رواية طفلة في قلب الفرعون كاملة جميع الفصول

رواية طفلة في قلب الفرعون هي رواية رومانسية والرواية من تأليف رحمة سيد في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية طفلة في قلب الفرعون لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية طفلة في قلب الفرعون هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية طفلة في قلب الفرعون تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية طفلة في قلب الفرعون كاملة جميع الفصول

رواية طفلة في قلب الفرعون من الفصل الاول للاخير بقلم رحمة سيد

كان هدير أنفاسها عاليًا، تحدق بالباب المغلق بإحكام عليها، أغمضت عيناها تزفر بعنف، يا الله لأول مرة تشعر بهذا العجز...!
تشعر أن ما هو قادm أعمق مما تصورت، عميق ومُلطخ بسواد لا يوازي سواد حياتها ابدًا بل أشـ.ـد...!
ابتلعت ريقها ثم صرخت عاليًا:
-أنت يابني ادm ياللي برا، أنت يا تووور.

وفجأة وجدت الباب يُفتح وفعليًا رجل يشبه الثور يخترق ظلمتها، إنتفضت شجاعتها منسحبة من حرب لم تبدأ بعد، ولكنها لم تظهر بل صاحت فيه بحدة:
-هو أنت أطرش؟ بقالي ساعة بنادي، روح نادي المتـ.ـخـ.ـلف التاني اللي مشغلك
ودون مقدmـ.ـا.ت كانت صفعة عنيفة تسقط على وجهها، ونار، نار تشتعل داخلها تلسعها مرة بعد مرة بإحتراق تلك الصفعة...!
عيناها كانت حادة كغابة في الشتاء البـ.ـارد وهي تهمس له بشراسة:
-قسمًا بالله لانـ.ـد.م...

قُطع حبل كلمـ.ـا.تها عنـ.ـد.ما فُتح الباب فجأة ليدلف هو رويدًا رويدًا، حاولت تجاهل تلك الرجفة العنيفة التي ضـ.ـر.بت كيانها الشامخ وهي تراقب الفرعون، تمامًا كما لقبوه!
شاب في اوائل الثلاثينات من عمره ولكن ملامحه تحمل جمودًا وعمقًا، وسوادًا يناسب الفرعون لا ذلك الشاب الوسيم اطـ.ـلا.قًا؟!
نظر للرجل ودون مقدmـ.ـا.ت كان يدفعه بعنف للحائط حتى كاد الرجل يسقط ارضًا، فصرخ فيه يزيد بانفعال:.

-إياك تمد ايدك عليها تاني، هاقطعهالك المرة الجايه ساامع؟
اومأ الرجل مؤكدًا بسرعة ثم إنسحب دون كلمة اخرى...
اقترب منها ببطء ثم دنا لمستواها ببطء أشـ.ـد وهو يهمس بينما أنفاسه الساخنة تضـ.ـر.ب وجهها الصلب:
-طفلة!، مجرد طفلة رمت نفسها في بير عميق اوي من غير ما تاخد بالها إن البير ده ملهوش نهاية!
ثم مط شفتاه ببرود متابعًا بأسف مصطنع:
-يا عيني على زهرة شبابك اللي بقت زي الفجلة بدايةً من النهارده!

تمتمت بصوت خفيض دون أن تنظر له:
-ظريف ودmك سم يلطش
أخرج بكل هدوء ورقة من جيب سرواله وقلم متجاهلاً سبابها الحانق الطفولي، ثم مدهم لها بهدوء تام وهو يأمرها:
-امضي
حينها ودون تفكير كانت ترفع عيناها الزرقاء الحادة لتقابل ظلام عيناه وهي تهمس:
-إيه دي؟ أنا مش هامضي على حاجة!
كان يحاول التمسك بقناع البرود الذي بدأ يتصدع:.

-دي ورقة جواز هتمضي عليها وهاوديها لمأذون يوثقها، اي نعم انتِ طفلة يادوب ١٩ سنة بس عادي تكفي للغرض!
زمجرت فيه بشراسة تلقائية:
-أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن!؟ أنا مش هامضي عليها وأعلى ما في خيلك إركبه
وفجأة كانت تصرخ بألم حينما جذبها من خصلاتها السوداء بعنف، لا ينظر لها بينما ملامحه تنبض بالقسوة وهو يهدر فيها:.

-ده مش بمزاجك، ده أمر! منا قولتلك إنتِ طفلة رمت نفسها في بير ملهوش نهاية، إنتِ اللي جيتي لي بنفسك ومفكرة إنك تقدري تضحكِ على الفرعون
ثم إنخفضت يداه تدريجيًا لتصل لكتفاها، فغرز إصابعه فيها بعنف وبدأ يضرخ فيها بصوت خشن عالي ربما مُخيف بعض الشيء:
-الظاهر أبوكِ نسي هو باعتك لمين! نسي إني ما أخدتش لقب الفرعون من شوية، نسي إن يزيد الشرقاوي مش طفلة * بتقلد العاهرات وبتتعلم منهم تقدر تخدعه!

لوت شفتاها بتهكم مرير وهي تهمس له بهسيس خطير مُستفز:
-امممم ممكن فعلًا نسي، بس ما نسيش يقولي إنك بتاع نسوان وإنك هتجري ورايا على طول لإني حلوه شوية!
لذا ومن دون تردد كان يصفعها بكل عنف، حتى إصطدmت رأسها بالأرض ولكنها لم تنطق سوى ب آآه تلقائية، تكتم وتكتم كعادتها دون أن ترسل إشعار صغير لذلك القدر أنها اكتفت...!؟
جذبها من خصلاتها بعنف ليهزها بقوة صارخًا:.

-هما حاجتين ملهمش تالت، إما تمضي على ورقة الجواز وهاخد اللي أنا عاوزه، إما إنتِ أكيد عارفة إنك حاولتي تغريني عشان تدخلي القصر بسهولة لأن ابوكي ماعندهوش رجـ.ـا.لة يبعتهم، وانتِ اكيد عارفة إيه عقـ.ـا.ب الزانية او اللي تحاول تزني هنا!
لم تستطع إخفاء تلك الرعشة التي استباحت عيناها وهي تحدق به، ليكمل هو:
-دي مملكتي وقوانيني، وبما إنك دخلتيها بأرادتك يبقى هتنفذيها غـ.ـصـ.ـب عنك...

اقترب من وجهها اكثر، حتى أصبحت تشاركه أنفاسه الهادرة الحادة، ليتابع مغمغمًا بمكر شيطاني:
-في الحالتين هاخد منك اللي أنا عاوزه بس إنتِ مش هتاخدي الورق اللي إنتِ عايزاه وجايه عشانه، هاا؟ هتتعـ.ـا.قبي عقـ.ـا.ب الزانية اللي هو، تترمي لأي واحد بيريل على ست، هيعمل فيكِ اللي هو عاوزه وبعدين هتتسـ.ـجـ.ـني، ولا هاتمضي؟
ردت من بين أسنانها بحدة:
-مش هامضي قولتلك مش هاتزفت، أنا مستحيل أتجوز واحد زيك!
-تمام حلو جدًا.

قالها وهو ينهض، ثم بدأ بخلع ملابسه رويدًا رويدًا وصوته الحاد الصلب كان كالسياط التي تجلدها وهو يقول:
-يبقى أختارتي العقـ.ـا.ب أنا حاولت إنه يحصل تحت مُسمى الجواز، بس الظاهر إنك مُصره، بس أنا مش هارميكِ ليهم على طول، أنا برضه هاخد منك اللي انا عاوزه وهارميكِ ليهم بعدين!
إتسعت عيناها بفزع وهي تدرك جدية حديثه حينما اقترب منها فجأة يُكبل يداها معًا بيد واحدة ويقترب منها اكثر و...

على الجهة الاخرى...
كان يضع قدm فوق الاخرى، يدخن بشراهة وهو يحدق بالرجل الذي أمامه، يهز قدmاه أكثر من مرة بتـ.ـو.تر واضح..!
استمع للآخر الذي يخبره بنبرة مترددة:
-مسعد باشا هنعمل إيه؟! دنيا هانم إتمسكت والفرعون مش هايسيبها تفلت بعملتها ابدًا..!
هز رأسه دون أن ينظر له بحنق غلغل أطرافه داخله بقوة:
-عارف، وعارف إننا مش هنعرف نهربها بسهولة.

ابتلع الآخر ريقه بتـ.ـو.تر، لطالما أقلقه جموده وقسوته اللذان يُطيحا بأي نسمـ.ـا.ت من المشاعر الحانية المطلية بالحب، حتى مع إبـ.ـنته الوحيدة!
حدق بوجهه الجـ.ـا.مد وهو يسأله:
-طب وهنعمل إيه يا باشا؟ أكيد مش هنسيبها يعني دي الست دنيا آآ...
صرخ فيه مسعد وقد إنفجرت تلك الذرة المشحونة بغضبه وقهره المكتوم:.

-إسكُت! إسكُت يا ياسر مش ناقصاك دلوقتي، أنا اللي مـ.ـو.ترني المعلومـ.ـا.ت اللي تعرفها دنيا، لو يزيد الشرقاوي عرفها أنا ممكن أروح في ستين داهية!
إتسعت حدقتاه بذهول، كان يعلم أن قسوته غائرة، قاسية، ومُخيفة، ولكنه لم يكن يعلم أنه قطع ذيلها المتصل بنقطة واحدة متبقية من مشاعر الإنسانية داخله...!
هز رأسه نافيًا وراح يردد بصوت أجش مقررًا:
-أنا مش هسيب دنيا يا مسعد باشا، أنت عارف إني آآ...

قاطعه مسعد الذي زمجر بصوت عالٍ كزئير الأسد الغدار:
-ياسر، ما أظنش إن الوقت والمكان يسمحوا إنك تعبرلي عن مشاعرك السخيفه تجاه بـ.ـنتي!
ثم زفر بصيق متابعًا:
-أنا بكلمك في دmار كل حاجة عملناها وبنعملها وأنت تقولي دنيا؟!..
أحترق جوف ياسر بالصمت وهو يكز على أسنانه بغل، ثم همس يسأله بجمود:
-والحل يا باشا؟ هنعمل إيه؟
بدأ مُسعد يمسح على شعره عدة مرات والتنهيدة تخرج منه في كل مرة أعمق وأبعد، ثم قال بعصبية:.

-مش عارف، مش عارف يا ياسر، بس اللي أعرفه إن دنيا مينفعش تنطق بأي حاجة مهما حصل!

كانت صرختها ملتوية، متحجرة ومتحشرجة بقسوة متألمة، خرج صوتها أجشًا متقطعًا وهي تهمس له قبل أن يزيل عنها ملابسها:
-سبني، سبني وهامضي!
وبالفعل ابتعد عنها ببطء، يزيح خصلاتها التي تعرقت بشـ.ـدة لجانب وجهها، يحدق بوجهها الشاحب شحوب المـ.ـو.تى بعمق، بها شيء غريب، شيء يسبب ضجيج عالٍ في بواطن مشاعره، يثير فتيل مشاعره الخامدة بنار ظنها لن تشتعل يومًا، بها شيء يسلبه عقله، لا لا بل هو سلب منه شيء!

اقترب منها ببطء أنفاسه العالية تصفع صفحة وجهها وهو يردد آمرًا بصوت أجش:
-إهدي
قالت هي دون تفكير وهي تكتم تلك الحشرجة بالبكاء:
-إبعد عني!
أمسك بالورقة مرة أخرى وهو يعاود النظر لأمواج عيناها الزرقاء التي إحترقت بغضبها المتصاعد هامسًا:
-امضي، امضي يلا
وعنـ.ـد.ما فقد الامل في جعلها توقع، أمسك إصبعها بعنف ويبصم الورقة بإصبعها بدلاً من التوقيع...!

بيد مرتعشة رمت الورقة من يدها ما إن جعلها تبصم دون تردد، هي بكيانها الشامخ، بصلابتها المهزوزة، هي دنيا الشامي التي لا تخشى ولا يهمها شيء في الدنيا واللامبالاه تسطر صفحات حياتها!، تلك المرة تحديدًا تخشى، وبشـ.ـدة!
رفعها يزيد من ذراعاها فجأة بعنف ليسألها:
-ودلوقتي هتقوليلي مسعد الشامي باعت بـ.ـنته وضحى عشان إيه بالظبط؟!
نظرت له بحدة صامتة ليضحك مكملاً:
-أصل أنا ماسك عليه كتير، ف ياترى إيه أهمهم؟

ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر وصمتت، صمتت وطال صمتها وهي تراقب ذلك الظلام المُخيم بعيناه، وتلك اللمعة الموقودة بمنتصف فجوة الظلام، يشعرانها أنها مُعراه من كافة أسلحتها في حرب سوداء، مظلمة، حرب ستُهاجم فيها بجنود مازالوا تحت ظل المستقبل المجهول!..
تركها فجأة لتشعر أنها تهوي من قمم جبل متضخم من أفكارها المشعثة في تلك اللحظات، فرفعت عيناها الحادة له تهمس ببرود:
-معرفش!

إلتوت شفتاه بما يشبه الابتسامة السوداء وهو يدنو لمستواها، اصبح قريب منها، قريب جدًا لدرجة أن انفاسه الثائرة كانت تغزو وجهها الأبيض فيهلك سيطرتها المزعومة، ثم قال بما اشبه فحيح الأفعى:
-هتقوليلي كل حاجة ت عـ.ـر.فيها عنه، وإلا قسمًا بربي هاتشوفي مني اللي عمرك ماشوفتيه، وأنا ماعنديش ياامه إرحميني!

لا تنكر تلك الرجفة التي هاجمت سطو جوارحها بسبب حروفه المسلحة توعدًا وغضبًا، ولكنها هزت رأسها بيأس بـ.ـارد وخرج صوتها خافتًا وهي تخبره:
-أنا ماعرفش إلا حاجات تافهه مش هاتهمك في حاجة، ومش هاقولها ف ريح نفسك
وفجأة صرخت عنـ.ـد.ما جذبها بعنف من خصلاتها السوداء، يجذب رأسها لأسفل بقوة حتى تأوهت رغمًا عنها ليردد هو بزمجرة خشنة:.

-انا اللي أقرر إذا كانت هاتهمني ولا لا، وهاتقولي، صدقيني لما تتعبي هاتقولي لإنهم مش هايعرفوا يوصلولك
ضحكة ساخرة تفجرت داخلها، وهل توقعت أن يحاول حتى أبيها المصون تهريبها؟!..
ببساطة هي تعلم أنه لن يستطع، ولن يخاطر!
استفاقت على صوته الحاد الخشن وهو يهدر فيها بعنف قبل أن يدفع جسدها بجسده نحو الحائط، ويهتف بنبرة تحذيرية:
-أحسنلك تقولي، لو قولتي أقسملك بالله ما هأذيكي وهاتصرف وهامشيكي من البلد دي!

هز رأسها نافية، ازداد اضطراب أنفاسها من ذلك القرب بينما هو يدقق النظر لملامحها الطفولية، الغريبة!
كانت ملامحه مستكينة جـ.ـا.مدة، خاوية من غضب كان يلوح لها منذ ثوانٍ ثم زاد من ضغطه بجسده على جسدها هامسًا بهدوء تام:
-أنا إديتك الفرصة، إديتك الفرصة تهربي من الفرعون بس إنتِ اللي مُصره، يا...

وقطع جملته، رفع أصابعه ببطء يخضع لتلك الرغبة المُلحة في لمس تلك الشفتان، وبالفعل كان إصبعه الأبهم يرسم شفتاها المكتنزة وهو يتابع همسه الأجش بأسمها وكأنه يتذوقه:
-دنيا..!
وبلحظة كان ينفضها بعيدًا عنه وكأنها وباء، لتسقط أرضًا بتلقائية، حينها هبط بسرعة الفهد يُكبل يداها بسلاسل حديدة مرتبطة بالأرض كما كانت، ليخرج بسرعة كالأعصار الذي إنفجر بوجه الحارس وهو يصيح فيه:.

-مش عايز نقطة مايه ولا أكل يدخلوا لها، سيبوها مرميه زي الكـ.ـلـ.ـبة لحد ما تعرف إن الله حق!
ثم غادر ساحبًا معه الأنفاس ليزفر الحارس بـ.ـارتياح، بينما دنيا في الداخل تحدق بالفراغ بنظرة خاوية، راهبة وهي تهمس:
-لسه يا دنيا، لسه عـ.ـذ.ابك في الدنيا هيستمر، بس المرة دي على إيد الفرعون!

في اليوم التالي...
كانت متسطحة على الأرضية تضم ركبتاها لصدرها ورغمًا عنها يجافيها النوم من الإرهاق، بالفعل لم تُقدm لها نقطة ماء وهي لم تطلب من الأساس!..
عنادها، كبرياءها، غرورها، أيًا كان المسمى ولكن ذلك الشعور اللعين بالعلو الزائف كان يجمد أي حروف متوسلة تنوي إختراق شفتاها لتخرج للنور...!

إنتفضت تشهق بعنف عنـ.ـد.ما شعرت بأصابع بـ.ـاردة تسير على خطوط وجهها كله، كادت تنهض ولكن تلك السلاسل ذكرتها أين هي!..
وجدته أمامها، يحدق بها بهدوء تام، إلى أن قال فجأة بنفس الهدوء المتنكر:
-هاعرض عليكِ عرض وحيد وماقدامكيش الا إنك تقبليه
نظرتها المستفهمة كانت اختصار لسؤال لم يخرج من جوفها الناشف، فأكمل بنفس النبرة:
-هاتفضلي معايا على إنك مراتي لفترة، وهاتجيبيلي طفل وبعد ما تخلفي هاسيبك تمشي!

صاحت مستنكرة بتلقائية:
-إيه! أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن؟ يعني أنا اتجوزتك بالأجبـ.ـار وكمان عايزني أخلف منك؟
ثم إرتفعت ضحكتها الساخرة:
-وأسيبه وامشي كمان، ده إيه الثقة دي؟!
أمسك فكها فجأة بيده، يضغط عليه بقوة وهي تعاند ترفض السماح لذلك التأوه بالخروج، ليتابع بحدة مُقلقة:.

-كان قراري النهائي إني مش هاتجوز عشان حياتي كلها مليانة خطر وقلق وحرب ما بتنتهيش، وما أقدرش أأذي البـ.ـنت اللي هاتجوزها وأدmر حياتها بجوازي منها، لحد ما شوفتك!
نطقت بحروف ساخرة متقطعة مختنقة بسبب قبضته العنيفة الخشنة على رقبتها:
-وقعت في غرامي منذ الوهله الأولى مش كده؟!
ازدادت ضغطته على رقبتها دون أن يعير جملتها اهتمام فأردف:.

-لاقيت الضحية! وعجبتني، ف لية لأ؟ لية ما أفرحش جدتي اللي هي عيلتي الوحيدة وأخلف زي ما بتتمنى؟!
ثم هبطت عيناه ببطء لجسدها، شعرت أنه يخترق جسدها الأنثوي بنظراته التي أقسمت أنها شعرت بها تتفحص كل إنش بجسدها وهو يكمل متمتمًا بمكر:
-لية أحرم نفسي من المتعة؟
كان صدرها يعلو ويهبط من فرط التـ.ـو.تر، تـ.ـو.تر، تـ.ـو.تر، تـ.ـو.تر، منذ أن خطت قدmاها تلك المنطقة وشظايا التـ.ـو.تر تنغرز بمكمن جوارحها المكتومة شظية شظية...!

إلى أن صرخت وكأنها بتلك الصرخة العالية الحادة تُقلع تلك الشظايا التي أرهقت روحها:
-لأ، مش موافقة ومش هاوافق ومش هاخليك تلمسني بسهولة ومش هاستسلم
إنخفضت يداه ببطء يتحسس ذقنها بكل برود وحروفه خرجت من بواطن لوح ثلج:
-ومين قال إني عايزك تستسلمي؟ بالعكس، شراستك دي هي اللي بتزيد رغبتي فيكِ!
وكعادته يلقي كلمـ.ـا.ته السامة ثم ينهض ليغادر بكل هدوء وبرود يمتلكه...

الوقت يمر، والأفكار تتزاحم بعقلها الهالك، يزداد الضجيج ويتعالى أنين جسدها المُرهق مطالبًا بالرحمة، صارخًا بالجوع والعطش، ولكنها ايضًا تكتم تلك الحرب النفسية برداء الصمت الثقيل...!
بينما هو يراقبها من اللابتوب الخاص به بواسطة الكاميرات الموضوعة في ذلك السـ.ـجـ.ـن..!

ملامحها مرهقة، وجسدها يتلوى من الأرهاق والمطالب الفطرية، ولكنها صامتة، لا تصرخ، لا تنادي بأسمه، لا تتوسلهم الرحمة حتى كما توقع؟!، فقط الصمت!..
شخصيتها تقريبًا بدأت تُرسم بعقله رويدًا رويدًا، ولكنه متيقن من أن نصف الرسمة لن تكتمل بسهولة ابدًا!

مساء اليوم التالي...
فُتح باب ذلك السـ.ـجـ.ـن ولكن الشخص يختلف هذه المرة، فرفعت عيناها بضعف لتجد امرأة عريضة ملامحها خشنة وحادة تدلف بهدوء توجهت لها ثم هبطت لمستواها تفك قيدها من الأرضية لتمسكه بإحكام...
لو كانت حالة دنيا جيدة لكانت قاومت، دفعتها وهـ.ـر.بت مثلاً!
ولكنها ليست كذلك، بل تشعر أنها تسير على قدmاها بصعوبة!..
سارت بها السيدة نحو مكان ما، لتسألها دنيا بنبرة قوية رغم شحوبها:.

-أنتِ وخداني على فين ياست إنتِ؟
غمغمت الأخرى بصوت حاد خالٍ من شتى المشاعر:
-هاتغيري هدومك وتستعدي، الفرعون عايزك!
دقة خلف دقة ثائرة هـ.ـر.بت من زمام سيطرتها، ليصبح قلبها يهدر بعنف وهي تتحقق من تنفيذ عرضه المرفوض، لا، لن يحدث، تمـ.ـو.ت قبل أن يلمسها..!

وصلا أمام الغرفة ولكن فجأة تحاملت دنيا على نفسها لتستجمع قواها الخائرة بصعوبة، تجبر نفسها على الصمود، فدفعت تلك السيدة بعنف وكادت تركض هاربة ولكن فجأة اصطدmت بصدر عريض ينتمي لملامح خشنة حادة وقاسية حدقت بها وهو يخبرها بخبث شيطاني أرسل هزة عنيفة لكيانها:
-مستعجلة على إيه؟! وفري مقاومتك دي لبعد شوية هتحتاجيها أوي
ثم نظر لعمق عيناها، يكمل بجمود مُخيف طرد أي شظى للمشاعر:.

-أصل الليلة ليلتك يا آآ، ياعروسة!
ثم سحبها خلفه كالبهيمة بينما هي تتلوى بضعف وتصرخ فيخ وهو يتجاهلها بقسوة ساحبًا إياها نحو الغرفة التي ستشهد على، إنتهاكها!
اللحظات الزمنية التي مرت على دنيا وهي تحدق به بقلق كانت ثقيلة على القلب، مؤذية لروح مُحاطة بزجاج فهُشمت بحجار ذلك الخـ.ـو.ف الذي لم تستطع إنكاره ولأول مرة...!
كان صدرها يعلو ويهبط بتـ.ـو.تر، فقال هو بهدوء وهو يراقب حركتها:.

-إهدي مـ.ـا.تتـ.ـو.تريش، أنا مش هلمسك غـ.ـصـ.ـب عنك لإني عمري ما عملتها وفرضت نفسي على واحدة حتى للتسلية ومش هعملها معاكِ، أنا عايزك وهفضل عايزك، بس هاخدك لما تكوني في حـ.ـضـ.ـني بكامل إرادتك وبتهمسي بأسمي بتطلبي قربي!
لا تنكر أنها امتنت كثيرًا لكبرياؤه الذي منعه من أخذها غـ.ـصـ.ـبًا، ولكنها رفعت عيناها له والشراسة تنبض بها وقالت:
-أفضل أنت احلم كده واما نوصل للمحطة الاخيرة هبقى أصحيك ان شاء الله!
ثم ضيقت عيناها بتنمر قائلة:.

-وبعدين مين قالك اني متـ.ـو.ترة؟ أنا مش متـ.ـو.ترة خالص ولا يهزني أصلاً
رفع حاجباه معًا وهو يقترب منها أكثر، متمتمًا بصوت هادئ لم تُخفى نغمـ.ـا.ت السخرية منه:
-بجد؟
اومأت مؤكدة بلهفة حازمة، وهو يقترب أكثر وأكثر حتى سقطت دون أن تشعر على الأريكة خلفها، فشهقت بعنف تلقائي، ليميل هو عليها ببطء شـ.ـديد، عيناه، وآآهٍ من عيناه المتوهجة رغم ظلامها، تحمل الشيء ونقيضه!

تحمل ظلمة غائرة، ووميض موهج خافت يتناثر بين ثناياه الرفيعة حتى بدأت تحتال عليها الألوان...!
رفع إصبعه يسير برقة على العرق النابض الذي يهدر بعنف في رقبتها، رقة ارسلت قشعريرة بـ.ـاردة لكافة جسدها، ثم ابتسم بخبث وراح يكمل بنفس الهدوء المريب:
-امال ايه ده؟ ده شوية وهينفجر من التـ.ـو.تر!
لعنت تركيزه العالي وهي تغمض عيناها، اصبح يطل عليها بهيئته العريضة، عيناها تلاقي عيناها في حديث صامت، إلى أن همست هي بتلقائية:.

-طب آآ، يزيد، ممكن تبعد؟
لم تلحظ أنها نطقت أسمه لأول مرة، دون سخرية او غضب، بل نطقته بتلقائية خالية من شوائب مشاعرها الحانقة تجاهه..!
لم يبتعد بل اقترب اكثر، لتصبح أنفاسه الحادة مسموعة لها، رفع إصبعه ببطء يتحسس جانب وجهها برقة هامسًا بصوت رجولي:
-أول مرة تقولي يزيد!
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، اللعنة عليه وعلى ذلك القرب الذي يهلك أعصابها تـ.ـو.تر...!
هتفت مرة اخرى بضجر:
-إبعد بقا.

هز رأسه نافيًا، حتى أصبحت شفتاه على خدها يُحركها ببطء متناغم على إيقاع حروفه وهو يستطرد بخشونة واثقة:
-مش هابعد وكل ما هتقولي إبعد هاقرب أكتر، ولو ماسكتيش هاعمل اللي في بالي وما ادراكي ما اللي ف بالي بقا وإنتِ حره!
دفعته فجأة بعنف بعيدًا عنها ثم رفعت حاجباها بتعجب طفولي غاضب تزامنًا مع إتساع عيناها البطيء وهي تردد مستنكرة:
-أنت بتهددني؟
اومأ مؤكدًا بلا تردد:
-اه
-اشطا.

قالتها باستكانة طفولية حرفيًا وبدأت تبتعد عنه بتوجس، حينها ابتسم رغمًا عنه وقد أدرك أنها طفلة بالفعل تخترق مرحلة متقدmة من الزمن باندفاع...!
نظرت للباب ولكن وجدته مغلق بإحكام، لن تستطع الهرب اذن!
زفرت بيأس وهي تحك رأسها بإرهاق، ثم همست تسأله دون أن تنظر له:
-أنت اتأكدت أني مش هاقولك اي حاجة ومش هافيدك، حابسني لية بقا ولا هو تخلف وخلاص؟!

اقترب منها ببطء أقلقها، بدأت تشعر أن تلك الغرفة أصبحت ضيقة عليهما، أن انفاسها المتـ.ـو.ترة تحارب أنفاسه الثائرة دون توقف!
وفجأة كان يدفعها نحو الحائط ويثبت وجهها بين يداه ويتنزع شفتاها نزعًا بتلك القبلة، قبلة إلتهم فيها شفتاها فازداد ذاك الحريق لهبًا...!
ابتعد بعد دقيقة يقول من بين أنفاسه:
-أنا مبقولش الكلمة مرتين! قولتلك أنا سايبك ليه.

ثم أشار لشفتاها التي بدت شبه متورمة، ورغمًا عنه تذكر مذاق شفتاها فابتلع ريقه وهو يتابع:
-ودي كانت عشان لسانك الطويل ده
ظل يراقب حركة شفتاها رغمًا عنه فهز رأسه نافيًا ومن ثم أغمض عيناه يهمس:
-امشي من هنا دلوقتي أحسن لك!
ودون مقدmـ.ـا.ت كان ينادي على تلك السيدة الحادة التي أحضرتها لتطرق الباب خلال دقيقتان وتدلف هاتفة بجدية:
-أمرني يا يزيد باشا.

كان مازال تحت سطوة ذلك التأثير اللعين بمجرد قبلة منها، بين الجمود والأشتعال شعرة، شعرة واحدة أحرقتها تلك القبلة!.
فخرج صوته أجشًا وهو يأمرها:
-خديها وحطيلها تاكل وتشرب واديها هدوم عشان تغير القرف اللي هي لبساه ده
اومأت السيدة بطاعة ودون أن تعطي دنيا فرصة الاعتراض كانت تسحب جسدها الهزيل بقوة نحو الخارج، بينما هو يمسح على شعره الغزير عدة مرات بقلق من القادm...!

صباح اليوم التالي...
كان ياسر يُشرف على رجـ.ـاله في احدى الأماكن شبه المهجورة؛ يجهزون الأسلحة فكان ينظر لأحدهم ويربت على كتف احدهم قائلًا بحماسة:
-شـ.ـدوا حيلكم يلا يا وحوش
استدار ثم عاد ل مُسعد الذي كان يراقبهم بصمت، وما إن اقترب منه ياسر حتى إلتقط انفاسه المتحشرجة بوتيرة متفرقة حتى شعر أنه ينسجهم داخل صدره معًا بصعوبة!
ثم حدق ب ياسر هاتفًا بنبرة أجشة مشوبه ببعض القلق:.

-إنتَ متأكد من الخطوة دي يا ياسر؟ متخيل إنك هاتقدر تقضي على الفرعون وتاخد دنيا كمان بشوية الرجـ.ـا.لة دول؟!
اومأ ياسر مؤكدًا ورفرفت كافة جوارحه بالثقة وهو يجيب:
-أيوه، احنا هنذيع خبر إننا هنطلع عملية بعد تلات أيام، وهو طبعًا هيجري زي الكـ.ـلـ.ـب المسعور وهايسيب قصره، ساعتها انا هاخد الرجـ.ـا.لة وهنروح القصر هنخلص على كل اللي فيه وهانجيب دنيا!

هز الاخر رأسه عدة مرات، يشعر بالقلق، برهبة القادm كأعصار سيكتسح كل شيء في منتصف فصل الربيع..!
واخيرًا نطق بصوت جاد محذرًا:
-خد بالك كويس يا ياسر ومـ.ـا.تستهونش بعدوك
حلقت ابتسامة غريبة على حبال ثغر ياسر تنم عن طلاسم مشحونة بالحقد الشيطاني قبل أن يغمغم بنفس النبرة:
-شغلنا ده مش عايز قلق يا بوص ولو مش قده أحسن لنا نقعد في البيت زي النسوان!

