رواية انا لها شمس هي رواية رومانسية تقع احداثها بين فؤاد وايثار والرواية من تأليف الكاتبة روز امين
رواية انا لها شمس من الفصل الاول للاخير بقلم روز امين
شخصيات رواية «أنا لها شمس»
عائلة غانم الجوهري
البطلة:
إيثار غانم الجوهري، تبلغ من العمر ثمانيةً وعشرون عامًا،ممشوقة القوام تمتلك جسدًا أنثويًا تُخفي معالمهُ خلف الثياب العملية التي ترتديها دائمًا والمكونة من بِذَل نسائية كلاسيكية مما أعطاها مظهرًا جادًا أكدته تلك النظارة الطبية التي ترتديها بجانب رسمها للجدية فوق ملامحها،تمتلكُ عينين واسعتين ذات أهدابٍ كثيفة مما جعل من عسليتيها ساحرة لمن ينظر بهما رغم إكفهرار ملامحها طيلة الوقت،تخرجت من كلية التجارة قسم إدارة أعمال لتعمل مديرة مكتب لشركة عريقة في مجال الإستيراد والتصدير، مُطلقة ولديها طفل يُدعى يوسف في السادسة من عمره
والدها:
غانم محمد الجوهري، رجل بسيط أمّي، فلاح مكافح يمتلك قطعة أرض صغيرة استطاع من خلالها تربية أولاده الأربع بشرف ونزاهة، ضعيف الشخصية أمام ابناءه وزوجته لذا اختار الصمت للنأي بحاله من المناوشات والجدل الذي لا يجدي نفعًا معهم
الأم:
-منيرة عبدالحليم، إمرأة في بداية عقدها السادس بسيطة التفكير تعشق أبناءها الذكور وتفعل كل ما بوسعها لأجلهم وتضحي بالغالي والنفيس حتى بإبنتها الوحيدة في سبيل مستقبل أفضل لذكورها
الشقيق الأكبر لإيثار:
-عزيز غانم،في نهاية العقد الثالث من عمره متسلط جشع يحقد على شقيقته كونها استطاعت إكمال دراستها الجامعية بينما هو حصل على مؤهل متوسط
-نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا لديهم ثلاثة أبناء،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات.
الإبن الثالث:
-وجدي البالغ من العمر الخامس والثلاثون،حنون لكنه يتحرك باتجاه التيار وللمصلحة العامة يشبه أبيه كثيرًا بطباعه، متزوج من نوارة التي تصغر إيثار بثلاثة أعوام، لديه ولدان،خالد وأيهم
الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابع والعشرون
********
عائلة علام زين الدين
البطل:
-فؤاد علام زين الدين
وكيل للنائب العام، ذو الستةُ والثلاثون عامًا،يتمتع بملامح رجولية جذابة،شخصية قيادية صارمة يمتلك كاريزما ولباقة وقدرة فائقة على إدارة الحديث بشكل لافت للاهتمام،ممشوق القوام يتمتع بجسد رياضي جذاب،بشرته حنطية وجههُ مستطيل يمتلك عينين حادتين سوداويتين ورموشٍ كثيفة،ولحية نامية محددة يعتليها شارب خفيف زاد من وسامته، مغرور بعض الشيء، كاره للنساء نتيجة لتجربة مر بها هدmت كيانه وهزت ثقتهُ بحاله حينها ولولا قوته وقوة عائلته التي ساندته بكل ما لديها من قوة لتدmر كُليًا وما عاد كما رأيناه مجددًا
والدهُ:
-سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا، رجل حكيم رصين يمتلك من القلب والعقل ما أوصلاه لذاك المنصب الراقي
والدته:
-دكتورة" عصمت الدويري" أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إمرأة راقية عاقلة حكيمة تعشق نجلاها
شقيقته:
-"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم
متزوجة من"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته، يسكن معهم بنفس القصر ولديه طفلان، بيسان وفؤاد
*********
عائلة نصر البنهاوي
طليق إيثار:
-عمرو أصغر أبناء نصر البنهاوي والمدلل لدى العائلة،يبلغ من العمر الخامس والثلاثون متزوج من"سُمية"ذات الثمانية والعشرون عامًا ولديهما طفلة وحيدة تُدعى"زينة "ذات الأربع سنوات
الاب:
-نصر البنهاوي رجل ظالم،ترشح ليُصبح عضوًا بمجلس الشعب ليتخذ من عضويته تلك ستارًا لتجارته الغير مشروعة بتهريب الأثار
زوجته:
-إجلال ناصف، إمرأة قوية لا تملك قلبًا وتعشق عمرو لكونه الوحيد الذي ورث ملامح والدها الحاج ناصف التي تعتز بكونها ابنة ذاك الاسطورة من خلال وجهة نظرها
الشقيق الأكبر لعمرو:
-طلعت الذي تخطى عامه الاربعون، زوجته ياسمين ولدية ثلاثة فتيات
الشقيق الاوسط:
-حسين وزوجته"مروة"ولديهما طفل وطفلة
********
عائلة أيمن الاباصيري مدير الشركة التي تعمل بها إيثار والذي تخطي عامه الستون بخمسة أعوام،يمتلك قلبًا حنون مما جعله يتخذ من إيثار كإبنة له نظرًا لظروفها الخاصة
- زوجته" نيلي" إمرأة جميلة مدللة،لديه إبن يُدعى أحمد طبيب جراح ويمتلك مشفى استثماري خاص به أسسها له والده، زوجته "سالي"
-لارا إبنة أيمن سنتعرف على قصتها لاحقًا
الفصل الاول 1
داخل مدينة كفر الشيخ تحديدًا بإحدى قراها المتمدنة بحكم قُربها من المدينة،تجلس تلك السيدة الخمسينية أمام أحد مواقد الغاز لتخبز خُبزها بيداها وتُلقيه فوق الساج الساخن ليتم عملية خبزه قبل أن يفيق زوجها وابنائها ليتناولوا طعام إفطارهم منه،أقبلت عليها زوجة ولدها الأوسط وتُدعى "نوارة"تبلغ من العمر الخامسة والعشرون لتتحدث بتثاؤب:
-صباح الخير يا ماما، مخبطيش عليا ليه علشان أساعدك في الخبيز؟
تحدثت السيدة بأنفاسٍ لاهثة نتيجة مجهودها المبذول:
-خفت لـ وجدي يصحى وأقلق نومه،ده يا حبة عيني راجع من الجبل وش الفجر هو وعزيز
تنهدت" نوارة" لتتحدث بإِسْتِياء:
- والله يا ماما ما عارفة أخرت اللي بيعملوه ده إيه،اللي إسمه عمرو وابوه دول مبيجيش من وراهم خير،واللي بيعملوه ده غلط ولو اتقفشوا هيروحوا في سين وجيم.
إلتفت سريعًا نحوها لترمقها بازدراء ونظراتٍ نارية لتهتف بحِدة ناهرة إياها:
-تفي من بقك يا غراب البين إنتِ،جاية من صباحية ربنا تفقرى على ولادي زي البومة؟
اهتزت بوقفتها لتتحدث بـ.ـارتباك ظهر بصوتها:
-والله مااقصد يا ماما،أنا بتكلم من خوفي عليهم
حولت المرأة سريعًا وجهها للموقد لتهتف غاضبة بعد أن اشتمت رائحة قوية لحريق الخبز:
-وادي الرغيف إتحرق من كلامك اللي زي السِم
لتستطرد حانقة:
-إخفي من خلقتي وانجري على المطبخ حضري الفطار قبل الرجـ.ـا.لة مـ.ـا.تصحى، ومتنسيش تصحي المعدولة التانية.
حاضر... نطقتها بتـ.ـو.تر قبل أن تنسحب هاربة من بطش تلك التي تتحول لغول عنـ.ـد.ما يخص الأمر بأولادها، أو بالأدق أنجالها الذكور التي تعشقهم وتضحي لاجلهم بالغالي والنفيس، فهم أغلى ما لديها وحسب ما تربت أن الذكر لابد أن يحظى بكل الرعاية وجميع الحقوق، تلك هي أفكارها السوداء وقناعاتها الخاطئة
بعد مدة كانت تُلقي بأخر قطعة من العجين داخل الموقد لتتفاجيء بنجلها البكري وأول من رأت عيناها المسمى بـ "عزيز"والبالغ من العمر التاسعة والثلاثون ليقترب عليها وهو يتحدث بنبرة جادة:
-صباح الخير يا أم عزيز
صبحك بكل خير يا عزيز... نطقتها منيرة بابتسامة سعيدة لتستكمل حديثها بلهفة واشتهاء:
-ها،طمني، عملتوا إيه إمبـ.ـارح؟
لسة شوية يا أما، دعواتك بالتساهيل... نطقها بهدوء ليسترسل بنبرة جادة:
-المهم طمنيني، عملتي إيه في الموضوع إياه، عمرو مش مبطل زن
أغلقت زرائر الموقد لتقف تُلملم ما حولها من فوضى وهي تحدثه بطمأنة:
-حاضر يا عزيز، النهاردة هكلمها وربنا يسهل ودmاغها تلين
-لازم تلين يا أما، وإلا ورحمة الغاليين أكـ.ـسرلها دmاغها الناشفة ولا هيهمني زعل أبويا ولا كلمته...زفر ليستطرد:
-ما أنتِ عارفة اللي إسمه عمرو وجنانه، ده مش بعيد لو المصلحة طلعت قبل ما موضوعه يتم يتحجج وميديناش حقنا ولو عطانا أكيد مش هيدينا النسبة اللي إتفقنا عليها
الواد شاري يا أما، يا ريت تعقليها بدل ما أفقد أنا عقلي وأروح أجيبها لك من شعرها
-ربنا يسهل يا ابني... نطقتها بعدmا حملت بعضًا من الخبز داخل سلة وتركت المتبقي مفرودًا ليهدأ لتتحرك نحو بهو المنزل لتضع السلة أرضًا بجانب منضدة الطعام الأرضية وتتحدث لزوجها الجالس أرضًا بجانب تلك المنضدة:
-صباح الخير يا أبو عزيز
ردد بهدوء دون ان ينظر لها:
-صباح النور يا"منيرة "
هتفت تصيح لزوجتي نجليها "نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا وأيضًا"نوارة"زوجة"وجدي":
-هاتوا الاكل وحطوه على الطبلية على ما أصحى أيهم علشان يلحق شغله هو كمان
تحركت وجلس عزيز بجانب والده الذي تحدث باستنكار:
-مش هتبطل جري إنتَ وأخوك ورا إبن نصر البنهاوي يا عزيز
استاء عزيز واكفهرت ملامحه ليستكمل الأب بتوجس:
-بطل الطمع اللي فيك ده وارضى باللي ربنا رزقك بيه
—البحر يحب الزيادة يا حاج...نطقها باقتضاب ليجيبه الاخر:
-ده لما تكون زيادة حلال،مش سرقة أثار البلد
قالها بـ.ـارتياب ليجيبه الاخر بلامبالاة واطمئنان ظهر فوق ملامحهُ الساكنة:
-دي مش سرقة، دي لقية يا حاج يعني حلال مية في المية، وبعدين أنا هخرج مبلغ لله من نصيبي اللي هيطلع لي
رمقه بازدراء ليتحدث بيقين:
-الله طيب لا يقبل إلا طيب يا متعلم يا بتاع المدارس
تملل بجلسته لتتحدث منيرة التي انتوت مساندة نجلها والدفاع عنه كما دائمًا تفعل:
-مالك بس يا حاج،متروق كدة يا اخويا وادعي لهم بالتساهيل، خير ورزق ربنا بعتهُ لهم علشان يوسعوا على عيالهم وعلينا
لتستطرد باستنكار:
-نقوم إحنا نقول له لاء ونقفل بابنا في وشه!
-إنتوا الكلام معاكم زي قلته،و.جـ.ـع قلب على الفاضي... نطقها بقلة حيلة وضعف كعادته ليقطع حديثهم وجدي الإبن الثاني البالغ من العُمر الخامسة والثلاثون قائلاً:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح وتلاه الدخول الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابعة والعشرون حيث تحدث بصياح كعادته:
-فين الفطار إتأخرت على شغلي
وجه الأب اليه حديثه الهاديء:
-استهدى بالله يا ابني واصبر لما يجيبوا الأكل من المطبخ
جلس الأبناء الثلاث والتف الأحفاد حول الطاولة،أولاد عزيز الثلاث،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات، وأبناء "وجدي"الذكرين،خالد وأيهم، بدأ الجميع بتناول الطعام قبل أن ينصرف كُلٍ إلى وجهته
_________________
بالجهة الاخرى بنفس القرية
يجلس رجلاً ذو هيبة على رأس طاولة كبيرة مرصوص فوقها الكثير من الأصناف التي تدل على ثراء ساكني هذا المنزل، تجاوره زوجته قاسية الملامح والتي يبدوا عليها القوة من إكفهرار وجهها وصلابة جسدها، يقابلها بالجلوس نجلها الاكبر "طلعت" ويجاورهُ الشقيق الأوسط"حسين" حضرت زوجتيهما ياسمين ومروة بعدmا اتموا جلب جميع الطعام من المطبخ بجانب الخادmة وجلستا استعدادًا لتناول وجبة الفطار، بعد قليل دخلت من باب الحجرة "سمية" زوجة "عمرو" الإبن الأصغر ممسكة بيدها إبنتها الوحيدة "زينة"صاحبة الأربع سنوات والتي لم تنجب بعدها وهذا ما جعلها تتردد على الاطباء كثيرًا كي تتعجل بالحمل بطفلٍ أخر، اقتربت وهي تقول بابتسامة زائفة:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ذاك الـ"نصر" الذي هتف بملامح مقتضبة:
-البيه جوزك منزلش علشان يفطر ليه؟
تحمحمت لتجيبهُ بصوتٍ مرتبك لقوة ذاك الرجل وتجبره:
-عمرو لسة نايم يا عمي،وجيت أصحيه رفض، أصله جه متأخر إمبـ.ـارح كان سهران مع الرجـ.ـا.لة في مزرعة المواشي
بعينين كالصقر هتف بما جعلها تنكمش على حالها:
-اللي يسمعك بتقولي كدة يقول سهران بيشتغل، مش بيحشش هو وشوية الصيع اللي ملموم عليهم
نظرة مشتعلة شملته بها تلك المتجبرة المدعوة بـ "إجلال"لتزمجر باستياء وهي تنظر لزوجات أبناءها في مغزى:
-مش وقت الكلام ده يا حاج نصر...وبرغم جبروته مع الجميع إلا أنها الوحيدة التي لا يستطيع مجابهتها ولا مراجعة قراراتها ويرجع ذلك لقوة عائلتها التي منحته جميع الصلاحيات ليصبح على ما هو عليه الأن،فقد تزوجها وهو موظف إداري بسيط في وزارة الزراعة فسحبه والدها معه إلى التنقيب في الجبال والبحث عن الاثار الفرعونية لبيعها حال العثور عليها للتجار المختصين ليقوموا بتهريبها بطريقة غير شرعية خارج البلاد مما يضر باقتصاد البلد واثارها التي لا تقدر بثمن، اتقن"نصر" العمل ونال شهرة كبيرة بعدmا تمرس بالموضوع واصبح ذو شهرة عالية بين لصوص الاثار،ثم ساعدهُ عمها في الدخول إلى عالم السياسة عن طريق ترشحهُ لمجلس الشعب ليُصبح سيادة النائب وينال من السلطة والنفوذ ما يكفي ليحمي به تجارته القذرة وتجارة عائلة زوجته،لذا فهو لا يجرؤ على إغضابها كي لا ينال عقـ.ـا.ب أسياده وأصحاب الفضل عليه،وتلك هي نقطة الضعف التي استغلتها"إجلال"لصالحها طيلة سنوات زواجها به وللأن
وإنتِ...نطقتها بحدة موجهة حديثها إلى "سمية "لتسترسل أمرة:
-إطلعي صحي جوزك وقولي له ينزل حالاً
بس يا مرات عمي...توقفت لتبلع باقي حديثها عنـ.ـد.ما زمجرت الأخرى هاتفة بعينين تقطرُ شرًا:
-أنا قولت لك قبل كدة ألف مرة إني مبحبش أعيد كلامي، الكلمة اللي اقولها تتنفذ من سكات.
أطرقت برأسها برعـ.ـبٍ لتترك إبنتها لزوجة عمها الكُبرى"منى"وتنسحب سريعًا عائدة للأعلى لتدخل مسكنها وتتجه صوب غرفة النوم حتى اقتربت من ذاك الممدد بطريقة عشوائية فوق التخت لتهتف بنبرة غاضبة وهي تلكزهُ بكتفه بطريقة حادّة:
-قوم يا عمرو بيه كلم أبوك تحت، مخدتش من وراك غير التهزيق على الصبح
اتتفض من نومه بفزع لينظر إليها بعينين جاحظتين مستفسرًا:
-فيه إيه يا سمية في ليلتك اللي مش فايتة؟!
أبوك مستنيك تحت على الفطار...رمقها بازدراء قبل أن ينزل بجسده ليتمدد من جديد ويسحب الغطاء عليه قائلاً بلامبالاة:
-قوليله كان سهران في المزرعة ونايم.
جذبت من فوقه الغطاء بحدة لتردف باستنكار:
-قولت له يا بيه، واتمسخر عليا وعليك قدام إخواتك ونسوانهم العقارب، والست أمك بهدلتني ليه وليه اللي بقولها ده نايم وتعبان، قالت لي تطلعي تصحيه وتخليه ينزل حالاً
هتف رامقًا إياها بنظرة غاضبة:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي عن الست" إجلال"بنت الحاج "ناصف" سِيد البلد كلها
واستطرد مهددًا بابتسامة ساخرة:
-ولا تحبي اقولها عن الطريقة اللي إتكلمتي بيها عنها واسلمك ليها تسليم أهالي؟
ابتلعت ريقها ونظرت إليه قائلة بصوت مضطرب لتجنب بطش تلك الحية ولتيقنها من تفاهة زوجها:
-وتهون عليك سمية يا عمورتي، ده أنا حُب العمر ولا نسيت؟
-أيوة كدة إظبطي... نطقها بابتسامة نصر ليسترسل:
-جهزي لي الغيار اللي هنزل به على ما أدخل الحمام ارش وشي بشوية ماية عشان أفوق
بعد مدة قصيرة كان يجلس بجوار شقيقاه يتناول طعامه بتملل وضيق شعر بهما والده ليتحدث بذات مغزى:
-عملت إيه في الموضوع اللي اتكلمنا فيه من إسبوع؟
رفع رأسه ليتطلع عليه قائلاً بعينين ملتمعتان بزهو الامل:
-بدأت اتصرف يا حاج،وقريب قوي هتسمع الاخبـ.ـار الحلوة
-أما اشوف هتفلح المرة دي ولا هترجع لي إيدك فاضية زي كل مرة... قالها باستهجان ليهتف الاخر بعدmا شع الامل بعينيه اكثر:
-المرة دي غير كل مرة يا حاج، أنا اتبعت مقولة الزن على الودان أمر من السِحر
قطبت جبينها لتهمس بجانب أذن زوجها تجنبًا لسماع والداه:
-موضوع إيه اللي عمي طالبه منك يا عمرو؟
ابتسم ساخرًا على فضول تلك المتحشرة ليجيبها بتسلي:
-مهو قدامك اهو،مـ.ـا.تسأليه؟
زفرت بضيق من طريقته المستفزة التي دائمًا ما يتبعها معها لتعود لتناول طعامها بضيق والفضول يكاد ان يقـ.ـتـ.ـلها،نظرت إجلال لذاك المقابل لها بالجلوس،نجلها المدلل والأقرب لقلبها لما يمتلك من ملامح ورثها عن والدها والتي تعتز بكونها إبنة لذاك الإسطورة من وجهة نظرها،لذا فهي تعشق عمرو ويظل الأقرب لها وكل ما يتمناه ويطرأ بباله ينفذ في الحال،بسطت يدها بصَحن معجون ثمار الفراولة لتقول بابتسامة حانية:
-خد يا حبيبي المربى اللي بتحبها، خليت فتحي الغفير ينزل المركز مخصوص وقلب لي الدنيا على الفراولة لحد ما لقاها
تناول منها الصحن ينظر له بشهية مفتوحة ليتحدث بابتسامة واسعة وهو يُلقبها بلقبها المحبب لديها والذي يُشعرها بقيمة حالها والغرور:
-تسلم إيدك يا "ستهم"
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغر "طلعت" الإبن الاكبر ليهتف متهكمًا:
- شوفت يا سيدي غلاوتك عند الست إجلال بجلالة قدرها،مهنش عليها إنك سألت على المربي إمبـ.ـارح ومكنتش موجوده، بعتت الغفير اتشقلب في المركز وطلع بالفراولة مع إنه مش أوانها، وكل ده علشان خاطر عيون مدلل عيلة البنهاوي
واستطرد بنبرة عاتبة:
-مع إني قايل لها إن نفسي في الكوارع ليا شهر ولا عبرتني
تحدثت بابتسامة بـ.ـاردة لامرأة لا تمتلك قلب:
-نسيت يا سي طلعت،إيه،هتعلق لي المشانق؟!
-العفو يا ستهم ، ماعاش ولا كان اللي يقدر يحاسب ست البلد والمركز كله...رفعت قامتها بخيلاء ليتحدث نصر قائلاً:
-عاوزك تتابعي مع عمرو في الموضوع إياه يا "إجلال"
بابتسامة شامتة حولت بصرها لتلك الجالسة بجوار زوجها لتتحدث بذات مغزى:
-متقلقش يا سيادة النايب، مسافة شهر بالكتير وكل اللي أمرت بيه هيتنفذ
لتسترسل بغرور:
-ما أنتَ عارف لما "ستهم" بتحط حاجة في دmاغها
ابتسامة تفاخر ارتسمت فوق ثغره ليقرب كفه من خاصتها الموضوع فوق الطاولة ليربت عليه قائلاً بامتنان:
-طول عمرك سدادة وبمـ.ـيـ.ـت راجـ.ـل يا بنت الحاج "ناصف"
ابتلعت ما في جوفها من طعامٍ بصعوبة بالغة لاستشعارها أن هذا الحديث يخص غريمتها الحقيرة لتبتسم "مروة" زوجة الإبن الأصغر وهي تنظر عليها بشمـ.ـا.تة مما جعل داخل الاخرى يشتعل لترمقها بازدراء، انتهى الفطور وانسحبت النساء إلى المطبخ ليصنعن مشروب الشاي لوالداي ازواجهن وللجميع، لتبدأ العاملات بجمع بقايا الطعام من فوق الطاولة وتنظيف المنزل
-مقولتليش يا ست مروة، كنتي بتضحكي على إيه وإحنا على الفطار؟... سؤالاً حادًا وجهته لها لتقول الاخرى بذات مغزى مما زاد من اشتعالها:
-على نفس السبب اللي خلى اللقمة وقفت في زورك وكنتي هتفطسي
-بلاش تتلائمي عليا يا مروة، إنتِ مش قد اذيتي،أنا قرصتي والقبر... نطقت جملتها بنبرة تهديدية لتبتسم الاخرى مجيبة بتهكم:
-مش هينفع تقرصيني يا سلفتي،لايجوز شرعًا... قالت جملتها الاخيرة وهي تحرك عُنقها لتهتز رأسها بطريقة ساخرة مع إطـ.ـلا.قها لضحكة استهزائية ليشتعل وجه الأخرى مما جعلها تهجم عليها بدون عقل وكادت أن تجذبها من تلابيبها لتكيل لها الضـ.ـر.بات قبل أن تقف ياسمين زوجة طلعت حائلاً بينهما لتقول بعنف:
-مـ.ـا.تتلمي ياختي منك ليها، إنتوا إتجننتوا، هتضـ.ـر.بوا بعض وحماكم ورجـ.ـالتكم قاعدين برة!
هتفت سمية وهي تحاول الفكاك من بين قبضتي "ياسمين":
-سبيني عليها المرة السو دي وأنا أعرفها مقامها صح
أفلتت ياسمين يداها لتهتف مشيرة إلى مروة:
-شكلك ناوية على طـ.ـلا.قك النهاردة يا سلفتي، وأدي مروة قدامك إعملي فيها ما بدالك، علشان ستهم تيجي على حِسك العالي وتطين عيشتك، وبدل ما أنتِ خايفة وقاعدة منتظرة البلا ليحصل، تبقى سهلتي عليهم المهمة والبلا فعلاً هيحصل، بس وإنتِ قاعدة زي البيت الوقف في بيت أبوكِ
لتبتسم ساخرة مستطردة بذات مغزى:
-ما أنتِ عارفة قانون نصر البنهاوي، اللي تتجوز عيل من عيالة يحرم عليها صنف الرجـ.ـا.لة من بعده، وكأن اللي بيدخل عليها واحد منهم بتتوشم بوشمه اللي لا تقدر تمحيه حتى النار
ابتلعت ريقها بازدراء وتراجعت للخلف لتذهب الاخرى إلى الموقد وتبدأ بسكب المشروب داخل الكؤوس مسترسلة:
-أيوة كدة إعقلى
لتتحرك بالصنية وتناولها إياها بحدة قائلة:
-خدي يا حبيبتي الشاي طلعيه برة
كان صدرها يعلو ويهبط بفضل شعورها العظيم بالغضب،حولت بصرها لترمق تلك المروة المبتسمة بشمـ.ـا.تة قبل أن تتناول الصينية الممدودة متحركة للخارج بغضب،اتجهت"ياسمين " بنظرها إلى"مروة "لتقول بنبرة حانقة:
-وإنتِ يا مروة،مش هتبطلي كيد النسا اللي فيكِ ده؟
بررت الأخرى موقفها قائلة بتنصُل:
-وأنا كنت جيت جنبها يا"ياسمين "، ما اللي حصل كله كان على يدك،دي واحدة مـ.ـجـ.ـنو.نة وعلى راسها بطحة
زفرت الأخرى لتهتف بحِدة:
-بلاش تستفزيها أحسن لك، وإديكي قولتيها بنفسك، واحدة مـ.ـجـ.ـنو.نة، والجنان بيزيد عليها لما الموضوع يخص" عمرو"وحكايته القديمة،فياريت تخليكِ إنتِ الأعقل وبلاش تجُري شكلها
اكتفت مروة بنفس الابتسامة الساخرة لتنسحب إلى حوض المطبخ لتتابع جلي الصحون تحت غضب الاخرى من كلتا الغـ.ـبـ.ـيتان اللتان تعيشا معها بنفس المنزل
_________________
بالقاهرة الكُبرى
إنتهى من ارتداء رابطة عنقه وعقدها بتمرس ورتابة ليجذب بحِلة بدلته السوداء من فوق عليقة الملابس مرتديًا إياها ليتحرك صوب مرأة زينته ممسكًا بفرشاة شعره ليصففهُ بعناية، أعاد الفرشاة إلى موضعها ليلتقط قنينة عطره المميز وبدأ ينثر فوق ذقنه وعنقه،بات ينظر لهيئته الجذابة برضا تام،تحسس ذقنه النابته ثم نظر لشعر رأسه الفحمي مرورًا بعينيه السوداويتين كثيفة الأهداب وبشرته الحنطية التي جعلت منه جذابًا عن المعتاد، ثم نزل بنظره على صدره العريض وتقسيمـ.ـا.ت جسده الرياضية ليبتسم بمرارة حينما تذكر ماضيه الأليم، قطع شروده استماعه لبعض الطرقات الخفيفة فوق باب جناحه ليهتف برزانة مخاطبًا الطارق:
-إدخل.
فُتح الباب لتظهر منه سيدة أنيقة ترتدي بذلة نسائية تدل على وقار تلك المرأة بعامها التاسع والخمسون ذات الشعر البُني القصير المظهر التي وما أن رأها حتى ظهرت إبتسامة سعيدة على محياه لتتحدث هي بنبرة حنون:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
-صباح النور يا حبيبتي...نطقها صاحب السادسة والثلاثون عامًا بابتسامة وهو يقترب عليها ليقوم بتقبيل رأسها بوقار،تحدثت باعجاب:
-ده إيه الشياكة دي كلها
-أنا إبن دكتورة عصمت الدويري أستاذ القانون الجنائي، فطبيعي أكون شيك ومميز زيها... نطقها باعتزاز لتضحك بسعادة قائلة:
-طول عمرك شاطر في الكلام وبتعرف تغلب بيه اللي قدامك
نظر لها ليقول بثقة:
-بس ده مش كلام يا ماما، أنا حقيقي طول عمري فخور بيكِ وواخدك مثال وقدوة للست الناجحة من وجهة نظري
واستطرد بإطراء:
- ست بيت وزوجة وأم عظيمة، وفي نفس الوقت أستاذة جامعية شاطرة، قدرت توصل لإنها تكون من أكبر الاساتذة في مادة القانون الجنائي على مستوى جامعات الحقوق في مصر كلها
تنهدت بهدوء لتتحدث بتمنى:
-فاضل لي أمنية واحدة وأكون حققت كل أحلامي يا فؤاد، وإنتَ الوحيد اللي قادر تحققها لي
-ومع ذلك مستخسرها فيا زي ما تكون صعبان عليك راحة قلبي...قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة بكثيرًا من التأثر والألم لينسحب من أمامها متجهاً صوب تلك المنضدة الجانبية جاذبًا من فوقها حقيبة جلدية باللون الأسود تحتوي على أوراق هامة خاصة بعمله كنائب في النيابة العامة ليتحدث متهكمًا:
-إبتدينا الوصلة الصباحية اللي مبتخلصش، كنت عارف إن زيارتك لأوضتي مش مجرد زيارة عادية، واللي توقعته حصل يا دكتورة
قالت بنبرة متأثرة:
-بتلومني علشان خايفة على مصلحتك يا فؤاد؟
واستطردت بنظراتٍ جالدة لذاته:
-إمتى بقيت أناني كدة، هو أنا مبصعبش عليك؟!
طب بلاش أنا، بباك اللي عاش عمرة كله يبني في إسمه وتاريخه ويجمع في ثروته وجيت إنتَ علشان تكمل مسيرته، مش شايف إن من أبسط حقوقه يكون له إمتداد لإسمه؟!
هتف بحنقٍ بعدmا تحولت ملامحهُ لشرسة:
-سبق وإتكلمنا في الموضوع ده وقولت لحضرتك إن موضوع الجواز والخلفة شيلتهم من حساباتي نهائي، كفاية عليا اللي شفته من تجربتي المُرة اللي عيشتها
تعمق بمقلتيها ليستطرد لائمًا بملامح مكفهرة:
- ليه عوزاني أعيش نفس الأذى تاني؟!
-مش كل الستات زي... كادت أن تكمل لولا تحركه السريع نحو الباب وهو يتحدث متمللاً:
-نفس الإسطوانة المشروخة بتاعت كل يوم،ياريت توفري على نفسك وعليا الكلام وتسيبيني أتحرك علشان أشوف شغلي،وحضرتك كمان لازم تتحركي علشان تلحقي طلابك بدل ما تتأخري عليهم يا دكتورة
-إهرب زي كل مرّة، هي عادتك ولا هتشتريها... نطقت بها بحدة ليتابع هو مروره بالممر المؤدي للدرج دون تعليق، بعد قليل ولج إلى غرفة الطعام، وجد والدهُ سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا،مترأسًا الطاولة تجاوره نجلته"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم، يجاور فريال زوجها"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته ولقد تعرف عليها من خلال زياراتها المتكررة لوالدتها بعملها وأُعجب بها وطلبها للزواج وكان شرط علام الوحيد للموافقة على تلك الزيجة هو مكوث ماجد معهما بالمنزل ويرجع هذا لحب وتعلق علام بنجليه، يليهما بالجلوس إبنتهما بيسان ذات الاعوام الست ولديها أيضًا طفل رضيع أطلقت عليه اسم" فؤاد" لتُدخل السرور على قلب والديها اللذان حرما من حفيد لنجليهما الوحيد ليسرا به نظريهما
تحدث وهو يقترب من مقعده المجاور لوالده:
-صباح الخير يا باشا
أجاب بوجهٍ مقتضب كعادته يرجع لجديته في الحياة:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
ألقي تحية الصباح على شقيقته وزوجها ليسأله علام بعدmا رأي دخول" عصمت"وملامحها التي توحي بمدى غضبها:
-مالكم على الصبح، أصواتكم عالية ليه؟
-مفيش حاجة سيادتك، دي دكتورة عصمت كانت بتصبح عليا كعادتها... جملة ساخرة نطقها وهو يغرس شوكته بأحد صحون الجُبن لينقل منها بداخل صَحنه، تنهدت عصت وجلست بجواره لتبدأ بتناول طعام فطورها باقتضاب، تحدثت فريال إلى شقيقها:
-إنتَ مبقاش نافع معاك أي كلام يا فؤاد، لحد إمتى هتفضل تاعب قلوبنا معاك بالشكل ده؟
-أكلي جوزك واهتمي بيه يا حبيبتي، وياريت تصُبي كل تركيزك عليه، الرجـ.ـا.لة بتزهق من عدm الإهتمام وبتطلع تدور عليه برة لو نقص جوة... نطق بها متعمدًا تغيير الموضوع لتهتف فريال بتذمر تشتكي لوالدها:
-شايف يا بابا كلامه
-كبري عقلك يا فريال، اخوكِ بيهزر معاكِ... هكذا أجابها والدها بتعقل لتتحدث بعناد:
-لو فاكر إن كلامك ده هيخليني أبطل أخاف على مصلحتك تبقى غلطان، وهفضل وراك لحد ما دmاغك تلين وتتجوز يا فؤاد
ابتسم ليتحدث بملاطفة:
-قول لمراتك تخليها في حالها وبلاش تحشر مناخيرها في حياة غيرها يا دكتور
تحدث ماجد مبتسمًا بلباقة:
-خرجني انا من بينكم يا سيادة المستشار، إنتوا عيلة واحدة والداخل بينكم خارج
تحدث علام بصدقٍ:
-إنتَ كمان من العيلة يا ابني، من يوم ما اتجوزت فريال وأنا بعتبرك إبن تالت ليا
-متشكر يا باشا، ده شرف كبير ليا سعادتك...جملة نطق بها "ماجد" لتستكمل على حديث زوجها "عصمت"قائلة بتهكم على نجلها:
-سيادة المستشار عنده حق يا ماجد،على الأقل إنتَ مريحنا مش واجع قلوبنا زي ناس
ابتسم بجانب فمه ليرتشف أخر رشفة من فنجان الشاى وتحدث وهو يهم بالوقوف:
-أنا شايف إن انا انسحب علشان حرب الكلام بتاعة كل يوم شكلها هتبتدي، وأنا بصراحة عندي قضية مهمة ومحتاجة ذهن صافي
تحدث علام برزانة:
-أقعد كمل فطارك يا فؤاد
أمسك بمحرمة ورقية وقام بتجفيف فمه ثم أجاب والدهُ بوقار:
-أكلت الحمدلله يا باشا،لازم أتحرك حالاً علشان عندي تحقيق في قضية مهمة ولازم أجهز لها
وقبل أن يتحرك تمسكت بكفه لتتحدث بحنان:
-من إمتى وإنتَ بتروح شغلك قبل ما تشرب قهوتك؟
لتستطرد بعينين مترجيتين بعدmا شعرت بأنه ينسحب بفضل ضغطهم عليه:
-أقعد كمل فطارك على ما سعاد تعمل لك القهوة
ربت فوق كفها وتحدث بابتسامة هادئة:
-صدقيني يا حبيبتي معنديش وقت للقهوة، هبقى أشربها في المكتب
نطقها وتحرك للخارج تحت شعور عصمت بالذنب لتتحدث نادmة:
-شكله زعل من كلامنا
تحدث ماجد باستحياء:
-بصراحة يا دكتورة حضرتك وفريال تقريبًا بتكلموه يومياً في موضوع الجواز وأكيد حاجة زي دي بدأت تضايقه وتخـ.ـنـ.ـقه
لف وجههُ لزوجته واستطرد لائمًا:
-وأنا أكتر من مرة لفت نظر فريال بإنها حتى لو هتفاتحه فميكنش قدامنا
زفرت فريال بضيق لشعورها بالنـ.ـد.م وأيضًا والدتها التي نكست رأسها ليتحدث علام بنبرة هادئة:
- يا جماعة فؤاد عقله مش صغير علشان يزعل من كلامكم، هو أكيد عنده شغل مهم
واستطرد عاتبًا:
-بس ده ميمنعش إن ماجد عنده حق في كلامه
تنهدت عصت لتهم بالوقوف وتحدثت:
-أنا رايحة الكلية، عندي محاضرة الساعة عشرة
أنا جاي مع حضرتك... نطق بها ماجد ليقف ويقبل رأس زوجته ونجليه ثم تحركا معاً وبعدها ذهب علام لعمله وظلت فريال بمفردها بصحبة طفليها والعاملين حيث أنها لم تعمل بشهادة بكالوريوس العلوم الحاصلة عليه وفضلت المكوث بالمنزل لرعاية صغيريها والاهتمام بنفسها وزوجها وكل ما يخص عائلتها الكبيرة
_________________
بمحافظة القاهرة الكُبرى
في تمام الساعة الرابعة مساءًا
بأعلى واجهة مبنى زُجاجيًا ضخمٍ،ناطحة سحاب مثلما يطـ.ـلقون عليه، توجد لافتة كبيرة كُتب عليها إسم شركة الأباصيري للأستيراد والتصدير باللون الذهبي ليدل على فخامة وعظمة الإسم وصاحبه،نتجه داخل المبني وتحديداً داخل مكتب مدير الشَركة "أيمن عزمي الأباصيري" البالغ من العُمر الخامسة والخمسون من عُمره،يبدو على هيئته الهيبة،يرتدي حلة ذات ماركة عالمية تدل على ثراءه الفاحش، تقف بجوار مقعد مكتبه شابة بعمر السابعة والعشرون،ترتدي بدلة سوداء عملية أشبه بلباس الرجـ.ـال لتتناسب مع شخصيتها الجادة بنظارتها الحافظة لنظرها ليكتمل وقارها وشخصيتها الحادة التي اتخذتها نهجًا لها منذ أن قررت الإستقلال بذاتها،يعتلي رأسها حجاباً أنيقًا وبسيط
تنظر بترقُب من خلف نظارتها الطبية علي قلم مديرها الذي يتحرك بخفة فوق الأوراق المطلوب توقيعها وتُقلبها له واحدة تلو الأخرى،تحدث الرجُل بتملُل بعدmا أصابهُ الضجر من كثرة عدد الأوراق:
-وبعدين يا إيثار،أنا زهقت، هو الورق ده ناوي مش يخلص النهاردة ولا إيه؟
أجابتهُ بنبرة جادة كعادتها مُنذ أن عملت معهُ قبل الثلاثة سنوات:
-مش فاضل غير ورقتين بس يا أفنـ.ـد.م.
بالفعل وضع إمضاءه على تلك الورقتين ليقوم بـ.ـارجاع ظهره الى الخلف مغمضاً عيناه كي يحصُل علي قسطٍ بسيط من الراحة قبل مغادرتهُ للشركة،أغلقت هي ملف الأوراق وأحتفظت به بيدها وبكل حرفية أمسكت باليد الأخرى الهاتف الموضوع فوق المكتب وتحدثت قائلة بنبرة صارمة:
-كريم،تعالى حالاً علي مكتب ايمن باشا علشان تاخد الشنطة
أغلقت ثم نظرت إلي أيمن لتتحدث بوقارٍ واحترام:
-أي أوامر تانية يا أفنـ.ـد.م؟
أجابها بوجهٍ بدا عليه الإرهاق:
-متشكر يا إيثار،تقدري تروحي لمكتبك علشان تجهزي نفسك وتروحي
أومأت له لتتحدث برصانة وهي تتأهب للإنسحاب خارج حُجرة المكتب:
-بعد إذن حضرتك
استدارت وتحركت صوب الباب ليوقفها صوتها الهاديء:
-أخبـ.ـار يوسف إيه يا إيثار؟
إستدارت لتجيبهُ بابتسامة خافتة:
-بخير يا أفنـ.ـد.م الحمدلله
سألها باهتمام:
-اللي اسمه عمرو ده لسة بيضايقك؟
تنفست بهدوء لتجيبه بملامح وجه مبهمة:
-أخر مرة شوفته فيها كان من إسبوعين،لقيته مستنيني تحت العمارة وأنا راجعة من الشغل، هددته لو ما ممشيش هتصل بالبوليس ومن وقتها مشفتوش تاني
لتكمل بنبرة بائسة:
-للأسف، مش مبطل إسلوب الضغط عليا بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة
اجابها وهو يحمل أشياءه الخاصة:
-منصب أبوه مقوي قلبه،لو اتعرض لك تاني واتجنن وجالك إتصلي بيا وانا هعرف اتصرف معاه،الاشكال اللي زي دي محتاجة تتعامل بشـ.ـدة علشان تحترم نفسها
تنهدت بأسى وهي تومي برأسها بموافقة ثم تحركت للخارج ولملمت أشيائها وقامت بوضعها داخل حقيبة يدها،صدح صوت جوالها لترفعه لمستوى عينيها وما ان رأت نقش اسم المتصلة حتى زفرت بقوة واكفهرت ملامح وجهها بامتعاض،تجاهلت الرنين لتخفيه بداخل حقيبتها،تحرك إليها كريم ذاك الشاب العشريني الذي تعين سائقًا لصاحب الشركة منذ ما يقارب من العام وقد حظي بثقة إيثار به وهذا ما جعل الجميع يتعجب حتى إيثار بذاتها استغربت لكونها رسمت الجمود فوق ملامحها وارتدت شخصية جدية لتضع حدودًا بينها وبين الجميع لم يستطع أحدهم تخطيها،لكنها سمحت لذاك الكريم بكـ.ـسرها ربما لظروفهُ التي تشبهها حيث تخلى عنه جميع اهله ليشق طريقه ويفحر بالصخر كي يستطيع العيش بكرامة،مثلما فعلت تمامًا،تحرك صوبها ليتحدث بابتسامتهُ البشوشة كعادته:
-أزيك يا استاذة إيثار
بهدوء أجابت:
-الحمدلله يا كريم، أخبـ.ـارك وأخبـ.ـار خطيبتك إيه، لسة محددتوش ميعاد الفرح؟
تحدث بنبرة حماسية:
-قريب إن شاءالله، فاضل لنا الغسالة والبوتجاز وكدة الشقة ميبقاش ناقصها حاجة.
بابتسامة خافتة تحدثت:
-لو ده اللي معطلك تقدر تحدد ميعاد الفرح مع حماك، ولو على الغسالة والبوتجاز إعتبرهم جم، خد أماني بكرة وانزل أشتريهم وخلي صاحب المحل يبعت الفاتورة على مكتبي
-بس ده كتير قوي يا استاذة،مش كفاية ساعدتيني في أوضة السُفرة... نطقها باستحياء وخجل لتتحدث في محاولة منها للتخفيف عنه:
-إبقى ردها لي في جوازة يوسف يا سيدي.
ربنا يفرحك بيه... نطقها لتهتف بنبرة جادة:
-بسرعة روح للباشا زمانه جهز.
حمل كريم الحقيبة الجلدية الخاصة برئيسه وتحركا لتتحرك هي الاخرى خلف سيدها بالعمل حتي وصلا إلي المصعد الكهربائي لينزلا للطابق الأسفل ومنهُ إلي خارج المبني بصحبة كريم،تحرك أيمن في طريقهُ لسيارته الفارهة،واتجهت هي نحو سيارتها المتواضعة كي تستقلها لتعود إلي منزلها، وقبل أن تقوم بوضع ساقها داخلها إلتفتت لتنتظر مديرها كي يتحرك أولاً لتجحظ عينيها فور رؤيتها لظهور مُقنعان يستقلان دراجة بخارية الأول يقودها بهدوء والأخر أخرج رشاشاً وقام بتفريغ محتوياتهُ من الطلقات الرصاصية بعشوائية متفرقة مما أحدث فوضي داخل المكان وباتت أصوات الصرخات المستنجدة تتعالي
جحظت عينيها بعدmا لاحظت أحد المهاجمين وهو يضغط على زيناد سلاحه الناري لتنطلق إحدى الرصاصات من فوهة السلاح بسرعة فائقة وتستقر بموضع قلب ذاك الذي وقف امام سيدهُ ليتلقى الرصاصة بدلاً عنه وكأنهُ جندي يدافع عن وطنهُ بكل بسالة ،إهتز بدنها بالكامل لتفتح فاهها بذهول بعدmا رأت ذاك الخلوق مُلقى على الأرض غارقًا وسط بركة من دmائه البريئة التي سالت بدون ذنب،لتصرخ بكامل صوتها ناطقتًا باسمه وهي تنطلق إلى موضع رقوده:
-كرررررريم
هرول رجـ.ـال الحراسة التابعة للشركة إلى أيمن كي يؤمنوه من أية محاولاتٍ لاعتداءاتٍ أخرى محتملة وقاموا بإحاطته جيدًا كسياجٍ بحيث لا يُخترق حتى من نملةٍ ثم أنزلوه ليحتمي خلف السيارة ،بطريقةٍ تلقائية وضع أيمن كفي يديه فوق رأسه ليحتمي من تلك الطلقات المتراشقة بين رجـ.ـال الحراسة التابعين له وبين هؤلاء المُقنعين الذين خرجوا من العدm،من يستمع لصوت الطلقات يعتقد أن حربًا شرسة وقعت للتو، أما هي فلن تكترث لتلك الطلقات وبشجاعةٍ تُحسد عليها هرولت لذاك المسكين وباتت تتفحصهُ بعينيها لتهتف متلهفة:
-رد عليا يا كريم،رد عليا ارجوك
تأملت أن يُطمئنها ولو بكلمة بسيطة منه ولكنها صُعقت بعدmا تحدث أحد الرجـ.ـال الذي تشجع وإنضم إليها كي يفحص ذاك الكريم متجاهلاً تراشق الطلقات التي قد تصيبهُ:
-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،النفس إنقطع،الظاهر إن الطلقة جت له في مقـ.ـتـ.ـل
هزت رأسها بعدm تصديق وهى تنظر إليه لتهتف بذهولٍ:
-إنتَ بتقول ايه، اكيد ما متش، ده كان لسة بيكلمني وإحنا فوق، مستحيل
لتصرخ في محاولة بائسة منها علهُ يستفيق وينتبه لصرخاتها:
- كررررريم
وبرغم رُعب أيمن مما حدث معهُ للتو من محاولة إغتيال دنيئة إلا أنهُ نظر إلي تلك الصارخة بعدmا انتبه لصرخاتها المتوالية ليتحدث بأمرٍ إلى بعض رجـ.ـاله المحاطين له بعدmا انتهى صوت إطـ.ـلا.ق الرصاص وتيقن من هروب المعتدين بعدmا فشلوا في إتمام مهمتهم:
-روحوا لـ إيثار وأحموها وهاتوها لعندي حالاً، وحد فيكم يتصل بالشُرطة ويبلغها بالهجوم اللي حصل
نطق كلمـ.ـا.ته قبل أن يفرد قامتهُ معتدلاً ليتحرك سريعًا لداخل مقر الشركة وحولهُ حائطًا بشريًا مكون من رجـ.ـال الأمن الشخصي ذوات الأجساد الضخمة يتحركوا بحذرٍ وهم يحملون اسلحتهم المشهرة لمواجهة أي هجومٍ أخر
هرول رجلين إليها ليتحدث أحدهم وهو يتلفت حولهُ بعينين كالصقر حاملاً سلاحهُ بوضع الإستعداد:
-إتفضلي معانا جوة الشركة لحد ما ننشط المكان ونأمنه يا افنـ.ـد.م
إتصل بالإسعاف بسرعة، كريم بيمـ.ـو.ت... كانت تلك كلمـ.ـا.تها المتوسلة لذاك الشخص قبل أن يتحدث الشخص الأول مرةً أخرى:
-للاسف يا أستاذة،كريم مـ.ـا.ت خلاص
ليُكمل بعينين أسفتين:
-البقية في حياتك
اتسعت عينيها وهي تنظر إليه لتهتف بقلبٍ صارخ متألم لأجل ذاك الخلوق:
-إسكت حـ.ـر.ام عليك، أكيد لسة عايش، الدكاترة أكيد هيسعفوه وهيبقى كويس
بسط أحد رجـ.ـال الحراسة يدهُ وتحدث إليها باقتضاب وهو يجذبها من كف يدها:
-اتفضلي معايا يا أستاذة إيثار، الباشا مستنيكِ جوة وميصحش نتأخر عليه
رمقتهُ بحِدة وبطريقة عنيفة نفضت يده بعيدًا لتهتف حانقة:
-أنا مش هتحرك من هنا قبل الإسعاف مـ.ـا.تيجي.
-الباشا أمر إنك لازم تدخلي حالاً، فأحسن لك تسمعي الكلام وتقومي معايا وما تضطرنيش اتعامل معاكِ بالقوة...هكذا تحدث أحد الشخصين بحِدة وفظاظة وهو يجذبها من رسغها قبل أن تدفعهُ بعيدًا عنها نافضة يدها من لمسته لتنظر إليه بعينين حادتين كنظرات الصقر وهى تهتف بسُبابٍ:
-إبعد إيدك عني يا حـ.ـيو.ان
كاد أن يقترب ويجذبها مرةً أخرى ليتحرك بها إلى الداخل عنوةً عنها لولا صديقه الذي اقترب منه وجذبهُ ليبتعدا قليلاً ثم هتف ناهرًا إياه بحدة:
-إنتَ إتجننت يا بني أدm، إيه اللي بتهببه ده؟
ليستطرد بتنبيهٍ:
-إنتَ عارف ايمن باشا لو عرف إنك ضايقتها هيعمل فيك إيه، ده مش بعيد يدفنك مكانك وإنتَ واقف
ليه يعني، تبقى مين بسلامتها...هكذا تحدث متذمرًا وذلك لحداثة تعيينه ليهتف الأخر بإعلامٍ:
-تبقى إيثار غانم الجوهري يا غـ.ـبـ.ـي.
ليستكمل بإبانة:
-مديرة مكتبه واللي مبيتحركش خطوة من غيرها،كل خبايا الشركة في عبها ومفيش صغيرة ولا كبيرة بتحصل إلا بعلمها
اشار الرجل بكفه ليتحدث مستنكرًا:
-طظ،إيه يعني مديرة مكتبه،ده أنا قولت بنته ولا قريبته من تفخيمك فيها
هز الاخر رأسه باستسلام وبصعوبة اصطحباها الرجلان للداخل تحت اعتراضها بالأول لكنهما أخذا الأوامر بإحضارها ولابد من التنفيذ،ولجت بدmـ.ـو.عها وانهيارها لتجد أيمن يجلس فوق مقعدًا مُلقي برأسهُ للخلف ويبدوا من مظهره أن نوبة فرط ضغط الدm ستهاجمه من جديد حيث كان يتنفس بصعوبة واضعًا كف يدهُ فوق صدره ويقوم بتدليكهُ بوجهٍ شاحب، وبرغم ما تعانيه من تمزق للروح وتيهة بسبب فقدانها لذاك الخلوق إلا أنها استعادت لمهنيتها وهرولت إليه وهي تتفحصه بهلعٍ ظهر بعينيها:
-مالك يا أيمن بيه، إنتَ تعبان
ليجيبها بانفاسٍ متقطعة:
-إتصلي لي بـ أحمد بسرعة يا إيثار
على عجالة هتفت وهي تبحث بحقيبة يدها التي أحضرها أحد الرجـ.ـال حيث كانت ملقاه بجوار سيارتها بالخارج:
-هكلمه حالاً يا أفنـ.ـد.م، بس حاول تتنفس بانتظام وتهدى
بالفعل هاتفت أحمد الإبن الأكبر لـ أيمن والذي يمتلك مشفى إستثماري كبير قد أعدها لهُ أبيه ليمارس بها مهنة الطب الذي درسهُ بالخارج،بسرعة البرق حضرت قوة من رجـ.ـال الداخلية وانتشر رجـ.ـالها محاوطين سياج الشركة وحضر أحمد بسيارة إسعاف مجهزة طبيًا بعدmا اخبرته إيثار وعلم أنها حالة ضغط الدm التي تهاجم والده عنـ.ـد.ما يتعرض لحالة من الصدmة أو الحـ.ـز.ن الشـ.ـديد، تحرك الشرطي إلى أيمن المتواجد بعربة الإسعاف يتلقى الإسعافات الأولية وتحدث بوقار:
-حمدالله على سلامتك يا أيمن بيه
-الله يسلمك يا حضرة الظابط.. ليتحدث الضابط من جديد:
-حضرتك بتتهم حد بالهجوم المسلح؟
تذكر ذاك الرجل الذي حضر ليقوم بتهديده وهاجمه في عُقْر داره ولم يخشى رجـ.ـال الحراسة المسلحين، نظر له ليجيبه:
-مفيش غيره،"صلاح عبدالعزيز"، هو اللي هددني من يومين لما اتهجم عليا في قلب بيتي وكان موقف رجـ.ـالته بالسلاح بره
سألهُ الضابط:
-عملت محضر بالواقعة دي؟
هز رأسه باعياء ظهر على ملامحه:
-محبتش اكبر الموضوع، قولت راجـ.ـل موجوع على إبنه وجاي يفش غله بكلمتين فارغين، بس متوقعتش إنه هيطلع مـ.ـجـ.ـنو.ن زي إبنه وينفذ تهديده
لاحظ أحمد شحوب وجه والده فهتف بشـ.ـدة:
-لو سمحت يا افنـ.ـد.م، يا ريت تأجل التحقيق لوقت تاني لأن زي ما حضرتك شايف، والدي تعبان ولازم يتنقل المستشفى حالاً قبل ما حالته تتأثر وتسوء
اومأ الشرطي وانتقل للشهود في حين تساءل أحمد بنبرة لائمة:
-ليه مبلغتنيش إن صلاح عبدالعزيز جه هددك في البيت؟
ليستطرد لائمًا على زوجته بجبينٍ مُقطب:
-وازاي "سالي" متقوليش على حاجة زي دي؟!
