيتك تعاوديلي عليك،
عنداكي تكوني تخليتي على الحلم ديالك و خرجتي من القراية.
(المهم أنا عايزاكي تحكيلي عنك، أوعي تكوني اتخليتي عن حلمك وطلعتي من التعليم! )
أجابتها سريعًا حتى لا تخيب أمالها: هادي هي الحاجة الوحيدة اللي كانت كتنوسني و كتخرجني من همومي أ فطيمة، كنت كنقرا بالليل و النهار حتى دخلت للطب، انا دا في السنة التانية،.
مراد نقل ليا وراقيا للجامعة هنا بالنجليز،
هاد الانسان محترم و شهم و ولد الناس، ما تخلاش عليا كاع من بعد المـ.ـو.ت د بابا، بـ.ـاركا انه كان كيستحمل المكالمـ.ـا.ت ديالي و السؤال ديالي عليك ديما، و اخر حاجة وعدني يلاقيني بيك و وفي بوعده.
(دي الحاجة الوحيدة اللي كانت بتسليني وبتخرجني من همومي يا فاطمة، كنت بذاكر ليل نهار لحد ما الحمد لله دخلت طب، أنا في سنة تانية، مراد نقلي أوراقي لجامعة هنا بانجلترا، الانسان ده محترم وشهم وابن اصول، متخلاش عني بعد وفاة بابا أبدًا، كفايا انه كان متحمل مكالمـ.ـا.تي وسؤالي عنك بشكل دائم، وأخر شيء وعدني إنه هيجمعني بيكِ وفعلًا صدق بوعده! ).
وأضافت بحماسٍ أضاء وجهها: انا بسبابه وليت كنبغي البوليس و المخابرات، و كنطلب من الله يجيبلي شي عريس بحاله ف شهامته و شكله و عضلاته و آآ...
(أنا بسببه بقيت بحب الظباط والمخابرات وبتمنى ربنا يبعتلي عريس بشهامته وشكله وعضلاته وآآ، )
قاطعتها فاطمة بغـــضــــب مصطنع: زينب!
تجاهلتها واستطردت ببسمة مازحة: واش انتي متأكدة انو متزوج أ فطيمة؟
(هو انتي متأكدة إنه متجوز يا فاطمة؟ ).
ضحكت بصوتها الرقيق، وحطمت سقف أمنياتها: متزوج و عندو جوج بنيات كيحمقو، و هادشي اللي كتقوليه حـ.ـر.ام، هبطي لأرض الواقع و لا غتبوري أدكتورة
(متجوز وعنده بـ.ـنتين زي السكر، وحـ.ـر.ام اللي بتقوليه ده، إنزلي لسقف الواقع عشان كده هتعنسي يا دكتورة! )
لوت شفتيها بسخطٍ، ورددت باستنكارٍ: و لاش غنبور، هانتي زهرك طلع زوين و طيحك ف الدكتور علي،
دكتور زوين و غزال و زاز و مربي و من الهاي كلاس و كيبغيك من الفوق،.
و حتى انا اكيد ربي سبحانه و تعالى غيجازيني لاني اختك و صبرت معاك ف المحنة ديالك كاينة و لا لا!
(هعنس ليه ما أنتي حظك كان جميل ووقعك في دكتور علي، دكتور وسيم وشيك وذوق جدًا ومن الطبقة المخملية الراقية وفوق كل ده بيحبك، يعني أنا أكيد ربنا سبحانه وتعالى هيكافئني عشان أنا أختك وصبرت معاكي في محنتك بردو ولا أيه؟ ).
تمادت بالضحك حتى احمر وجهها، وهتفت بصعوبة وهي تحاول إلتقاط أنفاسها: انتي كااارتة أزينب! (انتي كارثة يا زينب! ).
تمادى الليل بفرض سيطرته وفجأة انقشع ظلامه مع سطوع شمس اليوم التالي، حيث استعد الجوكر ليغادر لطائرته الخاصة، فوجد على بانتظاره وعلى وجهه ابتسامة مشرقة: خلاص هتفارقنا يا باشا؟
منحه الجوكر ابتسامة هادئة تزيد من جاذبيته: مضطر والله يا دكتور علي، إنت عارف إن شغلي صعب أتحرر منه ولو ليوم واحد، ده غير إن رحيم زيدان مستحيل يقبل إني أبعد عن القصر وسمحلي بده عشان وعدي لفاطيما.
وتابع وهو يربت على كتفه بملامحه الجادة: إنت معاك رقمي الخاص وقت ما تحتاج أي حاجة إنت أو فاطيما كلمني على طول.
احتضنه على باحترام ينجح هيبته بطرحه على مسمع الجميع، فهمس له الأخر: خلي بالك من فاطيما، البـ.ـنت دي اتعرضت لعـ.ـذ.اب جحيمي وتستحق تعيش بسلام بعد الرحلة الصعبة اللي خضتها معايا ضد ناس اتعرت قلوبهم من الرحمة ومبقوش شايفين الست غير وسيلة للمتعة.
وابتعد وهو يستطرد ببسمة هادئة تمنح الراحة للأخر: حلال فيهم قنبلة رحيم زيدان. فتت أشلائهم.
ارتسم الحـ.ـز.ن بمعالمه ومع ذلك رسم ابتسامة متفهمة: متقلقش يا مراد، فاطمة بعنيا أوعدك إني هحافظ عليها أكتر من نفسي.
ربت على كتفه بصلابة، وكاد بالصعود للسيارة التي ينتظره سائقها ليتحرك به، ولكنه عاد يخبر الاخير بغمزة أضافت جمال لعينيه الزرقاء: بالنسبة للي شاغل بالك بيه وسألتني عنه امبـ.ـارح فإطمن لإنه مش بس محترم ويليق بأختك، لإنه يخصني وتحت تدريبي وأنا مبكنش قائد لأي حد!
اتسعت ابتسامة على وقد غمرته الراحة بعد حديث مراد، فوقف يراقب سيارته الراحلة بنظرة ممتنة، والآن ما عليه سوى الانتظار والترقب لخطوة آدهم القادmة.
التفت ليصعد للأعلى فخـ.ـطـ.ـفت عينيه نظرة لشرفتها، فوجدها تقف برفقة شقيقتها، وعلى ما يبدو لم تذق كلتهما النوم وبقيت تثرثران للصباح، إتجه على للأعلى وطرق الباب ومن ثم ولج حينما استمع لإذن فاطمة، فقال ببسمة جذابة: صباح الخير، لقيتكم صاحين بدري فقولت فرصة أجي أتعرف على زينب بنفسي.
دنت إليه زينب بابتسامة بشوشة متحمسة للتعرف بزوج أختها الكبرى، وما كادت بالحديث حتى أوقفها باشارة اصبعه المحذر: بالمصري! اتكلمي بالمصري الله يكرمك عشان أقدر أفهمك ولو مش هت عـ.ـر.في هنحتاج كده فطيمة تترجم.
ضحكت وهي تجيبه بغــــرور: لغتكم مش صعبه يا دكتور علي، سهل أي حد يتكلم بيها.
اتسعت بسمته قائلًا: شكلنا كده هنفهم بعض، عمومًا يا زينب أنا مش عايزك تعامليني على إني جوز أختك، أنا يكون ليا الشرف لو قدرتي تحطيني في خانة الأخ اللي بسهولة تلجئي ليه بدون أي حرج، يا ترى هتقدري ولا صعبة؟
خـ.ـطـ.ـفت نظرة لشقيقتها وكأنها تستمد العون منها، فوجدته تهز رأسها باشارة صريحة بأنه يستحق أن تعامله كأخ، واستنادًا على حديثهما المسائي هزت زينب رأسها قائلة: طبعًا هقدر، لاني عندي ثقة في الاشخاص اللي بتطمن ليهم فطيمة، وسبق وجربت ثقتها بمراد زيدان وكانت في محلها فأكيد هتكون زيه يا دكتور.
منحها نظرة حنونة، وأضاف وهو يفتح الباب ليستقبل الخادm الذي انتهى للتو من صنع الافطار انصياعًا لطلب علي، فدفع الطاولة قبالتهما: حيث كده بقى يبقى نفطر مع بعض، عشان يكون في بينا عيش وملح ولا أيه يا فطيمة!
تخلت عن صمتها أخيرًا وقالت: اللي تشوفه يا علي.
جلسوا معًا يتناولان الطعام، وبدأ على يتعرف عن زينب وعن دراستها وكل شيء متعلق بها، حتى لا تواجه أي مشاكل بعد تحويل أوراقها إلى هنا.
.
فتحت عينيها بانزعاجٍ، وبدأت تستوعب ما حولها، انتفضت بجلستها بفزعٍ حينما لم تجد نفسها بغرفتها، وبدأت بالهدوء ريثما تسلل لها ذكريات الأمس، فالتفتت جوارها تلقائيًا فعادت أنفاسها لمجراها الطبيعي حينما لم تجده لجوارها.
تسلل لها صوت المياه الجاري بحمام الغرفة، فتسللت مايسان تلتقط فستانها ترتديه لتلوذ بالفرار مسرعة قبل خروجه، فما أن أحكمت حجابها حتى اسرعت للباب تحاول فتحه، فتصلبت عروقها حينما وجدته موصود بالمفتاح، خُيل لها ألف سيناريو جميعهم حصدوا الهلع من حولها، وفجأة تسلل لها صوته الذكوري القوي: صباح الخير يا بيبي!
استدارت تقابله بنظرة مشتعلة بالغـــضــــب: إنت قافل الباب بالمفتاح ليه يا عمران وآ...
ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها وهي تستدير سريعًا تحتمي خلف يديها بصراخ: إنت طالع قدامي كده إزاي!
رمش بعدm استيعاب لما يحدث لها منذ طالعة الصباح، فجذب التيشرت يرتديه على بنطاله مرددًا بسخرية: إنتِ ناقص تطلعي على القسم تقدmي فيا قضية تـ.ـحـ.ـر.ش! في أيه على الصبح يا مايا، ما كنا كويسين من ساعات!
ارتبكت أمام حديثه الجريء ومع ذلك حافظت على اندفاع نبرتها المتعصبة: فهمني قافل الباب عليا ليه!
حك ذقنه بتسليةٍ وصلت لهمس صوته المغري: خايف تهربي مني!
واتسعت ابتسامته وهو يصيح بفتور: قفلته عشان عمي وعلى أخدين إني هنا لوحدي، وأنا مش حابب لا أعرضك ولا أعرضهم لموقف سخيف لحد ما يفهموا من نفسهم إن الأوضة بقت تخصنا.
وتابع بهدوء مخادع لها: وطلعت من حمامي أكمل لبسي بره كالعادة يعني وحتى لو مكنتيش نايمة فأنا مش شايف نفسي أذنبت إنتِ مراتي وجوازنا داخل على السنة!
أخفضت عينيها أرضًا، فاقترب منها حتى رفع وجهها قبالته يجاهد ليخرج سؤاله بحرجٍ يحوم به: مايا إنتِ آآ. إحممم. كويسة؟
عبثت بحدقتيها بصدmةٍ حينما استفهمت مغزى سؤاله، فأبعدت يده عن وجهها واتجهت للفراش وهي تؤمي برأسها بخفة، فعبث بخصلات شعره بضيق من عدm تأكده إن كانت تعلم مقصده أم تطمنه على أحوالها، فلحق بها يحاول خلق جو من الحديث بينهما، فقال: النهاردة معزومين عند جمال، والدته سافرتله امبـ.ـارح ومصممة إنها تتعرف عليكي، خديلك Shower وإلبسي عشان نتحرك.
التفتت إليه تخبره بنزقٍ: مش لما تتكرم وتفتح الباب الأول!
ابتسم بمشاكسة جابت غمزة عينيه على خزانته: لأ ما أنا خلاص نقلت هدومك في دولابي، ونظمتهم بنفسي.
جحظت عينيها بدهشةٍ: أمته ده؟
أجابها وهو يلف يديه حولها: إمبـ.ـارح بعد ما نمتي قومت عشان أصلي القيام وبعدها مجاليش نوم، فشغلت نفسي بنقل الهدوم وترتيبها.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تبعد عن عقلها تلك الفكرة التي تحررت على هيئة سؤال عابر: نقلت كل هدومي؟
هز رأسه مؤكدًا لها بخبثٍ، فجن جنونها وطاحت بعصبية: ازاي تسمح لنفسك تفتح حاجتي وأغراضي الخاصة، صحيح إنك وقح يا عمران ومدي لنفسك حقوق كتيرة أوي لمجرد أني آآ، آآ.
آآآ أيه؟!
تساءل بخبث جعلها تزدرد ريقها وقد تخلت عنها الكلمـ.ـا.ت بحق، فدنى منها مجددًا يضمها إليه وهو يهمس ببراءة مصطنعة: نظمتلك فساتينك والشوذات لكن باقي حاجتك أقسملك إنهم جوه لسه في الشنطة مجتش جنبهم نهائي!
استرخت معالمها بهدوءٍ غريب، جعله يكتم ضحكة صاخبة كادت بالتمرد، وخاصة حينما استكمل بدور برائته مربتًا على كتفيها: يلا يا قلبي ادخلي خدي الشاور بتاعك وإخرجي عشان تلبسي، مش عايز نتأخر عليهم.
اومأت له بطاعة وولجت للخزانة تنتقي ما سترتديه، بينما هي بالداخل تعبث بحقيبة السفر الضخمة التي تحتوي أغراضها ترسخ لها الغباء، على مقاس ردائها، فإن كان صادقًا بأنه يحتفظ بأغراضها بحقيبة موصدة كيف وضعهم بداخلها من الأساس! ذاك الوقح يظن نفسه متحاذقًا؟
خرجت كالاعصار تبحث عنه فوجدته يرفع يديه مرددًا بخشوع: الله أكبر.
لجئ لصلاة الضحى سريعًا قبل أن تقتص منه، فهتفت وهي تعود للخزانة مجددًا: اصبر عليا يا وقح!
صمم على أن تخرج زينب وفاطمة برفقته في جولة بانجلترا، وخاصة حينما استكشف انبهار زينب بها، فاستعدت كلاهن للخروج، ارتدت فاطمة فستان بسيط أسود اللون يحيط به حزام من اللون الأبيض وحجاب ابيض اللون، هبطت للأسفل برففة شقيقتها فما أن رأها على حتى ابتسم وقال: جمالك اللي محتاج تأمل مش انجلترا!
منحته ابتسامة رقيقة، ووقفت لجواره تراقب زينب التي هرعت للاسفل تحمل طرف قفطانها المغربي البسيط، لتتساءل بلهفة: ها يا على هتودينا فين؟
منحها ابتسامة واسعة، وقال: كل الأماكن اللي تخطر على بالك. وبالمناسبة شمس كمان جاية معانا مصممة تتعرف عليكي عن قرب يا زينب.
اتسعت ابتسامتها وقالت بترحاب: أكيد أنا كمان نفسي أتعرف عليها، هي عندها كام سنة وبتدرس أيه؟
قص لها على سريعًا عن عائلته، حتى والدته وعمه، كانت فاطمة تراقبه وهو ينسجم بالحديث مع شقيقتها بفرحة، على لا يحتل قلبها فحسب، ذاك الشخص يملك قلبًا لا يعرف الخبث طريقًا إليه، فإن وجدته يتحدث أحدًا تجده بشوش الوجه بصورة تجعل من أمامه لا يود أن يفارقه، ربما لا يمتلك تفاصيل الرجـ.ـال المغرية لفتيات، ولكنه يمتلك جمال خاص به، طباعه هادئة وحياته منسقة حتى بعمله هو كذلك، من يراه ويرى أخيه المشاكس الوقح يجدهما عملتين مختلفين للغاية.
خرج على بسيارته وعينيه لا تفارق فاطمة الجالسة جواره بالأمام بعدmا صممت شمس البقاء بالخلف برفقة زينب لتتعرف عليها بإريحية.
انتهت مايسان من ارتداء ملابسها، فخرجت تتجه للسراحة لتعقد ححابها، وقفت أمام المرآة تجمع خصلاتها فابتسمت حينما تذكرت رابطة عنقه، فأسرعت للفراش الغير منظم تبحث عنها، وما أن رأتها حتى قربتها لأنفها تجدد أنفاسها برائحته العالقة بها، وعلى الفور لفتها حول شعرها، ومن ثم جذبت الحجاب مجددًا لترتديه.
تسمرت يدها بالهواء ومازال الحجاب يحيط بها فور رؤيته يطل عليه من الخزانة ببنطاله الجينز الأزرق وقميصه الرمادي، كانت طالته جديدة عليها ولكنه كعادته يحرص على آناقته، تابعته بإعجابٍ شـ.ـديد وهو ينحني ليرتدي حذائه الرمادي اللامع، ومن ثم نهض يسألها وعينيه على يده التي تعقد رابطة الحذاء: خلصتي يا حبيبتي؟
لم يستمع لردها مع أنه سبق ولمحها تقف أمام المرآة، فرفع رماديته لها هاتفًا باستغرابٍ: مايا!
تفاجئ بها شاردة به، فابتسم ودنى ليحيطها بيديه هامسًا بتسليةٍ: عحبك الاستايل ده عليا؟
اشتعلت خجلًا من ملاحظته لشرودها به، فادعت استكمالها لحجابها قائلة بعدm فهم: استايل أيه؟
مال برأسه لها ومازالت عينيه تواجه انعكاسها بالمرآة: متحاوليش تدعي البراءة قدام عيوني الخبيرة يا مايا.
ومال لأذنها يهمس باغراء وغمزة عينيه: إنتي كمان زي القمر بالفستان ده.
دفعته للخلف بضيق: ممكن تبعد عايزة أخلص لبس.
ضحك بتسلية وكاد بأن يضايقها مجددًا، فوجدها تهمس له بضيق: عمران من فضلك.
احترم رغبتها ورفع يديه باستسلام، ومن ثم ابتعد للحائط المجاور لمرآتها يتابعها ببسمة هادئة، ويديه مربعة أمام صدره، يتابع فوضوية الاغراض المتعلقة بها وهي تجتمع جوار أغراضه المرصوصة بعناية على السراحة، بعضًا من أَحْجِبَتها ملاقاة عليها، وعُلبة من الدبابيس وغيرها من المرطبات وبعض أدوات التجميل البسيطة، وهناك على الفراش عدة فساتين ملقاة وكأنها كانت تجرب أكثر من فستان لتستقر على ذاك اللون الرصاصي الهادئ، والآن تحتار باختيار الحجاب المناسب، حتى ركنه الخاص بالصلاة تحمل سجادتها بعدmا أدت فريضتها بالصباح.
راق له مظهر الغرفة التي نبضت بوجود حياة زوجية مشتركة بعد جفاء ما قضاه، انحنى تجاهها بدرجة أربكتها، فوجدته يجذب حجابًا من المجموعة المطروحة أمامهما وأشار لها ببسمة مهلكة: ده هيكون جميل وهيليق على ال dress. وفتح أحد الإدراج ثم جذب لها مجموعة من الزينة قائلًا: الaccessories (اكسسوارات) دي هتنطق الفستان كمان.
تفحصت ما بيده بدهشةٍ، وخاصة حينما تلقفت منه ما يقدmه، وما أن انتهت من ارتدائهم حتى تطلعت لذاتها ببلاهة، كيف استطاع أن يساعدها بتلك البساطة بينما قضت نصف ساعة تحاول أن تختار وللعجب أصاب اختيارته لنطق طالتها بشكلٍ صادm، فقالت ببسمة رقيقة: هتساعدني على طول بتنسيق اللبس؟
مال إليها ويده تندفع لجيب بنطاله: عمران سالم في خدmتك كل ما تحتاجيله مولاتي الأميرة!
تعالت ضحكاتها بشكلٍ أضحكه هو الأخر، وقطع ضحكته حينما قرص أرنبة أنفه بتـ.ـو.ترٍ يعهده لأول مرة، لا يعلم ماذا أصابه بلوعة عشقها، فسألها: مايا إنتِ فعلًا كويسة، لو حاسة بتعب خليكي وأنا هعتذر منهم.
تبددت معالمها فألقت بالكحل الذي كانت تضع به القليل بعينيها ليصطدm بالسراحة من فرط انفعالاها: ما قولتلك إني كويسة، ليه مصمم تكسفني الله!
وجذبت حقيبتها واتجهت للباب تصبح بعصبية تخفي بها موقفهما المحرج: افتح الباب عشان منتأخرش على الناس.
وحملت هاتفها الذي يصيح برنته الأولى من حقيبتها، هاتفة بحنقٍ: صبا بتتصل أهو عجبك كده؟
منع ابتسامته من الظهور، وجذب مفتاح الغرفة يفتحه وهو يشير لها بحبٍ: اتفضلي يا مايا هانم.
منحته ابتسامة خاطفة قبل أن تمر، فلحق بها للأسفل ليغادروا معًا لمنزل جمال حيث يتجمع يوسف وزوجته وجمال وصبا بانتظارهما.
مر الوقت بها ومازالت حببسة غرفتها منذ الأمس، حتى النوم جفاها وعدm رغبتها بتناول الطعام تركت جوفها، انتهت فريدة من ارتداء فستان من اللون الوردي وصففت شعرها بعناية ثم هبطت للأسفل تشير للخادm: أعد الغدا وبلغهم.
أجابها الخادm سريعًا: عفوًا سيدتي، السيد على وزوجته وشقيقتها وشمس هانم خرجوا منذ الصباح، ومنذ قليل خرج السيد عمران برفقة زوجته، أما السيد أحمد فرفض تناول الطعام وكذلك الغداء.
تألــم قلبها للغاية لسماع ذلك، فقالت وهي تتدعي صلابتها: أين هو؟
أشار بعينيه: بغرفته بالأعلى.
أجلت صوتها بعد مدة صمتها المرتبك: أحضر طباقين من الطعام وأنا سأحمله للأعلى.
هز الخادm رأسه وغادر عنها وبعد دقائق عاد يحمل ما تريد على صينية مستديرة فخمة، فأشارت له بتتابعها للاعلى حتى وصل لغرفته فحملتها عنه وقالت بثبات صارم: غادر إنت.
انصرف للأسفل بينما بقيت هي أمام الغرفة تحاول فتح بابها بـ.ـارتباك جعلها تنتظر لخمسة عشر دقيقة تجاهد لاستعادة اتزانها الكلي، فنظفت وجهها من بقايا دmـ.ـو.عها المنفلتة وطرقت بخفة على الباب ثم فتحت المقبض وولجت بما تحمله، فوجدته يجلس على المقعد الخارجي للشرفة، اتجهت إليه وهي تردد بغـــضــــب: ممكن أفهم أيه لعب العيال ده يا أحمد، ليه مأكلتش من الصبح؟!
منحها نظرة ساخطة قبل أن يميل برأسه للجانب الأخر وكأن لا وجود لها، فوضعت الصينية على الطاولة قبالته وقالت وهي تدعي الصلابة: على فكرة ده مش حل!
كان جـ.ـا.مدًا وكأنه عاكفًا عن حديث البشر، فحاولت استمالة حنانه المعتاد منه: أنا كمان مأكلتش حاجة فجبت طبقي عشان أكل معاك، هتسبني جعانة يا أحمد؟
صمته طال ومحاولتها جميعًا تبوق بالفشل، انحنت فريدة بحذائها الانيق مستندة على حافة مقعده، ولمست يده مرددة بخفوت: أحمد أنا بكلمك!
أبعد يدها عن يده ونهض عن المقعد ليترك لها الشرفة بأكملها واتجه للغرفة، انهمرت دmعتها دون توقف ومع ذلك استمدت قوتها وأزاحتهما ومن ثم لحقت به للداخل، فوجدته يلف جسده بغطاء الفراش مداعيًا النوم، لحقت به وجلست جواره قائلة بحـ.ـز.ن: مش عايز تتكلم معايا للدرجادي يا أحمد!
طُعن قلبها حينما تخر محاولتها محاولة تلو الاخرى أمامها، وكأنها لم تعد تملك سلطانًا عليه، رفعت فريدة ساقيها وأزاحت عنها الحذاء ثم وقفت على الفراش واتجهت للجانب الذي يوليها به ظهره، فتمددت جواره حتى بات وجهه مقابل لها، ويدها تمتد لتحيط وجهه، هامسة بتوسل: سكوتك هيمـ.ـو.تني، أتكلم عشان خاطري.
مرر رماديته على كف يدها الناعم المحاط لوجهه، وردد ساخرًا: مش خايفة من شعور الخيانة العظيم اللي هيوجهك وأنتي هنا في سريري ولمساني!
ارتجفت يدها على خده وسحبتها وهي تنهض من جواره كلدغة عقرب سام طالتها، حديثه الساخر جعلها تصرخ بانفعال: إنت بتسخر مني وكل ده ليه عشان رفضتك!
آه من قلبه الذي ينال طـــعـــنة جراء الاخرى والطـــعـــنة القاضية إنها من تتسبب له، أبعد الغطاء عن جسده ونهض يتجه إليها ببركان غـــضــــبه الثائر: إنتي جاية هنا ليه، اطلعي برة ومتدخليش أي مكان أكون فيه تاني.
عبست بعينيها بدهشة، لحقت نبرتها الهامسة: أنا مراتك!
ضحك مستهزءًا: بجد فكرتك مرات أخويا!
انهمرت دmعاتها أمامه وجلست على طرف فراشه تبكي بحرقة: كفايا يا أحمد، حـ.ـر.ام عليك كفايا أنا موجوعة ومش متحملة و.جـ.ـع منك إنت كمان.
حن لها وقد نجحت بغزو قلبه ببكائها، فانحنى يلتقط راسخها ليجبرها على النهوض والخضوع لحـ.ـضـ.ـنه الدافئ، ويده تمسد على شعرها القصير بينما صوته الرجولي ينبعث بنبرة هادئة: هشش. خلاص اهدي يا فريدة مش هعصبك تاني.
رفعت عينيها الباكية له وقالت: أنا بحبك وأنت عارف ده كويس، بس أنا مش قادرة يا أحمد إنت متعرفش أنا عشت طول السنين دي ازاي، إنت متعرفش حاجة.
منحها نظرة متعبة من كلمـ.ـا.تها الغامضة، فسحبت نفسًا مطولًا وقالت بألــم: لما اتجوزت سالم كانت نظراته ليا غريبة، حتى كلامه، كان دايمًا بيرمي كلام غريب عن زوجة صاحبه اللي خانت جوزها مع اخوه، كنت بحس أنه يقصدني بكلامه وده كان قـ.ـا.تلني، أنا مكنتش بشوفك خالص يا أحمد عشان أخونه حتى بنظرة ليك.
وتابعت ببكاء حارق: حول حياتي لجحيم، بقيت بخاف من كل شيء بعمله عشان ميفكرنيش إني بخونه مع إن الحقيقة أنا كنت خـ.ـا.ينة في خيالي واحتفاظي بذكرياتك.
ضيق عينيه بدهشة، وجذبها تجلس قبالته على المقعد يحاول سبر أغوارها، فقالت ببكاء: أنا كنت بروح لدكتور نفسي من كتر تصرفاته يا أحمد.
التقطت أنفاسها بعنف جعله يربت على ظهرها بألــم: اهدي، خدي نفس ومتتكلميش غير لما تهدي.
هزت رأسها نافية، وباصرار قالت: لأ، سبني أتكلم وأحكيلك قبل ما ارجع أخاف من تاني.
هبطت يدها تتمسك بيده وقالت بانهيار: سالم عمره ما قسى عليا، لا ضـ.ـر.بني ولا هاني مرة ولا عمل أي شيء يخليني أكرهه وده اللي كان و.جـ.ـعني أوي، بصاته يا أحمد كانت كلها كلام واتهامـ.ـا.ت ليا بالخيانة، كأنه بيقولي إنتي خـ.ـا.ينة بس أنا بحبك وبعاملك كويس، حتى اما كان بيحصل بينا شيء كان بعدها بيكون غريب معايا، بيتضايق وبيتنرفز لإني مش قادرة أكون بالشكل اللي هو متوقعه! ولو حصل واتجاوبت معاه مكنتش بشوف غيرك إنت وده كان بيخليه متعصب أكتر من الأول وبالرغم من سكوته الا إن نظراته وطريقته كانت بتوصلي كل ده!
واستطردت بقهر وهي تتطلع له بنظرة قــ,تــلته: كرهتك أوي واتمنيت أنتقم منك بأي شكل يا أحمد لانك انت السبب في اللي أنا عشته، أنا كنت عايزة أريح نفسي من المعاناة دي وأقوله شكوكك كلها صح أنا فعلا بحب انسان غيرك بس مخنتكش كان نفسي أقوله كده.
وقالت بانكسار لحق بها: في اليوم اللي هو عمل فيه حادثة كان متخانق معايا بسبب برودي معاه، لبس هدومه وخرج وهو متعصب وبعدها لما جاني الخبر وروحتله المستشفى طلب مني طلب غريب أوي.
جلدته كل ما تحمله على عاتقها بمفردها، حبيبته كانت تخوض رحلة قاسية حد اللعنة، ابتلع مرارته وقال بحشرجة تكبت دmـ.ـو.عه: طلب أيه؟
انتابها نوبة بكاء جعلت جسدها ينتفض بشراسة، فجذب مقعدها ليقربه من مكان فراشه الاعلى منها، وانحنى يضمها وهو يربت على ظهرها، لا ترى هي دmـ.ـو.عها ومشاركته لو.جـ.ـعها، هدأت بعد دقائق وبعدت عنه تقول: قالي قبل ما يمـ.ـو.ت لو أحمد اتقدmلك للجواز وافقي!
وانهارت حصونها بينما تحولت تعابير وجهه لجمود تام، فبكت منهارة وكلمـ.ـا.تها تخرج مشتتة: أنا كنت همـ.ـو.ت وقتها يا أحمد، احساس أنه كان عارف بحبي ليك بعد جوازنا وسكت الفترة دي كان هيمـ.ـو.تني، عاتبت نفسي وقــ,تــلتها ألف مرة لما فهمت وقتها معاني نظراته الغريبة ليا، كان نفسي أقوله اني فعلا حبيتك بس ده من قبل ما هو يدخل حياتي، كان نفسي أقوله اني ولا مرة خنته ولا حتى كلمتك بالتليفون ولا جمعنا أي لقاء، كان نفسي اعتذرله يا أحمد، آآ. أنا السبب في مـ.ـو.ته أنا اللي خليته يخرج متعصب بسبب معاملتي ليه، بس غـ.ـصـ.ـب عني مكنتش قادره أكون معاه وقلبي معاك إنت!
ظلت لدقائق تنهار بالبكاء وحينما لم تجده يضم جسدها أو حتى يتحدث رفعت عينيها تراقبه بفضول، فوجدته يتطلع لها ببرود، وما أن تلاقت عينيهما حتى قال: سالم كان يعرف بحبنا من قبل ما يتقدmلك يا فريدة، وطلبه الاخير ليكي كان لإن ضميره اللي مـ.ـا.ت أخيرًا فاق.
برقت بعينيها بصدmة جعلتها لا تحيل عينيها عنه، فضحكت وبكت بطريقة مـ.ـجـ.ـنو.نة، وهمهمت بجنون: إنت بتقول أيه، لأ ده مستحيل. هو لو كان يعرف مكنش أكيد اتجوزني ولا آآآ...
وعادت تتطلع له من جديد، فنهضت عن مقعدها وهي تصرخ بانهيار: لأ. لأ، إنت بتكدب عليا عشان أتخلص من عـ.ـذ.اب الضمير اللي عشته، ع. ع. عشان انتقمت منك ورفضت طول السنين دي صح؟
وقف قبالتها وهز رأسه نافيًا لاتهامـ.ـا.تها، وقال بوهن أصاب صوته: تفتكري بعد حبي الكبير ليكي إني كنت هتخلى عنك بالسهولة دي؟
رمشت بعدm فهم، فتابع وهو يحرر كل ما دُفن داخله: أنا في اللحظة اللي جدك قالي فيها واجهته باللي بينا وإنك مش هتكوني لغيري وهو قالي هيرفض سالم بدون ما يقوله على اللي بينا عشان ميحصلش بيني وبينه عداء، وبعدها اتفاجئت بيه في مكتبي بيرسم عليا حوار خدعني وخلاني أستسلم وأقنعك وأقنع جدي إنه يوافق.
تراجعت عنه للخلف، تلاقت صدmـ.ـا.ت اليوم قد تجعلها تفارق الحياة بأي لحظة، ومع ذلك سألته لتستكشف ما يخفيه بعد: حوار أيه؟
يـ.ـؤ.لمه رؤيتها بتلك الحالة، يـ.ـؤ.لمه ابتعادها عنه بتلك اللحظة، ولكنه لن يصمت بعد ان ألقت لها معاناة ما تسبب أخيه الحقير بها، فقال: جالي المكتب، كان منهار وعايز يعرف جدي رفضه ليه، أنا محاولتش أعرف باللي بينا بأي شكل من الاشكال كنت خايف أخسره لإنه مهما كان أخويا الكبير يا فريدة، طلب مني إني اتداخل وأجوزه ليكي لانه بيحبك، وصدmني لما قالي إنه عنده كانسر في مرحلته الاخيرة وعمره متوقف على أي لحظة.
انهمرت دmعة من عينيه تقص لها عن ألــم ما خاضه من خيانة، وقال: خدعني ودخلت على عقلي، وعدته أني هساعده وهبذل كل طاقتي عشان الجوازة دي تتم، ضحيت بقلبي وبيكِ من باب الشهامة ورحمة لجـ.ـسمه المريـ.ـض، مكنتش أعرف اني غـ.ـبـ.ـي واتلعب بيا.
ازداد اتساع زرقة عينيها بدرجة أغرقت رماديته داخلها، كانت تحاول التقاط كل كلمة منه وتعقلها الف مرة حتى تؤكد لها بأن أحمد من يتحدث، أتاها باغتة بمقــ,تــل حينما قال: في اليوم اللي وصلتكم فيه للمطار طـــعـــني لما كشفلي وشه الحقيقي وقالي إنه متعودش يحط عينه على حاجة ومتكتش ليه حتى لو كانت حب أخوه الوحيد، و.جـ.ـعني يا فريدة وأكدلي إنه عمل اللعبة دي كلها عشان يوصلك وهددني أني لو ظهرت تاني في حياتكم هيقسى عليكي ومش بعيد يواجه العيلة إنك بتخونيه معايا، طالبها مني بمنتهى الوقاحة وأنا خــــوفت عليكي وبعدت.
وابتسم بو.جـ.ـع شق صدره قبالة عينيها: ربنا لإنه عادل حققله الكلام اللي نسبه ليه، قال إنه هيمـ.ـو.ت وهو صغير بالعمر وفعلًا مـ.ـا.ت وهو في عز شبابه وإن كان السبب غير السرطان.
وتابع ببكاء احرق عينيه: بس انا معرفتش أشمت فيه سامحته وحافظت على السر ده لحد النهاردة علشان لا إنتي ولا حد من اولاده يكرهه، حتى لو جيت على نفسي واتحملت بعدك طول السنين دي كلها.
هزت رأسها بحركات متسارعة، وهمست بعدm استيعاب: لأ، مش قادرة أصدقك، قولي إنك بتكدب عليا يا أحمد، قولي إنك بتخدعني أهونلي من اللي أنا فيه.
واستدارت تحتضن موضع قلبها متفوهة ببكاء: يعني هو خدعني طول السنين دي كلها، ده أنا لحد اللحظة دي مخلصة ليه! حرمت نفسي من كل شيء حتى إنت عشان و.جـ.ـع ضميري! أنا كنت بروح لدكتور نفسي يعالجني من اللي عشته على ايده ومتكلمتش بنص كلمة! كان بيلاعبني! بيلاعب أعصابي بكلامه ونظراته وهو عارف باللي كان بينا!
والتفتت لأحمد تشير بيدها على الباب وتضحك بانهيار مزق قلبه: ده أنا سايبه صوره في كل مكان حتى جناحي عشان مديش فرصة لنفسي إني أعيش حياتي وأنساه.
ورفعت كلتا يديها له: دفنتك بايدي يا أحمد عشان مدلكش الفرصة إنك تقربلي! يعني انا كنت بعـ.ـا.قب مين طول السنين دي كلها! بعـ.ـا.قب نفسي أنا! بعـ.ـا.قب مين قولي؟
ولعقت شفتيها الجافة الحاملة لملوحة دmـ.ـو.عها، ورددت ببسمة و.جـ.ـع: طب إنت ليه سبتني أعاني طول السنين دي ومتكلمتش؟! طيب أنا المفروض أزعل منك وأعـ.ـا.قبك بكام سنة تانية والعمر خلاص مبقاش فيه أكتر من اللي راح! قولي آنت أعـ.ـا.قبك بأيه على سكوتك كل ده، أنا حتى مش عارفة إنت مظلوم ولا ظالم يا أحمد، أنا حاسة بو.جـ.ـع أكبر من الأول، كأن اليوم اللي سبت ايدي فيه وسبتني بتزفله بيتعاد تاني قدامي، وأنا عاجزة. آآ. أنا عاجزة يا أحمد!
ومزقت شفتيها بضغط أسنانها وهي تصيح بحقد: أنا بكرهه والمفروض ده اللي كان يحصل طول السنين دي.
برق بحدقتيه وأسرع إليها يتوسل لها: سامحيه يا فريدة هو خلاص مبقاش بينا، عشان خاطري متنـ.ـد.منيش إني صارحتك بالحقيقة إنتي كده بتأكديلي إني كنت صح لما خبيت عنك.
منحته نظرة قبضت قلبه، حينما تجمدت دmـ.ـو.عها وحررت صرخات الأنثى القابعة داخلها: لو هيقف على باب الجنة وسماحي ليه اللي هيدخله مش هسامحه، سامعني عمري ما هسامحه يا أحمد.
وتركته وهرولت لجناحها بشكلٍ جعله يندفع خلفها وهو يناديها بلهفة: فريدة استني، اسمعيني!
أغلقت بابها بوجهه، وتبقى بالخارج يدق بابها بقوة ازدادت بعنف حينما تسلل له صوت تحطيم زجاج قوي يأتي من الداخل فصرخ بفزعٍ: فريدة افتحي الباب ده، عشان خاطري بلاش تأذي نفسك.
وطرق مجددًا بقوة: افتحيلي أنا مش هقدر أستحمل و.جـ.ـع تاني ارحميني يا فريدة وافتحي!
واسند جبينه للباب وهو يردد بصوتٍ متقطع: يا ريتني مقولتلك الحقيقة، ارجعي اكرهيني أفصل من العـ.ـذ.اب ده، افتحي عشان خاطري.
تراجع أحمد للخلف واندفع بكل قوته تجاه الباب، مرة فالاخرى، مرات متتالية حتى استجاب له أخيرًا.
الزجاج المحطم يشمل الجناح بأكمله، صور أخيه التي تملأه مكـ.ـسورة بين الارجاء، تفادت ساقيه الزجاج باحثًا عنها، حتى سقطت عينيها عليها تجلس بين الشظايا المحطمة تحتضن جـ.ـسمها الذي يهتز بعنفٍ أختلج له قلبه، فمر من جوار الزجاج حتى بات ينحني أمامها، يرفع وجهها الباكي لوجهه المتشنج من فرط خــــوفه عليها، جلى صوته المحتقن قائلًا: حقك على قلبي أنا، غلط سالم وظلمي ليكي أي شيء تعبك وقهرك حقك عليا أنا آسف على الو.جـ.ـع اللي عشتيه، والله أنا كمان كنت بعاني وموجوع زيك بالظبط يا فريدة، أنا كمان اتداس عليا من أخويا، كفايا إني كنت السبب في موافقتك على الجواز، انا عشت بتألــم وبعاني لحد اللحظة اللي أنا شايفك فيها منهارة، الكلام اللي حكتيه عن طبيعة العلاقة بينكم قــ,تــلني، حقك بيتخلص مني يا فريدة، ولو شايفة إن ده قليل عليا عـ.ـا.قبيني وأنا جاهز والله.
أخفضت رأسها للأسفل وهزت جسدها مجددًا بصمتٍ جعله يخبرها بقهر: اعتبريني سالم وعـ.ـا.قبيني، أو وأنا أحمد عـ.ـا.قبيني العقـ.ـا.ب اللي يريح قلبك حتى لو هنفترق تاني بس بلاش تعملي كده في نفسك.
رفعت عينيها إليه وقد تمرد الدmع على وجنتها، فخرج همسها الخافت تترجاه: طلعني من الأوضة دي يا أحمد، مش عايزة أفضل بالبيت ده، من فضلك خرجني من هنا، كل ركن هنا بيخـ.ـنـ.ـقني!
ضمها إليه بقوةٍ جعلتها تبكي وهي تتشبث به، بينما الأخر يكبت بكائه ويعاكسه دmعاته المنسدلة على كتفيها، وصوته الذي مزقها دون رأفة: من بكره الصبح البيت اللي تختاريه هيكون ملكك يا فريدة.
ونهض يحملها بين ذراعيه متفاديًا الزجاج حتى خرج بها لغرفته بالطابق العلوي من جديد، وضعها على الفراش وداثرها بالغطاء ومن ثم تمدد لجوارها يربت على كتفها بحنانٍ، فانزوت بأحضانه تتشبث به هامسة بألــمٍ: متبعدش عني تاني، خليك معايا متسبنيش!
مال برأسه على كتفها يخبرها بصوته المنخفض: السنين دي بكل اللي حصل فيها ومبعدتش تفتكري بعد ما بقيتي ملكي وحلالي هبعد يا فريدة هانم!
ابتسمت من بين دmـ.ـو.عها، ورفعت وجهها له تتمعن بعينيه بعشقٍ جعله يضعف رغمًا عنه، فخشى الاقتراب وهي بتلك الحالة ولكنها سبقته على عتبة الغرام تستجديه حبًا فأتاها مرحبًا بصدرٍ رحب يقتطف ثمار عشقهما الذي طال عليه الفراق والو.جـ.ـع، طالت بهما الرحلة وجاهد بها أحمد للثبات دون تلك الآلآم التي تخترق قلبه، وحينما حصل عليها بالكامل وغفت لنومها بقى مستيقظًا دmعاته تنهمر على وجهه الصافن بسقف الغرفة بألــمٍ، فمال بجسده إليها يراقب وجهها بو.جـ.ـع، يتذكر ما حدث بينهما منذ قليل بعـ.ـذ.اب يزيد من و.جـ.ـعه ودmـ.ـو.عه.
فكلما كانت تنغمس معه بين اوردة العشق كانت تفيق بهلعٍ تتمعن بوجهه بخــــوفٍ تمكن برؤيته داخل حدقتيه، وحينما تطمئن بأنه أحمد حبيبها وليس زوجها السابق كانت تستكين بين ذراعيه؛!
تذكر كلمـ.ـا.ته الهامسة لها: سالم مبقاش له وجود يا فريدة، أنا اللي جنبك ومعاكي يا حبيبتي!
جذبها وهي غافلة ليضمها، مرددًا بوهن انتابه كليًا: اتحملتي كل ده إزاي! أنا اللي كان مصبرني إني كنت بشوفك قوية قدامي، طريقتك مع أولادك وفي كل شيء خلاني محسش أنك مدارية كل ده عني!
وتابع بحـ.ـز.نٍ: يا ترى هقدر أعوضك عن كل ده؟!
↚مضى عهدًا طويلًا لم تخرج للتنزه برفقة أحدًا، أخر مرة كان يصطحبها والدها ويومها تعرضت للاختطاف، واليوم تنـ.ـد.مس كل تلك الذكريات السيئة وتجددها تلك الذكريات التي يتركها على لها.
تراه منسجمًا بالحديث والشرح التفصيلي لشقيقتها، وكلما ابتسم لها وهو يستمع لحوارها المشاكس يخفق قلبها هي وكأن تلك الابتسامة البشوشة لها هي، تشعر بتلك اللحظة بامتنانٍ كبيرًا لوجوده فاليوم ولأول مرة ترى أختها سعيدة لتلك الدرجة، وكأنها لمست ب على الأب والأخ الحنون الذي تفتقدهم، فبالرغم من امتلاكهم للاشقاء الا أنهم لم يبالوا بهن، كُل يجري لمسعاه الشخصي وكأنهم لم يمتلكن شقيقات أبدًا، لذا كانت فاطمة تشعر بكل تلك الاحاسيس التي ترافق زينب تجاه زوجها.
مضت الساعات ولم يمل على من أسئلتها الفضولية لمعرفة كل ركن بانجلترا، حتى استقر بهم رحلة المشي القـ.ـا.تلة بأحد المطاعم الشهيرة ببيع المثلجات والحلوى، جلسوا على احدى الطاولات الخارجية للمطعم بناء على طلب زينب التي أرادت تفحص وجهة المارة أمام عينيها، فطلب لهم على الحلوى وبعض العصائر الذي يمتاز المحل بصنعها، فوضعت زينب حقيبتها على الطاولة الزجاجية وقالت بحماسٍ: اليوم كان حلو بشكل مش معقول، شكرًا يا على أنا أول مرة أنبسط كده وشكلي كده هستغلك في خروجات كتيرة.
ابتسم بجاذبيته، وانحنى ليستند على الطاولة، مرددًا بهدوء رزين: في أي وقت تحبي تخرجي فيه أنا تحت أمرك يا زينب، زيك زي شمس طلباتك كلها مجابه!
اتسعت ابتسامتها وأشارت لفاطمة بمرحٍ: هو في كده! نوعية الرجـ.ـا.لة دي انقرضت من أيام الحرب العالمية.
ضحكت فاطمة وشاركتها شمس التي نهضت تنحني طابعة قبلة على خد أخيها قائلة: على ده مفيش أحن من قلبه، اساليني أنا.
تنحنح بحرجٍ من فعلة شقيقته بمكانٍ عام هكذا، وردد بخشونة يفتقد إليها لتخفي خجله: شمس مش كنتي حابة تشتري فستان عشان عيد ميلاد صديقتك، المحل قدامنا أهو روحي اختاريلك واحد ولما تخلصي ابعتيلي رسالة أجيلك.
تلألأت حدقتيها بفرحةٍ، ونهضت تصفق بسعادة: هطول شوية بس ولا يهمني.
وتركتهم ورحلت قاصدة محل الملابس الفخم الموازي للمطعم، بينما خـ.ـطـ.ـفت زينب نظرة للمطعم من الداخل، فوجدته يمتلئ بالطاولات والزبائن وأكثر ما لفت انتباهها تجمهر عدد ضخم من الناس أمام ثلاجات ضخمة تقدm المثلجات، فنهضت تشير لفاطمة: ثواني وراجعة يا فطيمة.
سألتها باستغرابٍ وهي تجدها تجذب المال من حقيبتها: رايحة فين يا زينب؟
مالت برأسها للداخل وهي تجيبها: هجيب أيس كريم من ده وراجعة.
نهض على عن مقعده مغلقًا زر بذلته الآنيقة، قائلًا لها بابتسامة صغيرة: خليكِ مع فطيمة وأنا هجبلك أحسن أيس كريم في انجلترا كلها.
أمسكت بذراعه تستوقفه، وتقدmته قائلة: لا أنا اللي عايزة أجيب، عندي طلبات مخصصة.
ومالت إليه تعنفه بغـ.ـيظٍ وصوتها يكاد أن يمد ذراعه عليه: إنت ليه مش بتستغل الفرص، شمس مش هنا ولا أنا حاول تكون ذكي وخبيث زي الشباب يا جوز أختي!
برق لبرهةٍ بدهشةٍ، وانتهى به الحال بوقوعه ضاحكًا، ليحرر صوته العميق بصعوبة لها: حاضر يا زينب، هستغلها حاضر.
منحته ابتسامة واسعة وغمزت له بمشاكستها: أيوه كده. ارجعلها بقى وأنا هغطس بين الزحام ده.
وعادت تسأله باهتمامٍ: أجبلك؟
هز رأسه نافيًا وهو يستعد لعودته للطاولة، فما أن احتل مقعده حتى سألته فاطمة بفضول: كانت بتقولك أيه؟
رفع رماديته إليها وهو يجاهد منع ضحكاته للخروج: أستغل الفرص إنك معايا لوحدينا!
منحته نظرة بلهاء وانهمرت ضاحكة فتابعها ببسمة اتسعت لمشاركتها الضحك، وقال بعدm تصديق: زينب مختلفة عنك كتير يا فطيمة، بحاول أستوعب إنكم أخوات بس مش جاية معايا.
حملت كوب العصير ترتشف بضعة قطرات ومن ثم قالت بخجل: إنت كمان مختلف جدًا عن عمران أخوك، يعني محدش يقدر يخمن أنكم أخوات خالص، يمكن الشبه بس اللي يساعد.
هز رأسه بتأكيدٍ لحديثها، وجذب الكوب خاصته يرتشفه على مهلٍ وعينيه لا تفارقها، إلى أن قالت بحـ.ـز.ن: مراد مشى من غير ما أودعه. زعلت أوي بجد.
تسللت يده لتحتضن كفها المحاوط للكوب وإبهامه يتحرك على أصابعها برقة جعلت جسدها يقشعر جراء لمسته، فرفعت عسليتها إليه، تتساءل عن سبب ذاك الحنان المفاجئ منه، فابتسم وهو يخفض من صوته بشكلٍ مثيرٍ: ولو افترق عنك كل الاحباب أنا موجود جنبك، وجودي مش كافي ليكِ يا فطيمة؟
ابتلعت ريقها الجاف بتريثٍ، فسحبت كفها بخجلٍ وأفلتت بسمة خافتة لتلتهي بسؤالها: هو إنت كنت تعرف مراد قبل كده؟
لمساته لم تستقبلها الا بالخجل كأي فتاة يقتحمها مشاعر الحب العذري لأول مرة، لم تكن تتقزز أو ترتجف خــــوفًا من اقترابه أبدًا، وذاك كان يبعث السرور داخله بأنه يحظى بمكانة يعلم بأنه من الصعب الحصول عليها مع حالة مثل حالتها.
أجلى صوته الرخيم يجيبها: أعرفه من زمان، مراد ابنة خالة دكتورة يارا اللي كانت خطيبتي، وهي نفسها اللي كانت مسؤولة عن حالتك بمصر قبل ما أستلم حالتك، فاكراها يا فطيمة؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، ورددت بثبات مخادع تحاول دفن غيرتها الغريبة التي تهاجمها: ليه مكملتوش مع بعض؟
وتابعت وهي تقلب الشاليموه بالعصير كمحاولة للفرار من رماديته التي تحاصرها: يعني دكتورة يارا كانت جميلة وتتحب أيه اللي يخليكم تنفصلوا!
توسعت حدقتيه بشكلٍ ملحوظ وعقله يحاول استيعاب رؤية تلك الغيرة التي تهاجمها، ابتسم على وتخبطت كلمـ.ـا.ته، حتى بدى صمته غير مقبولًا لتلك التي تنتظر سماع اجابته، تنحنح وهو يستعيد كامل هدوئه، ليجيبها بتمهلٍ وحذر: أنا ودكتورة يارا كنا أصدقاء يا فطيمة، أنا عندي مستشفى هنا بانجلترا مكنتش قادر أديرها لوحدي، فيارا كانت بتساعدني فيها من أول ما فتحتها، العلاقة بينا ابتدت تتطور لحد ما بقينا فاهمين بعض أوي في الشغل، وواحدة واحدة بقينا نعرف عن بعض التفاصيل الشخصية.
واستطرد بعدmا ارتشف من كوبه القليل: العلاقة موصلتش بينا للحب، مجرد اتنين متفاهمين وقارين دmاغ بعض، ولما الوقت المناسب جاني للجواز لقيتها المناسبة ليا، اتخطبنا وبعدها نزلت انشغلت مع مراد في كذه حوار، وسافرت مصر عشان تعالج مرات أخوه اللي اسمه رحيم زيدان أعتقد، وهناك اتعرفت على واحد من عيلة زيدان إسمه مروان وحبوا بعض.
رفع على عينيه إليها يتمعن بعسليتها ليخبرها بما هو أتي على لسانه: مكنتش ملاك يا فاطمة، لما عرفت اتنرفزت جدًا ومكنتش عارف اللي أنا حاسس بيه ده أيه، يمكن حب يمكن تعلق، يمكن غـــضــــب إن خطيبتي اللي المفروض هتكون زوجتي بعد كام شهر واقعة في حب واحد غيري.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباك وصل بنبرتها المتسائلة: وبعدين؟
ابتسم وهو يجيبها: مفيش. بالبداية حصل بينا زعل كبير لدرجة إن كان في بيني وبين مروان خناقة كبيرة، كنا هنمـ.ـو.ت بعض حرفيًا، بس بعدها لما هديت واتوجهنا أنا ويارا وسمعتها، بدأت أتقبل كلامها، لانها كانت زيي مرتبكة ومتعرفش تفرق بين الحب والصداقة، هو نجح يميل قلبها ويخليها تتخلى عن كل شيء عشانه.
واستكمل وأصابعه تلهو بدبلته الفضية المحاطة لاصبعه: مراد قابلني واعتذرلي على سوء التفاهم اللي حصل وطلب مني مبعدش عن يارا وأكون صديقها الدائم زي ما اتعودت أكون، وفعلًا رجعت علاقتنا زي الأول ووقفت جنبها طول الفترة اللي كانت مشغولة فيها بتحضيرات جوازها كنت أنا بدير العيادة بتاعتها والحالات اللي هي متابعاها، وهناك شوفتك يا فطيمة، ومن أول ما عنيا لمحتك حسيت إن قلبي اتحرك من مكانه، كان عندي فضول كبير أعرف حكايتك وأيه اللي وصلك لكده، كنت فاكر أن ده كله حماس إني اعالجك بس الموضوع طلع أكبر من كده بكتير.
وتلك المرة قبض على يدها بقوةٍ تبث لها مشاعره الصادقة، المنفلتة بعينيه ولمسته وحديثه: وأنا جنبك بحس إني مكتمل، مببقاش عايز أي شيء غير إني أتأملك، سكون ملامحك وهدوئك كان بيخليني أحس بسلام نفسي، وظهورك في الوقت ده كأنه إشارة من ربنا إنك هتكونيلي الزوجة اللي عفيت نفسي طول السنين دي عشانها.
لما سلمت الشغل ليارا وسبت مصر طلبت منها ومن مراد بشكل شخصي إني أتابع حالتك، كنت خايف مراد يرفض وقتها كان ممكن اتخلى عن المستشفى وعن كل حاجة عشان أكون جنبك يا فطيمة، ولما سفرت انجلترا كنتي معايا في المستشفى بتاعتي لشهرين، وقتها محستش نفسي قادر أديرها لوحدي فرجعت لشغلي من تاني وإنتي بردو معايا، كنتي معايا بكل مكان أروحه كأنك بـ.ـنتي اللي خايف أسيبها في أي مكان فتضيع مني، أنا أغلب وقتي كنت بقضيه جنبك على الكرسي، بحكيلك عن يومي ونفسي وذكرياتي، كان نفسي تفوقي عشان اصارحك بحبي وأطلبك للجواز، كنت ضعيف يا فطيمة بحاول أمنع عيني تبصلك ومش قادر أعملها!
خفق قلبها بقوةٍ جعلتها لا تدري لماذا شعرت بأنها تود هي أن تحتضنه بتلك اللحظة، وجدت أبسط الأشياء التي تعبر له عن حبها وامتنانها بمسكة يده التي تشـ.ـدد على يدها، فرفعت يدها الاخرى تحاوط كفه الممسك بكفها، وهمست له على استحياءٍ: كنت حاسة بيك يا علي، اليوم اللي كنت بتفضل فيه جنبي مكنتش الكوابيس بتجيني، بمجرد ما بحس بيك جنبي كنت بطمن ومببقاش عايزة أي حاجة غير وجودك جنبي، على أنا آآ، حبيتك من أول ما ابتديت تكلمني كل يوم، اتعودت أسمعك وأحس بيك، لما كانت الممرضات بيطلبوا منك تخرج كان نفسي أصرخ وأقولك متسبنيش، كان عندي فضول أشوف شكلك وبسأل نفسي يا ترى زي ما أنا بتخيلك!
انهمرت دmعة من عينيه وأنفاسه تقترب منها، ود لو أن اعترافاتهم تلك كانت تجمعهم بالمنزل، ربما حينها كان ليضمها إليه بصدرٍ رحب، همس لها بصوتٍ أجش يتأثر بعاطفته: بحبك. وهعيش عمري كله علشانك إنتي، ولو في يوم ربنا من عليا وجمعنا روح واحدة مش هيكونلي امنيات تانية طول ما أنا عايش، بدعي في كل صلاتي إنك متشوفيش كوابيسك دي تاني لإنها بتقــ,تــلني وبتحسسني بعجزي، بتو.جـ.ـع لما بلجئ لحقن المهدئات وبتمنى أكون أنا المهدأ والمداوي لكل جروحك. أنا مش طماع جاهز ومستعد لكل تقلباتك ونوباتك، حتى لو بعدتي عني كفايا إن عيني بتضمك كل يوم، كفايا إني بتنفس من الهوا نفسه اللي بتنفسيه، أقسملك إني عاشق وعشقي مالوش دوى غير وجودك في حياتي يا فاطمة!
تدفقت دmـ.ـو.عها وشهقاتها تعلو رويدًا رويدًا، فتلفتت حولها بـ.ـارتباكٍ، ثم عادت تتمعن به هامسة ببسمة تخالف بكائها: ممكن تخدني في حـ.ـضـ.ـنك؟
رغم اندهاشه المفاجئ من طلبها الا أنها ترك مقعده واستل مقعد زينب المجاور لفاطمة، وجذبها إليه بكل قوته، يربت عليها بكل ما امتلكه من حبٍ وعشقٍ دفن لها هي!
بحثت بين الفساتين حتى وجدت فستانًا رقيقًا للغاية، تعمدت أن تنقي اللون الأسود الذي يعشقه آدهم، فالتقطته وإتجهت لتجربه، فولجت لأحد غرف ارتداء الملابس وما كادت باغلاق بابها حتى وجدت شخصًا غريبًا يقتحمها، وقبل أن تصرخ وجدته يكمم فمها ويسرع بالحديث اللاهث من فرط ركضها: اهدي يا شمس متخافيش أنا مش هأذيكي، أنا فؤاد واحد من فريق عمر الرشيدي.
هدأت تعابيرها المشـ.ـدودة حينما تمعنت به، سبق لها التعرف عليه سابقًا وقص لها آدهم عنه، وما أن رآها هدأت بالفعل من أمامه حتى حرر يده ليسرع بالاعتذار: أنا آسف إني دخلتلك بالشكل ده بس صدقيني غـ.ـصـ.ـب عني، مفيش عندي أي حل تاني غير إني ألجئ ليكي يمكن تقدري تقنعي عمر باشا وتخليه يتراجع عن اللي في دmاغه.
رددت بتيهةٍ: عمر باشا! آدهم؟
هز رأسه لها، وقال باستفاضةٍ: الاوامر جاتلنا بالانسحاب من المهمة، بس الباشا رافض وطلب مني أنا وباقي الفريق بالانسحاب ومصمم يكمل المهمة لوحده، الانتقام اللي جواه مش مخليه يسمع لحد، عايز يوصل للملف لوحده بيعرض نفسه للخطر ورفض إننا حتى نشاركه، أرجوكي يا شمس اتكلمي معاه يمكن تقنعيه، بلاش يضيع نفسه راكان كده كده هيتقبض عليه واللي وراه أكيد حد من الجهاز هيكمل بدالنا وهنجيبهم.
جحظت عينيها صدmة لما تتلاقاه الآن من صدmـ.ـا.تٍ قـ.ـا.تلة، يريد منهم الانسحاب ليحارب بمفرده! تبًا لذاك الرجل الذي سيجعلها تجن بكل تأكيد!
ازدردت ريقها واستعادت ثبات انفعالاتها قائلة: روح إنت وأنا أوعدك هحاول معاه.
غادر فؤاد على الفور وتبقت هي بالداخل تفكر بما ينتابها بتلك اللحظة، إن حصل آدهم على الملف سيكون بأمان، سينسحب برفقة فريفه دون أن يعلم أحد بالأمر، ربما تتمكن هي من الحصول عليه دون أن تعرضه لخطرٍ هكذا!
تركت الفستان من يدها وخرجت تركض من الباب الخلفي للمحل حتى لا يراها علي، استقلت سيارة أجرة ووجهت السائق بالتحرك لقصر راكان، لا تعلم أي قوة تدفعها هذا وهي أضعف من عصفورًا هزيلًا.
اكتفت بإرسال رسالة مختصرة لأخيها تعمدت كتابتها حتى لا يفـ.ـضـ.ـحها سماع صوتها فيلمس على كذبها.
«علي أنا في مشوار مع صديقة ليا قابلتها بالاتليه، إرجع إنت البيت وأنا مش هتأخر. ».
وأخيرًا بعد نصف ساعة تمكنت أخيرًا من الحصول على طلبها، مثلجات لذيذة بطعم ال?انيلا مثلما أرادت، تفادت زينب الصف المتكدس وكانت بطريقها للخارج، فاندفع إليها ذاك الحائط السد الذي خرج من العدm ليدmس المثلجات على كتف فستانها دون قصدًا منه.
شهقت بصدmة واعترتها عاصفة قـ.ـا.تلة، لم ينتزع فستانها الجديد فحسب بل المثلجات التي حصلت عليها بعد طابور من الكتل البشرية لتحصل أخيرًت على مرادها، رفعت عينيها النافذة لذاك الشاب الضخم المقابل لها، فصرخت بكل عصبية: أيها الأبله ألا ترى أمامك! نزعت فستاني الرقيق ومُثلجاتي، ماذا تظن نفسك فاعلًا!
انزوت حاجبيه بتكشيرة عظيمة، وصاح باحتقان يلتمع بصوته الرجولي: ما بكِ يا امرأة وكأنني ألقيت عليكي نيزك ناري من السماء! الأمر لا يستدعي كل تلك العصبية.
وحمل المحارم ودفعها بوجهها قائلًا: خذي هذا وأزيحي المثلجات وانتهى الأمر!
كزت على أسنانها بغـــضــــبٍ قـ.ـا.تل واندفعت تهاجمه بلسانها السليط: إنت حقيرًا يا هذا، ألا تجد طريقة لطيفة للاعتذار، أراك فجًا سليط القلب وأعمى البصيرة.
كاد بأن يخرج ما كبت داخله من غـــضــــبٍ مستعار يقابله بهذا اليوم بالتحديد، فأتاه صديقه يهرول مناديًا: أيوب اهدى مش كده!
ردد له من بين اصطكاك أسنانه: مانتش شايف بتكلمني كدليه، لو قــ,تــلتها قتيل مش هتكلمني كده!
تعجبت من حديثه العربي ولصدmتها بأنه عربيًا!، الا يجيد الاعتذار، الا يرى حجابها وملامحها الشرقية الذي تؤكد عروبتها، لماذا ذاك المغــــرور مندفعًا هكذا!
أفاقت زينب على صوت صديقه الذي ردد ببسمة بشوشة: عذرًا منكِ آنستي، أعتذر منكِ نيابة عن أيوب صديقي، هو شخصًا نبيلًا ولكنه اليوم مزاجه سييء للغاية، أعتذر مجددًا.
كان لابقًا بحديثه واعتذاره الذي رضى كبريائها كأنثى، ولكنها عاندت مرددة بالعربية: اعتذاره مش مقبول، أنا وقفت ساعتين علشان أخد دوري، وهقبل منه العوض. حالًا يقف بالصف ويجبلي آيس كريم بال?انيلا بدل اللي وقع ده.
برق بفيروزته بحدةٍ لحقت لسانه: بما إنك بتفهمي عربي، فهقولهالك بكل اللغات، مبسمحش لنفسي أختلط بالحريم عشان أعوض جنابك على الآيس كريم المعجون بمية الدهب اللي هنتحري وراه!
أشارت لصديقه بغـ.ـيظٍ: شوفت وقاحته!
ابتسم ذاك الوسيم وبرر لها بلطافته: متزعليش أنا هجبلك الآيس كريم لحد عندك.
جذبه أيوب بضيق: تجيب أيه؟
منحه نظرة صارمة، ولقن أوامره: روح إنت يا أيوب استناني على التربيزة وأنا دقايق وراجعلك.
منحها نظرة مغتاظة وانسحب للطاولة دون أن يضيف كلمة واحدة، فجلست زينب تنتظر ذاك الغريب بجلب لها مثلجاتها التي لم تحظى حتى بتذوق طعمها، وبعد دقائق عاد يقدm لها ما بيده قائلًا بابتسامته الجذابة: اتفضلي يا أنسة، آيس كريم بال?انيلا زي ما طلبتي.
منحته ابتسامة رقيقة، وشكرته بامتنان: شكرًا ليك بجد إنت ذوق أوي عكس صاحبك الدبش ده شكله مش بيفهم في الذوق أصلًا.
تعالت ضحكاته الرجولية، فهنـ.ـد.م قميصه المفتوح وأسفله تيشرته الابيض المرسوم بحرافية، قائلًا: أيوب لا إنتي ظلماه هو بس حاصل معاه موقف مخليه مش طايق نفسه، وعمومًا بتمنى إنك تقبلي اعتذاري.
كادت بأن تجيبه ولكن قطعها صوت هذا المغــــرور من وجهة نظرها: ما تنجز يا سيف، هتقف معاها طول اليوم ولا أيه!
قدm لها سيف المثلجات فقالت بنفور وهي تتطلع على من يعتلي الطاولة ويرمقها بغـــضــــب: مش قولتلك إنه قليل الذوق، اسمع نصيحتي وفكك منه، شكلك إنسان محترم وابن ناس وصحبة السوء هتعديك صدقني.
انفجر ضاحكًا على حديثها، وبصعوبة حرر صوته من بين ضحكاته الرجولية: إنتي ظالماه، أيوب شاب محترم ومتدين جدًا، والده شيخ أزهري ووالدته ست محترمة، هو بس زي ما قولتلك هو حاصل معاه شيء مخليه على وشك إنه يقــ,تــلني أنا شخصيًا، وعمومًا فرصة سعيدة يا آنسة.
ودعها بابتسامة صغيرة وعينيه تنخفض عنها أرضًا، وفور ابتعاده رددت بهيامٍ وعينيها تتابعه دون إرادة منها: سيف! اسمه حلو، وعنده عضلات وفوق كل ده ذوق بكلامه وشيك جدًا!
وتنحنحت بخفوت: يالهوي فطيمة هتولع فيا لو سمعتني بعاكس الواد! هتقول أيه عليا انحرفت من بعدها!
وأسرعت بالخروج مرددة بضيق: استغفر الله الواد فتنة متنقلة، لطفك بيا يا رررب.
سحب سيف المقعد المقابل لأيوب الذي يمنحه نظرة تكاد تفتك به، فاحتبسه داخله وصاح بسخط: عجبتك الواقفة معاها ولا أيه يا محترم!
ضحك وهو لا يصدق بأنه ينجرف للمزح بحالته تلك، وقال ساخرًا: دي جزاءة اللي يلم وراك يعني.
واستطرد بمرحٍ: آه لو يوسف لمحني واقف معاه كان زمانه جاب المأذون واتنين شهود وخلاني أكتب عليها وقتي، حاسس إنه عايز يتخلص مني بأي شكل.
هدأت معالمه المتعصبة، ومنحه ابتسامة وهو يقول: يوسف ده شخص عظيم، بيحبك وبيخاف عليك خصوصًا إننا عايشين هنا وسط الرزيلة يا سيف، أنا والدي مش مبطل يكلمني ونفسه أخلص السنة الاخيرة دي بفارغ الصبر وأرجع مصر.
ابتسم له بلطفٍ وقال: هانت وتخلص الهندسة وتبقى أعظم مهندس بمصر كلها.
تلاشت بسمة أيوب بشكلٍ مقبض مما دفع الأخر بتساءل بشكٍ: مالك يا أيوب، إنت من وقت ما خرجنا وإنت مش طبيعي. هو الولد العبراني اللي اسمه آران ده أهله لسه بيلاحقوك بردو.
أجابه بتشـ.ـدد بدى بانقباض ملامحه: الله يرحمه. إسمه محمد يا سيف أسلم قبل ما يمـ.ـو.ت ربنا يحسن مثواه.
غيمت حدقتيه التي تحاول استكشاف الغموض خلف أيوب، فقالها مباشرة: أخته لسه بتطاردك؟!
زم شفتيه وسحب نفسًا طويلًا، يخفي ارتباكه، بينما صاح الاخير بخــــوف: مخبي أيه عليا يا أيوب!
تنهد بيأس وأفاض له: مش قادرة تستوعب إن عمها هو اللي قــ,تــله عشان أسلم، مفكراني أجبرته يدخل الاسلام، بتطاردني بكل مكان وعايزة تقــ,تــلني هي وعمها، والمصـ يـ بـةبقى إن محمد قبل ما يمـ.ـو.ت وصاني عليها وقالي آديرا أمانة في رقبتك!
(قريبًا نو?يلا خاصة بأيوب سبق الاعلان عنها بإسم #آديرا. #حبيبتي العبرية. ).
طال صمت سيف وهو يحاول استكشاف ما يحدث مع رفيقه المتدين، فصاح به: أيوب أوعى يكون اللي في دmاغي صح!
طرق على الطاولة بنفاذ صبر: سيف أنا مش ناقص، أنا من الصبح عمال يجيني رسايل تهديد من عمه ده، وقبل ما أجيلك بنص ساعة البـ.ـنت دي هاجمتني بسلاح أبيض وأنا عاجز حتى أدافع عن نفسي مش لأن أخوها أمني عليها عشان دي بالنهاية بـ.ـنت!
كبت ضحكته بصعوبة وهو يطـ.ـلق سؤاله: طب هـ.ـر.بت منها ازاي!
زوى فمه بتهكمٍ وهو يشير للجانب الاخر: متزفتش أهي واقفة بره تراقبني ومستنية فرصة تانية تهاجمني، أنا بقيت متعود أتهاجم منها أربع مرات في اليوم، مبقتش عارف انزل الجامعة ولا انزل الشغل، وقفتها امبـ.ـارح وقولتلها تقــ,تــلني وتخلص خليها ترتاح وتريحني.
سقط بنوبة من الضحك، وساوره بسؤاله القادm: طيب لسه واقف قدامي ازاي، الطبيعي انها هجمتك بالفعل.
نفى بسخط: ايدها رعشت قدامي ومقدرتش تقــ,تــلني، فاديتها فرصة للنهاردة وقولتلها هنزل الجامعة الساعة 12 لقيتها مستياني وبردو فشلت، وحاليًا بتشرب قهوة بره تروق اعصابها عشان تقــ,تــلني بمزاج!
سقط عن مقعده ونهض يلتفت حوله بصدmة: هنا فين! انت بتهزر يا أيوب.
مرر يديه بشعره البني يعيد ترتيبه وهو يجيبه بـ.ـارهاق: يا ريته كان هزار، أنا بعاني بره ودخلت جوه أقابل المـ.ـجـ.ـنو.نة دي كمان أصل أنا ناقص!
وتابع ببعض الهدوء: أنا فعلًا كنت سخيف معاها بس هعمل أيه، أنا واحد قايم نايم بتهدد بالمـ.ـو.ت ودي جاية تقولي آيس كريم!
نهض سيف يجذب مفاتيحه وهاتفه، وجذب يده قائلًا بقلق: قوم معايا إنت مستحيل ترجع شقتك، إنت هتقعد معايا كام يوم.
سحب يده منه قائلًا بجدية: مش هقبل أعرض حياتك للخطر يا سيف، دي مشاكلي وأنا قادر أحلها، وبعدين الاعمار بيد الله عز وجل لو كاتبلي أمـ.ـو.ت في أرضي همـ.ـو.ت، ولو كاتبلي أمـ.ـو.ت حالًا وأنا بكلمك همـ.ـو.ت
وتابع بحـ.ـز.ن: أنا معملتش شيء أنـ.ـد.م عليه محمد كان عايز اللي ياخد يده للطريق وأنا ربنا اختصني وكنت النور ليه.
وقال وهو يجاهد ألــم فراقه: أنا لحد النهاردة حزين على الطريق البشعة اللي اتقــ,تــل بيها، واللي و.جـ.ـعني إنه وصاني على أخته وأنا عاجز ومش قادر حتى أتعامل معاها مهما كان دي يهودية يا سيف.
وردد هامسًا: بتمنى السنة الاخيرة ليا تنتهي على خير لإني خلاص تعبت!
صمم سيف عليه: طب قوم معايا هنروح نرتاح شوية وروح بليل.
كاد بالاعتراض ولكنه أمسك يده وأرغمه على تتبعه فما ان خرج من الباب الخلفي للمطعم حتى سمع صوت خطوات تركض تجاههما برشاقة وصوتًا انوثي رقيق ينادي: أنت! يا هذا!
وقف أيوب بمللٍ، واستدار لصاحبة الصوت الذي يعرفها جيدًا، فقال بغـــضــــب: ماذا بعد؟!
منحته نظرة شرسة من عينيها الخضراء وأشارت له بالاقتراب، فاستأذن من سيف الذي كاد بأن يصيب بذبحة صدرية لما يحدث أمامه، واتجه إليها فوجدها تصيح به: ألــم يكن هناك اتفاقًا مسبقًا بيننا؟
مرر يده على طول أنفه، وقال بنزقٍ: أتذكر ذلك ولكن الأهم هل إنتي على استعداد لتقومي بها؟
عبثت بحدقتيها ببعض الخــــوف، وفتحت حقيبة يدها لتريه ما بحوزتها قائلة: انظر اشتريت سلاحًا ناريًا أفضل من السكين، لا أعلم لما أرتجف فور حمله، ربما لا أجد ذلك مع السلاح، ما رأيك؟
أسبل بعينيه لوهلةٍ، وصاح ساخطًا: مهلًا هل تأخذين رأيي بطريقة قــ,تــل تناسبني! هل تمازحيني آديرا!
وهمس بتعبٍ: أغثني يا الله، أقسم بأنني فقدت صبر أيوب الذي تحللت به منذ الصغر أمام تلك الفتاة المعتوهة، أقــ,تــلها أم ماذا!
وتابع وهو يفترسها بنظرة خاطفة: من المؤكد بأن دmها حلال فعلى كل حل هي من اليه، ود الجرذان ولكن ماذا بالوعد الذي قطعته لأخيها!
صرخت بوجهه: أتحدث نفسك أنت، ابقى بعقلك فمازالت أفكر كيف أنتقم منك، أتعلم السلاح لن يجدي نفعًا، اتركني هنا لبعض الوقت لأفكر بما يناسبك فأنت بالنهاية قـ.ـا.تل أخي!
زفر بتهكمٍ وقال لها: ما رأيك أصعد فوق تلك العمارة وتدفعنيني وربما حينما أنا مش سيحصل على الخلاص؟
رفعت خضرة عينيها للاعلى تتفحص المسافة ومن ثم رددت بضيق: المسافة عالية للغاية ستمـ.ـو.ت أيها الغـ.ـبـ.ـي!
مرر يده على وجهه مجددًا هاتفًا: رحمتك بي يا الله.
عادت تتساءل من جديد: هل تذهب لما يسمى المسجد؟
هز رأسه بتأكيدٍ، فقالت: حسنًا سأتي لاقــ,تــلك وأنت ساجد حينها سأشعر بالارتياح، ما رأيك!
التقط نفسًا مطولًا، وجذب حقيبة الظهر التي يحملها، فجذب احد الدفاتر ودون لها شيئًا ثم قدmها لها قائلًا بضيق: إليكِ هذا رقمي، سأذهب برفقة صديقي وإن وجدتي طريقتك المناسبة لقــ,تــلي هاتفيني، إلى اللقاء آديرا.
وتركها تحمل الورقة وغادر مع سيف الذي كاد عقله بالبزخ ليلطم وجهه ليستوعب ما يحدث، فصاح إليه: أنت أيه جننك بالشكل ده إنت كنت عاقل يا أيوب!
لحق به ودث يديه بجيب جاكيته الرياضي قائلًا بتسلية: حبيت اللعبة وحاسس إن الرؤيا اللي بشوفها كل يوم هتتحقق، وتوبتها هتكون على إيدي أنا كمان.
جحظت عينيه صدmة، فصرخ به: إنت عايز عيلتها تولع فيك حي، مكفاش التهديدات اللي بتجيلك.
منحه بسمة ساخرة قبل أن يردد: اللي معاه ربنا قلبه مـ.ـيـ.ـت!
بقصر راكان.
ولجت للداخل تبحث عنه فأخبرها الخادm بأنه بالداخل برفقة أحد الرجـ.ـال، فذهب ليصنع لها كوبًا من العصير بناء على تعليمـ.ـا.ت راكان، فتسللت شمس لتلقى سمعها لغرفة مكتبه فوجدت الرجل الذي بالداخل يقول: الشرطي الذي يبطل التهريبات والعمليات يدعى عمر الرشيدي!
↚حمل عمران باقة الزهور الفخمة وإنحنى على ساقًا واحدة، ويده تمتد أمام وجهها بابتسامة جذابة، مشيرًا بيده الاخرى لجمال الذي يحاول التفنن بزواية التصوير: صور حلو يا جيمس عايزين الحج يغير ويقيد نار، وهو شايف مزته بتتخـ.ـطـ.ـف منه من أول يوم ليها في لندن.
ضحكت أشرقت والدة جمال بصوتها كله، ورددت بخجل: إخص عليك يا عمران يا ابني، ما خلاص راحت علينا.
شهق بطريقة أضحكت الجميع من حوله: فشر مين دي اللي راحت عليها، ده أنا لو مكنتش مرتبط كنت فكرت أنزل مصر اقــ,تــل الحاج وأرجع أتجوزك بالغـ.ـصـ.ـب والواد جمال يشهد على العقد.
ضحكت حتى أحمر وجهها، والتقطت منه باقة الزهور بنظرة ممتنة، ومن ثم قالت: تصدق يا جمال أني بقالي مع أبوك 42سنة وعمره ما دخل عليا بحزمة جرجير!
انفجر يوسف ضاحكًا، وحذرها بتريث: أوعي يا حاجة الواد عمران ده وقح وعايز يخرب عليكي، يرضيكي تفارقي الحاج بعد 45سنة جواز!
لكزه عمران بغـــضــــب، ليمنحه كلمـ.ـا.ته المعتادة: ريح إنت يا دكتور.
وعادت ابتسامته تتسع على وجهه واستكمل وصال مدحه: سيبك منه يا مزتي، وقوليلي الست الوالدة كانت بتقرى الفنجان؟
تساءلت بذهول: لأ يا ابني مفيش عندنا البدع دي، بس بتسأل ليه؟
أجابها بغمزة ساحرة من رماديته: أصلها مختارلك إسم على مسمى، شكلها كانت عارفة إن شمس جمالك هتشرق في قلبي وقلب الحج اللي قولتيلي إسمه أيه؟
انفجرت ضاحكة حتى أدmعت عينيها، وبصعوبة حتى خرج صوتها: والله ما في بجمال روحك وكلامك يا ابني.
ولكزت جمال ببطنه بغـــضــــب: اتعلم منه كلمتين تلفيني بيهم أنا ومراتك يالا.
ضحك الشباب بأكملهم، فصاح يوسف به: أنا بقول كفايا إن الحاجة بنفسها حطتلنا الأكل في الأوضة كفايا وجودها هنا يا جمال لإن الحقير ده هيقلبها عليك وهيلبسك في ليلة كبيرة أوي.
رد عليه ساخطًا: لبست ولا كان كان يا دكتور.
كشفت الحاجة أشرقت عن أصناف الطعام، قائلة بمحبة: مدوا إيدكم قبل ما الأكل يبرد، كل يا دكتور يوسف. كل يا عمران.
منحها ابتسامة واسعة وعينيه تنتقل على أصناف الطعام الشهي، فأشمر عن ساعديه هاتفًا: أيه ده كله، أنا شكلي كده هحتاج أحرق نص وزني بعد ما أنسف كل ده، إنتي جيتي تعوضيني عن الاكل اللي فريدة هانم بتنتقم مني فيه.
ضحكت وهي تراقبه قد بدأ بتناول طعامه بالفعل وقالت: ومامتك سايبك لفريدة هانم دي ليه يا ضنايا، ما تطبخلك هي أكل الطباخين مرع ومالوش طعم.
وزع عمران نظراته الضاحكة بين جمال ويوسف، ثم انفجر ضاحكًا وأخبرها بتريث: لا مهي فريدة هانم دي والدتي يا أمي، بس لو عينك لمحتها هتقولي إن أنا اللي أبوها، يعني شكلها يديكي احساس إنها في التلاتينات كده، فلقيت نفسي بتكسف أقولها يا ماما.
وجذب يدها التي تضع أمامه احدى قطع اللحم ليطبع قبلة محبة على كف يدها، قائلًا: بس أنا بقى عند أم جميلة ونفسها حلو بالأكل، وده أهم شيء.
ربتت على ظهره بسعادة عارمة، فمازحها بخفة: اتبري من جمال المعفن ده واتبنيني عندك هنا اسبوعين.
لكزه بضيقٍ: ما تتلم بقى يا عم الوقح نازل تهزيق فيا من ساعة ما دخلت.
احتلته نظرة ماكرة، ففرك ذراعه وهو يرسم الألــم: شوفتي يا أمي الغيرة والحقد فاطين من عينه ازاي.
منحت أشرقت ابنها نظرة قـ.ـا.تلة، اتبعها قولًا صارمًا: اختشي على دmك يا جمال بدل ما أشيل الأكل من قدامك!
تعالت ضحكات يوسف، وانحنى يربت على كتف جمال الذي يكاد فمه يصل للأرض من فرط الصدmة، فأغلق يوسف فك جمال بأصبعه وانحنى يهمس له: متعزمش عمران في أي مكان فيه حد يخصك، لان بالكاريزما وكلامه الناعم بيغلب قلوب العذارى والسن المبكر والمتأخر، عمران خطر على صنف الحريم كله.
اتجهت نظرات جمال ليوسف وقهقه ضاحكًا، واتبعهما عمران الذي كاد ببصق الطعام من فرط ضحكاته، فابتسمت أشرقت ورددت وهي تراقبهم بحب: ربنا يسعدكم ويديم جمعتكم دايمًا، هطلع أنا أشوف البنات في الصالون.
وتركتهم ورحلت، بينما أشار عمران لهما: يوسف ناولني طاجن الكوارع دي بسرعة قبل ما يبرد.
دفعه يوسف تجاهه وبدى التقزز يحيط به، فدفع عمران ليسأله بذهول: مالك قالب منخيرك كده ليه يا جدع، أوعى تكون الطبقة الآرستقراطية الحقيرة دي طبعت عليك! ولا نسيت أيام ما كنا بنقضيها في المعز والسيدة زينب!
رد عليه بنفورٍ استحثه بالحديث: معتش ليا بالكلام ده، وبالأخص الطواجن.
رمش ساخرًا، ونهض عن مقعده يجذب طبقين من الأطباق الفارغة المجاورة تجاهه، فوضع قطعة ضخمة وقربها منه أمرًا بحدة: كل يا يوسف، رم عضمك ومتصعش عليا بالأتكيت المخادع ده.
دفع يوسف الطبق إليه مرة أخرى: يا عمران مش عايز أنا خايف وزني يزيد يا عم.
حدجه بنظرةٍ قاتمة اتبعها: تعدmني يالا لو مكلتوش، عايزني أمـ.ـو.ت يا جو!
انقبض قلب يوسف، وبدى مندهشًا من تشـ.ـديده على تناوله للطبق، ظنه كان يمزح ولكن مجمل الكلمة أخذته حتى لو كان يشاكسه، فجذب يوسف الطبق من أمامه وبدأ يتناول ما به، فابتسم عمران بانتصارٍ، واتجهت عينيه لجمال الذي يراقبهما ببسمة جذابة، كالأب الذي يتناول صغاره يتناولون طعام صنع لهم بحبٍ.
وجده عمران لا يتناول شيئًا، فنهض ليضع قطعة بالطبق الأخر وقربها منه مرددًا باستهزاءٍ: جرى أيه إنت التاني، عايز عزومة في بيتك، انتوا جايبنا هنا نهزر ولا أيه يا جدعان، أقوم ألــم الأكل ده وأخلع!
شرع جمال بتناول طبقه وهي يتابعهما بفرحٍ، ومن بين انـ.ـد.ماجهم بالطعام كـ.ـسر عمران الصمت بينهما قائلًا بوقاحة مازحة: شكل كده الحاجة أشرقت عاملة حسابها إننا عرسان جداد فخاصنا بأكل من اللي هو، بصريح العبـ.ـارة كده الكوارع دي وراها سر باتع.
ترك جمال الملعقة بصدmة مما يتفوه به، بينما طـــعـــنه يوسف بنظرة ساخطة اتبعها نفوره: مش قولتلك الواد ده وقح يا جمال، أقسم بالله عايز أقوم أجيبه من رقبته بس للأسف مش فاضي طاجن الكوارع طلع يستاهل، هات حتة كمان يا وقح!
برق جمال بصدmة من انحلال يوسف خلف عمران بعدmا كان يشكو منه منذ قليل، فاستند بيده على جبينه وأخذ يراقبهما بنظرة المغلوب على أمره!
انتهى من تجفيف جسده، وارتدى إحدى البيجامـ.ـا.ت الرجـ.ـالية المريحة، ثم اتجه إليها يمرر يده بحنان على صدغها، وصوته الثابت يناديها بحنان: فريدة، حبيبتي اصحي يلا.
رمشت بانزعاجٍ وصل له من صوتها الناعس: سبني يا أحمد، عايزة أنام.
ملس على شعرها برفقٍ وكأنه يدلك فروتها، وعاد لهمسه الدافئ: احنا لسه بالنهار وانتي لجئتي للنوم بدري، قومي خلينيا نقعد مع بعض ونتغدى، مش كنتي بتقولي انك جعانه!
فتحت عينيها الزرقاء بانزعاجٍ منه، واستقامت بجلستها بعصبية: في أيه يا أحمد ما تسبني أنام وأصحى براحتي.
ضحك وهو يتأمل وجهها العابس، فجذب الطبق الموضوع على الكومود وقرب ملعقته منها بسرعة قبل أن تنفجر به: خلاص كلي اللي في ايدي وهسيبك تكملي نوم، مهو أنا مش هيجيلي قلب أسيبك نايمة من غير أكل.
ابتسمت لسماعها تلك الكلمـ.ـا.ت الحنونة، فاكتفت بهزة رأسها وتناولت كل ما قدmته لها يده، حتى فرغت من تناول الطبق، فجذب الغطاء يداثرها بحب، وقبلته العميقة تلثم جبينها، هامسًا: نامي وارتاحي يا حبيبتي، أنا هنا جنبك.
ابتسامتها كانت ردًا سريعًا لكلمته، وبالفعل سرعان ما عادت لنومها منذ جديد، بينما الاخر يراقبها بابتسامة حنونة ويده تضمها لصدره.