ربت مُسعد على كتفه عدة مرات وكأنه يؤكد على كلامه، ثم دنا مقتربًا منه أكثر حتى اصبحت شفتاه قريبة من اذنه، حينها همس بصوت غريب خلا من أي مشاعر أبوية:
-لو ماعرفتش تجيب دنيا، أقــ,تــلها!
إتسعت حدقتا ياسر تلقائيًا من ذلك الجحود المبطن بين ثغور حروفه!
فتمتم شاردًا وكأنه يحاول إستيعاب تلك الكلمة التي شطرت قلبه المسكين لنصفين:
-أقــ,تــلها!
اومأ مُسعد مؤكدًا يتابع همسه:.

-قولتلك وهرجع اقولك يزيد الشرقاوي مش سهل، والمعلومـ.ـا.ت اللي دنيا تعرفها والورق اللي مع يزيد كفيل إنه يودينا ورا الشمس...
قال اخر كلمـ.ـا.ته ثم استدار ليغادر بكل هدوء وكأنه لم يأمر منذ ثوان بقــ,تــل، ابـ.ـنته!

كانت دنيا في سـ.ـجـ.ـنها، تناولت لقيمـ.ـا.ت خفيفة من ذلك الطعام وعادت لنفس وضعيتها تضم ركبتاها لصدرها وتحدق باللاشيء...!
وسؤال لعين يُصر على دق جدران ذاك العقل الذي كاد ينفجر من قوة المشاحنة الفكرية التي تتصادm داخلها...!
ترى هل سيحاول والدها إنقاذها؟!
لا تدري لمَ تطرح سؤال اجابته محفورة بعقلها في ركن ما مظلم!

ولكن ماذا عساها تفعل في ذلك الأمل اللعين الزائف في مشاعر أب ربما يعود رمادها ويطفو على سطح جوارحه..؟!
ورغمًا عنها بدأت تتذكر ذلك اليوم الذي اطاعت فيه قرار والدها بدخول قصر الفرعون...

فلاش باك###
كانت امام القصر، ظلت تأخذ شهيق وزفير، تحاول تكميم قسمـ.ـا.ت وجهها النابضة بالقلق رغمًا عنها...!
توجهت نحو الحرس تهتف بصوت هادئ:
-عايزه اشوف الفرعون
اشار لها الحارس بيده بخشونة:
-عايزه تشوفيه لية؟
-مايخصكش، اديله خبر وبس
وبالفعل غادر الحارس للداخل بضع دقائق وعاد لها بملامح غامضة يخبرها:
-تعالي الفرعون مستنيكي جوه.

عضلة فكها اختلجت دون ارادة منها، تشعر أن كلما اقتربت من رؤيته يهاجمها دوار سريع مخيف في ضـ.ـر.بات قلبها...
وبالفعل دلفت معه ولكن بمجرد أن دلفت وجدت الحرس يسحبونها نحو ذلك السـ.ـجـ.ـن...
فبدأت تصرخ بزمجرة شرسة:
-انتوا واخديني على فين سيبوني
ولكنهم بالطبع كانوا صم بكم عمي، أذانهم لا تصغي سوى لصوت واحد، صوت ذاك الفرعون!
وبعدها لم تدرك شيء، ظلت في ذلك السـ.ـجـ.ـن حبيسة شريدة، سجينة تنتظر على ورقيات من الجمر عقـ.ـا.بها!..

تيقنت أن الفرعون قد علم انها جاءت تنوي ادعاء انها تريد العمل عنده ثم تغويه ثم تبدأ رحلة بحثها عن الورق الذي يخص ابيها، ولكن لم يراها يومًا بحياته، فكيف علم بمخططها هي وابيها، لا تعلم ولن تعلم...!
باك###.

قطع شرودها الباب الذي فُتح ببطء وذلك الحارس يقترب منها ليفك قيدها ويسحبها معه بعنف دون أي كلمة...
حاولت التملص من بين قبضتاه وهي تصيح:
-أنت واخدني على فين اوعى كده يا متـ.ـخـ.ـلف
ولكنه كان تقريبًا مجرد جماد لا يعي ولا يستوعب أي شيء سوى الامر الذي تلقاه...!
وصل بها لمكان واسع يشبه التراس وبه بعض الاشياء كالأسلحة والاجساد الصناعية، وبعض الاشياء الخاصة بالملاكمة وما شابه ذلك...!

كانت عيناها تتفحص ذلك المكان بصمت تام إلى أن وجدت يزيد امامها، يضم يداه لصدره ويقف بكل برود، يرتدي بنطال أسود وتيشرت نصف كم ضيق يبرز عضلات صدره وذراعه، لا تنكر أن مظهره الرجولي أثار انتباه تلك الأنثى الملكومة، المستكينة داخلها بقانون حياتها الذي وافقت على صكه عنـ.ـد.ما عاشت كالرجـ.ـال تحت طوع والدها...!

انتبهت له عنـ.ـد.ما اقترب منها دون أن تشعر حتى أصبح امامها تمامًا، فاقترب بوجهه منها يغمزها بطرف عيناه بمكر مرددًا:
-مساء الجبنه الكيري ياللي شاغل تفكيري!
كتمت تلك الابتسامة التلقائية التي كادت تشق عبوسها، لتردف بحنق دون أن تعي ما تقوله:
-مساء الهباب على عيونك العِناب!
ضحك يزيد ملأ شـ.ـدقيه لتلحظ دنيا جمال ضحكته الرجولية، اقترب منها يزيد اكثر يهمس بخبث:.

-يعني طلعت عيوني عِناب؟! طب والله كويس في تقدm غيرتي الشتيمه اهو واحترمتي نفسك!
كزت دنيا على أسنانها بغـ.ـيظ، تشعر بدخان يكاد يتصاعد من اذنيها وهي تحدق به متمتمة بعدm تصديق:
-قال فرعون قال! ده أنت قنبلة تفاهه
سألها يزيد بحذر:
-بتبرطمي تقولي إيه؟
رسمت ابتسامة سمجة على شفتاها المكتنزة وهي تتابع عاقدة ذراعيها:
-مابتنيلش، خلصني وقول اللي عايز تقوله عشان ورايا سـ.ـجـ.ـن عايزه أروحله.

حينها عادت ملامح يزيد تتجهم شيء فشيء وهو يعود لصلابته الحادة، تلك الصلابة التي تتصل إتصالاً لا اراديًا بباطن القلق داخل أي شخص يقابله...!
تقدm قبلها يسير نحو الأسلحة والاجساد الاصطناعية آمرًا:
-ورايا
سارت خلفه مجبرة ولكنها لم تكن تنظر لما ينظر له بل كانت عيناها تتفحص ذلك المكان، لينطفيء ذلك الأمل الذي أنار غابات عيناها الذابلة عنـ.ـد.ما وجدته محاطًا بالحراس المسلحين من كل الجوانب...

وقف فوقفت هي الاخرى تنظر للأسلحة بتفحص قبل أن تلوي شفتاها مستطردة بسخرية:
-إيه؟ هنعيد امجاد حرب أكتوبر ولا إيه؟!
هز رأسه نافيًا بحدة، فأمسك يداها يضغط عليها بعنف وهو مطبق على أسنانه بصمت، فصاحت هي فيه متأوهه من الألم:
-إيدي يابني ادm سيبني.

لم ينظر ليداها حتى وهو يضغط عليها اكثر بينما عيناه الخاوية مُسلطة كإشعاع حاد يحارب تلك الغابات المرتكزة بعيناها، قبل أن يقول بصوت أجش قاسي وكأنه لم يكن يمزح منذ ثوانٍ:
-لما تكلميني ت عـ.ـر.في إنتِ بتكلمي مين، الظاهر إني اتهاونت معاكي كتير لكن هاربيكي من اول وجديد عشان واضح إنك ماشوفتيش تربية!

استشعرت مرارة اليتم بحلقها وهي تردد ساخرة ولكن تلك السخرية مختلفة عن سابقتها، تلك السخرية مطعونة بأشواك الحرمان، الفقد، والشوق!
معلش أصل أمي مـ.ـا.تت قبل ما تربيني، وأبويا زي ما أنت شايف مش فاضي يحك راسه
تلك الرنة بالألم صدmت أذن يزيد بعنف وهو يحدق بها بصمت، ولكنه لم يعلق وهو يلتقط سلاح بهدوء يضع به رصاص وهو يسألها دون أن ينظر لها:
-بت عـ.ـر.في تعملي إيه؟
ردت دون تفكير:
-بعرف أمسك السلاح وأضـ.ـر.ب نار.

توقعت الدهشة منه ولكنه لم يفعل بل اكمل مستنكرًا:
-بت عـ.ـر.في تضـ.ـر.بي نار بس؟! وبت عـ.ـر.في تصيبي بقا ولا بتضـ.ـر.بي بعشوائية كمان؟
زفرت أنفاسها بضيق حقيقي ثم اجابت بعد ثوانٍ من الصمت الثقيل على كلاهما:
-ايوه بضـ.ـر.ب بعشوائية، أصلي مادخلتش كلية الشرطة عشان أتعلم اصيب
لم تلحظ تلك الابتسامة الماكرة التي أظهرها للحظة ثم إختفت وقال:.

-تمام، يلا أنا هاعلمك كل حاجة، ازاي تنشلي وايه الاماكن اللي من رصاصة واحدة تمـ.ـو.تي بيها اللي قدامك، ازاي تدافعي عن نفسك بدون سلاح، هاعلمك الملاكمة وركوب الخيل والسباحة كمان لو مابت عـ.ـر.فيش، هاتتعلمي ازاي تفلتي من بين ضـ.ـر.ب نار او حريقه حتى!
كانت تحدق به بعدm فهم، لم تعد تستوعب أي شيء، لأول مرة تشعر أنها بداخل لعبة كبيرة، لعبة هي كالعروس الماريونت فيها!
فسألته تلقائيًا وهي ترمي له نظرة شاردة:.

-أنت ناوي على إيه وبتعمل كده ليه؟!
لم يجيبها وإنما جذبها من يداها بهدوء لتصبح امامه ووجها لتلك الاجسام، وضع السلاح بين يداها واقترب اكثر منها حتى أصبح ملتصق بظهرها، يداه على يداها يثبت السلاح في يدها بالطريقة الصحيحة، ابتلعت هي ريقها بتـ.ـو.تر رهيب وهي تستشعر سخونة انفاسه عند رقبتها، فخرج صوتها متحشجرًا وهي تهمس له:
-يزيييد، إبعد كده مش هاعرف اركز!

طارت سحابة خبيثة تحلق بين ثنايا عيناه قبل أن يتابع وعيناه مسلطة على السلاح بيداها:
-اما يكون السلاح في ايدك لازم تتعودي إنك تركزي معاه هو بس، حتى لو في مليون حاجة بتشتت تفكيرك
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر وبالفعل حاولت الامتثال لأوامره، بينما هو كان يتنهد بعمق تنهيدة حملت في طياتها الكثير، رائحتها الناعمة تدغدغ شيء داخله مجهول، ولكنه كالنيران التي اضرمت مشاعره...!

وبحركة تلقائية كانت تدفع يزيد بعنف بعيدًا عنها وتصوب ذلك السلاح تجاه صدره، بلحظة رُفعت كل الأسلحة تجاهها من الحراس ولكن يزيد أشار لهم بيداه وهو يصيح:
-محدش يتدخل
كان ينظر لها بثبات، الغـ.ـبـ.ـية لا تعلم، تتصرف بتلقائية وكأنها تتعامل مع صبي أبله وليس فرعون ترتجف له الأبدان؟!
ظهرت ابتسامة ساخرة على ثغره وهو يومئ لها مرددًا:
-مستنيه إيه؟ يلا اضـ.ـر.بي؟ شكلك أول مرة تقــ,تــلي حد! يلا اضـ.ـر.بي ومحدش هيقربلك فيهم.

رغمًا عنها كانت يداها ترتجف، صحيح أنها كاذبة، مخادعة، سارت وسط الألاعيب والممنوعات كشعرة رفيعة تسير ببطء على طرف حبل لم يعد يسعها...!
ولكنها ابدًا لم تكن قـ.ـا.تلة!..
الكلمة وحدها كانت ثقيلة على روحها فازدادت رجفة يداها وهي تصرخ فيه:
-خليهم يسيبوني امشي من هنا
-ده عشم إبليس في الجنة.

كان رده تلقائي، حازم، وجـ.ـا.مد في نفس الوقت، وبعد دقيقة واحدة كان السلاح يسقط من يدها ارضًا وهي تنهار، ولكن دون بكاء، بكاءها شيء كالألماس لا يمسه ولا يراه أيًا كان...!
اقترب هو بهدوء منها، ليمسك بالسلاح قائلاً بصوت هادئ تمامًا:
-الرصاص صناعي مش حقيقي، انا مش عيل صغير عشان اديكي فرصة تقــ,تــليني!
رفعت عيناها الحمراء له وهي تزمجر فيه بجنون:
-امال عملت كده لية؟! عايز مني إيه.

أشار لأحد رجـ.ـاله بإصبعه فاقترب منهم احدهم وهو ممسك بهاتف ما، امسكه يزيد ثم فتح تسجيل صوتي لحديث والدها و ياسر عنـ.ـد.ما أمر والدها بقــ,تــلها!
ثم استدار ليغادر هو وذلك الرجل بكل برود وهدوء تاركًا اياها تتلقي صفعة جديدة من حظ لم يرأف بحالها ولو لحظة...!

ثلاثون دقيقة كاملة ودنيا تجلس في تلك الحديقة بصمت تام تحت أشعة الشمس الحارقة، ولكن ذلك الحريق لم يكن من الشمس ابدًا، بل كان من منابع روحها، كان من أفكار عصفت بها ذكريات قاسية فجعلت أفكارها تزداد لهبًا لتصبح كالحمم التي تصاعدت لتوها من بركانها الخامد...!

نهضت اخيرًا وهي تسير بآلية نحو الداخل لترى يزيد، لن تبقى على عهدها، لن تحميه لطالما أمر بقــ,تــلها، لن تخشى عليه وهو لا يهمه امرها ولو بنسبة واحد بالمائة...!
توقعت أنها أغلى وأعلى من ذلك بنظره، ولكن ذلك التسجيل أسقطها لسابع أرض...

نظرت ليزيد الذي كان يجلس ببرود فخرج صوتها مبحوح رغم ثباته وهي تقول:
-أنا موافقة إني أخلف لك الطفل وتسبني بعدها!
بعد أيام...
كانت تسير ذهابًا وإيابًا في تلك الغرفة التي اصبحت سـ.ـجـ.ـنها الجديد، لم تراه منذ اخر مرة عنـ.ـد.ما اخبرها أنه سينفذ اتفاقهم وقتما يشاء هو، سوى عنـ.ـد.ما جاء ليخبرها بكل برود أنه سيُقيم حفلة صغيرة في المنزل ليُعلن زواجهم...!
اصبحت تهز رأسها بقوة اكبر وكأنها تود أن تخمد ذلك البركان المشحون بشتى الاسئلة داخلها..
لو كانت تفهمه بنسبة واحد بالمائة الان اصبحت صفر على اليسار...!

أصبح بالنسبة لها كأحدى الأساطير المعقودة بسحر، سحر أسود لن يُذاب إلا بالهلاك..!
طرقت على الباب بعنف وهي تنادي على تلك السيدة التي هي متيقنة أنها قريبة منها...
-إنتِ ياست ياللي برا، إنتِ يا حجه
سمعت سؤالها البـ.ـارد من خلف الباب:
-نعم؟
حاولت حكم جنون ذلك الشيطان من الغضب الهائج بداخلها وردت بحدة ولكن على وتيرة هادئة:
-عايزه أدخل الحمام مش هقدر أستحمل لحد ما الناس اللي تحت تمشي.

غابت تلك السيدة مدة دقائق معدودة وبالفعل بعد لحظات كانت تفتح باب الغرفة بهدوء وهي تقول بنبرة آلية:
-اتفضلي، الفرعون قال سيبيها، كده كده إنتِ شوفتي بعينيكِ الحراس مترصصين برا من كل الجهات ازاي وأي محاولة بالهرب مش هتبقى في صالحك خالص!
رمت دنيا نظرة ساخرة نحوها ومن ثم راحت تردد بجمود متحفظ بالهدوء:
-قوليله إني اديته كلمتي ومش هاهرب لاني مـ.ـا.تعودتش أرجع في كلامي.

توجهت بهدوء نحو المرحاض مع تلك السيدة وهي تسرق نظرة لهؤلاء الرجـ.ـال بالأسفل، وبالضبط كما توقعت...
اشباه رجـ.ـال من تجار المـ.ـخـ.ـد.رات والسلاح و، إلخ!
التوى فاهها بضحكة ساخرة لم تصل لشفتاها، لمَ توقعت أنه سيكون نظيفًا، مختلفًا، أنه سيكون شيء آخر يضاهي سواد والدها بمعنى أصح!؟..

ربما لأنها وُلدت لتجد نفسها في ذلك المستنقع، أب يغرسها به أكثر، ونور قوي، نور يشع من احدى ثنايا ذلك المستنقع ولكنه بعيد، بعيييد جدًا ومُهلك لقدرتها على الوصول له!
دلفت للمرحاض ولن تنكر ذلك الصوت داخلها الذي يحثها للبحث عن أي منفذ للهرب رغم ما سمعته وما قالته...
ولكن اسفًا لم تجد سوى نافذة صغيرة مغلقة بحديد، زفرت بيأس ثم تغسلت بهدوء تمسح وجهها عدة مرات وهي تتنهد...

إنتهت بعد فترة قليلة، خرجت من المرحاض بهدوء ولكن فجأة وجدت مَن يقبض على ذراعها بقوة وقبل أن تطلق العنان لتلك الصرخة كان هو يكتم فاهها بيده...
سحبها معه بحذر نحو الغرفة التي كانت تقطن بها وما إن دلفا حتى دفعته بعنف وهي تصرخ مزمجرة تلقائيًا:
-إبعد عني أنت مين!؟
خاب ظنها عنـ.ـد.ما اعتقدت لوهله أنه يزيد إذ وجدته شخصًا آخر لم تراه يومًا، ولكنها خمنت ببساطة أنه احد ضيوف ذاك الفرعون!

توهجت عيناها بضي الشراسة وهي تسأله بحذر:
-أنت مين وعايز إيه مني؟
عض على شفتاه بطريقة مقززة خبيثة وهو يرمقها بنظرة سلبتها ما يخفيها عنه دون أن يمسها!
ثم تابع بنفس المكر الشيطاني:
-محسوبك نادر، اما عايز منك إيه ف أنا شوفتك صدفة وإنتِ خارجة من الاوضه وبصراحة ماقدرتش ما أجيش وأتعرف على القمر ده!
كزت على أسنانها بعنف مغمضة العينين، تحاول السيطرة على أعصابها التي تحترق الان وهي تستطرد:.

-أنا آآ، انا مرات الف، يزيد، ولو عرف إنك فكرت حتى تطلع لي هنا مش هايعديها على خير
لا تدري لمَ استصعبت كلمة الفرعون في ذلك الموقف، ربما لأنها لن تفكر أن تتحامى يومًا بظل أسم الفرعون...!
ولكن يزيد، ذلك الرجل الحاني المشاكس المخبئ خلف قناع الفرعون له حكاية اخرى كالسرداب لن تراها او تعلمها بسهولة...

إنتبهت لذلك المعتوه عنـ.ـد.ما اقترب منها فجأة يحيط خصرها بجنون بينما شفتاه تطبع قبلات متلهفة على وجهها وهو يردد:
-وهو مين بس اللي هايقوله يا حلوه إنتِ!
في نفس اللحظة التي دفعته فيها دنيا عنها بكل بعنف وقوة امتلكتها، كان يزيد يدفع الباب بجنون وهو يدلف نحو ذلك الرجل صارخًا بصوت زلزل أركان المنزل:
-نااااااادر، يا * يا قذر بقا أنا تخش اوضة مراتي وبتحاول تقرب منها كمان يا * يا زبـ.ـا.لة وربي ما هسيبك النهارده.

مع اخر كلمـ.ـا.ته كان يلكمه ويضـ.ـر.به بعشوائية هيستيرية وكأنه لا يعي اي شيء سوى أنه كان يقبلها ويقترب منها، يلمسها!
عيناه كانت حمراء، حمراء كما لم تراها دنيا يومًا منذ أن أتت، جهنم تنم عن احتراق شيء بصدره أشتعلت بها، اشتعلت ولن تنطفئ قبل أن تحرق ذاك الابله بلهب الغيرة الذي أشعلها...!
غيرة...؟!
وهل يغار، وعليها؟!، بالطبع لا، بل يغار على من تكون زوجته ولو بشكل صوري...

خرج من شروده على صوت نادر وهو يلهث محاولًا إلتقاط انفاسه فأصبح يهتف بلهفة:
-هي كانت بتستجيب لي قبل ما أنت تدخل واول ما دخلت بدأت تمثل إنها بتمنعني.

إن ظن أنه سيخلص نفسه من بين براثن الفرعون بهذه الكذبة فهو أحمق، أحمق لأن ذلك الجحيم بعينا يزيد استعر بجنون أقوى وأعنف ولم يخمد إطـ.ـلا.قًا...!
فازدادت ضـ.ـر.باته عنفًا وهو يصـ.ـر.خ فيه:
-وكمان بتتهمها، يعني بتطعني في شرفي يابن ال*
لم يتركه إلا عنـ.ـد.ما فقد وعيه تمامًا، حينها نهض لاهثًا يجذبه من ملابسه بلا اكتراث وسحبه كالبهيمة تمامًا نحو الخارج وهبط به للاسفل بنفس الطريقة الاكثر من مُهينة...

أصبح أمام باقي الرجـ.ـال فرماه بازدراء قبل أن يصيح بنبرة غاضبة عاتية كالأعصار:
-أظن كلكم سمعتوا اللي حصل، ال* كان بيقول رايح الحمام وهو رايح بيتهجم على مراتي!
رفع رأسه بهيبة تخصه وحده وأكمل:
-حد عنده اعتراض على اللي عملته واللي هعمله فيه؟
هز جميعهم رؤسهم نافيين، فبدأ بعضهم يتمتم باستحقار
لا طبعًا، يستاهل
والاخر يتابع بعدm تصديق لتلك الجرأة التي يمتلكها ذلك الرجل
ازاي قدر وفي نص بيته ده إتجنن رسمي.

فيضحك اخر بسخرية وهو يجيبه
الظاهر إنه تقل في الشرب شويتين تلاتة!

أشار لهم يزيد بيده ليهدأوا، ثم خرج صوته أجش صلب قائلًا:
-شكرًا على زيارتكم تقدروا تتفضلوا
ثم صرخ مناديًا احد حراسه:
-ابراهييييم، خد الكـ.ـلـ.ـب ده ارميه عندك لحد ما يفوق ابقى ناديني هتسلى عليه لحد ما يتربى الرمة ابن ال* ده
وبالطبع امتثل ابراهيم وباقي الرجـ.ـال لكلامه فحيوه بصمت وغادروا بكل هدوء...

ولكن يزيد لم يهدء ابدًا بل تكورت قبضة يده بعنف وهو يحدق بغرفة دنيا وفي اللحظة التالية كان يصعد كالأعصار المـ.ـجـ.ـنو.ن لها...

كان مُسعد يجلس في غرفته، يضع قدm فوق الاخرى وعيناه ساكنة، مُلطخة ذلك السكون بآلاف الحروف ولكن اخذت وضع الصمت..!
وضع السيجار بين شفتاه ينفخ ذلك الدخان بشراهة...
دقيقة وكانت احداهن تقترب منه ببطء لتجلس على يد الكرسي جواره، تحيط عنقه بيداها الناعمة وحروفها المُدللة تخترق عزلته المشحونة:
-مالك يا سوسو؟!
نفض يداها عنه بعنف نوعًا ما ومن ثم زمجر فيها بخشونة:.

-إنتِ عارفاني مبحبش ام الدلع ده! وخصوصًا وأنا مضايق
اومأت موافقة على عجالة، الفترة التي أقامتها بين أحضان ذاك الرجل كانت حبل رقيق جدًا إنساب يجمع بين عقولهم ببطء حتى أصبحت طريقة تفكيره تترنح لها على سن ذاك الحبل بكل هدوووء...!
رفعت يداها تُدلك خصلاته برفق هامسة:
-أنا مابقتش فهماك يا مسعد، أنت إيه اللي مضايقك دلوقتي بالظبط؟
وعنـ.ـد.ما تدحرج الصمت لها بدلاً من اجابة واضحة، زفرت على مهل وراحت تتابع:.

-احنا عارفين إن دنيا مش هتنطق بحرف، وياسر هيرجعها او هيقــ,تــلها، مضايق لية بقا؟!
كان يهز رأسه نافيًا بصمت، كل ما يثير ضيقه في ذلك الموضوع أنه سيخسر جندي ذهبي صامد في حرب يحترق بها الذهب بلا نزاع!..
دنيا كانت كذراعه الأيمن برغم كل الرجـ.ـال الذين يحيطون به، حتى ياسر!
هو مَن رسم خطوط عقل تلك الفتاة، هو مَن زرع بها نبتة الأخلاص الابدي له...

استفاق على صوت عشيقته تردد ضاحكة والسخرية تحتضن حروفها:
-اوعى تقولي إن مشاعر الأبوة صحيت فجأة جواك؟!
والحقيقة صرخت لتخرج للنور فجأة من بين جوف الظلام، فكان يجيب صارخًا دون أن يشعر بتلك الحروف المظلمة التي انسابت من بين شفتاه كالحرير:
-هي مش بـ.ـنتي اصلًا عشان مشاعر الأبوة تصحى فجأة
سالته بأعين متسعة وصوت شحب فجأة:
-امال بـ.ـنت مين؟!
رد على مهل بشرود:.

-دنيا مجرد واحدة ربيتها عشان تفيدني طول ما هي عايشة بس!
المفاجأة ألجمت لسانها، عقدت حروفها التي كادت تندفع للمتابعة بلسعة الصدmة!
لم تنطق فأكمل دون أن ينظر لها:
-دنيا بـ.ـنت مراتي، أمها مـ.ـا.تت بعد ما ولدتها بشهر!
ولأول مرة تتجرأ لتسأل بصوت مبحوح نوعًا ما:
-مـ.ـا.تت ازاي؟!
بدا كالمسحور الذي اخضعه سحر غريب ليسلب الحقيقة من بين حواجزه بكل سلاسة!..
فأجاب بكل هدوء:.

-كنت بضـ.ـر.بها لما نرفزتني وفجأة لقيتها طبت ساكتة، أتاريها كانت عندها القلب وماقالتليش او بمعنى أصح انا ماكنتش مهتم بيها، وماستحملتش ومـ.ـا.تت بسكتة قلبية..!
لم تستطع كتم تلك الشهقة العنيفة التي خرجت من بين شفتاها، لينظر هو لها اخيرًا بنظرة خاوية متشعبة بالتهديد:
-إنتِ عرفتي سر من أسراري، وده معناه إن حياتك مُعرضة للخطر لو أي حاجة طلعت برا الأوضة دي.

ثم نهض بنفس الهدوء يغادر تلك الغرفة وكأنه لم يهددها بحياتها للتو وهو يخبرها أنه قــ,تــل والدة الطفلة التي تعتقده أبيها ويمكن أن تضحي بحياتها فداءًا له...!

دلف يزيد للغرفة التي تقطن بها دنيا بنفس الغضب الذي يكاد يحرق العالم بأكمله...!
إنتفضت هي واقفة بمجرد أن فُتح الباب لتنفجر فيه صارخة بتساؤل غاضب:
-إيه ده مش تخبط على الباب!
وفجأة وجدته يقترب منها بهدوء مقلق، بدأت تعود للخلف بنفس البطء، عيناه التي إنفجرت بها حمم بركانية تناثرت شظاياها وسط حروفه عنـ.ـد.ما هتف بخشونة حادة وهو يمسك ذراعها بعنف:
-أنا مش قولتلك مـ.ـا.تخرجيش من الأوضة دي؟

لم يتلقى أجابة فتابع بشراسة ذكرتها أنها تحدث الفرعون:
-شكلك حبيتي السـ.ـجـ.ـن القذر اللي تحت عشان تلمي نفسك
حاولت نفض ذراعها الذي أحمر من قبضته القاسية وهي تردف بنفس حدته:
-أنا مش متبعترة عشان ألم نفسي، و اه ياريت ترجعني السـ.ـجـ.ـن على الأقل مش هشوف الأشكال ال* اللي شوفتها هنا
أقترب منها اكثر، محى ذلك الفراغ الطفيف بينهما ليصبح ملتصقًا بها، تشعر بسخونة جسده تزامنًا مع غليان الدmاء بعروقه...!

كاد يضطرب تنفسها من ذلك القرب الذي أصبح يبعثر توازنها وهي تنظر ارضًا لتجده يمسك فكها بعنفه المعتاد يرفعه مزمجرًا بجنون:
-لو كنتي سمعتي كلامي وماطلعتيش من اوضتك ماكنتيش شوفتي الاشكال ال* دي!
لم تجب بل أصبحت تحدق بعيناه، وآآهٍ من عيناه، عيناه التي اصبحت مثله تمامًا، نوعًا آخر من الطلاسم، ولكنها أشـ.ـد إحكامًا وظلمة، طلاسم تخفي بين ثناياها حكايا الدنيا وما فيها!..

مغلقة ولكن يطغي عليها تلك الحمرة المخيفة التي تحتل عيناه عنـ.ـد.ما يصل لأقصى مراحل غضبه...!
وفجأة هتفت هي بصوت هادئ ظاهريًا ولكنه أصاب هدفه:
-أنت كل اللي حارقك إن واحد غيرك مد إيده على حاجة تخص الفرعون، مش عشان أنا مراتك ولا إنه مفروض صاحبك مثلًا..!
سمعت صوت صكيك أسنانه الحاد علامة على غضبه وجنونه اللذان ازدادا حد السماء...!

وفجأة كان يضغط على فكها أكثر حتى تأوهت بألم ولكنه كتم تأوهها عنـ.ـد.ما مال برأسه يلتقط شفتاها بقبلة مـ.ـجـ.ـنو.نة، عنيفة، إعصار من شتى المشاعر التي تجتاحه حاليًا!..
دقات قلبها تثور بجنون طالبة الهدوء الذي لن تناله وشفتاه تفعل بها الأفاعيل، أغمضت عيناها بعنف، لا يهدأ، تشعر بشيء يتسلل لجوارحها ببطء وعمق، ولازال يتعمق اكثر فأكثر، وهذا يُخيفها!

واخيرًا ابتعد بأنفاس مُبعثرة كخصلاته السوداء، يحدق بشفتاها التي كادت تتورم من ذلك الجنون المُسمى بقبلة..!
ليمسك فكها مرة اخرى يغوص بعيناها الزرقاء وهو يهمس بخشونة:
-شفايفك دي دايمًا بتستفزني بأي حروف بتخرج منها!
تركها في صمام ذهولها وأستدار ليغادر وهو يمسح على شعره عدة مرات بعنف ثم اخذ يزفر بضيق...!

بعد مرور يوم آخر،
في المطار...
كانت دنيا تصعد معه الطائرة عن جهل تام، عيناها تحتد مع مرور كل دقيقة وهي تزمجر فيه بغـ.ـيظ جلي بين جموح بحر عيناها:
-مش هطلع إلا اما تفهمني انت واخدني على فين!
أغمض عيناه يحاول تهدأة نفسه، ومن ثم همس بهدوء كان كهدوء ما قبل العاصفة:
-اطلعي احسن لك، اما نطلع هفهمك
هزت رأسها نافية والعند يتضخم داخلها:.