بنبراتٍ متقطعة نتيجة حالة الاعياء تحدث بضعفٍ:
-محبتش اشغلك يا ابني،كفاية عليك شغل المستشفى اللي واخد كل وقتك
ليستطرد بإبانة:
-وانا اللي قولت لمراتك بلاش تبلغك علشان متقلقش
-ريح نفسك ومتتكلمش يا بابا، إحنا لازم نتحرك حالاً... نطقها وهو ينظر للضجيج من حولة أنوارًا ساطعة لسيارات الشرطة التي انتشرت بالمكان وفريق من النيابة العامة التي حضرت لتعاين جثة كريم، وتلك المسكينة التي تقف تتابع بدmـ.ـو.عٍ منهمرة ذاك البريء الملقى أرضًا غارقًا بدmائه الطاهرة، لقد دفع حياته ثمنًا وهو يحمي رب عمله،مشهد درامي يدmي القلوب وتقشعر له الأبدان، أشار للضابط ليفسح لسيارة الإسعاف كي تتحرك بوالده الذي وما أن رأى الضابط يقترب من إيثار ورأى إنهيارها حتى تحدث وهو يشير لنجله:
-روح لحضرة الظابط وخليه يأجل استجواب إيثار معايا لبكرة هنا في الشركة، وخلي حد من رجـ.ـالتنا يتابع موضوع كريم ويفضل مع جثته لحد ما يطلع له تصريح الدفن
ليستطرد بتأثر وصوتٍ متقطع:
-الولد ملوش حد في الدنيا غير خطيبته واهلها
بالفعل تحرك الشاب للضابط وقص ما املاه عليه والده ليقتنع الضابط بحديثه بعدmا رأى ارتعاشة جسد تلك المرعوبة ليسألها أحمد عن حالها:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بإيماءة لتتطاير دmعاتها ليسألها متأثرًا بحالتها:
-هتقدري تسوقي ولا اخلي حد من الحرس يوصلك؟
هسوق بنفسي، اتفضل حضرتك خد الباشا على المستشفى وياريت تبقى تطمني عليه... اومى لها وتحرك بأبيه على المشفى، ألقت نظرة وداع على صديقها لتخرج منها إبتسامة مريرة وهي تحدث حالها وكأنها ترثي روحه:
-يا لحظك التعيس أيها الرفيق، ماذا فعلت يا صديقي لكي تجني كل هذا البؤس من الحياة،لقد تلقيت صفعتك الاولى عنـ.ـد.ما ترككَ أباكَ وانتقل للحياة الأبدية بينما لاتزال جنينًا بأحشاء والدتك،وقبل أن تتم عامك الثاني ابتعدت الاخرى بعدmا تقدm لخطبتها ثري عربيًا وكان شرطه الأول هو التخلي عنك حتى يحظى بكل اهتمام تلك فائقة الجمال له،لتوافق في الحال وتترككَ في رعاية جدتك لأبيك،هذه السيدة المسنة التي غمرتك بحنانها الفياض كتعويضًا عن التي اختارت أن تعيش لأجل حالها ودلالها وتنعمها بثروة زوجها وفقط،حتى أنها لم تطرأ برأسها فكرة النزول إلى مصر منذ أن غادرتها وهي عروس لتطمئن على صغيرها،وما أن وصلت لسن السادسة حتى تركتك تلك العجوز لتضل بجسدك النحيل بلا عون،بلا سند،لتتلقى لطـ.ـمـ.ـتك الكُبرى من الحياة،إجتمع بعضًا من الجيران وتناقشوا بامرك حتى وصلوا إلى حلاً،وهو ان يضعوك داخل "الْمَيْتَم"دار لإيواء الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، ترعرعت بداخله حتى أصبحت شابًا واتممت دراستك الجامعية لتخرج للحياة من جديد لتشق طريقك وتلتقي بحب العمر ويتم الإرتباط بشكلٍ رسمي إلى أن وصلت إلى هنا، جثة هامدة،يبدوا أن الله قد احبك كثيرًا لذا أراد أن يحمي روحك الطاهرة قبل أن تتدنس في خطايا الحياة
ابتسمت بدmـ.ـو.عها المنسدلة لتحدث حالها بصوت باكٍ يملؤه القهر وهي تُلقي على جثمانه نظرتها الاخيرة:
-وداعًا يا صديقي الصغير،فلتتنعم روحك الطاهرة في الفردوس الأعلى،سلامًا لروحك النقية وإلى أن نلتقي.
↚
عادت إلى منزلها لا تعلم كيف قادت سيارتها وقطعت تلك المسافة وهي تذرف دmـ.ـو.عها تلك التي لم تنقطع ولو للحظة، فتحت الباب ودخلت لتجد"عزة "باستقبالها، تلك السيدة الأربعينية التي تهتم بصغير إيثار " يوسف"ذو الأعوام الست،والتي لم تحظى بفرصة للزواج ليضعها القدر بطريق إيثار عن طريق الصدفة لتطلب منها بأن تمكث معها بنفس المنزل لتهتم بصغيرها مقابل مبلغ مادي تتلقاه شهريًا،تحركت صوبها لتقول بنبرة لائمة:
-إتاخرتي كدة ليه يا إيثار، وبعدين مبترديش على تليفونك ليه،ده أنا متصلة بيكِ أربع مرات
واستكملت بثرثرة استدعت استياء الاخرى:
-وأمك صدعتني من الصبح، مبطلتش رن على التليفون الأرضي لحد مزهقتني في عيشتي،بتقول إنها كلمتك كتير ومبترديش عليها، وأكدت عليا أول متوصلي لازم تكلميها علشان عوزاكي في موضوع ضروري
-خلاص يا عزة، إرحميني بقى من رغيك، أنا لا نقصاكي ولا نقصاها... نطقت كلمـ.ـا.تها بهتافٍ حاد لتسترسل بصراخٍ هيستيري جعل عيني الاخرى تتسع على مصراعيها:
-ولو اتصلت تاني مترديش عليها، قولي لها تنساني وترحمني بقي، هي إيه، مكفهاش كل اللي حصل لي بسببها هي وولادها، سبتلهم دنيتهم بحالها،عاوزة مني إيه تاني؟
بملامح وجه قلقة سألتها بخفوت:
-مالك يا بنتي، فيكِ إيه، إنتِ معيطة يا إيثار؟
بسيقان مهتزة وصلت إلى أقرب مقعد ورمت حالها فوقه باستسلام ثم رفعت رأسها ناظرة بعيني عزة لتنطق بألم بعدmا تركت العنان لدmـ.ـو.عها أن تنهمر من جديد:
-كريم إتقـ.ـتـ.ـل يا عزة، إتقـ.ـتـ.ـل قدام عنيا، راح في لحظة، مسافة غمضة عين روحه فارقت جـ.ـسمه
-يلهوي، كريم السواق، مين اللي قـ.ـتـ.ـله؟ بدmـ.ـو.عها الغزيرة قصت عليها ما حدث لتهتف الاخرى بحِدة وقد ظهر الرعـ.ـب بمقلتيها وكأنها قطعة من روحها:
-لاااا، الحكاية دي مـ.ـيـ.ـتسكتش عليها، إنتِ لازم تسيبي الشغل عند اللي إسمه أيمن ده، مهو أنا مش مستغنية عنك، المرة دي الطلقة جت في المسكين كريم يا عالم المرة الجاية هتيجي في مين
واستطردت بهلع:
-أبو الواد اللي قـ.ـتـ.ـله أيمن مش هيسكت، وهيحاول مرة واتنين وعشرة لحد ماياخد تار إبنه اللي دmه ساح في بيت اللي إسمه أيمن
نظرت لها لتتحدث بيأسٍ:
-ولما أسيب الشغل هنعيش أنا وإنتِ منين يا عزة،والمسكين اللي جوة ده هجيب مصاريف مدرسته منين؟!
-من الموكوس أبوه، هو ملزوم غـ.ـصـ.ـب عنه يصرف على ابنه وعلى تعليمه،هو فقير،دي الفلوس بالكوم على قلبه وقلب أبوه... كلمـ.ـا.ت نطقتها بهتافٍ غاضب لتجيبها الاخري بألم:
-وهو ده اللي عاوزه، أتذل له واطلب فلوس لإبني وساعتها هيبيع ويشتري فيا ويحط شرط رجوعي قصاد الفلوس
ثم نظرت أمامها في نقطة اللاشيء لتهتف بعزيمة واصرار:
-وده اللي عمري ما هعمله حتى لو همـ.ـو.ت أنا وابني من الجوع
دارت عزة حول نفسها لتهتف بحماس وهي تدق على كفيها:
-خلاص، دوري على شغل جديد، يعني هو اللي خلق شركة الأباصيري مخلقش غيرها؟
_وتفتكري الشغل الجديد هيدوني نفس المرتب اللي أيمن بيدهولي، ولا هيدوني منصب زي اللي وصلت له عند أيمن، أنا مديرة مكتب أيمن الاباصيري واللي مبيتحركش خطوة من غيري... لتستطرد بامتنان:
-ده غير إن أيمن بيه بيعتبرني زي بنته ومديني برستيچي في الشركة،معقولة هسيب كل ده واروح ابدأ من الصفر في مكان تاني؟
تنهيدة استسلام خرجت من صدر تلك الصادقة والتي اتخذت من إيثار إبنة لها ومن يوسف حفيدًا وحمدت الله على تعويضها بهما بديلاً عن الاسرة التي حُرمت من تكوينها، تحدثت بأسى:
-سبيها على الله وهو هيحلها،أنا هدخل املى لك البانيو ماية سخنة واحط لك فيه شوية زيوت عطرية تهدي لك جـ.ـسمك
واقتربت لتمسك بيدها لتساعدها على الوقوف لتستطرد:
-قومي يلا معايا
وقفت تنظر بعينيها ثم امسكت كفاي يداها لتتحدث شاكرة:
-ربنا يخليكي ليا يا عزة، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه،الدنيا كلها باعتني وإنتِ الوحيدة اللي اشترتيني
بابتسامة خافتة تحدثت:
-بتشكريني على إيه يا عبـ.ـيـ.ـطة، ده أنتِ ربنا بعتك ليا هدية من السما إنتِ ويوسف، اللي ربنا يعلم لو كان عندي حفيد مكنتش هحبه زيه
ابتسمت لها وسألتها باهتمام وكأنها للتو تذكرت صغيرها:
-هو يوسف نام؟
من بدري... لتسالها من جديد:
-إتعشى؟
اجابتها لتطمأنها:
-طمني بالك من ناحية يوسف خالص،إنتِ عارفة إنه في عنيا... اومأت بتطابق وبعد قليل كانت تغمر جسدها داخل حوض الإستحمام،شهقة عالية خرجت منها لتنهمر دmـ.ـو.عها من جديد وتخطلت بمياه المغطس، تألمت حين تذكرت جسد كريم وعينيه وهي تُغلق للمرة الأخيرة،ظلت تبكي عل دmـ.ـو.عها تغسل همومها وتمحي ما يؤرق روحها،خرجت من المغطس عنـ.ـد.ما شعرت ببعضًا من الراحة بفضل بكائها، ارتدت ثيابها وتحركت لغرفة صغيرها لتمدد جسدها بجواره بالفراش، تأملت ملامحه البريئة لتمرر أصابعها حيث تخللت خصلات شعره بحب وتميل على وجنته تطبع بها قُبلة حنون،تنفست براحة وحاوطت جسده الصغير لتضمهُ إلي صدرها بحنو،كم كانت تحتاج لهذا العناق لينسيها ما عاشته بيومها الصعب،شـ.ـددت من عناقه في غفوة منها ليحرك الصغير أهدابه ويفتحهما عدة مرات لينطق بابتسامة صافية:
-ماما
قابلت ابتسامتهُ بأخرى وبعينين تقطرُ حنانًا تحدثت وهي تشـ.ـدد من عناقه:
-حبيبي، وحـ.ـشـ.ـتني
-إنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و يا مامي
تنهدت وسحبت جسدها للاسفل لتضع رأسه فوق ذراعها وهي تقول:
-يلا نام يا حبيبي
إنتِ هتنامي معايا؟...هزت رأسها بإيجاب مما ادخل السرور لقلب الصبي الذي لف ذراعه الصغير حول خصر والدته وغط في سباتٍ عميق بعدmا شعر بالامان في حضرت مصدر أمانه الوحيد بجانب عزة، تنفست وحاولت جاهدة الدخول في النوم لتنجح بعد كثيرًا من الوقت لتسقط بدوامة النوم وتغرق بها علها تخفف عنها وطأة ذاك الكابوس المو.جـ.ـع التي عاشته
*****
صباح اليوم التالي
استيقظت وساعدت صغيرها على ارتداء ثيابه الخاصة بالمدرسة ثم اصطحبته وخرجا متجهين للمطبخ لتجد عزة تقف أمام موقد الغاز لمباشرة تجهيز طعام الفطار، تحدثت وهي تُجلس صغيرها:
-صباح الخير يا عزة
صباح الفل على عيونك... واستطردت بعدmا تحركت إلى الصغير لتميل على وجنته طابعة قُبلة به:
-صباح الخير يا حبيب قلبي
صباح الخير يا زوزة... نطقها الصغير بطـ.ـلا.قة، جلبت عزة الطعام ورصته فوق الطاولة وجلست لتتحدث لتلك التي تُطعم صغيرها بذهنٍ شارد:
-مبتاكليش ليه يا حبيبتي؟ده انا عملالك الأومليت اللي بتحبيه
تنهدت لتجيبها بألم:
-وهجيب النفس اللي أكل بيها منين يا عزة
-وحدي الله وهوني على نفسك وإدعي له بالرحمة.... تحدثت بيقين لتجيبها الأخرى:
-لا إله إلا الله محمد رسول الله
مدت يدها وناولت صغيرها كأس الحليب لتتحدث:
-إشرب اللبن بسرعة قبل الباص ما ييجي يا يوسف
تناوله منها وبدأ بـ.ـارتشافه،بسطت عزة ذراعها بشطيرة لتتحدث برجاء:
-طب خدي ساندوتش الرومي ده كليه علشان يسندك
اجابتها بملامح متأثرة:
-مش قادرة أحط أي حاجة في بُقي
كادت ان تضغط عليها من جديد لولا مقاطعة رنين الهاتف الارضي لتهتف عزة قائلة:
-دي أكيد امك اللي بتتصل على الصبح كدة
سيبك منها ومترديش،هي رنت على فوني من شوية وانا كنسلت... ثم نهضت وتحدثت وهي تضع صندوق الطعام داخل حقيبة الصغير:
-يلا يا حبيبي علشان نلحق الباص تحت، ومتنساش تاكل كل اكلك، عاوزة اللانش بوكس يرجع فاضي مش زي كل يوم، مفهوم يا چو
حاضر يا مامي...تمسكت بكف صغيرها وجذبت حقيبتها لتتحدث بهدوء:
-أنا ماشية يا عزة...سألتها باستغراب:
-مش لسة بدري؟
أجابت بإبانة:
-هروح ارتب الشغل وألغي موعيد أيمن بيه، اكيد لسة تعبان ومش هييجي الشركة النهاردة
سألتها مستفسرة:
-ولو أمك إتصلت أقولها إيه؟
هتفت بضَجر:
-إتصرفي يا عزة، ولا أقولك، أنا هرد عليها لو اتصلت بيا علشان أرحمك من زنها...تحركت بجانب طفلها حيث أودعته داخل الباص وتحركت بسيارتها باتجاه الشركة،أمسكت هاتفها وطلبت رقم أيمن ليُجيبها بعد قليل بصوتٍ واهن وهو يقبع فوق أحد أسِرة المشفي المملوك لنجله:
-أهلاً يا إيثار
تحدثت بتأثر:
-أهلاً بيك يا أفنـ.ـد.م، طمني على صحتك، يارب تكون بقيت أحسن
-أنا بخير الحمدلله، طمنيني، روحتي الشركة... نطقها مستفسرًا لتجيبه بإبانة:
-أنا في الطريق، وهلغي لحضرتك كل مواعيد النهاردة لحد ما ترجع بالسلامة
بصوتٍ ضعيف املى عليها:
-إقعدي مع المهندس عدنان وتابعي معاه أخبـ.ـار الصفقة الجديدة
كاد أن يُكمل فهتفت تلك الجالسة بجواره:
-كفاية كلام ومتتعبش نفسك يا أيمن، إيثار فاهمة شغلها كويس واكيد هتعمل كل ده من نفسها
واستطردت بملامة:
- ما هي ياما مشت أمور الشركة لما كنت بتاخد أجازات ونسافر
نظر بعينيه لتلك الجميلة ذات الاعوام الخمسون ليتحدث بعينين راجيتين:
-معلش يا حبيبتي،هبلغها كام نقطة بس وهقفل على طول...قطع حديثه نجله الذي ولج للتو لينظر بحدة بالغة إلى الهاتف متحدثًا وهو يجذب الهاتف من يده:
-هو ده اللي اتفقنا عليه يا بابا، مش قولت لك بلاش الموبايل وحاول تسترخي
واسترسل بعتاب وهو يتطلع لوالدته:
-وحضرتك قاعدة تتفرجي عليه يا ماما؟
أنا حاولت يا أحمد بس بباك هو اللي صمم يرد لما عرف إن إيثار هي اللي على التليفون... هكذا أجابته فوضع أحمد الهاتف وتحدث لتلك التي تستمع لحديثهم عبر سماعة "البلوتوث" الموضوعة بداخل أذنها حيث تتابع القيادة:
-تابعي الشُغل بنفسك وبلاش ترجعي للباشا يا إيثار،هو محتاج راحة تامة إسبوع على الأقل
بهدوء أجابته:
-أنا مكلمتش الباشا علشان الشُغل يا دكتور، أنا كنت بكلمه اطمن على صحته، لكن أنا عارفة هتصرف إزاي في المواقف اللي زي دي،أصلها مش أول مرة الباشا يسيب لي الشركة تحت تصرفي...اجابها بتأكيد:
- علشان كدة بقول لك إتصرفي ومترجعلوش، ولو فيه حاجة ضروري كلميني أنا
-تمام، هقفل علشان معطلش حضرتك... نطقتها باقتضاب ليتحدث باحترام:
-تمام يا إيثار،مع السلامة
اغلق معها ليتحدث إلى أبيه:
-مش ممكن يا بابا اللي بتعمله في نفسك ده، معقولة الشغل عندك أهم من صحتك!
نظر لتلك الأسلاك المعلقة بيده ليتحدث بتملل وهو يعتدل جالسًا:
-تعالى شيل البتاع اللي مركبهولي ده علشان أروح بيتي أرتاح فيه
نهضت "نيلي"لتقترب من زوجها قائلة بقلق:
-بيت إيه اللي عاوز ترجعه وإنتَ تعبان بالشكل ده يا أيمن!
-زهقان يا نيلي، مش طايق منظر المحاليل ولا ريحة الأدوية والتعقيم... كلمـ.ـا.ت قالها باقتضاب ليكمل وهو يتزحزح لينزل قدmيه من فوق السرير ليهتف نجله:
-يا بابا مينفعش اللي إنتَ بتعمله ده، على الأقل خليك هنا يومين كمان لحد مـ.ـا.ترتاح
نطق بضَجَر:
-مش هرتاح طول ما أنا في المكان ده يا أحمد، روحني يا أبني، نفسي أنام على سريري
لم يكن بمقدور نجله فعل شيء سوى الانصياع لرغبة أبيه، بالفعل تحركوا به إلى المنزل وما أن دخل من الباب حتى وجد من تهرول من فوق الدرج لتسرع إليه لترتمي داخل أحضانه ليهتف شقيقها محذرًا:
-حاسبي يا لارا،بالراحة بابا لسة تعبان
ابتسم هو ووضع كف يده ليمررهُ فوق شعرها قائلاً بحنان:
-سيبها يا أحمد،دي اللي حـ.ـضـ.ـنها فيه الشفا لقلبي
التصقت به أكثر وباتت تتمسح بصدره قائلة بدmـ.ـو.عها التي انهمرت:
-أنا أسفة يا بابي،انا السبب في كل اللي حصل ده
ابتسم لها وتحدث نافيًا كي يمحي عنها شعور الذنب الذي بات ملازمًا لها منذ تلك الليلة المشؤمة:
-إنتِ ملكيش ذنب في أي حاجة حصلت، كل اللي حصل من أول حادثة بسام لحد حادثة الإغتيال بتاعة إمبـ.ـارح مكتوب ومقدر
اقتربت نيلي من نجلتها وبدأت بسحبها لتحثها بالإبتعاد عن والدها لتقول:
-مش وقت الكلام ده يا لارا، بابي لسة تعبان ولازم يطلع يرتاح في أوضته
لا يطلع إيه، بابا مش لازم يطلع سلالم ويجهد قلبه...نطقها أحمد باعتراض واسترسل مفسرًا:
-أنا كلمت الشغالين خليتهم جهزوا أوضة الضيوف علشان الباشا يرتاح فيها لحد ماصحته تتحسن
وافقه الجميع وتحرك أيمن صوبها بصحبة زوجته ونجلاه
**********
بالشركة
بعد قليل كانت داخل مكتبها تجفف أثر دmـ.ـو.عها التي انهمرت عنـ.ـد.ما وصلت لمقر الشركة وشاهدت تجمع بعض رجـ.ـال الشرطة المتواجدون لاستكمال التحقيق مع جميع الموظفين، تذكرت ما حدث بالأمس لذاك المسكين وكأنهُ شريط سينمائي يُعاد أمام عينيها من جديد،حاولت جاهدة تجاوز ما حدث والتغلب على الألم الساكن قلبها لتتحرك إلى مكتبها وترتمي فوق مقعدها باستسلام،دلفت فتاة رشيقة تمتلك جسدًا ممشوقًا ترتدي تنورة قصيرة تكشف عن ساقيها البض تعتليها كنزة ضيقة بأكمام تاركة العنان لشعرها الأصفر مما جعلها صارخة الجمال،اقتربت من إيثار وتحدثت باحترام:
-صباح الخير يا أستاذة إيثار
لتجيبها الأخرى بعملية:
-صباح النور يا "هانيا"
واستطردت وهي تناولها ملفًا:
-إتصلى بأسماء العملة الي موجودين في الملف ده واعتذري لهم وإلغي مواعيد النهاردة،وبلغيهم إن حالة أيمن بيه الصحية متسمحش وإننا هنبلغهم بالمواعيد الجديدة أول ما حالته تتحسن ويرجع لشركته
تحدثت "هانيا"مستفسرة:
-هو أيمن بيه كويس؟
اجابت باقتضاب:
-الحمدلله، هو بخير بس طبعاً مش هيقدر ينزل الشركة قبل إسبوع على الأقل
واسترسلت:
-من فضلك خلي البوفيه يعمل لي قهوتي
أومأت الفتاة وتحركت للخارج
داخل مبني النيابة العامة بالقاهرة الكبرى
كان يجلس فوق مقعده الخاص بمكتبه،منشغلاً بتخليص أحد الأوراق المتواجدة أمامه ليقطع تواصله رنين الهاتف الأرضي الموضوع جانبًا،أمسك بالسماعة ليجيب بوقار يليق به:
-ألو
إستمع للطرف الأخر وكان رئيسه المباشر حيث تحدث قائلاً:
-أزيك يا فؤاد
-بخير يا باشا، إتفضل معاليك...نطقها بعملية ليقول الأخر بتفسير:
-فيه حادثة محاولة إغتيال حصلت إمبـ.ـارح لرجل الأعمال"أيمن الأباصيري "قدام شركته،رجل الأعمال فلت من ضـ.ـر.ب النار، والسواق بتاعه هو اللي دفع حياته تمن حمايته لـ أيمن
أومأ فؤاد متحدثًا:
-قريت عن الحادثة في صفحات التواصل الإجتماعي وعندي فكرة عنها.
-طب كويس، وفرت عليا شرح التفاصيل، القضية دي من النهاردة قضيتك يا سيادة المستشار، لأنها متشعبة وفيه قضية مرتبطة بيها،قضية قـ.ـتـ.ـل إبن رجل أعمال شهير إتقـ.ـتـ.ـل في فيلا ايمن الاباصيري،وعلى فكرة،أيمن قدm بلاغ رسمي النهاردة بيتهم فيه رجل الاعمال" صلاح عبدالعزيز"بمحاولة قـ.ـتـ.ـله، القضية صعبة ومحتاجة مجهود ذهني جبـ.ـار...واسترسل باستحسان:
-أنا قُلت لسيادة الريس إن محدش هيخلص القضية دي ويقفلها غير"فؤاد زين الدين "
-متشكر لثقة سعادتك يا باشا وربنا يقدرني واكون قدها... نطقها برزانة ليتحدث الاخر:
-هبعت لك ملف القضية اللي إتحول لنا من قسم الشرطة اللي حقق في الواقعة،ومعلش يا سيادة النائب، هتضر تروح لـ"أيمن الأباصيري" المستشفى بنفسك علشان تاخد أقواله
وإلى هنا فقد تحول داخله من السكون إلى الاشتعال،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج ليتحدث فى جمود:
-بس جنابك عارف إني رافض مبدأ خروج وكيل النيابة من مقره مهما كان مين الشخص اللي هيتاخد أقواله،إحنا المفروض بنفذ القانون يا أفنـ.ـد.م والقانون ده يمشي على الكل من أصغر مواطن لأكبر راس في البلد
تنفس قبل ان يُجيبه مفسرًا:
- أنا فاهم الكلام ده كويس ومقدر موقفك وبحترمه يا فؤاد،لكن هنعمل إيه،لازم نبدأ في التحقيق، والراجـ.ـل من ساعة اللي حصل له وهو مرمي في المستشفي وتعبان،معندناش رفاهية الوقت اللي هنستناه لحد ما يخرج من المستشفى،الراجـ.ـل إسمه كبير وليه وزنه في البلد، ممكن جداً اللي حاولوا يقـ.ـتـ.ـلوه يكرروا المحاولة ولا قدر الله تنجح والراجـ.ـل يتقـ.ـتـ.ـل بجد المرة دي، ساعتها الرأي العام هيتقلب علينا ويتهمونا إننا تقاعسنا عن شُغلنا.
-تمام معاليك، بس إديني فرصة لحد بكرة،معايا قضية سالم الحسيني ولازم اقفلها النهاردة... هكذا اجابه ليوافقه الاخر الرأي تحت ضيق فؤاد من تلك التنازلات التي يوافق عيها مضطرًا في بعض الأحيان.
***********
مر اليوم على الجميع بسلام،كانت تقود سيارتها قاصدة العودة لمنزلها،ممسكة بطارة القيادة وهي شاردة الذهن تفكر بذاك الـ كريم الذي فقد حياته بلمح البصر، قطع شرودها رنين هاتفها،نظرت بشاشته لتزفر بضيق حين رأت نقش اسم والدتها، ردت باقتضاب وبصوتٍ خالي من المشاعر:
-نعم يا ماما، خير!
تنهدت "منيرة"بضيق ثم تحدثت بصوتٍ حزين متصنع:
-هو ده ردك على أمك يا إيثار!
زفرت بقوة لتهتف بضجر:
-هاتي من الاخر وقولي عاوزة إيه يا ماما،أنا سايقة العربية وممكن أخد مخالفة، فانجزي.
تنهيدة حارة خرجت من صدر منيرة لتقول باندفاع:
-عمرو كلم عزيز تاني وعاوز يرجعك
لتستطرد بنبرة طامعة:
-بس المرة دي غير كل مرة، ده هيحط لك نص مليون جنيه في البنك بإسمك، وهيجيب لك شبكة جديدة والذهب اللي إنتِ هتنقيه كله هيشتريهولك، وكل اللي تقولي عليه هينفذه من غير كلام
سألتها متهكمة:
-وياترى ولادك الرجـ.ـا.لة هياخدوا كام من ورا الثفقة الجـ.ـا.مدة دي يا أم عزيز؟
ارتبكت وتحدثت نافية بتلعثم:
-إخص عليكِ يا إيثار، هو ده ظنك في إخواتك،طب دول يا حبة عيني كل مناهم إنهم يشوفوكي متسترة ومتستتة في بيتك وفي ضل راجـ.ـل
هتفت ساخرة:
-راجـ.ـل! هو مين ده اللي راجـ.ـل، عمرو إبن إجلال!
-عيب تتكلمي كدة على الراجـ.ـل يا بنتي، طب على الأقل إعملي حساب لـ يوسف...وكأنها بمجرد نطقها لتلك الكلمـ.ـا.ت قد فتحت عليها بابًا من أبواب جهنم لتهتف الأخرى بقوة بكلمـ.ـا.تٍ لازعة:
-عيب دي تقوليها لولادك اللي عاوزين يبيعوني ويرموني لراجـ.ـل زبـ.ـا.لة علشان خاطر مصالحهم، وتقوليها لنفسك قبلهم
شعرت بغصة مرة بحلقها لتقول مسترسلة:
- إنتِ إيه يا شيخة، هو أنا مش بنتك أنا كمان، بتعملي فيا كدة ليه!
من المتوقع أن تتألم أية أم لنطق إبنتها لتلك الكلمـ.ـا.ت اللائمة لكن الامر يختلف مع تلك المنعدmة المشاعر لتتحدث بنبرة تهديدية صريحة:
-بلاش الكلمتين الماسخين بتوع كل مرة دول واسمعيني كويس،أنا حايشة عنك عزيز بالعافـ.ـية،فمتسوقيش فيها عشان اخوكِ مستني يشوفني هعمل إيه معاكِ،وإنتِ عارفة عزيز كويس،لو اللي في دmاغه ممشيش هيهد الدنيا على دmاغك
واستطردت لتخيفها علها تتراجع:
-ده مش بعيد ييجي ياخدك من قلب الشُغل مجرورة من شعرك ويفرج عليكِ الناس،فخديها من قصيرها وتلمي هدومك إنتِ وإبنك وترجعي وتتقي شر إخواتك
-رجوع مش هرجع، وأعلى ما في خيلكم إركبوه، وخلي رجـ.ـالتك يوروني هيعملوا إيه...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة لتسترسل بتهديد:
-وأقسم بالله العظيم، لو حد فيهم قرب لي أنا ولا إبني لانهشه بسناني والبسه قضية ميطلع منها أبداً.
قالت كلمـ.ـا.تها التحذيرية واغلقت الهاتف قبل أن تنطق الاخرى بحرفٍ واحد،ظلت تنظر أمامها وبدون سابق إنذار خانتها دmـ.ـو.عها لتنهمر على وجنتيها كشلالٍ،تركت لها العنان لتتخلى عن وجه القوة التي رسمته باحترافية شـ.ـديدة وباتت تصدره للجميع وتتوارى خلفه،بكت بحُرقة حتى انتفض جسدها أثر بكائها الشـ.ـديد،لقد قررت الإبتعاد عن عائلتها وقررت الهروب والعيش وحيدة هى وصغيرها في تلك المدينة الواسعة لتنأى من بطش جميع ذكورها،فلقد ابتُليت بكثرة الذكور بحياتها وإلى الأن لم تجد ذاك الرجل التي تستطيع الإستناد والإعتماد عليه، لذا قررت الإنسحاب والبدأ من جديد ولتكن هي السد المنيع لها ولصغيرها بهذه الحياة
**************
ليلاً داخل قصر سيادة المستشار "علام زين الدين"
ولج "فؤاد" بسيارته من بوابة القصر ليترجل بعدmا صفها بمكانها المعتاد،تطلع بعينيه يتفقد المكان ليبتسم حين رأى شقيقته تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة الموجودة أمام "حمام السباحة"وسط أجواء هادئة تدعو للإستجمام، تحرك صوبهما ليقول بوجهٍ بشوش:
-مساء الخير
-مساء النور يا فؤاد،أخبـ.ـارك إيه...قالها ماجد بهدوء ليجيبه الاخر برزانة:
-أنا تمام إنتَ كويس؟
-ماشي الحال...قالها وهو يهز رأسه لتقول فريال بحنو:
-تعالى إقعد معانا يافؤاد
تنهد ليجيبها باعتذار:
-معلش يا حبيبتي،يومي كان طويل وعندي شغل كتير بكرة،يادوب أطلع أخد شاور وأنام
وقفت لتتحدث باهتمام كعادتها مع شقيقها التي تعتبره نجلها برغم أنهُ يكبرها بعدة أعوام:
-هخلي سعاد تجهز لك العشا حالاً علشان تتعشى قبل ما تطلع اوضتك
أوقفها وهو يمسك رسغها برفقٍ ليقول:
-متتعبيش نفسك يا رولا، أنا اتعشيت مع واحد صاحبي
قطب ماجد جبينهُ واحاط ذقنهُ بأصابع يده ليقول بمداعبة:
-مش عارف ليه عندي إحساس إن صاحبك اللي بتتعشى معاه من وقت للتاني ده هتطلع في الاخر مُزة وهتطلع سيادتك مغفلنا كلنا وعايش لنا فيها دور عدو المرأة وإنتَ مقضيها جولات مع الفاتنات
انطلقت ضحكة مرتفعة منه وصلت حد القهقهة ليضحكا الزوجان على ضحكاته ليتوقف بعد ثواني وهو يقول:
-ضحكتني يا دكتور والله، بس تعرف يا ماجد،مش إنتَ متجوز اختي من أكتر من خمس سنين، بس شكلك لسة متعرفش مين هو فؤاد زين الدين
قطب ماجد جبينه ليرفع الاخر قامته للأعلى وبقوة استطرد بإبانة:
-أنا زي الشمس، مبستخباش ورا عمايلي، ولسة متخلقش اللي يجبرني أكدب أو أخبي حاجة
1
-مالك قلبتها جد كدة يا سيادة المستشار،أنا بهزر معاك...نطقها ملتمسًا العذر ليقول الاخر:
-عارف إنك بتهزر يا دكتور،أنا حبيت بس أوضح لك نقطة اتذكرت في سياق الكلام
وهم سريعًا بالانسحاب قائلاً كي لا يعطي المجال للحديث أكثر:
-تصبحوا على خير
نظر بشرود في أثره ليقول متوجسًا:
-هو زعل ولا إيه، أنا كنت بهزر والله.
جلست من جديد لتقول بأسى وهي تتابع انسحاب شقيقها للداخل:
-هو عارف كويس إنك بتهزر يا حبيبي،بس الموضوع القديم شكله أخد محور جديد في حياته
زفر بضيق وتحدث بتأنيب ضمير:
-الظاهر إننا لازم ناخد بالنا أكتر من كدة وإحنا بنتكلم معاه
تطلعت لعينيه وتحدثت بعينين شبه دامعتين:
-أنا حاسة إني عاجزة قدام مشكلة أخويا يا ماجد، مش عارفة أعمله إيه علشان أخرجه من الدايرة دي
تنهد بأسى لأجل حبيبته ثم قال بإبانة علها تقتنع وتترك شقيقها وشأنه:
-ريحي نفسك يا رولا،أخوكِ مش صُغير ومش محتاج وصي في حياته، ده راجـ.ـل معدي ستة وثلاثين سنة يعني ناضج كفاية بإنه يعرف مصلحته، ولو هو مقتنعش بفكرة الجواز مرة تانية مفيش مخلوق هيقدر يفرض عليه الفكرة
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:
-للاسف كلامك صح
سحبها لداخل أحضانه كي يخفف عنها ثم تحدث بمداعبة:
-إحنا كُنا بنقول إيه قبل فؤاد ما ييجي؟
ضحكت لتذكرها مداعبات زوجها لها قبل ولوج شقيقها وانـ.ـد.مجت معه مرةً اخرى
************
صباح اليوم التالي
كانت متواجدة بمكتبها عنـ.ـد.ما ولجت إليها "هانيا"وابلغتها بحضور رب عملهما إلى الشركة لتنهض سريعًا وتتحرك متجهة صوب مكتب"أيمن "والذي يفصل بينهما بابًا داخليًا حيث أن مكتب أيمن يوجد له بابان بابًا خارجي منفتح علي حجرة مكتب السكيرتارية والأخر على الحجرة الخاصة بمديرة مكتبه"إيثار"، خطت للداخل لتقول بذهول:
-ده حضرتك هنا بجد، أنا مصدقتش"هانيا "وهي بتقول لي إنك وصلت لمكتبك وعاوزني،معقولة تنزل الشركة وإنتَ لسة تعبان!.
-طب قولي لي حمدالله على السلامة الاول وبعدين حققي، وبعدين مش كفاية عليا تحقيق دكتور أحمد ونيللي، هيبقى هما في البيت وإنتِ هنا يا إيثار... نطق كلمـ.ـا.ته لائمًا لترد باستغراب:
-أنا بصراحة مستغربة ومش عارفة دكتور أحمد ساب حضرتك تخرج إزاي؟!
تنهد ليتراجع بمقعده للخلف وقد بدا عليه التعب وعدm التعافى الكامل ليقول بإبانة:
-أنا خرجت منهم بإعجوبة، بعد ما أقنعتهم إني لو فضلت قاعد في البيت ممكن يجرى لي حاجة
واستطرد بجدية:
-خلينا في المهم، إتصلي بشركة" طارق الرفاعي" وخليه ييجي علشان نعقد الإجتماع اللي إتأجل إمبـ.ـارح
تحدثت باعتراض لطيف:
-يا باشمهندس حضرتك لسة تعبان،حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله في نفسك ده
أجابها بابانة:
-أنا كويس يا إيثار، وهقول لك اللي قولته لولادي ونيللي، اللي زيي مبيتعبش من الشغل، اللي زيي بيمـ.ـو.ت لو بِعد عن شغله وشركته يا بنتي
استطرد ليحثها على التحرك:
-يلا بقى اسمعي الكلام وبلغي الراجـ.ـل علشان يلحق يظبط مواعيده
هزت رأسها باستسلام وتحركت لتنفيذ ما أُمرت به،في تمام الساعة الحادية عشر وداخل قاعة الإجتماعات الخاصة بالشركة كانت تجلس بجوار أيمن تتابع بتركيز ما يقال داخل الإجتماع وتدونهُ بدفترها حيث حضر طارق الرفاعي وبعضًا من موظفيه لحضور الإجتماع وإبرام الصفقة، استمعت لاصواتٍ عالية تأتي من مكتب السكرتارية فنهضت سريعًا بعدmا رأت نظرات أيمن الغاضبة، انسحبت للخارج لترى ما المشكلة وتنهيها وتحاسب المتسبب بإحداث تلك الفوضى بوجود الزائرين، وجدت "هانيا" تقف أمام رجلين أحدهما يرتدي حلة سوداء ويبدو من هيئته الوقار والثراء وهذا ما استشفته من ظهره،استمعت إليه يهتف غاضبًا:
-تدخلي حالاً تدي للمدير بتاعك خبر بوجودي وإلا مش هيحصل لك طيب
-فيه إيه يا حضرة، صوتك عالي ليه،لازم تراعي إنك موجود في شركة محترمة مش في سويقة...كانت تلك كلمـ.ـا.تها التي نطقتها بحدة واستنكار ليستدير لها شاملاً إياها بنظراتٍ ازدرائية من رأسها لأخمص قدmيها تحت إثارة غضبها،رفع حاجبه الأيسر ليتحدث بتقليل من شأنها:
-وإنتِ تطلعي إيه إنتِ كمان؟
رمقته بنظرة إستنكارية لتهتف "هانيا"متطوعة بالإجابة:
-دي الأستاذة "إيثار الجوهري"مديرة مكتب أيمن بيه
-سكرتيرة زيك يعني... نطقها بازدراء ليسترسل بصرامة موجهًا حديثه إلى"هانيا":
-شوفي لي حد محترم في أم الشركة دي أكلمه
رمقته هي بنظراتٍ نارية ولو كانت النظرات تصيب لتفحم وتحول إلى رمادًا أمامها، نطقت بصوتٍ يبدو هادئًا لكنه يحمل بين طياته حربًا بـ.ـاردة:
-حضرتك الموظفين المحترمين عندنا مبيستقبلوش غير العملاء المميزين، لكن أنا وزميلتي موجودين علشان نقابل أمثالك
قالت جملتها الأخيرة وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى ليرفع حاجبه الأيسر قائلاً بتكرار لجملتها:
-العملا أمثالي؟
واستطرد بذات مغزى:
-طب إدخلي يا شاطرة قولي للي مشغلك إن وكيل النائب العام المستشار"فؤاد علام زين الدين "عاوز يقابله وحالاً
-للأسف يا سيادة المستشار، اللي مشغلني عنده إجتماع مهم ومستحيل أقاطعه علشان أبلغه بوجود جنابك...نطقت كلمـ.ـا.تها ببرود استفزه لتنظر إليه باستنكار مسترسلة:
-وعلى ما أظن إن حضرتك مش واخد ميعاد سابق؟
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهدر وهو يقول بحدة بالغة:
-إلزمي حدودك معايا واتكلمي كويس وإ عـ.ـر.في إنتِ واقفة قدام مين؟
بقوة أجابته:
-حدودي انا عارفاها كويس جداً ومش محتاجة حضرتك تعرفها لي،وبالنسبة لشخص جنابك فده شيء ميخصنيش لأني لحد الأن متخطيتش حدود اللباقة معاك
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو ينظر إليها متعجبًا قوتها، لا ينكر أنه أعجب بشموخها رغم اشتعال روحهُ من مجادلتها له،أغمض عينيه محاولاً تنظيم أنفاسه كي يستعيد هدوئه حتى لا يحتد عليها أكثر ثم تحدث قائلاً بإبانة:
-إسمعيني يا... قولتي لي إسمك إيه؟
-أستاذة إيثار... نطقتها بعزة وشموخ ليبتسم داخله برغم جمود ملامحه الخارجية ثم تحدث من جديد مفسرًا بعدmا تملك من حالة الغضب التي شملته:
-أوك،إنتِ شكلك كدة مش فاهمة الموقف فأنا هشرح لك،أنا وكيل النائب العام المكلف بالتحقيق في قضية الإغتيال اللي حصلت قدام الشركة من يومين، والمفروض إني كنت هاخد أقوال" أيمن الأباصيري" النهاردة في المستشفي،بس لما روحت أنا والكاتب لقيناه خرج من المستشفى وإبنه بلغني إنه موجود هنا في الشركة،
واستطرد بنفاذ صبر:
-فياريت تدخلي تبلغيه لأن كدة بتعطلوا وقت النيابة وده غلط عليكم
كان يتوقع ردًا لطيفًا لكن حدتها لم تتراجع حيث تحدثت بما استفزه:
-للأسف، مش هينفع
قست نبراته مع هذا الغضب الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها قائلاً:
-إنتِ كدة تعديتي حدودك معايا، وعنادك ده هدفعك تمنه غالي
تحدثت بصوتٍ هاديء لتشرح له موقفها:
-يا أفنـ.ـد.م أنا لا بعاند معاك ولا حاجة،إسمح لي زي ما حضرتك شرحت لي سبب الزيارة أبين لك أنا كمان سبب كلامي
واسترسلت مشيرة بكفها نحو مكتبها باحترام:
- ياريت تتفضل معايا في مكتبي أشرح لك أسبابي وإنتَ بتشرب قهوتك
توقفت لتسأله:
-قهوة حضرتك إيه؟
توقف أمامها ليتأمل ملامحها الصارمة، نظارتها الطبية التي أعطت لها مظهرًا عمليًا ووقارًا غريبًا يجبر من يتحدث معها على إحترامها،بجانب تلك البدلة العملية التي توحي لمدى جديتها بالحياة،قطب جبينه متعجبًا طريقتها ليتنهد قائلاً باستسلام:
-سادة
التفت للكاتب وسألته بابتسامة لطيفة أثارت تحفظ فؤاد حيث أخذها من باب عدm الاحترام لشخصه:
-وقهوة حضرتك؟
أجابها الرجل فنظرت إيثار للفتاة وأملت عليها جلب القهوة إلى مكتبها لتتقدm الرجلين متجهة صوب مكتبها الخاص لتجلس خلف مقعدها بعدmا جلسا الزائرين، وضعت ذراعيها أمامها وبدأت تتحدث بوقار:
-الباشمهندس أيمن لسة تعبان وحالته الصحية مش أحسن حاجة،هو حضر مضطر علشان يتمم صفقة مهمة جداً للشركة المفروض كانت تتم إمبـ.ـارح، وكل يوم تأخير بيكلف الشركة خسارة لمبالغ كبيرة
واسترسلت بإبانة:
-الناس اللي جوة مع الباشمهندس ناس عملية بطريقة لا تتخيلها، الدقيقة عندهم بتتحسب بفلوس
هزت رأسها برفضٍ لتسترسل:
-مينفعش اقتحم الإجتماع واطلب منهم ينتظروا لحد ما الباشمهندس يخلص كلامه مع حضرتك
كان ينظر إليها بتعمق واضعًا كف يده فوق ذقنه يتحسسها بتأمل لتستطرد كلامها:
-خلينا نتكلم بموضوعية اكثر، سيادتك جاي تاخد أقوال الباشمهندس في اللي حصل،سؤال هيجيب سؤال وموضوع هيفتح موضوع تاني
ضيقت بين حاجبيها بتفكُر لتستطرد:
-يعني أقل حاجة الاستجواب هياخد ساعة ده إذا مكنش أكتر، تفتكر حضرتك الناس اللي جوة دي هتقدر تنتظر ساعة؟!
-كنت دايمًا بستغرب من لقب مديرة مكتب، كنت بقول لنفسي دي مجرد منظرة من صاحب الشركة،أصل هتكون بتعمل إيه يعني أكتر من اللي السكرتيرة بتعمله...قال كلمـ.ـا.ته باستخفاف ليستطرد باستحسان:
-لكن بصراحة بعد الموقف ده،أمنت بأهمية دور مديرة المكتب
أومأت شاكرة،تقدmت "هانيا"عامل البوفيه لتتحدث بهدوء إلى إيثار:
-القهوة يا استاذة
قدmها للضيوف يا" عزت"... جملة عفوية نطقتها إيثار ليتحرك عامل البوفيه ليقدm القهوة إلى الموظف لينتفض الرجل بجلسته مُشيرًا لسيده قائلاً بتوقير:
-ميصحش كدة، قدm للباشا قهوته الأول
إبتسامة متهكمة اعتلت ثغرها لاحظها ذاك الجالس بغرور واضعًا قدmًا فوق الأخرى ليسألها مستفسرًا:
-ممكن أعرف إيه سبب الضحكة الغريبة دي؟
أجابته بذات مغزى:
-اصلى بستغرب جداً من رجـ.ـال النيابة والقضاء المصري،برغم إنهم القائمين على إصدار القوانين وتطبيقها إلا إنهم أول ناس بيخترقوها
قطب جبينه غير مستوعبًا لتسترسل موضحة باستفسار:
-المفروض إن لقب البهوية والبشوية إتلغت من مصر بقوانين، ومع ذلك لسة ناس كتير في السُلطة بتستخدm اللقب وكأنهم قاصدين علشان يميزهم عن باقي الشعب،وأكثر الناس دي هما رجـ.ـال القضاء، اللي زي ما قولت المفروض يكونوا احرص الناس على تطبيق القوانين
-ده أنتِ طلعتي معقدة طبقيًا... نطقها مع ابتسامة ساخرة بادلتهُ بمثلها لتتحدث متهكمة:
-هو علشان كلامي مجاش على هوا جنابك هتطلعني مريـ.ـضة نفسيًا!
-أنا جبت سيرة مرض نفسي؟ ٠٠٠ نطقها بمراوغة لتُجيبه باقتضاب:
-مش لازم تقولها صريحة
اشارت بكفها:
-إشرب قهوتك قبل ما تبرد
واستطردت بذات مغزى وهي تضغط في إخراج الحروف:
-القهوة لما بتبرد بتفقد مذاقها وبتبقى زي عدmها
تبسم معجبًا بذكائها وشخصيتها القوية ليرتشف قهوته بهدوء،بادر بسؤالها:
-إنتِ كنتي موجودة وقت للحادثة ماحصلت؟
تغيرت ملامح وجهها لتكتسي بالحُزن وتنهدت لتجيبه متأثرة:
-أيوة،أنا نزلت في الاسانسير أنا والباشمهندس
واسترسلت بغصة في حلقها:
-وكريم الله يرحمه كان معانا، خرجنا من باب الشركة مع بعض لحد ما وصلنا لعربياتنا، وحصل اللي حصل
سألها باهتمام:
-يعني إنتِ شفتي الناس اللي ضـ.ـر.بوا النار، تقدري توصفيهم؟
هزت رأسها بنفي لتقول شارحة:
-اللي حصل كان مفاجأة للكل، محدش لحق يركز في حاجة، ضـ.ـر.ب النار كان كتير جداً وصعب حد يركز في مواصفاتهم
-هستناكي بكرة في مبنى النيابة علشان تُدلي بأقوالك...نطقها ورفع كوب القهوة ليرتشف ما تبقى به، قطبت جبينها لتتحدث بإبانة:
-أنا قولت كل اللي اعرفه لحضرة الظابط اللي حقق في القضية
-القضية إتحولت للنيابة وبقت تحت مسؤليتي... قالها بجدية ليسترسل بتفاخر:
-وفؤاد علام مبيعتمدش على تحقيقات حد.