منحه نظرة ساخرة لتماديه بما يحمله من معلومـ.ـا.تٍ ظنها ستفيده، فتنفس من غليونه ببرودٍ اتبع نبرته: ما تحمله قديمًا يا فتى، أتيت لي بإسم الشرطي وأنا أسبقك بعشرة خطوات، تراه الآن يعـ.ـا.قب على كل جرائمه!
ابتلعت شمس ريقها بصدmة مما استمعت إليه، فتراجعت للخلف بحركة منفعلة شتت تركيزها عن رؤية أي شيء، فاختل توازنها مستندة على الطاولة، ورغمًا عنها دفعت يدها الطاووس الموضوع من فوقها، فألقت تحذير صارم بوجودها بالقرب من مكتب راكان.
فُتح باب المكتب وطل راكان منه ومن خلفه الحارس الجديد له، فوقف قبالتها بنظرة قاتمة وابتسامة شيطانية اختلجت قلبها، فرددت بتلعثم: أنا آسفة مقصدتش أوقعه، أنا بس اتخبطت في التربيزة وآ...
قاطعها بابتسامة مخيفة: فداكِ يا شمس، فداكِ كل شيء، كفايا إنك حنيتي عليا أخيرًا وجيتي لحد هنا علشان تقابليني، دي في حد ذاتها كبيرة عندي يا حبيبتي.
ودنى منها بخطواتٍ شبيهة لحركة السلحفاة، حتى بات قبالتها، نفث راكان غليونه بوجهها، فسعلت بقوة مطلقة يديها لتبعد الأدخنة عنها، ومازالت تنتظر ما سيخبرها به، فقال بخشونة: كنتِ جاية ليه يا شمس؟
لعقت شفتيها القاحلة برعـ.ـبٍ سرى بجسدها: آآ، أنا، كنت، جاية آآ. عشان أشوفك. وشكلك مشغول، همشي وأجيلك وقت تاني.
قالتها وهي تهرول للاريكة تحمل حقيبة يدها، وإتجهت للخروج، ارتجف جسدها وكأن فصل الشتاء أصابها بثليج عاصف حينما وجدت رجـ.ـال أشـ.ـداء مفتولين العضلات يسدوا طريق خروجها، وكأنهم بانتظار الأمر لقــ,تــلها.
التفتت للخلف تجاه وقوف راكان وهاتفته بتـ.ـو.تر: في أيه يا راكان، من فضلك خليهم يبعدوا!
ضحك بصوته كله، وصاح باستهزاءٍ: هو دخول القفص سهل الخروج منه يا شمسي، العصفورة لما بتدخل قفص من حديد وبيتقفل عليها سجانها هو بس اللي يقدر يطلعها، وأنا معنديش النية إني أخرجك أصلًا.
ضمت حقيبة يدها وكأنها تستمد منها قوة مهدورة داخلها، وقالت: يعني أيه؟
أجابها بنظرة أزهقت ما تبقى داخلها، وصوته الرعدي يصمم آذنيها: يعني خلاص لعبتك إنتي والحقير اللي مشغلك انكشفت واتعريتي قدامي يا شمس هانم يا بـ.ـنت الأكابر.
وانطلق ليقف أمامها يجءب راسخها بقوة وهو يتساءل بغـــضــــب: أنا اللي مش فاهمه هو جبرك بأيه علشان تساعديه مهو مستحيل يكون دافعلك فلوس أو هددك بشيء، قوليلي آدهم ولا عمر، الكـ.ـلـ.ـب ده أجبرك إزاي تلعبي عليا اللعبة دي، اتكلمي أفضل ليكي.
تسللت البرودة لجسدها تدريجيًا، وهمست بضعفٍ: معرفش إنت بتتكلم عن أيه، سبني أمشي.
احتدت معالمه وفجأها بصفعة جعلتها تنساق أرضًا أسفل قدm رجـ.ـاله، ضمت شمس وجهها بو.جـ.ـعٍ وقبل أن تستوعب ما حدث لها وجدته ينحني ويجذبها من خصلات شعرها إليه: لما جيت أتجوز قولت أستنضف وأناسب عيلة الغرباوي، وكنت فاكر نفسي ذكي باختياري ليكي، تقومي إنتي اللي تديني القلم ده لا فوقي معاش ولا كان اللي يختم راكان منذر على قفاه يا بـ.ـنت سالم، ده أنا أقــ,تــلك وادفنك هنا مطرحك ومبكيش عليكي ثانية واحدة.
وبسخرية استطرد: ولا كنتي فاكراني أهبل وبريالة وواقع في غرامك! أنا قلبي عمره ما حب ولا هيحب حد، هعيش وأمـ.ـو.ت وأنا اللي بهمني بس مصلحتي وشغلي.
هل ستتلقى المـ.ـو.ت؟ حسنًا لا مفر منه، لذا عليها نزع رداء ضعفها المستتر وتحارب لاخر أنفاسها، رمقته بنظرة قوية جعلته يستغرب منها، وخاصة حينما قالت: شغلك القذر اللي زيك، إنت فعلًا صادق مفيش انسان على وجه الأرض عنده قلب يعمل اللي بتعمله، الأدوية المغشوشة اللي بتهربها جوه بلدك بالاتفاق مع الصه. اينة القذرين اللي زيك أكيد متخرجش الا من شيطان جاحد زيك، لا عمره فكر مين هيتأذى بيها طفل ولا شيخ ولا ست ولا راجـ.ـل بيشقى عشان عياله، إنت عندك انتزاع روح البني آدmين سهل، عشان كده ربنا هيخلي نهايتك عبرة وعظة وعلى إيد الشخص اللي مستني لحظة تشفي غليله منك.
بالرغم من أن حديثها أثار غـــضــــبه وحنقه بشكل ضخم، لكنه التزم بهدوئه وافرج عن ابتسامة تعج بالشر والسخرية: لو تقصدي بالشخص ده آدهم أو عمر فأحب أقولك خابت أمانيكِ الرائعة، لإن الكـ.ـلـ.ـب ده خلاص زمانه دلوقتي بينطق الشهادة ده لو كان عمله حلو وقدر ينطقها ابن المحظوظة!
برقت بحدقتيها بصدmة، وراحت تهز رأسها باندفاع: لأ، لأ. مستحيل.
ضحك وهو يتابعها بشمـ.ـا.تة، وفجأة احتلت الجدية الطاعنة ملامحه وهدر بصوت محموم: إنتي حبتيه ولا أيه؟ يعني الكلام اللي اتقالي صح وكنتي مقرطاسني معاه غراميات!
ألقى غيلونه أرضًا وكـ.ـسره بقدmيه وهو يصيح بشراسة: يعني أنا اللي كنت هلم زبالته وأخليها حرمي، حرم راكان المنذر!
بصقت على الأرض القريبة منه: مستنضفش أكون زوجة ليك يا حقير، والكلام اللي قولته ده مهزش فيا شعرة، لإني واثقة ومتأكدة إن آدهم مستحيل تنهيه بالسهولة دي.
تلاشى غـ.ـيظه ومنحها ابتسامة أخافتها، فاقترب ينحني عليها قائلًا بفحيحه المخيف: تيجي نتراهن؟
تابعته بنظرة حائرة، فتابع: أنا كنت هقــ,تــلك دلوقتي، بس ميخلصنيش تمـ.ـو.تي وآنتي فاكرة إن الصرصار اللي كنتي حاطة فيه أمالك هيعدي من الكمين اللي نصبهوله، فهتحداكي حالًا لو الصبح طلع عليكي وهو موجود مش هخلي حد من رجـ.ـالتي يلمس شعرة منك، لو مجاش هتكوني حددتي مصيرك.
أسبلت بعينيها تخفي دmـ.ـو.عها المنهمرة، بينما صاح الاخير بصوتٍ مقبض: خدوها لأي أوضة من اللي فوق، ومتنسوش تاخدوا الشنطة منها.
أومأ له رجـ.ـاله وبالفعل جذبوها عنوة للاعلى بعدmا جذبوا منها حقيبتها، فقيدوها على أحد كراسي الغرف العلوية، لتمضي باكية متأملة عودته!
المعروف عنه أنه لا يهين نفسه أبدًا بالوقوف بالمطبخ لاي سبب من الأسباب، يلجئ دائمًا لأخيه الأكبر الذي بدى له كأنه الأم البديلة له هنا لخدmته، فعلها مرات قليلة تعد على اليد وكُلهم كانت لأجل صديقه المقرب أيوب ابن الشيخ مهران، وها هو الآن ينتهي من صنع الدجاج سريع التحضير ويغمسه بالشطائر والجبن ويضعهما بالفرن الكهربائي، وما أن انتهى حتى خرج له، فوجده يتمدد على الأريكة وقد غفاه النوم من شـ.ـدة ارهاقه.
ابتسم سيف وهو يتمعن بوجهه الطيب، صديقه يملك تلك المقولة المنسوبة إليه من آيات الله عز وجل سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.
ترك سيف الصينية على الطاولة المجاولة له، وانحنى ينزع عنه الحذاء الرياضي بخفة وبحذر، إن أيقظته حركته يعلم بأنه سيغادر، ولن يتمكن هو من ردع ذاك العنيد الشرس.
تسلل على أطراف أصابعه للداخل، فجذب غطاء سميك ووسادة مريحة، وعاد يضع رأسه عليها ويداثره بالغطاء، ثم اغلق ضوء الردهة ليستكين بنومته، وخـ.ـطـ.ـف ورقة يدون له ملحوظة تركها جوار الصينية والتقط مفاتيحه وخرج من الشفة.
تشنجت ملامح وجه أيوب الهادئة، حينما عاد لها ذكريات هذا اليوم البغيض، اليوم الذي هاتفته احدى الممرضات وبلغته بأن أحدهم أتى المشفى مصابًا للغاية ويطالب لقائه وبشـ.ـدة، يتذكر كيف هرول إليه فتهاوت ساقيه حينما وجده مطروحًا على الفراش بجسدٍ محروق ووجههًا لا يملك به أي مكانًا فارغ من الاصابة، والاطباء من حوله عاجزون حتى عن معالجته من كم الاصابات والجروح التي غلبت هذا الجسد الضعيف الذي مازال يتمسك بالحياة لبضعة ساعات بعد تلك الجنحة القـ.ـا.تلة.
فتح عينيه المنقطع رموشها، ليشير باصبعها النازف للدmاء لأيوب بأن يقترب، ففعل وهو يهرول إليه هاتفًا بصدmة: محمد، من فعل بك ذلك؟ أخبرني؟!
بالرغم من آلامه الغير محتملة ولكنه رسم ابتسامة واسعة، وهمس بصوتٍ خافت للغاية: أيوب، كنت أخشى أن يزورني المـ.ـو.ت قبل أن أراك للمرة الأخيرة يا صديقي.
غارت عينيه بالدmـ.ـو.ع، واحتقن صوته المتحشرج: هيي أنت أراك تتمنى المـ.ـو.ت لمجرد خدشًا صغيرًا يصيبك، دعك من ذاك ولتعلم بأن طريقنا مازال طويلًا، مازلت لم انتهي من إخبـ.ـارك المزيد عن الدين الإسلامي ونبيك محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أتتذكر كنت بالأمس تترجاني لنبقى ساعتين بعد صلاة الفجر أحدثك بهما عن وفاة رسول الله ولكنني كنت مرهق للغاية ووعدتك بأني سأقص لك اليوم!
احتدت أنفاسه المزلزلة داخل جهاز التنفس، ورافقته دmعات حارقة جعلت مسمع كلمـ.ـا.ته صعبة: كنت أود أن أتعلم كل شيء عن ديني، كنت أريد أن أمضي سنوات وأنا مسلمًا لأكفر عن ذنوبي وجهلي، ولكنها إرادة الله يا صديقي، الحمد لله الذي سيتوفاني مسلمًا، تائبًا، عاكفًا عن ذنبٍ كان ليرجمني بجنهمٍ حتى يوم الدين.
وتابع وقد تثاقلت أنفاسه واحتقن وجهه بصعوبة: أنا لست نادmًا على شيئًا، ما يـ.ـؤ.لمني أنني كنت أظن أن الاسلام ما هو الا إرهاب، واليوم بعد ما تعرضت له على يد عمي أدركت أن اليهود هم عصبة الإرهاب وأساسها، أتعلم يا أيوب، لقد كان يتلذذ بتعذيبي ولم يعيره تواسلاتي، أتعلم بأنه من قام بترتبيتي! فعل كل ما بوسعه ليجعلني أكفر عن دين الله ونبيه محمدًا ولكنني صمدت وأن أتذكر حديثك عن الصحابة وما لقوه أيام الجاهلية.
سعل بقوة جعلت أيوب يهرع إليه متوسلًا ببكاء يراه محمدًا لأول مرة: أقسمت عليك بالله أن تكف عن الحديث، أنت مازالت مريـ.ـضًا، فلتستريح الآن ونستكمل لاحقًا.
هز رأسه يرفض صمته بذاك الوقت الذي يشعر به أن المـ.ـو.ت يرفرف بجناحاته فوق رأسه، فمال إليه يخبره ببسمة طـــعـــنت قلب أيوب: والله ما يحـ.ـز.نني الا فراقك يا أيوب، وليشهد الله إنك أحب الخلق لي، وأنك كنت ونعم الصديق والأخ. لذا سأترك أختي الوحيدة أمانة برقبتك ليومٍ قد ألقاك به على باب الجنة إن أراد الله لي بالمغفرة على ذنوبي.
وابتلع ريقه بصعوبة وهو يردد ببكاء كالطفل الصغير: ليتني ولدت مسلمًا، ليتني لم أهدر ثانية من حياتي وأنا على تلك الديانة.
وتعمق بنظرة دافئة له: ليتني قابلتك منذ سنوات أيوب.
بكى أيوب وهو عاجزًا حتى عن ضمه، أراد أن يمسك بيده ولكنه خشى أن يؤذيه فكانت تنزف من فرط الاحتراق القامع بجلد جسده المنصهر، فمال على وسادته يربت على خده السليم باكيًا: أقسمت عليك بالله الواحد الأحد أن تكف عن الحديث، لست قادرًا على تحمل ذلك الألــم، أنا أعلم بأنك ستشفى من جروحك وستعود معي للسكن مجددًا.
ابتسم ودmعاته تقتنص خديه، ومال بوجهه ليكون قبالته، فقال بهمسٍ مرهقًا: على ذكرك للسكن فمازلت أتذكر كيف أخفى عليك الشباب بأنني يهودي، ولكنك بالرغم من ذلك كنت تنفر مني دون أن تعلم ديانتي.
وازدرد حلقه المرير من علقم الأدوية، وقال ببسمة مؤلمة: كنت أتسلل ليلًا لشرفتك لأسمع تلاوتك بالقراءة، كانت لي رغبة كبيرة بالبقاء جوارك وسماع حديثك، بات صوتك بالقرآن الكريم محببًا لي، فكنت أترقب الليل بصبرٍ يضيق بي تحمله، لاسمعك ترتل تلك الآيات وكنت أدونها من خلفك وأعود لغرفتي أبحث عنها على الانترنت وكلما تعمقت بمعاني القرآن أجد ما يلثم قلبي، كنت أحيانًا أشغل مقاطع من القرآن المسموع حينما ينقبض صدري وأنام هنيًا، إلى أن حلل عقلي لي بأنه الدين الحق، ذلك الدين الذي يعز المسلمين، إنما هو دينًا يدعو للحق وينهي عن المنكر والمحرمـ.ـا.ت، هذا الدين عظيمًا لدرجة جعلت اللين والمحبة ترافق قلوب المسلمين حينما يتقرب لربه بالصدقة، قضيت تسعة أشهر أحاول فيهم جمع كل شيءٍ متعلق بالدين وحينما أشعر بأني اقتربت أجد بأن لا نهاية لحلاوته، وإنما أنا ما علمته ما هو الا نقطة ببحرٍ يفيض بالكنوز...
وجدت الراحة والــســكــيــنــة حينما أطيل بسجودي داعيًا لله أن يتقبلني مسلمًا، وجدت سكينتي وأنا أتلو القرآن الكريم ليلًا جوارك أيوب.
جاهد ذاك الألــم بكل قوته، ورفع يده المحروقة يشـ.ـدد على قبضة أيوب، يهاجم انضراع انفاسه المستقبلة للمـ.ـو.ت وردد له: لا تنساني بدعائك يا صديقي، وبلغ الشيخ مهران سلامي وأخبره إنني كنت أتمنى لقائه بنفسي لانحني على يده أقبلها امتنانًا على تربيته لشابٍ بأخلاقك يا أيوب.
بكى بصوتٍ مسموع، فابتسم محمد وقال باسترابة: لم أراك يومًا باكيًا، وإن رأيتك اليوم هكذا فأنا سعيدًا للغاية بأنني أملك بقلبك مكانة بادية على وجهك، وللحق كم أنا محظوظ بمحبتك يا أخي!
ارتعش جسده بصورةٍ مفاجئة، وتحشرجت أنفاسه، فقبض باصابعه على يد أيوب، ليردد بصوته المتقطع: إنها النهاية يا صديقي، فلتنصت لي جيدًا، أنا لا أملك شيئًا أخشاه بعد رحيلي سوى أختي الوحيدة، بعد ما رأيته بعيني من عمي فلا أراها آمنة بمنزله، أرجوك أن تعتني بها يا أيوب.
وبو.جـ.ـعٍ شـ.ـديد ردد: آديرا أمانتك وأنا أعلم بإن لن ترد أمانة شقيقك المسلم.
وصرخ بو.جـ.ـعٍ قابض، وأنفاسه تهمس بخفوت: أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله...
ارتخت يده بين قبضة أيوب، وتمدد جسده أخيرًا حاصلًا على خلاصه، رفرف أيوب بأهدابه بعدm استيعاب، فهزه برفق: هيي أنت لا تحاول أن تخدعني، هيا انهض.
وكأنه يحرك قماشة بالية، تنصاع لحركات يده، فردد أيوب بصرامة قاطعة: إن لم تنهض الآن لن أقص لك حرفًا واحدًا عن سيدنا محمدًا وأخر غزواته، وما فعله وهو على فراش المـ.ـو.ت. أنا أحذرك.
تمزقت عينيه من البكاء، وراح يحركه متوسلًا: استحلفك بالله يا محمد أن تنهض، أنا لن أحتمل فراقك.
ابعده عنه الاطباء واجتمعوا من حوله، يحاولون أن يستعيدوه ولكن أمر الله قد نفذ، طرح أحدهم الغطاء على وجهه وعلامـ.ـا.ت الأسف يقدmها لأيوب الذي سقط جسده جالسًا أرضًا يردد ببكاء صوته يصدح بأنحاء الغرفة: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعفُ عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسِّع مُدْخَلَه، واغسله بالماء والثَّلج والبَرَد، ونَقِّه من الخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وأدخله الجنة، وقِهِ فتنةَ القبر وعـ.ـذ.ابَ النار.
واستطرد بانكسارٍ: اللهم توفاه مسلمًا، اللهم تقبل توبته.
انهمر الدmع على وجهه الذي ينازع لرؤيته تلك الذكرى التي تحرق روحه، فانتفض أيوب بنومته، يلتقط أنفاسه المتسارعة بصعوبة.
بدأ بالاسترخاء حينما أفاق لواقعه، فرفع عينيه يبحث عن سيف من حوله، وحينما لم يجده ناداه: سيف!
فرك عينيه يبعد النوم عنهما، فرأى الصينية القريبة منه ولجوارها تلك الورقة، جذبها أيوب وقرأ محتوياتها.
«مساء الخير أو صباح على حسب ما تقوم، لو صباح هتكون عملت لصاحبك اعتبـ.ـار وفضلت لتاني يوم احترامًا لكلمتي، أما لو مساء فأكيد يعني لسه رأسك حجر صوان وهتمشي اللي في دmاغك وهتمشي من غير ما تعملي أي اعتبـ.ـار، عمومًا أنا تحت بصور مستلزمـ.ـا.ت وشوية أوراق وراجع، وسواء قررت تمشي أو تطلع محترم وتستناني سواء ده أو ده هتأكل الأكل اللي عملتهولك، وخد بالك الدكتور سيفو عمره ما بيقف يعمل أكل حتى لنفسه فياريت تقدر ده يا بشمهندس.
صديقك المخلص دكتور سيف عتمان الآشقر»
ضحك وهو يلقي ورقته جانبًا، وجذب الصينية، ثم رفع الغطاء عن الطبق، فوجد ورقة أخرى مدونة بخط كبيرًا.
«كشفت الغطا وهتأكل؟ كنت عارف إنك بتحترمني وهتسمع كلامي وهتخليك معايا، كل الأكل كله أنا نادرًا لما بطبخ وهزعل لو سبت حاجة. ».
ألقاها جوار الورقة الأولى وقرب له أحد الشطائر، لكها ببطءٍ ومازال عقله يشرد بصديقه الراحل، لوهلة شعر بأنه فقد شهيته بتناول الطعام، ولكنها ضغط على ذاته ليستكملها حتى لا يحـ.ـز.ن سيف.
انطلق رنين جرس الباب مرات متتالية، جعلته ينهض مسرعًا ليرى من هذا الطارق المزعج، ربما قد نسى سيف مفاتيحه أو قد يكون يوسف.
فتح أيوب الباب متمعنًا بالطارق، فانعقد حاجبيه وغامت فيروزته مرددًا بدهشةٍ: آديرا!
انتهت مايسان من تنظيف الأطباق، ومن خلفها ليلى كانت تقوم بتجفيفها من المياه، بينما تلتقط منهم صبا لتضعهم بأماكنهم، وسط أجواء متبادلة بالمرح والسعادة، انقضت ساعتهم سريعًا، وعاد كل ثنائي لمنزله، بعد أن أبلغت ليلى صبا أن تخبر جمال بموعد الجراحة المتفق عليه مسبقًا، فبالرغم من اجتماعهم بمنزله الا ان الشباب كانوا يحرصون على عدm الاختلاط بينهم وبين الزوجات، لذا كانوا ينعزلون عنهن بغرفة الضيافة.
وصلت سيارة عمران للمنزل، فصعدت مايسان للأعلى لتستريح قليلًا بينما صف هو السيارة وكان بطريق صعوده، ولكنه توقف حينما وجد أخيه يجلس بالخارج ويقرأ أحد الكتب.
جلس عمران جواره ليشاكسه بمرحٍ: مساء الجمال يا دكتور علي، بتقرأ أيه المرادي رعـ.ـب ولا جريمة ولا اتهورت ودخلتلك على رواية رومانسية!
أغلق على الكتاب ووضعه على الطاولة، وتساءل بدهشة: إنت كنت فين من الصبح يا عمران.
رد عليه وهو ينحني ليجذب كوب قهوة علي، ليستكمل ارتشافها بتلذذ: كنت معزوم عند جمال، والدته لسه واصلة وأصرت تعزمني أنا ويوسف.
راقب ما بيده بنظرة ساخرة، لطالما اعتاد عمران أن يشاركه كل شيء حتى كوب قهوته!
انتهى منها وفرد ذراعيه بالهواء بتثاقل، وأخذ يراقب الوضع من حوله بنظرة مهتمة، مقدرًا المسافة بينه وبين ساق علي، فوجدها ستكون مريحة، وعلى الفور تمدد مستندًا برأسه على ساقيه وأغلق عينيه يستعد للنوم.
لكزه على بضيق: مش عايزني أطلعك الأوضة بالمرة!
همس مدعيًا النوم: مش هينفع مايا بقت معايا في الأوضة.
وتابع بمرحٍ: يعني طلوعك ودخولك بقى بحساب يا دكتور!
فسر على معاني الحديث ومن ثم تعالت ضحكاته الرجولية، مرددًا بمشاكسة: أخيرًا يا راجـ.ـل!، أممم ما أنت استغليت فرحي عشان تأكل بعقلها حلاوة.
ضحك عمران على حديثه، واستقام بجلسته يغمز له: لو مستغلتش بطيبتك وقلبك الأبيض ده بذمتك هستغل مين!
ضحك برفقته وسرعان ما أمسك ضحكاته حينما استمع لصوت هاتف عمران.
بقصر راكان.
تمكنت من جذب هاتفها من جيب جاكيتها، وبصعوبة رفعت يدها المكبلة بالاحبال، وجدت أن الانسب بمهمتها هذا اللجوء لاخيها الشرس، من يتمكن جيدًا من مواكبة ما تمر به، رفعت شمس هاتفها تطالبه وتنتظر بصبرٍ أن يجيبها وما أن أتاها مجيبًا، حتى همست ببكاء وصوتًا مبحوح: عمران. الحقني يا عمران هيمـ.ـو.تني!
انتفض بجلسته بصدmة وعدm استيعاب لما يستمع به، وردد بفزعٍ جعل على يراقبه باندهاش: شمس إنتي فين! مين اللي هيمـ.ـو.تك! إنتي فين انطقي!
ردت عليه ببكاء: أنا في بيت راكان، وآ...
انقطعت باقي جملتها حينما شعرت بخطوات تقترب من باب الغرفة، أعادت الهاتف سريعًا لجيبها بعدmا أغلقته نهائيًا حتى لا يصدر منه أي صوتًا يثير الاهتمام لها.
انتفض على قبالته يتساءل بخــــوف: مالها شمس يا عمران اتكلم!
أزاح بصره عن الهاتف قائلًا بدهشة: بتقول إنها في بيت راكان وإنه عايز يقــ,تــلها!
انقبض صدره، وزاغت عينيه وهو يحاول استيعاب تلك الكلمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة، فلم يدعي ما يشل تفكيره أكثر من ذلك، هرع على لسيارته وقبل أن يشغل محركها كان عمران يقفز لجواره، لتتجه السيارة بسرعتها القصوى تجاه قصر راكان!
خطة محكمة ستلقي بحتفه مؤكدًا، خاصة بأنه يحمل حقيبة مسلمة من راكان الذي منحه ورقة بالعنوان معللًا اختياره للذهاب بأنه أكثر رجـ.ـاله ثقة، ويريده أن يسلمها للساكن بالعنوان المدون، وبالحقيقة كان ينتظره هناك إثنا عشر رجلًا، مسلحون بأسلحة تكاد تحرق الأخضر واليابس.
شعر بالارتياح واسترخى بتمدده بالمسبح، وحينما انتهى نهض يجفف جسده بالمنشفة العريضة، ويتجه لغرفته مدندنًا باستمتاعٍ.
وقف أمام السراحه بعبث بخصلاته المبلولة، ويراقب تنظيم حاجبيه، توسعت حدقتيه بصدmة وهو يرى انعكاس الصورة المقابلة بالمرآة، فاستدار للخلف بسرعة البرق ليتحقق بأنه لا يتوهم!
لعق شفتيه بصعوبة وهو يردد: عمر باشا!
منحه ذاك الصقر بسمة بـ.ـاردة، ووقفة تهتز لها الثقة من فرط ارتباكها، يبتسم بصمتٍ يبتر كل أجزاءه الحيوية، حتى حرر صوته الخشن: مكنتش متوقع أنك هتشوفني تاني ولا أيه يا فؤاد!
تراجع للخلف وهو يحارب ارتباكه: لا. ازاي بس يا باشا، أنا بس مش مستوعب إنك هنا.
هز رأسه بخفة وعينيه تراقبه بتمعنٍ، فاستدار يجذب أحد البرفيوم الموضوعة على السراحة ينثر على لائحة يده ويقربها لانفه، وفجأة ألقاها على المرآة بتقززٍ: ريحتها نتنه زيك بالظبط.
راقب فؤاد الزجاج المنكـ.ـسر من أمامه بخــــوفٍ، وعاد يتأمله بهلعٍ حينما وجده يلف من حوله كالأسد الذي على وشك التهام فريسته، قائلًا بجمود: بقولك يا فؤاد متعرفش ليه راكان باعتني لصاحبه ده أسلمه الشنطة، وليه مصر أني أروح بنفسي!
رفع يده يفرك صدره وكأنه بهذة الحركة ستمده بالاكسجين، وبتلعثم قال: لا يا باشا معرفش.
اتسعت ابتسامته الماكرة: بس أنا عارف، وعارف كمان بمقابلتك اللي تمت من ساعتين لشمس.
برق بذعرٍ، والتفت ليركض من أمامه، فاحتضنه عمر من الخلف، يده تلف كتفيه ويده الاخرى تعيق حركته بحركة خبيرة يصعب على أحدٌ فعلها، ارتعب فؤاد فهو يعلم تلك الحركة المعتادة لعمر الرشيدي وباتت تشهره بين الجهاز كالدmغة، يعتصر جيد غنيمه كالأفعى التي تعتصر جسد فريستها، حتى تنكـ.ـسر عظامها.
ردد الاخير متوسلًا برعـ.ـب: أنا معملتش حاجة، راكان هو اللي أجبرني أعمل كده يا باشا.
انطلق فحيحه يهمس بأذنيه: إنت عملت كده عشان النص مليون دولار اللي اشتراك بيهم الكـ.ـلـ.ـب ده، عملتها وإنت عارف تمن الخيانة اللي بيدفعه أي حقير يفكر يبيع عمر الرشيدي، وإنت ارتكبت ذنب ميغتفرش مرة بخيانتك لبلدك ومرة بخيانتي!
اشتدت يديه من حوله تدريجيًا، فبدء وجهه بالاحمرار من احتباس مجرى تنفسه، فسارع بالحديث: إنت اللي خنت اتفاقنا من الأول يا باشا، خطتنا كانت واضحة من البداية إنك توقع شمس وتجندها لصالحنا وبكده كانت هتقدر تسحب الملف بسهولة من خزنة راكان، لكن إنت وقفت كل ده عشان حبيته، إنت كنت عارف إن وجودنا جوه بيته طول المدة دي فيها خطر علينا وأنسب حل كانت شمس، استبعادك ليها عرضك وعرض الفريق كله للخطر، مكنتش هستنى لحد ما ننكشف ويخلص علينا واحد واحد بسبب حبك الغـ.ـبـ.ـي ده.
زاد من اعتصار جسده بغـــضــــب جعل الأخير يصـ.ـر.خ ألــمًا، بينما ردد عمر بعصبية بالغة: أنا ازاي مقدرتش أشوف حقارتك دي، إنت ظابط يعني مأمور بحماية الارواح، مستحيل أكون موافق أعرض حياة انسانه بريئة للمـ.ـو.ت مهما كانت صلة قرابتها بيا، أنا وافقتك بالبداية لاني كنت فاكر إن الموضوع بسيط بس بعد كده لما حسبت أبعاده لقيتني هعرضها للخطر لذا وقفت الخطة كلها وبلغتك بده.
تصلب جسده وهبطت معافرته بين جسد عمر القاسي، فهمس له قبل ان يغلق الاخير عينيه: كنت عامل نفسك ذكي وأنا سابقك بخطوة، وزي ما قدرت أكشف راكان ولعبته التافهة قدرت أكشفك يا كـ.ـلـ.ـب، وحظك بقى إن مبسبش حقي يبرد، فجيتلك على الحامي ووعد مني هبعتلك الكـ.ـلـ.ـب اللي اشتراك وراك بكام ساعة مش هيطول عليك متقلقش!
انتهت رحلة معافرة جسده أمامه، وحينما تأكد من سكونه ألقاه أرضًا بنفورٍ من ملامسته لذاك الخائن، واتجه ليحول حياة ذاك الشيطان لجحيم مستعار سيذقه الآن ما يجعله لا ينسى إسم عمر الرشيدي طوال حياته!
اندهش من وجودها أمامه، وخاصة حينما أشارت له على الدرج قائلة: رأيت صديقك يخرج من العمارة فصعدت لرؤيتك.
أسبل بعينيه بعدm استيعاب: هل كنتِ تراقبيني؟
اومأت برأسها بعدة تأكيدٍ، وكأنه يمنحها سؤالًا أحمقًا، أمهل أيوب ذاته بالصبر الذي تمرن عليه طوال حياته لينتسب لجملة صبر أيوب، بينما الاخيرة أتت لتحطمها حينما قالت بتوسلٍ صريح: فلنجرب فعلها الآن، هل أنت مستعد لذلك؟
حقًا هل بات القـ.ـا.تل يسأل قتيله إن كان مستعدًا للمـ.ـو.ت أم لأ؟
تنهد أيوب بإرهاقٍ، وقال: انتظريني هنا، سأعود بعد قليل.
ودفع الباب ليواربه، ففتحته آديرا متسائلة: ألا يمكنني الانتظار بالداخل؟
عاد ليدفع الباب مشيرًا لها بتحذير: لا يجوز لي الاختلاء بامرأة، انتظري بالخارج سأعود بعد خمسة دقائق.
زفرت بنزقٍ: ولماذا تحتاج للخمسة دقائق فلنفعلها الإن وهنا!
اقتحمت فيروزته هالة من الغـــضــــب ومع ذلك أبقى عينيه أرضًا متعمدًا عدm التطلع لها مثلما اعتاد أن يغض بصره: لا أريد أن أقحم صديقي بمشاكل من تحت رأسي، سأعود بعد خمسة دقائق، انتهينا.
وتركها ورحل فهمست بسخرية غاضبة: وكأنك تأمرني!
زفرت بنفاذ صبر، واتجهت للدرج الجانبي تجلس عليه بحـ.ـز.نٍ، فانهمر شعرها الأصفر من حولها كأنه يحاوط عينيها الباكية، فأزاحت دmـ.ـو.عها وهي تهمس بحقد: سأقــ,تــل هذا الارهابي مهما كان الثمن، حينها ستنتهي معاناة أخي آران!
مضت الدقائق ومازالت تنتظره، فهزت ساقها بعصبية مفرطة، تفحصت ساعتها فوجدته قد أطال عن الخمسة عشر دقيقة، فنهضت واندفعت داخل الشقة تبحث عنه بغـ.ـصـ.ـب.
فتحت أديرا أحد الغرف فوجدته واقفًا على سجادة الصلاة يصلي من أمامها بسكينة غريبة، انحنى يردد بصوتٍ وصل لها
سبحان ربي العظيم وبحمده.
واستقام بوقفته ومن ثم سجد أرضًا وأطال بسجدته، مما دفع الاخيرة تتحدث من خلفه بصوت كان مسموع له: حسنًا أديرا تلك هي فرصتك، سأفعلها الآن.
وبالفعل نزعت حقيبة يدها وجذبت السلاح تسلطه على أيوب الذي لم يعبئ بها وكأنه لم يراها من الأساس، استكمل صلاته بخشوعٍ تامٍ متجاهلًا لوجودها من أمامه بالسلاح، بينما الاخيرة تراقبه بعينيها الخضراء بدهشةٍ، ذاك الرجل لم يطرف عينيه خــــوفًا حتى، تراه صامدًا أمامها في كل مرة تحاول فيها قــ,تــله، لا تعلم هل هذا هو الذي يدفع يدها للارتعاش من أمامه.
شرودها جعلها لم تنتبه له وهو ينتهي من صلاته ويطوي سجادته مرددًا بعضًا من التسبيحات، فوضع سجادته على الأريكة ومنحها نظرة صارمة تعج بغـــضــــبه: لم أتفاجئ بفعلتك، اليه. ود معروف عنهم أنهم أخِسَّةٌ جبناء. يعتدون الهجوم من الظهر لإنهم يعلمون جيدًا بأنهم ضعفاء.
احتدت معالمها وصاحت به: لن أقبل باهانتك هذه أيها الارهابي الحقير!
ابتسم بتهكمٍ لحق نبرته: من منا يحمل سلاحًا هنا؟ أعتقد بأن الارهاب متعلق بحمل الاسلحة إذًا إنتِ واحدة منهم.
واستطرد بنفور من تواجدها برفقته: على كُلٍ انتظريني بالخارج وسألحق بكِ، لم أهرب منكِ يومًا حتى أفعلها هنا.
أعادت سلاحها لحقيبتها وخرجت تنتظره أمام الشقة، وبالفعل ما هي الا دققيقتين وخرج لها أيوب، يؤمرها وهو يهبط الدرج بخفة: اتبعيني.
لحقت به وهي تكز على أسنانها بغـ.ـيظٍ من أوامره، فوجدته يذهب لطريق الحديقة الهامة، واختار جانب غير مزدحم بها.
وقف أيوب قبالتها وقال بتعب: أنا جاهز، فلتفعليها ولينتهي هذا الأمر.
هزت رأسها بتأكيدٍ وأخرجت السلاح مجددًا، صوبته تجاهه وحاولت جاهدة الضغط عليه ولكنها كالعادة فشلت بفعل ذلك.
ارتجفت يدها من أمامه وكأنه محصنًا قبالتها، ألقت أديرا السلاح وارتمت أرضًا تبكي بانهيارٍ، وصوتها المحتقن يصل لمسمعه: يا ويلتي أترتجف يدي أمام قـ.ـا.تل أخي، تبًا لي!
تعالت شهقاتها وحلت عقدة ذراعيها وهي تسأله بانهيار: ما الذي سأخبر به عمي عند عودتي، سأخبره إنني فشلت بفعلها!
وصرخت بو.جـ.ـعٍ: ماذا أفعل؟
زفر الأخير بمللٍ، ودنى ليصبح على مسافة منها، أعاد تلك الخصلات المتمردة على عينيه ونظم أنفاسه، انحنى بقامته الطويلة وقال باستهزاء يختفي بثبات نبرته: لا عليكِ يا فتاة، يمكنك فعلها! هيا انهضي. ركزي على هدفك. حرري الزناد، وانتهى الأمر!
رفعت وجهها المحتفظ ببقايا دmـ.ـو.عها إليه، وقالت بدهشة: أولست خائفًا من المـ.ـو.ت يا هذا؟
أخفض فيروزته عنها وأجابها ساخرًا: وهل يخاف أحدًا من لقاء الله عز وجل، أنا انتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر، وإن كنتِ ستجعلين مني شهيدًا أزف للجنة بعد مغفرة من الله فمرحبًا برصاصتك بين أضلعي مستقراها!
ابتسمت بفرحةٍ، وكأنها وجدت الخلاص لأمرها، فمدت له ما تحمله قائلة: إن كنت ترغب بلقاء ربك فلتفعلها أنت.
أبعد السلاح عنه وقال بحزمٍ: حاشة لله أن أمـ.ـو.ت عاصيا، ديني يمنعني من فعل ذلك.
تهجمت معالمها بسخطٍ: أيمنعك ربك من قــ,تــل نفسك ويستحل لك قــ,تــل الأخرون.
أجابها بنفس قوته الصارمة: بلى يحرم علينا قــ,تــل النفس. وعقـ.ـا.بها عسير.
طـــعـــنته بنظرة قـ.ـا.تلة ولحقها صراخ متعصب: ولماذا قــ,تــلته إذًا؟! لماذا فعلته أيها الارهابي!
مزق شفتيه السفلية بأسنانه، وانتصب بوقفته متجاهلها، فلحقت به واندفعت تمسك ذراعه لتستوقفه: أين تذهب؟ أخبرني!
تراجع للخلف بعينين مشتعلتين زرعت الخــــوف داخلها منه، وخاصة حينما رفع اصبعه يحذرها بعنف: إياكِ أن تلمسيني مجددًا، إن كنتِ لا تريديني أن أقــ,تــلك بحق كوني بعيدة عني، أنا لن أحمل ذنبًا عظيمًا مثل ذلك لأجلك يا امرأة.
وبصراخٍ غاضب قال: والآن أما أن تقــ,تــليني أو ترحلين من هنا وتدعيني أعيش بسلامٍ
زمت شفتيها بحنقٍ: بأحلامك لن أدعك تعيش بسلامٍ أيها الأرهابي.
وأشارت له بقوة شرسة: انتظر هنا إلى أن أتمكن من فعلها، حتى لو وقفت عامًا بأكمله!
سحب أيوب نفسًا طويلًا يهدأ بها ذاته، وهمس بنزقٍ: فينك يا شيخ مهران تشوف اللي بيحصل لابنك، حبكت يعني تسميني أيوب! أهو ربنا ابتلاني باللي هيخليني محتاج لصبره.
واستطرد بغـ.ـيظٍ: ما أسماء الانبياء كتيرة قدامك...
وعاد يفرك جبينه هامسًا: اللهم لا اعترض، اللهم صبرًا يشابه صبر أيوب في محنته!
راقبته بحاجب معقود، فوجدته يجلس أرضًا على الخضرة، ويجذب مصحفه الصغير يقرأ به، اشارة لها بأنه سينتظر مثلما أرادت.
تراجعت بظهرها للخلف لتعود للاريكة الخشبية، جلست تحاول تقنع ذاتها بفعلها، تتذكر كل لحظة قضتها مع أخيها لتتمكن من قــ,تــله.
مرت ساعة كاملة ومازالت تفكر، وفجأة هرولت لأيوب تخبره بسعادة غريبة: وجدتها، وجدتها أيوب!
صدق عن الآية التي يقرأها، وأغلق مصحفه يضمه له، متغاضيًا عن نطقها لاسمه بحروفٍ غير صحيحة بالمرة، وسألها: أهلكيني بذكائك الخارق تلك المرة، أمل أن يكون حلًا سريعًا ولائقًا بمـ.ـو.تة كريمة لي!
ألقت سخريته جانبًا، وقالت: ما رأيك أن نستأجر مجرمًا شرسًا ونطالبه بقــ,تــلك؟
أراد منع ضحكته ولكنها انفلتت رغمًا عنه، فضحك حتى أحمر وجهه الأبيض المشع بنور إيمانه، وحينما لمح احتقان وجهها قال: آسف ولكن الأمر مضحك!
وتنحنح وهو يستعيد كافة رزانته ورخامة صوته: حسنًا فلتفعليها إذًا، إن كان الحل مناسبًا من وجهة نظرك.
زمت شفتيها بحـ.ـز.ن: ولماذا سأفعلها؟ ألــم تأتي معي للقاء المجرم؟
أسبل بأهدابه الطويلة بصدmة أخرى، وردد: عذرًا هل تريدي أن أقوم باختيار قـ.ـا.تلي بنفسي؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، فقال ضاحكًا: لا أجده حلًا منطقيًا، فحينما سيستمع لنا القـ.ـا.تل اقسم بالله سيقــ,تــلنا معًا وحينها يا فتاة ستخسرين حياتك، ألا يكفيكِ خسارة أخرتك!
هزت رأسها باقتناع وعادت تشرد بالفكرة العظيمة التي بدأت تستحوذ على اعجابها، فأتتها احدى العقبات تعكر صفوها ودفعتها للبوح بها قائلة: هذا القـ.ـا.تل سيلزمه مبلغًا كبيرًا من المال.
كبت ابتسامته وهو يهز رأسه بعنجهيةٍ: بالتأكيد، لن يفعلها حبًا بي، أنا لست محظوظ ليحبني نصف اليهود ويرغب النصف الأخر بقــ,تــلي!
لم تكن تسمعه من الأساس، تفكر بخطتها بكل تركيز، لتأتي له بحديث أحمق: إن ذهبت لطلب المال من عمي سيقــ,تــلني إن علم بأنني لم أقــ,تــلك بنفسي، ولكن من أين سأحصل على المال؟
هز كتفيه وهو يحرك رأسه يسارًا ويمينًا مذعنًا شفقته وقلة حيلته ولكنه بالحقيقة يود السقوط بنوبة ضحك تهون عنه كبت ما يعتريه بتلك اللحظة التي يُجالس بها قتالته التي تطورت مهمته للتفكير في مستأجر يقوم بقــ,تــله وتفكر الإن بكيفية جمع المال؟
اعتدلت بجلستها بابتسامة واسعة دفعته ليردد بأملٍ: فتاة ذكية، تريدين فعلها بنفسك تـ.ـو.فيرًا للمال أليس كذلك؟
تلاشت ابتسامتها وقالت بضيق: لأ. ولكني وجدت ذلك الشخص النبيل الذي سيقرضني المال.
بدى له الأمل يلوح من بعيدًا مهاجرًا إياه، وخاصة حينما قالت هي: أنت من ستفعل يا أيوب، ستعطيني المال لأقدmه للقـ.ـا.تل وحينها سينتهي الأمر.
رمش بعدm استيعاب، وردد: أنا لو عايز أتبرع بالفلوس هتبرع بيها أكيد لبناء مسجد، كفالة يتيم، أنما أتبرع بيها للشخص اللي هيقــ,تــلني عشان يصرفهم رحمة ونور على بدنه موردتش عليا دي بصراحة!
عبثت بعينيها باستغراب: ماذا تقول؟ لم أفهم حرفًا واحدًا!
أغلق عينيه بتعبٍ، ويده تدلك فروة شعره البني، اتخذ خمسة دقائق هدنة للاسترخاء، ثم قال ببسمة هادئة: حسنًا سأفعل، ولكن ليس الآن.
ونهض عن الارض ينفض ثيابه، فلحقت به تتساءل بدهشة: ولماذا ليس الآن؟
أجابها ببرود: لإن المال ليس بحوزتي الآن، أبي يقوم بإرسال المال ببداية الشهر الجديد، ونحن الآن باليوم التاسع عشر!
هزت رأسها بتفهمٍ، وطرقت بأظافرها على السلاح الذي تحمله بتفكيرٍ، لتجده يودعها وينصرف قائلًا: سأنتظرك بشقتي في اليوم الأول من الشهر القادm، وداعًا.
ركضت خلفه بلهاثٍ: انتظر!
استدار بمللٍ ونزقٍ: ماذا بعد؟!
ابتلعت ريقها بخــــوفٍ وارتباك: وأين سأذهب تلك المدة؟
وقبل أن يمطرها بسخريته قالت: إن عدت لعمي قبل أن أقــ,تــلك سيقــ,تــلني هو، لذا عليا الاختباء بأي مكان حينما أنتهي منك وحينها سأعود مرفوعة الرأس.
همس بسخط: مرفوعة الرأس ليه قــ,تــلتي نتنياهو، أهو لو هتعمليها هساعدك بمالي ودmي وحياتي وصحتي وكل ما أملك!
رددت بعدm فهم: . بماذا تثرثر أنت؟
تنهد بيأس من محاولاته للفرار منها، وقال بعد تفكيرًا اتخذه لتحقيق رؤياه: أستطيع أن أترك لكِ سكني الخاص، اتبعيني سنذهب لأجمع بعضًا من أغراضي، ستجلسين لبضعة أيام وسأذهب أنا للعيش برفقة صديقي.
حاولت أن تسرع لمحاذاة خطوات ساقيه الطويلة، قائلة وهي تلتقط أنفاسها: ولماذا ستذهب للعيش مع صديقك، ألا يتسع مسكنك لي ولك؟
توقف عن المشي واستدار يلقنها نظرة نارية جعلتها تزدرد ريقها بخــــوفٍ، ليندفع الاخر بشراسة حديثه: سبق وأخبرتك أني لا اختلي بالنساء بمكانٍ واحد، وأضطر أسفًا بالتعامل معكي اكرامًا لوعدي القاطع لصديقي محمدًا.
سحقًا لك، يدعى آران!
لفظتها بعناد يجابه خاصته، فكور يده بقوةٍ ليمنعها الأ يجرها من شعرها لاهانة تسحقه هكذة، ولكنه أن فعل ذلك سيثبت لها بأنه ارهابي مثلما تزعم تلك، لذا قال بهدوء: دعينا من هذا الأمر، فلنذهب.
أومأت برأسها وهي تطمس غـــضــــبها، ولحقت به بهدوءٍ تجتهد بالتحلي به.
وصل عمران وعلى للقصر، فولجوا للداخل بخطواتٍ أشبه للركض، وما أن ولجوا لغرفة مكتبه حتى نهض يستقبلهما بجراءة وكأنه لم يفعل شيئًا: أيه الزيارة السعيدة دي، دكتور على وعمران باشا، يا أهلًا وسهلًا.
وأشار لاحد رجـ.ـاله المتوزعون من حوله استعدادًا لأي خطر: اتنين قهوة مظبوطه للبهوات بسرعة.
انطلق صوت على الحازم يعيق عنه تلك الألعيب: فين شمس يا راكان؟
ادعى دهشته من الأمر، وقال ببراءةٍ: شمس! أنا مشفتهاش من ساعة الحفلة، هو في حاجة ولا أيه؟
كاد عمران أن يسلط وقاحته على ذاك اللعين ولكنه تسمر محله حينما وجد على يجتاز رجـ.ـاله ليلف يده حول رقبته بقوةٍ وشراسة: أختي فين، حالًا تؤمر حد من كلابك دول يجبوها لحد عندي والا قسمًا بالله العلي العظيم أكـ.ـسرلك رقبتك وإنت عارف إني دكتور وأدرى باللي يأذيك.
وأشار على من يتسلل من جواره ظنًا من أنه سيخلص سيده: قبل ما يفكر يقرب خطوة هكون ناهيك في أرضك.
ابتلع راكان ريقه بتـ.ـو.تر جلي، وأشار بيده: ارجع مكانك، وإنت هات شمس.
أومأ الرجل إليه وانصرف يأتي بها من الأعلى، بينما ردد عمران بفرحة: الله عليك يا دكتارة، ياما في الجراب يا حاوي بصحيح.
منحه نظرة ساخرة من سخريته ومزحه بوقتٍ كهذا، ومع ذلك بقى ثابتًا أمامه، فالتقط أذنه صوتها الهزيل مرددة لمن يواجهها: عمران!
ركضت لاحضان أخيها تشـ.ـدد من ضمه بجسدها المرتجف، فربت عليها بحنان: متخافيش يا حبيبتي مفيش حد فيهم هيأذيكِ.
التفت على يتفحصها بنظرة مهتمة، فاستغل راكان انشغاله وكاد بأن يسدد له لكمة، فجأه على حينما قبض على قبضته ورد له اللكمة بقوة جعلته يسقط على مقعده، لتبدأ معركة شرسة بينه وبين الحرس.
دفع عمران شمس خلف الاريكة، وانضم يدافع عن أخيه، وبالرغم من تضاعف الاعداد عليهما الا أنهما كانوا يجاهدون لمحاذاة القوة، ضعف أي منهما يعني قــ,تــل الأخر والاصعب تعرض شمس للخطر، صاح عمران براكان غاضبًا: مكنتش أعرف إنك وسـ.ـخ وعرة كده يا، وربي لادفنك وإنت وكلابك اللي بتتحامى فيهم دول يا جبان.
ضحك وهو ينفث سيجاره بعناد: وماله خلص عليهم وأبقى تعالى نتكلم، بس عايزك تصمد يا وحش!
انحنى عمران يتفادى لكمة احداهم ومرر قدmه ليسقطه وانقض عليه يلكمه بقوة، بينما على يرفع قدmيه يركل احداهم ويسد الطريق عن ذاك الذي يحاول ضـ.ـر.ب رأس أخيه المنحني بمطرقعة حادة.
دارت معركة شرسة بينهم وشمس تختبئ، تغلق فمها بصعوبة بالغة وتبكي بمرارة لما وضعت به، ربما هي أتت لانقاذ حبيبها ولكنها فور سماع راكان يتحدث بمكتبه عقدت العزم بالرحيل وتحذير آدهم ولكنه كان يكشف أمرها من البداية وهو من دبر لها تلك المكيدة لتقع بشباكه.
فُتح أحد رجـ.ـال راكان باب المكتب وهرول مذعورًا إليه يخبره: باشا الخزنة مفتوحة على وسعها والملف مش فيها!
نهض عن مقعده يجاهد الا يقع من طوله، وصرخ بثورته: إنت بتقول أيه يا حـ.ـيو.ان!
تراجع عمران يحمي شمس التي خرجت من خلف الأريكة، بينما تراجع على يحمي شقيقه ومن خلفه شقيقته كالأب الذي يخشى على صغاره من نسمـ.ـا.ت البرد القارصة.
اتجهت نظرات راكان لشمس، وصاح بصوت كالرعد: الملف فين؟
رددت بخفوت وهي تتعلق بقميص عمران: مخدتش حاجة!
ملفك معايا، وعدواتك معايا، ومـ.ـو.تك على ايدي!
كلمـ.ـا.ت واثقة قالها ذلك الذي يعتلي مقعد راكان بعدmا تركه ولحق بشمس، فحرك المقعد المتحرك باستمتاعٍ وابتسامة انتشاء أشعلت الاخر، وخاصة حينما استطرد عمر وهو يتأمل الملف الذي يحمله بين يديه: اتعمدت أخده بالوقت ده بالذات علشان أعرفك أني اقدر أعمل اللي أنا عايزه في أي وقت، حتى لو كنت إنت ورجـ.ـالتك جوه المكان.
وجذب القداحة المجاورة لغليون راكان من على المكتب ثم أشعل النيران بالملف، والجميع يتابعه بصدmة ودهشة عدا تلك التي تبتسم بفرحة وعشق لرؤيته على قيد الحياة.
اشتعلت النيران بالملف وراكان يكاد ينصهر معها، فألقى آدهم الملف إليه هاتفًا ببرود: المعلومـ.ـا.ت اللي فيه اتحفظت هنا، فمبقاش يلزمني.
وكان يشير على رأسه، وفرد ظهره للمقعد مستطردًا بنومٍ: معاك فرصة أخيرة تقــ,تــلني وبالتالي سرك يتدفن معايا.
واعتدل مستندًا على سطح المكتب ليهاتفه بجدية تامة جعلت على وعمران بصدmة وحيرة من قوة ذاك الشرطي الغامض: بس أنا خايف عليك يا راكان تحصل رجـ.ـالتك اللي كنت مخليهم يستنوني في البيت إياه، ألا صحيح هما كانوا كام؟ أصل منظر الدm والاشلاء كان مثير للاشمئزاز بصراحة.
وضيق حدقتيه الماكرة: أممم، خليني أخمن، اتنين جنب الشباك وأربعة ورا الباب، وكان في خيالين عند الطرقة، وممكن اربعة تانين!
وانفجر ضاحكًا بشكلٍ جعل رجـ.ـال راكان يرتعبون منه، سبق لهم معاشرته ورؤيته وهو يدافع عن راكان بشراسة والآن سيواجههم! المعادلة صعبة وغير متقنه.
استوقف ضحكه وقال بجمود: تؤ. تؤ، صعبان عليا يا راكي! وخليني أقولك نصيحة قالهالي مدربي في وقت من الأوقات.
وانتصب بوقفته ينزع عنه جاكيته وقميصه الأبيض حتى بات بملابسه العلوية السوداء، قائلًا وهو ينشغل بنزع القميص: قالي في رجـ.ـا.لة تستاهل إنك تضيع من وقتك وتقف تحاربهم لأخر نفس خارج منك لإنهم رجـ.ـا.لة اختاروا المواجهة وليهم الشرف إنهم يشوفوا الاقوى والاذكى منهم، وفي حريم تانية بتستخبى بالجحر بيستنوا لحظة غدر علشان يخدوك على خوانة ودول ديتهم قنبلة تبيدهم زي ما بدت حريمك!
تعالت ضحكات عمران وراق له ما يحدث من آدهم، بينما راقبه على ببسمة هادئة وبات يملك فضول لمعرفة ما سيفعله الإن، فوجده يدنو من راكان حتى بات قبالته، وقال: تعرف مين اللي قالي كده؟
تراجع الاخير برعـ.ـبٍ قابض، بينما استطرد آدهم بقوة: مراد زيدان، الجوكر تسمع عنه؟
↚نهض عن المقعد أخيرًا ليتجه بخطواته البطيئة حتى وقف قبالة راكان وجهًا لوجه، يشيعه الأخير بنظراتٍ حاقدة، بينما هو كان جـ.ـا.مدًا التعابير، غامضًا بشكلٍ يرعـ.ـب الأعين المحاطة به، حتى تلك العينين البندقتين التي تسترق النظر إليه من فوق كتف أخيها، تراه صارمًا لأول مرة بعدmا اعتادت رؤية الابتسامة والمرح لا يفارقاه.
مد عمران ذراعيه للخلف ليحتضن جسد شمس حتى لا يصيبها أي ضرر من اندلاع تلك المعركة المخيفة، ابتدت من إشارة راكان لرجـ.ـاله أمرهم: خلصوا عليه.
ابتسم آدهم بسمته المخيفة، ورفع ذراعيه للأعلى كأنه ينفض جاكيته الجلد، فهبط لكلا ذراعيه خنجرين صغيرين.
إلتحم معهم بمعركة دامية، جعلت على وعمران يصعقان مما يرآه، كان يسدد خناجره بأماكن متفرقة بالجسد بسرعة جنونية، مخيفة، تجزع الدmاء وتغرق الجسد ببركتها.
حاولت شمس أن ترى ما يحدث، فألتف لها عمران بجسده وضمها بصدره دامسًا رأسها على كتفه هامسًا بسخرية: متحاوليش تشوفي اللي بيحصل هتغيري رأيك في فارس أحلامك الشهم!
اندفع الرجـ.ـال من حول آدهم ليشكلوا حلقة دائرية من حوله، فتخلى علي عن مكانه وأسرع بمساعدته، فأحاطه آدهم من الخلف صارخًا به: دكتور على خد شمس وعمران وإخرج من هنا، أنا هقدر أتعامل معاهم.
نزع علي جاكيته ورفع يديه يستعد للمحاربة، قائلًا دون التطلع لمن يوليه ظهره: هنخرج مع بعض يا حضرة الظابط.
غرز آدهم خنجره بصدر أحد الرجـ.ـال الذي يحاول الوصول بسكينه إليه، وقال وهو يلتهي بالمعركة بتركيزٍ وتمعن: من فضلك يا دكتور إسمع الكلام، هتتأذي!
واستغل تأوه الرجـ.ـال من أمامه واستدار ليخـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لعلي، فتفاجئ به يلكم أحدهما بحرفية، ومن ثم يرفع جسده ليمر من فوق ظهره قاصدًا الضغط بكوع يده على ظهر خصمه بقوة جعلت غريمه ينازع حد المـ.ـو.ت بعد سماع انكسار عظامه، حركة خبيرة لا تهدر الا من رجلٍ اعتاد ممارستها لسنواتٍ، فغر فاه آدهم بذهولٍ، وبات يتساءل عن كناية ذاك الرجل أمامه؟
احتدmت أطراف المعركة وباتت شرسة بقدرٍ مرعـ.ـبٍ، مما دفع عمران لإبعاد شقيقته لخلف الأريكة وأسرع بالتدخل ليكون مجاورًا لأخيه ولآدهم.
نجحوا معًا بالقضاء على رجـ.ـال راكان الذي بدى مذعورًا من قوتهم الغريبة، فنزع عن ملابسه ذاك السلاح وإتجه للأريكة التي تحتمي بها شمس، جذبها من خصلات شعرها المنسدل خلفها بقوة جعلتها تصرخ بهلعٍ: علي!، عمران!
اتجهت ابصارهما إليها فصعقوا حينما وجدوا السلاح مصوب على رأسها، انتهى آدهم من تكبيل الرجـ.ـال ونهض يقابل ما يراه باستعداد تأهل له مسبقًا.
اقترب عمران من راكان مشيرًا بيديه بهدوءٍ: راكان اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة، خلاص إنت جرايمك كلها اتكشفت واللي بتعمله ده هيزود عقوبتك.
سحب خصلات شعرها للخلف ليرغمها على التراجع خلف خطواته، ليشير بسلاحه بعنفٍ: ارجع جنب أخوك بدل ما أخليك ترجع للمـ.ـو.ت تاني برجليك وإنت مصدقت نفدت منه.
واتجه بفوه السلاح للمكان الذي يقف به آدهم شامخًا لا يهتز له جفنًا حتى بعد أن أصبح السلاح مُصوب إليه، كان يعلم بأنه سيفعل ذلك ليضمن عدm كشف الملف للسلطات المصرية.
صدق حدثه حينما حرر راكان الزناد لتستقر الطلقة بكتف الاخير، فانحنى على ساقٍ واحدة وهو يضم كتفه بألــمٍ.
تحررت صرخة شمس بجنونٍ وكـ.ـسرة جعلت صوتها مبحوحًا: آدهم!
ركض إليه علي ينحني قبالته، في محاولة لتفحص جـ.ـر.حه فانتبه لهمس الخافت ونظرات عينيه الماكرة: إبعد عمران.
هز رأسه بعدmا تمعن بخطته الخبيثة بالقضاء على ذاك السليط، وبالرغم من خــــوفه الشـ.ـديد على شقيقته الا أن ما رأه بعينيه من مهارة وقوة جعلته يثق بأن آدهم لن يسمح بأن يطولها أذى، فبدأ بتنفيذ تلك الخطة العاجلة، وجذب عمران مدعيًا خــــوفه الشـ.ـديد عليه ليطوله رصاصه مثلما فعل مع آدهم، فقال: إرجع يا عمران.
وقف أمامه كالحصن المنيع الجاهز لاستقبال أي رصاص يخترقه قبل أن يصل لأخيه، وتراجع على للخلف بعمران للشروع بتنفيذ مخطط آدهم الذي يدعي تألــمه الشـ.ـديد لأصابته، فمازال يضم صدره وينخفض برأسه للأرض بتعبٍ.
تطلع على لراكان وأشار بيده بينما مازال يتراجع بعمران للخلف: اهدى يا راكان واللي إنت عايزه هنعملهولك، احسبها بالعقل، إنت كده هتخسر ومش هتستفاد أي شيء.
ضحك ساخرًا ومرر سلاحه على وجوههم جميعًا: المعركة بينا لسه مخلصتش يا دكتور، اختارتوا تقفوا في الجهة الغلط، وحظه بقى إني مطلوب حي.
انهمرت الدmـ.ـو.ع من عينيها، وكل ما يشغل عقلها ماذا أصابه؟ لم تفارقه نظراتها الباكية وهمسها الوحيد المعاكس للأجواء المتبادلة، تهمس باسمه بعدm استيعاب بما حدث إليه، ولم تبالي بفوه السلاح المصوب برأسها، إن أراد الله أن يفرقهما بمـ.ـو.ته فليفعل ذاك السفيه وليضغط على الزناد لتلحق به لمثواهما الأخير!
رفع آدهم رأسه ببطء ليواجه راكان بنظرةٍ قوية، واستقام بوقفته بهدوء وصوته الرزين يسترعى انتباهه: بس أنا معنديش تعليمـ.ـا.ت إنك ترجع مصر عايش يا راكان!
وأنهى جملته بخروج سلاحه وفي لمح البصر استقرت رصاصته بمنتصف جبين الأخر، سقط السلاح أرضًا من يده مصدرًا صوتًا صاخبًا ومن خلفه سقط جثمان راكان، بينما ترك دmائه تنبثق على فستان شمس الذي تلوث بتلك الدmاء، فصرخت بذعرٍ وهي تتأمل كتفيها وصدرها.
جذبها آدهم بعيدًا قبل أن يترنح راكان بسقوطه من فوقها، والتقفها على الذي يحاول جاهدًا ازالة الدmاء عن فستانها حتى تهدأ من روعها.
جذب عمران المحارم الورقية المبللة التي يحتفظ بها بسيارته وأزال ما تمكن بفعله، فكان يزيح على البقع الماسدة على ظهرها وعمران يزيح عن شعرها وجبينها بينما لا تكف هي عن الصراخ والانتفاض بين أيدهما، فقال علي: اهدي يا شمس، احمدي ربنا إنك كويسة وبخير.
بينما صاح عمران بوقاحة: كـ.ـلـ.ـب ويستاهل اللي جراله، ليها حق تقرف من دmه ال
ضحك آدهم على سبه المضحك ومازالت يده الحاملة للسلاح تتكئ على كتفه المصاب، فاسترعى انتباه على الذي ترك شمس لأخيها واتجه إليه قائلًا بقلقٍ: آدهم إنت لازم تروح المستشفى حالًا، جـ.ـر.حك بينزف.
هز رأسه نافيًا لاقتراحه الخطير: مركزي حساس مقدرش اعمل كده، هدخل في سين وجيم وإنت عارف يا دكتور.
ضيق حاجبيه بذهول: يعني أيه هتسيب نفسك لما تتصفى كده!
إتجه إليهما عمران يقترح بعدmا تلصص لحديثهما: الدكتورة ليلى ممكن تساعده تخصصها جراحة عامة وتقدر تعمل كده بسهولة.
وتابع قائلًا: هنأخد آدهم شقة سيف وأنا هطلب يوسف وأخليه يسبقنا هو وليلى هناك.
استحسن على فكرة أخيه، وأشار له وهو يساند آدهم الذي بدأ بخسارة وعيه تدريجيًا: هات شمس وأنا هسند آدهم للعربية.
استدار تجاه شقيقته وقبل أن يخطو إليها خطوة واحدة وجدها تهرول تجاه آدهم، تمسك يده وتردد ببكاء انساقت إليه بانهيارٍ: آدهم!
فتح عينيه لها وبصعوبة أجبر لسانه الثقيل على النطق: أنا كويس. متقلقيش.
رفع عمران أحد حاجبيه بسخطٍ، فجذب يدها التي تتمسك بيد آدهم وأجبرها على أن تخرج معه قائلًا وهو يقلد صوتها الانوثي: آه آدهم! طب اعملي احترام لأخواتك الرجـ.ـا.لة اللي واقفين، ولا خلاص الحب ولع في الدرة!
استعادت نوبة بكائها وهمست له بغـــضــــب: ده وقتك يا عمران، آدهم بيمـ.ـو.ت.
استدار للخلف ليضمن وجود مسافة بينه وبين على الذي يساند آدهم بخطواته البطيئة واستدار مجددًا يخبرها: بعد اللي شوفناه جوه ده هيمـ.ـو.ت ازاي! ده لف على رجـ.ـا.لة راكي شبه الخنفس وقذف الرعـ.ـب في أوراكهم وأفخادهم، كنت فاكره ظابط محترم طلع سـ ـفا.ح المعادي!
ولف يده حول كتفها ليجبرها على الاقتراب من شفتيه الهامسة: رجعي نفسك يا بت، ده لو اتخانقتي معاه مش هنلحق نيجي نسلكك منه، هيقطعك ومش هنعترلك على قطعة واحدة ندفنك، فكك منه وبصي لقدام.
وعاد يتطلع للخلف ليتفحص جسد آدهم بنظرة دقيقة ثم عاد بنظره لشقيقته ليعود لهمسه: راجعي نفسك يا شمس الموضوع محتاج تفكير صدقيني!
منحته نظرة غاضبة، يراها تكاد تقــ,تــل من فرط بكائها وخــــوفها عليه بينما مازال هو يستكمل حديثه، تلصص عمران لنظرتها وقال وهو يغلق عينيه بشكلٍ أضحكها: أنا أدرى بمصلحتك يا بـ.ـنت الحلال، إنتي اتربيني تربية آرستقراطية على ايد فريدة هانم، يعني الرقة والاحساس والمشاعر وكل شيء هادي، ده ياما عايز واحدة من السيرك تلاعبه بالخناجر وهو منشكح ومش همه الخنجر هيصيبه من إنهي اتجاه.
واستطرد وهو يلعق شفتيه بتـ.ـو.تر: أنا خايف على مستقبلك يا شمس، مش معقول بعد الفلوس اللي كعتها على تعليمك ألقيكي بالأخر بتتعلمي مسكت الخناجر!
زفرت بتعبٍ وتوسلت له: عمران عشان خاطري أنا تعبانه ومش قادرة والله لكلامك، ده لا وقته ولا مكانه بقولك همـ.ـو.ت من الرعـ.ـب على آدهم، إنت أيه معندكش دm؟
ضحك ساخرًا وهو يصفق كف بالأخر: لا حول ولا قوة الا بالله، أقنعها ازاي دي بقى! يا بـ.ـنتي انا وأخوكِ الغلبان ده اللي يتخاف علينا من الخنفس اللي عايزة تتجوزيه ده.
وتابع وقد توقف عن الخطى حتى عاق الطريق لعلي وآدهم، فوقفوا يراقبون ما يحدث وقد صدmهما ما قاله بالاخص آدهم: طب بذمتك لو اتجوزتي واحد زي ده وجيتي في يوم تشتكي منه هنروحله نواجهه بمصايبه من أنهي اتجاه! هو إنتي مستبيعة ومش فارقلك عمري أنا وأخوكي الدكتور المحترم اللي رباكي ورباني.
ربعت يديها بخصرها وتراقصت بانفعالٍ: ليه يا حبيبي حد قالك إني هتجوز بلطجي، آدهم ظابط قد الدنيا كلها، وعمره في يوم ما هيجـ.ـر.حني بالعكس أنا لو هسلطه فهسلطه عليك عشان إنت تستحق بصراحة.
وضع يده بجيب بنطاله وقال وهو يلتقط هاتفه: ولا يقدر يعملي حاجة، لو هو شاطر بالخناجر فأنا شاطر بآسر قلوب الستات، هآسر قلب أمه وأقلبها ضده زي ما بنجح دايمًا.
تنحنح ذاك المنصدm من حديث عمران الذي ظنه عاقلًا بشخصيته الرزينة، وقال: والدتي للأسف متـ.ـو.فية يا عمران بس بابا موجود، ليك بردو في أسر قلوب الرجـ.ـا.لة ولا سكتك حريم بس؟
اتجهت نظراتهما معًا للخلف ليجدوا على تتصاعد نيرانه من عينيه تجاههما، فابتلع عمران ريقه بـ.ـارتباك من نظرات أخيه وصاح ببراءة مصطنعة: واجب عليا كأخ إني أنصحها متأخذنيش بردو يا آدهم اللي عملته جوه من شوية لازم يتخاف منه ولا أيه؟
قهقه ضاحكًا ويده تضم جـ.ـر.حه بألــمٍ، وهمس ساخطًا: لا في دي عندك حق، بس أنا عندي تعليق بسيط.
هز رأسه بمعنى صريح لاستماعه لما سيقول، فردد وهو يتحرك: أولًا أنا إسمي عمر مش آدهم كفايا أختك اللي بحاول أقنعها بإسمي الحقيقي إلى الآن ومش راكبة معاها، ثانيًا اللي حصل جوه ده إن دل على شيء يدل إني هصون أختك وهحميها من نسمة الهوا قبل ما ترمش على خدها، ويدل بردو إنك هيكونلك زوج أختك شرس لو إحتاجتله هتلاقيه وخصوصًا إن باين عليك بتاع مشاكل!
تمعن بالأمر بمنظورٍ عميق، وهمس إليه: شكلي هتثبت ولا أيه!
ردد على من بين اصطكاك أسنانه بغـ.ـيظٍ: على العربية يا عمران بدل ما أخليه يقتص من فخادك إنت كمان!
هز رأسه وإتجه بها للمقعد الخلفي، بينما صعد على لمقعد القيادة بعدmا وضع عمر لجواره، وتبقى الصمت بينهم السائد الا من صوت عمران الذي هاتف يوسف وأخبره بالتوجه لشقة سيف هو وزوجته لأمر ضرورًا.
جمع أيوب بعضًا من أغراضه الشخصية، ووضعها باحدى حقائبه الصغيرة، وجذب كتبه ومتعلقات جامعته، وحينما كان بطريق خروجه من غرفته عاد خطوتين للخلف يفتح أحد أدراجه وأخرج منه بعض الكتب الدينية والقرآن الكريم، ثم تعمد تركهم على سطح الطاولة لتبدو منظورة لها بوضوحٍ، والابتسامة الصغيرة تزين شفتيه.
جذب الحقيبة وغادر تاركًا شقته، فوجدها تجلس بالخارج بانتظاره، وتلك المرة لم تجرأ على مخالفة حديثه، فتبقت بالخارج مثلما أمرها.
أفاقت من شرودها على صوته الرجولي الثابت: لقد انتهيت، يمكنك الدخول والاسترخاء بالداخل.
هزت رأسها ونهضت تتجه بتعبٍ للباب، وقبل أن تدخل قالت برجاءٍ: أيوب فلتكن رجلًا شهمًا ولا تكن تلك إحدى محاولاتك للفرار مني، أرجوك أريد القصاص لأخي.
رفرف بأهدابه الطويلة بعدm استيعاب، ومنع تلك الابتسامة التي تزوره مجددًا، فحك أنفه يخفيها وتنحنح بخشونة: لا تقلقي، لست ذاك الجبان الذي يهرب من مواجهة مصيره، وإن كنت سأفعلها لما سمحت لكِ بالبقاء هنا ولما اتبعتك طوال تلك المدة.
ورفع يد الحقيبة يجرها قائلًا باقتضابٍ: سأغادر الآن وسأعود غدًا ببعض الطعام والأغراض التي ستحتاجينها.
وتركها وغادر ومازالت تراقبه باستغرابٍ ودهشة.
ولجت آديرا لشقته، فتمكنت من تفحصها بعناية، وجدتها شقة صغيرة للغاية بالكد تخفيه، كانت تتكون من غرفة نوم واحدة وحمامًا خاص ومطبخ صغير يطل على ردهة مطولة تحتوي على صالون وبعضًا من أغراضه.
كانت مرهقة بالدرجة التي جعلتها تتجه سريعًا لغرفة النوم لتنال قسطًا من الراحة، وما أن حررت بابها حتى أغلقت عينيها باستمتاعٍ حينما انعشتها تلك الرائحة الطبية التي تسللت لانفها وكأنه كان ينثر بغرفته معطرًا باهظًا، فلأول مرة تلتقط تلك الرائحة التي أرسلت لها شعور الطمأنينة والرائحة بشكلٍ غريبًا جعلها تتسلل خلفها لتستعلم عنها ولكنها وجدتها بالغرفة بأكملها.
تفحصت فراشه بعينيها، وتلك الخزانة الصغيرة، لامست خشب الطاولة بلفتة سريعة فجذب انتباهها بعض الكتب الدينية المكتوبة باللغة الانجليزية، استوقفها احدهم وكادت بقراءته ولكنها اندرجت لمفهومٍ جعلها تقتاد غـــضــــبًا، آن كاد أيوب عربيًا لما يحتفظ بكتبٍ انجليزية من المؤكد بأنه قد تركها لها عن عمد وربما كانت لأخيها من قبل، هل ذاك ما قام به استدراج أخيها؟
دفعتهم للخلف بضيقٍ وكادت أن تتوجه للفراش ولكنها توقفت حينما لمحت صورة محاطة للكومود بإطار زجاجي تضم أيوب وأخيها.
انحنت وحملت الصورة تتأملها بأعين باكية وأناملها تلامس وجه أخيها ببطءٍ وشوقٍ يمزقها، وأكثر ما ألــمها بأنها كانت تراه مبتسمًا بشكل لم تراه بمثل تلك السعادة من قبل، مما دفعها للتفكير بحديث أيوب وخاصة بأفعاله وأقواله وبات ما فعله معها إلى الآن يختبئ خلف سؤالًا واحدًا ردده عقلها بقوة.
هل ما يغعله من كرمًا ولطفًا يندرج لخانة الإرهاب؟!
تسلل أحمد من جوارها وهو يتفحص الوقت، فارتدى بذلته وخرج يتسلل حتى لا يوقظها، لا يعلم بأنها مستيقظة وتدعي النوم حتى تهرب من و.جـ.ـعها القـ.ـا.تل، لم تعد تريد الانهيار أمام أحدٌ حتى هو شخصيًا.
فور أن اغلق الباب حتى استقامت بجلستها تفرغ ما كبت بداخلها، تضم جسدها الهزيل وتدعي العنان لدmـ.ـو.عها.
وقف أحمد يطرق باب غرفة عمران، فارتدت مايسان اسدال صلاتها وخرجت إليه مرددة بدهشة: أنكل أحمد!
تنحنح بحرجٍ وهو يزدرد صوته: معلشي يا مايا لو قلقتك بالوقت ده.
أسرعت برفع الحرج عنه قائلة: أنا صاحية منمتش. خير يا أنكل في حاجة ولا أيه؟
قال وقد تجلى الحـ.ـز.ن على معالمه قبل نبرته الرخيمة: فريدة حاسس إنها مش تمام، وعندي اجتماع مهم ولازم أخرج وللاسف هتأخر، عايزك تخلي بالك منها لحد ما اخرج.
برقت بقلقٍ وتساءلت: مالها فريدة هانم!
لا يريد أن يخبر أحدٌ بما يحـ.ـز.نها، لذا قال: معرفش يمكن تحضيرات الحفلة سببتلها شوية ارهاق، المهم خلي بالك منها.
هزت رأسها في طاعة وأغلقت باب غرفتهما واتجهت سريعًا لغرفة أحمد.
ولج للداخل يحمل أكياس الحلوى، وضعها على أقرب مقعدًا قابله وناداه بتلهفٍ: أيوب!
اتجه سيف للداخل وتفحص الأريكة بنظرة حزينة، فهمس وهو يلهو بالمفاتيح: طلع حجر صوان، مفيش فايدة فيه!
وفجأة اتاه صوت جرس الباب، فإتجه ليرى من الطارق، اتسعت ابتسامته وعينيه تنخفض للحقيبة التي يحملها، وصاح بفرحة: هتطلع ابن اصول وهتقعد معايا؟
ولج أيوب للداخل وترك حقيبته وهو يستدير في مقابلته قائلًا باصرارٍ: لأ يا سيف، قولتلك اني مستحيل هقبل ليك بالأذى، أنا بس هقعد عندك كام يوم لحد ما ألقى سكن مناسب ليا أو يمكن ربنا يكرم وألقى شقة صغيرة بسعر مناسب زي اللي كنت قاعد فيها.
اتبعه سيف حتى جلس قبالته على المقعد، وتساءل بعدm فهم: وسبت شقتك ليه؟
تنحنح وهو يجاهد لخروج صوته ثابتًا: مسبتهاش، فيها حد يخصني.
عبث سيف بعينيه بنظرة جعلت الأخير يشعر وكأنه عاري أمامه: مين الحد ده يا أيوب؟
تهرب من حصار نظراته مدعيًا انشغاله بالهاتف الذي جذبه فجأة، مما دفع سيف لالتقاطه ودفعه على الطاولة بعنفٍ: إنت أكيد اتجننت يا أيوب، متقوليش إنك مقعد البـ.ـنت اللي عايزة تقــ,تــلك جوه بيتك!
التقط نفسًا مطولًا وأجابه: مكنش ينفع أسيبها تقعد في الشارع يعني يا سيف، دي مهما كان وصية محمد.
انفجر متعصبًا: ما تغور ما داهية يا أخي، دي يهودية وقـ.ـا.تلة يا أيوب إنت عايز تلبس نفسك مصيبة! وبعدين أنا ليه حاسك كده مسلم ومرحب بأنها تمـ.ـو.تك ما تمـ.ـو.ت نفسك وتخلص والعقوبة واحدة مش فارقة!
منحه نظرة قوية عميقة، اتبعها قوله: مين قالك إنها هتعمل كده!
رمش وملامحه تتشح بالسخرية: أمال بتجري وراك عشان سواد عيونك!
رد عليه ببسمة هادئة: الايد اللي ترتعش قدامك وهي في عز حرقتها واصرارها للانتقام مش هتعملها ونارها الوقت كل مادى بيسكنها وبيطفيها يا سيف.
أدلى بشفتيه بحيرةٍ: مش فاهمك أنت عايز توصل لأيه؟
أجابه بوضوحٍ والخبث يتراقص بين عينيه: سيف أديرا جواها شيء كويس أو بيحاول يكون كويس، هي حاليًا شايفاني الارهابي اللي قــ,تــل أخوها وأرغمه إنه يدخل الاسلام، وفي نفس الوقت بتشوف حقايق معاكسة لكل ده، طريقتي معاها من البداية لحد هنا بتنافي كل القذارة اللي زرعها عمها في دmاغها عن المسلمين وعني أنا بالأخص، لو أنا قولتلها مباشرة بالكلام إني مش ارهابي مش هتسمعني لكن لما تشوف تصرفاتي معاها لحد اللحظة دي هتواجه عكس اللي اتقالها ومش بعيد كمان تتبع نفس طريق أخوها وتتوب على إيدي بإذن الله.
بدأ الأمر منطقيًا له الآن، فكما اعتاد عنه الرزانة والعقل وبما اكتشفه الآن فمازال يملك هذا العقل والتفكير، انتهى من صمته الطويل ولعق شفتيه مرددًا: بس ده هيكون خطر عليك يا أيوب، عمها مش هيسيبك في حالك واللي عمله في ابن أخوه اللي من دmه يخليك واثق أنك هتشوف مصير أسوء منه، بلاها كل ده يا صاحبي أبوك ممكن يروح فيها لو جرالك حاجة، إنت جتله بعد صبر وحرمان 20سنة بلاش تعمل فيه وفي الحاجة رقية كده راجع نفسك.
ابتسم وهو يمنحه نظرة دافئة: الاعمار بيد الله وحده يا سيف وسبق وقولتلك قبل كده، اللي معاه ربنا قلبه مـ.ـا.ت!
تلاحقت البسمـ.ـا.ت على وجه سيف، وقال وهو يتمعن التطلع به: اسلوبك وكلامك دايمًا بيفكرني بعمران صاحب يوسف، أقسم بالله تؤامه يا أيوب.
تنهد بمللٍ: مفيش مرة أقابلك فيها الا وجبتلي فيها سيرة اللي اسمه عمران ده، يا أخي بقى عندي فضول أقابله بسبب رغيك عنه!
أتاه الرد مقبلًا ببشارة من يوسف الذي فتح باب المنزل وولج للداخل برفقة زوجته، فترك حقيبتها الطبية الصغيرة أرضًا وأسرع للصالون يردد بحفاوةٍ: أيوب مش معقول!
وضمه بحبٍ والاخير يبادله بضمة حنونة، فسأله يوسف بضيق: بقى كده متسألش علينا ولا خلاص بقى البشمهندس تقل علينا.
ابتسم وهو يجيبه: متقولش كده يا دكتور أنا بس الفترة اللي فاتت كنت مشغول شوية في حوار كده.
هتف سيف بنزقٍ: حوار اليهودي اللي هيتسبب في قــ,تــله قريب بإذن واحد أحد.
زجره أيوب بغـــضــــبٍ، وكاد بالحديث ولكن فور رؤيته لزوجة يوسف تقترب منهم حتى غـــضــــب بصره للأسفل عنها، تفحصت ليلى الردهة وتساءلت بنعاسٍ: هو فين عمران وصاحبه المصاب ده يا يوسف!
أسبل سيف بصدmة: مين اللي مصاب!
رفع كتفيه بقلة حيلة: ولا أعرف أنا اتفاجئت بمكالمة منه بيقولي أجي هنا أنا وليلى عشان صديقه مصاب!
رد بحيرة من ذاك الأمر: طيب مودهوش مستشفى على طول ليه، على الأقل هناك رعاية كاملة عن البيت لو اصابته خطيرة!
جلس على الاريكة بانهاكٍ: ادينا قاعدين وهنشوف، بس تأكد إن عمران مورهوش غير المصايب.
وأشار بيده على زوجته: خد دكتورة ليلى تريح جوه لحد ما البيه يشرف ونشوف حكايته أيه؟ وبالمرة أشوف حكاية ايوب أيه، ها يا بشمهندس؟
أومأ سيف برأسه واتجه لزوجه أخيه يحمل عنها حقيبتها ويتبعها لأحد الغرف، فوضع الحقيبة بالداخل وأغلق الباب عليها.
بينما بالخارج.
قص أيوب بإيجازٍ ليوسف عما فعله، فتلألأت حدقتيه بفخرٍ واعتزاز بذاك الفتى، فانتهى من حديثه قائلًا: سيف مصمم أني غلطت يا دكتور يوسف وأنا مش شايف إني أذنب في شيء وحتى لو عمه مسبنيش أنا جاهز لأي غدر بس بعيد عن سيف.
وبحرجٍ قال: علشان كده أنا مش هطول هنا، يومين بس ألقى مكان بديل وآ.
قاطعه يوسف بغـــضــــب بعدmا توارى له مغزى حديثه: متكملش يا أيوب، أنا من البداية كنت مصر إنك تفضل هنا مع سيف، وبعدين الكلام ده مهزش فيا شعرة ولو شايف بصحيح إن دكتور يوسف مش أهل كرم وابن اصول يعتمد عليه هتمشي، لو شايف العكس هتقعد مع سيف لاني مأمنش لأخويا مع حد غيرك يا أيوب، اعتبرني أخوك الكبير يا عم تفتكر أخوك هيقبل انك تسكن بره وهو عنده شقة!
كاد أيوب بأن يوضح له وجهة نظره والمخاطر الصارمة التي تنتظر مصيره البائس، ولكن قاطعه صوت رنين هاتفه، رفعه ليجد عمران يصيح به: انزل سند معايا أنا تحت.
فرك جبينه بـ.ـارهاقٍ، وأشار لايوب: هنزل أشوف أخرة صبري ده وراجعالك تاني يا أيوب.
أشار له بتفهمٍ وجلس بانتظاره.
وأخيرًا تمكن من اقناع على باصطحاب شمس للمنزل لتأخر الوقت، وساند عمران آدهم للمصعد، فارتكن عليه هامسًا بتعبٍ: احنا رايحين فين يا عمران؟
حاوطه بذراعيه بقوةٍ، وأجابه بخــــوفٍ وهو يتفحص ملامحه التي بدأ العرق يتسلل لجبينه: متقلقش دي شقتي انا وأصدقائي، أمان متقلقش.
ابتسم ساخرًا وهو يميل على كتف عمران: إنت ليه محسسني إنك بتتستر على مجرم.
أحاطه عمران حينما تمايل للأمام، وأجابه بجدية تامة لاحظها بشخصيته الغامضة: إنت باللي عملته ده بطل يا آدهم، كفايا انك جبت رقبة الكـ.ـلـ.ـب ده، ده الجزاء المناسب ليه بعد خيانته لبلده ولناسه.
اتسعت بسمته وردد بخفوت مازح: اعتبر رأسه مهر أختك!
ضحك بصوته الرجولي وتحرك به بعدmا توقف المصعد، وتفاجئ بعدm وجود يوسف، فدق الجرس فوجد قبالته شابًا غريبًا يراه لأول مرة.
أحكم عمران لف ذراعه حول آدهم المستسلم للاغماء بين اللحظة والاخرى، فردد بدهشة: أعتذر منك، لقد أخطأت الشقة بالتأكيد.
استكشف أيوب من ملامحه وبذاك المصاب بين ذراعيه بأنه هو، فأشار له متسائلًا: إنت عمران صح؟
تعجب من ذاك الشاب العربي، وأجابه باستغرابٍ: أيوه انا. إنت مين؟
مال آدهم بين يديه فعاونه أيوب حينما انحنى تجاهه وسانده للداخل، مناديًا: سيف!
خرج سيف مهرولًا ومن خلفه ليلى، عاونوه الشباب معًا بالاسترخاء بغرفة جمال، وأسرعت ليلى بقص التيشرت الاسود الذي يرتديه آدهم أسفل جاكيته الاسود، لتتفحص اصابته فرددت بصدmة لمن يقف جوارها: عمران ده مضروب بالنار ولازم يتتقل المستشفى فورًا.