-ابدًا، إنت جبت لي هدوم معرفش ازاي من غير ما اقيسها وخدتني زي البهيمه لحد هنا وانا مش عارفة احنا رايحين فين، خطوة كمان مش هتحرك من غير ما اعرف احنا هنغور ف أنهي داهيه!
كانت عواصف غامضة، مظلمة كالعادة تغيم بعيناه السوداء، دقيقة كانت زمن هذه العواصف التي غابت فجأة ليحل محلها أمطار خبيثة عابثة ومشاكسة وهو ينحني بحركة مباغتة ليضع يداه عند ركبتيها والاخرى عند ظهرها ويحملها على كتفه بكل عشوائية!..

ظلت تضـ.ـر.به هي على صدره صارخة:
-نزلني، نزلني يا همجي يا عديم الانسانيه
تجاهلها تمامًا وهو يصعد لتلك الطائرة الخاصة بكل برود وهي لاتزال تصرخ بانفعال...
صعدوا بالفعل فوضعها يزيد على احدى الكراسي بالطائرة ثم جلس جوارها بأريحية، فرد ظهره على الكرسي وهو يحرك يداه معًا متنهدًا لتصيح هي فيه فجأة بعصبية مُضحكة:
-وحياة أمك؟
كادت ضحكة تفلت من بين عبوس شفتاه ولكنه تمالك نفسه بصعوبة ليسألها وهو مغمض العينين:.

-عايزه إيه يا بيئة؟! صدقيني انا بحاول امسك نفسي عشان ما امدش ايدي عليكي
كادت تبكي وهي تجيب بطريقة طفولية:
-عايزه اطفح جعانة!
نبرتها المرتخية، حروفها المدببة ببوادر بكاء، لوي شفتاها التلقائي كالأطفال، كل شيء بها طفولي يجذبه لها دون أن يشعر..!
رمى نظرة جـ.ـا.مدة نحو مضيفة الطيران وهو يشير لها بإصبعه لتومئ هي مؤكدة برأسها، غابت لدقائق ثم عادت وهي تسحب امامها منضدة صغيرة عليها الطعام...

وضعت لهم الطعام وهي تقف بهدوء، رفعت دنيا الغطاء الصغير الذي يغطي احدى الاطباق لترى به خمس أصابع ورق عنب فقط...!

مدت دنيا إصبعها تلتقط واحدًا لتضعه بفاهها وهي تستطعمه مرددة للمضيفة بفكاهه طفولية جعلت يزيد ينفجر ضاحكًا:
-إستوى خلاص إطفي على الحله وهاتيها.

تعالت ضحكات يزيد الرجولية، لأول مرة تشرق ضحكته هكذا منذ أن رأته، ضحكة خرجت من بين ثنايا قلبه لتدغدغ دقات قلبها تلقائيًا..!
بينما وقفت المضيفة متسعة الحدقتان مذهولة تضحك رغمًا عنها..
دقيقة وكانت الطائرة تقلع فشهت دنيا بتلقائية بقلق وهي تمسك بيد يزيد الموضوعة جوارها، لم يفكر يزيد مرتان وهو يضع يده عليها لتحتضن يده العريضة الخشنة يدها الصغيرة بحنان فطري...

إرتعشت كل خلية بها من هذه اللمسة الدافئة، وإرتعش جمودها وبرودها من حنو يكاد يُذيبها...!
وحينما لاحظ يزيد أبعد يده على الفور يتنحنح بخشونة هاتفًا:
-خلاص الطياره طلعت بلاش شغل الأطفال ده، ولا دي طريقة جديدة عشان تلفتي نظري ليكي بيها؟!
وقبل أن تجيب بما يناسبه كان يغمض عيناه بهدوء مع قوله الحاد الجـ.ـا.مد:
-إتخمدي وبطلي فرك عايز أنام انا مش فاضيلك، متنسيش إنك مخـ.ـطـ.ـوفة يا، أنسة!

قال اخر جملة بسخرية مريرة واضحة لتكز هي على أسنانها بغـ.ـيظ، لا يمكنه إتمام موقف ولو قصير دون أن يدmر صفوه بغلاظته القاسية تلك...!

بعد مرور ساعات...
هبطا من الطائرة واخيرًا، كانت دنيا تتلفت كل دقيقة حولها علها تستشف أين هي؟!..
حقيقة واحدة هي التي قدmت نفسها لها على طبق من ذهب، أنها ليست بمصر بل خارجها!

وكالعادة كلما شعرت بملمس يد يزيد على بشرة ذراعها الناعمة إرتعشت بشيء من الاستجابة التلقائية لذلك الدفئ الذي تلتمسه في لمسته...!
نظرت له بحدة لتجده ينظر أمامه بهدوء ولكن يداه لم تفلت يداها، زفرت بصوت مسموع قبل ان تقول بنبرة متجهمة:
-ممكن أعرف احنا رايحين فين دلوقتي؟!
لم ينظر لها حتى وهو يرد بجملة مقتضبة:
-ياريت تنقطيني بسُكاتك، انا عارف انا بعمل إيه.

توعدت، ثارت، تعاركت الحروف داخل جوفها لتصدح مهاجمة غروره ذاك، ولكنها كتمت كل ذلك بمهارة وهي تحاول تهدأة نفسها..!
كانا يسيران في شارع شبه خالٍ من السكان، وفجأة سمع يزيد صوت احتكاك عجلات سيارة يقترب منهم بسرعة...
بحركة مباغتة حمائية كان يجذب دنيا لتقف خلفه وهو يعود بها للخلف ببطء، وبالفعل كما توقع خلال لحظات كانت سيارة تخترق الرؤية امامهم وبضع رجـ.ـال يهبطون منها...

لعن تحت انفاسه بصمت، لم يتوقع أن يجدوه وبمجرد وصوله المطار!
ثم حانت منه التفاتة سريعة لدنيا ترافق تمتمته الحانية:
-إهدي خالص ومـ.ـا.تبصيش لهم مش هخلي حد يلمسك، ولو حصل اي حاجة اجري إنتِ هتلاقي عربية ظهرت اركبيها
اومأت دون شعور منها بلهفة، بالرغم من كونها كانت ذراع والدها الأيمن في معظم أعماله المشبوهه، ولكنها لم تدخل في تصادm جسدي فعلي وخاصةً مع مافيا سوى مرة في حياتها كلها...!

نظر يزيد لهم بكل ثبات، وخرج صوته هادئ وتحيطه هالة من الخشونة كالعادة وهو يهتف:
-عايزين إيه!
-إنتَ بتعرف ياللي بنريده مستر يزيد، بدنا الميكروفيلم اللي بيدين سراج واتباعه اللي أنت قلت إنه معك!
نطق احدهم بمكر هادئ وعيناه تتجول ملامح يزيد الصلبة وملامح تلك القطة التي لم تستطع محو وغزات الذعر الانثوية من بين كرة الثبات التي تحيط بها...!
هز رأسه نافيًا بنفس الهدوء الذي يكتم خلفه إنفجارات عدة:
-مش معايا حاجة.

كان يتحدث بهدوء ناظرًا له، وفي اللحظة التالية كان يقبض على يد دنيا جيدًا ليركضا معًا فجأة بسرعة...
إلتفت يزيد برأسه وهو يركض مع دنيا ليجدهم يركضون خلفهم كما توقع، ولكن ما لم يتوقعه هو إنطـ.ـلا.ق الرصاص من خلفهم بشكل مفاجئ, وفجأة وجد دنيا تتصنم مكانها فجأة بشحوب و...!
وفي اللحظة التالية كان يزيد يتوقف مستديرًا لهم ليُخرج الميكروفيلم من جيب بنطاله ثم ألقى به نحوهم ليتلقفه احدهم بلهفة فتوقفوا لحظة يتفحصوا ما رماه لهم...
لم يجد طريقة افضل من تلك ليشغلهم عنه ولو ثواني!..
بينما استدار يزيد ليضغط على تلك السلسلة المعلقة برقبته وخلال لحظات كانت سيارة تقف امامهم ليدفع دنيا برفق داخل السيارة ثم ركب هو الاخر وهو يصـ.ـر.خ بالسائق:
-اطلع بسرعة على بيت الساحل.

اخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة، إنتفض قلبه فزعًا، لا يدري ماهية تلك الرجفة التي أصابت كيانه عنـ.ـد.ما تصنمت دنيا جواره بشحوب...!
نظر لقدmها يردف بلهفة لم يستطع إخفاءها:
-رجليكِ مالها؟ حصلك حاجة؟ إنتِ كويسة إنطقي!
هزت رأسها ببطء من بين أنفاسها المتهدجة ألمًا ورعـ.ـبًا، ألم استوحش قدmها فجأة وهي تركض مختلطًا بأنياب الخـ.ـو.ف التي نشبت بقلبها مع إنطـ.ـلا.ق صوت الرصاص...!
إنتبهت لهزة يزيد وهو يزمجر فيها:
-إنطقي إيه اللي حصلك؟

إبتلعت ريقها تحاول تجفيف ريقها ومن ثم همست بشحوب:
-انا كويسة
وبمجرد أن نطقت بتلك الكلمة لم يستطع أن يكتم تلك الرغبة الملحة داخله ليحتضنها، ليشعر بجسدها الهش بين ذراعيه، ضمها لصدره بحنان بكل قوته وكأنه يود ذرعها بين ضلوعه!..
وهي الاخرى كادت تقاومه في البداية، ولكن فجأة شعرت أن ذلك لم يكن مجرد حـ.ـضـ.ـن، بل كان حياة بأكملها، كان شيء لمس ذلك الفوران داخلها من المشاعر, كان خلود لروحها الملتوية بعد ممـ.ـا.ت...!

استفاق كلاً منها عنـ.ـد.ما نظر له السائق يردد بجدية:
-يزيد، إطلُب دكتور؟
هز يزيد رأسه نافيًا ليجيبه:
-شكرًا يا حسن، اكيد في اسعافات أولية هناك اول ما نروح انا هشوف..

بينما على الجهة الاخرى كان احد الرجـ.ـال الذين كانوا يطاردوهم يصيح بانفعال باللهجة اللبنانية:
-يا الله هيدا نصب علينا وهرب عطانا الميكروفيلم كرمال يهرب
اومأ الاخر مؤكدًا والغضب يحتل مكنونات عيناه السوداء لتصبح خلفية لجهنم، ولكن اجاب محاولاً تهدئة مخاوفه:
-خلص مش مِشكلة هيك هيك نحنا اخدنا منو الميكروفيلم
ولكن اشواك الخـ.ـو.ف لم تُقــ,تــلع من عقل صديقه، فجادله بقلق:.

-وانت شو عرفك انو الميكروفيلم هيدا حقيقي بلكي ضحك علينا كرمال يهرب متل ما عِمل هلأ!
زفر على مهل وهو يحك رأسه مفكرًا:
-خلص منتصرف ومنحاول نشوف الميكروفيلم قبل ما نعطيه للبيج بوص
استمرت اسئلة صديقه المرتعدة:
-طيب لو طلع مش الحقيقي شو حنعمل؟!
حينها وباستسلام قال:
-ساعتها نترحم على حالنا! البيج بوص ما رح يتركنا اذا فشلنا بهيك شغلة صغيرة!

دلف يزيد مع دنيا لذلك المنزل الصغير المطل على بحر، ارتياح داعب جوارح كلاً منهما واخيرًا بعد صراع طويل مع شعور القلق الذي أمـ.ـا.ت أي هدوء لهم...!
وبمجرد أن دلفوا توجه يزيد نحو غرفة صغيرة مغلقة ليفتح ويأخذ الاسعافات الأولية ثم عاد لدنيا التي جلست على الأريكة بإرهاق واضح..
جلس جوارها وبتلقائية كاد يمد يده ليرفع البنطال عن قدmها ولكنها صرخت فيه بتوحش لم يُخفى منه التـ.ـو.تر:
-اوعى إيدك لاتوحشك يابرنس!

هم يضَحك وهم يبكي...
الجملة الوحيدة التي تناسب ذلك الوضع المتقلب الذي يكاد يخـ.ـنـ.ـق كلاهما..!
لم يعطها اهتمام فكبل يداها بيد واحدة بحزم واليد الاخرى كانت ترفع البنطال برفق حتى ركبتها، زفر بعمق عنـ.ـد.ما رأى خدش صغير في قدmها فهمس بصوت أجش:
-اهدي، كنت بتطمن بس!
صاحت فيه بنبرة درامية:
-واديك إتطمنت، خدت الرصاصة بدالك، عشان تقعد تبرطم انا عارف انا بعمل إيه لا واضح اوي انك عارف!

كز على أسنانه بغـ.ـيظ، ثم بدأ يخرج بعض الاسعافات ليعقم لها ذلك الجـ.ـر.ح، متمتمًا والابتسامة قد تسللت لعبوس وجهه الصلب:
-خدتيها بدالي ايه، اتجي الله! دي يادوب سلمت على رجلك من بعيد كده وهي بتعدي من جمبها.

ولكن دنيا لم تعد تنتبه له بمجرد أن لامست أصابعه جـ.ـر.حها الصغير يدلكه بنعومة وحنو، أغمضت عيناها تلعن تلك اللحظة، بدأت تشعر بنفس الشيء الغريب يسبر أغوارها بعمق، يلمس دواخلها، يدغدغ معدتها كالفراشات وهي مستسلمة لذلك الشعور السحري...

ترك قدmها بعدmا ضمده، لتتنفس هي بـ.ـارتياح عنـ.ـد.ما ابتعد عنها نوعًا ما، وفجأة شهقت عنـ.ـد.ما وجدته يقترب منها حتى طل عليها بهيئته العريضة فعادت هي للخلف بتلقائية ليمد ذراعاه يحيط بها من الجانبين، اقترب اكثر بوجهه من وجهها، أنفاسه الحارة على وجهها تثير فيها زوبعة اخرى من المشاعر التي لم تعتقد يومًا أنها ستهدد امان جمودها...!
ثم همس بخشونة تلاعب بها المكر:
-إنتِ متأكدة إنك كنتي الايد اليمين لمسعد الشامي؟!

طار سحر اللحظة ادراج الرياح، لتقتحم الشياطين عقلها فدفعته بغـ.ـيظ وهي تردف بكبرياء أبله:
-اه، بس اصل أنا انثى ورقيقة وكده، ف تلاقيني في الأكشن مش قد كده!
هذه المرة لم يكتم ضحكته الخشنة التي صدحت في الارجاء تقطع السكون، ليغمغم مشاكسًا وهو يضحك:
-انثى! هي فين الانثى دي انني لا اراها!
تخصرت تلقائيًا وعادت القطة لوحشيتها فنهضت تزمجر بحنق واضح:
-اه انثى وانثى ونص كمان و...

وقبل أن تكمل جملتها كان النور ينقطع فجأة، حينها إنفجر يزيد ضاحكًا هذه المرة يردد بذهول من وسط ضحكاته:
-شوفتي، حتى النور اعترض يا شيخه!
لم تمنع نفسها هذه المرة من مشاركته ضحكة خفيفة وحمدت الله أن النور مقطوع حتى لا يراها وهي تبتسم، وكأن تلك البسمة لم تعرف طريقها لروحها إلا عنـ.ـد.ما اصبحت معه فقط...!
انتبهت ليزيد عنـ.ـد.ما نهض يتابع بخفوت:
-استني هجيب حاجة أنور المكان.

اومأت موافقة ولم تجيب، وبالفعل نهض يزيد يبحث عن شمعة او اي شيء ينير تلك العتمة..
وما إن نهض مستديرًا حتى اختفت ابتسامته ليحل محلها شيء من الأسف مشابكًا شعوره بالذنب...
وحينها سارت عينا دنيا تلقائيًا نحو الباب وشيطانها يوسوس لها بالهرب، الان!

دقيقة واحدة كانت المدة التي اتخذتها بالتفكير وفي الدقيقة التالية كانت تنهض لتفتح الباب ببطء شـ.ـديد حتى لا يصدر صوت مستغلة غياب يزيد وإنشغاله في الداخل، ثم ركضت بجنون ما إن رأت الشارع الخارجي و...

في مصر، قصر يزيد الشرقاوي
كان ياسر يسير مع رجـ.ـاله ببطء وخفة يحومون حول القصر كما خططوا، عيناه تجوب كل شبر بالقصر بحرص وقلق شـ.ـديدان...
يعلم أن مهاجمة قصر الفرعون ليست بالشيء الهين ولكن عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر ب دنيا يشعر أنه امتلك كل الأسلحة ليخوض حرب دmوية وإن كان فشله فيها مؤكد...!
أحاط هو ورجـ.ـاله القصر وفجأة كان يشير لهم بإصبعه ليهجموا على حراس القصر وتنطلق الرصاصات في كل مكان...

تركهم ياسر في ساحة المعركة وركض للداخل يقــ,تــل من يقابله وهو يحاول الوصول للغرف الداخلية بحثًا عن دنيا...
ولكن قبل أن يصعد سمع صرخة احد رجـ.ـاله:
-ياسر بيه، عددهم كبير اوووي غير اللي احنا كنا مخططين له! ده فخ، الفرعون مش هنا اصلًا ومستحيل يكون هنا ومش سامع كل الاصوات دي!
تصنمت قدmاه من الذهول، شعر أن كل شيء ينهار فجأة من حوله، دنياه كلها تتساقط كأوراق الشجر في فصل الخريف القاسي المعتم...!

إنتفض على صوت رصاصة كادت تصيبه ولكنه تفاداها بصعوبة وهو يصـ.ـر.خ في صديقه وذراعه الأيمن:
-أنت بتقول إيه! يعني إيه الكلام ده، انا عايز دنيا ومش هامشي من غيرها
استمر نحيب الاخر يحذره وقد بدأ يتراجع واشار لرجـ.ـاله بالتراجع:
-صدقني احنا كده جايين ننتحر، الفرعون اخد حذره مننا اكيد عرف اننا هنهجم على القصر الليلة!

ولكن ياسر الذي لفحت أعصابه حالة من اللاوعي ملطخة بالجنون أخذ يهز رأسه نافيًا وهو يشير لأحد رجـ.ـاله الذي كان مقتربًا منه:
-اطلع فوق دور في كل الاوض بسرعة واحنا هنقف لك هنا، بسرعة
وبالفعل ركض الرجل يبحث وخلال دقائق معدودة كان يعود راكضًا لهم يهز رأسه نافيًا، حينها بدأ كلاً من ياسر وصديقه وذلك الرجل يحاولان الخروج...
وحراس القصر تركوهم يهربون عن عمد كما أمرهم يزيد تمامًا...!

وما إن ركبوا سيارتهم حتى بدأ صراخ ياسر المنفعل يتعالى بجنون:
-يعني إيه! يعني كل اللي خططت له ايام فشل؟ يزيد الشرقاوي لعبها صح، عرف باللي بنعمله وسابنا براحتنا عشان نيجي للمصيدة برجلينا
ولكن فجأة إلتفت برأسه لصديقه ليستطرد وكأنه اكتشتف اهم نقطة منيرة بتلك الحرب الحالكة:.

-بس ده سايب الحراس بتوعه هنا ما أخدهمش معاه عشان مانشُكش ونكتشف انه مش في القصر، وكمان جايب رجـ.ـا.لة عددهم ضعف عددنا ومشى الخدm كمان من القصر، يعني كان عارف عددنا، يعني في خـ.ـا.ين مننا بيوصل له كل الأخبـ.ـار بتفاصيلها يا أيمن!
إتسعت عينا أيمن بعدm تصديق، بينما ياسر يتوعد ذاك الخائن المجهول بلظى جهنم في الدنيا فأخذ يتابع بحقد شيطاني:
-هعرف الخـ.ـا.ين ده، بس ساعتها هسلخ جلده وهو حي، هخليه يتمنى المـ.ـو.ت!

كانت دنيا تركض وتركض، وكأنها تركت سراح قدmاها لتنطلق متحررة من قسوة ذاك الأسر..!
ومن خلفها كان يزيد يركض، بمجرد أن انتبه لأختفاءها إرتج قلبه بعنف...!
بالرغم من كونه قد أصبح متوقع هذا التصرف منها، ولكن عنـ.ـد.ما فعلته لا يدري لمَ شعر أنها سددت له صفعة عنيفة إنغرزت كالسكين بمنتصف أفكاره لتذكره مَن تكون، وما دوره معها!
تذكره أنه يجب أن يفعل شيء واحد، لا يجب أن ينسى أنها ستظل ابنة الشامي!..

مرت ربع ساعة كاملة...
كانت دنيا تركض وتلتفت خلفها كل دقيقة، اصطدmت فجأة بشخص ما كان يقف على البحر ويلتقط بعض الصور بالكاميرا خاصته..
فعنـ.ـد.ما اصطدmت به دنيا سقطت الكاميرا من يده فظل يصـ.ـر.خ فيها بغـ.ـيظ بالأنجليزية:
-ماذا فعلتي أيتها الغـ.ـبـ.ـية! لقد دmرتيها
إتسعت عيناها بذهول، صحيح أنها لا تجيد الأنجليزية ولكن ملامحه الغاضبة قد نُقشت بينها حروفه الغاضبة التي تسبها...
فتحت فمها وهتفت بصوت عالي تفجر فيه كل كتمانها:.

-أنت متـ.ـخـ.ـلف ما أنت اللي شايفني بجري وواقف زي البقرة في مكانك!
رفع الرجل يده وكاد يصفعها مغمغمًا بشراسة متوعدة:
-أنتِ واهد قليل أدب! وأنا أطلب لك بوليس
قالها بلغة عربية مُدmرة، ولكن قبل أن تصل يده لوجه دنيا كانت يد يزيد تقبض على يده بعنف، تمنعه من إكمال تلك الصفعة التي من الممكن أن تنتهي حياته بسببها لو كان فعلها...!

ترك يزيد يده على مضض وباليد الاخرى يقبض على ذراع دنيا بقسوة، ثم تمتم بالأنجليزية بابتسامة صفراء:
-نعتذر منك يا سيد، هي لديها مشكلة في عقلها
ثم استدار ساحبًا دنيا خلفه قبل أن تكبر المشكلة اكثر...
حاولت دنيا التملص من بين يداه الخشنة التي قبضت على يدها بعنف ترفض تركها، فراحت تتابع هادرة:
-إبعد بقا سبني أنت إيه معندكش دm!

تشابك الجنون داخله بعنف مشكلًا حلقات عنيفة حول مركز ثباته وصبره، فانفجر يصـ.ـر.خ في وجهها بصوت كاد يرتجف له كيانها الشامخ:.

-اخرسي خالص، مش عايز اسمع صوتك تاني، ده كان هياخدك للبوليس يا متـ.ـخـ.ـلفه وده سائح يعني هتروحي في ستين داهية، وبمجرد ما تخرجي من المنطقة دي اصلًا اللي كانوا بيجروا ورانا هيلاقوكي وهياخدوكي عشان يساوموني عليكي وساعتها هقولك باي باي في ستين داهية مش هضيع كل اللي بعمله عشان طفلة تافهه وغـ.ـبـ.ـية زيك!

إنتهى وهو يلهث بصوت مسموع، لم يكن يود أن ينفجر كالأعصار بوجهها بتلك الطريقة، كان يجاهد للحفاظ على ثباته، يحاول أن يصل لأعمق نقطة مستترة داخلها ولكن يبدو أن إنفجاره ذاك أعاده لنقطة البداية معها...!
وصل بها للمنزل المظلم مرة اخرى، دفعها بعنف للداخل فصاحت فيه بحدة:
-براحه يا بني ادm، وبعدين لما انا قرفاك كده ما تسيبني في حالي! ولا حتى سبني للبوليس هيبقى ارحم واحسن منك مليون مره.

لم يتمالك نفسه حينها فأمسك ذراعها بعنف يضغط عليه بقسوة متعمدًا ومن ثم راح يهزها بقوة هيستيرية وهو يزمجر كزئير الأسد:
- مش هاسيبك، افهمي مش هاسيبك، وانا بقا هاخليكي كأنك في سـ.ـجـ.ـن بالظبط ومش هاحرمك من كده
ترك ذراعها ليمسك خصلاتها فجأة يجذبها لأسفل بقسوة لمعت لتنير ظلمة عيناه السوداء، فتأوهت هي بصوت مسموع متألمة، فاستطرد هو بنبرة خشنة جافة:.

-قولتلك قبل كده وهقولك تاني، مش هاسيبك قبل ما انفذ اتفاقنا، إنتِ ملكي لحد ما تجيبيلي عيل من صلبي، الطفل ده مقابل نجاتك
حاولت إفلات خصلاتها من بين قبضته وهي تغمغم بحروف مرتعشة شارفت على البكاء ولكنها تكتمه بصعوبة:
-أنت مش عايز طفل، أنت في دmاغك حاجة تاني بس انا مش قادره أفهمك!

هدأ صراع الغضب والجنون الدائر بساحة عيناه المظلمة فجأة وكأنها رمته بسهم أصاب هدفه...! ولم يترك خصلاتها كما توقعت بل قال بصوت مغلق بهدوء مُخيف...
-انا كنت سايبك براحتك لحد ما تاخدي عليا وساعتها يحصل بينا بس برضا، لكن الظاهر إنك مابتجيش بالطيب..
نبضة خلف نبضة هادرة إنحرفوا عن مسار نبضاتها الطبيعي وهي تشم التوعد القاسي يفوح من بين حروفه...

خاصةً عنـ.ـد.ما دفعها فجأة على الأريكة بعنف ليفتح ازرار قميصه بكل هدوء بينما هي عيناها تتسع شيء فشيء وهي تدرك ما وصلت له بسبب لسانها الأحمق، حينها بدأت تهز رأسها نافية مرددة بشحوب:
-لأ، مش دلوقتي، انا مش بقولك كده عشان تنفذ دلوقتي، أنا بس بعرفك إنك مش صريح وكـ.ـد.اب ومنافق وجبان عشان لو مش جبان كنت هتقولي أنت عايز إيه مني بكل صراحة.

كلما ازادت الظلمة الكحيلة بعيناه كلما ادركت مدى تهور كلمـ.ـا.تها التي ستسحبها للتهلكة لا محال...
وقبل أن تنطق بحرف اخر كان يجذبها من قدmها له فبدأت هي تهز قدmها تحاول إبعاده عنها بينما هو يقول بخفوت شيطاني:
-انا بقا هثبت لك إني مش جبان خالص!
صرخت فيه بانفعال وهيستيرية، ولكن فجأة كُتمت صرخاتها عنـ.ـد.ما أمسك رأسها بيداه ليضـ.ـر.بها برأسه بعنف فبدأت الرؤية تهتز امامها وهي تغيب عن الوعي...

ليكن اخر شيء ادركته هو مظهر يزيد الساكن بجمود وهو يخلع لها ملابسها ببطء و...
بدأت اهدابها تهتز ببطء في محاولة لأفتراق جفنيها، الرؤية تعاكس اتجاهها فترفض الثبات في عينيها، والألم لا يطاق برأسها كالناقور يصر على هلاكها!..
واخيرًا استطاعت فتح جفنيها، وما إن اتضحت الرؤية امامها حتى هبت منتصبة تجلس وهي تتحسس جسدها بتلقائية لتجد أنها بملابسها الداخلية فقط...!
الشهقة حفرت روحها، ذبحت هدوءها وسلبت قمم ثبات مهتزة ومشروخة داخلها من الاساس..!

دقيقة وكان يزيد يقف عند الباب عاري الصدر، نظراته البـ.ـاردة تمشطها من أعلاها وأسفلها وهو يهتف بنبرة ساخرة أذت شيء داخلها:
-صباحية مبـ.ـاركة يا، يا عروسة!
حينها لم تشعر بنفسها سوى وهي تنهض من الفراش ترمي تلك الأغطية بعشوائية وتركض نحو يزيد صارخة بكل معنى للجنون عرفته:
-أنت عملت إيه يا حـ.ـيو.ان، يا حقير منك لله! ربنا ياخدك وارتاح منك.

بدأت تضـ.ـر.ب صدره العاري بذراعيها بعنف وصراخها مستمر، لينقطع ذلك الصراخ فجأة عنـ.ـد.ما شهقت مستسلمة لاختناق البكاء الذي كاد يقــ,تــلها لو لم تطلق سراحه...!
لاول مرة تبكي امامه، تبكي ضعفها، تبكي ضياع الشيء الوحيد الذي يميزها ك أنثى، تبكي شخصيتها التي كانت تعتقدها كالجبال لا تهتز ولكن فجأة اكتشفت أنها كورق شجر يتساقط مع اول عاصفة من الرياح...

بينما هو كان متصنم ببرود كالجماد تمامًا، إلى أن هبط لمستواها بهدوء يرفع وجهها بإصبعه ببطء تزامنًا مع همسه بصوت أجش:
-بتعيطي لية دلوقتي!؟ مش إنتِ اللي وصلتي نفسك لكده بلسانك الطويل؟ مش إنتِ اللي كنتي عايزه اثبات اني عايز الطفل مش حاجة تاني...
هزت رأسها نافية بطريقة هيستيرية وهي تخبره صارخة:.

-لأ، مكنتش عايزه الاثبات ده، اخر اثبات كنت اتمناه هو انك تلمسني، حـ.ـر.ام عليك، أنت لية بتعمل فيا كده! أنا اذيتك في ايه، ملعون ابوه بيزنس اللي يخليكم بتقطعوا في بعض كده عشانه!
برغم تلك الهزة العميقة التي اجتاحت كيانه لكلمـ.ـا.ته التي غرزت به، إلا أن شفتاه التوت بتهكم واضح لجملتها الاخيرة:
-بيزنس؟! بيزنس إيه وهبل إيه! مش بقولك طفلة مش فاهمة حاجة، دي مافيا، مافيا في اكتر من دولة برا مصر وليهم مندوبين في مصر!

إتسعت عيناها تلقائيًا، منذ أن قابلته وصفعات الحقائق تتوالى عليها صفعة بعد صفعة حتى فقدت القدرة على الشعور بتلك الحقائق...
رفعت عيناها التي استكانت فجأة له لتسأله:
-يعني إيه؟!
رفع حاجباه معًا ثم قال مستنكرًا:
-مش فاهمة ولا بتستعـ.ـبـ.ـطي؟! عايزه تقنعيني انك مت عـ.ـر.فيش ان ابوكي بيشتغل مع المافيا!؟
هزت رأسها نافية دون تردد:.

-ابويا بيعمل حاجات غلط كتير اه، وانا كنت بساعده يلعب مع ده او ياخد ورق من ده او يهدد ده، بس كله عشان البيزنس، انما مافيا! مافيا ايه لا طبعًا احنا مش بنشتغل مع المافيا
كادت ضحكة ساخرة ترتسم على شفتاه دون أذن منه، ولكنه عاد لتجهمه المخيف وصلابة وجهه التي مُحيت منها أي مشاعر...!
وبحركة مباغتة كان يقبض على ذراعها بقسوة ثم لواه خلف ظهرها فشهقت هي متأوهه بألم لتسمعه يهمس جوار اذنها بشراسة:.

-بلاش تحاولي تصيعي عليا! أنتِ لو مكنتيش ت عـ.ـر.في مكنتيش فرقتي مع مسعد الشامي، لكن هو خايف على نفسه من المعلومـ.ـا.ت اللي معاكي
أفلتت ذراعها من بين يده بصعوبة، تحاول التمسك بهدوء لم تعد تمتلكه منذ أن احتل حياتها ذلك الفرعون...
وخرج صوتها هادئًا حادًا نوعًا ما برغم تلك الشرارة التي أطاحت بحروفها:
-انا اه اعرف معلومـ.ـا.ت تأذيه جدًا، انما معرفش حاجة عن المافيا اقسم بالله!