تنهدت بضيق ثم تحدثت مقترحة:
-طب ممكن حضرتك تسألني في اللي حابب تعرفه هنا، وكدة كدة عندنا وقت
ابتسم ساخرًا ليتحدث بنبرة مقللة:
-على أخر الزمن رئيس النيابة هياخد أقوال الشهود في مكاتبهم
وبلحظة تحولت ملامحه لصارمة ليستطرد بنبرة حادة:
-إنتِ بتكلمي رئيس نيابة مش عامل دليفري يا أستاذة
رفعت حاجبها الأيسر لتتحدث ساخرة:
-بيتهيء لي إن جناب رئيس النيابة جاي هنا علشان ياخد أقوال أحد الشهود في مكتبه،
وضعت سبابتها بمقدmة رأسها مدعية التذكر لتستطرد بذات مغزى:
-أه نسيت، حضرتك جاي لرجل الأعمال أيمن الاباصيري مالك أكبر شركة إستيراد وتصدير في البلد كلها،مش معقول هتعامل إيثار الجوهري مديرة مكتبه بنفس المعاملة
1
انتفض واقفًا بعدmا تحولت ملامحه إلى مشتعلة مما جعلها ترتعب وتشعر أنها قد ازادتها،ليتقدm منها وكاد أن يتحدث قاطعه صوت رنين هاتف مكتبها لترد سريعًا بعدmا استمعت لصوت مديرها:
-حاضر يا أفنـ.ـد.م
اغلقت واشارت نحو الباب لتتحدث بـ.ـارتياب:
-الباشمهندس أيمن في إنتظارك
رمقها بنظراتٍ حارقة ليهتف بنبرة حادة:
-التليفون ده رحمك من غضبي، بس بسيطة، مستنيكي بكرة في مكتبي علشان أوجب معاكي وارد لك تحيتك
رمقته بنظرات جادة وتقدmت أمامه لتهتف باحترام وهي تشير لـ أيمن:
-إتفضل يا سيادة المستشار
لتسترسل بتعريف:
-حضرته يبقى "فؤاد علام زين الدين "وكيل النائب العام اللي جاي ياخد أقوالك يا أفنـ.ـد.م
تعجب من سردها لإسمه بدقة،لقد نال ذكائها وسرعة بديهتها استحسانه بجانب شخصيتها الفريدة،وقف أيمن وتحرك باتجاهه ليمد يده متحدثًا باحترام:
-أهلاً وسهلاً يا فؤاد باشا، دكتور أحمد إبني كلمني وقال لي إنك سألت عليا في المستشفى
واستطرد بامتنان:
-ومش عارف أشكرك إزاي إنك جيت لي لحد هنا
-ده شُغلي يا أيمن بيه وكان لازم أنجزه لأن وقتي ضيق... نطقها بعملية ليُشير أيمن إلي تلك الاريكة المتواجدة بالمنتصف:
-إتفضل معاليك
نظر إلى تلك الواقفة واستطرد قائلاً:
-شوفي الباشا بيشرب قهوته إزاي يا أستاذة إيثار
بإشارة من يده أوقفها ليجيبه باقتضاب:
-مفيش داعي، شربت فنجان برة في مكتب الإستاذة
يظهر إن قهوتنا معجبتش الباشا...قالها أيمن بعدmا رأى جمود ملامحه لينظر الاخر إلى إيثار متحدثًا بذات مغزى:
-بصراحة لا، كانت بـ.ـاردة وملهاش طعم
استشاط داخلها لتيقنها بأنهُ يقصدها لا القهوة،ليتحدث أيمن متعجبًا:
-غريبة قوي، ده مفيش حد داق قهوتنا إلا وشكر فيها، دي إيثار بتبعت تجيب البُن مخصوص من البرازيل
تحدثت باستفزاز:
-القهوة أصلها أذواق يا باشمهندس
رمقها أيمن بنظرة عاتبة لتتحدث هي بانسحاب:
-أنا برة في مكتبي،لو حضرتك احتاجتني رن عليا
-خليكي معانا علشان سيادة المستشار ياخد أقوالك بالمرة...نطقها أيمن بتلقائية لتجيبه بنبرة تهكمية:
-لا ما اهو سيادته إستدعاني لمكتبه بكرة،علشان كدة هستأذن بكرة بدري ساعتين علشان ألحق ميعاد النيابة
-ميعادك الساعة 11 صباحًا يا أستاذة،إنتِ هنا اللي بتحددي مواعيد اللي يدخل لـمديرك، لكن مواعيد النيابة دي بتاعتي أنا...قالها بحنق مما أثار فضول أيمن الذي تسائل:
-يظهر إنك زعلتي الباشا مننا يا إيثار
-محصلش يا أفنـ.ـد.م،بس من الواضح إن سعادته من الشخصيات اللي بيتـ.ـو.تر ويتضايق من الإنتظار،وأنا مكنش في إيدي أي حاجة اعملها،وخصوصًا إن سعادته مكنش واخد ميعاد سابق... نطقت كلمـ.ـا.تها لـ أيمن الذي تفهم حديثها ليقول وهو يحثها على الخروج:
-خلاص يا إيثار،تقدري تخرجي تشوفي شُغلك
خرجت تحت انظار ذاك الذي تابعها حتى اختفت خلف الباب، ليبدأ بحديثه قائلاً بعدmا نظر بعيناه للموظف وحثهُ على البدأ بتدوين التحقيق:
-حضرتك قدmت بلاغ ضد المدعو "صلاح عبدالعزيز " إتهمته فيه إنه ورا محاولة الإغتيال اللي اتعرضت لها، ممكن أعرف إيه السبب ورا الإتهام ده؟
تنهد وظهر الاعياء على ملامحه ليتحدث بابانة:
-صلاح عبدالعزيز جالي بيتي من كام يوم وهددني إنه هياخد تار إبنه مني
-كويس إنك فتحت الموضوع،أنا عاوزك تحكي لي قصة إبنه اللي إتقـ.ـتـ.ـل في فيلتك وعلى إيدك، وياريت بأدق التفاصيل... نزلت كلمـ.ـا.ته على قلب ايمن كسواطٍ لتجلده،أخذ نفسًا عميقًا ليقول بنبرة حزينة:
-أنا عمري ما كنت أتخيل إني ممكن أأذي نملة، مش اقـ.ـتـ.ـل بني أدm، اللي حصل كان غـ.ـصـ.ـب عني
قطب جبينه وبات يتطلع عليه بتعمق ليسرد الاخر:
-بسام إبن صلاح عبدالعزيز كان في حفلة عيد ميلاد واحدة قريبته،لارا بنتي كانت حاضرة الحفلة بحُكم إن البنت زميلتها في الجامعة، لما بسام شافها أعجب بيها وحاول يتقرب منها ويتكلم معلها لكن لارا صدته، فضل متابعها شهور يجري وراها في كل مكان والبنت كانت بتصده بكل قوتها لأنه كان فاشل وثقيل الدm، لحد ما في يوم كان بيشرب خمور مع أصحابه وأخدوا حبوب مهلوسة،جاب واحد صاحبه وجه لحد بيتي في نص الليل ونط من على سور الفيلا من غير ما الحَرس ياخدوا بالهم
واسترسل موضحًا:
-وده ظهر في كاميرات المراقبة اللي النيابة إطلعت عليها وقت التحقيقات، المهم، صاحب الولد ساعده ونقلوا سلم حديد كان الجنايني جايبه يطلع بيه على الشجر العالي علشان ينضفه،طلع على بلكونة اوضة بنتي
قاطعه فؤاد مستفسرًا:
-وهو عرف أوضة بنتك منين؟!
أجابه ليقطع عنه الشك الذي ساورهُ:
-"بسام" كان مـ.ـجـ.ـنو.ن بحُب "لارا"،كان بيقف بعربيته بالساعات يراقب البيت ويستناها لحد مـ.ـا.تخرج في البلكونة علشان يشوفها
واسترسل:
-أنا كنت نايم في اوضتي لما سمعت صراخ بنتي فجريت انا ومراتي علشان نشوف فيه إيه، لما دخلنا لقيناه ماسك لها مسدس وبيجبرها على إنها تنزل معاه من السلم اللي موصل للبلكونة، إتجننت لما شفت رُعب بنتي في عنيها، جريت عليها وأخدتها في حـ.ـضـ.ـني،وهو شـ.ـد أجزاء المسدس وهددني لو مبعدتش عنها وسبتها تمشي معاه هيقـ.ـتـ.ـلها قدام عنيا،وفعلاً بدأ يشـ.ـدها من إيدي في الوقت ده اخوها أحمد دخل وكان هيهجم عليه،من خوفي على ولادي جريت عليه وحاولت أخد منه المسدس بس هو كان عامل زي المـ.ـجـ.ـنو.ن، البرشام والمـ.ـخـ.ـد.رات اللي كان شاربها مكنتش مخلياه في وعيه، مسكت معاه المسدس وقعدنا نشـ.ـد قصاد بعض انا وهو لحد ما صباعه ضغط على الزناد وخرجت منه طلقة،استقرت في كليته عملت له نـ.ـز.يف وكانت السبب في مـ.ـو.ته
كان يروي ما حدث منذ ثلاثة أشهر وكأنه يرى الحادث أمام عيناه، اغرورقت الدmـ.ـو.ع بمقلتيه ليستطرد وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا:
-صدقني يا سيادة المستشار أنا ماقـ.ـتـ.ـلتوش،والطب الشرعي أثبت إن بصمـ.ـا.ت بسام هي اللي كانت موجودة على الزيناد وقت ما الطلقة خرجت
-وطبعًا صلاح عبدالعزيز إتهمك بقـ.ـتـ.ـل إبنه... نطقها فؤاد ليجيبه أيمن بتأكيد:
-ومن يومها وهو حالف لياخد بتارة مني، دي مش أول محاولة ليه، من حوالي شهر حاول يسممني لما قدm رشوة للشغالة اللي عندي في البيت وعطاها نوع سم تحطهولي في العصير، ولولا ستر ربنا والطباخ شاف البنت وهي بتحط السم من قزازة كانت في جيب فستانها ومسكها ونده لنا، مكناش إكتشفنا الموضوع وكان زماني مقـ.ـتـ.ـو.ل على إيده
سأله مستفسرًا:
-قدmت بلاغ بالواقعة دي؟
-أيوة طبعاً قدmت بلاغ اتهمته فيه بالتحريض على قـ.ـتـ.ـلي وسلمت البنت لقسم الشرطة واعترفت بكل حاجة، لكن صلاح انكر صلته بالموضوع وساعده في إنه يفلت منها إن الولد اللي إتفق مع البنت قال لها إنه تبع واحد بيكرهني وعاوز يخلص مني، مذكرش اسم صلاح وده اللي خلى النيابة تخرجه لعدm وجود أي أدلة قوية تدينه
إنتهى من التحقيق وخرج بعدmا شكره أيمن الذي أوصله إلى الباب المؤدي لمكتب "هانيا" السكرتيرة، بات يتلفت بعيناه علهُ يرى تلك المشاكسة لكن خاب أمله،تعجب من حاله ومن التفكير بها ليهز رأسهُ ينفض منها تلك الافكار العجيبة ليتحرك مغادرًا الشركة بأكملها
*************
فتحت عينيها باتساع لتنتفض من فوق فراشها تتلفت حولها بفزعٍ بعدmا استمعت لصوت جرس الباب والطرقات العالية التي صدحت لتصدر صوتًا مزعجًا افزعها من نومها،اتسعت عينيها بـ.ـارتعاب وهي تنظر إلى الهاتف لتكتشف أن الساعة قد تخطت الثانية بعد منتصف الليل، نفضت الغطاء واتجهت نحو عليقة الملابس لتنتزع مأزرها الشتوي وترتديه بتلبك وهي تتحرك على عُجالة باتجاه باب المسكن لتقابلها عزة التي هتفت بـ.ـارتعاب:
-مين اللي بيخبط علينا كدة يا إيثار
-مش عارفة، مش عارفة... نطقتها وهي تهز رأسها بهلع لتتجه إلى الباب وتقترب منه لاصقة إحدى عينيها بفتحة الباب السحرية لتجحظ عينيها بفزع وهي ترى عمرو لتتسلل إلى مسامعها نبراته التى تخشاها وتمقتها وهو يقول بصوتٍ يبدوا عليه عدm الإتزان:
-إفتحي يا إيثار،إفتحي لي الباب
شهقت لتهتف بحِدة جنونية:
-إنتَ إتجننت يا عمرو، هي حصلت تجي لي الشقة وتخبط عليا الساعة إتنين بالليل؟!
زاد من طرقه الجنوني للباب وتحدث بلسانٍ ثقيل مع ترنح جسده مما جعلها تتوقع احتساءه لاحد المشروبات الكحولية:
-إفتحي الباب يا حبيبتي، أنا قلبي مولع نار وعاوز اطفيها جوة حُضنك
-يا نهارك إسود، إنتَ شارب...نطقتها بذهول ليهتف بعلو صوته:
-أيوا شارب علشان أنسى رفضك ليا، إرجعي لي يا إيثار علشان أحس إني عايش
تحدثت برجاء كي تحسه على الرحيل:
-إمشي يا عمرو قبل الجيران ما تصحى وتتفرج عليك وإنتَ بالشكل ده،أرجوك أنا مش ناقصة فضايح
لو مش عاوزة فضايح إفتحي وخلينا نتكلم جوة... نطقها مستغلاً خشيتها من حديث الجيران لتهتف عزة بصوتٍ مرتعب:
-إوعي تفتحي له، ده الموكوس شارب ومش واعي بنفسه
-أفتح له إيه إنتِ كمان، شيفاني مـ.ـجـ.ـنو.نة قدامك...نطقت كلمـ.ـا.تها بملامح وجه مكفهرة لتهتف محدثة ذاك الواقف خلف الباب:
-إمشي حالاً علشان ما تضطرنيش أطلب لك البوليس
نطق بعنادٍ وتعنُت بجسدٍ مترنح:
-إعملي اللي إنتِ عوزاه، أنا مش هتحرك من هنا قبل ما أشوفك وأتكلم معاكِ
صرخت بعدmا افقدها توازنها:
-والله العظيم لو ما مشيت حالاً لاتصل بالبوليس واخليهم ييجوا ياخدوك ويعملوا لك محضر تهجم ومحضر سُكر
-قولت لك إفتحي... نطقها وهو يركل الباب بقدmه بقوة ليخرج جارها المقابل متحدثًا بنبرة حادة:
-فيه إيه يا أستاذ، إيه الدوشة اللي إنتَ عاملها دي، إنتَ عارف الساعة كام؟
ترنح بوقفته ليهتف بتهديدًا صريح:
-أدخل وأقفل بابك عليك بدل ما اخليك تنـ.ـد.م على عمرك
ما أن استمعت لصوت همهمـ.ـا.ت الجيران التي بدأت تعلو بعدmا خرجوا من جميع الطوابق على صياح ذاك الحاد، شعرت بروحها تكادُ أن تنسحب منها لتهرول باتجاه غرفة النوم لتتبعها عزة التي تحدثت وهي تراها تخـ.ـطـ.ـف هاتفها الجوال من فوق الكومود استعدادًا لعمل مكالمة:
-إنتِ هتطلبي البوليس بجد يا إيثار، إحنا مش ناقصين مشاكل مع نصر البنهاوي، ده راجـ.ـل شراني وقرصته بالقبر
-المشاكل هي اللي جت لحد عندنا يا عزة... نطقتها وهي تطلب رقم....
إنتهى البـ.ـارت
↚
ضغطت زر الإتصال برقم "أيمن الأباصيري" لتتحدث بحرج بعدmا استمعت لصوته المتحشرج بفضل تعمقه بالنوم:
-أنا أسفة بجد إني بزعج حضرتك في وقت متأخر زي ده، بس مقداميش حد تاني ألجيء له
سألها مستفسراً:
-إتكلمي وقولي فيه إيه يا إيثار، أنا عارف إنك مش هتتصلي في الوقت المتأخر ده إلا إذا كانت فيه مصيبة،وده اللي خلاني رديت.
اجابته بصوتٍ مرتعب:
-هي فعلاً مصيبة يا أفنـ.ـد.م، عمرو البنهاوي واقف لي على الباب وعمال يخبط ومُصر إنه أفتح له، وشكله سـ.ـكـ.ـر.ان على الاخر
اجابها بنبرة خفيضة من أثر نومه:
-ده يبقى وقع ولا حدش سمى عليه، متفتحيش وأنا هتصل بسعادة اللوا قدري الخواجة واخليه يبعت لك قوة تقبض عليه حالاً، وهخليه يعمل له محضر عدm تعرض ويمضيه عليه
واستطرد متوعدًا:
-ده بعملته الغـ.ـبـ.ـية دي خدmك خدmة العمر
أغلق معها لتتملل زوجته "نيلي"الممدة بجواره بالفراش لترفع رأسها للأعلى وهي تسألهُ بعينين متعجبة:
-فيه إيه يا أيمن، وإزاي إيثار تتصل بيك في وقت زي ده وخصوصًا إنها عارفة إنك لسة تعبان؟!
ربت على كتفها وتحدث وهو يضغط على رقم ذاك اللواء:
-هحكي لك بعد ما أعمل مكالمة ضرورية يا حبيبتي
اغلقت إيثار الهاتف وابدلت ثيابها سريعًا بأخرى محتشمة استعدادًا لمقابلة رجـ.ـال الشرطة،ثم هرولت إلى الباب من جديد حيث زاد صوت الخبطات وتعالت أصوات عمرو الصارخة:
-إفتحي يا إيثار بدل ما أكـ.ـسر الباب عليكِ، أنا مش همشي غير لما أشوفك إنتِ ويوسف، إفتحي يا حبيبتي، ده انا حبيبك عمرو،إنتِ نسيتي أنا كنت إيه بالنسبة لك.
-حـ.ـر.ام عليك، إنتَ بتعمل فيا كدة ليه،إعتقني يا اخي لوجه الله بقى... نطقتها بهتافٍ حاد بعدmا استمعت لهمهمـ.ـا.ت السُكان التي تعالت ليتحدث بصوتٍ ضعيفًا متوسل أشبه بباكي:
-إفتحي يا حبيبتي عاوز أنام في حـ.ـضـ.ـنك ، حشـ.ـتـ.ـيني و قوي ونفسي تنيميني على رجلك وتلعبي لي في شعري زي زمان، فاكرة يا إيثار، فاكرة
اتسعت عينيها بذهول لتصرخ بعدmا شعرت بالحرج من ساكني البناية ومن صورتها التي حتمًا ستهتز أمامهم وهي التي طالما حافظت عليها بكل ما أوتيت من قوة:
-بس بقى كفاية فضايح، إنتَ إيه يا أخي، شيطان، ليه مُصر تدmر سلامي النفسي واستقراري اللي مصدقت أبنيهم من يوم ما بعدت عنك ونضفت، إتقي الله وسيبني في حالي وارجع لمراتك وبنتك
خبط بقوة ليهتف غاضًا:
-إفتحي الباب، مش هسيبك إلا لما ترجعي لي، إنتِ بتاعتي، ملكي أنا، محدش هيقدر يبعدك عني ومسيرك هترجعي لحـ.ـضـ.ـني تاني، إفتحي يا إيثاااار
قال كلمـ.ـا.ته الاخيرة بصراخ هيستيري جعلها تهمس إلى عزة بـ.ـارتياب:
-روحي أقعدي جنب يوسف ليصحى مخضوض من الخبط بتاع المـ.ـجـ.ـنو.ن ده
اجابتها:
-حاضر بس هدي نفسك، زمان البوليس جاي وهياخدة يرميه في الحبس، وبدل ما ينام على الفرشة الحرير اللي جايبهاله أبوه، هينام على البورش وسط المجرمين وقتالين القـ.ـتـ.ـلة
لتشيح بكفيها بغيظ:
-على الله واحد فيهم يغزه بسكينة يخلصنا من شره وغتاتته
دخلت إلى الصبي وظل ذاك الارعن يدق بابها ويصيح باسمها مطالبًا إياها بفتح الباب حتي استمعت لصوت جلبة بالخارج لتنظر من فتحة العين وتتنفس باطمئنان بعدmا رأت بعضًا من الرجـ.ـال مرتديين زي الشرطة وعلى الفور أمسكوه واجتمع بعضًا من ساكني البناية حول الشرطة ليبدأوا في تقديم إفادتهم وازعاج ذاك المتعدي لهم،استمعت لطرق أحدهم للباب وهو يقول بطمأنة:
-إفتحي يا مدام إيثار ومتخافيش، إحنا جايين بناءًا على تعليمـ.ـا.ت من سيادة اللوا قدري الخواجة، هو قال لنا إن عندك علم إننا جايين
بالفعل فتحت وما أن رأها ذاك المعتوه حتى أفلت حاله ليهرول عليها وكاد أن يصل لها ليحتضنها لولا أيادي الشرطيان الذان لحقا به ليكبلاَ ساعديه خلف ظهره ويشيلا حركتهُ بالكامل مما اصابهُ بالجنون ليصـ.ـر.خ قائلاً:
-سيبوني، إنتوا إتجننتوا، إنتوا مش عارفين أنا ابن مين؟
هتف الضابط المسؤل عن الحملة موبخًا إياه:
-بس يَلا، مش عاوز أسمع نفسك
هتف صارخًا باعتراض:
-دي مراتي،والله لاخليكم تنـ.ـد.موا كلكم، أنا إبن نصر البنهاوي يا بقر
رمقه الضابط بازدراء ثم توجه ببصره إلى رجـ.ـاله متحدثًا:
-خدوا المحروس ونزلوه تحت في البوكس
تحرك الرجـ.ـال ساحبين ذاك الذي بات يحرك جسده محاولاً التملص من بين أياديهم وهو يصـ.ـر.خ ويقذفهم بأقذر السُباب محاولاً التملص، نظر الضابط لها وتحدث باحترام:
-ده طليقك يا أستاذة إيثار، مظبوط؟
اومأت بإيجاب ليسترسل بإعلام:
-إحنا هنعمل له محضر سُكر واقتحام المكان والتهجم على أنثى في عُقر بيتها، وهستناكي بكرة تيجي في القسم علشان تمضي على المحضر وتأكديه
اومأت برأسها ليتحدث إلى سُكان البناية:
-وياريت كام حد منكم ييجوا بكرة يقدmوا إفادتهم علشان نوثق المحضر ونأكد على الإتهامـ.ـا.ت الموجهة للمتهم
اومأ الجميع ليتحدث أحدهم:
-إحنا تحت أمرك يا باشا، الأستاذة إيثار ست محترمة وليها سنين معانا هنا في العمارة محدش شاف منها حاجة وحشة،انا عن نفسي هاجي بكرة أشهد باللي حصل
ليستطرد بإبانة:
-وهشهد كمان بإن طليقها إتهجم عليها ومسكها من ذراعها قدامي من حوالي إسبوعين،وانا اتدخلت وقتها أنا والسكيورتي وخلصناها من إيده وهددناه لو ممشيش هنتصل بالشرطة
شكرتهُ بدmـ.ـو.ع عينيها التي انسابت رُغمًا عنها ثم توالت أصوات باقى السُكان الذين تطوعوا بإدلاء شهاداتهم والوقوف بجوار تلك الخلوقة في الوقت الذي تخلى عنها أقرب الأقربون
انصرف الضابط وتحرك السكان كُلٍ لوجهته
____________________
صدح صوت أبتهالات ما قبل أذان الفجر من صوامع مساجد البِلدة ليمليء القلوب بالراحة والسكينة، عدا تلك الحائرة التي تجوب غرفتها ذهابًا وإيابًا ممسكة هاتفها تضعهُ على أذنها بانزعاج،لم تعد تدري كم عدد المرات التي هاتفته بها ولم يرد،توقفت لتهتف بضيق:
-لا، كدة الوضع مايتسكتش عليه
أسرعت إلى خزانة ملابسها وانتقت ثوبًا محتشمًا وارتدته سريعًا ثم أمسكت بحجابًا وضعته على رأسها بعشوائية لتنطلق إلى الاسفل وبلحظة كانت تطرق باب والداي زوجها لتفتح لها إجلال التي صُدmت من ملامح وجه الاخرى المتـ.ـو.ترة لتتحدث الأولى بـ.ـارتياب:
-إلحقيني يا ماما، عمرو مجاش لحد الوقت وبرن عليه تليفونه بيدي جرس ومابيردش
عقدت بين حاجبيها لتسألها بصوتٍ متحشرج:
-مجاش منين، أنا مش سألتك عليه قبل ما نقفل الباب الحديد قولتي لي إنه نايم فوق من بدري؟
تلبكت ولم تجد أمامها سوى النطق بالحقيقة لتتحدث بنبرة مرتعبة:
-هو اللي أكد عليا أقول لكم كدة علشان يسهر مع أصحابه براحته من غير الحاج ما يعرف ويبهدله زي كل مرة
همست بصوتٍ خفيض وهي تحثها على الإبتعاد بعدmا بدأت بغلق الباب:
-تعالي نتكلم بعيد بدل ما الحاج يسمعنا ويطين عيشته لما ييجي
بالفعل تحركت بجانبها إلى أن دخلتا داخل حجرة الطعام وما أن أغلقتها حتى أمسكت ذراعها لتهزها بعنف ثم صاحت بتوبيخ:
-عارفة يا وش البومة إنتِ لو إبني جرا له حاجة هعمل فيكي إيه
إنكمشت على حالها لتتحدث برعـ.ـبٍ:
-وأنا ذنبي إيه يا ماما
ذنبك إنك مش مالية عين جوزك ومخلياه طافش طول الليل من خلقتك العكرة... نطقتها بازدراء لتستطرد بكراهية:
-ده غير إنك كذبتي عليا وقولتي إنه نايم فوق
هتفت متنصلة لتبرأ حالها:
-هو اللي قال لي أعمل كدة والله العظيم، أنا مكنتش أقدر أخالفه ما أنتِ عارفاه وعارفة عِنده، لو قالي إعملي حاجة وخالفته بينكد عليا بالشهور
بحنقٍ أجابتها:
-ما هو من خيبتك، دي اللي إسمها إيثار كانت مخلياه لازق لها ليل نهار في الشقة، ابوه كان بيخانق معاه علشان يسيبها ويروح يشوف شغله
ابتسامة ساخرة خرجت منها لتتحدث وهي ترفع عنقها بكبرياء:
-وهو لو كان بيحبها بجد كان فضلني عليها؟
وهو لما الشيطان وسوس لسيدنا أدm وخلاه أكل التفاحة الملعونة اللي خرجته من الجنة،كدة يبقى حب الشيطان؟... نطقتها بنبرة متهكمة لتستشيط الأخرى لكنها توارت بخبث خلف حـ.ـز.نها التي رسمته بإتقان لتسألها باستياءٍ مصطنع:
-إنتِ بتشبهيني بالشيطان يا ماما؟
حملقت بدهشة مصطنعة لتقول بامْتِهان:
-شيطان مين ده اللي اشبهك بيه يا بِت،ده الشيطان يتعلم منك ويقف يسقف لك كمان
كم تبغض تلك الحقيرة وتكن بقلبها لها كرهًا لا يضاهيه شيء،وذلك لتيقنها بحقدها الشـ.ـديد ورفضها لشخصها منذ الوهلة الأولى لدخولها للعائلة
جذبت منها الهاتف لتعيد الإتصال من جديد على هاتف نجلها ليصدح رنينه ويهتز على سطح مكتب الضابط الذي تحدث بتملُل للشاويش:
-وبعدين في أم التليفون اللي مش عاوز يبطل زن ده
-مـ.ـا.ترد علي المتصل يا باشا وبلغه إن صاحب التليفون مقبوض عليه...نطقها الشاويش ليقول الضابط وهو ينهض استعدادًا للخروج:
-الواد متوصي عليه يا حسين، الباشا قال لي محدش من أهله ياخد خبر إلا لما المحضر يتحول للنيابة علشان أبوه ميعرفش يطلعه منها
اومأ الرجل ليستكمل الضابط:
-أنا طالع السكن علشان أنام لي كام ساعة قبل النهار ميطلع، مش عاوز حد يصحيني حتى لو الدنيا خربت، مفهوم يا حسين... نطق الأخيرة للتأكيد ليهز الاخر رأسهُ قائلاً:
-مفهوم يا باشا
_______________
بعد قليل داخل حُجرة الحجز التابعة لقسم الشرطة المحتجز به
كان يقف خلف الباب ممسكًا بالسياج الحديدية الخاصة بباب الحجز، يصـ.ـر.خ بكل ما أوتي من قوة:
-إفتحولي الباب يا رِمم،إنتوا متعرفوش اللي رمتوه في الحجز ده يبقى ابن مين، والله لاخرب بيوتكم كلكم
-ما تخرس ياد في ليلتك السودة دي،صدعتنا من ساعة ما جيت من كتر صواتك اللي زي صريخ النسوان...التف ليستكشف من ذاك الذي تجرأ ونعته بذاك الوصف ليجد رجل ذو جسدٍ ضخم يتوسط الأرض بجلوسه العشوائي يرتدي ثيابًا متسخة وشعر رأس وذقن مبعثران،يمتلك وجهًا حاد الملامح وبه الكثير من النُدوبٌ الناتجة عن جروح بطعنات توحي بمدى إجرامه،لم يهتم بما رأه ليهتف بقوة يرجع سببها لعدm استيعابه لما يحدث بفضل كثرة المشروبات الكحولية التي تناولها وهي التي أودت به إلى هنا بعدmا تصرف بعدm إدراك:
-إنتَ بتكلمني كدة إزاي يا جدع إنتَ،إنتَ مش عارف أنا ابن مين؟
2
هتف أحد الرجـ.ـال قائلاً باستهجان:
-مـ.ـا.تفوق لنفسك يا بقف، إنتَ واقف قدام المعلم "برعي"كبير الحجز، يعني تدي له التمام وتقلب نفسك وتطلع كل اللي في جيوبك عشان تنول الرضا، ده لو مش عاوز كرامتك تتداس تحت جزمة اقل محجوز هنا
رمقهم بازدراء ليقول بكثيرًا من الكبرياء:
-ليك حق، ما انتَ لو تعرف أبويا يبقى مين مكنش زمانك واقف قدامي أصلاً
هو كل عيل سيس ميسواش ربع جنية مخروم ييجي لنا هنا يسمعنا البوقين الحمضانين دول....نطقها"برعي" باستهزاء ليسترسل ساخرًا بصوتٍ غليظ:
-طب إشجيني يا روح أمك وقولي إنتَ ابن انهي حـ.ـر.امي في البلد؟
رمقه بازدراء ليهتف الاخر صارخًا:
-مـ.ـا.تنطق ياد بدل ما أخلي الرجـ.ـا.لة تعمل معاك الصح
صاح بكل صوته هاتفًا بغضب:
-رجـ.ـا.لة مين يا أبو رجـ.ـا.لة،طب خلي نطع فيهم كدة يقرب لي وأنا أمسح لك بيه بلاط الحجز
تناقل الجميع نظراتهم لبعض لينطلقوا بقهقهاتهم الساخرة وذلك لمظهره المنمق وملامحهُ التى لا توحي بحديثه،زادت قهقهاتهم مما زاد من حنق عمرو ليهتف بحنق:
-والله يا كلاب لاخلي لأبويا يربيكم كلكم
توقف كبيرهم عن الضحك بعدmا استمع لسبه على يد هذا الإمعة ليُعطي إشارة من رأسه صوب ذاك المغرور ليقترب منه الرجـ.ـال مشكلين حلقة حوله ليرتاب داخلهُ بعدmا رأى نظرات الغدر بأعينهم المصوبة عليه،انقض عليه الجميع دفعة واحدة ليركلهُ أحدهم ويلكمة الأخر وهكذا توالت اللطمـ.ـا.ت مما جعله يصـ.ـر.خ بأعلى صوته لينثر على مسامعهم بوابلٍ من أقذر الشتائم مع تهديده الواهي لهم، كل هذا تحت أنظار ذاك الـ"برعي"الذي تعالت قهقهاته لتظهر أسنانه بلونها البُني المثير للإشمئزاز
هتف أحد الرجـ.ـال الواقف بجوار الباب يراقب الوضع:
-الشاويش حسين جاي يا معلم
هرول الجميع بتخبط كُلٍ لوجهته تاركين ذاك المغرور مُلقيًا أرضًا وأثار الضـ.ـر.ب ظاهرة على وجهه،استمع الجميع لصوت فتح الأقفال ليدخل بعدها الشاويش حسين هاتفًا بغضب:
-صوتكم عالي ليه يا غجر؟
استقر بصره على ذاك الـ مطرُوحٌ أَرضاً والدmاء تسيلُ من أنفه وفمه ليهتف حانقًا قاصدًا بحديثه الجميع:
-الله يخرب بيوتكم، إنتم لحقتوا، الواد لسة داخل لكم مكملش نص ساعة
حول بصره إلى كبيرهم ليقول بنبرة لاذعة:
-وبعدين معاك يا "برعي"،مش ناوي تجيبها لبر إنتَ ورجـ.ـالتك ليه.
-لا أنا ولا رجـ.ـالتي لينا يد في اللي حصل له يا شاويش، الواد هو اللي اتشنكل وهو ماشي ووقع على بوزه اتشلفط... قالها ذاك المجرم ليرد عليه الأخر بتكذيب:
-صدقتك أنا كدة
تحرك صوب عمرو وتحدث وهو يسنده ليساعده على الجلوس:
-قوم يا موكوس
ساعده على الجلوس ليسترسل بعدmا نظر لوجههِ بوضوح:
-ده أنتَ وشك اتشلفط على الاخر
ثم نظر لبرعي قائلاً:
-ملكش دعوة بالجدع واتلم إنتَ ورجـ.ـالتك بدل ما تقضيها إنفرادي النهاردة
نهض وتحدث مهددًا الجميع:
-أنا طالع، وإياك أسمع صوت حد فيكم
استند على الأرض ونهض متحاملاً ليُمسك بذراع الشاويش وهو يتوسَّل إليه قائلًا:
-أرجوك يا حضرة الشاويش طلعني من هنا، حطني في أوضة لوحدي وانا هدفع لك فلوسها
تعالت الضحكات الساخرة حتى الشاويش لم يستطع كبح ضحكاته ليقول ساخرًا:
-تكونش فاكر نفسك نازل في لوكاندة السعادة
ليسترسل ناصحًا:
-مـ.ـا.تنشف ياد لـ ياكلوك
طب رجع لي تلفوني خليني اتصل بابويا ييجي يخرجني...نطقها بعينين مترجيتين ليتحدث الأخر متنصلاً:
-الموضوع ده في إيد حضرة الظابط،وهو راح السكن خلاص ومحدش يقدر يهوب ناحيته ويصحيه، وإلا تبقى وقعته سودة
واسترسل مشيرًا على جميع أركان الحُجرة المليئة بأجساد هؤلاء المتهمين الملقون بعشوائية:
-شوف لك حتة فاضية اتلقح فيها انت كمان واتخمد لك ساعتين لحد النهار ميشق والظابط ييجي وأقول له
تركه وغادر مغلقًا خلفه الباب غير مباليًا بنداءات عمرو المتوسلة،حول بصره ونظر للرجل وجده يتوعده باستكمال ما بدأ فانكمش على حاله وخر جالسًا مستندًا بظهر الباب لينظر للجميع بترقب وقد سكن الرعـ.ـب بمقلتيه ولأول مرة يشعر بالخوف
1
____________________
كم كانت ليلةً عصيبة تضاف إلى لياليها الموحشة، لكنها لم تتأثر بالقدر المتوقع، لو حدث ما حدث بالماضي لانهارت وفقدت ثباتها، لكنها تغيرت بفضل ما مرت به خلال الأربع سنوات المنصرمة،لقد حولتها الصدmـ.ـا.ت إلى شخصٍ أقوى حتى فاقت قدرة تحملها كثيرًا من قدرة الرجـ.ـال، اصطحبت صغيرها وأوصلته إلى مدرسته لتواصل طريقها باتجاه مركز الشرطة التابع لمنطقتها والذي أخبرها به الشُرطي،صدح صوت هاتفها معلنًا عن وصول مكالمة لتُجيب بصوتٍ هادي:
-صباح الخير يا باشمهندس
على الجهة الاخرى كان يجلس حول طاولة الطعام يتناول إفطاره بصحبة أسرته ليسألها مستفسرًا:
-وصلتي لإيه يا إيثار؟
-أنا في الطريق لقسم الشرطة، هخلص هناك وأطلع على مبنى النيابة علشان قضية كريم...لتستطرد بالتماس:
-وبعد إذن حضرتك هتأخر شوية
-شوفي اللي وراكي وإرجعي بيتك إرتاحي،ليلتك كانت صعبة إمبـ.ـارح واكيد منمتيش... قالها برحمة لتتنهد براحة ويسترسل هو:
-أنا كلمت المتر عبدالسلام وزمانه مستنيكي في القسم، هيتابع معاكي إجراءات المحضر ويعمل اللازم
اغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع العرفان، لقد غمرها ذاك الحنون برعايته لها وطالما كان لها العون والسند بعد الله،خرج صوتها متأثرًا لتتحدث بعرفان:
- ربنا يخليك ليا، مش عارفة أشكرك إزاي، جمايلك كترت قوي يا باشمهندس
أجابها بما نزل على قلبها بردًا وسلامًا وتعويضًا:
-بطلي هبل، جمايل إيه اللي بتتكلمي عنها، هو فيه جمايل بين الأب وبنته
أغلق معها بعدmا شكرته ليسألهُ أحمد مستفسرًا:
-مالها إيثار يا بابا؟
قص ما حدث تحت اهتمام أحمد وزوجته "سالي"وشقيقته"لارا"بجانب"نيلي"التي كانت على دراية مسبقة،لتتحدث"نيلي "بتأثر ظهر بَيِن بصوتها:
-البنت دي حظها قليل قوي في الدنيا، ربنا بلاها بزوج كلمة راجـ.ـل خسارة فيه، ولا اخواتها، حاجة تقرف...نطقت كلمتها الأخيرة باشمئزاز لتؤكد على حديثها سالي قائلة:
-عندك حق يا طنط، لا ومن بجاحته ما اكتفاش باللي عمله فيها لما كانت مـ.ـر.اته، راجع يكمل ندالته وخسته معاها بعد ما طلقها
-موقف أهلها المخزي مقوي قلبه، هما ظلموها أكتر منه... كلمـ.ـا.ت صادقة قالها أحمد بجدية، كان يستمع لهم وهو يتناول طعامه، أوقف ارتشافه لكأس الشاي الساخن لينزلهُ كي يتحدث لابنته الشاردة باستفهام:
-ساكتة ليه يا"لارا"،إيه اللي شاغل بالك يا حبيبتي؟
أغمضت عينيها فى ألم ثم فتحتهما من جديد وهي تقول:
-هو حضرتك مش شايف كل المشاكل اللي بتحصل بسببي
واستطردت بنبرة متألمة:
-أنا تقريبًا مش بنام يا بابي من يوم اللي حصل ، مش قادرة انسى مشهد مـ.ـو.ت بسام، منظره وهو غرقان في دmه مش بيغيب عن عنيا
علشان خاطري خلينا نسيب مصر ونروح نعيش في بلد تانية...قالت جملتها بعينين متوسلتين
مزقت نبراتها الحزينة نياط قلب والدها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
-نسيب بلدنا ونروح فين بس يا بنتي، مش كفاية سيبت بيتي اللي عيشت فيه عمري كله ونقلنا هنا لما قولتي إنك مش قادرة تقعدي فيه بعد اللي حصل
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن بعدmا شعرت بأنها قد ضغطت على والدها وزادتها عليه:
-أنا أسفة يا بابي،أنا عارفة إني تعبتك معايا الفترة الاخيرة،بس إنتَ أكيد حاسس باللي أنا بمر بيه، أنا حاسة بالذنب بسبب اللي حصل لـ بسام واللي حصل لكريم السواق واللي لسة بيحصل لحضرتك
واسترسلت بعينين متوسلتين:
-أرجوك سامحني
تأثر الجميع بحديثها وتشتُت روحها الذي بات يلازمها مؤخرًا بفضل ما حدث،تألم قلبه لأجلها وما شعر بحاله إلا وهو ينهض متجهًا صوبها ليسحبها من كفها لتقف بقبالته ويجذبها لتسكن أحضانه واضعًا كفه ليمررهُ فوق ظهرها بحنان حتى هدأت،ليتحدث بنبرة قوية كي يحثها على الخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليها:
-إوعي تحملي نفسك ذنب أي حاجة، إنتِ بريئة من كل اللي حصل، وبسام اللي إنتِ زعلانة عليه ده هو السبب في كل حاجة، الله يسامحه مـ.ـا.ت وساب الدنيا والعة
____________________
بعد قليل
كانت تجلس داخل مكتب الضابط المختص بالتحقيق بصحبة المحامي الذي بعثه أيمن، تمم الضابط جميع الآجراءات ليتحدث المحامي مستفسرًا:
-هي القضية هتتحول للنيابة إمتى يا باشا
النهاردة إن شاءالله... هكذا أجابه لتتحدث هي بـ.ـارتباك خشيةً من بطش نصر البنهاوي:
-أنا شايفة إننا نكتفى بالمحضر وعدm التعرض يا أستاذ عبدالسلام
أجابها الضابط بعملية:
-مينفعش يا أستاذة، طالما عملنا المحضر وأثبتنا صحته بشهادة شهود الإثبات يبقى لازم يتحول للنيابة، وبعدين سيادة اللوا قدري الخواجة موصي عليه وقال لنا لازم يتربى
استرسل بإبانة بعدmا رأى ترددها بعينيها:
- تحقيقات النيابة هي اللي هتجيب لك حقك وتعلمه الأدب، لما يلبس في جُنحة هيفكر ألف مرة قبل ما يتصرف بغباء مرة تانية
أطرقت رأسها بموائمة لتتحدث:
-تمام، أنا مضطرة استأذن لو حضرتك مش محتاجني في حاجة تانية لأن عندي ميعاد نيابة ولازم ألحقه
-إحنا كدة خلصنا وتقدري تتفضلي...جملة قالها الضابط لتنهض مستأذنه لتتحرك سريعًا باتجاه مبنى النيابة التابعة له،قادت بأقصى سرعة لتستطيع الوصول قبل حلول الوقت المحدد كي لا تدع للمدعو فؤاد فرصة مضايقتها،أخيراً وصلت قبل الميعاد بخمسة دقائق،سألت على مكتبه فارشـ.ـدها أحدهم،اقتربت من رجل الأمن الواقف أمام باب المكتب وطلبت منه إبلاغ وكيل النائب العام بحضورها وناولته بطاقة تعريفها، طلب منها الرجل الإنتظار لحين اتخاذ الإذن لها،ولج للداخل مغلقًا الباب خلفه ليتحدث بتوقير وهو يقدm البطاقة لذاك المنكب على أوراقه بتمعُن:
-الأستاذة بتقول إن عندها ميعاد مع حضرتك يا باشا
رفع رأسهُ وبسط كفه ليأخد البطاقة مدققًا النظر بها، إبتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغره ثم ضيق عينيه وهو يحك ذقنه بأصابع يده ليقول بعد تفكير:
-خليها واقفة برة لحد ما أضـ.ـر.ب لك الجرس
خرج العامل ليبتسم بخبث بعدmا عقد النية لمعـ.ـا.قبتها على المعاملة التي لم تلقى استحسانه بالأمس، بالخارج،تمللت بوقفتها بعدmا مر أكثر من نصف ساعة وهي بالانتظار دون حدوث جديد، شعرت ببعض الألام بساقيها لتنظر لذاك الواقف قائلة بامتعاض:
-هو أنا هفضل مسنية كتير؟!
-الباشا قال لي مدخلكيش غير لما يضـ.ـر.ب الجرس... قالها باقتضاب كتمثالٍ لتهتف هي بحِنق:
-أنا مالي ومال جرس الباشا بتاعكم،أنا ميعادي الساعة 11، والساعة الوقت 12إلا ربع
واسترسلت بعينين غاضبتين:
-تدخل تقول للباشا بتاعك إني لو مدخلتش حالاً همشي وابقى أجي له وقت تاني يكون فاضي يشوف شُغله فيه
ارجع ظهره للخلف وابتسم مستمتعًا بعدmا توغل داخلهُ شعورًا بالتشفي،تحمحم لينظف حنجرته قبل ان يهتف بقسوة مناديًا على الحارس الذي هرول إليه ليقول الاخر بصرامة مخيفة أجاد رسمها:
-إيه اللي بيحصل برة يا أمين،ومين دي اللي إتجرأت وعلت صوتها في حضرت النيابة؟
-دي الاستاذـ... قطع حديثه اقتحام تلك الغاضبة للمكتب حيث قالت بنبرة صوت لاذعة تنمّ عن استيائها الشـ.ـديد:
-أنا اللي إتجرأت يا سيادة المستشار
تراجع فى مقعده وضيق عينيه ليرمقها بازدراء قائلاً بلهجة متعجبة:
-إنتِ إزاي تدخلي عليا من غير ما أذن لك؟!
لم تهتم بحديثه اللاذع ولا بنظراته النارية بل تحدثت بثقة وحنق أظهرا كَم إستيائها:
-أنا واقفة برة ليا ساعة إلا ربع منتظرة حضرتك تطلبني علشان أقول شهادتي وأمشي،بس وقفتي طالت ومش عارفة هفضل مستنية لحد إمتى!
-وإيه المشكلة لما تقفي ساعة وإتنين،اللي يشوف حمقتك يقول إن مصالح البلاد والعباد متوقفة على جنابك...نطقها متهكمًا لترمقه بنظرات ثاقبة وهي تقول بحزم بعدmا تيقنت أنه قاصدًا ليرد لها ما حدث معه بالأمس:
-المفروض إننا في نيابة يعني المواعيد ليها إحترامها وقُدسيتها،مش واقفة في فرنة بلدي علشان أستنى ساعة واتنين لما صاحب الفرنة يحن عليا ويديني دور في طابور العيش؟
أشار للعامل ليخرج ثم تراجع بمقعده الهزاز وأخذ يدور يمينًا ويسارًا وهو يرمقها بعينين بـ.ـاردتين كالصقيع ليقول بنبرة ذات مغزى:
-أعرف ناس حياة العباد متوقفة على شغلها حرفيًا ومع ذلك انتظرت ساعة بحالها
ابتسمت ساخرة بجانب فمها بعدmا تأكدت من حدسها لتتحدث بذات مغزى:
-طب كويس،كدة يبقى صفينا حساباتنا، ممكن بعد إذنك نبدأ التحقيق علشان ألحق ميعاد شغلي؟
رفع سماعة الهاتف الأرضي دون أن يلتفت إليها قائلاً بجمود:
-تعالى لي في مكتبي حالاً يا سامي
اغلق الهاتف ثم أشار بكف يده بغرور كي تجلس دون أن يتفوه بحرفٍ، رمقته ثم جلست بحدة ليحضر كاتب النيابة بعد قليل ويبدأ بأخذ أقوالها بجدية وموضوعية وكأن شخصًا أخر تلبس شخصيته،شخصًا حكيمًا عاقلاً عادل،سألها بجدية:
-الإسم والسن والعنوان والحالة الإجتماعية؟
اجابته بثقة:
-إيثار غانم محمد حسان الجوهري
عندي ثمانية وعشرين سنة، ساكنة في مدينة نصر، عنواني بالكامل موجود في البطاقة اللي مع حضرتك
نظر للبطاقة التي أمامه فوق سطح المكتب ليناولها للكاتب لمليء البيانات لتسترسل هي:
-الحالة الإجتماعية "مطلقة"
ضيق عينيه مستغربًا لينفض سريعًا تلك الافكار التي اقتحمت مخيلته ليُلقي عليها سؤالاً تلو الأخر
إنتهت من تقديم إفادتها ليتحدث بجدية:
-كدة خلصنا
نهضت بحدة ثم تحدثت وهي تستدير للمغادرة:
-بعد إذنك
أوقفها صوته البـ.ـارد حيث قال قاصدًا استفزازها وكأنه أُعجب بحالة التنافر والتجاذب التي خُلقت بينهما منذ أن إلتقيا بالأمس:
-هتمشي من غير ما تدوقي قهوتنا؟
إلتفت تنظر عليه بجبينٍ مقطب وعقلٍ غير مستوعب،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمامها، لقد كان مظهرهُ جذابًا للغاية،تطلعت لطوله الفارع وجسده الرياضي الذي ظهر من خلال ثيابه حيث كان مرتديًا بدلة سوداء وقميصًا مماثلاً محكمان على جسده مع وضعه لربطة عنق رمادية اللون ورائحة عطره المميزة التي ملئت أرجاء المكان ليتعمق بمقلتيها بعينيه الحادتين اللتان تتابعاها بدقةليتحدث بنبرة هادئة وكأنهُ تحول لأخر:
-سبق لما زرتك في مكتبك طلبتي لي قهوة وضيفتيني بيها، أنا كمان عاوز أضيفك وأشربك قهوة،بس قهوة بجد
إزداد إنعقاد حاجبيها ليستطرد هو بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة لتجعل منهُ مُثيرًا:
-قهوة فؤاد، علام، زين الدين
1
كان ينتظر رضوخها لسطوة وسامته كغيرها من النساء اللواتي قابلهُن بحياته، فجميعهُن يذُوبن بمجرد رؤيته وكعادته لم يبالي بهن وكأنهُن والعدm سواء،فما بالك بتلك التي يقف أمامها ويحدثها بكل ذاك الإهتمام لكنها فاجأته بنظراتها الحادة حيث تحدثت بذات مغزى:
-ضيافتك وصلتني يا سيادة المستشار، متشكرة لأفضالك
ابتسم باستفزاز وتحدث قائلاً:
-إنتِ مش لسة قايلة من شوية إننا صفينا حساباتنا؟
ليسترسل بمداعبة في محاولة منه بتلطيف الاجواء:
-خلينا نشرب قهوة على الأقل مايبقاش ليكِ جمايل عليا.