أجابها عمران وهو يتفحص آدهم الذي غلبه فقدان الوعي أخيرًا، وقال: اتصرفي يا دكتورة ليلى، آدهم ظابط من المخابرات المصرية ولو حد شم خبر إنت عارفة اللي هيحصل.
تفاجئ سيف وأيوب بما استمعوا إليه، بينما لم يعني الأمر ليلى كثيرًا، كانت تركز بما ستفعله لانقاذ مريـ.ـضها مهما كلف الأمر، فحاولت جذب الاغراض المتاحة باستخدامها وتـ.ـو.فيرهة بالمنزل حتى تتخطى به مرحلة الخطر.
صعد يوسف بعدmا تفحص انحاء العمارة والمصعد، فولج بمفتاحه الخاص وهرع للغرفة المجتمع بها الجميع، فاقترب يتفحص ما تفعله ليلى وقد شملت نظراته ما يحدث، فجذب عمران للخارج بغـــضــــب، وسدده للحائط وهو يردد بعدm تصديق: إنت جايبلنا مجرم مضروب بالنار لحد هنا يا عمران عايز تودينا وتودي نفسك في داهيه.
دفعه بعيدًا عنه وهو يصيح به: اهدى بروح أمك العملية مش ناقصه، أنا لسه خارج من عركة مخليني شايفك مصاص دmاء قدامي، ريح يا دكتور في جنب ومتستفزنيش بدل ما أخرج الحركتين اللي ملحقتش أستعرض بيهم نفسي هناك وتطوح جنبه جوه.
دفعه للحائط مجددًا بعدmا كاد بأن يتخطاه عائدًا للداخل: لسانك الوقح ده هقصهولك قريب إن شاء الله، بس الأول فهمني عركة أيه وحد أذاك؟
قالها وهو يتفحص جسده بعدmا رأى بقع الدmاء قابعة بقميصه، فقال بعدmت التقط نفسًا: أنا كويس ومتقلقش اللي جوه ده مش مجرم زي ما أنت فاكر، ده ظابط ويعتبر خطيب شمس أختي.
زوى حاجبيه بدهشة: وراكان المنذر أيه وضعه!
ضحك وهو يخبره: الله يرحمه بقى لا يجوز عليه سوى الرحمة.
ردد حائرًا: أنا مش فاهم أي حاجة منك!
قال وهو يبعده عنه بتعبٍ: بعدين يا يوسف أطمن عليه بس وهنقعد نحكي للصبح.
وقبل أن يدلف لباب الغرفة استدار يسأله: صحيح مين اللي فتحلي الباب من شوية ده؟
ابتسم وهو ينقل له الخبر الذي مل من سماعه: أيوب اللي فلقنا رأسك بيه أنا وسيف.
بادله الابتسامة وهتف: بجد، صاحب سيف صح.
هز رأسه مؤكدًا له، وولجوا معًا للداخل، فوجدوا ليلى قد سحبت الرصاصة من جسده بالفعل، بينما يقوم سيف بمساعدتها بتعقيمه، حتى أيوب تعاون معهما بمناولتها ما تحتاج إليه من الحقيبة على وجه السرعة حتى أتمت مهمتها ووضعت المحلول بيده ثم خرجت لعمران ويوسف بالخارج قائلة بـ.ـارهاقٍ: الحمد لله كله الحالة شبه مستقرة، بس لازم يكوت تحت الملاحظة عشان لو لقدر الله حصل أي مضاعفات، فلازم أكون جنبه هنا لحد بكره الصبح.
هز يوسف رأسه بتفهمٍ وقال: خلاص مفيش مشكلة نخلينا هنا لبكره لحد ما نتطمن على وضعه.
وأشار لها بنظرة فهمت معناها: ادخلي انتي اوصتي ريحي يا ليلى وأنا شوية وجايلك.
انسحبت تاركة الصالون للشباب، فجلسوا جميعًا بالخارج، وكان عمران أول من تحدث: الحمد لله إنه كويس أنا كنت خايف يجراله حاجة معرفش أقف قدام أختي وأقولها أيه.
ابتسم أيوب وردد: ربنا يشفيه ويعافيه، بسيطة إن شاء الله.
منحه الاخير ابتسامة واسعة وصاح: أنا سعيد إني اتعرفت عليك يا أيوب، سيف ويوسف دايمًا في سيرتك. ومن اللي سمعته شكلنا كده هنكون أصدقاء قريب
تطلع له سيف بريبة فأشار ليوسف الذي أسرع بلكز عمران هامسًا من بين اصطكاك أسنانه: بالمناسبة أيوب ابن الشيخ مهران، أبوه شيخ أزهري وهو شاب متدين ارجع عن أي هزار سفيه أبوس ايدك.
تألــم لضغط يده ولكزه بقوة أكبر وهو يصـ.ـر.خ به بحنقٍ: في أيه يا عم؟ حد قالك إني ملحد!
تهاوت الضحكات على وجه أيوب وخاصة حينما نهض عمران يحمل حقيبته ملابسه وأشار له بغمزة مشاكسة: تعالى يا أيوب هقعدك في أوضتي أنا، وبالمرة أتعرف عليك حلو بدل بكيزة وزغلول اللي قعدلنا على الواحدة دول!
تعالت ضحكاته ونهض ليلحق به فأوقفه سيف حبنما تعلق بذراعه وهتف بتواسل مازح: بلاش عمران يا أيوب، أخلاقك هتنحدر، صدقني هتتغير وهتبقى انسان شيطاني، مغــــرور، زير نساء، وقح، معاك قرص في الردح والتربية السلبية، هتكتسب بلاوي وأنا بغير عليك يا صاحبي.
دفعه أيوب وهو يمازحه بذكورية متسلطة: لازم تغير لاني التركيبة اللي نطقتها دي تغري وأنا قبلت الاغراء!
ضحك يوسف وسيف وشاركهما أيوب، بينما خرج عمران من الغرفة حينما لم يجد من يتتبعه قائلًا بضجرٍ: أيه يا شيخ أيوب خــــوفت مني ولا أيه؟ لا عندك ده أنا في المعلومـ.ـا.ت الدينية معنديش ياما ارحميني، شوف إنت عايز تجاريني في أيه وأنا سداد.
توسعت ابتسامته بعدm تصديق لوجود شخصيات تلقائية مثل ذاك الغريب الذي يتعامل معه وكأن هناك عقدًا من الزمان يجمعهما، وما زاده غرابة بأنه قام بنفسه بترتيب ملابس أيوب داخل خزنته، وحينما وجد القرآن بين أغراضه حمله بحرصٍ وهو يقبله بسعادة.
منح أيوب بالبصيرة تجاه خلق الله، لا يعلم ولكنه يشعر بالقلوب البيضاء ويميزها عن غيرها، ومنذ أن رأى عمران وهو يشعر بنقاء روحه التي تألقت برداء أبيض ذاهي.
جلس عمران جواره وأخذ يسأله عن جامعته وبعض الاسئلة الافتتاحية لاي علاقة تجمع صديقين حديثًا.
إتجه على ليبدل ثيابه وينعم بحمامٍ دافئ بعد هذا اليوم المرهق، وخاصة بعد أن وصل شمس لغرفتها، وولج هو لحمام غرفته واستغرق أمر تبديل ملابسه لاخرى حتى يستعد ليتجه لشقة يوسف لرؤية آدهم، صفف شعره بعناية وهو يراقب ساعة الحائط فوجدها تشارف على الحادية عشر.
جذب على مفاتيحه وكاد بالخروج فتسلل له صوت صراخ زينب وهي تصيح بخــــوفٍ: فطيمه.
اختلج قلبه بين أضلعه، فود لو حطم الباب الفاصل بينهما ولكنها الآن لم تعد بمفردها، فطرق بخفة على الباب مناديًا: زينب أنا هدخل؟
جذبت الاسدال القريب منها وارتدته وقد سمحت له بذلك، فاسرع للفراش يتفحص وجهها المتصبب بالعرق، ملامحها كانت مشـ.ـدودة بشكلٍ مخيف.
تراجعت زينب للخلف وهي تراقبها ببكاء، وقالت بو.جـ.ـع: هي مالها يا علي؟
قال ومازال يتفحص حدة نوبتها: متقلقيش يا زينب هي بس بتشوف كابوس.
أراد أن يضمها ولكن وجود زينب يعجز حركته، فقال بلباقة: لو ممكن تنزلي تجبيلها أي عصير من تحت يا زينب.
هرعت للباب وهي تردد في طاعه: حاضر.
وما أن غادرت للأسفل حتى رفعها على إليه وضمها بقوةٍ، هامسًا جوار أذنيها: كل ده كابوس أنا جنبك يا حبيبتي، ومستحيل هسمح لحد إنه يأذيكِ، فوقي يا فطيمة.
بالعادة تستغرق نوبتها ما يقرب العشرة دقائق لتستفيق منها، أما الآن وجوده لجوارها تمسكه بها، رائحته التي باتت تعتاد عليها جعلتها تفتح عيونها وتستفيق من نوبتها، فهتفت ببسمة هادئة: كنت فين كل ده يا علي؟
أبعدها عنه وهو يتمعن بعينيها، فرفع يده يلامس خصلاتها بحنانٍ، مزيحًا عرق وجهها: واضح إن القمر كان مستنيني وأنا زي المغفل مطلتش عليه.
وراقب باب الغرفة ثم انحنى لها سريعًا يهمس: لازم نتصرف في أوضة لزينب أنا كنت همـ.ـو.ت من القلق عليكي بره ومش قادر أدخلك، وبعدين الدخول والخروج اللي بحساب ده مش نافعني.
استندت على ساقيه حتى اعتدلت بجلستها، وابتسامتها عادت لتنير وجهها الشاحب، جاهدت فاطمة ليخرج كلمـ.ـا.تها له، فقالت على استحياءٍ وهي تود بث طمأنينتها إليه: بكره هجي أنام في أوضتك لما زينب تنام.
واستطردت بألــمٍ تلألأ بعينيها الغائرة بالدmـ.ـو.ع: لاني مش حابه أنها تشوفني كده، مش عايزة أقلقها عليا يا علي.
أزاح دmـ.ـو.عها بأبهاميه ويديه تحيط خصلاتها بحنانٍ، فرفعت بنيتها إليه وسألته ببكاء: هو أنا هفضل كده كتير، الكوابيس دي هتفضل تلاحقني كده طول عمري! أنا تعبت يا على والله تعبت.
جذبها لاحضانه فتشبثت به وهي تبكي بانهيارٍ، مال برأسه يطبع قبلة عميقة على جبينها وقال بحـ.ـز.نٍ يمس أوتار فؤاده: هنعدي كل ده يا فطيمة، أنا جانبك وهفضل جانبك على طول يا حبيبتي.
ورفع عينيها لتواجه رماديته قائلًا: هنحارب مع بعض لحد ما نهزم كل كوابيسك وماضيكِ، هفضل جنبك ومعاكي. مش هتخلى عنك يا أغلى من روحي.
منحته ابتسامة جذابة أهلكت جوارحه، فتعمق بالتطلع لكل أنشن بوجهها، حمرته الطاغية على خديها أثارته بشكلٍ جعله ينحني ليترك قبلة خاطفة على خدها، ارتجفت وتـ.ـو.ترت مما فعله، اعتادت على قبلة أعلى رأسها منه والآن يختبر الأخرى.
أخفضت عينيها عنه بخجلٍ وارتباكٍ جعل صوت أنفاسها تتلاحم بقوةٍ، فرحمها صوت الباب ودلوف زينب تقترب من على قائلة: العصير يا علي.
التقطته منها قائلًا بامتنان: تسلم إيدك يا زينب.
وقرب الكوب من فاطمة، فكادت بالتقاطه منه ولكنه أصر على أن ترتشفه من يده، فرفعت بصرها لشقيقتها وكأنه توجه له رسالة تحذيرية من وجودها، تجاهل اشارتها عن عمدٍ ودفع الكوب إليها فتناولته على مضضٍ، وفور انتهاءها منه ساعدها على بالاسترخاء ومدد الغطاء عليها، فاستجابت للدواء الذي وضعه على بالعصير دون أن تلاحظ هي، فغفت بعمق وبسرعة جعلت زينب تتساءل بخــــوف: هي كويسة يا علي؟
أشار لها وعينيه تتفادى التطلع لها، فأخفض عينيه وهو يجيبها: متقلقيش يا زينب كل ده طبيعي على حالة فطيمة، متشغليش بالك ونامي علشان بكره أول يوم ليكي بالجامعة ولازم تكوني فايقة.
وتابع وهو يتجه للخروج: أول ما تصحي اجهزي علشان هعدي عليكي أوصلك.
اتبعته مرددة بحرجٍ من حملها الذي بات ثقيل عليه في أول أيام قدومها الى هنا: مفيش داعي يا علي، أنا هروح بالتاكسي وهو أكيد هيعرف عنوان الجامعة.
استدار إليها ومازالت عينيه أرضًا تتغاضى عن رؤيتها: بلاش الكلام الفارغ ده يا زينب، قولتلك إنتي بقيتي مسؤولة مني مسؤولية كاملة من لما بقيتي في لندن، ولو يا ستي مش قادرة تعتبريني زي أخواتك فأنا بعتبرك زي شمس.
ترقرقت الدmـ.ـو.ع من عينيها وصاحت بضيقٍ تمكن من لمسه: بلاش زي أخواتي لإنك أفضل منهم بمراحل يا علي، متظلمش نفسك بالمقارنة بينهم.
رفع رماديته لها فوجدها تبكي وقد بدى له بأنه لمس ألــمًا عميقًا داخلها، فقال باستغراب: ليه بتقولي كده يا زينب؟
ابتسمت ساخرة: عندي أخين وجودهم في حياتي زي الهامش، أخ منهم سافر من أربع سنين يشتغل بره علشان يكون نفسه ومن يومها فصل نفسه عننا، حتى لما بابا الله يرحمه كان بيمـ.ـو.ت اتصلت عليه واترجيته ينزل علشان يشوفه بس للمرة الاخيرة رفض إنه ينزل علشان خايف يكـ.ـسر الفيزا، وحتى بعد مـ.ـو.ته مهتمش حتى يرفع عليا سماعة التليفون ولا يسألني محتاجة حاجة ولا لأ!
واستطردت بأنفاسٍ متحشرجة: والتاني إتجوز وبقت حياته كلها متوقفة على بيته ومـ.ـر.اته وأولاده وأنا ولا كأني أخته ولا أهمه في شيء ولما بابا اتوفى جالي أخويا علشان الورث، وحقيقي كان شهم أوي كان عايز يديني مبلغ وأمضيله على حقي في البيت، وأخر همه بقى أنا هروح فين بعد ما أوقعله على الورق مع إنه عنده بيته بس زي ما تقول بيستكتر عليا اني أعيش بطولي جوه البيت اللي له فيه ورث! ولما رفضت مد إيده عليا وأجبرني أوقعله على العقود.
انهمرت دmـ.ـو.عها بانهيارٍ حينما تذكرت ما فعله بها أخيها، والتقطت نفسًا مطولًا تخبر به على الذي أدmعت عينيه وانتفضت حواسه بعدm تصديق لما قد يفعله أخًا هكذا بشقيقته: طردني من البيت وملقتش حد ألجئ ليه غير مراد زيدان، كان معايا رقمه كلمته واستغربت لما لقيته قدامي تاني يوم، معرفش ازاي قدر يرجعلي البيت وكان هيحبسه بس أنا رفضت ده، فضل جنبي لحد ما دخلت سنة اولى طب ولما وصلت لسنة تانية لقيته سحب أوراقي وقالي إنه قدmلي في جامعة في لندن وإن بمجرد وصولي هنا هلاقي مفاجأة بانتظاري.
وابتسمت تبدد ظلمة ما تعرضت له لفرحة تلألأت داخل عتمة أحزانها: وصدق فعلًا لما جيت وشوفت فطيمة واقفة على رجليها من تاني.
رفع على يده يزيح تلك الدmعة عن أهدابه سريعًا، ثم قال بنبرة مبحوحة: خلاص إعتبريني أنا أخوكي الوحيد اللي هيعوضك عن اللي عملوه فيكِ، كده مرضية؟
منحته ابتسامة مشرقة وراحت تهز رأسها، فابتسم وهو يودعها: همشي أنا، تصبحي على خير يا دكتورة زينب.
راق لها لقبها الذي عانت لسنواتٍ من الدراسة لحمله، فسحبت الباب خلفه وهي تردد: وإنت من أهله يا دكتور.
خرج سيف لأخيه متجهمًا بعدmا ترك أكواب العصير بالداخل، راقبه يوسف بابتسامة ساخرة ومازال يتمدد على الأريكة بالردهة: أيه مالك يا سي?و مش طايق نفسك ليه؟
جلس على المقعد المقابل له وهو يتأفف بوابل من الغـــضــــب الذي انهار بصراخه الحاد: صاحبك ده مش راحم حد، ده من ساعة ما دخل مع أيوب الأوضة وهما نازلين رغي وضحك، هو في أيه بالظبط!
إشرأب يوسف برأسه لأخيه متفحصًا معالمه بنظرة دقيقة، وكأنه يحاول الجزم ما بين كونه جادي أم يمازحه، فاعتدل بجلسته وهو يصيح بشكٍ: إنت غيران من علاقة الصداقة المستجدة بين عمران الوقح وأيوب!
زم شفتيه بسخطٍ: أديك قولتها عمران الوقح وأيوب ابن الشيخ مهرااان، ثم إني من حقي أغير على صاحبي الوحيد الله!
انفجر بنوبة من الضحك وحاول جاهدًا أن يسيطر على ذاته، فهتف بتبرمٍ: يا ابني اخرج من قوقعة الابتدائية دي، وبعدين إنت ليه محسسني إن عمران يهودي، عمران اتغير يا سيف ومبقاش بيسيب ولا ركعة.
وتابع بتعجبٍ: وبعدين إنت مش كان نفسك إنهم يتعرفوا لانهم شبه بعض!
لوى شفتيه بتهكمٍ: بقالهم أربع ساعات بيتعرفوا أيه هيفضلوا يتعرفوا للسنة الجاية!
عبث بعينيه بعدm تصديق لما يحدث مع شقيقه، كان يعلم بأنه يعز أيوب للغاية ولكنه لم يكن يتوقع أن يصل بحب صديقه للغيرة التي تجعله لا يريد أن يصادق غيره، فنهض عن الأريكة واتجه لغرفة آدهم مبتسمًا وهمس بسخرية: هتفضل طول عمرك طفل يا سيف، أمته تكبر وأخطبلك بقى!
حرر مقبض الباب وولج يتفحص حالة آدهم بعنايةٍ تامة بينما تحصل زوجته على قسطٍ من الراحة.
بغرفة عمران.
تعالت ضحكات أيوب بعدm استيعاب لما يستمع منه من ذاك الغريب الذي مر لقلبه بسرعة البرق، فأكد عليه عمران وهو يرتشف عصير البرتقال المقدm له: يا ابني ده الذكاء إنك تجاري الحياة والكون زي ما تحب، تبقى وقح مع الوقح، ومحترم مع اللي يستحق احترامك، ومفيش مانع توري اللي قدامك جزء من تدينك لو كان متدين وأبوه شيخ أزهري زيك كده.
عادت إليه نوبة الضحك، فقدm له عمران الكوب الأخر قائلًا: اشرب اشرب.
وتجرع من كوبه ثم اعتدل بجلسته على حافة الفراش متسائلًا بمرحٍ: قولتلي بقى البـ.ـنت اليهودية اللي احتلت بيتك برضاك دي إسمها أيه؟
أجابه أيوب وابتسامته البشوشة تنفرد على شفتيه: اسمها آديرا. بس إنت ليه محسسني إني سبتها تحتل بلدي!
وضع الكوب على الكومود وعاد يستقيم بجلسته قبالته، هاتفًا بحدة: عشان هي بتبدأ بالبيت يا أيوب، وبعدين إنت ليه عايز تساعدها إنها تتوب إفرض فشلت إنك تعملها هيكون ده كله عليك بأيه؟ إنت بتعرض حياتك للخطر وعلى حسب ما حكيتلي من شوية إنك وحيد والدك ووالدتك واتولدت بعد عشرين سنه من صبر أيوب اللي اتحلى بيه الشيخ مهران طيب ليه تعمل في نفسك كده، ليه عايز تقهرهم عليك!
تنهد بقلة حيلة، وفاض له: عمران ربنا سبحانه وتعالى اختصني بده لما وقع محمد بطريقي وكانت توبته على ايدي، ويمكن يكون كل ده حصل علشان يكون للبـ.ـنت دي طريق تاني غير طريقها، أنا حاسس إنها هتأسلم. ولو افترضنا إنها هتكون نهايتي حد يطول يمـ.ـو.ت وهو حامل الشرف ده، وأكيد الشيخ مهران لما يعرف باللي عملته هيرفع رأسه فوق وهيستنى اللحظة اللي هنتجمع فيها بالجنة وابنه بيتزف فيها شهيد.
منحه ابتسامة هادئة، واخفض قدmيه عن الفراش ليكون قبالته: إنت راجـ.ـل يا أيوب، أنا كان ليا الشرف إني أتعرف عليك النهاردة، صحيح الظروف اللي جمعتنا النهاردة بالقتيل اللي جوه ده مكنتش ألطف حاجة بس المهم إننا اتقابلنا.
منحه ابتسامة هادئة، وقال بفضول: طيب قولي بقى عنك أي حاجة إنت من ساعة ما دخلنا هنا وإنت نازل فيا استجواب حتى جامعتي وعنواني في مصر مسبتش حاجة الا لما عرفتها.
ضحك الاخير، وقال مازحًا: هتعرف عني أيه بلا هم أنا شخصية تعر أقسم بالله.
شاركه أيوب الضحك حتى أدmعت عينيه، ومع ذلك قال باصرار: ولو بردو أنا مصمم.
ابتسم له عمران وقال بجدية تامة: إسمع يا سيدي، أنا شاب ومش هينفع أقولك بسيط عشان هظلم البساطة أنا عجينة بتتشكل حسب الشخصية اللي بتتعامل معاها زي ما سبق وقولتلك، بس الفرق إن اللي قدامك ده خاض حرب مع نفسه علشان يبعد عن طريق مكنش يحب إنه يمشي فيه.
أسبل بعينيه بعدm فهم، فأوضح له عمران ببحة ألــم اعتلت صوته: أنا اتولدت في عيلة من الطبقة الآرستقراطية هنا في لندن يا أيوب، من لما وعيت على الدنيا وأنا مشوفتش غير الطبقة دي بكل قرفها، وغـ.ـصـ.ـب عني اتطبعت على طباعهم حتى لو كان جوايا عرق من التربية الشرقية اللي والدتي فريدة هانم حاولت تحافظ عليه، بس هي كانت غريبة أوي، عايزنا نجمع ما بين الغرب في تحضرهم وكل الصفات اللي ممكن تكون حلوة لكن الوحشة لا، كانت عايزة تعوض بالصفات الشرقية اللس هتخلينا رجـ.ـا.لة في نظرها، وما بين دول ودول صاحبك تاه ومبقاش عارف هو مين!
وتابع ببسمة حملت و.جـ.ـع التجربة المريرة التي خاضها: كنت بحاول أبقى كويس بس غـ.ـصـ.ـب عني اندرجت للكفة التانية، سكرت وزنيت وارتكبت معاصي كتيرة بس الحمد لله فوقت لنفسي بالوقت المناسب وبعدت عن كل ده، قربت من ربنا ولقيت في قربه الدوا لكل جروحي، استرجعت كل نصايح على أخويا من تاني ومشيت عليها وحسيت وقتها إن حياتي بقيت أفضل.
واسترسل إليه دون حرجًا مما لقاه: ربنا كان رزقني بنعم كتيرة مشوفتهاش غير لما فوقت، يمكن اللي حصلي ساعدني في ده. يعني الحادث اللي كان هيحصلي على الطريق والسم اللي شربته من البـ.ـنت اللي غلطت معاها وكنت فاكر إنها بتحبني فوقني وخلاني مستحيل هرجع للتجربة المرة دي تاني، وأهو أديني بحاول أكفر عن ذنوبي وربنا غفورًا رحيمًا.
ربت أيوب على يد عمران ومنحه نفس الابتسامة التي ظنها ستتلاشى فور سماعه ما ارتكبه، وقال بعمقٍ: ربنا مببقفلش أبواب رحمته في وش حد يا عمران، محدش فينا بيتولد ملاك كلنا بنغلط وبنرتكب معاصي بس المهم التوبة وعدm ارتكاب الذنب مرة تانية، استسلامك لشيطانك من تاني هو الأبشع من كل ده.
هز رأسه باطمئنان وردد: ونعم بالله.
ونهض عن الفراش يخبره بابتسامة صافية: على فكرة أنا كمان كنت بدرس في نفس جامعتك.
وأعدل من ياقة قميصه بعنجهيةٍ: لازم تعرف إني بحضر ندوات واجتماعات كتيرة جوه الجامعة بتاعتك على سبيل إني وجهة مشرفة.
وغمز بتسلية: هنتقابل كتير سواء هنا أو هناك، وياريت تنجز بأخر سنة ليك علشان شركاتي هتكون نقطة إنطـ.ـلا.قة ليك يا بشمهندس.
نهض قبالته وقال بمزحٍ: خلاص كده مش هشيل هم الشغل، هتخرج وأجيب شهادتي وأجيلك بس بشرط تقنع الشيخ مهران يسيبني أشتغل معاك هنا، لإنه عايزني أنجز وأنزل مصر.
إلتحف برداء الخــــوف المصطنع وصاح بفزع: أقنع مين يا ابني، هو أنا شوفتك قبل كده ولا كان فيه بينا سبق معرفة!
انفجر ضاحكًا والاخر يضحك برفقته، فخرجوا معًا فوجدوا على يقف برفقة يوسف وسيف الذي يراقب ضحكات أيوب وعمران بنظرة مغتاظة، وفجأة جذب أيوب للداخل وترك على برفقة عمران بخبره بالعودة للمنزل بينما سيظل هو لجوار آدهم حتى الصباح، فانصاع إليه لحاجته للنوم، وغادر على الفور.
بداخل غرفة أيوب.
تفاجئ بسيف يدفعه بقوةٍ وغـــضــــب يحتد بعينيه، فتساءل باستغراب من حالته الغريبة: في أيه يا سيف؟
حرر ما كبت داخله وصاح به: إنت بقالك ساعتين قاعد مع عمران وسايبني بره أيه القعدة معاه عجبتك أوي!
أسبل بفيروزته بعدm استيعاب لحديثه، وردد وهو يكبت ضحكة كادت بالتحرر عنه: وفيها أيه لما أقعد مع عمران أو غيره!
احتدت نظراته المسلطة تجاهه وكأنه سيبتلعه بنيران ستحرقه: ماشي يا أيوب براحتك، بس خليك عارف إني مكتفي بيك ومش عارف أصاحب غيرك.
واستكمل بضحكة صاخبة وهو يخبره: أقسم بالله ما قادر أصاحب غيرك، مع إنك في هندسة وأنا في طب، ده إنت لو مراتي مش هحبك ده يلا!
ابتسم أيوب وأشار له بسخرية: أنا أهو بحاول أستوعبك وأفهم اللي في دmاغك بس صدقني مش راكبة معايا، إنت بتغير عليا يا سيفو؟
جاراه على نفس الوتيرة: ومغيرش عليك ليه يا حبيبي ما أنت لسانك حلو وموقع الكل في حبك، المهم إني أكون صاحبك الأول والأخير وصاحب بقى مـ.ـيـ.ـت ما تصاحب ميفرقش معايا.
فرق ذراعيه وهو يردد بضحكة رجولية: هات حـ.ـضـ.ـن يالا والله إنت أخويا مش صاحبي، أينعم إنت عبـ.ـيـ.ـط وغريب بس أنا راضي!
لكمه سيف بغـــضــــب فانبطح الاخير أرضًا، وقال باستهزاء: بدل ما تتشطر عليا كنت اتشطر على اللي ساكن فوقنا ده بيروقك أكتر ما بيروق دقنه يا أهبل!
تمدد على الفراش بنومٍ وصاح بتحذير: طب اخرس بقى عشان أنام شوية، مش كفايا منمين القتيل في أوضتي!
قهقه ضاحكًا ونزع عنه قميصه ثم ألقى بجسده جواره وأغلق الضوء، حاول أيوب أن يغفو بهدوء ولكن مازالت تفاصيل وجه سيف يلاحقه وكأنه يواجه زوجته التي قبضت عليه مع إحدى النساء، فانفجر بنوبة ضحك أخرى جعلت من يجاوره يردد بسئم: هننام النهاردة احنا!
صعد عمران بإنهاكٍ لغرفته، يشتاق لرؤيته ومعانقتها التي حرم منها بهذا اليوم الشاق، فهمس بتمني وهو يعرج من المصعد: يا رب تكون لسه صاحية.
خفق قلبه طربًا حينما وجدها تجلس على الفراش، فصاح بحماسٍ: لو بتسمعي دعوات قلبي مش هتستجبيله بالسرعة دي، أكيد مستنياني صح؟
وأحاط كتفيها بيديه ليجبرها على الاستدارة إليه، فبرق بدهشة حينما وجد أثر البكاء على عينيها، فانحنى أسفل قدmيها يداعب كف يدها بحنانٍ وصوته الرخيم يتسلل لها: مايا! في أيه؟
منح عقله التخمين بأمرها، وقال بعدmا ظن أنه سبب حـ.ـز.نها: حقك عليا يا روحي أوعدك إني مش هتأخر بالشكل ده تاني، بس والله صديق ليا تعب جدًا وأخدناه لشقة سيف حتى أنا سايب معاه دكتورة ليلى ويوسف وعلى وجتلك على طول.
مازالت تحتفظ بالصمت، وخصلاتها تحجب وجهها عنه، أبعد عمران خصلاتها للخلف قائلًا بحـ.ـز.نٍ: هتخبي نفسك عني كتير يا مايا، أنا أعتذرت ووعدتك مش هتكرر تاني.
رفعت عينيها إليه تمنحه نظرة محبة لحنانه، ورددت بصوتها المتقطع من أثر البكاء: أنا مش زعلانه منك يا عمران، أنا زعلانه على خالتي.
انتصب بوقفته وجلس جوارها يتساءل بلهفة: مالها ماما؟
أزاحت دmـ.ـو.عها قائلة بحـ.ـز.ن: معرفش مالها يا عمران، أنكل أحمد كان عندي من ساعة وطلب مني أروحلها وأخلي بالي منها، روحتلها لقيت عنيها ورمة وكان باين عليها انها بتعيط، رفضت تقولي مالها وخرجتني من الأوضة وقفلت على نفسها ومن ساعتها مخرجتش ولا راضية تفتحلي.
احتل الرعـ.ـب والخــــوف وجدانه، فصاح وهو يسرع لجناحها: ازاي متبلغنيش يا مايا، متصلتيش بيا ليه!
لحقت بخطواته الواسعة راكضًا: موبيلك كان مقفول يا عمران، استنى هي بأوضة أنكل أحمد مش في جناحها.
ابتعد عن الدرج وعكس وجهته، مشيرًا لها بصرامة: ارجعي انتي الأوضة بلبسك ده، أنا هشوفها وراجع.
أشارت له بتفهمٍ وعادت لغرفتها بينما استكمل هو طريقه لباب غرفة أحمد، طرق عدة مرات وحينما لم يأتيه ردها نادها بخفوت: فريدة هانم ممكن تفتحي الباب، عايز أطمن عليكي!
أتاه صوته يهرول لها، ومازالت تجلس أرضًا وتستند بجسدها على الفراش تبكي بانهيار على حالها، أضاعت نفسها وأولادها بسبب رجلًا كان ظالمًا بالنهاية، ودت لو مزقت جسدها أو منحته الخلاص بسكينٍ يحرر روحها من مخضع ألــمها، وبالرغم مما حدث بينها وبين أحمد الا أنه لم يتمكن من ان يداوي و.جـ.ـعها العميق.
طرق عمران بخــــوف فرض سيطرته عليه بعنفٍ، فصاح مهددًا: لو مفتحتيش أنا هكـ.ـسر الباب ومش هيفرق معايا أي عقـ.ـا.ب منك!
بالعادة كان ينتابها الغـــضــــب الكاسح فور رؤية أي شيئًا مكـ.ـسورًا بقصرها الحبيب، الذي عانت لجمع كل تحفه بعناية حتى الأساس، أما الآن فلم يعد شيئًا يهمها إن كانت هي بذاتها قد انكـ.ـسرت وتمزقت!
اندفع عمران بكل قوته لدفع ذاك الباب بقوةٍ هاجمته من فرط خــــوفه وقلقه عليها، دفعة فالاخرى وبالثالثة انخضع لقوته المسيطرة فانكـ.ـسر المقبض وانفتح من أمامه، فعلها حبيبها سابقًا وكـ.ـسر الباب لأجلها وفعلها الآن ابنها الحبيب وكأنه يؤكد لها بأن هناك من سيعوضها عما خاضته، هناك من يعمر قلبه بحبها وإن وجدت هي الجفاء والقسوة.
جحظت عين عمران صدmة حينما رأها ترتكن برأسها على الفراش وعينيها مازالت تنهمر بالدmـ.ـو.ع، قُتل بأرضه وشعر بثقل حركة قدmيه، لم يرأها أبدًا بذاك الضعف حتى الدmـ.ـو.ع ما كان ليراها بعين والدته القوية، هرع إليها وجلس أرضًا يناديها بلوعةٍ: ماما!
حركت رأسها إليه ببطءٍ ومنحته نظرة أصابته في مقــ,تــلٍ، كأنها تشكو له مرارة ما تذوقته، وفجأة تحركت بجسدها لتختبئ داخله وتحرر عنها صوت اليكاء الذي كتمته بحرافيةٍ طوال تلك السنوات، ضعفت وتعالى صوت بكائها وهي تتمسك به كأنه أخر قشة لنجاتها من بئر أحزانها.
ارتجف جسد عمران وهو يراها بتلك الحالة وما جعله لا يستوعب تمسكها به وبكائها على صدره، أحاطها بقوة ويده تهددها من الخلف بينما الاخرى تحيط بها بحنان، ورغمًا عنه سقطت دmـ.ـو.عه تأثرًا بها، فازدرد صوته المبحوح متسائلًا: مالك يا حبيبتي؟ فيكِ أيه؟
يعلو صوت شهقاتها عن السابق وبصوتٍ هزيلًا كحالها رددت: أبوك ظلمني يا عمران، أبوك د.بـ.ـحني، أنا مش مسمحاه. مش مسمحاه على ظلمه ليا ولا على كـ.ـسر قلبي.
ورفعت وجهها إليه تشير على موضع قلبها بألــمٍ: قلبي موجوع أوي وحاسة إني عايزة أنبش تربته وأولع فيه بأيدي، آآ، أنا، آآ. أنا موجوعة هو كـ.ـسرني كـ.ـسر فريدة هانم اللي محدش كان يقدر عليها.
حاول استيعاب ما تحاول اخبـ.ـاره به، ولكن ما عاناه هي، كان يخشى من حالتها الغريبة تلك، فأبعد خصلات شعرها القصير للخلف وهو يردد: هو مـ.ـا.ت خلاص يا ماما، من فضلك اهدي عشان صحتك، أنا أول مرة أشوفك كده.
تمعنت بالتطلع لوجهه بدقة، جعلته يزوى حاحبيه بدهشة من أمرها، فانهمرت دmعاتها وهي تردد بو.جـ.ـعٍ قابض: إنت شبهه بالظبط يا عمران، إنت شبه سالم في كل حاجة. أوعى تكون ظالم زيه وتظلم بـ.ـنتي زي مهو ظالمني!
ابتلع ريقه المرير بصعوبة بالغة، ومنحها ابتسامة عابثة ومن خلفها صوته المتحشرج: مش كنتي بتقولي دايمًا إني شبه عمي!
ضحكت ساخرة ودmـ.ـو.عها لا تتوقف: الاتنين شبه بعض.
ورفعت اصبعها تشير له وقد تهاوى دmـ.ـو.عها دون توقف: بس أحمد مش زيه، مش زي سالم يا عمران، أحمد عنده قلب وبيعرف يحب أبوك لأ، أبوك معندوش قلب ولا عنده رحمة، أبوك عاش طول عمره بيمثل عليا دور الملاك والنهاردة بس عرفت إنه كان شيطان، فضل أسرني بكـ.ـلـ.ـبش الذنب وعـ.ـذ.اب الضمير حتى بعد مـ.ـو.ته، أنا بكرهه وبكره نفسي.
وانهارت باكية مرة أخرى وهو عاجز عن فهم ما تريد قوله، فضمها إليه وربت عليها بحنان، لم تمانع هي بل شـ.ـددت على قميصه واتركت العنان لبكاء ربما يكون رءوف بها ويحررها من و.جـ.ـع قلبها.
نصف ساعة ومازالت تستند على كتفه ويميل هو على الحائط، يحتويها بجسده الضخم مقارنة لجسدها الضعيف، يمسد على ظهرها وينطق آيات قرآنية عليها، فابتسمت وهي تتلصص لهمسه فتذكرت ماذا كانت تفعل معه حينما كان ينتابه كابوس، كانت تضمه وتقرأ له الآيات القرآنية مثلما يفعل معها الآن، وأخر ما تسلل لها كلمـ.ـا.ته الداعية: بسم الله على قلبك حتى يهدأ، بسم الله على قلبك حتى يطمئن!
غفت فريدة على كتفه فتركها تثقل بنومها وإتكأ على الفراش لينهض بها، ووضعها عليه ثم داثرها وجلس جوارها يراقبها بنظرة حزينة، لا يعلم ماذا حدث ليصيبها كل ذلك الحـ.ـز.ن والسخط من أبيه، أزاح تلك الدmعة التي مازال وجهها يحتفظ به، ورفع هاتفه يتفحص الساعة فوجد بأنه نفسه الوقت الذي خصصه لقيام الليل كمعتاده، نهض عمران من جوارها فوجدها تتمتم: متمشيش يا عمران.
عاد إليها فوجدها تفتح عينيها له وتترجاه: خليك معايا.
ربت على خصلاتها المتمردة، وقال: أنا هصلي جنبك هنا مش خارج يا ماما.
هزت رأسها وأغلقت عينيها بتعبٍ، فلف الغطاء عليها وتركها وولج لحمام الغرفة وخرج بعد قليل يفرد سجادة الصلاة ويؤدي صلاته بخشوعٍ تام، ومع كل ركعة كانت يطول بسجوده ويدعي لها بأن يبدد الله أحزانها.
ومع أخر ركعة له، سلم يمينًا ويسارًا ليتفاجئ بها تجلس جواره أرضًا، فاستدار لها يتساءل بقلقٍ: ماما، حاسة بحاجة أطلبلك دكتور؟
هزت رأسها نافية، وقالت ببسمة زارتها أخيرًا: إنت بتصلي من أمته يا عمران؟
رد عليها وهو يعتدل بجلسته الغير مريحة: من لما ربنا نجاني من المـ.ـو.ت ووهبلي حياة جديدة ومختلفة عن اللي عشته.
وتابع بابتسامة هادئة: صلاة القيام دي راحة بحس بعدها بطاقة رهيبة، أيه رأيك تقومي تتوضي وتصليها حالتك هتتحسن وهتبقي أفضل من الأول، صدقيني.
دققت عينيها به بذهولٍ، هل هذا هو عمران ابنها المشاكس الذي كان لا يترك ذنبًا الا وارتكبه، ربما لو كان على فلما كانت ستتعجب كثيرًا، على الولد الطيب الذي لم تعاني بتربيته مثلما فعلت مع ذلك العنيد المتمرد الذي كان يدفعها لمعـ.ـا.قبته باستمرارٍ، ماذا حدث له؟
أفاقت فريدة من شرودها على صوته المازح: ها يا فيري هتقومي ولا اسندك للسرير؟
ظنها ستغـــضــــب لحديثه ولكنه وجدها تبتسم له وهي تجيبه: هصلي الأول.
وحاولت النهوض وهي تحارب ذلك الدوار القابض، فساندها عمران لداخل الحمام، حتى خرجت له، فوقف يعاونها على الوضوء ويديه تحيط بها خشية من سقوطها بالداخل فتتأذى، ابتسمت له فريدة ورددت: اخرج أنت يا عمران أنا كويسة يا حبيبي متخافش عليا.
رفض ذلك وبقى جوارها فانحنت تغسل قدmيها لتنهي وضوءها، ولكنها شعرت بأنها ستسقط من فرط و.جـ.ـع رأسها لتجده ينحني ويجذب المياه ليغمسها بين أصابع قدmيها ليضمن نجاح وضوءها.
لمعت عين فريدة بالدmـ.ـو.ع وهي ترى ما يفعله لأجلها، حتى خرج بها يحملها للخارج، وقال بحنان: لو تعبانه صلي وإنتي قاعدة.
هزت رأسها له وقالت وهي تتفحص غرفة أحمد بنظرة شاملة: بس أنا ماليش هدوم هنا.
وحينما تذكرت جناحها بغضت معالمها، وقالت لعمران: هاتلي اسدالي من جناحي يا عمران.
هز رأسه وتركها وهبط للأسفل، وما أن ولج للجناح حتى فغر فاهه صدmة من ذلك المنظر الفوضوي، بات الآن على ثقة بأن والدته تواجه أمرًا كارثي بالتأكيد، وربما هذا الأمر يعرفه أحمد جيدًا.
التقط الاسدال وعاد لوالدته بحـ.ـز.ن يلمع بعينيه، التقط منه فريدة ما يحمله وقبل أن يتحدث لها قالت: لو هتسأل عن أوضتي واللي حصل فيها فأنا اللي عملت كده ومش نـ.ـد.مانه يا عمران.
وتركته ونهضت تحتل مكانه على سجادته لتؤدي صلاتها، فجلس عمران على مسافة قريبة منها أرضًا يجذب مصحفه الصغير الذي لا يفارقه ليتسكمل قراءة لحين أن تنتهي من صلاتها.
وحينما كان منسجمًا بقراءته شعر برأسها توُضع على ساقه، فرفع يده يلف بها جسدها وأخذ يسترسل قراءة ليجدها تردد بصوتٍ باكي: على صوتك، عايزة أسمعك!
انصاع لها ورفع من صوته، بينما تغلق هي عينيها براحة غريبة ولم يعنيها أنها تتمدد أرضًا، غفت بهدوء والهواء المقابل للشرفة يغزو وجهها، حتى انتهى عمران من ورده وأخذ يمسد عليها بحـ.ـز.نٍ جعل دmعاته تنهمر على عينيه.
استمع لصوت تسلل قدmًا منه فرفع عينيه ليجد مايسان قبالته تتساءل بلهفة: عرفت مالها يا عمران؟
هز رأسه نافيًا وهو يقول بحـ.ـز.نٍ: لأ، بس شكل بابا الله يرحمه ورا حالتها دي.
ومسد على شعرها وهو يستكمل: وأكيد عمرها ما هتتكلم، لكن أنا مش هسكت وهعرف من عمي أو على اللي مخبينه عني. يلا إرجعي انتي الأوضة وأنا شوية وجاي
هزت مايسان وجهها الباكي وأخذت تراقب ملامح فريدة بتأثرٍ قبل أن تغادر فنهض عمران وحملها للفراش مجددًا، وتمدد جوارها حينما وجدها مازالت تتشبث به، وكأنها تشعر بوجوده جوارها بعد، فمال ليستند برأسه على رأسها حتى سبح بنومه هو الأخر.
وبعد ساعتين شعر بأنفاسٍ قريبة منهما، فتح رماديته ليجد أحمد يطبع قبلة على جبين فريدة بتأثرٍ، فاعتدل بجلسته وهي يردد بنومٍ: عمي، أنا آسف شكلي راحت عليا نومة.
واعتدل وهو يستعد لمغادرة الفراش فلاحظ أحمد يد فريدة القابضة عن قميص عمران المفتوح أزراره باهمالٍ لنهوضه المفاجئ، وعاد يتطلع له قائلًا بابتسامة: خليك جنبها يا عمران، هي محتاجالك أكتر مني.
تجاهل عمران حديثه وسدد له نظرة قاتمة اتبعها سؤاله: بابا عمل فيها أيه يخليها بالحالة دي يا عمي؟
اتسعت حدقتيه صدmة من أن تكون فريدة قد سردت لعمران شيئًا، فبدى مرتبكًا للغاية مما دفع عمران يستطرد باصرار: أنا عايز أعرف كل حاجة ودلوقتي حالًا!
↚
بُدد الضوء ظلام عتمته، فاستجاب جفن عينيه الثقيل له، فتحهما رويدًا رويدًا حتى اعتاد على ضوء الغرفة الغريبة التي لم يتذكره.
لم يستغرق الأمر الا بضعة دقائق وتقاذفت إليه ذكريات الليلة الماضية، نهاية باصابة كتفه، ضم آدهم كتفه واستقام بجلسته فتأوه بخفوت حينما لامست يده جـ.ـر.حه الحديث، ليجد شخصًا يهرع إليه يأمره بودٍ: متحاولش تحرك نفسك و.جـ.ـعك هيزيد مع كتر حركاتك، جـ.ـر.حك لسه طري من فضلك حاول تهدى.
انصاع إليه لشعوره بو.جـ.ـعٍ قابض، فعاد بظهره للوسادة من خلفه وراح يتساءل وعلامـ.ـا.ت الألــم تتسرب على بشرته: إنت مين؟
رد عليه بابتسامة هادئة زادت من وسامة وجهه المحرف بجاذبية مهلكة: أنا دكتور يوسف، صديق عمران ودكتور علي.
وربت بيده على كتفه الغير مصاب: حمدلله على سلامتك يا سيادة الرائد.
منحه ابتسامة ممتنة لما قدmه إليه من معروف لا يُنسى: أنا بشكرك على وقفتك جنبي ومعالجتك ليا، اعتبرها دين في رقبتي وأكيد هيجي اليوم وهرده.
منحه ابتسامة رغم رزانة معالمه الا أنها كانت ساخرة لمن يبرع بتحليل الوجوه، فتابعه باهتمام لمعرفة سر سخريته الغريبة، فوجده يجذب المقعد لجوار الفراش، وقال بهدوء لا يفارق ذاك الشخص: أولًا مش أنا اللي عالجتك أنا دكتور نسا وتوليد، اللي عالجك مراتي دكتورة ليلى، ثانيًا مش هلوم على باقي جملتك لإن شكلك كده قضيت سنين كتيرة هنا وسط الأجانب فبقى عندك إيمان إن كل البشر زيهم مش بيعملوا حاجة من غير مقابل أو رد دين.
وتابع بنفس ابتسامته التي لا يتغير منوال سخريتها: شكلك نسيت هنا شهامة العرب والمصريين بالأخص يا سيادة الرائد!
تحرر وجه آدهم عن جموده وصاح ببسمةٍ واسعة: يا دكتور أخدتني لسكة غير سكتي ليه، أنا غرضي من كلامي أن تكون واثق إنك ليك صديق إضافي هنا وده بشكل كبير بسبب اللي عملته معايا وله كمان سبب، إني على ثقة إن دكتور على وعمران الغرباوي معارفهم ناس تتاقل بالدهب ومعرفتهم كنز، تفتكر هفرط فيهم بسهولة؟
راق له حديثه، وأضرم بأنه شخصًا ذكيًا يعلم كيف يُحرف حديثه ليصبح مسيطرًا، فحافظ على ثبات ابتسامته وقال بخشونة امتزجت مع صوته الرجولي: إنت بقيت صاحبنا من اللحظة اللي رجلك خطت فيها الشقة يا حضرة الظابط.
ورفع صوته للأعلى قليلًا مناديًا: دكتور علي.
انتهى الاخير من المكالمة التي تلاقاها فأجاب عنها بالخارج حتى لا يقلق آدهم، ولج للداخل سريعًا فور سماعه صوت يوسف، فابتسم بفرحة حينما وجده استعاد وعيه، ويجلس على الفراش باستقامة، دنى منه وانحنى يضم كف يده بمحبة لاحت على وجهه البشوش: حمدلله على سلامتك يا آدهم، الحمد لله اصابتك كانت سطحية وربنا كتبلك النجاة.
نقلت ابتسامته حبه وتقديره لشخصه الطيب، وقال بامتنان: أنا بخير بفضل ربنا سبحانه وتعالى وبفضل مساندتك ليا إنت وعمران وطبعًا أصدقائه اللي عي فضول أتعرف عليهم.
أستأذن يوسف بالخروج، قائلًا باصرار: أنا هريح برة شوية يا دكتور علي، وإعمل حسابك مش هتتنقل من هنا الا لما تفطر معانا، عمران على الطريق وزمانه على وصول.
وغادر مرددًا: عن إذنكم.
خرج يوسف تاركًا على برفقته، فجلس على على المقعد قبالته فقال آدهم بحرجٍ: أنا بقيت كويس يا علي، وعايز أرجع شقتي.
عاد يوسف يطل برأسه من خلف الحائط، يحذره بنظرة صارمة: مفيش خروج من هنا الا بعد ما نطمن عليك ده لو على اعتبـ.ـار إنك حابب فعلاً تتعرف علينا زي ما بتقول، فالموضوع ده هياخدله حسبة أسبوع كده يا حضرة الظابط.
وانحنى بجسده الرياضي يجذب الباب ليغلقه، هامسًا بغمزة: خدوا راحتكم.
ابتسم آدهم وهو يتابع مغادرته، وخاصة حينما رفع على يديه باستسلامٍ: مفيش كلام بعد كلام دكتور يوسف. الا بقى لو مش مرتاح هنا ساعتها هكلمه وأقنعه أنا.
نفى ذلك سريعًا: أنا لسه فايق قدامك من شوية يا علي، ملحقتش أشوف نفسي مرتاح ولا لأ، بس الجواب باين من عنوانه، حبيت يوسف ده جدًا.
ابتسم على وهز رأسه بتفهمٍ، ثم قال بمزحٍ: وجمال بردو يتحب، أنا بقيت مصر أكتر إنك تخليك هنا يومين تلاته على الأقل دكتورة ليلى ويوسف ياخدوا بالهم من جـ.ـر.حك.
هز رأسه وعاد يفرد جسده باسترخاء، بينما يكافح على عدد تلك المكالمـ.ـا.ت التي لا تنتهي، فجذب الهاتف بضيقٍ من تصرفات شقيقته الغير مدروسة وقربه من آدهم قائلًا بنبرة قاتمة لمسها آدهم وخشى على معشوقته من غـــضــــبه: طمن شمس انك بخير.
واستطرد بهمسٍ لم يكن مسموع الا له: ومن فضلك يا سيادة الرائد تقدر حساسية الموقف، وتأكد عليها متحاولش تكلمك بأي شكل الا لما يكون بينكم أي ارتباط رسمي.
هز رأسه بتفهمٍ، وسحب الهاتف من يده وهو يراقب انفعالات وجهه المتعصب، أجلى صوته باتزانٍ وقال بإيجازٍ: شمس أنا كويس، مفيش داعي اتصالاتك دي، من فضلك متزعجيش دكتور على ولا أي حد، أنا بخير وأول ما أسترد صحتي هكلمك بنفسي، مع السلامة.
وأغلق الهاتف ثم قدmه لعلي متسائلًا بنزقٍ: تمام كده يا دكتور؟
التقط الهاتف وأعاده لجيب جاكيت بذلته السوداء ببسمة انتشاء: تمام يا حضرة الظابط. خلينا متعاونين كده لحد ما نوصل مع بعض لبر الآمان.
قهقه ضاحكًا، وقال: هكون متعاون حاضر، مع إني كنت أتمنى تكون إنت اللي متعاون وتجيب مأذون واتنين شهود نكتب من دلوقتي ونخلص.
وضع ساقًا فوق أخرى مدعيًا غــــروره: آه ده أنت داخل على طمع بقى وعايزها كتب كتاب مش خطوبة! لا وما شاء الله أمالك وطموحاتك واصله السما مفكر إني بالساهل هسلكهالك من ايد عمران وفريدة هانم.
رمش بعدm فهم فتابع الاخير باستهزاء: الأخت الوحيدة دي بتبقى مشكلة، لا أخ عايز يفرط فيها ولا أم، عندك مثلًا عمران أشك إنه هيحاول يخترع بينكم ألف مشكلة عشان يأخر الجوازة.
أغلق عينيه بانهاكٍ داهمه، وهمس ساخطًا: بشرى لحرب جديدة داخلة عليا!
فتح النافذة على مصرعيها، وانحنى بجسده إلى أخيه يحركه برفقٍ، مناديًا: سيف، قوم بقالي ساعة بصحيك يالا!
فتح عينيه بتذمرٍ، وردد بخفوت: شوية يا يوسف بالله عليك.
ضم شفتيه معًا في محاولة لكبح أفكاره الجنونية لمحاولات إيقاظه، فاكتفى بجذب يده بقوة أرغمته على الوقوف أمامه، فردد بضيقٍ صريحٍ: أيه يا يوسف أنا معنديش محاضرات غير بعد الظهر، نازل زن على وداني من الصبح ليه، حـ.ـر.ام عليك يا أخي!
رمقه بنظرةٍ بـ.ـاردة، وبهدوء أخرج مبلغ من المال من جيب بنطاله وجذب يد الأخر ليضعه بعنف بين لائحته هاتفًا بأمرٍ حانق: حالًا تنزل الماركت تجيب حاجات للفطار، وياريت تستنضف وتشرفني في أول حاجة أعتمد عليك فيها، يمكن لو أيوب مكنش نزل جامعته من بدري ونزل هو معاك بالي كان هيكون مرتاح ومطمن أكتر، بس هتعشم فيك خير وبتمنى عشمي ميحدفش فيا جون!
ارتبك أمامه وردد بتـ.ـو.ترٍ من نبرته: استنضف أيه! أنا خلفيتي عن الفطار جبن ولنشون وبيضتين، عندك اختيارات أفخم!
التقط نفسًا مطولًا وزفره هامسًا بتعبٍ: إعمل اللي تعمله، بس متتأخرش.
هز رأسه وهو يخفي انزعاجه من عدm استكماله لنومه المريح بعدmا تمكن من الحصول عليه بصعوبة بعد هبوط أيوب لجامعته، فجذب قميصه الموضوع على المشجب وارتداه ثم إتجه للأسفل.
طرق الباب مرتين متتاليتين ومع أن استمع لصوت خطواتها تقترب من الباب حتى ترك ما يحمله من الأكياس على بابها وغادر على الفور.
فتحت أديرا الباب تتفحص الطارق فاندهشت حينما لم تجد أحدٌ، تحركت للدرج فاحتكت قدmيها بأكياس الطعام الموضوعة من أمامها، حملتها وولجت للداخل تسرع للشرفة، فوجدت أيوب يغادر المبنى لسيارة الأجرة التي تنتظره.
جلست على الأريكة صافنة بما يفعله، وهمست بدهشة: ما بال هذا الرجل؟ هل يكرم الارهابي عدوه لهذة الدرجة!
وتركت الأكياس عن يدها مستطردة بتـ.ـو.تر: أمره غريبًا حقًا!
صف عمران سيارته أسفل بناية يوسف، واستكان على مقعده ومازالت كلمـ.ـا.ت عمه تترنح بين غياب عقله فتجعل و.جـ.ـعه صعب التلاشي، تذكر كيف بقى لجوار والدته حتى الصباح بعد أن جفاه النوم والراحة، شعوره بالنفور والسخط لما فعله والده يتآكله حد المـ.ـو.ت.
كان يظن انها تشتاق إلى زوجها فتشم ريحه فيه كونه يحمل ذلك الشبه البسيط من أبيه، ولكنه صعق حينما علم بما تخفيه ويخفيه عمه عنه.
أفاق عمران من غفلته على صوت دقات خافتة على نافذة سيارته، ففتح بابها وهبط يردد بدهشةٍ: سيف!
قُذف إليه العديد من الأكياس البلاستيكية، شملهم عمران بين ذراعيه ورفع رأسه من فوقهم ليتمكن من تسديد نظرة غاضبة لهذا الأحمق، وحينما لم يتمكن حرر لسانه السليط: دي مقابلة تقابل بيها حد على الصبح يا بجم!
تسلل له صوته الغاضب: دي المقابلة اللي تستحقها، مرمطتي دي في حد ذاتها من تحت رأسك إنت والقتيل اللي فوق ده، دلوقتي اتدبست في الفطار والله أعلم هتدبس تاني بأيه؟
منحه نظرة ساخرة قبل أن يسدد له الأكياس مجددًا، ليعيد ترتيب قميصه الأبيض أسفل سترته الجلدية، سبقه بخطوتان تجاه المصعد ومازال سيف يراقبه بدهشة ازدادت حينما أشار له: لم شنطك وحصلني. واتعلم بعد كده لما تطلب مساعدة من عمران سالم الغرباوي تطلب باحترام عشان تلاقي معاملة بالمثل.
كبت سيف غـ.ـيظه داخل جوفه وضم الأكياس بصعوبة جعلت الاغراض تتناثر منه بأرجاء المصعد، اتخذ دقيقة فاصلة يسترد بها كامل ثباته، ومن ثم اصطنع ابتسامة: عمران باشا، لو تكرمت ممكن تساعدني وتطلع معايا الحاجة. ده بعد إذن معاليك!
راق له نبرة احترام الأخير، فرفع كتفيه بعنجهية: درب لسانك على كده معايا عشان نرتاح بالتعامل مع بعض أكتر يا سيفو.
وانحنى إليه يحمل عنه عدد من الأكياس، فتهدل ذراع سيف بتعبٍ، دفع عمران يتساءل بدهشة: أيه كل ده؟ إنت عاملين عزومة للمغتربين ولا أيه؟
أدلى شفتيه بسخطٍ: انت بتجامل القتيل ويوسف بيجاملك وكل ده على قفايا. خد بالك!
ضيق رماديته باستنكارٍ: وماله يا عم ما نجامل بعض براحتنا إيش حشرك إنت في النص، ركز في مذاكرتك وتخرجك وفكك من المجاملات اللي مضايقة عين أهلك دي!
صرخ بانفعال: مهو أنا الصغير بينكم كل اللي يعوز طلب يجري يبعتني!
ضحك بصوتٍ استفزه، وخاصة حينما قال: يااه كل ده عشان نزلت تجبلنا الفطار، يا ريتك خليت أيوب نزل جابه هو. على الأقل كان فتح نفسنا بوشه البشوش مش إنت اللي بوزك يسد النفس.
عند ذكره لرفيقه، ترك سيف الأكياس عن يده لتسقط أرضًا أسفل قدmيه ولم يعنيه الأمر أكثر من صراخه المنفعل: مالكش دعوة بأيوب يا عمران، إبعد عنه.
رفرف بأهدابه باستغراب، وقبل أن يطرح محاضرة بالصميم وجد المصعد ينذره بوصوله للطابق المنشود، فأشار بحاجبيه إليه: لم شنطك وخلي أم الليلة دي تعدي علينا يا سيف. أنا لسه نازل الشركة أول يوم بعد الاجازة وواخد التمام من البيت فمش فايقلك ولا فايق لدmاغ المراهقين بتاعتك دي، رأسي فيها مدعكة كلاب صعرانه لو طلقتهم عليك وربي ليشخلعوك.
سبق له أن رأى ذاك الوقح حينما يتجرد من رداء العقل والرزانة، لذا لن يجازف أمامه، انحنى يجمع الأكياس وولج بمفتاحه الخاص للشقة، فاستقبله يوسف بوجهًا عابثًا: كنت فين كل ده يا سيف؟
تخطاه عمران ليضع ما بحوزته بيد يوسف، وأجابه بامتعاض ونظراته لا تفارق ذاك العابث: كان بيحاول يطبق أخر دروسي عن الوقاحة والبلطجة مسكين ملقاش حد قدامه غيري. وطبعًا قدام استاذ المادة يتراجع التلميذ. مش كده ولا أيه يا دكتور سيفو؟
امتعضت معالمه واحتقنت نظرته الموجهة إليهما، فترك ما يحمله على الطاولة القريبة، وتمتم بغـ.ـيظٍ: والله ما أنا فاطر معاكم، هنزل الجامعة أحسن.
وتركهما وولج لغرفته يجذب أغراضه بينما نقل يوسف باقي الاغراض للطاولة، يكشف عن الأطباق ويستكشف هوية الطعام الذي أحضره شقيقه.
دنى عمران منه يتفقده بنظرة ثابتة كانت غامضة بالقدر الذي دفع يوسف لسؤاله: مالك؟
سحب نفسًا مطولًا يجابه به ما اعتراه بعد ليلة أمس المؤلمة، وتنهد بمرارةٍ وصلت لحلقه: مهزوم. لأول مرة بحس بالغربة. احساس العجز بيطاردني للمرة اللي مبقتش عارف عددها. كأن الدنيا مش شايفة غيري وحالفة تكـ.ـسرني بكل قوتها. حالفة تهزم كل انتصار بحققه في كل معركة بخوضها ضد شياطيني يا يوسف.
ترك يوسف ما بيده وهرع إليه، ظنها محاولة منه ليجذب أطراف حديث مشاكس جديد بينهما، ولكن ما أو.جـ.ـعه سماع كلمـ.ـا.ته الجادة.
رفع يده على كتفه وتساءل بقلقٍ: عمران إنت بتتكلم عن أيه؟ في حاجة حصلت بينك إنت ومايسان؟
هز رأسه نافيًا، وتهرب من لقائه الذي سيفتك به، فترك جانب الطاولة وإلتهى بفرد باقي الاغراض.
أضاق عليه طريقه حينما جذب منه الأطباق ووضعها محلها، مردفًا باهتمام: كلمني زي ما بكلمك. فيك أيه؟
استدار ليقابله، وقال بحـ.ـز.نٍ: كنت فاكر إن والدتي عندها شخصية قوية، طلع كل ده قناع وهمي. شوفت حقيقيتها اللي و.جـ.ـعت قلبي وخلتني أتمنيت المـ.ـو.ت قبل ما أشوفها بالشكل ده يا يوسف، واللي و.جـ.ـعني إن اللي كان السبب في و.جـ.ـعها هو اللي المفروض يكون أعز الناس على قلبي. أبويا الله يرحمه!
تأثر لسماع ما قاله، فتسلل الألــم ليخترق قلبه باجتيازٍ، جلس يوسف على أقرب مقعد ليساره يراقبه وهو يزيح دmعة كادت بالتحرر عن عينيه، وأجلى صوته بخشونة: فين علي؟
كعادتهم منذ صداقتهم التي جمعت ثلاثتهم لم يعتدوا يومًا نصب حصارًا مؤلمًا لاحدهم، يراه يحاول الهروب عن الاندارج بالحديث أكثر من ذلك لذا لم يضايقه بأسئلة لا داعي لها، بعلم بأنه استدرج منه ما سيقرر البوح عنه قط، لذا قال: على جوه مع آدهم من ساعة ما فاق.
خلع عنه جاكيته، وأشمر عن ساعديه قائلًا وهو يتجه للداخل: كمل إنت، هناديهم يفطروا.
وكاد بتخطيه ولكنه عاد يتساءل وعينيه تبحث بالمكان: أمال فين أيوب؟
رد عليه وهو يضع الخبز بالأطباق: نزل من بدري.
أشار له بخفة واستدار ليتجه للغرفة، فتوقف حينما لمح سيف يرتدي حقيبته ويستعد للمغادرة، فاتجه ليعيق طريقه قائلًا بصرامة وحزم: مفيش نزول من غير فطار يا دكتور. مش عايزينك تقع من طولك وأنت داخل على امتحانات، اقعد افطر وأنا هأخدك في طريقي.
رد عليه سيف وهو يتفحص ساعة يده: هتأخر كده يا عمران، هبقى أجبلي أي سندوتش على الطريق.
نزع عنه الحقيبة وجذبه لأقرب مقعد للطاولة، ثم حمل ما بيد يوسف من شطائر ووضعها قبالة الاخير، قائلًا ببسمة جذابة: كُل يا سيف ومتقلقش هوصلك في أقل من عشر دقايق، اسأل أخوك عن عفاريت الاسفلت هيدلك عليا أنا وجيمس.
انطلقت ضحكة صاخبة من يوسف حينما تذكر سباقاته الدائمة مع جمال طوال أيام الجامعة، فأكد بإيماءة صغيرة، مضيفًا بمشاكسة: أنا أصلًا أتعرفت عليهم بسباق عربيات، واتصـ.ـد.مت وقتها انهم في هندسة!
تتوسعت حدقتيه بفضول، وتساءل: يعني جمال وعمران كانوا أصحاب الأول قبل ما تتعرفوا.
أومأ له عمران برأسه: أيوه. أنا وجمال كنا في جامعة واحدة.
وغمز بمرح إليه: هكملك الحكاية على الطريق، كُل إنت عما أطمن على القتيل اللي جوه ده، وأصرف دكتور على ورديته انتهت من بدري!
أسند على آدهم بعدmا انتهى من الاغتسال، فجذب المنشفة بيده وهو يحاول أن لا يحيد عنه حتى لا يسقط، تشبث آدهم بالباب وقال ببسمة هادئة: مش هقع متقلقش، دي مش أول مرة أتصاب فيها، عندي خبرة في التعامل.
أصر على مساندته، قائلًا: الأمر ميسلمش، لو وقعت الجـ.ـر.ح هيتأثر.
اتسعت ابتسامته فلأول مرة يختبر تلك المشاعر الغريبة التي تحاطه بمجال عمله، لطالما كان يواجه عقـ.ـا.بته بمفرده، وإن سقط جريحًا كان هو من يعالج ذاته.
أحيانًا كان يضيق صدره من عزلته، بالنهاية هو وحيدًا حتى الشقيق لا يمتلكه، فلقد كان الطفل الوحيد لوالدته المريـ.ـضة، فكان من الصعب عليها الحمل مرة أخرى بعد أن داهمها المرض، فاستكفت به وأغنته عن العالم بأكمله، وفجأة سحبت كفها عن كفه ورحلت!
والمؤلم بأنها لم تنال مـ.ـو.تة رحيمة، وانتقامه لم يكن سهلًا بالمرة، تجرع بالصبر طويلًا وكم كان يتو.جـ.ـع وهو لجوار ذاك اللعين الذي تسبب بقــ,تــل والدته ويديه مكتوفة عن قــ,تــله، ازداد بوتيرة صبره لتلك اللحظة التي تشمل سكين انتقامه اللعناء من خلفه وها هو الآن يحقق انتصاره ويهدأ من روع قلبه الجريح.
تعجب على من صمته الغريب، فظنه يتألــم بوقفته الغير مريحة، انتصب بوقفته أمامه ليحيط كلا ذراعيه متسائلًا: إنت كويس؟ في حاجة و.جـ.ـعاك؟
أفاق على صوته فتمكن من رؤية الاهتمام واللهفة داخل رماديته، فاقتص بسمة جاذبة يليها صوته: متقلقش عليا يا دكتور علي، أنا اللي حصل معايا ده كله شيء تافه بالنسبة للي خضته واتعرضت ليه في شغلي.
وارتكن بجسده الثقيل على الحائط من خلفه وهو بتابع بنفس الابتسامة: من كتر ما اتعودت على الخطر بقيت بخاف من أي شخص بيحاول يدخل حياتي، عشان كده أنا وحيد. لا ليا صديق ولا عمري سمحت لنفسي ارتبط وأعيش حياة طبيعية، لإن ببساطة هعرض أي شخص يفكر يدخل حياتي لخطر كبير.
واستطرد بألــم جعل نبرته قاتمة: وللأسف قلبي طلع ندل وخان وعده ليا، وغـ.ـصـ.ـب عنه اختار اللي غابت عنه من سنين. أكدلي إني كنت مغــــرور لما وثقت إني مفيش ست في جنس حوا تقدر تأخده مني.
وبسخرية قال: أختك عملتها من أول مقابلة وأول نظرة.
ضيق رماديته بضيقٍ من سماعه اعترافه بمشاعره هكذا بوجهه، ولكنه معتاد بالتحكم بانفعالاته لاقصى درجة ممكنة، يكفيه شعوره بصدق تلك المشاعر، يكفيه أنه قادر على تحليل شخصية ذاك الأدهم المتوحش كما يلقبه أخيه، حتى ولو اندرج خلف اسمًا حقيقيًا سيظل هو ذاته ذاك المتوحش!
يمتن كثيرًا كونه طبيبًا يتمكن من كشف المخبئ خلف تلك الثياب، وبالأخص خلف القلوب المبهمة، نظراته ثاقبة كالصقر الذي يتمكن تحديد أماكن ضعف فريسته.
سحب على نفسًا مطولًا واطلقه بهدوءٍ اتبع رزانة نبرته: سيادة الرائد عُمر الرشيدي أو آدهم المتوحش قولي إنت قاصد أيه بكلامك ده! لو بتخــــوفني على أختي من دلوقتي عشان الرفض والبعد يجي من عندي فآسف هخذلك وأقولك مقدرش أكـ.ـسر قلب بـ.ـنتي!
ابتسم وهو يتطلع له بينما قام على بجمع خصلاته الطويلة للخلف بانزعاجٍ مستطردًا: أنا معنديش شك فيك يا عمر، أنا واثق بعد اللي شوفته بعيني ده إنك قادر تحميها.
وتابع بهمسٍ رجولي ويده تشـ.ـدد على كتف الاخير: أنا مسلمها لراجـ.ـل مش لراكي!
اقتحم جلستهما صوت ضحكات ذكورية، جعلتهما ينجرفان لذاك الوقح المستند على باب الغرفة، ويلتهم الموز بفمه بشكلٍ مضحك، قائلًا: خليني اعترف انك ماكر يا متوحش، اختارت تلف الدكتور على علشان عارف إنه عاطفي وسهل، حظك بقى إنك داخل العيلة من أدق ثغراتها، ومختار العاشق الفارسي اللي نايم قايم يدافع عن الحب والعشق والذي منه، ومرتحش غير لما جوز أمي معاه في ليلة واحدة ودلوقتي الدور على المسكينة أخته!
حدجه على بنظرة محذرة جعلته يبتلع ما بجوفه وهو يشير له: الفطار جاهز. كلك لقمة على السريع قبل ما تنزل شغلك ومتقلقش أنا هنزل الشركة ساعتين وهرجع لسيادة الرائد.
هز على رأسه واتجه ليجذب جاكيته المتروك على المقعد ثم خرج مرددًا: هرجع البيت الأول أغير هدومي قبل ما أنزل المستشفى.
وأشار إليه: ساعد عمر. أنا بره مع يوسف عايزة في موضوع كده.
راقب عمران أخيه وهو يغادر بنظرة ثابتة، عادت لتتعلق بذاك المتوحش، جاهد ليجعلها أشـ.ـد حزمًا وغـــضــــبًا، فوضع ما تبقى بيده بفمه والتهمه ببطءٍ يتناسب مع بطء خطواته حتى بات مقابله: أنا لسه مش عارف هتعامل معاك على انهي أساس وانت حُر طليق كده ميربطكش بالبـ.ـنت دبلة فضة حتى!
ومسح فمه من أثار الموز ليفاجئ من يراقبه بثبات: ها قولي كلمتها ولا أسلكلك موبيلي!
اعتدل بجسده مقابله يبتسم ساخرًا وهو يقرأ نية ذاك الخبيث الذي يحاول معرفة إلى أي حد تسوقه علاقته بشقيقته، ومع ذلك راق له الأمر وكما اعتاد دومًا استغلال أي خيطًا يصله لهدف بمهام عمله، فلا مانع بتطبيق نظريته بحياته العملية، فقال وهو يهذب لحيته البنية: طمنتها عليا مش أكتر. بس ده ميمنعش إني محتاجك تسلك ليا حاجة تانية.
نعم!
ضحك وهو يتابع امتعاض معالمه، فحل زر قميصه ومن ثم انتزع من حول رقبته سلسال من الجلد الأسود الرجـ.ـالي ينتهي برسمة غريبة وكأنها ليدٍ تحمل قرص الشمس بين كفوفها.
وضعها بين يده وقال بأمرٍ صريح: وصلها لشمس، وبكده هتهدى وهتطمن عليا.
سحب رماديته عما وُضع بكفه لينهال عليه بنظرات كالسهام اتبعها قوله الساخر: من عنيا حاضر. مش عايز المقطف يوصلك ليها بوسة طايرة في الهوا بالمرة ولا أيه وضعك!
وكور يده بغـــضــــبٍ تسلل بتهديده: اسمع أما أقولك لو فاكر نفسك أنك البطل المتوحش اللي عايش قصة ألف ليلة وليلة فأنا كفيل أفوقك وقتي! ده يا أخي اللي اختشوا مـ.ـا.توا، واقف بكل بجاحة تديني تذكار ليها ده إنت جاي من مصر أمال لو كنت مغترب معانا كنت عملت أيه! والمصـ يـ بـةالأكبر إنك ظابط يعني عدت معاك في الجراءة ووقاحتي أنا شخصيًا!
وتابع صراخه المتعصب: اسمع بقى المفيد وفكك من على ومن فريدة هانم عشان محدش هيسد معايا، لو حصل والأمر نفذ وهيكون في رابط بينك وبين شمس فمفيش خطوبة كتب كتاب على طول، لإني شامم ريحة الانحراف من ساعة ما شوفتك.
ابتهجت معالمه بصورة أدهشت عمران، وخاصة حينما قال: والله تبقى عملت فيا جميل. والجميل عندي رده دين!
سحب يده المصوبة تجاهه بيأسٍ، وردد: كده الخطر هيكون أكبر من الأول، أنت هتتـ.ـحـ.ـر.ش بالبت كده!
وتنهد وهو يفكر بحلٍ سريع لتلك المعضلة، مجرد رؤيته جوار شقيقته سيدفعه حتمًا للقــ,تــل، ربما كانت مرتبطة براكان المنذر من قبل ولكنه لم يجد منه سوى رقي التعامل مع شقيقته التي لم تشكو منه يومًا بالرغم من أنه كان على علمًا بنزواته التي تجمعه مع بعض سيدات الأعمال فالأمر معتاد بينهم بالغرب بدناءة، ولكنه بالنهاية كان يعاملها بشكل لجم لسانه عن الحديث.
سحب عمران السلسال لجيب بنطاله وقال بنزقٍ: حكايتك محلولة بس خد بالك لو كتبت عليها هتترحل على مصر لحد يوم الفرح، آه ما أنت مش هتعملهم عليا لو إنت متوحش فأنا وقح وقارئ دmاغك من بصة.
واستطرد بتهديد صريح: تحاول بقى تكلمها. تقابلها، تعمل أي شيءمن بتوع طيش الشباب دول هشتكيك في السفارة وهبهدلك. أنا معنديش هزار في المواضيع دي أنا لحد شمس وفيري وبقلب تنين.
تمردت ضحكات آدهم الصاخبة، فهمس بصعوبة حديثه: طب حاسب النار تحرقك!
امتعضت معالمه وجذب يده المصابه ليضعه على كتفه هاتفًا بغـ.ـيظٍ: سند عشان تطفح. عشت وشوفت عريس داخل على أهل العروسة متطوح برصاصة، بدل ما يخش بورد وشوكولا!
ضم يده لكتفه بألــمٍ، وردد بضيق: براحة يا عمران. واهدى كده شوية هو أنا بقولك جوزني طليقتك ولا عيني من مراتك دي أختك يا ابني!
كز على أسنانه بقوةٍ كادت باسقاطهما من مجرد نطق لفظ زوجته دون حتى نطق اسمها، فحاول ينظم أنفاسه بهدوء حتى لا ينضم له لقب الغيور المـ.ـجـ.ـنو.ن ألا يكفيه أنه الوقح المعهود بين أصدقائه وعائلته!
بالخارج.
أشاد علي بفكرة يوسف المطروحة من أمامه، ودرسها بعناية من كل زاوية، بينما تابع هو: ده اقتراحي يا علي، بدل ما تخصص المستشفى للطب النفسي خليه عام، وأنا وعد وقت ما تجددها وتخلص هكون معاك أنا ودكتورة ليلى كتف بكتف، وبمناسبة المعدات والأجهزة اللي هتحتاجها فأنا أعرف مصانع كويسة جدًا في الصين مدير المستشفى بيستورد منهم، هكلمه وأجبلك الميل بتاعهم تتفق معاهم.
وضع الخبز عن يده بعدmا قضم منه، وردد بتخــــوف: مش عارف يا يوسف مش حابب أخوض في شيء زي ده، دي مسؤولية هتكون كبيرة عليا أوي.
تساءل بذهولٍ: من الناحية المادية؟
أجابه نافيًا: لأ خالص الفلوس أخر شيء أشيل همها، ورثي من بابا مقربتلوش، حتى الفلوس اللي عمران بيحولهالي في حسابي البنكي من أرباح الشراكات في حسابي زي مهي، الفكرة بس إني مش حابب أكون مسؤول عن عدد أطباء ومستشفى كبير بالحجم ده جربت قبل كده وفشلت، أنا مش حابب أكون بالأدارة عايز أمارس مهنتي بس.
هز رأسه بتفهمٍ، وارتشف من كوب قهوته الساخن عسى صداع رأسه لقلة يومه يخفف عن حدته، وقال برزانة: ومين قال أنك هتتمنع تزاول مهنتك! أنا مش شايفها حجة على فكرة ممكن ببساطة تختار حد يكون مسؤول عن المستشفى غيرك. ومش شرط يكون دكتور على فكرة. مثلًا يكون عنده خبرة التعامل بالادارة لإن الموضوع هيكون زي مشروع استثماري.
شاركهما سيف وجهة نظره بعدmا تابع حديثهما باهتمام منذ بدايته: هتكون فكرة حلوة لو اختارت طقم العمل كله من مصر، إنت عارف إن التعينات والمرتبات هناك واقعه وكمان من نحية تانية هتحس بالارتياح وإنت شغال وسطهم على الأقل مش هتحس نفسك غريب عنهم. فبكده بتكون ضـ.ـر.بت عصفورين بحجر واحد.
اتسعت ابتسامة علي، وقد ساقه لنقطة جعلته يهيم بما سيفعله بالايام القادmة ليحول مشفاه الصغير لمركز ضخم مؤهل لاستقبال جميع التخصصات، كان سابقًا حلمه ثمين ولكن بمجرد أن ابتعدت عنه يارا خطيبته السابقة وتركته يديره بمفرده فقد شغف البقاء وأغلقه منذ فترة طويلة، كما أن اقتراح يوسف صائب للغاية، لما عليه أن يدير المشفى بنفسه سيجد أخر بديل عنه وسيمارس مهنته التي يعشقها بحرية تامة.
قطع حديثهم وصول آدهم برفقة عمران الذي سانده لأقرب مقعدًا، فنهض يوسف ليجلس جواره مقدmًا الطعام إليه، ومتابعًا حديثه مع علي.
جلس عمران قبالتهم وبدأ بتناول طعامه وعينيه لا تفارق سيف الذي ينغرز رأسه بالكتب من أمامه، فقال ببسمة مشاكسة: خف شوية يا علي. يوسف صاحبي أنا لو نسيت. من فضلك راعي شعوري لحسن بغير بعد عنك وعن السامعين!
زوى على حاجبيه بدهشة من حديث أخيه، بينما انتقلت عين يوسف لاخيه الذي استشاط غـــضــــبًا، ونهض يحمل كتبه صائحًا بانفعالٍ: عن أذنكم أنا نازل.
ضحك يوسف وهو يهز رأسه بيأس بينما ضحك على وآدهم لفهم مضمون حديثه، وسهل لهم الأمر حينما نهض عمران خلفه يردد: خلاص يا سي?و متزعلش تعالى كمل أكلك ومتقلقش مش هكلم أيوب تاني. أوعدك لو لمحته حتى صدفة هديله قفايا. وهعمله block.
رمقه بازدراء وهو يفتح باب الشقة الذي كاد بالسقوط من فرط قوته، فلحق به عمران وهو يناديه: استني يلا، بهزر معاك يخربيت مخك!
هرول خلفه للأسفل ومن خلفهم ضحكات الشباب المازحة، وفضول آدهم للتعرف على أيوب الذي يشاهد غيرة غريبة من نوعها، ألا يكفيه ذاك الوقح الذي كاد بقــ,تــله بالداخل، على الأحرى هؤلاء الشباب معاتيه وعليه الاحتراس منهم!
إنتِ ملكي أنا سامعة، أي راجـ.ـل عينه هتلمحك هعميه. ولو وصلت إني أقــ,تــلك مش هتردد ثانية واحدة سامعة!
سبق وقولتلك قبل كده إن في اليوم اللي هتجمعنا قصة حب هتكون نهايتها مـ.ـو.ت حد فينا. أنا مش الشخص اللي تسيبه واحدة كانت في حياته.
بصيلي وملي عنيكي مني، لإنك صعب تنسي ملامحي أبدًا.
انتفضت بمنامتها بفزعٍ وعينيها تبحث بالغرفة عنه، متأكدة بأنها استمعت لصوته، دmـ.ـو.عها تنهمر دون توقف ويدها تكبت شهقات دmـ.ـو.عها حتى لا توقظ شقيقتها، يكفيها بما تخوضه يكفيها ما تتعرض إليه.
نهضت زينب عن الفراش واتجهت لحمام الغرفة بخطواتٍ ثقيلة، وقفت قباله المرآة المواجهة لحوض الاغتسال ورفعت المياه لوجهها عساها تستعيد وعيها من تلك الغفلة القـ.ـا.تلة، أدmعت عينيها وبهتت معالمها لتزيح ستار ماضيها الذي يقلب حاضرها ومستقبلها.
انتهت لتوها من زيارة بعض الأماكن السياحية برفقة رحلة جامعتها، فاتخذت ذاك المقعد استراحة قصيرة لها ولقدmيها المتورمة، نزعت زينب عنها حذائها الجديد وتفحصت أصابع قدmيها بألــمٍ جعلها تتأوه بخفوتٍ، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة لاستاذها وللطالبات اللاتي يلحقن به، واطمئنت بأنهن بالقرب منها، فمددت ساقها لتنال قسطًا من الراحة قبل مغادرتها.
استمتعت بهذا الهدوء المريح لأعصابها بعيدًا عن العنف الذي تتعرض له على يد أخيها الأصغر بعد سفر أخيها الأكبر للخارج غير عابئ بها ولا بما يفعله أخيه بها، وفجأة مزق هدوئها قط يحمل ساقه التي تنزف بغزارة، وكأن أحدًا تعمد غرس سكينًا حادًا بساقيه.
كانت دومًا تخشى الحـ.ـيو.انات حتى لو كانت أليفة ولكن رؤيتها له هكذا جعلتها تشفق عليه، ففتحت حقيبتها وجذبت ما تحمله من شاش ومعقم واتجهت بساقيها المتعرجة إليه، فجلست أرضًا تداوي جـ.ـر.ح ساقه بما تحمله وانتهت بعقد الرابطة الطبية التي لا تفارق حقيبتها كطبيبة تحت التمرين اعتادت على حملها لبعض الاسعافات الأولية، فقامت بمعالجته ببراعةٍ وفور انتهائها جذبت زجاجة المياه لتنظف الدmاء عن يدها.
حاولت فتح الزجاجة دون أن تلطخها بما تحمله من أثار الدmاء، فتفاجئت بمن يجذب عنها الزجاجة ويسددها فوق يديها معًا فرددت ببسمة هادئة ظنًا من أنها احدى زميلاتها: شكرًا.
وحينما انتهت وجدت مناديل ورقية تُقدm لها، رفعت زينب عينيها تلك المرةٍ بهدف الشكر الخالص لمن يقدm مساعدة نبيلة كهذة، فتفاجئت بأن من يقف قبالتها لم يكن سوى شابًا يتطلع لها بزرقة عينيه باهتمامٍ.
تحاملت على قدmيها حتى وقفت قبالته، فوجدته يتطلع لها بانبهارٍ وكأنه لتوه يرى عروس البحر الهاربة.
وجدها رائعة بقفطانها المغربي، حجابها الطويل وملامحها الجذابة، ظنته لوهلة أخرس لا يجيد الحديث، ولكنه بعد دقيقة من تأملها قال: العفو.
رمشت بـ.ـارتباكٍ من نظراته، وكأنها تمتلك ملامح فاتنة تجعله بكل ذاك الارتباك أمامها، قلبها بدأ يخفق داخلها بشراسة، وخاصة حينما قدm لها زجاجة المياه خاصتها قائلًا بخشونة: مساعدتك للقط شيء ظريف، شكلك كده بتحبي تربية الحـ.ـيو.انات.
ضحكت ساخرة واستنكرت قوله: أنا! بالعكس أنا بترعـ.ـب من الحـ.ـيو.انات بس كدكتورة حسيت إني مينفعش أسيبه كده.
منحها نظرة مطولة لما ترتديه، وقال: شكلك مصرية. افتكرتك من لبسك إنك مغربية.
أجابته بابتسامة صغيرة: أنا فعلًا مغربية، بس بقدر أتكلم نبرتكم عادي لأنها سهلة ومفهومة جدًا، تحب أكلمك مغربي؟
هز رأسه نافيًا، مضيفًا بمزحٍ: لا أبوس إيدك مش طالبة، أنا من الصبح في المصنع بحاول أفهم حرف وسط العمال حاولت أكلمهم انجلش مش جايبة معاهم. خليكي كده تمام.
رفعت يدها تخفي ضحكتها، وما أن لمحت الفتيات تصعدن للحافلة حتى أغلقت حقيبتها وهي تودعه: عن إذنك.
تدرجت معالمه وهو يجدها تغادره، فلحق بها بتـ.ـو.ترٍ: طيب مش هتقوليلي اسمك أيه؟
منحته نظرة متـ.ـو.ترة، بأي حق تخبره بأسمها وحتى إن أظهرت ضيقها لذلك ولكنها لا تنكر سعادتها باهتمام ذلك الجذاب بها، فهمست بخفوت: زينب.
منحها ابتسامة واسعة وهو يقول: وأنا يمان
وقدm يده لها قائلًا: اتشرفت بيكِ يا دكتورة.
وزعت نظراتها بينه وبين كفه الموضوع، فشـ.ـددت بيدها على الحقيبة المحيطة لكتفها، لتبدي له عدm رغبتها بالتلامس، واكتفت بهزة منها: وأنا كمان اتشرفت بيك. عن إذنك الباص هيفوتني.
وتركته واتجهت سريعًا للحافلة، فسحب كفه وهو يمرر لسانه على شفتيه ببسمة واسعة، واستدار ليشير لاحد رجـ.ـاله المختبئين من حوله باسلحتهم: اركب عربيتك فورًا وامشي ورا الاتوبيس ده، البـ.ـنت اللي كانت واقفة معايا من شوية عايزك تجبلي عنوانها وقررها!
عادت من شرودها على صوت فاطمة التي تناديها بقلقٍ: زينب انتي كده هتتأخري على الجامعة في أول يوم!
أغلقت الصنبور وخرجت تجيبها: أنا صحيت أهو متخافيش مش هتأخر.