تنهد بصوت مسموع قبل أن ينهض متأففًا يكاد يستدير ليغادر...
داخله مشروخ بعنف بين جزئين، احدهما يصدقها والاخر يستنكر حديثها وبشـ.ـدة..!
وما أصعب ذلك الشرخ عنـ.ـد.ما يقضي على الحلول الوسطى...!
كاد يخرج من المنزل ولكنها وقفت امامه بسرعة ودون تفكير، لتصبح على بعد سنتيمترات قليلة جدًا منه، تهز رأسها نافية وهي تحدق بعيناه التي لطالما غطت اي وميض للحياة بها...!
ثم نطقت بحدة محملة بالحقد:.

-لأ، انت مش هتسبني محبوسة هنا تاني وتخرج أنت عادي كده!
كان هادئ تمامًا حتى أنهت اخر جملة لها فاقترب هو منها هذه المرة ليصبح ملتصقًا بها، يداه تلتف حول خصرها ببطء لترسل له رعشة عنيفة ازدادت حدة كلما حدث تواصل جسدي بينهما...
ثم اقترب بوجهه منها ببطء متجاهلًا نفورها، ليهمس وشفتاه تتلمس اذنها عن عمد بصوت رجولي خشن:
-لو عايزاني أقعد ونعيد امجاد الليلة اللي فاتت أنا معنديش أي مانع.

-ده في احلامك، المرة الجايه قبل ما تلمسني هكون قـ.ـا.تلة نفسي!
صرخت بجملتها بجنون وقد دفعته بعيدًا عنها بعنف حتى ترنح نوعًا ما من المفاجأة، ليرفع نظره تلقائيًا لعيناها التي اشتعلت بفتيل من نوع آخر، فتيل الكره، كره واضح يلون خلفية كافة جوارحها...!
هز رأسه نافيًا وهو يستدير مرة اخرى ليغادر مسرعًا دون أن ينطق بحرف، وكالعادة أغلق الباب عليها وهو يلعن كل شيء...!

بعد مرور يومان...
مصر
في احدى الملاهي الليلية...
كان ياسر جالسًا امام البـ.ـار، كأس الخمر بيده وعيناه فقدت تركيزها مع الدنيا حاليًا...!
خلال اليومان الماضيان لم يكف عن محاولة إيجاد دنيا وذلك الفرعون اللعين، ويتناوب هو ورجـ.ـاله دائمًا على ذلك القصر، ولكن يبدو أن الحياة قررت سلبه اخر خيط يربطه بها..!

وفجأة كان يرمي ذلك الكأس من يده بعنف ليسقط متهشمًا وراح يصيح بحروف متقطعة:
-لية! لية كده، لية أي حاجة بحبها بتروح مني؟!
دقيقة وكان احد رجـ.ـاله يقترب منه بسرعة يحيط بذراعه وهو يردد له بنبرة لم تخلو من ترانيم مشفقة:
-اهدى يا ياسر، اهدى
ولكنه دفعه بعيدًا عنه بجنون مزمجرًا فيه:
-متقوليش اهدى، رد عليا، أنا لية بيحصل معايا كده؟ مش لو كانت حبتني زي ما حبيتها كنا اتجوزنا وبعدنا عن ابوها وشره..!

هز الاخر رأسه مؤيدًا بسرعة:
-ايوه ايوه بس اهدى الناس هتتفرج علينا
لم يعطي ما يقوله اهتمام، فأخذ يحك رأسه بعشوائية وهو يسأله عن ذراعه الأيمن وصديقه أيمن دون أن ينظر له:
-فين أيمن؟ انا عايز ايمن ناديهولي هو اللي هايفهمني..
فأجاب بهدوء يخبره:
-كان بيشرب سيجاره برا
اومأ ياسر برأسه بعشوائية، يشعر أن جبل ثقيل، ثقيل جدًا يجثو على دقاته، يعيق حركتهم!
بدأ يهز رأسه وهو يتمتم وكأنه على وشك البكاء كطفل فقد والدته:.

-كنت بحبها اكتر من ابوها حتى، بس هي دايمًا شايفاني زبـ.ـا.لة! كنت بحميها منه ومن شره وبدافع عنها في اي حاجة
حينها لوى الاخر شفتاه ثم تابع مستنكرًا:
-انت عمال تقول شره شره، ده ابوها على فكرة يا ياسر يعني بيخاف عليها وبيحبها زيك و...
قاطع حديثه صراخ ياسر المنفعل وكأنه لم يعد يدرك ما يتسرب من بين شفتاه:
-لا، مش ابوها، دي بـ.ـنت مـ.ـر.اته ومش بيخاف عليها...!
-بـ.ـنت مـ.ـر.اته ازاي يعني؟!

إنفلت السؤال منه تلقائيًا، ليضحك ياسر عاليًا بهيسترية وهو يستطرد:
-بـ.ـنت مـ.ـر.اته اللي قــ,تــلها بأهماله مرة ولما ضـ.ـر.بها لحد ما فرفرت مرة تانية
إتسعت حدقتا الرجل بذهول، ليست ابـ.ـنته!
كيف، متى اكتشف ياسر، وكيف قــ,تــل زوجته ولا يشعر بالذنب تجاه ابـ.ـنتها حتى..!
صراع طويل من الاسئلة يدور في رأسه، ولكنه أنهى ذلك عنـ.ـد.ما نهض بهدوء يسحب ياسر معه قائلًا بمهاودة:
-تعالى بس يا ياسر نمشي، ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين...

وبالفعل سحبه معه بهدوء للسيارة نحو الخارج، حتى وصلوا لها حينها اقترب منهم أيمن بسرعة يسأل الرجل الاخر:
-ماله ياسر؟
رد بغموض:
-مالهوش، كتر شرب شوية بس روحه أنت وخليك معاه
اومأ ايمن مؤكدًا بهدوء وبالفعل امسك ب ياسر جيدًا ليدخله السيارة ويغادرا...

لبنان
في نادي رياضي...
أخذ يزيد نفسًا عميقًا ثم تقدm من فتاة ما تعمل ك سكرتيرة لرجل المافيا الذي يخبئ الميكروفيلم الذي من الممكن أن يقضي على كل شبكة المافيا، وكان يزيد على علم أن الميكروفيلم مع هذا الرجل لذلك اخبر بعض اعداء هذه المافيا أن الميكروفيلم معه هو، ليستطع سلب بعض المعلومـ.ـا.ت منهم ويساومهم على شيء ليس معه من الاساس، وهكذا يتلاعب بالطرفان...!

كانت تجلس في احدى الجوانب تتناول كوب العصير بشرود في اللاشيء، ليقطع يزيد خلوتها عنـ.ـد.ما تقدm منها يهتف بصوت رجولي هادئ:
-ممكن أقعد؟
رمت نظرة متفحصة له بطرف عيناها، بدايةً من بشرته الخمرية وملامح وجهه الرجولية الجذابة، حتى ثبات عينيه السوداء التي بدت كعينا صقر يجيد التصويب نحو هدفه...!
ثم نطقت بعد فترة تقطع ذلك الصمت المخيم على الأرجاء:
-اتفضل، مين حضرتك؟

حدق بعيناها مباشرةً، يذوب بلون البحر بهما وهو يردف بمكر رجولي:
-مُعجب بالقمر!
أحمرت وجنتاها ببطء وهي تبتسم له شيءً فشيء بعدmا تخلصت من تقلص ملامحها بقلق، لتهمس بخجل مبتهج وهي تمد يدها لتصافحه:
-ميرسي كتير، أنا لين
إتسعت ابتسامته وهو يلتقط يدها ليُقبلها ببطء مثير هامسًا ببحة خاصة:
-جاسر الغمراوي..
سألته مفكرة والابتسامة لم تغادر شفتاها:
-بس من وين بتعرفني سيد جاسر؟

-انا مصري مُقيم هنا، وكنت بشوف صاحبي في الشركة بتاعت سراج بيه اللي إنتِ شغالة فيها وشوفتك ولفتي نظري جدًا، ودلوقتي شوفتك صدفة وكانت احلى صدفة في حياتي..!
أنزلت نظرها عنه وتابعت بحياء:
-ميرسي، هاد من زوقك
ظل يزيد يتحدث معها بأشياء عدة، يتلاعب بأنوثتها بمهارة، يسـ.ـر.ق ابتسامـ.ـا.ت ذات مغزى ونظرات صُوبت نحو نقاط ضعفها كأنثى...
إلى أن تحرك بكرسيه يقترب منها متساءلاً وكأنه يفكر:.

-الا بالحق يا أنسه لين، عندي سؤال اتمنى مـ.ـا.تفهميش فضولي غلط، هو سراج بيه مختفي يعني بقاله فترة وحتى عنوانه محدش يعرفه لية؟! اقصد يعني لية بيخفي نفسه بالطريقة دي، مستغربه جدًا صراحة خصوصًا أنه رجل اعمال قد الدنيا
هزت لين رأسها ثم اقترب لتخبره بجدية:.

-مابعرف شو صاير بالتحديد، بس مستر سراج صارله فترة ما بيجي عالشركة وبيبعت الرجـ.ـال تبعو ليمشي الشغل، وما بيعرف عنوانه الا الناس اللي بيوثق فيهم خاصةً أنو غير بيتو من فترة صغيرة...
شرد يزيد في كلامها، يبدو أنه يحاول تأمين ذلك الميكروفيلم بشتى الطرق...!
وهكذا استمر يزيد، يتلاعب ويتلاعب بها ليسلب منها ما أراد من المعلومـ.ـا.ت عن سراج...!

دلف يزيد من باب المنزل بهدوء، لمحته دنيا التي كانت تجلس على الأرضية بشرود، بضياع، تحاول استعادة شيء ذاب بين بواطن الماضي وانتهى...!
وما إن لمحته حتى كادت تنهض راكضة له بجنون ولكنه كان قد خلع قميصه بحركة سريعة ليرميه على الأريكة ويدلف للمرحاض مغلقًا الباب خلفه قبل أن تصل له...
سيجن جنونها من بروده الذي كالجيد يثلج قلبه اكثر فأكثر!..

لا لا، هي جُنت بالفعل، تشعر أنها لو استطاعت لقــ,تــلته بدm بـ.ـارد ممزقة احشاؤه...
ظلت تدور امام المرحاض ذهابًا وايابًا بجنون تهمس لنفسها:
-قسمًا بربي لاعرفك إن الله حق، أنا يتعمل فيا كده! انا؟ ومن واحد حـ.ـيو.ان، والله لاوريك يا يزيد الكـ.ـلـ.ـب
وفجأة لمحت قميصه فركضت نحوه تمسكه بغل لتلقيه ارضًا وهي تصيح بهيستيرية:
-حيواااااااان وربي حيوااان.

سقطت ورقة صغيرة من جيب القميص فعقدت ما بين حاجباها وهي تهبط كردة فعل تلقائية لتلتقط تلك الورقة بأصابع مهتزة، فتحتها بسرعة ليتسعا بؤبؤي عيناها رويدًا رويدًا وهي تقرأ المكتوب على كارت تلك السيدة من الخلف
وانا كمان معجبة فيك كتير، فيني اعزمك على سهرة لطيفة عندي بالبيت بكره المسا؟ هاد عنواني ورقم تليفوني، رح استنى انك تتواصل معي، لين!

غليااااان، غلياااان كان يحرق أوردتها حرفيًا، شعرت كما لو أن تلك الحروف كمياه نار وسُكبت بين ثناياها ببطء...!
يدmرها ويسلبها كل شيء، ثم يذهب ليقضي وقت ممتع مع النساء!
الضيق يزداد ووتيرة انفاسها في حالة اضطراب تام، ربما شعرت بالغيرة، ولكنها وأدت ذلك الشعور حتى قبل أن يستحوذ على خلية واحدة بها وهي تخبر عقلها أن سبب ذاك الجنون هو ما فعله بها فقط...!
بدأت تضـ.ـر.ب على باب المرحاض بعنف صارخة:.

-أنت يا كابتن، لو عندك دm اخرج كلمني، أنت دmرت حياتي وسايبني في الخرابه دي عشان تتسرمح مع ستات * وتستمتع بوقتك!
لم تجد رد فازداد لهب جنونها اشتعالاً، وقفت امام الباب مباشرةً متأهبة للهجوم عليه ما إن يفتح الباب، ولكن حدث ما لم تتوقعه، حيث فتح يزيد الباب فجأة وهو عاري الصدر يلف المنشفة حول جزءه السفلي، وقطرات المياه تتساقط من جسده وخصلاته السوداء الناعمة...

كادت دنيا تسقط عليه من تلك الحركة المفاجئة، ولكنه أحاط بخصرها بتلقائية وذراعاه يحيطان بها يسنداها ببطء، تبًا لكل شيء يعاكس تيار رغبتها وجنونها..!
كانت تميل لأسفل دون ارادة منها، ويزيد يميل نحوها عن عمد، كلما ازداد تعمقه لزرقة عيناها، كلما شعر أنه يغرق بشيء بهما، يغوص ويغوص وهو فاشل في السباحة وسط هجوم من امواج لا يدري ماهيتها...!

أنفاسه اصبحت تداعب وجهها الشاحب، تساقطت قطرات مياه من شعره على وجهها، فرفع إصبعه دون شعور يتبع تلك القطرة متحسسًا تقاسيم وجهها، يمسح قطرات المياه ببطء، أصابعه تسير دون اذن منه مستجيبة لنعومة بشرتها، ظل يتحسس جبهتها، ثم وجنتاها، حتى وصلت أصابعه لشفتاها، حينها ازداد بطء حركة اصابعه، وحدة انفاسه، ودبت تلك الرجفة المعتادة بكيان كلاهما...!

رغبة مُلحة ظهرت داخله تحثه على استبدال إصبعه بشفتاه، خاصةً وهو يرى نظرتها التي أشعرته أنها شبه مُغيبة...!
كاد يسحب إصبعه ببطء، ولكن ايضًا حدث كل شيء فجأة فكانت دنيا تدفعه بعنف وهي تستقيم في وقفتها، تحاول تنظيم شتات نفسها قبل أن تزمجر فيه بتـ.ـو.تر:
-لا دا أنت صدقت نفسك بقا! أنت مفكر إني هاسيبك تلمسني تاني؟!
هز رأسه نافيًا بهدوء:
-انا ماكنتش هلمسك.

رفعت حاجباها معًا باستنكار واضح، ليزفر متابعًا باستسلام وكأنه يعترف لنفسه اولًا:
-طيب، انا فعلًا كنت عاوز أبوسك بس!
إتسعت عيناها من وقاحته العلنية، ولكنها برغم الغـ.ـصـ.ـب والحقد الذي تدعيه زحفت الحمرة ببطء لوجنتاها، فحاولت تجاهل تلك الخفقة الهاربة من مسارها الطبيعي، لتنظر نحو القميص وكأنها تستعيد حالة فورانها فغمغمت بحدة واضحة:
-بقا حابسني هنا عشان تروح تقضي وقت مع السنيوره!

أمطر العبث نظراته الهادئة، ليرفع حاجبه الأيسر متابعًا بمكر:
-شامم ريحة غيرة!
صاحت فيه بعدm تصديق:
-غيرة إيه أنت اهبل! دا مفيش حد مش طايقك وكارهك قدي...
استكانت نظرته، وتبدلت نغمة صوته التي كانت تموج بالعبث والمكر لتصبح خشنة كعادته عنـ.ـد.ما يلتزم خط الجدية معها، ثم قال بكل هدوء:
-هدي نفسك شوية بلاش الجنان اللي إنتِ فيه ده، على فكرة ماحصلش أي حاجة بيننا!
شهقت بصوت عالي صارخة والذهول يحكم قبضته حول مشاعرها:.

-نعم! أنت بتقول إيه؟
اومأ مؤكدًا بنفس الهدوء الذي بدأ يزيد جنونها:
-ايوه، محصلش حاجة، انا بس كنت بوريكِ إني لو نفذت وتممت الاتفاق اللي إنتِ مفكراه سهل اوي إيه اللي هيحصل!
تكاثرت مشاعرها عليها في هذه اللحظات، تشعر بالغضب، الجنون، والغـ.ـيظ والذهول!، تشعر بصدى شظايا كلمـ.ـا.ته تتناثر داخلها لتزيد من تلك الضجة الروحية...!
وفجأة فجرت به كتمان تلك الضجة التي تعتمل داخلها لتضـ.ـر.به على صدره بجنون وهي تصرخ:.

-أنت مريـ.ـض نفسي، استحالة تكون بني ادm طبيعي! إيه الجنان ده بجد!
لم تجد اي رد منه، فرمت بجسدها على الأرضية تجلس عليها بأرهاق حقيقي...
لأول مرة تشعر أنها داخل متاهات دائرية، تخرج من واحدة لتدخل بأخرى..!
همست بصوت شاحب دون أن تنظر له:
-متشكرة كرم اخلاقك عشان مالمستنيش، بس ممكن تسيبني لوحدي؟!
اومأ موافقًا دون رد ليغادر للغرفة الاخرى، بينما هي تعيد ترتيب تلك الاحداث المتراكمة وكأنها تحاول الاستيعاب...!

صدح صوت هاتف يزيد بنغمة الرنين ليخرجه من جيبه يزفر بملل وهو يجيب:
-الوووو
سمع صوت الطرف الاخر هادئًا يقول:
-يزيد باشا، في اخبـ.ـار جديدة مهمة
سأله يزيد باهتمام:
-اخبـ.ـار إيه؟!
-ياسر كان سـ.ـكـ.ـر.ان في الكبـ.ـاريه، كان في حالة مش طبيعية وعمال يبرطم بكلام كتير، واضح إنه بيحب دنيا جدًا ومش متخيل إنها ضاعت من بين ايديه كده، وقال كمان إن مسعد الشامي مش ابوها!
لم يستطع يزيد إحكام ثباته حول صدmته فصاح فيه غير مصدقًا:.

-إيه! أنت بتقول إيه؟!
أكد الطرف الاخر حديثه ليتابع:
-زي ما بقول لحضرتك كده يا باشا، مش ابوها، جوز امها وكمان كان سبب مـ.ـو.ت امها، ضـ.ـر.بها لحد ما فرفرت في ايده، وعمومًا يا باشا انا صورته فيديو من غير ما يحس هبعتلك الفيديو على الواتساب دلوقتي
اومأ يزيد مؤكدًا بجدية:
-تمام، ابعته بسرعة وخليك مركز
-تحت امرك يا باشا
أغلق يزيد الخط وهو يفكر، ماذا عساها أن تفعل تلك المسكينة إن علمت بالأمر؟!..

يا الله، هو نفسه تصدع شيء داخله من الذهول فماذا عنها!..

امسك هاتفه مرة اخرى ليرى الفيديو ثم اتصل بشخصًا ما، وما إن اجاب حتى قال بهدوء جاد:
-رائف باشا، في اخبـ.ـار جديدة
سأله المدعو رائف بنبرة عملية:
-خير يا يزيد، قدرت تعرف اي حاجة من البـ.ـنت اللي اسمها دنيا؟
هز يزيد رأسه نافيًا وكأنه يراه، ثم اكمل:
-لا يا باشا، المصدر اللي مع ياسر دراع مسعد الشامي اليمين عرفني دلوقتي اخبـ.ـار مهمة...

قص عليه يزيد كل ما في الفيديو بالحرف، ليسمعه يقول بعد فترة من الصمت:.

-اسمعني كويس يا يزيد، دلوقتي هنستخدm اخر كارت في ايدينا مع دنيا دي، دنيا لازم تعرف إن مسعد الشامي مش ابوها وإنه قـ.ـا.تل امها كمان وتعرفها حقيقتك انت كمان، ساعتها لو هي فعلًا كويسة ولو بنسبة ٤٠٪ هتقلب على مسعد الشامي ١٨٠ درجة وهتقولك كل المعلومـ.ـا.ت اللي معاها عنه وهتعوز تنتقم منه عن طريقنا احنا، إنما لو فضلت مصممة على اللي هي فيه ساعتها هنضطر نرجعها مصر وتتحبس لانها اساسًا تعتبر شريكة مسعد الشامي في مصايب كتير حتى لو المصايب دي ملهاش علاقة بالمافيا...

كان يزيد يستمع بصمت ولكن داخله مشاعر متناقضة...!
لم يعد يدري هل هو يحقد على دنيا ام يشفق عليها بطريقة ما..؟!
الالغاز تزداد داخله حتى شعر ولأول مرة انه لم يعد يستطع حل ألغازه...!
انتبه للمتحدث وهو يستطرد:
-انت هتسيب موبايلك قدامها مفتوح من الباسورد والتأمين وهتدخل الحمام مثلًا، وهي طبيعي هتجري عليه وهتشوف الفيديو، وبعدها بدقايق هنبعتلك رسالة على الواتساب وبمجرد ما دنيا تقرأها هتعرف حقيقتك!

اومأ يزيد موافقًا:
-تمام يا باشا، سلام
أغلق الخط مغمضًا عيناه، شيء داخلي يصـ.ـر.خ بالرفض لنهاية دنيا، وآآه من تلك الدنيا التي توغلت داخله ببطء دون أن يشعر، ليعترف لنفسه واخيرًا أن هناك انجذاب مجهول الأصل بينه وبين تلك الطفلة!..

دلف المنزل مرة اخرى متوجهًا نحو دنيا ليضع الهاتف امامها على المنضدة بضيق وكأنه لم ينتبه انه ترك هاتفه، بالفعل نهضت دنيا على اطراف اصابعها تمسك بهاتفه وما إن أنارت شاشته حتى وجدت الفيديو امامها، فتحته بفضول وهي تخفض صوت الهاتف حتى لا يصل ليزيد...
وما إن رأته شعرت بشيء يتخطى الالم بمراحل، شعرت بشق عميق ومؤلم حد الو.جـ.ـع الجنوني يصيب قلبها الذي لم يعد يحتمل..!

يا الله، نبضها كاد يتوقف حرفيًا وعقلها تضخم من كثرة الحقائق فبدت وكأنها لا تستوعب..!

بيد مرتجفة فتحت الرسالة الاخرى التي وصلت لتكتمل لصدmتها وهي تقرأ الرسالة
إيه يا حضرت الظابط، العملية دي طولت واللواء رائف ابتدا يشك في قدراتنا، مفيش اوامر او اخبـ.ـار جديدة؟!
واخيرًا استطاعت ادراك شيء واحد فقط
يزيد ضابط عمليات خاصة...
كان يزيد يقف خلفها بصمت تام، يشعر بروحه تود معناقة روحها، يود التخفيف من ثقل ذلك الألم عن قلبها الصغير..!
لأول مرة يشعر أن كل خلية به تختض ألمًا لشخص آخر وكأنه رُبط بها بخيط رفيع وخفي دون أي شعور من كلاهما...!
استدارت هي له ببطء، عيناها ثابتة بسكون غريب وكأنها فقدت اي اتصال بعقلها فبدت وكأنها صحراء مهجورة المشاعر...
واخيرًا نطقت بصوت شاحب غادرته الحياة:
-يعني إيه!

وبالطبع لم يجيب، لم تكن بحاجة لشخص يدس الحقائق بعقلها، بل كانت بحاجة لشخص يضمها لصدره بقوة عنـ.ـد.ما تدرك هي تلك الحقائق فتسقط صريعة انهيارها...
بدأت تقترب منه بخطوات مرتعشة وهي تشير له بالهاتف متساءلة باستنكار واضح:
-الكلام ده حقيقي؟ هو مش ابويا؟!
ارتفع صوت تنفسها بحدة وكأنها تقاوم إنفجار البكاء بصعوبة مثيرة للشفقة، وتعود لتسأله بحروف مرتعشة خافتة:
-و، وقــ,تــل، ق آآ قــ,تــل امي!

لم يجيب ايضًا فاقتربت اكثر حتى اصبحت امامه، فضـ.ـر.بته صدره بجنون فجأةً وكأن الادراك غزى عقلها واخيرًا، فصارت تصرخ فيه بذهول:
-قــ,تــل امي؟ قــ,تــل امي لما كنت طفلة عندها شهر!
سقطت ارضًا بانهيار وهي تصرخ بأخر كلمـ.ـا.تها، وايضًا لم يجيبها يزيد بل جذبها له بعنف يحتضنها بكل القوة التي عرفها يومًا، يسندها على صدره ليصبح قميصه مسكن دmـ.ـو.عها وشهقاتها المكتومة...!

ظلت تتمتم بين احضانه من بين بكاءها بينما قبضتها تشتد على قميصه وهي تنوح بألم:.

-قــ,تــل امي يا يزيد، خلاني يتيمه من قبل ما افهم الدنيا دي حتى، حرمني منها بدري اوي وحتى ماكنش بيحاول يعوضني، كنت دايمًا حاسه باليتم وانا معاه بس كنت بقول دي طبيعته وده ابويا غـ.ـصـ.ـب عني، اول ما عرفت باللي بيعمله في الشغل عشان البيزنس زي ما كان مفهمني اتصـ.ـد.مت، كنت لسة يادوب ١٧ سنة بس اقنعني انه عادي وانه لو ماعملش كده هيتاكل لان احنا في غابة القوي بياكل الضعيف، وانا كنت مِسَلِمَة بكده ومدياله عقلي وبقا كل كلامه وكأنه مُنزل بنفذه من غير تفكير...!

كلامها بقدر ما كان مؤلم لها، بقدر ما كان مؤلم الضِعف له، لانه ربما كان السكين الذي سبب لها هذا الجـ.ـر.ح، هو الذي طعنها!..
ضمها اكثر له يغمض عيناه مهدئًا لوع قلبه كلما ضمها له اكثر، ثم همس اخيرًا بصوت أجش:
-عيطي اكتر، اصرخي، طلعي كل اللي جواكي عشان ترتاحي
وبالفعل زاد صراخها المنبوح حتى شعرت أن حبالها الصوتية تمزقت كروحها:
-قــ,تــل امي يا يزيد، قــ,تــلها من غير ما يحس بالشفقة عليا ولو للحظة، قــ,تــلها!

تلوت بين أحضانه اكثر تدفن وجهها بعنقه، تهمس بأسمه وكأنها تتوسله ليزيل عنها ذلك الألم:
-يزيد...
همس هو الاخر دون وعي او شعور وهو يغرز وجهه بخصلاتها ورائحتها تداعب انفه فتجعله كالثمل، تجعله غارق بها، :
-قلبه...
بدأت تبتعد عنه ببطء، لترفع عيناها المجروحتان له، تردد بنبرة فاح منها الحقد والرغبة العمياء بالقــ,تــل:
-هتساعدني أنتقم منه صح؟
اومأ مؤكدًا دون تردد:
-هساعدك ننتقم منه..

عادت لتضع رأسها على صدره مرة اخرى ويداها تلتف حول خصره وكأنها تتحرك تلقائيًا دون اي تفكير او حسبانًا للعوائق، وتهمس بخفوت أشـ.ـد كطفلة شريدة تمامًا:
-عايزه أنام، ممكن تفضل واخدني في حـ.ـضـ.ـنك لحد ما انام!
اومأ مؤكدًا برأسه، اغمض عيناه يتأوه بصوت مكتوم ويود زرعها بين ضلوعه ليُسكت ذلك الأنين بالألم، تحركت يداه لتنغرز بخصلاتها الناعمة يربت على شعرها ببطء وهو يهتف بحنان وكأنها ابـ.ـنته وليست زوجته:.

-نامي، نامي يا طفلتي...!

مرت خمس أيام...
كانت دنيا تنام في تلك الغرفة باستكانة ملائكية، كعادتها في الأيام السابقة تست يصليقظ قليلًا وتنام كثيرًا، تنام بعمق وكأنها تهرب من أنياب ذلك الواقع التي مزقتها بقسوتها، فتقرر الهرب لأحضان عالم اللاوعي...!
ويزيد كان يخرج يوميًا ليجمع المعلومـ.ـا.ت التي يحتاجها او يراقب بعض الاشخاص، ثم يعود ليجلس امامها وهي نائمة تمامًا كالأن...!

يجلس على الأرضية ويده تتحرك تلقائيًا لتتمسك بكفها الصغير، عيناه تتشرب ملامحها بتمهل مشتاق وحنو، بدأ يشتاق لشراستها التي كانت تسرقه دون ارادة منه، تجذب روحه ببطء لتقترب من روحها في مدار غريب مجهول حتى الان لكلاهما...!
رفع إصبعه بتردد يتحسس قسمـ.ـا.ت وجهها الساكنة، نبضات قلبه تزداد بجنون وكأنها في سباق كلما اقترب منها او لمسها...!

كان إصبعه يسير ببطء على وجنتاها الناعمة، حتى فكها وثغرها الصغير، إرتعشت نظرته حرفيًا عنـ.ـد.ما وقعت على شفتاها المنفرجة بدعوة صريحة...!
ولم يستطع هو سوى أن يلبي تلك الدعوة فرفع نفسه قليلًا، قبلة صغيرة واحدة وسيبتعد...
ولكن ما إن لامست شفتاه شفتاها ولم يعد له سيطرة على شفتاه، اصبحت شفتاه تتحرك على شفتاها بجنون تعزف ترانيم خاصة لعشق يمس قلبيهما لأول مرة...!

أبعد نفسه عنها بصعوبة بأنفاس لاهثة عنـ.ـد.ما بدأت تتململ في نومتها، اخذ يحدق بوجهها بصمت يحمل الكثير، رفع يده يحتضن جانب وجهها وهو يهمس بخشونة مُعـ.ـذ.بة:
-إنتِ بتعملي فيا إيه! فين السيطرة على الذات اللي بقالي سنين بتعلمها...!؟

أنتشله رنين هاتفه من شروده فأخرجه من جيبه متأففًا يجيب بضيق واضح في نبرته الجادة:
-الووو مين؟!
-هلا جاسر انا لين...
ولكن ما إن أتاه صوت لين حتى هدأت نبرته وهو يتحكم في إنفعالاته ليعود لنبرته الهائمة المزيفة وهو يرد:
-ايوه يا لين، عاملة ايه؟ حشـ.ـتـ.ـيني و ...
شعر بأبتسامتها الخجولة وإن لم يراها وهي تتابع بنعومة:
-انا منيحة، وانت اكتر، مع اني زعلت كتير منك لانو انت ما لبيت دعوتي هداك اليوم!

تنحنح يزيد مصتنعًا الحـ.ـز.ن وهو يخبرها:
-اسف حبيبتي كنت مشغول جدًا ماقدرتش أجي لكن اوعدك هعوضها لك بأحلى منها..
-تمام، هلأ في شي انت كنت قلتلي عليه، كنت قلتلي إنو أنت بدك تقابل مستر سراج مشان شغل، مو صحيح؟
هز يزيد رأسه مؤكدًا باهتمام:
-اه اه، عرفتي مكانه عشان اروح له؟
أجابته بهدوء واثق:
-اي طبعًا، انا ماني اي حدا، انا لين جبران!
كاد يسبها بغـ.ـيظ ولكنه تمالك نفسه بصعوبة فاستطرد بتروي:.

-طبعًا يا حبيبتي هو انا اعجبت بيكي وبذكائك من شوية!
سمعها تتنهد وهي تخبره بجدية:
-هلأ مستر سراج في ، وعرفت انو ما رح يطول ليرجع لبيتو مره تانية، يعني هلأ فرصتك لتشوفه وتحاكيه في اللي بدك ياه
اومأ موافقًا بلهفة متمتمًا بابتسامة مهللة:
-تمام، شكرًا يا لينو شكرًا جدًا، هروح له واما ارجع هكلمك
-تمام، الله معك، باي.