أنا متأخرة على شُغلي يا افنـ.ـد.م، فياريت لو مفيش حاجة خاصّة بالتحقيق تسمح لي أمشي... قالتها بملامح وجه حانقة ليُشير بكف يده باتجاه الباب بملامح تحولت لمقتطبة بفضل إسلوبها المنفر لتقول هي باستياء:
-بعد إذنك
خرجت كالإعصار ليتأكد حينها بأنها وصلت للمنتهى مما فعلهُ به، تنفس بهدوء ليعود لمكتبه من جديد متابعًا عمله ولكن بذهنٍ شارد بتلك الفرسة الجامحة وهذا النوع من النساء الذي يصادفه للمرة الأولى بحياته
___________________
في تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا
دخل منزله كالإعصار المدmر حتى استقر بمنتصف البهو ليهتف بنبرة صاخبة زلزلت أركان المنزل بأكملها:
-سُمية، إنتِ ياللي إسمك سُمية
خرجت من المطبخ لتهرول إليه لتتبعها ياسمين ومروة اللتان كانا يتابعان تجهيز الغداء تحت ارتيابها من عدm إجابة زوجها إلى الأن على إتصالاتها المتكررة لكنها كبتت إنزعاجها بناءًا على تعليمـ.ـا.ت إجلال الصارمة، وقفت أمامه بجسدٍ مرتجف بعدmا رأت نارًا مشتعلة بعينيه الغاضبة ليُمسكها من ذراعها يهزها بعنفٍ شـ.ـديد وهو يقول بسخط:
-جوزك فين؟ خ
إبتلعت لُعابها وظهر الرعـ.ـب بعينيها لمحت إجلال قد خرجت من غرفتها لتنظر إليها بنظراتٍ مستنجدة، استشاط داخله من صمتها ليصـ.ـر.خ بوجهها:
-مـ.ـا.تردي يا بت، جوزك فين؟
-فيه إيه يا حاج،بتزعق ليه...جملة قالتها إجلال بداخلاً مرتعب ليهتف الاخر صارخًا:
-فيه إن بنت ناصرة ضحت علينا وقالت لك إمبـ.ـارح إن جوزها نايم فوق وهو بايت برة البلد كلها
اتسعت عيناه عنـ.ـد.ما رأى عدm تفاجيء زوجته بالموضوع بل أنها أمسكت كفه لتفلته من فوق ذراع تلك التي تكاد تفقد أنفاسها من شـ.ـدة رعـ.ـبها:
-سيبها وتعالى نتكلم في أوضتنا يا حاج
قطب جبينه وسألها بتشكيك:
-أسيبها إزاي، بقول لك البِت قرطستني
-هي جت الفجر خبطت علينا وقالت لي وانا محبتش ازعجك،وقولت أكيد سرح في الوقت مع أصحابه ونام عند حد منهم...قالت كلمـ.ـا.تها بهدوء كي تحسه على الاسترخاء لكنها فوجئت باحتدام ملامحه ليهمس مذهولاً:
-يعني مرات إبنك كانت جاية تقول لنا علشان نشوف البيه بيتسرمح في انهي داهية تاخده لوش الفجر وإنتِ اللي منعتيها تتكلم؟
زفرت بضيق مع تقليب عينيها بضجَر لتهتف ناهرة إياه بنبرة حادة:
-هو كان حصل إيه للغاغة اللي إنتَ عاملها دي كلها يا نصر؟
رمقها بغضب ليصيح ملقيًا اللوم عليها:
-حصل إن إبنك بايت في القسم يا ست إجلال،إبن نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب اللي بتتهز له شنبات بات في القسم إمبـ.ـارح
لطـ.ـمـ.ـت خديها ليزيدها من البيت شعر قائلاً بغضبٍ عارم:
- وياريتها جت على قد كدة ووقفت،ده المحضر إتحول من نص ساعة على النيابة وكمان شوية الصحافة هتاخد خبر وأعدائي ماهيصدقوا
-إيه الكلام اللي إنتَ بتقوله ده يا نصر؟...نطقتها وهي تخبط على صدرها بكفيها ليصيح بحدة:
-اللي سمعتيه يا اختي،ما أنتِ لو كنتي قولتي لي من ساعتها كنت عملت إتصالاتي وعرفت مكانه ولحقت المصيبة قبل ما تكبر، كنت هسكت ظابط القسم بقرشين ونخلص الموضوع، ولو ملوش في السكة دي كنت هجيبها له من اللي فوق منه وأخليه يقطع المحضر ولا من شاف ولا من دري
قالها بغضب ليسترسل بحدة:
-إنما بعد ما المحضر اتحول للنيابة مستحيل يخرج منها إلا لما بنت الجوهري تروح بنفسها للنيابة وتتنازل عن المحضر
برقت سُمية عينيها وهتفت مستفسرة والغيرة تنهش قلبها:
-وإيه دخل بنت الجوهري في الموضوع يا عمي؟
إبقي إسألي البيه لما ييجي لك يا اختي... نطقها وهو يهز رأسهُ باستهزاء ليتكرر السؤال مرةً أخرى ولكن تلك المرة من المتجبرة زوجته حيث سألته بعينين متسعتين:
-بنت الجوهري مالها بحبس عمرو يا نصر؟
العرة إبنك راح لها البيت الساعة إتنين الفجر وهو سـ.ـكـ.ـر.ان واتهجم على شقتها وفضل يخبط قدام الجيران، والبوليس جه أخده
واستطرد باستهجان:
-والست إيثار راحت القسم وعملت له محضر تعدي، والجيران عملوا له محضر إزعاج، والشرطة لبسوه في محضر سُكر...كان يتحدث مشوحًا بكفاه من يراه يتيقن أنهُ اوشك على ذبحة صدرية ليستطرد بعينين حاقدتين :
-وطبعًا لازم أروح بنفسي لبنت الجوهري وأترجاها علشان تتنازل عن المحضر
يا لهوي يا لهوي يا لهوي...قالتها وهي تلطم وجنتيها تحت ذهول ياسمين ومروة وسمية التي شعرت بنار الغيرة تسري بأوردتها لتسترسل إجلال صارخة بنظراتٍ لائمة:
-وإنتَ سايب الواد مرمي في النيابة وجاي تحقق معايا أنا ومـ.ـر.اته يا نايب الدايرة؟
تنزل حالإ على مصر ومـ.ـا.ترجعش غير وإبني في إيدك، إتحرك يا نصر... نطقتها صارخة بأمر ليهتف وهو يجز على نواجذه من شـ.ـدة غيظه:
-إنتِ كمان ليكي عين تعلي صوتك وتتأمري
كادت ان تنهره لولا تدخل سمية التي أمسكت كف يده وتحدثت وهي تنظر له بنظراتٍ ذليلة:
-وحياة حبيبك النبي يا عمي لتروح تطلعه وبعدين إبقى تعالى ولومنا، إن شالله حتى تولع فينا، بس تطلعه الاول من المصيبة دي.
وزع رمقاتهُ الغاضبة بين كلتاهما ليزفر بضيق ثم هاتف نجله البكري طلعت المتواجد بالأراضي الشاسعة التابعة لوالده ليتابع ما يقوم به الفلاحون من أشغال خاصة بالزراعة والري وطلب منه أن يحضر في الحال ويترك أمر المتابعة لشقيقه حسين،ودخل غرفته ليأخذ بعضًا من رزم المال الورقية ويحملها بجيب جلبابه الكبير وينصرف تاركًا خلفه هؤلاء الأربع لينتحبن ويلطمن وجناتهن ليعلوا صوت تلك الغاضبة حيث توجهت باتهام لوالدة زوجها:
-إنتَ السبب في اللي حصل لـ عمرو، لو قولتي لعمي كان إتصرف ومكناش وصلنا للي إحنا فيه ده
حُبست أنفاس كلاً من مروة وياسمين ووضعتا كفاي يديهما فوق فاههما لتجحظ عيني الاخرى وهى ترمقها بنظراتٍ حارقة ولو كانت النظرات تصيب لانتهى أمر سُمية وتحولت لرمادٍا في الحال، همست بفحيح كالحية التي تستعد لبخ سمها بعيناي ضحيتها:
-يا نهار أبوكِ إسود،إنتِ إتجننتي ولا إيه يا بت؟
واستطردت بذهول وهي تقترب منها كالأسد الذي ينقض على فريسته:
-جبتي منين الجرأة اللي جمدت قلبك وخلتك تكلمي ستهم كدة؟!
ارتجف جسدها عنـ.ـد.ما رأتها تُقبل عليها والشرر يتطاير من مقلتيها لتأخذ خطوات استباقية وتتوارى خلف ياسمين التي هتفت برجاء وهي تضع كفيها بصدر إجلال برفقٍ:
-هدي نفسك يا مرات عمي، دي بت هبلة وبتهلفط بكلمتين من حرقة قلبها على اللي حصل لجوزها
-الهبلة تتأدب علشان تاخد بالها من كلامها مع "ستهم"بعد كدة...قالتها وهي تجذب تلك المختبأة وتنزل بكل قوة فوق وجنتها بصفعة قوية أحدثت صوتًا من شـ.ـدتها لتسترسل وهي ترفع قامتها بكبرياء:
-وبعدين هو كان إيه اللي حصل لجوزها يا ست ياسمين إنتِ كمان، ده أبن "نصر البنهاوي "بجلالة قدره والكل عارف كدة،وأكيد الظابط النباطشي نيمه في مكتبه واتعامل أحسن معامله، ميقدرش يعمل غير كدة لأن الكل عارف مين هو سيادة النايب نصر البنهاوي وعارفين إن اللي بيقف في سكته بيتإذي
واستطردت بوعيد:
-والقادرة بنت منيرة هتدفع تمن عملتها السودة دي غالي
ارتعبت أوصال زوجات أبناءها الثلاث لتتراجع هي للخلف ثم امسكت خصلة من شعرها ولفتها على أصابع يدها لتتحدث بفحيح بعدmا تحولت ملامح وجهها لحاقدة:
-وحياة شعري ده ولا يكون على حُرمة، لأخلي بنت منيرة تتحسر على شبابها واجيبها له لحد عنده تركع تحت رجليه وتترجاه عشان قلبه يحن ويعتبرها مَرة زي زمان
1
اشتعل قلب سمية وزاد كرهها لتلك المرأة المتجبرة وعلمت حينها أن لا مفر من رجوع تلك الإيثار لزوجها ويرجع هذا لتيقنها بقدرة هذه المرأة على تنفيذ اية فكرة تصمم عليها لتتحسر على حالها وتنتظر القادm بقلبٍ مشتعل، فقد تيقنت أن القادm ليس بهين على الجميع
____________________
وصل نصر ونجله البكري أمام منزل غانم ليصف سيارته الفاخرة ويترجلا متجهين لذاك المنزل البسيط، وجد الجميع بانتظارهما بناءًا على مكالمة تمت بين طلعت وعزيز أبلغ من خلالها الاول بحضور الثاني بصحبة والده مما أسعد قلب عزيز الذي ربط سبب مجيء نصر بطلبه رسمي لرجوع شقيقته لنجله المدلل وهذا ما بات يتمنى تحقيقه بشـ.ـده، ولج الجميع للداخل ليتحدث غانم بترحاب:
-يا مرحب، يا ألف أهلاً وسهلاً يا سيادة النايب
كان يتحدث بترحاب وهدوء تحولا لتعجب بعدmا هتف الأخر بوجهٍ صارم ينم عن مدى غضبه:
-هي بنتك خليت فيها أهلاً ولا سهلاً بعد اللي عملته يا غانم؟
سألهُ بنبرة متـ.ـو.ترة:
-إيثار!
-هو أنتَ عندك بلوة غيرها...نطقها بحدة ليهتف عزيز بحدة وخنوع:
-عملت إيه مقصوفة الرقبة؟
رمقه غانم بنظرة نارية غاضبة ليتلبك بوقفته ليقطع نظراتهم حديث نصر الغاضب:
-بنتك المحترمة بنت الاصول المتربية كتبت بلاغ في عمرو إمبـ.ـارح وخلته قضى ليلته في الحجز
اتسعت عيناي منيرة وذُهل الجميع ليستطرد بتغطرس:
-طب لو مش باقية على العِشرة والهنا والعز اللي اتمرمغت فيهم لما كانت متجوزاه،على الاقل كانت عملت حساب لإبنه اللي أنا سايبهولها بمزاجي علشان يفضل الود موصول لحد ما ربنا يهديها وترجع لجوزها هي وإبنها
ليستطرد بافْتِخار:
-إبنها اللي معيشاه في حتة شقة قد الجُحر وحرماه من ثراية جده اللي يرمح فيها الخيل.
-إيه اللي حصل وخلى بنتي توصل بإنها تشتكي على عمرو يا سيادة النايب؟...سؤال طرحه غانم على نصر الذي صاح بتهرُب:
-إحنا في إيه اللي حصل ولا في إبني اللي مرمي في الحجز بسبب بنتك يا غانم
نكس رأسه ليهتف الأخر أمرًا بوجهٍ صارم:
-يلا معايا ننزل مصر علشان ناخد الهانم على النيابة تتنازل عن المحضر
-أنا اللي هاجي معاك يا حاج نصر...قالها عزيز بجسده المشـ.ـدود المنتصب نتيجة غضبه العارم الذي اصابه من أفعال شقيقته التي تقف دائمًا عقبة أمام تحقيق رغباته وأطماعه بالحياة،ليسترسل وهو ينظر لوالده المتعجب:
-أبويا تعبان وصحته مـ.ـا.تتحملش بهدلة الطريق والمرمطة في الاقسام
على الفور وافق نصر لعلمه بقوة شخصية عزيز وإستطاعته التأثير والضغط على تلك المتمردة، وقف "أيهم" الإبن الاصغر لـ غانم ليتحدث بعدmا شعر بتـ.ـو.تر عضلات عزيز وتيقن بأنهُ من الممكن أن يأذي شقيقته إذا مانعت التنازل:
-أنا كمان جاي معاكم
وقف نصر مقابلاً غانم ليقول بوصاية مشيرًا بسبابته:
-انا ماشي يا غانم، تتصل ببنتك وتعقلها علشان لما نوصل لعندها نروح على النيابة على طول، وإلا قسمًا بالله اخليها تعض على صوابع إيديها من اللي هعمله فيها، أنا مش قليل عشان ابني يترمي في الحبس بسبب واحدة قليلة عقل زي بنتك
نكس رأسه بخنوع لعلمه سطوة ذاك المتجبر وما يمكنه فعله بابنته المسكينة التي تجرعت المرار على يد نجله المدلل لتُكمل عليها والدتها وشقيقاها عزيز ووجدي، تحرك الجميع للخارج لتهتف منيرة وهي تدق على فخديها بنحيب:
-أنا عارفة إن عيالي مش هيشوفوا راحة طول ما هي قاعدة لنا في مصر لوحدها
حولت بصرها إلى ذاك البائس لتسترسل بنبرة لاذعة:
-شوفت أخرة دلعك فيها يا غانم، علشان تبقى تتصدر لها تاني وتقف في وش إخواتها عشانها، دي واحدة مستبيعة ومش هتسكت إلا لما نصر البنهاوي يحط اخواتها في دmاغه ويطوحنا من البلد كلها
تنهد بضيق وهو يرمقها بحدة لتُمسك هي بهاتفها مسترسلة وهي تضغط زر الإتصال برقم ابنتها:
-أما أشوف اخرتها معاكِ يا بنت منيرة
-بدل ما تندبي وتولولي علشان عيالك الرجـ.ـا.لة إطمني الأول على بنتك وإسأليها إبن نصر عمل لها إيه خلاها تتجنن وتروح تشتكيه...كلمـ.ـا.ت نطقها بتبكِيت علها تشعر بصغيرتها وتسترد مشاعر الأمومة نحوها لكنها لم تبالي بحديثه حيث هتفت بحنقٍ وكأنها لم تستمع لما قال:
-بردوا مبتردش
بسطت ذراعها باتجاهه لتسترسل:
-هات تليفونك اتصل عليها منه، هي مش هترد عليا لو قعدت أرن عليها للصبح أنا عارفة
ناولها هاتفه لتتصل ولكن دون جدوى مما أشعل داخلها
___________________
داخل مسكن إيثار
كانت تجلس فوق مقعدها الهزاز الموجود بالشرفة المنفتحة على البهو عاقدة حاجبيها بضيق وهي تتطلع إلى الأفق البعيد بشرودٍ تام، تنهدت ومدت يدها صوب الطاولة لالتقاط كأسًا من مشروب البرتقال الطازج قد صنعته لها عزة فور عودتها من النيابة مباشرةً بعدmا أخبرتها بأن أيمن قد منحها إجازة من عملها اليوم لتُريح أعصابها مما حدث بالأمس،يقابلها صغيرها يتناول الحلوى المحببة لديه والتي جلبتها لهُ معها من الخارج كي تجلب السرور على قلب ذاك المسكين الذي لم يحظى بحياة أسرية مستقلة كجميع الأطفال،استمعت إلى رنين الهاتف للمرة التي لا تعلم عددها والمتصل واحد، وهي والدتها التي لم تستسلم لعدm ردها لتحاول من هاتف والدها كي تخبرها بأمر عودتها لذاك الـ عمرو، هكذا فسرت ما يحدث، تجاهلت الرنين واكملت إرتشاف مشروبها،ليتحدث الصغير بلطافة:
-إنتِ ليه مش بتردي على تليفونك يا مامي؟
-ده رقم غريب يا حبيبي،وإحنا مش بنرد على أرقام غريبة...ابتسم لها الصغير وتابع تناول الحلوى من جديد لترفع هي الاخرى الكأس وهي تقربه من شفتيها ليقطع انـ.ـد.ماجها صوت طرقات قوية فوق الباب بجانب رنين الجرس المتواصل مما ازعجها لتهرول صوب الباب بعدmا أوصت الصغير على عدm الخروج من الشرفة ومتابعة الاستمتاع بالحلوى، قابلتها عزة التي خرجت من المطبخ قائلة:
-خير يا رب، مين اللي بيرن الجرس بالشكل ده، هو أحنا مش هنخلص
واسترسلت بذعر بعدmا رأت إيثار تقترب من الباب استعدادًا لفتحه:
-مـ.ـا.تفتحيش إلا لما تبصي من العين السحرية
رأت الصواب بحديثها لتقترب من فتحة الباب الصغيرة تستكشف الطارق، قطبت جبينها عنـ.ـد.ما رأت صورة شقيقها الصغير "أيهم"والذي صدره" عزيز"لعلمه مدى تعلق تلك المتمردة به،تعجبت لتلك الزيارة المفاجأة لكنها سُرعان ما ابتسمت وامسكت مقبض الباب لتفتحه بلهفة ترجع لحبها الزائد لذاك الوسيم،تراجعت للخلف بقوة أثر دفعة قوية تلقتها بكتفها من عزيز كادت أن تبطحها أرضًا لولا عزة التي اسرعت عليها لتُسندها،رفعت عينيها وتعمقت بنظراتها المرتعبة لتلتقي بنظراته الجحيمية ليقول بفحيحٍ:....
↚
رمق أيهم شقيقه بحدة ليهتف بنبرة عاتبة وهو يقترب من شقيقته:
-هو ده اللي إتفقنا عليه يا عزيز، مش وعدتني وإحنا في الطريق إنك هتتكلم معاها بالراحة!
أشار بسبابته على فمه مع إلقاءه لنظرة تهديدية ليبتلع الأخر كلمـ.ـا.ته بـ.ـارتياب خشيةً بطش ذاك البغيض الذي تملكه الشيطان ليتغلب حقده على إنسانيته
رفعت عينيها وتعمقت بنظراتها المرتعبة لتلتقي بنظراته الجحيمية ليقول بفحيحٍ مخيف:
-صممتي على الطـ.ـلا.ق من الراجـ.ـل اللي بيحبك وشاريكِ وبلفتي دmاغ ابوكِ وخلتيه وافق وقولنا ماشي،نشفتي دmاغك وقولتي هتسيبي البلد وتيجي تعيشي هنا لوحدك واتحججتي بإنك عاوزة تشتغلي علشان محدش يصرف عليكي وبردوا لعبتي بعقل ابوكِ الغلبان وسكتنا واتحملنا مساختك ودmاغك الناشفة،
واستطرد وهو يقترب عليها بعينين تطلقان شزرًا تحت استحسان نصر لحديثه الشفى لغليله من تلك المتمردة:
-الراجـ.ـل عمال يبعت لك علشان يرجعك تاني لعصمته ويلمك في بيته وبتتمنعي وقولنا مقبولة، حقك تدلعي لك شوية عليه قبل ما ترجعي
قبض على رسغها بقوة من حديد حتى شعرت بتمزق أوتارها تحت قبضته ليستطرد بحدة هادرًا بعينين حاقدتين:
-لكن يوصل بيكي الحال إنك تسجني أبو إبنك وتفضحينا في البلد وتخلي الناس تقول غانم معرفش يربي، هنا بقى أنا اللي لازم أقف لك واكـ.ـسرلك دmاغك دي
سحبها إليه بقوة لتصيح عزة وهي تجذبها منه بقوة:
-سيبها بدل ما أصوت وألم عليكم الجيران،جايين تتهجموا علينا في عز النهار،إنتوا فاكرينها سايبة ولا إيه يا جدع منك ليه؟
جذب شقيقته بقوة أكبر ودفعها لتترنح بعيداً لينقض على تلك الـ عزة مشـ.ـددًا قبضته على فكيها حتى كاد أن يسحقهما ليهتف مهددًا إياها وهو يرمقها بنظرات مُرعـ.ـبة:
-إخرصي يا ولية بدل ما أخرصك بطريقتي وأتاوي جتتك في حتة ميعرفهاش الجن الازرق
إنتفض جسدها رُعبٕا لتهتف إيثار بصوتٍ عالِ:
-سيبها يا عزيز،مشكلتك معايا مش معاها.
دفعها لتقع أرضًا تحت رُعبها ليلتفت لتلك الواقفة تنظر إليه بحدة مماثلة كـ حدة الصقر،تعجب من صمودها وقوتها وللحظة شرد بتغييرها الجذري لكنه نفض أفكاره وهتف أمرًا بصرامة:
-تدخلي تغيري هدومك علشان تنزلي معايا أنا وسيادة النائب وتسحبي البلاغ، وبعدها تجهزي نفسك علشان هتنزلي معانا البلد،وتعملي حسابك إن كتب كتابك على عمرو هيكون بكرة
حررت ذراعها من قبضته وهتفت بصرامة وهي ترمقه بأعينها الفاحصة من رأسه لأخمص قدmيه بازدراء:
-وإنتَ بقى اللي قررت كدة من نفسك!
واستدارت برأسها تتطلع على ذاك الواقف واضعًا كفاه بجيبي جلبابه الفخم بخيلاء ويبدوا على وجهه الراحة والاستمتاع بما يحدث،لتسترسل باستفزاز:
-ولا دي أوامر سيادة النائب نصر البنهاوي وإنتَ جاي تنفذها
1
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وكاد أن يهجم عليها ليسدد لها بعض اللكمـ.ـا.ت لتأديبها لولا ذاك الي وقف امام شقيقته ليحميها بجسده قائلاً بنبرة حادة:
-كفاية يا عزيز، دي مهما كانت أختك
للحظة شعرت بالامان وهي تحتمي بظهر شقيقها الأصغر قبل أن يتسلل إلى مسامعها صوت ذاك الخبيث الذي تمقته ليقول بقوة:
-خلاص يا عزيز، مش وقت اللي إنتَ بتعمله ده، خلينا في اللي إحنا جايين علشانه
بكل شموخ خرجت من وراء شقيقها لتقف أمامه وتتسائل:
-وإنتَ جاي بعد كل السنين دي يا سيادة النائب وبتؤمرني في قلب بيتي إني أروح أتنازل عن البلاغ اللي قدmته في إبنك
واستطردت باستنكار:
-بإمارة إيه عاوزني أروح أتنازل عن واحد إتهجم عليا في انصاص الليالي
لتحيل بنظرها سريعًا إلى شقيقها الأكبر لتصيح باستياء:
-واخويا الكبير، بدل ما يقف معايا ويروح يقول لك عيب يا سيادة النائب، لِم إبنك وابعده عن أختي وإلا مش هيحصل طيب، جاي يتهجم عليا هو كمان
ده أنتَ حتى مسألتنيش إذا كان اذاني ولا لاء!
اغرورقت عينيها بالدmـ.ـو.ع لتسترسل بغصة مريرة:
-إنتَ عارف أنا كنت حاسة بإيه وأنا وإبني لوحدنا وهو عمال يخبط وبيحاول يكـ.ـسر الباب عليا وهو سـ.ـكـ.ـر.ان،ساعتها بس حسيت إني مليش أهل وإني وحيدة
إقترب عليها أيهم وهم ليسحبها بأحضانه لكنها نفضت يده لتبتعد عنه وهي تستمع لعزيز الذي هدر بقوة:
-ومين اللي خلاكي وحيدة، مش عمايلك السودة ودmاغك الناشفة اللي عاوزة تتكـ.ـسر
انكمشت ملامحه بازدراء ليستطرد باستنكار:
-وبلاش الشويتين بتوعك دول علشان مبياكلوش معايا، دول ممكن تضحكي بيهم على أبوكِ الغلبان ويصدقك، بس أنا لا، لأني فاهمك وفاهم خبثك كويس قوي يا بنت أبويا
ابتسمت بمرارة ليهتف ذاك الذي لم يعد يتحمل جدالهما السخيف بالنسبة له:
-خلصونا في ليلتكم دي
ليستطرد أمراً وهو ينظر إليها بلامبالاة:
- يلى يا بنتي ادخلي البسي عشان نلحق النيابة
فاجأتهُ بابتسامة ساخرة ارتسمت فوق محياها لترمقه بنظرة قوية،فقد تغيرت عن الماضي كثيرًا، لم تعد أبدا تلك الذليلة الضعيفة فقد تخطت ماحدث وأصبحت أقوى مما كانت عليه بالماضى وهي الان مستعدة لمواجهة الشيطان بذاته وبكل قوتها، رفعت وجهها لتقول بثقة:
-وإن قولت لا؟
اشتعلت عينيه غضبًا فهذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها أحدهم الخضوع وتنفيذ أوامره،هم بالرد ليفاجأه خروج الصغير الذي استمع لصوته ليهرول عليه وهو يردد ببراءة:
-جدو
لم يدري نصر ما الذي يحدث له بكل مرة يرى فيها هذا الصغير الذي يستحوذ بعفويته على قلبه،انشرح صدره وابتسم وجهه تلقائيًا وما شعر بحاله إلا وهو ينزل على ركبتيه فاتحًا ذراعيه لاستقبال حفيده الاقرب بل والأعز إلى قلبه،قطب الجميع أجبانهم وباتوا ينظرون بتعجب من أمر هذا المتجبر الذي نزل للأسفل ليستقبل صغيرًا، الأن وفقط علمت ما سر عشق نجلها لذاك الـ نصر وحديثه الحماسي الذي لم ينقطع بعد أي زيارة له لمنزل جده، بات يقبل كل إنشٍ بوجه الصغير متحسسًا ملامح وجههُ وشعر رأسه الحريري بلونهِ البني الفاتح والذي ورثه عن أبيه وهو ينثر على مسامعه أعـ.ـذ.ب الكلمـ.ـا.ت وحلوها، إنتابها شعورًا بالألم لابتعاد صغيرها عن عائلته لكنها تعلم في قرارة نفسها أن ما فعلته منذ الأربعة أعوام المنصرمة كان هو الافضل لها وصغيرها على الإطـ.ـلا.ق
نظر نصر إليها قائلاً بنبرة تحمل بين طياتها تهديدًا:
-لو قولتي لا، التمن هيكون يوسف، حفيدي اللي أن الأوان إنه يعيش في عز وخير جده
ابتلعت لعابها بصعوبة لكنها سرعان ما استعادت قوتها أمامه كي لا يشعر بضعفها ليعود هو لتقبيل الصغير من جديد ويسود الصمت المكان حتى اجتاز صمتهم صوت هاتف عزيز الذي صدح ليعلن عن وصول مكالمة هاتفية، تحرك إليها ليعطيها الهاتف قائلاً بحدة وهو يرمقها باحتقار أصابها بالنفور:
-كلمي ابوكِ
فتحت الاتصال وتحدثت بعدmا تسلل إلى مسامعها نبرات صوت أبيها الحنون:
-إزيك يا بابا
علم غانم أن شقيقها قد وصل إليها فتحدث باشتياقٍ جارف ظهر بَين بصوته:
-إزيك يا إيثار، عاملة إيه يا بنتي
واسترسل معاتبًا:
-كدة تقعدي إسبوع بحاله متكلميش ابوكِ؟
شعرت بالحنين والحاجة للإرتماء داخل احضانه لكنها سرعان ما أفاقت من شعورها على صوت تلك التي هدرت بجانب والدها وهي تقول بحدة وعملية:
-مش وقت الكلام ده يا غانم، قولها المفيد خلينا نخلص من الورطة اللي رمتنا فيها
ابتسمت بسخرية ليتحدث والدها بضعف واستكانة:
-إسمعي كلام الحاج نصر وروحي معاه عشان تتنازلي عن المحضر يا بنتي
قاطعته قائلة:
-أتنازل إزاي بس يا بابا، ده اتهجم على شقتي وهو سـ.ـكـ.ـر.ان
شعر بالعجز أمام نبراتها الشاكية ولكن ما بيده ليفعله،هو يعلم جيدًا أنه لم يكن يومًا الأب المشرف القوي لها، لم يكن بالأب الحامي لابنته الضعيفة بل تركها للذئاب البشرية كلٍ ينهش بها بطريقته الخاصة حتى كادوا أن ينهوا عليها لولا صمودها وقوتها وإصرارها على النجاة،خرج صوته ضعيفًا ليمزق قلبها حين قال:
-إحنا غلابة يا بنتي ومش قد غضب وغدر نصر البنهاوي، علشان خاطر ربنا وخاطري تتنازلي يا بنتي، أنا مش حمل و.جـ.ـع قلبي عليكِ ولا على إخواتك
سالت دmـ.ـو.عها وانهمرت فوق وجنتيها تأثرًا بصوت والدها الواهن،من أصعب الأشياء التي تواجهها فتاة هو عجز وضغف والدها الذي من المفترض أن يكون لها السد المنيع،لذا ستنصاع لطلبه مهما كانت العواقب لتتفوه بانكسارٍ:
-حاضر يا بابا، أنا هتنازل، بس ده علشان خاطرك إنتَ
ثم حولت بصرها لذاك الذي مازال جالسًا على ركبتيه أمام حفيده وهو ينظر لها شامتًا يشعر بالقوة والإنتصار لتهتف هي باشمئزاز:
-لكن قسمًا برب العزة، لو كررها تاني أو حاول بس يظهر في مكان أنا فيه،ما فيه مخلوق في الدنيا هيقدر يخليني أتراجع على اللي ممكن أعمله وقتها
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب فم نصر كانت كفيلة لتخبرها كم أنه يراها ضعيفة بل وذليلة ولا يوجد باستطاعتها فعل حتى أبسط الأشياء
أنهت المكالمة مع والدها لتلقي بالهاتف فوق طاولة جانبية وهي ترمق ذاك العزيز بازدراء اشعل روحه، تمنى لو باستطاعته الإنقضاض عليها دون أن يمنعه أحد ليكيل لها الضـ.ـر.بات واللكمـ.ـا.ت بجميع جسدها كي يشفي غل السنوات الدفين من تلك العنيدة والتي طالما خالفت أوامره و.جـ.ـعلته يبدوا صغيرًا بعين حاله قبل الأخرين، حولت بصرها لنصر لتقول بقوة منتصر:
-أنا داخلة أغير هدومي وهنزل اتنازل عن المحضر، بس ده مش علشان تهديدك ولا علشان أنا قليلة ومش هقدر اقف في وشك يا سيادة النائب، لا
رفعت رأسها بشموخ مسترسلة بكبرياء:
-لازم تشكر أبويا لأن هو الوحيد السبب واللي من غيره مكنتش فيه قوة على الأرض هتقدر تجبرني إني أسحب البلاغ
زفر طلعت بقوة ليهتف غاضبًا باستنكار:
-إنجزي وخلصينا علشان نلحق ميعاد النيابة
نظرت إليه باستغراب لحدة ملامحه التي تشير لقمة غضبه العارم، لم يكن الموقف المهين الذي وضع فيه و والده وحجز شقيقه ليلة كاملة وسط الخارجين عن القانون بل وتحويله إلى النيابة العامة هما فقط ما أوصلاه لهذا الكم من الغضب،كل ما ذُكر لم يشعلوا قلبهُ بقدر ما مزقهُ رؤية أباه وهو يركع لاستقبال نجل عمرو المُدلل والذي ورث دلال العائلة عن أبيه، وأيضًا لكونه لم يستطع إنجاب ذكرًا يحمل اسم العائلة كما فعل عمرو وهذا الذي طالما أشعل قلبه بنار الغيرة والحقد على شقيقه وعلى ذاك الصغير الذي لا ذنب له،رمقته بنظرة نارية لتهتف باستكار زاد من اشتعال صدره:
-ياريت توطي صوتك ومـ.ـا.تنساش إنك في بيتي، وياريت كمان تحط في إعتبـ.ـارك إني بعمل فيكم جميلة بتنازلي عن المحضر وتتكلم معايا بإسلوب أحسن من كدة
نظرت إليه باشمئزاز لتسترسل باستعلاء وسـ.ـخرية أثار دهشة الجميع:
-لأن لولا تنازلي أخوك كان هيقعد له حبتين حلوين في بورتو طرة وسط صفوة المجرمين
حملق بها غير مصدقًا مـ.ـا.تفوهت به وتلك القوة الجديدة على شخصيتها المهزوزة كما عاهدها،هم ليتحدث ليوقفهُ "نصر " بإشارة من عينيه اوقفته لينهي ذاك الصراع الدائر إختصارًا للوقت،وقف فاردًا ظهره ليتلفت حوله حتى استقر بصره على تلك الأرائك المتلاصقة التي تتوسط البهو ليتحدث وهو يحتوي كف حفيده الصغير برعاية شاملة:
-جرى لك إيه يا بنت الحاج غانم، هتسبينا واقفين في بيتك كدة كتير، هي القعدة في مصر نسيتك عوايدنا وكرم الضيافة ولا إيه؟
كرم الضيافة بيتقدm للضيوف يا سيادة النائب...كلمـ.ـا.ت لاذعة قالتها لتسترسل وهي تُشير بيدها إلى الأرائك:
-ومع ذلك إتفضلوا
تحرك الجميع للداخل استعدادًا للجلوس تحت استيائهم لتهتف بصوتٍ مرتفع:
-عزة، تعالي شوفي ضيوفك يشربوا إيه
تحركت لغرفة نومها لتقترب عليهم عزة بوجهها الكاشر مما يدل على عدm تقبلهم لتسألهم باشمئزاز وهي تضع كفًا فوق الأخر:
-تشربوا إيه
غوري يا ولية على جوة،مش عاوزين من خلقتك العكرة حاجة...جملة صاخبة نطق بها طلعت وهو يرمقها باحتقار لتلوي شفتيها بازدراء مع مصمصة شفتيها لتنسحب وهي تبرطم:
-أحسن بردوا،وفرتوا
صاح عزيز باعتراض:
-ميصحش يا طلعت،لازم تشربوا حاجة
-إحنا مش جايين نتضايف في بيت اللي بيتت إبن الحاج نصر البنهاوي في الحبس يا عزيز... كلمـ.ـا.ت ساخطة نطقها طلعت بصرامة ووجهٍ كاشر ثم حول بصره لوالده الذي أجلس حفيده فوق ساقيه ليمد الصغير كفه الرقيق متحسسًا ذقنه ليسأله:
-جدو، هو بابا مش جه معاك ليه؟
تنهد بأسى ليجيبه بقوة بعدmا استعاد وعيه:
-بابا هيجي لك بكرة ياخدك علشان تقعد معانا إسبوع بحاله
-طب ومدرستي؟...نطقها الصغير بتفكُر ليجيبه بتغطرس:
-أنا هخلي المدرسين يطلعوك الاول السنة دي على المدرسة كلها، ومن غير ما تفتح كتاب كمان
هلل الصغير مصفقًا بكفيه الرقيقتين:
-بجد يا جدو؟
أجابهُ بافتخار:
-طبعاً بجد،ده أنتَ حفيد نصر البنهاوي على سن ورومح، فلوس جدك تلين الحديد يا ابن الغالي
هتفت بحنقٍ بعدmا خرجت من حجرتها بكامل ارتدائها لمبلابس الخروج وحملها لحقيبة يدها:
-أنا ليا اربع سنين بعلم إبني الفضيلة ويعني إيه شرف واجتهاد وإزاي يبقى بني أدm ناجح ومعتمد على نفسه،أكيد مش هبذل المجهود ده كله علشان تيجي إنتَ بكلمتين منك وتضيع لي كل اللي ببنيه في لحظة.
هتف بعجرفة:
-الشرف والفضيلة دول للناس الضعيفة اللي ملهاش ظهر ولاسند، مش لـ يوسف عمرو البنهاوي
هزت رأسها بيأس لتهتف بكامل صوتها:
-عزة،تعالي خدي يوسف وخليه يعمل الـ home work على ما أرجع من مشواري
وبكل اعتزاز تحركت أمامهم ليشـ.ـدد طلعت على قبضة يده وهو ينظر لها بحقدٍ دفين،وعزيز الذي شعر بأنه ذليل بعد أن قللت منه أمام نصر ونجله،استقل نصر سيارته بصحبة عزيز وطلعت أما أيهم فذهب مع شقيقته التي أصرت على الذهاب بسيارتها الخاصة، كانت تقود وهي تتطلع للأمام بملامح وجه حادة ليقطع الصمت ذاك الذي سألها باستحياء:
-عاملة إيه يا إيثار
أجابته دون أن تلتفت إليه قائلة بجمود:
-أحسن طول ما أنا بعيدة عنكم
أطرق برأسه فى حـ.ـز.ن ليتحدث وهو يشعر بالعار فوق جبينه:
-أنا عارف إنك زعلانة مني من أخر مرة
ابتسمت ساخرة وهي تتذكر ما حدث منذ ما يقرب من خمسة أشهر لتقول باستخفاف:
-قصدك لما ضحكت عليا وقولت لي إن بابا تعبان وإني لازم أنزل كفر الشيخ حالاً ويا ألحقه يا ما الحقهوش
حولت بصرها عليه لتهتف باحتقار:
-أتاريك متفق عليا إنتَ وأمك واخواتك وجايبين لي سي عمرو مستنيني في البيت ومعاه ورد وهدايا أشكال وألوان علشان يضحك على الهبلة بكلمتين وتحن وترجع له، حتى أبوك الغلبان مسلمش من أذاكم
-غـ.ـصـ.ـب عني والله يا إيثار،إنتِ عارفة عزيز وغباوته... نطقها بهوان لتهتف صارخة:
-كفاية يا أيهم، بلاش تصغر نفسك في عيني أكتر من كدة
تحدث اسفًا بألم:
-أنا بحبك وإنتِ عارفة ده كويس قوي، كل اللي كنت بفكر فيه إنك ترجعي لجوزك وتعيشي في أمان إنتِ وإبنك خصوصًا بعد ما سبتك لوحدك ورجعت كفر الشيخ لما التعيين الحكومي جالي
بابتسامة متألمة أجابت وهي تنظر أمامها:
-حبك مؤذي يا أبن أبويا، عملت زي الدبة اللي قـ.ـتـ.ـلت صاحبها
تنهد بأسى بعدmا تيقن بعدm مسامحتها له ففضل الصمت حتى وصلا
______________
1
دخلت إلى مبني النيابة للمرة الثانية بنفس اليوم ولكن هذه المرة توجهت إلى وكيل نيابة غير الذي إلتقت به في الصباح،ولجت للداخل بصحبة المحامي الذي حضر بناءًا على طلب نصر، تنازلت عن حقها لكنها أصرت على تحرير محضر عدm تعرض من عمرو ووالدهُ لها فاخبرها وكيل النائب العام بأن عليها الذهاب لقسم الشرطة التابعة له لتحرير المحضر،خرج المحامي في الردهة ليخبر نصر بأن النيابة أمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق بالنسبة لمحضر السُكر وإزعاج ساكني البناية الذين تقدmوا بشكاوي، صاح صوت نصر ليجلجل بالمكان قائلاً باعتراض:
-سُكر إيه ونيـ.ـلـ.ـة إيه على دmاغهم، هما ميعرفوش هو ابن مين؟
تحدث المحامي بإبانة:
-إهدى يا سيادة النائب،إحنا في نيابة والكاميرات مزروعة في كل حتة، لو اتسرب لك مقطع فيديو للسوشيال ميديا وإنتَ بتعترض على أمر النيابة هتبقى وحشة في حقك كنائب في البرلمان اللي المفروض أول ناس بتحترم القوانين وحرية القضاء
-أخر همي الزفت اللي بتتكلم عنها دي...قالها بصياح، كانت تقف جانبًا تستمع إلى صريخ ذاك المـ.ـجـ.ـنو.ن وداخلها شامت به وبنجله الغير مسؤل وكأن الله أراد أن يشفي غليل صدرها رغم خنوعها لرأي والدها والخضوع لرغبة الجميع، خرج فؤاد من مكتبه ليستكشف مصدر الصوت العالي قطب جبينه عنـ.ـد.ما رأى تلك العنيدة تتوسط مجموعة من الرجـ.ـال بملامحهم المتشنجة،كانت تهم بالذهاب أوقفتها يد نصر الذي أحكمت السيطرة على رسغها ليهزها بعنف مهددًا إياها:
-رايحة على فين يا بِت،إنتِ مش هتتحركي من هنا غير لما يفرجوا عن إبني
اسرع أيهم ليحاول فك وثاق قبضته وهو يقول بحدة:
-ميصحش كدة يا حاج نصر
لم يدري لما أصابهُ الانزعاج لما رأها عليه وشعر بحاجة مُلحة تجبره على الهرولةِ إليها وجذب رسغها من ذاك الهمجي وتسديد لكمة قويه بوجهه وجذبها لتختبيء خلف ظهره، وبالفعل كاد أن يهم بالتحرك لولا رأى تلك القوية تجذب رسغها بقوة منه لتتحدث بصرامة وملامح وجه حادة تحت نظرات فؤاد المذهولة مما يحدث:
-سيب إيدي وبطل همجية،ولو فاكر إني خايفة منك وعاملة لمنصبك حساب تبقى غلطان،لأن عندي مناصب أعلى منك ألف مرة ممكن تساعدني، ولو فاكر بردوا إني علشان كبرت كلمة أبويا وجيت معاك أتنازل إني هسمح لك تتطاول عليا ولا تتعدى حدودك معايا تبقى واهم ومحتاج تعيد حساباتك من جديد
رفعت رأسها بشموخ للأعلى لتقول بشجاعة تُحسد عليها:
-إيثار اللي قدامك غير البنت الضعيفة اللي كانت في يوم من الأيام مرات إبنك، إيثار الغلبانة اللي بتترعـ.ـب من الصوت العالي وتسمع الكلام بخنوع خلاص، مبقاش ليها أثر،فياريت تبقى ذكي وتتعامل معايا باحترام علشان تقدر تكسبني، وتتقي شري...اتكأت على حروف كلمتها الأخيرة مع نظرة تحذيرية مغزاها عميق مما جعل نصر يُضيق عينيه وهو يتعمق بمقلتيها الحادة كصقرٍ غاضب
واستطردت بقوة تحت ذهول الجميع المتفاجئون بشخصيتها الجديدة والمثيرة للفضول:
-أظن أنا كدة عملت اللي عليا واتنازلت في حقي، حق الحكومة بقى مليش فيه، روح إتصرف مع الحكومة ولو لقيت لها أب خليه يضغط عليها ويخليها هي كمان تتنازل
هتف بصياحٍ عالِ:
-والله عال يا بنت غانم،جه اليوم اللي طلع لك فيه حِس وواقفة تبجحي قدام نصر البنهاوي بعد ما كنتي بتقفي قدامي زي الكتكوت المبلول
-حقك علينا يا حاج،أنا هربيها من جديد وأقطع لك لسانها خالص... كلمـ.ـا.ت مخزية نطق بها عزيز لم تكن بغريبة لديها فقد استمعت بالماضي بالأفظع من ذلك ولم تعد تتفاجيء،ھجم عليها كثور هائج فلت لجامه ليُمسك بمعصمها بقسوة كادت أن تكـ.ـسره،اتسعت عيناي فؤاد الذي جذب انتباههُ شموخ تلك القوية التي تقف ببسالة تدافع عن حالها ونسي أمر مشاجرتهم داخل النيابة،هم بالذهاب لتخليصها من ذاك الهمجي وفض تلك المهزلة لكنه توقف فور رؤيته لخروج صديقه وكيل النائب العام التي تدور المشاجرة أمام باب مكتبه،هدر بالجميع قائلاً بقوة:
-إيه المسخرة اللي بتحصل دي، إنتوا ناسيين إنكم في نيابة!
ارتبك عزيز وأفلت زمام قبضته ليقف كالفرخ المبلول لترمقه إيثار باشمئزاز وتتحرك بطريقها صوب الخروج،ابتعدت قليلاً لتتفاجأ بذاك الواقف أمام باب مكتبه وهو يتحدث إليها ساخرًا:
-مش غريبة أشوفك مرتين ورا بعض في النيابة في نفس اليوم
أثارت سخريته السخط بداخلها مما استدعى غضبها في الحال لترمقه بنظرة نارية وهي تهم بالتحرك بطريقها بعدmا رأت بالتجاهل الحل الامثل لذاك المغرور،فيكفيها ما هي به من مصائب تحل على رأسها واحدة تلو الاخرى منذ الثلاثة أيام، وكأن كوارث العالم أجمع تذكرتها دفعةً واحدة،بداية من حادثة الإغتيال وما أصابها من رُعبٍ جراء تناثر طلقات الرصاص فوق سمائها مرورًا بوفاة ذاك الخلوق أمام عينيها ولم تنتهي عند هذا الحد،بل تهجُم طليقها الحقير وإرعابهُ لها ولصغيرها لتختم بشقيقها وتهجمه عليها ومحاولاته المستمـ.ـيـ.ـتة بظهورها صاغرة أمام أعين نصر ونجله لينتهى بها الحال بإجبـ.ـارها على التنازل عن حقها لتشعر بالذل والمهانة وكم أنها وحيدة ضعيفة بلا سند أو مدد،تحركت خطوة للأمام ليوقفها صوته الأسف وهو يقول معتذرًا:
-ماقصدتش أضايقك بكلامي على فكرة، أنا كنت بحاول أخرجك من التنشنة اللي إنتِ فيها
تنفست بهدوء لتتوقف وهي تنظر إليه بتمعُن ليسترسل متسائلاً باطمئنان:
-فيه مساعدة أقدر أقدmها لك، لو فيه مشكلة أنا ممكن أتدخل
هدأ داخلها قليلاً لتقول بامتنان خرج بصرامة نتيجة ملامحها الحادة:
- متشكرة يا سيادة المستشار على عرض خدmـ.ـا.تك، بس أنا الحمدلله مش محتاجة مساعدة من حد
قطب جبينه مستغربًا صلابتها ولف رأسهُ لينظر على التجمع وهو يرى صديقه مازال يلقي كلمـ.ـا.ته اللاذعة على مسامع هؤلاء المتعدون ليستطرد هو:
-مش محتاجة مساعدة إزاي، ده أنتِ شكلك واقعة في موضوع كبير مع ناس شرانية
شعرت بصدرها يضيق فلقد وصلت لذروتها من الغضب ولم تعد تحتمل المكوث أكثر من ذلك مع هؤلاء الحقراء بنفس المكان، ولذا فقد تنهدت بضيق لتهتف بحنقٍ ظهر بملامحها رُغمًا عنها:
-توقعاتك غلط يا افنـ.ـد.م،أنا هنا علشان أسحب بلاغ كنت قدmته إمبـ.ـارح في طليقي
ضيق عينيه ليقول مرددًا باستغراب:
-طليقك! وإنتِ مقدmة بلاغ في طليقك ليه؟
علشان راجـ.ـل سخيف وحاشر نفسه في حياتي...جملة مقصودة نطقتها بضيق من أسالته الكثيرة التي أزعجتها لتسترسل بحدة وهي تستعد للمغادرة بعدmا فاض بها الكيل منهْ:
-بعد إذن حضرتك
تحركت بالممر تحت عينيه المبتسمة من تذمرها ليقطع طريقها دخول العسكري وهو يشـ.ـدد بقبضته على ذاك المقيد بالأساور الحديدية، اتسعت عينيها بذهول وهي ترى وجه عمر المصبوغ باللونين الأحمر الداكن والأزرق تحت عينه الشمال المتورمة وبجانب شِفته السُفلى المنتفخة وبها بقايا دmاءٍ جافة مما يوحي لتعرضه لضـ.ـر.بٍ مبرح، وقف سريعًا ليتحدث بعينين متشوقتين وكأنه لم يتعرض لكل هذا بسببها:
-إيثار، إنتِ هنا يا حبيبتي
ما زالت تحملق به بعدm استيعاب ليقطع صمتها بصوته الشغوف:
-أنا عازرك في اللي عملتيه ومش زعلان منك،أنا كمان زودتها وخوفتك، بس أوعدك مش هعمل كدة تاني
ليسترسل بتذلُل:
-أهم حاجة تسامحيني ومتكونيش زعلانة مني
قطب فؤاد جبينه وهو يستمع لصوت ذاك الخاضع ليقطع شروده صوت نصر المجلجل الذي صدح بالمكان قائلاً بغضب:
-إنتَ كمان بتستسمحها بعد اللي عملته فيك يا عرة الرجـ.ـا.لة...قالها قبل أن يدقق النظر لوجهه التي شوهته كثرة الكدmـ.ـا.ت ليهمس متسائلاً بذهول:
-مين اللي عمل فيك كدة
كرر سؤالهُ ضاغطًا على أسنانه:
-مين اللي إتجرأ وعمل كدة في إبن نصر البنهاوي!
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيه ليجيب والده مشتكيًا بصوتٍ مختنق كطفلٍ بالعاشرة من عمره:
-المساجين إتكاتروا عليا في الحجز وضـ.ـر.بوني
أمال رأسهُ مرات متتالية بعينين متوعدتين تطلقُ شررًا ثم حول بصره على تلك المذهولة والتي شعرت بالنـ.ـد.م بعدmا حدث له ليهتف ملقيًا اللوم عليها:
-إنتِ السبب في كل ده
واستطرد متوعدًا:
-بس قسم اتحاسب عليه لادفعك تمن اللي حصل في ابني ده غالي قوي يا بنت غانم، هخليكِ تنـ.ـد.مي على اليوم الإسود اللي اتولدتي فيه
-احترم نفسك يا راجـ.ـل إنتَ واحترم المكان المقدس اللي إنتَ واقف فيه...كلمـ.ـا.ت حادة نطقها فؤاد ليسترسل بصرامة وهو ينظر إليها:
-لو حابة تعملي محضر بالتعدي اللفظي يا أستاذة إيثار هخلى حد من الأمن يروح معاكِ القسم وتقدmي بلاغك وأنا بنفسي هشهد معاكِ
ارتعب داخل عزيز ليهتف وهو يقبض على رسغ شقيقته بقوة متلبكًا:
-يا باشا إحنا لا بتوع محاضر ولا بنحب المشاكل أصلاً،وبعدين سيادة النايب نصر باشا البنهاوي يبقى حما أختي وجد إبنها وهي أصلاً بتعتبره زي أبوها
رمقها بنظرة حادة ليستطرد متسائلاً:
-مش كدة يا إيثار؟
جذبت رسغها من كفه بقوة وهي ترمقهُ بازدراء ثم نظرت إلى فؤاد وتحدثت بعينين ممتنتين:
-متشكرة لحضرتك يا افنـ.ـد.م، بس أنا مسامحة في حقي وكل اللي أنا عوزاه إني أمشي من هنا لأن إبني في البيت لوحده
نظر لها متعجبًا تصرفها مع تلك العائلة العجيبة ليشير لها باتجاه الطريق المؤدي للخروج، تحركت دون حديث بعد أن شكرته بعينيها لتسرع بمشيتها وكأنها تهرب من الجحيم تحت صوت ذاك العمرو الذي صدح بحنان:
-خلي بالك من نفسك يا إيثار
اشمئزت من استماعها لصوته المقيت وكادت أن تصم أذنيها،اسرعت بخطواتها حتى اختفت في حين تعجب الجميع حتى فؤاد من أمر ذاك الـ عمرو
-حضرتك غلطت فيا من غير حتى متسألني أنا مين يا سيادة المستشار...كلمـ.ـا.ت عاتبة نطق بها نصر ليضيق فؤاد بين عينيه ليكمل الاخر بخيلاء:
-معاك سيادة النائب نصر حسين البنهاوي نائب مجلس الشعب عن محافظة كفر الشيخ
قالها بكبرياء ليتفاجأ بنظرات فؤاد الثابتة فوقه بتقليل ليقول بلامبالاة:
-النيابة مفيهاش نائب مجلس شعب ووزير، الكل هنا سواسية ولازم يحترموا المكان، الغفير عندنا بيتعامل زيه زي الوزير
ابتلع نصر لعابه أما طلعت فشعر بالغضب من معاملة هذا المتغطرس لوالده وخصوصًا أمام عزيز وأيهم وهو الذي طالما يتحدث ويحكي الكثير عن معاملة والده الخاصة والمهمة من جميع الجهات سواء أمنية أو سيادية والأن جاء هذا الرجل ليقوم بهدm الصورة الخارقة الذي رسمها وصدرها لجميع ساكني البِلدة ليهابه الجميع، قال كلمـ.ـا.ته وانسحب لداخل مكتبه صافقًا الباب بوجه الجميع ونصر المصدوم من تلك المعاملة السيئة وعدm التقدير، قطع صمت الجميع وذهولهم صوت عمرو الذي هتف مترجيًا:
-بابا أرجوك إتصرف وطلعني من هنا،الناس اللي في الحجز دول مجرمين لو دخلت عندهم تاني معرفش ممكن يعملوا معايا إيه
أجابه المحامي بدلاً عن والده الذي ولأول مرة يشعر بالعجز حيال أبناءه:
-إصبر يا عمرو بيه،محضر السُكر ومحضر إزعاج السكان اتحولوا للنيابة واخدت فيهم أربع أيام على ذمة التحقيق،يعني مفيش في إدينا حاجة ممكن نعملها قبل الاربع أيام مايخلصوا
واستطرد بلوم:
-ما أنتَ لو كنت اتصلت بينا وإنتَ لسة في قسم الشرطة كنا طلعناك من غير ما حد يحس بيك، لكن اللي صعب المواضيع هو تحويل المحضر للنيابة
-لا الظابط ولا العساكر رضيوا يدوني تليفوني علشان أكلم أبويا منه... نطقها بيأس وهو يتحرك مع العسكري الذي جذبه وانسحبا لوجهتهما ليهتف والده بصوتٍ واثق ليبث الإطمئنان داخل فؤاد نجله:
-متخافش يا عمرو،كلها يومين وهتبات على سريرك
ليرد عليه نادبًا كالنساء بصوتٍ مُدَوٍّ:
-لسة هستنى يومين،أتصرف وأعمل إتصالاتك يا بابا، أنا مش هينفع أبات في الحجز يوم واحد
قطع تلك اللحظة جملة المحامى حيث قال متكهنًا:
-واضح إن الموضوع متوصي عليه يا نصر بيه
كان يتابع ذهاب إبنه المكبل بقلبٍ يحترق حـ.ـز.نًا وألمًا ليلتفت للمحامي من جديد وهو يقول بفحيحٍ من بين أسنانه:
-الظابط اللي بلغني، قال لي إن فيه لوا كبير كان موصي إن البلاغ يفضل في سرية ومنعوا عمرو يكلم أهله لحد ما البلاغ يتحول للنيابة علشان معرفش اتصرف ولا أخرجه، شكل الراجـ.ـل اللي شغالة عنده المحروقـ.ـة اللي اسمها إيثار هو اللي وصى بكدة
اشتعلت عيني أيهم ليتحدث معترضًا:
-ميصحش كدة يا حاج نصر، أختي عملت بأصلها وجت اتنازلت عن المحضر، ميكنش ده جزائها في الأخر
نكس عزيز رأسه بخزيٍ ليتحدث طلعت ملطفًا الأجواء:
-متزعلش من الحاج يا أيهم،أنا طول عمري بحترم إيثار وبقف دايمًا معاها، بس اللي عملته مع عمرو محدش يقبله ولا يرضى بيه
-ولا اللي عمله عمرو مقبول هو كمان يا أستاذ طلعت... قالها أيهم بحُزن ليهتف عديم الرجولة موبخًا اخاه كي ينال رضى نصر عليه:
-أسكت إنتَ خالص،المفروض تبقى مكسوف ووشك في الأرض من عملة أختك السودة،مش واقف تبجح انتَ كمان وترد على الحاج كلمة بكلمة
رفع نصر رأسهُ لاعلى والقى نظرة رضا عليه ليقول مثنيًا:
-أصيل يا عزيز،اللي بيعجبني فيك إنك جدع وبتقول كلمة الحق حتى لو على أقرب الناس ليك
نظر له بعينين سعيدتين ليتنفس بانتشاء تحت حـ.ـز.ن شقيقه الأصغر وشعوره بالخزي والعار من ذاك الشقيق البكري
عاد نصر بحديثهُ مرةً أخرى إلى المحامي قائلاً:
-شوف لي حل يا متر،الواد لازم يخرج النهاردة، ادخل لوكيل النيابة واعرض عليه فلوس، قوله الفلوس اللي هيطلبها هتبقى في بيته بعد ساعة، إن شالله يطلب عشرة مليون
1
ارتبك المحامي وتلفت حوله بـ.ـارتياب خشيةً من أن يكون تسمع على حديثهم أحدًا ليتحدث بصوتٍ خافت بعدmا تأكد من خلو الممر إلا منهم:
-كلام إيه اللي بتقوله ده يا سيادة النايب، إنتَ شكلك عاوز تودينا في داهية كلنا، النيابة ملهاش سكة يا بيه، إنسى الكلام ده وحاول تشوف حد من معارفك الكبـ.ـار يتدخل ويحلها بالحُب مع الكُبـ.ـار، غير كدة ملهاش حل
نطق كلمـ.ـا.ته الاخيرة ليغلق باب الامل بوجه نصر الذي تنهد بقلة حيلة وبات يلعن ويسب بسريرته تلك الإيثار وهو يتوعد لها.