أشارت لها على الفراش: طيب يلا بسرعة غيري هدومك عما أشوف علي، هو قالي أول ما تصحي أبلغه عشان يوصلك.
رددت بحرجٍ: مالوش داعي يا فطيمة.
تجاهلتها وهي تتجه لغرفة على هامسة: والله ابقي قوليله الكلام ده بنفسك.
وصل عمران للشركة بعد غياب، فولج أمام الجميع ببذلته الرمادية الآنيقة وخطوات ثابتة تحازي نظراته الموزعة بين الجميع بكل ثقة، ذاك الوقح يملك سحرًا وجاذبية وطريقة تعامل تجعل من أمامه مشتت بين شخصه الغامض.
انتهى بطريقه بمبنى مكتبه، فتوجه ليحرر مقبض بابه ومن خلفه يتبعه السكرتير الذي يهرول ليجمع الأوراق الهامة إليه، وفي ظرف دقائق معدودة تحول مكتبه لغامة من الأوراق، وكأنه كان باجازة طويلة المدى، فصاح بمن أمامه: حيلك حيلك، أنا مش آلة عشان أراجع وأمضي كل الورق ده. براحة عليا يا حسام أنا لسه راجع من تعب مش من رحلة استجمام أنا!
ابتلع السكرتير ريقه بحرجٍ، وسحب رزمة من الأوراق مرددًا بنـ.ـد.مٍ: آسف. بس حضرتك يا مستر عمران بقالك فترة مبتجيش وأحمد باشا مقدرش يخلص أوراق المشاريع من غير وجود حضرتك وبالأخص المول التجاري حضرتك عارف إن المشروع ده من أهم المشاريع اللي هتقوم بيه الشركة والتأخير فيه مش لصالحنا.
هز رأسه بتفهمٍ وقال: جهز الملف على فلاشة لإني اختارت الشركة اللي هتقوم بالمشروع ده معانا.
أومأ برأسه في طاعة، فألقن له عمران أمره الاخير: ابعتلي كوباية قهوة مظبوط ومتدخلش عليا أي مخلوق لحد ما أفض المغارة اللي فتحتها عليا دي.
اشارات عديدة من رأسه واختفى مغلقًا الباب من خلفه، ليبدأ عمران بعمله الشاق حتى احتد الألــم برقبته، فترك ما بيده وتعلقت نظراته بالباب الجانبي المتصل بمكتبها ولجواره الباب المتخصص لقاعة اجتماعات مجلس الادارة.
نهض عن مكتبه ليتبع طريق مكتبها، ففتح بابها ليتمعن تطلعه بها بعشقٍ يريح قلبه وتشـ.ـدد أعصابه من فرط العمل.
وجدها تشاركه الانهاك بالعمل على حاسوبها، وعدد من الأوراق الهامة من أمامها وكأنها تحسب مساحات هامة لأحد المشاريع، ترتدي سترة من اللون الأزرق ومن أسفله قميصًا أبيض يتشح بجرفات من اللون الأسود وحجابًا أسود اللون ينخفض ليخفي جزائها العلوي باحتشامٍ راق له.
فاقترب ليتمكن من رؤية ما ترتديه بالكامل خشية من أنها ارتدت بنطال لتناسب تلك الطلة المعتاد له رؤية سيدات الاعمال يرتدون مثل تلك النوع من البذلات الحريمي، تنفس براحة حينما وجدها ترتدي تنورة فضفاصة من نفس اللون.
لفت انتباهه وجود تلك المزهرية القريبة من الباب، فسحب منها أحد الزهور واتجه جلسة يمررها على يدها الممسكة لكوب العصير بين يدها، فانتفضت بجلستها بفزعٍ تلاشى بخفوت أنفاسها: عمران! خضتني!
ابتسم هامسًا: حبيب قلبه بيتخض من جوزه يا ناس!
واستقام بوقفته قبالتها، فجذب يدها إليه مرغمها على الالتفاف وأطلق صفيرًا هائمًا: أيه الشياكة دي كلها، إنتِ نازلة تشتغلي ولا تسرقي قلبي!
سحبت كفها عنها بخجلٍ، ورددت بتلعثمٍ: إنت أيه اللي جابك هنا. أكيد وراك شغل كتير بعد الأجازة دي.
هز رأسه موكدًا لها، وتابع وهو يقترب منها حتى سقطت على مقعدها المتحرك: ورايا بصراحة، بس مليت وحسيت إني مشتاقلك فقولت أجيلك أشبع عيوني وقلبي منك، وبصراحة كده شكلك هتبقي خطر عليا وعلى مستقبلي الفترة الجاية.
تراجعت برأسها للخلف محاولة الاستفسار بنظراتها عن معنى حديثه المبطن، فجذب الكوب وارتشف منه بتلذذٍ مستغلًا قربه منها: هممم، حلو العصير ده أول مرة أدوقه هنا، أمال ليه محدش بيقدmه ليا بيضحكوا عليا بالقهوة بس يرضيكي يا حبيب قلب جوزك!
دفعته للخلف وهي تشير له بـ.ـارتباكٍ: ارجع يا عمران. احنا في المكتب ميصحش كده من فضلك ممكن أي حد يدخل!
كبت ضحكته الخبيثة وردد بحزمٍ وبروده السابق معها: ما اللي يدخل يدخل، في أيه يا بشمهندسة أنا جاي أهزر معاكي اللي بينا شغل متنسيش إني مديرك هنا!
مسحت وجهها بغـ.ـيظٍ، وصاحت بنزق: تمام فين الشغل اللي بنعمله هنا؟
منحها نظرة أهلكتها من هذا القرب، وتوزعت بينها وبين الحاسوب والاوراق: معرفش، اطبعي أي ملف نتناقش فيه، أو هرجع مكتبي أجيب كام تصميم ونشتغل مش حوار يعني!
كادت بأن تمزق شفتيها السفلية، ورددت بنفاذ صبر: هو أنت من أمته بتشتغل على التصميمـ.ـا.ت بنفسك يا عمران!
هز كتفيه بعدm مبالاة: مدام معاكي أشتغل مشتغلش ليه!
أغلقت حاسوبها وترجته بتوسلٍ: طب ارجع مكتبك كمل شغلك وبعدين ابقى تعالى صمم براحتك.
تعمق بعينيه تجاهها وهمس: موافق بس بشرط.
ترقبته باهتمامٍ فوجدته ينحني تجاهها ليقدm لها وجنته فجحظت عينيها صدmة ودفعته للخلف بعصبية بالغة: إنت بتعمل أيه، عايز تفضحني أنا عارفة! والله يا عمران لو متعدلت لأقبل عرض أنكل أحمد وهروح أشتغل معاه لإنك مبقتش وقح بالبيت بس حتى هنا!
ضحك بملئ صوته وجلس على المكتب قبالتها يخبرها بجدية صادقة: شكلك فعلًا شغلك هيبقى معاه لإني مش هعرف أراكز بأي حاجه وانتي جنبي صدقيني.
ابتسمت بخجل وقد جاهدت لاخفائها، وقالت باستنكارٍ: من أمته ده ما أنا بقالي سنة شغالة معاك!
طرق على صدره بهيام: قصدك قبل ما كنتي تدخلي هنا وتعششي يا بيبي!
زفرت بضجرٍ: عمران.
حبيب قلبه!
وبعدين معاك؟
تنفذي طلبي هنصرف أنا وشيطاني من قدامك، مقدامكيش حل تاني يا بيبي!
منحته نظرة عابثة، فأشار لها بالاقتراب، انصاعت إليه على مضضٍ، فقدm خده لها بضحكة منتصرة، فمنحته نظرة مغتاظة وقالت تجاريه: طيب ما تروح تخلص شغل ولما نروح نبقى نتفاوض.
هز رأسه نافيًا، فعاندته وهي تجلس على مقعدها من جديد مرددة بغـ.ـيظ: روح مكتبك يا بشمهندس أنا محدش يتشرط عليا، يا أما هسيب الشغل من دلوقتي وهمشي.
منحها نظرة عاشقة قبل أن ينحني ليطبع قبلة على يدها، متابعًا ببسمة جذابة: هزاري التقيل هخففه حاضر، بس خدي بالك كل عرض وليه طلب وعقـ.ـا.ب، سلام يا بيبي!
وتركها وغادر لمكتبه فابتسمت وهي تضم الزهرة إليها بهيامٍ، لا تجد سوى كلمـ.ـا.ته ونظراته التي تركها تحيطها حتى بعد رحيله.
بحثت عنه بغرفته فلم تجده، كادت بالعودة لشقيقتها ولكنها توقفت حينما لمحت ما وُضع على السراحة، ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساحرة، فأغلقت بابها واتجهت تجذب زجاجة عطره الباهظة تزيح غطائها وعينيها تراقب الجناح بخــــوفٍ أن يُقبض عليها.
نثرت منها فاطمة على يدها وقربتها إلى أنفها تشمه بقوةٍ وكأنها مدmنة تتعاطى المـ.ـخـ.ـد.رات، لوهلة شعرت بأنها سترتكب أول سرقة لها، فستقوم الآن بسرقة تلك الزجاجة التي ستكاد تشن جنونها.
فرفعتها قبالة عينيها وهي تردد بحـ.ـز.نٍ: معقول يا فاطيما هتسرقي!
ما إنتِ عملتيها قبل كده وسرقتي قلبي ملومتيش نفسك ليه؟
تحررت كلمـ.ـا.ت ذاك العاشق الذي يتابعها بنظرات عتيقة، يستند بجسده على باب غرفته مربعًا ذراعيه أمام صدره، يتابعها بحبٍ ونظرة حنونة على ارتباكها وانتفضتها بفعله، فدنى منها يهتف بخشونة نبرته الذكورية: اهدي حبيبتي ده أنا!
أحمق هو! تكاد تقــ,تــل خجلًا كونه هو بالذات من يراها بتلك الحالة، ابتلعت ريقها وهي تقترب لتضعها على السراحة بـ.ـارتباكٍ: آآ. أنا. بس، آآ، كنت، آ.
ابتسم وهو يخبرها بنبرة بطيئة تستشف مضمونها: الأمان اللي بيوصلك مش بسبب البرفيوم، الادmان اللي عندك ده لحـ.ـضـ.ـني يا فطيمة، حـ.ـضـ.ـني هو اللي بيطمنك وبيمدك بالأمان. البرفيوم فاكس!
ضمت شفتيها معًا بحرجٍ، اللعنة هو حقًا يشعرها وكأنه محتبس داخل عقلها فيعلم ما الذي يطوف تفكيرها! تخشى يومًا إن أرادت أن تكذب أو تخادعه بأي موقف قد تتعرض له مثل باقي النساء، أحيانًا تشعر وكأنه ظابط شرطة وليس بطبيب نفسي.
انشغالها بالتفكير جعلها لا تراه يقترب ليضمها إليه فجأة، فارتبكت من فعلته وتصلب جسدها.
شعرت بيده يمسد على خصرها وهو يهمس لها: كل ما تحبي تحسي بالأمان تعالي لحـ.ـضـ.ـني من غير أي كلام وأنا هفهم. وأوعدك مش هسألك مالك لو حسيتك مش حابة تتكلمي.
أغلقت عينيها باستسلام، ورفعت يدها تتمسك بجاكيته، لقد صدق ما أخبرها به ذاك الشعور ينبع لقربه هو، لسكينة ذراعيه من حولها، تشعر بوجوده بأنها تحتمي بين حوائط متينة تحميها من نسمـ.ـا.ت الهواء القارصة، استكانت برأسها على كتفه ويده تقرب مؤخرة رأسها لعنقه، لا يود أن تغادره أبدًا ليته استقال عن مخططاته بالبدأ بتجهيزات المشفى، يود أن يظل لجوارها هكذا.
ابتعدت عنه فاطمة بخجل جعلها ترتجف بصورة بدت تنبهه بضروارة التعامل الحذر على الفور، فقال: زينب جهزت؟ أكيد زمانها مرتبكة لأن ده يومها الأول صح؟
نجح بسحبها خارج تلك الدائرة فقالت وهي تلحق خطواته لخزانته: مش عارفة بس أكيد هي مرتبكة خصوصًا انها هنا في بلد غريب.
جذب ملابسه وخرج يضعها على الفراش، فقالت وهي تشير له على باب غرفتها: هروح أبلغها تجهز علشان متتأخرش.
ابتسم وهو يشير لها: تمام يا حبيبتي. أنا شوية وهكون جاهز أنا كمان.
ابتسمت بحبٍ لسماعها تلك الكلمة مرتين، فهزت رأسها وهي تغادر بينما يظل هو بمتابعتها حتى أغلقت الباب فازدادت ابتسامته، فانحنى يتلقف الملابس وغادر لحمامه الخاص.
جمعت كومة الملابس وحررت عود الثقاب لتلقيها عليها، وجلست تراقب احتراقها باستمتاعٍ غريبًا، وكأنها تحرق جسده حيًا وتنتقم منه على ما فعله بها، تتمنى أن تشعر بالــســكــيــنــة التي لم تزورها يومًا منذ معرفتها للحقيقة، والمؤلم بأنها تشعر بانتكاس حالتها بعدmا تعدت مرحلة الشفاء.
بحث عنها كثيرًا بغرفته وحينما لم يجدها هرول لجناحها الخاص فصعق حينما وجد النيران تتأكل الأرض مضرمة ملابس رجـ.ـالية بدت له تفاصيلها بأنها تخص أخيه، انتفض محله بفزعٍ وقبض على معصمها يبعدها عن مصدر النيران الذي تسلل لسجادة الغرفة هادرًا بفزعٍ: فريدة!
رفعت جفنيها الثقيل بحركة بطيئة له، فانهمرت الدmـ.ـو.ع المحتبسة وهي ترمقه بنظرة معاتبة: عايزة أنتقم منه ومش عارفة إزاي يا أحمد!
برق برماديته بصدmة من الحالة الغريبة التي تبدو عليها الآن، فأحاط وجهها بيديه معًا: فريدة فوقي من الحالة اللي انتي فيها دي يا حبيبتي، بصي حواليكي سالم مبقاش له وجود خلاص أنا اللي جنبك ومعاكي، هعوضك عن كل ده صدقيني.
اكتفت بهزة رأسها بالرغم من إنها مازالت تشتعل داخليًا، فجذبها أحمد للمقعد البعيد عن النيران وعاونها تجلس عليه ثم هرع لحمام الغرفة يحمل سطل من المياه ويحاول اطفاء الحريق قبل أن يتوسع باضراره وهو على اتقان إن قرار البحث عن منزل أخر هو الأنسب لتخطي حالتها تلك.
انتهى أخيرًا من اطفاء النيران، وجلس أرضًا يضم جبينه بيديه لمجرد أن تسلل له بأنها بحالة قد تجعلها تؤذي ذاتها، خاصة بجمود جلستها كالإنسان الألي.
تابعته فريدة بنظرة ثابتة وكأنها قرأت ما بعينيه لها، فقالت ببسمة هادئة: متقلقش عليا أنا كويسة، ممكن حالتي تكون ساءت شوية بس أكيد لما هرجع أتابع مع دكتوري هكون أحسن.
زحف حتى وصل لمقعدها وردد بحـ.ـز.نٍ: وليه كل ده من الأساس، انسي اللي قولتهولك وانسي كل شيء أنا عايزك جنبي يا فريدة. محتاجلك!
ترقرقت دmـ.ـو.عها وببكاء رددت: وأنا كمان محتاجالك. زمن احتاجتلك والنهاردة محتاجالك عن أي وقت. محتاجة إنك تطمني إن كل ده هيعدي، وإن وجودك جنبي وجوازي منك حقيقة.
جذبها إليه بقوة ليضمها بين أضلعه، فتمسكت به وهي تهمس ببكاء: أنا آسفة يا أحمد، أنا مكنتش عايزة حياتنا تبتدي بكده بس غـ.ـصـ.ـب عني اللي عرفته كان صعب.
طبع قبلة على جبينه ويده تحيط شعرها القصير: أرمي كل أوجاعك ليا يا فريدة، أنا جاهز والله أتحمل كل ألــم اتعرضتي ليه.
وأبعدها عنه يضم وجهها وهو يواجهها: قولتلك اعتبريني سالم وعـ.ـا.قبيني أنا، لو هو اللي قدامك هتعملي أيه؟
احتقنت معالمها بقسوةٍ، تتمنى لو انتزعت عنه عينيه التي تشبه عين زوجها، بالرغم من أنه أكثر جاذبية وأكثره حنانًا لا يتشابه بينهما أي شيء سوى القليل ولكنها تجحم بالنيران فور نطقه لتلك الكلمـ.ـا.ت، فارتدت للخلف وهي تحذره: لا يا أحمد إنت مش هو، إنت مش الشيطان ده.
زحف إليها مجددًا وقال باصرار: لو انتقامك منه هيريحك خدي حقك مني، أنا راضي لو ده هيبرد النار اللي جواكي.
تعمقت بتطلعها داخل عينيه بقوةٍ، وهزت رأسها تنفي ما قال، فاتجه يساندها ليخرج بها لغرفته، جلست على الفراش ووجدته يسكب كوب من المياه إليها، فارتشفته على مهلٍ وراقبته وهو يتجه للخزانة ليستعد لتبديل ملابسه قائلًا: في بيت مناسب منزلين اعلانه النهاردة، السكرتيرة بعتتلي التفاصيل أيه رأيك تيجي معايا نبص عليه.
هزت رأسها بغير استحسان: مش حابة أخرج. أنا هنام.
استدار يقابلها بعدmا نزع قميصه: تنامي أيه إنتِ لسه صاحية إنتي وعمران من شوية!
تهـ.ـر.بت منه وهي تتجه لفراشه: عايزة أرتاح يا أحمد.
هز رأسه بتفهمٍ، واتجه يجذب جاكيته يرتديه ومن ثم صفف شعره وانتهى باقترابه منها يجلس خلفها.
احتسبت بكائها حينما لفحت أنفاسه رقبتها فعلمت بأنه خلفها، ربت على خصلاتها القصيرة وهو يخبرها: أنا مش هتأخر. لو احتاجتي حاجة كلميني.
هزت رأسها إليه، وهي تدعي نومها وحينما تأكدت من رحيله نهضت تتجه لأحد الادراج ثم جذبت الملف التي نقلته منذ الصباح تتمعن به بـ.ـارتباك لما ستقدm على فعله.
ارتدى بنطاله وزرر قميصه الأبيض، فأتاه صوت طرقات على باب غرفته جعلته يردد: ادخل.
ولجت شمس إليه تخطو على استحياء حتى باتت جواره لتطبع صورتها بالمرآة من أمامه، ابتسم بمكر وهو يراقب ارتباكها وقال: والله بقى كويس وإنتي كلمتيه وسمعتي صوته أعملك أيه تاني عشان تتأكدي.
فركت أصابعها وتحاشت تطلعها إليه، وبصعوبة قالت: ينفع أروح أطمن عليه.
استدار على إليها وهو يضع ذراعيه بالسترة: لأ يا شمس مينفعش، عمر قاعد في شقة اصحاب عمران وحتى لو مكنتش شقة شباب فمفيش بينكم رابط يخليكي تروحيله.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم حرقة قلبها المتلهف للاطمئنان عليه، فدنى منها على يخبرها برفق: شمس أنا عايزك تاخدي بالك من تصرفاتك أكتر من كده، ويا ريت تفكري في موضوع الحجاب لإن لا أنا ولا عمران متحملين نشوفك كده.
برقت بدهشة إليه، لم يسبق له أن طلب منها أن ترتديه وأن فعل كانت لترحب بذلك، فاستطرد بهدوء: أنا عارف إنك بتبصي لفريدة هانم، بس أنا واجبي إني أنصحك وأحميكِ مقدرش أقدm النصيحة دي لوالدتي حتى لو شايف تصرفها غلط، أنا واثق إنها هتيجي في يوم وهتأخد القرار ده ويمكن لما تبدأي إنتي هي تعملها بعدك.
ردت عليه بحرجٍ اكتظم حنجرتها: أنا كنت بفكر من فترة بالموضوع ده من فترة يا على بس مكنش عندي الشجاعة أخد القرار ده، أنت عارف إن الحجاب لازم يكونله لبس معين ولازم اكون أخدة قراري فيه بدون تراجع.
أحاطها بذراعيه وهو يقربها منه: أنا مكنتش حابب أضغط عليكي وكنن أتمنى تأخدي القرار ده من نفسك بس صدقيني أنا مش قادر أتحمل أي نظرة ليكي من حد، عايزك غالية مش مباحة لأي عين تلمحك. وواثق إنك هتستجيبي لطلبي. ولو ده حصل هخلي مايا وفطيمة ينزلوا معاكي من بكره يشتروا معاكي اللبس اللي يناسبك، ها قولتي أيه؟
اتسعت ابتسامتها فرحة، وقالت: اعتبرني من دلوقتي اتحجبت.
ضمها إليه وطبع قبلة عميقة على جبينها وهو يهمس بفرحة: اعتبرتك واتخيلتك بيه. بس واثق إنك هتكوني أحلى من توقعاتي. بكره هجي معاكي بنفسي.
هزت رأسها بسعادة، وتركته قائلة: هشوف فاطمة.
غادرت من الباب الجانبي بينما وقف هو يستكمل ارتداء حذائه، فتسلل له طرقًا أخرًا على بابه، فصاح: ادخل.
انتصب على بوقفته حينما وجد والدته أمامه، تلاشت ابتسامته البشوشة وهو يراقب اصفرار وجهها وتورم عينيها الغريب، فأجلى صوته: فريدة هانم إنتِ كويسة؟
دنت فريدة منه تتطلع إليه بنظرة مطولة، مرتبكة، كادت بالتراجع عما أتت إليه، فحطم صوته الحنون صوت تفكيرها القارع: ماما مالك؟
أخفضت وجهها أرضًا وقالت بصوتها المبحوح: طول عمرك وإنت كاتم أسراري، يا ترى ينفع أئتمنك على سر أخير يا دكتور؟
رمش باهدابه مطولًا وهو يحاول استيعاب ما يحدث معها، فقطع مسافاته بينهما يحاوط كتفيها بلهفة: طبعًا. كل أسرارك وكل اللي تحبي تقوليه عمره ما يطلع لمخلوق. بس طمنيني عليكِ عشان خاطري؟
رفعت إليه ما تحمله، فالتقطه منها باستغراب، تفحص صفحات الملف الذي بيده بفضول ازداد اتساع مقلتيه بصدmة ضـ.ـر.بته بمقــ,تــل، وخاصة حينما تحرر صوتها الباكي: عايزاك تعالجني يا علي!
ترك ما بيده بملل، ونهض يتجه إليها، صفق الباب وولج للداخل يخبرها: وقت الاستراحة، قومي نتغدى بأي مكان.
زفرت بضيقٍ، وقالت دون أن تطلع إليه: لسه ساعتين على الاستراحة يا عمران. روح كمل شغلك.
أغلق الحاسوب من أمامها وهو يردد: المدير مبيتعاملش معاملة الموظفين يا مايا، قومي يلا نختفي من هنا.
نهضت عن محلها ورددت بضجر: عمران أنا مش عارفة اشتغل منك كل شوية تدخل عليا بحجة شكل، من فضلك سبني أركز أنا كده الحسابات هتبوظ مني.
حاوط خصرها بيده: فداكِ وفدا حبنا يا بيبي.
وقبل أن تعترض جذب حقيبتها إليها وهرول بها للخارج تجاه المصعد، فما أن لمحه السكرتير حتى هرول من خلفه يناديه بصدmة: مستر عمران حضرتك رايح فين لسه في أوراق مهمة محتاجين امضاء حضرتك عليهم.
وقف قبالته وهو يواجه ضحكات مايسان الشامتة، فجذبها خلفه وهو يواجهه بنبرة حزينة: معلش يا حسام خالتي اتوفت ولازم ألحقها. عن اذنك.
وجذب مايا المصدومة من خلفه وهو يصـ.ـر.خ بها مدعيًا تأثره: بينا يا مايا نلحق أمك تودعيها قبل الدفنة، الله يرحمك يا خالتي مـ.ـو.تي وقطعتي في قلبي من وأنا تانية اعدادي!
انفجرت ضاحكة وانصاعت ليده التي تقذفها بالمصعد، فرددت بعدm استيعاب: انت كارثة أقسم بالله.
عدل من ياقة جاكيته بعنجهيةٍ: أنا محدش يتوقعني.
ودنى منها بقربٍ خطر وهو يهمس باغراء: مينفعش امك تمـ.ـو.ت وأسيبك في يوم زي ده من غير ما أقدm تعازي حارة تصبرك على الهم ده، شوفتي إن جوزك قلبه حنين ويميل لحبيبه من على بعد!
دفعته للخلف وهي تشير له: شوفت. ابعد بس.
كاد بأن يقترب منها مجددًا فصاحت به: عمران اطلع من دور المتـ.ـحـ.ـر.ش ده، احنا في مكان شغل!
غمز برماديته بمشاكسة: قلبك مصيره يلين يا جميل.
ضحكت رغمًا عنها، وصفقت كف بالاخر وهي تردد بدهشة: جننتني معاك. مبقتش عارفة إنت وقح ولا مـ.ـجـ.ـنو.ن ولا بتستهبل ولا طبعك أيه؟
دنى منها ليحيط المصعد خلفها بذراعيه المقيدة لحركتها، وردد قبالة وجهها وعينيه لا تفارقها: أنا وقح ومـ.ـجـ.ـنو.ن وحنين وعاشق ومتهور أنا كل الرجـ.ـا.لة دول في بعض، كوكتيل!
خفق قلبها بشراسة جعلتها تستمد أخر ثبات بعقلها، فأبعدته وهي تصيح بتحذير: الاسانسير فيه كاميرات يا عمران. بطل فضايح!
ابتعد وهو يزفر بغـــضــــبٍ، فرفع عينيه للكاميرا بنظرة حانقة وطرق بخفة على بابه متمتمًا: مش بيتحرك ليه ده. عطلان ولا أيه!
كتمت ضحكاتها بصعوبة وراقبت غـ.ـيظه باستمتاعٍ واضح على معالمها.
انسحبت من أمامه وتركته يقرأ الملف بتمعنٍ، وحينما انتهى من القراءة وضعه جانبه على الفراش بصدmة، بالرغم من امتلاكه لتلك الخبرة المكتسبة بالطب النفسي كيف لم يلاحظ مرض والدته؟
تعاني منه منذ أعوام وكانت قبالة عينيه طوال ذاك الوقت كيف لم يلاحظ؟!
اللعنة عساه أصبح طبيبًا فاشلًا لتلك الدرجة، وكأن القدر يسوق له رحلة مريرة كالعلقم يعيشها مرة أخرى مع والدته مثلما يخوضها حتى تلك اللحظة مع زوجته.
كيف سيحتمل سماعها تتحدث بالسوء عن والده، سيمر بأصعب اختبـ.ـارًا قد يساق إليه والمؤلم أنه لم يعتاد رؤية والدته ضعيفة وتبكي من أمامه كيف سيتمكن من عالجها وهو من سيزوره الضعف ويكـ.ـسره دون رأفة!
سحب على نفسًا مطولًا وأسرع يخطو من خلفها، فطرق باب غرفة عمه وناداها بحـ.ـز.نٍ: ماما افتحي!
لم تستجيب إليه، فعاد بكرر طرقه ويناديها: من فضلك افتحي وفهميني إزاي كنتي بتتعالجي كل ده وأنا معرفش! وليه قررتي أني أكون مسؤول عن حالتك دلوقتي، عندي اسئلة كتير هتقــ,تــلني افتحي وجاوبيني عنها عشان خاطري.
لم يستسلم بطرقاته القوية، وفجأة امتنع عنها حينما وجدها تفتح الباب وهي تحدجه بقوة غريبة ارتدتها بحرفية، لتشير بتحذير وصرامه: بطل تخبط بالطريقة المزعجة دي وأوعى تكـ.ـسر الباب، أنا مش عايشة هنا في غابة عشان كل شوية واحد فيكم يكـ.ـسر عليا الباب، كفايا عمك وأخوك السخيف اللي أكيد هيتعـ.ـا.قبوا، من فضلكم كفايا تكـ.ـسروا الأبواب القصر اتبهدل!
امتنع عن الضحك، يبدو أنه فاته أكثر من أمرًا، فرفع يديه باستسلام: مكنتش هكـ.ـسره صدقيني!
هزت رأسها بعدm اقتناع وقالت: بكره هجيلك المستشفى ونتكلم، هنا لأ. قولتلك الموضوع سر. أيه مبتعرفش تصون أسرار المرضى يا دكتور؟
أدmعت عينيه تأثرًا بقوتها، فانحنى يقبل كلتا يديها وردد لها ببحة صوته الباكي: بعرف. وبالذات لو حاجة تخصك.
تهاوت دmعة على وجنتها، فوجدت ذاتها تندفع برأسها على صدره هامسة ببكاء تحاول محاربته: أنا بحبك إنت وأخوك وشمس يا علي، عايزة أعيش حياة طبيعية بعيد عن كل اللي بيطاردني ده، من فضلك ساعدني زي ما ساعدت فاطيما.
ربت عليها وهو يخبرها: هنتخطى كل ده مع بعض، أنا هسيب كل حاجة عشانك. مش هنزل المستشفى ولا أي مكان غير لما أطمن انك بقيتي بخير.
ابتعدت عنه تزيح دmـ.ـو.عها وتلتقط نفسًا يسهل لها التوقف عن البكاء قائلة: لأ، حياتك مش هتقف عشاني يا حبيبي، انزل شغلك وسبني أخد الخطوة الجاية لما أحس اني قادرة أتكلم وأبدأ هجيلك. متضغطش عليا من فضلك.
يعلم بأنها من المؤكد اتخذت عدة سبل عريقة لتصل لباب غرفته تطالبه بعلاجها والفصح عن طبيبها النفسي وما يتعلق بها، لذا رفض الضغط عليها وقال: أنا جاهز وموجود في أي وقت.
منحته ابتسامة متسعة وهي تربت على يده، وقالت وهي تبتعد عنه: هروح أبص على شمس، بقالي فترة مقصرة معاها ومبقتش عارفة حاجة عنها.
قال وهو يتبعها: راكان اتقــ,تــل. طلع وراه مصايب. الحمد لله إن ربنا نجد شمس منه.
جحظت عينيها صدmة: ااتقــ,تــل ازاي! ومصايب أيه؟
لمح زينب وهي تقترب منهما فقال: شمس هتحكي لحضرتك. أنا هنزل أوصل أخت فاطمة في طريقي، وبعدين هروح المستشفى أقدm استقالتي لاني قررت افتتح المركز الخاص بيا ودلوقتي بس لقيت مين المدير المناسب؟
وكأنه يتحدث بالالغاز، مـ.ـو.ت راكان ومن ثم استقالة ومن ثم يخبرها بمدير وكلمـ.ـا.ت غريبة ختمها حينما قال ببسمة واسعة: حضرتك هتكوني مديرة المركز. هلاقي مين يدير المستشفى أفضل من فريدة هانم الغرباوي!
بدت متخبطة مما تسمعه، فقالت وهي تتجه لغرفة ابـ.ـنتها: انزل انت عشان متتاخرش انت وزينب وبليل نتكلم.
أومأ برأسه لها فتركته واتجهت لغرفة شمس ومنحت زينب ابتسامة هادئة وهي تشير لها بمحبة: بالتـ.ـو.فيق يا زينب. بتمنالك يوم لطيف.
ابتسمت الاخيرة بامتنان: شكرًا يا فريدة هانم.
وتركتها وانضمت لعلي الذي تحرك بها على الفور.
انتهى أيوب من أول محاضراته وخرج يتجه للاستراحة الخارجية، فتعجب حينما وجد سيف بهبط من سيارة الاجرة ويسرع إليه بابتسامة واسعة، فنهض يتجه إليه باستغراب: سيف. بتعمل أيه هنا؟
ترك البلطو الطبي منه على الاريكة وقدm له العُلبة التي يحملها قائلًا: طب سبني أخد نفسي الأول.
منحه نظرة ساخرة: على أساس انك جاي مشي!
واتجهت عينيه لتلك العلبة التي يحملها، فتساءل بذهول: ده أيه؟
جلس على الاريكة وهو يجذبه ليجلس جواره قائلًا بحماس: خمن يا ابن الشيخ مهران.
ضحك على طريقته الطفولية، وقال وهو يصدر صوت بأنفه: أممم. أعتقد من ريحتها انها بيتزا ومش أي نوع ده نوع فاخر من الأخر. ريحة السجق باينه فيها يعني النوع اللي أنا بحبه!
ضحك الاخير وهو يهز رأسه مؤكدًا: مجاليش قلب اتغدى من غيرك فقولت أجي نتغدى مع بعض قبل المحاضرة بتاعتي.
برق بدهشة: انت سايب الجامعة وجايلي هنا عشان تتغدى مع بعض يا سيف! انت بتهرج صح!
حرر العلبة وهو يشير له: ههرج ليه مجاليش قلب فعلًا أكل من غيرك.
حك لحيته بحـ.ـز.ن وردد: أنا آسف إنك قطعت المشوار ده كله على الفاضي، إنت عارف اني بصوم كل اتنين وخميس والنهاردة الاتنين يا سيف.
لطم جبهته بتذكرٍ وهمس بضيق: ازاي فاتتني دي!
ابتسم له أيوب بمحبة على ذاك الصديق الحنون الذي يقطع مسافات لأجل طعام يفضله هو، فقرب إليه قطعه البيتزا قائلًا: يلا كل إنت عشان تلحق جامعتك، قدامك مشوار طويل يا دكتور معرفش حقيقي هالك نفسك ليه في المواصلات!
وضع القطعة من يده بالعلبة وأغلقها وهو يشير له بابتسامة مشاغبة: هنسخنها بليل على المغرب. هتشاركيني فيها يعني هتشاركيني فيها.
هز رأسه بتعب وقال: يا سيف اتغدى وروح جامعتك هشيل ذنبك لبليل أنا!
عانده بنظرة جعلت الاخير يخبره بعد تفكير: طب خلاص قوم. كده كده ده معاد شغلي، المطعم اللي بشتغل فيه بيقدm سندوتشات برجر انما أيه عظمة. انا عازمك يا سيدي بدل ما أشيل ذنبك.
ضحك وهو يجذب كتبه ويلحق به قائلًا: فل أوي، اعمل حسابي في أربع سندوتشات مدام أكله حلو.
منحه نظرة محتقنة وصاح: انت داخل على طمع يا دكتور وده مش كويس لا لصحتك ولا لجيبي!
أشار بعدm مبالاة: جيبك وجيبي واحد يا بشمهندس، ولو قصروا هندخل على جيب جو!
ضحك بصخبٍ والاخير يشاركه الضحك، وفجأة تلاشت ضحكته حينما سأله أيوب باهتمام: طمني صديق عمران بقى كويس؟ أنا استغربت انه مشي امبـ.ـارح حقيقي شخص لطيف جدًا من ساعة ما قعدت معاه وأنا محتار ومش مصدق إن في شخص كده!
تجهمت معالمه فجأة فسدد له نظرة اضحكت أيوب رغمًا عنه ومع ذلك همس بخــــوف: في أيه؟ مالك؟
جذب سيف البيتزا من يديه واتجه ليغادر هادرًا بانفعال: أنا غلطان اني جيتلك، ابقى خليه ينفعك.
وتركه ورحل بينما الاخر يهرول من خلفه ضاحكًا: استنى بس يا سيف أنا بهزر معاك، خد هنا بكلمك.
وركض خلفه وضحكاته تصل للاخير، ليصـ.ـر.خ من بين التقاط انفاسه: أقف يلا. مش قادر أخد نفسي، عالجني بسرعة نفسي بيروح شكلي عندي كرشة نفس من البيتزا الفخمة دي!
↚توقفت سيارة على أمام الجامعة الخاصة بطب الأطفال بلندن، فاتجهت بعينيها تجاه زوج شقيقتها تشكره بابتسامة جذابة: مش عارفة أشكرك ازاي يا علي، مكنتش عايزة أتعبك معايا من البداية كده، كفايا إنك صممت إني أكون معاكم في نفس البيت ورفضت قعدتي في الأوتيل، وصممت إني أكون جنب فطيمة ودي في حد ذاتها كبيرة أوي ليا.
انجرف بجسده تجاه مقعدها المستكين جوار مقعد قيادته، ليمنحها نظرة مندهشة انهاها بقوله المستنكر: وبعدين معاكي يا زينب. هو أنا مش نبهت عليكي وقولتلك إنك زي شمس بالظبط. وأعتقد إنك معملتيش بكلامي لإن مفيش أخت بتفضل تشكر أخوها كل شوية بالشكل ده.
اختصرت بسمة متهكمة على شفتيها وإن كانت مؤلمة بعض الشيء: يمكن لإني مجربتش الاهتمام ده من اخواتي فمش متعودة عليه بس.
ينجح دائمًا بلمس أوتار الآلآم النفسية العميقة لاعتياده لمسها بمهنته، يعلم بأن البشر بأكملهم بحاجة إلى طبيب نفسي حتى وإن كان متكاملًا فمن منا لا يحمل ألــمًا يدفعه لخوض مرحلة مؤلمة من جراعات لا يود ارتشافها!
تنهد على مطلقًا صوت أنفاس مسموعه، وقال وعينيه تحيدان عن التطلع بها، بالنهاية هي تجوز له ويتوجب غض بصره عنها: بصي يا زينب أنا مبحاولش أمارس مهنتي عليكي، بس خليكي متأكدة إني موجود وجاهز أسمعك في أي وقت من الأوقات. وبقولك كده لإني حاسس إن في جواكي جـ.ـر.ح كبير بتحاولي تداريه. يمكن ذكريات مش لطيفة جواكِ أو مثلًا تكوني مريتي بتجربة صعبة. فصدقيني لو احتاجتي مساعدتي في أي وقت هتلاقيني جنبك. ممكن تعتمدي عليا.
فور ذكره لتجربة سابقة احتل وجدنها صورته أمام عينيها، فانقبض قلبها وكأنه على وشك التخلي عنها ليلوذ بالفرار، ابتلعت زينب ريقها ببطءٍ وهي تحاول تنظيم أنفاسها المضطربة لمجرد أن تذكرته، هو بالنسبة لها أبشع ذكرى، أبشع تجربة، أبشع كابوس، الأبشع في كل مقارنة ستخوضها طوال حياتها.
استعادت اتزانها وهي تحاول رسم ابتسامة تخدع بها من تظن بأنه اقتنع وانخدع بها: أكيد يا علي، بشكرك مرة تانية.
حررت باب السيارة وخطت بخطوات سريعة كأنها تفر من وحش يمد بساطه ليسحبها لقوقعة الماضي المؤلم، وفجأة تبلدت قدmيها حينما هبط من خلفها يناديها: دكتورة زينب استني.
استدارت إليه ونسبه للقلب الطبيبة لاح لها بابتسامة صغيرة، فعادت له ببسمة رقيقة: خير يا دكتور علي!
ابتسم لها وهو يقترب، فأخرج من جيبه مبلغًا من المال وبترددٍ رفعه قبالتها وكأنه يجابه الحرج: زينب لو رفضتي مني الفلوس دي همشي وأنا زعلان منك. أكيد إنتي معاكي عملة مختلفة ويمكن تحتاجي أي شيء. فخليهم معاكي.
رفعت حقيبتها وكتبها إليها بخجلٍ، ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها قبل أن تُوضع بموقف هكذا، فدنى منها على أكثر بعدmا لاح له فكرة ستعاونه برفع الحرج عن كلاهما: بالمناسبة ده مقدm من مرتبك عشان ت عـ.ـر.في إني كريم معاكي. مفيش مدير بيدي موظفينه فلوس قبل ما يستلم الشغل.
رفعت عينيها إليه متسائلة بدهشة: شغل أيه؟
سعد بمبادلتها سؤالها: أنا بفتتح مركز ضخم وأكيد هحتاج لدكاترة أطفال وإنتي أول واحدة في التيم طب الاطفال ولا ناوية تتخلي عني!
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها وقالت: ما شاء الله. بجد خطوة ممتازة يا على ألف مبروك مسبقًا.
وبتـ.ـو.ترٍ استطردت: بس أنا لسه قدامي سنين في الجامعة مينفعش أشتغل من دلوقتي!
بدد ارتباكها وقلقها حينما قال: دكتورة تحت التمرين يا دكتور، كده كده هيكون دكتور سيفو اتخرج لان دي أخر سنة ليه فهتكوني تحت ايده لحد ما تاخدي الشهادة.
تساءلت باستغراب: دكتور سيفو مين ده؟
ضحك بمرحٍ وهو يوضح لها: صديق لينا أنا وعمران هينضم لينا.
هزت رأسها بفرحةٍ وقالت بحماس طغى على نبرتها: أكيد هفرح لو كنت معاك يا علي.
ابتسم لها بوداعةٍ وحرك رماديته للمال الذي يحمله قائلًا بعبثٍ: طيب أيه هفضل رافع ايدي بالفلوس كده كتير ولا أيه يا دكتور؟
تنحنحت وهي ترفع يدها بـ.ـارتباكٍ لتجذب منه المبلغ قائلة باستحياءٍ: شكرًا يا علي.
منحها نظرة غاضبة واستعاد وقفته للسيارة مرددًا: نفس الكلمة اللي هتخضعني لدكتور نفسي على الصبح، ماشي يا زينب هشوفك على الساعة 5 عشان أرجعك البيت.
وفتح باب السيارة وهو يتابع لها: معاكي رقمي لو احتاجتي أي حاجة كلميني. أوكي؟
منحته ابتسامة وإيماءة صغيرة من رأسها، والامتنان لوجود زوج أخت مثله بحياتها فجأة يزداد مع كل معروف يقدmه لها، فعادت للداخل بعد مغادرته تستكشف مقرها الدراسي الجديد بـ.ـارتباكٍ وخــــوف تغلب عليها حينما وجدت أمام عينيها المحرمـ.ـا.ت تندرج بكل زواية.
وكأن هؤلاء يستبحن المحرمـ.ـا.ت بكل مكان حتى مكان مقدس كالدراسة، هنا يتمدد اثنين يمارسان القذارة أمام أعين الجميع وكأنهما حـ.ـيو.انات مجردة من الحياء، وعلى الطرف الاخر مجموعة من الشباب والفتيات يلهون بصيحاتٍ مقززة وكلمـ.ـا.ت بذيئة.
لوهلة شعرت وكأنها ستتقييء ولكنها تماسكت وابتعدت عن كل ذلك، فدخلت للمبنى الجامعي تتأمل رؤية فتاة واحدة عربية.
لاح لها الأمل بعد رؤية عدد بسيط من الفتيات المحجبات وتمنت أن تتعرف على احداهن، وان تكون منهن من ستشاركها فصلها، فاتجهت للفصل الصغير التابع إليها حتى وإن كان مازال على محاضرتها نصف ساعة ولكنها على الأقل ستكون على ما يرام بعيدًا عن كل تلك القذارة.
فتحت زينب باب الفصل واستعدت للدخول فجحظت عينيها صدmة وتبلد جسدها وكأنها سُكب عليها ماء مثلج للتو حينما وجدت فتاة وشابًا في وضعٍ مخل جعلها تتراجع للخلف وهي تبرق بصدmة خاصة حينما انتبهت لها الفتاة ونهضت تقترب منها وهي تصيح بجراءة: هيي أنتِ لماذا تقتحمين المكان هكذا؟
بينما رفع الشاب نفسه وهو يغمز لها بوقاحة: دعيها إيجا. ربما تود أن تشاركنا. ما رأيك يا فتاة فلتنضمي إلينا!
تبلد حركتها وكأنها كانت اشارة صريحة إليه بموافقتها، ولطالما ينتابهم هوس جنوني تجاه الفتاة العربية التي تخبئ جسدها خلف تلك الثياب المحتشمة.
جذب بنطاله يرتديه واقترب إليها ببطء، والاخيرة تحاول التراجع للخلف ولكن قدmيها كانت ملتصقة بالأرض تأبى التزحزح وكأن مشهد من ماضيها اللعين يساق لها من جديدٍ.
##
يمان، إنت فين؟ من فضلك الوقت اتاخر وأخويا هيزعقلي إنت روحت فين؟
نادته وهي تبحث عنه بين طوابق المنزل المتسع الشبيه بال?يلا، لا تعلم كيف تمكن من كسب قلبها ومن بعده ثقتها ولم يمر على تعرفها به شهرين، كل ما تعلمه بأنها أحبته وأحبت اهتمامه الزائد بكل تفاصيلها.
تعشقه حينما يسألها بمنتهى الحنان هل يصيبها مكروه أو هل هي على مايرام؟
أسئلة فشلت يومًا بالحصول عليها من أخواتها وكأنها لقيطة يعطفون عليها بنفقة الطعام فقط، ومنذ أن تعرفت به كان يغدقها بالثياب والمجوهرات الثمينة وحينما كانت ترفض ذلك كان يغـــضــــب وبشـ.ـدة وهذا ما كانت تخشاه. غـــضــــبه!
كانت أحيانًا تشعر وكأنه يمتلك شخصًا أخرًا داخله، شخصًا يتلبس، جسده وقتما تستميل غـــضــــبه، ولكن قلبها اللعين مازال يكرر عشقه لشخصه وفتنة شخصيته المختلفة عن كل الرجـ.ـال، فعشقته ويا ليتها ما فعلت!
تراه الآن أمامها، يخطو بكل ثقته بعدmا تخلى عن قميصه وبقى ببنطاله فقط، يستعرض قامة جسده وتكوينه القاس من أمام عينيها، حتى بات يقف نصبها يقدm لها كأسًا من العصير ويمنحها بسمة متلاعبة: كنت بحضرلك حاجة تشربيها، ميصحش تدخلي بيتي لأول مرة ومضيفكيش بالشكل المناسب يا حبيبتي.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ، ورفضت تتناول منه الكوب، تراجعت للخلف وتمرد عنها الذعر المختبئ ليشـ.ـدو بين مقلتيها، وبصعوبة أجبرت لسانها على النطق: يمان أنت ليه قلعت قميصك؟
واستدارت راكضة للأريكة تحمل حقيبتها وهي تردد برجفة: آإ. أنا عايزة أمشي، من فضلك روحني.
نظراته تجاهها كانت غامضة مثل شخصيته الغريبة، وجدته ينحني ليضع العصير على الطاولة والحـ.ـز.ن يتردد إليه، متابعًا: معندكيش ثقة فيا يا زينب! يعني كنتِ بتصحكي عليا طول الأيام اللي فاتت لما قولتيلي أنك بقيتي بتثقي فيا!
حركت رأسها والتـ.ـو.تر يصل إليها زحفًا مع كل خطوة يقترب فيها منها، فرددت بتلعثم: بثق فيك يا يمان، بس أأا، أنا اتاخرت وإنت عارف أخويا ما بيصدق أرتكب أي غلطة عشان يآآ، آآ.
انتزعت كلمـ.ـا.تها حينما بقيت محاصرة أمامه والحائط من خلفها، فرفع يده يطرق على الحائط بغـــضــــب وصل من صوته القاتم: اخوكي ده لو عاد يمد ايده الو دي عليكي هقــ,تــله!
رفعت عينيها لعينيه بهلعٍ انتباها حينما تلاشى لون حدقتيه المميز وبات محمرًا كجمرات النيران المشتعلة، فانسابت دmـ.ـو.عها وهمست إليه بتوسلٍ: يمان أرجوك عايزة أمشي.
منحها ابتسامة غريبة، معاكسة لاحمرار عينيه وتراجع عنها وهو يشير: اشربي العصير وهنتحرك فورًا.
تعلقت نظراتها بالكوب بـ.ـارتباك، تخشى من سماع القصص المستهلكة بأن يكون وضع لها أي شيء، قلبها تألــم من مجرد رؤيتها مشهد كذلك، هو الوحيد الذي وثقت به وسيقــ,تــلها إن كان ينتمي لتلك الفصيلة الوضيعة.
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت ابتسامة تخادعه بها، وهي تدنو من الطاولة، تلتقط الكوب باصابع مرتشعة وتقربه لفمها، فتعمدت أن تسقطه أرضًا.
تراجعت للخلف مدعية احراجها، وانحنت تجمع الكوب المنكـ.ـسر مرددة: أنا أسفة مقصدتش، هلم حالًا الازاز وهنضف المكان.
وضع ساقًا فوق الاخرى وهو يراقبها بابتسامة ساخطة، فأشار بيده: قومي وابعدي عن الازاز يا زينب.
ونهض فجأة إليها يقترب حتى جذب معصمها ودفعها خلفه فانخفض ضغط دmائها، ويدها الاخرى تستمـ.ـيـ.ـت بتحرير معصمها: يمان إنت واخدني على فين؟ سيب ايدي من فضلك أنا عايزة أروح!
دفعها بقوة تجاه تلك الطاولة المستديرة، فاستقامت بوقفتها خاطفة نظرة للمكان من حولها، فوجدت أنها بالمطبخ ووجدته يتجه للبراد فجذب دورق من نفس العصير يرتشف منه أمامها وألقاه بقوة أسفل قدmه، فتراجعت بخــــوف من رؤية الزجاج ونظراتها العاجزة عن فهم ما يحاول فهمه تتجه إليه فوجدته يصيح غاضبًا: أكيد مش هأذي نفسي لو كنت حطتلك حاجة في العصير زي ما أنتِ شاكة فيا.
وتابع وهو يغادر المطبخ بعصبية: هغير هدومي وهنزل أوصلك. لو عايزة تمشي لوحدك مش همنعك انتي عارفة طريق الباب.
غادر للطابق العلوي تاركها تفرك أصابعها بضيقٍ مما فعلته، بينما يتشح هو بابتسامة خبيثة ليتها تراها، فخرجت للردهة تنتظر هبوطه.
استغرق خمسة عشرة دقائق وهبط إليها بملابسه السوداء المعتاد بـ.ـارتدائها وكأن اللون الاسود لا يخص الا هو، فمنحها بسمة ساخرة: غريبة انك لسه هنا! مخــــوفتيش أحاول أكرر اللي كنت بعمله أحطلك تاني مـ.ـخـ.ـد.ر وأعتدي عليكي مثلًا!
لعقت شفتيها في محاولة لابعاد الجفاف عنها يكفيها مرارة حلقها: يمان أنا أسفة، أنا والله بحبك وبثق فيك بس اللي عاشته فطيمة أختي واللي أنا عشته مع اخواتي خلاني فقدت الثقة في كل اللي حوليا حتى نفسي!
أبدى تعاطفه معها فدنى منها يفرق ذراعيه قائلًا بمكرٍ: أنا مش عايز غير حـ.ـضـ.ـنك يا زينب، وأنا واثق إني العوض ليكي عن كل المعاناة اللي عيشتها.
وضعت رأسها أرضًا وضمت حقيبتها مجددًا وهي تجاهد خروج الكلمـ.ـا.ت التي حتمًا ستغـــضــــبه: مش هقدر أقربلك غير لما يكون في بينا رابط رسمي يا يمان، أنا جيت هنا معاك عشان متزعلش مني وتشيل كل أوهام عدm الثقة دي من راسك لكن غير كده سامحني مش هقدر.
أخفض ذراعيه وأطبق أظافره بلحم يديه معًا بقوةٍ وغـــضــــبٍ يعاكسه تلك الابتسامة الجـ.ـا.مدة ونبرته: ولا يهمك، أنا مقدر كل ده ومستني لما اليوم ده يجي وتبقي مراتي يا زينب.
واتجه للباب يكرر لها: يالا عشان متتأخريش.
استعادت وعيها في تلك اللحظة التي رفع بها يده ليجردها من حجابها، وكأنه بلمسته ألقى عليها لعنة، فدفعته بكل قوتها للخلف وركضت للخارج كمن لقت شبحًا يود افتراس لحمها.
والأبشع لها بأنه هرول من خلفها بغـ.ـيظٍ على ما فعلته، اتجهت زينب للدرج الضخم تهبط للاسفل وعينيه المرتعبة تتفحص ذاك الذي يهبط من خلفها.
التوى كاحلها وكادت بالسقوط، فاستندت ذراعيها على من يقابلها في لحظة صعوده للطوابق العلوية حيث يختص الطابق الاخير من المبنى تاركًا الطوابق الاولى للسنوات المبدئية للطلاب الاصغر سنًا ليتفاجئ بتلك التي تندفع بجسدها نحوه ووجهها مسلط للأعلى!
شعرت بأن جسدها يستند على جسدًا قاس، يحيل عن سقوطها أرضًا، فاستدارت برأسها للأمام لترى ماذا يحدث معها؟
وجدته يصوب عينيه لها بنظرة مهتمة لمعرفة ما يصيب تلك الفتاة المحجبة، فضيق عينيه بتيهةٍ وهو يحاول تذكر أين تمكن من رؤية تلك الملامح المألوفة إليه؟
بينما كانت هي تجد الغوث قبالتها وإن كان بأي شخصًا سيظهر لها بذلك الوقت، فاعتدلت بوقفتها تترجاه ببكاء: ساعدني من فضلك، هذا الشاب يلحق بي ويريد الاعتداء علي!
تحركت حدقتيه المشتعلة بغـــضــــب تجاه ذاك الشاب العاري من خلفها، والذي أشار له بكل فظاظة: تراجع عنها والا سأحطم عنقك. دعها لي وأعدك بأنها ستستمتع برفقتي كثيرًا.
احتل الغـــضــــب كل خلية بجسد سيف، فجذب معصمها ليرغمها على هبوط الدرج لتلك الطرقة، وقدm لها كتبه والبلطو الخاص به، ثم نزع عنه ساعته الباهظة ليضعها فوق الكتب ومازالت زينب تراقب ما يفعله باستغرابٍ، وقبل أن تتمكن من تحليل ما يفعل وجدته يصعد الدرج بخطوات بطيئة بدت خطرة للغاية، وقد صدق حدسها حينما انهال على ذاك اللعين بلكمة قوية جعلته يسقط عن الدرج ليستقر أسفل قدmيها.
هبط إليه سيف ودفعه ليجثو من فوقه، ويديه تقدm لها ما تلاقنه تلك السنوات من تعليم قابض بالملاكمة، فجعل وجهه كالخريطة العابرة، لا يعلم ذاك الوقح بأنه لم يكن ذلك الشاب الذي يقمع قوته لأبشع درجة ونادرًا ما يسوقه أحدٌ ليدافع عن نفسه، وللعجب أنه يفعلها للمرة الاولى ولأجل تلك الفتاة!
أربعة سنوات قضاها بتلك الجامعة ولم يجرأ يومًا على رفع يده على أحدٌ من قبل، كان يستقيم ويمضي بمفرده دون صحبة، لإنه وببساطة هو الشاب الهادئ الذي يفضل البقاء بمفرده منعزلًا، حتى بتجمعات أخيه واصدقائه كان يختلي بنفسه بغرفته للمذاكرة فقط، لم يعرف صديقًا قط فكان يوسف هو الأخ والصديق والأب وكل شيء يمتلك، حتى زاره أول صديق أيوب بن الشيخ مهران.
ارتعبت زينب وهي تراقب ما يحدث أمامها، وقد تسنى لعقلها تذكر ملامحه، ويا لحظها هو نفس الشاب اللطيف الذي قابلته بالمطعم ذاك اليوم وقدm لها المثلجات واعتذر أكثر من مرة بلباقة عن وقاحة صديقه، لا تعلم لما ابتسمت وهي تتابعه بنظرات ساكنة.
جذب سيف رأسه إليه وصاح بحدة: استمع لي أيها المعتوه، إن لحقت الفتاة مجددًا أعدك بأنني من سيقــ,تــلع عنقك الوضيع هذا، هل سمعت؟
أومأ برأسه عدة مرات والذعر يفترسه من ذاك العتي، فدفعه بركبته وهو يأمره بصرامة: والآن اغرب عن وجهي.
فور سماعه لتلك الكلمة رحل راكضًا، فكان يخطو الدرج وكأنه سيحلق من فوق كل ثلاثة درجة، حتى سقط مرتين وهو يلوذ بالنجاة، بينما انتصب سيف بوقفته بثقةٍ وهو يعود ليسترد كتبه والبلطو الخاص به وأخيرًا ساعته، متسائلًا باهتمام: انتِ كويسة؟
هزت رأسها ويدها تحاول ازاحة دmـ.ـو.عها عنها، ورددت بصوتٍ منتحب: لولاك مش عارفة كنت هكون كويسة ولا لأ.
وتابعت بـ.ـارتباك وهي تتجه للدرج، فجلست عليه تجاهد ارتجاف جسدها: ده أول يوم ليا هنا ومكنتش أعرف إني هشوف كل المناظر المقززة دي وأخرهم في الClass، أنا مش عارفة إزاي مسموح بالقرف ده جوه الجامعة.
ابتسم ساخرًا على جملتها، واتجه نهاية الدرج مجلس مناسب له، ليجيبها: هنا بيتسمى تحرر وحرية شخصية وممكن لو حد سمع اعتراضك هيسموه بالجهل.
تهاوت دmـ.ـو.عها بانكسار وسألته وهي تستدير بجلستها إليه: يعني أيه؟ أنا هكمل وسط القرف ده السنتين اللي فاضلين ليا؟
وتابعت بانهيار تام: أنا مستحيل أقدر أنـ.ـد.مج مع القذارة دي. أنا كده مستقبلي هيضيع!
شفق عليها حقًا، فإن كان هو رجلًا يجيد صعوبة بالتعامل مع ذلك الوضع الذي سبق لاخيه الخوض به لذا يصمم عليه بجنون أن يزوجه سريعًا فكيف لفتاة تحمل رؤية كل تلك المشاهد المقززة.
أجلى سيف صوته المحتبس وقال: مضطرة تتحملي الوضع ده مؤقتًا يا آ...
رفعت عسليتها إليه وعلى استحياءٍ قالت: زينب.
ابتسم لها وهو يستطرد: أنا عذرك وفاهمك. علشان كده هنصحك باللي قدرت أتخطاه هنا طول السنين دي.
سألته وعينيها تتابع كتبه بفضول لمعرفة بأي صف هو: هو إنت في سنة كام؟
لمح نظراتها الفضولية التي تود استكشاف كتبه، وقال بصوته الرجولي: أنا في أخر سنة، وكان عندي حلم عبـ.ـيـ.ـط أكون دكتور جامعي بس لما جيت هنا وقررت الاستقرار غيرت رأيي لأني مش هقدر أتكيف على الوضع ده فالأفضل اني اتخرج بسرعة واستلم شغل بعيد عن هنا بسرعة.
وجاء دوره ليتساءل: دي أول سنة ليكي؟
هزت رأسها نافية وأجابته: التانية.
بنفس ابتسامته قال برزانة وتعقل: طيب بصي يا زينب، عشان تعدي اللي فضالك هنا لازم تكوني واعية ومدركة للي هتخوضيه هنا، أولًا متدخليش فصلك الا في معاد المحاضرة بالدقيقة ويُفضل تكوني أخر واحدة تدخلي الفصل وأول واحدة تطلعي منه، أول ما المحاضرة تنتهي مش بس تسيبي الفصل وتنزلي لا الجامعة كلها...
هزت رأسها بلطف وهي تستمع له باهتمام وكأنه يلقنها نصائح للخلاص، فتابع هو: وأوعي تكوني صداقات مع أي حد، لإن للأسف مش هتقدر تفهمي عقليتهم ولو حصل ممكن تجيبي لنفسك مشاكل انتي في غنى عنها، لو حظك كان حلو واتعرفتي على بـ.ـنت متدينة زيك تمام محصلش خليكي في نفسك وبس، أي شخص حاول يضايقك انسحبي من المكان فورًا ومتفكريش إنك بلجوئك لادارة الجامعة هتقدري تاخدي حقك، لإن القوانين هنا شوية مش منصفة لينا.
عادت بتحريك رأسها إليه، فسألها مجددًا: انتي قاعدة في سكن للطالبات؟
نفت باشارة جديدة من رأسها وكادت بأن تجيبه فأوقفها رنين هاتفها، أخرجته بـ.ـارتباك من حقيبتها وهو يتابعها باهتمام انقلب لقلق حينما رددت: ألو، أيوه سمعاك. لأ أنا آ...
رفعت الهاتف إليها فانصدmت حينما وجدته مغلق بعد انتهاء بطاريته، فهمست بضيق: ده وقته هيقلق عليا!
لا يعلم لما انتابه ضيقًا وغيرة غريبة وكأنه وقع في عشق فتاة منذ أعوامٍ! عنف ذاته الغريبة ونظف حلقه قائلًا: لو حافظة الرقم ممكن تطلبيه من على موبيلي!
وكأنه اليوم أتى بنجدة كوارثها، منحته زينب نظرة ممتنة ورددت بحرجٍ: لو مش هتقل عليك يعني.
ابتسم وهو بستقيم بوقفته ليخرج هاتفه: لا أبدًا، تحت أمرك.
قدm لها الهاتف ولكنها فضلت بأن تملي عليه الأرقام، فعبث باللائحة يضع الأرقام من خلفها، وحرر زر الاتصال فضيق عينيه هاتفًا باستغرابٍ: ده رقم علي!
رفرفت باهدابها بدهشة: إنت تعرفه؟
أكد لها وهو يتابع انطـ.ـلا.ق رنين المكالمة: طبعًا دكتور على صديقنا هو وعمران أخوه.
زوت حاجبيها بذهول وابتسمت وهي تردد بتخمينٍ مرح: يكونش إنت الدكتور سيفو اللي كان بيتكلم عنك من شوية!
وما كاد باجابتها حتى أتاه صوت على يجيب: دكتور سيفو بيتصل بنفسه، ده أيه اليوم المميز ده أكيد البطل فكر في عرضي وقرر يبلغني موفقته صح؟
ضحك سيف وأجابه بمزحٍ: حبببي يا دكتور أنا مستغناش عنك وإنت عارف بس مش أنا اللي كنت عايز أكلمك هي صدفة باحتة بس لذيذة.
وقدm الهاتف لزينب التي تتابعه بعدm استيعاب، فقالت بخجل: علي!
صمت قليلًا وراح يتساءل بدهشة: زينب! إنتي اتعرفتي على سيف؟
ارتبكت قليلًا وهي لا تعلم أن كانت تخبره بما حدث لها بأول يوم دراسي أم لا، بينما يتابعها سيف بعقلٍ مشغول بالعلاقة التي تجمع على بتلك الفتاة؟
استخرجت صوتها أخيرًا وأجابته: أنا موبيلي فصل شحن وأنا بكلمك وخــــوفت تقلق فدكتور سيف عرض عليا يساعدني عشان أطمنك عليا، مكنتش أعرف انكم تعرفوا بعض.
رد بضحكة قوية: سيفو ده حبيبي وأخو حبيبي، حيث كده بقى أقدر أطمن عليكي أي حاجة تعوزيها سيف موجود، هتسد ولا مش قدها يا دكتور؟
ابتسم الاخير وأجابه بمجاملة: في الخدmة وتحت الأمر يا علي. وإنت عارف.
تبادلا المزح فيما بينهما وحديث قصير انتهى باغلاق المكالمة ومازال سيف لا يفهم العلاقة التي تجمعه بها، فسألها باستغراب: هو دكتور على يقربلك؟
نهضت عن الدرج تنفض ثيابها وهي تجيبه: يبقى جوز أختي.
أسبل عينيه في دهشة وإن كانت لطيفة، وهمس بصوتٍ منخفض: كده يوسف هيلكبشنا في بعض من بكره، والمرادي مش هعترض!
بتقول حاجة؟
افاق على صوتها المتساءل، فقال مشيرًا لها: لأ أبدًا. كنت بقولك اطلعي لمحاضرتك ومتقلقيش أنا هطلع معاكي وهوصي البروفيسور عليكي. أنا أعرف كل الدكاترة هنا.
ابتهجت معالمها ولحقت به للأعلى، فما أن ولجوا معًا حتى هم إليه البروفيسور ورحب به بمحبة غريبة عادت لمستواه الممتاز وترتيبه المذكور بجدارة، فامتنت للحظ الذي أسقطها بطريق هذا الشاب المكتظم بداخله رجلًا يحمل كل معاني الشهامة والرجولة، فاتجهت لمقعدها وتابعت رحيله بابتسامة حالمة، تبددت فجأة حينما تذكرت قصة حبها السابقة وجريمة ما تلقته على يد شخصًا نجح بالحصول على اهتمامها وحبها وبالنهاية وجدته شيطانًا متنكرًا يقدm لها درسًا بعدm الوثوق بأحدٍ قط!
وضعت حزام الأمان من حولها، وتابعت انجراف السيارة عن طريق المطعم الخاص باستقبال طلبيات شركات عمران الغرباوي، فاستدارت إليه تتساءل بدهشةٍ: إنت رايح فين ده مش طريق المطعم؟
لاح على وجهه بسمة مشاكسة، وصاح باستنكارٍ: هو إنتِ فاكرة إني هفكر في غدا ومعايا طبق حلويات بالمكـ.ـسرات! طموحاتك ضايعة خالص يا مايا ولازم تفكيرك ينحرف عشان يتماشى مع تفكيري!
رفرفت بأهدابها بعدm استيعاب لما قال: إنت بتقول أيه؟ وواخدني على فين يا عمران؟
استدار برأسه إليها ويده تمسد على حجابها قائلًا بطريقة مضحكة وكأنه يجابه طفلته الصغيرة: حبيب قلبه خايف من جوزه يا ناس! متخافيش يا عسلية أنا مش بتـ.ـحـ.ـر.ش بالبيبهات الصغننة العسليات اللي زيك أنا عاقل!
ارتابت مايسان لأمره ومع ذلك طريقته بدلالها جعلها تنخرط بموجة من الضحك وما زاد صدmتها حينما خـ.ـطـ.ـف يده يدغدغ بطنها قائلًا: أيوه كده اضحك وفك يا عسلية.
أبعدت يده وقد احمر وجهه من فرط الضحك، وجسدها يتلوى بالمقعد، فحاولت بصعوبة التماس الجدية والحزم: عمران كفايا، هنزل من العربية بطريقتك المريبة دي صدقني أنا بحاول أفهمك بس كل يوم بكتشف فيك حاجات جديدة.
ضحك حتى ظهرت غمازاته، وصاح بفتورٍ مضحك: الله بجددلك معايا عشان ميحصلش ملل بينا يا بيبي، ده مزعل حبيب قلبه في أيه؟!
وجدت نفسها خاسرة أمام لسانه المعتاد على هزيمة من أمامه فتحلت بالصمت وعبثت بهاتفها لتشتت فكرها عنه، فأبعد يده عن الفرام وبحركة خاطفة سحب الهاتف من يدها محذرًا إياها: موبيل وأنا معاكي ممنوع يا بيبي.
حاولت سحب الهاتف منه وهي تصيح بانفعال: عمران بطل استفزاز اديني الموبيل فاطيما باعتالي وإنكل أحمد كمان باعتلي رسايل.
هز رأسه نافيًا، واستدار لها بهذا القرب يخبرها بخبث: ممكن اسمحلك بعشر دقايق لو طاوعتيني.
تجعد جبينها بعدm فهم: أطاوعك في أيه أكتر من نزولي معاك في وقت الشغل، لسه في كارثة تانية؟!
اقترب بوجهه منها وقدm خده إليها، فعلمت مقصده، تراجعت للمقعد وربعت يديها أمام صدرها بغـ.ـيظٍ جعله يقهقه ضاحكًا، فلزمت الصمت وأحجمت غـ.ـيظها بصعوبة، لتجده يسحب كف يدها وإبهامه يرق بلمساته فوق جلدها الناعم، وقربها إليه يطبع قبلة صغيرة وهو يهمس بصوتٍ هامسٍ: أنا عارف إني بنرفزك من الصبح حقك عليا يا روحي.
وقدm لها الهاتف قائلًا: كلمي اللي تحبيه. وياريت تكلمي فريدة هانم أنا نزلت وسبتها نايمة عايز أطمن عليها.
ابتسمت بفرحة وهي تستعيد هاتفها، ففتحت الرسائل وكان أول من أجابته أحمد، فاستدارت لعمران تخبره: أنكل أحمد باعتلي صور لبيت كبير وبيقول أقول رأيي أنا وانت لانه هيشتري البيت ده وهننقل فيه كلنا.
زوى حاجبيه باستغراب، وردد: معقول ماما تكون هي اللي طلبت كده، مستحيل يأخد قرار زي ده لوحده أكيد هي اللي طلبت بكده. ازاي والبيت ده كل حياتها!
ومرر يده بخصلاته المتمردة وهو يتابع بصوت منخفض لم تتمكن من سماعه: للدرجادي الموضوع فارقالها وعايزة تنساه!
انتبهت لهمساته الخافتة فسألته بشكٍ استنادًا عما حدث سابقًا: عمرات انت مخبي عني حاجة؟
انتبه لها فصف سيارته فور وصوله لوجهته، واستدار إليها يضم وجنتها بين دفء يده الخشنة، ليجيبها بحبٍ: حبيبتي انتي مش غريبة عشان أخبي عنك حاجة، إنتِ من العيلة وقريبة من ماما يمكن أكتر مني أنا شخصيًا، وعد هحكيلك كل حاجة بس أنا دلوقتي محتاج أفصل من كل حاجة فجبتك معايا هنا، مكاني الخاص!
التفتت للنافذة المجاورة لها تتفحص مقصده، فانفتر فاهها وهي تراقب ذاك الكوخ الخشبي القابع بجنة من حدائق الزهور وبركات المياه التي تحيطة من ثلاث جهات، وبالرغم من ضخامة المساحة المقام عليها الكوخ الا أنه كان مثيرًا يخـ.ـطـ.ـف الأنفاس.
هبطت مايسان لتنضم بوقفتها لعمران الذي يقدm يده لها، فضمت يدها يده واتبعته وهي تتساءل بانبهارٍ: ده أيه يا عمران؟
أزاح نظارته الشمسية السوداء عن عينيه وتأمل ما تتأمله عينيها، مجيبها: كان مخطط يكون مشروع من مشاريع الشركة، بس بعد ما اشتريته اتعلقت بيه ووقفت تتفيذ مشروع الأوتيل اللي كنت هنفذه، خليته ملكية خاصة بيا بس، كل ما بحس بنفسي مخـ.ـنـ.ـوق ومفيش مكان حابب أروحه بعيد عن يوسف وجمال باجي هنا.
رددت ومازالت عينيها تراقب كل أنشن صنع ليبرع جمال طلته: المكان يهبل بجد.
منحها ابتسامة جذابة وسحبها للدرج الخشبي: ولسه من جوه. تعالي.
اتبعته للداخل فحرر مفتاحه الباب الخشبي، ودفعه بقدmه فاتبعته للداخل، فوقفت تتأمل التنسيق الخرافي من داخله، كل شيئًا يحوم بلمسة الخشب الأحمر الرائع، المدفئة، الفراش الحوائط، الأثاث بأكمله، كل شيءٍ وضع بلمسة عتيقة وكأنه يعود لقرون مضت ورفض الانصياع لأي تجديد يقام هنا.
تسللت عينيها لذاك المقعد المألوف فأسرعت إليه وهي تشير لعمران الذي تابعها باهتمام ليعلم إن كانت ستكتشف الأمر أم لا، وقد أتته تؤكد ظنونه حينما قالت: عمران الكرسي!
هز رأسه بإيماءة خفيفة لها، وراقبها وهي تركض لتجلس عليه وتتحرك به بفرحةٍ اتبعت حديثها العفوي: كنت بتقعد عليه كل ما بتكلمني فيديو، ولما سافرت لندن كان نفسي أدخل أوضتك عشان أجرب الكرسي ده، ولما أخيرًا نجحت ودخلتها ملقتهوش حتى في الجناح الخاص بينا مكنش فيه، إزاي مجربتش أسالك عنه قبل كده!
دنى منها ثم قرب الطاولة ليعتليها قبالة وجهها: لإني كنت بحب أكلمك من المكان ده، عشان ت عـ.ـر.في إني من صغري وأنا رومانسي وعاطفي.
اعتلى الحـ.ـز.ن معالمها، فتوقفت عن هز المقعد الهزاز وانحنت بجلستها لتكون قبالته نفس الشيء: وده اللي خلاني أحبك وأتوقع إنك تطلبني للجواز بأقرب وقت يا عمران، معرفش ليه فجأة هدmت كل اللي بينا وبقى في واحدة تانية في حياتك، أربع سنين بعدت فيهم عني وأنا معرفش عملت أيه خلاك تبطل تكلمني أو حتى ترد على مكالمـ.ـا.تي!
خيم الحـ.ـز.ن على رماديته، فنزع عنه جاكيته وانحنى قبالتها ليكون على نفس مستواه، حرر حجابها بلمسة خاطفة وضم وجهها بيديه وكعادته يترك إبهاميه يزيحان دmعاتها، وباقي أصابعه تسند رأسها لتبقى منصوب قبالته: حبيبتي كل ده فترة وعدت، أنا قولتلك إني كنت مخدوع ورا شيطاني ونزواتي الحقيرة، بس والله العظيم كل ده اتدفن والمـ.ـيـ.ـت مستحيل هيرجع أبدًا، مايا أنا بحبك وعايز أكمل حياتي معاكي، عايز يكونلي أولاد منك!
خفق قلبها بشراسةٍ وعينيها لا تفارق خاصته، وجدها تبعد المقعد للخلف وتنحني قبالته، تختبئ داخل أحضانه خجلًا من نظراته وكلمـ.ـا.ته، فابتسم وهو يضمها إليه بصدرٍ يرحب بفرارها من مواجهته، وانحنى إليها يقبل خصلاتها بحبٍ وهمس أذابها بين ذراعيه: أنا عنيا وقلبي مبقاش فيهم غيرك يا مايا. بحبك ونفسي ترضي عني بس!
وتابع وهو ينحني برأسه لأذنيها: مشاعرك وحبك ليا أنا قادر ألــمسهم، مش فاضل غير إنك ترمي أوجاعك كلها وتسلميلي!
ابتسمت بين ذراعيه ورفعت عينيها إليه تطالبه بأغرب شيء توقعه بتلك اللحظة العاطفية: غنيلي يا عمران.
تلاقى مقدmة حاجبيه بسخطٍ: ده وقته بذمتك! ده أنا خـ.ـطـ.ـفك من الشركة كام دقيقة يا حبيبتي!
تحرك كتفها بدلال: مزاجي كده.
منحها ابتسامة خبيثة، ولف ذراعه أسفل ساقيها، لينهض بها بنظراتٍ كانت خطيرة مفهومة وخاصة حينما قال: تعالي أقولك مزاجي أنا بقى جايبني لأيه يا بيبي!
خبيتي عني كل ده يا شمس؟ ليه هو أنا عايشة في دولة تانية مش معاكي في نفس البيت؟
كلمـ.ـا.ت مستنكرة نطقت بها فريدة وهي تحاول استيعاب ما تخبرها به ابـ.ـنتها، مرورًا بمحاولة اختطفها نهاية برفع راكان السلاح عليها وتخليص آدهم لها في كل المواقف التي ذكرتها.
تعالت شهقات بكائها وهي عاجزة عن اجابة والدتها، فتخلت فريدة عن حدتها وفرقت ذراعيها قائلة بصوت حنون: تعالي.
ابتسمت وهي تركض لأحضان والدتها، ضمتها بقوة وهي تربت على ظهرها، انتابها خــــوفًا قـ.ـا.تل لمجرد تخيل أن السوء قد يمس ابـ.ـنتها الوحيدة، وامتنت بالشكر لذاك الآدهم المجهول عنها، فأبعدتها عنها ورمقتها بنظرة مطولة من زرقة عينيها، قبل أن تسدد سؤالها الصريح: بتحبيه يا شمس؟
امتقع وجهها بحمرةٍ قاتمة، كيف ستخبر والدتها بهذا الأمر، فرغمًا عنها أومأت برأسها وهي تحاول سرقة نظرة عابرة لوجه والدتها فوجدتها تبتسم وهي تضمها إليها هامسة: مش بقولك فايتني كتير.
وتابعت بمكر وهي تربت على ظهرها: بكره هنروح أنا وأنكل أحمد بنفسنا نزوره ونشكره بنفسنا على اللي عمله معاكي مينفعش يكون اتصاب ومنعملش معاه الواجب.
رفعت عينيها الشغوفة إليها وتساءلت: بجد يا مامي هنروح نشوفه؟
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها، وقالت بخبث: انا وإنكل أحمد انتِ مينفعش تروحي يا قلب مامي علشان الدكتور على والبشمهندس عمران هينقلبوا ضدك لو جيتي.
تجهمت معالمها وبات الحـ.ـز.ن والخذلان يقمعان عليها، فضحكت فريدة وهي تراقب ما يحدث لها وقالت مستنكرة: شكل الموضوع أكبر من إعجاب بينك وبينه يا شمس، أنا موافقة أخدك معانا بس أوعي على ولا عمران يعرفوا بده. عارفة إني غلط بس هعمل أيه سبق ووقعت في الحب قبل كده وحاسة بيكي!
برقت بدهشة وعدm استيعاب لما قالته، فلفت ذراعيها حول رقبتها وهمست بفرحة: أنا بحبك أوي يا مامي. بجد بحبك.
ابتسمت وهي تمسد على ظهرها بحنان، وابعدتها وهي تنهض قائلة: يلا قومي غيري هدومك وأنا هخليهم يحضرولنا الغدا على الpool تحت.
وقبل أن تتجه للخروج استدارت تخبرها بـ.ـارتباك: هاتي فاطمة وإنتي نازلة تتغدى معانا. وأنا هشوف مايا.
وأغلقت الباب تاركة شمس في حالة من الصدmة مما يحدث مع والدتها اليوم بداية من تقبلها قصة حبها بآدهم ونهاية برغبتها في وجود فاطمة لجوارها!
وضع الخط بهاتفه بعد أشهر اتخذها بالاحتراس لاداء مهمته، فكان يحترس بالاتصال التابع لمصر إلى ممرضة أبيه ليطمئن على صحته من وقتٍ لأخر وكان يتحاشى الاتصال به شخصيًا لأنه يعلم بما سيفعله ككل مرةٍ يذهب بها لاحد المهمـ.ـا.ت، ولكن تلك المرة كان الأمر يتعلق بوالدته.
واليوم قرر الاتصال بأبيه ليطمئن على صحته فأتاه صوته متلهفًا حزينًا يعاتبه: أخيرًا افتكرت إن ليك أب يا عمر!
سحب عمر نفسًا ثقيلًا وقال: حقك عليا يا بابا، أنا عارف اني مقصر معاك بس غـ.ـصـ.ـب عني صدقني.
انت يا ابني مش شايف حاجة في حياتك غير الانتقام لمـ.ـو.ت أمك ونسيت ان أبوك راجـ.ـل مريـ.ـض على وش مـ.ـو.ت ولا أنا ماليش حق عليك زيها يا عمر! ناوي تتكرم وتحن على أبوك أمته لما يفارقك هو كمان!
انتفض ألــمًا لسماعه تلك الكلمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة بالصميم وقال: ألف بعد الشر عليك يا حبيبي متقولش كده، أنا ليا مين غيرك استند عليه!
اتاه صوت أبيه الباكي، ولأول مرة يستمع إلى بكائه لدرجة زادت من جـ.ـر.ح اصابته في مقــ,تــل: 8شهور يا ابني لا بتسأل عليا ولا بسمع صوتك ولا عارف انت حي ولا مـ.ـيـ.ـت، من بعد وفاة امك وأنا خسرتك معاها يا عمر، كنت فاكرك هتعوضني عن فراقها طلعت انت مفارقني معاها، ليه يا ابني أنا مبقاش في عمري الكتير عشان استحمل غيابك وشغلك اللي مببتهيش.
وتنهد وهو يخرج تأويهات مؤلمة: أنا كبرت ومحتاجك جنبي، محتاج أحرر العبئ اللي شلته على قلبي من سنين، عمر أنا علشانك ضحيت بحتة مني يا عمر، وخايف يا ابني أقابل ربنا وأنا شايل ذنبي على كتافي. عايزك تشيله عني عشان أرتاح.
ضيق عينيه بعدm فهم، وسأله: أنا مش عارف أيه اللي وصل حضرتك للحالة الغريبة دي من فضلك اهدى وفهمني مالك؟ ذنب أيه اللي تقصده؟
زفر بقهرٍ وهو يخبره برجاء: ارجع مصر أنا محتاجك، ووقتها هصارحك بشيء خبيته عن أمك وعنك طول السنين دي كلها، أنا عارف إنك ممكن تنكـ.ـسر بعد اللي هتعرفه بس واثق انك هتساعد أبوك ومش هتتخلى عنه يا عمر.
فرك جبينه بـ.ـارهاق وعقله لا يتوقف عن فهم مضمون حديث أبيه، فقال: حاضر يا بابا. أوعدك اني هرجعلك بأقرب وقت بس اديني على الاقل كام يوم أرتب نفسي بس.
ولا يوم يا عمر. أنا معتش عندي صبر لفراقك سامعني!
صارحه بحقيقة الأمر وإن لم يكن بحبذ ذلك: بابا أنا انتقمت من اللي كان السبب في مـ.ـو.ت أمي، وخلاص مهتمي انتهت بس محتاج الوقت ده لإني آآ، لاني مصاب بس متقلقش أنا كويس والله والجـ.ـر.ح سطحي، يومين تلاته بس أقدر أقف على رجليا وهرجعلك يا حبيبي. هرجع تحت رجليك أطلب عفوك عني أنا غـ.ـصـ.ـب عني فارقتك مكنتش هتحمل أعيش وأنا عارف إن أمي اتخدت غدر بسبب ولاد ال اللي دخلولها المـ.ـو.ت بالدوا أنا دلوقتي مرتاح.
استمع لصوت بكائه من جديد، فتوسل له: عشان خاطري دmـ.ـو.عك بتزيد و.جـ.ـعي، أنا راجع والله وهسمعك ومهما كان اللي مخبيه صعب أنا جاهز أتقبله. انت مش كان نفسك اني أتجوز وأملى البيت ليك أحفاد. ابسط يا عم لقيت بـ.ـنت الحلال اللي دخلت قلبي ومزاجي.
توقف عن البكاء وسأله بلهفة: بجد يا عمر، مين؟
أجابه بابتسامة رسمت على وجهه: مش هتعرفها يا حبيبي لانها من هنا بس متقلقش مش خواجية. أهلها ناس محترمين ومقمين هنا من سنين، إنت يعني تايه عن نقاوة سيادة الرائد ولا أيه؟
ضحك الاخير وأخبره: متنزلش غير لما تشبكها.
شاركه الضحك وقال بمشاكسة: هكتب عليها قبل ما أرجعلك. انا معنديش خلق للخطوبة والكلام الأهبل ده وبصراحة أخاف تضيع مني لإنها يتطمع فيها بصراحة.
قهقه ضاحكًا وأزاح دmـ.ـو.ع عينيه قائلًا: وهي هتلاقي فين أحسن من عمر الرشيدي، يالا ده أنت طول بعرض بهيبة بجمال، طالع لابوك طول عمرك تقــ,تــل قلب النسوان بطرف عينك بس.
انفرط عمر بنوبة من الضحك ومازحه: عشان كده وفاء اتكلت بدرى وسابتك يا حاج.
رد عليه بعاطفة: وحـ.ـشـ.ـتني أوي. البيت من غيرها قبر يا عمر.
تألــم قلبه وأدmعت عينيه، فأزاح دmعته وصاح بصرامة: بقولك أيه يا تـ.ـو.فيق يا رشيدي فكك من جو الصعبنيات ده وقولي اللي عايز تقولهولي. شكلك كده عايز تلعب بديلك وتتجوز بعد وفاء صح؟
ردد ساخرًا: هو أنا فيا حيل أصلب طولي يا عبـ.ـيـ.ـط، أنا لولا الممرضات اللي معايا هنا في البيت كان زماني اتكلت من زمان.
بعد الشر عليك يا حبيبي متقولش كده تاني، أنا محتاجك جنبي. عايزك جنب أولادي في وقت ممكن أكون فيه مش جنبهم وفي شغلي.
صمت قليلًا ثم قال: لو ربنا مد في عمري لحد اللحظة دي هيكون فضله كبير عليا أوي يا ابني، لكن أنا كل اللي بتمناه تحققلي طلبي الأخير قبل ما أمـ.ـو.ت.
طلب أيه؟
قولتلك ده سر هقولهولك لما ترجع وهتحتاج تكون فيه الرائد عمر الرشيدي مش ابني اللي ربيته، وظيفتك هتساعدك توصل للي أنا بدور عليه لحد النهاردة ومش قادر أوصله، أنت تقدر يا عمر تجمعني بيه.
بمين؟ أنا ليه حاسس انك مخبي حاجة كبيرة؟
هي كبيرة فعلًا يا ابني، ارجع أرجوك.
حاضر يا حبيبي، يومين تلاته وهرجع بإذن الله. خد بالك انت بس من صحتك وأنا أوعدك مش هتأخر عليك، في رعاية الله.
أغلق عمر الهاتف ووضعه جانبًا ومازال حديث أبيه المبهم يجتاز عقله، ترى ما الشيء الهام الذي يخفيه عنه وفجأة قرر البوح عنه؟
انقطع تفكيره فور سماع دقات باب غرفته، فنهض يتكأ على كتفه وفتح الباب ليتفاجئ بشابٍ من أمامه يبتسم له ويتساءل: أخبـ.ـارك أيه النهاردة يا رب تكون بقيت أفضل؟
ضيق عينيه بتعجبٍ وراح يخمن: إنت جمال؟
هز رأسه بالنفي وقال وهو يقدm يده ليصافحه: أيوب صاحب سيف.
تذكر أمره المتناقش بالافطار فضحك وهو يصافحه قائلًا: أيوه إنت صديق دكتور سيف اللي عامل عليك كماشة.
ضحك بصوته الرجولي مؤكدًا له: بالظبط كده. أنا لسه مخلص شغل واستلمت مكالمة من دكتور يوسف بيأكد عليا أعملك الغدا وأكلك بنفسي وطبعًا طلباته أوامر. عشان كده جهزتلك شوربة خضار وفراخ. مردتش أزعجك من وقت ما رجعت لتكون نايم بس سمعت صوتك من شوي. فعرفت انك صاحي. تسمح بقى تخرج تتغدى.
تابع حديثه الطويل بتمعنٍ، وقال بابتسامة جذابة: مالوش داعي والله التعب ده كله، كفايا تعب يوسف وعمران وعلى معايا.
اسنده أيوب وخرج به للردهة قائلًا: تعب أيه بس، يلا بس عشان معاد الدوا لو يوسف رجع من العيادة ملقاش الدوا اتخد هينفخني.
شاركه الضحك حتى وصل به للأريكة فعاونه أيوب على الجلوس ومن ثم وضع الصينيه المستديرة أمامه، فحاول عمر رفع يده ليتناول الملعقة ولكن ألــمه كتفه كثيرًا فاستسلم للخضوع جواره.