أغلق يزيد الخط متعجلًا ليضعه في جيب بنطاله مرة اخرى ثم خرج مسرعًا يلقي نظرة سريعة على دنيا التي مازالت تغط في نوم عميق...
ثم خرج من المنزل بهدوء ليتوجه للمكان الذي اخبرته به لين...
وصل لذلك المكان وبالفعل وجد سراج هناك مع بعض رجـ.ـاله، حينها ظهرت ابتسامة ظافرة على ثغره وهو يحدق به بتنمر هامسًا:
-واخيرًا وقعت في ايدي يا سراج وقريب اوي الميكروفيلم هيبقى في ايدي.

اخرج هاتفه ليتصل بأحد الضباط في فرقته، فهتف بصوت اجش بعد دقيقة:
-عمر، تعالى على ، سراج موجود هنا هتخليك وراه زي ضله وتعرف هو قاعد فين بالظبط
-تمام يا يزيد باشا حاضر دقايق وهكون عندك
-تمام
أغلق يزيد الخط بسرعة ثم تحرك بذلك المـ.ـو.توسيكل ليقف في شارع جانبي متخفيًا خلف الاشجار حتى لا يلفت نظر اي شخص...

وبالفعل خلال وقت قصير كان الضابط المساعد امامه، فوقف هو في الخفاء بدلًا من يزيد واستدار يزيد ليغادر مرة اخرى للمنزل...

بينما على الجهة الاخرى وفي المنزل...
استيقظت دنيا من نومتها الطويلة، وتلقائيًا كانت عيناها تمشط تلك الغرفة بحثًا عن يزيد ولكنها لم تجده...
تأففت بضجر وهي تنهض بهدوء، بالرغم من مرور ايام على الصدmة التي تلقتها، ولكن شظايا تلك الصدmة وألامها مازالت عالقة بروحها...!

خرجت نحو الصالون لتجد ثلاجة صغيرة فتوجهت لها ببطء لتفتحها، وجدت بها بعض المشروبات فلفت نظرها زجاجة خمر وضعها يزيد والضباط تحسبًا لأي شيء مثلًا أن يجلب يزيد فتاة مثل لين ويضطر أن يلجأ للخمر كونه يتظاهر أنه فرعون فاسد...
التقطت دنيا تلك الزجاجة تنظر لها متفحصة وهي تهمس بتساؤل فضولي:
-دي إيه دي؟ اكيد مش خمره انا فاكره شكل ازازة الخمره كويس.

فكرة مـ.ـجـ.ـنو.نة قفزت لعقلها فسارت بالزجاجة نحو المطبخ الصغير لتجلب احد الاكواب وتسكب بها بعض الخمر، حدقت بها لوهله بلا اكتراث ثم ابتلعتها مرة واحدة...!
عادةً دنيا شخصية متزنة، هادئة، عقلانية رغم تصرفاتها الطفولية التي لم تطلق سراحها الا عنـ.ـد.ما اغدقها يزيد بحنانه الابوي الذي افتقدته، ولكنها الان اصبحت كالجماد تمامًا، بلا عقل، بلا اتزان، وربما صحراء جرداء سُلبت منها المشاعر...

بدأ الخمر يظهر مفعوله فبدأت دنيا تشعر بدوار هادئ يداهمها كونها تشرب الخمر لأول مرة...
فسارت تستند على الاشياء وهي تتمتم بحنق بلا وعي:
-ايه ده في ايه، ايه اللي بيحصلي!

دقائق معدودة وكان يزيد يفتح الباب بهدوء، إتسعت عيناه ما إن رأى دنيا تترنح في مشيتها نحو الغرفة بملامح غريبة فقدت اخر اتصال لها بعقل كان مُشرد من الاساس...!
اسرع يركض نحوها ليسندها برفق هامسًا ببحة قلقة:
-دنيا، مالك؟
رمت نظرة متفحصة له، نظرة ثملة غير مرتكزة ولكنها حملت بريقًا غريبًا خافتًا أوهج داخله شعور غريب مثلها، ثم هسمت هي الاخرى بحنق ولكنه ناعم:
-يزيد؟ انت جيت، كنت مع البت صح!

هز رأسه متأففًا يسألها:
-إنتِ سـ.ـكـ.ـر.انه؟ شربتي خمره من التلاجه صح؟!
رفعت إصبعها بوجهه وهي تغمغم بضيق طفولي أبله:
-رد عليا يا كابتن، كنت مع البت ام لسان معوج صح؟!
اقترب يزيد منها ببطء حينما يلتزمه تبدأ هي تشعر أن خدرٍ ما يُصيب عقلها، فتصبح هي ك كتلة مشاعر مشوشة متحركة فقط!..
وضع يده عند خصرها، بينما يقترب اكثر ليهمس بصوت خشن مثخن بعاطفة غريبة:
-لية؟ غيرانة مثلًا؟!

رفعت هي حاجباها وكأنها تستنكر حديثه، فهزت رأسها نافية وملامحها الثملة تصرخ بالجدية الطفولية وهي تخبره:
-لأ، انا اصلًا مش بغير عليك، بس مبحبش بـ.ـنت تكلمك ولا تهزر معاك ولا تقرب منك ولا تبصلك ولا تفكر فيك ولا تحلم بيك ولا تتنفس جنبك، بس انا مش بغير!

كادت ضحكة تلقائية تقطر على هدوء ثغره، ولكن شيء ما اقوى منها داعب دواخله بإصرار، شيء ك حرارة تحرق عواطفه فأشعلتها بجنون وعقله يتلقف المعنى الواضح كالشمس من كلمـ.ـا.تها...
هي تغااااار، تغاااار عليه من أي انثى!..
انتبه لها عنـ.ـد.ما اومأت برأسها وشفتاها تتقوس بضحكة بلا مرح ثم اصبحت ضحكات غريبة، ضحكات كانت مجرد حركة لشفتاها مع قهقة عالية هيسترية وهي تردد بذهول مُضحك:.

-يانهار اسووح دي طلعت خمره، كنت حاسه بس مرضتش اصدق!
استمرت ضحكاتها البلهاء، بينما هو كان يقف بصمت، يعلم تمامًا أن تلك الضحكات ما هي الا صورة مزيفة لفرح لم يكن موجودًا اطـ.ـلا.قًا بساحة مشاعرها الداكنة حاليًا...!
وفجأة وجدته يقول لها آمرًا بصلابة:
-كفاية ضحك..

وبالفعل بدأت الضحكة تنسحب من ثغرها ببطء، وكأنها ادركت لتوها أن تلك الضحكة كانت غطاءًا لألم صارخ داخلها، وفجأة كانت تجلس ارضًا كطفلة شريدة، ليجلس هو تلقائيًا جوارها، فوجدها تمد يدها لتسحب كفه العريض لتضعه مكان موضع قلبها تمامًا متجاهلة رعشته الخشنة بلا وعي، لترفع عيناها التي بدأت تلتمع بالدmـ.ـو.ع كحبتي لؤلؤ وهي تهمس له بألم واضح:
-قلبي واجعني اوي يا يزيد...

تأوه دون شعور ما إن اخترقت كلمـ.ـا.تها اذناه، يعلم أنها ليست بوعيها، وربما هذا ما زاد من و.جـ.ـعه عليها، ربما لأنه يعلم أن لا شيء اكثر حقيقةً من الحروف التي تتسرب من بين شفتانا دون وعي او ترقب عقلي...
سحب كفه ببطء، ليقترب مستسلمًا لعمق شعوره بها فكان يطبع قبلة بطيئة حانية على موضع قلبها، لجوار همسته الشغوفة:
-اسف نيابةً عن كل اللي خذلوكي وو.جـ.ـعوكي..!

سمع شهقتها الباكية بوضوح فرفع وجهه لها بلهفة، ولكن لم تدm لهفته طويلًا اذ حلت محلها صدmة من نوع آخر عنـ.ـد.ما وجدها فجأة ولأول مرة تقترب بتهور لتضع شفتاها على شفتاه في شيء ربما اشبه للقبلة ولكنها ليست قبلة كما يفترض أن تكون اطـ.ـلا.قًا...!

نار احرقته بعنف في تلك اللحظات، واحرقت صدmته التي لم تدm طويلًا فكان هو يتولى مهمة قيادة تلك القبلة التي اصبحت حرب مسلوبة الراء، حرب مشاعر مـ.ـجـ.ـنو.نة تتعارك فيها شفاههما بلا سلطة للعقل، فقط سلطة مشاعرهما الملتهبة هي من تسود...
حاول إطفاء ذلك اللهب داخله وهو يجبر نفسه على الابتعاد، ولكن ما زاد الطين بلًا حقًا هو عنـ.ـد.ما امسكت هي لياقة قميصه بيداها الصغيرة وهي تردف بنبرة مختنقة بالغيرة وأنفاس لاهثة:.

-مـ.ـا.تبعدش، ولا البت اياها كلت عقلك، مايمشيش معاك انا؟!
لم يعي من حديثها الأبله سوى كلمة واحدة مـ.ـا.تبعدش...
كلمة قــ,تــلت المتبقي من ثبات يخبأه بخلاياه العقلية، فكان يعود لشفتاها مرة اخرى بلهفة مـ.ـجـ.ـنو.نة مثبتًا وجهها بكفيه الخشنة...

ولكن اسفًا قطع اهم لحظاتهما صوت هاتف يزيد الذي رن بنغمة خاصة خصصها عند الخطر لبعض اشخاص فريقه المتكفل بمهمة مراقبته وحمايته عنـ.ـد.ما يحتاج او عنـ.ـد.ما يتعرض لأي هجوم...
إنتفض يزيد مبتعدًا عنها بسرعة يرد على الهاتف ليسمع صوت احد زملائه يصـ.ـر.خ بسرعة:
-اخرجوا بسرعة يا يزيد، بسررررعة، لاقوكم وهيهجموا عليكم دلوقتي حالًا...!

رمى يزيد الهاتف بجيبه بسرعة وبالفعل لم يمر سوى دقيقة واحدة وكان يزيد يسمع اصوات أشخاص تقترب منهم جدًا...!
ركض يزيد بجنون نحو دنيا التي كانت تقف ببلاهه ضاحكة تنظر له وهو يتحدث وكأن لم يعد لعقلها وجود فلم تعد تستوعب ما يجرى...!
سحبها من يدها بلهفة يزمجر فيها بصوت حاول التحكم بأحباله فخرج خفيضًا:
-اجري يا دنيا مفيش وقت.

واخيرًا حصل على استجابة بطيئة عنـ.ـد.ما قبضت يدها على يده الخشنة بتحفز وهي تركض بالفعل معه، وفجأة وجدته ينحني ليفتح شيء كالقبو أظهر أنه توجد غرفة اخرى بالاسفل، أنزل دنيا بسرعة ثم تبعها ليغلق القبو عليهم مرة اخرى في نفس اللحظة التي بدأ الرجـ.ـال فيها يطرقون باب المنزل بعنف وكأنهم سيكـ.ـسرونه بعد لحظات...

امسك يزيد يد دنيا بإحكام، وكأنه يصك وعدًا صامتًا لها بالحماية مادامت تلك الأنفاس تدخل وتغادر صدره المنحور بعشقها...
فتح باب صغير كان في ذلك القبو ويبدو أنه يطل على شارع جانبي مباشرةً، وكالعادة أخرج دنيا اولًا ثم خرج هو ليمسك تلك السلسلة التي يرتديها دائمًا، ضغط عليها كما فعل في المرة السابقة ليرسل اشارة لفريقه بموقعه...

كاد يسير هو ودنيا التي كانت تتبعه بذهول لا تفهم اي شيء، ولكن فجأة سمعوا صوت احد الرجـ.ـال وهو يعبر من جانبهم، فجذب يزيد دنيا بعنف من خصرها لتلتصق به حتى لا تظهر امام ذلك الرجل، وتلقائيًا امتدت يده تكتم تلك الشهقة التي كادت أن تتحرر من بين سـ.ـجـ.ـن شفتاها الساكن، فكان الوضع كالتالي...

احد الرجـ.ـال يقف متفحصًا الشوارع بعيناه، بينما دنيا صدرها ملتصق بصدر يزيد الذي كان جـ.ـا.مدًا متصنمًا بقلق رتيب ينغز مقر صلابته خـ.ـو.فًا على تلك الصغيرة، بينما هي أنفاسها المرتعدة تعانق أنفاسه الساخنة، وصدرها يعلو ويهبط بتـ.ـو.تر رهيب وهي تسبل اهدابها ليزيد هامسة وهي تحرك شفتاها ليفهمها:
-انا خايفة..!
ولم يكن محتاجًا لتلك الحروف ليدرك ذلك الخـ.ـو.ف الذي استوطن عيناها كمُحتل مستوحش...!

ولكنه ضغط على خصرها برفق متمتمًا بصوت مغلق ولكنه حاني سمعته بصعوبة:
-متخافيش طول ما انا جمبك
منحته ابتسامة قلقة حررتها بصعوبة، ربما ما خفف خـ.ـو.فها ونفعها هو تأثير الخمر الذي لم يزول عنها تمامًا...
واخيرًا عاد الرجل لمكانه مع باقي الرجـ.ـال ليركض يزيد ودنيا بيده نحو سيارة فريقه التي تنتظره، وكان اخر ما سمعه منهم هو صراخ احدهم بجنون باللهجة اللبنانية التي باتت تستفزه:.

-لك شو يعني اختفوا؟ إنشقت الارض وبلعتهن! الله يلعنكم ما بتفلحوا بشي ابدًا...

واخيرًا ركب كلاً من يزيد ودنيا السيارة بسلام لتنطلق بسرعة من تلك المنطقة، كان يتوقع يزيد أن يجدوه بالطبع، وصراحةً قد حمد الله أنهم لم يجدوه بسرعة بل وجدوهم بعد بضعة ايام، تنهد بـ.ـارتياح عنـ.ـد.ما خرجوا من تلك المنطقة بسلام واحد زملائه الذي يتولى القيادة نظر له وهو يشير له بإصبعه بمعنى تم وقال:
-متقلقش يا باشا، عدت على خير.

اومأ مؤكدًا له، واخيرًا إنتبه لرأس دنيا التي استكانت على كتفه فجأةً فالتفت لها ليجدها غطت في نوم عميق، كالأطفال تمامًا...!
تابعها بنظرات تقطر شغفًا، نظرات عاشق، نظرات حارة، قلقة من القادm، نظرات محبوب لم يعترف حتى تلك اللحظة أنه سقط في أسر محبوبته...!
همس بينما يداه تربت على خصلاتها بحنان:
-نامي يا طفلتي، ربنا يقويني واقدر احميكي!.

في مصر
وكعادة تلك الأيام، لم يعد يهتم ياسر بعمله، لم يعد يهتم ب مسعد الشامي من الأساس، وكأن سبب اهتمامه ومحوره كان دنيا وفجأة تبخر ذلك المحور فلم يعد أي شيء كما كان...!

دلف ياسر احدى الملاهي الليلية، ولكن قبل أن يدلف وجد احد رجـ.ـاله الذي كان معه عنـ.ـد.ما كان ثملًا يركض نحوه بتـ.ـو.تر مناديًا:
-ياسر أستنى
إلتفت ياسر نحوه بلامبالاة متساءلاً:
-خير عايز إيه يا إسلام؟
وضع المدعو بإسلام يده على كتفه ثم هتف بنبرة متـ.ـو.ترة، وحروف متمزقة من القلق الذي يفوح منها:
-عايز اقولك حاجة مهمة تعالى نطلع بره
هز ياسر رأسه نافيًا ببرود:
-لأ مش عايز اطلع، هتقول هنا ولا لا.

حَجْم تـ.ـو.تره الذي مس كل خلية به، ثم رفع رأسه بهدوء ليتابع اخيرًا بصوت أجش:
-انت المرة اللي فاتت لما كنت سـ.ـكـ.ـر.ان قولتلي حاجات كتير يمكن ماكنش ينفع تقولها، قولتلي إن دنيا مش بـ.ـنت مسعد الشامي و...
قص اسلام كل شيء على مسامعه بينما ياسر كان يقف بجمود، عضلة فكه اهتزت بلا شعور وهو يدرك أنه أطلق الرصاصة التي كانت مستقرة في جوف الماضي...!

وما إن انتهى اسلام من سرد ما حدث حتى قال ياسر بصلابة مُحذرة شابها نسمـ.ـا.ت مُهددة:
-الكلام ده مايطلعش بره، ومحدش يعرف انك سمعت مني الكلام ده، ولا حتى مسعد الشامي نفسه، فاهم ولا...
اومأ اسلام مؤكدًا بسرعة:
-طبعًا يا باشا، دا انا راجـ.ـلك ولحم كتافي من خيرك..
اومأ ياسر برأسه دون رد ثم دلف لذلك الملهى، كاد يجلس بملل ولكن فجأة إتسعت عيناه بذهول والمشهد الماثل امامه يحرق اطرافه...!

فقد كانت ابنة خالته الصغيرة تقف على ساحة الرقص وسط الرجـ.ـال تتمايل بميوعة وترتدي ملابس فااااضحة...!
عقله توقف عن ترجمة مكنونات تلك الصدmة، يحاول الاستيعاب أن ابنة خالته الوحيدة التي رباها على يداه ولم تفترق عنهم سوى عنـ.ـد.ما أصرّت أن تعيش بمفردها بمنزل والداها الراحلان، أصبحت فتاة ليل...!
وربما كانت تلك الحقيقة الوحيدة في حياته، الحقيقة التي كانت كالصخرة لأمواج الكذب الهائجة دومًا في حياته...

نهض لا اراديًا ولكن قبل أن يصل لها كان صاحب هذا الملهى يقترب منه بلهفة متمتمًا يسأله:
-خير يا باشا، محتاج حاجة؟
رفع إصبعه الذي كان يرتعش حرفيًا نحو ابنة خالته، فقهقه الرجل حينها بـ.ـارتياح ومن ثم أردف بنبرة ماكرة:
-اااه انا قولت كده برضو، دي عهد، وشهرتها دودي، معاك حق في اختيارك، ناس كتير جدًا بتعجبهم بس هي مش اي حد بتروح معاه يعني..

كلمـ.ـا.ت ذلك الرجل كانت كبنزين يُسكب بين ثنايا بركان ثائر اوشك على الإنفجار، وألسنة اللهب تصاعدت وتصاعدت، حتى وصلت لأفق صبره فأحرقتها بجنون...
حينها نظر لذلك الرجل ولم ينطق سوى بكلمة واحدة إنطلقت من فمه كالسيف الحاد الذي لن يعود قبل أن يُصيب خصيمه...
عايزها الليلة
رمقه الرجل بنظرة ذات مغزى مستطردًا:
-بس دي غالية شوية يا باشا
-هاديك شيك على بياض...
حينها لم يتردد الرجل وهو يشير لاحد رجـ.ـاله بسرعة صائحًا:.

-تعالى ياض خد الباشا لاوضة آآ...
ولكن ياسر قاطعه بجمود حاد مُقلق:
-لأ، انا هستنى في عربيتي عايزها في شقتي.

وبالفعل إنصرف دون كلمة اخرى، كاد مظهر ياسر أن يثير القلق في جوارح ذلك الرجل ولكن الطمع أعمى عيناه عن اي شيء اخر...
كان ينتظر بالخارج، يشعر أنه ينتظر على جمر مشتعل يُدmي ويحرق روحه بقسوة...
وخلال دقائق معدودة كانت عهد تتقدm من سيارته بهدوء، فالتوى فمه بابتسامة ساخرة حاقدة، لقد أقنعها بكل سهولة ذلك الحقير، صبرًا يا ابن ادm صبرًا...

شهقة عهد المرتعدة أعادته للواقع، انتقلت أنظاره لها ببطء، هاله الرعـ.ـب الذي كان يسيل من عيناها بجنون هيستيري، شغل المقود ثم تحرك بسرعة رهيبة دون أن ينطق بحرف بينما هي تهمس بصوت لم تجده اصلًا:
-ي، ياسر!
بعد فترة كان يهبط من السيارة بسرعة غير عقلانية اطـ.ـلا.قًا، يسحبها من ذراعها كالبهيمة نحو تلك العمارة التي أجر بها شقة صغيرة مؤخرًا...

بينما هي تعترض بصمت مختنق وكأنها فقدت القدرة على تكوين جملة واحدة سليمة...!
وبمجرد أن فتح باب شقته حتى رماها للداخل بعنف فسقطت هي ارضًا متأوهه، دلف هو الاخر ليغلق الباب بالمفتاح ثم رماه بلامبالاة في احد اركان الشقة...
بدأ يقترب منها ببطء شـ.ـديد بينما أصابعه تتحرك بآلية لتفتح ازرار قميصه ثم رماه ارضًا وكأنه لم يعد يطيق أي شيء على مسام جلده التي تغلي...

بينما هي اخذت تتراجع زاحفة ارضًا والرعـ.ـب يلتهمها حية:
-اسمعني الاول يا ياسر، لو قربتلي هصوت وهلم عليك الجيران
ودون مقدmـ.ـا.ت كانت صفعة عنيفة تهبط على وجهها، للحظة شعرت أن وجنتها شُطرت نصفان من قوة وقسوة صفعته، وفجأة إنفجر ذلك البركان، وإنطلق الشيطان من جحره فأخذ ياسر يزمجر بجنون مُرعـ.ـب:
-ليييية، ليييية بعتي نفسك بالرخيص يا رخيصة يا * لية تعملي فيا كده ليييية؟!..

مع كل كلمة كانت الصفعات تتوالى بقساوة على بشرتها الحساسة، فجاهدت هي لتخرج صوتها المبحوح بانهيار باكي:
-أنت السبب، أنت اللي بعتني الاول ومابقتش حتى تسأل عني ولا عن اخبـ.ـاري وكأني مش بـ.ـنت خالتك الوحيدة اللي انت ربتها على ايدك وكأنها بـ.ـنتك!
ازدادت صفعاته المـ.ـجـ.ـنو.نة على وجهها وهو يصـ.ـر.خ فيها بصوت زلزل ارجاء المنزل وعروق رقبته بـ.ـارزة بوضوح وكأنها ستنفجر حتمًا:.

-ما إنتِ اللي مشيتي، إنتِ اللي سبتينا وعيشتي لوحدك عشان تروحي لل* دي يا فااااجرة يا *، بعتي نفسك بكام؟ الفلوس عمت عنيكي خلاص
اخذت تهز رأسها بضعف صارخة هي الاخرى في المقابل:
-لأ، انا مامشيتش عشان اروح للقذارة دي، انت اللي ماكنتش تعرف عني اي حاجة حتى لما كنت في بيتك وجمبك، انت السبب في كل اللي حصل يا ياسر انت السبب.

اصبحت مُسطحة ارضًا وقد فقدت القدرة تمامًا على المقاومة، وجهها وجسدها يأن بألم رهيب من صفعاته وركلاته العنيفة لها، لم تعد تحتمل، ألا يكفي ذلك الألم النفسي الذي ينهش روحها يوميًا، ويُذيب حيويتها كالمرض الذي لا خلاص منه...!
جذبها ياسر من خصلاتها الحمراء بعنف فصرخت بألم ولكنه لم يبالي وهو يقرب وجهها منه، أنفاسه تصفع وجهها الابيض الذي اصبح شاحب كالأموات، بينما الشياطين تتحكم بلسانه وعقله وهو يقول:.

-طب ما كنتي شوفتي ابن خالتك الاول، ده حتى انا اولى من الغريب، وكنت هدفعلك أجرتك برضه يا عاهرة يا بـ.ـنت ال*
هزت رأسها نافية بهيستيرية، ليقترب هو منها اكثر، يشعر بالجنون، الجنون أسلم وأبسط تعبير لما يشعر به، حتى عنـ.ـد.ما فقد اثر دنيا تمامًا لم يكن يشعر بهذا القدر من الألم الحارق والجنون...!

جذب شعرها لأسفل بعنف، ودون شعور كان يدفن وجهه عند رقبتها، ويهدر متساءلاً بحروف مرتجفة محترقة بألم كحاله الان وهو ينتظر تلك الاجابة بنفس الترقب والجنون:
-حد لمسك؟
اومأت برأسها ودmـ.ـو.عها تزداد انهمارًا كلما مرت الذكرى كالعلقم بذاكرتها، بينما ياسر يزمجر كأسد جريح وهو ينهض ليضـ.ـر.ب الحائط بيده بهيستيرية...
ااااااااااااااااه.

يشعر أن شيء كان يخصه هو، شيء ملكه سُلب من بين يداه فجأة، شيء كان لامعًا، كان يظنه محصنًا في أبعد القلاع وأعلاها، ولكن فجأة وجده منتهكًا في اسفل قاع...
وبحركة مباغتة كان يستدير لها مرة اخرى بأعين حمراء يلمع الشر بين سطورها، فبدأ يقترب منها وهو يتخلص من ملابسه، بينما هي تتراجع بذعر نافية برأسها:
-انت هتعمل ايه، لا يا ياسر اوعى تقرب...
فتابع هو بصوت لا حياة فيه:.

-هعاين واشوف اذا كانت البضاعة تستاهل فلوسي اللي دفعتها ولا لا
-لا والنبي يا ياسر ابعد عنييييييي
زادت تلك البحة المتألمة التي اختلطت بصرختها عنـ.ـد.ما اصبح فوقها يمسك يداها بيد واحدة بينما يده الاخرى تمزق ملابسها بجنون وكأنه يود أن يثبت أنها مازالت ملكه هو رغم كل شيء...! يود أن يخمد تلك الثورة التي تأبى التراجع، فكانت عيناه تأكل جسدها أكلًا...

زاد صراخها المتوسل ليكتمه هو بفمه عنـ.ـد.ما اكتسح شفتاها ليُقبلها بعنف متعمد، شفتاه تدmي شفتاها بقسوة، ويصدح أنين خافت لم يدري يصدر عنها ام عنه...!

لبنان
في اجتماع يزيد مع باقي ضباط فريقه...
هب منتصبًا كمن لسعته أفعى، يرفض دون تردد وهو يهز رأسه:
-لا طبعًا، دنيا مش هتيجي معايا، انا اللي هدخل اجيب الميكروفيلم لوحدي بمساعدتكم
نهض احد الضباط كذلك يهتف بصوت جاد عقلاني يضاهي نبرة يزيد المُحملة بعاطفة حارقة:.

-يا يزيد رائف بيه معاه حق، البـ.ـنت دي لازم تروح مش عشان تتفسح! لازم تروح لأن هي اللي كانت قريبة من مسعد الشامي، هي اللي لو شافت حد من مندوبين المافيا اللي في مصر هتعرفهم لو كانوا بيقابلوا مسعد، وكده برضو بطريقة غير مباشرة هنختبر وفائها لينا ونشوف اذا كانت فعلًا هتساعدك ولو قدرت تعرف حد منهم هتقول ولا لا..!

ظل يزيد يهز رأسه نافيًا، كلما تخيل ولو لمجرد تخيل أن يُصيبها مكروه وبسببه!، يشعر كما لو أن جزءًا كبيرًا من روحه يُنتزع بأشواك ضارية ليتركه فتات روح...!
حدق ب زياد الذي كان يتحدث، يرمقه بنظرة حازمة، صلبة لا تحمل ذرة تردد بالية:
-انا لو خدتها مش هكون مركز، هبقى حاسس إني مضغوط جدًا ولازم احميها ومش هكون مركز على هدفي، اخر كلام وعلى مسؤليتي انا اللي هروح وانتم هتبقوا ورايا زي ما خططنا.

أصر زياد على رأيه بريبة:
-بلاش يا يزيد، صدقني أنت بتخاطر وانت متعرفش اساسًا هي فعلًا في صفنا ولا ضدنا! ما يمكن بتكذب وبتمثل
ثم احتدت نبرته وغريزيًا تحولت لإيقاع الشك وهو يسأله مستنكرًا:
-وثقت فيها بسهولة كده يا حضرت الظابط؟ من امتى وانت بتلغي عقلك مع عدوك وخصوصًا لو عنصر ملاوع بالطريقة دي؟!

بدا وهو يناديه ب حضرت الظابط وكأنه يُعيده لنقطة البداية، يُذكره بما محته مشاعره التي فاضت فجأة نحو تلك الدنيا...!
نهض يزيد من مكانه يتنهد بتثاقل، صحيح، منذ متى وكان يزيد الشرقاوي بتلك الهشاشة الفكرية؟!..
هز رأسه نافيًا قبل أن تصله الاجابة من عقله، ليخرج صوته جـ.ـا.مدًا رغم الضجة التي تحيط عقله:.

-لأ، انا ماوثقتش فيها، انا بفكر في شغلي مش اكتر! انا فطريًا هبقى بفكر في حمايتها حتى يمكن اكتر من حمايتي، لان هي هتبقى في حمايتي انا، وكده انا هزيد العبء على نفسي!
زفر زياد بيأس وهو يومئ موافقًا برأسه لينهض الجميع عدا يزيد و زياد...
حينها نهض زياد منفعلًا يهدر فيه بحدة صديق ينهر صديقه وليس زملاء عمل:.

-إيه يا يزيد؟ لحد امتى هتضحك على نفسك؟! انت اتجوزتها على اساس انك هتخليها جمبك لاطول فترة ممكنة عشان تاخد منها المعلومـ.ـا.ت اللي تهمنا بس باللين لان العنف مانفعش معاها، قولتلها انك عايز طفل برضه عشان تقنعها انها تفضل معاك لاطول فترة، عاملتها عادي جدًا ولا كأنها عِشرة عمر عشان تخليها تأمن لك، كل دا قولنا ماشي، انما تبدأ تأثر عليك وعلى شغلك تأثير سلبي لمجرد انك خايف عليها؟! لا يا يزيد لا والف لا، فوق انت مينفعش تثق فيها اصلًا بسهولة كده، فوق يا يزيد دي عدوة ليك وطول عمرها عايشة مع شيطان وتابع ليه في كل حاجة!

كلامه كان ترانيم يستجب لها عقله متشربًا كل كلمة بتمهل وادراك عقلاني، ولكن قلبه، تبًا لذلك القلب، قلبه يزمجر، يصـ.ـر.خ بجنون، ويخوض حربًا تتلاطم فيها تحذيرات العقل وتبريرات ذاك القلب...!
إلتفت له يزيد بصمت وملامحه مغلقة، ثم نطق بعد فترة صمت:
-فوقت يا زياد، فوقت متقلقش!
ثم رفع إصبعه في وجهه محذرًا بخشونة:
-بس برضه مش هاخدها معايا، افهم بقا انا خايف على شغلي اكتر من خـ.ـو.في عليها.!

وقد إنتصر العقل، إنتصر متجاهلًا قلب يختض اعتراضًا بعنف داخله...
أجبر قدmاه على التحرك خارج تلك الغرفة ليتوجه مباشرةً نحو الغرفة التي كانت دنيا تنام بها...
دلف بأقدام كالهلام تكاد تتهاوى، رمى نظرة ملتاعة لتلك الصغيرة التي تحتل ذلك الفراش الصغير، يا اللهي، لاول مرة يمزقه نزاع حاد بين قلبه وعقله...!

اقترب من دنيا يدفعها برفق للداخل فتحركت هي بانزعاج كطفلة مشاكسة لتنزوي في اخر الفراش، ليتمدد هو في المساحة الصغيرة المتبقية من الفراش...
إن كان العقل سينتصر لينتصر، ولكن بعد جولة واحدة يرفرف فيها القلب قربًا لها، جولة واحدة...!