_____________________
داخل منزل نصر البنهاوي
استمعت ياسمين إلى طرقات خافتة فوق باب شقتها الخاصة لتقترب من الباب وفتحته لتتفاجأ بـ سمية بوجهها المصبوغ بالإحمرار وعينيها وأنفها المنتفخون بفضل بكائها المتواصل،دفعت الباب بكفيها لتخطو بساقيها للداخل وهي تتحدث بجدية:
-إديني تليفونك اللي فيه خطك الجديد هعمل منه مكالمة يا ياسمين
سألتها بـ.ـارتياب:
-مكالمة إيه اللي هتعمليها من خطي يا سمية؟
-أهي مكالمة والسلام،هو تحقيق... نطقتها بحدة ليتأكد ظن الأخرى التي هتفت بنُصح:
-إعقلي وملكيش دعوة بإيثار يا سمية، كفاية اللي عمله فيكي عمرو أخر مرة لما شتمتيها وقولتلها انها بتبعت ابنها علشان تجر ناعم وتخلي عمرو يرجعها تاني
واستطردت بتذكير:
-ده غير اللي طلعت عمله فيا لما بنت الكـ.ـلـ.ـب كلمته وقالت له إن التروكولر
بين إن الخط بإسمي
بنظراتٍ توسلية قالت لطمأنتها:
-المرة دي غير كل مرة، طلعت اللي كان دايمًا بيدافع عنها ويقف في صفها سمعته بوداني وهو عمال يشتم عليها لما دخلوا جوة ياخدوا فلوس معاهم، محدش هيعمل لكلامها حساب بعد المصيبة اللي عملتها مع عمرو
شوفي رقم تاني كلميها منه، أنا مش ناقصة مشاكل وو.جـ.ـع دmاغ... قالتها برفض لتبرر الاخرى قائلة:
-مقدmيش غيرك، هي عاملة بلوك لرقمي، والعلاقة بيني وبين اللي اسمها مروة متخلنيش أطلب منها تليفونها، ده غير انها فتانة وهتروح تقول لحمـ.ـا.تك وإنتِ عارفة حمـ.ـا.تك، مبطقنيش لله في لله
هزت رأسها بعدm اقتناع، وبالأخير استسلمت تحت إلحاح الاخرى ومحاولاتها المستمـ.ـيـ.ـتة
_____________________
لملم نصر شتاته وخرج من النيابة وهو يجر أذيال الخيبة، أخذ يبحث هنا وهناك وسط معارفه من الأشخاص المسؤلون في الدولة محاولاً العثور على طريقة يخرج بها صغيره ومدلل زوجته،أما عزيز فأخذ شقيقه وعاد إلى كفر الشيخ بعد أنتهاءه من إنجاز العمل المطلوب منه من قِبل سيدهُ الذي طالما تمنى رضوانه عليه،أما فؤاد فتحرك إلى مكتب زميله بالعمل سيادة النائب شريف علي الذي رحب به كثيرًا وتعجب زيارته الغريبة والأولى من نوعها ليسألهُ وهو يضع كفه على جرس الاستدعاء استعدادًا لدقه:
-تحب تشرب إيه يا فؤاد باشا
اشار بكفه ليقول سريعًا:
-متتعبش نفسك يا باشا أنا شربت قهوة كتير النهاردة
واستطرد متسائلاً بفضول دخيلًا على شخصيته أثار تعجب الأخر:
-أنا جاي استفسر منك عن تفاصيل المحضر اللي تنازلت عنه واحدة إسمها "إيثار غانم الجوهري "
-أه، دي الست بتاعت محضر التعدي...قالها بتذكُر ليكمل بإبانة:
-دي واحدة جوزها اتهجم على شقتها إمبـ.ـارح بالليل وكان سـ.ـكـ.ـر.ان، فضل يخبط لحد ما الجيران صحيوا والبوليس وصل،البنت قدmت بلاغ بالتعدي والجيران قدmوا محضر بالإزعاج والشرطة عملت له محضر سُكر،وزي ما شوفت معاليك،البنت جت إتنازلت عن المحضر
واستطرد معقبًا:
-تقريباً كدة والد طليقها ضغط عليها لأنها كانت متضايقة جداً وهي بتتنازل وعدm الرضا كان واضح بشكل ملحوظ على ملامحها
أومأ برأسه بتوافق ليسألهُ بـ إِكْتراثٍ:
-طب مقالتش أسباب تنازلها إيه؟
-أسباب غير مقنعة بالمرة، قالت لما قعدت مع نفسي وفكرت في الموضوع لقيت إن مينفعش احبس أبو إبني...قالها بجدية ليسترسل متهكمًا:
-قال يعني مكنش أبو إبنها وهي بتقدm البلاغ
ضيق فؤاد عينيه بتفكُر ليتحدث:
-والد جوزها ده شكله راجـ.ـل مفتري ومش سهل
-أيوا ده عضو مجلس شعب، بس مسمعتش اسمه قبل كدة،تقريباً كدة من الناس اللي بيقضوها نوم في المجلس وعند أي مناقشة يرفع إيده في التصويت بموافقة... قالها شريف رافعٕا كفهُ بطريقة متهكمة ليبتسم كلاهما ثم استرسل سريعًا وكأنهُ تذكر:
-تخيل الراجـ.ـل بعد البنت ما تنازلت ومشيت داخل يقول لي إيه علشان يصعب عليا وأشوف له حل قانوني اخرج له بيه إبنه
قطب الأخر جبينه وهو يستمع بتمعُن ليسترسل شريف:
-بيقول إن البنت بتستغل ارتباط طليقها الشـ.ـديد بإبنه وبتقلبه في فلوس كتير وبتستغله،ومن إسبوع طلبت منه مبلغ كبير علشان محتاجة تعمل شوبنج ليها وللولد، ولما طليقها رفض وإتهمها إنها بتبتزه منعته يشوف الولد، ولما هددها إنه هيبلغ المحكمة إنها منعاه عملت له كمين وطلبت منه ييجي لها البيت علشان يشوف إبنه،وطبعاً طليقها راح لها بسرعة ده على كلام أبوه، المهم أول ما جه راحت متصلة بالشرطة وخلت جيرانها يشهدوا معاها
واستطرد مشككًا بالقصة:
-بس أنا مش مصدق ولا كلمة من اللي قالها وخصوصٕا إن تحليل الدm اللي إتعمل للي إسمه عمرو أثبت وجود حبوب ترامادول ومشروبات كحولية في دmه،يعني الرواية اللي طليقته قالتها هي الأصدق
ارتسمت على محياه ابتسامة ساخرة لينطق متهكمًا:
-وإيه اللي يخليك مش مصدق إنها بتبتزه بابنها علشان الفلوس يا شريف باشا، ما كل الستات غايتهم في الدنيا هي الفلوس، الواحدة منهم لو شافت راجـ.ـل وعجبها قبل ما تسأل عن اخلاقه ولا عيلته بتسأل عن رصيده البنكي
مش كلهم...قالها شريف ليقاطعه الأخر بحدة:
-وحياتك كلهم نفس الصنف،إلا من رحم ربي، ودول بقوا عملة نادرة
قال كلمـ.ـا.ته ليهم بالوقوف قائلاً:
-شكراً يا شريف باشا وأسف إني اخدت من وقتك
وقف شريف إحترامًا له ليتحدث بتوقير:
-يا باشا معاليك نورت المكتب... ليسترسل متعجبًا:
-بس مقولتليش يا باشا، إيه سبب سؤالك عن المحضر ده بالذات!
إلتف برأسه إليه ليقول بصوتٍ واثق:
-البنت بتاعة المحضر كانت في مكتبي الساعة 11الصبح،كانت بتقدm إفادتها كشاهدة في قضية محاولة إغتيال رجل الأعمال المعروف"أيمن الأباصيري"
قطب الأخر جبينه ليستطرد مجيبًا على حيرته:
-هي تبقى سكرتيرة أيمن، فاستغربت وجودها مرتين في نفس اليوم وفي نفس النيابة، علشان كدة الفضول خلاني أجي أسألك.
أيًا كان السبب اللي خلاك تيجي مكتبي وتشرفني فأنا بشكره وسعيد بتشريفك يا باشا...قالها بملاطفة تلقاها الأخر بابتسامة خافتة وخرج ليحمل حقيبته الخاصة من مكتبه متجهاً للخارج ليستقل سيارته ويقودها باتجاه منزله.
2
_____________________
بمنزل نصر البنهاوي بكفر الشيخ،كانت تجلس فوق مقعدها الهزاز المتواجد ببهو المنزل والذي جلبهُ نصر خصيصًا لها ولم يجرأ أحدًا من ساكني المنزل الجلوس عليه حتى الأطفال سوى يوسف لمدى غلاوته بقلبها لذا دائمًا تحاول إغراء عائلة غانم الجوهري بالمال وتقديم العروض لهم للضغط على إبنتهم لعودتها من جديد إلى عمرو كزوجة كي يتربى الصغير بمنزل عائلته فاحشة الثراء،كان المقعد يهتز بها بحدة توحي لمدى وصولها لقمة الغضب،أمسكت هاتفها بقوة بعدmا عقدت النية على الإتصال بزوجها للإطلاع على أخر المستجدات،وما أن أتاها صوته حتى هدرت بصرامة قائلة:
-طمني يا نصر وقولي إن عمرو معاك وإنكم جايين في الطريق.
أغمض عينيه بقوة وأخذ نفسًا عميقًا إستعدادًا منه لوابل التوبيخات والإتهامـ.ـا.ت التي سيتلقاها على يد تلك المتسلطة وبدأ يقص عليها ما حدث تحت إشتعال روحها واستشاطتها التي إشتم رائحتها عبر الهاتف لتصدح بصياحٍ أشبه بصارخ:
-إنتَ إتجننت يا نصر، واعي للي إنتَ بتقوله
انتفضت النسوة وهرولن لمكانها ليطلعن على ما حدث لترمقهُن بنظراتٍ أشبه بحِمم بُركانية وتقول بصراخٍ دب الرُعب في قلوبهن و.جـ.ـعلهُن يهرولن للأعلى عبر الدرج ليتخبطن ببعضهن من شـ.ـدة إرتعابهن:
-غوري من وشي يا مرة منك ليها وإطلعوا على شققكم،ويا ويلكم يا سواد ليلكم لو لمحت خلقة بومة فيكم هي ولا عيالها النهاردة
نظرت عليهن وهُن يتخبطن حتى أختفين من أمام أعينها لتسترسل بحدة حديثها مع ذاك الذي علم أن ليلته لن تمر بسلام مع تلك المتجبرة:
-بقى مش لاقي حد من معارفك يخرج الواد
لتستطرد وهي تسخر منه:
-أمال عاملي فيها سبع الرجـ.ـا.لة وسيادة النائب راح وسيادة النائب جه وإنت ممنكش لازمة
إجلال...كلمة حادة نطقها بصياحٍ تحذيري ليسترسل بقوة:
-بلاش قلة ادب واحفظي لسانك،أنا مقدر زعلك على ابنك بس مش هقبل بكلمة زيادة
ليستطرد ملقيًا اللوم عليها:
-وبدل مـ.ـا.تلومي عليا روحي حاسبي نفسك الأول على تربيتك الو....،ولومي على التافة ابنك اللي خلى منظري زي الزفت وقل من قيمتي قدام الكل
ابتلعت لعابها بعدmا أوصلته لتلك الحالة لتتحدث بتراجع لعلمها صحة حديثه:
-سيبنا من مين الغلطان وخلينا في المهم
واستطردت بشرٍ ظهر بَين بعينيها:
-أنا عوزاك تشوف لي كام مرة جتة ويكونوا سوابق وتخليهم يروحوا لبنت منيرة يرنوها علقة مـ.ـو.ت،مش عوزاهم يسيبوا في جـ.ـسمها عظمة سليمة،عوزاها تقعد في قميص جبس مش أقل من ست شهور علشان تعرف هي لعبت مع مين
واسترسلت بفحيحٍ كالأفعى وبعينين مشتعلتين:
-عايزة أشفي غليلي يا نصر
زفر بضيق ليخبرها بما جعل قلبها يغلي كحممٍ بركانية:
-مش هينفع، بنت الكلـ... عملت لي أنا وعمرو محضر عدm تعرض، يعني لو اتشنكلت في الارض هيشـ.ـدوني على القسم أنا وابنك،وخدي عندك سين وجيم ومش هنشوف الشارع لحد ما نثبت إننا ملناش دعوة باللي حصل لها
اتسعت عينيها بذهول لتهتف بغلٍ كاد يصيبها بذبحة صدرية:
-البت دي جابت القوة دي كلها منين، بس أقول إيه، إنتَ اللي غلطان لما سمعت كلام إبنك وسبتها تاخد الواد وتطلع من البلد بعد ما هددتك عيني عينك
واسترسلت متهكمة:
-قال إيه المحروس كان فاكر إنه بكدة هيغلى نفسه عندها وتحن له وترجع لحـ.ـضـ.ـنه من تاني،اه لو سمعت كلامي ساعتها وجبناها بالعافـ.ـية وكتب عليها واتحبست في شقتها زي الكـ.ـلـ.ـب،مكناش وصلنا للي إحنا فيه الوقت
-هيحصل يا ستهم،الصبر... قالها متوعدًا لترد الاخرى بتهكم:
-بعد إيه يا سيد الرجـ.ـا.لة، بعد ما البت بقى لها معارف من الكبـ.ـارات بتتحامى فيهم وتستقوى بيهم، البت قدرت عليك يا نصر ووقفت قدامك بكل قوتها، بنت غانم اللي محلتوش غير قيراطين أرض حبست ابن نصر البنهاوي، إنتَ حاسس بالمصيبة اللي حطت فوق راسنا يا سيادة النايب، الموضوع ده لو اتعرف في البلد هيبتك هتبقى في الأرض بعد ما الناس كانت بتترعـ.ـب بس من اسمك
لتستطرد بسخرية:
- وابقى قابلني لو حد عمل لك قيمة ولا قدرك بعد كدة
برغم كلمـ.ـا.تها اللاذعة والمهينة إلا أنه تجاوزها ليخبرها قائلاً بطمأنة:
-متقلقيش، مفيش مخلوق من أهل البلد هيعرف حاجة عن الموضوع، أنا نبهت على عزيز لو الخبر اتعرف هزعله هو وأهله قوي، وإنتِ نبهي على حريم عيالك مفيش واحدة فيهم تنطق بكلمة لحد من أهلها
أجابته بجبروت:
-بلغتهم أول ما مشيت إنتَ وطلعت،قولت لهم لو حرف واحد خرج برة البيت الثلاثة لسانهم هيتقطع فيها
اطمأن داخلهُ لثقته الكبيرة بقدرتها على إدارة المنزل، أنهي معها المكالمة لتعقد حاجبيها بضيق وهي تتطلع إلى الأفق البعيد لتمسك ذقنها بكف يدها وهي تقول بفحيحٍ متوعدة:
-ماشي يا إيثار،أنا كنت شيلاكي من دmاغي ونسياكي علشان خاطر يوسف،بس إنتِ اللي ابتديتي بالشر،قابلي بقى اللي هيجرى لك على إيد ستهم، يا أنا يا أنتِ يا بنت منيرة.
_____________________
خرجت من إحدى المتاجر الكُبرى تحمل بكفيها العديد من الاكياس البلاستيكية المحملة بالبقوليات وبعض انواع الفواكه والخضروات واللحوم التي أوصتها عزة على شراءها بعد خروجها من قسم الشرطة حيث حررت محضر عدm التعرض بمساعدة محامي أيمن التي أبلغته بما حدث حيث لامَ عليها كثيرًا على تساهلها وتنازلها عن حقها بتلك البساطة،اعتذرت منه وتعللت بكثرة الضغوط التي مورست عليها من قِبل الجميع وبالنهاية عذر ضعفها وشعورها الدائم بالوحدة والخوف،فتحت صندوق السيارة الخلفي لتضع الاكياس فاستمعت لرنين هاتفها،إنتهت من وضع جميع ما بيدها لتغلق الصندوق واخرجت الهاتف لتنظر به،ثم ضغطت فوق زر الإتصال لتجيب بنبرة هادئة للمتصل التي لم تعثر على هويته بالهاتف:
-ألو مين معايا
-أنا ستك وتاج راسك اللي لحد الوقت الغل والحقد مالي قلبك من ناحيتي يا بنت الجوهري... أغمضت عينيها ونفخت بعدm صبر بعدmا تأكدت من هوية المتصل لتسترسل الاخرى بحقدٍ دفين ظهر بَين بصوتها:
-لسة مش قادرة تنسي إنه فضلني عليكي وطلقك ورماكي علشاني
استقلت مقعد القيادة ساندة ظهرها للخلف ثم ابتسمت ساخرة لتقول بنبرة جادة:
-عارفة يا سُمية إنتِ مشكلتك في إيه
انتبهت بجميع حواسها وتجهزت جيدًا للإستماع فاستطردت الأخرى:
-إنك كذبتي الكذبة ومش بس صدقتيها،ده أنتِ مصممة تحكيها كل شوية ومن وهمك فاكرة إنك بكدة هتخلي كل اللي حواليكِ هما كمان يصدقوها
ضحكة عالية أطلقتها سمية لتقطعها فجأة هاتفة بفحيحٍ كالأفعى:
-إنتِ اللي من نار قلبك القايدة بقالها سنين مش قادرة تصدقي إن عمرو فضلني عليكِ، علشان كدة روحتي حبستيه علشان تنتقمي منه
سألتها الأخرى بنبرة ساخرة:
-ومسألتيش نفسك عمرو اللي فضلك عليا كان جاي يعمل إيه على بابي؟!
إبتلعت الاخرى ريقها بمرارة لعدm إجابة لديها سوى أن زوجها مازال يعشق زوجته الأولى لكنها تنكر هذا بكل قوتها لتسترسل الأخرى بقوة صارمة:
-إسمعي يا بت إنتِ وياريت تركزي علشان انا خلاص قرفت منك ومن إسلوبك الرخيص في مطاردتي عن طريق تليفونات العِرر اللي حواليكي،جوزك ده لو وزنولي قده عشر مرات ذهب ميلزمنيش،أنا اللي سبته لأنه زبـ.ـا.لة زيك بالظبط، وإنتِ عارفة ومتأكدة من جواكِ إنه لسة بيحلم باليوم اللي هرضى عنه فيه وأوافق ارجع له، بس ده بعينه
واستطردت ذات معنى:
-واطمني يا اختي،محدش بيرمي نفسه تاني في الوحل بعد ما خرج منه ونضف
واستطردت بنبرة تهديدية لاذعة:
- فخرجيني من دmاغك علشان وحياة إبني اللي معنديش أغلى منه، لو حطيتك في دmاغي لاخليكي تكرهي اليوم اللي عرفتيني فيه، فاهمة يا شاطرة؟
إبعدي عن عمرو يا إيثار،أنا لحد الوقت لسة عاملة حساب إننا كنا في يوم أقرب إصحاب لبعض،بلاش تخليني أنسى النقطة دي...قالتها بنبرة حاقدة لتجيبها الاخرى باشمئزاز:
-صحوبية إيه اللي بتتكلمي عنها، هي الحية اللي زيك تعرف يعني إيه صداقة
استرسلت بتهديدًا أخير:
-لأخر مرة هنبهك،بعد كدة متلوميش غير نفسك.
اغلقت الهاتف دون أن تعطي حق الرد للأخيرة لتزفر بقوة وترمي برأسها للخلف مستندة على ظهر المقعد، أغمضت عينيها وبدأت تسترجع ذكرياتها ما قبل التسع سنوات،«وكيف ولجت لقصة حبها كبيرة،لتخرج منها أميرة»....
↚
عودة لما قبل ثمانية أعوامًا.
ترجلت من إحدى وسائل المواصلات الجماعية(الميكروباص) حيث استقلته من القاهرة وهي عائدة من جامعتها بالقاهرة ليوصلها إلى إحدى مُدن محافظة كفر الشيخ،فهي طالبة بالفرقة الرابعة حيث انها أختارت دراسة إدارة الأعمال بكلية التجارة،تسكن بالمدينة الجامعية وتعود لمنزلها بنهاية كل أسبوع لتقضي إجازتها في منزل أبيها،وقفت تتطلع حولها لانتظار إحدى السيارات لتقلها لقريتها،كان يقود سيارته ليتوقف في الموقف الخاص بالسيارات ينتظر إبن عم له قادm بإحدى الحافلات من القاهرة ليقله بصحبته للبِلدة،خرج من السيارة وتوقف ينتظر وصول قريبه وأثناء تفقدهُ للمكان وقعت عينيه عليها لتلتمع عينيه بوميض مما يدل على إعجابه الشـ.ـديد،اتسع بؤبؤ عينيه وهو يرى ملامح وجهها الجميلة والتي جذبته منذ النظرة الاولى، ناهيك عن تقاسيم جسدها الانثوي الذي جعل من لعابه يسيل وهو ينظر لها باشتهاء،برغم ارتدائها لكنزة واسعة وتنورة طويلة تغطي جميع ساقيها وحجابًا إلا أن أنوثتها الجذابة كانت طاغية،كانت كلوحة حب تنبض بالحرية والحياة،وقفت تتطلع حولها تترقب ظهور إحدى السيارات وهي تنظر بساعة يدها بتأفف ظهر على وجهها،واثناء مراقبته لتلك الفاتنة التي ظهرت من العدm وكأنها حورية هبطت من السماء إستمع لرنين هاتفه الجوال ليجيب سريعًا بانفاسٍ متقطعة جراء دقات قلبه العالية كطبول الحرب:
-أيوا يا أحمد إنتَ فين؟
أجابه الأخر بهدوء:
-إنتَ اللي فين،أنا خلاص داخل على الموقف
واستطرد باعلام:
-شفتك خلاص يا ريس
في تلك اللحظة رأها تقترب من إحدى السيارات التي توقفت لتستقل مقعدًا بجانب النافذة ليُشير سريعًا لإبن عمه يستعجله على التحرك وبعد لحظات انطلق متتبعًا السيارة ليسأله الأخر:
-فيه إيه يا عمرو، مالك يا ابني مسروع كده ليه؟
-الميكروباص اللي قدامنا ده فيه حتة بنت، تقول للقمر قوم وأنا أقعد مكانك... نطقها وهو يحاول الوصول للسيارة ومجاورتها ليقول الاخر بضحكة:
-بنت!، قولت لي، بقى هي الحكاية طلع فيها بنت
نطق سريعًا بصوتٍ مسحور:
-ومش أي بنت يا أحمد،دي طلقة،عليها جوز عيون،يجننوا
ظل يقود حتى أصبحتا السيارتين متجاورتين لينظر على تلك المتكئة برأسها على زجاج النافذة شاردة بنظرها للسماء لتنعكس أشعة الشمس على أشعة عينيها لتضيف بريقًا جعل من عينيها مبهرة لمن ينظر بها برغم الحـ.ـز.ن الساكن بداخلهما،مال ابن عمه برأسه للأمام ليقول بانبهار ظهر بصوته:
-طلع معاك حق يا عمرو،البنت جـ.ـا.مدة بجد
ابتسم وهو يرفع قامته للأعلى ليقول بتفاخر:
-كان عندك شك في ذوقي ولا إيه
-الشهادة لله طول عمر ذوقك لا يُعلى عليه يا ابن عمي،بالذات في صنف الحريم ...قالها مفخمًا به ليفرد الأخر جسده أكثر بعدmا أشعره حديث ذاك المنافق بتفرده،حول بصره مرةً آخرى لينظر على تلك الشاردة التي لا تبالي بمن حولها سوى ملكوتها الخاص وشعورها الدائم بالوحدة الذي يلازمها اينما ذهبت حتى بحضرة عائلتها،مر أكثر من خمسة عشر دقيقة وهو يراقب تلك الجميلة حتى زفر أحمد وتحدث متسائلاً:
-هنوصل لحد فين باللي بتعمله ده يا باشا، إوعى تقولي إنك هتفضل ماشي وراها لحد بلدها؟
اجابه وعينه على من خـ.ـطـ.ـفت لُبه:
-ياريت كان عندي وقت كنت مشيت وراها،أدينا ماشيين لحد ما نوصل لكُبري بلدنا،بعد كدة مش هقدر أكمل علشان حِنة أمل بنت عمك جمال،أبويا كلمني وانا مستنيك في الموقف،كان متضايق وبيستعجلني علشان أقف مع شباب العيلة في توضيب كوشة العروسة
تأفف أحمد ليقول متهكمًا:
-يادي كوشة العروسة اللي صدعونا بيها، أبويا كمان و.جـ.ـع دmاغي من الصبح،مكانش عاوزني أروح الشغل أصلاً،بالعافـ.ـية أقنعته إني هاجي قبل التجهيزات ما تبدأ لولا كدة مكنتش هعرف أفلت منه
واستطرد بجبينٍ مقطب:
-بيقولوا عاملين الكوشة فوق سطح بيت عمك جمال عشان البنات والستات ياخدوا راحتهم بعيد عن قعدة الرجـ.ـا.لة.
أجابهُ بلامبالاة وهو يتابع تلك الجميلة:
-يعملوها مكان ما يريحهم، مش فارقة كتير.
بعد قليل تملل أحمد بجلسته وشعر بالضجر من تصرفات ذاك المعتوه المسحور بالجميلات وزفر ليتحدث مستفسرًا بعدmا وجده يقف عند كل محطة تقف بها السيارة وينتظر حتى يتأكد من شخصية المترجل:
-وبعدين يا ريس،هنفضل كدة لحد امتى،الميكروباص بيقف تقريباً دقيقتين عند كل محطة.
-بطل رغي يا أحمد ولو مش عاجبك إنزل وشاور لأي ميكروباص يوصلك...قالها بعدmا سَأم من تملله ليجلس الاخر صامتًا حتى إقتربا من محطة قريتهم حينها استمع لرنين هاتفه وكان المتصل والده،نصر البنهاوي،زفر بضجر بعدmا استمع لتوبيخ الاخر له وهو يستعجله،فقاد بسرعة فائقة ليتخطى السيارة ليميل تارة القيادة لليسار متجهًا لداخل قريته،وما ان اختفت سيارته للداخل حتى توقفت تلك السيارة لتترجل هي منها،توجهت لمنزل والدها وما أن ولجت للداخل حتى تهللت أسارير والدها حين رأها ليتحدث بترحاب:
-حمدالله على السلامة يا"إيثار"
نظرت بابتسامة واسعة لذاك الذي يتوسط الأريكة الخشبية بوسط منزله المتواضع لتقترب من جلوسه وهي تُمسك كف يده وتميل بطولها لتضع قُبلة احترام فوق كفه ليمرر والدها كفه الحنون فوق حجاب رأسها،رفعت عينيها لتتحدث بابتسامتها البشوشة:
-الله يسلمك يا بابا،إزي صحتك
ابتسم والدها ليجيبها:
-أنا بخير يا بنتي والحمدلله، إنتِ اللي عاملة ايه، طمنيني عليكِ
خرجت منيرة من غرفة الفُرن البلدي وهي تحمل بين يديها إناءًا من الفخار الساخن بواسطة قطعتين من القماش القطني المستهلك ليحمي كفيها من سخونة الإناء،تحدثت سريعًا وهي تقترب من تلك المائدة الخشبية المنخفضة(الطبلية):
-وسعي مكان على الطبلية لطاجن الرز يا إيثار
أسرعت لتفسح المكان،وهتفت وهي تنظر للطعام الموجود داخل الإناء بلونه الذهبي المُشهي:
-يا سلام يا ماما على الريحة
واسترسلت بملاطفة وهي ترفع قامتها بمزاح:
-الست منيرة بعون الله أحسن واحدة بتعمل طاجن رز معمر بالحمام في كفر الشيخ كلها
ابتسمت بوهنٍ لتشير لها بكفها إلى حُجرتها الخاصة بها:
-طب روحي غيري هدومك بسرعة عشان تيجي تغرفي باقي الأكل وتطلعيه مع مرات أخوكِ
قطبت جبينها لتتحدث باستياء مصطنع تداري به ألم قلبها المنشطر:
-هو أنتِ على طول كدة معايا يا ماما،طب خديني في حـ.ـضـ.ـنك ولا حتى قولي لي حمدالله على السلامة
زفرت لتهتف بضجر:
-يا بنتي سيبك من المياعة اللي إنتِ فيها دي وخلصي
واستطردت بملامح وجه مكفهرة:
-إخواتك لسة راجعين من الأرض كانوا شغالين فيها من صباحية ربنا وواقعين من الجوع
تنفست بيأسٍ ومالت برأسها للأسفل لتتحدث بصوتٍ خفيض مليئًا بخيبة الأمل:
-حاضر يا ماما
انصرفت منيرة لغرفة الخبيز لتباشر ما تبقى داخل الفرن ووقفت هي تنظر لأثرها،تنهد والدها بأسى لأجلها،يشعر بتمزق روحها الدائم من معاملة تلك القاسية لها،لذا يحاول جاهدًا أن يعاملها بلُطفٍ وحنان ليقوم بتعويضها ولو قليلاً، تحدث في محاولة منه للتخفيف من وطأة حـ.ـز.نها:
-متزعليش من أمك يا "إيثار"،دي غلبانة،أمها مـ.ـا.تت وهي صغيرة واتربت على إيد مرات أبوها وشافت معاها اللي متستحملوش عيلة عندها تمن سنين
واسترسل مبررًا:
-غـ.ـصـ.ـب عنها يا بنتي،هي بتحبك،بس مبتعرفش تعبر
رسمت على ثغرها إبتسامة مُرة لتومي برأسها وانسحبت سريعًا للداخل لتبديل ثيابها،ولجت إلى المطبخ لتجد زوجة شقيقها الكبير"نسرين"تسكب الطعام فاقتربت منها قائلة بصوتٍ خالي من المشاعر:
-إزيك يا نسرين
إلتفت برأسها لتتطلع إليها بابتسامة صفراء لتقول بترحيبٍ مفتعل يرجع لحقدها الشـ.ـديد لها:
-حمدالله على السلامة يا إيثار،جيتي إمتى محسيتش بيكِ؟
بصوتٍ هاديء أجابتها وهي تتناول أحد الصحون استعدادًا لنقله للخارج:
-لسة واصلة من حوالي ربع ساعة
-ده عزيز هيفرح قوي لما يشوفك،إنتِ مت عـ.ـر.فيش هو بيحبك قد إيه...قالتها برياء قابلته الأخرى بتنهيدة هادئة لتيقنها أن شقيقها لا يحمل بقلبه الحب لأحداً سوى حاله وولدهُ وتلك العقربة وفقط
خرجت وجدت أشقاءها الثلاثة قد ولجوا لبهو المنزل واصطفوا حول المائدة الأرضية بجوار والدهم، ما أن رأها" أيهم" شقيقها الذي يصغرها بثلاثة أعوام حتى انتفض وهب واقفاً ليحمل عنها الصَحن ليضعه سريعًا ثم يعود محتضنًا إياها قائلاً بحفاوة وترحاب:
-حشـ.ـتـ.ـيني و ،جيتي إمتى؟
إبتسامة واسعة بينت صفي أسنانها ظهرت على محياها لتجيبه بسرورٍ:
-لسة جاية من شوية،إنتَ عامل إيه في مذاكرتك، طمني عليك
-محدش راحمني ولا مقدر إني في ثانوية عامة، وعلى إيدك لسة راجع من الشغل في الارض بعد عزيز ما صمم ياخدني معاه...نطق كلمـ.ـا.ته المتذمرة وهو يرمق عزيز بنظراتٍ ساخطة ليقول الاخر بحدة:
-إنتَ مقضيها نوم طول اليوم ومبتفتحش كتاب ولما عزيز ياخدك تساعد وتعمل حاجة مفيدة يبقى كفر
مدت له يدها قائلة بعينين متطلعة:
-أزيك يا عزيز
أجابها دون أن يلتفت إليها قائلا بجمود بعدmا مد يده وسحبها سريعًا:
-الله يسلمك يا إيثار
تألمت على معاملة شقيقها الجافة التي لا تجد لها سببًا، حولت بصرها إلى وجدي الذي قابلها بابتسامة صافية مما جعل قلبها يهدأ قليلًا وما زاد من سعادتها هو حديثه المريح:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار، حطي اللي في إيدك وتعالي إقعدي جنبي علشان تتغدي
ابتسمت بسعادة لاهتمامه ليكمل والده على حديثه قائلاً بلُطف وهو يشير بجواره:
-تعالي يا بنتي تلاقيكي مـ.ـيـ.ـتة من الجوع
كادت أن تتحرك باغتتها تلك التي احتضنتها من الخلف وهي تقول بحفاوة:
-حمدالله على سلامتك يا قمر، وأنا أقول البيت منور كدة ليه
ابتسمت لترحاب "نوارة" زوجة "وجدي" شقيقها الاوسط والتفت لها تبادلها الاحضان لتهتف بسعادة لتلك البشوش تحت غضب نسرين التي رمقتها بحقدٍ ظهر بعينيها ولم تستطع تخبأته:
-ازيك يا نوارة
واسترسلت وهي تنظر لبطنها المنتفخ جراء وصولها لشهرها التاسع بالحمل:
-عاملة ايه وأخبـ.ـار غانم الصغير إيه؟
-محدش هيسمى غانم تاني،هو غانم الصغير واحد بس...جملة جافة نطقت بها "نسرين"تنم عن غيرتها الواضحة بعدmا علمت نوع المولود،بينما نطق عزيز بتفاخر:
-اللي سبق كل النبق يا نسرين
قالها ومد يده ليجذب صغيره ذو الثلاثة أعوام والذي أطلق عليه إسم غانم تيمنًا باسم والده للتباهي ليجلسهُ بأحضانه، ثم حول بصره ليتطلع لشقيقه مسترسلاً بمشاكسة حادة:
-قول لعمك يختار له إسم تاني يا غانم باشا
ابتسامة خافتة ارتسمت على ثغر"وجدي"ليداري بها حرجه من حديث عزيز الذي اتخذ من اسم والدهُ حكرًا،ليتحدث والدهما بتعقل:
-وفيها إيه لما اخوك يسمي إبنه على اسم جده يا عزيز، ولا تكونش خدت الإسم على حسابك إنتَ ومراتك
احتدm صدره غيظًا من دفاع والده ليتحدث بصفاقة وحقد:
-طب ولازمته إيه التقليد يا ابا،ما الأسامي كتير يختار منها براحته هو ومـ.ـر.اته،ولا هو الكل لازم يبص لعزيز ويقلده في أي حاجة يعملها
قطبت جبينها بتعجب وهي ترى هجوم شقيقها الحاد وطباعة التي تزداد سوءًا يومًا تلو الأخر وبالاخص بعد زواجه من تلك الحقودة نسرين،احتدت ملامح غانم وهم بالحديث لولا صوت وجدي الذي قاطعه قائلاً كي ينهي ذاك الجدال الدائر:
-لا تقليد ولا غيره يا عزيز، إبني هسميه خالد إن شاءالله
هز الأب رأسه بيأسٍ ثم تنفس ونظر لصغيرته قائلاً:
-أقعدي يا بنتي كلي
واسترسل وهو ينظر لزوجتي نجلاه برحمة:
-أقعدوا يا بنات واندهوا لحمـ.ـا.تكم
هتفت منيرة التي ولجت للتو ممسكة بصينية كبيرة:
-أنا جيت أهو
هتف أيهم بعينين تلتمعان وهو يتطلع لصينية اللحوم قائلاً بحفاوة:
-دكرين بط وحمام مع بعض،أم عزيز مطرياها علينا على الأخر النهاردة
ابتسمت لتقول بعدmا افترشت الأرض لتجاور زوجها:
-مش شقيانين من صباحية ربنا في شغل الأرض
قالتها لتحول بصرها إلى إيثار وهي تقوم بتقطيع اللحوم بكفي يديها:
-وكمان علشان أختك تتقوت بلقمة حلوة، تلاقيها يا حبة عيني مبتدوقش الزفر (اللحوم بأنواعها) إلا كل فين وفين
1
اشتدت سعادتها عنـ.ـد.ما رأت إهتمام والدتها بها ولو بكلمة، لطالما تمنت أن تأخذها تلك القاسية بداخل أحضانها كما تفعل الأمهات سواءًا من تشاهدهم في الأفلام والمسلسلات عبر جهاز التلفاز أو صديقاتها اللواتي دائمًا ما كُن يبلغاها عن مدى حنان أمهاتهِن
أمسكت منيرة بقطع اللحم وبدأت بتوزيعها بالأول زوجها ويليه عزيز أول من رأت عينيها وصاحب النصيب الأكبر من إمتلاك قلبها، يليه وجدي ثم أيهم وأتى ترتيبها بعدهم وتلتها زوجتي نجليها،بدأ الجميع بالتهام الطعام بنهمٍ يرجع لشـ.ـدة مذاقة الطيب،بسطت منيرة يدها بقطعة اخرى من اللحم وهي تناولها إلى نوارة لتتحدث بـ.ـارتياح:
-كلي دي يا نوارة علشان اللي في بطنك يتغذى
ابتسمت لها وتناولتها قائلة بحفاوة ترجع لاهتمام والدة زوجها:
-تسلم إيدك يا ماما
لوت نسرين فاهها مغمغمة بضيق:
-كلي يا حبيبتي كُلي
سأل وجدي شقيقته باهتمام وهو يلوك الطعام بفمه:
-عاملة إيه في المذاكرة يا إيثار
هتفت بحماسٍ أضفى زهوًا فوق ملامحها ليزيدها جمالاً:
- الحمدلله،بذاكر وبجتهد علشان أجيب تقدير زي كل سنة،دكتورة هالة رئيسة القسم أكدت لي إني لو جبت تقدير السنة دي كمان والسنة الجاية هتعين معيدة وبعدها هكمل دراسات عُليا
قالتها بانتشاء اختفى حال سماعها لصوت عزيز الحاد حيث هتف بفمٍ مليء بالطعام وهو يرمقها بازدراء:
-كلام إيه الفارغ اللي بتقوليه ده،إحمدي ربنا إننا خلناكي كملتي تعليم أصلاً
واستطرد موضحًا:
-بعد إمتحاناتك بأسبوع هبعت لـ سليم إبن خالك علشان ييجي يتمم خطوبته عليكِ، الراجـ.ـل كتر خيره صبر على دلعك كتير، والسنة اللي باقية لك إبقي كمليها في بيته لو وافق
أثنت على حديثه منيرة لتقول بتصديق:
-عين العقل يا عزيز، البنت في الأخر ملهاش إلا الجواز والسُترة
لتهتف نسرين وهي ترمق إيثار بتشفي ظهر جليًا بصوتها ووجها الضاحك:
-يسلم فُمك يا حمـ.ـا.تي
لم تكترث لتلك الثرثارة وكأنها والعدm سواء وأيضًا جنبت حديث والدتها لتيقنها أنها تابع لنجلها البكري ليس إلا، لتنظر إليه بفزعٍ هاتفة بصوتٍ مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان إحترامًا لوالدها ولعدm إثارت غضب ذاك الجاحد:
-بغض النظر عن موضوع تكملة تعليمي اللي لسة هنتكلم فيه
قالتها بحدة تنم عن صدmتها لتسترسل متسائلة باستنكار:
-لكن أنا أمتى قولت إني موافقة على جوازي من سليم؟!
لتستطرد معترضة:
-وبعدين سليم مكملش تعليمه،ده معاه دبلوم يا عزيز!
رمقها مستنكرًا ليقول بغلاظة:
-ومن أمتى البنت كان ليها رأي في جوازها يا ست إيثار،وماله الدبلوم ما أنا كمان معايا دبلوم،ولا إكمنك كملتي تعليمك هتتكبري على أهلك وتكـ.ـسري كلمة أبوكِ؟
وإلى هنا لم يستطع غانم الصمت أكثر بعدmا أثار حفيظته حديث نجله البكري ليقول بنبرة صارمة:
-وأبوها لسة عايش وحِسه في الدنيا ومداش كلمة لخالك علشان أختك تكـ.ـسرها يا سي عزيز، ولا أنتَ خلاص إعتبرتني مـ.ـيـ.ـت وبتتحكم في أختك قدامي
حـ.ـز.نت نوارة لأجل تلك المشتتة بين الجميع أما عزيز فابتلع الطعام بصعوبة لتقول منيرة في مساندة منها ودفاعًا عن نجلها:
-بعد الشر عنك يا أخويا، عزيز عاوز المصلحة لأخته،البت مهما اتعلمت وراحت وجت أخرتها الجواز
-حـ.ـر.ام عليكِ يا ماما، بطلي تيجي عليا علشان خاطر ترضي عزيز...نطقتها بعينين لائمتين لامعتين تأثرًا بملئهما بالدmـ.ـو.ع التي أبت النزول إمتثالاً لكرامتها لتهتف الأخرى باقتناع:
-أخوكِ أكتر واحد عارف مصلحتك
بدا الامتعاضُ على وجهها ليقول وجدي بهدوء:
-إهدي يا إيثار وفكري بعقلك شوية،وبصراحة بقى عزيز معاه حق في اللي قاله
اتسعت عينيها بذهول لتهمس بصدmة:
-حتى أنتَ كمان يا وجدي!
أجابها بالمنطق محاولاً إقناعها:
-يا حبيبتي إفهمي،إنتِ خلاص داخلة على واحد وعشرين سنة،وده سن حلو قوي للجواز، بعد كدة فرصك كل يوم هتقل،ويا ستي لو على السنة الباقية أنا هبقى اشرط على سليم يخليكي تكملي
قطبت جبينها متعجبه منطقه الغريب المنافي مع تفكيرها العصري لتنظر لوالدها مستنجدة ليهدأها بحديثه قليلاً:
-كملي أكلك يا بنتي وبعدين نبقى نتكلم.
ابتسمت بخفوت ليباغتها صوت والدتها الحاد:
-والله ماحد مقوي قلبها على أخوها الكبير ومخليها تكـ.ـسر كلمته غيرك يا غانم،أخوها بيختار لها الصالح،ده غير إني اديت كلمة لـ عزت أخويا إن أول ما إيثار تخلص السنة دي هنقرا الفاتحة ونجيب الشبكة والفرح في شهر تسعة
-والله عال يا ست منيرة،قاعدة تتكلمي وتتفقي مع أخوكِ ولا عملالي حساب... استمعت لمناوشات والديها وأصوات أشقائها الثلاث ونسرين التي استغلت الوضع وبدأت الأصوات تتعالى وتتداخل لتهب واقفة وما أن تحركت بقدmيها للخارج حتى أوقفها صوت والدها الحزين قائلاً:
-رايحة فين يا بنتي،تعالي كُلي نايبك.
شبعت يا بابا...بالكاد خرجت كلمـ.ـا.تها بصوتٍ مختنق وبتخاذل واضح وانكسار ظهر بوضوح فوق ملامحها فرقت نظراتها على الجميع قبل أن تهرول لغرفتها ليهتف والدها معنفًا الجميع:
-حـ.ـر.ام عليكم يا ناس،محلالكمش الكلام غير والمسكينة قاعدة على الطبلية، زي ما تكونوا مستخسرين اللقمة فيها ومش عاوزينها تاكلها بنفس
استند بكفيه المشققتين من أفعال الزمن على طرفي المنضدة ليقوم بظهرٍ محني لتسأله منيرة باستغراب:
-رايح فين يا غانم، إقعد يا راجـ.ـل كمل أكلتك
-سديتوا نفسي إنتِ وعيالك...قالها لينسحب للخارج ليقول عزيز بنبرة حاقدة:
-رايح يراضي السنيورة حبيبة أبوها، طب والله لو أنا اللي سيبت الاكل وقومت ولا كان اتهزت له شعرة
-ماخلاص بقى يا عزيز، كمل أكلك وإنتَ ساكت...قالها وجدي ليرمقه الاخر بنظرة حاقدة أما أيهم فنهض بحدة لتسأله والدته متعجبة:
-رايح فين إنتَ كمان؟
-طالع أشم شوية هوا قدام الباب،قاعدتكم تخـ.ـنـ.ـق...قال جملته الاخيرة وهو يرمقهم باشمئزاز وانطلق للخارج خزنًا على شقيقته،زفرت منيرة لتهتف بسخطٍ وهي تنظر للطعام:
-يا ستار يارب،اللقمة اتسممت علينا زي ما تكون مبصوص لها
اكفهرت ملامح عزيز ليهتف بحقدٍ:
-البركة في بنتك،كل ما تيجي تولع البيت حريقة
قطب وجدي جبينه ليتساءل مستفسرًا بتعجب:
-وإيثار ذنبها إيه في اللي حصل؟!
اتسعت عيني نسرين لتقول بوقاحة:
-وده سؤال بردو يا وجدي،ما كل اللي حصل ده بسبب كلامها ورفضها لجوازها من سليم إبن خالك
وبفمٍ ملتوي استرسلت باستنكار وحقدٍ ظهر بعينيها:
- قال وإيه عايزة تكمل علام تاني بعد الكلية،ده بدل ما تحمد ربنا إن عزيز رضي يخليها تكمل بعد الثانوية ومقعدهاش
هزت نوارة رأسها بيأسٍ لبجاحة تلك التي تتدخل في شؤون الجميع دون حياء وتألم داخلها لما تحمله في قلبها من مَعَزَّة لتلك الهادئة "إيثار" لتتحول عيني وجدي لمشتعلة وهو يقول معترضًا:
-اللي يسمع كلامك يفتكر إن عزيز هو اللي بيصرف عليها يا ست"نسرين"،ربنا يخلي أبوها ويديه طولت العمر.
-وانتَ إيه اللي مزعلك يا عم وجدي،وبعدين مراتي مغلطتش في حاجة، أنا أخوها الكبير وكلمتي تمشي سيف على رقبتها،والله لو أبوك يحوش إيده عنها لكنت مشيتها لكم زي السيف وعلمتها الأدب...قالها بنظرة صارمة وتوعد، هم الأخر ليتحدث اوقفه صياح منيرة التي هتفت بعدmا فاض الكيل بها:
-كفياكم مناقرة،هي اللقمة دي مش مكتوب لها تتبلع من سكات النهاردة ولا إيه
نظرا كلٍ منهما للاخر بحدة بالغة وكأنهما ثوران يتصارعان داخل حلبة ليسحب كل منهما بصره عن الاخر ويستكملا تناول طعامهما بغضبٍ شـ.ـديد
******
عودة لحُجرة إيثار،ارتمت فوق فراشها وبدأت ببكاءٍ مرير لتتوقف في الحال حينما استمعت لصوت طرقات فوق بابها وبدأت بتجفيف دmـ.ـو.عها لتتفاجأ بولوج والدها،جلس بجوارها وبدون مقدmـ.ـا.ت سحبها لداخل أحضانها ليقول وهو يربت فوق ظهرها بحنان:
-زعلانة وبتعيطي وابوكِ عايش على وش الدنيا،أُمال أما أمـ.ـو.ت هتعملي إيه
خرجت سريعًا من بين احضانه لتهتف بذعرٍ:
-بعد الشر عنك يا بابا،متقولش كدة
-المـ.ـو.ت مش شر يا بنتي،المـ.ـو.ت علينا حق...نطقها بيقين ليسترسل بعد أن أخذ نفسًا عميقًا:
-المهم،أنا مش عايزك تزعلي ولا تشيلي هم لأي حاجة طول ما أنا عايش
1
-يعني هترفض سليم إبن خالي يا بابا؟...سألته بترقب ليجيبها بتأكيد قوي:
-من ساعة ما اتولدتي وأنا عمري ما غـ.ـصـ.ـبتك على حاجة،هاجي على جوازك وأغـ.ـصـ.ـبك؟!
تنفست براحة وابتسم وجهها لتقول بانتشاء:
-ربنا يخليك ليا يا بابا وتفضل طول عمرك سندي
ابتسم لها ليتحدث وهو يربت على كفها بلين:
-يلا علشان تكملي غداكي
-مليش نفس...نطقتها بعينين منكـ.ـسرتين ليقول بتعطُف كي يحثها على النهوض معه:
-من صباحية ربنا وانا مدقتش الأكل و.جـ.ـعان، ولو مقومتيش كلتي معايا مش هدوقه وذنبي هيبقى في رقبتك
ابتسامة حنون ارتسمت فوق ثغرها لتميل سريعًا على كف يده لتضع قُبلة احترام وتبجيل لشخص والدها الحنون، وقف وتحرك بجوارها حتى وصلا للبهو ثم تحدث بصوتٍ حاد وهو يرمق الجميع:
-مش كلتوا، يلا قوموا
زفر عزيز وهب واقفاً ليقترب من شقيقته ويرمقها بحدة قبل ان ينسحب للخارج كالإعصار
،جاورت والدها الجلوس لتكمل طعامها دون تذوق بعدmا فقدت شهيتها،وبعد قليل كانت تقف أمام حوض المطبخ تُجلي الصحون وبجوارها نوارة تتبادلتان الحديث فيما بينهما لتسألها نوارة بفضول:
-إلا قولي لي يا إيثار،هو عمي غانم جاب الإسم اللي سماكي بيه ده منين؟
ابتسمت إيثار بشـ.ـدة لتسترسل الاخرى موضحة:
-أصل إسمك غريب قوي على بلدنا،ومتزعليش مني،عمي غانم راجـ.ـل بسيط زي أبويا،منين عرف الإسم ده؟!