تفحصه أيوب بنظرة شاملة وهو يسكب كوب المياه ويضعه من أمامه، فجذب الطبق والملعقة وقربها إليه قائلًا بمرح: يا رب بس أكلي يعجبك أنت عارف طبيخ رجـ.ـا.لة الغربة أشبه بطبيخ زنزانة السـ.ـجـ.ـن كده.
وتابع باستفهام: صحيح إنت ظابط ممكن تكون جربت أكل السجون قبل كده يعني سهل تتقبل أكلنا!
انفجر آدهم ضاحكًا وتابعه أيوب بقوةٍ، فهمس له بصعوبة بالحديث: متقلقش أنا كظابط متعود التأقلم على أي شيء. ناولني المعلقة وأنت على يقين انها هتكون أطعم من السم اللي بنضطر تشربه بالتدربيات.
ضحك وهو يقدmه إليه فأوقفه آدهم قائلًا: استنى، شيل البسلة من الشوربة مش بحبها.
ابتسم أيوب وأزاحها بالملعقة وهو يخبره: وأنا كده مع إنها أساس شوربة الخضار بس بكرهها.
ابتلع آدهم الملعقة من يد أيوب وحينما ابتلعها تحركت يده تلقائيًا لكوب المياه في نفس لحظة نطق أيوب: ولما بتجبر أشربها بشرب بوق مية بعد كل معلقة!
أخفض آدهم الكوب عن فمه بعدmا ارتشف رشفة واحدة منها ليقابله بنظرة مندهشة والمياه داخل فمه بينما الاخير يبتسم مرددًا بعفوية: شكلنا منسجمين في كره البسلة وشرب المية!
ابتلع وهو يبتسم له بمحبة كبيرة لا يعرف سببها، وراح يسأله: إنت بتشتغل هنا ولا بتدرس ولا حكايتك أيه؟
أفشى حبات البسلة عن الملعقة وناولها لآدهم وهو يجيبه: حكايتي بقت أشهر من فيلم سينما لسه امبـ.ـارح حكيها لعمران والنهاردة هحكيها ليك. بس تمام هقولك نفس الكلمـ.ـا.ت المختصرة ابن الابن الوحيد للشيخ مهران بعد عشرين سنة حرمان من الخلفة وجيت هنا ادرس رغمًا عن أنفه لانك عارف بقى فراق الولد الوحيد والقصة اللي يمكن تكون غريب. عليك.
قاطعه بنزق: لا مش غريبة عليا لاني وحيد أبويا وأمي بردو.
ضحك وهو يشاكسه: إنت شبهي حتى في الوحدة أيه ده اوعى تكون كمان زميلي!
تعالت ضحكاته وهو ينفي ذلك قائلًا: أنا أكبر منك بسبع سنين يا بشمهندس.
ابتسم وابتسامته لا تفارقه أمام هذا الرجل الغريب الذي احبه أكثر من باقي الشباب وارتاح لمجلسه، فتابع الاحاديث فيما بينهما حتى نهض ليحضر له الادوية، فجلس جوار آدهم وأفرغ محتويات الحقيبة، تفحصها وهو يردد: أمممم، أربع حبوب دلوقتي وتلاتة بعد العشا. خلينا في دلوقتي.
وانحنى يسكب كوب من المياه ثم أفرغ بيد آدهم أول حبة، فهز رأسه نافيًا وقال: حط الأربعة.
تابع أيوب وضع باقي الحبوب بابتسامة مندهشة وتابعه بترقب لما سيفعل، لينصدm بشـ.ـدة حينما ابتلع آدهم المياه بجوفه وفجأة ألقى بعدها الحبوب ليبتلعهما معًا وحينما استقام بجلسته نظر له باستغراب لطريقة تطلعه إليه وقال بشك: مالك؟
أجابه أيوب بدهشة: كنت فاكر إني الوحيد اللي بأخد الدوا بالطريقة الغريبة دي!
وتابع بنفس النبرة وعينيه تحوم بالفراغ: انت حكايتك أيه بالظبط يا حضرة الظابط، نفس التقزز من البسلة وشرب المية ودلوقتي نفس طريقة شرب الدوا إنت عايز تصاحبني عن قناعة إننا شبه بعض ولا أيه؟
تمردت ضحكاته الرجولية الصاخبة وردد بمشاغبة: ليه أنا مش وا.طـ.ـي لدرجة إني أعمل مشاكل بينك وبين دكتور سيف في أول لقاء بينا، اضحك وهزر معايا براحتك وأول ما يرجع معرفكش.
وجده يحاول التمدد على الأريكة فأسرع إليه يعاونه، ووضع خلف ظهره وسادة صغيرة، فشكره آدهم وردد بـ.ـارهاق: تسلم ايدك يا بشمهندس. أنا بأخد الدوا ده ومعرفش أيه بيحصلي بروح في دنيا تانية.
منحه أيوب ابتسامة هادئة وقال: أنا هدخل أذاكر جوه لو احتجت أي حاجة ناديني.
هز رأسه إليه قبل أن ينساق لنومٍ ثقيل جعل الأخير يتسلل بحرصٍ حتى لا يوقظه، ومازالت الابتسامة والمحبة تحيطه تجاه هذا الرجل الذي أسعد كثيرًا بالتعرف عليه.
وصل على بسيارته للمنزل فهبطت زينب ولحق بها، كانوا بطريقهما للداخل حينما استوقفهما نداء شمس من حديقة المنزل، فأشار لها بأن تتبعه وإتجه لطاولة الطعام الضخمة القريبة من المسبح، فأشارت شمس لزينب بالجلوس لجوارها بينما ظل على محله لدقيقة لا يصدق ما يراه، والدته تجلس جوار فاطمة وكلتهما تتبادلان الحديث بهمس منخفض وكأن بينهما العديد من الأسرار، تنحنح بخشونة حينما نادته فريدة بدهشة: واقف عندك كده ليه يا علي؟
حرر زر جاكيته وجلس بالمقعد المقابل لفاطمة التي منحته ابتسامة أهلكت جوارحه، فتعلقت عينيه بها لا سواها.
قربت فريدة طبق الدجاج المتبل من زينب وسألتها بابتسامة بشوشة: طمنيني يا زينب يومك الأول بالجامعة كان لطيف؟
ارتبكت للغاية فور تذكرها ما حدث ومع ذلك تلاشت أي ذكرى قد تدفع أحدًا لسؤالها عما أصابها، وقالت: الحمدلله يا فريدة هانم، أول ما خلصت محاضراتي رجعت على طول.
هزت رأسها ببسمة هادئة ثم استدارت جوارها تتساءل بدهشة: مش بتأكلي ليه يا فاطيما الأكل مش عجبك ولا أيه؟
ارتبكت من اهتمامها الغريب منذ الصباح، وتناولت شوكتها تدفعها بقطع الدجاج: لا بالعكس الأكل جميل جدًا.
اتجهت أعين على لشمس يشير لها بصدmة، فغمزت له بضحكة مشاكسة تؤكد له صفاء الاجواء بين والدته وزوجته منذ فترة لا بأس بها.
أيه ده بتتغدوا من غيري!
نطقها من يقترب ليحتل مقعده جوار فريدة منحني على رأسها مقبلًا إياها بهمس وصل للجميع رغم انخفاضه: أيه الجمال ده كله.
اختلجت معالمها وهمست على استحياءٍ: الاولاد قاعدين يا أحمد عيب!
منحها ابتسامة غير عابئة، واقتبس نظرة لعلي قائلًا: دكتور على فينك يا راجـ.ـل؟
ابتسم باستمتاعٍ وهو يتابع انجذاب والدته به وقال بمشاكسة: أنا اللي فيني يا عمي، ولا أنت اللي من ساعة ما اتجوزت فيري واختفيت من الوسط كله ونسيت أصحابك الأوفياء!
انطلقت ضحكاته بصوتٍ جعلها تبتسم وهي تراقبه بعشقٍ، وقال: هدي اللعب يا صحابي يا وفي، أنا لسه مبقاليش كام ساعة متجوز لحقت تدخل في اسطوانات هتطول معانا الفترة الجاية.
وتابع وهو يدفع هاتفه إليه: بص على البيت ده كده وقولي رأيك، أنا خلاص خلصت فيه وبكره هأخد فريدة ونكتب العقد.
حمل على هاتف أحمد وتساءل بحيرة: بيت لمين؟
أجابه أحمد وهو يلتقط الطبق الذي أعدته فريدة له: لينا يا علي. هنسيب البيت ده وهننتقل للبيت الجديد لو عجب فريدة ومعندهاش أي اعتراض.
وزع نظراته بينه وبين والدته بدهشة، ولم يرضخ فضوله لما يحدث خاصة بعلمه بمكانة المنزل لوالدته فقال: ده قرار حضرتك ولا قرار مين؟
أجابته فريدة بعصبية بالغة أوشكت أعراضها لنوبة يعلمها على جيدًا: قراري أنا يا علي. أنا اللي طلبت من أحمد يشوفلنا بيت تاني نعيش فيه لاني مش قادرة أعيش هنا بعد اللي اكتشفته عن الحقير اللي كنت متجوازه، هتعارض قراري وتفضل هنا ولا هتيجي معايا؟
توسعت أعين شمس من سماع حديث والدتها، وهتفت بتعجب: ليه بتتكلمي على بابي بالطريقة دي!
تدخل أحمد بالحديث بضيق من طريقة حديثها وقال: مفيش حاجة يا شمس، مامي بس متنرفزة شوية ومش عارفة هي بتقول أيه.
نهضت عن مقعدها بغـــضــــب: قصدك أيه يا أحمد قصدك اني مـ.ـجـ.ـنو.نة!
نهض قبالتها يحاول تهدئتها بنظراته المحذرة لها: مقصدتش يا حبيبتي، أنا بس بحاول ألفت نظرك ان أعصابك مشـ.ـدودة في وجود شمس والبنات.
وبإشارته لاسم ابـ.ـنتها بالأخص جعلها تبدأ بالاسترخاء قليلًا، فاستدارت تجاههم وقالت ببعض التـ.ـو.تر: أنا مرهقة شوية ومحتاجة استريح، عن اذنكم.
وتركتهم ورحلت ومن خلفها أحمد الذي ترك طعامه ولحق بها للاعلى.
ما أن تأكدت شمس من ابتعاد والدتها حتى تساءلت بحيرة: مالها مامي يا على وليه قالت الكلام ده على بابا!
رفع ذقنه المستند على ذراعه وقال بهدوء: مفيش يا شمس زي ما أنكل أحمد قال كده فريدة هانم مرتبكة شوية يمكن لإنها لسه في بداية علاقة جديدة بعد ما رفضت الارتباط سنين طويلة.
واستكمل وهو ينهض عن الطاولة: كملي أكلك يا شمس وشوفي زينب مأكلتش حاجة من ساعة ما قعدت شكلها لسه مكسوفة.
هزت رأسها تنفي اتهامه: بأكل والله حتى شوف.
منحها ابتسامة صغيرة، بينما يدنو من فاطمة فانحنى إليها يخبرها بابتسامة صافية: خلصي أكلك وأنا مستنيكِ فوق عشان نبدأ جلستنا النهاردة.
أومأت برأسها بخفة، فتعمق بنظراته تجاهها وكأنه يضمها ضمة جعلتها تشعر بطيف يحيط بها، فتابعت عمق رماديته بتـ.ـو.ترٍ، وعادت أنفاسها لطبيعتها فور استقامته واتجاهه للأعلى، فوزعت نظراتها بين شمس وزينب وهي تحمد الله بأن كلتهما تتشاركان الحديث ولم تلاحظ أحدهن اقترابه منها لهذا الحد.
انتهت من ارتداء حجابها واستعدت للمغادرة، فوجدته يقف بالأسفل فاستقبلها بفتح باب السيارة قائلًا بغمزة: سمو الملكة.
ابتسمت وهي تفرد التنورة وتنحني قائلة بدلال: مولاي الملك.
انطلقت ضحكاته فأمسك معصمها قبل أن تدخل مقعدها وقربها إليه يهمس بخبث: مولاكِ الملك راضي عنكِ كل الرضا يا فتاة. استغنى بكِ عن كل الجواري.
ضحكت بصوتها كله وقالت: عليك بالاستغناء عنهم والا استغنيت عن روحك مولاي.
اتفلتت سيل ضحك من عمران ولم يستطيع التوقف حتى بعد صعوده للسيارة، فتحرك بها على الفور.
راقبته مايسان ببسمة حالمة، وحاولت جاهدة أن تجلي صوتها قائلة: عمران.
أجابها ومازالت عينيه على الطريق: حبيب قلبه!
كبتت ضحكاتها وهي تفجر قنبلتها: في خبر مش لطيف عايزة أقولهولك بس مش عارفة ازاي.
حانت منه نظرة مهتمة لها: اتكلمي يا مايا. في أيه؟
قوست شفتيها بنفورٍ: نعمان جاي لندن.
أوقف سيارته بسرعة جعلتها تحتك بالرصيف مصدرة صوتًا مزعجًا، واتجه بوجهه لها: مين؟! لأ متقوليش. متتكلميش، ياااااه على الرزالة والخبر الملزق اللي يصد النفس بعد المتعة ده.
ضحكت على ما يحدث معه، فقد كان حالها يشبهها منذ أن علمت بالخبر المجيد وقالت: مش عارفة الاسبوعين اللي هيقعدهم هنستحمله ازاي، بصراحة خالك ده أرزل خلق الله ومعرفش خالتو بترحب بيه ليه في بيتها.
رفع احد حاجبيه باستنكارٍ: هو خالي لوحدي! مهو خالك إنتي كمان.
أخفضت رأسها بتهكمٍ صريح: مش بحبه ولا عمري حبته، ده بيعشق الأذى للخلق. فاكر يا عمران كان بيضـ.ـر.بنا ازاي واحنا صغيرين وفريدة هانم مكنتش بتصدقنا وبتصدقه هو!
تلون وجهه بغـــضــــبٍ قـ.ـا.تل، وعاد يقود سيارته متأججًا بعصبية قوله: كان زمان الكلام ده، أنا بقيت أطول منه الوقتي. أقسم بالله لو مقعدش باحترامه المرادي لاشخلعه ولا هيهمني مخلوق.
كبتت ضحكاتها وقالت تزيد من غـــضــــبه الصاعد: أنا مش متخيلة هيعمل أيه لما يعرف إن خالتو كتبت ورثها في أسهم الشركة ليك إنت وعلى وشمس، انت مش عارف هو كان مقهور ازاي لما مامي الله يرحمها كتبتلي ال25في المية باسمي ورفضت تبيعله نصيبها ودلوقتي ال25 التانين بقوا ملك ليك ولاخواتك. صدقني هيمـ.ـو.ت لانه كان حاطط أمل إن فريدة هانم تبيعله وبكده عدد أسهمه هيعلى وشركة العيلة هيكون هو المساهم الأكبر فيها.
سحب نفسًا صاخبًا، وصاح بتريثٍ: قبل ما يوصل لازم أروح شركة الغرباوي بكره أرتب شوية حاجات، علشان أكون جاهز للقائه اللي يصد النفس ده، مالقاش غير الوقتي ويجي بروح أمه!
كبتت ضحكاتها بصعوبة، ورددت ببراءة مصطنعة: عمران ما تكسب فيا جميل وتشتري أسهمي أنا مش عايزة أي شيء يجمعني بنعمان الغرباوي. أقفله إنت زي ما أنت متعود بقى.
خـ.ـطـ.ـف نظرة مندهشة لها، وصاح ساخرًا: حبيب قلب جوزه الجبان بيخلع وعايز يدبسه مع نعمان يا ناس.
تعالت ضحكاتها وأقرت له: جبان جبان يا عمهم مش أحسن ما أقف قدامه ويضـ.ـر.بني زي ما بيعمل كل مرة، ده أيده طويلة ولسانه سليط.
اقمع وجهه بغدافية مخيفة، فمنحها نظرة صارمة وصاح بعنفوان: ده أنا كنت كـ.ـسرتله ايده بروح أم اللي جابوه. أقسم بالله العلي العظيم لو عادها تاني ورفع ايده عليكي لاقطعاله. خلاص العيل الصغير اللي كان بيضحك عليه بالcandy كبر وبقى راجـ.ـل وقد كلمته.
عصبيته جعلتها تتراجع عن حوارها المرح، فقربت يدها من يده المتحكمة بالفرام وقالت ببسمة هادئة: ده اللي أنا واثقة منه، علشان كده مش خايفة من لقائه المرادي طول ما أنت موجود جنبي أنا مطمنة يا عمران.
انزاح غـــضــــبه وتبدد كمن لم يحضر له، وتمسك بالمقود بيد واليد الاخرى يقربها لصدره هامسًا بعشق: حبيب قلبه إنتي يا مايا، يا روحي أنا أفديكِ بعمري وبكل ما أملك.
أغلقت عينيها بقوةٍ وانسجام، فتابع القيادة بتركيزٍ حتى انجرف لطريق المنزل، اعتدلت بجلستها وتساءلت باستغراب: احنا رايحين تاني فين يا عمران، مش قولت وراك شغل كتير وآ.
قاطعها حينما أجابها بغمزة جريئة: هوصلك البيت ترتاحي شوية كفايا الارهاق اللي بذلناه بعد المجهود ده.
لكزته بقوةٍ وهي تصيح بغـ.ـيظ: إنت وقح!
ادعى برائته وهو يشير لها: أنا غلطان اني خايف عليكي من ضغط الشغل اللي انتي فيه من الصبح.
زمت شفتيها بسخط: هو أنا لحقت اشتغل!
هز رأسه بموافقة لما قالت وهمس لها: اعتبربه أخر يوم ليكي في شركاتي ده لو انتي خايفة على مركزي وشغلي، لكن شركة الوراثة مقدرش أمنعك منها ولا من لقاء الخال نعمان الملزق!
انتابها النفور من ذكر اسمه وقالت بسخرية: دي أول شركة هتنازل عنها. أنا مش عارفة هقول لانكل أحمد الخبر ده ازاي، شوف هو ابن عمه وعلى الرغم من كده مش بيطيقه.
قال بنزق: بلاش تقوليله الراجـ.ـل عريس جديد ومحتاج أعصابه سبيه يتأخد الصدmة بكره خبط لزق.
هزت رأسها بتأكيد وحملت حقيبتها ثم فتحت الباب لتغادر قائلة بابتسامة رقيقة: هتتأخر؟
حك ذقنه النابتة بحرجٍ: بصراحه هتأخر لاني بعد الشغل هعدي على سيف أطمن على آدهم. أنا عارف إني المفروض أقضي معاكي وقت أطول من كده بس غـ.ـصـ.ـب عني الظروف كلها جايه مع بعضها.
ارتسمت الحـ.ـز.ن على معالمها وقالت بعتاب: أيه اللي بتقوله ده يا عمران. من غير اصابة آدهم أنا عارفة إنك بتحب تقضي وقت مع يوسف وجمال زي ما أنت متعود فأنا مستحيل الحاجة اللي تفرحك تزعلني بالعكس بكون سعيدة لما بشوفك فرحان.
واستطردت بابتسامة أبهجته: وعلى فكرة إنت مش مقصر معايا علشان تقول الكلام ده.
منحها بسمة جذابة، ثم قال: ابقي طمنيني على فريدة هانم ومتنسيش تدي السلسلة اللي ادتهالك لشمس.
هزت رأسها بخفوت وأغلقت الباب من خلفها ثم ولجت للمنزل بينما غادر هو للشركة مرة أخرى.
استمع دقات خافتة على باب الغرفة، فابتسم لعلمه بمن الطارق، انطلق صوته الخافت يردد: تعالي يا فطيمة.
ولجت للداخل بخطوات مترددة، حتى باتت قبالته فنهض عن مقعد مكتبه الصغير واتجه ليقف قبالتها مشيرًا للمقعد المقابل إليه مشيرًا: اتفضلي.
جلست قبالته وترقبت ما سيقول، فجذب على قهوته الساخنة يرتشف منها على مهلٍ، ثم قال: النهاردة يومنا هيكون مختلف. عايزك تكلميني عن نفسك يا فطيمة. وعن اخواتك. زينب قالتلي إن عندكم أخين ومع ذلك لما كنتي بتتكلمي شوقك وحنينك مكنش غير لزينب ليه؟
امتعضت معالمها فور تذكرها لاشقائها، فاخفضت عينيها اللامعة بالدmع أرضًا وصوت اضطراب أنفاسها تحذره مما سيخوضه معها، فأسرع بالحديث: تحبي نأجل كلام في الموضوع ده؟
هزت رأسها بالنفي وقالت دون أن تقابل عينيه: أنا وزينب ملقناش حنان في حياتنا غير من والدي ووالدتي يا علي، اخواتنا الاتنين زي عدmهم مفيش واحد فيهم يعنيه أمرنا، أنا طول الايام اللي فاتت كان شغالني زينب عايشة معاهم ازاي وهما ميعتمدش عليهم، كأننا مش اخواتهم، أنا أخويا الصغير كان عايز يعيش دور الرجولة علينا فكان كل حاجة يتحجج ويضـ.ـر.بنا وراضي نفسه كده إنه راجـ.ـل.
اهتز جسده بعنف لتخيله ما عانته طوال حياتها، الا يكفيها الاعتداء الذي تعرضت له، شعر بتثاقل صدرها من فرط احتباس دmـ.ـو.عها فجذب يدها لتنهض إليه تستكين باحضانه، يده تربت على خصرها وهو يهدهدها كطفلته الصغيرة.
اتخذت ثواني معدودة حتى رفعت يديها معًا تحيط عنقه ومسكن أوجاعها ومهدأها الوحيد هو ضمته القوية ورائحته التي تهييء عقلها للابتعاد عما سيزورها الآن.
استكانت لدرجة جعلته يسترخي بجلسته هو الأخر، ففرده وجهها على كتفه وقالت بصوت رقيق: أنت الراجـ.ـل الوحيد اللي قابلته وحسسني آني بني آدmة. إنت الوحيد اللي رجعني للحياة بعد ما ضاع طريقها عني. أنا بحبك أوي يا علي. بالله عليك متبعد عني في يوم من الأيام.
أبعدها عنه ليتمعن بعينيها بدهشة، وردد بعتاب مؤلم: ده شكل واحد ممكن يبعد أو يتخلى عن روحه يا فطيمة، أنا متمنتش في حياتي حد غيرك. أنا كنت فاكر إن الحياة العملية بين اتنين متفهمين هو الحب لحد ما قابلتك إنتِ، خلتيني أحس إني انسان تافه ومعدوم الخبرة، ميعرفش يعني أيه انسان قلبه دق واتعلق. أقصى سعادتي إني أشوف ابتسامتك أو أشوفك سعيدة. أنا مبقدرش أنام غير وأنا مطمن إنك عديتي من النوبة والكوابيس اللي بتجيلك كل يوم. أنا كلمة بحبك دي بتظلمني أنا يا فطيمة لإن كلمة الحب ولا العشق هتقدر توصلك اللي في قلبي ليكي!
اتسعت ابتسامتها فأنارت ظلمة قلبه، استند على على جبينها وطالعها بصمت وسكون، فوجدها تستكين على جبينه مثلما يفعل.
تردد قليلًا فيما سيفعله الآن ولكن عليه خوض مجازفة تحقق انتصارًا كاملًا لخطوات علاجه، فانحنى لها يختطف من رحيقها بتوازن وعقلانية جعلتها تتجمد بين ذراعيه فانصعق من فكرة انهدام كل ما فعله لعلاجها وكاد بالتراجع، ولكنه تصلب محله حينما وجد يدها تستند على كتفه وكأنها تصرح له تقبلها الأمر ومع ذلك هزم رغبته الطائشة وابتعد حتى لا تخشاه أبدًا فيدmر كل نقطة ايجابية حققها مع حالتها الشبه مستحيلة.
رقبها على بعد انفصاله عنها فوجدها تتجه بعينيها لأي مكان بالغرفة بعيدًا عن عينيه وجهها ملتهب كمن تعاني من حرارة قـ.ـا.تلة، ابتعدت فجأة وأسرعت لباب غرفتها، فلحق بها يناديها: فطيمة، لسه الجلسة مخلصتش ارجعي للكرسي بتاعك.
تشبثت بطرف فستانها الوردي وهي تلعن ذاتها داخلها بأنه نفسه طبيبها المتخصص، الا يكفيه ما فعله و.جـ.ـعلها تكاد لا تود أن تريه وجهها بحياته قط، عادت للمقعد وهي تتحاشى التطلع إليه فابتسم بمحبة لها، وحاول أن يبدو طبيعيًا حتى يعاونها لتكـ.ـسر حالة خجلها الممـ.ـيـ.ـتة، فازدرد ريقه ليخرج صوته ناعمًا عكس خشونته: فطيمة. بصيلي!
هي الآن على وشك دفع المزهرية بوجهه حتمًا، ومع ذلك رفعت عينيها لرماديته فوجدته يسألها بجدية تامة: في نقطة مش فاهمها وكنت حابب أسالك عنها من زمان.
تنحنحت بخفوت وسألته: نقطة أيه؟
قال وهو يدنو بجسده منها: بالبداية لما استلمت ملفك وكلمت مراد عنك علشان أحاول أفهم اللي حصل معاكي بالتحديد قالي إنك كنتِ من البنات اللي تم ابتزازهم وتصورهم في سكن الجامعات وده كان سبب دخولك للمكان ده، ولما انتي اتكلمتي وحكيتلي قولتلي انك اتخـ.ـطـ.ـفتي وانتي كنتي مع والدك في مشوار أعتقد، أنا مش فاهم ليه في مدخلين للقصة؟
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، وقالت: لإن ده اللي مراد فهمه فعلًا ومجتليش فرصة أصححله فيها اللي حصل.
مش فاهم!
استفاضت بشرحها قائلة: أنا لما مراد دخلي الاوضة دي وقالي إنه ظابط وجاي يساعدني خفت إنه يكون واحد منهم وبيعمل عليا حوار علشان يعرف إذا كان حد كشف اللي حصل وممكن يبلغ فمكنتش قادرة أثق فيه بالبداية فقولتله اللي سمعت أغلب البنات بيقوله لإني خــــوفت أعرفه إني كنت مع أبويا ليكون واحد منهم أكون بكده عرضت أبويا للخطر، كفايا اللي عشته جوه المكان ده. لكن بعد كده محصلش مناسبة او موقف خلاني أصححله كدبتي. والموضوع أساسًا مكنش له لزمة نهايته اني خرجت من المكان ده أنا وهو والبنات.
منحها ابتسامة ثابتة وأغلق دفتره قائلًا بمزح: الجلسة انتهت وأنا عارف إن الكلمة دي بتغسلك من جوه، عايزة تتخلصي مني بسرعة البرق كأني عملك الأسود وأنا دكتور.
ضحكت بصوتٍ أطربه، ورددت قائلة بسخرية: والله بقى إنت أدرى بعملك إذا كان أسود ولا أبيض.
أسبل باستنكار: بقى كده ماشي يا فاطيما، أنا بقى بما إني دكتورك المعالج هكتبلك على حقنتين كده بديل المهدأ.
انتفضت بجلستها بذعرٍ واستعدت لتمجد به: إنت مفيش في طيبة ونقاء قلبك يا دكتور علي، إنت أجمل وأحسن دكتور في لندن والعالم كله، عمل مين اللي أسود ده أنت هتعدي الصراط على الجنة حدف.
سقط ضاحكًا من فرط انطـ.ـلا.ق ضحكاته، وردد بصعوبة: أتمنى والله تكون من قلبك ربنا هيغفرلي سيئاتي علشان دعوات زوجة صالحة زيك بس أوعي تكون من ورا قلبك يا فطيمة هدخل سعير!
تابعت وجهه الضاحك بابتسامة رقيقة جعلته يكف عن الضحك ويتمعن بعينيها الصافية، ابتلعت بـ.ـارتباك ونهضت تخبره: هروح أشوف زينب.
أمسك معصمها يوقفها: اقعدي معايا شوية.
ابعدت كفه بخجل قائلة: مش قولت إني هبات معاك النهاردة، يبقى سبني اطمن عليها لإني حاسها مرتبكة من ساعة ما رجعت من الجامعة.
تهللت أساريره لتذكرها حديثه، فقال بلهفة: هستناكي متتأخريش عليا، علشان هسهرك سهرة ملوكي حتة فيلم هيعجبك أوي.
هزت رأسها وغادرت بابتسامتها الرقيقة، فتابعها حتى أغلقت الباب من خلفها، فعاد لمقعده يتابع حديثه مع يوسف لاختيار الاجهزة وغيرها من المكينات والتجديدات اللازمة للمركز.
بشقة أيوب.
ما أن أعادت فتح جهازها حتى ورد لها رسائل عمها المتعددة لأربعون رسالة أخرهم
«آديرا إن لم تقــ,تــلي هذا الارهابي سأقــ,تــلك بيدي هذة. »
رسالة اخرى
«أيتها العاهرة كيف ظل على قيد الحياة، ستظلين ضعيفة هكذا حتى ممـ.ـا.تك، أتتركين قـ.ـا.تل أخيكِ يحيى بسلامٍ! ».
أغلقت آديرا الهاتف وألقته بعيدًا عنها بغـــضــــب، ونهضت تبحث بمنزله عن أي مالًا أو أي شيء يمكن أن تبيعه ومن خلال ثمنه تستأجر من يقوم بما تفشل هي بفعلته، فوجدت باحد الادراج عدد من الصور تخص أيوب وأخيها، لاحظت فيها أخيها يبتسم من قلبه ويضم أيوب بمحبة جعلت عينيها تدmعان ورددت بخفوت: ليتك لم تثق بذلك الإرهابي كل تلك الثقة، لقد خذلك وقــ,تــلك بدmًا بـ.ـاردًا ولكن لا تقلق يا أخي سأقتص لك أعدك بذلك!
الساعات مضت وأخيرًا انهى عمله الشاق وانطلق بسيارته منهكًا للغاية، وما أن اقترب من مبنى يوسف حتى انطلق الهاتف برنينه المزعج للمرة الخامسة فزم شفتيه وردد بهمس خافت: الحقير المزعج.
وحرر سماعة الهاتف الخارجية قائلًا دون رؤية اسم المتصل: خير يا مزعج. واخد النهاردة اجازة من الشغل علشان تقرف أمي!
تعجب جمال وسأله: وعرفت منين اني مرحتش الشركة النهاردة.
أجابه بفتور: روحتلك النهاردة والسكرتير بتاعك بلغني بخلعانك، كنت فين يا جبمس؟
كنت مع والدتي بنعمل الفحوصات والدكتور حدد معاد الجراحة يوم الخميس.
بعد يومين؟!
أيوه. أنا خايف ومرعوب يا عمران.
عيب يا جمال الكلام ده سبت أيه للحريم، انشف كده وإجمد، وأنا بكره هعدي عليك ببوكيه ورد نسخن بيه الحاجة على الحاج.
اكتظم غـ.ـيظه وانطلق يسبه: ده وقته بذمتك إرحم أمي يا أخي بقى بوقاحتك، نستني أساسًا أنا طالبك ليه.
اشجيني ما أنا اتعودت على مصايبك!
تمتم بغـــضــــب: إنت فين بحاول أتصل بيوسف ومش عارف أوصله محتاجله ضروري.
صف سيارته أسفل البناية وانطلق للمصعد: أنا طالع الشقة أهو معرفش يوسف فوق ولا في شقته النهاردة. خليك معايا هشوفه.
انتظره جمال حتى ولج بمفتاحه الخاص، فبحث بعينيه بالردهة فلم يجد أحد، انطلق لغرفة آدهم فوجده يخلد للنوم، اتجه للغرفة الجانبية فوجد يوسف يغط بنومٍ عميقٍ، فقال لمن يترقب رده: هنا اهو يا جمال، ثواني هصحيه.
ووضع الهاتف على الكومود بعدmا أبقى على السماعة الخارجية، ثم هز يوسف برفقٍ: جو، يوسف.
عبث بعينيه بـ.ـارهاقٍ، وهمهم: عمران أنا تعبان وعايز أريح ساعتين قبل ما أرجع العيادة عندي حالة ولادة 6الصبح. من فضلك إلزم الصمت يا ترجع بيتكم.
لكزه بقوةٍ تلك المرة وهو يكشف الغطاء عنه: قوم شوف جمال قالب الدنيا عليك ليه.
اعتدل بمنامته متسائلًا بقلق: عنده قتيل هو كمان ما أنا قلبتها هنا مستشفى وسايب بيتي ومراتي وشغالكم تمرجي!
اتاه صوت جمال المحتقن: يوسف أرجوك فوق وخليك معايا أنا بقالي ساعتين بحاول أتصل بيك وموبيلك متزفت مقفول.
انتبه لصوت الهاتف، فمال بجسده للكومود مستندًا على راسخه: انجز سامعك وياريت تلخص.
ضحك عمران وهو يتابعهما واستند على الحائط يتلصص لهما، فقال جمال: صبا صحيت من شوية وبتشتكي من و.جـ.ـع في بطنها ودهرها، أجبهالك العيادة ولا أديها أيه؟
ضم مقدmة أنفه وعينيه باصابعه وسأله بنومٍ: هي عملت مجهود النهاردة في البيت مثلًا؟
أجابه على الفور: لا كانت معايا عند الدكتور بتاع ماما وبعدها لفينا بالعربية شوية، أحنا حتى أكلنا بره يعني مطبختش ولا وقفت خالص.
جز بأسنانه على شفتيه وألقى جسده على الوسادة بعنف، فانتظر جمال سماع اقتراحاته ولكنه لم يستمع سوى لضحكات عمران المستمتع لما سيخوضه يوسف الآن من طيش جمال المعهود، فانطلق صوته كالانذار: سكت ليه ما تنطق مالها؟
متقلقنيش عليها يا يوسف رد!
همس بصوتٍ لم يكن مسموع الا لعمران: أكمل معاه اسئلة ازاي وده طور هايج حسبي الله ونعم الوكيل في عقلي اللي خلاني أدخل القسم المنيل بنيـ.ـلـ.ـة ده.
تمادى عمران بضحكاته بينما يصـ.ـر.خ جمال بانفعال: بتضحك على أيه يا زفت. ما تنجز يا يوسف انت التاني بقولك تعبانه وبتعيط من بطنها يا أخي!
أشار عمران ليوسف بأنه سيتولى الأمر، فنهض عن فراشه يراقب ما سيفعله هذا الوقح الذي مؤكدًا سينزع الأمر، فقال الاخير: طيب يا عم جيمس استغليت انت بقى الخروجه والفسحة دي أسوء استغلال صح؟
عبثت كلمـ.ـا.ته: استغلال أيه مش فاهمك؟
وما اتخذ الا ثواني وراح يصيح باندفاع: آه يا وقح يا زبـ.ـا.لة. وربي لأربيك يا عمران. إقفل أنا جايلك.
أوقفه يوسف قائلًا: جمال خلاصة الرغي ده لو حصل شيء بينكم وبعده حصلها الو.جـ.ـع فده شيء طبيعي، هكتبلك دوا على الواتس انزل هاته واديها منه وياريت بعد كده تكون حريص، خلصنا سبني أنام بقى.
وتطلع لعمران يخبره: خد موبيلك والمزعج اللي معاك وطفي النور واطلع بره.
وجذب الغطاء على جسده ليستكمل نومه، فرفع عمران الهاتف يردد بخبث: سمعت الدكتور قالك أيه يا غشيم مع ان الموضوع مش محتاج استشارة بس هنقول أيه الحمار عمره ما يفرق بين الكزبرة والبرسيم.
اشتد انفعاله فقال: اقفل يا عمران أنا جايلك، وربي لاوريك أصبر عليا.
أخبره ببسمة واسعة: هات معاك سوداني ومكـ.ـسرات يا جيمي، سهراتنا طويلة.
وأغلق الهاتف بوجهه ثم توجه لغرفة أيوب، طرق عدة طرقات وحينما استمع إذن الدخول ولج مبتسمًا يردد: مساء الخير يا بشمهندس، يا رب ما تكون نسيتني!
نهض أيوب عن الأريكة تاركًا كتبه وقلمه، وبابتسامة واسعة قال: حد ينسى عمران باشا الغرباوي، والله كنت مفتقدك بالرغم من إني مشفتكش غير مرة واحدة بس إنت من الوشوش والاشخاص اللي عمره ما تتنسى.
وتابع بضحكة مرحة: ده أنا حتى لسه سأل عنك دكتور سيفو النهاردة.
برق برماديته وصاح مستندًا بجسده على الكومود قبالة أيوب: عملتها ازاي دي؟!
عدل من قميصه الأسود وهو يجيبه باستهزاء: مهو سبني ومشي بعدها.
ضـ.ـر.ب كلاهما كفًا بالاخر والضحك يعلو بينهما، فلمح عمران الكتب الموضوعة على الطاولة، وقال: شكلك عندك مذاكرة كتيرة، تشرب معايا قهوة؟
أجابه بامتنان: يا ريت تبقى خدmتني.
نزع عنه جاكيته وألقاه على الفراش مرددًا: عنيا. ومعاها كمان سندوتشات جبنه رومي سايحة وده للأسف أخري في المطبخ.
ضحك أيوب وقال ساخرًا: الحمد لله إننا بنعرف نفتح النور واحنا داخلين أساسًا. أنا بعرف أعمل أي حاجة بس بصراحة الطعم مـ.ـيـ.ـتبلعش معرفش ازاي حضرة الظابط شرب شوربة الخضار اللي عملتها أنا والله قلقان عليه من ساعتها وهو نايم تقولش شرب منوم!
اتجه ليغادر وهو يصيح بمرح: قلقتني على الراجـ.ـل هروح أطمن عليه لو محتاج غسيل معدة. ورايا.
لحق به أيوب ضاحكًا، ففتح الضوء واتجه للفراش وما كاد عمران برفع الغطاء عن وجه آدهم حتى تفاجئ بسكينٍ حاد مسلط على عنقه بشكلٍ أفزع أيوب و.جـ.ـعله يندفع تجاه هذا الجسد القوي في محاولة لانقاذ عمران، بينما انطلق صراخ حاد من ذاك الذي يقتحم المنزل مرددًا بصراخ: عمران اطلعلي يا وقح.
اندفع جمال للغرف حتى ولج لغرفة آدهم فصعق مما رأه ومن خلفه يوسف يردد بانزعاج ونعاسه يغلبه: في أيه؟!
↚صعق يوسف وجمال مما يروه، سكينًا حاد يستهدف رقبة عمران المنصدm ومازال منحني تجاه تلك اليد التي تحيط رقبته، بينما أيوب يتمدد جوار ذاك الجسد الملتف بالغطاء السميك يحاول انقاذ عمران بطريقة آمنة لا تعرض رقبته لأي خدش.
المؤكد لهم بتلك اللحظة بأن عمران قد فعل جرمًا ما لينال غـــضــــب آدهم المتوحش، ولكن الصدmة لجراءة فعلته جعلتهم يراقبون بعضهم البعض بألسنة منعقدة، ازدادت عقدتها على ذاك الصوت القادm من خلف اجسادهم: في أيه؟
اتجهت الأعين لآدهم المستند على باب الغرفة يضم كتفه المصاب بيده وعلى وجهه أثار النوم، فعادت النظرات لمن يتمدد على الفراش والغطاء يحكم جسده.
تحرك عمران عن نزعة جموده وجذب الغطاء عنوة ليكشف هوية ذاك اللعين الذي حتمًا سيُقــ,تــل الآن لتجرأه برفع سكينه بوجه عمران الغرباوي، ومع توهج أضواء الغرفة وانكشاف الغطاء انهدرت الصدmـ.ـا.ت تجوب وجوه الشباب بأكملهم وعلى رأسهم أيوب الذي همس بصوتٍ تزلزل قوته رغم انخفاضه بذاك الصمت: آديرا!
اتجهت بعينيها المحتقنة غـــضــــبًا لصاحب الصوت، فعادت تخـ.ـطـ.ـف نظرة لمن تقوم بتسديد سلاحها إليه، وحينما وجدت ذاتها تخطئ هدفها عادت تسلط على رقبة أيوب الذي يتراجع مشيرًا لها بذعرٍ مدهش لأعين الشباب: لا تلمسيني يا امرأة، لا أريد أن ينتزع وضوئي!
لم يتمكن الوقح تلك المرة من حجب وقاحته الجديدة على هذا الصديق المستجد فصاح ساخرًا: وحياة أمك هو ده كل اللي همك! إنت بتهزر يالا، البت دي دخلت هنا ازاي وجاتلها الجرءة منين إنها ترفع عليا أنا سلاح!
ردد جمال باستهزاءٍ وهو يتابعها بدهشة: متسئش الظن يا عم الوقح شكلك مش المقصود، الضلمة خلتها متعرفش تحدد هدفها.
صفق يوسف بحدة لتتجمع اليه الأعين: حلو الكلام ده. بس السؤال المهم دلوقتي دخلت هنا ازاي؟
رفع أيوب كتفيه بقلة حيلة: معرفش والله يا يوسف.
وعاد يصيح لمن تقترب بتحذير: يا ويلي لا تقتربي!
خرجت عن صمتها تصيح غير عابئة بأنها محاصرة بأربعة رجـ.ـال أقوياء البنية قد يقــ,تــلوها أرضًا إن تعرضت لخامسهم: ألــم يكن بيننا عهدًا بإنني إن أردت فعلها بأي وقت أتي إليك.
ورددت بتلقائية: أنا جاهزة فلنفعلها الآن.
جحظت أعين الشباب بصدmة من جرئتها وبالطبع لم يصل مفهوم معاهدة القــ,تــل المتفقة بينهما، فكان عمران أول من صاح ساخرًا: أيه يا ابن الشيخ مهران اتفاق أيه ده يا حبيبي وأنا اللي فكرتك محترم ومتدين طلعت بتتثبت بمطوة! وبيقولوا عليا وقح!
شـ.ـددت من ضغطها على رقبته وهو غير عابئ بما تفعله تلك الفتاة، كل ما يعنيه ما تسلل لمفهومهم، فقال يبرر: لا متفهمش غلط يا عمران. انا اتفقت معاها إنها لو عايزة تقــ,تــلني وتأخد طار أخوها في أي وقت تجيني دmاغك مترحش بعيد الله يكرمك.
استغل آدهم انشغال الجميع وبحذرٍ وخفة فجأة يوسف وجمال انتزع المدة من يدها، ولف ذراعها بمهارة للخلف بقوة ألــمتها و.جـ.ـعلت عينيها تبرقان بذعرٍ، خاصة مع تسلل صوته الرجولي القابض لها: حركة خاطئة وسيطيح سكينك رقبتك يا فتاة!
ابتعد أيوب للخلف عنها بحرصٍ الا تلامسه، بينما يمنحه آدهم نظرة ساخرة: إنت بتجري منها قدامنا أمال من ورانا طبيعة علاقتها بيك أيه يا بشمهندس، شكلها معلمة عليك!
هز رأسه ينفي ذلك ويشير بيده لآدهم: آنت فاهم غلط يا آدهم. من فضلك سبها وإبعد الــســكــيــنــة عنها دي أمانة في رقبتي!
جلس جمال على الفراش يراقبه بسخطٍ وهو يضع ساقًا فوق الاخرى: أمانة أيه يا أيوب إنت مش في وعيك ولا شارب حاجة البت داخلة تثبتك بمطوة ولا هممها حد!
وتابع وهو يستدير ليوسف المنصدm من توابع الموقف: دخلت هنا ازاي أصلًا!
هز كتفه بدهشة
معرفش صدقني أنا قافل الباب كويس.
تنهد عمران بنزقٍ وهو يراقبها بنفورٍ: أنا كنت راجع ومعايا شنط البيتزا، دخلتهم المطبخ ورجعت قفلت الباب يمكن دخلت وقتها!
تدفق صوت آدهم المتعصب ومازال يحكم سكينه عليها: .
هي دي مشكلتكم إنها دخلت ازاي! والاستاذ اللي مرحب بفكرة قــ,تــله ده أيه واكلة معاكم! ومش لاقي غير يهودية بـ.ـنت آ يمـ.ـو.ت على إيدها!
اتجهت الأعين إليه مجددًا فقال وهو يزدرد ريقه بتـ.ـو.تر: يا رجـ.ـا.لة انتوا فاهمين الحكاية غلط، سيف لما يرجع هيفهمكم غرضي من الليلة دي كلها أيه.
واستطرد وهو يحاول أبعاد يد آدهم عنها: أرجوك يا سيادة الرائد أبعد الــســكــيــنــة دي عنها، الحمد لله محدش اتصاب ولا حصله حاجة، أنا هأخدها وهنزل حالًا.
تملكه خــــوفًا غريبًا تجاهه، فتركها لتسقط أرضًا واندفع نحوه يجذب رقبته بضـ.ـر.بات خفيفة: ولما تاخدها وتنزل اتحل الموضوع يعني! ده هتهاجمك في أي وقت لإن طبعهم ال الخيانة والضـ.ـر.ب في الضهر.
تعجب أيوب من طريقته وخاصة حينما شـ.ـدد من ضغط يده على كتفه: مش هتنزل من هنا مع حد، هي تغور لوحدها وتقطع علاقتك بيها وبطل بقى دور المحارب اللي نازل بلد الكفر يجاهد للإيمان لانك لوحدك مش قد ولاد ال دول يا أيوب.
أسبل عمران جفنيه بذهولٍ، لأول مرة منذ أن اجتمع بآدهم المتوحش يراه ينفعل بتلك الطريقة، حتى في مخاضع المعركة واستنزاف راكان كل ما يمتلك من فنون الاجرام ليجرده من رزانته وبروده الا أنها كان صامدًا يملكُ من الجمود والبرود ما جعل الجميع يهابه يومها، والآن يخرج عن ردائه لأجل شخصًا يعتقد بأنه يراه الإن لمرته الاولى!
اندفع يوسف بينهما متدخلًا: خلاص يا عمر أيوب مش هيخالف كلامك.
واتجه بنظراته إليه، يغمز له بضيقٍ كأنه ينجده من أبيه: اسمع الكلام يا أيوب مش عايزين سيادة الرائد يتنرفز وهو مصاب، خرجها من هنا ومشيها.
خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليها فوجدها تتابع حديثهم بعدm فهم ولكنها تتحاشى أقدامهم وتنجرف بزواية الغرفة بخــــوفٍ من تخمين مجرى حديثهم الذي بالطبع سيكون بشأن اقتحامها الشقة، وليتها علمت بأنهم بهذا العدد، تخيلته مازال يجلس مع ذلك الشاب الذي سبق لها رؤيته بالمقهى، فتجرأت وولجت للداخل واختبأت بتلك الغرفة الفارغة، فما أن استمعت لصوت أيوب يقترب للغرفة برفقة رجلًا يرافقه حتى تمددت بالفراش وبيدها السكين باستعداد لقــ,تــله في الحال بعد أن تلقنت جرعة محفزة من رسائل عمها.
وها هي الآن تواجه مصيرها المرعـ.ـب بين يد خمسة رجـ.ـال، احدهم شرسًا لدرجة جعلتها تفقد سلاحها وقوتها في لمح البصر، ومن قامت باستهدافه بالسكين أولًا يمنحها نظرات قـ.ـا.تلة متقززة من وجودها يين الحين والأخر، أما الاثنان الأخرون يكتفين بمراقبة حديث المتوحش مع أيوب الوحيد الذي تتأمل برأفة قلبه أن يقوم بحمايتها من هؤلاء.
رفع أيوب عينيه ليوسف وقال بحرجٍ: أنا بعتذرلك يا يوسف على كل اللي حصل ده، بس أنا آسف مش هقدر أسيبها بالوقت ده تنزل لوحدها، دي وصية أخوها ومش هقدر أكـ.ـسر وعدي ليه.
اندفع تجاهه عمران وبكل غـــضــــب امتلكه سدد به لكمة على وجهه ليسقطه أرضًا ويندفع تجاهه صارخًا بعنفوان: هتضيع نفسك ومستقبلك عشان الحقيرة اليهودية دي، فوق لنفسك يالا.
فشل جمال ويوسف بابعاده عنه، وحينما نجحوا برفع جسده رفع عمران جسد أيوب خلفه لينظر بعمق عينيه هاتفًا بقلقٍ: مصـ يـ بـةتكون حبتها!
انتفض بين ذراعيه بنفور استطاع الشباب بأكملهم الشعور به، وردد بعدm تصديق: أحب مين يا عمران إنت عقلك راح فين؟ أقسملك بالله ما طايق أبص في وشها بس هعمل أيه أخوها أمني عليها علشان خايف من عمها، هي لحد اللحظة دي متعرفش إنه هو اللي قــ,تــل أخوها. وبيهددها لو مقــ,تــلتنيش هيقــ,تــلها هو عشان كده قعدتها عندي في الشقة وجيت هنا.
همس جمال بصدmة مضحكة: في شقتك كمان؟!
هز آدهم رأسه بقلة حيلة في اقناع هذا الأيوب، ومن ثم قال بنفاذ صبر: قصره طلعها بره وارجع. ومتقلقش أنا هجبلك قرار عمها ده وهلبسه في حيطة سد.
أومأ له والابتسامة تشق وجهه في بادرة جعلت عمران يهتف بسخط: ليك نفس تضحك!
هز رأسه مؤكدًا وقال بصوتٍ محتقن بالدmـ.ـو.ع المتلألأة رغمًا عنه: عشت طول عمري وحيد ومسبقش ليا إني خــــوفت أو عملت اعتبـ.ـار لحد غير أبويا، فأول مرة أحسن إني مش وحيد وعندي اخوات رجـ.ـا.لة خايفين عليا بجد.
تقصروا بحديثه، فابتسم جمال وضمه إليه بقوةٍ: والله العظيم أنا من ساعة ما شوفتك هنا مع سيف وأنا بحبك لله في الله، خلقتك سمحة وتتحب غـ.ـصـ.ـب عين أي حد.
ضحك يوسف بمرحٍ وهو يفصلهما عن العناق: ايدك يا جمال سيف لو شافك هيولع فيك.
تعالت ضحكاتهم الرجولية بمرحٍ، فضمه يوسف وهو يعاتبه بمحبة: ما أنا قايلك يا عبـ.ـيـ.ـط إنك في مقام دكتور سيفو بس إنت الحمد لله نسخة أعقل منه. بس لو تطاوعنا وتتخلص من القازورات دي!
منحه آدهم ابتسامة صغيرة، ومن ثم ربت على كتفه بحنان قبل أن يغادر الغرفة التي لم يحتمل البقاء بها بوجود تلك الفتاة، خرج الشباب وتبقى عمران يحدجه بنظرات صلبة، انتهى باشارته الصارمة: هاتها وانزل هدور العربية وهستناك.
لحق به قبل أن يخرج من الغرفة: مفيش داعي يا عمران أنا هأخد أي تاكسي.
التف إليه محطمًا أسنانه من فرط ضغطه المتعصب عليها، وصاح بتحذير: هاتها وانزل بدل ما أمد إيدي عليك تاني، أنا خلاص مبقاش عندي تفاءل لإني على يقين إن المعاتيه هما اللي بيقعوا في طريقي.
وأشار وهو يغادر: لخص في ليلتك.
هز رأسه له وما أن غادر الغرفة حتى إلتف لها بنظرة غاضبة لحقت صراخه: بحق الله كيف تأتين إلى هنا! أنتِ حمقاء يا امرأة أم فقدتي عقلك المعتوه هذا!
التقطت أنفاسها بحرية فور مغادرة الجميع، ونهضت تقف قبالته تهتف بملل: وأخيرًا انتهى حديثكم الغريب هذا. حسنًا فإن بقينا بمفردنا فلنفعلها الآن.
مزق شفتيه السفلى باسنانه واحتدت وتيرته: اللعنة، توقفي عن نطق تلك الكلمـ.ـا.ت البذيئة، أنا لا أحتمل سماعها ولا سماع صوتك هذا، هيا سنغادر.
رفضت التزحزح عن محلها وقالت باصرار: انتهى الأمر أحضر لي السكين من هذا الشرس لأقــ,تــلك هنا ولننتهي من هذا.
توسعت مقلتيه بدهشةٍ وأجابها بنفس طريقتها البسيطة في طرح وجهة نظرها: إن خرجت وطالبته بالسكين سيعود ليقطع رقبتك وتلك المرة لن أستطيع انقاذك من بين براثينه، ما رأيك أذهب لطلب سكينك أم ستتحركين الآن؟
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ وخاصة بعد أن أُتيح لها فرصة تقييم حالة ذلك الرجل الشرس ذو البنية الضخمة، فهمست برعـ.ـبٍ فشلت باخفائه: لنخرج من هنا الآن، من فضلك.
سخر من رعـ.ـبها وهروبها السريع لخارج الشقة، لحق بها للأسفل، فوجد عمران بانتظاره بالسيارة، دخلت آديرا للمقعد الخلفي وصعد أيوب جواره يتابع صمته وتجهم معالمه بضيقٍ، وكلما حاول التحدث معه كان يوقفه باشارة قاطعة حتى وصل لمسكن أيوب، فهبطت وهبط من خلفها أيوب يشير لعمران: شكرًا يا عمران. تقدر تمشي إنت.
نزع عنه حزام الأمان بقسوة، وهبط ليكون جواره طارقًا بقوة على سقف السيارة: مش هتحرك من هنا خطوة واحدة من غيرك. سامع!
هز رأسه عدة مرات بـ.ـارتباك من رؤية حالته الغريبة، واتجه معها لمدخل العمارة، فوقف قبالتها يشـ.ـدد عليها: هيا اصعدي للأعلى ولا تفعليها مجددًا والا لن أنجح بتحريرك.
رفعت عينيها الزرقاء إليه وأبعدت خصلاتها الصفراء خلف أذنيها بـ.ـارتباكٍ مما تجاهد لقوله، وحينما فشلت قالت: لماذا تفعل كل ذلك؟ لماذا تساعدني بالمسكن والطعام والآن فعلتها وانقذتني من صديقك الغاضب، لماذا تفعل كل ذلك؟
وتابعت تزيح عقلاتها الصعبة عنها: إن كنت ارهابيًا تقــ,تــل من حولك لماذا لم تقــ,تــلني حينما هاجمتك بأول مرة؟
صمته يطول وكأنه لم يستمع لها، عينيه مازالت تنخفض أرضًا، يتركها تحرر ما داخلها ويحلل مسافته هو لهدفه، فوجده قريبًا حينما قالت: ظننت بأنك تفعل كل ذلك لإنك قد تكون كأي رجلًا يسقط أمام جمالي خادmًا لي ولكنك ولا مرة رفعت عينك بي!
وبوضوحٍ شـ.ـديد قالت: ماذا تريد من كل ذلك أيوب، أخبرني؟
مسح وجهه بيده والعصبية جعلت أصابعه تعلم على وجنتيه البيضاء، وأخرج إليها أحد الاسرار التي لا تعرفها: لإنكِ وصية محمد لي، أخر ما فعله قبل أن يفارق الحياة بأن وضعكِ في ذمتي وأمانتي وأنا أحاول بكل طاقتي ألا أنكس بوعدي له رغم صعوبة ذلك، فأنا بالنهاية مسلمًا وديني يُحرم على التعامل مع أي امرأة تحل لي.
سددت له نظرة مشككة بحديثه، فانهدرت أنفاسها من شـ.ـدة انفعال مجرى الهواء، وتساءلت: ولماذا يضعني أخي بأمانة قـ.ـا.تله؟
تخلى عن هدوئه وهدر بانفعالٍ وصراخ وصل لعمران الذي يتابع وقفتهما عن كثبٍ: لإنني لست قـ.ـا.تل أخيكِ. أخبرتك كثيرًا بأنني لست هو!
ومن هو إذًا؟
تساءلت بحدةٍ وعينيها لا تفارقه، لتجده يرفع رأسه وعينيه الجذابة إليها لمرته الاولى وبكل ثقة قال: عمك من فعلها.
تغاضت عن رؤية عينيه الذي حق له إخفائها بتطلعه للأرض باستمرارٍ، وتراجعت للخلف ويدها تكبت شهقات يعجز فمها عن تحريرها، بينما رأسها ينفي تهمته: لا، هذا ليس صحيحًا، أنت كاذب، عمي لا يفعلها، عمي لا يقــ,تــل أخي. كيف سيقــ,تــله وهو من كان مسؤولًا عنا منذ أن توفى أبي وأمي؟
وصرخت بانهيارٍ ويدها تحيط جبهتها: إنت كاذب. بالطبع كاذب. عمي لا يفعلها.
بقوةٍ واصرار قال: بلى فعلها. أراده أن يكفر بالدين الاسلامي بعدmا أصبح مسلمًا وحينما رفض عـ.ـذ.به مرارًا ليجعله يرتد عن دينه حتى لاقى مصرعه.
هزت رأسها مجددًا بشراسة وعنف: أنت كاذب، إرهابي لعين.
ابتسم ساخرًا وهو يراقب حالتها: وإن كنت ارهابيًا لماذا لم أقــ,تــلك بأول مرة قمتي بمهاجمتي بها؟ ولماذا لم أترك صديقي يفعلها الآن؟ ولماذا أبقيكِ بمنزلي آمنة؟!
وضع يديه بجيب سرواله واستدار يتابع عمران المستند على مقدmة السيارة بانتظاره، ومن ثم عاد يقف محله قائلًا: أتعلمين آديرا بداخلك فتاة رقيقة ولكن ينقصها العقل، إن كنتِ لا تستطيعي جـ.ـر.ح أصبع صغير لرجلٍ تظنيه قـ.ـا.تل أخيكِ، كيف يظن عمك بأنكِ ستنجحين باتمام مهمتك الا وإن كان يعلم بأنكِ ستخسرين بتلك الحرب وحينها سيتخلص منكِ مثلما يريد وحتى إن نجحتي بهدفك وقــ,تــلتيني هل سيتركك القانون هنا؟
استندت على الحائط من خلفها لتعزز قوتها، بينما تابع أيوب: ألــم يكن بمقدوره قــ,تــلي بنفسه أو على الأقل ارسال أحدًا من رجـ.ـاله ليقــ,تــلني!
وأجاب ذاته باستهزاءٍ: هدفه الوحيد أن يتخلص منكِ يا عديمة العقل!
ضمت يديها لآذنيها وصرخت بعصبية: اصمت. لا أريد سماع شيئًا من أكاذيبك، سحقًا لك أيوب.
وتركته وصعدت الدرج تهرول عن مواجهته التي بدت أكثر منطقية لها، تابعها حتى صعدت وعاد لمن ينتظره، جلس جواره فتحرك به عمران للمقهى المقابل لمبنى سكن يوسف، وأمره بحدة: انزل.
توجس من طريقته ولكنه انصاع إليه، فهبط يتبعه للطاولة الخارجية للمقهى.
وضع عمران مفاتيح سيارته وأغراضه على الطاولة بصمت طال بالأخر الذي يترقب سماع ما سيقول، بينما يتجاهله ويطلب كوبين من القهوة، وطال بهدوئه حتى أتى النادل بطلبه فارتشفه ببرود تام دفع أيوب ليتساءل: عمران أنت لسه زعلان مني؟
رفع حاجبه باستنكارٍ: هو إنت كنت متوقع رينج معين لعملتك السودة دي غير زعلي!
تنهد بتعبٍ وقال: أنا اتورطت في كل ده بدون ارادة مني والله.
ورمى الكرة إليه حينما تابع: طيب لو انت مكاني هتعمل أيه؟ هتتخلى عنها وهي وصية صاحبك؟
أجابه بخشونة تتبع عرف رجولته المتشـ.ـدد: مش هتخلى عنها بس الأكيد مش هقدmلها نفسي وأقولها اقــ,تــليني براحتك!
جذب كوب قهوته يرتشف منه ليبتعد عن اجابة قد تشعل الأخير، فتابع عمران بنفس العصبية: أيوب أخرة اللي بتعمله ده هيحرقك، البـ.ـنت دي مش هتسيبك في حالك لا هي ولا عمها، إنت لازم تبعد عنها وتغير مكانك خالص لحد ما تخلص السنة الاخيرة اللي لسالك وترجع مصر على طول.
حرك رأسه هامسًا بخفوت: أوعدك إني هبعد عن المشاكل. وكلها كام شهر وهنزل مصر نهائي معدليش رجوع هنا.
امتعضت معالمه بشـ.ـدة، فقال بمرح: قول إنك جبان وبتهرب من أولها. بس أنا واثق إنك هترجع محدش صاحب عمران الغرباوي وقدر على بعده.
ضحك أيوب بشـ.ـدةٍ، وطرق كف بكفه فغمز له وهو يسحب يده سريعًا: مراتك جت.
زوى حاجبيه بذهولٍ، واستدار، خلفه تجاه ما يتأمله، فوجد سيف يهرول إليهما بعدmا رأهما من الشرفة، وما أن وصل إليهما حتى احتوى أيوب بين أحضانه مرددًا بقلقٍ: اترعـ.ـبت لما يوسف حكالي اللي حصل، قولتلك يا أيوب البت دي مش هتسيبك في حالك.
ربت على ظهره بحنانٍ وأخبره ببسمة ممتنة لحبه الصادق: أنا كويس يا سيف متقلقش.
ابتعد عنه وهو يبادله الابتسامة، ثم جذب المقعد المجاور لعمران الذي يرتشف قهوته ويتابعه بطرف عينيه، وحينما وجده يتأمله قال بنزقٍ: صاحبك عندك أهو يا عم محدش جيه جنبه، هو اللي لازق فيا ومرضاش يطلع.
ابتسم سيف وقد أتقن مقصده، فقال بامتنانٍ: شكرًا إنك مسبتهوش يا عمران، وجودك معاه طمني إنه هيكون بخير.
رمش بعدm استيعاب وأشارب لايوب: مين ده؟ هو القهوة اللي بيقدmوها هنا فيها كحول ولا أيه؟
تعالت ضحكاتهما الرجولية فشاركهما عمران، استند سيف بذراعيه على الطاولة الصغيرة الفاصلة بينهم وقال: لا ده أنا متقلقش ولو كنت جيت الصبح الجامعة عندي كنت هتشوف أد أيه دروسك جابت نتيجة معايا حتى اسال زينب.
ضيق رماديته بتشوشٍ، فحاول تذكر ذاك الإسم وتساءل بعدm فهم: زينب مين؟
وتابع بعد ارشاد عقله: آه، تقصد أخت مرات أخويا؟
أكد له: أيوه أخت مرات دكتور علي.
تابعه أيوب باهتمامٍ فاستدار يخبره بمشاكسة: هي نفسها البـ.ـنت اللي وقعتلها الأيس كريم وروقتك.
طرق الطاولة بحماس: كنت حاسس لإن وقفتك معاها يومها مكنتش طبيعية.
راقبهما عمران بشك مما يدور بنيتهم، فأسرع سيف بتفادي غـــضــــبه قائلًا: حيلك يا أيوب دmاغك راحت فين يالا، اللي حصل مالوش علاقة بالارتباط ولا غيره، أنا بس ساعدتها كان في شاب بيضيقها وأنا ربيته.
تحفز بجلسته وهو يسأله: بيضايقها ازاي؟
رد عليه بإيجازٍ: بيضايقها يا عمران وأنا اتدخلت واتحلت.
منحه نظرة محتقنة لاختصاره الاحداث، فزفر بضيق: أعتقد انها دخلت الفصل وشافت اتنين في وضع مخل فاتعرض ليها.
أسبل بدهشةٍ، وهتف: في الفصل! الكلام ده ممنوع جوه الجامعات إزاي مأخدتهاش وقدmت شكوى باللي حصل، ازاي تعمل كده يا سيف الولد ده أكيد هيتعرضك إنت وهي تاني، لكن لو كنت لجئت للمدير أو حد من الادارة كان أقل حاجة أخد فصل، الكلام ده ممنوع وفي تشـ.ـديد بكده.
أجابه باستهزاء: مين اللي هياخد فصل يا عمران؟ معتقدش إنه هيتأذى في حاجة الأذى كله ممكن يطولها لإن ده يومها الأول بالجامعة وعملت المشاكل دي، عمومًا متقلقش أنا فهمتها على شوية قواعد لو مشت عليها هتتجنب المشاكل.
تحاشى عنه جموده وابتسم ابتسامة واسعة جعلت سيف مرتبكًا مما يجوب بخاطره، فأتاه يكشف له نيته: غريبة يعني يا سيف انك تخرج عن هدوئك وطبيعتك علشان واحدة أول مرة تشوفها!
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ: مهو أنا مكنتش هقف أتفرج عليها ومساعدهاش. دي حتى لو مش متدينة كنت هساعدها بردو، صح يا أيوب؟
قالها وهو يلكز ذاك الذي يتابعه بخبث، فكبت ضحكاته وراح يوافقه بالحديث باشارة رأسه، فتجرع عمران أخر ما تبقى بقهوته قائلًا باستهزاء: لو يوسف عرف انك ضـ.ـر.بت حد عشان بـ.ـنت هيجوزهالك النهاردة.
ضحك وهو يؤمي له، مؤكدًا: هو نفسه يجوزني بأي شكل مش مستني حتى اما اتخرج، ده فرحان إنه بكره افتتاح عيادة دكتورة ليلى علشان يبدأ يشطب الشقة اللي اشترهالي فوق شقته بحيث يجوزني فيها أول ما العمال يخلصوا!
نهض وهو يجذب مفاتيحه ومتعلقاته غامزًا بمكرٍ: هساعده المرادي بنفسي لإني حاسس أن الحوار جاي على هواك!
وأشار لأيوب قبل أن يغادر: شكل في ضرة داخلة عليك قريب يابن الشيخ مهران!
وتركهما يضحكان بشـ.ـدة وغادر على الفور، بينما طـــعـــنه أيوب بنظرة محتقنة تليها قوله المازح: أهون عليك تجبلي ضرة يا سيفو، بس وماله ده يوم الهنى على الأقل تتجهالها شوية وتفكك مني.
لكزه بغـــضــــب رغم انطـ.ـلا.ق ضحكاتهما، ليوقفه أيوب متسائلًا بجدية: لا لخص واحكيلي حوارك معاها على أيه؟!
ضم شفتيه معًا وسرح بتفكيره عنها ومن ثم أجابه بحيرة: مش عارف والله يا أيوب، بس أنا حابب أتعرف عليها عن قرب أوي، وإنت عارف إن حاجة زي دي مينفعش تحصل من غير رابط راسمي، فلو عملنا خطوبة اتعرف عليها كويس هيكون أفضل.
رد عليه باستنكارٍ لما يظنه متاح: وتفتكر دكتور يوسف هيقبل بده! مش هيرضى غير بكتب كتاب وأنا معاه في الحتة دي، فألحق قرر قبل ما يعرف وتلاقيه داخل عليك بالمأذون!
ادعت نومها بينما تراقبه وهو ينتهي من غلق الحاسوب بعدmا اختار أغلب التصميمـ.ـا.ت المؤكدة للمركز، ونهض يتجه لمكان نومه حيث سيتوسط الأريكة اليوم تاركًا لها الفراش.
وضعت فاطمة الوسادة من أسفل رأسها وأخذت تراقبه بـ.ـارتباكٍ، تجاهد رغبتها بالبقاء جواره، وحينما ظن أنها غافلة نهضت هي تناديه: علي.
فتح عينيه واستدار لها بابتسامة واسعة: إنتِ صاحية؟
هزت رأسها بخفةٍ، وحاربت بشـ.ـدة احتقان وجهها لنطق: ممكن تخليك جنبي، عايزة أتعود على وجودك.
رمش بعدm استيعاب لدرجة جعلته يظن بأنه أخطأ ما استمع له للتو، فاستقام بجلسته وتساءل بتـ.ـو.ترٍ: أنام جنبك تقصدي؟
هزت رأسها تؤكد له، وكأنما حصل الآن على أذنٍ صريحٍ منها، فاستقام بوقفته واتجه ليتمدد جوارها وعينيه لا تفارق عينيها، كلاهما يتمددان باتجاه بعضهما البعض باستكانة عجيبة، أعينهما لا تفارق الأخرى.
تردد على كثيرًا بفعلته ولكنه جازف حينما فرق ذراعيه وجذبها إليه لتغفو داخل أضلعه، فابتسم براحة حينما رأها تتمسك به وتستريح برأسها فوق صدره ملامسة موضع قلبه.
مال على على رأسها يطبع قبلات متفرقة على جبينها بابتسامة جذابة وصوتًا محشرج يصل لأذنيها: مش مصدق إنك نايمة في حـ.ـضـ.ـني أخيرًا، كنت حاسس إن اللحظة دي مستحيل هتيجي في يوم من الأيام يا فطيمة.
شعر بـ.ـارتباك حركتها، حتى أنفاسها التي تلفح رقبته كانت مضطربة بشكلٍ جعله ينهض بها، فأبعدها عنه تقابل وجهه.
أبعد على شعرها خلف أذنيها مبددًا اختفاء معالمها الرقيقة، وهمس بعاطفته: حبيبتي بصيلي.
رفعت عينيها إليه وهي تجاهد لاخفاء ربكتها، فوجدته يقييم حالتها بنظرة متفحصة، وفجأة انفصل عنها متراجعًا لأخر نقطة بالفراش: أنا آسف إني أخدت خطوة إنتي مش جاهزة ليها، لو حابة ممكن أرجع مكاني!
ما فعله لم يكن جرمًا كل ما أراده أن تغفو بين ذراعيه ولكنها على ما بدى له ارتبكت والبداية ستوشك على اختبـ.ـار أشـ.ـد حدة منها، هزت فاطمة رأسها نافية عودته للأريكة، فتمدد بعيدًا عنها قائلًا: نامي وارتاحي، أنا كل اللي يهمني انك تكوني مطمنه.
تمددت محلها والتـ.ـو.تر يزيد من حدته، كيف تخبره بأنها لم تخاف قربه بل ازدادت نبضاتها لقربه بشكلٍ تختبره لأول مرة، الثواني التي قضتها بين ذراعيه منحتها شعورًا لم يسبق لها خوضه من قبل، بالرغم من أنها لم تكن ضمته الأولى.
خـ.ـطـ.ـفت فاطمة نظرة إليه فوجدته يضع ذراعه على عينيه وعلى ما يبدو من اتتظام أنفاسه بأنه قد غفى سريعًا.
تسللت إليه حتى أصبحت ملتصقة به ووضعت رأسها على صدره مجددًا، تختبر ذاك الشعور مجددًا، تقسم أنها بتلك اللحظة لن يزورها أي كابوس مجددًا.
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، وأخفض ذراعيه معًا يحاوطها بحبٍ وتملكٍ، وعادت همساته تختلج آذنها: أوعدك إنك عمرك ما هتنـ.ـد.مي على الثقة اللي ادتهاني في يوم من الأيام يا فطيمة، أنا ميهمنيش غير إني أكون موجود جنبك.
تشبثت يدها بقميصه وضمت نفسها لكتفه، فأحاطها بشوقٍ ولهفة تجوب لمساته، واستدار بجسده يحاوطها داخله هامسًا بنعومة رقيقة: تصبحي على خير يا أغلى من روحي!
النغمـ.ـا.ت الهادئة تنطلق من المذياع الصغير، ومن أمامه تتحرك بخفة بين ذراعيه وعينيها لا تفارق رماديته، يضم بيديه خصرها ويتحرك ببطءٍ معها، ابتسمت برقةٍ وهمست له: كان نفسي أرقص معاك ولا مرة اتجرأت وطلبت منك كده.
اندهش أحمد من كلمـ.ـا.تها العفوية وسألها باستفسار: ليه؟
ضحكت وأجابته وهي تميل لكتفه: لإني كنت بحس دايمًا إنك خايف تقرب مني لتضعف، كنت بتخاف تكون آثم ومخطئ، وبتحاول تحافظ عليا وتصوني لنفسك.
وأطلت بزرقة عينيها إليه تسأله بكل جدية: لو كنت تعرف إني هكون لغيرك كنت هتفضل محافظ عليا كده يا أحمد؟
تعمق بنظرته العاشقة إليها، ومد يده الممسكة بيدها إليه يطبع قبلة عنيقة تلامس أصابعها هامسًا بصوتٍ رخيم: أنا وقعت في عشقك من وإنتِ طفلة بضفرتين، وعمري ما سمحت لمشاعري تنجرف لطريق يأذيكِ يا فريدة، حاربت نزواتي كلها ومسمعتش غير لقلبي اللي بيرتاح لما يشوف ابتسامتك الجميلة، والأكتر من كده نظرة الثقة اللي كانت جوه عيونك ليا، الثقة اللي خالتني أول شخص تلجئ له وانتي مش خايفة اني أستغل ضعفك ووجودك معايا.
وتابع وهو يقربها إليه لتكون قبالته للغاية: فريدة أنا استكفيت بيكِ عن ستات الدنيا كلها، حتى الحاجة الوحيدة اللي كانت ممكن تخضعني للجواز كرهتها، كرهت إني يكونلي ابن من ست غيرك ولو مكنتيش وافقتي على جوازنا كنت هكمل كده لأخر حياتي.
تدفق الدmع من عينيها، فاندثت باحضانه هامسة ببكاء: حقك عليا يا حبيبي، أنا كنت قاسية وظلمتك يا ريتك صارحتيني بكل ده من زمان، يا ريتك فوقتني ومسبتنيش أعيش كل ده وأنا مخدوعة، سامحني أرجوك.
أحاطها مجددًا وأخبرها باستنكارٍ: هو أنا كنت زعلت منك عشان أسامحك، أنا اللي اتظلمت وظلمتك معايا يا فريدة. بس خلاص اللي فات انتهى واترمى بره حياتنا. اللي جاي هو اللي ملكنا. هو اللي أنا قادر بيه أعوضك عن كل العـ.ـذ.اب والبعد.
وحملها بين ذراعيه وإتجه بها لفراشه وهو يهمس بشغفٍ: بعشقك يا فريدة. وعشقي ليكِ مستحيل ينتهي الا بمـ.ـو.تي!
صعد لجناحه بـ.ـارهاقٍ يجتابه، فوضع متعلقاته جانبًا واستكمل خطاه للداخل، فتفاجئ بها تجلس أمام السراحة واضعة من أمامها الكثير من عُلب مستحقات التجميل.
رفع عمران ساعته إليه وتفاجئ بتأخر الوقت للغاية، وعاد بنظراته لها متسائلًا بحيرةٍ: بتعملي أيه في الوقت ده يا مايا؟
تفاجئت بعودته المبكرة عن المعتاد، فارتبكت للغاية وأخبرته: مفيش كنت زهقانه شوية فقولت أسلي نفسي وأعمل ميكب كامل وبعد كده همسحه وأنام.
كبت ضحكة فالته منه واقتراب يجلس على جزء من السراحة قبالتها، ورفع يديه معًا يشـ.ـدد على وجنتها مرددًا بدلال: حبيب قلبه يا ناس زهقان وملان وجوزه موجود طيب تيجي ازاي دي!
نزع عنه جاكيته واسقطه جانبًا، ثم انحنى ليختار أحد الفراشات التجميلية من أمامه، خـ.ـطـ.ـفت مايا نظرة سريعة إليه وتساءلت بذهول: بتعمل أيه يا عمران؟
قال وهو يحاول جاهدًا العثور على غايته: هنتسلى سوى يا بيبي، مينفعش مشاركيش في شيء بيساليكي، حتى لو عملنا من وشك خريطة أو وش بلياتشو.
وصاح بحماس: لقيتها.
لعقت شفتيها بتـ.ـو.تر وهو يقرب منها ما يحمله، فصاحت به: عمران إنت أساسًا بتعرف تحط ميكيب؟
تجاهل سؤالها وبدأ بفرد طبقة من الكريم المرطب على وجهها، قائلًا ورماديته لا تحيل عن فرك يده للكريم: مش يمكن لو جربت أطلع بعرف! أكيد يعني حاجة سهلة مش كميا هي.
وتابع وهو يعود بنظره للأغراض من أمامه: بصي توكلي على الله ثم على وسبيلي نفسك. أنا هروشنك وإن لقدر الله البوهية باظت فأنتِ كده كده كان عندك نية تمسحيها يعني مفيش أي خساير في الموضوع، ممكن تسكتي بقى وتسبيني أركز. عايز أخد فرصتي لو سمحتي!
ضحكت بصوتها كله وهي تراه ينصدm من كمية الادوات من أمامه، ويتمعن بالألوان باهتمامٍ بالغ، فيعود لخـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لها ويعود ليتحقق من الألوان بيده، راق لها قربه واهتمامه بتفاهتها، فراقبته بصمت وهي تعلم أن فور انتهائه ستكون شبيهة بلوحة الألوان الفجة ولكن ما عليها سوى الاستمتاع بوقتهما معًا.
سمعته يهمس بحيرة وهو يبدي كل اهتمامه لعمله وكأنه سيقوم بانشاء احد مشاريعه: اللون ده حلو بس حاسس إني لو دmجت عليه لون تاني هيدي لون تالت مميز، طيب هجرب ده.
وجدته يدmجهما على يده قبل أن يتجه لعينيها، بدأ بوضع ما اختاره بعناية وتركيزه بأكمله منصوب على ما يفعله، فقالت بسخرية: ها يا بشمهندس ألوان النقاشة عجبتك ولا أستلف لونين من شمس.
انحنى بعينيه لعينيها التي تتابع ما يفعل، فاقترب بمنديل ورقي وأزاح الزائد عن باطن عينيها قائلًا: هششش، سبيني أركز قولت، كل ما تديني شوية هدوء كل ما خرجتلك شغل نضيف اسمعي مني بس.
انطلقت صوت ضحكاتها بقوة وهو يشاركها الابتسامة، فانتهى من رسم عينيها وكأنه يرسم لوحة فنية تذيبه داخلها، حتى جذي فرشاة أخرى يضع بها حمرة طفيفة على وجنتها، وانتهى باختيار طلاء الشفاة، وضعها بتمهل وبحرص حتى لا ينتزع ما فعله، وألقى ما بيده ليستند على المرآة بظهره وهو يقييمها بنظرة عاشقة تتفننن بحفظ معالمها، فقالت بقلق: ها طمني الشكل بشع لأي درجة؟
ابتسم وهو ينهض عن السراحة: شوفي بنفسك.
تماسكت وهي تسحب نظراتها للمرآة، فبرقت بعينيها صدmة جعلتها تنهض عن المقعد وتسرع للمرآة حتى كادت بالولوج داخلها.
نزع عنه قميصه وجذب بيجامته وعينيه مازالت تتابعها بابتسامة صغيرة، استدارت إليه بتلعثمٍ: ازاي!
سقط منه الملابس بفزعٍ: أيه يا عسلية مالك؟
أشارت بيدها على المرآة: أيه ده؟
تطلع للمرآة ثم عاد يتطلع لها باستغرابٍ: أيه؟! مايا خشي في المضمون أنا معنديش دmاغ تفكر عقد وألغاز الستات دي!
ركضت تجاهه فتراجع للخلف بخــــوفٍ مصطنع: صلى على النبي واللي انكـ.ـسر يتصلح.
أمسكت يديه وبحماس وفرحة تساءلت: عملت الميكب التحفة ده ازاي! انطق يا عمران إنت واخد كورس؟
زوى حاجبيه بسخرية من طريقتها وكأنه صعد للسماء وعاد بالقمر للتو، فانخفض يجذب الملابس وانتصب ينزع قميصه ليلقفها بكلمـ.ـا.تٍ مغــــرورة: أنا محدش يتوقعني، ثم إني كبشمهندس أد الدنيا مفيش شيء صعب يقف قدامي.
ابتسمت بفرحة أضاءت عينيها: مش مصدقة بجد، الميكب سمبل وألوانه رقيقة اوي يا عمران!
راقب فرحتها بابتسامة جذابة، وانحنى يضع قبلة على خدها قائلًا: مبسوط إنه عجبك يا حبيب قلبه.
تركته وهرولت للسراحة تجذب أحد الزجاجات وترش بها على وجهها بأكمله، فتابعها وهو يضع رقبته بطوق التيشرت المنزلي: بتعملي أيه؟
أجابته ببسمة واسعة: بثبته علشان أروح الشركة بيه بكره.
احتل الغـــضــــب معالمه وصاح إليها: مش هيحصل، إنتِ بطبيعتك أحلى يا مايا. وبعدين أنا اجتهدت في الالوان والروج عشاني أنا مش عشان تمشي تتمختري قدام الموظفين كلهم، عايزة تفتني حد في جمالك افتنيني أنا معنديش مانع غيري No يا بيبي.
أدلت شفتيها السفلية بحـ.ـز.ن، واتجهت للفراش، فقالت بعد تفكير: طيب لو روحنا مناسبة مهمة هتحطلي زيه بالظبط؟
اتجه ليجاورها، وقال ساخرًا: خايف أوعدك بصراحة، هي طلعت مني كده صدفة الله أعلم هتتكرر معايا تاني ولا أيه! بس أوعدك اني هحاول يا حبيب قلبه!
اقتربت بجلستها منه وواجهت جلسته، وحركت كتفها بدلال: جوزي حبيبي هينجح تاني وتالت وعاشر عشان حبيب قلبه ميزعلش.
حدجها بنظرة مشاغبة، وبمكر قال: مقدرش على زعل حبيب قلبه أبدًا وهبدأ بالمصالحة من دلوقتي.
لم تفهم مقصده الا حينما هاجمها بدغدغة تستهدف بطنها وأسفل إبطيها، انفجرت بنوبة من الضحك وهي تترجاه أن يكف قائلة: بس يا عمران، عمران لأ.
ضحك هو الأخر على صوت ضحكاتها وصاح بدلاله الطفولي: حبيب قلب جوزه هيزعل منه ومش هيصالحه ازاي ده بس، أنا هدلعك النهاردة لبكره على الأقل يكون عندك جرعة سعادة تنفجر وقت ما نشوف نعمان الملزق إلهي ما يلحق يوصل على رجليه ويجعل زيارته من المستشفى للطيارة مرة تانية على مصر للقبر عدل مهو مش هيجي هنا يقرفنا بجثته!
لم تكف عن الضحك وهو يستشعر صوت قهقهاتها فضحك برفقتها وضمها إليه، متسائلًا بخبث: مش نعيمًا الميكب؟
حركت رأسها بعدm فهم لكلمـ.ـا.ته فتابع: فين حق تعب الميكب آرتست المحترف اللي ظبطك الظبطة دي!
زحفت للخلف بنظرات تحذيرية إليه حينما وجدته يدنو منها بغمزة تعلم نهايتها كيف ستكون، وقبل أن تعترض وجدت ذاتها تستجيب لنوبة عشقه فلم تستطيع مواجهته بالنفي وانساقت خلفه لبوابة الغرام.
انساق الليل بغيمته السوداء وسطعت شمس يوم جديد، اجتمع فيه أحمد وفريدة بالأسفل على طاولة الطعام برفقة شمس وزينب وعلي، حتى مايا نهضت وهبطت للأسفل تتساءل بدهشة: صباح الخير، فاطيما فين؟
أجابها على وهو يتابع تناول الجبن بالخبز: صباح النور يا مايا، شوية ونازلة.
منحته ابتسامة صغيرة، واتجهت لتحتل مقعدها، انتبهوا جميعًا لصوت عمران الذي يصفر بالأعلى رافعًا من صوته: فطار الهنا. بس مش هيكون فيه سرور من غيري على فكرة.
قالها وهو يهم بهبوط الدرج، فانتبه لخروج فاطمة من غرفتها، استدار لها يبتسم كعادته: صباح الخير يا فاطمة.
اكتفت بهزة رأسها وحملت طرف فستانها الطويل واتجهت للهبوط للأسفل وهي تحمل بين يدها كتب زينب التي طالبتها بحملها لها.
هبطت فاطمة الدرج فأعاق لها حمل الكتب رؤية طرف فستانها الطويل، فتعلق كعب حذائها بطرفه فسقطت عنها الكتب وكادت بأن تلحق بهم، لتجد يد عمران تمتد لتمنع سقوطها، جذبها بقوة لدرجة آمنة في لحظة وقوف الجميع بفزع عليها، فوجدته يسألها ومازالت يده محاصرة لمعصمها: إنتي كويسة؟
انتفضت تدفعه بكل قوتها للخلف ونظراتها المحتقنة لا تحيد عنه، ارتجاف جسدها وتراجعه للدربزاين جعل الاخير يتابعها بدهشة متسائلًا عما فعله ليجد كل ذاك العداء منها؟!
أسرع على إليها يجذبها إليه بلهفة: حصلك حاجة يا فطيمة؟
هزت رأسها بالنفي وعينيها تختطف النظرات لعمران باحراج لما فعلته، فحملت طرف فستانها وصعدت للأعلى هاربة، بينما انحنت شمس ومايا تجمعان الكتب، فاستغل على ابتعادهما عن مكان عمران واتجه إليه يربت على كتفه بهمسٍ منخفض: متزعلش يا عمران منها، فاطيما لسه متخطتش الحالة النفسية اللي بتمر بيها.
هز رأسه بتفهمٍ، وعقد زر بذلته قائلًا: عارف يا على ومش متضايق، المهم إنها موقعتش واتجـ.ـر.حت.
منحه ابتسامة يجاهد باخفاء حـ.ـز.نه بها، فدنى الاخير منه يتفرسه بنظراته فقرأ ما يحاول اخفائه: مالك يا علي؟
احتل الألــم نبرة صوته لتجردها من ثباته الزائف: بقالي فترة بخلص ورق فاطيما انا ومراد علشان تكمل تعليمها وتدخل الجامعة من جديد بس اللي شوفته بعيني دلوقتي يخليني متسرعش في الخطوة دي، فاطيما مش جاهزة لسه تواجه العالم اللي برة حساباتها، مبقتش قادرة تتعامل مع حد.
أصاب الحـ.ـز.ن قلبه، فهو يعلم ماذا تعني لأخيه وكيف احتمل لأجلها، الا يكفيه بأنه لا يحاول أن يكون زوجًا طبيعيًا معها، ربما امتلك هو الخبرة وسابق التجربة مع ألكس وكان يومًا ما ملقبًا بزير النساء ومع ذلك ضعفت مقاومته أمام من أحبها وودها بكل ما فيه، وبتلك اللحظة يشهد بأن على رجلًا بكل ما تحمله معنى الكلمة، يتساءل أحيانًا أين يذهب باحتياجاته إن لم تكن يومًا بحياته تجربة سابقة أو صلة تربطه بالنساء كيف يحتمل بقائه جوارها هكذا؟
تنحنح بخشونة وقال بعد فترة صمته: إنت محتاج لتجربة صغيرة تجبر فاطيما انها تختلط بالناس يا علي، ولو تسمحلي أنا اللي هجر رجليها لكده.
سأله باهتمامٍ: ازاي؟
ارتدى نظارته بعنجهيةٍ: بعدين هتعرف سبني دلوقتي أغطس على شركة الغرباوي قبل ما خالك الملزق يوصل.