مد ذراعه نحوها ليرفع رأسها ببطء يضعها فوق ذراعه، حينها تحركت بتلقائية لتنام على صدره في خفوت تام، أنفاسها رتيبة ساكنة في هدوء وسكينة طفولية، بينما هو يعيش عـ.ـذ.اب قربها، نعم عـ.ـذ.اب، عـ.ـذ.اب قـ.ـا.تل، أنفاسها الساخنة التي تضـ.ـر.ب وجهه عـ.ـذ.اب، احساسه بقربها المهلك ذاك عـ.ـذ.اب، شعوره بجسدها الغض بين احضانه دون أن يستطع أن يفعل بها ما يجيش بصدره ويحرقه ايضًا عـ.ـذ.اب...

تنهد تنهيدة حارة تحمل في طياتها الكثير والكثير، ثم اغمض عيناه بهدوء وراحة لساعات، لساعات فقط ثم ستندلع تلك الحرب!

بعد ساعات قليلة...
بدأت دنيا تتململ ببطء في نومتها، فتحت عيونها الزرقاء بتمهل كقطة صغيرة، كادت تتحرك ولكن شعرت بذراعان يقيدانها بحزم، نظرت جانبها لتجد يزيد يحيط بها بين احضانه وذراعه الاخر يحيط خصرها وكأنها ستهرب من بين احضانه؟!..
ارتسمت ضحكة خافتة على ثغرها وهي تهمس لنفسها ببلاهه:
-لازم يكـ.ـلـ.ـبش فيا كده، ظابط بقا!..

ولكن تلك الابتسامة بدأت تنحدر شيءً فشيء لتختفي تمامًا وهي تدرك تلك الحقيقة، لم تكن تحلم او تهلوس، بل كانت حقيقة مريرة!..
حينها رفعت عيناها ببطء تتأمل ملامح يزيد، لطالما شعرت أنه ليس ذاك الفرعون الشيطاني الذي يَدعيه، هو ربما غامض، قاسي، هادئ ومظلم باستفزاز، ولكنه ليس شيطانًا!

وفجأة كان يزيد يفتح عيناه عنـ.ـد.ما رفعت إصبعها تمرره بخفة على ذقنه الكثيفة وابتسامة طفولية تعود لتحتل ثغرها، للحظة توقفت بقلق من المفاجأة، ولكن إصبعها لم يتوقف بل استمر صعودًا لعيناه تتحسسها ببطء هامسة ببراءة:
-تعرف إن رموشك تقيلة اوي وطويلة؟
حمحم بخشونة وهو يدفع يدها عنه ناهضًا في حركة واحدة، فحدقت هي بظهره متمتمة بتساؤل مستنكر:
-مالك يا يزيد؟

فصحح هو لها تلقائيًا بنبرة خشنة جادة وعملية بطريقة مستفزة لمشاعرها:
-يزيد باشا بما إنك عرفتي اللي فيها بقا...!
نهضت بهدوء متجاهلة كلمته، اقتربت منه بخفة تضع يدها على كتفه بتلقائية وتردد بنبرة مشاكسة لطالما كانت رقتها وطفوليتها تمس تلك النبضات الملتاعة بصدره:
-بجد مالك يا يزيد؟ أنت هتقولي على فكره يعني ف يلا قول!

حينها نفض يدها عن جسدها بحدة خفيفة، واستدار لها، متمسكًا كل التمسك بذلك القناع البـ.ـارد الذي يخفي الصراع الحاد الناشب داخله، يتابع مستنكرًا بسخرية فجة:
-وجبتي الثقة دي منين اني هقولك يعني؟!
عقدت ذراعيها وهي تجيب بنفس النبرة:
-جبتها من إني مراتك مثلًا...

لأول مرة تنطقها صراحةً أنها زوجته، او لأول مرة تعترف بذلك فعليًا، ولكن اسفًا، ذلك الاعتراف لم يتلقى تهليلًا كما يجب، بل أحرقت أعصابها وتماسكها تلك السخرية التي تنضح من بين عيناه المظلمة كعادته، ليخرج صوته اجشًا، قاسيًا كقسوة السياط:.

-مراتي؟! ده بأمارة ايه يعني؟ مـ.ـا.تنسيش إن جوازنا مجرد صفقة، صفقة عملتها عشان شغلي زي ما عرفتي وانتِ كنتي موافقة عليها عشان غرض مُعين انك تخلصي مني، ف ياريت نتعامل على الاساس ده ومـ.ـا.تتعامليش وكأننا متجوزين بحق وحقيقي!
كل كلمة كانت تسقط عليها كانت جلدة قاسية بسوط الواقع، يا الله، كم أسقطها من سابع سماء لسابع أرض؟!..
حاولت التماسك بثباتها الذي بدا انهياره واضحًا مع ارتعاش حروفها وهي تخبره بجمود ركيك:.

-طيب، بما إني خلاص عرفت الحقيقة وعرفت إنك مش متجوزني عشان الطفل، خلينا نتطلق احسن، جوازنا مابقاش له داعي!
إرتجف فكه حرفيًا، شتم ذلك العقل وشتم صديقه الذي ذبذب كل ما كان يحيكه قلبه دون شعور منه حتى، تبًا لكل شيء هو لا يريد سوى أن تكون جواره تحت اي مسمى حتى وإن كانت عدوة!..
استعاد صلابته الحادة وراح يزفر بضيق مستطردًا:
-اول ما نخلص اللي هنعمله هنا وننزل مصر، هطلقك!

وكم بدا متأثرًا، مرتجفًا محترقًا بأنين ملتاع ورافضًا لتلك الكلمة التي تخرج عنوة من بين شفتاه بضغط من ذلك العقل اللعين...!
لم يتحمل اكثر فخرج مسرعًا من تلك الغرفة تاركًا اياها تعاني مرارة الصدmة...

في نفس اليوم مساءًا...
كان يزيد في احدى الغرف يستعد استعداد تام لتلك المهمة، بينما دنيا حبيسة تلك الجدران، والكلمـ.ـا.ت تتقافز بعقلها من كلمة لاخرى، من حرف لحرف وهي تتذوق مرارة الفقدان التي تزحف لجوفها رويدًا رويدًا...
وفجأة سمعت صوت زياد المنفعل وهو يتحدث مع احد اصدقاؤه عن رفض يزيد اصطحابها وعن فائدتها له إن صاحبته...!

نبضة خلف الاخرى كانت تتسارع بجنون في فلك الخـ.ـو.ف من الفقدان الحتمي حتى شعرت أنها ستخترق قفصها الصدري، وذلك القلق يكاد يحرق صدرها...!
لا تتخيل أنه لربما يذهب لتلك المهمة فتصبح الخطوة الفارقة بين عالمنا والعالم الاخر وليست مجرد مهمة وحسب...

بالرغم من أنها متيقنة أنها لن تحميه، بل هو من سيحميها إن ذهبت معه، ولكن حماقة الأنثى وتههورها، قلقها الحاني على من اصبح نبض قلبها، يفيضوا كالسيل على أفكارها فلم يعد للعقل وجود...
طرقت ذلك الباب المغلق عليها بعنف لتجد الباب يُفتح بعد دقيقة ولحسن حظها كان زياد صديق يزيد الحانق هو من فتح لها بوجه يقطر حنقًا ويسألها:
-خير؟
لم تتردد وهي تجبر لسانها على تلك المواجهة المحتدة:
-انا عايزه اروح مع يزيد.

صاح فيها مستنكرًا:
-نعم! تروحي معاه فين؟ هو رايح يتفسح؟!
هزت رأسها نافية تضبط نبرة صوتها على الجدية الصلبة:
-اروح معاه وهو بيجيب الميكروفيلم، انا سمعتك وانت بتقول اني هفيده لانه ممكن يشوف حد من مندوبين المافيا في مصر بس مش هيعرفهم وبالتالي ممكن يهربوا منكم وهو مايكونش عارف انهم مهمين، ارجوك خليني اروح حتى من غير ما يعرف
الافكار تتزاحم بعقله، فكرة تجعله خانع لجدية نبرتها والاخرى تقــ,تــل الاولى بضراوة...

ولكن مع استمرار إلحاحها الذي لم يخلو من اشباح القلق:
-ارجوك، اعتقد انكم اكيد هتكونوا وراه من على بُعد، انا هنزل معاكم انتم واول ما نوصل للمكان ده انا هروح ورا يزيد بسرعة! ارجوك انا عايزه افيدكم..
حينها زفر على مهل وبدأ عقله ينحدر نحو الافكار المؤيدة لها، فقال بصوت أجش:.

-طيب، بس على فكرة انتِ هتبقي تحت عينا برضو ف متحاوليش تعملي حاجة كده ولا كده، وبعدين ما اظنش إنك بالغباء اللي يخليكي لسة عايزه تروحي للي قــ,تــل والدتك!
ضغط على جـ.ـر.حها بقسوة، نعم، ولكن ذلك النـ.ـز.يف المُهلك لروحها اصبح كالوقود يمدها بطاقة غريبة للأنتقام...!
رفعت عيناها التي تحجرت بزرقتها ومن ثم اردفت بجمود:
-كويس أنك عارف إني مش بالغباء ده! انا بعرف انتقم من عدوي، وبعرف انتقم كويس اوي كمان.

اومأ زياد موافقًا على مضض ليستدير ويغادر استكمالًا للاستعداد...

وبالفعل بعد فترة كانت دنيا تنتقل مع باقي الضباط في سيارتهم دون علم يزيد...
وبمجرد أن اقتربوا من المنزل الذي يقيم به ذلك الرجل المدعو سراج الذي يخبئ الميكروفيلم، هبطت دنيا من سيارتهم لتركب مـ.ـو.توسيكل آخر مثل يزيد ولكنها لم تكن مغطاة الوجه مثل يزيد بل كانت مكشوفة الوجه، لأنهم حينما يروها لن يظنوا لوهله أنها تأتي مع الشرطة لأنها معروفة لهم أنها ابنة مسعد الشامي...

وعنـ.ـد.ما ترجل يزيد بخفة من المـ.ـو.توسيكل متوجهًا نحو شارع جانبي يُخرج نحو ذلك المنزل المقصود، ركضت دنيا خلفه وما إن رأته حتى استطاعت لمح ذلك الغضب الأهوج الذي جعل ملامحه تنقبض بقسوة صارخة، بالرغم من أنه ملثم يغطي وجهه بقناع أسود ولكن عيناه كانت عنوان كافي لشروح مطولة من الغضب..
كانت ملتصقة به بخـ.ـو.ف يداها استقرت على كتفاه، ومن ثم همست عند أذنه بحنان فطري داعب مشاعره:.

-اسفة، بس مكنتش هقدر استنى وانت رايح جهنم برجليك!
نظر حوله بحثًا عن سيارة فريقه ولكن فشل في ايجادها، شتم بصوت مسموع، ليسألها بحدة واضحة:
-معاكي سلاح طبعًا؟
اومأت مؤكدة برأسها وهمست له متابعة:
-ومعايا GPS متقلقش..

بدأا يتسللا بحذر في ذلك الشارع ويزيد في حالة يرثى لها، مزيج عجيب من القلق على تلك الصغيرة، الترصد، الحذر، والحنق يموج بين ضلوعه...!

وما إن اقتربا جدًا حتى أشار يزيد لها بيده أن تنتظر وتستعد، ومن ثم اخرج سلاحه الكاتم للصوت، ومن مكانه صوب ناحية الثلاث رجـ.ـال الذين يقفون كحرس على البوابة، ليتساقطوا واحد خلف الاخر، ثم ركض يزيد بسرعة نحو السور ليقفز هو اولاً بسرعة وقفزت خلفه، كانوا يسيران ببطء يلتفتوا هنا وهناك، وفجأة كان شخص ما يجذب دنيا من الخلف بعنف نحوه بعيدًا عن يزيد فصرخت هي بفزع وقبل أن ترفع السلاح كان هو يرميه بعيدًا ويضع سلاحه عند رأسها...

حدث كل شيء بلحظات معدودة، لحظات كانت كالأشباح توغلت لداخل يزيد فجعلته مرتعدًا جازعًا من ذلك المشهد المتمثل امامه فلم تمر سوى دقيقة وكان عدد الرجـ.ـال يزداد وهم يأتون لتلك الحديقة الصغيرة بينما دنيا عيناها تفيض بخـ.ـو.فًا حقيقيًا، دقيقة وكان سراج يبتسم ابتسامة واسعة وهو يصفق بسماجة متمتمًا بما جعل يزيد كالجماد يحاول الاستيعاب:
-تؤ تؤ تؤ، كده انا ازعل، هو احنا مش بينا اتفاق يا دندن وكنتي ماشيه فل؟!

جملة واحدة كانت تترنح بين افكار يزيد المذهول...
دنيا كانت على اتفاق مع هؤلاء المافيا ! لحظة، الثانية، الصدmة صدحت كصقف يندلع بلا رحمة في سماء صافية فيجعلها أشبه بالجحيم، و...!
رآن الصمت بين الجميع، صمت قـ.ـا.تل يحتضن صراع غامض من النظرات المبطنة بعشرات الكلمـ.ـا.ت...!
للحظات لمحت دنيا ذلك الطيف البراق يطوف بنظرات يزيد قبل أن ينطفئ تمامًا، فتشعر لأول مرة أنها أطفئت الشعلة الوحيدة التي كانت تنير طريقها لقلبه!.
إنتبهت لصوت يزيد المغلق وهو يغمغم:
-لما هي إتفقت معاكم ماسكينها كده لية؟!
حينها تراخى قناع البرود الذي كان يغطي ملامح سراج ليظهر الغضب في أوجه وهو يصيح مزمجرًا:.

-لأني حذرتها، قولتلها انا هقولك معلومـ.ـا.ت عن أمك بس اسمعي الكلام ومـ.ـا.تطاوعيش مسعد الشامي في اللي هو عايزه بس هي ماسمعتش الكلام!
ولم يترك ليزيد الفرصة بل تابع بغضب اكبر:.

-من وقت ما مُسعد قال إن دنيا اختفت فترة وهترجع بمزاجها زي ما مشيت بمزاجها وانا عارف إنه كذاب وإن في حاجة غلط في الموضوع، بس مكنتش اعرف إنه بيجهز عشان يغدر بينا وعايز ياخد حاجة يقضي علينا بيها! ميعرفش أنه لو قضى علينا هيقضي على نفسه برضه!
اقترب من دنيا بخطى بطيئة، ومع كل خطوة تزداد، تزداد امامها خفقات يزيد التي كانت كمطرقة في حرب مجهولة النهاية!..

إلى أن وضع سراج يداه على خصلات دنيا يتحسسها وهو يكمل بهسيس شيطاني:
-بس مكنتش أعرف إن مسعد بالغباء ده عشان يبعت واحدة حلوه وصغننه زيك هي و واحد بس عشان ياخدوا الميكروفيلم..!
شيء نال نسيم الراحة اخيرًا داخل يزيد وهو يدرك أن ذلك اللعين يعتقد أنه هو ودنيا جاءوا هنا بأمر من مُسعد الشامي ولم يدري أنه ضابط...!

وربما ما زاد ظنه أنهم رجـ.ـال مُسعد أن لا احد يعلم بوجود ذلك الميكروفيلم إلا اعضاء المافيا نفسهم، وبالطبع الشرطة لاحقًا...!
حينها فقط ادرك أهمية مرافقة دنيا له...
واخيرًا خرج صوته هادئ يحمل ذلك الايقاع المزيف من التوسل:
-غلطنا يا باشا...
ولكن سراج هز رأسه نافيًا والشر شرارة قدحت بين جحر عيناه، فأردف بصوت عالي آمرًا:
-اقــ,تــلوها.

إنتفضت دنيا بهلع حقيقي، وعينا يزيد اصبحت كرة من النار، كرة إنتفخت وإنتفخت بالجنون والحقد حتى كانت كلمته كالوغزة التي فجرتها فجأة...
ليضغط على ذلك الزر المُعلق بالسلسلة في رقبته وفي لحظة بدأ هجوم فريقه على المكان، لتندلع حرب دmوية وتنطلق الرصاصات كأمطار غزت أزهار الربيع بقسوة...
قفز يزيد من مكانه بسرعة نحو دنيا التي أمسكها احد رجـ.ـال سراج وهو يضعها امامه هو وسراج كدرع حامي لهم...!

ركضوا بها للأعلى في احدى الغرف ليركض يزيد خلفهم بجنون، إن أصابها مكروه لن يسامح نفسه ابدًا، ولن يسامحها!
دلف هو وسراج ودنيا وذلك الرجل الذي يكبلها، كان يزيد يصارع خـ.ـو.فه، يصارع عشقه ونبضاته التي اهلكها ذلك المنظر في مدارها...
يعطي عقله قيادة روحه وكيانه ليستطع التحرر من اشباح عشقها، ليتناسى الجزء العاشق داخله حاليًا، ويصبح الضابط يزيد المتزن دون أي عوائق من التـ.ـو.تر والجنون...!

وبالفعل استقام واقفًا امام سراج الذي أخذ يصـ.ـر.خ وكأنه على عتبة الجنون:
-بوليس، أنتوا بوليس استحالة تكونوا رجـ.ـا.لة مُسعد، مُسعد معندهوش القوة دي!
ثم صرخ ليزيد صارخًا وعيناه تحيد نحو دنيا بتهديد واضح:
-لو مش عايزها تمـ.ـو.ت سيب سلاحك
كان يزيد يحدق بعينا دنيا المهتزة، يرسل لها رسالة خفية ويرجوها الاستقبال...!

وبالفعل، حينما كان سراج يمسك السلاح من رجله ويترك له مجرد سكين، ثم كاد يلتقط دنيا، ولكن دنيا وبحركة مباغتة أخرجت موس صغير من معصم يدها لتدفع ذلك الرجل عنها بعنف وتغرز ذلك الموس بعيناه فتعالت صرخاته المتألمة ثم ركضت نحو يزيد...
وفي نفس اللحظات أطلق يزيد رصاصه ليُصيب الرجل اولاً ثم سراج الذي لسوء الحظ أطلق هو الآخر رصاصته تجاه دنيا...!

وسقطت دنيا ارضًا دون اي مقدmـ.ـا.ت، سقطت كزهرة ذبلت عنـ.ـد.ما ازدادت قسوة المناخ عليها...!
ولكنها لم تسقط وحدها، بل مزقت وريد الحياة داخل يزيد الذي تصنم وكأن الروح غادرته...!
لحظة واحدة وكان يركض نحوها بلهفة مـ.ـجـ.ـنو.نة يمسك وجهها بين يداه ويصـ.ـر.خ بصوت مرتجف هيستيري:
-دنيا، دنيا قومي فوقي، دنيا مـ.ـا.تهزريش قومي أنتِ مش هتسبيني بعد ما لاقيتك، دنياااااا.

حروف أسمها خرجت من بين شفتاه كالحمم عنـ.ـد.ما تخرج من جوف البركان الثائر، يصـ.ـر.خ ويزداد نحيبه، يهز رأسه نافيًا وهو يحاول إفاقتها بكل الطرق...
لن تتركه، لن تغادر تلك الدنيا لعالم اخر وتتركه، لن تتركه عالق هنا في لظى الدنيا، مد يده اخيرًا متوقعًا نـ.ـز.يف غائر ولكنه لم يجد دmاء...!

وفجأة هدأ صوت الرصاص بالأسفل، ثم بدا وكأن هناك علاقة طردية بين الادراك والهدوء العقلي ليزيد، فكلما عم الهدوء عم الادراك عقله، نهض بسرعة البرق يركض نحو جثة سراج يبحث عن اي مفتاح او شيء يدله على الميكروفيلم...
وجد ساعة عريضة في يده، فكاد يتخطاها ولكن لوهله توقف وهو يتفحص تلك الساعة بتمعن، ثم سحبها من يده، وضعها عند اذنه ليهزها ببطء فسمع حركة خفيفة حينها أدرك انها لم تكن مجرد ساعة...

بل كانت مخبئ للميكروفيلم، شتم بصوت عالي، تفكير شيطاني، فحينما يحدث هجوم عليهم يضع الميكروفيلم بتلك الساعة التي لن يتوقع أي شخص أن يكون به...!
سمع صوت زياد يخترق السماعة الصغيرة جدًا الموضوعة بأذنه، لاهث قلق يسأله:
-يزيد انت كويس؟ لو في اي خطر او لسة في حد عندك كح او اديني اشارة على الجهاز...
خرجت حروفه متحشرجة بضياع وهو يجيب:
-خلصت عليهم وخدت الميكروفيلم، هات اسعاااف بسرعة دنيا ممكن تكون اتصابت.

-تمام اهدى هي لابسه واقي من الرصاص، دقايق وهنكون قدامك
عاد يزيد يمسك وجه دنيا بلوعة، يمسح قسمـ.ـا.تها بإصبعه بشغف واضح، لم يعد يحتمل، تلك العاطفة إما تشعله بجنون ليحيا دائمًا متوهج بعشقها، او تقــ,تــله عنـ.ـد.ما تنطفئ فجأة..!
ظل يطبع قبلات خفيفة يداعب بها وجهها الشاحب وهو يردد اسمها بهوس...
بدأت تأن بصوت مسموع وتلقائيًا كان اسمه اول ما خرج من بين شفتاها:
-يزيد..

تأوه بخشونة محتضنًا اياها بخـ.ـو.ف حقيقي، يا الله، للحظات، فقط لحظات تخيل تلك الدنيا بدونها فلم يعد يطيق رائحة الحياة!
نظر لعمق عيناها، لبحر عيناها الراسي بتوهان، ليهتف بصوت مثخن بالعاطفة:
-روح قلب يزيد...
اقتحم زياد وعناصر الاسعاف المكان ولكن يزيد لم يهتم وهو يعود ليسألها بلهفة:
-إنتِ كويسة؟ حاسه بحاجة؟ طمنيني يا دنيتي؟.
هزت رأسها نافية بخفوت...
-انا كويسة.

فبدأ يلتقط أنفاسه، يضمها لصدره أكثر بينما أنفه تبحث بلهفة وشوق عن رائحتها التي تذيب ثوران روحه لتشعل به ثورة من نوع اخر...!

مصر
بدأ جسد عهد ينتفض بعنف أسفله، بدت وكأن روحها تصارع، ولكنها لم تكن تصارعه هو، لوهله ظن أنها تحارب شبحًا آخر في صورته هو..!
اهتزازتها تزداد وصراخها كان لحن شاحذ في حرب قاسية...!
حالها المثير للشفقة كان كصعقة الكهرباء لعقل ياسر ليستعيد توازنه، يستعيد ادراكه، يتذكر مَن تكون، يستعيد شريط الذكريات الذي مزقت الصدmة معالمه...!
رفع جسده ببطء عنها، ماذا كاد يفعل؟!..

إن دmرت هي جزءًا من كيانها، فكاد هو يحرق كيانها كله حرقًا...!
بدأ يرتدي ملابسه بملامح مبهمة، بينما هي اخذت تتراجع تلقائيًا للخلف تضم جسدها لها والرعـ.ـب يلتهم روحها...!
لم يرتدي قميصه بل رماه عليها بقسوة والازدراء مشوب بالاشمئزاز يقطرا من نظراته وهو يهتف بحدة:
-امسكي استري جـ.ـسمك، مش انا اللي اخد فضلات غيري!

لازال يجلدها، لازال يُصر على تعذيبها، مرة يجلد جسدها ليشوهه بضـ.ـر.باته والان يجلد روحها بكلمـ.ـا.ته المسمومة...!
ارتدت قميصه بلا وعي لينحني هو نحوها فجأة، فشهقت هي بخـ.ـو.ف تلقائيًا، بدأت تهز رأسها نافية والدmـ.ـو.ع تعود لطريق عيناها، ولكن تلك المرة الهيستيرية زادت، فبدأت تصرخ وهي تهز رأسها نافية...
تغمض عيناها بعنف، تحارب تلك الذكرى المقيتة وما اقسى تلك الحرب عنـ.ـد.ما تكون حرب نفسية...!

ازدادت انفاسه حدة، وإنقسمت روحه لحزبان، احدهما يود احتضانها لتهدأ تمامًا، والاخر يحدق بها بعين الانتشاء والشمـ.ـا.تة!
ولكن السيطرة كانت لحزب العقل، كانت للانتشاء المغموس بتلك القسوة!
ولكن عنـ.ـد.ما صرخت فجأة بصوت مبحوح وكأن احبالها الصوتية تمزقت:
-يا يااااااسر...
تجمد كل شيء، تجمد هو شخصيًا وذلك الاحتراق داخله بدأ يبهت شيءً فشيء، ليجهر قلبه بثورة عنيفة بين ضلوعه، تستنجد به، تستنجد به منه؟!..

ودون لحظة تردد اخرى كان ينحني لمستواها ليحملها بين ذراعاه دون كلمة واحدة، وبمجرد أن تغللت رائحته انفها حتى إنسابت وثورتها الغريبة تستكين بين احضانه...
دفنت رأسها عند رقبته، شفتاها تتلمس رقبته وهي تتحدث بصوت واهن لتزيد عـ.ـذ.ابه ويشتعل ذلك الحريق القاسي في مسام جلده:
-مـ.ـا.تسبنيش يا ياسر، خليه يبعد عني..

رفع رأسه يزفر بصوت مسموع، يحاول تهدأة شياطينه، ليضعها بحدة نوعًا ما على الفراش في غرفة متوسطة، ثم استدار دون ان ينتظر لحظة يخرج من تلك الغرفة...
لم يعد يحتمل حتى أن يشاركها نفس الهواء، تلك الرغبة العمياء بقــ,تــلها تسيطر على محور افكاره بشكل خطير، ولكنه لا يريد قــ,تــلها...!
وفجأة كان يطيح ليضـ.ـر.ب تلك المرآة الموضوعة امامه، ودون اهتمام بيداه التي بدأت تنزف، كان يضـ.ـر.ب الحائط بجنووون تام وهو يصـ.ـر.خ ولأول مرة:.

-ااااه ياااااااااارب!

بعد ساعات قليلة...
كل شيء اصبح جاهزًا، المأذون الذي سيعقد قرانهم، واصدقاؤه الشهود، وشخصًا ما ليكون وكيلها، الصورة المزيفة للزواج الكامل اصبحت جاهزة، ولكن ينقصها نقطة النهاية، ينقصها هي، عهد!
تركهم بصمت متعجبون من ذلك القرار بالزواج ومن حالته الغريبة، ليتوجه نحو غرفتها، فتح الباب دون استئذان ليستشعر تلك الرعشة التي هاجمت جسدها فور دخوله...!

اقترب منها بخطوات حادة وما إن وقف امامها حتى توجه نحو الدولاب ليُخرج فستان اسود طويل حتى كاحليها وذو اكمام ومغلق من كل الجوانب، رماه على وجهها بعنف ليستطرد بسخط قاسي:
-اتنيلي اغسلي وشك وإلبسي ده في ٥ دقايق بالظبط المأذون برا، هكتب عليكي حفاظًا على سُمعتي انا، لكن انتِ ولا تفرقي معايا بنكله!
ابتلعت تلك المرارة التي كانت كالعلقم بجوفها، لتنهض ببطء تترنح في خطواتها...

دلفت للمرحاض لتختفي خلفه حوالي ربع ساعة واخيرًا خرجت، مرتدية ذلك الثوب الاسود، رماها ياسر بنظرة شاحذة، يليق بها الأسود، تمامًا كمصيرها الذي خطته بفعلتها الشنيعة..!

وقفت امام المرآة وبيد مرتعشة حاولت تصفيف خصلاتها، ومن ثم استدارت لياسر هامسة بصوت شاحب:
-خلصت!
ولكن فجأة وجدته خلفها تمامًا، خلفها لدرجة أنها شعرت أن ظهرها سيذوب منصهرًا من النيران المندلعة بعيناه المصوبة نحوها...!؟
وجدته يرفع إصبعه ليسير به ببطء على رقبتها الظاهرة من الفستان، ببطء شـ.ـديد اثار قشعريرة بـ.ـاردة بعمودها، ثم همسه الخشن عند اذنها بنبرة غريبة:.

-غطيها، مش عايز أي جزء ولو صغير جدًا منك يبان، إنتِ بقيتي ملكي من الليلة، كل جزء فيكي ملكي مش مسموح لحد غيري يشوفه!
وتلقائيًا ابتعدت خطوة لتبتعد عن ملمس إصبعه، ثم همست بخنوع:
-ح، حاضر، هغطيها بس ارجوك ابعد شوية
كلمـ.ـا.تها كانت الشعرة التي تفصل بين إنفجاره وجموده، حررت ذلك الشيطان داخله الذي يجاهد ليكبله...!
فجذبها له بعنف حتى اصطدmت بصدره العريض، ليصـ.ـر.خ بانفعال قاسي قاصدًا تسميم روحها بكلمـ.ـا.ته:.

-إيه محسساني إن عمر ما راجـ.ـل قرب منك، امال لو مش جايبك من كبـ.ـاريه من وسط ال* كنتي عملتي ايه؟ ولا إنتِ ملكيش غير في الحـ.ـر.ام!
ثم ضغط على خصرها بيداه يقربها منه اكثر بينما هي مغمضة العينين تحاول الصمود امام شلالات الدmـ.ـو.ع التي تهاجمها بضراوة، عيناه انحرفتا نحو شفتاها بنظرات أشعلتها عاطفة يختبرها لأول مرة...!

لم يعد لعقله وجود في ظلال هجوم شفتاه على شفتاها يسحقها سحقًا، يدmغها بملكيته لها، يُقبلها بعنف محاولًا تجاهل ذلك السائل الحار الذي يحترق بشرايينه...!
ترك شفتاها عنوة عنـ.ـد.ما شعر بحاجتها للهواء، كل نفس يخرج منه اصبح يـ.ـؤ.لمه، يـ.ـؤ.لمه بشـ.ـدة كلما تذكر أن احدهم لامسها بتلك الطريقة، قبلها هكذا، احتضنها، مس جسدها، أن رجلاً آخر سبقه لها ونال كل شيء، كل شيء!

عند تلك النقطة دفعها بعيدًا عنه فجأة بقوة حتى اصطدmت بالمرآة وكادت تتحطم، ليزمجر فيها بعدها بجفاف قاسي:
-إنتِ بقيتي ليا مع إن ده شيء بيخليني قرفان من نفسي لما افكر إن إنتِ اللي هتشيلي اسمي من وسط كل اللي عرفتهم، يعني اقرب منك وقت ما انا عاوز ومـ.ـا.تفكريش تقوليلي ابعد! إنتِ اساسًا كرستي نفسك عشان تشبعي رغبة الرجـ.ـا.لة، ف ماجتش عليا!

ثم استدار كالعادة يغادر كلما رمى قنبلة اخرى بين ثنايا روحها وينتظر رؤية الجـ.ـر.حى في عيناها النازفة...!

مهما بلغت قوة شخصيتك؛ هناك دائمًا شخص يمكن أن يجعلك ضعيفًا أمامهُ..
ليسَ ذلاً ولا خـ.ـو.فًا، وإنما هي مكانتهُ في قلبك..!

لبنان
في ذلك المنزل الذي اجتمع به فريق يزيد استعدادًا عودتهم لمصر، تحديدًا في الغرفة الخاصة ب يزيد ودنيا...
كانت دنيا جالسة على الفراش تضع يداها على رأسها بتـ.ـو.تر وعيناها على يزيد الذي يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا...!
وفجأة وجدته يقترب منها متمتمًا بتساؤل حاد:
-انا عايز اعرف كل حاجة حصلت، حالًا!
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر لتسأله بعدها بعدm فهم مصطنع:
-تعرف إيه؟!
-دنيا.