-لو ت عـ.ـر.في كام حد سألني السؤال ده هتستغربي...قالتها بهدوء لتسترسل بانتشاء:
-بصي يا ستي،لما ماما كانت حامل فيا حصل لها نـ.ـز.يف وبابا اضطر يوديها المستشفى اللي في المركز علشان يكشف عليها، الدكتورة اللي كشفت على ماما كانت من اليمن ومتجوزة دكتور مصري، بابا وقتها عجبه إسمها قوي،ولما عملت لماما سونار وقالت له إني بنت بابا قرر يسميني على إسمها، وكان نفسه قوي أطلع دكتورة زيها
لتسترسل بملامح متأثرة:
-بس أنا خزلته ومجبتش مجموع في الثانوية، علشان كدة أنا بجتهد ومصممة أجيب تقدير عالي كل سنة علشان أتعين معيدة في الجامعة، وكدة ابقى حققت لأبويا حلمه وفي نفس الوقت عملت كرير محترم لنفسي
-دي حكاية ولا الحواديت...قالتها بانبهار لتسترسل بانتشاء:
-ت عـ.ـر.في يا إيثار،أنا بحبك قوي وببقى مبسوطة وأنا شيفاكي بتنجحي وراسمة لنفسك مستقبل حلو
واستطردت بحسرة ظهرت فوق ملامحها:
-انا كان نفسي أكمل تعليمي قوي زي باقي أصحابي،بس الله يسامحه أبويا طلعني من تالتة ثانوي أول ما وجدي اتقدm لي،اترجيته يسيبني اكمل،ساعتها قال لي نفس كلمة أمك اللي قالتها لك،البت مهما اتعلمت وراحت وجت اخرتها الجواز
ابتسمت إيثار وقالت لتخفف عنها وطأة حـ.ـز.نها:
-بس وجدي طيب وبيحبك يا نوارة،وممكن لما ظروفكم تتعدل تستأذنيه في إنك تكملي تعليمك
ضحكت نوارة لتقول برضا:
-والنبي إنتِ رايقة يا إيثار، هو بعد العيد يتفتل الكحك.
7
ضحكتا من قلبيهما ليقطع انـ.ـد.ماجهما دخول تلك الـ "نسرين" حيث قالت بنبرة ساخرة وهي تتطلع إلى ضحكة إيثار الواسعة:
-ده أنتِ غريبة قوي يا إيثار،ولعتي الدنيا في بعضيها ونكدتي على أبوكِ وأخواتك وقاعدة هنا تضحكي ولا على بالك
-أنا اللي ولعت الدنيا في بعضها ولا جوزك... قالتها بملامح وجه مكفهرة لترد الأخرى بخُبث:
-جوزي ده يبقى أخوكِ اللي خايف على مصلحتك،يعني الحق عليه اللي عاوز يسترك قبل ما تعنسي
أعنس!...نطقتها بازدراء لتقول نوارة بعد أن قررت التدخُل لفض تلك المناوشة قبل أن تتطور:
-عيب الكلام ده يا نسرين
رفعت شفتها العلوى بتهكم لتقول متعجبة:
-وإيه العيب في اللي أنا قولته يا نوارة، بقيت غلطانة علشان خايفة على أخت جوزي!
لتحول بصرها للأخرى وهي تقول بلؤمٍ:
-إنتِ داخلة على اتنين وعشرين سنة يا حبيبتي،وده سن محدش وصل له قبل كدة من غير جواز في بلدنا، حتى بنات العائلات الكبيرة بيتجوزوا ويكملوا تعليمهم في بيوت إجوازهم
-دي حاجة تخصني لوحدي ومسمحلكيش تتكلمي فيها...قالت جملتها بصرامة لتستطرد ساخرة وهي تشملها بتهكم كي ترد لها الصاع صاعين:
-وبعدين هما اللي اتجوزوا كانوا خدوا إيه،واديكي اكبر مثال قدامي أهو
اشتعل قلبها وبلحظة احتدت عينيها لتهتف وهي ترمقها ببغضٍ شـ.ـديد:
-خدت كتير يا حبيبتي، لقيت راجـ.ـل يحبني ويتمنى لي الرضا،وستتني في بيته وجبت له ولد زي القمر وحامل في شهرين وكلها سبع شهور واجيب الولد الثاني
-هي دي إنجازاتك!.. نطقتها ساخرة لتقطع تلك المناوشة الكلامية الحادة ولوج منيرة لتقول بملامح وجه صارمة:
-إعملي شاي للرجـ.ـا.لة وطلعيه يا نسرين
استدارت إيثار لتولي ظهرها لوالدتها دون عناء النظر لوجهها متعللة باستكمال جلي الاواني،زفرت منيرة لتيقنها غضب صغيرتها منها لكنها لم تهتم وخرجت من المطبخ،انتهت إيثار من الجلي واتجهت إلى غرفتها لتأخذ ملابس لها وتتجه نحو الحمام لتغتسل كي تريح جسدها وبعدها اتجهت لغرفتها من جديد لتؤدي صلاة العصر،انتهت وجلست على فراشها تسترجع دروسها ليقطع تركيزها دخول والدتها المفاجئ، نظرت لها باستغراب لتقول بضيق:
-ياريت ياماما تبطلي تدخلي عليا من غير ما تخبطي
قطبت جبينها لتجيبها بحدة:
-مبقاش ناقص إلا إني اخد الإذن منك يا ست إيثار
زفرت لتجيبها بإبانة:
-مش قصة إستئذان، بس افرضي إني بغير هدومي
-أنا عارفة إنك بتغيري في الحمام، وبعدين سيبك من الرغي الكتير وخلينا في المهم...قالتها باهتمام لتنتبه الأخرى لها، اتجهت وجاورتها الجلوس لتسترسل:
-جهزي نفسك وإلبسي فستان حلو عشان تروحي معايا حِنة أمل بنت حليمة بنت عمي حسين
لم تتمالك حالها لتهتف متذمرة:
-وأنا مالي بحنة أمل دي كمان، أنا عندي مذاكرة ومش فاضية للكلام ده
واسترسلت متعجبة:
-وبعدين أمل دي أنا مشفتهاش مرتين تلاتة على بعض والكلام ده كان من سنين عند جدي الكبير الله يرحمه
اجابت لاقناعها:
-يا بنتي عيب اللي بتقوليه ده،حليمة تبقى بنت عمي وطول عمرها صاحبة واجب معايا، دي منقطاني في فرح إخواتك الإتنين
ردت مفسرة:
-أنا مطلبتش منك متروحيش،بس كمان متجبرنيش أسيب مذاكرتي وأروح اضيع وقتي في مجاملات شكلية
وصلت منيرة لذروة غضبها من تلك المتمردة صعبة المراس والتي ستهدm لها مخطتها،فبرغم ان نجل شقيقها قد طلب إيثار للزواج بها إلا أنها تطمع دائمًا للأعلى حيث فكرت بأن تصطحب إبنتها الجميلة لحفل إبنة عائلة عريقة كعائلة البنهاوي وهي أكبر عائلة بالبلدة بل بالمركز بأكمله،لذا خططت بأن تجعلها ترتدي أفضل ما عندها من ثياب لربما تُعجب بها إحدى سيدات العائلة وتختارها زوجة لنجلٍ لها،حاولت تهدأة حالها لتقول بنبرة مصطنعة علها تستطيع تليين عقل تلك العنيدة بتلك الكلمـ.ـا.ت المفخمة للذات:
-طب وإن قولت لك إني عايزة اخدك معايا اتباهى بيكِ قدام حريم البنهاوية وحريم البلد كلهم بردوا هتكسفيني؟
ضيقت بين حاجبيها تتعمق بالنظر لمقلتي والدتها في تعجب لتفكيرها لتباغتها الأخرى كي لا تدع لها الفرصة بالرفض:
-خليني أتباهي وسط الناس ببنتي المتعلمة ومتكـ.ـسريش خاطري
لاَنَ قلبها بعد حديث والدتها ونظراتها المتوسلة التي تراها للمرة الأولى لتقول بابتسامة هادئة:
-حاضر يا ماما، هروح علشان خاطرك
انتفضت الاخرى من جلوسها لتتحدث بانتشاء وفرحة لم ترهما عيني إيثار من ذي قبل:
-طب قومي جهزي نفسك وابقي البسي الفستان اللي كنتي جيباه لخطوبة صاحبتك بتاعت مصر
تنفست باستسلام لتجيبها بكثيرًا من العقل التي تتسم به شخصيتها الصلبة:
-لسة بدري يا ماما،خيني أذاكر شوية وبعد ما اصلي المغرب هلبس
-لا ما أنا هبعت أجيب لك البت كريمة الكوافيرة عشان تنضف لك وشك وحواجبك...قالتها بانتشاء تعجبت منه الإبنة لتقول باستغراب ظهر بَين فوق ملامحها:
-ليه ده كله، دي حنة أمل مش حنتي أنا يا ماما؟!
زفرت بقوة لتهتف بحدة وسـ.ـخطٍ بعدmا فقدت صبرها:
-هو أنا مش مكتوب لي اسمع كلمة حاضر منك خالص،هتفضلي واجعالي قلبي لحد امتى؟
هبت واقفة لتقول سريعًا في محاولة منها لمراضاتها:
-خلاص حقك عليا، هعمل لك كل اللي إنتِ عوزاه
وقفت تتطلع عليها بملامح حادة غاضبة لتقول الأخرى بابتسامة هادئة عليها تستطيع إضحاك صاحبة الوجه القاسي ولو لمرة:
-خلاص بقى متزعليش.
تنفست بهدوء ولانت ملامحها لتقول:
-هروح أبعت للبت كريمة على ما تجهزي نفسك
قالتها وتحركت سريعًا للخارج دون انتظار الرد، تنفست الصعداء لتلقي حالها فوق الفراش وهي تزفر بضيق
*****"*****
أتى الليل ليخيم الظلام على الكون،خرجت من حُجرتها وهي ترتدي ذاك الثوب الرقيق والذي بدا وكأنه صنع خصيصًا ليجعل منها أيقونة جمال وانوثة تتحركان فوق الارض،كان مصنوعًا من قماش الستان باللون الأزرق ليظهر بياض بشرتها الحليبية،ضيقًا من عند الصَدر والخصر لينزل باتساع كبير اظهر تقاسيم جسدها مما جعل كل من يراها ينبهر، اشتعل قلب نسرين حين رأتها تتحرك صوبها هي ونوارة واللواتي كانتا ترتديتان ثوبان متواضعان مما جعل نسرين تهتف بحدة:
-مش يلا بينا يا حمـ.ـا.تي، إتأخرنا وإحنا مستنيين، الحنة زمانها بدأت من ياما
كانت أعين منيرة منبهرة بجمال ابنتها فأجابت وهي مسلطة عينيها فوق إيثار:
-اسبقيني انتِ ونوارة وانا وإيثار هنحصلكم
بالفعل تحركتا وبعد قليل ذهبت بصحبة ابنتها،وصلا إلى الشارع المؤدي لمنزل والد العروس،نظرت منيرة لتلك الفراشة المنصوبة للرجـ.ـال (الصوان) وما تحتويه من طاولات مرصوص عليها جُل ما لذ وطاب من حلوى وفاكهة ومسليات، كان يقف بالمقدmة ليستقبل المهنئين بجانب أبناء عمومته من الشباب،خرج ليتناول سيجارة ينفث بها عن حاله بعيدا عن أعين والده ليتسع بؤبؤ عينيه ذهولاً بعدmا رأها وهو يتفقد المكان، نعم هي تلك التي سلبته لُبه منذ أن رأها ظهر اليوم ومن حينها وللأن لم تغب عن تفكيرة ولو لحظة،وقف لحظات حتى استوعب رؤيته لتلك الفاتنة،ترك تفكيره وتلك الأسئلة التي اقتحمت مخيلته ليهرول إليها بعدmا رأى من تجاورها وتأكد من شخصها،اقبل عليهما ليهتف بترجابٍ عال وهو يقول:
-يا أهلاً وسهلاً يا خالتي منيرة، نورتي الحنة
قطبت جبينها لتدقق النظر بملامح ذاك المهلل والتي صعب على ذاكرتها تحديد شخصه ليسترسل بلهفة:
-إنتِ مش فكراني يا خالتي، أنا عمرو إبن الحاج نصر البنهاوي،كنت زميل وجدي في الثانوية العامة وياما جيت عندكم علشان أذاكر معاه وهو كان بييجي عندي ناخد الدروس ونذاكر
تهلل وجهها لتجيبه بتذكُر:
-إفتكرتك، ماشاء الله يا عمرو،شكلك اتغير خالص عن زمان،كبرت وبقيت راجـ.ـل تختشي العين تبص له
حول بصره لإيثار التي تستمع بلامبالاة وكأن الأمر لا يعنيها ليتحدث وهو يرمقها منبهرًا بجمالها الذي تضاعف عما رأها ظهر اليوم بفضل زينتها وثوبها المنمق:
-تشكري يا خالتي
زاغت عينيها لتلتمع ببريق الأمل وهي ترى تحملقهُ بابنتها لتقول بدلال عاتبة عليه:
-بس أنا زعلانة منك يا عمرو،من ساعة ماخلصتوا الثانوية لا عُدت بتسأل ولا كأنك كنت زملا أنتَ و وجدي، طب حتى كنت إسأل على خالتك منيرة
واستطردت بفكاهة:
-يخـ.ـو.نك محشي الكرنب اللي كنت بتاكله عندي لما تتأخر في المذاكرة مع وجدي؟
ضحك ومازالت عيناه معلقة بتلك الجميلة ليقول بملاطفة:
-حقك عليا يا خالتي،بس إنتِ عارفة الدنيا تلاهي
أجابته بلمعة بعينيها:
-الله يكون في عونك يا ابني،أرض الحاج نصر وأملاكه ياما ومحتاجة اللي يحميها ويراعيها
تبسم ثغرها وهي تراه مازال معلقًا مقلتيه بإيثار ليتحدث مستفسرًا بعدmا فقد سيطرته جراء شغفه لمعرفة شخصها:
-أنا شفتك النهاردة في الموقف، هو أنتِ تقربي لخالتي منيرة؟
قطبت جبينها متعجبة جرأته لتهتف منيرة بإيجاب لتُشبع رغبته الملحة في المعرفة والتي ظهرت بينة بمقلتاه:
-هو انتَ مش عارفها يا عمرو، دي إيثار بنتي
التمعت عينيه ذهولاً ليقول:
-معقولة، إنتِ إيثار؟!
ليسترسل منبهرًا:
-شكلك إتغير قوي عن زمان
كِبرت وادورت وخرطها خراط البنات... كلمـ.ـا.ت نطقتها منيرة وهي تلوي رأسها بتفاخر لترمقها إيثار بحدة بعدmا شعرت بالخجل الشـ.ـديد لتقول بصوتٍ مرتبك:
-ماما، إيه اللي بتقوليه ده!
ابتسم عمرو على خجلها الذي زاد من توهج وجنتيها ليزيد من اشتعال قلبه وحرارته لتهتف الأخرى بلامبالاة غير عابئة بمشاعر صغيرتها البريئة:
-مكسوفة من إيه ده عمرو زي أخوكِ وجدي بالظبط
اغتاظت من والدتها وتحدثت بحدة أظهرت كم حنقها:
-ممكن ندخل الفرح بدل وقفتنا في الشارع اللي ملهاش لازمة دي
برغم سعادتها باعجاب عمرو الظاهر عليه إلا أنها كانت تشتعل داخليًا لتخشب تلك الحمقاء ونظراتها الحادة،تغاضت عن غضبها لتتحدث وهي تُشير بيدها نحو منزل العروس:
-يلا يا حبيبتي
أوقفها متلهفًا ليقول باهتمام:
-الفرح معمول على السطوح فوق يا خالتي
واسترسل وهو يتقدmهم:
-اتفضلوا أوصلكم
تحركتا خلفه وصعد ثلاثتهم الدرج إلى أن وصلوا لمكان إقامة الحفل،انسحب عمرو بهدوء ليترك منيرة تتلفت حولها بانبهار لتلك الطاولات المرصوصة والمزينة بمفارش بيضاء حملقت عينيها على الفاكهة والحلوى وزجاجات المياه الغازية الموضوعة فوقها بانتظام،لقد تحول السطوح وكأنه قاعة أفراح بفضل تلك الزينة المعلقة والمحاوطة للمساحة بأكملها، أما المكان المخصص لجلوس العروس فكان مبهرجًا وجاذبًا للعين، تحركت خلف والدتها لتقابلهما والدة العروس بترحاب شـ.ـديد يرجع لقرابتها لمنيرة:
-يا أهلا وسهلا يا ام عزيز،نورتي الحنة يا بنت عمي هتفت بامتنان:
-تعيشي يا ام كريم،مبروك وربنا يتمم لكم بخير وتفرحي بعوضها إن شاءالله
التفتت المرأة إلى تلك الجميلة لتقول بانبهار ظهر بعينيها:
-صلاة النبي أحسن،كبرتي واحلويتي يا إيثار
تبسمت براحة لتتحدث بلطف سببه تقبلها لتلك السيدة اللطيفة والتي طالما عاملتها بتودُد:
-متشكرة يا خالتي،عيونك الحلوين
اشارت بكف يدها للداخل:
-تعالوا ادخلوا
تحركوا وهما في طريقهما للطاولة أخذت تلقي التحية والسلام على كل من تقابلها بطريقها إلى أن جلست بجوار زوجتي نجلاها اللتان سبقتاها إلى هنا،بعدmا استقرت بجلوسها باتت تتفحص نساء العائلة لتتسع حدقة عينيها وهي تتحسر على حالها كلما نظرت ليديهن وصدورهُن وما يرتديهُن فيهم من حُلىٍ وأقراط مصنوعة من الذهب الخالص، بعد قليل نهضن الفتيات والتففن حول العروس وبدأن يتمايلن بخصورهن يمينًا ويسارًا ويتراقصن بانسجام مع إحدى الأغاني الشعبية، كانت تتابع ما يحدث بتملُل لشعورها أنها مختلفة عن تلك الطبقة،فجميعهُن خُلقن مدللات وطلباتهن مجابة لثراء عوائلهُن الفاحش لذا فهي مختلفة عنهن كليًا لكونها وُلدت لعائلة فقيرة بالكاد كانت تؤمن لها ولأشقائها المتاح من المأكل والملبس واحتياجات التعلُم من أدوات وثياب بسيطة وبرغم هذا أصرت على إكمال دراستها لتصنع لحالها مستقبل تستطيع من خلاله تغيير مسارها ،انـ.ـد.مجت بالحديث بصحبة نوارة إلى أن وجدت من تحتويها بذراعيها من الخلف قائلة بمداعبة:
-أنا مين؟
تعرفت على صوتها من الوهلة الأولى،إنها سُمية صديقتها المقربة بالثانوية العامة،تفرقا بالجامعة حيث إلتحقت إيثار بكلية التجارة بجامعة القاهرة بينما سمية فالتحقت بكلية الأداب جامعة المنصورة ولكن ظلت علاقتيهما قوية كالسابق حيث تتبادلتان الزيارات بمنزليهما كلما سنحت لهما الفرصة وتتحدثتان عبر الهاتف بشكل شبه يومي لذا اسرار كلتاهما لدى الأخرى،أُنير وجهها بابتسامة سعيدة لتقول بحبورٍ تجلى بصوتها الناعم:
-سُمية
اعتدلت لتهب واقفة لتلتف لتلك المبتسمة وتبادلتا عناقًا حميميًا لفت أنظار الجميع،تجاورتا الجلوس بعد أن صافحت منيرة وزوجتي نجلاها،وبدأتا الفتاتان بالهمس لتقول سمية مستفسرة:
-جيتي إمتى؟
لسة واصلة العصر...نطقتها ببشاشة وجه لتنهرها الاخرى بلومٍ مصطنع:
-ومتكلمنيش يا ندلة عشان أجي أشوفك؟
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:
-اسكتي يا سمية، أنا من ساعة ما وصلت البيت وأنا في حوارات
-ليه،إيه اللي حصل، إحكي لي...نطقتها بعينين يملؤهما الفضول لتجيبها الاخرى بإيجاز:
-هحكي لك بعدين
ثم ضيقت عينيها لتسألها باستغراب:
-بس أنا متوقعتش ألاقيكي هنا في الحنة
ليه يعني...قالتها باقتطاب لترد الاخرى:
-يعني،أصل لا العريس ولا العروسة قرايبك،فاستغربت بصراحة
غمزت لها بعينيها لتقول بانتشاء وهي تهمس بالقرب منها دون حياء:
-أقولك الصراحة،أنا جاية أشقط عريس
فغر فاهها لشهق بعينين متسعتين ذهولاً لشـ.ـدة وقاحتها لتهتف الأخرى بتعجُل:
-إقفلي بقك هتفضحينا
لتسترسل بانتشاء:
-بصي يا إيثار، مش هكذب عليكِ،أنا طول عمري بحلم إني ادخل عيلة البنهاوي واتنغنغ في عزهم،وابقى غـ.ـبـ.ـية لو أضيع من إيدي فرصة زي فرح بنت جمال البنهاوي،علشان كدة أول ما عرفت إن الحنة النهاردة
لتقول وهي تحرك كفيها فوق خصرها المنحوت بتفاخر:
-إتشيكت ولبست أضيق حاجة عندي زي ما أنتِ شايفة وسحبت نفسي وجيت
كانت تستمع إليها بعقلٍ غير مستوعب حديثها لتسترسل الاخرى وهي تتناقل النظرات بين سيدات الحفل:
-معظم الستات اللي قاعدين دول عندهم شباب في سِن الجواز، مش يمكن حظي يضـ.ـر.ب وأعجب واحدة منهم وتخطبني لابنها
هزت رأسها بتعجب لتجيبها باستنكار:
-وستات عيلة البنهاوي هيختاروكي على أساس إيه يا سُمية
تنهدت حين رأت استنكار صديقتها لتسترسل بإبانة:
-متزعليش مني،أنا مش قصدي اجـ.ـر.حك، بس إحنا غلابة قوي جنب الناس دي، ونهار ما واحدة منهم تفكر تخطب لابنها أكيد هتختار له عروسة من البنهاوية أو حتى بنت عيلة كبيرة زيهم
-خليكي إنتِ في تفكيرك الفقري ده لحد ما هتلاقي نفسك لابسة في سليم إبن خالك أبو دبلوم...نطقتها بازدراء ولوم لتغرق الاخرى بدوامة أحزانها فقد اصبح هاجسها الأكبر مؤخرًا هو أن يجبرها شقيقها على زواجها من ذاك السليم الذي لا يختلف كثيرًا بطباعه عن عزيز
لتسترسل الاخرى بتطلع وعينين حالمتين:
-أما أنا بقى هحقق حلمي وبكره أفكرك لما اتجوز واحد من شباب البنهاوية وأعيش معاه في العز، ت عـ.ـر.في، وأنا جاية وقفت عند الصوان بتاع فرح الرجـ.ـا.لة وعملت نفسي بربط في الكوتشي بتاعي
لوت فاهها باحباط لتسترسل:
-كنت متأملة حد من شباب البنهاوية يطلع ويشوفني وأعجبه، بس حظي طلع فقري، وقفت أكتر من نص ساعة إن حد يطلع، وأخر ما زهقت طلعت على هنا
أطلقت ضحكة بريئة على تلك الحالمة وتابعتا حديثيهما المسمر إلى أن قطع انخراطهما صوت تلك البشوشة التي اقبلت باتجاه الطاولة لتقول وهي تجذب إيثار من كف يدها لتحثها على النهوض:
-تعالي إرقصي مع البنات يا إيثار
تفاجأت بفعلها لتقول بكثيرًا من الإرتباك المصحوب بالخجل:
-مش هينفع يا خالتي أنا مبعرفش أرقص
هتفت "نوارة" زوجة"وجدي"التي كانت تقابلها الجلوس بالطاولة،لتقول بحماس وتفخيم:
-لما أنتِ مبت عـ.ـر.فيش ترقصي أنا اللي بعرف؟
والتفت للسيدة لتسترسل بمشاكسة:
-متصديقهاش يا خالتي حليمة، دي بترقص ولا فيفي عبده في فيلم الراقصة والسياسي
2
-إنتِ هتقولي لي،ما أنا شفتها في حنة عزيز ووجدي،قومي يلا علشان تفرفشي أمل...قالتها المرأة وهي تجذبها لتحثها منيرة على النهوض حيث قالت لابنتها وهي تلكزها برسغها:
-قومي ارقصي مع العروسة يا إيثار، عيب تكسفي خالتك
أما نسرين فكانت تتابع الحوار بقلبٍ يغلي من شـ.ـدة حقده على تلك التي استحوذت على كل ما حُرمت هي منه وهو إتمام دراستها الجامعية والذي جعلها تشعُر بالدُونية بجانبها،وكذلك "سمية" التي شعرت بالغيرة من عدm تقدير والدة العروس لها وكأنها غير موجودة بالأساس،كم تمنت بأن تسنح لها الفرصة لتتراقص وتميلُ بخصرها المنحوت أمام هؤلاء النسوة لتستعرض جسدها وما لديها من مهارات ،بعد إلحاح الجميع استسلمت بالأخير وتحركت إلى وسط السطوح حيث تجمع فتيات العائلة فأمسكت حليمة يداها لتشبكهما بيدان ابنتها العروس واشتغلت الموسيقى وكانت غنوة خاصة بالمطربة شادية اُعيد تلحينها ليواكب العصر وتغنى بها المطرب محمد منير«شيء من بعيد نداني»
انـ.ـد.مجت برقصتها لابعد حد وكأن جسدها تحرر ليلين ويتحرك بليونة عجيبة مع كلمـ.ـا.ت الغنوة التي تماشت مع رقصها الراقي،كانت ترقص بقامةٍ مرتفعة وشموخٍ كي تُشعر جميع الموجودات أنها لا تقل عنهُن بشيءٍ حتى لا تتطلع إحداهُن عليها بتغطرس،بينما نظرت الفتيات لبعضهن باستحياء وبلحظة ابتعدن ليتركا لها المجال خشيةً من أن تقارنَ برقصها ويخسرن أمام تلك التي تتراقص بمهارة وكأنها خُلقت لهذا
كانت هناك عينين مختبئتين في الظلام لتراقب تمايلها بقلبٍ يدق كطبول الحرب وجسدٍ متصلب ينتفض مع كل حركة تقوم بها برقصتها الرائعة التي جعلت من الجميع مشـ.ـدوهًا بازبهلال ويتمعن النسوة بالنظر لحركاتها المتقنة بالرقص الشرقي،تنفس عاليًا ذاك المختبيء يتلصص عليها بعدmا صعد على سطوح منزله المُظلم المقابل لمنزل العروس ليراقب تلك التي استطاعت خـ.ـطـ.ـف لُبه من الوهلة الأولى،سال لعابهُ وشعر بانجراف مشاعره خلف تلك الساحرة، بات يتلصص عليها حتى انتهت من رقصتها ليتوقف قلبه مع توقف الموسيقى،حُبست انفاسهُ ليستعيدها من جديد وهو يرى والدة العروس وبعض الفتيات يتوسلن لتلك الإيثار بأن تمتعهُن برقصة أخرى، بالفعل بدأت برقصتها تحت سعادة منيرة التي تخطت عنان السماء واحتراق روح ذاك اللص المختبيء واشتعال روحه بنار اللهفة والإعجاب،قطبت "إجلال"جبينها لتتمعن بالنظر لتلك الفتاة المختلفة حتى برقصها،فهي مختلفة كليًا تشعر لوهلة أنها أميرة برغم ثوبها الهاديء والذي يفتقد الثراء كفتيات عائلة البنهاوي إلا أنه جعل منها مثيرة ولافتة للأنظار،شغفها الفضول لمعرفة من تكون تلك المختلفة،أشارت لـ حليمة بكف يدها بمنتهى الغرور لتأتيها الاخرى مهرولة خشيةً بطشها لتسألها بهدوء:
-بنت مين البت اللي بترقص دي يا حليمة؟
هتفت مسرعة بنبرة حماسية:
-دي بنت منيرة بنت عمي يا" ستهم"
أومأت بملامح مُبهمة لتستفسر مجددًا:
-بنت غانم إبن محمد الجوهري؟!
أومأت المرأة بتأكيد لتسترسل الأخرى متهكمة بكبرياء:
-اللي يشوف رقصها وتناكتها ميقولش عليها بنت غانم اللي محلتوش غير الجلابية اللي عليه
ابتلعت المرأة لُعابها بإحراج لتهكمها الصريح على إبنة قريبتها لتحول إجلال بصرها على منيرة التي تنظر متلهفة بسعادة وقلبٍ يدق بقوة لشـ.ـدة حماسته بعدmا رأت نظرات تلك المرأة الثرية إلى ابنتها واستدعائها لحليمة لتستفسر منها عنها وهذا ما استشفته بفطانتها، رمقتها إجلال بنظرات إزدرائية لتُشير باطراف أصابعها لـ حليمة بالإنصراف بطريقة مهينة تقبلتها المرأة وابتلعت غصتها بمرارة تجنبًا لجبروت تلك المتسلطة، لتتحدث بازدراء لشقيقتها التي تجاورها الجلوس:
-قال وأنا فكرتها بنت ناس وقولت تنفع عروسة لـ عمرو، طلعت بنت غانم
ضحكت الأخرى لتقول متهكمة بتعجرف:
-المظاهر خداعة يا إجلال، البت من دول على ما يخرطها خراط البنات وتشـ.ـد حيلها تفتكر نفسها بني أدmة...انتهت ليطـ.ـلقا الضحكات الساخرة سويًا لتعودا لمتابعة ترقبهما للحضور وهما تنظرتان بقامتان مرتفعتان بتعاظم
لم تستطع سمية الجلوس فقد فقدت صبرها على كبح شعورها بالظهور أمام هؤلاء النسوة، هبت واقفة لتتحرك صوب إيثار وشاركتها الرقصة تحت سعادة إيثار وغضب عمرو الذي شعر بالسخط على تلك الدخيلة التي حجبت عنه رؤية تلك المُثيرة انتهت إيثار وتحركت إلى والدتها لتجاورها الجلوس بأنفاسٍ لاهثة وتركت سمية التي انتهزت الفرصة وتقربت من العروس وقريباتها لتنـ.ـد.مج معهن بالرقص في محاولة منها للظهور أمام السيدات،بعد مرور بعضًا من الوقت تمللت إيثار بجلستها لتهمس لوالدتها باستياء ظهر بملامحها:
-ماما أنا زهقت،يلا علشان نروح
-لسة بدري، أدينا قاعدين شوية كمان...نطقتها بعينين تتطلعتين بانبهار لكل ما حولها لترد الاخرى بملل بعدmا عقدت النية على الرحيل:
-خلاص خليكي إنتِ ونسرين وأنا همشي مع نوارة
نهرتها قائلة بحدة:
-مستعجلة على المرواح ليه؟
زفرت بضيق لتجيبها:
-عندي مذاكرة كتير ،وبعدين ما احنا قاعدين من بدري،أنا بجد زهقت
اخرجت زفرة حارة من شفتيها لتستسلم بالأخير تحت إصرار تلك الغـ.ـبـ.ـية، التفت وهي تدير برأسها لتهتف بجفاء:
-وحشتك قوي السرايا بتاعة أبوكِ
ثم رمقت ثلاثتهم لتهتف بملامح وجه مكفهرة:
-قومي يا غندورة منك ليها
قدmن التهنئة مرةً أخرى للعروس ووالدتها وسألت إيثار سمية إن كانت سترافقها بالإنصراف فأخبرتها الأخرى بأنها ستمكث لنهاية الحفل فتركتها لتتحرك بجانب والدتها وزوجتي شقيقاها،وأثناء مغادرتهم قاطعهم ذاك المتطفل الذي كان ينتظرها بعدmا رأها من الاعلى وهي تهم بالمغادرة ليقول موجهًا حديثه لـ منيرة بينما عينيه مثبتتين على جسد إيثار بكل وقاحة:
-بقولك يا خالتي، هو رقم تليفونكم الأرضي لسة زي ما هو ولا اتغير
ليستطرد بإبانة سريعًا بعدmا رمقته نسرين بنظرة متعجبة:
-اصل عاوز أكلم وجدي وأطمن عليه
لسة زي ما هو يا عمرو...نطقتها بابتسامة خبيثة وهي تراه معلقًا بصرهُ فوق ابنتها لتسترسل بمداعبة:
-بس هو انت لسة فاكر الرقم؟
ابتسم لمداعبتها ليجيبها بنفي:
-بصراحة لا يا خالتي
-مليه الرقم يا إيثار...نطقتها لابنتها التي كانت واقفة تتملل وتنظر للبعيد بانتظار انتهاء ثرثرة والدتها مع ذاك المتطفل والتي لم تلاحظ نظراتها له لانشغالها بالنظر على الطريق،لتنتبه على صوت والدتها وتقول بعدmا تنفست باستسلام:
-حاضر يا ماما
طرحت نسرين سؤالها بصوتٍ متعجب إلى عمرو:
-طب ما تاخد رقم الموبايل بتاع وجدي أحسن؟
ارتبك من سؤال تلك المتطفلة لكنه استعاد توازنه ليجيبها بثقة زائفة:
-ما أنتِ عارفة إن شبكة الاتصالات هنا في البلد ضعيفة
انتفض قلبها رُعبًا بعدmا رمقتها منيرة بتوعد لتهز رأسها سريعًا وهي تبتلع لُعابها،أملته إيثار الرقم بينما خرجت ابتسامة بلهاء تحت استغرابها لتنتهي ويقول هو بعينين تلتمعتين بوميض التلهف:
-متشكر يا إيثار
أومأت برأسها سريعًا بعدm اكتراث لتنسحب للأمام بصحبة نوارة بعدmا فاض بها الكيل غير عابئة بوقوف والدتها التي استأذنت وانسحبت خلفهما هي ونسرين المتعجبة من اهتمام ذاك العمرو بأمر شقيق زوجها
******
وصلن للمنزل لتدلف كلاً من منيرة وإيثار إلى غرفتيهما بالطابق الارضي بينما نسرين ونوارة صعدتا الدرج وصولاً لمساكنهما لتهتف نسرين وهي تبتسم ساخرة:
-أقطع ذراعي من هنا...وأشارت على أعلى كتفها لتسترسل بتأكيد:
-إن حمـ.ـا.تك واخدة البومة بنتها علشان توقع لها عريس،والست إيثار اللي عملالنا فيها الابلة نظيرة متشيكة ورقصت علشان كدة
-حـ.ـر.ام عليكِ يا نسرين، متظلميش ماما وإيثار، إيثار أصلاً مكنتش عاوزة تروح وماما اللي أصرت عليها علشان خالتك حليمة متزعلش
-طب إيه رأيك إن حمـ.ـا.تك متفقة مع اللي اسمها حليمة على النمرة اللي عملتها دي علشان تخلي المحروسة تهز وسطها قدام الحريم
-وهي هتعمل كدة ليه؟... سؤال بريء طرحته نوارة لتجيبها الاخرى بخبثٍ:
-شوفي إنتِ بقى
توقفت نوارة عن التحرك وشردت بالتفكير لتلكزها الاخرى بكتفها قائلة بتنبية:
-وقفتي ليه،يلا علشان نغير هدومنا وننزل نغسل مواعين العشا المكومة في المطبخ قبل ما حمـ.ـا.تك تفتح حسها علينا
زفرت نوارة لتهتف متذمرة:
-أنا نعسانة،مـ.ـا.تخليهم لبكرة،هيحمضوا يعني لو فضلوا للصبح
بدلت إيثار ثوبها بمنامة فضفاضة مريحة وخرجت لبهو المنزل لتحمل الهاتف المنزلي وتعود به من جديد إلى غرفتها لتهاتف صديقتها بالجامعة للاستفسار عن أمر خاص بدراستها الجامعية
******
مع حلول الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان الهدوء يعم القرية،لا يُسمع سوى أصوات طائر الكروان ورائحة شجرة الياسمين الزكية المزروعة أمام المنزل تعبق بالمكان،فطالما يأتي الليل محملاً بهدوء يسر القلوب ويُدخل عليها السكينة،تتلألأ النجوم في السماء لتنيرها وتعطي مظهرًا خلابًا،بينما تجلس هي فوق فراشها ممسكة بكتابها تستذكر دروسها بذهنٍ مستيقظ وحماس يرجع لعشقها للدراسة،استمعت لقرع جرس الهاتف المنزلي حيث كان موضوعًا فوق المنضدة الصغيرة المجاورة لفراشها المتواضع ككل أساس منزلهم المتهالك،تعجبت من رنينه بتلك الساعة المتأخرة، تنهدت لتميل بجذعها ملتقطة سماعة الهاتف وهي تقول مستفسرة:
-ألو
إزيك يا إيثار...وصل صوت المتصل لمسامعها لتضيق عينيها باستغراب وهي تقول:
-مين معايا؟
بصوتٍ ناعم أجابها:
-أنا معجب ولهان،قلبه اتخـ.ـطـ.ـف لما شافك النهاردة
لوت فاهها لتشعر بالإشمئزاز من كلمـ.ـا.ت ذاك المتـ.ـحـ.ـر.ش العَفن لتهتف بنبرة حادة:
-بطلوا قلة أدب بقي وأحترموا نفسكم
بالكاد أنهت كلمـ.ـا.تها لتزفر وهي تغلق السماعة بوجه ذاك المتكيء فوق وسادة فراشه الوثير بغرفته الفخمة والذي صُدm من ردة فعلها الغريبة، فقد توقع إذابة قلبها وثوران لمشاعرها عنـ.ـد.ما يتبع معها طريقته المعتادة لإيقاع الفتيات اللواتي يُعجب بهن،ابتسم بتسلي بعدmا تأكد من اختلافها فقد زاد الحماس بداخله لأن الصيد تلك المرة سيكون لفتاة صعبة المنال وهذا ما سيزيد من متعته عند الوصول إليها وضمها لقائمة فتيات عمرو البنهاوي
أعاد الضغط على أرقام هاتف منزلها مرةً أخرى وأنتظر الرد فانتهى الإتصال مرةً أخرى وقام بتكرار المحاولة عدة مرات دون أن يسأم حتى أتاه الرد من صوتٍ لم يتوقعهُ لـتجحظ عينيه وبسرعة البرق أعاد سماعة الهاتف لمكانها ليُنهى الإتصال ثم نظر أمامه ليعقد حاجبيه بضيق وهو يحك ذقنه بأصابع يده قائلاً:
-يا بنت الـ....
↚
أعاد الضغط على أرقام هاتف منزلها وأنتظر الرد فانتهى الإتصال مرةً أخرى وقام بتكرار المحاولة عدة مرات دون أن يسأم، زفرت بقوة من ذاك المصمم على الإتصال، وقفت وتمسكت بالهاتف لتتحرك به إلى غرفة شقيقها الصغير، ولجت بعد الاستئذان لتقول وهي تضع الهاتف بين يديه:
-فيه واحد بـ.ـارد بيعاكس،خد ظبطه وأنا هروح أكمل مذاكرتي
-ده مين اللي ليلة أمه مش فايتة ده؟...جملة نطقها أيهم لتمط شفتيها مع رفعها لكتفيها بلامبالاة وتحركت صوب الباب لتختفي خلفه تاركة رنين الهاتف يصدح مرةً أخرى،رفع السماعة وبدون سابق هتف ليمطرهُ بوَابلٍ مِن الشَّتَائم لـتجحظ عينى الأخر وبسرعة البرق أعاد سماعة الهاتف لمكانها ليُنهى الإتصال ثم نظر أمامه ليعقد حاجبيه بضيق وهو يحك ذقنه بأصابع يده قائلاً:
-يا بنت الـ....،تنفس بهدوء وما زادهُ تصرفها سوى إصرارًا على الفوز بها،فقد تيقن أنها تختلف عن سابقاتها من الفتيات ليقرر تبديل خطته ليظفر بها،زفر بقوة حين تذكر صورتها وهي تتمايل بخصرها بكبرياءٍ زادها جمالاً وسحرًا فوق سحرها،عصر اليوم التالي،كان يقف أمام مرأته الخاصة بغرفته يتطلع لهيأته بخيلاء بعدmا ارتدى أفضل ما لديه من ثياب، بنطال من الجينز الأزرق يعتليه قميصًا ناصع البياض وقام بتصفيف شعر رأسهُ بعناية فائقة، بسط يده ليلتقط قنينة العطر الخاصة به،استمع لطرقاتٍ خفيفة فوق الباب،ولجت والدته وتحركت صوبه تتطلع عليه بجبينٍ مقطب لتقول باستغراب:
-لابس ومتشيك ورايح على فين كدة؟
نثر عطره بسخاء مغرقًا به عنقه وذقنه ليقول بصوتٍ حماسي:
-رايح أزور واحد صاحبي
رفعت حاجبها الأيسر لتنظر إليه بشكٍ وهي تقول بتهكم:
-صاحبك مين ده اللي فضيت نص قزازة البرفان على وشك وإنتَ رايح له!
لتخرج إبتسامة متهكمة من جانب فمها مسترسلة:
-اللي ربى خير من اللي اشترى يا ابن إجلال؟!
ابتسم بخفوت ليقول بمراوغة:
-طب اعمل إيه إذا كُنتي مابتصدقنيش في أي حاجة أقولها لك
ناظرته بريبة لتنطق بحدة:
-تقول الحق وتبطل سرمحة وجري ورا البنات الشمال اللي بتعرفهم، وتوافق على جوازك من واحدة من اللي بعرضهم عليك كل إسبوع
لتستطرد بضيق ظهر بَين بعينيها:
-يا ابني ده اللي قدك معاه عيل واتنين
سأم وأصابه الحنق من حديثها المكرر التي لن تمل من سرده عليه بكل مناسبة تأتيها ليزفر الاخر بقوة وهو يقول بتملل:
-يا ماما هو أنتِ مبتزهقيش من الكلام ده،مية مرة قولت لك لما ألاقي البنت اللي تدخل دmاغي وتملى مزاجي هاجي بنفسي وأقول لك اخطبيها لي.
-وإنتَ من بين كل بنات الأكابر اللي نقيتهم لك مفيش ولا واحدة دخلت مزاجك يا سي عمرو؟ كلمـ.ـا.ت نطقتها بسخرية ليقترب منها مقربًا كف يدها من شفتاه ليضع به قُبلة ثم تطلع لعينيها بعدmا قرر أن يستجدي عاطفتها مستغلاً عشقها الهائل لذاك القريب من قلبها والتي يتمتع بمكانة لم يصل لها غيره على وجه الأرض بأكملها:
-أنا مش عاوز أي واحدة والسلام،أنا بدور على واحدة تكون إجلال التانية، حاجة كدة ملهاش مثيل.
رفعت قامتها لأعلى لتتحدث باستعلاء وغرور لا مثيل له:
-يبقى مش هتتجوز ولا هتشوفه يا عين إجلال، لأن متخلقتش لسة اللي تشبه ستهم
ابتسم بحنان ليقول:
-طبعاً يا ستهم، هو أنتِ فيه زيك في الدنيا كلها،بقول لك إيه يا ماما
طالعته باستفهام ليسترسل بغمزة من عينيه مستغلاً عاطفتها لها:
-مـ.ـا.تهزي كيسك كدة وتديني خمس ألاف جنية،حاكم إبنك حبيبك على الحديدة
طالعته بشك لتقول بنبرة ساخرة:
-وتقول لي رايح لواحد صاحبي،ما ابقاش إجلال بنت الحاج ناصف إن ما كنت رايح تقابل واحدة من إياهم
زفر بتملل ليقول بمراوغة:
-طب والله واحد صاحبي
باغتته بسؤالها:
-طب مين صاحبك ده، وعايز الفلوس دي كلها ليه؟
-واحد مـ.ـا.تعرفهوش ...نطقها بلامبالاة وهو يهرب بعينيه قبل أن تستشف كذبهما ليسترسل وهو يلتقط أشيائه الخاصه ويضعها بجيبي بنطاله:
-واحد من بلد جنبنا كان معايا في الكلية،اتصل بيا واتفقنا نتقابل على القهوة اللي في أول البلد مع اتنين أصحابنا تانيين
ثم التفت يتطلع لها بعدmا عقد النية على أن يلعب على نقطة الغرور وشعورها الدائم بالتميز وبأنها وانجالها بمكانة أعلى وارقى من الجميع:
-وطبعًا مايرضيكِيش حد يصرف على القاعدة وابن الست إجلال على سن ورومح قاعد في المكان زي قلته
أدلى بكلمـ.ـا.ته وهو متيقن من النتيجة وقد حدث ما توقع فقد رفعت قامتها لأعلى وشعرت بالتفخيم بينما طالعته هى لتقول بتعالي:
-مـ.ـا.تخلقش لسة اللي يخليك تحس بكده،تعالى معايا الأوضة علشان تاخد الفلوس
استدارت في طريقها للخروج من الغرفة ليبتسم بمكرٍ لنجاح خطته التي لم تفشل أبدًا بجني ثمارها من تلك المتعالية لينسحب خلفها تاركًا حجرته،بعد مرور حوالي الساعة،كانت تعيد ترتيب غرفة المعيشة بعدmا ذهب والدها وشقيقاها عزيز ووجدي إلى قطعة الأرض الصغيرة المملوكة لوالدها بينما يجلس أيهم بغرفته يستذكر دروسه،أما والدتها فبالطابق الأعلى (السطوح)تُطعم طيورها المتنوعة من الفراخ والأبط والأوز،بينما ذهبتا زوجتي شقيقاها لزيارة عائلتيهما الاسبوعية بيوم الجمعة المسموح لهما من والدة زوجيهما، استمعت لطرقات فوق الباب لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تتوجه إلى الباب مباشرةً لتفتحه،قطبت جبينها عنـ.ـد.ما رأت ذاك الشخص التي رأته بالامس واقفًا أمامها بكامل أناقته مبتسمًا يطالعها باشتياقٍ جارف ظهر بَين بمقلتيه مما جعلها تتعجب لأمره وما زاد من حيرتها هو أكياس الهدايا التي يحملها بيداه لتستفيق على صوته حين قال:
-إزيك يا إيثار
ضيقت بين عينيها بينما هو غارقًا بالنظر لعينيها الساحرة تارة لينتقل لشفتيها المكتنزة بلونها الوردي تارة أخرى ليمرر عينيه بمنحنيات جسدها التي أظهرها ذلك الثوب المنزلي بلونهِ الوردي الهاديء والذي أضفى على لون بشرتها جمالاً مضاعفًا ليخفق قلب ذاك الواقف بقوة،وقف مشـ.ـدوهًا فاغر الفاه لجمالها الأخاذ، تلك المشاعر الجديدة عليه فبرغم تعدد علاقاته مع الفتيات وبرغم أيضاً إنجذابه لجسدها الانثوي ومظهرها الرائع الذي لا يقاوم إلا أنه منذ أن رأها بالأمس اقتحم شعورًا جديدًا على قلبه ليُقسم بداخله أن الذي يحدث له بحضرة تلك المثيرة لم يطرأ عليه طيلة مشواره النسائي،تنهدت بحيرة ليخرج صوتها مضطربًا نتيجة نظراته الجريئة وهي تقول:
-الحمدلله
هو أنتِ مش فكراني؟أنا عمرو اللي قابلتك إنتِ وخالتي منيرة إمبـ.ـارح في حنة بنت عمي...نطقها بعينين متلهفتين وهو يذكرها بحاله لتقول بجدية بعدmا رأت تـ.ـو.تره:
-فاكراك طبعاً،أهلاً وسهلاً
أنا جاي أشوف وجدي...نطقها مفسرًا ليجيب سريعًا عنـ.ـد.ما وجدها تتطلع إليه باستغراب وأيضًا لإبعاد شُبهة الإتصال بها بالأمس،فلقد قرر أن يقوم بتغيير خطته بعدmا شعر باستياءها من فعلته ليقول مفسرًا:
-أصل تليفونا الارضي الحرارة مقطوعة عنه ليه يومين، وحاولت أتصل بـ وجدي من المحمول علشان أقابله على القهوة بس إداني مغلق،
ليكمل مبررًا بابتسامة:
-ما أنتِ عارفة شبكة المحمول في بلدنا،في ذمة الله
أخيراً تبسم وجهها بمجاملة لمجارات حديثه الغير معني بالنسبة لها لينتعش قلبهُ وينتفض ثائرًا لبسمتها الرائعة ليقطع حديثهما صوت والدتها التي كانت تنزل على الدرج واستمعت لصوت ابنتها يأتي من الخارج لتقول باستفهام:
-بتتكلمي مع مين يا إيثار؟
همت بالحديث ليسبقها ذاك الذي سأم الوقوف متخشبًا بتلك الهدايا الثقيلة التي يحملها بين يداه فهو ليس معتادًا على هذه الأشياء فيوجد سربًا من الرجـ.ـال الذين يعملون لدى والده ويقومون بتلك الاشياء عنه لكنه أراد أن يفعلها بحاله كي لا ينكشف أمره لدى والدته التي لا يفلت من تحت يدها شيئا، هتف بصوتٍ مرتفع وهو يتطلع للداخل باحثًا عن صاحبة ذاك الصوت لتنقذه:
-ده أنا يا خالتي
قطبت جبينها لتتحرك صوب الباب لاستكشاف صاحب الصوت لتتسع عينيها بذهول حين رأته واقفًا أمامها يحمل كل تلك الأكياس،هتفت بعدm تصديق:
-عمرو، تعالى يا ابني إيه اللي موقفك برة كدة؟
اشتدت سعادته لترتسم إبتسامة واسعة فوق ثغره أظهرت صفي أسنانه من احتفاء تلك السيدة به مما يجعله يشعر بقيمة حاله العالية، لتهتف هي ملقية باللوم على إبنتها ولكن بطريقة حنون كي لا تسيء لصورتها بعيناه:
-كدة يا إيثار موقفة عمرو على الباب زي الغُرب،الراجـ.ـل يقول علينا إيه يا بنتي؟
تلبكت ولم تجد جوابًا لينقذها بحديثه المدافع عنها:
-متظلميهاش يا خالتي،أنا لسة جاي حالاً وكنت بسألها عن وجدي
ابتعدت عن الباب لتفسح له الطريق وأشارت بيدها وهي تدعوه للولوج:
-اتفضل يا عمرو
ساعدته بحمل الأكياس بعدmا طلب هو منها لثقل وزنها لتقول وهي تطالعهم بنهم:
-إيه يا ابني اللي إنتَ جايبه معاك ده، هو أنتَ غريب
-دي شوية حاجات بسيطة ومش مستاهلة كلام يا خالتي...نطقها بهدوء ليسترسل مبررًا تصرفه:
-أنا قولت طالما ماحضرتش فرح وجدي يبقى مايصحش أدخل البيت من غير هدية في إيدي
إبن أصول وطول عمرك وإنتَ بتفهم في الواجب يا عمرو...نطقتها لتحمل عنه جميع الأغراض وتقول قبل أن تتجه بهم إلى المطبخ:
-دخلي عمرو أوضة الجلوس يا إيثار لحد ما أبعت أيهم ينده لـ وجدي من الأرض
باتت تفتش بداخل الأكياس لتستكشف ما بداخلهم لتجحظ عينيها وهي ترى عُلبتان مليئتان بأصنافٍ عدة من الحلوى الشرقية من أفخم متجر حلوى في المدينة،اتسعت عينيها بتشهي وهي تنظر لكعكة الشيكولاتة التي جلبها من نفس المكان،فكم من المرات التي رأت مثلها عبر شاشة التلفاز لكنها المرة الأولى التي ستتذوق منها،باتت تفتش بسعادة وهي تُخرج أصنافًا عديدة من الفاكهة الطازجة الأغلى سعرًا بالاسواق، وعددًا من قنائن العصائر المتنوعة ويبدو على مظهرها الفخامة، كانت كلما فتحت كيسًا تفتح عينيها بنهمٍ وكأنها وجدت كنزًا،ورث عزيز عنها الطمع ودنائة النفس، عكس إيثار وأيهم اللذان ورثا القناعة والنفس العفيفة من والدهما بينما ظل وجدي يتراقص بالمنتصف،فهو لم يتدنى لمنزلة والدته وعزيز ولم يرتقي لمكانة أبيه وشقيقاها
1
أما بالخارج بعدmا أوصلته سألته بلباقة:
-تحب تشرب إيه يا أستاذ عمرو، شاي ولا قهوة
بابتسامة جذابة اجابها:
-متتعبيش نفسك،انا هستنى وجدي واشرب معاه شاي
بعد إذنك...نطقتها مستديرة لتتسع عينيها بعدmا وجدته يقفز من جلوسه ليقطع طريق خروجها بلمح البصر وهو يقول متلهفًا:
-هو أنتِ على طول كدة مستعجلة وكلامك قليل
تعجبت لأمره وهزت كتفيها بلامبالاة لتقول:
-إحنا مفيش بينا مساحة أصلاً علشان يكون الكلام قليل أو كتير!