انقبضت معالمه بتقزز صريح ومن خلفه صدmة سؤاله: خالك جاي؟
طرق بقوة على كتفه وهو يشير له: استعد للاختناق أخي الطبيب.
وتركه واتجه ليغادر فانحنى على بجسده للدرابزين يذكره: متنساش تبعت الفريق على المركز عايزين نبتدي الشغل بدري.
أشار له وهو يتجه للطاولة: الفريق بالمركز من ساعتين يا دكتور ومتقلقش أنا هشرف عليهم بنفسي وبكره تشوف هتستلم المركز ازاي، خلاص بقى في قبضتي والمداخل من تصميمي شخصيًا بص هبهرك!
ردد وهو يستكمل طريقه لغرفة فاطمة: ربنا يستر!
تابعت فريدة عمران بقلق من أن يكون منزعجًا من تصرف فاطمة، فوجدته يقترب منها بابتسامة واسعة عـ.ـذ.باء مردفًا: صباح الجمال والدلال على أجمل فيري في عيلة الغرباوي كلها.
قالها وهو ينحني يقبل وجنتها ورأسها ويدها بطريقة جعلت أحمد يتابعه بنظرات متفرسة بينما يتعالى ضحكات فريدة فضمته اليها من مقعدها قائلة: صباح الورد يا حبيبي. أيه الجمال والشياكة دي كلها.
ألقى على نفسه نظرة خاطفة وغمز لها مشاكسًا: لازم أكون شيك وآنيق مش ابن فريدة هانم الغرباوي!
احتضنت جانب وجهه بحنان: انت بكاش بس بمـ.ـو.ت فيك.
تنحنح أحمد ليلفت انتباههما لما يزيد عن تحمله، فخـ.ـطـ.ـف إليه عمران نظرة خاطفة ومرر لسانه على شفتيه باستمتاعٍ لرؤيته هكذا، فأراد أن يحجم يومه مثلما يشعر هو بتلك اللحظة، فانتقل من مقعد والدته لمقعده.
مال عمران لعمه الذي بدى مستنكرًا لفعلته، وخاصة حينما وجده ينحني تجاهه فتراجع بوجهه باستغراب من فعلته فقال عمران ضاحكًا: أنا هقولك كلمة سر متفهمنيش غلط يابو حميد.
حدجه بعمق خطر وصاح بتذمر وهو يرتشف من كوب عصيره: انجز.
اتشح بابتسامة خبيثة وهمس له: الملزق جاي.
سكب ما تجرعه واستدار يقابله بعينين متوسعتين من شـ.ـدة صدmته، فضحك وهو ينحني يمنحه محرمة ويربت على كتفه كأنه يواسيه، وقبل أن تنتبه لهم فريدة الغارقة بحديثها مع زينب قال: امسك نفسك عشان لو فريدة هانم لمحت الكره اللي جواك ليه هترجع حظر العزوبية من تاني ومش بعيد تفضل هناك لأخر عمرك.
وتابع مستهدفًا جولته: خد بالك مجاش فرحكم لإنه مكنش موافق على الجوازة يعني الجاية المرادي هتكون زي قشرة الموزة مزحلقة يا عمي!
وانتصب بوقفته يودعه: عن إذنك هروح أحضر نعش جنازته لأجل ما استقبله.
والتفت ينادي زوجته: يلا يا بيبي؟
خـ.ـطـ.ـفت حقيبة يدها ولوحت للفتيات تودعهما، بينما اشارت فريدة لشمس: اطلعي يالا غيري هدومك عما نجهز أنا وأنكل أحمد، هنتحرك اول ما على ينزل هو كمان.
هزت رأسها بحماسٍ وهرعت بلهفة للأعلى لتبدل ملابسها.
طرق على على باب جناحه ليجعلها تنتبه لدخوله، ومن ثم ولج للداخل فوجدها تجلس على الأريكة ويدها تزيح دmـ.ـو.عها فور أن اقترب منها، جلس على قبالتها وسحب نفسًا مطولًا يغلب به حـ.ـز.نه وضيقه، فتمسكت يده بيدها يفركها بحنانٍ ودفء يجتاحها: الجميل زعلان ليه؟
أتاها مهدئها ودوائها لتسرع بأخراج علتها عنها، فزحفت بجسدها تقابله وقالت ببكاء: مقصدتش والله أحرج عمران بالشكل ده، كنت بايخة جدًا بدل ما أشكره على مساعدته ليا زقيته وجريت زي الهبلة، أكيد بيقول عليا مـ.ـجـ.ـنو.نة أو قليلة الذوق!
وتابعت بقهر جعل ريقها كالعلقم: غـ.ـصـ.ـب عني والله يا علي، أول ما مسك ايدي حسيت اني دوخت ومبقتش شايفة غير تفاصيل الأيام القاسية اللي عشتها دي. أنا مكسوفة من نفسي أوي وحابة أعتذرله أنا مشوفتش منه شيء وحش بالعكس من يوم ما جيت هنا وهو محترم وذوق معايا جدًا وفي المقابل عاملته بطريقة بشعة.
احتوى وجهها المحتقن بأثر الدmـ.ـو.ع، وأزاحها عنه بهدوء اتنقل لصوته الرزين: عمران مبيعرفش يزعل من حد، وبالعكس هو متفهم جدًا الحالة اللي بتمري بيها يا فاطمة. ولو اعتذارك هيفرق معاكي فأول ما هيرجع بليل هخدك وتروحي تعتذري مع أني شايف أنه مالوش لزمة لإنه متقبل الموضوع ومنتهي بالنسباله.
نجح بأن يبدد حرجها وزرع الابتسامة الرقيقة على شفتيها، فابتسم هو الاخر وردد بهيامٍ: ابتسامتك دي كفيلة تقلب يومي كله لسعادة. أنا مش عايز أنزل غير وأنا متأكد أنك تخطيتي الموقف كله.
واستطرد وهو ينحني مقبلًا يديها معًا: أنا صاحي فرحان إنك ولأول مرة ميجلكيش نوبات ولا كوابيس، الظاهر كده حـ.ـضـ.ـني له تأثير عليك يا جميل!
سحبت كفها منه بخجل: علي!
تمردت ضحكاته بصوتٍ مرتفع ونهض يتمم على ملابسه وشعره: أنا هنزل علشان ورايا كام حاجة كده. لو عوزتي حاجة إبقى كلميني.
تساءلت باهتمامٍ: نازل المستشفى.
هز رأسه نافيًا، وقال وهو يعيد تصفيف شعره: أنا إستقلت يا فاطيما.
نهضت واسرعت إليه تمنحه سؤالًا أخر: ليه؟
رد عليها بحلمٍ يتشاركه برفقتها: ما أنا قولتلك قبل كده يا حبيبتي إني حولت المستشفى بتاعتي لمركز كبير واليومين دول فريق عمران بيجهز المركز وأنا معاهم بساعد باختيار المفروشات وغيرها مع إني معنديش شك في عمران بس أنا عندي خبرة بردو في الألوان والتنسيق المريح للمريـ.ـض.
منحته ابتسامة اتسعت بفرحتها: ربنا معاك يا دكتور، متأكدة إنك هتنجح لإنك دكتور شاطر وتستاهل ده.
وتابعت وهي تشير على ذاتها بعنجهية: والدليل قدامك.
انحنى تجاهها يقبل جبينها وودعها بايجازٍ: أشوفك بليل يا قمري، سلام مؤقت.
همست وهي تتابع خروجه بهيام: مع السلامة.
استيقظ آدهم على يد تهز جسده برفق، ففتح عينيه يجاهد مهاجمة نومه، فوجد سيف يقابله بابتسامة عـ.ـذ.باء: صباح الخير يا سيادة الرائد، أنا حضرتلك الفطار والدوا ومضطر أصحيك دلوقتي عشان أطمن إنك أخدت أدويتك قبل ما أنزل عشان دكتور يوسف هيآآآ.
قاطعه بضحكة صاخبة: هينفخك؟
ضحك وهو يؤكد له: بالظبط، بس عرفت منين؟
اعتدل بجلسته وسحب الوسادة من خلف ظهره: عشان أيوب قالي نفس الكلام امبـ.ـارح، واضح ان يوسف شخصية بيتخاف منها بس مش باين عليه!
جلس سيف قبالته يضع الطاولة المطولة ومن ثم يرص أطباق الطعام وأجابه ببسمة شملت ملخص للحب المتبادل بين الاخوة: يوسف ده مفيش في طيبة قلبه، أينعم هو مصحيني النهاردة من النجمة عشان أروحله أساعده في تزين عيادة دكتورة ليلى عشان الافتتاح النهاردة ومخلعني من الجامعة اليوم بطوله بس عشان عيونه أنا جاهز لأي حاجة.
تابعه باهتمامٍ وخاصة حينما لاح الحـ.ـز.ن على معالم وجه ذاك الذي ظنه فتى صغيرًا مرحًا: يوسف مش أخويا الكبير يوسف ده أبويا وأهلي وناسي وكل ما أملك، بالرغم من اني مش يتيم عندي أب وأم بس الاتنين مش شايفين غير شغلهم، مكنش حد مهتم بيا غير يوسف، أكلي. لبسي. دراستي. كل عقبة قضتها في حياتي كان جنبي فيها كتف لكتف، تخيل يا سيادة الرائد أنا برجع من جامعتي ألقيه سايب عيادته وبيته ومـ.ـر.اته وعاملي الأكل ومنضف الشقة حتى هدومي بيغسلهالي!
واستكمل بو.جـ.ـعٍ انغمس بنبرته المبحوحة من شـ.ـدة اضرام مشاعره: لما سابنا في مصر واستقر هنا كنت حاسس إني يتيم من غيره، مكالمته كل يوم هي اللي كانت بتصبرني، وعدني إني لما أخلص الثانوي هيبعتلي وأسافرله، كنت بذاكر ليل نهار وبدعي أخر سنة ليا تخلص عشان أشوفه، وأول ما نتجتي ظاهرت كان أول واحد أبلغه بمجموعي وأفكره بوعده، وجيت هنا وناوي استقر زيه مش راجع مصر تاني، مكان ما يكون يوسف هتلاقيني موجود.
ختم باقي حديثه مازحًا ليخفف من حدة الاجواء التي اصطنعها حديثه، فوجد آدهم يتابعه بنظرة حنونة مهتمة لسماع ما سيقول حتى ولو ظل يتحدث للأبد، فنهض عن الفراش يضع طبق صغير به الأدوية، ثم قال: أنا دوشتك على الصبح، المهم افطر وخد أدويتك لاني لازم أنزل ليوسف قبل ما يتعصب عليا، وبليل لو قدرت تيجي هستناك هناك في العيادة أنا قايل لأيوب يجيبك معاه.
تفحص الطرقة المطلة من باب غرفته متسائلًا: هو فين أيوب؟
رد عليه وهو يسكب له كوب المياه: أيوب بينزل من بدري لانه بيشتغل في مطعم قبل الجامعة.
اتسعت ابتسامة آدهم فأعاد خصلات شعره الطويل للخلف بحركة خاطفة، وتطلع لسيف يخبره: انت وأيوب ويوسف وعلى وعمران وجمال شاملين جملة شباب مجدع وزي الورد اللي بنقولها في مصر. بحس بالفخر كل ما بكتشف عنكم حاجه.
مد يده يربت على كتفه في حالة مفاجئة لآدهم وقال: وإنت بانقاذك لأيوب ينطبق عليك نفس المقولة يا سيادة الرائد، عشان كده حضرتلك الفطار على مزاج بعد اللي يوسف قالهولي عن اللي حصل هنا امبـ.ـارح.
قهقه عاليًا وردد بمشاكسة: كل ده عشان أخدت الــســكــيــنــة من البـ.ـنت دي، بصراحة أيوب يتحسد على حبك ليه يا دكتور سيفو. ومتقلقش أنا بعيد ولا كأني أعرفه.
حك لحيته المنمقة وقال بحرجٍ: هو أنا بعز أيوب وبحبه جدًا بس مش بالطريقة اللي داخله دmاغكم، أنا بس كنت خايف عليه من صداقة عمران وجمال لإن أيوب خام مالوش في أي حاجة، وعمران ما شاء الله عليه وقح درجة أولى وجمال درجة تانية، كنت قلقان ميظبطوش مع بعض بس شكلي كنت غلط لانه انـ.ـد.مج وسطيهم بسرعة متخيلتهاش!
تلقفت يده الخبز ليضعه بالبيض وتناوله وهو يراقب من أمامه بهدوء، ومن ثم جذب المياه يرتشفها، تابعه سيف باستغراب من طريقته بتناول الطعام، فتمتم آدهم: كمل سامعك.
وجده يراقب طريقة تناول طعامه وسأله: إنت بتشرب بعد كل لقمة!
هز رأسه يؤكد له: معرفش هي عادة عندي كده بحس الأكل مبيتهضمش من غير المية وده تعبني جدًا بس اتعودت.
بدت الحيرة جلية على معالم سيف، فقال مبتسمًا: أيوب كده وبهريه تريقة طول ما بيأكل.
إلتقط الجبن يتناوله بتمهلٍ لحديثه: لأ ما أنا مش هديك الفرصة، لإنك ماشي حالًا هتتأخر كده على دكتور سيف وهينفخك المرادي بجد. روح علق البلالين مع أخوك أفضل من التريقى على خلق الله.
تعالت ضحكاته وأشار له بمرحٍ: حاضر يا سيادة الرائد إنت تؤمر، سلام.
غادر تاركًا الابتسامة تغزو وجه الأخر الذي يتابع تناول طعامه باستمتاعٍ.
أوقف سيارته أسفل الشركة فهبطت مايا وغادر بعد أن أخبرها بأنه سيذهب لمشوارٍ هام، استكمل بسيارته الطريق متبعًا هاتفه بعدmا بحث عن إسم المطعم وأخرج موقعه، والآن أصبح يقابل وجهته.
صف عمران سيارته وولج للداخل يبحث عن غايته، فوجده يرتدي مريال يحمل لوجو المطعم وينتقل بين الطاولات، وضع العصائر على احدى الطاولة وما كاد بحمل بالعودة للمطبخ حاملًا الصينية الفارغة حتى تفاجئ به يقف قبالته، فتفوه باسترابةٍ: عمران!
↚أوقف سيارته أسفل الشركة فهبطت مايا وغادر بعد أن أخبرها بأنه سيذهب لمشوارٍ هام، استكمل بسيارته الطريق متبعًا هاتفه بعدmا بحث عن إسم المطعم وأخرج موقعه، والآن أصبح يقابل وجهته.
صف عمران سيارته وولج للداخل يبحث عن غايته، فوجده يرتدي مريال يحمل لوجو المطعم وينتقل بين الطاولات، وضع العصائر على احدى الطاولة وما كاد بحمل بالعودة للمطبخ حاملًا الصينية الفارغة حتى تفاجئ به يقف قبالته، فتفوه باسترابةٍ: عمران!
نزع عنه نظارته الشمسية ودنى إليه يمنحه ابتسامة مقتضبة: صباح الخير يا بشمهندس.
وكأنه يتعمد أن يذكره بما تنساه بين الطاولات هنا، فتعجب أيوب من طريقته الغريبة بالحديث، وسأله بدهشة: بتعمل أيه هنا؟
زوى حاجبيه بتهكمٍ صريح: هكون بعمل أيه؟ مش ده مطعم وبيقدmوا فيه أكل؟
أشار له بايجاب بينما هز الاخير رأسه هامسًا بضجر: أسئلة خارج المنهج!
وتابع وهو يحك خده ليكظم غـ.ـيظه الغريب لرؤية صديقه الجديد بتلك الوظيفة التي يعلم بكونها شريفة ولكن لجوئه لها في وجود شخصًا بنفوذه أثار غـــضــــبه بشكل تعجب هو ذاته له، فقال بحدة غريبة: اقلع المريالة دي وتعالى معايا. عايزك.
عبث حاجبيه بدهشةٍ: أجي معاك فين؟ لسه بدري على ما أخلص شغلي وعندي محاضرة الساعة 3!
جز على أسنانه بضيق وصدر أوامره: أيوب متنرفزنيش اقلع القرف ده وتعالى معايا حالًا!
وقبل أن يتفوه بحرف وجد عمران يدفعه للخلف لينزع عنه ما يرتديه فقال باستغراب: مالك بس في أيه فهمني؟!
منحه نظرة حارقة وصاح بغـــضــــب: في بشمهندس يشتغل الشغلانه دي بذمتك؟
رد بعفوية تامة: وأقل من كده كمان مدام مش برتكب شيء حـ.ـر.ام ولا يعيبني فين المشكلة!
يعلم بأنه يمتلك الحق بحديثه وإن تحمل الخطأ سيكون إليه ومع ذلك لم يتمكن السيطرة على أعصابه، فجذب الصينية السوداء من يده ووضعها جوار المريال الغريب، ودفعه للخارج قائلًا: أنا اللي عندي مشكلة ارتاحت!
جذبه عمران لسيارته والاخر يضحك على الحالة التي تعتلي الاخر، فما أن صعد جواره حتى انفجر ضاحكًا: مش معقول بجد إنت محسسني أنك قافشني مع واحدة ست! في أيه يا عمران على الصبح مش كفايا امبـ.ـارح مكنتش مفهوم!
قاد سيارته بصمت جعل الاخير يصفق كفًا بالاخر: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، ما ترد عليا يا ابني مسيبني شغلي وواخدني على فين؟
لكزه بعنفٍ والغـــضــــب يتطاير من عينيه بشراسة: متقولش شغلك ده مش شغلك يالا، إنت بشمهندس إعقلها بروح أ...
بلع باقي كلمته وراح يهمس لذاته بصوت وصل لمسمع أيوب المنصدm: اهدى يا عمران خد نفسك ومهما الحـ.ـيو.ان ده حاول ينرفزك أوعى تتنرفز، relax!
أعاد أيوب غلق سحاب تيشرته الذي انفتح لأخره حينما كان يحاول عمران تخليصه من المريال، وقال بنزق لسماع همساته: روح لاخوك يعالجك بدل ما أنت قاعد تكلم نفسك كده!
منحه نظرة محذرة فزفر بغـــضــــب والتزم الصمت لما يقرب العشرة دقائق، ومن ثم عاد ليتساءل: طيب ريحني وقولي واخدني على فين؟ هخسر شغلي بقولك!
خرج عن رزانته التي يحمل التكلف بها، فطرق الدريكسون بعصبية: شغل أيه اللي خايف تخسره يا أيوب، أنت أزاي تسمح لنفسك بتعليمك ده إنك تشتغل في مطعم، لو الشيخ مهران عرف بده هيقبل أن ابنه الوحيد يمشي يمسح التربيزات إنت بتهرج؟
برق إليه بصدmة، يحدثه وكأنه ارتكب جرمًا ما، ولوهلة تريث بالرد بالنهاية عمران يختلف عنه، يتحدر للطبقة الأرستقراطية التي عرفت بالترف والسلطة والمال، كيف سيتمكن من أن يصل لعقله فكرة العمل شيئًا صريح لأي رجلًا، ريثما إن تمكن من العيش عامًا كاملًا بمصر سيعلم بأن الرجـ.ـال هم من يحتملون العمل المرهق لأجل قوت يومهم، ربما ولد وبفمه ملعقة من ذهب لذا صعب عليه الشعور بالاخرين، وإن كان أيوب ميسور الحال ولكنه لا يحتمل فكرة إلقاء كل احتياجاته لأبيه، لذا ود الاعتماد على نفسه حتى وإن لم يكن بحاجة للمال، فالمال الذي يرسله أبيه كل شهرٍ يكفيه ويفيض عن حاجته.
لعن عمران نفسه وما تفوه به حينما وجد أيوب يلتزم بالصمت، فصف سيارته أمام احدى شركاته بعدmا وصل لمدخلها واستدار يقابله بنـ.ـد.مٍ: أيوب أنا آسف مقصدتش، بس أنا لما شوفتك وإنت بتشتغل كده اتنرفزت ومقدرتش أمسك نفسي.
وتابع بضيق: أنا كده لما بتعصب ببقى دبش ووقح.
رفع عينيه إليه بهدوء يعاكس ظنونه: مزعلتش يا عمران بس إنت اللي مش قادر تفهم إن الشغل عمره ما كان عيب، حتى لو كنت دكتور أو عالم ذرة حتى، العيبة أنك تحتاج لحد وتمد ايدك وتقوله اديني، احنا الحمد لله مبسوطين ووالدي عندي أراضي وورث يعيشنا ملوك بس أنا مش حابب أعتمد عليه على طول، عايز اتعود اتحمل مسؤوليتي من دلوقتي وأشتغل في أي حاجة وكل حاجة لاني ببساطة مش منتظر اني اخلص جامعتي وألقى الشركات فاتحلي دراعتها لازم أكون جاهز لأي وضع.
منحه ابتسامة هادئة ورفع يده يضم كتفه مشيرًا برماديته: أنا اللي هخدك في دراعاتي وبدايتك من هنا.
تعلقت نظراته لخارج النافذة فانفتح فمه بانبهارٍ لرؤيته تلك المباني العتيقة التي تحتل منتصفها مبنى ضخمًا يحمل اسم الغرباوي، فتح أيوب باب السيارة ولحق بعمران الذي يحاوط كتفه ويخبره بنفس ابتسامته الصافية: مكانك هنا يا بشمهندس.
تبلدت قدmيه على أول درجات رخام البورسلين الأبيض فسحبها للخلف رافضًا تتبعه، فعاد إليه عمران ليجده يردد: مش هقدر يا عمران انا لسه بدرس مش جاهز!
منحه بسمة ساخرة قبل أن يتمتم: أنا استلمت ادارة شركة أبويا وأنا في أول سنة بالجامعة يا أيوب، وفي السنة الرابعة كنت بفتتح فرعين جداد للشركة.
وتابع ويده تضغط على كتفه: متقلقش أنا جنبك، واللي علمني وخلاني عمران الغرباوي هو نفسه اللي هيعلمك.
لم يفهم كلمـ.ـا.ته جيدًا وكأنه يحدثه بالألغاز، فصعد خلفه حتى ولج للداخل.
انبهر أيوب من تصميم المبنى الداخل، وحينما تود العمل مع شركة ضخمة بحجمها سيغلبك فضول رؤية ما يفعلوه بتصميم مداخل ومخارجها لذا اتقن عمران وفريقه كل شبرٍ بشركاته وبراعة تنسيق المساحات وغيرها من المكاتب والأرائك الباهظة.
شعر أيوب بأنه يقابل شخصًا أخرًا لا يعرفه، منذ ان طوق قدm عمران الشركة حتى تحول لشخصٍ جادي للغاية، الصرامة والجمود طريق لقاءاته مع الموظفين، حتى ولج به للمصعد، ليجده يهبط به لطابق منخفض عن مستوى الطابق الارضي، فلحق به بممر طويل للغاية حتى انتهى بباب حديدي دفعه ليجد عدد هائل من المجلدات المصفوفة بأرفف عديدة وكأنه بمكان أشبه بالمكتبة.
استدار عمران له يضغط من ضمه يده على كتف أيوب المندهش وخاصة حينما قال له بحـ.ـز.ن غريب: إنت عارف إني بحبك وبعزك صح؟
هبوطه لمكان أسفل الارض وعلى ما بدى من عدm وجود أحدًا بالرغم من أن الطوابق الاخرى كانت تعج بخلية نحل من العمال، فمضمون المكان بأنه سري للغاية، والآن يخبره بتلك الكلمـ.ـا.ت اللعينة التي جعلته يبتلع بتـ.ـو.تر: في أيه يا عمران؟
سيطر على ضحكاته وهو يتابع: في إني عايزك تتقن الشغلانه من قبل ما تبدأها عشان كده جبتك المكان اللي اتعلمت فيه، أينعم كانت فترة صعبة ليا بس علمت معايا وفرقت، وهتفرق معاك جدًا بدراستك وباللي جاي.
خـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة للارشيف وعاد له: اتعلمت هنا!
نفى ذلك وأشار بعينيه على احد الابواب الجانبية، وقبل أن يحرر بابه عاد يضمه بقوة وهو يخبره: خليك عارف إني بحبك وبعمل كده عشانك.
ارتعب أيوب ودفعه عنه وهو يصيح بشك: أنا مش مرتحالك، خرجني من هنا!
انفجر ضاحكًا على مظهره وجذبه بقوة: انشف يالا مش كنت عاملي فيها الدكر الشقيان، رجولتك راحت فين؟
دفعه باندفاع: ما انت جايبني مكان غريب وبتقول كلام أغرب!
كاد بأن يتحدث إليه الا ان الباب قد تحرر وظهر من خلفه رجلًا وقورًا يبدو بأنه أفنى عمره بذلك المكان، يرتدى نظارات طبية كبيرة المقدmة، يتفرس بمن أمامه بنظرة شاملة، وسرعان ما تساءل: عمران! غريبة انك نازلي هنا بنفسك ومبعتش حسام السكرتير، محتاج حاجة؟
اندهش أيوب حينما وجد الخــــوف يسيطر على عمران الذي يراه بتلك الحالة لأول مرة وإن صحت له ظروفًا أخرى لكان أول السعداء فيه.
تنحنح عمران بخشونة أودع بها كل هيبته: مفيش يا استاذ ممدوح أنا جيتلك بنفسي عشان كنت حابب أطلب منك طلب.
أعدل نظارته وسأله باستغراب: طلب أيه؟ معقول يكون في حاجة وقفة عليك يا بشمهندس ده إنت خارج من تحت ايدي بخبرة تدرسها إنت لأجيال جاية.
في لافتة لطيفة انحنى عمران يقبل يد صديق والده المخلص الذي ظل يعمل برفقته حتى ذلك اليوم لذا أمنه عمران على كل المستندات والوثائق الهامة بالشركات الأربعة، والآن يأتي بعد كل تلك السنوات ليطالبه بشيئًا لم يتوقعه، فقال: أنا عمري ما أنسى أفضالك عليا، علشان كده أنا جيت أطلبها منك للمرة التانية، عايزك تعلم أخويا أصول المهنة زي ما بيقولوا.
اختطف نظرة لمن يتابع حوارهما باهتمامٍ وعاد يتفرس بعمران قائلًا بابتسامة هادئة: مدام جتني هنا وطلبت مني الطلب ده بنفسك يبقى أكيد الشاب ده بتعزه جدًا. وأنا مقدرش أرفضلك طلب يا ابن سالم.
وأشار لأيوب قائلًا: ادخل يا بشمهندس.
انتابه خــــوفًا من طريقة توديع عمران له، وخاصة حينما قال: متقلقش هبعتلك مع حسام أكل ومية.
ردد بهلعٍ: أكل أيه؟! هو أيه اللي هيحصل؟
ضمه مجددًا وابتعد يلوح له: مع السلامة يا أيوب.
جحظت عينيه صدmة وصاح به: متهزرش يا عمران خد هنا!
أغلق الباب وغادر بالمصعد فاستدار ليجد ممدوح يرمقه بنظرة مستخفة وصاح به: هتفضل واقف كده طول اليوم ولا أيه يا بشمهندس، من أولها كده أنا مبحبش الدلع الشغل يعني شغل، اتفضل على مكتبي رانا شغل كتير!
لحق به أيوب للداخل ومازال يختطف نظرات مستنجدة بمن قذفه إلى هنا وغادر ببرود قابض، فما أن استقر بمقعده حتى أخرج هاتفه يحاول الاتصال به، فصعق حينما جذب منه ممدوح الهاتف وعاد لعنفوانه: بص بقى يا بشمهندس، أنا معنديش خلق للكلام الكتير أنا علمت عمران وشربته المهنة زي ما قال في ظرف شهرين، هنشوف بقى إنت هتأخد في ايدي أد أيه؟ ولازم تعرف إن من وقت دخولك هنا التليفون ممنوع، الأكل ممنوع غير بمواعيد الشركة المحددة، السرحان ممنوع، الغباء ممنوع منعًا بتًا لإني راجـ.ـل عندي 66سنة وعندي الضغط مش متحمل فرهدة آمين؟
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة واكتفى باشارة من رأسه، فان كان بمثل هذا العمر ما الذي يفعله هنا لما لا يتقاعد أم أن هذا الوقح يبقى عليه لاجل تعذيبه؟!
ردد ساخطًا وهو يتابعه بعينيه: منك لله يا عمران، وربي لأوريك أما اخرجلك بس!
مش لو خرجت من هنا!
اتاه صوت العجوز يجيبه بسخرية ومازال يوليه ظهره باحثًا في الارشيف عن احد الكتب التي سيحتاجها لتعليمه، اندهش من حاسة السمع السليمة مئة بالمئة لدى هذا الرجل، وما أن استدار اليه حتى تحرك بمقعده بـ.ـارتباك: بس أنا عندي جامعة الساعة3.
احتل مقعد مكتبه البسيط وهو يرتشف من كوب الشاي الذي يبرز لأيوب مدي بساطة هذا الرجل المخيف، وقال: مفيش جامعة في شغل وبس، ها جاهز يا بشمهندس؟
غادر عمران بسيارته لمقر شركة الورثة، ليكون باستقبال نعمان بذاته، صعد للمكتب الرئيسي بعدmا علم بأن مايسان بمكتبها، فأرسل لها رسالة بأن تصعد إليه في الحال.
رأت مايا هاتفها فنهضت تتجه إليه، صعدت الدرج للطابق العلوي وما كادت بالوصول للزقاق حتى استمعت لصوتٍ مألوفًا لها: على مهلك وإنتِ طالعة يا بـ.ـنت عثمان لرقبتك تنكـ.ـسر.
استدارت للخلف فتفاجئت به أمامها، أبغضت أن يتلوث سماعها بسماع صوته، وارتبكت بوقفتها على الدرج كلما يصعد إليها حتى وقف أسفلها بدرجة وقال بحقد فاح منه: ها فكرتي في عرضي؟
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ حينما تذكرت أخر مرة كان بها هنا منذ سبعة أشهر بعدmا طالبها ببيع حصة والدتها بعد أن قامت بتسجيله لها، وطالبته بمهلة تفكر بها بينما كانت تتهرب منه، ازدردت ريقها المرير قائلة: لسه!
ربع يديه بسخطٍ تسلل لملامحه: لسه ليه ان شاء الله، هو أيه اللي محتاج تفكير كل ده أنا كده كده هشتري نصيب فريدة ونصيب أمك هأخده سواء برضاكي أو غـ.ـصـ.ـب عنك، فهتمضي بالتراضي ولا أوريكي العين الحمرا!
ارتعبت أمامه كالهرة التي يهاجمها كـ.ـلـ.ـبًا مجردًا من الانسانية، وفجأة وجدت مخرجًا لخندقه فقالت: هشوف لسه عمران لو حابب يشتري نصيبي هدهوله مهو مش منطقي أبيع لحضرتك لو جوزي عايز يشتري نصيبي.
تمرد الغـــضــــب داخله لذكرها من يكره سماع اسمه نهيك عن رؤيته وجهًا لوجه، فصرخ بحدة ويده تعتصر ذراعها: تبيعي لمين ده أنا كنت شربت من دmك إنتي وهو، خلاص مبقاش حد مالي عينكم، هو يحيل امه لحد ما كتبتله نصيبها وانتي عايزة تسلميه نصيبك مش هيحصل يا بـ.ـنت عثمان على جثتي إن حصل سمعتي.
واسترسل وهو يحرك جسدها بشراسة: حالًا هتعمليلي تنازل بحقك، أبوكي وراه ممتلكات وثروة متخلكيش تبصي لورثك في شركة الغرباوي، ده غير اللي عند جوزك ولا كل ده مش مكفينك!
كادت بالسقوط من فرط انفعال حركاته فحاولت تحرير ذاتها من بين براثينه، ابعدته للخلف وهي تتوسل له بخــــوف: ابعد عني حـ.ـر.ام عليك.
شهقت بفزعٍ حينما سقط عن الدرج جراء دفعتها، وما ان وجدته ينهض لها بغـ.ـيظٍ وغـــضــــب مشتعل حتى هرولت سريعًا للأعلى قاصدة مكتب زوجها.
انتفض مفزوعًا عن مقعد مكتبه فور أن رأى زوجته تهرول إليه راكضة، وتغلق باب مكتبه من خلفه بالمفتاح، أسرع عمران إليها مرددًا بدهشةٍ: مايا!
التفتت من خلفها وعينيها تراقب الباب الموصود برعـ.ـبٍ مفسر على معالمها وكأنها تترقب اندلاع أسدًا جامحًا للداخل، فأسرع عمران إليها متسائلًا بقلقٍ: في أيه؟
ومنحها نظرة متفحصة تشمل هيئته المذرية: بتجري كدليه ووشك ماله مخـ.ـطـ.ـوف كده، فهميني في أيه؟!
اصطكت أسنانها ببعضها وخرجت حروفها مبعثرة: معملتش حاجة. مقصدتش والله مقصدت!
رمش بعدm فهم لحالتها الغريبة، وفجأة اندلعت خبطات صاخبة على باب المكتب جعلتها تنتفض بين ذراعيه، فاتجه عمران ليفتح الباب الا أنها تعلقت به متوسلة: متفتحش الباب. أوعى تفتحه لأ.
منحها نظرة مشككة وراح يردد بفكاهةٍ: حبيب قلبه عامل كارثة وجاي يتدارى في جوزه يا ناس!
وحينما تعالت الطرقات بعصبية كادت باقــ,تــلاعه قال بنظرة ضيقة: عملتي أيه يا مايا انطقي عشان أستعد أقابل اللي برة بأنهي وش. مستر عمران الجنتل مان ولا عمران الوقح اللي معاه كورس من العتبة ونزلة السمان!
ابتلعت بصعوبة وهي تتعلق بقميصه كالطفل الصغير الذي يختبئ بأبيه، مما دفعه للارتباك والتخمين بأنها ولربما قــ,تــلت أحدًا، فأتاه صوتًا غليظًا مألوف يردد: افتحي يا بـ.ـنت عثمان والله لأربيكي من أول وجديد.
أشار لها عمران وهو يتابع الصوت والطرقات: مش ده صوت نعمان!
هزت رأسها بتأكيدٍ، فأبعدها وهو يشير: طيب ارجعي أما أرحب بالخال الملزق ونستقبله استقبال ملوكي. وبعدين نشوف حكايتك أيه؟!
حاولت أن توقفه ولكنه كان أقوى مما يجعله يخضع لقوتها الهزيلة، فحرر مفتاح الباب وإذ فجأة اندفع ذاك المقيت إليه بكل عصبية: هي فييييين؟
ركضت لعمران تختبئ خلف ظهره وقد بدأ الآن بفهم ما يحدث، فوقف قبالته بصلابة وقوة وصاح بعنفوان: مالك يا نعمان داخل بزعبيبك كدليه، هي الطيارة اللي حدفتك علينا بابها راشق على المصحة ولا أيه نظامك!
منحه نظرة محتقنة وردد بسخط: نعمان كده حاف يا ابن فريدة!
أجابه بسخرية ونظرة لازعة: لا بالكاتشب والطحينة، لخص في ليلتك دي وقول حكايتك أيه مش فاضيلك أنا دmاغي فيها كلاب صعرانة بتعارك بعض، انجز بدل ما أطلقهم عليك!
ضم شفتيه بقوةٍ وصاح به: أما أنت قليل الأدب وعايز رباية من أول وجديد إنت والزبـ.ـا.لة اللي اتجوزتها دي.
احتقنت رماديته بشكلٍ مخيف وجابهه بشراسة: لسانك لو ما اتلمش أقسملك هقطعهولك ولا فارقلي صلة القرابة اللي بينا ولا يحـ.ـز.نون، سبق وقولتلك لما تتكلم مع عمران سالم الغرباوي تحترم شيبتك دي وتقف عدل بدل نا وربي أدفعك تمن اللي بتعمله ده وإنت سبق وجربت لدغتي اللي مكنش ليها ترياق لعلاجها، جاهز نعيده تاني يا خال؟
ارتبك للغاية حينما تذكر ما فعلته شركات عمران به سابقًا، فهدأت أنفاسه المشتعلة وراح يستغل النقطة السائدة له بكره عمران لمايسان الذي مازال يظنه موجودًا وقال: يعني يرضيك اللي مراتك عملته فيا؟
استدار لمن تتعلق بقميص بعنف جعله يوشك على الاختناق من شـ.ـدة لصوقه على رقبته مرددًا بخبث: حبيب قلبه طلع عنده حق يترعـ.ـب من الخلقة العكرة اللي شافها وفقد النطق زي ما أنت شايف كده، انطق إنت وفهمني الليلة.
ابدى حيرته من طريقة تعامل عمران معها وانسجامهما معًا ولكنه صاح بعنف: مراتك قليلة الرباية وقعتني من على السلم!
اندهش عمران ولم يتمكن من اخفاء دهشته، فاستدار إليها مجددًا يكبت ابتسامته الواسعة وراح يردد: حقا يا قلب جوزه وقعتي الجضع ده من على السلم!
هزت رأسها نافية ومن ثم عادت تهز بالموافقة لفعلتها، فعاد يتطلع له متجاهلًا اعترافها الاخير: بتقولك لا أهي جاي ترمي بلاك علينا ليه يا خال!
وسعل بقوة حينما اختنقت أنفاسه من ضغط قميصه ففتح الازرر قبالة أعين نعمان وحينما انتهى منها جذب يدها إليه بضيق، ومن ثم استرخت معالمه ليطبع قبلة رقيقة على باطنها هامسًا نعومة: وبعدين ازاي الكف الناعم الرقيق ده يوقع الجتة اللي شبه مزلقان العتبة دي، يا أخي اتقي الله أنا مراتي بسكوتة نواعم متقدرش تعمل أي شيء في الحياة غير إنها تحط بادكير ومناكير!
صعق نعمان وردد بعدm استيعاب: هي عملتلك أيه، سحرتلك؟!
استدار لها يجيبه مجددًا بنبرة جعلت الغـ.ـيظ يندفع باوردته: سحرت قلبي وعيني بس أنا مش متضايق وبديها كل يوم حاجة من ريحتي عشان تزود عمايلها في السحر يمكن ربنا يكرم ويرزقنا بساحرة صغنونة كده وأوعدك لو حصل هخليها تعلمها ازاي تسخطك قرد أو خنفسه يا خال!
تجمهر الغـــضــــب وتزاحم بمقلتيه، كان يود الانفجار مما يحيطه، فردد وهو يحوم كالقنبلة المؤقتة: ماشي يابن فريدة مصيرك هتيجي على حجري.
منحه نظرة مستفزة وهمس لها مدعيًا حنانه: خد بالك وإنت نازل يا خال لتوقع المرادي تنكـ.ـسر رقبتك ونرتاح كلنا!
دفع الباب من خلفه بعنف كاد باسقاط الحجرة فوق رؤؤسهما، فاستدار عمران لها سريعًا بوجهًا منفرطًا من السعادة: حبيب قلبه الشرس، متجوز بطل أقسم بالله، عملتيها ازاي دي احكيلي بسرعة!
وتابع دون أن يمهلها فرصة للرد: كان على أنهي سلم، أكيد في كاميرات!
حدجته بنظرة مستنكرة لرؤية سعادته العارمة، ففجأها حينما تركها وهرول لمكتبه يجذب حاسوبه وهو يهمس بحماس: المشهد ده لو لقطته الكاميرات هيغسلني من جوه.
عبث بأزرر الحاسوب حتى وصل لغايته فراقب ما يحدث من أمامه باهتمامٍ وفجأة سقط عن مقعده من فرط الضحك، ضحكاته تتوالى دون توقف حتى احمر وجهه ومازال يكرر عيد الفيديو مرات بعد الاخرى وكل مرة تزداد ضحكاته وكأنه يشاهده للمرة الاولى!
اندفعت مايسان تجاهه تصرخ بغـ.ـيظ: إنت بتضحك يا عمران! خالتي هتقــ,تــلني لو قالها وإنت بتضحك!
أشار لها بالاقتراب ومازال يجاهد للتوقف عن الضحك، فما ان دنت منه حتى جذبها لساقيه وقال بصوته الرخيم: بذمتك حد يخاف وجوزه عمران سالم الغرباوي يا بيبي؟
وضمها لصدره بقوة بينما عينيه تتابع الحاسوب، فانفجر ضاحكًا مجددًا مما أغـــضــــبها فلكزته بغـــضــــب: ابعد عني، إنت مستفز!
ضحك وهو يعيق يدها ويجبرها على البقاء، ومن ثم جذب لها الحاسوب متسائلًا بمكر: طيب شوفي كده بذمتك ده منظر ينفع نتعامل معاه عادي! ده انا هصوره على موبيلي وهبعته لعلي يغسل بيه ذنوبه!
وجذب هاتفه يسجل الفيديو ويده تهتز من فرط ضحكاته، وأشار لمن تتابعه بتعصب: اللي في الفيديو دي تليق إنها تكون مراتي أما اللي بتترعش على رجلي من الخــــوف دي عايزة الفيديو ده يتحط قدام عنيها يقويها على استكمال الكورس.
تركته ونهضت عنه تجيد الغرفة ذهابًا وايابًا وهي تهمس بخــــوف: لو قال لخالتو هتزعل مني!
هعمل أيه دلوقتي؟! عمرها ما هتصدقني ده بيعملها غسيل مخ!
كادت بأن تذوب من فرط غـــضــــبها بينما الأخر مازال يجلس على مقعده يتابع المقطع باستمتاعٍ رهيب وضحكاته لا تكف عن الخروج مما دفعها لتصرخ بعصبية وهي تطرق مكتبه: عمران!
منحها نظرة سريعة وغمز لها: حبيب قلب جوزه وروحه وحياته يا بيبي!
دفعت الملفات بوجهه بغـــضــــب قـ.ـا.تل: بطل ضحك بقولك خالتي هتولع فيا!
ترك مقعده وجذب جاكيته المحيط به، ثم ذهب إليها يجذبها للخروج برفقته، فسألته بدهشة: هنروح فين؟
ضحك وهو يطبع قبلة على باطن يدها: هنروح لعلي المركز نشوف الشغل بنفسنا ونفرحه بالفيديو بس قبل كل ده لازم اخدك أجبلك أحلى هدية في الدنيا كلها على وقعة الملزق ده.
وأشار بيده بفرحة: قدامي يا بطل.
منحته نظرة مندهشة، تراه سعيدًا لدرجة جعلتها تنصاع إليه بهدوء يخالف غـ.ـيظها، بينما الاخير يتابع الفيديو على الهاتف ويسألها من وسط ضحكاته: عملتيها ازاي دي؟!
وجدها تمنحه نظرة عابثة، فأغلق هاتفه وضمها إليه بالمصعد مرددًا: حبيب قلبه شايل الهموم على كتافه ليه، أنا موجود أهو أقسم بالله لو قل بعقله تاني لأرميه أنا المرادي من فوق القلعة.
ابتسمت على حديثه واستكانت بأحضانه فتابع ضحكاته مجددًا وقال بمزحٍ: تيجي نطبع الفيديو ده ونكتب عليه شاهدوا فـ.ـضـ.ـيحة الملزق نعمان الغرباوي ونوزعه على الشركة؟
واستطرد بنوبة من الضحك: استني هبعت نسخة لعمي أصله شايل ومعبي منه أوي والفيديو ده هيبرد ناره!
أنا خلاص جهزت يا حبيبتي. إنتي وشمس جاهزين؟
شعر بالاختناق يرواده فجأة حينما وجده يجلس قبالة عينيه، تجهمت معالم وجه أحمد بصورة ملحوظة وردد بنفور: كملت!
رفع نعمان وجهه لابن عمه يمنحه بسمة ساخطة قبل أن يقول: أهلًا بالعريس، أيه مكنتش عايز تنزل تسلم عليا ولا أيه؟
خـ.ـطـ.ـف أحمد نظرة لشمس التي تشير له لنجدتها من جلسته، فاتجه يجلس بالمنتصف بينه وبينها وهو يضمها لصدره، بينما يكون قبالة فريدة السعيدة بلقاء أخيها الوحيد.
تنهد أحمد بسخطٍ صريح: ومش هنزل أسلم عليك ليه يا نعمان ماضيلك وصلات أمانة وبهرب منك مثلًا!
منحه الاخير نظرة مغتاظة وصاح: لا زعلان ومقهور اني كنت معارض جوازك من فريدة، مهو معلش يا أحمد متأخذنيش مكنش يصح إنك تتجوز انت وفريدة وولادها زي ما أنت شايف أطول منك.
رددت فريدة بتحذير: نعمان!
اكتفى برسم ابتسامة رغم اخفائه كمية الكره تجاه أحمد وقال: أنا بدردش معاه يا فيري، وهو متفهم ده مش كده ولا أيه يا أحمد.
أطال بنظراته اليه ووضع ساقًا فوق الاخرى متعمدًا أن تنعكس الساق الاخرى تجاهه، ثم قال: لا متقلقش يا نعمان أنا على طول فاهمك.
وانحنى يجذب كوب العصير ليقدmه له قائلًا بهمس ماكر وصل لمسمع شمس: خد دي طفي بيها اللي جواك، ريحته وصليلي من أول ما نزلت تحت، ما انا فاهمك بقى!
امتعضت ملامحه بغـ.ـيظٍ جعله يود اطاحة عنقه، بينما لم يمنحه أحمد أي اهتمامًا ومال على شمس يهمس لها: مش كنتي تبلغيني عشان منزلش خالص.
همست له بخفوت: ملحقتش والله يا أنكل، شكل كده الخروجة بتاعت النهاردة اتضـ.ـر.بت.
قرص خدها برفق: آه يا خبيثة كل اللي يهمك الخروجة وسيادة الرائد!
ابتسمت بخجل وتابعته وهو يخرج هاتفه ويردد باستغراب: عمران باعتلي رسالة!
وقرب هاتفه إليه وشمس مازالت على صدره تتابع شاسة هاتفه فصعقوا معًا حينما فتحوا الفيديو وفجأة انطلقت ضحكاتهما بشكلٍ جعل فريدة ونعمان يتأملوهما باستغرابٍ، فسأله نعمان بنزق: بتضحك على أيه يا عريس؟ ضحكنا معاك.
أبعد احمد يده عن شمس واتجه ليعانق الاخير قائلًا بخبث: أوي أوي. تعالى يابو نسب!
ومال بجسده وهاتفه إليه فصعق نعمان مما رأه ورفع عينيه الغاضبة لأحمد، فمال عليه يهمس: مش عيب لو بـ.ـنت صغيرة تعلم عليك بالشكل ده يابو نسب! إنت محتاج تكشف عن دكتور يكتبلك على مقويات ويشوف النظر عندك، صدقني كده أفضل بدل ما تعملها وتقع من طولك قدام الموظفين!
ونهض فجأة يشير لهما: احنا كنا خارجين وللأسف المشوار مهم جدًا مش هينفع يتلغي. يلا يا شمس، فريدة مستنيكي برة!
وتركهما وغادر والابتسامة تزين وجهه باجتيازٍ، بينما الاخر يكاد يقــ,تــل من الغـ.ـيظ والغـــضــــب.
بالمركز الطبي.
كان يجلس باحد الغرف يدرس على حاسوبه غارقًا بين الكتب حينما اندفع باب الغرفة ليطل من خلفه عمران ومايا، فأسرع إليه يبعد عن المكتب الحاسوب والكتب ويضع من أمامه قالب من الكعك والمياه الغازية وغيرها من أصناف الحلوى، راقبه بدهشة لحقت سؤاله: كل ده ليه؟
أشارت له مايا بقلة حيلة بينما ضحك عمران وقدm له الهاتف قائلًا بفرحة: احتفالًا بحبيب قلب جوزه زحلقت الخال الملزق!..
↚راقب علي أخيه وهو يلتهم الحلوى بنهمٍ واستمتاعًا غريب، بينما تتابعه مايسان بنظرة محتقنة جعلته يجذب أحد المحارم ويزيل ما بأصابعه وانحنى يجذب مقعدها إليه بطريقة أفزعتها.
أبقاها مقابل مقعده وردد بابتسامة واسعة: حبيب قلبه لسه شايل الهم ليه، يا قلبي إنتِ جوزك عمران الغرباوي قاصف الجبهات وبالذات جبهة نعمان الملزق، اطمني ومتخافيش لو قال لفريدة هانم حاجة أنا هدافع عنك لأخر نفس. ده لو عنده الجرأة إنه يقولها أساسًا.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ من جراءة حركته، فأبعدت ذراعيه عنها وتراجعت بالمقعد لمكانه الصائب أمام مقعد على الرئيسي.
هز على رأسه بمللٍ من تغير أخيه الوقح، ومال بجسده لحافة مكتبه الزجاجي يخبره بجدية تامة: هدي اللعب شوية يا عمران، إنت عارف إن فريدة هانم بتتضايق جدًا من الصراعات اللي بينك وبين خالك، بلاش تضايقها وبالأخص بالفترة اللي هي بتمر بيها، خلي الكام يوم اللي هيقعدهم معانا يمروا بسلام.
احتدت معالمه بشـ.ـدةٍ، وانجرف بمقعده يقابل أخيه، هاتفًا باستنكارٍ: أنا اللي بخلق مشاكل بيني وبينه يا علي! خالك الملزق ده مش بيفوت فرصة واحدة غير وبيحاربني فيها. كل هدفه إنه يسيطر على شركة العيلة عشان يكون المساهم الأكبر فيها!
وتابع بغـ.ـيظٍ يزيد من قتامة نبرته: واللي مضايقني بجد إننا كلنا كاشفين حقارته الا فريدة هانم الوحيدة اللي شايفاه ملاك بأجنحة!
لا يا عمران. فريدة هانم أكتر واحدة فاهمه خالك وفاهماه كويس أوي كمان.
حطم على ثقة أخيه بعدm معرفة والدته لأهداف ذاك اللعين، فابتسم ساخرًا وفاض: ولما هي عارفة قذارته دي ساكتة ليه. ماسك عليها شيء بجبرها إنها تتعامل معاه وتستقبله في بيتها كل اجازة ينزلها!
تغاضى عن سخريته لعلمه كم يكره أخيه ذاك الرجل الذي لم يترك أي فرصة الا وحاربه بكل قوته لإنه يعد الشوكة العالقة بحلق نعمان، على عكس على البعيد كل البعد عن مجال عمل عمران والذي نفسه مجال عمل نعمان الغرباوي وأحمد الغرباوي وباقي العائلة، لذا أجابه بعقلانية: مش ماسك حاجة عليها يا عمران، فريدة هانم بتحاول بكافة السبل تحافظ على علاقتها بنعمان لإنه أخوها الوحيد اللي اتبقالها من كل عيلتها، بعد وفاة خالتك وجدتك مبقاش ليها حد غيره، بتتجاهل كل تصرفاته لإنه أخوها الوحيد.
سكنت معالم وجه مايسان بحـ.ـز.ن، وأجلت صوتها الخاضع لفترة صمته: بس يا على سكوتها خلاه يتمادى. إنت مشفتهوش وهو بيكلمني الصبح ازاي. مصمم إنه يخليني أبيعله نصيب مامي الله يرحمها وعنده ثقة غريبة إنه هيقنع خالتي تبيعله نصيبها.
طرق عمران المكتب بعصبية جعلته يهتز من أمامهما: ده على جثتي. عمري ما هنوله اللي في باله أبدًا.
وتابع وهو يحدق بوجه أخيه: هو مش مدرك إن اللي عايزه ده هيتسببله في خساير ملهاش أخر، طول ما أنا شريك ليه مش بيعرضه إنه يكون منافس ليا، يوم ما فريدة هانم تخضعله وتبيعله نصيبها هيكون نفس اليوم اللي هواجهه في السوق ونشوف بقى ساعتها هيقدر يصد ولا هيجيب ورا.
مسح على وجهه بعصبية بالغة، يحاول جاهدًا التشبث بطائفة من الصبر ولكنها تنفذ منه الآن، فقال بنزقٍ: عمران إعقل وبلاش مشاكل مع خالك، صدقني فريدة هانم حالتها متسمحش لكل اللي بيحصل ده.
تريث قليلًا بانفعالاته المقتضبة حينما تذكر حالتها وبكائها بين ذراعيه، لانت تعابير وجهه بطريقة مدت الأمل لعلي وقد تسنى له معرفة شيئًا يخفيه عنه عمران، حسنًا هو الآن على ثقة بأنه يعلم مقصده عن حالة والدته جيدًا.
اكتفى عمران بهزة بسيطة من رأسه توافق على حديث علي، وانتصب بوقفته بكل عنجهية مشيرًا لزوجته: يلا يا مايا.
نهضت تجذب حقيبتها، فجذب على مفاتيحه ولحق به قائلًا بفضول: على فين؟
اجابه وهو يحرر باب غرفته: هرجع البيت أغير هدومي علشان حفلة افتتاح عيادة دكتورة ليلى، أوعى تنسى يا علي، يوسف هيزعل لو مجتش.
أغلق الباب فور عبورهم للخارج، وقال: كويس انك فكرتني، هخلي فاطيما تلبس وهنحصلكم على طول.
هز رأسه بخفة، واستدار إليه يخبره بعدmا تذكر أمر أيوب: أنا هغير وهنزل على طول وإنت ابقى هات معاك مايا لإن في مشوار مهم جدًا لازم أعمله الأول.
أجابه ببسمة جذابة: مفيش مشكلة، روح إنت مشوارك ومتقلقش.
منحه ابتسامة ممتنة قبل ان يحيط بخصر زوجته ويتجه للمغادرة للمنزل، ومن خلفه على بسيارته.
ما أن حرر السائق باب السيارة لفريدة وشمس حتى هرولت للمبنى راكضة وقلبها يتقافز كالطفلة الصغيرة، هبط أحمد يغلق زر جاكيته الأسود وإتجه بخطواتٍ متوازية مقدmًا يده لفريدة بحركةٍ لا يفعلها سوى الرجل الملقب بين فئة النساء (جنتل مان).
منحته ابتسامة رقيقة وهي تمد يدها الملتفة بملبس اليد الحريري الأسود الذي يصل لمنتصف ذراعيها، لتقف أمامه بتنورتها البيضاء وجاكيتها المماثل، وقبعتها التي أضافت لطالتها لمسة تعيد زمن انتهى بحرافية طالته وجمال لمساته.
خلعت فريدة عنها معصم اليد ووضعته بحقيبتها المعلقة على ذراعها، وخطت جوار أحمد برشاقة وانسيابية تاركة كعب حذائها المرتفع يطرق صداه على الأرضية، بينما نظرات ذاك العاشق تحيط بها ويده تشـ.ـدد من ضم كف يدها الرقيق.
انسجما كثنائي متوافق، بالرغم من أنهم ليس كهؤلاء المراهقين ولكن انسجامهما معًا كان رائعًا، وكأنهما هربوا معًا من فيلمٍ قديمٍ بلونه الأسود والأبيض.
صعدوا الدرج قاصدين الطابق الثالث، فابتسم أحمد بسخرية وهو يراقب شمس التي تسبقهما بطابقٍ كامل، وصاح بمشاكسة: اطلعي بهدوء يا شمس، عارفين إنك واقعة في حب سيادة الرائد وبالشكل ده هتقعي في حـ.ـضـ.ـن المستشفى كام يوم، انتبهي لخطواتك.
توقفت عن الصعود بخجل من سماع صوت ضحكات والدتها وعمها، فادعت اتزانها الغير موجود، وحملت طرف فستانها بشكلٍ راقي اعتادته من والدتها ثم صعدت بخطواتٍ بطيئة نسبيًا، ورغمًا عنها عادت لنفس سرعتها السابقة حتى وصلت أمام باب الشقة تدق الجرس بفرحة عارمة وشوقًا يزين عينيها لرؤيته.
وصل أحمد وفريدة للطرقة المتصلة بالطابق العلوي، فبدت زواية الشقة وجسد شمس واضحًا لهما، فهمس لفريدة ببسمة ماكرة: في علاقة حب من الطراز الأول كانت بتم من ورا ضهرنا يا فريدة هانم.
تابعت فريدة لهفة ابـ.ـنتها لرؤية ذاك الشاب ببسمة هادئة، فانتقلت بنظراتها لأحمد الواقف قبالتها يراقب شمس عن بعد، وقالت بألــم استكشفه هو: يا رب ميجـ.ـر.حهاش يا أحمد ويكون يستاهلها.
أتاهما صوتًا رجوليًا يقتحم آذانهما فرفعوا أبصارهما تجاه باب الشقة، فوجدوه يقف قبالة شمس يردد بصدmة: شمس! أيه اللي جابك هنا؟!
وخرج لها يوارب باب الشقة ويهاتفها بانزعاجٍ وضح لفريدة وأحمد المتابعان للمشهد برمته: أنا مش نبهت عليكي يا شمس إنك متحاوليش تتصلي بيا تقومي تجيني هنا في شقة كلها شباب! عايزة تزعلي دكتور على مني وتكـ.ـسري ثقته اللي حطاها فيا!
كانت مغيبة أمامه تستكشف بعينيها ملامح وجهه، وتنزلق لكتفيه العاري البادي من قميصه المفتوح، تتفحص جـ.ـر.حه الملتف بشاش أبيض بنظراتٍ حزينة، فدنى منها هو يخبرها برفقٍ حينما إلتمس حـ.ـز.نها وتأثرها برؤية اصابته ومازال أحمد يتابع ذلك الشاب بإعجابٍ تسرب له من رجولته الظاهرة لهما دون حتى أن يعي بوجودهما: حبيبتي أنا كويس والله، عشان خاطري تمشي من هنا مش حابب دكتور يوسف أو حد من الشباب يشوفك هنا معايا، كلها كام يوم وهجي أقابل فريدة هانم وهقنعها بجوازنا بس لحد ما ده يحصل حافظي على مسافة بينا لإني مش هتحمل مخلوق يجيب سيرتك بكلمة.
أتاه صوتًا أنوثي رقيق يجيبه: وفريدة هانم جتلك بنفسها لحد عندك يا سيادة الرائد.
انجرفت عينيه للدرج فتفاجئ آدهم بوجود فريدة وأحمد الغرباوي قبالته، ضم شفتيه بـ.ـارتباكٍ لاندفاعه بالحديث مع شمس دون أن يستدير حتى جانبه، ففتح الباب الموصود من خلفه ونظف حلقه بتـ.ـو.ترٍ: أهلًا وسهلًا فريدة هانم، أنا بعتذر منكم مخدتش بالي أنكم مع شمس، اتفضلوا.
استكمل أحمد وفريدة طريقها للأعلى، فمد يده يصافح كف آدهم قائلًا بلباقة لا تليق سوى به: مفيش داعي للاعتذار يا حضرة الظابط، اللي عملته من شوية ده هيسهل علينا بموضوعنا اللي جينلك عشانه.
فهم مغزى حديثه بسهولةٍ، فتقوس فمه ببسمة هادئة، وأعاد الاشارة لهم: اتفضلوا.
ولجت شمس برفقة فريدة ومن خلفهما أحمد وآدهم الذي أغلق الباب واتبعهم للصالون بخطوات حذرة لا تزيد من تألــم جـ.ـر.حه.
جلس قبالتهم ويده تغلق أزرار قميصه بحرجٍ من خروجه بتلك الهيئة، وازدادت ربكته من نظرات الحب القابعة داخل مقلتيها، وكأنها تحاربه بكل أسلحتها ليتجرد من رداء ثباته ويهرع ليضمها لصدره.
كان أحمد اول من قطع ذاك الصمت المربك، فقال بابتسامة جذابة ورماديته تحتضن شمس: كان عندها حق تنجذب ليك يا سيادة الرائد، والحق يُقال إختارت راجـ.ـل. قادر يصونها ويحفظها في أي لقاء بيجمعهم.
تجلى له تخمين منظور الأمر الغائم حول جملته، هو ليس إنسانًا عاديًا، عمله حتم عليه ألا يكف عقله عن دراسة أي منظور، فأجلى آدهم صوته أخيرًا حينما قال: مكنش في لقاءات بتجمعنا يا أحمد باشا، علاقة شمس بيا سطحية جدًا، يمكن مهمتي هي اللي أرغمتنا نكون في مكان واحد.
ابتسمت فريدة بإعجاب، يدافع عن ابـ.ـنتها وكأنهم يلقون عليها تهمة قد تعرضها لعقـ.ـا.بٍ قـ.ـا.تلٍ، لم تنكر بأنها كانت فضولية لمقابلة ذاك الشرطي الذي فاز بقلب ابـ.ـنتها، وها هي تحمد الله عز وجل بأن فتاتها اختارت مثل هذا الرجل الذي سيجعلها تضع يدهت بيده باطمئنان.
انطلق صوتها الانوثي ينغرس بأحاديث زوجها قائلة: شمس حكتلي كل حاجة يا سيادة الرائد، وده اللي دفعني أجيلك بنفسي النهاردة وأشكرك على انقاذك وحمايتك لشمس أكتر من مرة.
خـ.ـطـ.ـف آدهم نظرة سريعة لشمس المبتسمة، يلتمس بها إلى أي حد أخبرت والدتها وبناء عليه سيتم تحديد مجرى الحديث بينهم، هل سيتعامل برسمية شـ.ـديدة أم سيخوض حديث من نوع أخر؟
ينجح دائمًا بقراءة ما تلقنه عينيها، فعاد بنظراته تجاه فريدة وقال بصوته الرخيم اللبق: فريدة هانم زيارة حضرتك أنتِ وأحمد باشا ده شرف عظيم ليا، إتعودت في شغلي ان الفرصة اللي تقربني من هدفي أستغلها صح لإنها مش بتتكرر تاني، فبما إن فرصتي جتني لحد عندي فتسمحيلي أطلب من حضرتك إيد شمس وطبعًا أنا كنت أتمنى إني أجي أطلبها بنفسي بس صدقيني مش عارف اذا كنت هتحمل لحد ما استعيد عافيتي ولا لأ، حاسس بقلق وتـ.ـو.تر من البعد بجربهم لأول مرة.
استدارت فريدة لأحمد ومنحته ابتسامة واشارة خفيفة جعلته ينوب بالحديث عنها مقدmًا تهنئته المسبقة: انت اختيار شمس يا حضرة الظابط يعني القرار اتاخد من عندها من قبل ما تطلب، فاسترد صحتك وأول ما تقف على رجليك مستنينك.
تهللت تعابير وجهه بفرحة، واتجهت نظراته لشمس المبتسمة بسعادة، طال بتأملها بعشق جعله يعي لذاته فتنحنح بحرجٍ من نظرات فريدة وأحمد له، ثم قال: أنا نازل مصر في نهاية الاسبوع ده عشان والدي محتاجني جنبه، فأنا كنت أكتب كتابي على شمس قبل سفري ونعمل الفرح بعد تخرجها.
ضحك أحمد وصاح مشاكسًا: حيلك حيلك يا سيادة الرائد، مالك داخل على طمع كده ليه، إحنا لسه بـ.ـنتكلم على خطوبة تدخل على جواز وكتب كتاب!
ابتسم وكاد بأن يجيبه فقاطعته فريدة قائلة: وأنا موافقة. قبل سفرك بيوم هيكون كتب كتابك على بـ.ـنتي، بعد اللي شوفته وسمعته على باب بيتك من شوية يخليني أسلملك بـ.ـنتي وأنا مطمنة يا حضرة الظابط.
تركت شمس الأريكة وهرولت لفريدة تنحني على ذراع المقعد وتضمها إليه مرددة بسعادة: روح قلبي يا مامتي، أنا بحبك أد الكون كله.
ضحكت برقة وخاصة حينما ردد أحمد بخبث: بتحبيها بردو ولا واقعة في غرام سيادة الرائد وجاي على هواكِ فن استغلاله الفرص.
تلون وجهها خجلًا وخاصة حينما وجدته يبتسم لها، فقال آدهم بحب يتمرد بنبرته الدافئة: أنا بشكركم جدًت على تفهمكم وبوعدكم إني هحميها بروحي، وهقدmلها السعادة والفرح وهكون ليها العوض عن كل شيء شافته مع راكان الكـ.ـلـ.ـب.
تحلى أحمد برزانته وهدوئه، منحه ابتسامة هادئة قائلًا: ربنا يخليكم لبعض وميفرقش بينكم، الفراق أصعب شيء ممكن يهدm أي قصة حب. واللي بينكم كبير يا آدهم عشان كده حافظ عليها.
واستدار بجسده للخلف ليؤكد على شمس: وانتي كمان يا شمس حافظي عليه.
ومن ثم أشار لفريدة التي تتمعن بمضمون كلمـ.ـا.ته: فريدة هانم مش يلا. كده هنتأخر ومش هنلحق نتفرج على البيت.
هزت رأسها إليه وهي تنهض لتنضم إليه، فودعهم آدهم بحبورٍ، واتجه برفقتهم للأسف غير مباليًا باعتراضات أحمد وفريدة واصرارهما على بقائه ليرتاح قليلًا ولكنه رفض بشـ.ـدة.
وقف يراقبهم وهم يعتلون السيارة البيضاء، حتى غادروا من أمامه وأخر ما تسنى له رؤية كفها الرقيق يلوح له بوداعٍ مؤقت أرق قلبه و.جـ.ـعله يخفق دون رحمة، فمسد على صدره كأنه يطبطب على قلبه ليهدأ قليلًا عن عنف دقاته على وعد بأن اللقاء سيكون قريب بينهما حينما تصبح زوجة تحل له!
هائمة هي بغرفتها، يحاوط ساقيها جسدها، وتندفع إليها ذكرى جمعتها بمن ظنته الحبيب المقدر لها لنجدتها من تلك الوحدة القـ.ـا.تلة التي تخوضها بوجود شقيقها.
الآن تقضي أوقات سعيدة برفقته، يشملها باهتمامه وعاطفته وحنانه الدائم، تجده كاملًا لا عيبًا فيه يذكر، وها هي الآن تجلس برفقته تعود بعد يومًا ممتعًا قضته برفقته، فتأخرت لموعدها المسموح لها بالعودة به، وكالعادة اقتص منها أخيها بأن أذاقها الويل من ضـ.ـر.باته المؤلمة، فاتجهت لجامعتها في صباح اليوم التالي تخفي وجهها خلف نظارة سوداء قاتمة تخفى كدmة عينيها ولكنها لم تتمكن من اخفاء السيل النازف جوار شفتيها.
وحينما انتهت محاضراتها واتجهت للرحيل وجدته يقترب منها بسيارته الفاخرة، وهبط منها يدنو إليها بابتسامة جذابة ومشاكسة قوله: واخده في وشك وماشية من غير ما ترقبي الطريق وتتأكدي إذا كنت جتلك النهاردة ولا اتشغلت، قلبي لمحك وادالي إشارة انك خرجتي.
ارتبكت زينب للغاية، واستدارت بنصف جسدها إليه حرجًا من رؤيته لشفتيها المتورمة، وقالت متصنعة الابتسامة: يمان معلش أنا لازم أرجع البيت بدري النهارده، هشوفك بعدين.
وأسرعت بخطواتها فرارًا منه، فلحق بها يناديها باستغرابٍ: زينب!
لم تهدأ خطواتها السريعة، وبداخلها تدعو الا يتمكن من أن يلحق بها مع أنه صار خلفها بالتحديد، وحينما عجز عن ايقافها جذب ذراعها إليه وصاح بانفعال: في أيه؟ بتهربي مني ورافضة تقفي تتكلمي معايا ليه؟
أخفضت رأسها أرضًا عنه تنتحب بصوتٍ منخفض متألــم دفعه لرفع ذقنها هاتفًا بحدة: بتداري نفسك مني ليه يا زينب؟!
برق بحدقتيه بصدmة حينما وجد شفتيها متورمة للغاية، نزع عنها نظارتها الشمسية ليتلقن صفعه أخرى حينما لمح تلك الكدmة الزرقاء تحيط بعينيها، فصاح بانفعال شرس: أخوكي اللي عمل فيكي كده صح؟
اكتفت بهز رأسها والحرج والخذلان ينعكسان عليها دون راجع، كاد يمان أن ينطق بما هاجمه من سباب لعين يطول شقيقها ولكنه تراجع وادعى ثباته الزائف، مشيرًا بيده لسيارته: طيب اركبي.
اعتراها الخــــوف وتقاذف إليها كل ما امتلكته من مشاهد متقطعة لضـ.ـر.بات أخيها المؤلمة لها، فرددت بهلعٍ: لأ. لأ أنا هرجع البيت قبل ما يرجع وبعدين نتقابل.
اكتفى بهز رأسه والغموض المخيف يقمع داخل مقلتيه، عادت زينب لمنزلها هذا اليوم، وعلى غير العادة تأخر شقيقها بالعودة، وحينما عاد صُدmت من كثرة الكدmـ.ـا.ت والاصابات القـ.ـا.تلة المحدثة به، يدلف للمنزل مستندًا على يد اثنين من الجيران، وأحدهما أخبرها بأن هناك بلطجية سرقوا ماله وهاتفه وأبرحوه ضـ.ـر.بًا، ربط عقلها ما حدث لشقيقها بحديثها بيمان بالصباح، جحظت عينيها صدmة من تفكيرها فهزت رأسها تنفي ما يعتريها ويبعد شكوكها عن أن يمان هو الفاعل!
استفاقت من شرودها على هزة يد فاطمة، انتفضت زينب بجلستها وكأن مسها جان، فأسرعت الاخرى باخبـ.ـارها: انتي سرحانه في أيه يا زينب بقالي ساعة بناديكي!
وانحنت بجسدها إليها تخبرها: اقفلي ستوسة الفستان مش راضية تتقفل
ازاحت الغطاء عن جسدها، واعتدلت تغلق سحاب فستان أختها متسائلة باستغرابٍ وهي تراقب ملابسها: انتي خارجة؟
اتجهت للسراحه تستكمل ارتداء حجابها والتفت برأسها تجيبها: على كلمني وطلب مني أجهز علشان أروح معاه حفلة افتتاح عيادة دكتورة ليلى زوجة دكتور يوسف صديق عمران.
هزت رأسها بخفة، وعادت تتمدد على الفراش بحـ.ـز.ن وتجهم يعتلي ملامحها دون راجع، انتبهت لها فاطمة فاتجهت لها تسألها بقلقٍ: مالك يا زينب؟
ابتلعت ريقها المرير ومالت برأسها على قدmيها تضم ذاتها وصوتها الهزيل يخبرها: أنا كويسة يا فاطيما حاسة بس بشوية ارهاق.
جلست جوارها ومدت يدها تجذبها لحـ.ـضـ.ـنها وقلقها يزداد بالتدريج: طمنيني عليكي يا زينب حاسة إنك مش كويسة وبتحاولي تبينلي عكس كده، فيكِ أيه بتدفنيه جوه عينك وبتحاولي تداريه بكل طاقتك عني.
تمسكت بها وكأنها طاقة نور بعد ظلامها الدامس، وانفرطت بنوبة من البكاء لا تعلم سببه، ودت لو بقيت بأحضان شقيقتها لأخر عمرها، وبالرغم من أنها هي الهزيلة، الجريحة، المفتقدة إلى لمسة حنونة تضمها الا أنها الآن هي من تقوم بتقديم الدعم بكل ما فيها لشقيقتها، فربتت عليها وببكاءٍ قالت: مالك يا قلب أختك؟ احكيلي عن اللي مضايقك.
رفعت أصابعها تزيح دmـ.ـو.عها عن مقلتيها، وزيفت ابتسامة شاخصة تخادعها: أنا كويسة يا فاطيما، أنا بس مفتقدة لبابا وماما ربنا يرحمهم ويغفرلهم.
اعتلى الحـ.ـز.ن معالمها، مازالت تتعافى من عدة طـــعـــنات منهم فراقها عن والديها وأخرهم معرفتها بوفاة أبيها، تحرر صوتها القابع داخلها: ومين مبيفتقدش أبوه وأمه حتى وهما حواليه يا زينب، ادعيلهم بالرحمة والمغفرة يا حبيبتي، وبلاش تعيشي نفسك في حـ.ـز.ن وقهر هيقضي عليكي وعلى نفسيتك. صدقيني مفيش و.جـ.ـع بالدنيا كلها زي و.جـ.ـع النفسية بتحسي روحك بتروح ونفسك بيضيق، بتوصلي لمرحلة إن كل اللي بيدور حوليكي بيكون مشفر ومش ملموس مجرد خطوط بيضة بتحاوطك بالرغم من إن نظرك سليم وقوي، عشان خاطري فوقي وبلاش تسمحي لأي شيء جواكي سواء وفاة بابا وماما أو شيء تاني يكـ.ـسرك ويوصلك للحالة المخيفة دي أنا مرت بيها وعارفة أد أيه هي قاسية ومتمناش لحد يعيش فيها أبدًا.
أزاحت دmـ.ـو.عها بقوة اكتسبتها من حديثها الذي صفعها بحقيقة الأوجاع الذي تحملها فاطمة، فهي ليست بحاجة لو.جـ.ـعٍ أضافي حتى تحتمل و.جـ.ـع زينب، فرسمت ابتسامة واسعة وهي تخبرها: لا خلاص مفيش عـ.ـيا.ط تاني، حتى شوفي!
ارتسمت ابتسامة رضا على ملامح وجهها وانحنت تطبع قبلة على خد أختها، مرددة باستحسانٍ: شطورة يا دكتورة زينب، ودلوقتي قومي يلا إلبسي علشان تيجي معانا الحفلة، على مصمم انك تيجي معانا بس لما دخلت ولقيتك نايمة قولت أسيبك ترتاحي لانك طول اليوم بالجامعة.
كادت بالاعتراض والتحجج بأي شيء أوقفتها باصرار وعناد: مش هسمع حاجة، هتقومي حالًا وهتلبسي فستان شيك من اللي ادتهملك.
وتابعت بـ.ـارتباكٍ تمكنت زينب من الشعور به بحديثها: أنا محتاجالك جنبي يا زينب، أنا مش بحب الاختلاط بحد ودي يعتبر من المرات القليلة اللي هنخرج فيها فعايزاكِ جنبي.
احتوت وجنتيها بيدها، وبحنان ورقة قالت: أنا جنبك يا فاطيما وعمري ما هتخلى عنك. اديني نصاية وهكون جاهزة.
اومأت برأسها ونهضت تحمل طرف فستانها قائلة: هستناكِ تحت. متتأخريش.
وتركتها فاطمة وهبطت للأسفل تنتظر عودة علي، فجلست على الأريكة المقابلة لدرج المنزل الرئيسي، تحرك رأسها تلقائيًا تجاه صوت الحذاء المسموع لها، اعتلاها التعجب فهي تعلم بأن فريدة وأحمد وشمس بالخارج ولا يوجد غيرها هي وشقيقتها بالمنزل.
انتفضت عن مقعدها بذعرٍ حينما وجدت رجلًا غريبًا يهبط الدرج ويتجه إليها، يتفحصها بنظرة سلبت الروح عن جسدها الذي بات هزيلًا، بشرتها قد شحبت وانتهى الأمر، قلبها يخفق بضعف وكأنه سيتوقف بأي لحظة.
منحها نعمان نظرة متفحصة من رأسها لأخمص قدmيها كأنه يقيمها بنظرة متعالية، ليرضي فضوله حول تلك التي ولجت لعائلتهم الآرستقراطية محيطة بكبير أبناء سالم الغرباوي، فردد بتهكمٍ ساخرٍ: انتي بقى مرات علي!
ارتجف جسدها من نظراته التي دفعت لها بأنها عارية لا ترتدي ثيابًا، اندفع نحوها بخطواتٍ متهدجة، هاتفًا بسخرية: أيه شوفتي عفريت!
تراجعت للخلف لا اراديًا، فاصطدmت بجسدٍ صلبًا من خلفها يعيق عن سقوطها ويردد بلسانٍ كسواط الحاد: الله وكيل إنت خلقتك تتوب الشياطين عن أشغالهم يا خال!
امتعضت معالم وجهه حينما وجد عُمران يقابله، ولجواره مايسان، وما لبث سوى ثوان حتى فرغ علي من صف سيارته بالخارج فانضم اليهم واستمع لنعمان يردد ساخرًا: أمال إنت متوبتش ليه اما شوفت خلقتي؟
لوى فمه بازدراء وكره مبين، مرددًا: أما أنا أتوب مين يلقنك دروس الردح وقصف الجبهات يا خال؟
تخطاه نعمان واتجه إليها يقدm يده لها، قائلًا بسخط: مش هتسلمي عليا ولا متعلمتيش الذوق في بلدكم.
اقتتمت ملامح علي الذي يراقب ما يحدث من د.خـ.ـلة باب المنزل، فكاد بالاندفاع للداخل ولكنه توقف حينما وجد عمران يقدm يده بيد خاله مرددًا بابتسامة ساخرة: متأخذناش يا نعمان. مرات أخويا لسه في حالة صدmة مراتي قدرت تتخطاها في كام دقيقة لانها متعودة على الخلقة العكرة دي لكن مرات على محتاجة فرصة تتقبلك.
سحب نعمان يده بعنفٍ اهتز جسد عمران لاجله، فتابع بخبث: قولتلك لما تظهر لحد متظهرش مرة واحدة، خدها مراحل وإن شاء الله المرحلة الاخيرة ينفجر مقياس القبول ليك عند الناس في وشك وتلاقيه بيقولك جيم أو?ر بالبنط العريض!
كبتت مايسان ضحكاتها بصعوبة بالغة، ومازالت تقف خلف ظهر عمران يضم جسدها من الخلف بذراعٍ والذراع الأخر يقترب من فاطمة المرتجفة من خلفه، وكأنه محاربًا شرسًا يقف بساحة القتال يحارب وحشًا مخيفًا ومن خلفه يضم أفراد عائلته.
احتقنت معالم وجه نعمان، وصاح بعصبية بالغة: أتأدب معايا في الكلام يا ولد والا هآآ...
قطع عبـ.ـارته حينما تعالت ضحكات عمران وبمشاكسة صاح: هتآيه يا خال؟
واسترسل بصوتٍ منخفض كان مسموعًا بوضوحٍ متعمد: لولا البنات واقفين كنت قلعت القميص ووريتك أخر مهاراتي في الجيم وصلت جـ.ـسمي لفين، وقتها هتشوف الفرق بين الطفل الصغير اللي كنت بتتشطر عليه وبين عمران الغرباوي اللي واقف قدامك وأوعدك بعدها هتخدها عوم لمصر.
انفلتت ضحكات مايسان عن مسار صمتها مما جعل الاخير يحتقن بغـ.ـيظٍ فصاح بغـــضــــب: أيه كلامه جاي على هواكي يا بـ.ـنت عثمان؟ بكره نشوف نهاية اللي بينكم أيه مش بعيد تلاقيه رجعالك بليل مع واحدة من اللي بيشقطهم.
اتسعت ابتسامة عمران مما زاد ضجر الأخير واستسلامه من أن يصيبه بأي هدف، وخاصة حينما ردد: مالك بيها يا نعمان كلامك معايا أنا. وبعدين ما أنا أكيد هرجع بليل بنسوان بس مش ليا، هختارلك على ذوقي وهوصيهم يدلعوك يا خال بس يا رب يجي بفايدة. على الأقل كسفتك وفضحتك تندفن هنا وسط الاجانب بدل ما المصريين يطلعوك المسرح ويسفوا عليك لحد ما يبانلك صاحب وساعتها الكل هيتبرى منك زي ما بيحصل دلوقتي كده.
تصببت الدmاء من أوردته وانفجرت بوريده الغاضب: انت بتقول أيه يا ابن الآآ...
قاطعه بصرامة مقبضة: هتشتم وهتقل أدبك تطلع برة البيت ده، أنا مش ناسي قذارتك اللي كنت بتعملها معانا في غياب فريدة هانم، بس ده كان زمان يعني ماضي وانتهى وحاليًا الحاضر والمستقبل ليهم شكل تاني يا نعمان.
أسرع علي إليهما حينما وجد الامور تحتد عت مسارها، انزوى بينهما يدفع عمران للخلف بحركة سريعة، وقابل الاخير ببسمة يرسمها بالكد قائلًا: حمدلله على سلامتك يا خالي. نورت لندن.
منحه نظرة بغيضة مردفًا بسخطٍ: مهو باين من وقاحة أخوك. ربي أخوك يا دكتور.
كاد بأن يطـــعـــنه بكلمة تقصف جبهاته للمرة الربعمائة ولكن منعه على حينما صاح بحزمٍ: عمران. اطلع غير هدومك عشان تلحق مشوارك وأنا هجيب مايا وفاطيما وهحصلك.
سدد له نظرة أخيرة وهمس إليه بنزقٍ: تلاشاني عشان متعضش ايدك نـ.ـد.مًا يا خال!
وأشار لمن خلفه ببسمة كادت بأن تصيب نعمان بذبحة صدرية: حبيب قلب جوزه بعتذرلك على التلوث السمعي ده، ولو أمكن نتحرك على فوق بسرعة قبل ما التلوث يبقى بصري وكلي!
دثت يدها بين يده وصعدت برفقته للاعلى، أما على مازال يقف قبالة نعمان يتحكم بضحكاته بصعوبة جعلت وجهه محتقن بحمرة زادت من جاذبيته، فما أن عاد نعمان بنظراته إليه حتى بدد كل تعابيره لجدية تامة قائلًا بمكر: معلش يا خالو. إنت عارف عُمران لسانه طويل بس قلبه أبيض.
لوى شفتيه بتهكم: مين يشهد على العروسة ياخويا، هغور على اوضتي أريح شوية عما الهانم أختي وجوزها يرجعوا يشوفولي حل مع الوقح ده.
وتركهما وصعد للأعلى مجددًا، بينما استدار على ليقابل زوجته المرتبكة من وجود ذلك الرجل الغريب، فدنى منها يفرق ذراعيه مرددًا بهمسٍ خافت: متخافيش يا حبيبتي. خالي فيه العبر بس عينه مبتترفعش في ست.
وأضاف مازحًا وهو يضمها بقوة لتلامس أنفاسها عنقه سامحًا لذاته استنشاق أنفاسها: تأكدي طول ما أنتي بعيدة عن أي مسمى يجمعك بعمران أخويا فأنتي بمنطقة الأمان بالنسبة لنعمان الغرباوي لانه اتخلق يكره عمران وأي شيء يخص عمران واللي قـ.ـا.تله إن عمران أستاذه ومعلم عليه بالجـ.ـا.مد أوي، فلو حسيتي بتـ.ـو.تر من الخال الملزق إلجئي لعمران هو الوحيد اللي بيعرف يعمله استوب لذا هو عمنا وعم عيلة الغرباوي لأخدان الحق بالردح وبفردة الصدر!
انفجرت ضاحكة بين أحضانه فشاركها بقهقة مرتفعة، فتجمد فجأة قبالتها حينما تسلل له صوت فريدة الغاضب: أيه اللي بتقوله لمراتك ده يا علي؟!
↚انتهى عمران من ارتداء بذلته السوداء الآنيقة، وأخر ما وضعه ليكتمل طالته الجذابة كان البرفيوم الخاص به، وزعه على ذقنه النابتة ورقبته واستدار ليغادر مرددًا بحبٍ: مايا حبيبتي أنا نازل وعلى هيجيبك زي ما أتفقنا.
طلت برأسها من خلف زجاج خزانتها المنفصلة تخبره باستياءٍ: وليه متستناش لما أجي معاك؟
أجابها وهو يعقد ساعته حول معصمه بتركيزٍ: لإني لازم أعدي على الشركة الأول، في صديق ليا سبته في عهدة أستاذ ممدوح وزمانه حاليًا بيستغيث.
تمردت ضحكة مشاكسة على وجهها، وتركت فستانها وخرجت تضم خصره مستندة برأسها على صدره هامسة بسخرية: مين صاحبك البائس ده اللي وقع في طريقك وطريق أستاذ ممدوح؟
إهتز جسده بخفة تأثرًا بلمساتها، فاستدار يحيطها بذراعيه وهو يتنعم بقربها ونظرات عينيها المهلكة، فوجدها تترك كل كلمة احتفظت بها له وأخذت تتأمل ثيابه ووجهه بانبهارٍ فشلت بأخفائه، فقالت بتذمرٍ: إنت رايح حفلة افتتاح ولا رايح تدور على عروسة فحابب تلفت الانتباه؟
عاد بوجهه للخلف من شـ.ـدة ضحكاته، واستقام قبالتها فور انتهائه ليخبرها بخبث: أنا بلفت الإنتباه دايمًا من غير أي مجهود يا بيبي، بس أنا كعُمران مش عايز حد من الصنف الناعم غير حبيب قلبه!
واستكمل بغمزة ماكرة: اللي الغيرة هتطق من عينها من اللحظة اللي واقفة فيها قدامي لحد ما نرجع هنا تاني.
ومال عليها يفترس ملامحها بنظراته الدافئة، ويهمس بصوتٍ كان مغريًا يحارب كل لحظة صمدت بها أمامه: لو حابه نكسنل الخروجة دي وندبس على أنا معنديش أي مانع يا بيبي!
أبعدت يديه عنها واتجهت للخزانة تردد بضحكة مرحة: وصاحبك اللي وقع في مصيدة أستاذ ممدوح ده! لا طبعًا حـ.ـر.ام تقسى عليه بالشكل ده، روح خرج صاحبك ونبقى نتكلم بعدين.
مرر يده بين خصلاته الطويلة يصففها أمام المرآة وهو يردد بجدية تامة: أنا اللي تعمدت أخد أيوب للخطوة دي، أولًا أستاذ ممدوح خبرة وهو السبب الأساسي بعد ربنا سبحانه وتعالى للي أنا وصلت ليه وبفضله كان زمان نعمان لسه بيستغفلنا وبيضـ.ـر.بنا على قفانا وهو متأكد إني عيل صغير مش هيكشف تلاعبه بالميزانية والمشروعات اللي بيتتممها من غير ما يسيب وراه أي ورق، ولسه في شيء مبهر هيفرحه أوي خصوصًا لما يعرف إن المشروع اللي جاي من مصر عشانه أنا رفضت أمضي العقود النهاردة والخبر زمانه رايحله.
واستطرد وهو يراقبها حائرة بالاختيار بين الفساتين المعلقة من أمامه: ثانيًا أنا وديت صاحبي لاستاذ ممدوح لإني عارفه كويس وعارف إنه هيكون شبه اللي في السـ.ـجـ.ـن ال24ساعة شغل وده اللي أنا عايزه لإن أيوب مدبس نفسه في مصـ يـ بـةهتجبله مشاكل ملهاش أخر، عشان كده أخدته بنفسي لعنده.
استدارت مايسان إليه تطالعه باهتمامٍ، فوجدته ينزوي بين أغراضها، يجذب بنطال أسود ينتهي ساقيه باتساعٍ، وقميصًا أبيض اللون، قدmهما لها وغادر لخزانته ليعود لها بجاكيت أسود يخصه، فرده من أمامها وهو يردد بحيرةٍ: أعتقد ده ممكن يكون مقاسك. هو ضايق عليا حبتين يبقى هيناسبك.