صرخ بها بعيون حادة كصقر شرس ممزقة كل صلاتها بالمرح، لترد دنيا تلقائيًا بخـ.ـو.ف مزيف وهي ترفع يدها عند رأسها كتحية عسكرية:
-باااشا...
صمتت لحظة ثم نظرت لعيناه المخيفة التي ازدادت حدتها لتهمس بنفس البراءة الطفولية:
-خلاص هقولك مـ.ـا.تزقش!
ثم بدأت تفرك يداها بتـ.ـو.تر والذكرى تتسرب ببراعة لعقلها النافر من احتلال ذكرى كتلك له...
اخذت نفسًا عميقًا ثم نطقت بصوت أجش:.

-فاكر اليوم اللي النور قطع فيه وانا حاولت اهرب، في اليوم ده كنت عمالة اجري كتير بعيد عن البيت وكنت خلاص في الشارع الرئيسي وهخرج، لاقيت حد فجأة ظهرلي معرفش منين تقريبًا شافوني صدفة، اخدوني في حتة معزولة وقالولي إنتِ بـ.ـنت مسعد الشامي صح، في البداية سكت وكنت خايفة لكن لما شوفت التهديد في عينهم قولت اه، وقالولي زي ما سراج ده قالك، خليكي معانا وقوليلنا مسعد الشامي باعتك لية وكل اللي ت عـ.ـر.فيه اول بأول واحنا مش هنأذيكي، ساعتها فهمت، مسعد الشامي المبجل مقدرش يعلن للناس إن ببساطة بـ.ـنته اتخـ.ـطـ.ـفت ومابقاش عارف يوصلها لها، وإن اللي خـ.ـطـ.ـفها حد في نفس قوته يعني هيبان هو الضعيف طبعًا ومحدش هيعمله حساب في السوق تاني، فقال اني رحت سفرية وهرجع بعد فترة، ساعتها هما بدأوا يشكوا فيه لانه ماكنش بيستغنى عني وكان في شيء مُريب، المهم سايرتهم وأكدت لهم بطريقة غير مباشرة إن مسعد فعلًا هو اللي باعتني وادوني تليفون كده صغير عشان اتواصل بيهم من خلاله، وسابوني ومشيوا وانا كملت جري وانا بفكر وفجأة لاقيتك ف وشي، ده كل اللي حصل.

كانت ملامح يزيد مغلقة، غير مقروءة ولكن ضبابية سوداء تحيطها بشكل عام...!
ثم راح يسألها بجمود:
-عشان كده وصلوا للبيت اللي كنا قاعدين فيه، المهم هما ماحاولوش يتصلوا بيكي بعدها؟
اومأت مؤكدة برأسها:
-حاولوا طبعًا بس انا كنت بقولهم إن مسعد مش بيقول لينا كل حاجة مرة واحدة وإنه بيدينا الاوامر في ساعتها للاحتياط، وهما كانوا بيهددوني باستمرار اني مالعبش بديلي معاهم!

تشقق جمود يزيد ليرتسم ببقاياه الغضب، خيبة الأمل، والألم...!
ثم استطرد بعدها بنبرة هادئة يلسعها البرود:
-ماقولتيليش كل ده لية؟!
-مش عارفة
اجابتها كانت خاطئة، بل كانت اكبر خطأ، كانت مجرفة اخرى تزيد من عمق تلك الحفرة الغائرة التي فُتحت في منتصف طريق علاقتهم...!
رفع عيناه البـ.ـاردة لها ليقول بعدها بنظرة خاوية:
-عمرك ما وثقتي فيا، وانا اللي مفروض ماثقكش فيكي اديتك جزء كبير من ثقتي بسهولة!

هزت رأسها نافية بسرعة:
-انا كنت...
وصمتت، مرة اخرى صمتت، لم تصرخ بلهفة كنت سأخبرك، وددت اخبـ.ـارك، اي شيء يُعيد لكرامته روحها ويقــ,تــل ذلك الشعور بخيبة الأمل!..
بدأ يتنفس بصوت مسموع يعيد تريب بعثرته، ثم نهض من جوارها وهو يغمغم بملامح مغلقة:
-السفر بعد ٤ ساعات، خليكي جاهزة عالوقت
ودون تردد كانت تنهض هي بلهفة تمسك ذراعه وتلك الهمسة الملتاعة تخرج من بين شفتاها لتضـ.ـر.ب حصونه مباشرةً:
-يزيييد...

أغمض عيناه بعنف دون أن يلتفت لها، صائحًا باستنكار:
-عايزه إيه تاني!؟
واخيرًا استطاعت مقاومة ذلك الثقل بلسانها فنطقت بما أملاه عليها شعورها:.

-انا كنت متلخبطة، مش عارفة مين عدوي ومين حبيبي، انا كنت عايشة سنين مع مسعد ومفكره إنه اكتر حد عايزلي الخير في الدنيا دي وطلع اكتر حد زبـ.ـا.لة بيكرهني، انا مش هنكر واقول اني كنت متأكدة وواثقة فيك انت واللي معاك، انا كنت شاكه، بس كانت جوايا حاجة متأكدة انك حبيب مش عدو، حاولت اقاومها بس مقدرتش، فجأة لاقتني كده
حينها استدار لها ببطء يسألها ببحة خاصة:
-كده ايه!؟

عيناه تعود لتبحر كالعادة في بحر عيناها ينهل منها المزيد من الاعترافات التي تسقي شوقه لها، تنهدت هي وانفاسها تعانق محياه، ثم همست بكل العاطفة التي تستوطن جوارحها:
-لاقتني بحبك، حبيتك ازاي وامتى مش عارفة، بس لاقتني بحبك اوي يا يزيد...
أغمض عيناه يستشعر حلاوة مذاق تلك الكلمة التي ادرك لتوه أنه كان ينتظرها على احر من الجمر...!

وما إن فتح عيناه حتى رأت هي بوضوح العاطفة الحادة المغموسة بظلمة عيناه، تلك النظرة التي تزلزل كيانها وهي ترى الشوق والجوع الذي استقر بين ثناياها!..

يداه ودون اذن منه تسربتا لمنابت شعرها، يفكه ببطء بأصابعه لينسدل كالأمواج الناعمة، ازداد لهب الشوق بعيناه فكان يجذبها من خصلاتها فجأة ليقرب وجهها من وجهه جدًا ودون انتظار لحظة واحدة اخرى كان يلتهم شفتاها، بكل الشغف، بكل اللهفة، بكل العاطفة الجياشة التي تفجرت بين اوردته...!
لن ينتظر اكثر، يريدها، يريد امتلاكها دون اي انتظار اخر وتبًا لكل شيء...

دفعها بجسده ببطء نحو الفراش وشفتاه تأبى ترك شفتاها، فسقطت هي على الفراش اولًا، حينها همس هو بصوت خشن من ثقل عاطفته:
-اسف، مش قادر استنى اكتر، ومش هاقدر اوقف! إنتِ اللي بدأتي ف استحملي النتيجة!
من بين أنفاسها اللاهثة همست له تعطيه كافة مفاتيحها:
-مـ.ـا.توقفش...

انضم لها بجنون يغرق بين بحورها ويُغرقها به، لم تكن مجرد ساعات من الغرام، بل كانت نوع آخر من تعانق روحان قيدتهما عاطفة قوية، كانت رحلة مـ.ـجـ.ـنو.نة، مشتاقة بلا جموح، كان ينهل من بحور عسلها باشتياق لا يقل بل يزداد...!

بعد ساعات...
في الطائرة العائدة لمصر...
كانت دنيا تجلس جوار يزيد الذي شابك كفها بكفه، لم يشعر يومًا بهذا الاكتفاء، لم يشعر يومًا أن روحه تتراقص في محور السعادة هكذا..؟!
وما إن أقلعت الطائرة حتى زفرت دنيا بـ.ـارتياح واضح، لتهمس بعدها متساءلة بفضول:
-على كده بقا هما اتقبض عليهم ولا لسة؟ واللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم؟
اجابها بهدوء:.

-زمانهم اتقبض عليهم طبعًا قبل ما يهربوا، وايوه اللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم، الميكروفيلم ده كان خطر عليهم كلهم عشان كده كانوا هياكلوا بعض عليه..!
اومأت مؤكدة برأسها، تمنع ذلك السؤال عن والدها المزيف بإرادة من حديد...!
نظرت للظلمة المتوهجة بعيناه لتسأله مرة اخرى ولكن تلك المرة بنبرة مرحة عابثة:
-يزيد، بقولك ايه، إيه اكتر حاجة بتحبها؟
رد بابتسامة عريضة:
-محشي ورق العنب.

حاولت الحفاظ على تلك الابتسامة المرحة التي تهددت بالزوال، لتكمل:
-لا، اقصد من الكائنات الحية..؟
-بحب شجرة العنب عشان بتطلع لنا ورق العنب عشان نعمل بيه محشي ورق العنب
تبًا له، كم هو ماكر يرى بوضوح السؤال المتواري خلف حروفها الغامضة المرحة، ولكنه قرر أن يسلك طريق آخر متلاعبًا بأوتارها الحساسة...!
كزت على أسنانها والغـ.ـيظ يحلق في عيناها:
-لا اقصد بتحب مين من الجنس الناعم؟

حينها رفع رأسه لأعلى ويده تحك شعيرات ذقنه الناعمة كعلامة على التفكير، ليستطرد ببراءة مصطنعة بإجابة كادت أن تصيبها بشلل:
-كنت بحب خالتي الله يرحمها عشان كانت بتعمل محشي ورق عنب، انما اييييه عنب!
حينها صرخت بصوت عالي دون وعي:
-يزييييد
ضحك يزيد وبشـ.ـدة من قلبه، وضحكاته دون أن يدري كانت تدغدغ احساسها لتصيبها بحالة من الذوبان في تلك الضحكات الرجولية...
عاد يحدق بملامحها الطفولية العابسة ليتابع مشاكسًا بمرح:.

-شليتك!؟ آني أسف...
هذه المرة هي مَن ضحكت بحرج من نظرات المحيطين بهم، ولكن تلك الابتسامة بدأت تتلاشى لتصبح بسمة خجولة مصاحبة تلك الحمرة التي زحفت لوجنتاها تلقائيًا عنـ.ـد.ما مال يزيد برأسه نحوها ليهمس عند اذنها بصوت رجولي خشن مُحمل بالعبث:
-اوعدك اول ما نوصل ونبقى لوحدنا هقولك أنا بحب مين، وهشرحلك عملي بالتفصيل كمان!

ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، يتعمد أن يلامس اذنها بشفتاه، يدري جيدًا كيف يصل بها لأعلى قمة من الارتباك العاطفي...!
وبعدها، للحظة كادت تصيح به بحنق
ما احنا كنا لوحدنا ولا أنت بتحب قلة الادب عمال على بطال!
ولكنها كتمت ذلك الاعتراض المتبجح وقررت الخضوع لتلك الانثى الخجولة الفاقدة الوعي داخلها...!

واخيرًا وصلوا جميعهم أرض مصر بسلام...
فنظر زياد ليزيد بهدوء يسأله:
-تحب نوصلكم الاول على بيتك وبعدين نروح ولا إيه؟
هز يزيد رأسه نافيًا بنفس النبرة المرتاحة:
-لا لا، نزلونا هنا وهاخد تاكسي لحد البيت
سأله زياد مرة اخرى بحذر:
-متأكد؟
اومأ يزيد مؤكدًا:.

-ايوه متقلقش كده كده مابقاش في حد يهدد حياتي، وبعدين انا معايا سلاحي و GPS واول ما نوصل هيكون في حراس في القصر، ومتنساش إن اصلاً يعني محدش يعرف اني ظابط..!
اومأ زياد موافقًا، وبالفعل توقفت السيارة لينزل كلاً من يزيد ودنيا بصمت ليوقفا سيارة اجرة اخرى...
وبعد أن ركبوا تلك السيارة، إلتفتت دنيا ليزيد لتسأله بما جال في خاطرها:
-يزيد، انت كنت بتقولي في مرة اني ممكن يتقبض عليا، هو انا هيتقبض عليا فعلًا؟

زفر يزيد بصوت مسموع ثم اخبرها بجدية:
-لأ، لانك مش تبع المافيا وطالما مكنتيش بتعملي حاجة بأسمك وبأمضتك مع مُسعد يبقى متقلقيش.

اومأت بـ.ـارتياح غمر كامل روحها، ولكن ذلك الارتياح لم يدm طويلًا إذ توقفت سيارة الاجرة فجأة، وظهرت سيارة اخرى امامهم وخلال لحظات قليلة جدًا كانوا يقفون حول سيارة الاجرة واحدهم يفتح الباب فهب يزيد يخرج منها وقبل أن يستطع التصرف بسلاحه كان رجل اخر يضـ.ـر.به بعصا عريضة على رأسه بعنف ليترنح ببطء ثم فقد وعيه امام عينان دنيا التي إتسعت بفزع وهي تصرخ بأسمه...
يزيييييد، يزيد قووم.

وفجأة ظهر امامها اخر شخص كانت تريد رؤيته...!
ارتجفت كل خلية بجسدها، نعم، فقد كان اسوء كوابيسها ينشب اظافره بأرض الواقع الان...!
كان ياسر يقف امامها بكل برود، يضع يداه في جيب بنطاله وعيناه كصخرة على اعتاب بحر ثلجي...
رسم ضحكة سخيفة على ثغره وهو يهتف:
-مش عارف اشكر ازاي الراجـ.ـل اللي في المطار اللي أكدت عليه من بدري لو شافك يكلمني، انا نفسي نسيت اني كنت قايله بس سبحان الله نصيبك إن هو مانسيش!

حاولت استجماع شجاعتها فصاحت فيه بحدة قطة أظهرت مخالبها:
-عايز إيه يا ياسر؟
لم يتخلى ولو للحظة عن بروده وهو يتمتم مجيبًا:
-إنتِ عارفة كويس أنا عايز إيه، عايز دنيا اللي حبتها وكنت ناقص ابوس ايدها عشان ترضى عني وفي الاخر راحت تحب ف عدوها!
صرخت فيه عاليًا وأعصابها بدأت تهلك من بروده:
-مايخصكش، احب عدوي احب عفريتي مايخصكش، ثم اني قولتلك مليون مرة اني مش بحبك ومش هحبك، هو البعيد ما بيفهمش؟!

عصبيتها، ودفاعها بتلك الطريقة عن شخص لم يكن يستحق قلبها الذهبي من وجهة نظره، إنتشلوه من قمة بروده المرسوم على محياه، ليسقطوه على الجمر المشتعل في ارض الواقع...!
اقترب منها بخطى مـ.ـجـ.ـنو.نة شبه هيستيرية وهو يصـ.ـر.خ فيها:
-انا بقا هوريكي إني بفهم كويس اوي
وفجأة كان يجذبها من خصلاتها بعنف يكاد يقــ,تــلعها بين يداه وهو يزمجر مردفًا:.

-خلاص خلصتي من مسعد الشامي وخلتيهم يقــ,تــلوه من غير تردد وحتى قبل ما البوليس يقبض عليه، ومفكره إنك هتخلصي مني بالمرة، لا يا دنيا انا عملك الاسود في الحياه طالما قررتي مـ.ـا.تكونيش ليا!
ملامحها التي كان الغضب يتأرجح في ساحتها اصبحت حجرية كوجهة صنم...!
في البداية لم تستوعب وعجز عقلها عن ترجمة تلك الكلمـ.ـا.ت التي اخترقت طبلة اذنها، لتهمس بحروف مرتجفة:
-ق، قــ,تــلوه!؟
لم يأبه بحالتها وهو يكمل زمجرته العصبية بوجهها:.

-ايوه قــ,تــلوه، قــ,تــلوه ومفكرين إنه غدر بيهم! مـ.ـا.تحسسنيش إنك اتصـ.ـد.متي
نعم صُدmت، صُدmت وبشـ.ـدة، هي تكرهه، كانت تتمنى أن تقــ,تــله بيدها ايضًا، ولكنها لم تستطع ترميم كافة جوارحها حتى لا يخترقها غبـ.ـار حاني لذلك القـ.ـا.تل رغمًا عنها...!؟
رفعت رأسها له ببطء، عيناها موجهة عليه ولكنها لم تكن هنا، كانت عالقة في الماضي!
فهمست بشحوب:
-انا مكنتش اعرف انا لسة عارفة حالًا، بس عمومًا دي النهاية المناسبة ليه!

جذبها ياسر بعنف من ذراعها يدخلها في سيارة اخرى ويردد بصوت قاسي شيطاني:
-وانا بقا هوريكي نهايتك هتكون ازاي قبل ما البوليس يقبض عليا زي ما قبض على الكل!
بينما هي كل ما يشغل بالها هو يزيد الفاقد للوعي...
كانت تنظر نحوه بقلب ملتاع، قلبها يصـ.ـر.خ بأسمه قبل لسانها والدmـ.ـو.ع تواسي ألمه العميق...!

بعد فترة في منزل مهجور...
كان ياسر يجلس في غرفة ما ويضع اللابتوب امامه يراقب من شاشته ما يحدث في الغرفة الاخرى التي حبس بها دنيا جوار يزيد الذي لم يستعيد وعيه بعد...

بمجرد أن اُغلق عليهم الباب ركضت دنيا نحو يزيد بلهفة لم تصيب تصرفاتها يومًا، اصبحت امامه مباشرةً، بدأت تتحسس رأسه بلهفة امتزج بها القلق، زفرت بـ.ـارتياح حامدة الله وهي تدرك أنه لم يصاب بنـ.ـز.يف...
رفعت وجهه بين يداه برفق تهمس بصوت مبحوح تأججت به مشاعرها التي ألهبها الخـ.ـو.ف:
-يزيد، يزيد حبيبي فوق رد عليا، يزيد قووووم بالله عليك.

أخذت تهزه ببطء، تلح عليه أن يعود، فتعود إليها قشرة صلابتها التي تغطي كيانها امام هؤلاء الشياطين...!
وبالفعل اخيرًا بدأ يزيد يهمهم بألم شيءً فشيء، ضحك قلبها كما لم تضحك شفتاها والفرح يعلن إنتهاء حداد دقاته...
كانت دنيا تمسح قسمـ.ـا.ت وجهه الرجولية بإصبعها ببطء وأسمه يغادر شفتاها كهزيان عاشقة لم تدرك سواه وسط ضجة تلك الدنيا المأسوية:
-يزيد، يزيد انت سامعني، انا دنيا.

وما إن فتح عيناه لتشرق شمسها حتى هجمت عليه ترتمي بحـ.ـضـ.ـنه بلوع تكاد تبكي كطفلة صغيرة كادت تفقد والدها في حرب شنيعة، فضمها هو له اكثر وتلقائيًا يسألها بنبرة لم تخلو منها رائحة الغيرة الحادة:
-إنتِ كويسة؟ عملك حاجة؟ لمسك؟ ردي!
رفعت رأسها له تجيب بابتسامة مُرهقة:
-انا كويسة متقلقش ماعمليش حاجة
-عايزك بـ.ـاردة جدا قدامهم، ومتقلقيش احنا مش هناخد وقت هنا وهنخرج!

همس بها بصوت حاني وزاد من ضمها لحـ.ـضـ.ـنه، كلاً منهما يطمئن الاخر ولكن ليس بالكلمـ.ـا.ت، ولكن بالشعور، بذلك التوحد الروحي والانتماء الجسدي بينهما...!

نهض ياسر بجنون في غرفته يضـ.ـر.ب تلك المنضدة بعنف صارخًا:
-انا هاوريكي يا دنيا...
يغااار نعم، ولكن ليست غيرة رجل على امرأته، بل غيرة من نوع آخر، غيرة زرعها الشيطان داخله وهو يجنيها بجنونه!
غيرة رجل يشعر بالفقد، فقد كل شيء، حتى صغيرته عهد التي كان يعتقد أنه ينزوي بها بعيدًا عن عالمه المتشبع بالظلم وجدها اول من تجرعت من ذلك الكأس...!؟
ركض بجنون نحو الغرفة التي يقطنون بها لينظر للرجل آمرًا:
-افتح الباب.

في تلك اللحظات أتى أيمن الذي لم يكن يدري بأي شيء يفعله ياسر إلا بعدmا تم خـ.ـطـ.ـفهم، ركض مسرعًا نحوه يسأله بقلق:
-في ايه يا ياسر مالك؟
هدر بعنف فيه:
-ملكش دعوة انت يا أيمن
وبالفعل دلف لتلك الغرفة في اللحظة التي كانت دنيا تحاول فك السلاسل المقيد بها يزيد، ليقترب منهم بسرعة يسحب دنيا من ذراعها فصرخت هي فيه بشراسة بينما يزيد عروقه كادت تنفجر من شـ.ـدة الانفعال الذي احرق دواخله، فزمجر فيه بهيستيرية:.

-ابعد ايدك عنها يا * لو راجـ.ـل فكني
إلتوى فمه بشبح ابتسامة بـ.ـاردة وراح يتابع:
-مش هبعد، هقرب وهقرب وهقرب، هقرب لها وهلمسها أكتر من اي راجـ.ـل ووريني ساعتها هتقدر تكمل معاها ازاي
ازداد صراخ يزيد المنبوح، يشعر أن وحش الغيرة يكاد يمزق احشاؤه بمخالبه القاسية بينما ياسر يجذب دنيا بعنف نحو غرفة اخرى وأيمن عاجز عن التفكير...

رماها ياسر على ارضية تلك الغرفة وبدأ يفتح ازرار قميصه ببرود وهو يقترب منها مستمتعًا بذلك الرعـ.ـب المتجلي في عيناها والرعـ.ـب المختلط بالجنون في صراخ يزيد الذي لم ينقطع...!

في منزل قديم جدًا كان يسكن به ياسر ووالدته وابنة خالته عهد قديمًا...
كانت والدته تجلس على الأريكة وعهد متمددة على الأريكة تضع رأسها في حجر خالتها، تشكيها همها بصمت، تصرخ تلك الألام بين احضانها ولكن ايضًا بصمت، الصمت اصبح يطبق على انفاسها فيخـ.ـنـ.ـقها كما لم يفعل يومًا...!

بدأت تشعر أن الألم يتضخم ويتضخم، حتى ما عادت قادرة على طرد اشباحه من بين ثنايا روحها...!
كانت عيناها مُسلطة على اللاشيء، عهد لم تفقد عذريتها وحسب، بل فقدت بريقها، فقدت ذلك الوهج الذي كان يميز خلفية عيناها، فقدت ذاتها! فعهد لم تعد عهد، بل اصبحت بقايا عهد تناثر برياح الخطيئة..!؟
انتبهت على يد خالتها التي اخذت تربت على خصلاتها بحنان تسألها:
-مش هتقوليلي برضو مالك يا قلب خالتك؟

عاكست كل شيء يتو.جـ.ـع داخلها وهي تجبر لسانها على ترديد:
-انا كويسة مفياش حاجة
ولكن خالتها لم تصمت بل تابعت بتساؤل مُلح:
-هتخبي عني انا برضو؟ ولا عشان بقالك فترة بعيدة عني، طب لو مفيش حاجة لية ياسر جابك تعيشي معايا فجأة وانتِ بالمنظر ده؟ وهو كمان شكله مش طبيعي..
لم تنل اجابة ايضًا من تلك الشريدة فزفرت بيأس وهي تمط شفتاها وصوتها يتأرجح ما بين التحسر وعدm الفهم:.

-مش عارفة ايه اللي حصل، من ساعة ما ياسر راح اشتغل مع الراجـ.ـل اللي اسمه مسعد وكل حياتنا اتقلبت، ياسر مابيحكيش ليا اي حاجة وانتِ سبتينا ومشيتي لما هو مابقاش مهتم بيكي، وانا بقيت قاعده زي المقطوعة من شجرة هنا لوحدي!
كل حرف كان يخرج من فم خالتها، كان يصيب منتصف جراحها مباشرةً، ذلك الرجل، اللطخة الوحيدة التي صُبغت بحياتهم في الماضي وتأبى الزوال من الحاضر...

رفعت كتفاها ورغمًا عنها تنجرف كلمـ.ـا.تها نحو هوة الحقيقة:
-مش عارفة إيه اللي حصل، بس اللي اعرفه اننا خسرنا كتير اوي، خسرنا حاجات منقدرش نرجعها خلاص، الراجـ.ـل ده ما أخدش ياسر بس، الراجـ.ـل ده سرق ارواحنا واحنا عايشين يا خالتي..!

وكعادة البشر، تُقابل الشكوى بالصمت، بالمواساة الخفيضة، بيد تربت على كتفك لتخبرك تحمل، ولكننا لن نجد يومًا تلك الشكوى تُقابل بالتغيير، تُقابل بحل جذري يقــ,تــلع المشكلة من بين جذور حياتنا، لذلك نصمت، وسنصمت...!

كان ياسر يجثم فوق دنيا التي بدت وكأنها تجاهد شيطان متمثل في جسد حجري لا ينكـ.ـسر بضـ.ـر.باتها الهيستيرية المُرهقة...!
صراخ دنيا المستمر يعانق صراخ يزيد الذي كان اشبه بزئير ذئب كشر عن انيابه استعدادًا لإلتهام فريسته...
وفجأة كان أيمن يدفع ياسر عن دنيا بقوة وبالفعل ترنح جسد ياسر ليبتعد عنها بأنفاس مضطربة، ويأتيه صوت أيمن المزمجر:
-أنت اتجننت؟! إيه اللي كنت هتعمله ده يا مـ.ـجـ.ـنو.ن فووووق.

كان ياسر في حالة غريبة، كان في مخض الجنون فعليًا، ما الذي كاد يفعله بها؟!
إلى أي درجة من حالة فقدان الوعي وهو واعي اوصلته غيرته..!
بدا غريبًا، غريبًا بحق، وكأنه كان طيلة يسير على طرف خيط رفيع، رفيع جدًا، ثم وبلا مقدmـ.ـا.ت تمزق ذلك الخيط وظلت بقايا فقط!..

نهض دون وعي يغلق ازرار قميصه، ومشهد دنيا التي كانت تبكي لأول مرة امامه لن يغادر ذاكرته ابدًا، ستظل تلك الذكرى تحفر في عقله حفرة غائرة تمتص اي بوادر سعادة تقتحم حياته...
ثم غادر بخطى بعيدة كل البعد عن الثبات...!
ليركض أيمن نحو دنيا التي إنكمشت تلقائيًا فأشار لها بيده برفق مرددًا:
-إهدي متخافيش انا مش هأذيكي.

مد يده بالچاكيت الخاص بها الذي كان ملقي ارضًا لتنتشله هي من يده بجنون تغطي الاجزاء التي ظهرت من جسدها...
خرج أيمن بهدوء وحذر ليرى إن كان ياسر مازال هنا ام غادر ليجده غادر بالفعل...
حينها اشار لدنيا بسرعة:
-تعالي ورايا بسرعة قبل ما حد من الرجـ.ـا.لة اللي برا يجي
وبالفعل ركضت دنيا خلفه ولكن بحذر ودmـ.ـو.عها لم تجف بعد، سار بها أيمن نحو الغرفة التي يقطن بها يزيد، وما إن دلفوا حتى صرخ يزيد في أيمن بانفعال:.

-اتأخرت لية يا ايمن؟ ايه اللي حصل لدنيا عملها ايه والله لاقــ,تــله ال* اللي اسمه ياسر
هز أيمن رأسه بسرعة يهدئ من روعه:
-متقلقش ماحصلهاش حاجة هو مشي، معلش ماقدرتش اتصرف غير لما مشي
وخلال دقائق معدودة كان قد فك قيد يزيد الذي ركض بلهفة يلتهم خطواته نحو دنيا التي كانت في حالة شبه هيستيرية، زرعها بين أحضانه بعنف، يضمها له بقوة ونشيج بكاءها لا يساعد ذلك الألم الذي استوطن قلبه ليهدئ...

دفعها اكثر له بشغف ملتاع وكأنه يود ادخالها بين ضلوعه ليكن ملمس جسدها مسكنًا لتلك الألام...
لم يستطع أن يمنع نفسه من سؤالها بقلب محترق وكرامة رجل شرقي تناثرت هنا وهناك:
-عملك حاجة؟ ايه اللي حصل فهميني ابوس ايدك انا هتجنن!
هزت رأسها نافية، وخرجت حروفها مشتتة كحالتها الباكية وهي تخبره:
-محصلش، حاول ي...

ولم تستطع نطقها، الكلمة كانت ثقيلة على روحها قبل لسانها، وازدادت السعرة احتدادًا بعينا يزيد حتى شعرت دنيا أن مصير ياسر كله متعلق بين شفتاها...!
اخذت نفسًا عميقًا تحاول تهدئة نفسها، ثم اردفت:
-بس ايمن ده جه وزقه وهو مشي
عاد ليضمها لصدره مرة اخرى بجنون اكبر ولكن الارتياح صاحبه، ولكن ذلك النداء العاجل لقــ,تــل ياسر لم يخفت، لم يختفي من عقله ولكنه يزداد علوًا وشحذًا...
نظر يزيد نحو أيمن متابعًا بجدية:.

-ايمن تعالى امن لنا طريق الخروج وهاتلي سلاحي، واما نخرج من هنا انت خليك على تواصل مع ياسر على التليفون واوعى تخليه يجي هنا تاني، يمكن يهرب، هو مش هيلحق يهرب المرة دي بس ممكن!
اومأ ايمن مؤكدًا وهو يقدm له سلاحه بسرعة، ليربت يزيد على كتفه كحركة معبرة عن امتنانه وشكره:
-ماخيبتش ظني فيك يا ايمن وماغلطناش لما زرعناك في حـ.ـضـ.ـن ياسر من بدري وكنت عارف إننا هنحتاجك كتير...

ابتسم ايمن ابتسامة عملية مفتخرة، ثم تقدm امام يزيد وخلف يزيد دنيا التي لم تخف ارتجافتها المصدومة، ليخرجوا جميعهم وما إن خرجوا لم يعطهم يزيد الفرصة للتصرف فانطلق الرصاص منه ومن ايمن لينبطح الخمس رجـ.ـال ارضًا نازفين دmاءهم...
ركض كلاً من يزيد ودنيا فسمع يزيد صوت ايمن يهتف:
-انا اتصلت بيهم وزمانهم وصلوا يا باشا.

اومأ يزيد برأسه واستمر في ركضه هو ودنيا حتى خرجا فوجد بالفعل سيارة شرطة تنتظرهم حينها صعدها هو ودنيا وهو يتنهد بـ.ـارتياح، ولكن ذلك الارتياح مطعون بأشواك الحقد والجنون داخل يزيد تجاه ياسر...!

في نفس الوقت...
دلف ياسر منزله القديم بنفس الحالة الغريبة، عيناه تبحث عن كنه تلك الحالة التي بعثرت مكنونات حياته الساكنة...!؟
كان يبحث عن عهد، وقد كانت اسمًا على مسمى، هي عهد، ولكن عهد بالقسوة، عهد بالقــ,تــل!..
وجدها كما كانت متسطحة على الأريكة وقدmها على حجر والدته فتقدm منهم بخطى سريعة لتسأله والدته بقلق:
-مالك يا ياسر؟

لم يجبها وهو يمسك ذراع عهد يهزها بعنف صارخًا بغضب متهور شاحذ كان يلون ادراجه بالثبات امام والدته على الاقل:
-قومي، قومي يلا يا قذره
إنتفضت عهد من نومتها القصيرة تحدق به بعين قط مذعور، ولكن والدته لم تتمسك كثيرًا برداء الصمت المذهول بل راحت تهدر فيه بعدm تصديق:
-انت اتجننت! شكلك فعلًا اتجننت
وهو لم يكن بحالة اقل جنونًا من الوصف فكان يستطرد بصوت اجش عالي:.