طب ما تيجي نخلق المساحة...قالها بدعوة صريحة منه مع لمعة إنبهار ظهرت بعينيه جعلتها تشعر بالتـ.ـو.تر لتبتلع ريقها من قربه ورائحة عطره التي برغم أنها قوية وعبأت المكان إلا أنها تغلغلت بأنفها لقربه الشـ.ـديد لتجعلها تشعر بالريبة والتلبك ويرجع هذا لعدm خبرتها وعدm خوضها لأية تجارب تربطها بالجـ.ـنس الأخر من قبل،فهي تملك شخصية قوية جعلتها تصد جميع محاولات الشباب في التقرب إليها، خرج صوتها متعجبًا لتتسائل:
-قصدك إيه؟
هم بالرد ليتوقف بعدmا استمع لصوت منيرة المرحب به:
-إنتَ لسة واقف يا عمرو، مـ.ـا.تقعد على الكنبة وارتاح يا ابني
قالتها بوجهٍ شـ.ـديد الإحمرار من شـ.ـدة سعادته لتسترسل بإبانة:
-أنا بعت أيهم ينده لك وجدي
أشارت ليجلس وجاورته هي الجلوس لتشـ.ـدد على ابنتها الذهاب للمطبخ لجلب واجب الضيافة،ولجت إلى المطبخ لتجد والدتها قد فرغت الأكياس ورصتها فوق مطبخها الخشبي المتهالك لتقطب جبينها وهي تقول بصوتٍ هامس:
-الواد ده مـ.ـجـ.ـنو.ن رسمي،إيه الحاجات اللي جايبها دي كلها، ولا كلامه ونظراته الغريبة
تنفست لتهز رأسها بلامبالاة وتُقدm على المبرد لتفتحه وتُخرج منه دورق مليء بمشروب الجوافة الطازج كانت قد أعدته قبل قليل لاستقبال والدها واشقائها عند عودتهم للمنزل في الغروب،وكان والدها قد جلب لها ثمرات الجوافة بالأمس إحتفائًا بمجيء صغيرته،سكبت كأسان من المشروب وحملتهما فوق حامل واتجهت صوب الحجرة وما أن رأها ذاك المهووس حتى عادت دقات قلبهُ لتسرع بدقاتها من جديد،شملها بنظراته المنبهرة تحت أعين منيرة التي تراقبه في الخفاء لتتنهد براحة بعدmا تأكدت بفطانتها إعجاب بل إنبهار ذاك الثري بنجلتها،تبسم ثغرها وتعجبت لأمر القدر ولحكمة ربها،فكم حلمت وتمنت وانتظرت تغيير قدرها للأفضل على يد رجـ.ـالها الثلاث،وكم من المرات التي بغضت بها تلك الإيثار وتمنت لو لم تُخلق من الأساس،فطالما كرهت الإناث ونظرت لهُن نظرة دونية حسبما تربت،وطالما ترددت كلمـ.ـا.ت زوجة والدها المقيتة حينما كانت تنعتها بأبشع الأوصاف والشتائم وتخبرها بأن الفتيات نذير شؤمٍ في المنازل وأنهُن خُلقن فقط لخدmة أشقائهن من الرجـ.ـال ومن بعدهم خدmة أزواجهن والقيام على راحتهم بكل الطرق،وأنهن جئن إلى الحياة ليصبحن حِملاً ثقيلاً على عواتق الرجـ.ـال،فلطالما عاملتها على أنها عارٌ ولابد التخلص منه،والأن يبدوا أن قواعد حِسبتها ستتغير وسيتبدل حالها وحال أولادها على يد تلك الإيثار، تذكرت حين أصيبت بإكتأبٍ حاد عنـ.ـد.ما أخبرتها الطبيبة بأنها ستُرزق بفتاة حتى أنها فكرت جديًا بالتخلص من الحمل لولا غانم الذي نهرها كثيرًا وقام بتهديدها إذا تخلصت من حملها سيقوم بتطليقها في الحال،وأبلغها أن الفتيات يُجلبن الرزق لعائلاتهن ويصبحن منبع للحنان،لكنها ما كانت تكترث لحديثه ولا تأخذه بعين الإعتبـ.ـار
1
اقبلت عليه لتقديم المشروب ليباغتها بتصرفه النبيل حين هب واقفًا بزيف وتحرك مقتربًا عليها ليحمل عنها عناء مشقة حمل الصينية كي يجذب إهتمامها مما جعلها تضيق بين عينيها باستغراب ليتحدث هو بصوتٍ حنون:
-تعبتي نفسك ليه بس
مفيش تعب ولاحاجة،بعد إذنك...قالتها واستدارت لتتوقف حينما استمعت لصوت والدتها التي نادتها بعدmا رأت عبوس ذاك الثري لتقول:
-تعالي إقعدي يا إيثار، هو عمرو غريب
تنفس بعميق بعدmا شعر بقبضة بقلبه عنـ.ـد.ما رأها تخرج لكن تلك المنيرة أعادت له الأمل بطلبها بينما تطلعت إيثار إلى والدتها تتعجب أمرها وتغييرها الشامل مع ذاك الـ عمرو، تذكرت معاملتها شـ.ـديدة القساوة معها حينما كانت صغيرة وحتى وصولها للمرحلة الثانوية،فكم من المرات التي نهرتها بها بل ووصل الأمر بتعنيفها وصفعها لمجرد ذكرها لاسم صديقًا دراسيًا وهي تشيد بتفوقه حتى خلقت لديها عقدة تجاة الجنس الأخر مما جعلها تضع بينها وبين جميع الرجـ.ـال حاجزًا حديديًا مازال موجودًا إلى الأن،نظرت بعينيها لتقول بجدية:
-عندي مذاكرة يا ماما، بعد إذنك يا أستاذ عمرو
شعر بالإحباط عنـ.ـد.ما رأها تسرع بخطاها لخارج الحجرة كي لا تعطي لوالدتها المجال للاعتراض بينما اشتعل داخل منيرة من تلك العنيدة وأفعالها الهوجاء،نظرت لذاك الذي بدا على وجهه الإحباط لتقول بابتسامة مصطنعة:
-اشرب العصير يا عمرو
لتسترسل بإبانة تصرف نجلتها الأهوج:
-متزعلش من إيثار، أصلها بتتكسف قوي وعمرها ماكلمت حد غريب
-أنا مش زعلان منها يا خالتي، بس استغربت إنها بتعاملني على إني غريب عنها ونسيت إني متربي هنا وسطيكم
ابتسمت لتجيبه بلوم لطيف على عكس طبيعتها:
-ما هو الحق عليك بردوا يا عمرو،أصلك قطعت بينا مرة واحدة،روحت وقولت عدوا لي،ده حتى فرح وجدي محضرتوش
هتف سريعًا مبررًا:
-والله كان غـ.ـصـ.ـب عني،يومها كنت مسافر الاقصر في شغل مع ابويا ومكنش ينفع اسيبه لوحده
ولج وجدي من الباب ليهتف مرحبًا بصديق الطفولة قائلاً وهو يقترب عليه:
-ده أنتَ هنا بجد، أنا افتكرت الواد أيهم مهيس وبيقول أي كلام
وقف ليقابل صديقه قائلاً بمزاح:
-جيت على بالي قولت يا واد طالما صاحبك مطلعش جدع معاك ونسيك روح أسأل إنتَ عليه
أقبل عليه ليتعانقا باشتياقٍ حقيقي وحنينًا للأيام التي عاشاها شويًا، تركتهما وتحركت صوب غرفة ابنتها لتدفع الباب مقتحمة خصوصيتها لتفتح الأخرى فاهها مشـ.ـدوهةً لتقول منيرة بغضب عارم:
-إنتِ قاعدة عندك بتعملي إيه؟
رفعت كتابها لأعلى لتقول بنبرة ساخرة:
-زي ما إنتِ شايفة يا ماما، بذاكر
اقبلت عليها لتهجم على كتابها وتنتزعه من يدها وتُلقي به أرضًا لتهمس بفحيحٍ من بين أسنانها وهي تدهسهُ تحت قدmيها:
-أدي اللي إنتِ فالحة فيه
اتسعت عينيها بذهول وهي تنظر لكتابها لتسترسل الاخرى بحدة:
-قومي انجري على المطبخ إعملي شاي لـ عمرو ودخليهوله
أمسكت رسغها بقوة تحت ارتياب تلك المذهولة لتستطرد متذكرة:
-وبعدين تعالي لي هنا،إنتِ إزاي يا بت تكـ.ـسري كلمتي وتطلعي لما قولت لك إقعدي معانا
2
هتفت بكامل صوتها لتقول باعتراض:
-ومن امتى وأنا بقعد مع رجـ.ـا.لة غريبة،ده ولاد أعمامي لما بييجوا مابتسمحليش أدخل لهم الشاي،يطلع مين عمر ولا عمرو ده كمان علشان أقعد معاه؟!
احتدت نظراتها لترمقها باشمئزاز هاتفة باحتقار:
-هتفضلي غـ.ـبـ.ـية والفقر بيجري وراكي زي أهلك بالظبط
شعورًا مُمـ.ـيـ.ـتًا اقتحم صدرها ليصعب التنفس وكأن أحدهم طعنها بنصل سكينٍ حاد بمنتصف قلبها،ناظرتها بألم لتبتلع غصتها من الإهانة التي تعرضت إليها على يد والدتها التي من المفترض أن تكون لها منبع الحنان، من تدفعها للأمام وتزرع بداخلها عزة النفس واحترامها،إغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع الألم والحسرة لتزفر تلك القاسية وهي تصيح هادرة بغضب:
-عيطي ياختي عيطي،أدي اللي إنتِ فالحة فيه، تحرقي دmي بعمايلك وبعدين تنزلي لك دmعتين علشان تصعبي على اللي قدامك، ربنا ياخدك وارتاح منك
رمقتها بازدراء لتخرج صافقة باب الغرفة خلفها بعدmا أصيبت بالإحباط وعلمت أن لا أمل بخروج تلك البائسة من غرفتها اليوم،أما تلك المسكينة التي وما أن خرجت والدتها حتى تركت لدmـ.ـو.عها الأبية العنان لتنهمر بغزارة فوق وجنتيها كشلالٍ
1
*******
صباح يوم السبت
تركت منزل أبيها لتتجه لأول الطريق كي تستقل سيارة أجرة تقلها للقاهرة،تنهدت حين تذكرت تلك القاسية التي تجاهلتها عند مغادرتها المنزل بالرغم من انها اقتربت عليها لتودعها قبل أن تعود لسكنها الجامعي إلا أنها أبت وحولت وجهها للإتجاه الأخر كنوعًا من العقـ.ـا.ب على ما حدث بالأمس،تنهدت بألم تحت سعادة نسرين التي بلغت عنان السماء لتبتسم وهي ترمق شقيقة زوجها بنظراتٍ شامتة،وصلت إلى بداية الطريق لتقطب جبينها وهي ترى هذا الشخص يتطلع إليها متلهفًا وكأنه كان بانتظارها،انتابها شعورًا بالريبة تجاهه وبدأت تتيقن بأنهُ يحاوطها ويقتحم خصوصيتها أينما كانت،تجاهلت نظراته المتفحصة لها والتي بدأت تثير حنقها لتقف تنتظر قدوم إحدى السيارات بجانب عدة فتيات أخريات خرجن من القرية لطلب العِلم،بعد مرور بعض الوقت وقفت تتملل وهي تنظر بساعة يدها خشيةً من تأخرها على محاضرتها الأولى لتصل سيارة وتقف بنفس التوقيت،هرول الجميع باتجاهها لتصاب بالإحباط سرعان ما اختفى ليحل محله الأمل بداخلها عنـ.ـد.ما وجدته يقف بجسده ليسد باب السيارة وهو يُشير لها بأن تقترب،وقفت لبرهة تناظره بـ.ـارتياب لما يفعلهُ من تصرفات تدعوا للريبة لكنها سرعان ما نفضت تلك الأفكار حين تذكرت ذاك الأستاذ الجامعي الذي تجاوز أعوامه الخمسون وتذكرت ملامح وجهه ونظرات عينيه التي تتحول لجحيمية عند دخول أحدهم قاعة المحاضرات بعده،اقتربت رغمًا عنها لتنظر بالسيارة لتجد محلاً لفردين فقط،استقلت مقعدًا بجانب النافذة ليجاورها هو تحت خجلها لتنطلق السيارة بعدها،امسكت بحقيبة يدها لتضعها حاجزًا بينهما تجنبٕا للتلامس مما أصاب حنقه لكنه تجاوز فعلتها وتطلع إليها ليقول مرحبًا بابتسامة ساحرة عله يختطف بها قلبها وينال منها كما فعل مع غيرها:
-صباح الخير
صباح النور...نطقتها باقتضاب دون تكليف حالها عناء الالتفات إليه مما أثار حفيظته لكنه استدعى هدوئه ليسألها بابتسامة هادئة:
-رايحة كليتك؟
اكتفت بإيمائة من رأسها دون رد ليسترسل بإبانة لفتح مواضيع بينهما كي يحثها على التمادي معه والوقوع في براثنه:
-ت عـ.ـر.في إن حظي حلو قوي،أصل سيبت عربيتي في البيت وقررت أروح مشواري مواصلات، وده من حسن حظي إني شفتك
باغتته بعدm مبالاتها وكأنه يحدث غيرها برسالة موجهة منها إليه بأن يلتزم الحدود بالتعامل معها مما جعله يتنهد باستسلام بعدmا تيقن ان الوصول لقلبها شاق ويحتاج للمزيد من بذل الجهد لكنه لم ولن يستسلم فقد شغفته بجمالها واختلافها عن الاخريات، وما أثار إعجابهُ به أكثر هو عدm إهتمامها والهرولة إليه للاستفادة من أموال والده كغيرها من الفتيات التي تعرف عليهن طيلة حياته،اخرجت كتابًا وبدأت تستذكر دروسها كي تغلق عليه جميع محاولاته للتقرب منها أو فتح مواضيع للحديث، أخرجت ورقة مالية لدفع حصتها لكنه رفض وحاول مرارًا أن يدفع بدلاً عنها وبالاخير رضخ تحت إصرارها العجيب على ألا يدفع عنها مما جعله ينظر لها باختلاف كلي، وصلا لموقف السيارات وترجل ينتظر نزولها بابتسامة سُرعان ما اختفت بعدmا رأها تتحرك أمامها دون النظر إليه
استشاط داخله وهو يراها تستقل سيارة أجرة أخرى لتقلها لجامعة القاهرة لتمر من جانبه،زفر بضيق على فشل خطته للتقرب منها وتأكد أن الوصول إليها يكاد مستحيل،لكنه لن يبرح حتى يبلغ ويحصل على مبتغاه ،توالت الأيام وهو ينتظرها كل عطلة ليستقل بجوارها السيارة في محاولاته المتكررة لإيقاعها التي لن يمل منها حتى انقلب السحر على الساحر وبدلاً من أن يوقعها وقع هو بشباك غرامها بل أصبح متيمًا بعشقها المميز ذو النكهة الجديدة عليه، بات يسهر الليالي يستمع للأغاني التي تتحدث عن العشق وهو يراها بكل الزوايا،لقد وصل به الأمر حد الهووس وبات لا يرى الدنيا سوى بالساحرة عيناها، حتى أنهُ ابتعد عن كل الفتيات اللواتي كانت تربطه بهن علاقات في إطار غير شرعي
2
*******
في تمام الساعة السادسة والنصف صباحًا
كان يغفو فوق فراشه بجسدٍ منهك يرجع سببه لعدm اتخاذه القسط الكافي من النوم،فمنذ أن عشقها صار النوم ضيفًا عزيزًا،انتفض من نومته ليهب جالسًا بعدmا استمع لصوت المنبه المنبعث من الهاتف، وبلحظة كان يقف أمام خزانة ملابسة ليتخذ ملابس داخلية وتحرك صوب الحمام الخارجي ليغتسل بماءٍ بـ.ـارد عله يستفيق،وبعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة كان يتحرك في عجلة من أمره بعدmا ارتدى أفضل ثيابه ليلتحق بموعده الاسبوعي مع تلك الجميلة الذي أصبح مقدسًا بالنسبة له،قطع طريقه والدته التي خرجت من غرفتها لتقطب جبينها وهي تتطلع في حيرة من أمره الذي تغير مؤخرًا واصبح غريبًا عليه،تنهدت لتسألهُ بفضول:
-رايح فين على الصبح كدة؟
عندي مشوار مهم يا ماما... قالها في عجالة لتصيح مستفسرة:
-أنا نفسي اعرف إنتَ بتقوم من النجمة بتروح فين كل يوم سبت، واشمعنا السبت بالذات
لتستطرد متعجبة:
-وكله كوم وعربيتك اللي بتسيبها قدام البوابة دي كوم تاني، مع إنك مبتخطيش خطوة برة البيت من غيرها؟!
امتعضت ملامحه ليهتف باستياء:
-سبيني يا ماما أنا متأخر على ميعادي، لما أرجع إبقي استجوبي فيا براحتك
لم يدع لها فرصة للاعتراض فقد تفوه بكلمـ.ـا.ته وهرول للخارج يسابق الريح ليستشيط داخلها من تصرفات ذاك الأرعن، كان يهرول بمشيته كي يسبق خروجها ككل مرة، زفر باستياءٍ حين تذكر ليلة أول أمس وكم من المرات التي حاول بها الإتصال ليجيب عليه شقيقها الكبير وينثره بوابلٍ من الشتائم،ليقرر الذهاب عصر اليوم الذي تلاه ليرى عينيها ويتمتعُ بالغوص داخل بحرهما ولسوء حظه وجد أيهم بالمنزل ليخبره بأن وجدي بصحبة والده بالارض وحينما سأله عن والدته أخبره أنها ذهبت لمنزل والدها لتقوم بزيارة جدته المسنة مما جعل الإحباط يتملك منه ليناوله علبة الحلوى التي جلبها وينسحب يجر أذيال خيبته بصمت،وصل أخيرًا لمطلع الكوبري وكاد أن يُكمل بطريقه إلى أن رأها تخرج من الشارع العمومي المؤدي لمنزلها، تسمر بأرضه وبات قلبه يدق بقوة،مشاعر جديدة من نوعها تخترق جدران كيانه لتخبره بأنه لم يتذوق للعشق طعمًا وكل علاقاته كانت هراءًا، التمعت عينيه بوميض اللهفة والعشق وهو يتطلع لهيأتها بولهٍ ولكن ليست كالماضي،فالان قد اختلفت نظرته كليًا، بالماضي كان منبهرًا بمظهرها وجسدها الانثوي أما الأن فيكفيه نظره من عينيها لتجلب السعادة لقلبهِ المتيم،وقف ينتظرها لتزفر هي حين لمحت وقوفهُ ببداية الطريق لتتحرك بوجهتها تتخطى وقوفه دون أن تنظر له مما جعله يبتسم ليقول بعدmا تحرك بجانبها:
-إزيك يا إيثار
الله يسلمك...قالتها باقتضاب وهي تسرع بخطاها لتبتعد عنه حتى وصلا لوجهتهما لتتوقف سيارة عابرة ولم يكن بها مقاعد خالية سوى المقعدان المجاوران للسائق،أمسك باب السيارة كي لا يدع الفرصة لتقرب أحدًا وأشار لها لتتنهد وتتحرك صوبه مجبرة كي لا تتأخر على موعد محاضرتها،استقل مقعده المجاور للسائق وأفسح لها لتجاوره الجلوس وتحرك السائق منطلقًا بطريقه،تحمحم ليقول بصوته المبحوح:
-أنا جيت لكم البيت إمبـ.ـارح بس أيهم قال لي إن خالتي منيرة بتزور والدتها
تطلعت إليه ليسألها بفضولٍ أثار حفيظتها:
-هو أنتِ كنتي معاها في بيت جدك؟
قطبت جبينها متعجبة حديث ذاك المتطفل الذي زاد من حشر أنفه بحياتهم على حين غرة لتسألهُ بعينين حادتين كالصقر:
-معلش يعني وإنتَ بتسأل ليه،ويهمك في إيه تعرف إذا كنت موجودة ولا لاء؟!
أغمض عينيه فى ألم ثم فتحهما من جديد ليبتلع غصته المرة من معاملتها القاسية له، أخذ نفسًا عميقًا ليستعيد به توازنه ثم أجابها بابتسامة أراد بها تلطيف الأجواء:
-كنت عاوز أشوفك يا إيثار
نطقها هائمًا ليتسع بؤبؤ عينيها متعجبة جرأته بينما طالعها بنظراتٍ تنطق عشقًا قابلتها باستفهام لتقول بكثيرًا من التعجب:
-هو أنتَ بتعمل كل ده ليه؟!
ليزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول بتشكيك:
-فجأة كدة افتكرت إن ليك صاحب إسمه وجدي ماشفتهوش من تلات سنين وقررت تزوره،لا وكل اسبوع تزورنا ومعاك هدايا أشكال وألوان،عاوز توصل لإيه بالظبط؟!
-للقمر... نطقها هائمًا لتقطب جبينها تناظره بتيهة ليكمل بنبرة خرجت منه هائمة رُغماً عنه:
-عاوز أوصل لك يا إيثار
ناظرته بإستفهام لتقول:
-تقصد إيه بكلامك ده؟
ليجيبها بوضوح:
-أنا عاوز أتجوزك
اتسعت عينيها بذهول لتنطق بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان:
-تتجوزني؟!، بس أحنا منعرفش بعض كفاية علشان تطلب مني نتجوز!
أخذ ينظر لوجهها بتمعن وابتسامة أمل أشرقت على ثغره لتنير وجهه ليجيبها متلهفًا:
-بس أنا بحبك وده كفاية إنك تضمني إني هريحك وهشيلك جوة عينيا
واسترسل عنـ.ـد.ما لمح التيهة تجوب بمقلتيها:
-أنا بقيت مـ.ـجـ.ـنو.ن بحبك يا إيثار
واستطرد متعهدًا بعينين متأملتين:
-وافقي وأنا أوعدك إني هخليكِ أسعد إنسانة في الدنيا كلها، مش هخلي نفسك في أي حاجة،قبل ما تحلمي بالحاجة هتكون تحت رجليكي،أنا نفسي هكون بين اديكي
نظرت إليه بتيهة،تستشعر الصدق بكلمـ.ـا.ته ليسألها متلهفًا إجابتها:
-قولتي إيه؟
قطع شرودها لتجيبه باقتضاب:
-هو الكلام ده ينفع يترد عليه هنا بردوا؟
اشتدت سعادته فرحًا لكلمـ.ـا.تها التى رفعت قلبه إلى عنان السماء ليشعر بروحه هائمة بسماءها وقد جددت كلمـ.ـا.تها الأمل بداخله ليقول بنبرة حماسية:
-خلاص، أنا هفاتح أبويا النهاردة وأخليه يطلب لي إيدك من عمي غانم
هتفت متعجلة لتقول بتردد ظهر بعينيها:
-اديني وقت أفكر في الموضوع قبل ما تاخد أي خطوة جدية.
اجابها بقلبٍ عاشق:
-أنا تحت أمرك في أي حاجة هتريحك، خدي وقتك وأنا متأكد إني لما أشوفك الإسبوع الجاي هسمع أخبـ.ـار حلوة
سحبت عنه نظرها بخجل بعد أن قررت بسريرتها أن تعطي حالها فرصة للتفكير بأمره، فهو بالنهاية يبدوا شابًا مناسبًا إلى حدٍ ما لذا ستفكر في الأمر بجدية.
********
بعد مرور ثلاثة أيام عادت إيثار إلى منزل أبيها فقد أخذت إجازة إلى أخر الإسبوع بمناسبة أعياد خاصة بالدولة،كانت تجلس بداخل حجرتها بصحبة صديقتها "سمية" التي جحظت عينيها لتهتف بقلبٍ يمتلؤ بالغيرة التي لم تستطع التحكم بها لتظهر بمقلتيها:
-نعم،بقى عاوزة تفهميني إن عمرو إبن الحاج نصر على سِن ورمح عاوز يتجوزك إنتِ يا بنت عم غانم؟!
1
نطقت جملتها الاخيرة مشيرة بأصبع السبابة إليها بنظرات إزدرائية مقللة من شأنها مما جعل الأخرى تنظر إليها بتيهة من نظراتها الغريبة التي شملتها بها لتسترسل سمية بضحكة استهزائية:
-يا شيخة قولي كلام يتصدق
تطلعت إليها بصدmة لتجيبها باستياء وصوتٍ خرج حادًا بعض الشيء:
-وأنا من امتى كذبت عليكِ يا ست سمية،وبعدين هي المواضيع دي ينفع فيها الكذب؟!
تراجعت سريعًا بعدmا لاحظت إنزعاج إيثار لتقول في محاولة لإصلاح ما أفسدته:
-انا مقولتش إنك بتكذبي،أنا بس مستغربة
سحبت عنها بصرها ولم تجيبها لشـ.ـدة غضبها لتسترسل الاخرى كلمـ.ـا.تٍ مبررة:
-هكلمك بصراحة ومتزعليش،شوفي أنا ظروف عيلتي أحسن من ظروفكم إزاي،ده غير إن ابويا موظف بالشهر العقاري وحياتنا إلى حدٍ ما مرتاحة عنكم
مالت برأسها لتقول بصدقٍ:
-منكرش إن طول عمري وانا حاطة عيني على أي حد من عيال كُبرات البلد وبالذات عيلة البنهاوي
واسترسلت بعيناي حالمة بجشع:
-وحلم عمري أدخل وسطيهم وعيالي يبقوا منهم علشان مايعشوش الفقر اللي أنا عيشته
لتستطرد نافية وهي تشير بسبابتها:
-ومع ذلك عمري ما جرأت ولا خطر حتى على بالي إني أحلم بحد من عيال الحاج نصر البنهاوي
واكملت بحقدٍ دفين ظهر بَيِن بكلمـ.ـا.تها التي تقطر سُمًا:
-تقوم إنتِ يتقدm لك إبن كبير البنهاوية كده مرة واحدة!
تنهدت إيثار بضيق لما رأته من حقدٍ وتقليل غير مبرر بشأن عائلتها والتي لا تختلف كثيرًا عن عائلة الأخرى سوى أن والدها حصل على شهادة متوسطة وعُين بمصلحة الشهر العقاري ليباغتها سؤال تلك التي مازال الذهول يسيطر عليها:
-أمك عرفت؟
رفعت عينيها لتقول سريعًا:
-لا طبعاً،ماما لو عرفت هتقول لبابا وإخواتي، ولو عزيز بالذات عرف مستحيل يديني فرصة أفكر
-طبعاً، هو كان يحلم ولا يطول...نطقتها ببُغضٍ لتنهرها الاخرى بنبرة غاضبة:
-هو فيه يا سُمية، عمالة ترمي دبش من بقك من ساعة ما حكيت لك الموضوع ولا عاملة أي حساب لمشاعري
لتستطرد بكبرياء نابع من داخلها ورثته عن والدها:
-أنا مش قليلة ولا أهلي قليلين زي ما أنتِ حابة توصلي لي، أنا ابويا أه راجـ.ـل فلاح وبسيط بس عنده عزة نفس مش عند وزرا ورؤساء جمهورية، وكفاية إنه علمني أنا واخواتي وخلانا أخدنا شهادات ولاد أكبر ناس في البلد معرفوش ياخدوها
ابتلعت لعابها لتتحدث بنعومة كالحياء:
-إنتِ زعلتي كده ليه، أنا بفضفض معاكي
واستطردت لتدخل الريبة بقلبها:
-بصي بقى، أنا شايفة إنك تكتمي على الموضوع وترفضيه من غير ما تقولي لحد
ضيقت بين عينيها لتستطرد الاخرى بإصرار:
-الواد ده شكله بيلعب بيكي،واضحة زي عين الشمس، هو معرفش يوصل لك ولا يقرب لك زي ما حكيتي لي الوقت، فقال يدخل لك من ناحية الجواز علشان تفكي معاه ويطول منك اللي معرفش ياخده في الأول وبعد كده يرميكي
هزت رأسها لتقول بنفي:
-لا مظنش، عمرو بيحبني بجد
لتسترسل بابتسامة حين تذكرت هيأته:
-الحب كان باين في عنيه يا سمية
هتفت الاخرى باستنكار لتبعد عنها تلك الفكرة:
-طول عمرك عبـ.ـيـ.ـطة ومبتفهميش في الناس
ضيقت عينيها بتفكر لتهتف بعدmا طرأت على مخيلتها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتت فكرة هتخليني أكشف لك إذا كان بيلعب بيكي ولا لاء
قطبت الاخرى جبينها لتطالعها مستفهمة لتسترسل الاخرى بدهاء:
-أنا هاجي معاكي الجامعة يوم السبت واركب العربية معاكم، وانا بطريقتي هوقعهولك في الكلام علشان أكشفه، وساعتها هنعرف إذا كان بيحبك بجد ولا بيلعب عليكِ
نظرت لها بحيرة لتهتف الاخرة بغضب ظهر بعينيها:
-بس إنتِ طلعتي خبيثة قوي يا بت يا إيثار، الواد بقاله شهر ونص بيجري وراكِ ومقضينها حكاوي معاه في المواصلات ولا جبتي لي سيرة
زفرت إيثار لترد على تلك التي تحولت وظهر ما بداخلها من حقد دفعةً واحدة وكأنها تستكشف شخصيتها لأول مرة:
-هقول لك إيه والموضوع كله مكنش في بالي
لتستطرد بحيرة ظهرت بعينيها:
-أنا لحد الوقت لسة بفكر أوافق وأخليه يكلم أبوه، ولا أخدها من قصيرها وأرفضه واريح دmاغي
هتفت على عجالة بتخوف:
-استني لما أقابله يوم السبت وساعتها أنا اللي هقول لك تعملي إيه
صمتت لتشتعل عيناي الأخرى بالحقد وهى تتطلع على تلك الإيثار وباتت تتساءل ما الذي اعجبه بها ليختارها هي دون غيرها، تلك البلهاء التي لم تهتم يومًا بالزواج من شابًا ثريًا تأتيها الفرصة على طبقٍ من ذهب بل وتتمنع وتطلب منه منحها الوقت للتفكير،بينما هي التي قضت سنواتها في عناء البحث عن فرصة لاصطيادها عريسًا ثريًا ليحقق لها أحلامها ويمنحها حياة أفضل من حياتها البائسة لم تجدها إلى الأن
********
عودة للحاضر وسنعود فيما بعد لسرد ما حدث بالماضي
عصرًا،في قصر المستشار علام زين الدين،يقف داخل كبينة الإستحمام الزجاجية مغمض العينين ساندًا بساعداه على الحائط الرخامي والمياه تنهمر على رأسه لتمر على جسده لتنعش روحه المنهكة من العمل طيلة اليوم،تنفس بعمق ليفتح عينيه باسطًا ذراعه يجلب زجاجة صابون الشعر ليأخذ منها القليل ويضعه فوق رأسه ليدلكه برفقٍ ويميل برأسه من جديد تحت صنبور المياه ليغتسل جيدًا،خرج من الكبينة ليجذب منشفة قطنية كبيرة يلفها حول خصره وأخرى صغيره ليجفف بها شعر رأسه ليتحرك من الحمام إلى غرفة الملابس لينتقي بذلة قيمة يحضر بها ميعاده مع رجل الأعمال "صلاح عبدالعزيز "بعدmا عقد النية على التدخل بشكل شخصي لفض هذا الصراع الدائر بينه وبين خصمه"أيمن الأباصيري"وصل لحديقة القصر في طريقه للجراچ ليتوقف حين وجد والداه يجلسان حول حوض السباحة ويحتسيان معًا كوبان من القهوة الساخنة ليقول بابتسامة خافتة:
-مساء الخير
مساء النور يا فؤاد...نطقها علام لتقول عصمت بنبرة حنون وهي تُشير إليه بالجلوس:
-تعالى اشرب معانا فنجان قهوة
أجابها غامزًا بعينه الشمال:
-مش حابب أكون عزول واضايق معالي المستشار يا دكتورة
ابتسم علام ساخرًا ليجيب بمشاكسة لنجله المحبب والمقرب لقلبه:
-مـ.ـا.تتلككش بمعالي المستشار يا حبيبي،إنتَ أصلاً متشيك وباين عليك عندك ميعاد مهم
رفع كفاه لأعلى باستسلام ليقول:
-دايمًا كاشف اللي جوايا جنابك،محدش يعرف يعدي من تحت إيدك أبداً
1
دقق النظر له ليقول بصوتٍ جاد:
-شكلك رايح المشوار اللي بلغتني بيه إمبـ.ـارح؟
-بالظبط يا باشا، ليستطرد بإبانة:
-لما عملت تحرياتي عن صلاح عبدالعزيز لقيت إنه حد محترم وحـ.ـر.ام ينتهى تاريخه بسبب رغبة عامية في الإنتقام
-إعمل اللي إنتَ شايفه صح يا سيادة المستشار،انا واثق في تفكيرك وواثق إنك هتحل القضية بمنتهى العقل والحكمة،ربنا يوفقك... قالها بعينين فخورة بنجله ليشكره فؤاد ويتحرك باتجاه الجراچ
********
خرج من القصر ليستقل مقعده خلف المقود وينطلق بسرعة باتجاه منزل صلاح،توقف بحديقة المنزل ليجد رجلين من الحراسة الخاصة بانتظاره ليصطحباه للداخل، وجد الرجل ونجله الكبير بانتظاره ليقوما بالترحاب الشـ.ـديد به لمعرفتهما بشخصه وبمنصب أباه العظيم،أشار صلاح إليه بالجلوس ليفتح زرار حلته ثم جلس منتصب الظهر واضعًا ساقٕا فوق الأخرى بمظهرٍ جذاب ليبدأ حديثه بعملية:
-طبعاً حضرتك بتسأل نفسك أنا ليه أخدت ميعاد منك وطلبت إن الزيارة تبقى في بيتك
-حضرتك تشرف أي مكان تدخله يا سيادة المستشار... كلمـ.ـا.ت نطقها صلاح بتهذيب ليشكره فؤاد قائلاً بلباقة:
-متشكر جداً يا صلاح بيه
واستطرد بعملية اكتسبها من منصبه:
-أنا هدخل في الموضوع على طول علشان مضيعش وقت حضراتكم، الموضوع وباختصار خاص بقضية محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري"
ارتبك داخل صلاح وحاول جاهدًا التماسك ليقول في محاولة لابعاد التهمة عنه:
-سبق وحضرتك استدعتني لمكتبك واستجوبتني بخصوص القضية والحمدلله إنتَ بنفسك أمرت بإخلاء سبيلي لما التحريات أثبتت إني مليش أي علاقة بموضوع اللي إسمه أيمن
ليسترسل بإبانة:
-وإني يومها كنت عازم أهل مرات إبني هنا في فيلتي والكل شهد على كدة
ابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه أوحت لـ الأخر بأنه ليس مقتنعًا بتلك النتيجة ليقول بذات مغزى:
-جرت العادة إن المواضيع اللي زي دي بيكون لها ترتيبات قبلها يا صلاح باشا
قطب الرجل جبينه ليُمسك بعُلبة سيجاره الكوبي الموضوعة فوق الطاولة ويخرج منها واحدًا ينتزع عنه ورقة السلوفان ليقترب نجله سريعًا ممسكًا بالقداحة ليشعل السيجار لأبيه تحت نظرات فؤاد المتفحصة والذي تأكد من خلالها تـ.ـو.تر صلاح الذي وأخيرًا خرج صوته محاولاً الثبات:
-تقصد إيه بكلامك ده يا سيادة المستشار،ياريت تتكلم بوضوح أكثر من كده
-أقصد إن أصابع الإتهام كلها بتدور حواليك يا صلاح بيه...نطقها بقوة وهو يوجه له الاتهام عبر نظراته ليستطرد بإبانة:
-خلينا نتكلم بالمنطق ونبص للموضوع بشمولية،أولاً أيمن الأباصيري برغم إنه من أكبر وأشهر رجـ.ـال الأعمال في البلد إلا إنه ملوش اي أعداء وده عرفناه من خلال تحريات النيابة وكمان شهادة الشهود،من ساعة حادثة بسام إبن حضرتك الراجـ.ـل اتعرض لثلاث محاولات قـ.ـتـ.ـل
ليستطرد بعيني بهما اتهام:
-محاولة تسميمه في قلب بيته على إيد الشغالة اللي اعترفت إن فيه حد إتواصل معاها وسلمها مأتين ألف جنية وقزازة سم وقالها تحط له منها في القهوة،ووعدها لما يتأكد من خبر مـ.ـو.ت أيمن هتاخد زيهم كمان
وضع السيجار بفمه ليسحب أكبر قدر من الدخان ثم يخرجه بقوة ليشكل سحابة فوق رأس الرجل ويعبيء المكان تحت نظرات فؤاد المتفحصة له وكشفه لتـ.ـو.تر الرجل الذي يحاول جاهدًا بتخبأته لكنه يكشفه بحس رجل القانون الموجود بداخله ليستطرد راويًا:
-ده غير إنك روحت له بيته وهددته صراحتًا إنك مش هتسيبه غير وهو جثة زي ما عمل في إبنك بسام، والكلام ده قدmه أيمن عندي في محضر رسمي من يومين وشهد عليه كل العمال اللي في بيته
أشار ممثلاً بيده ليقول باتهامٍ صريح:
-بعد كل الدلائل دي فسر لي بقى وقولي مين ليه مصلحة بقـ.ـتـ.ـل أيمن غير حضرتك؟
بعنفوان الشباب هتف هيثم نجل صلاح بغطرسة وصوتٍ مرتفع خالي من اللباقة:
-وإحنا مالنا بكل الكلام اللي إنت بتقوله ده،إنتَ لو عندك دليل واحد ضد بابا مكنتش خرجته من النيابة أساسًا
احتدت ملامح وجهه من حديث ذاك الشاب الذي حادثه بوقاحة لم يتقبلها ليقول بنبرة حازمة بصوتٍ خرج متزنًا:
-أولاً ياريت توطي نبرة صوتك وتتكلم أحسن من كدة وإنتَ بتوجه لي الكلام
نظرات لائمة أطلقها صلاح إلى نجله كرصاصاتٍ لتخرسه في الحال ليستطرد الاخر بحديثٍ شبه تهديدي:
-ثانيًا وده الأهم انا تحرياتي لسه مستمرة وأكيد هتنكشف أمور كتير
رمق صلاح بنظرة ذات مغزى ليكمل:
-إسأل على فؤاد زين الدين وإنتَ تعرف إن عمري ما أخدت قضية إلا وقفلتها مهما كانت صعوبتها أو الأدلة ضعيفة
ارتبك صلاح لتيقنه صحة ما قاله ذاك الدؤوب في عمله والمعروف عنه داخل وسطه بالنزاهة والتفاني والمهارة العالية بفك ألغاز القضايا لذا يُوكل إليه القضايا المعقدة من قِبل رؤساءه،سألهُ متوجسًا:
-إنتَ عاوز إيه بالظبط يا سيادة المستشار،ما تجيب من الأخر؟!
أراح ظهره للخلف أكثر وانتظر لدخول العاملة التي تحركت بعربة تقديم الضيافة وبدأت بسكب الشاي وتقديمه مع قطعة حلوى ليشكرها ثم استكمل حديثه قائلاً بوضوح:
-من الأخر أنا عاوز أحل القضية بشكل ودي بينكم بعيدًا عن القانون
قطب صلاح ونجله جبينيهما ونظرا كلاً منهما للأخر بحيرة ليسترسل فؤاد بإبانة:
-أنا عارف إنكم مستغربين الكلام اللي بقوله ويمكن مش مصدقيني او فكريني بحور عليكم
رد صلاح سريعًا:
-العفو يا فؤاد باشا،سمعة جنابك وجناب سيادة المستشار والدك سبقاكم
تنفس براحة ليستكمل حديثه:
-متشكر يا افنـ.ـد.م،الحقيقة أنا فكرت كتير في موضوع العداوة اللي بينكم وقولت حـ.ـر.ام لما إتنين من أكبر رجـ.ـال الأعمال اللي في البلد يهدوا اللي بنوه علشان غلطة غير مقصودة
احتدت ملامح صلاح ليهتف مستنكرًا:
-حضرتك بتسمي قـ.ـتـ.ـل إبني غلطة؟!
أجابه بثباتٍ وصوتٍ قوي:
-ايوا غلطة وبسام الله يرحمه اللي بدأها وحضرتك ووالدته مشتركين فيها، وبلاش تخليني أقول كلام هيزعلك
نكس رأسه لتيقنه من مقصد ذاك الصارم الذي يلمح على تقصيره وزوجته بحق تربية نجليهما وبالحقيقة هو مُدرك لهذا جيداً لذلك فضل الصمت ليستطرد الأخر:
-أنا عارف إن النتيجة كانت قاسية وصدقني مهما كانت مرارة الحادثة وحجمها بالنسبة لك فهي لا تقل مرارة وألم بل ونـ.ـد.م عند أيمن الاباصيري، إنتَ عارف كويس قوي إنه شخص محترم وبيتقي ربنا في كل تصرفاته وده شيء معروف جداً عنه
ضيق بين عينيه ليستطرد وهو يهز رأسه باستنكار:
-إن الظروف تجبره ينهي حياة شاب بأديه ده شيء في منتهى القسوة بالنسبة لحد ضميرة حي زيه
احتدت ملامحه ونظر إليه بغضب ليسترسل فؤاد بإبانة:
-صدقني أنا نفسي شفت دmـ.ـو.ع الألم والنـ.ـد.م في عنيه وأنا بستجوبه
هتف بحدة:
-ولما هو نـ.ـد.مان عمل كدة ليه، يحرمني من إبني ويغدر بيه ليه؟!
هتف الأخر بنبرة صارمة:
-مـ.ـا.تغالطش ضميرك يا صلاح بيه،إنتَ عارف كويس مين اللي غدر بالتاني وتعدى على حرمة بيته وكان هيهتك عرض بنته
ثم أشار إليه برأسه بصوتٍ حاد عل ضميره يستيقظ:
-إنتَ نفسك لو مكانه وحد عمل كده في بنتك مش هتتأخر ثانية واحدة في إنك تاخد القرار
تنفس بأسى وظهر الإنهاك فوق ملامحه ليتنهد فؤاد بضيق لأجل ذاك الرجل المهزوم،تساءل بهدوء:
-والمطلوب مني إيه يا سيادة المستشار، أنسى دm ابني اللي سال في بيت ايمن وأروح أحط إيدي في إيده؟
-مش أحسن ما واحد منكم يخلص على التاني وييجي واحد من ولادكم يخلص على ابن التاني علشان يحقق الانتقام؟
ليسترسل متأثرًا:
-إنتَ عارف إن الإنتقام دايرة اللي بيدخلها عمره ما هيعرف يخرج منها تاني،دي دايرة مـ.ـو.ت كل اللي جواها هالكين
أمال برأسه بإيجاب لحديثه ثم نظر لنجله بألم ليهز الشاب المتعلم رأسه لوالده ليحثه على الموافقة، حيث يختلف هيثم عن شقيقه الراحل بكل شيء، هيثم رزين عاقل يساعد والده في بناء شركتهم الضخمة ليرفعا معاً إسم صلاح عبدالعزيز في قائمة أكبر رجـ.ـال الاعمال
*******
بعد قليل كان يخرج من منزل صلاح واستقل سيارته منطلقًا بطريق عودته للمنزل، أمسك بهاتفه واخرج رقم أيمن ليهاتفه ويحددا ميعادًا ليجتمع الجميع بمكانٍ محايد لاتمام عملية المصالحة،كاد أن يضغط زر الإتصال لكنه توقف فجأة حيث ابتسم بخبثٍ وهو يُبدل الرقم برقم تلك الحادة الطباع،فيبدوا أنه اعتاد على مشاكستها وأعجبه الحال،ضغط على الرقم الذي سجله على هاتفه بعدmا احتفظ به من بياناتها التي دُونت من قِبل الموظف بالمحضر، انتظر الرد، كانت تتوسط فراشها تغط في سباتٍ عميق بجسدٍ منهك وعقلٍ مرهق نتيجة ما حدث لها من أهوال طيلة الأيام الماضية،تمللت بنومتها حين وصل لمسامعها صوت رنين الهاتف لتفتح أهدابها وتغلقهما من شـ.ـدة نعاسها، بسطت يدها لجلب الهاتف وما أن نظرت به حتى ضيقت بين عينيها وهي ترى الـ رقم خاص ولا يظهر
private number
ضغطت زر الإجابة ليصل إليه صوتها الناعس وهي تجيب بنعومة أثارته حتى أنه تعجب من حاله:
-ألو
مساء الخير يا استاذة إيثار... نطقها بصوتٍ رجولي جذاب لتجيبه بنفس الصوت:
-مساء النور، مين معايا؟!
أنا المستشار فؤاد علام... قالها بثبات لتعقد حاجبيها في حيرة لتقول:
-هو حضرتك جبت رقمي منين؟!
ابتسم على تلك البلهاء وتحدث مفسرًا:
-هو رقمك سر حربي ولا إيه، وأظن إن من خلال منصبي أقدر أجيب أي رقم بمنتهى السهولة
وهتف مستطردًا بتسلي:
-والأهم من ده كله إنك تقريباً ناسية إن كل بياناتك مدونة عندي من خلال أقوالك في قضية محاولة إغتيال أيمن الاباصيري.