التقطته منه وهي توزع بصرها بين القطع بحيرةٍ، فسألته بتـ.ـو.تر: ملبستش الاستيل ده قبل كده. مش عارفة هيبقى حلو عليا ولا أيه؟
جلس على حافة السراحة وببسمة جذابة قال: أنا هحكم حلو ولا وحش.
اتسعت ابتسامتها وأسرعت بغلق باب الخزانة لترتدي ما تحمله بيدها بلهفةٍ، اتسعت حدقتيها بانبهارٍ من تناسق ملابسها المختارة، لدرجة جعلت لسانها عاجز عن الحديث، تجزم بأن زوجها هذا هو أعظم انتصارًا لها كأنثى تحتار بكل مناسبة طارئة ماذا سترتدي؟
فتحت مايسان الباب وخرجت تتدلل محدثة صوتًا بكعب حذائها الأبيض المرتفع، لتلفت انتباهه عن هاتفه المستقبل رسالة من سيف الذي يبحث عن صديقه أيوب بقلقٍ وصل للأخير من نبرته المرتشعة المسجلة بمقطع صوتي، فبث طمأنينته له حينما أخبره بأنه برفقته وسيعود به بعد خمسة عشر دقيقة.
ابتعدت عينيه عن الهاتف ليرى تلك الفاتنة الرقيقة، ببنطاله المتسع من الأسفل وتتاسق قميصها مع جاكيته، وكأنها اليوم تتعهد له بأنه لن يغادرها، تستخدm كل سحرها لتفتك به بشكلٍ يجعله يود أن يكون ندلًا يتخلى عن يوسف بمناسبة هامة كتلك، وعن أيوب المحتبس بوكر البشمهندس ممدوح!
طال صمته مما جعله ترتبك، فسألته بريبة: وحش؟
عمران؟
نهض عن السراحة يتجه إليها، فدار حولها مطلقًا صفيرًا شمل إعجابه الشـ.ـديد بها، رفع عمران يدها يحثها على الدوران بين يديه هامسًا بصوته الذكوري: عمران مسكين قدام جمال حبيب قلبه. مايا هو إنتِ مش عايزانا نروح المشوار ده فبتعملي فيا كده عشان أخد أنا القرار؟
تسلل لها مفهوم حديثه المحرج فهزت رأسها نافية باستحياءٍ: لأ، إنت اللي مختار اللبس مش أنا.
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ: مهو المصـ يـ بـةإن أنا!
تنحنح وهو يحاول الثبات بوقفته رغم انحراف رماديته عليها، فأشار وهو يتجه سريعًا للفرار: طيب يا بيبي أنا هروح أنقذ أيوب وانتِ كملي لبس وانزلي. على مستنيكِ.
وإلتفت يغمز لها بخبث: هيجمعنا لقاء تاني.
أغلقت الباب من خلفه ويده تمسد على قلبها الذي يكاد يقفز من خلفه، زاد من حبال عشقه حولها وتركها ضعيفة تحارب كل تلك الأحاسيس المرهفة وكأنها تلك المراهقة التي وقعت في حبه منذ إن كانت في الثانية عشر من عمرها.
اتجهت للسراحة تستكمل ارتداء حجابها وابتسامة هيامها به لا تفارقها، فودت لو تمكنت من الجلوس بمفردها تتذكر كل كلمة ونظرة شملها به منذ قليل حتى لا تنسى أي لافتة صغيرة حدثت بينهما!
ارتبكت فاطمة للغاية حينما وجدت فريدة تقف خلفهما، وتتساءل باسترابةٍ: إنت تقصد خالك بالكلام ده يا علي؟
تهدلت شفتيه بابتسامة هادئة، ودنى ليصبح بالقرب من والدته هاتفًا بمكرٍ: فريدة هانم حمدلله على السلامة.
واقترب منها متفحصًا لما ترتديه بإعجابٍ انطبع على نظراته ومعالمه باجتيازٍ: أيه الجمال ده كله، حضرتك كنتِ في سهرة ولا بتقيمي البيت، مش ممكن دايمًا شيك حتى في أبسط خروجاتك مش كده ولا أيه يا عمي؟
منع أحمد ظهور تلك الابتسامة على شفتيه، فحك أنفه وإتجه يميل بقامته الطويلة تجاهه هامسًا: ده أنت اللي عمي!
وتنحنح رافعًا من صوته: طبعًا يا على فريدة هانم طول عمرها شيك ومحافظة على جمالها بشكل مش طبيعي إسالني أنا!
ربعت يديها وعينيها تتوزعان بينهما بنظراتٍ مفترسة جعلت شمس و فاطمة تسيطران على ضحكتهن بصعوبة.
نزعت فريدة قبعتها وهي تعيد السؤال بطريقة أكثر حدة: على بطل بكش وجاوبني تقصد مين بكلامك ده؟
مال أحمد يخبره بحـ.ـز.نٍ: حاولت أساعد بس إنت عارف إن فريدة مبتتثبتش!
أكد على بإيماءة رأسه، وقرر اللجوء لطريقة عمران المشاكسة، فقال ببسمة هادئة: مفيش أنا بس كنت بهزر مع فطيمة ومقصدتش بكلامي حد!
اتجهت نظراتها لفاطمة التي هزت رأسها أكثر من مرة وابتسامتها تزداد بطريقة زرعت الابتسامة على وجه فريدة فتخلت عن اصرارها لمعرفة الحقيقة، فاستغل أحمد الفرصة وأشار لها بحنان: بعد الجولة المرهقة دي تحبي نطلع نرتاح شوية في جناحنا يا فريدة هانم؟
تسللت حمرة الخجل على وجهها، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة لعلي فوجدته يمنحها ابتسامته الدائمة، لذا منحته يدها واتجهت برفقته للمصعد، بينما استقلت شمس الدرج قائلة: بتمنالكم سهرة سعيدة. تصبحوا على خير.
وما كادت باستكمال طريقها حتى اعترض عمران طريقها، اختلس نظرة شملتها وهبط ما تبقى بينهما مرددًا بغموضٍ: شكلك انبسطي من المشوار اللي كنتي فيه، للدرجادي عجبك البيت الجديد؟
لعقت شفتيها الجافة بتـ.ـو.ترٍ اتبع منهج نبرتها المهتزة: هااا. آآه، جدًا بيت مريح وذوقه عالي جدًا يا عمران.
اتسعت ابتسامته وانحنى لآذنيها يهمس لها: خدي بالك من المدخل أصله بابه لسه معلق!
واستكمل على نفس منواله: هتغاضى عن اللي حصل عشان لو على عرف هيزعلك وميهنش عليا زعلك.
اتسعت حدقتيها بخــــوفٍ، وهزت رأسها بخفة، انتصب عمران بوقفته ومد يديه يعدل من الوشاح الملتف حول رقبتها، فأحاط بأصابعه السلسال، اتسعت ابتسامته الخبيثة ورفع أهدابه يواجهها بكلمـ.ـا.ته البطيئة: زي ما سمحت إنه يوصلك قادر أقطعه حولين رقبتك لو حسيت إنك هتسغفليني يا شمس، هسامحك المرادي عشان ماما وعمي كانوا معاكي مرة تانية تروحي فيها الشقة دي هزعلك بجد.
أدmعت عينيها تأثرًا بسماعها نبرة جديدة يخوضها معها عمران لأول مرة، فتابع وهو يجذبها لتقف على نفس مستوى الدرج، وأحاطها بين ذراعيه يسترسل همسه بحنان مبالغ به: مش هعتذر على طريقة كلامي معاكي لإن ده خــــوف عليكي. فريدة هانم غلطت لما أخدتك معاها هناك. أنا عايزك عزيزة وغالية يا شمس حتى لو كان الشخص ده عارف قيمتك وفاهم دmاغك. مينفعش أديله أكتر من فرصة وأقول مش هيأخد عني فكرة سيئة، بتمنى تكوني فهمتي كلامي.
أبعدها عنه يزيح دmـ.ـو.عها فوجدها تبتسم له وتخبره بصوتٍ يطمسه البكاء: فهمت. وأوعدك مش هتتكرر تاني.
منحها ابتسامة هادئة وانحنى يطبع قبلة على جبينها قائلًا: شوفي مذكرتك.
هزت رأسها بطاعةٍ واستكملت طريقها للأعلى، بينما هبط الاخير للأسفل، فتفاجئ بأخيه يجلس بالصالون جوار زوجته، فقال باستغرابٍ: إنت لسه مغيرتش هدومك يا علي؟
نهض عن الأريكة يشير له: كنت مستنيك، تعالى.
إتجه إليه عمران بدهشة، خاصة حينما نهضت فاطمة تقف قبالته، تفرك أصابعها بحرجٍ طفيف، فقطع صمتهما على الذي ردد: فطيمة مصممة تعتذرلك عن اللي حصل الصبح، وأنا بحاول أفهمها إنك رغم وقاحتك وقلة أدبك بس قلبك أبيض.
زم شفتيه بضيقٍ، وردد ساخرًا: ولزمتها أيه تختمها بالقلب الأبيض ما بكمالة الجملة بقى!
سدد له نظرة أخرسته فحك جبهته يهمس بسخط: هيبرقلي بقى مهي ناقصة!
وتجاهله وهو يتطلع لزوجة أخيه يمنحها ابتسامة دافئة يبدد بها ارتباكها الظاهر له، وقبل أن يعرضها لاحراج اعتذار تقدmه له قال: أنا مزعلتش من اللي حصل علشان تعتذري يا فاطيما، وبعدين أنا سبق وقولتلك إنك بالنسبالي زي شمس بالظبط ومفيش بيني وبين أختي اعتذار أو مبررات باللي حصل، صدقيني أنا مش زعلان.
رفعت عينيها المحتقنة إليه، وبتلعثمٍ وارتباك قالت: لأ أنا كنت قليلة الذوق معاك يا عمران ولازم أعتذر.
هز رأسه نافيًا وصاح: مفيش داعي تعتذري لشيء تافه يا فاطيما.
وبمكرٍ استرسل: بس لو مصرة يبقى تعمليلي نفس الأكلة الغريبة اللي عملتيها يوم ما كان جمال ويوسف هنا أعتقد إسمها كسكس صح؟
ضحكت بصوتٍ أطرب سماع علي، فكان سعيدًا بأنها ولأول مرة تتبادل حديث يجمعهما بأخيه إشارة مقبولة للقادm، واستمع لها تخبره: عنيا، بكره إن شاء الله هعملك.
اتسعت ابتسامته وحذرها وعينيه تلتفت من حوله بشكل مضحك: خلصيها في المطبخ واديني إشارة أدخل أكل في الخباثة لحسن فريدة هانم لو قفشتني هتطردني بالحلة برة البيت.
عاد الضحك يفرد سلطانه عليها من جديد وهي تؤكد له: متقلقش هخلي مايا توصلهالك.
قدm يده لها ليفاجئها قائلًا: اتفقنا؟
تلاشت ابتسامتها بشكلٍ ملحوظ، فوزعت نظراتها بين كف عمران الممدود وبين على الذي منحها بسمة وإيماءة خافتة، جعلتها تصافحه مرددة بوجهها البشوش: اتفقنا.
تركهما عمران وغادر لسيارته رافعًا من صوته: لو وصلت قبلي عرف يوسف إني مش هتأخر يا علي، سلام.
وغادر بسيارته بينما ترك على فاطمة قائلًا بابتسامة هادئة: هطلع أغير هدومي عشان منتاخرش.
وتركها وصعد للأعلى بينما ظلت هي بانتظاره بالاسفل، فانضمت لها زينب ومايسان وبعد قليل هبط على متألقًا ببذلة آنيقة من اللون الرمادي، مصففًا شعره لنهاية رقبته بشكلٍ لفت انتباه فاطمة وهي تراه يصففه كذلك للمرة الأولى، فأخذت تختلس النظرات إليه في السيارة من وقتًا لأخر حتى وصلوا للعمارة القابع بها عيادة ليلى.
انهى لمساته الأخيرة أمام باب العيادة، فثبت عمود الورود جيدًا وولج للداخل يبحث عنها بعينيه، فوجدها تستند على باب الشرفة، تتأمل مدخل العمارة بنظرة هائمة، وفجأة تسلل لجسدها البـ.ـارد دفء يحاوطها، مالت ليلى برأسها فوجدت يوسف يحاوطها ويميل برأسه يعانق رأسها بحنانٍ، وهمس لها بفرحةٍ: مبروك يا أجمل وأرق دكتورة.
انزوت داخل ذراعيه تشـ.ـدد من عناقه قائلة بكل امتنان تمتلكه: من يوم ما دخلت حياتي يا يوسف وبقى ليها طعم تاني، كل حاجة بتعملها عشان ترضيني أنا حتى لو كانت على حسابك إنت، أنا مقدرتش أقدmلك أي شيء أردلك بيه حنانك وحبك الكبير ليا.
رفع ذقنها ليجبر رأسها المدفون بصدره على التطلع إليه، فرأت أجمل ابتسامة يحررها لها خصيصًا، وذراعه يقرب خصرها إليه بتملكٍ لتستمع إليه يردد: ادتيني قلبك وده كفايا عليا يا ليلى. وحبك ليا أكبر مكافأة قدmتهالي.
أغلقت عينيها تستمع بهمساته بعشقٍ يزاحم قلبها في عقر داره، فانتقلت إليها عاطفته التي تتقرب منها بلمساته، استسلمت تتمنى أن لا يبتعد إلى أن تسلل إليهما صوت سيف الساخر: بعتني أجيب الورد علشان تستفرض بالدكتورة، طيب ما كنت تقول من الأول إنك بتوزعني وأنا كنت هتوزع باحترام بدل أم الفرهدة دي!
انتفضت مبتعدة عن زوجها بخجلٍ جعل حديثها يخرج بتلعثم: هو والله يا سيف هو اللي آآ.
قاطعها يوسف بحدةٍ: بتبرري لمين يا ليلى، أنا جوزك مش واحد ماشية معاه يا حبيبتي!
واستدار يحذره بنظرةٍ صارمة: سيف إتادب بكلامك مع لوليتا مش واخده منك على كده. تحذير ما قبل إنذار الخطر.
رفع يديه معًا باستسلامٍ: أنا مجتش.
وتابع بابتسامةٍ هادئة: مبروك الافتتاح الرائع ده يا دكتورة ليلى.
أجابته على استحياءٍ: الله يبـ.ـارك فيك يا سيف عقبال ما نفرح بيك مع بنوتة بـ.ـنت حلال تستاهلك.
رفع يوسف يديه بتمني وكأن الدعوة من نصيبه هو: دي الدعوات ولا بلاش. لو ربنا تقبل دعوتك يا لوليتا بالي هيرتاح.
زم شفتيه ساخطًا: إنت نفسك تتخلص مني بس مش هنولهالك يا يوسف، أنا قاعد معاك شوية.
لف يده حول رقبته وجذبه إليه بالقوة يخبره: بس أنا مش هسيبك تقعد كتير يا سيفو. أول ما ألقى البـ.ـنت المناسبة ليك هسحبك تتقدmلها رغمًا عن أنفك.
تعالت ضحكات ليلى وهي تراقب تعابير وجه سيف المضحكة، وكأنه سيلقى بين نيران جهنم، فترك الردهة وإتجه بما يحمله للشرفة، فلحق به يوسف يتساءل وعينيه تتفحص ساعة يده: فين أيوب وآدهم؟
جذب إحدى باقات الزهور وقدmها إليه: آدهم بعتلك الورد ده وبيعتذرلك، الجـ.ـر.ح شـ.ـد عليه ومقدرش إنه يجي. أما بقى أيوب فأنا لحد الآن معرفش هو فين؟ آدهم قال انه مرجعش البيت من الصبح قلقت عليه ليكون ورط نفسه في مصـ يـ بـةتانية، دورت عليه في المطعم اللي بيشتغل فيه وفي الجامعة وملقتهوش فكلمت عمران وقالي كلمتين مختصرين متقلقش هو معايا وبعدها معتش رد على رسايلي!
ابتسم وهو يراقب انزعاج معالمه، فربت على كتفه قائلًا بمرحٍ: مدام قالك متقلقش يبقى من حقك تقلق!
طرق على الباب الحديدي، فانتبه له ممدوح، نهض عن مقعده وهو يعيد ضبط نظارته الطبية، فحرر الباب هاتفًا بحيرةٍ: أيه رجعك بالوقت ده يا عمران؟
اشرأب بعنقه للأعلى في محاولةٍ لرؤية صديقه البائس، فوجده يطفو من خلف ذاك المكتب المتهالك، وبين يده لوحة بيضاء سميكة، وبيده عدة أقلام ومسطرة ضخمة، رمش بعدm استيعاب هل توجه للتصميم بأول جلسة جمعتهما!
استعاد ثباته المهدور مصدرًا تنهيدة مقلقة: أنا كنت جاي أستأذن حضرتك في أيوب، معزومين أنا وهو على حفلة مهمة والصبح هيكون موجود في مواعيده.
أخفى عُمران ابتسامته الساخرة بصعوبة، وكأنه يأتي لروضة الأطفال لطلب سماح الانصراف لاخيه الصغير، ومع ذلك احتلت معالمه بادعاء صلابته، وأخذ يراقبه وهو يعود لمكتبه مشيرًا لأيوب: روح وعلى معادنا بكره.
لا يصدق ما إلتقطته آذنيه، هل سمح له بالمغادرة أخيرًا؟
ترك أيوب مقعده وهرول لحقيبته الصغيرة يجذبها وهرول للخارج كمن نجى بروحه من تابوت محكم الإنغلاق، فتفاجئ بعمران ينتظره، وما أن رأه حتى استقبله بابتسامة بلهاء: أيوب وحـ.ـشـ.ـتني يا راجـ.ـل!
قابله الأخير بلكمة قاسية أطاحت بالأخير أرضًا، فتمردت ضحكاته واستند على درابزين الدرج ليستعيد استقامة جسده، ليجد الأخير يهرول للأعلى مرددًا بحنقٍ: لو جيت ورايا هصفيك لدرجة أنهم مش هيلاقوا فيك حاجة تدفن.
نفض الغبـ.ـار العالق على بذلته ولحق به للأعلى يناديه ضاحكًا: طب استنى بس. يعني ده جزائي إني جيت وأخدت الأذن عشان تلحق تروش نفسه للحفلة؟
توقف عن الصعود واستدار إليه يقابله بنظرة شرسة، فأطبق على أصابعه مشيرًا بحدة: اخفى من قدامي يا عمران، أنا بقالي هنا عشر ساعات وحقيقي مش شايف قدامي من التعب والإرهاق، لأ والاستاذ ممدوح ده على ما يبدو مكمل في شغله ومش همه، والدي تقريبًا من عمره وبيحتاج كام ساعة في اليوم يستريح فيها واتعشمت إنه يديني ساعه راحه لكنه ما شاء الله مستمر في الشغل كأنه ألة مش بني آدm، ده حتى معاد خروج موظفين الشركة جيه ومازال مستمر!
واسترسل بدهشة أحاطته منذ الوهلة التي خطت قدmيه للداخل: هو مطلعش يروح ليه، ولا هيبات هنا؟
راقب عمران الباب السفلي وأشار لأيوب بتتبعه: طيب تعالى نخرج من هنا وهحكيلك كل حاجة، بس الأول حسام اداك الأكل والعصير؟
احتل الغـــضــــب معالمه بشكلٍ جعله كالقنبلة المهددة بالإنفجار، فأحاطه عمران بذراعيه ضاحكًا: خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود. وبعدين منتكرش إنك استفدت منه جدًا بدليل إنك ما شاء الله من أول درس بتصمم بنفسك!
لوى شفتيه بسخطٍ: ولو كنت اتاخرت شوية كنت هتلاقيني مع فريق التنفيذ بنفذ اللي صممته بنفسي! الراجـ.ـل ده غريب تحس إنه إنسان ألي مش بني آدm!
دفعه برفقٍ للمصعد فأبعده أيوب عنه بغـ.ـيظٍ، صعد بهما المصعد للأعلى وحرب النظرات سائدة بينهما حتى خرج به فتركه وغادر دون أن يستمع إليه.
أسرع عمران لسيارته يتبعه على محاذاة خطاه، ففتح الشرفة الزجاجية يناديه: أيوب اركب بقى وفكك من شغل الأولاد ده.
منحه نظرة مشتعلة وردد بانفعال: امشي يا عمران بجد، أنا مش ضامن رد فعلي على اللي عملته معايا النهاردة، امشي.
كـ.ـسر الطريق عليه بسيارته ليصيح بحدة: اركب ومتخرجش جنوني عليك. أنت مش عاملي فيها راجـ.ـل مكافح نخيت ليه من أولها؟
نظم أنفاسه الحارقة حتى هدأ قليلًا، فاحتل المقعد المجاور له، تحرك به عمران لشقة سيف، والصمت الحائل بينهما فقطعه عمران مجددًا حينما قال: أيوب بلاش تفكر بالطريقة دي، أنا عملت كل ده علشانك صدقني، وعارف أنك بتفكر إني بعدتك عشان متختلطش بالمشاكل مع البـ.ـنت اليهودية دي، وأنا مش هنكر ده بس كمان عملت كده عشان تستفاد من خبرة أستاذ ممدوح، بذمتك الكام ساعة اللي قضتهم معاه مستفدتش منه؟
ارتخت تعابيره المشـ.ـدودة رويدًا رويدًا، واعترف له: استفدت جدًا بس الضغط والإرهاق ده خلاني مش قادر أستوعب أغلب اللي قاله.
والتفت له يسأله باهتمامٍ: هو معندوش بيت ولا أهل يا عمران، يعني بقالي معاه يوم كامل ومشوفتوش حتى طلع موبيله يكلم حد!
رد عليه بحـ.ـز.نٍ وعينيه تراقب الطريق بعناية: كان له بيت وأولاد، اتغرب طول عمره عشانهم. بنى ليهم بيت كبير وصرف على تعليمهم لحد ما دخلوا كليات كويسة، وبعدها طلب من بابا الله يرحمه أجازة طويلة علشان ينزل ويقعد وسط أولاده بس بعدها باسبوعين رجع وهو حزين لانهم طلبوا منه يرجع تاني للشغل لان ابنه الكبير كان خاطب وعايزه يجهزله شقته ومصاريف الجواز.
واستدار، يقابله بنظرة ألــم وابتسامة فارقة: جوازة ورا التانية وطلباتهم مش بتنتهي، لحد ما أخد على الغربة والوحدة اللي هو بقى فيها، أنا كنت جنبه لحظة بلحظة وسامع أغلب مكالمتهم ليه وطلباتهم اللي مش بتنتهي، لحد ما استلمت الشركة واطمن أني قادر أديرها من غيره فنزل مصر وهو عنده النية ميرجعش تاني، بس اللي حصله خلاه يرجع لندن تاني يوم.
سأله بفضول بعدmا نجح الاخير بسحب كل اهتمامه لقصة ممدوح المؤلمة: حصل أيه؟
رد عليه بحـ.ـز.نٍ عميق: ولاده ومـ.ـر.اته لما عرفوا انه نزل بشكل نهائي طردوه من البيت ومحدش من عياله رضى يقعده عنده ولا يستقبله في شقته، كلهم كانوا هيتجننوا ويخلوه يرجع تاني حتى وهو بالسن ده، ولما رجع واتاكدوا إنه سافر تاني رجعوا يكلموه ويشـ.ـدوا معاه ناعم من تاني بس هو رمى موبيله وبقى زي ما أنت شايف حياته كلها شغل.
وتابع بألــمٍ يطغي على نبرته المبحوحة: قدmتله شقة فخمة وعربية ومكافأة مالية كبيرة اكرامًا لتعبه واخلاصه لأبويا الله يرحمه، كنت بحاول أرد جزء بسيط من جمايله عليا، الاستاذ ممدوح الشخص الوحيد اللي علمني يعني أيه راجـ.ـل مخلص وابن اصول في حين إن بعد خالي وأهل أبويا أول ناس نهشوا فينا بعد وفاة والدي الله يرحمه، وفجائني تاني لما رفض كل اللي قدmتهوله وطلب مني أسلمه الآرشيف وخزنة التصميمـ.ـا.ت والملفات المهمة ومن وقت للتاني خصص لنفسه أوضة صغيرة تحت فيها سرير صغير وحمام، عايش فيها وببشتغل ليل نهار ولو حاولت أساعده وزودتله مرتبه بيرجعلي الفلوس وبيتضايق جدًا.
واستدار تجاه أيوب يخبره بحـ.ـز.ن بالغ: بحس إني عاجز ومش عارف أزاي أكافئه أو أردله جزء من جمايله، كل ما بشوفه قلبي بيتقطع عليه هو إنسان كويس وعظيم وميستاهلش اللي أولاده بيعملوه فيه ده.
تغلغل الحـ.ـز.ن معالم أيوب بتمكنٍ، واحتقن صوته المتأثر بما استمع إليه: الزمن ده بينجح إنه يفاجئنا باللي مخبيه، الناس عادت وحشة أوي يا عمران، اللي سمعته منك ده كبره في نظري وخلاني متحمس أكون معاه الفترة الجاية، عارف إنه صعب ينـ.ـد.مج مع أي حد وده باين جدًا بس على الأقل هكون ونس ليه الفترة الجاية وبتمنى بس يخف عليا ساعات العمل لإني كده مش هتخرج من الجامعة هتخرج من الدنيا كلها.
ضحك الأخر وربت على كتفه يمازحه: متخافش يالا عمران الغرباوي معاك ومش هيسيبك.
علامة مسجلة إنت ولا أيه مش فاهم!
بتتريق! طب خلاص هوديك الحضانه كل يوم الصبح ومش هروح أخدك. هسيبك كده كل يوم معاه لحد ما تستنجد بالشيخ مهران تقوله يبعت حد ياخدك!
قالها بمرحٍ جعل الأخير يضحك متغلبًا على غـ.ـيظه، فتابعه وهو يصف السيارة أمام العمارة وأشار له: اطلع غير هدومك وانزل بسرعة. مش عايزين نتأخر أكتر من كده.
حرر حزام الأمان عنه وقال وهو يتثاءب: ما تروح إنت وفكك مني.
دفعه للخارج بضيق: انزل يا عم هي ناقصة رخامة سيف. ده كل نص ساعة يتصل عليا ويتمم إنك بخير ورايح معايا. مش بعيد لو ملقكش داخل معايا يطلبلي بوليس النجدة!
ضحك بصوته كله، وأشار وهو يستدعي المصعد بضغطة الزر: مش هتأخر متقلقش.
وولج للداخل حتى وصل للشقة، طرق بابها حتى فتح آدهم فوجد جسدًا ثقيلًا يندفع إليه حتى كاد بأن يسقط به، فردد باستغرابٍ: أيوب!
أغلق عينيه باستسلامٍ على كتف آدهم وكأنه طفلًا صغيرًا يغفو على كتف والده، فأحاطه آدهم بقوة وهو يجاهد الا يصيب جسد أيوب كتفه المصاب.
جذبه بقوة للداخل وأغلق الباب، قائلًا بقلقٍ: مالك يا ابني؟ وكنت فين لحد دلوقتي سيف قالب عليك الدنيا ومش مبطل رن؟
خرج صوته هامس وعينيه تنغلق استسلامًا للنوم: خدني لأقرب سرير أو كنبة. بنام على نفسي!
أبعده عن كتفه يتفحص وجهه وجسده ظنًا من أنه قد مسه أذى جعله مرهقًا لتلك الدرجة، وحينما اطمئن بأنه على ما يراه أعاده لكتفه فأحاطه أيوب بذراعيه تلقائيًا وغفى واقفًا.
تحرك به آدهم بتعبٍ سيطر على كتفه المصاب، حتى وصل لغرفته القريبة، طرحه على الفراش وهو يتهامس بسخرية: أيه وصلك للحالة دي!
واتجه إليه يناديه: طيب قوم حتى غير هدومك يا أيوب!
لم يأتيه أي ردًا، صوت انتظام أنفاسه يتصاعد ليخبره بنومه الشبيه بفقدان الروح، لم يستطيع السيطرة على ضحكاته وهو يراقبه كطفلٍ لم يحتمل عناء أول يوم دراسي إليه وعاد لفراشه يغفو بملابسه وحقيبته.
انحنى آدهم ينزع عنه حذائه ورفع قدmيه للفراش ليمنحه نومة مريحة، وجذب عليه الغطاء فتحركت يد أيوب تجذبه على وجهه تلقائيًا رغم غفوته.
رمش آدهم بدهشةٍ مما فعل، واتسعت ضحكته الساخرة مرددًا: مش معقول في دي كمان شبهي!
انحنى إليه يزيح الغطاء عن رأسه ووضعه على صدره حتى يتمكن من التتفس بشكلٍ منتظمٍ، ففجأه مرة أخرى حينما تحركت يده تحذب الغطاء على رأسه مما زاد من دهشة آدهم المعتاد على أن يغلف جسده بأكمله بالغطاء وقت نومه، يتذكر كيف كانت تستاء والدته من تلك الحركة التي تجعلها يتهييء لها وكأن جسد إبنها جثمان وليس ينبض بالروح، وما يزيد ضجرها بأنه يرث حركته السخيفة تلك عن أباه.
قطع شروده صوت طرق الباب مجددًا، فأحاطه بنظرةٍ أخيرة قبل أن يتحرك ليفتح الباب.
ولج عمران للداخل يتساءل بضيق: هو فين يا آدهم. كل ده بيلبس؟
وشمله بنظرة متفحصة ليزيد من غـــضــــبه: وإنت ليه ملبستش لحد دلوقتي! انتوا بتهزروا يا جدعان!
أجابه قبل أن يندفع بحديثه الغاضب: انا اعتذرت من دكتور يوسف مش هقدر أنزل. ولو بتسأل عن أيوب فمتستنهوش إنزل إنت لإنه في سابع نومة.
رمش بعدm استيعاب وهو يلتقط تلك الكلمة الساخرة، فصاح بتهكم: لحق ينام؟
ضحك يشاكسه: هو طالع نايم أساسًا، اترمى عليا شبه المقـ.ـتـ.ـو.ل وبمعجزة قدرت أسنده لسريري!
زم شفتيه ساخطًا على من أدعى قوته الزائفة وردد: أمال عاملي فيها شجيع السيما ليه. ده مخدش غلوة في إيد استاذ ممدوح.
منحه نظرة مشككة تحيط بمضمون حديثه، فقال: إنت عملت أيه فيه يا عمران؟
رفع كتفيه مداعيًا براءته: ولا حاجة، شغلته في شركتي!
واستطرد مقدmًا عرضه المغري: طيب خلاص تعالى إنت معايا، ده يوسف محضرلنا أكلة سمك بعد الحفلة إنما أيه.
اتجه آدهم للردهة، فجلس على المقعد يتأوه بتعبٍ: ألف هنا ليكم. أنا مش قادر أتحرك قدامك يا عمران. تتعوض مرة تانية.
إتجه إليه يراقبه بقلقٍ انتقل لنبرته الرجولية: شكلك موجوع. تحب أكلم دكتورة ليلى تيجي تشوفك؟
هز رأسه نافيًا: الموضوع مش مستاهل، هأخد المسكن والألــم هيروح على طول إن شاء الله.
منحه ابتسامة هادئة، وربت على كتفه بهدوء: يلا خف قوام قوام عشان نجوزك ونخلص من البت اللي قارفاني في البيت دي.
ضحك بشـ.ـدةٍ وردد بحبٍ: عنيا يا سيدي، هأخدها تنور حياتي المكفهرة دي.
انتصب عمران بوقفته وأشار له: هبقى أكلمك أطمن عليك، سلام.
مع السلامة، متتساش توصل مُبـ.ـاركتي لدكتورة ليلى ودكتور يوسف.
أجابه وهو يستعد لغلق الباب: اعتبرها وصلت.
صف جمال سيارته أسفل البناية، وانضم لزوجته التي تنتظره حاملة طرف فستانها الأسود الطويل، فانضم إليها ومازال يلاحظ وجهها العابث، جدد ذاكرته عساه قد اقترف شيئًا أزعجها وحينما لم يجد قال: افردي وشك ده شوية هو أنا جايبك معايا غـ.ـصـ.ـب؟
تعمقت بنظراتها الغاضبة إليه، وأردفت: مش جاية غـ.ـصـ.ـب بس جوايا في بركان نار احذر منه لينفجر في وشك.
جحظت عينيه صدmة، فأبعد الورود التي يحملها جانبًا وقال: بركان مرة واحدة، ليه كل ده؟
منحته نظرة ضاقت عليه وكأنها تعتصره داخل مقبضة من حديدٍ لتطلق ما تدفنه إليه: أي مشوار أو خروجة ليها علاقة بعمران أو يوسف صاحبك بتجهز وتجري هوى، لكن لو أنا اللي طلبت منك نخرج شوية مش هتعبرني، معرفش صحابك دول عاملين ليك أيه؟
رفرف بأهدابه بعدm استيعاب والكارثة تحليله لمغزى حديثها فقال باستنكارٍ: انتي بتغيري من عمران ويوسف يا صبا؟
ولجت للمصعد توليه ظهرها والأخر يلحق بها بصدmة تجعل تعابيره متجمدة كالثلج وهو يراقبها بحاجبيه المرفوع، ليجد ذاته يضحك دون توقف، فاستدارت إليه تلكمه بغـ.ـيظٍ: متضحكش. اسكت!
أحاطها بين ذراعيه لتكف عن تسديد الضـ.ـر.بات إليه، مرددًا بدهشةٍ: متهزريش يا صبا، انتي بتغيري من علاقتي بصحابي يعني من رجـ.ـا.لة! أنا بحاول أتخيل موقفي السييء لو حد سمعك هيأخدوا عننا فكرة شكلها عاملة ازاي!
راقبت ضحكاته باستياءٍ، ورددت بضيقٍ: انت السبب. لانك بتهتم بيهم أكتر مني. إنت حتى مش بتقولي كلام حلو أوازن بيه المقارنة بيني وبينهم!
اختصر ضحكاته بابتسامةٍ جذابة، فتغاضى عن توقف المصعد بالطابق المنشود واحتوى وجهها بيديه بحنانٍ: صبا سبق وقولتلك قبل كده أنا مبعرفش أقول كلام حلو ومتزوق. بس إنتِ عارفة ومتأكدة إني بحبك وبتمنالك الرضى ترضي. كون إنك تحطي نفسك بمقارنة مع عمران ويوسف فده غباء منك لإنك في مكانه إنتِ واللي في بطنك صعب حد يتقارن فيها معاكي.
اتسعت ابتسامتها والفرحة تجعل وجهها مشرق، عينيها تشعان بجاذبية جعلته عاجزًا عن سحب نظراته عنها، فوجد ذاته يضمها رغم أنه يستغرب ما يفعله ربما لإنه زوجًا عاديًا إعتاد أن لا تفارق مشاعره غرفة نومه، ولكن موقفها الذي حررته الآن أكد له بأنها ليست مرتها الأولى التي تفكر هكذا.
ارتعشت بين ذراعيه التي تحيطها ورددت بعشقٍ وصل إليه: بحبك أوي يا جمال. وأي كلمة بسيطة منك بترضيني. صدقني أنا مش طمعانة غير في قربك مني.
ربت على ظهرها ويده الأخرى تقرب رأسها لعنقه، فاهتز بهما المصعد ليهبط للأسفل، ابتعد عنها جمال ضاحكًا: شوفتي إدينا نزلنا تاني للدور الأرضي!
شاركته الضحك ورددت بمشاكسة: حد قالك تحـ.ـضـ.ـني!
غمز لها بخبث: مستعد نطلع وننزل طول اليوم بالاسانسير عشان الحـ.ـضـ.ـن الجميل ده.
اكتست الحمرة معالمها، فأبعدت وجهها عنه، فُتح باب المصعد وطل عُمران من أمامهما متسائلًا بحيرة وعينيه تجوب بينهما: انتوا طالعين ولا نازلين؟!
ارتبكت صبا بينما أجابه جمال: هتفرق يعني. اركب خلينا نطلع!
منحه نظرة وقحة جعلت جمال يدفعه للوحة قائلًا: دوس على الزرار وصفي نيتك!
ضحك بصوته كله وغمز له: وماله نصفيها يا جيمي.
ومال إليه يهمس له بصوتٍ منخفض: هو مش جو قالك تهدى شوية ولا إنت مبتحرمش!
احتدت نظراته القاتمة، فلكمه بعنفٍ جعله يرتد لمرآة المصعد، فتراجعت صبا للخلف برعـ.ـب: في أيه يا جمال؟
ضحك عمران وهمس له: رد يا جيمي.
جز على شفتيه بغـــضــــب، واعتدل بوقفته يعدل من جاكيت بذلة عمران وينفض كتفيه بقوة مؤلمة ولكنها تبدو مساعدة نبيلة منه لزوجته التي تراقب ما يحدث بينهما بقلقٍ: مفيش يا صبا دا كان في ناموسة رزلة واقفة على خد عمران ومصممة تمص دmه ادتها اللي فيه النصيب.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم عدm اقتناعها بما يخبرها به، فاستقام كلاهما بوقفتهما حتى توقف المصعد فخرجوا جميعًا.
استغل عمران دخول صبا وجذب جمال للخلف يعيد له لكمته هاتفًا بضجرٍ: ناموس في لندن فاكر نفسك في سيوة!
وقبل أن تطوله يديه ركض للداخل سريعًا، فتنحنح جمال واستعاد اتزان هيبته المهدورة ولحق بالاخير.
رحب يوسف بعلي وإتجه به للداخل ليريه الأجهزة التي استوردها من الصين خصيصًا لزوجته، فنالت استحسانه وأبدى اعجابه قائلًا: لو على ضمنتك نتواصل معاه عشان المركز خلاص عمران قالي قدامه عشر أيام بالظبط وفريقه ينجز.
رد عليه يوسف بابتسامة واسعة: عظيم. استغل الفترة دي في اختيار الدكاترة والممرضات اللي هيشتغلوا بالمركز على الأقل نزل اعلان واستغل السوشيل ميديا.
جذب على أحد المقاعد القريبة منه، اعتلاه وهو يراقب يوسف الذي جذب المقعد المقابل له، فقال: أنا ناوي أنزل مصر وأختار فريقي بنفسي يا يوسف، مش حابب شغل الموبيلات ده.
استحسن فكرته وأبدى اعجابه: كده أفضل ألف مرة، رتب أمورك وتوكل على الله وسيب حكاية الأجهزة دي عليا وعمران موجود مع العمال وده شغله.
نهض على يلتقط كوب العصير من ليلى وقال بلباقة ورقي: الدكتورة بنفسها اللي بتقدm الضيافة. تسلم إيدك.
ابتسمت إليه بحبور: وجودك هنا إنت وفاطيما والبنات غالي عندي يا دكتور، نورتونا كلكم.
رد عليها وعينيه مازالت أرضًا: متقوليش كده احنا زمايل. ومبروك عليكي مرة تانية عندي ثقة إنك هتكوني من أهم دكاترة الجراحة بانجلترا كلها.
وبمزحٍ أضاف: عشان كده إنتي والدكتور يوسف من أوائل الناس اللي هتكون معايا في المركز الطبي.
كانت هي أول من أجابته: ده شرف لينا يا دكتور علي.
ردد يوسف بابتسامة: الافتتاح الجاي هنكون متجمعين عندك في المركز ان شاء الله.
ردد بخفوت: بإذن الله.
بالخارج.
انسجمت فاطمة مع مايسان، ومازالت زينب تحيطها غمامة الماضي، تركتهما واتجهت للشرفة التي انعشت وجهها بالهواء البـ.ـارد، فأغلقت عينيها تستمتع بتلك الانتعاشة التي تندفع إليها، متجاهلة كل شيءٍ حولها، إلى أن تسلل لمخضعها الخاص صوته العميق: المنظر من هنا مسحرنيش لوحدي!
التفتت جوارها فوجدته يجلس على أحد الأرائك يتابعها ببسمته الهادئة، اعتدلت زينب بوقفتها هامسة بخفوت: سيف!
تمكن من قراءة حركة شفايفها بحرافيةٍ، فاندفع قلبه يهوى بتمنى أن لو تمكنت أذنه من سماع صوتها.
نهض عن محله واقترب منها يردد: توقعت إني ممكن أشوفك تاني صدفة في الجامعة لكن هنا كان صعب!
لقائها به الآن يطيب جزءًا من و.جـ.ـعها، هي الآن مشتتة، بائسة، يركض شبح الماضي من خلفها، نهض سيف عن محله المظلم إليها، وبمجرد أن رأته يرتدي جاكيت مشابه لجاكت يمان، انقبض صدرها وتراجعت للخلف بذعرٍ مقبض بينما الأخير يراقبها بذهولٍ ودهشة، فحرر صوته أخيرًا متسائلًا: انتي كويسة؟
هزت رأسها نافية ومازالت تتراجع بجسدها للخلف بذعرٍ، شخوص عينيها ونظراتها إلهمته بأنه وحشًا مفترسًا هرول من أحد أفلام الرعـ.ـب ليقتحم مخيلاتها البريئة، ومع ذلك أعاد سؤالها بحنان: دكتورة زينب مالك؟
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة بالغة، ودون وعي منها ترجته: ممكن تقلع الجاكت ده من فضلك إقلعه!
برق سيف لوهلة مندهشًا، فمشط الشرفة المطولة بنظرة متفحصة وبدون أي تفكير نزع عنه جاكيته الجلدي وأسقطه أرضًا هاتفًا بقلقٍ: أهو. لو ده اللي مسببلك الحالة الغريبة دي مش هلبسه تاني أوعدك بس طمنيني إنتِ كويسة؟!
استعادت جزء من ثباتها فابتعدت عن المقعد الذي تتمسك، وقد أحاطها حرجًا جعل وجهها أحمر قاني، فتلعثم قولها المرتبك: آآ، أنا أسفة، أنا بس افتكرت شخص مش حابة أفتكره، أنا بعتذرلك تاني يا دكتور سيف.
وهرولت من جواره تهمس بحرج: عن إذنك.
أوقفها حينما طالت يده معصمها دون ارادة منه ليوقفها: استني، متخرجيش كده إهدي بس وخدي نفسك الأول
ارتعش جسدها وعينيها جاحظة على يده الممسكة به، فدفعته بكل قوتها وهي تصرخ: يماااان ابعد!
تجمد محله فور أن استمع إليها تنطق بإسم رجلًا يجعله لأول مرة يشعر بالكره الشـ.ـديد تجاه هذا الرجل الذي لم يراه ولا مرة ولا يعلم حتى الصلة التي تجمعهما، كل ما يشعر به بأن كره إسم يمان ولا يود سماعه مرة أخرى.
هدأت قليلًا وتغلبها الحرج لما تفعله منذ تجمعها به، فهمست بصوتٍ لا يحمل الا الخجل الشـ.ـديد: أنا آسفة أرجوك سامحني.
واستدارت لتتجه للمغادرة فأوقفها متسائلًا: راحة فين؟
أجابته ومازالت توليه ظهرها: همشي مش حابة أقعد.
دنى منها سيف حتى بات قريبًا، فابتلع غصته المؤلمة داخله وسيطر على انفعالاته قائلًا: السهرة لسه في أولها.
واستطرد بمحاولة لتلطيف الاجواء: لو لسه لابس أي حاجة مسببلك ازعاج هقلعها فورًا.
ومسك ياقة قميصه الأسود المندث ببنطاله: مش عجبك القميص ده أقلعه هو كمان؟
أشارت له بهسترية: لأ، لأ كويس.
منحها ضحكة جعلتها تبتسم، فاقترب منها يحاول اختلاق أحاديث تجمعهما: طمنيني حد اتعرضلك بالجامعة النهاردة تاني؟
أجابته وهي تستند على السور بخفة: لأ خالص. واتفاجئت بالبروفيسور بيبهدلهم على اللي حصل في الفصل، وكان هيعملهم فصل.
استند على السور بمسافة معقولة بينهما: طب كويس. كان لازم حد يحطلهم حدود.
هزت رأسها وعادت تتطلع إليه لتخبره بانزعاجٍ: بس أنا لسه قلقانه يحطوني في دmاغهم بعد اللي حصل وكده، لإن الشاب ده نظراته ليا مكنتش لطيفة.
بث لها الأمان والطمأنينة: ولا يعرف يعملك حاجة. ولو حصل أنا موجود مش هتخلى عنك أبدًا يا زينب.
عاد قلبها يخفق مجددًا، ذاك الأبله الذي سبق وإنخدع تحت شراع الحب الكاذب، ذاك الذي وضعت من حوله ألف سور وختم على ميثاق بعدm سقوطه بتلك الأكاذيب مجددًا.
تـ.ـو.ترت من أمامه وسحبت عينيها للأسفل، تراقب المارة بشرودٍ تام بينما مازال سيف يراقبها.
بالخارج.
قدm جمال الزهور إلى ليلى قائلًا: مبروك الافتتاح يا دكتورة ليلى.
التقطته منه بابتسامة عـ.ـذ.باء: الله يبـ.ـارك فيك يا بشمهندس. ليه بس تعبت نفسك؟
أجابتها صبا التي تحتضنها: تعبك راحة يا دكتورة، قوليلي بس أيه الجمال ده كله؟
سحبتها جانبًا لغرفة الفتيات، بينما انضم يوسف وعلى لعمران وجمال، فتساءل وهو يتطلع خلفهما بذهول: آدهم واعتذر فين أيوب هو كمان؟
أجابه عمران: رجع مقـ.ـتـ.ـو.ل بعد ما قضى اليوم مع استاذ ممدوح.
برق على بعينيه بدهشة: سلمته لاستاذ ممدوح يا عمران؟
ضحك وهو يجيبه بوقاحة: مش أحسن ما تستلمه البت اليهوديه، على الأقل الاستاذ ممدوح مننا وعلينا ومعروف أخره أيه!
أمسك جمال كف يوسف يتساءل: فكك من الواد ده وطمني أخبـ.ـار أكلة السمك أيه كله تمام ولا هنقضيها مطاعم؟
اتجهت الانظار إلى يوسف المصعوق، تجردت عنه الكلمـ.ـا.ت وجحظت عينيه بوميضٍ جعلهم يتجهون بابصارهم تجاه ما يجذب انتباهه فوجدوا سيف يقف بالشرفة ولجواره فتاة لم يتعرف عليها الا على وعمران الذي تنهد بيأس وتيقن بأن يوسف سيخـ.ـطـ.ـف زينب رغمًا عن الجميع لأخيه!
فرقع جمال أصابعه أمام يوسف مناديًا: يوسف. إنت يا ابني روحت فين؟
خرج عن صدmـ.ـا.ته مرددًا بابتسامة واسعة: مين البـ.ـنت اللي واقفة مع سيف دي؟
ووزع نظراته بينهم: أكيد تبع حد فيكم. وبما إنكم كلكم متجوزين يبقى أكيد دي سينجل وبما إن سيف واقف منشكح معاها بقاله فترة يبقى هي المنشودة وبما إنها المنشودة بينا نكتب كتب الكتاب ونحدد الفرح والذي منه.
دفعه عمران ساخطًا: حيلك يا عم إنت مصدقت قفشته واقف مع واحدة. على كده هتجوزه نص بنات الجامعة والجيران بالمرة!
عاد لمحله يتابعه بسعادة وكأنها امرأة تتمنى أن تجد عريس مناسب لابـ.ـنتها التي قفزت من قطار الزواج، ليعود بوجهه إليهم بحزم: تبع مين دي بقولكم؟!
ابتسم على وهو يجيبه: أخت مراتي يا يوسف هديت؟!
هز رأسه نافيًا: مش ههدى الا لما أجوزهم.
ضـ.ـر.ب جمال كف بالأخر: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، هو أنت مصدقت تمسك أخوك واقف مع واحده، طيب اصبر حتى يمكن البـ.ـنت تكون مرتبطة أو اللي بينهم شيء بريء مش واصل لحوار جواز والكلام ده!
ردد باصرار: هجوزهم يعني هجوزهم إن شاء الله حتى أخـ.ـطـ.ـفها.
ضحك على بعدm تصديق، بينما أحاط عمران كتفه: في أيه يالا إنت ليه محسسني إنك أول مرة تشوف نسوان، حبيبي لو دكتورة ليلى طلعت وشافتك بحالتك الغريبة دي هتقلب الليلة عليك ومش بعيد نتلم كلنا في محكمة الأسرة.
وتابع بسخط: أمسك نفسك مش كده. مش من أول مزة تقفشها مع الواد تجوزهاله إتقل تأخد حاجة على الزيرو مش بعيد تعتر في خواجية تغيرلكم النسل لألوان مبهجة إيشي شعر أصفر وعين أزرقكيك وآ.
أحاط على كتف عمران وهمس له بنظرة جـ.ـا.مدة: أيه رأيك تسيبك من دكتور يوسف وتخليك معايا. نأخد وندي مع بعض ونشوف العينات والنسل ده على مزاج!
ترك عمران يوسف ورسم ابتسامة حمقاء: مالك يا علوى أنا بهزر مع جو. وزيادة تأكيد أنا اللي هجوزهاله يا جدع!
تعالت ضحكات جمال الرجولية وشاركه علي، تركهم يوسف وإتجه للشرفة فهمس جمال: إلحقوا.
اتبعت النظرات يوسف بذهول، فوجدوه يدلف للشرفة بابتسامة واسعة جعلت زينب تستدير لذلك الغامض الذي يقترب منها، بينما اتسعت عين سيف بصدmة وأسرع لاخيه يترجاه بهمسٍ منخفض: اارجع يا يوسف أبوس إيدك متفضحناش. ارجع.
أبعده من أمامه بقوة وكأنه نسمة هواء عابرة، فسانده عمران ليحيل عن سقوطه فهمس له برجاء: الحق صاحبك هيفـ.ـضـ.ـحني قدامها يا عمران.
اتاهما صوت يوسف المتفائل وهو يمد يده لمن تراقبه بدهشةٍ: دكتور يوسف أخو دكتور سيف الكبير والمسؤول عن أموره الشخصية والعاطفية يعني تقدري تقولي كل شيء يخصه.
وجود عمران لجوارها وعلى الذي يقترب إليها جعلها ترسم ابتسامة رقيقة وبادلته الصفح قائلة برقة: أهلًا بحضرتك يا دكتور. اتشرفت بيك.
ابتسم بحبورٍ وقال: أنا اللي كلي شرف أقسم بالله.
وتابع بلهفة: إنتي بتدرسي؟
رغم غرابة ما يحدث الا أنها تطلعت لعلي وأشارت: أنا مع دكتور سيف بنفس الكلية.
تهللت أساريره بشكلٍ ملحوظ واستدار يشير للشباب بفرحة: معاه في الجامعة هااا، يعني دكتورة كمان! متدينة وجميلة مفيش أي موانع هنا.
وعاد يسألها: مرتبطة يا أنسة؟
جذبه عمران للخلف وهو يهمس له: استهدى بالله يا يوسف مش كده!
أبعده يوسف بغـــضــــب: اصبر يا عمران، اديها فرصة ترد، ها يا آنسة؟
ارتسم الخــــوف على معالم وجهها وهزت رأسها بالنفي، فصاح بحماس: يبقى نتوكل على الله ونيجي البيت نطلب إيدك لدكتور سيف.
جذبه جمال وعمران يحاول إبعاده هاتفًا بحنقٍ: يا عم فزعت البت اهدى بقى إنت أول مرة تشوف لحمة!
أخذت زينب خطوة تجاه على فتغلب على ضحكاته قائلًا بهدوء يحاول التمسك به: متقلقيش يا زينب دكتور يوسف بس بيحب يهزر.
هز سيف رأسه بتأكيد وقال بحرج: أنا بعتذرلك بالنيابة عن أخويا، هو بس مش واخد إني أقف مع أي واحدة فتلاقيه بس رسم كذا سنياريو غرامي.
كبتت ضحكة كادت بالانفلات منها وخاصة حينما دفعه يوسف للخلف قائلًا: بتعتذر ليه عجبني ذوقك وهندخل البيت من بابه وأبوابه الاتنين هنا أهو تحب نبدأ بدكتور على ولا عمران الوقح؟
ضحك على بقوةٍ فترك زينب وجذب يوسف قائلًا: تعالى معايا يا يوسف، عايزك جوه.
وأشار لاخيه: خد زينب عند البنات يا عمران.
اتبع سيف على وردد برهبة: خد بالك منه يا دكتور علي، لينزل ويرجع بالمأذون وتبقى الفـ.ـضـ.ـيحة كملت!
استدار يوسف إليه يؤكد له: هجوزهالك يالا أقسم بالله النهاردة من بكره مش هتفرق!
طرق بيده على جبينه بقلة حيلة، بينما انفجر جمال ضاحكًا حتى أحمر وجهه، فقال عمران بغـــضــــب: حبكت يعني تقف معاها قدام أخوك! ده بيتمنى لحظة زي دي!
رد عليه بضيق: وأنا إيش عرفني إنه هيعمل اللي عمله ده!
واستطرد بخــــوفٍ: أمال لو عرف إني اتخانقت مع الشاب في الجامعة عشانها هيعمل أيه؟
بالداخل.
سيطر علي على ضحكاته بصعوبة وردد بابتسامته الهادئة: خلاص والله هكلمها وأشوف دmاغها. مع إني متأكد إنها رافضة الارتباط بالوقت الحالي لإنها لسه في تانية جامعة...
وتابع بثبات: سبلي إنت الموضوع ده ومتشلش هم يا دكتور.
طرق على ساقه ونهض يشير له: بينا بقى نأكل، الجمبري والسمك زمانهم بردوا.
لحق به على للخارج، فتجمع الشباب من حولهما، فتساءل سيف بـ.ـارتباك: ها يا يوسف أحسن دلوقتي؟
منحه نظرة ساخطة: حد قالك أني كنت بطلع في الروح!
واستطرد ببسمة انتصار: وكلت الموضوع لدكتور على هيشوف دmاغ البـ.ـنت وهيرد علينا.
صدm سيف وتغلف بالصمت، لا يعلم لما شعر بفرحة داخله رغم أنه يرتدي قناع التذمر، راق له الأمر حتى وأن كان ما يحمله تجاهها إعجاب مبدئي.
بالغرفة المجتمع بها الفتيات.
فردت مايا أطباق الطعام على المنضدة برفقة صبا وليلى، ووزعت فاطمة العصائر قائلة: مكنش له داعي ترهقي نفسك بالشكل ده يا دكتورة ليلى.
ابتسمت لها برقة وقالت: ولا تعب ولا حاجة. كله يهون عشان عيونكم بس يا رب أكلي يعجبكم.
أجابتها مايا وهي توزع الأطباق: من ريحته باين إن في عظمة مستنيانا.
بنفس الابتسامة الرقيقة قالت: ألف هنا على قلوبكم.
وتابعت وهي تكشف الغطاء عن اللحم: أنا عملتلكم لحوم أفضل من الاسماك اللي عملتها للشباب، يوسف وسيف مصممين أعملهم سمك معرفش ليه؟
ضحك صبا ورددت: هما الرجـ.ـا.لة كده دايمًا خلف خلاف، يعني كوني على ثقة لو كنتي عملتي لينا سمك كانوا طلبوا لحوم.
تعالت الضحكات بينهن الا تلك الشاردة التي تعيد بمخيلاتها ما حدث منذ قليل، فمالت عليها فاطمة تتساءل بقلق: مالك ساكتة ليه؟
ارتسمت بسمة مخادعة على وجهها وقالت: مفيش أنا بس سرحت شوية.
وضعت فاطمة الطبق من أمامها وهمست مجددًا: طيب كلي عيب كده دكتورة ليلى تعبت في الأكل وممكن تفكرك قرفانه أو مش عجبك.
هزت رأسها بتفهمٍ وبدأت تتناول ما قُدm لها، أما بالخارج هبط الشباب جميعًا لسيارة عمران، بينما نادى يوسف ليلى يخبرها بحنان: حبيبتي إحنا نازلين خدوا راحتكم واحنا ساعة أو ساعتين وراجعين.
ضيقت حاحبيها بذهول: رايحين على فين يا يوسف؟
رد عليها وهو يجذب الحقيبة الصغيرة الخاصة بباقي الاطعمة: هنروح شقة سيف، أيوب وآدهم مقدروش يجوا فميصحش نأكل من غيرهم، هننزل نأكل مع بعض وبعدين نرجع على هنا، خدوا راحتكم.
هزت رأسها بابتسامة هادئة، ففجأها حينما ضمها لصدره طابعًا قبلة أعلى جبينها: تسلم إيدك على الأكل مبدئيًا. انا عارف انك تعبانه طول الليل وبتحضري فيه من بدري.
تمسكت بجاكيته الأزرق قائلة: كله يهون عشان عيونك يا حبيبي، يلا انزل عشان متتأخرش على اصحابك.
ودعها يوسف وهرول للأسفل لينضم للشباب فتحرك بهم عمران لشقة سيف.
صعدوا للأعلى وجذب على ويوسف طاولة يضعون الطعام من فوقها، بينما ولج سيف لغرفة آدهم يحاول إيقاظ أيوب الذي غمغم بانزعاجٍ: يا سيف سبني أنام أنا راجع تعبان.
انتصب بوقفته تاستدار تجاه عمران المستند على باب الغرفة جوار آدهم، فسأله بشكٍ: انت عملت فيه أيه يا عمران؟
نزع عنه جاكيت بذلته وشمر قميصه لأعلى ساعديه مشيرًا بحدة: قــ,تــلته، ارجع ورا كده وسبني بقى أصحيه من المـ.ـو.ت بمعرفتي.
وجذبه من تلباب قميصه كأنه يسحب مجرمًا لزنزانته، صائحًا بعنفوان: فوق يا عم القتيل جايبلنا الكلام ونايم مستمتع، إنت من رجـ.ـال الكهوف اللي أول مرة تشوف مرتبة فيبر!
ضحك آدهم وانضم إليه يحرر رقبة أيوب الذي يوزع نظراته بينهما بغـــضــــب ساحق، فأخبره آدهم: تعالى كل معانا وارجع نام براحتك، سيف مش جايله قلب يخليك تنام من غير ما تأكل.
خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لسيف الذي أكد له بإيماءة رأسه، فاستقام بوقفته يصيح بنفور: طيب طرقونا أغسل وأغير هدومي ولا هتشاركوني في دي كمان؟
غمز له عمران بمكر: لا ميصحش تقلعي قدام تلات رجـ.ـا.لة يا عسلية، كله الا الشرف مبقاش حلتنا غيره من الدنيا!
واستطرد بسخرية وهو يتجه للخروج: أمال لو مكنتش البت مثبتاك قدامنا!
كبت آدهم ضحكاته وأشار لايوب: معلش معلش، عديها.
ولحق بعمران بينما صاح سيف بغـــضــــب: ممكن تفهمني إنت كنت فين وقافل موبيلك ليه من الصبح والأهم أيه اللي يجمعك بعمران ده من الأساس؟!
دفعه أيوب للخارج وصفق الباب من خلفه: بعدين يا سيف الحكاية مش نقصاك.
بدل أيوب ملابسه واتجه للخارج لينضم لطاولة الطعام التي صنعها على ويوسف، وشرع بتناول طعامه مبتسمًا وسط أجواء المرح المتبادلة بينهم جميعًا.
قاطع أجوائهم صوت دقات الباب الخافتة، فتطوع هو ليفتح الباب بعدmا وجد الشباب يتهربون من فتح الباب وكأنهم سيواجهون وحشًا سيفترسهم لا محالة، حرر أيوب باب الشقة، فجحظت عينيه صدmة مما رآه، وجهها متورم بشـ.ـدة والدmاء تنفجر من كل أنش به، بينما يدها تضم بطنها النازف لنفورة من الدmاء فردد بهمسٍ مرتعب: آديرا!
تراخى جسدها أسفل قدmيه فلم يجد ذاته الا بأنه يحيط بها رغمًا عنه، فوجدها تحرر صوتها المتألــم إليه ودmـ.ـو.عها لا تتوقف عن الهبوط: لقد كنت محقًا أيها الإرهابي!
↚ارتخى جسدها بين ذراعيه باستسلامٍ لمصيرها المحترم، دmعاتها لا تكف عن التوقف ويدها تضم جـ.ـر.ح بطنها الغارقة بالدmاء، انحنى خلفها أيوب يمنع سقوطها القوي على أرضية الردهة، وصراخه لا يتوقف عن ندائها: آديرا!
أغلقت عينيها بين ذراعيه وأخر ما التقطته آذنيها إسمها الذي يردده لمرته الأولى بكل تلك الوضوح، نظرته المرتعبة عليها والمتألــمة لما أصابها، صدقًا بالغًا إلتمسته بين يديه لم يكن زائف مثل الذي اختبرته بين عائلتها المزيفة.
خرج الشباب تباعًا حينما تسلل إليهم صراخ أيوب، فاندهشوا جميعًا حينما وجدوها غارقة بدmائها بين ذراعيه، على الفور تحرك يوسف وإنحنى إليه يجذبها عنه وهو يتفحص عرقها النابض، فصاح بانفعالٍ: لسه عايشة، بسرعة جهز العربية يا سيف.
أفاق من صدmته على صرخة أخيه فاندفع للخارج يخرج سيارته من جراج البناية، بينما انحنى جمال إليهما يردد بصدmة: مين اللي عمل فيها كده؟
أجابه أيوب بصوتٍ احتقن من خلف غصته: أكيد عمها مش محتاجة تفكير.
ساندها على قبالة يوسف الذي يحاول الكشف عن اصابتها للتحقق من نجاتها وسأله بقلقٍ: هنأخدها على فين يا يوسف؟
رفع عينيه إليه بقلة حيلة: مش عارف.
هتف آدهم بصرامة: لو أخدتها المستشفى أيوب كده هيدخل في سين وجيم وديانتها هتكون نقطة مش في صالحه نهائي.
حديثه كان صائب، علاقة أيوب بتلك الفتاة كانت خطيرة للغاية وهي الآن تحصد أول مخاطرها، وزع يوسف نظراته الحائرة بينها وبينهم وردد بعد تفكير: هناخدها عيادة ليلى. هي هتقدر تعالجها.
شمله عمران بنظرة ساخطة، وصاح بتهكمٍ صريح: وتعالجها ليه أصلًا ما تغور في داهية تأخدها. أنا كنت خايف تسبب الأذى لأيوب وأهي قرفته معاها حتى وهي بتطلع في الروح مش عتقاه!
حديثه كان يزيد من اختناق أيوب، وكأنه يسحب باقة الهواء الطفيفة من حوله، فشـ.ـدد حازمًا: عمران من فضلك!
حجز على مقدmة قميصه بيديه معًا، ليرفعه أمامه وهو يهدر منفعلًا: الشهامة والنُبل اللي عندك ده تحطهم للأشخاص اللي يستحقوها مش واحد من اليهود الأنج ولاد ال دول، أنا مش مصدق المبالغة اللي عندك دي ليها! مصـ يـ بـةتكون فعلًا حبتها ونسيت ملتها لو ناسي أفتح موبيلك واعمل سيرش بسيط عن اللي بيعملوه في غزة مع اخواتك المسلمين، لو ناسي إسأل أي واحد فلسطيني مغترب عن الذل والمرار اللي شايفينه على إيدهم، لو فاكر إنك باللي بتعمله هتجبرها تدخل دينك فبأي حق عندك الثقة والاطمئنان إنها متطـــعـــنكش في ضهرك زي مهما بيعملوا ومتعودين!
واسترسل بعصبية جعلت أخيه ويوسف والشباب بدهشة من الكراهية الشـ.ـديدة التي يتخذها عمران ضد تلك الفتاة، بالرغم من نفورهم جميعًا منها ولكنهم أطباء يحاولون التعامل مع الحالة دون التعارف عن جنسيتها، لا يفرق أي شيء الا أن ينقذوها من حافة المـ.ـو.ت، تحرر شرارته المقبضة حينما استكمل وهو يهز جسد أيوب بعنفٍ عساه يعود لعقله: إنت مش قادر تستوعب إن اللي عمل معاها كده عمها اللي من دmها ده ميأكدلكش إنهم معندهمش ملة! يا غـ.ـبـ.ـي إفهم مستقبلك هيضيع بسبب واحدة متستهلش فووووق!
انهمرت دmعة خائنة من عين أيوب وتطلع لعمران كالغريق الذي يستنجد بقشة نجاته فقال باكيًا: أخوها سابهالي أمانة في رقبتي وأنا متعودتش أخون الأمانة ولا العهد يا عمران. بالله عليك قولي هقابله إزاي ولا هجاوبه بأنهي وش! عارف إن اللي بعمله ده غلط بس مقدرش أخون يا عمران، الشيخ مهران رباني على كده رباني مخونش ثقة ولا أخون عهد ولا وعد قطعته على نفسي.
واستطرد وصوت بكائه يـ.ـؤ.لم من حوله فألتمعت أعينهم بالدmـ.ـو.ع شفقة على تربية أخلاقثة عظيمة زرعها أبًا عظيمًا بشخصٌ يخوض معارك قـ.ـا.تلة بين هؤلاء اللعناء، فخرج صوته المتحشرج يخبره: على قد ما عشت حياتي كلها حُر وماليش لوية إيد على قد ما كرهت الظروف اللي بتجبرني دايمًا أخضع لكل كلمة خارجة مني، واللي خرج مني على لساني كان وعد لأخوها إني هحافظ عليها، وفي الوقت ده أنا بجلد نفسي فيه لإني قصرت معاها جاي إنت تزيدها عليا! بلاش أرجوك والله أنا موجوع ولو جرالها حاجة هتو.جـ.ـع أكتر وهخاف يومي يجي بعد ما كنت بستناه. هخاف يجي يزورني ويسألني عن أمانته!
جذبه عمران لصدره يربت عليه كالطفل الصغير المنزوي بين أحضان والده، استدار آدهم للخلف يخفي دmـ.ـو.عه مثلما اعتاد أن يجعلهما ستارًا لا يراه غيره، بينما دفع على يوسف يخبره بصوت مبحوح من أثر كبته للبكاء: مفيش وقت يا يوسف لازم نتحرك قبل ما نفقد المريـ.ـضة.
تعمد نطقه للفظ مريـ.ـضة ليتعامل الجميع معها بناءًا على ذلك، متجاهلون كنايتها لأجل رفيقهم الذي يعاني لأجل وعده، فحملها أيوب عنهما وأسرع للمصعد فلحقوا به باستخدام الدرج، تشبث بها أيوب ونادها بلهفة: آديرا، هل تسمعيني!
تمسكي قليلًا عزيزتي!
غيوم عينيه تزيح عنه تلك النيران فتهاوى دmـ.ـو.عه دون توقف ورأسه يهتز رافضًا لأفكاره السيئة: لن يصيبك سوءًا، يا الله أقسم أنني لن أحتمل مواجهته، تحملي آديرا. أتوسل إليكِ تحملي لأجل أخيكِ.
وفور أن توقف المصعد خرج بها راكضًا، وكأنه يصارع لالتقاط أنفاسه المحتبسة، فكرة خسارتها تذبح فؤاده، كيف سيقابل أخيها بتقصيره بأمانة وضعها برقبته؟
اعتاد دومًا على النبل والشهامة، لم يخـ.ـو.ن أبدًا أمانة أو وعدًا اقتطعه على نفسه، فإن حدث الآن يقسم بأنه سيمـ.ـو.ت ولن يحتمل على خوض تأنيب ضميره القـ.ـا.تل هذا، ولكن ماذا كان سيفعل أكثر مما فعله؟
طوال الطريق كان صامتًا، عينيه تراقبها بحـ.ـز.نٍ وألــمٍ يترسخ بأعين عمران وسيف والجميع، هبط بها للأعلى بينما أسرع يوسف ينادي زوجته فخرجت الفتيات على صوته بفزعٍ ازداد برؤيتهن تلك الفتاة.
أسرع يوسف إليها يخبرها: بسرعة يا ليلى، البـ.ـنت نبضها ضعيف والنـ.ـز.يف مش راضي يقف.
خـ.ـطـ.ـفت نظرة متفحصة إليها وعادت لتستقر عليه: مأخدتهاش على مستشفى ليه يا يوسف، أنا مش هقدر أعالجها هنا!
تجاهل ما قالته وأشار لعمران قائلًا: خدوها لأوضة العمليات جوه يا عمران بسرعة.
هرع عمران للباب يدفعه ويتبعه أيوب، بينما أحاط يوسف وجه زوجته يخبرها بحنان: ليلى حبيبتي كل اللي هتحتاجيه في المستشفى موجود هنا، مفيش وقت من فضلك فوقي.
رفعت يدها تحيط يديه مرددة بـ.ـارتباكٍ: معرفش أماكن الأجهزة جوه يا يوسف ولا أعرف أي حاجة، كمان مفيش ممرضة تساعدني ولا دكتور جنبي!
هز رأسه بتفهمٍ واستكمل بابتسامةٍ هادئة تمد لها الثقة وما فقدته بتلك اللحظة: أنا جنبك هساعدك بكل اللي أقدر عليه، وسيف ودكتور على موجود. كلنا هنساعد يا ليلى.
وأشار لها بحزمٍ: أنا واثق فيكِ وواثق إنك هتقدري تنقذيها.
إيماءة رأسها المرتجف كان كافيًا ليجعله يجذبها للداخل، قدm لها يوسف رداء معقم وإرتدى هو الأخر، أسرعوا للداخل فوجدوا سيف وعلى يحاولان السيطرة على النـ.ـز.يف، فردد على بصوتٍ مرتفع: في جـ.ـر.ح تاني في كتفها واختناق تنفسها أعتقد راجع لانكسار ضلع من ضلوعها.
أسرعت ليلى إليها، فأخفضت قناع التنفس لتحيط بها وجهها، بينما شرع يوسف بتجهيز المـ.ـخـ.ـد.ر الكلي ليحقنه ببراعةٍ بالمحلول الذي أعده سيف لوريدها، بينما سحب على أيوب للخارج وتبقى يوسف و سيف مع ليلى، يحاول سيف استكشاف أماكن الأجهزة والأدوية المضادة، بينما يعاون يوسف زوجته بكل خطوة تتخذها لإنقاذ آديرا لخبرته بحياكة الجروح الناتجة عن الولادة القيصرية.
سحب سيف الأدوات وقام بتعقيمها قبل أن يناولها ليوسف الذي كشف عن كتفها الأيمن فصدm حينما وجد قطع من الزجاج ينغرس داخل لحمها، سحب عنها الشظايا بالملقاط الحاد، وقام بحياكة الجروح الغائرة بكتفيها لحين تنتهي ليلى مما تفعله.
طلب على من عمران أن يوصل الفتيات للمنزل، فذهبت فاطمة وزينب ومايسان برفقته، حتى صبا أمرها جمال بالصعود معهن ليصلها عمران بالطريق، فأوصلهن وعاد فوجد أن الأمور كما هي، مازالت آديرا بالداخل و أيوب يجلس بالخارج شاردًا بما سيحدث الآن، ولجواره جمال وعلى الذي يدخل من وقتًا للأخر ليتابع الحالة ويطمنه بأنها مستقرة إلى الآن.
إتجه لأقرب مقعد يلقي ثقل جسده عليه، ويراقبهم بصمتٍ بالغ، انسحب علي وإتجه ليجاوره بجلسته وقال بهدوءٍ يلومه: مكنش ينفع اللي عملته ده يا عمران، أيوب في حالة متسمحلوش إنك تتكلم معاه بالشكل ده.
خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لأيوب الذي لا يكف لسانه عن الدعوات وقراءة القرآن الكريم، ومن ثم استدار لأخيه: طيب قولي يا على كنت هعمل أيه وأنا شايفه كده! أنا بحاول أبعده عنها بكافة السبل وأخرهم شغله معايا وتيجي وهي بتمـ.ـو.ت ورافضة بردو تحل عنه!
زوى حاجبيه بدهشة انتقلت لسؤاله: على حد علمي إن أقرب أصدقائك هما يوسف وجمال فغريب إني أشوفك مهتم جدًا بشخص لسه شايفه ومتعرف عليه من كام يوم!
ارتخت معالمه المشـ.ـدودة تدريجيًا وردد وعينيه لا تفارق وجه أيوب البشوش: أنا نفسي معرفش أيه اللي علقني بيه بالشكل ده. أيوب تحسه شخص نضيف أوي موجود في مستنقع مينفعش يكون موجود فيه. طيب زيادة عن اللزوم ومسالم بالدرجة اللي مخلياني عايز أحميه من الدنيا كلها كأنه ابني!
وبتيهةٍ حائرة سأله: فهمت حاجة؟
ابتسم علي إليه ومسح على كتفه بحنان يصل بنبرته الرخيمة الحنونة: اللي فهمته إنك اتغيرت يا عمران، والطيبة دي إنعكاس لقلبك الصافي. كل مرة بتفاجئني بيك وبتخليني فخور بيك.
انتقلت ابتسامته لعمران الذي تعلق به بحبٍ، وهمس له: على أنا جنبك بحس إني طفل صغير مستني من أبوه يطمنه على كل تصرف بيعمله وبيخاف يقوله إنه غلط. أنا بدعي ربنا دايمًا في كل صلاة ليا أنك تكون جنبي دايمًا. متضايقش لو قولتلك إني عمري ما حسيت بإحساس إني يكونلي أب بس لما بتكون جنبي بحس إنك أبويا.
زاد من ضمه بقوةٍ ورفع رأسه يطبع قبلة على جبينه هامسًا له بصوتٍ منخفض عن الجميع مثلما يتحدث: أنا جنبك وعمري ما هبعد يا عُمران، حتى لو مكنش فرق السن بينا كبير أنا راضي أكونلك بالمكانة اللي تحبني أكون فيها، ولو ربنا اداني ابن فإنت ابني البكري وهو هيكون التاني من بعدك.
أدmعت رماديته تأثرًا واحتبسها داخل ذراع على الذي شعر بدmعاته، فبقى ساكنًا لا يحركه لحين أن يعود لطبيعته، هو يعلم كم يعلم أقرب أصدقائه بأنه يكاد يقــ,تــل على أن يلمح أحدًا دmـ.ـو.عه أو يشعر بضعفه.
مازحهما جمال الذي اقترب يردد: ده وقته! البـ.ـنت بتصارع المـ.ـو.ت وأيوب هيحصلها وإنتوا قاعدين تحبوا في بعض!
ابتعد عُمران عن أخيه حينما طرد كل لمعة دامعة بعينيه، وسأل جمال باهتمامٍ: محدش خرج؟
هز رأسه نافيًا، فنهض عمران يتجه لأيوب وجلس جواره بصمتٍ جعل الأخير يرفع عينيه تجاهه ثم عاد يتطلع للأرض مجددًا، ومازال منحني بجسده للأسفل قليلًا.
انحنى عمران ليماثله بجلسته وتنحنح بخشونة: إنت زعلان مني!
نفى ذلك بهزته، وفرك أصابعه معًا بتـ.ـو.ترٍ، فضم عمران يديه بكفه وهو يمنحه الأمان الذي افتقده: هتبقى كويسة وده بتمناه عشان وعدك الغـ.ـبـ.ـي مش عشانها.
وتمتم بسخطٍ وهو يظن صوته غير مسموع للأخر: لو عليا عايز أدخل أديها حقنه هوا عشان تخلص وتخلصنا!
رفع أيوب عينيه إليه بصدmة من سماع حديثه المباشر، فرفع كتفيه مداعيًا برائته: هعمل أيه مش قادر أحبها وهي مصدر خطر عليك!
تمردت ضحكة منه رغم لمعة عينيه الباكية، فهزه عمران بمزحٍ: أيوه كده اضحك اللي يشوفك وإنت قاعد القعدة دي يقول مراتك بتولد جوه!
وتابع بوقاحته المعتادة: يا راجـ.ـل استتضف حتى لو واحدة خواجيه احنا راضين وهنراضي الشيخ مهران ونخليه يجوزهالك لكن يهودية يا أيوب! يهودية يا جدع!
تمادت ضحكاته بصوتٍ مسموع جعل جمال و علي يبتسمان بخفة على عمران الذي يحاول ازاحة كل قلقٍ يملئ أيوب.
رن هاتف علي فرفعه بدهشة من رؤية إسم عمر الرشيدي، فاستمع لصوته يهتف: دكتور على أنا تحت قدام العمارة انتوا في الدور الكام؟
انتفض بوقفته يتجه للمصعد وهو يتحدث بقلقٍ: أيه اللي جابك يا عمر إنت تعبان ومش قادر تتحرك!
توقف المصعد واندفع للخارج فأخفض هاتفه وأجابه حينما وقف أمامه: مقدرتش بصراحة أسيب أيوب في ظرف زي ده. الولد ده غالي عليا بشكل غريب.
ضحك على وأجابه ساخرًا: حتى إنت!
سأله بدهشة: حتى أنا أيه مش فاهم!
سانده للمصعد وهو يقول بابتسامة جذابة: أصله طلع غالي عندنا كلنا وأولنا عمران اللي فجأني باللي قاله وعمله!
هز رأسه بتفهمٍ وقال يبدي وجهة نظره: عمران كلامه صح. إنت عارف لو البـ.ـنت دي جرالها حاجة والموضوع إتعرف أيه اللي هيحصل؟ القضية دي هتقلب الدنيا وهتحطنا في وضع سياسي خطير واثبت بقى إنه بريء!
توقف المصعد فعاونه على على الخروج، فما أن رآه جمال حتى اندفع إليه قائلًا بدهشة: سيادة الرائد! جيت ليه؟
بحثت عينيه عن أيوب فما أن اهتدت عليه جالسًا جوار عمران حتى عاد يطالع جمال قائلًا: قولت يمكن تحتاجوا حاجة، كمان عندي قلق إن عمها يحاول يتخلص من أيوب أو يمكن يكون مراقبها أساسًا، لازم نفكر هنعمل أيه عشان نحميه منه.
هداهم لنقطة هامة للغاية، الخطر يحوم الآن حول أيوب كأشباح الليل الجامحة، تبادلوا الحديث معًا وكلا منهم يطرح نظريته حول ما سيفعلونه إلى أن تسلل صوت آدهم العميق لأيوب الذي نهض عن مقعده يتجه لمكان وقوفهم وهو يردد بفرحة غريبة: آدهم!
استدار إليه فتفاجئ به يهرول إليه، ضمه أيوب بقوةٍ جعلته يكبت تأوهاته من شـ.ـدة احتكاكه باصابة كتفه ومع ذلك كان سعيدًا به، أحاطه بحبٍ وهو يخبره بصوت ذكوري حاد: اطمن هتبقى كويسة.
ابتعد عنه أيوب يطالعه بنظرة مندهشة تتسع رويدًا رويدًا والأخر يراقب حالته تلك بقلقٍ، انسحب أيوب واتحه يجلس على الأريكة المعدنية بشرودٍ جعل قلق آدهم يزداد أضعافًا، فاستغل انشغال عمران وعلى وجمال بالحديث عن عم الفتاة الذي سيحوم حول أيوب وإتجه إليه يجاوره.
رفع عينيه الدامعة إليه فوجده يسأله بلهفةٍ: مالك؟!
ابتسم ببلاهة وقال: كنت مفتقد أبويا وبفكر فيه وبتخيله لو جنبي في موقف زي ده أكيد كان هيهون عليا كتير، وفجأة سمعت صوتك وشوفتك قدامي، معرفش ليه لما ضمـ.ـيـ.ـتك شمـ.ـيـ.ـت ريحته فيك!
وتابع بحيرة دmجها بتـ.ـو.ترٍ: آدهم إنت غريب لأ. لأ. قريب مني أوي بشكل مخليني مرتبك وبسأل نفسي ليه لما بشوفك بحس إني مرتاح ومطمن!
بالرغم من أنه يشعر بالغرابة مثلما يشعر هو الا أنه مازحه ليخفف من وطأة الاجواء: أيوه يعني أنا غريب ولا قريب حيرتني معاك؟!
ضحك وهو يشير بكتفيه: صدقني مش عارف بس إنت بمكانة غريبة مش زي سيف صديقي المقرب ولا زي عمران اللي لسه متعرف عليه وحبيته واحترمته جدًا، إنت تركيبة غريبة موردتش عليا قبل كده!
منحه ابتسامة جذابة وقال: مش مهم المكانة اللي أكون فيها المهم اني جنبك.
علي ذكر إنه لجواره ظلل له بأنه قد أتى بالفعل، فقال بضيقٍ: إنت جيت ليه وإنت تعبان؟
اتسعت ابتسامته وأجابه: هتصدقني لو قولتلك إنك بنفس التركيبة الغريبة اللي مخلياني موجود جنبك النهاردة.
أزاح أيوب دmعة تهدلت عن عينيه وابتسامته البشوشة تتسع بينما عينيه تمر على الوجوه بداية من آدهم نهاية بعمران وعلى وجمال، يشعر بأن الله يحبه كثيرًا حينما منحه تلك الصحبة وعلى رأسهم يوسف وسيف المستمران بالحرب بداخل غرفة الجراحة للحفاظ على وعده.
مرت ساعة أخرى وخرج سيف يبحث عنه بلهفة، فركض إليه يخبره: متقلقش والله العظيم حالتها استقرت وشوية وخارجة، اطمن مش هيحصل حاجة.
يعلم جيدًا بأن صديقه وعده قد يعـ.ـذ.به طيلة حياته لذا كان الوحيد من بينهما الذي يتفهم حالته وقد التمس أيوب ذلك، فجلس لجواره يراقب باب غرفة العمليات بانتظار خروجها.
داخل غرفة الجراحه.
ارتخى جسدها على أقرب مقعد، تشعر وكأنها كانت في سباقٍ عنيفٍ، لم تكن جراحتها الأولى ولكن وجودها هنا بمكانٍ حديث لا تعلم أماكن أبسط الأشياء التي تحتاجها لاجراء جراحة صعبة مثل التي اجرتها جعلتها تختبر شعورًا مهدد بالفشل مقبض.
رفعت رأسها لزوجها الذي جذب أحد المناديل الورقية يزيح عرقه بعد فرط مجهوده لانقاذها، فجلس قبالتها يلتقط أنفاسه بصعوبة، ليجدها تمنحه نظرة شرسة نهايتها صراخها المتعصب وهي تراقب يدها الملطخة بالدmاء: أنا بكرهك إنت وأصحابك يا يوسف، حقيقي بكرهك.
ضحك واتجه بمقعده إليها، فجذب المناديل يزيح عرقها بحنان وهمس لها: عارف إني بضغط عليكي عشان كده راضي بكرهك وبكل غـــضــــبك اللي مالي عيونك الجميلة دي.
فشلت بمنع ظهور ارتخاء معالمها وراحتها في قربه، فطبع قبلة على جبينها وبهمسه المغري قال: طب بذمتك وقفتنا مع بعض مكنتش مميزة! مطلعناش ثنائي مميز في الحياة العملية بس لأ احنا ننفع نكون فريق مع بعض أنتي تفتحي وأنا أخيط!
انفلتت ضحكاتها فضمها إليه ومازالت تبعد يدها عنه حتى لا يتلوث ملابس الجراحة الذي يرتديها، وما زادها فرحة حينما ابعدها يوسف عنه يتعمق بمقلتيها: إنتِ دكتورة شاطرة وأنا بتباهى بيكِ يا ليلى. بالرغم من التـ.ـو.تر اللي كنتي فيه الا إنك اتعاملتي مع الحالة ببراعة حقيقي أنا فخور بيكِ يا حبيبة قلبي.
انزوت باحضانه بفرحةٍ كانت تود أن تستغل حفلة اليوم باخبـ.ـاره ما أخفته عنه بعد تأكدها صباح هذا اليوم ولكن ما حدث حطم كل ترتيباتها، فاستغلت حديثه المعسول وقالت بدلال: يوسف في حاجة عايزة أقولك عليها.
أغلق عينيه ومازال يضمها إليه بشغفٍ: سامعك يا روحي، اتكلمي.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ يجعلها تشعر وكأنها مضت ثلاثة أيام دون قطرة ماء واحدة ورددت: آآ، أنا، آ...
رفرف باهدابه بذهول لارتباكها الملحوظ، فرفع ذقنها إليه يسألها بقلق: انتي أيه يا ليلى اتكلمي!
هـ.ـر.بت كلمـ.ـا.تها عنها، ولم تجد سوى أن تخدعه عساها تحصل على وقتٍ أخر مناسبًا لسماعه خبرًا كذلك: أنا بحبك.
ابتسم لها وضمها إليه يدفن وجهها بعنقه: وأنا بعشقك لدرجة مخلياني عايز أخرج أطرد الأوباش دول بره بالحالة اللي نايمة دي.
واستدار بوجهه لسرير الجراحة الذي تعتليه آديرا فهمس لها ضاحكًا: تفتكري هي سامعة كل اللي بنعمله ده! المفروض إنها هتفوق من البنج على أي لحظة.
ضحكت ومازال رأسها مسنود على صدره: مش بتقول إنها مبتفهمش عربي يعني إحنا في أمان يا جو!
وطب بالنسبة ليا هتعملوا معايا أيه ما أنا بفهم عربي!
قالها سيف وهو يراقبهما بتسليةٍ ومكر، دفعه ليلى مقعد يوسف للخلف بقوة فاستجابت عجلات المقعد لدفعتها، فاصطدm بالطاولة وهوى أرضًا بمقعده بينما هرولت الاخيرة للخارج وهي تردد على استحياء: نادي حد ينقلها معاك الأوضة. وأنا شوية وهدخلها.
وتركتهما وهـ.ـر.بت للمرحاض المجاور لغرفة الجراحة، فاتجه سيف ينحني لأخيه الذي يمسك ظهره بألــمٍ وقال بتسلية: محتاج مساعدة؟
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ فدفع المقعد إليه فانحنى سيف يفرك ساقه بألــمٍ وصوت ضحكاته لا تتوقف، ليردد مازحًا: طيب على الأقل مش قدام الحالة يا دكتور. لو فاقت من البنج وقفشتكم متلبسين في الوضع الرومانسي ده هيكون أي وضعها، راعوا شعور المرضى!
انتصب يوسف بوقفته ونزع عنه ملابسه ثم جذب قميصه يرتديه وهو يصيح بانفعالٍ: اطلع بره يالا.
رد عليه وهو يتجه للخارج: كده كده طالع، بس راجع تاني فمتستغلش الوضع ها؟
كاد بأن يدفعه بالسلة المجاورة له فركض الاخير مسرعًا وعاد بعد قليل بأيوب وعمران، تعاونوا معًا على رفع الملاءة دون أن يمسها أحدًا أو يحملها، كان أيوب مضطرًا أسفًا بحملها للمشفى ولكنه الآن ليس مضطرًا لذلك لذا اقتراح جمال بحمل مفرش السرير الطبي كان مرحب به.
تحرك السرير المتحرك للغرفة ومن ثم رفعوها للفراش، بينما قامت ليلى بدث المحاليل الطبية بوريدها فقال سيف وهو يتأملها: بتفوق أهي!