-ايوه اتجننت، اتجننت بسبب بـ.ـنت اختك الفاجرة العاهرة
لم تتردد والدته وهي ترفع يدها لتصفعه بعنف، تصفعه...!؟ ليت الصفعات تمحي الخطايا، ليت الصفعات تنتشل جذورنا من ماضي ملوث لتنبطح في ارض الواقع ولكن بصورة أنقى...!
كان ساكنًا للحظات فقط، ثم سحب عهد فجأة من ذراعها بعنف نحو الغرفة، دفعها نحو الغرفة ثم دلف واغلق الباب بالمفتاح متجاهلًا صراخ والدته المحتد عليه...

كانت نظراته تتفحص عهد التي كانت شاحبة، مرتعدة، قــ,تــل ولازال الخـ.ـو.ف والعـ.ـذ.اب يقــ,تــل فيها بريق الحياة الذي كان يلفت الانظار بأعجاب لها...!
بدأ يتقدm منها بخطى بطيئة، بينما هي تهز رأسها نافية ترجوه بضعف:
-ياسر انت هتعمل ايه، ابعد والنبي مـ.ـا.تقربش يا ياسر خلاص بالله عليك.

رفع يده عاليًا ينوي صفعها ليفرغ تلك الطاقة المشحونة بالقسوة، فصرخت وهي تخبئ وجهها بخـ.ـو.ف، ولكن بلحظة إنقلب كل شيء، فوجد ياسر نفسه يجذبها لأحضانه بقوة، يدفعها بجسده نحو الحائط ويداه تشـ.ـدد من عناقها لتنفجر هي باكية في طوق تلك العاطفة التي اغدقتهم فجأة...
تبكي ضياع شرفها، تبكي كره ياسر لها، تبكي خسارته، تبكي خسارة نفسها وذاتها...!

غرز وجهه عند رقبتها يستنشق رائحتها بشغف غريب، الو.جـ.ـع والدواء منها، كيف لها أن تكون بهذا التناقض في حياته؟..
قطع رنين بكاءها صوته الذي اتاها من وادي بعيد يسألها وكأنه ليس هو:
-عايز أعرف كل حاجة حصلت، ازاي وصلتي لكده؟!
رفعت رأسها على استحياء له، ببطء كطفلة مرتجفة تسأله بصوت متحشرج:
-هتصدقني؟
كان مستسلم لطوفان فطرته فهز رأسه يجيبها بما يريد أن يفعل:
-هصدقك.

وكاد يبتعد عنها ولكنها تشبثت بأحضانه وكأنها تستمد القوة والجرأة منه، فهمست واخيرًا:.

-مـ.ـا.تبعدش! خليني في حـ.ـضـ.ـنك، الموضوع بدأ من بدري اوي، كنت قاعده معاكم عادي بس انت ماكنتش مهتم بيا اطـ.ـلا.قا، حتى ماكنتش تعرف انا بروح فين وباجي منين، في مرة كنت راجعه من الكلية بس اتأخرت مع صحابي شوية، نزلت من الميكروباص وقررت اتمشى شوية وكنت مخـ.ـنـ.ـوقة جدا، بس حصل اللي ماكنتش اتوقعه، فجأة لاقيت واحد شكله غريب قدامي، تقريبا كان شارب حاجة، فضل يقرب مني، حاولت اهرب منه، حاولت اجري، حاولت اضـ.ـر.به، اعمل اي حاجة بس المهم ماسبهوش ياخد اغلى حاجة عندي، ماكنتش قادرة امنعه، حاولت بس كنت ضعيفة مقدرتش كنت عامله زي الفرخة اللي بيد.بـ.ـحوها، كنت شايفه كل حياتي بتدmر، مكنتش حاسه بالالم الجسدي على قد ما كان قلبي واجعني اوي، وكأنه بيعـ.ـيط معايا، تخيل يا ياسر، ساعة كاملة وفي حد بينتهكك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ساعة كاملة وفي ايد قذرة بتلمس كل حته في جـ.ـسمي ببشاعة، ساعة كاملة بعيط وبصرخ لحد ما حسيت إن صوتي راح!

وضع يده بسرعة على فمها، يريد إيقاف سيل تلك الكلمـ.ـا.ت التي تنطلق من بين شفتاها لتنغرز واحدة تلو الاخرى كالسكاكين في منتصف قلبه، يكفي، يا اللهي لم يعد يحتمل سماعها اكثر، يشعر بروحه تنزف، تتوسل الرحمة، سيختنق حتمًا من تلك الرائحة بالعجز التي احاطت به من كل جانب وهو يستمع تفاصيل انتهاك حقه...!
خرجت حروفه مختلطة بدmـ.ـو.عه التي بدأت تسقط رغمًا عنه وهو يهمس لها:
-اسكتي، كفاية، مش عايز اسمع ارحميني.

هزت رأسها نافية، ستخرج تلك الحكاية من بين ثنايا لتستطع التنفس حتى، ثم اخبرته دون روح:
-لا، انا عايزه احكي، سنة وانا شايله في قلبي ومحدش حاسس بيا!
لم تنظر لعيناه التي تقطر و.جـ.ـعًا ونـ.ـد.مًا وراحت تكمل:.

-اخدت تاكسي في نفس الليلة بعد ما الحـ.ـيو.ان هرب، مش هنسى في حياتي نظرة الشفقة اللي سواق التاكسي كان بيبص لي بيها، مع انها كانت شفقة بس انا كنت حاسه ان نظرته بتعريني، في اليوم ده ماكنش في حد في البيت وخالتي كانت شغالة في الفندق فكانت بتخرج من ١٢ الضهر وترجع ١٢ بليل، بمجرد ما دخلت البيت انهرت، حتى اني فكرت انتحر، بس حتى ده كنت عاجزه فيه ومقدرتش اعملها، فكرت فيك، كان نفسي تبقى موجود في حياتي زي زمان، كان نفسي اجري استخبى في حـ.ـضـ.ـنك، بس ماكنتش لاقياك، انت كنت بعيد اووي، وانا كنت في حالة غريبة، وفجأة لاقتني قررت اروح اعيش في شقة بابا وماما الله يرحمهم، رجعت اخد معاش بابا و اخدتلي حوالي شهرين مش بخرج من البيت وصحبتي كانت بتجيلي احيانًا وبتجبلي المعاش كل شهر، وفي مرة افتكرت ان واحدة اعرفها بتشتغل في كبـ.ـاريه! ومحدش كان يعرف بس انا عرفت منها في مرة صدفة، كلمتها، قالتلي إنها بتشتغل كجرسونة مش اكتر! ومن غير اي مقدmـ.ـا.ت لاقتني بشتغل معاها، ك جرسونة برضو بس بطريقة غريبة، اللي هو اقعدي مع الزبون اشربي كاسين واضحكي وهزري وممكن ترقصي وخدي منه النقطه وامشي، بس انا كنت في حالة مش طبيعية، زي اللي من غير عقل، خدت فترة بشتغل كده وبعد كده لاقتني بقول لنفسي طب ما انا اساسًا خلاص خسرت الحاجة اللي مفروض ما اعملش كده عشانها، يعني لو طورت شغلي وزودت مرتبي محدش هيعرف اصلا، واكيد انا مش هتجوز اساسًا ف عادي بقا، وفعلًا بقيت كده، بس مع اول ليلة واول زبون مقدرتش، مقدرتش اسيبه يكمل كنت حاسه كأن نار بتولع في جـ.ـسمي والليلة اياها بتتعاد في ذاكرتي تلقائيًا، طبعا خربت الدنيا والزبون اتصـ.ـد.م وطفش وساعتها صاحب الكبـ.ـاريه بهدلني ورجعني مجرد جرسونه تاني، لحد ما انت شوفتني في اليوم اياه، شوفت الموضوع سهل ازاي يا ياسر؟

وما إن انهت كلمـ.ـا.تها كان هو يهز رأسه نفيًا وهو يتراجع بسرعة نحو الخارج، بدا وكأنه يحاول التملص من بين مخالب الماضي القاسية التي ركض لها بقدmاه...!
خرج من الغرفة دون كلمة اخرى، لا يحتمل اساسًا، يشعر أن كلمـ.ـا.تها تحرق جلده، تخترق روحه لتنشر به سم اصعب من المـ.ـو.ت، سم يشعره أن يمـ.ـو.ت وهو على قيد الحياه!
بمجرد أن رأته والدته صرخت فيه بجنون:.

-انت عملت فيها ايه؟ وايه اللي انا سمعته ده؟ ايه اللي انت بتقوله عن بـ.ـنت خالتك ده انت اتجننت
تنعته بالجنون بينما هي التي بدت في قوقعة الجنون تمامًا، بالرغم من أنها سمعت كل اعترافات عهد ولكنها لا تريد الاستيعاب...!؟

فتح ياسر باب المنزل وكاد يخرج ولكن هاتفه رن فأخرج بصمت يجيب:
-خير يا أيمن؟
-انت في البيت القديم يا ياسر صح؟
اومأ ياسر مؤكدًا:
-ايوه لية حصل حاجة؟
ولكن بمجرد أن أطلق سراح سؤاله، قرر القدر عدm اطـ.ـلا.ق سراحه فكانت طرقات حادة على الباب تصدح، فتح ياسر الباب ليصدm بوجود الشرطة امامه...
لم يتوقع قط أن يعلموا بمكان منزلهم القديم الذي لا يعلم مكانه سوى، أيمن!

صديقه الوفي الذي أعتقد أنه درعه الواقي، فوجده فجأة السهم الذي يصيبه بضراوة!..
كان متخشب مكانه صامت، لا يعلم كيف اتفقت دنيا مع الشرطة، ولا يريد أن يعلم...
خسر كل شيء، عمله الفاسد، رب عمله، صديقه، وصغيرته عهد!؟
رفع يداه امام الضابط بصمت فوضع الضابط السلاسل في يداه حينها انتبهوا على صرخة عهد باسم والدته التي سقطت ارضًا ممسكة بقلبها بألم...
حينها ادرك أنه خسر والدته ايضًا...!

في القصر الذي يقيم به يزيد...
كانت دنيا جوار يزيد الذي كان يجلس على الفراش ممسكًا برأسه المضمدة من الألم الذي لم يزول...
اقتربت منه دنيا حتى اصبحت ملتصقة به فابتعد هو بتلقائية بهدوء، ليجدها تقترب مرة اخرى، فابتعد مرة اخرى، فاقترب اكثر وهي تحدق به متمتمة بنبرة مشاكسة تخصه بها وحده:
-يا زانقني وجمبك فاضي، ازنقني كمان وانا راضي!

فانفجر يزيد ضاحكًا، وتلقائيًا تسللت الضحكة لثغر دنيا، عنـ.ـد.ما تفعل شيء وتصدح ضحكاته كهذا كأعزوفة ايقاعها الشغف، تشعر أنها فعلت شيء، فعلت شيءً كبيرًا...!
توقف عن الضحك وهو ينظر لذلك الضجيج العاطفي بعنياها، فاقترب هو بخبث هذه المرة يهمس بعبث واضح...
-من العين دي قبل العين دي!
اخذ يقترب ببطء منها فهتفت هي بنفس المرح الطفولي:.

-يا جارحني بلُقمه ناشفة والعيش عندك طري، تقلان عليا لية ما تحن يا مفتري! إيه بقا هفضل مستنيه كده كتير؟
ظل يهز رأسه نافيًا من وسط ضحكاته يخبرها مشاكسًا:
-لا لا إنتِ مش معقولة، بتفكريني ب دقدق القهوجي، نفس شقاوته!
حينها لم تتحمل فنهضت واقفة تتخصر وهي تهتز ببطء مزمجرة بغضب لذيذ:
-نعممم ياخويا! يعني انا بقالي ربع ساعة عماله اقولك حِكم واعاكسك عشان افكرك بدقدق القهوجي؟

ثم إنقضت عليه تمسكه من ياقة قميصه وتهز رأسها نافية بجدية مصطنعة:
-لا لا أنت ڤيروس عاطفي، أنت اللي زيك مش لازم يعيش!
مال يزيد للخلف ليتمدد على الفراش متنهدًا ولم يكتم ضحكاته الرجولية التي لم تكف عن التوغل لثنايا روحها فتجعلها أسيرة، اسيرة له، لضحكاته، اسيرة لا تريد حريتها!..

فاقتربت هي منه حتى اصبحت تطل عليه، خصلاتها الطويلة تحيط وجههما سويًا، تفصلهما عن عالمنا هذا، لينغمسا في جذور عالم آخر، عالم النظرة فيه بمثابة الكلمة، والتنهيدة فيه بمثابة حرف، حروف وكلمـ.ـا.ت منبعها العشق منسدلاً من خيط العاطفة...

اقتربت اكثر وهي تهمس له بما يشبه التوسل الطفولي:
-يزيييد، انت بتحبني ولا لا؟
لم يتخلى عن ابتسامته وهو يجيبها بنفس الهمس:
-لو ماحبتكيش احب مين غيرك؟!
رفعت كتفاها تصطنع التمنع متابعة:
-فيه بنات كتير
-كلهم بالنسبالي غفر!
ازدادت جرعة الحماس تدفقًا داخلها فاقتربت منه اكثر تسأله بابتسامة واسعة:
-وانا بالنسبالك ايه؟!
رد بنفس البساطة:
-شيخ الغفر..!

تجمدت تلك الابتسامة على فاهها لتنصهر شيءً فشيء تذوب بين ثورة الغضب التي اندلعت داخلها وهي تندفع تكاد تبتعد وهي تصرخ به بجنون:
-شيخ الغفر! انا مهزقه اصلاً عشان بحب واحد بـ.ـارد زيك مفكر نفسه الخليل كوميدي..
ولكن يزيد التقطها قبل أن تبتعد ضاحكًا، كبل خصرها بيداه وهو يقربها منه عنوة، ولكن عنـ.ـد.ما وجدها تبتعد بتمنع مصطنع نهض في حركة واحدة لينعكس الوضع وتصبح هي اسفله وهو يطل عليها بهيئته الرجولية...

ليقترب منها ببطء، وعنـ.ـد.ما تتلمس ذلك العبث في بُطء حركته ونظراته الرجولية تشعر أن عظامها تذوب، بل تشعر بكيانها كله يذوب بين يداه...
شاكس أنفها بأنفه ثم غمغم بخشونة مثقلة بعاطفة حادة:
-مش بحبك بس، لا انا بعشقك، بعشقك بكل الجنون اللي في الدنيا، بعشقك لدرجة اني مش هخليكي تخلفي عشان مايجيش حتة عيل خلبوص يشاركني فيكي!

هذه المرة هي من ضحكت، والضحكة لم تكن من شفتاها فقط بل كانت من منابع تلك الروح التي طال بكاءها فحل الربيع ضاحكًا عليها اخيرًا...!
طبع يزيد قبلة عميقة على رقبتها ارسلت رجفة خفيفة لها، فهمست هي بتوهان عاطفي:
-يزيد
-روحه...

همس بها ولم يبتعد بل اقترب اكثر، وشفتاه تلقائيًا تبحث عن مأواها، يحلق بها في اعلى قمة للاكتمال العاطفي الذي يسكن كلاهما، ينسى بها ما مر به وما سمعه وما عاشه اليوم، وهي تنسى به كل مساؤها، بل تنسى به حياتها السابقة بأكملها، فتبقى هي بالجزء الحالي، ويبقى هو بجزء الحالي، ويكمل كلاً منهما الاخر يقيدهما ذاك العشق...!
بعد مرور أيام...
وفي المنزل الجديد الصغير الذي انتقلوا له مؤخرًا...
كان يزيد يتحدث في الهاتف مع احد زملاؤه بخصوص القبض والحكم على ياسر وما شابه ذلك، فأوشك على الاغلاق عنـ.ـد.ما اقتربت منه دنيا تدندن كالأطفال بصوت مزعج ومضحك:
-علمني هواك إيه معنى الحيرة، علمني اشتاق أكلني فطيرة!

اقتربت منه اكثر فأكثر، حتى وقفت خلفه مباشرة، رفعت عيناها لخصلات شعره القصيرة الناعمة، لتمد إصبعها تتفحص تلك الشعرة التي طالت عن باقي الخصلات، ظلت تتفحصها بتمعن طفولي وكأن الكون يدور حول تلك المشكلة!..
أغلق يزيد الهاتف ليجذبها من خصرها يقربها له بحركة مباغتة صائحًا فيها بصوت ضاحك:
-اهدي يا حبيبتي أنا مش عايش مع بـ.ـنت اختي!
هزت رأسها نافية بسرعة وهي تشير للشعرة وتهتف ببراءة:.

-لا لا بجد، في شعرايه طويلة جدًا عن باقي الشعر، هو انت بتحلقه وبتسيب دي؟!
كانت ملامحه مبهمة، مغلقة حتى شعرت أنه على وشك الإصابة بأزمة قلبية...!
فعض على شفتاه يتمالك نفسه قبل أن يخبرها بهدوء:
-ياسر اتحكم عليه ب ١٥ سنة
ظلت صامتة للحظة، تكاثرت عليها مشاعرها ما بين الشفقة على ذاك الشاب، والارتياح لأنه نال عقـ.ـا.به...!
-ربنا يهديه لنفسه
ثم ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر تستعيد مرحها تهمس له:.

-خلاص المهم بص عايزه اسألك سؤال بحق وحقيقي!
اجبر شفتاه على التمسك بازدال الابتسامة السمجة التي تهدد انفجار ضحكاته وقال:
-قولي، قولي يا عملي الاسود في الدنيا
مطت شفتاها بعدm رضا ثم سألته:
-هو انت مش بتخرجني لية من ساعة ما ام المهمة دي خلصت؟!
هز رأسه نافيًا بكل هدوء:
-معلش مش بخرج مع ستات متجوزه!
صاحت فيه بذهول طفولي:
-بس انا مراتك!
رد بنفس الجدية التي كادت تقــ,تــلها:
-اسف جدًا مفيش استثناءات...

إنفجرت ضاحكة بقوة وهي تبتعد عنه شيءً فشيء، استمرت ضحكاتها وهي تمسك بطنها من قوة ضحكاتها، لم تضحك يومًا بهذا الارتياح والسعادة، لطالما كانت السعادة كالجنة مُحرمة على الشياطين، ولكن عنـ.ـد.ما هجرت مكمن الشياطين شعرت أن جنتها اصبحت على الارض...!؟
وعنـ.ـد.ما انتهت لاهثة، استدارت تتركه بكبرياء مزيف ليرمي هو نظرة عابرة نحو المنزل المقلوب رأسًا على عقب، ليشير نحو تلك الفوضى مزمجرًا فيها بغضب مصطنع:.

-وبعدين ايه ده، انتِ مهملة وهتعلمي ولادك الاهمال، إنتِ عايزه الناس تقول عليكي ايه؟!
ردت ببساطة:
-ام المهملين!
وفجأة وجدته يركض خلفها وهو يضحك فركضت هي الاخرى، كالأطفال تمامًا في غمرة فرحهم، في ضحكاتهم، في عبثهم اللذيذ الذي يجذب كل من حولهم كالمغناطيس...!
سقطت على الفراش فكان هو خلفها يكبل خصرها وهي تردف له من وسط ضحكاتها:
-خلاص طب خلاص والله سبني.

ولكنه لم يتركها بل بدأ يدغدغها بقوة لتتعالى ضحكاتها المرحة، ضحكاتها التي تبثه طاقة من نوع آخر، تشعره بل وتؤكد له أن نصفك الاخر مهما تأخر، مهما أبتعدت السعادة عنك اميال واميال، ستأتي دفعة من حيث لا تدري تدفعك نحو رحاب تلك السعادة...!

في السـ.ـجـ.ـن...
كانت عهد في الغرفة التي سترى بها ياسر، مشوشة، يعتمل داخلها ضجيج فكري عنيف، أصبحت تشعر أنها داخل متاهات، لم تعد تدري تسلك أيًا منها؟!..
وصوت واحد يعلو تلك الضجة، صوت كان كالناقور في حرب لن تنتهي!
صوت قلبها، ذلك الصوت الناشذ الذي اصبح كالضوء الخافت ينير ظلمة عقلها...

قلبها يصـ.ـر.خ، بالرغم من كون ياسر ربما يكون مذنب فيما حدث لها، وبالرغم من صدmتها هي ووالدته ما إن سمعوا التهم الموجه له، ولكنها تبرر له، تبرر له كما لم تبرر لنفسها...!

فُتح الباب ودلف ياسر ببطء، لم تراه منذ أن حُكم عليه بخمسة عشر عامًا...!
نهضت بأقدام متجمدة، تحدق به، شعره الأشعث وملامحه التي ازدادت ظلمة، ولكن ربما تلك الظلمة تختلف عن سابقتها، تلك الظلمة ستزيد وتزيد حتى ينفجر من بين ثناياها النور...
اقترب منها ببطء ينظر لها بنظرة غير مفهومة بالنسبة لها، ثم سألها بخشونة:
-امي عامله ايه؟
اومأت برأسها بسرعة تطمئنه:.

-متقلقش هي كويسة جدًا والله وخرجت من المستشفى بس انا مرضتش اجيبها الجلسة بتاعتك عشان مـ.ـا.تتعبش اكتر
اومأ لها برأسه دون رد، فاقتربت هي اكثر، حتى وجدته يفتح ذراعاه لها ويومئ لها برأسه لذا ومن دون تردد ركضت نحوه ترتمي بين أحضانه بلهفة مغموسة بالشوق الدفين...

بينما هو يدفن رأسه عند رقبتها، يشتاقها حد الجنون، يشتاق رائحتها، يشتاق ضمها هكذا بين ذراعاه، يشتاق النظر لعيناها الغائرة، يشتاق ويشتاق كما لم يشتاق يومًا، يشتاق لدرجة أن هذا الاشتياق بدأ يحرق احشاؤه...!

رفعت هي عيناها له ببطء، تنطق بما صكه قلبه دون الرجوع لعقلها:
-هستناك
لم يستطع منع تلك الضحكة الصغيرة الساخرة من الظهور على ثغره وهو يستطرد مستنكرًا:
-هتستنيني ١٥ سنة يا عهد؟!
اومأت مؤكدة وهي تمسك يداه الخشنة بين كفاها الصغيران، تؤكد له بنظراتها التي توهجت بسيلان عشق تسرب لها منذ زمن قبل لسانها:.

-انت قولتها، عهد...! وكل واحد ليه نصيب من اسمه، عشان كده بقولك عهد عليا يا ياسر ما أبص ولا افكر في راجـ.ـل غيرك لحد ما تخرجلي، وساعتها هنبدأ من جديد، وهتعملي فرح كبير اووي، بس هتكون ياسر تاني ملهوش علاقة بالأولاني وعهد تانية ماكـ.ـسرهاش الزمن!
أغمض عيناه يُسكت ذلك الانفجار العاطفي الذي شعر به الان نحوها، لأول مرة يشعر أنه لم يعد ياسر الذي ينظر لها بنظرة الاخ الاكبر الذي يخشى على اخته فقط...

يشعر أنها اكثر بكثير من ذلك بالنسبة له، تراه هل كان يعشقها ولم يستطع عقله ترجمة هذا العشق؟!..
فتح عيناه التي استوطنتها مشاعره الجياشة ليهمس لها:
-عهد...
-عيون عهد...
ردت بلهفة لم تخفى عنه، ليتابع دون تردد بعينان تقطر شغفًا:
-بحبك...
لم تستطع أن تكتم تلك الدmـ.ـو.ع التي غزت عيناها فانحنت دون شعور تقبل يداه متمتمة من بين قبلاتها:.

-وانا بعشقك والله بعشقك وكان نفسي تحس بيا من بدري، كان نفسي تبطل تبص لي إني مجرد اختك الصغيرة الطفلة...!
جذبها لأحضانه مرة اخرى، يضمها له بقوة، يود دفنها بين ضلوعه ويكمل همسه الملتاع:
-اسف، اسف يا عهدي، عهد عليا إني هعوضك عن كل لحظة وحشة شوفناها!
فُتح الباب وظهر العسكري يغمغم بجدية:
-يلا يا ياسر
اومأ ياسر مؤكدًا ثم اقترب من عهد يلثم جبينها بعمق هامسًا لها:.

-تعالي زوريني على طول ما تغيبيش عليا، وسلميلي على امي وقوليلها تسامحني وترضى عني، قوليلها إن شيطاني كان اقوى مني...
اومأت مؤكدة ثم قالت:
-مسمحاك صدقني وبتدعيلك كتيير...
ظهرت شبح ابتسامة على ثغره قبل ان يبتعد ببطء عنها وهي تحاول الصمود امام شلال الدmـ.ـو.ع الذي يهاجمها حتى اختفى من امام عيناها...

بعد مرور حوالي ثلاث اسابيع...
كانت دنيا في غرفتها، إنتهت من اجراء اختبـ.ـار حمل فاكتشفت أنها تحمل قطعة صغيرة من يزيد داخلها، نبتة صغيرة ستقوي جذور عشقهم اكثر واكثر...
خرجت من المرحاض تقفز بسعادة، كلما تقدmت خطوة من السعادة تشعر أنها اقوى من سابقتها، حتى شعرت أن العوض يأتي من الله بدون مقدmـ.ـا.ت او اسباب...!
بدأت تقفز تمامًا كالأطفال تهز خصرها يمينًا ويسارًا وهي تصيح مدندنة بسعادة حقيقية:.

-انا حامل، حامل، حامل، حامل!
ثم بدأت تضحك على جنونها، ستفاجئ يزيد ما إن يأتي من عمله، ستفاجئه بطريقتها الخاصة...!
ولكن فجأة وجدت يزيد يدلف الغرفة بإنهاك وكأنه قرأ افكارها...! فصرخت بحنق دون مقدmـ.ـا.ت وحتى قبل أن ينتبه لوجودها:
-يزييييييد
فصرخ هو فيها بانفعال متفاجئًا:
-الله يخربيتك وبيت يزيد في يوم واحد، قطعت الخلف!

ركضت نحوه ضاحكة بقوة ليجلس هو على الفراش متنهدًا وهو يضحك لتجلس هي على قدmاه، ثم احاطت عنقه تهمس له بنعومة:
-اصلي عايزه اقولك حاجة مهمة جدا جدا جدا
عقد ما بين حاجباه بعدm فهم:
-حاجة ايه اللي تخليكي تفزعي امي كده على المسا؟
اقتربت من اذنه ببطء، لتهمس له برقة شعت ببريق الفرح:
-انا حامل!..

إتسعت حدقتاه بعدm تصديق، حامل، طفلته تحمل طفلًا منه داخلها، شعر بشيء عميق يدغدغ دواخله، شيء اعمق من اي شعور شعر به حتى عجز عن تفسيره او تسمـ.ـيـ.ـته...!
نهض فجأة حاملًا اياها، يدور بها عدة مرات وهو يصيح بصوت أجش:
-حااااامل، المـ.ـجـ.ـنو.نة حااامل واخيرًا وهبقى اب يا نااااااااس.

تعالت ضحكات دنيا على جنونه الذي لم يكن اقل جنونًا منها، كل يوم يمر يصك تأكيدًا حتميًا، أنهم اصبحا مترابطان ببعضهما بطريقة عجيبة، برابط يزداد قوة ومتانة كل يوم عن سابقه...!
انزلها ببطء وهو يغمز لها بعبث حفظته عنه عن ظهر قلب:
-طب ايه بقا مش هنحتفل بالباشا الصغير؟!
هزت رأسها نافية وهي تخبره راكضة نحو احدى الغرف الاخرى:
-لا يا حبيبي ماهو بيبقى ممنوع في اول شهور الحمل
ثم غمزت له هي هذه المرة بشقاوة تردف:.

-خليكي يا كنكه على نارك، لا بن ولا سكر حطالك!
ثم أغلقت الباب عليها بسرعة وهي تضحك على الأنفجار الذي اقسمت أنها رأته في عيناه السوداء الضاحكة رغم كل شيء لتسمعه يصيح بصوت عالي لتسمعه...
-طب طالما ممنوع بقا اعملي حسابك هنروح لجدتي البلد قريب جدًا بالمرة!

بعد اسبوع آخر...
كانوا في منزل جدته الصغير، وكانت دنيا تجلس جوار يزيد على تلك الأريكة بتـ.ـو.تر تستشعر نظرات جدته المتفحصة لهم سويًا، صحيح أن يزيد أخبرها بكل شيء منذ فترة كبيرة، ولكن الدافع الأمومي داخلها يحثها لأستكشاف تلك الدنيا للأطمئنان على حفيدها الوحيد...
نظر يزيد لدنيا نظرة ذات مغزى فتنحنحت وهي تهتف بود ونبرة تلقائية:
-والله مبسوطة اني شوفتك يا حجه!

إتسعت عينا يزيد بذهول، ثم وبحركة مباغتة ضـ.ـر.بها بكوعه بعنف هامسًا لها يزجرها:
-ماحبكتش تطلعي البيئة اللي جواكي دلوقتي؟! ايه حجه دي هي قاعده بتشوي دُره؟ اسمها تيتا او ماما...
رمقته بنظرة حادة تهمس له هي الاخرى ببراءة:
-ما أنت ماقولتليش!
كاد يبكي ويضحك في آنٍ واحد، طفلة، هي طفلة حرفيًا، طفلة ولكن تلك الطفلة تحيط به بهالة غريبة من الشغف، هالة تشعر أنه يُعزل في عالم اخر، عالم لا يريد به سواها...!

عقلها عقل طفلة حرفيًا، ولكن تلك الطفلة تجعله كجمرة مشتعلة عنـ.ـد.ما تظهر كل اسلحة الدلال والرقة له...!
انتبه لضحكات جدته التي صدحت وهي تخبره:
-سيبها يا يزيد والله انا حبيتها شكلها عسولة
نظف يزيد حنجرته بتـ.ـو.تر هامسًا لنفسه:
-ربنا يستر
ولكن عنـ.ـد.ما إتسعت ابتسامة دنيا وهي تربت على صدرها بعفوية متابعة:
-الله يكرم اصلك يا اصيلة يابـ.ـنت الاصول!
لم يستطع كبت ضحكته التي صدحت وبقوة على تلك البيئة التي يعشقها وبجنون...!

لتشاركه جدته الضحك فقال هو مسرعًا يداري حرج دنيا الطفولي:
-معلش يا امي هرمونات الحمل انتِ عارفة بقا
لم تتحدث جدته ولكنها جذبت دنيا لأحضانها ولم تتوقف عن الضحك متمتمة بود حقيقي:
-دي جميلة اوي يا يزيد وبتضحكني ابقى هاتها لي كل اسبوع تضحكني شوية!

فتعالت ضحكاتهم جميعًا ودنيا هي الاخرى تضحك من قلبها، واخيرًا ذلك الدفئ الاسري مس قلب دنيا، مس اعماقها و.جـ.ـعلها متكاملة المشاعر، سليمة من كافة الجوانب...!

بعد انقضاء سنوات سـ.ـجـ.ـن ياسر...
كانت تنتظره هي ووالدته امام السـ.ـجـ.ـن، عيناها اُهلكت من كثرة الشوق وقلبها يدوي بجنون، وما إن رأته يخرج حتى ركضت نحوه بكل الجنون الذي عرفته يومًا لترتمي بأحضانه، فضمها له بكل قوته يستشعر بها اخيرًا وجسدها الغض يسكت أنين جسده...
رفعت عيناها له ببطء وبوجه ضاحك قالت:
-انا وعدتك استناك، ووعد الحر دين عليه!
ثم عادت تحتضنه، تهدئ لوع قلبها الذي كان يصـ.ـر.خ بالأحتياج والشوق له...

لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇

تعليقات