هزت ليلى رأسها إليه وانحنت إليها تتفحصها بعناية، بينما جلس آدهم وعمران وجمال على الآريكة الموضوعة بنهاية الغرفة، ولجوارهم جلس على وجواره سيف ويوسف وأيوب يترقبون لحظة افاقتها وسماع ما حدث معها.
فتحت آديرا عينيها تردد بتعبٍ شـ.ـديد: أين أنا؟
أجابتها ليلى بابتسامة تجاهد لرسمها: إنتي بأمانٍ لا تقلقي.
هزت رأسها بإرهاقٍ وراحت تتساءل بقلق: أيوب، أين هو؟
نهض أيوب عن مقعده واقترب لمسافة مناسبة قائلًا: أنا هنا لجوارك.
رفعت رأسها إليه وحاولت الاعتدال بمجلسها فسقطت على الفراش تبكي من قسوة الألــم الذي اجتاح بطنها وكتفيها، ساعدتها ليلى سريعًا على الاسترخاء وهي تأمرها بضيق: استرخي من فضلك لم يمضي على جراحتك سوى دقائق.
تجاهلتها آديرا وصوبت نظراتها لأيوب بانكسار اخترق صوتها الباكي بنيران قــ,تــلتها: لا أصدق أن من وددت قــ,تــله هو من قام بإنقاذي من المـ.ـو.ت، بينما عمي الحبيب هو من تسبب لي بكل تلك الجروح.
واستطردت ودmـ.ـو.عها تغرقان وجهها الأبيض: ليته تمكن من قــ,تــلي أهون من أن أعيش بتلك الحقيقة القـ.ـا.تلة.
وتطلعت لأيوب تشكو له ما يـ.ـؤ.لمها بصراخ باكي: أيها الأرهابي لقد اعترف لي عمي بأنه من قام بقــ,تــل أخي. لقد صدقت أنت لم تفعلها!
ردد عمران ساخطًا من بين الشباب بالخلف: لسه بتقوله ارهابي أقــ,تــلها وأقــ,تــله ولا أعمل أيه؟!
ولكز يوسف بقوةٍ جعلته يضم بطنه بألــم صارخًا به: كنت قــ,تــلتها جوه وخلصنا بتنقذها ليه بروح أمك!
أشار له آدهم بجدية: عمران ده مش وقتك نهائي، لازم نتحرك من هنا عمها ده شكله مش هيسكت!
أتى حدث آدهم على محمله حينما تابعت آديرا: كان يظن بأنه سينجح بقــ,تــلي فكشف لي عن حقيقة ما ارتكبه بأخي، وأخبرني بأنه سيقــ,تــلك. هـ.ـر.بت منه وخشيت أن يفعلها فأتيت لأحذرك. اهرب أيوب انجو بحياتك ما رأيته على يده وما فعله بي بالرغم من كوني ابنة أخيه يجعلني أرتعب مما سيفعله بك أنت.
تحرر أيوب أخيرًا عن صمته: فليفعل ما يشاء أنا لست جبانًا يهرب من ساحة المعركة، إن أراد حربي أهلًا به ولكني تلك المرة سأسقطه قتيلًا ولتهدأ ثورة ثأري مما فعله بمحمدًا وربما سيهدأ قلبي بعدها.
اتجه إليه آدهم يصيح بغـــضــــب: حرب أيه اللي عايز تدخلها يا أيوب، إنت أكيد جرى لعقلك حاجة كلنا بنحاول نخليك تستوعب حجم الكارثة اللي انت فيها وإنت مش قادر تفهم!
نهض على هو الأخر يتدخل بحديثهما: آدهم معاه حق يا أيوب كفايا مشاكل لحد كده. الناس دي خـ.ـا.ينه وملهاش ذمة مش هيقف يواجهك ويديك فرصة تدافع عن نفسك أصلًا هتلاقي الخبطة جيالك من ورا ضهرك فالحل انك تبعد وتختفي لحد ما تخلص امتحاناتك وتنزل على مصر على طول.
خـ.ـطـ.ـف نظرة لفراشها فوجدها تحاول فهم أي من حديثهم وعاد يتطلع إليه متسائلًا: طيب وآديرا هسيبها ليه! مهو أنا مش هبعد من هنا وأسيبه يأذيها ده مستحيل.
نهض عمران واتجه إليهم صارخًا بغلظة: قولتلكم شكله بيحبها محدش مصدقني!
برر سريعًا: لا يا عمران وأنت واثق من كلامي كويس، ومش هبرر تاني موقفي لإني شرحتلك ألف مرة.
نهض سيف وأسرع إليهم قائلًا بما يثق به: أيوب عنيد مش هيبعد من هنا غير وهو مطمن عليها أنا عارفه أكتر من نفسي علشان كده الحل الوحيد إنها تهرب معاه.
اتجه يوسف إليهم متسائلًا بسخرية: بأي حق هيكونوا مع بعض يا دكتور سيف؟
صمتوا جميعًا وعقل أيوب هو الذي يصـ.ـر.خ دون توقف حتى نطق لسانه بحروفٍ ثقيلة هوت لتصفعهم جميعًا: هتجوزها.
ران الصمت عليهم حتى أفاقهم صوت ضوضاء نتجت من ترنح جسد أيوب فوق حامل المحلول المعدني بعد أن ناوله عمران لكمة قوية جعلته يفقد اتزانه ومن ثم انقض عليه يعيد الكره وصراخه يجعل آديرا ترتعب بين يد ليلى التي تجاهد لتثبيت المحلول بيدها.
صاح بعنفوان قـ.ـا.تل: تتجوز مين يا روح أمك، أقسم بالله أنا عارف إن دي نهايتها من الأول بس صبرت عليك تحسبًا لانك ممكن تفوق بس كل مرة بكتشف انك أهطل وغـ.ـبـ.ـي.
سحبه جمال ويوسف، بينما عاون سيف أيوب على الوقوف ودون أي بوادر انطلق لعمران مستغلًا تقيد جمال ويوسف إليه وسدد له لكمة قوية اتبعها تهديده الصريح: لو لمسته تاني هدفنك هنا يا عمران.
دفعهما على للخلف هادرًا باندفاع: ارجع لورا انت وهو واحترموا ان في مريـ.ـضة حالتها حرجة.
استنجدت به ليلى قائلة: خدهم بره يا دكتور علي. من فضلك كده مينفعش.
استعادوا ثباتهم الانفعالي حينما وجدوا ليلى تنحني بجسدها على آديرا لتحميها من أن يمسها أن احتكاك دون قصدًا، نظرات الذعر الساكنة داخل أعين الفتياتين أشعرتهم بالحرج جميعًا فانسحبوا للخارج واحدًا تلو الأخر، وأخرهم جمال الذي قال بأسف: أنا بعتذرلك عن اللي حصل ده يا دكتورة ليلى، إن شاء الله مش هتتكرر تاني.
وأغلق الباب من خلفه ليمنحهما مساحة آمنة، واتجه للردهة الواسعة يتخد أحد المقاعد مجلسًا وعينيه تجوب وجوههم جميعًا.
هدأت أنفاسهم والسكون يخيم على الأوجه، يتفرقون بالجلسات كلًا منهم يجلس بمفرده ولكن نظراتهم جميعًا تحيط أيوب الذي يتهرب بنظراته للأرض من معاتبة كل منهم، حتى استغرق نصف ساعة بالصمت فرفع بصره لهم يردد بخزي: أنا عارف إن قراري ده غلط بس قولولي أعمل أيه؟!
مش هقدر أهرب من هنا وأمن حياتي وأسيبها ورايا وعدي لأخوها هيقــ,تــلني كل يوم أفضالي أوجهه ويقــ,تــلني أهون من إني أسيبها! ولو اخدتها معايا مقدرش أختلي بيها ولا أكون معاها على طول مش هتحمل أشيل وزر زي ده!
كان يوسف أول من تحرر من صمته: أيوب قرارك ده مش بس هيدmرك لوحدك لو وصل لعيلتك أبوك ممكن يجراله حاجة لإنك مش ابن شخص عادي ده شيخ أزهري يا أيوب المفروض أنك تكون قدوة مش تخذله بجوازك من واحدة يهود!
قال جمال بعد تفكيرًا: طب أيه رأيك نأمنلها مكان آمن بعيد عن عمها حتى لو هننزلها مصر؟
رد عليه أيوب قائلًا: وتفتكر مش هيعرف يوصلها! عمها ده صعب ووراه اللي بيسانده.
سحب على نفسًا مطولًا وقال: طيب يا أيوب لو ده حلك الوحيد فلازم تعرف إن جوازك منها متوقف على شرط عشان يجوز إنك تتجوزها عارفه؟
أومئ برأسه ونهض فجأة يتجه لغرفتها يطرق على بابها مستأذنًا من ليلى بالخروج وترك باب الغرفة مفتوح ففعلت وانضمت إليهم مختارة البقاء جوار زوجها وسيف الذي نطق بعدm فهم: شرط أيه ده يا دكتور علي؟
أخفض على عينيه أرضًا بحرجٍ من اجابته بوجود ليلى، بينما هدر عمران بشراسة: إن شاء الله تكون مقضياها عشان تكون جت من عند ربنا وخلصنا!
بالداخل.
جلس أيوب على المقعد المقابل إليها بصمتٍ، فوجدها تتأمل وجهه وخاصة البقعة الزرقاء المحاطة جوار فمه وبحـ.ـز.نٍ قالت: ما الذي حدث بينك وبينهم؟
وتابعت بدmـ.ـو.عها التي لم تجف عن خديها: بالطبع لم يتقبل أحدًا منهم مساعدتك لي. أنا لا أستحق معاملتك تلك أيوب.
هل إنتِ عذراء؟
باغتها بسؤاله الذي يحاول منذ دلوفه بالبوح به، فالتقط نفسًا مطولًا يرتاح عن شـ.ـدة أعصابه بعدmا نجح باخراجه كأنه يحارب لقولها.
رمشت عدة مرات بعدm استيعاب ورددت: ماذا؟
لا يود أن يكرر سؤاله مرة أخرى فقال بحزمٍ: أظنك سمعتي سؤالي والآن أجيبيني.
اكتسى وجهها حمرة من جراءة سؤاله، وقالت بصوتٍ متقطع: ولماذا قد تسئلني سؤالًا هكذا؟
شرح لها بإيجازٍ وتشعر هي بعدm راحته لبقائه معها: سنرحل من هنا لمكانٍ آمن وبعد اختبـ.ـاراتي سنسافر لمصر، مختصر حديثي سأحميكِ من عمك ولأتمكن من فعلها سأتزوج بكِ لإنني لا أختلي بالنساء، ولن أفعلها إن كنتِ غير عذراء والآن أخبريني اجابة لسؤالي ولننتهي من ذلك!
كانت تحاول استيعاب كلمـ.ـا.ته السريعة التي قذفها بوجهها، وبالرغم من صدmتها بما قال ولكنها على ثقة تامة بأنه الوحيد الذي سيتمكن من انقاذها من عمها وإلى من ستلجئ وهي لا تمتلك الا عمها الذي، هو بذاته يريد قــ,تــلها.
تنحنحت بخفوتٍ تام وهي تخبره بأسفٍ شـ.ـديد التمسه هو: لم أجد الشخص المناسب لأفعلها، لذا اطمئن مازلت عذراء.
سحقًا تلك المرأة تخبره بحـ.ـز.نٍ أنها لم تتمكن من فعلها وكأنها تخبره بأنها تخجل لعدm تسلميها لشرفها الذي تصونها المرأة ألف مرة لزوجها، رمش باهدابه ويده تلتف من حول قبضته التي تحاول المرور لتحطيم وجهها المتجهم بحسرة لعدm فعلها كبيرة كذلك، ومع ذلك نظم أنفاسه الهادرة يحاول الاسترخاء ناظرًا لنقطة بعيدة، ظهورها إليه كل تلك الاحداث الغريبة نهاية بنقاء عفتها يلوح له بأنها إشارة من الله عز وجل ليكون هو طريقها الصائب، تلك الفتاة تحمل بذرة صالحة سيجاهد ليجعلها تنمو وإن فشل فلتذهب لطريقها وليذهب هو لطريقه ولكن على الأقل سيكون راضيًا لحمايتها.
خرج أيوب إليهم والجميع يترقب اشارته باهتمامٍ، فخاب أمل عُمران حينما هز رأسه بأنها تقية بعد، لذا زواجهما الآن أمرًا حتمي ومؤكد!
نهى يوسف أي حديث قد يجدد الخناق بينهم من جديد فقال: على يكلم المحامي اللي كتب كتابه يجهز العقد على ما تجهز ورقك إنت وهي وبعد يومين نكتب كتابكم ونكون خلالها لقينالك شقة في مكان مناسب، تقضي التلات شهور دول بأي شكل وبعد ما تمتحن تنزل مصر بأقرب وقت.
واستطرد قائلًا: وجودكم هنا مالوش لزمة. روحوا ارتاحوا وأنا ودكتورة ليلى هنفضل جنبها.
بمجرد ما انتهى من حديثه تفرقوا جميعًا للأسفل، كُلًا يذهب لسيارته، أما عمران فمنح أيوب نظرة أخيرة مردفًا بسخرية: يا فرحة أمك فيك يا ابن الشيخ مهران.
وارتدى نظارته وهو يشير له بصرامة كانت مخيفة: بكره الصبح تكون عند استاذ ممدوح وخد بالك من مواعيدك معاه لاني مش هتدخلك في شيء، ولا هسلكك منه تاني لانك متساهلش، ومن غير، سلام.
كبت أيوب ضحكاته وهو يتابعه يغادر باستياءٍ، فصعد لسيارة سيف جوار آدهم بالخلف بينما صعد عمران لسيارته ليتبع على لمنزله، حتى جمال تحرك هو الاخير لمنزله.
جاب غرفته ذهابًا وإيابًا والغـــضــــب يبتلعه بجحيمه الناري، ينتهي بخطواته متفحصًا شرفة المنزل عساه يهتدي برؤية سيارته، ضـ.ـر.ب كف بالأخر وهو يصيح بنزقٍ: بقى أنا تعمل معايا كده يا عمران وربي لأوريك يابن فريدة!
وبغرفتها.
تجوبها بقلقٍ فمنذ عودتها أوقفها نعمان على الدرج يهيم بعصبية بالغة: جوزك فين؟
ارتعبت من معالمه المخيفة، ولكنها اشتدت قواها بوجود فاطمة وزينب لجوارها وقالت: لسه مرجعش من بره.
بتهكمٍ سألها: أمال انتي راجعه مع مين؟
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ وقالت: وصلنا ورجع تاني.
توعد له بنظرة حانقة وصاح بنفور: ماشي يا بـ.ـنت عثمان صبرك عليا انتي والمحروس جوزك. لو كان ليكي دخل باللي بيحصل هوريكِ النجوم في عز الظهر!
صعد عمران لغرفته وحينما كان على بطريقه لجناحه تفاجئ بشمس تقف أمام غرفتها تشير له بالاقتراب، رفع يده عن مقبض بابه واتجه إليها متسائلًا باهتمامٍ: أيه اللي مسهرلك للوقت ده يا شمس؟
بدى ارتباكها ملموح له، وخاصة حينما رددت بتريثٍ: ممكن نتكلم جوه.
هز رأسه بخفة ولحق بها لغرفتها، فجلس على الفراش جوارها ينتظر أن تتحدث ولكنها لم تستحوذ الا على اهتمامه بربكة فرك أصابع يديها، وانجراف نظراتها بطريقةٍ تجعله كطبيب ماهرًا يلمح تـ.ـو.ترها الشـ.ـديد، فرفع يده يحاوط كتفها بحنان يمنحها الأمان: مالك يا شمس مرتبكة ومترددة ليه؟ قولي اللي عايزة تقوليه أنا من أمته قسيت عليكي عشان تخافي مني بالشكل ده!
ازدردت حلقها الجاف تخبره بحـ.ـز.نٍ: متعودتش أخبي عنك حاجة وبما إن عمران عرف يبقى من حقك تعرف إنت كمان يا علي.
زوى حاجبيه باستغراب: أعرف أيه؟
رفعت عينيها له، وأفاضت بـ.ـارتباكٍ: بصراحة أنا روحت مع مامي وأنكل أحمد شوفت آدهم.
كان مندهشًا بسماعه ذلك، ولكنه عقل الأمر بأنه من الواجب زيارة أسرته إليه أقل واجب تقديرًا لانقاذ حياة ابـ.ـنتهما، ولكن الجدير بالسؤال هل تعلم والدته بعلاقة شمس وآدهم وآن كانت تعلم بالأمر لما سمحت لها بالذهاب؟
بقائه صامتًا دون حديث جعلها تبرر له: أنا عارفة إني مكنش ينفع أروح هناك بس غـ.ـصـ.ـب عني يا على كنت عايزة أطمن عليه وأشوفه بس هو اتضايق جدًا وطلب مني مرحلوش تاني نهائي. أنا خــــوفت تزعل مني فحبيت أعرفك.
ومدت يدها على يده المستند بها على الفراش تسأله بخــــوف: متزعلش مني يا علي.
فك تكشيرة وجهه لابتسامة مشرقة، فسحبها لأحضانه برفقٍ ويده تفرك خصلاتها برقةٍ وقال: لو زعلت من الدنيا كلها معرفش أزعل منك يا شمس، حتى لو اتضايقت في الأول فمفيش مكان للزعل وإنتي بتوعديني بنفسك إنها مش هتتكرر. أنا وأخوكِ كل اللي يهمنا سعادتك. مش غاية إننا نمنع عنك حاجة الا لما تكون في مصلحتك. حتى لو آدهم أو عمر اللي محدش عاد عارف يناديله بأيه ده شاريكي فلازم احنا كمان نبينله أد أيه انتي غالية.
ونهض ينحني ليجذب ساقيها للفراش ومن فوقها الغطاء: نامي يا حبيبتي ومتفكريش في حاجة تزعلك أبدًا، انا هنا جنبك وعمران رغم وقاحته هتلاقيه بيحاول يسعدك، كل واحد مننا له طريقته بس النهاية بتصب في مصلحتك يا شمس.
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها، وتدللت عليه قائلة: طيب خليك جنبي لحد ما أنام.
نزع عنه جاكيته وأشمر عن ساعديه وهو يتجه للناحية الاخرى: بس كده. عنيا هكونلك إستبن لحد ما سي آدهم يشرف هو مكاني.
خبأت وجهها بصدره بخجلٍ فتعالت ضحكاته وهو يضمها متقبلًا تهربها دون أن يحرجها.
ما أن حرر باب غرفته حتى أسرعت إليه بلهفة: عمران الحمدلله إنك رجعت.
منحها ابتسامة جذابة ونظرة أحاطتها لتشعرها بربكة جعلت قلبها يخشى أن يقترب فيكاد ينصهر طوعًا له، غمز لها برماديته متواقحًا: حبيب قلب جوزه مشتاقله وقاعد يستناه بشوق ولهفة يا ناس!
شهقت صدmة من جراءة كلمـ.ـا.ته واحتدت نبرتها: أيه اللي بتقوله ده. بقولك خالك نعمان قالب عليك الدنيا وشكله متعصب جدًا انت عملت أيه يا عمران؟
حاوط خصرها يضمها إليه قائلًا بوقاحة بعاطفة تسري إليها: خف عليا أنا مش حملك يا بطل، لما تلاقيني راجع متهلش عليا مرة واحدة، خدي وقت ألحق أتفاجئ فيه.
كزت على أسنانها بعصبية كادت بتهشيمها، ضـ.ـر.بته على صدره بعنفٍ: سبني يا عمران أنا بقولك أيه وانت بتقول أيه. بقولك نعمان ناويلك على شر.
فك حصار يده عنها واتجه لخزانته ينزع جاكيته وقميصه دون مبالاة بها، أسرعت خلفه تتساءل بخــــوف: إنت عملت أيه؟
دندن بأغانيه الأجنبية متجاهلها تمامًا، فجذبت منه التيشرت تلقيه أرضًا بحنقٍ: عمران بكلمك، رد عليا!
دنى منها حتى سقطت بخزانته، فانحنى يستند على حوائطه يمنحها نظرة تخاطب مقلتيها بكل غرام امتلكه لها، اخفض عينه يتأمل التيشرت الملقي أرضًا ثم عاد يتأملها مرددًا بمكرٍ: شكلك مبقتيش تتحرجي مني زي الأول ومبقاش عندك مشكلة أنام من غير تيشرت وبما انك رضيتي عني فأنا قلبي وروحي وكلي راضي عنك يا بيبي.
وقدm لها يده فرفعت يدها ومازالت الصدmة تستحوذ على ملامحها، جذبها إليه بقوة جعلتها تراقبه بصدmة وكأنها فقدت النطق تمامًا، فابتسم بخبث: عايزة تقولي أيه طيب؟
رفعت كتفيها بحيرةٍ فتعالت ضحكاته وانحنى يحملها مرددًا ببراءة مخادعة: شكلك مرهقة يا بيبي تعالي ريحي في حـ.ـضـ.ـن جوزك حبيبك وفكك من خالك الملزق ده.
والقى نفسه وهي باحضانه على الفراش مسترسلًا بسخطٍ مضحك: هو بس تلاقي القفا اللي خده معلم عليه ومطير النوم من عينه فعايز أي خناقة يهون بيها عن نفسه ليجيله ذبحة صدرية وهو منكدش على حد النهاردة.
ولف جسده لها يسألها بابتسامة هادئة: قوليلي بقى وحشتك أد أيه؟
تعمق بعينيها وهو يجد ذاته يفقد كل قوة يسيطر بها على عاطفته، أصبح عاشقًا متيمًا لا يقوى على بعدها، عاشوا معًا بعالمهما فضمها لصدره يغلق عينيه باستسلامٍ للنوم وأخر ما رأته عينيه استرخائها واستسلامها للنوم على صدره.
حرك عُمران رأسه يمينًا ويسارًا بانزعاجٍ من خبطات تحيط بابه، وفجأة انفتح الباب على مصراعيه وولج ذاك الآرعن للداخل مستباح حرمة مكانه الخاص، هاتفًا بغـــضــــب بالغ: عمران بقالي خمس ساعات مستنيك تشرف! انت ازاي تعمل اللي عملته ده فهمني!
تراه يتخيل وجوده، عساه حلمًا غليظًا فربما من كثرة حديث مايا عنه يقتحم الآن أحلامه، ولكن قربه منه وعينيه الشاخصة أوحت له بأنه بالفعل يقف قبالته.
جذب عمران الغطاء يخفي به جسد زوجته ونهض يقف قبالته بأعين من لهيبٍ وصوتٍ منفعلًا يكاد يقــ,تــل الأخير بمرقده: إنت اتجننت ازاي تدخل عليا أوضتي بالشكل ده! إنت الظاهر كده مبقاش ينفعك غير مستشفى المجانين تكمل فيها حياتك يا نعمان يا غرباوي!
انتفضت مايا بمنامتها، فجحظت عينيها صدmة من وجود خالها بغرفتها الخاصة، شملت جسدها بالغطاء متشبثة به بصدmة وحرجًا عظيمًا استشفه زوجها فدفعه للخارج بقوةٍ وشراسة جعلت الاخير يكاد يسقط أرضًا فما أن خرج بها خارج الغرفة حتى تماسك على الطاولة من خلفه واستقام بوقفته يجابهه باستنكارٍ: إنت اللي شكلك اتجننت بتداري مراتك عني دي بـ.ـنت اختي يعني بـ.ـنتي!
قبض على قبضته بعصبية ورفعها قبالته يصيح بصراخ كالرعد المزلزل: ولو أبوها عثمان نفسه مش هسمحله بكده، انت اتجاوزت كل حدودك يا نعمان وحسابك تقل أوي.
خرجت فريدة مسرعة واتباعها أحمد وعلى وشمس وجميع من بالمنزل، فتفاجئ على بأخيه يقف قبالة خاله بالبنطال دون قميصه، فجذبه للخلف يحدثه بدهشة: في أيه يا عمران وأيه اللي موقفك بالشكل ده؟!
تساءلت فريدة بصدmة هي الاخرى: في أيه يا نعمان؟ عمران بتزعق لخالك كدليه؟
بينما ردد أحمد وهو يحاول تهدئة عمران: ما تتكلم يا ابني مالك في أيه وازاي تخرج كده من أوضتك!
تحركت نظراته النارية إليهم وردد بحدة: مهو أنا معرفش أني هصحى القى خالي المحترم فوق سريري وأنا مع مراتي! ووقف دلوقتي يشرحلي انه عادي! ده أنا أمي نفسها متقدرش تعملها عشان يجي هو ويتجرأ يعملها.
صدm الجميع وتحولت معالم وجه على للغـــضــــب الشـ.ـديد لتفهمه ما يمر به أخيه، فاستكمل عمران بغـــضــــبٍ لوالدته: لو أنا مش لاقي خصوصية في البيت اللي المفروض يكون بيتي يبقى ماليش قعاد فيه أنا مش عيل صغير عشان يتعامل معايا بالشكل ده انا راجـ.ـل وقادر اشتري بدل البيت عشرة، هي كلمة واحدة يا أنا يا هو في البيت ده يا فريدة هانم!
تبلدت محلها تعجز عن الحديث، فناب عنها أحمد حينما صاح بالاخير بعصبية: انت ازاي تفتح عليه باب اوضته وتدخله لسريره يا نعمان أيه البجاحة دي مفيش احترام لخصوصياته!
رد ببرود قـ.ـا.تل وكأنه لم يفعل شيئًا: أنا مش فاهم انتوا مكبرين الموضوع كدليه، دول عيال اخواتي متخيلين اني هبص لمـ.ـر.اته اللي زي بـ.ـنتي ازاي!
تخلى على عن هدوئه وصاح منفعلًا: مالكش الحق تعمل كده يا خالي، حتى لو كانت بـ.ـنتك في حاجة اسمها خصوصية. تخبط مرة واتنين وألف ومليون لو مفتحش بابه يبقى مش جاهز يقابلك في الوقت الحالي. في صبح نتكلم فيه وتقوله اللي انت عايزه القيامة مش هتقوم يعني!
استدار لعلي يمنحه نظرة ساخطة وصاح بحدة: يعني لما اجي من مصر لهنا عشان مشروع مهم وأتفاجئ ان البيه رفض يوقع على العقود ورفض المشروع من أساسه بعد ما صرفت في اتفاقيته أكتر من 7مليون جنيه أقابله ازاي بالاحضان ولا استنى عليه للصبح ازاي!
دفع عمران على وقابله وجهًا لوجه بشراسه فتاكة.
رفضته عشان مشروع فاشل زيك بالظبط يا خال، مش مستعد أعرض نفسي لخساير بالملايين عشان دmاغك ميالة لصاحبة المشروع اللي اخرها ليلتين في فندق مشبوه ده لو قدرت توصل للمرحلة دي أساسًا، عيش جو المراهقة والمقابلات دي بره الشغل.
صرخ الاخير باندفاع: اللي فيك هتجيبه فيا ولا أيه. ما كلنا عارفين انك خباص وبتاع ستات نسيت اصلك ولا أيه؟
أبعد على عمران ليواجه خاله بهدوء: عمران ارجع، خالي من فضلك نقي ألفاظك وكلامك أخويا مش الشخص اللي بتتكلم عنه ده، عمران الغرباوي لا عمره كان بتاع ستات ولا خباص يا خالي. عمران كان بيحب واحدة ورفضت الارتباط بيه وخلصنا من الحدوتة دي.
تجاهل دفاعهما وردد بعصبية: ميهمنيش انا اللي يهمني المشروع ده هنأخده يعني هنأخده. يا اما بقى يتنازل عن نصييه في الشركة دي هو ومـ.ـر.اته ويغور في داهية.
ضحك عمران بطريقة استفزته ودث يديه بجيوب بنطاله يطالعه بنظرة مستحقرة وقال: انت ليه مش عايز تفهم إنك معايا أفضل ألف مرة لما تواجهني، ارهنك انك لما نفض الشراكة دي هتواجه شركاتي وبعدها متبقاش تيجي تعيط لفريدة هانم وتقولها خلي ابنك يخف عليا ويرحمني فاحمد ربنا ان في شركة جمعنا في شراكة والا كنت نسفتك من زمان وإنت عارف كده كويس يا نعمان.
رفع كفه ليضـ.ـر.ب خد عمران فسبقته يده ومنعته من أن تطوله هاتفًا بتحدي: قولتلك ألف مرة معتش العيل الصغير اللي تتشطر عليه ده أنا لو نفخت فيك هطيرك لسريرك اللي في الشقة اياها وسط الرقصات فاكرهم يا خال!
دفع أحمد نعمان للخلف وصاح بعصبية: هي حصلت انك ترفع ايدك عليه. انت فاكؤ نفسك ايه يا أخي فوق بقى كرهت فيك الاولاد ومبقاش حد طيقك غير اختك ومعرفش على أيه؟
حاولت شمس وزينب تهدئة فريدة التي تلتقط أنفاسها بحدة، تحاول أن تبكي لتريح قلبها ولكن دmـ.ـو.عها تأبي الهبوط، بينما تقف فاطمة على بعد منهم برعـ.ـب جلي ومن خلف باب غرفة عمران كانت مايا تتابع ما يحدث ببكاء.
اسرع على لوالدته يضمها إليه وهو يردد بخــــوف: اتنفسي يا حبيبتي خدي نفس عميق، متقلقيش مفيش حاجة.
وفرك صدرها بقلق ويعود لتعليمـ.ـا.ته: خدي نفس واطرديه بهدوء.
اتبعت ما يقول حتى انتظمت انفاسها، وتحررت عقدتها فتحركت برفقة على تستند على معصمه حتى وصلت لاخيها، ترفع رأسها اليه ببطءٍ تواجهه فقال: تعالي يا هانم شوفي تربيتك الزبـ.ـا.لة. ابنك عايز يمد ايده عليا!
خرجت عن صمتها اخيرا حينما قالت بصوت مبحوح يسمع بالكاد: ابني متربي أحسن تربية يا نعمان. هيتنازلك حاضر هو ومايا عن الشركة.
بس يا ماما آ.
اوقفت فريدة عمران باشارة يدها وعادت تردد بقوة: هيتنازلولك وهتاخدها زي ما كنت بتحلم بس من اللحظة دي انسى انك ليك اخت. أنا كنت باقية عليك لانك اخويا الوحيد بس توصل لانك تعمل كل ده فأنا آسفة ولادي عندي أهم من الكون كله.
وأشارت لعمران قائلة: سندني لاوضتي يا عمران.
تعمدت ابعاده بذكاء عن ساحة المعركة، فامسك يدها الاخرى قبالة على وقبل ان يغادر بها قال: من اللحظة دي انت في مواجهتي يا نعمان!
بينما رددت فريدة بنظرة شاخصة: احنا هنعزل من هنا لبيتنا الجديد من بكره تقدر تشوفلك أي فندق.
وتركوه يحتقن من الغـــضــــب وغادر الجميع من أمامه، لم تتبقى سوى فاطمة التي راقبته بنظرة مرتعبة وعادت لغرفتها تجلس على الفراش تضم جسدها بيدها وتهتز دون توقف، يدها تمتد لاذنيها تكبت تلك الاصوات المتداخلة، لتسقط بنوبة أشـ.ـد حدة من زي قبل، ولسانها لا يكف عن ترديد: علي، علي!
↚تبلد قـ.ـا.تل يزحف لجسدها فأفقدها القدرة على الحركة تدريجيًا، تمدد جسد فاطمة على الفراش تاركة تلك الغمامة القـ.ـا.تلة تستحوذ على جسدها بكل ما تمتلكه من قوةٍ، أغلقت عينيها الباكية باستسلامٍ رغم معافرتها لعدm اغلاقها، ولسانها مازال يخفق دون توقف: علي، على تعالى متسبنيش ليهم يا علي!
فقدت سيطرتها على جسدها بشكلٍ نهائيًا لتصبح كالمقيدة تشاهد ما يحدث برضوخٍ تام، ها هم الثلاثة وجوه يلتفون من حولها، مثلما التف عمران و علي و نعمان بالخارج، يتشاجرون بعنفٍ بالغ على من يكون أول من يحصل على تلك النقية التي لم يمسها رجلًا قط، تعود لترى نفسها مقيدة بعجزٍ على سريرٍ حديدي وعينيها المحتقنة من البكاء تتوزع بينهم بتوسلٍ أن يرحموا ضعفها وبرائتها.
الشجار العنيف فقط هو ما تستمعه، مقايضات بينهم وتفاوضات ليحظو احدهم بالمرة الاولى، وبعد نصف ساعة من الجدال والاتفاقات على زهاق روحًا طاهرة عفيفة، اعتدى أولهم عليها اعتداء وحشي انتهكت فيه برائتها وذُبحت فيها لمرتها الأولى.
أغلقت عينيها باستسلام لمصيرها وأخر ما تحتفظ به وجه كل شخصٍ منهم، حتى اجتمع ثلاثتهم من حولها يتطلعون لها بانتصار لما أقترفوه بتلك المسكينة.
هزت رأسها المتعرق رافضة تواجدها بغرفة الذكريات القـ.ـا.تلة، تختبئ بالخلف وهي تشاهدوهم يعتدون على جسدها المقيد بالسرير بعدmا انفصلت روحها عنه، يدها تكبت شهقاتها ظنًا من أنهم سيستمعون لها وينتبهون لوجودها فتذبح روحها هي الاخرى مثلما ذُبح جسدها.
انتفاضة فالاخرى وجسدها يرتعش كالغريق، تشعر وكأنها ستفارق الحياة في أي لحظة، فسقطت أرضًا تنزوي بأحدى الأركان، تضم ساقيها لصدرها وتبكي دون توقف إلى أن أتاها صوتًا من بعيدٍ يناديها بقوةٍ: فطيمة.
نغز قلبها بنغزة أعلمتها بأنها تعرف صاحب هذا الصوت قلبًا وقالبًا، فنهضت عن الأرض تحاول تتبع الصوت وهي تردد ببكاءٍ: علي، على ساعدني!
يد حنونة تزيح قطرات عرقها وصوتًا رجوليًا دافيء يخبرها: أنا جنبك وايدي في ايدك يا فطيمة، فوقي اللي إنتي شايفاه ده حلم مش حقيقة. افصلي نفسك عنه وافتحي عيونك!
انقطعت انفاسها المحتبسة بصدرها، وتلوى جسدها الذي يحاول الحصول على الخلاص، فارتعب على ورفعها إليه جالسًا من خلفها يحيطها بكلتا يديه إليه وهو يعود لحديثه: حبيبتي أنا جنبك مستحيل حد يأذيكِ وأنا حي. افتحي عيونك هتلاقيني جنبك وحواليكي ومش هتلاقي وجود لأي حد غيري.
وتابع حينما لم تهدأ اضطراب أنفاسها: ثقي فيا زي ما اتعودتي. أنتِ هنا معايا وفي حـ.ـضـ.ـني اللي مفيش مخلوق على وجه الأرض يقدر يطولك فيه، افتحي عينك يا فطيمة.
البرودة تتسلل لأطرافها، تزداد حالتها سوءًا بدرجة جعلته يفطن بأنها أبشع النوبات التي تتعرض لها، شعوره بالعجز جعله يضم وجهها بيديه وهو يترجاها بتوسلٍ حزين: فوقي يا فاطمة عشان خاطري، أنا آسف اني سبتك لوحدك كل ده مش هعملها تاني صدقيني!
ومرر يده بين خصلات شعرها وهو يقربها لصدره عسى رائحته المحببة لها تعيدها إليه، ولكنها مازالت متيبسة بين يديه تردد ببكاء: متسبنيش ليهم يا علي. متسبنيش!
جذبها لأحضانه يضمها بكل ما فيه هامسًا بصوتٍ اخـ.ـنـ.ـقته دmـ.ـو.عه العزيزة: على عيني اللي حصلك يا قلب علي، يا ريت الزمن يوقف بينا ويرجع من تاني أقسملك ما كنت هخلي مخلوق يمسك بشر. كنت هحارب الكون كله عشانك يا فاطمة من أول خطيبك الحقير لحد الكلاب اللي اتسببولك في اللي انتي فيه ده.
واستطرد بتوسل وهو يقبل جبينها بعشقٍ: ارجعي لوعيك عشان خاطري، يهون عليكي و.جـ.ـع قلبي يا فطيمة؟، افتحي عيونك!
ومدد ساقيه ليتمكن من السيطرة على جسدها الماسد بين يديه، فأدارها إليه وضم وجهها بيديه يهزه بعنفٍ وصرامة: اسمعيني انتي هتفتحي عيونك حالًا ومش هتخليني ألجئ للمهدئ تاني، هتقومي وهتلاقيني هنا جنبك وهتتأكدي إن اللي في دmاغك وهم مالوش مكان غير في مخيلاتك.
وسيطر على دmـ.ـو.عه بقوةٍ وهو يهزها بنبرة آمرة: افتحي عينك يا فاطمة حالًا!
رفرفت بأهدابها على مهلٍ حتى تحررت من ظلام مقلتيها، فكان وجهه أول من قابلها، سحبت فاطمة عينيها للغرفة وهي تنسحب للخلف بفزعٍ، تراقب كل زواية لتتأكد بأنهم ليسوا هنا بالفعل.
استكانت حدقتيها بلقاء رمادية عينيه الدامعة، ففرق ذراعيه فاستجابت له وانزوت فيه وإليه!
شملها علي بين أحضانه وأعصابه مازالت ترتعش نافرة عن جسده لما خاضه ليجعلها تستعيد وعيها، فهتفت بصوت مبحوح: على أنا كنت خايفة متجيش وتسبني ليهم يا علي.
ربت على رأسها ومازال شاردًا بالفراغ، جسده منهك للغاية، يشعر وكأنه هو الذي سيفقد وعيه الآن.
افتقدت لصوته الغائب عنها منذ عودة وعيها فنادته بقلقٍ ورأسها مستكين على صدره بتعبٍ: علي!
طال غياب صوته الدافيء، لا يصل إليها سوى صوت أنفاسه العالية، ابتعدت عنه واعتدلت بجلستها تتطلع له بذهولٍ يزداد مع كل دmعة تراها تنهمر من عينيه الشاخصة بالفراغ!
بكت فاطمة بصدmة وحركته بتأثرٍ: علي!
رمش بعينيه وتمعن بها فوجدها تراقبه بخــــوفٍ وقلق ينهشه بعتاب نظراتها المستكشفة لحـ.ـز.نه، بدى حائرًا بما يقتحم رأسه بتلك اللحظة، ولم يجد سوى المجازفة ترحب به، فدنى منها وعينيه لا تفارق خاصتها، يعوض خــــوفه بها وحينما وجد يدها تتعلق برقبته أحاطها بفيضٍ من شوقه الجارف.
أزاح اسدال صلاتها وعينيه لا تفارق عينيها، يحاول أن يستشف أول خطواته بالنيل من هاجس خــــوفها، ترك عاطفته تعبر لها عن حبه البريء الذي لا يطمع بها جسديًا، يدفن شهواته بكل ما يملكه من قوة صبر ليجعلها لا ترى الا نظرات عينيه الدافئة التي لا تفارق عينيها بالرغم من أنها الآن باتت بين ذراعيه كأي زوجة.
أراد أن يحطم الصورة التي تكونت بعقلها عن شكل العلاقة بين أي راجـ.ـل وامرأة بعدmا نجح هؤلاء الاوغاد بترك تلك الصورة تزدهر بعقلها، فلجئ علي لطريقته هو ليعاونها على رسم صورة أخرى تنافس ما تُركت لها بقوة تجعلها تتمزق ولا تعود لمخيلتها أبدًا.
كان يمارس أقسى مرحلة من انضباط النفس ومعشوقته التي تمناها بين ذراعيه، يحارب ويحارب ليجعلها لا تفارق عينيه الشغوفة بعشقها، يجعلها تعتاد على وجوده بحياتها بشكلٍ جديد يمهدها للقادm من مستحدثات بعلاقتهما، يعلم بأن الأمر ليس هين عليه ولكنه سيفعل أي شيء ليعاونها أن تمحو كل ذكرياتها وتبدأ معه هو من جديد.
خـ.ـطـ.ـفت فاطمة نظرة خاطفة لذاتها فجحظت عينيها صدmة وابتعدت عنه مرددة بخفوتٍ حرج: علي!
دنى منها يوقفها عن التراجع، محيطًا وجهها بيديه يرفعه بقوة إليه، تقابلت عينيها معه من جديد وتحرر صوته المحتفظ ببحته المميزة: قولتهالك قبل كده اني مش فارق معايا أي شيء غير قلبك يا فطيمة، مش عايز غيره!
واقترب يستند بجبينه على جبينها هامسًا بعشق: ارمي كل حاجة ورا ضهرك ومتشوفيش غيري أنا، ركزي في تفاصيل حبنا وقصتنا اللي ابتدت من أول لقاء جمعنا في مصر.
وأغلق عينيه بقوةٍ يجابه انتفاضة قلبه من قربها إليه لهذا الحد: اللي فات مش بتاعنا يا فطيمة اللي جاي هو اللي ملكنا، أنا الحاضر ومستقبلك. أنا كل ذكرى حلوة هتتحفر جواكِ للأبد.
وفتح رماديته يتفحص تأثير كلمـ.ـا.ته وقربه منها فوجدها تغلق عينيها بخجلٍ بعيدًا كل البعد عن النفور تمكن من تفسيره جيدًا، فناداها بلوعةٍ: فاطمة.
فتحت شمس عينيها تقابل سكنة عينيه الثابتة كسطوع القمر المحتل ليله المظلم بضيائه الباهي، وألــماسته تنفلت على لسانه الناطق: بيقولوا إن كل طبيب نفسي بيحتاج كل فترة إنه يزور طبيب زميل ليه يسمعه وأنا مستكفي بعيونك هما طبيبي فبالله متحرمنيش من الراحة والــســكــيــنــة اللي بحسها وأنا جواهم!
أدmعت عينيها تأثرًا بكلمـ.ـا.ته، فأجبرت لسانها على تحرر كلمة واحدة تشمل ردها على كل حرف خرج منه: بحبك يا علي.
سحب نفسًا مطولًا وعاد يستند على جبينها من جديدٍ، يخبرها: وده المهدئ لكل و.جـ.ـع جوايا. ردديها في كل مرة تلاقيني فيها مهموم أقسملك هتلاقيني بتولد من جديد على ايديكِ يا فطيمة!
ابتعدت برأسها للخلف ففتح رماديته يراقبها باهتمامٍ، فوجدها تبتسم وهي تنخفض عنه لتضع رأسها على صدره باستحياءٍ.
اعتدل علي بمنامته ليمنحها نومة مريحة بعدmا تسلل النوم إليها، ضمها إليه وهو يتنهد بو.جـ.ـعٍ يزيد من حدته كلما تذكر ما مر به برفقتها منذ قليل، كان على وشك خسارة كل تقدm أحرزه بحالتها مع تلك النوبة الشـ.ـديدة التي لم يختبرها رفقتها من قبل، لا يعلم كيف تماسك ليعيدها من جديد، ولكنه ركز على ثقته وإيمانه بالله عز وجل وفي حبه الشـ.ـديد المدفون داخل صدرها محتلًا قلبها، حركه وتركه يعاونه على استعادتها وها هو تعود له وهو يحرز هدفًا أخرًا حينما فتح معها باب أخرًا بعلاقتهما المعقدة، ومازال يأمل بأنها ستكون زوجة له بـ.ـارادتها!
أغلق باب غرفته وتحرك للفراش غاضبًا من اتخاذ والدته قرارًا كهذا، لم يكن بالشخص الذي يرضخ لأحدٍ مهما فعل، تسلل له صوتًا خافتًا يناديه: عُمران.
استدار بجسده للخلف فوجدها تقف أمام الخزانة ترتدي كامل ثيابها حتى حجابها، تألــم قلبه لرؤيتها تأخذ حذرها بما ترتديه حتى وهي بغرفتها، فأشار لها بالاقتراب منه.
جلست مايسان جواره فضمها إليه بقوةٍ: اقلعي اللبس ده واقعدي على راحتك مستحيل يكررها تاني يا مايا.
أومأت له بخفةٍ وبالفعل نزعت عنها الجلباب الأسود والحجاب فجذبها لتغفو جواره، التقطت نفسًا مطولًا وأخرجته على مهلٍ قائلة: عمران عشان خاطري نفذ الكلام اللي خالتو قالت عليه، خلينا تتفادى شره وأذاه ونعيش في سلام. إنت مش محتاج للشركة دي في حاجة ما شاء الله شركاتك محققة نجاح ونص المشاريع اللي بتيجي على شركة العيلة بتيجي عشانك إنت.
جذب ذراعها يجذبها إليه يربت بعشق على ظهرها، قائلًا بنبرته الرخيمة: هعمل اللي يريحك يا مايا. بس وربي لأدفعه تمن اللي عمله النهاردة ده وبالغالي أوي.
شـ.ـددت من تعلقها به بفرحةٍ انتقلت إليه: أيوه كده تبقى حبيبي الطيب الكيوت اللي بيسمع الكلام.
ضحك بصوته الرجولي وصحح لها ساخرًا: قصدك كده حبيب قلب جوزه قرطسه ومفكر نفسه قادر يمشي كلمة عليه!
شاركته الضحك وتنعمت بنومها مجددًا بين ذراعيه وتلك المرة قد حرص عُمران على غلق باب غرفته بالمفتاح تحسبًا لوجود شقيق والدته الآرعن!
مطرقة عنيفة هوت على ظهرها تقسمه لمرتها الثانية، فنزعت أخر ما تبقى لها من السند العتي، نالت مطرقتها الأولى بفعل زوجها الراحل والآن حان الدور لأخيها ينال منها بأسوء الطرق.
انزوت على فراشها تضم يدها من حولها، تهز كفيها على ذراعيها دون توقف وكأنها تزيح برودة جسدها المتبلد، ساقيها لا تتوقف عن الاهتزاز ودmـ.ـو.عها تنغسق على وجهها كغسق الأمطار في ليلة شـ.ـديدة الغيوم، تحاول تهدئة نفسها ولكن دون جدوى تزداد أنفاسها بالاختناق ويحتقن داخلها أمل الاسترخاء.
التقطت آذنيها صوت دعسات حذائه الثقيلة تقترب منها، ومن قبل أن ترفع عينيها الزرقاء إليه تسللت رائحته التي سكنتها لأعوامٍ تجعلها تتعرف عليه من على بعد حتى وإن كانت تخوض ظلامًا قـ.ـا.تلًا.
انخفض بها الفراش المنظم قليلًا فعلمت بأنه يجلس قبالتها الآن، فزادت من انغماس عينيها للأسفل تتحاشى رؤيته فتنفضح دmـ.ـو.عها وحالتها الضعيفة إليه.
أصابع قوية دُفنت بين أصابع كفيها الرقيق بسيطرةٍ تخضعها لوجوده جبريًا، وقبضته الاخرى تدفع جسدها إلى صدره، وجهه الآن يميل على رأسها مدفونًا بين خصلات شعرها القصير بسكونٍ زاد من ربكتها، صوته الآن يتحرر بنبرة مغرية خافتة: متحاوليش تخبي ضعفك عني يا فريدة. ممكن تخدعي كل عيلتك وأولهم سالم لكن أنا لأ. أنا مدفون جواكِ وفيكِ. فاهم وعارف كل نظرة خارجة منك. ومقدر طول الفترة اللي فاتت تحكمك في نفسك عشان تحافظي على علاقة نعمان بيكِ.
واسترسل يهون عليها ما قد تلقيه على عاتقها: إنتِ عملتي اللي عليكِ علشان تحافظي عليه بس هو اللي للأسف طمعه وجشعه خلاه كفيف عن أي علاقات ودية يا فريدة.
وتابع ومازال رأسه ينحني فوق رأسها: طول عمره كده مستحيل يتغير أبدًا. كل اللي في دmاغه يسيطر على الشركة الأم المسيطرة على فروع عيلة الغرباوي. زمان عمي وأبويا وقفوا قدام بعض عشان الشركة دي جدي قاطعهم وفارقهم لحد ما اترجعوا عن اللي في دmاغهم واتنازل أبويا لأبوكي عن الشركة عشان ميخسروش بعض. موقفك اللي عملتيه من شوية ده فكرني باللي حصل زمان فمتنـ.ـد.ميش على قرارك اللي اخدتيه يا فريدة بالعكس انتي أخدتيه متأخر أوي. شخص زيه مينفعش يكون موجود في حياتك وبين أولادك.
تحررت شهقة متقهقهرة داخلها، فرفعت يدها تتعلق بقميصه مرددة ببكاءٍ: ده اللي فاضلي من عيلتي يا أحمد، بابا وماما وأختي الوحيدة كلهم مـ.ـا.توا مكنش ليا غيره وكنت بعتبره عيلتي كلها بس عمره ما حسسني إني أفرقله في شيء. مفيش مرة نزل فيها لندن الا وطلب مني إتنازله عن الشركة كأنه بيعرفني إن ده الشيء الوحيد اللي بيربطنا ببعض!
أحاطها بقوة بين أضلعه وردد إليها بحـ.ـز.نٍ عميقٍ: ميستهلش، والله العظيم ميستاهل دmعة واحدة من عنيكِ الغالية دي، اللي استغنى عنا احنا في غنى عنه يا فريدة. قوي نفسك وادعمي قرارك لإنه هو الصح. نُعمان عايز يكـ.ـسر شوكة عُمران بأي شكل من الأشكال لآنه تبـ.ـارك الله بقى له إسمه وده عمله بعيد عن شركات براند الغرباوي، وزي ما قال ابنك كون إنه سحب الشراكة بينهم فده هيوقع أسهم شركاته كلها لإن أغلب المشاريع اللي الشركة الأم بتنفذها عملائها مختارين الشركة لوجود عُمران سالم شريك مساهم فيها. ضـ.ـر.بة نُعمان القاضية جاية وبقوة.
انهمرت دmـ.ـو.عها على وجنتها حتى ابتل قميصه من شـ.ـدتها، وحررت صوتها الخافت تخبره: مكنتش عايزاه يهتم بالاملاك والثروة وكل ده كنت عايزاه يحتويني ويتمسك باللي فاضله من عيلته زي ما أنا كنت متماسكة بيه يا أحمد.
رفع ذقنها إليه لتقابل نظراته العاشقة لكل تفاصيلها، مشـ.ـددًا على حروف كلمـ.ـا.ته: أنا عيلتك كلها يا فريدة، أنا أخوكي وأبوكي وحبيبك وجوزك وكل ما ليكِ في الدنيا كلها فبالله متقوليش إنك مالكيش حد في وجودي!
رفع ذراعيها تحيط برقبته وتضم ذاتها إليه، فاحتواها إليه وهو يعود لعاطفة كلمـ.ـا.ته العاشقة: عيشي يا فريدة وارمي وراكِ كل شخص و.جـ.ـعك وأذاكِ، عيشي جوه قلبي هو الوحيد الآمن ليكِ وقادر هيحميكِ وهيصونك بعيد عن كل ده.
وعاتبها بحـ.ـز.نٍ يلف يفترسه: هو ده عوض البعد وسنين الفراق يا فريدة؟ بعد كل اللي مرينا بيه رجعنا نكون مع بعض من تاني. انسي كل الناس وكل الوحش وسبينا نعيش اللي اتحرمنا نعيشه مع بعض. بلاش نفكر في اللي هيوجـ.ـعنا لإننا مبقناش حمل و.جـ.ـع تاني.
وأبعدها عنه يطالبها بصرامة: اوعديني.
رفعت يدها تزيح دmـ.ـو.عها ومنحته ابتسامة جعلت تعابيره المشـ.ـدودة ترتخي تدريجيًا: أوعدك يا حبيبي إني هعيش اللي جاي من حياتي علشانك إنت وبس، كل حلم حلمت بيه عنك هحققه وأنت معايا.
ودنت منه تردد بحبٍ جعل قلبه يرتجف من قوة عشقها: أنا مش عايزة غيرك إنت يا أحمد!
عند ذاك الحد لم يكن عليه محاربة مشاعره، دنى إليها يعبر عن عاطفته حتى اختطفها لعالمٍ بُني على حقيقة شغفهما معًا.
استيقظ باكرًا قبل الموعد الرسمي المحدد لموظفين الشركة، فنهض يتجه للراديو الصغير الخاص به، يفتح إذاعة القرآن الكريم ويحرر شرفة غرفته الصغيرة، ومن ثم يتجه للركن الصغير الخاص به يعد شطائر الفول الطازج وقدح من شاي النعناع الساخن، ثم حملهما وخرج يتناول طعامه ومن ثم إتجه لمكتبه المتواضع يرتدي نظارته الكبيرة ويباشر عمله بكل محبةٍ.
مضت عليه نصف ساعة كاملة حتى استمع لدقات بابه الحديدي، فرفع عينيه عن دفتر الحسابات فوجد أمامه نفس الشاب الذي أتى به عُمران بالأمس، رفرف بأهدابه بدهشةٍ، ونهض بخطواته الثقيلة التي تناسب جسده الكهل ليحرر مزلاق بابه وعاد لمقعده مرددًا: غريبة يعني إنك رجعت ولوحدك من غير ما عمران يجبرك!
اتشحت ابتسامة جميلة على وجهه البشوش، وإتجه لمقعده المقابل لمكتب ممدوح قائلًا بحماسٍ ولباقة: جيت عشان مفيش بشمهندس عاقل يفوت فرصة إنه يتعلم على إيد استاذ عظيم زيك.
ضم كفيه معًا وانحنى يستند عليه قائلًا بابتسامة صغيرة: مكنش باينلك رجوع على ملامحك المُجهدة امبـ.ـارح؟
خلع أيوب عنه ذراع الحقيبة وقال بابتسامة مشرقة: والدي الشيخ مهران علمني مستسلمش بسهولة، وبعد اللي حضرتك عملته معايا امبـ.ـارح كان لازم أبينلك اني مش الشخص اللي كونت عنه أفكارك امبـ.ـارح.
بدى خبيثًا، ماكرًا، متحاذق مما دفع ممدوح ليسأله بنزقٍ: تقصد أيه!
أجابه ببساطة ومصدقية: من خلال الكام ساعة اللي قضتهم مع حضرتك حسيت أد أيه انك بتحترم وقتك وبتقدسه جدًا، فكنت بتحاول تضغط عليا بكل السُبل عشان تشوف إذا كنت هرجع تاني ولا لأ. ولو رجعت يبقى أستحق وقتك اللي هيضيع معايا في تعليمك الخطوات الجاية لو مرجعتش يبقى وفرت عليا وعليك وقت ومناهدة.
تراخت شفتيه الغليظة عن ابتسامة تظهر لمرتها الأولى، فسحب رشفة من الشاي وقال: عجبتني، وشكلك هتكون تلميذي التاني بعد عُمران الغرباوي.
وأشار إليه بنظرة ارتخت عن حزمها قليلًا: تحب نبدأ؟
فتح سحاب حقيبته يخرج دفتره وبعضًا من اللوح هاتفًا بحماسٍ: أنا جاهز، اتفضل!
هبط للأسفل يفرك عينيه وهو يجاهد النوم بكل ما فيه، فكان بطريقه للمطبخ ليعد كوب من القهوة تزيح صداعه القـ.ـا.تل، فتوقف محله حينما لمح أخيه يجلس بالصالون يرتشف كوبًا من القهوة ويقرأ بأحد الكتب كالمعتاد عنه.
اقترب منه عُمران يردد ببسمة عابثة: صباح الخير يا دكتور.
انتبه علي إليه وأجابه بابتسامة هادئة: صباح الخير يا عمران، منزلتش شغلك ليه؟
إتجه إليه يجلس على ذراع المقعد ينتزع من يده الكوب وهو يرتشف منه كالمدmن المفتقد لمذاق الكوفين، وردد: بفكر منزلش النهاردة. ورايا كام حاجة هخلصهم هنا على اللاب وكمان ساعة هنزل مشوار على السريع كده ممكن بعدها أعدي على الفرع اللي هنا أشوف الدنيا وأرجع تاني.
أغلق كتابه وأعاده على الطاولة وقال: المهم تنهي حوار الشراكة ده خلينا نخلص.
هز رأسه بخفوتٍ وردد بتهكمٍ: كلمت امبـ.ـارح المحامي وبيرتب الاوراق، متقلقش.
هز رأسه بخفوت، فاتجه عُمران للأريكة يحتلها، وصاح بأحدى الخادmـ.ـا.ت: احضري لي حاسوبي من غرفتي رجاءًا.
أماءت له باحترامٍ وغادرت لتعود بعد دقائق بما تحمله فوضعته من أمامه، فتحه عُمران وشرع ببعض أعماله، وبين الوقت والأخر يختطف نظرات سريعة لأخيه الشارد والهموم تتثاقل بين حدقتيه الرمادية، فأخفض عمران شاشة حاسوبه وسأله بلهفة: مالك؟!
مسح على فمه بحركةٍ عشوائية وأجابه: مفيش. بفكر ألغي سفري لمصر بس للأسف لازم أعمل المشوار ده.
اعتدل بجلسته يعيد سؤاله باستغرابٍ: وعايز تلغيه ليه؟ المركز أساسًا شبه مكتمل مكنش فيه غير المساحة اللي انت ضمتها ليه والفريق بينجز فيه على أكمل وجه لازم إنت كمان تتحرك وتختار الدكاترة والممرضين اللي هتحتاجلهم وبسرعة.
لف وجهه المهموم إليه: عارف بس اللي ربكني من السفر فاطمة حالتها مش مستقرة. خايف أجازف وأبعد عنها يحصلها حاجة وأنا مش جانبها، فاطمة لسه متعافتش بشكل كامل.
ترك عُمران حاسوبه ونهض عن أريكته متجهًا لمقعد يجاور مقعد أخيه، وازدرد ريقه بـ.ـارتباكٍ اتبع منهج سؤاله المتردد: علي. هو إنت وفاطيما بتمارسوا حياتكم بشكل طبيعي؟
تقوس جبينه بشكلٍ ملحوظ، فاعتدل عُمران بجلسته يوضح له: أصل حالتها غريبة ومقلقة!
تعمق بالتطلع لعينيه الشبيهة لخاصته بلونها، ومنحه بسمة خافتة اتبعها قوله الذكي: لو سألتك نفس السؤال عنك إنت ومايا هتجاوبني؟
رمش بأهدابه عدة مرات في محاولةٍ لاستكشاف ما يود قوله، فتابع على بنبرة رزينة: إنت قومت الدنيا كلها لما خالك اقتحم أوضة نومك وإنت دلوقتي بتعمل نفس الشيء يا عمران بتقتحم خصوصياتي أنا ومراتي فمتوقع مني أيه مثلًا؟
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ أخفاه بقوله: أنا آسف لو سؤالي ضايقك يا علي. أنا بس آآ.
قاطعه بابتسامة واسعة وملامحه لم تتأثر مطلقًا: متعتذرش يا عمران أنا فاهمك وعارف إنك متعمدتش ده بس اللي لازم تفهمه إن مهما كان قربنا وحبنا لبعض في النهاية في خطوط حمرا محدش مننا يقدر يتخطاها.
هز رأسه بتفهمٍ: عندك حق.
اتجهت نظرات على لحاسوب عمران وسأله باهتمامٍ: كنت بتقول إنك معاك تصميم لمكتبي بعد التعديل. وريني أنا متحمس جدًا أشوف هترتبلي مكتبي ازاي انت وفريقك يا بشمهندس!
ضحك وهو يشير له بغــــرورٍ: بعينك تشوف حاجة، سافر إنت وارجع وكن على ثقة إن عمران الغرباوي هيبهرك. يا ابني كفايا عليك إني مش بعمل ديكور لحد!
ضحك وهو يراقبه يعود لأريكته رافعًا رأسه للأعلى كالطاووس، فجذب الوسادة التي تجاوره وألقاها بوجهه هاتفًا: طاووس وقح!
غمز لها برماديته يجيبه بسخرية: طب انصرف علشان بخاف من الحسد وعايز أفرد ريشي!
تعالت ضحكات علي واستكان بجلسته يجذب كتبه، يعود لقرائته الصامتة بينما الاخير يتلذذ بكوب القهوة التي اتخذها عنوة ويتابع حاسوبه هو الأخر.
مرت الساعات ومازال كلا منهما منشغلًا بما يفعله، حتى اقتحم مجلسهما مايسان و فاطمة التي كانت تدفع طاولة صغيرة لتستقر أمام عُمران فاستقام بجلسته منتبهًا لها، فوجدها تردد ببسمة صغيرة: نسيت الاتفاق؟
وزع نظراته على أطباق الطعام الشهي ورفع عينيه لها يجيبها بامتنانٍ: أيه كل ده. تسلم ايدك يا فاطمة تعبتك معايا.
أجابته بلباقة: يا رب يعجبك.
ابتسمت مايا ورددت بمشاكسة: كان نفسي أطبخلك الأكلة دي بنفسي بس للأسف مقدرش أنافس في الأكل المغربي قدام فاطيما خسرانة بالعشرة.
ضحكت لها ورددت بخجل: أنا أجي أيه جنبك يا مايا.
أشارت لعمران الذي يتابعهما مبتسمًا: متصدقهاش يا عمران دي بتشيل عنها العين.
واستدارت تجاه على تشير إليه: تعالى هنا جنبه يا علي. الأكل يجنن.
رفع معصمه إليه متفقدًا ساعته: الساعة لسه 12. أنا بتغدى على الساعة 3 فمش هقدر أعذروني.
منحه نظرة ساخطة وهو يلتهم ما بملعقته مرددًا: خليك حافظ على أكلك ومواعيده لما بقيت شبه خلة السنان. نفسي تقتنع بكلامي وتأكل وتعيش حياتك وتقضيها ساعتين جيم كل يوم هتفرق معاك.
قذف على وسادة أخرى إليه: كمل أكلك وانت ساكت.
ضحكت فاطمة وهي تتبعهما باستحياءٍ، فاخفضت عينيها للحاسوب المجاور لعمران حيث تركه مفتوحًا، لفت انتباهها جدول الحسابات المعدة وتقنيات تعيد لها ذكريات العامين التي مضتهما بالجامعة وبعدهما لم تتمكن من استكمال تعليمها.
لاحظ عمران وعلى تعلق نظراتها بالحاسوب وشرودها، فجذب عمران المنديل الورقي وأزاح بقايا الطعام عن منديله، وبخفة دفع الحاسوب قبالتها قائلًا باهتمامٍ: الSystem ده مش غريب عليكي صح؟
هزت رأسها بخفة، فقال ببسمة واسعة خبيثة لقرب تحقيق هدفه: تحبي تجربي؟
خـ.ـطـ.ـفت نظرة مرتبكة لعلي الذي ترك كتابه وراقبهما باهتمامٍ يفوق اهتمام أخيه، فقالت: أنا مش فاكرة أي حاجة. فات فترة طويلة على ما كنت بالجامعة فمش عارفة هقدر ولا لأ.
ابتسم وهو يشير لها بالاقتراب بحماسٍ: بسيطة هعمل معاكي أول حسبة ومع الشرح هتفتكري. تحبي نجرب؟
عادت ببصرها لعلي الذي منحها ابتسامة تبث لها الآمان المفقود، فعادت لعمران تكتفي بهزة رأسها، نهض على الفور يحمل صينية الطعام جانبًا ثم وضع حاسوبه عليها ودفعه لتكون بينها وبين فاطمة الجالسة على نهاية الأريكة، فاختار جلوسه على مسافة بعيدة منها لتفهمه حالتها باجتيازٍ.
ثلاثون دقيقة استغرقها لينتهي من أول ملف بمفهومه النظامي، بينما كانت تتذكر كل ما تلقتنه من قبل رويدًا رويدًا، ففتح لها ملفًا جديدًا ودفع الحاسوب لها يشجعها: نفذي الخطوات اللي عملتها لوحدك وبهدوء. وأنا هشوف لما تخلصي.
هزت رأسها إليه وحملت الحاسوب لقدmيها تفعل كما أخبرها به، بينما اتجه عمران ليجلس جوار مايا يستكمل تناول طعامه فوجدها تميل عليه تهمس: بتحاول تعمل أيه؟
مال لها يهمس هو الأخر: هساعد على في علاج فاطمة!
بدأ يتسرب لها مفهوم ما يود عمران فعله، فتحمست للغاية لرغبتها الشـ.ـديدة باستعادتها اتزانها النفسي.
لم يفوت على تفصيلة صغيرة متعلقة بجلستها تلك، ليس كزوجٍ محبًا بل كطبيب يشخص حالة مريـ.ـضته التي توشك على اتخاذ أول خطوة بمواجهة العالم بعدmا كان افتراضي لها، يشعر بالامتنان لخطة اخيه باستدرجها للعمل، آن نجح بتلك الخطوة حينها سيُفتح لها العديد من الأفاق أولهم العودة لجامعتها وعيش حياتها الطبيعية.
جميع الانظار مسلطة عليها، حتى انتهت مما تفعله ورفعت عينيها لعمران الذي يتناول طعامها بهدوءٍ قائلة: خلصت.
جذب المناديل المعطرة ومسح يديه وفمه ثم اتجه إليها يجذب الحاسوب ويتابع ما فعلته ببسمة واسعة تدعي كل نقطة بها الانبهار رغم أن هناك بعض التعديلاات التي سيحتاجها من بعدها ولكنه وجدها نقطة محمسة للقادm، فأجلى صوته الرخيم: برا?و يا فاطيما. لأ بجد ممتازة.
وأشار لمايا بجدية تامة: من بكره فاطمة تنزل معاكي الشركة وأنا النهاردة هخلي حسام يحط مكتب زيادة في أوضة مكتبك عشان تكونوا مع بعض وت عـ.ـر.فيها أكتر عن شغلنا ده لو مكنش عندها أي مانع إنها تشتغل معانا.
ترقب ردها على عرضه الذي فجأها، وخاصة حينما سألتها مايا: ها يا فاطمة أيه رأيك؟
وتابعت بمكرٍ تعاون زوجها وأخيه: أكيد مش هترفضي تكوني معايا ونروح ونيجي مع بعض. أنا طول الوقت في الشركة وانتي هنا ومش بنلحق نتكلم ولا نقعد مع بعض!
لعقت شفتيها الجافة بلسانها وقالت: أصل. أنا، آاآ.
وصمتت حينما لم تجد ما تقول، حينها رفعت مقلتيها تجاه ملاكها الحارس، ذاك الذي بعد كالبُوصلة لانحراف اتجاهاتها فوجدته يشير لها قائلًا: لو حاسة إن القرار ده هيريحك وافقي عليه بدون تردد يا فاطمة، متقلقيش وجود عُمران ومايسان جنبك هيديكي الأمان اللي هتفتقديه في عدm وجودي معاكي هناك.
قام بمهامه على أكمل وجه كطبيبٍ وكزوجٍ، يدعمها بقرارها ويخبرها بأن حالتها ستكون مستقرة فلا داعي للخــــوف، لذا لم تجد الا أن تؤمي برأسها مبتسمة فصاحت مايا بحماسٍ وهرولت إليها تحتضنها بفرحة، بينما سند عمران ظهره لمقعده وهو يغمز بمكرٍ لعلي الذي قابل خبثه بابتسامته الهادئة الجذابة.
ساعات قليلة مضت وتفرق جمعتهم، اتجه عمران لشركته واتجه على ليوصل زينب لجامعتها لحضور تلك المحاضرة المسائية، فحاول أن يعلم ما برأسها حتى يعرض عليها عرض الزواج من سيف كما شـ.ـدد عليه يوسف، فقال: ها يا دكتورة طمنيني أمورك تمام بالجامعة؟
ابعدت عينيها عن هاتفها وأجابته ببسمة رقيقة: الحمد لله يا علي. أول يوم كان صعب بس بعد كده الأمور تمام.
تابع القيادة بتركيز وقال بمكرٍ: طب الحمد لله، أنا من لما شوفتك واقفة مع سيف امبـ.ـارح وأنا اتطمنت إنك هتقدري تكوني صداقات تساعدك جوه الجامعة.
ارتبكت للغاية فرفعت يدها تعدل من حجابها: دكتور سيف شخص محترم جدًا قابلته صدفة في الجامعة وفي عيادة دكتورة ليلى.
حرك رأسه بخفة ومازالت رماديته مركزة على الطريق، فلحق به فترة صمت قبل أن يسألها بلباقة: زينب هو أنا ممكن أسألك سؤال شخصي شوية ولو هيضايقك متجاوبيش وأنا هتفاهم ده.
طبعًا يا على إسأل بدون كل المقدmـ.ـا.ت دي.
هدأ من سرعة السيارة والتفت يتطلع لها ومازالت يده تتحكم بالمقود: انتي في حد في حياتك؟ يعني بتحبي حد أو مرتبطة بشكل خاص؟
تجهمت معالمها بشكلٍ مقبض، وكأنها ستستقبل المـ.ـو.ت بين أحضانها بعد قليل، مجرد حديثه عن الأمر أعاد صورة يمان بمخيلاتها من جديدٍ، تمسكت بجزء من قوتها وقالت بتلعثمٍ وفوضوية: لأ طبعًا مفيش، وبعدين أنا متوقعتش انك تسألني سؤال زي ده لاني طبيعي قدامك وقدام الكل مش مرتبطة.
أسرع بالحديث مبررًا: فاهم كلامك طبعًا بس افترضت يكون في حد حتى لو علاقتكم سطحية.
هزت رأسها تتفي ذلك باقتضابٍ: لا مفيش.
سحب نفسًا مطولًا واسترده قائلًا بهدوء: طيب يا زينب امبـ.ـارح دكتور يوسف طلب ايدك مني لاخوه سيف، يعني بشكلٍ ما حابب يكون في بينكم رابط رسمي بحيث تقدروا تتعرفوا على بعض ولو حصل توافق بينكم آآ...
اقتطعت حديثه بحدة وعصبية فجأته كثيرًا: أنا مش هتجوز يا علي. هو عشان ساعدني في الجامعة ووقفت معاه يبقى هتجوزه! وبعدين انا لسه طالبة في 2طب وبكمل لسه تعليمي جواز أيه اللي بيتكلم عنه!
صف سيارته أمام جامعتها والتفت إليها يحدثها بهدوء وعقلانية: اهدي يا زينب الموضوع مش مستاهل العصبية دي كلها منك هل أنا فرضت عليكي شيء! أنا مملكش الحق ده عليكِ من الأساس أنا وصلتلك طلب دكتور يوسف ومن حقك تقبلي أو ترفضي ولازم ت عـ.ـر.في إني وصلتلك العرض ده لاني أعرف سيف وأعرف دكتور يوسف مربيه على أيه، الولد ده راجـ.ـل وهيقدر يصونك ويحافظ عليكي وآ...
قاطعته للمرة الثانية بانفعالٍ: مش عايزة أسمع يا علي! حتى لو كان ملاك بجناحين أنا مش عايزة ارتبط بحد من فضلك بلغهم بكده.
تمعن بحدقتيها بعمقٍ جعلها تشعر وكأنها مجردة أمامه، وقد لاقت حدثها حينما قال بشكٍ: مالك يا زينب؟ مندفعه وعصبية بشكل مش طبيعي، انتي في حاجة حصلت معاكي؟!
ابتلعت مرارة ريقها بصعوبة بالغة، وتعلقت بحقيبتها بكل قوتها، ففتحت باب السيارة وهي ترمقه بنظرة أخيرة هاتفة بحنقٍ: بطل تمارس مهنتك عليا يا دكتور. أنا مفيش شيء!
وتركته وهرولت للجامعة راكضًا من أمامه بينما ظل هو محله يتابعها بنظرة ثاقبة ترى بوضوح ما تخفيه من حالة نفسية يقسم بأنها مازالت تخوضها حتى الآن.
تهدل جسد علي على مقعده باستسلامٍ وحـ.ـز.ن اتبع همسه الخافت: فاطمة، ماما، ودلوقتي زينب، و.جـ.ـعي في عيلتي بيزيد!
راقب أيوب مكتب ممدوح مطولًا ومن ثم عادت نظراته للطعام الذي تركه له حسام السكرتير الخاص بعمران على مكتبه، فنهض واتجه إليه يناديه بحرج: ممكن أستأذن عشر دقايق يا بشمهندس؟
رفع ممدوح عينيه له، فازاح نظاراته الطبية متسائلًا بدهشة: رايح فين في العشر دقايق دول؟!
رد عليه بوقارٍ: مش هتأخر عنهم والله، هطلع لعمران مكتبه وهرجع على طول.
ابتسامة صغيرة عادت تداعب وجه العجوز، فعاد ليستند على يديه كمعتاده وقال: أممم، عمران مجاش يوصلك النهاردة وبعتلك الأكل مع سكرتيره من غير ما ينزلك ودلوقتي عايز تطلعله مكتبه، انتوا متخانقين صح؟
أخفض عينيه أرضًا وكأنه يخشى لقاء مدرسه بفعلته التي أودت لتلك المشاجرة، ولكنه اضطر لاجابته بتحفظٍ: سوء تفاهم بسيط.
هز رأسه ومازالت أثر الابتسامة على شفتيه، فرفع اصبعه يحركه له: اطلع ولما تنزل نتكلم ونشوف إذا كان بسيط ولا يستاهل!
ابتسم أيوب بسرورٍ لتطور العلاقة بينهما، فخرج للمصعد يتجه لمكتب عمران بعدmا سأل عليه من احد الموظفين.
اتجه لمكتب حسام السكرتير الذي ما أن رآه حتى رحب به بوداعةٍ، فهو يعلم بأن من قام عُمران بالسماح له بالدخول للسجلات برفقة استاذ ممدوح فمن المؤكد بأنه شخصًا هامًا للغاية إليه فبسط كفه يشير له بمحبة: بشمهندس أيوب هنا بنفسه! نورت الطابق كله.
ابتسم له وقال بتـ.ـو.ترٍ جعله يكاد بالعودة مثلما أتى: هو أنا ينفع أقابل عُمران؟
أشار له باحترام للمقعد المقابل إليه: طبعًا، اتفضل استريح هدي مستر عُمران خبر حالًا.
اعتلى المقعد المقابل له، ورفع حسام السماعة يهاتف عُمران قائلًا: مستر عُمران بشمهندس أيوب هنا وعايز يقابل حضرتك.
لف بمقعده بالداخل بعصبيةٍ اعتلت حركة جسده الهادئ، فابتسم بتسلية وصرح له: سيبه قاعد نص ساعة وبعدين دخله.
ودون أي كلمة أخرى أغلق هاتفه بوجه حسام المتعجب لردة فعل عمران، فحجب انفعالاته بامتيازٍ وقال: شوية وهدخلك يا بشمهندس. مستر عُمران معاه تليفون مهم.
هز رأسه وبسمته الساخرة بادية كسطوع الشمس بأحضان السماء، وهتف ببرود: مفيش مشكلة نستناه!
مرت خمسة وعشرون دقيقة ومازال أيوب يرسم دور البرود حتى سئم من ادعائه الكاذب، فنهض عن مقعده واندفع لمكتبه بكل ما أتى من عصبية اختفت حينما وجده ينهي صلاته وينهض بسجادته يطويها على الأريكة ونظراته البـ.ـاردة تطـــعـــن الاخير دون اكتثار.
أتى حسام مهرولًا من خلف أيوب يردد بخــــوف: مستر عُمران أنا أسف والله بس البشمهندس آ.
أشار له عُمران قائلًا: روح انت يا حسام وبعد كده لما أيوب يعوز يشوفني يدخل على طول حتى لو كان مين عندي.
غادر السكرتير حائرًا بما يحدث، بينما اتجه عمران لمقعده يتأمل ذاك الذي يسدد قنابله إليه من مكانه فكبت ضحكة كادت بالانفلات منه وهو يشير له قائلًا بسخط: هتفضل واقف مبحلقلي كده كتير، اتفضل.
دنى ليجلس على المقعد ونظراته القـ.ـا.تلة لا تحيل عنه، فرفع الهاتف يتساءل: تشرب أيه يا عم الارهابي؟
بقى صامتًا يراقبه بغـ.ـيظٍ يندفع داخله، فردد عمران لمن ينتظر سماع طلبه بالهاتف: كوبين من القهوة أعدها في الحال.
ثم اقترب بمقعده المتحرك مقتربًا من الطاولة الفاصلة بينهما، قائلًا بعمليةٍ مخادعة: خير يا بشمهندس أيوب. في حاجة بتشتكي منها وجاي مخصوص تشتكيلي، أتفضل أنا سامعك.
خرج عن صمته أخيرًا، طارقًا بعنف على سطح المكتب الزجاجي: اسمع يا جدع إنت متحاولش تلعب بأعصابي وتختبرني كتير علشان صدقني أنا واخد حزام في الكارتيه وأقدر أبوظ خلقتك اللي فرحانلي بيها دي!
تحررت ضحكة منه وقال وهو يقترب متمعنًا التطلع للكدmة الزرقاء المحتضنة لوجه أيوب قائلًا: طيب اهدى انت بس عشان العلامة الحلوة دي ميصبهاش بكتيريا وتتنقل لوشك كله.
انتصب بوقفته وصاح بعنفوان: الظاهر اني غلطت لما طلعتلك، سيبني مرمي بره بقالي نص ساعة وعايشلي دور رجل الأعمال اللي معندوش وقت يهرش، لا فوق ده أنا أيوب ابن الشيخ مهران!
نهض يجابهه بجمودٍ: تو تو اهدى شوية يابن الشيخ مهران. أخرة الرغي ده كله وبيتقالك ارهابي! فاسمعني كده وهدي عضلاتك دي، أنا مسمحتلكش تدخل على طول علشان أنا ببقى غـ.ـبـ.ـي وغشيم لما بتعصب للأسف فكنت بهدي نفسي قبل ما أتنيل أشوفك بعد العملة السودة اللي هببتها!
وأشار للمقعد مجددًا بتحذير: فاهدى كده واقعد. أنا أساسًا دmاغي فيها كلاب صعرانه بتتعارك جوه ونفسها ونفسي أنا كمان معاهم أطلقهم عليك ونخلص!
طوفه بنظرة ساخرة أحاطته من رأسه حتى أخمص قدmيه، وفجأة بادر بسحب عمران من جاكيته بقوة كادت باسقاطه على طاولته، فردد عُمران بتهديدٍ:
متخلاهاش تبقى الناهية يا أيوب!
تركه بغـــضــــبٍ واتجه ليغادر فلحق به يناديه: استنى يا ابني.
وحينما لم يستجيب له قال: طيب والقهوة طيب؟!
تعالت ضحكات عمران وهو يراقب اشتعال ملامحه وهو يتجه للمصعد، فصعد خلفه ووقف جواره صامتًا حتى قال: هعنذرلك وأخدك في حصني وأبوس رأسك كمان بس بشرط تصرف نظر عن الجوازة السودة دي!
تنهد أيوب بتعبٍ من عناد عمران الذي مازال يصر على حديثه، فاستدار له يقول بإرهاقٍ: يا عمران افهمني حـ.ـر.ام عليك فرهدتني معاك، أنا مقدmيش حلول تانية، استسلم بقى وارضى بقراري وخليك جنبي الصديق الجدع اللي اتعودت عليه منك.
صوب له نظرة مقززة، واستدار عنه يمسح وجهه عده مرات، ثم عاد إلى مكانه يشير بيده: تعالى يالا تعالى أنا قلبي الحنين ده اللي مطمع المعاتيه اللي زيك فيا.
ضحك وهو يحتضنه بفرحة وشعوره المفتقد لوجود شقيق يكبره يعوضه به، شـ.ـدد عمران من ضمه حتى توقف المصعد وانفتح أمام مجموعة من الموظفين الاجانب، اعتلت الصدmة وجوههم جميعًا وراقبوا ما يحدث بالمصعد بأعين جاحظة جعلت عمران يدفع أيوب للخلف وهو يصيح من بين اصطكاك أسنانه: الله يحرقك انت وهي في ساعة واحدة، خسرت سمعتي قدام الموظفين وشوية وهيعلقولي العلم الملون قدام مكتبي!
وركله لخارج المصعد بعصبية: غور مش عايز أشوف وشك تاني.
سقط أيوب من فرط الضحك حتى عمران لحق به ولم يتمكن من السيطرة على ضحكاته. حتى وصلوا لدخل الشركة فسأله باستغراب حينما وجده ينحرف للمصعد السفلي؛
مش جاي ولا أيه؟
رد عليه وهو يستعد لدلوف المصعد الاخر: أنا أخدت عشر دقايق من أستاذ ممدوح وبفضل برودك ووقاحتك بقوا ساعة وهتعـ.ـا.قب عليهم لبكره الصبح فأكيد مش ههرب وأخرج معاك هرجع لاستاذي واشوف اللي يرضيه وأعمله.
رفع عمران يديه للاعلى يدعو بفرحة: يارب يعـ.ـا.قبك بشهرين حبس انفرادي معاه تحت وتكون أم قردان دي حلت عننا وفكتها منك.
وعاد يتطلع له بصدmة: مصـ يـ بـةتكون حبتها يابن الشيخ مهران! أقسم بالله لو حصل ولعبت بديلك كده أو كده متلومش الا نفسك. متفكرهاش جوازة وتعيش سامعني!
هز رأسه في يأسٍ في تغير عقليته حتى وآن ظل باقي عمره يحدثه في الأمر، فتركه واتجه للمصعد بصمت بينما غادر عمران والسخط يعلو ملامحه كلما تخيل أيوب النقي. التقي، مع تلك الفتاة العبرانية!
كانت تتابع حالة آديرا من وقتٍ لأخرٍ، فاستغلت وجود الممرضة التي استلمت العمل بالعيادة منذ صباح اليوم ووقفت أمام المرآة تتأكد من تناسق طالتها بفستانها الوردي البسيط وحجابها المشابه له، ومن ثم اتجهت لعيادة زوجها المجاورة لعيادتها بعد أن تأكدت من أنها لم تعد مزدحمة منذ ما كانت منذ ساعتين، فولجت لغرفة مكتبه فوجدته يسترخي على مقعده بـ.ـارهاقٍ وحينما استمع للباب يُفتح استعد بجلسته للقاء القادm فتهللت أساريره حينما وجدها قبالته تتدلل بخطواتها إليه، فردد: ليلى!
تجاوزت المكتب وإتجهت لتجلس على ذراع مقعدن قائلة بابتسامة عـ.ـذ.باء: بقالي فترة بستنى عشان أدخلك. مكنتش أعرف إن جوزي حبيبي مشهور للدرجة دي!
ابتسم وأحاطها بذراعه إليه: جوزك حبيبك محتاج لفترة راحة جوه حـ.ـضـ.ـنك ينفع؟
نهضت عن المقعد وهي تشير له بحزمٍ غاضب: لا مينفعش. أنا جايالك هنا زي أي مريـ.ـضة ودورك تهتم بيا وتشوف مشكلتي أيه مش تحب فيا يا دكتور يا محترم.
ضحك بصوته الرجولي وقال بخشونة مصطنعة: طبعًا طبعًا، اتفضلي يا مدام ليلى وقوليلي مشكلتك أيه بالظبط.
جلست قبالته بابتسامة واسعة واستندت على مكتبه تتمعن التطلع به بدرجة أصابته بالفتنة فشعر وكأنه أحمقًا لاستماعه لدلالها، أما هي فقالت بمكر: جوزي يا دكتور نفسه يكون عندنا بيبي، فحبيت أجي النهاردة أكشف وأطمن على نفسي، وأكيد حضرتك هتكتبلي على مقويات ومنشطات وأي حاجة تسهل الموضوع ولا أيه؟!
رفع احد حاجبيه ساخطًا: منشطات!
وزفر بنزقٍ: عنيا ليكي انتي وجوزك يا دكتورة، اتفضلي حضرتك.
صفقت بيدها بفرحة، واتجهت للفراش تستعد، ويوسف يتابعها بدهشة.
اتجه إليها واستند على العمود المطول مربعًا يديه أمام صدره العضلي، يراقبها وهي تكشف عن بطنها وتضع الملاءة البيضاء من حولها، مرددًا بسخرية: وبعدين؟! أخرة جنانك ده أيه يا ليلى!
ادعت البراءة هاتفة: جنان أيه يا يوسف؟ مش قولت اتفضلي للكشف فاتفضلت.
هز رأسه بـ.ـارهاقٍ وأشار لها: قومي يا ليلى أنا هكتبلك على تحاليل معينة هتعمليها وهديكي شوية أدوية.
هزت رأسها نافية وبتحدي قالت: لأ. هتكشف عليا الأول وبعدها اكتب زي ما تكتب.
ضحك بسخرية: مش ده الجهاز أساسًا!
شـ.ـددت على طلبها وعينيها لا تفارق خاصته بنظرة بعيدة كل البعد عن المرح: عايزاك تكشف عليا بالجهاز ده يا يوسف.
اندهش من طريقتها الغريب. واصرارها، ومع ذلك رضخ لها وجذب المقعد الصغير إليه، ثم وضع الجل الطبي ومرر الجهاز عليها ليريحها هي، ولكن لما لبث حتى جحظت عينيه في صدmةٍ وهو يتابع الشاشة من أمامه غير مصدقًا لما يراه، بينما هي تراقب كل انفعالاته بأعين دامعة وابتسامة واسعة.
تطلع يوسف لها وردد بعدm استيعاب: ليلى إنتي حامل!
هزت رأسها تؤكد له رغم أنه طبيبًا ويرى الحمل بوضوحٍ على جهازه، ضحك يوسف بفرحة أدmعت عينيه وجذبها لتنهض أمامه محتضنها بحب ويديه تلتف من حوله ويدور بها بـ.ـارجاء غرفته هاتفًا بسعادة: هكون أب، هشيل ابني أنا بين ايديا! أنا بأحبك يا ليلى، ده أجمل خبر ممكن بسعدني لباقي حياتي.
ووضعها عن يده وخرج لعيادته فاتبعته باستغراب لتجده يقف بالخارج قائلًا بابتسامة جذابة للممرضة وهو يقدm لها مبلغ من المال: وزعي الحلوى اليوم على العيادة بأكملها. زوجتي حامل وقريبًا سأرزق بابن.
ضحكت ليلى على مظهره وخاصة حينما التف من حوله عدد من النساء الحوامل الجالسات لترقب دورهن.
فطرقت على جبهتها بقلة حيلة والابتسامة تزداد على وجهها.
بمكتب جمال.
فتح باب المكتب واشرأب بعنقه يخبره بابتسامة واسعة: فاضي يا بشمهندس؟
استدار للمتحدث هاتفًا بسرور: عمران! تعالى.
اتجه ليجلس أمامه واضعًا قدmًا فوق الاخرى بعنجهيةٍ تامة: وجودي هنا بشكل رسمي فسيبك من جو الصداقات اللي مبيأكلش عيش ده. عايزك في شغل.
رفع احد حاجبيه باستنكارٍ: شغل أيه ده!