لعنت غبائها لطرحها لهذا السؤال الذي أظهرها كبلهاء أمام ذاك المغرور، سحبت جسدها للأعلى لتستند على ظهر التخت ليستطرد هو ساخرًا من إسلوبها الفظ معه:
-وقبل ما تقولي لي بتتصل ليه هقولك أنا
ابتسامة شقت شفتيها لتخرج رُغمًا عنها حيث اردفت بتساؤل لطيف:
-أفهم من كده إن سيادة المستشار بيتهمني إني قليلة الذوق؟
شعورًا رائعًا بالراحة اقتحم صدره حين استمع لصوتها المبتسم ولأول مرة منذ أن رأها ليجيبها بإبتسامة عـ.ـذ.بة ارتسمت فوق شفتيه الغليظة لتعطيه مظهرًا رجوليًا جذابًا وهو يقول بملاطفة:
-مقدرش أقول كده طبعاً
1
تنهدت براحة لتسأله بعملية:
-مقولتليش حضرتك عاوزني في إيه؟
تبدلت ملامحه لمتعجبة من أمر تلك المرأة الألية كما وصفها ليبتسم ساخرًا ويضيف:
-كنت عاوزك تحددي لي ميعاد بكرة مع أيمن الأباصيري علشان عاوز أكلمه في موضوع مهم جدًا
-أقدر أعرف الموضوع بخصوص إيه؟ سألته بجدية ليجيب بنفس الجدية:
-بخصوص قضية محاولة الإغتيال
أجابت بهدوء:
-تمام يا افنـ.ـد.م،هقفل مع حضرتك وأشوف جدول مواعيد بكرة وأبلغك، بس ياريت تديني رقم أقدر أوصل لك عن طريقه
بمنتهى الغرور أجابها:
-أنا محدش يقدر ولا يعرف يوصل لي، أنا اللي بوصل وقت ما اقرر
ليستطرد أمرًا بنفس الخيلاء:
-هتصل بيكِ على ثمانية المغرب تكوني شوفتي مواعيدك وحددتي لي الميعاد
لوت شفتيها باستغراب لأمر ذاك الغريب وكادت أن تجيبه لولا اقتحام ذاك الصغير لغرفتها وفراشها ليهتف بصوتٍ حماسي:
-كل ده نوم يا مامي يا كسلانة
أشارت له ليصمت بابتسامة لكنه لم يبالي بتحذيرها واسترسل بصوت لطيف:
-يلى بقى علشان نروح الملاهي زي ما وعدتيني،قومي إلبسي فستانك الحلو وأنا هخلي عزة تلبسني الطقم الجديد اللي جبتهولي في عيد ميلادي
لم يدري ماذا حدث له، فقد نزلت كلمـ.ـا.ت الصغير لتزلزل كيانه وتجعل صدرهُ منشرحًا في الحال،باتت تشير لصغيرها بالصمت لتتحدث باعتذار:
-أنا اسفة للمقاطعة يا افنـ.ـد.م
-ولا يهمك،ده إبنك؟...سألها بصوتٍ لطيف لتجيبهُ وهي تداعب صغيرها بكف يدها الذي يتحرك على وجنته بحنان:
-أيوه
-إسمه إيه؟تعجبت سؤاله لكنها أجابته بنبرة خرجت حنون رغمًا عنها لشـ.ـدة عشقها لصغيرها الوحيد:
-يوسف
ربنا يخليهولك... نطقها لتقول شاكرة:
-متشكرة، وربنا يبـ.ـارك لحضرتك في أولادك
ابتسم ساخرًا على حاله ليقول متجاهلاً دعائها بعدmا قرر إنهاء المكالمة عند هذا الحد:
-هكلمك الساعة ثمانية، ياريت مـ.ـا.تنسيش
-إن شاءالله مش هنسى... نطقتها بهدوء لتصدm بغلقه للخط دون استئذان لتجحظ عينيها وتنظر بشاشة الهاتف باستياء وهي تهتف بحنقٍ:
-إنسان بـ.ـارد وقليل الذوق
-هو مين ده اللي بـ.ـارد يا مامي...سؤالاً طرحه الصغير ببرائة لتجيبه وهي تزغزغه في بطنه بممازحة وهي تشبهه بشخصية كرتونية شريرة يعلمها الصغير جيدًا:
-ده شرشبيل
جحظت عيني الصغير وفغر فاهه ليسألها باهتمامٍ بالغ:
-الشرير اللي بيحارب السنافر؟
قالت بممازحة:
-هو بعينه...ليقول الصغير بإلحاحٍ طفولي:
-خليني أقابله يا مامي، عاوز أشوفه
-ربنا يكفيك شر مقابلته يا چو...نطقتها بأسى لتنفض الغطاء وهي تنهض وتحمله بحماس:
-يلا بسرعة علشان نغير هدومنا ونلحق الملاهي
انطلقت ضحكات الصغير لتصدح بالمكان وتملؤه لتتطلع لتلك السعادة التي ارتسمټ علي قسمـ.ـا.ت طفلها وتلك اللمعة التي تلألأت في عيناه لتضيئ قلبها العاتم بالفرح،فضحكات هذا الصغير هي فقط من تعطيها القوة وتجبرها على استكمال طريقها ومواجهة الحياة بمصاعبها الكثيرة
↚
«ليت كل أشياءنا الجميلة تبقى بدايات»
«روز أمين»
1
داخل أحد المراكز التجارية الضخمة،وبالتحديد داخل الحلبة الخاصة بلعبة السيارات الاصطدامية،تقف عزة خارج الحلبة وهي تقوم بالتصفيق وتشجيع «يوسف» الجالس بجوار إيثار ممسكًا بطارة السيارة بينما تساعده هي بقيادتها لحمايته من الإصتدام،تطلعت عزة بعينين متلألأتين بالدmـ.ـو.ع وهي ترى ضحكاتها العالية التي تصدح بالمكان وهي تداعب صغيرها،كانت تبذل كل ما في وسعها تعويضًا لذاك الملاك كي لا تشعره بغياب الأب والعائلة،لذا فكانت تحتويه وتمنحهُ أقصى درجات الحنان والعطف لكي لا يشعر ولو قليلاً بمرارة ما قاسته بمشوار طفولتها المعـ.ـذ.بة حيث ذاقت من خلال قساوة والدتها الأمرين،هي من حُرمت من حنان والدتها، هي التي لم تتذوق لضمة أحضان الأم طعمًا،لذا فقد كانت دائمة الحرص على تعويض حالها بغمرة أحضان ذاك الصغير لتجد من خلالها الملاذ وتكـ.ـسر قاعدة«فاقد الشيء لا يعطيه»
تنهدت عزة حين تذكرت ليلة شتوية عاصفة ممطرة خيم عليها الظلام لانقطاع التيار الكهربائي،حيث جلستا ببهو المنزل تحتضنهما الأريكة القطيفية المريحة بعد أن صنعت عزة كوبان من مشروب الشيكولاتة الساخنة لتحتسيهما سويًا،تطلعت لصغيرها الغافي فوق صـ.ـدرها لتتنهد براحة وهي تجذب الغطاء الوثير لتغمر جـ.ـسده الصغير وتُدفأهُ للحماية من صقيع يناير القارص، وضعت قُـ.ـبلة حنون فوق جبينه وباتت تتلمـ.ـس شعر رأسه الحريري بلمساتٍ تقطرُ حُنُو قبل أن تتنهد وتبدأ بسرد قصتها على مسامع تلك الحنون التي وجدت بأحضانها كل ما انتزعته منها تلك القاسية التي تربت على يديها،كانت تخبرها بدmـ.ـو.ع عينيها ما قاسته، لم تكن طفولتها كأي فتاة،تذكرت حينما كانت بالسابعة من عمرها عنـ.ـد.ما أتاها والدها بدُمية كهدية تحفيذية بعد نجاحها بالصف الثاني الإبتدائي لتحتضنها وتشعر معها بالسعادة التي لم تكتمل حين اقتحمت منيرة جلوسها وهي تلهو بدُمـ.ـيـ.ـتها لتنتزعها بدون رحمة وتقوم بتمزيقها وتحويلها لأشلاءٍ وهي تخبرها بكل حنقٍ أنها أصبحت فتاة كبيرة ولا ينبغى التصرُف كالصغيرات،لتجذبها بقوة من رسغها لتلقي بها بحجرة المطبخ وتأمرها بغسل الأواني لتتعلم المهارات المنزلية التي ستعود عليها بالنفع بدلاً من تبديد وقتها بتلك المهاترات،مر بذهنها دmـ.ـو.عها الغزيرة التي انهمرت وهى تُسرد ألامها النفسية التي خرجت بها من طفولتها ولازمتها إلى الأن
تنهدت عزة بأسى لتبتسم بسعادة وهى تراها تمرح وتلهو مع صغيرها وكأنها تشاركهُ طفولته كتعويضًا لها عما مضى،انتهى الوقت المحدد للعبة لتتوقف السيارات ويبدأ الجميع بالترجل لاعطاء الأطفال المنتظرين أدوارهم،حملت صغيرها وخرجت لتستقبلهما عزة بملامح متهللة وهي تفتح ذراعيها على مصراعيهما لتلتقط الصغير لاحضانها،تحركوا إلى المطعم ليتناولوا طعام غدائهم بسعادة ومذاقٍ شهي،لتتحدث عزة إلى الصغير وهي تجفف لهُ فمه بالمحرمة الورقية:
-كده يا چو بهدلت نفسك كاتشب،عمالة أقولك خليني أأكلك
تذمر الصغير لتقول إيثار بنبرة حنون وهي تتحـ.ـسس شعر رأسه بحنو:
-سبيه براحته يا عزة
لتبتسم لذاك الملاك الذي حول بصره يتطلع عليها بإبتسامة شُكر لتسترسل بعينين تقطرُ حنانًا:
-كل براحتك واعمل كل اللي إنتَ عاوزه يا قلبي
ضحك لها الصغير لتسترسل سريعًا بعدmا لمحت اعتراض تلك الحازمة:
-الكلام ده ينطبق على النهاردة وبس يا چو، مش عاوزين نكـ.ـسر قواعد عزة
-أيوا كده اظبطي الكلام بدل ما تبوظي لي حتة الواد اللي تعبت في تربيته وتخليني أقلب عليكِ...نطقتها بمشاكسة لتضحك الاخرى وهي تقول بملاطفة:
-وأنا لا قد قلبتك ولا لوية بوزك يا ست عزة
هتف الصغير بوجهٍ متهلل وهو يُشير إلى ثيابه التي يرتديها:
-مامي،أنا عاوز ألبس الطقم ده وأنا رايح بكرة عند بابي
وقفت غصة مرة بحلقها وبلحظة تبدلت ملامحها من مستكينة هادئة لغاضبة مستاءة،زفرت عزة لتسألها بحدة:
-إنتِ هتخليه يروح بكرة عند أبوه بجد؟
أجابتها متأثرة:
-غـ.ـصـ.ـب عني يا عزة،مش عاوزة أدخل الولد في مشاكلنا علشان نفسيته مـ.ـا.تتأثرش،ما أنتِ عارفة هو متعلق بيهم قد إيه
واسترسلت بإبانة:
-نصر البنهاوي إتصل بالمحامي النهاردة وطلب منه يستأذني ياخده بكرة علشان بباه عاوز يشوفه
سألتها بحذر وهي تنظر للصغير:
-هو رجع من السفر؟
علمت أنها تقصد بخروجه من سرايا النيابة لتقول:
-محامي أيمن بيه قال لي إنه رجع إمبـ.ـارح بعد ما خِلصوا الأربع أيام
لتسترسل بحذر وهي تراقب صغيرها المنشغل بتناوله للطعام:
-أبوه جاب له أكبر محامي في البلد،أخد شهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة ألف جنية في المحضرين
لوت عزة فاهها لتقول وقد ارتسم عدm الرضا والاستياء على ملامحها:
-بعد كل اللي نيله ده ياخد شهر وكمان مـ.ـيـ.ـتحبسهوش؟!
زفرت إيثار لتسترسل الاخرى بنبرة يائسة:
-عليه العوض ومنه العوض
نظرت للأمام لتتحدث بقوة وصلابة:
-مش مهم المدة قد ما مهم إنهم عرفوا إني مش هسكت بعد كده، وإن عندي اللي يساعدني واللي نصر بجبروته مقدرش على تخطيتهم
-مامي أنا عاوز أيس كريم شيكولا...ابتسمت لتجيبه:
-كمل البيتزا بتاعتك وبعدها نروح ناكل الأيس كريم
عبس وجه الصغير وابتعد مهرولاً عن مقعده ليدق الأرض بقدmاه معلنًا عن إعتراضه ليخرج صوته بضجر وهو يعقد حاجبيه بضيق:
-بس أنا شبعت وعاوز أيس كريم
كادت ان تنهره أوقفتها عزة التي هبت واقفة لتجاور ذاك العنيد قائلة:
-أنا خلصت أكل، كملي إنتِ أكلك وأنا هروح أجيب له
زفرت باستسلام لتنطق بنظراتٍ لائمة:
-إفضلي إنتِ كده دلعي فيه لما هتخليه يتنمرد علينا وبعد كده مش هيسمع لواحدة فينا كلام
ابتلعت ما تبقى بجوفها من حديث بعدmا شاهدت تصفيق الصغير بحماس تحت سعادة كلتاهما لتنسحب عزة بعدmا حملته بينما تابعت هي تناول طعامها،استمعت لرنين هاتفها الموضوع جانبًا فوق الطاولة لتضيق عينيها بعدmا وجدت الرقم مخفي لتتذكر ذاك المغرور، أمسكت محرمة سريعًا لتنظيف يدها ثم التقطت الهاتف وهي تُجيب باستحسان بنبرة جادة:
-مواعيدك مظبوطة بالدقيقة يا سيادة المستشار
وصلها صوته المتعالي وهو يقول بزهوٍ:
-فؤاد علام كل حاجة في حياته مظبوطة مش بس مواعيده
شعرت بالضجر من غروره البالغ فأخذت تحرك عينيها يميناً و يساراً بملل،لم تبغض شيئًا بحياتها أكثر من الغرور وأهله، فدائمًا يذكرها بتلك الـ "إجلال"سيدة الغرور الأولى بالعالم بالنسبة لها، لتزفر بنفاذ صبر وهي تسألهُ بصوتٍ صارم متجاهلة جملتهُ التي تقطرُ تباهيٍ:
-أنا حجزت لحضرتك الميعاد،الساعة واحدة يناسب حضرتك؟
لمس ضجرها بنبرة صوتها الجادة ليبتسم بتسلي وهو يتخيل ملامح وجهها الصارمة ليقول:
-ميعاد مناسب جدًا
واسترد بمشاكسة أصبحت تلازمه كلما جمعه حديثًا مع تلك الأنثى المتمردة والتي من الواضح أن كبريائها قد جذبهُ إليها وكلما نفض تفكيره بها ليبتعد خطوة يجد القدر يقربه أكثر ويضعها بطريقهُ ليلتقيا من جديد:
-ياترى غيرتوا البُن المغشوش بتاعكم ولا أجيب معايا البُن بتاعي
أخذت تقلب عينيها بضجر تلعن غرور هذا الرجل بسريرتها،لقد كان مستفزًا لدرجة جعلتها تريد غلق الهاتف لتنهي تلك المحادثة السخيفة لكنها تحاملت على حالها لتنطق بحنقٍ وصل له من خلال نبرتها:
-تقدر تجيب البن بتاع حضرتك معاك، لأننا مبنغيرش ثوابتنا علشان نرضي أي حد
-بس أنا مش أي حد يا أستاذة،وتقدري تسألي مديرك...خرجت كلمـ.ـا.ته بحدة بعض الشيء لتشعر ببعضًا من الإنتصار وبأنها قد استطاعت استفزاز ذاك المغرور لتبتسم وهي تقول بمراوغة كي لا تثير حفيظتهُ أكثر:
-مش محتاجة أسأل حد يا سيادة المستشار،إسم جنابك يكفي
ضم شفتاه المكتنزة لتخرج إبتسامة جانبية ساخرة بعدmا علم مكرها ليقول لاستدعاء ضجرها من جديد:
-كويس إن الشخص يبقى على عِلم بقيمة ومركز اللي قدامه تجنبًا للمشاكل اللي ممكن يوقع نفسه فيها
اقبلت عزة حاملة أكواب مثلجات الشيكولاتة ليقترب الصغير ويقف بجانب والدته ليهتف بعدmا رأى تعابير وجهها السائمة وهي تقلب عينيها ضجرًا:
-مامي، إنتِ بتكلمي شرشبيل؟
صدmتها كلمـ.ـا.ت صغيرها التي اخترقت أذن فؤاد لقرب مسافة ذاك المشاكس من الهاتف مما جعله يقطب جبينه متعجبًا لتنطق هي بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة لشـ.ـدة تلبكها:
-إسكت يا چو علشان معايا تليفون شغل
-شغل إزاي،أنا سمعت صوت شرشبيل وهو بيقول لك إنه هيتصل بيكِ الساعة ثمانية...قال كلمـ.ـا.ته التي جعلت وجهها شاحبًا كما الأموات ليستطرد وهو يُشير بأصبع السبابة على ساعة الحائط المعلقة بالمكان:
- والساعة أهي ثمانية
4
رمقته بنظرة نارية لتسرع إليه عزة وتجذبهُ من رسغه قائلة بتعنيف:
-تعالى يا لمض وسيب ماما تتكلم،تعالى يا جلاب المصايب
-أنا أسفة يا افنـ.ـد.م....قالتها بصوتٍ معتذر ليهم بالحديث ليوقفه صوت ذاك الصغير ويضم بين عينيه لإصراره العجيب حيث هدر بصوتٍ مرتفع قائلاً بتأكيد:
-سبيني يا زوزو علشان أحمي مامي من شرشبيل،أنا متأكد إنه هو، أنا سمعت صوته من فون مامي وهو بيقول لها هتصل بيكِ الساعة ثمانية تكوني شوفتي المواعيد
-إبنك باين عليه لذيذ قوي...نطقها باستحسان لتقف مبتعدة عن طاولتهم قبل أن تصاب بذبحة صدرية من تصميم ذاك الأخرق على كلمـ.ـا.ته،بصعوبة أخرجت صوتها متلبكًا مما جعل فؤاد يشكك بالأمر:
-متشكرة يا افنـ.ـد.م وأسفة لو كان أزعجك بلماضته
-بالعكس،باين عليه فطن ومتحدث لبق،تقريبًا وارث صفاته منك...رفعت حاجبيها متعجبة حديثه المثني عليها ليباغتهُ صوتها الناعم وهي تسأله بدلالٍ لا تعلم كيف انفلت منها:
-أعتبر ده مدح من جناب المستشار؟!
-وتستحقيه وبجداره...نطقها بثقة جعلت الإبتسامة تشق طريقها لشفتاها التي انفرجت على مصراعيهما ليخرج صوتها هادئًا معلنًا عن بلوغها لدرجة ليست بالقليلة من الطمأنينة في حضرته:
-ميرسي.
تبسم بتعالي بعدmا أيقن ببداية انجذابها له وهذا ما جعله يشعر بالتفاخر،لتنهي هي المحادثة للعودة لمجالسة صغيرها وبداخلها طمأنينة لا تعلم من أين مصدرها.
________________________
صباحًا
كان ينزل من فوق الدرج بكامل أناقته استعدادًا للذهاب لعمله،ابتسم على صغيرة شقيقته التي تجلس ببهو القصر تشاهد أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال عبر شاشة العرض الكبيرة، اقترب عليها ليميل بطوله الفارع طابعًا قُبـ.ـلة حنون فوق وجنتها:
-حبيبة قلب خالو عاملة إيه
تبسمت الصغيرة لتقول وهي تركز بعينيها على الشاشة:
-كويسة
خرجت فريال من المطبخ حاملة صحنًا به بعضًا من الشطائر وبيدها الأخرى كأسًا من الحليب الطازج لتضعهما أمام صغيرتها وهي تقول مرحبة بشقيقها:
-صباح الخير يا فؤاد
أجابها مرددًا:
-صباح النور يا حبيبتي
تحدثت:
-بابا وماما مستنيينك على الفطار في الجنينة
قطب جبينه ليسألها متعجبًا:
-هي بيسان بتفطر لوحدها ليه؟!
زفرت لتجيبه مستسلمة:
-بتتفرج على الكرتون بتاعها يا سيدي
ابتسم ليقول بعدmا تذكر أن اليوم هو الأحد يوم عطلتها المدرسية:
-بقى بدل ما تستغلي يوم أجازتك الوحيد في انك تفطري مع جدو وبابي تقضيه قدام التلفزيون؟
ابتسمت له وهي تقضم قطعة من الشطيرة لتجيبه شقيقته:
-ريح نفسك مش هترد عليك، يلا بينا علشان نفطر
خطى بساقيه بطريقه للخارج ليتوقف بجبينٍ مقطب حين استمع لصياح ابنة شقيقته وهي تهتف بصوتٍ مرتعب:
-شرشبيل
لتسترسل بتنبيه:
-حاسب يا سنفور شرشبيل وراك.
التفت إليها متذكرًا طفل إيثار وهو يكرر ذاك الإسم عدة مرات بالامس ليقبل على الصغيرة متسائلاً عن أصل ذاك الإسم:
-مين شرشبيل ده يا بيسان؟
-ده يا خالو... نطقتها وهي تُشير بأصبعها لتلك الشخصية الكرتونية،دقق النظر ليجد رجلاً ذو صلعة ويمتلك أنفًا طويل يوحى لمدى شره لتسترسل الفتاة:
-ده شرشبيل الشرير اللي بيحارب السنافر
قطب جبينه وبدأ بربط الخيوط وترتيب الكلمـ.ـا.ت ليهز رأسه مبتسمًا وهو يحك ذقنه بأصابع يده بتسلي.
أخرجته من شروده شقيقته التي صاحت باسمه لتستعجله
________________________
ظهرًا
بمحافظة كفر الشيخ وبالتحديد بمنزل نصر البنهاوي،يجلس فوق فراشه ممسكًا بين أصابعه إحدى لفائف التبغ يدخنها بشراهة مما عبيء الغرفة بسحابات الدخان الكثيفة،ولجت سُمية للداخل لتتحرك صوبه وتجاوره الجلوس:
-وبعدين معاك يا حبيبي،هتفضل حابس نفسك كتير كده في الأوضة؟
هتف بنبرة حادة بوجههِ الذي مازال متصبغًا بالإحمرار نتيجة ما تلقاه من ضـ.ـر.بات عنيفة على أيادي الخارجين عن القانون أكثر من مرة داخل الحجز:
-قولت لك سبيني واطلعي برة يا سُمية
ليستطرد بصوتٍ هادر رامقًا إياها باشمئزاز:
-إنتِ إيه،مابتفهميش؟!
احتدت ملامحها بالغضب الحاد وهي تهتف قائلة بسخطٍ:
-هو خدوهم بالصوت ليغلبوكم،ولا علشان أنا بنت أصول وبحاول أقف جنبك في المصيبة اللي وقعتك فيها بنت الكلـ. دي يبقى ده جزائي؟!
ما أن قامت بسب مالكة لُبه حتى ألقى بلفافة تبغه بالمطفأة لينقض عليها كثورٍ هائج لا يري أمامه،أمسكها من أحد ذراعيها وقام بليه خلفها وصرخ بها هادرًا:
-لسانك الو.... ده لو سمعته مرة تانية بيجيب سيرة إيثار بخير ولا شر هقطعهُ لك،إنتِ فاهمة
قال الأخيرة بتحذيرٍ وبدأ بالضغط على لي ذراعها بقوة حتى كاد أن يكـ.ـسر لتجحظ عينيها وهي تشعر بألم يكاد يفتك بروحها لتحاول المقاومة والإفلات من قبضته الفولاذية وهي تقول بتذلل:
-سيب إيدي يا عمرو،إيدي هتتكـ.ـسر
هتف ليخرسها:
-خليها تتكـ.ـسر علشان متنسيش تحذيري
حررت ذراعها من قبضته لتنهض سريعًا وتستدير لتطالعه هاتفة بصرامه وهي تنظر له بعينين حادتين ممتلئتين بالشر:
-كل ده علشان قولت كلمة على الهانم من حرقة قلبي من البهدلة اللي شفتها اليومين اللي فاتوا على إيديها؟!
لترمقه بنظراتٍ ازدرائية قائلة:
-مش كفاية إني اتخرست ومافتحتش معاك موضوع مرواحك لبيتها في انصاص الليالي؟!
-ده شيء مايخصكيش...نطقها بحدة لتهتف بصراخٍ وجنون:
-كلك على بعضك تخصني يا عمرو،أنا مراتك
هب واقفًا ليقترب من وقوفها ثم دنى منها ليهمس بفحيحٍ من بين أسنانه:
-وهي قريب قوي هترجع هنا علشان تنور بيتها من جديد، وهتبقى ستك وست الكل
مش هيحصل يا عمرو،على جثتي بنت منيرة تخطي بيتي برجلها...قالتها بنظراتٍ تتطاير شررًا ليهتف بابتسامة ساخرة:
-بيتك! ما بلاش الكلام الكبير ده علشان لو وصلت لكدة يبقى هدخلها على جثتك بجد بعد ما اطلع روحك على إيدي
هنشوف،هنشوف يا عمرو...نطقت كلمـ.ـا.تها واندفعت للخارج كحممٍ بركانية أوشكت على الإنفجار، تنهد بضيق ليعود لفراشه ملقيًا بجسده المنهك فوقه ليستند بظهره للخلف ونظر أمامه في نقطة اللاشيء ليعود بذاكرته للماضي وهو يلعن حاله على الإنجذاب لتلك الشيطانة التي ولجت لحياته فأفسدتها وانتزعت حبيبته وصغيره الغالي من بين أحضانه لتلقى بروحه بين غيابة الجُب ومنذ ذاك الحين وروحه حبيسة ماضيه الجميل
«إنتباااااه»
«عودة لما حدث بالماضي»
ارتدت ثيابها كاملةً لتخرج بخطواتها من منزلها بطريقها للطريق الخارجي وإذ بها تُفاجيء بسُمية حيث كانت تنتظرها أمام باب منزلها، شملتها باستغراب حيث كانت ترتدي بنطالاً من الچينز ضيقًا للغاية تعتليه كنزه مفصله على جـ.سدها لتبرز معالمه ومفاتـ.ـنها أما وجهها فحدث ولا حرج،فقد كان ملطخًا بعدة ألوان من الزينة من يراها يعتقدها ذاهبة لحضور زفاف ليلي وليس لطلب العِلم،هتفت بتملل:
-كل ده بتلبسي،نموسيتك كُحلي،يلا إتأخرنا
قالت كلمـ.ـا.تها على عجالة لتجذب رسغ تلك المذبهلة وتسحبها خلفها لتقول إيثار باستفهام:
-إنتِ واقفة هنا من بدري؟
-أنا ليا أكثر من ساعة إلا ربع مستنياكِ... سألتها متعجبة:
-طب وليه مدخلتيش
هتفت على عجالة وهي تسرع بخطواتها كأنها تسابق الزمن:
-بطلي رغي وسرعي خطوتك شوية، الراجـ.ـل زمانه مستنينا من بدري، ليزهق ويمشي
تعجبت لأمر صديقتها وغرابة أفعالها وفضلت الصمت حتى وصلا لبداية الكوبري لتجد ذاك العاشق يتطلع بعينيه الزائغة باحثًا بين البشر عن من ملكت فؤاده وتربعت بعرش قلبه،ارتجف قلبه وبدأت دقاته تعلو وتنتفض عند رؤياها التي باتت تُشبع روحه وتُبلغها السكينة،لمحته من بعيد لتبتسم تلقائيًا لنظراته الهائمة التي يشملها بها،لقد وصل لحد الهيامُ وبات غرامها يتملك لُب فؤاده، كانت تشعر بالرضى وهي تتحرك صوب موقف السيارات بينما يحترق داخل تلك التي تجاورها بعدmا رأت نظرات ذاك الثري لصديقتها التي تصفها دائمًا بالبلهاء، فكيف لبلهاءٍ كتلك سرقة عقل شابٍ فاحش الثراء والوسامة كـ عمرو بينما هي التي تحاول جاهدة لم تعثر على الأقل منه بكثيرًا إلى الأن
هتفت بصوتٍ خرج حاد رُغمًا عنها:
-تعالي نسلم عليه ونقف جنبه على ما أي ميكروباص ييجي
لتسترسل بتذمر:
-مش كان جاب عربيته علشان ناخد راحتنا أكتر،أنا مش فاهمة إيه الهبل اللي هو فيه ده
التفت لجانبها تطالعها بذهولٍ وهي تقول باستياء:
-إيه اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية،ازاي تفكري إني ممكن أركب معاه عربيته
-مش هيبقى خطيبك...قالتها باستخفاف لتهتف الاخرى مستنكرة:
-أولاً هو لسة مبقاش خطيبي،وحتى لو بقى أنا لا يمكن أركب معاه عربية لوحدنا
-خليكي بتفكيرك أبو طربوش ده لحد مايزهق منك ويروح يدور على واحدة فاكة وفرفوشة...نطقتها بازدراء لتزفر الأخرى بضيق وتفضل الصمت،وقفت بعيدًا عن ذاك الذي يتابعها بعيناه متلهفًا لنظرة من عينيها التي ابعدتهما عنه وهي تنظر أمامها بخجل،بينما انطلقت الاخرى لتقتحم وقوفه وهي تمد يدها لمصافحته قائلة بكل جرأة:
-ازيك يا أستاذ عمرو
تطلع إليها باستغراب لتقول بعينين متلهفتين تحت ذهول إيثار التي تتابعها من بعد:
-أنا سمية صاحبة إيثار
تعجبت لأمره كيف ينظر لها بهذا الاستغراب ألم يراها وهي تجاورها، بحقيقة الأمر هو لم يراها فكل الكون يصبح شفافًا بحضرة أسرت لُبه، بسط لها كفه ليصافحها متحدثًا ونظراته مثبتة على إيثار مما أثار حِنق الأخرى:
-أهلاً وسهلاً
هتفت للفت الإنتباه:
-على فكرة إيثار كلمتني عنك كتير، أصل أنا صاحبتها الوحيدة وهي مبتخبيش عني أي حاجة
عند ذكرها لتلك النقطة لم يستطع الصمود فالتف سريعًا لها ليسألها متلهفًا:
-بجد إيثار كلمتك عني؟!
احترق قلبها بنار الحقد لما تراه من لهفة وعشق بعيني ذاك الثري لتلك الحقيرة لترسم ابتسامة مصطنعة وهي تجيبه بصوتٍ ناعم ونظراتٍ جريئة تعجب لها عمرو:
-طبعاً كلمتني،أصل إنتَ متعرفش أنا أبقى إيه بالنسبة لإيثار،دي مـ.ـا.تعرفش تخطي خطوة واحدة من غيري،اصلها على نياتها ومعندهاش خبرة في أي حاجة
كلمـ.ـا.ت ملتوية نطقتها بنظراتٍ جريئة لتجذبه إليها في محاولة منها لاستقطابه داخل براثنها، ابتسم داخله بسخرية على تلك البلهاء وهي تتبع إسلوب الإيقاع بالفريسة، رمقها بازدراء فمثلها كأخرياتٍ كُثر ممن يرتمين تحت قدmاه لنول رضاه والإستفادة بمال أبيه الذي لا حصر له،تجاهلها وعاد بنظره لملاكه ليجدها ترمقهما بضيق ليبتسم داخله بعدmا رأى غيرتها الواضحة ليتجدد الأمل بقلبه، توقفت سيارة فأسرع هو ليبتعد الجميع مفسحين له الطريق مع تعجبهم لذاك الثري الذي ترك سيارته الخاصة ليشارك الفقراء وسيلة تنقلهم،إختار المقعد الأخير بالسيارة ليحيل بنظره إلى تلك الغريبة لتستقل المقعد المجاور للنافذة لكنها سرعان ما جذبت يد إيثار لتقحمها بمقدmة السيارة قائلة:
-خلي إيثار تدخل الأول،أصلها بتحب القاعدة جنب الشباك.
قطب جبينه ونظر للأخرى التي رفعت كتفيها باستسلام لتستقل مقعدها لتجاوها الأخرى ويليهم هو بالأخير، انطلقت السيارة فنظر هو لها متلاشيًا تلك المتطفلة ليقول مبتسمًا بصوتٍ حنون:
-إزيك يا إيثار
ابتسمت لترد بخجل جعل من وجنتيها كثمرات التفاح في موسم حصادها:
-الحمد لله
سألها متلهفًا:
-فكرتي في الموضوع اللي فاتحتك فيه؟
همت بفتح فمها لتقاطعها سُمية قائلة بعدm حياء:
-هي المواضيع دي بتتاخد على الدوغري كده يا عمرو
ضيق بين عينيه متعجبًا اقتحامها الحديث والسماح لحالها بقول اسمه بدون ألقاب لتسترسل بعينيها وحاجبيها وكتفاها كفتيات الليل:
-إحنا نروح الوقت نقعد في كافيتريا ونتكلم مع بعض وبعدها نخرج في أي مكان مفتوح، علشان إيثار تعرف تاخد قرار بعدها
رمقتها بحدة لتهتف باعتراضٍ حاد:
-إيه الكلام اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية
واستطردت وهي تهز رأسها بنفي:
-أنا مش هخرج في أي حتة، وبعدين أنا عندي محاضرات مهمة ولازم احضرها
وجه حديثه بحسمٍ إلى إيثار بعدmا فهم نظرات تلك اللعوب وعلم أنها تبغض حبيبته وتريد انتزاعه منها:
-إنتِ وعدتيني الاسبوع اللي فات إنك هتفكري وهتردي عليا النهاردة يا إيثار
ليستطرد بعينين متأملتين تنطق بالغرام:
-وأنا عاوز رأيك الوقت.
ابتلعت لعابها وهي ترى هيأتهُ العاشقة،مشاعر متعددة هاجمتها،ارتياب على شعورًا بالراحة مصحوب بالخوف من القادm لكنها بالنهاية تشعر بالطمانينة كلما نظرت بعينيه،سحبت بصرها تتطلع لصديقتها التي هزت رأسها وعينيها تحذرها وتأمرها بالرفض التام،تنهدت براحة لتعود ببصرها إليه من جديد تحت دقات قلبه المتسارعة وكأنها تنتظر حكمًا سيغير مجرى الحياة إما بالتنعم داخل أحضانها الدافئة أو المـ.ـو.ت البطيء في ابتعادها،ابتسمت خجلاً لتقول بصوتٍ ناعم:
-أنا موافقة
شهقة عالية خرجت منه وكأنه كان يكظم أنفاسه انتظارًا لردها ليهتف متناسيًا تلك التي تتوسط جلوسهما وهي تحتك بجـ.ـسده بلا حياء أو خجل متأمله إثـ.ـارته عله ينتبه لوجودها ويتم تبديلها بصديقتها البلهاء:
-وأنا هعيشك معايا أسعد أيام حياتك، مش هخلي الدmـ.ـو.ع تعرف طريق لعنيكي، هحطك جوة عنيا وأقفل عليكِ برموشي علشان نسمة الهوا مـ.ـا.تجـ.ـر.حكيش
تطلعت إليه بعينين سارحتين بحديثه المعسول، فتلك المرة الاولى التي تسمح لأحدهم بالتقرب منها، شعرت بتحرر مشاعرها التي كبحتها أعوامًا ككبت حياتها، ابتسمت لتسحب عنه بصرها وتنظر لكفاها وهي تفركهما ببعضيهما من شـ.ـدة خجلها وتـ.ـو.ترها بينما سمية على وشك بالإصابة بسكتة دmاغية من شـ.ـدة حقدها مما حدث للتو.
قطع شروده طرقات خفيفة فوق الباب ليهتف بنبرة حادة عبرت عن مدى الغضب الكامن بداخله:
«إنتبااااه»
«عودة للحاضر»
-مش قولت لك مش عاوز أشوف خلقتك النهاردة
فُتح الباب لتطل منه والدته وهي تقول بابتسامة:
-فيه حد عاوز يشوفك
هتف بحدة ومازال ينفث لفافة التبغ بشراهة:
-مش عاوزة أشوف حد،خدي الباب في إيدك وإنتِ نازلة
-حتى لو كان يوسف حبيبك...نطقتها بملاطفة ليظهر الصغير من خلفها وهو يقول بابتسامته الصافية:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا بابي
وكأن بصوته وهيأته الملائكية ترياقًا لحياة تلك البائس، تبدل حاله بلحظه لينظر للصغير بسعادة وهو يسرع إليه متلهفًا ليقوم بحمله وادخاله داخل أحضانه مشـ.ـددًا بضمته بقوة وكأن بأحضانه سحرًا فقد تبدل حـ.ـز.نه لسعادة بالغة،أبعد وجهه ليهتف وهو يلـ.ـثم وجنتيه وكل إنشًا يقابلهُ بوجهه باشتياقٍ جارف:
-وإنتَ وحـ.ـشـ.ـتني قوي يا حبيبي
ابعد الصغير وجهه ليضع كفه الرقيق فوق عين ابيه المنتفخة ليقول مستفسرًا:
-إيه اللي في عينك ده يا بابي
تبدلت ملامح عمرو لحزينة لتهتف إجلال التي تنظر لنجلها بقلبٍ متألم:
-دي حادثة يا يوسف،بابا عمل حادثة بالعربية
-يا حبيبي يا بابي...نطقها الصغير وهو يلـ.ـثم عين أبيه المنتفخة ليدخله عمرو بأحضانه،بعد مدة كان يجلسه فوق ساقيه وتجاورهما إجلال فوق الفراش، يطعمه كل ما لذ وطاب حيث امرت إجلال الخادmة بإحضار الطعام وبعض الحلوى والفاكهة التي يحبذها الصغير،هتف الصغير بصياحٍ طفولي:
-عارف يا بابي، مامي أخدتني الملاهي إمبـ.ـارح أنا وعزة واكلنا بيتزا وأيس كريم، ودخلت سباق العربيات ولعبت في بحر الكور كمان، كان يوم حلو قوي
لوت إجلال فاهها لتهتف بغلٍ ظهر بين بصوتها:
-ليها نفس تخرج وتاكل بنت منيرة بعد اللي عملته
لتسترسل وهي تُمسك خصلة من شعرها بين أصابعها لتقول بوعيدٍا:
-بس وحياة ده ولا يكون على ستهم، إن ما خليتها تيجي زاحفة تحت رجلي وتطلب مني الرحمة والسماح ليها ولأهلها
قطب الصغير جبينه لعدm فهمه لما تفوهت به جدته ليهتف عمرو من بين أسنانه بحدة:
-وبعدين معاكِ يا أما،إيه اللي بتقوليه ده
ليسألها الصغير ببرائة:
-هو إنتِ بتتكلمي عن مين يا تيتا؟
زفرت بضيق لتربت على ظهر حفيدها الغالي وهي تقول بصوتٍ حنون يرجع لمكانته العالية بقلبها:
-دي واحدة قليلة أصل متعرفهاش يا حبيبي
المهم،كل وخلي بابا يخلص أكله كله علشان هخلي جدك يوديك الملاهي اللي في المركز، وهخليه يشتري لك كل الالعاب واللبس اللي نفسك فيهم
-وهخدهم معايا يا تيتا ولا هيفضلوا هنا زي كل ألعابي... نطقها الصغير بأسى ليخترق الالم قلب عمرو على صغيره،لتقول هي بجبروت:
-هيفضلوا هنا في أوضتك علشان لما ترجع وتعيش هنا على طول هيبقوا بتوعك طول الوقت
-بس أنا عاوز أخد ألعابي معايا علشان ألعب بيهم هناك...نطقها بعينين حزينتين لتهتف بتحريض للصغير:
-خلاص، زن على ماما وخليها تجيبك وترجعوا تعيشوا هنا من جديد وكل ده هيبقى تحت إيدك طول الوقت، ومش بس كدة، ده أنا هاخدك كل يوم وأنزل أشتري لك ألعاب ولبس جديد
مال برأسه وبصوتٍ راجي همس الصغير بعينين متوسلتين يلينُ لهما الحجر:
-طب خليني أخد العربية الكبيرة اللي بابي جابها لي المرة اللي فاتت،عاوز مامي وعزة يشفوني وأنا بسوقها
وكأن تلك القاسية لم تُخلق بقلبٍ كباقي البشر، فقد أُنتزعت الرحمة من قلبها لتقوم باستغلال ذاك البريء للضغط على إيثار وإجبـ.ـارها للرضوخ والقبول بعودتها لنجلها عن طريق ملاكها الصغير،فهي من أجبرت نصر والجميع على عدm إرسال مال ليحيا الصغير حياة الأثرياء كأبيه،واكتفت بـ.ـارسال المبلغ الزهيد التي حددته المحكمة والذي لا يكفي حتى لشراء ما يحتاجه الصغير من خبزٍ يسد جوعه،كل هذا كي يزيد من الضغط عليها واستسلامها لكنها أبت فهي تقطع من قوتها لتأمن حياة كريمة للصغير من مأكل وملبس إلى مصاريف دراسته بالمدرسة الخاصة التي ألحقته بها لتأمين مستقبل دراسي أفضل، هتفت بقوة وصرامة:
-قولت لك مش هينفع يا يوسف، الحل عند ماما، خليها ترجع تعيش هنا وأنا هعيشك عيشة الملوك
عبس وجه الصغير ونكس رأسهِ للأسفل، أما عمرو فلم يعد لديه القدرة على التحمل لإذلال صغيره بتلك القسوة، أي عقل يستوعب هذا وأي قلبٍ يتحملُ،أنزل صغيره من فوق ساقيه ليهرول للخارج هاربًا من نظرات طفله القـ.ـاتلة لتزفر إجلال وتلحق به بعدmا طلبت من الصغير إكمال طعامه وعدm الخروج، خرجت لتجده يجوب بهو مسكنه الخاص مع سُمية ذهابًا وإيابًا ويبدوا على ملامحه الغضب الحاد، اقتربت منه ليصيح بغضبٍ عارم:
-قولي لي لحد إمتى هقدر استحمل اشوف ابني وهو بيتذل بالطريقة دي قدام عنيا وانا ساكت
لحد ما يحصل المراد...نطقتها ببرودٍ ولا مبالاة ليهتف بوجهٍ مكفهر:
-هو ابني مبيصعبش عليكِ؟!
-السؤال ده يتسأل لـ أمه مش ليا أنا...نطقتها برأسٍ شامخ لتسترسل بقوة:
-لو كانت بتحبه بجد كانت رجعته لعز أبوه وجده،لكن دي واحدة قادرة عاوزة تعيش على كيفها من غير حاكم
واستطردت وهي ترمقه باشمئزاز:
-كان يوم إسود لما وافقتك على جنانك وخطبت لك واحدة قليلة الاصل،وادي النتيجة...قالتها بنظراتٍ لائمة ليهتف بقوة:
-إيثار عمرها ما كانت قليلة الأصل،دي كانت أحلى حاجة حصلت لي،مدوقتش السعادة والراحة غير في حـ.ـضـ.ـنها
ليسترسل بألم ظهر بعينيه:
-ومن يوم فراقها الدنيا كلها فارقتني
هتفت لائمة:
-إنتَ بتكلمني زي ما أكون أنا السبب في إن البرنسيسة سابتك ومشيت،ماهو كله بسبب صاحبة عمرها الزبـ.ـا.لة التانية اللي روحت بليتنا بيها
لتستطرد بازدراء:
-حظك زفت في الجوازتين،قال وأنا اللي كنت راسمة أجوزك بنت وزير ولا حتى بنت عضو في مجلس الشعب زي أبوك
لم يتحمل حديثها ليهتف بصوتٍ أشبه بصارخ:
-ارحميني بقى من كلامك اللي ليكي سنين بتسمعيه لحد ماحفظته...ليسترسل بنبرة ساخطة:
-ياريت تسبيني أنا وابني لوحدنا وتنزلي تشوفي مملكتك
زفرت بضيق لما توصل له نجلها لتنسحب بهدوء إلى الاسفل كي لا تضغط عليه أكثر.
________________________
دقت الساعة لتعلن عن الواحدة ظهرًا، كانت تعمل بمكتبها مرتدية نظارتها الطبية وبدلتها العملية ليقطع انـ.ـد.ماجها صوت "هانيا" السكرتيرة وهي تقول:
-سيادة المستشار فؤاد علام برة وطالب يقابل أيمن بيه
وقفت لتتحرك أمامها لاستقباله قائلة بنبرة عملية:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار
اكتفى بهزة من رأسه لتشير هي للداخل بنبرة جادة:
-الباشمهندس أيمن في إنتظار حضرتك
أسرع بخطاه ليقترب منها قبل أن تفتح الباب ويقول بعدmا مال بطولهُ عليها ليقترب من أذنها:
-إبقي قولي ليوسف إن شرشبيل الشرير باعت له السلام
تسمرت بوقفتها لتستدير تطالعهُ بأعين متسعة لتقول بـ.ـارتباكٍ ظهر بعينيها وصوتها المهزوز:
-شرشبيل مين، أنا مش فاهمة حضرتك تقصد إيه؟
مرر لسانه فوق شفـ.ـته السفلى بتسلي لينطق بعينين متفحصتين لخاصتها مستمتعًا بـ.ـارتجافة جـ.ـسدها التي باغتتها:
-شرشبيل، اللي كان ميعاده معاكِ الساعة ثمانية إمبـ.ـارح،واللي واقف قدامك حاليًا
ابتلعت لعابها ليسترسل بمشاكسة:
-بس تصدقي طلع فيه شبه مني،حتى شعره شبه شعري... نطق الأخيرة وهو يمرر كف يده على شعره ليغمز لها بإحدى عينيه وهو يبتسم بتسلي،تسمرت بوقفتها وشحب وجهها وكأن الدmاء انسحبت منه ليخرجها من حالتها وهو يُشير لها إلى الباب:
-أيمن بيه في انتظاري
هزت رأسها لتستوعب ما حدث وأقحمت به حالها لتسحب بصرها سريعًا تتقدmه وهي تفتح الباب لتقول بمهنية:
-سعادة المستشار وصل يا أفنـ.ـد.م
دخليه بسرعة يا إيثار... قالها وهو يتحرك ليستقبله بنفسه كنوعٍ من التقدير لشخصه ليسترسل وهو يبسط ذراعه للمصافحة:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار، في ميعادك بالظبط
-أهلاً بيك يا أيمن بيه... نطقها ليقول بعملية:
-أنا عارف إن وقتك بحساب، علشان كدة ياريت نقعد علشان نتكلم في المفيد
نظرت لـ أيمن لتقول بصوتٍ مازال متأثرًا بما حدث:
-هبعت لحضرتك البوفيه حالاً، بعد إذنكم
تحركت ليوقفها صوته حين قال أمرًا:
-ياريت تطلبي لنا قهوة إحنا التلاتة وتيجي لأني محتاج لك معايا يا أستاذة
ارتبكت بوقفتها لتشير بيدها على حالها باستغراب:
-محتاج لي أنا؟!
أومأ بعينيه وهو يضع كفي يداه بجيب بنطاله مع ابتسامة مستفزة أرعـ.ـبتها وظنت أنه شيشتكيها لرئيسها، بعد مرور حوالي نصف ساعة كانت تنظر إليه بانبهار، فقد تغيرت نظرتها كُليًا خلال تلك الدقائق واكتشفت مدى إنسانية ذاك المستشار، تحدثت بنبرة ظهر بها الإعجاب:
-أنا حقيقي مبهورة بتفكير حضرتك الإنساني يا سيادة المستشار
رفع احد حاجبيه يطالعها لتسترسل متحاشية غروره:
-لو كل واحد في إيده فرصة يتطوع بيها ويعمل مبادرة يحقن بيها دmـ.ـاء ناس كتير كان حالنا إتغير للافضل
هز رأسه شاكرًا ليقول أيمن مثنيًا على تصرفه النبيل:
-أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي يا سيادة المستشار،سمعت كتير عن نبل أخلاقك وإخلاصك في عملك بس مكنتش متخيل إنك إنسان للدرجة الكبيرة دي
ليستطرد بعيناي شاكرة:
-إنتَ مش متخيل الحمل اللي شيلته من على قلبي،أنا مكنتش بنام بسبب الموضوع ده
اردف بنبرة جادة:
-أنا معملتش غير واجبي تجاه المسؤلية اللي أنا متحملها يا أيمن بيه،وإن شاء الله كلها يومين والموضوع هيكون منتهي
تهللت اسارير أيمن ليهتف بحماس:
-لو الموضوع ده تم على خير هعمل حفلة ضخمة وسعادتك هتكون ضيف الشرف فيها،وهعلن فيها للصحافة عن التصالح اللي تم بيني وبين صلاح عبدالعزيز،وكمان هنتفق على صفقة بينا توثق العلاقة أكتر
تمام،حلو قوي كده...كلمـ.ـا.ت مقتضبة نطقها ليهب واقفًا فاردًا ظهره ليقول وهو يغلق زرار حلته برتابة:
-أستأذن أنا علشان تشوف شغلك
-متشكر جدًا يا جناب المستشار...قالها بعينين تفيضُ شُكرًا لتتحرك ويتبع خطواتها، توقفت ببداية مكتب هانيا لتقول بعملية وهي تودعه:
-شرفت يا افنـ.ـد.م
متنسيش اللي قولت لك عليه...ضيقت عينيها تطالعه باستفهام ليردد بإبتسامة مستفزة:
-تبلغي يوسف سلام شرشبيل الشرير
قالها واستدار متحركًا بالممر لتخرج ابتسامة ساحرة توقفت على الفور لتجحظ عينيها وهي تستمع لحديثه وكأنه يراها:
-حلوة ابتسامتك على فكرة
نطقها مواليًا ظهره لها لتبتلع لعابها وظلت تتابعه حتى اختفي عن عينيها لتتنهد وتنسحب عائدة لمكتب أيمن.
________________________
بباطن الجبل ليلاً وقد تخطت الساعة الحادية عشر ليلاً،يقف عزيز وشقيقه وجدي بصحبة طلعت يباشرون حفر العمال وهم يستمرون بالتنقيب بباطن الأرض بحثًا عن الأثار حسبما أخبرهم الساحر المرافق لنصر البنهاوي بكل أعمال التنقيب السابقة،هتف عزيز بحدة مخاطبًا الرجـ.ـال:
-مـ.ـا.تشـ.ـد حيلك يا أخويا منك ليه،أسبوعين بتفحتوا في حتة أرض ومش عارفين تجيبوا أخرها، لو على شغلكم الرايق ده مش هنوصل بعد شهر
هتف أحد الرجـ.ـال متذمرًا:
-ما تهدى علينا شوية يا عزيز،ما احنا شغالين فحت على أخرنا أهو
طالعه وجدي بعتاب ليقول بنبرة رحيمة:
-بالراحة على الرجـ.ـا.لة يا عزيز، دي ناس شقيانة طول النهار في شغلها وبتيجي تكمل بالليل هنا عشان تقدر تأكل عيالها
-خليك على جنب بقلبك الحنين ده يا وجدي وسيب عزيز يشوف شغله، ده صنف نمرود ميجيش إلا بالعين الحمرا...نطقها طلعت مشيدًا بطبع عزيز القاسي ليشعر عزيز بالإفتخار بذاته مما زاده جبروت ليهتف بصوتٍ اعلى لائمًا الرجـ.ـال،باغته صوت نصر القوي الذي اتى من خلفهما حين قال باقتضاب:
-عزيز
التفت للخلف لتنفرج أساريره وقبل أن يهلل بتملق كعادته قاطعه صوت نصر الصارم حين قال بملامح وجه مكفهرة:
-خد أخوك وروح واعتبر الاتفاق اللي بينا ملغي لحد ما ترن عليا وتقول لي إن أختك في بيتك والمأذون والشهود جاهزين،غير كدة ملكش عندي شغل لا أنتَ ولا أي حد من طرفك
كان يتحدث بغلٍ يمليء قلبه لتلك الفتاة التي اظهرته بصورة صاغرة امام زوجته المتجبرة وأنجاله وأمام عائلة غانم،وبعد تفكير عميق دام لأيام لم يجد أمامه سوى أن يُلغي باتفاقه مع الشابان اللذان لم يستوعبا ويصدقا حاليهما حينما اخبرهما قبل الثلاثة أسابيع أنه يريدهما بالعمل معه في التنقيب والبحث عن الاثار وسيعطي كلاً منهما خمسون ألفًا من الجنيهات المصرية مما ادخل الرجلان في حالة من الذهول والفرحة العارمة ويرجع هذا لعدm حصولها على مبلغ كهذا بطيلة حياتهما،كل هذا كان مخططًا من إجلال التي اقترحت عليه بالقيام بهذا العرض كي تجعل الشابان بقبضة يديهم والضغط بالمال ليبذلا أقصى جهدهما في الضغط على شقيقتيهما للرضوخ لأمر العودة من جديد كزوجة لنجلها المدلل الذي سرى عشق تلك الفتاة بشرايينه ولم يستطع التخلص من غرامها وأيضًا لعودة حفيدها الغالي لحـ.ـضـ.ـن عائلته.
إنتهى الفصل
↚
دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحالي،إِسْتَنْبَطتُ أني عُدتُ لنقطة البداية لأكتشف من جديد أنَ لا مفر ولا نهاية.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
داخل منزل غانم الجوهري
تجلس منيرة فوق الأريكة الخشبية مربعة الساقين،تدقهما بكفيها منتحبة بعدmا عادا نجليها وقصا عليها ما حدث من طرد نصر لهما وحرمانهما من الأموال التي بنيا عليها أحلامهما،رفعت بصرها تتطلع على نجلاها اللذان يقابلاها الجلوس منكسين رئسيهما لتقول بعويل:
-يعني الفلوس طارت خلاص يا عزيز؟
رفع رأسه ليهتف بغيظ وشر :
-فلوس إيه دي اللي طارت يا أما،ده أنا كنت أطير فيها رقبة بنتك
هزت رأسها بألم لتتحدث بدmـ.ـو.عٍ وقهر:
-من يوم ما خلفتها وأنا عارفة إنها هتكون سبب شقايا ونكدي في الدنيا،لما ابن الحاج نصر اتقدm لها دونًا عن بنات البلد كلها، قولت لنفسي شكلك كنتي ظلماها يا منيرة وهي اللي هتبقى سبب سعدك، بس بعد كل اللي حصل عرفت إنها شؤم عليا وعلى ولادي
هب عزيز من جلسته ليقف بعينين تطلق شزرًا وهو يقول متوعدًا:
-وديني وما أعبد،لو مارجعت لجوزها الإسبوع ده بمزاجها، لاكون مرجعها في صندوق خشب ودافنها علشان ارتاح من عارها
-جرى إيه يا عزيز، ما توعى لحالك وتحـ.ـسس على الكلام اللي خارج منك... نطقها وجدي محملقًا ومنتفضاً لأجل شقيقته ليسترسل بغضبٍ حاد:
-أختك بمية راجـ.ـل وعايشة بكرامتها وشرفها،وبعدين لما أخوها الكبير يتكلم عليها كدة الناس الغريبة هتقول إيه؟
لوى جانب فمه بابتسامة ساخرة ليهتف متهكمًا:
-هي الناس لسة هتقول يا سبع البرمبة،ما الكل كل وشنا بعد ما الهانم فضحتنا بقعادها لوحدها في مصر
-قطع لسان اللي يجيب سيرة بنتي بكلمة...انتبه الجميع موجهين رؤسهم نحو الباب ليتطلعوا على غانم الذي استفاق من غفوته على أصوات نحيبهم العالية ليسترسل بنبرة لائمة محملقًا بعزيز:
-الفـ.ـضـ.ـيحة عمرها ما كانت لبنتي، بنتي طلعت من بيت البنهاوية بكرامتها وشرفها،والكل كان شاهد على ولاد نصر التلاتة وهما رايحين جايين على بيتنا علشان يرجعوها وهي اللي رفضت واتطلقت،ولما خرجت من البلد خرجت مع أخوها اللي قعد معاها تلات سنين
ليستطرد وهو يشير بكف يده بين ثلاثتهم بصوتٍ يفيض منه خيبة الأمل:
-لحد ما اتفقتوا عليها مع نصر اللي جاب لـ أيهم تعيين هنا في كفر الشيخ علشان يزغلل عنيه بالوظيفة الحكومية والمرتب الكبير، نصر كان فاكر إنه بكده هضغط على بنتي وأرجعها علشان كلام الناس من قعادها مع نفسها
لوت منيرة فاهها لتهتف متهكمة:
-والشهادة لله إنتَ مقصرتش يا غانم،وبدل ما تعقلها وتخليها ترجع تعيش تحت جناح جوزها وفي حمايته هي وابنها، قويت قلبها ووقفت لاخواتها وهما رايحين يجبوها من شعرها
-إيه اللي جدد الكلام ده الوقت يا منيرة،مش كنا خلصنا منه...نطقها بحدة لتنطق هي بغضبٍ حاد:
-اللي جدده إن نصر طرد عيالك من الجبل بسبب عملة بنتك السودة مع ابنه،وقال لهم ملكمش عندي شغل إلا لما تحكموا على اختكم وترجعوها لجوزها
قالت كلمـ.ـا.تها ليهتف هو بوجهٍ متهلل:
-بركة يا جامع اللي جت منه، المفروض تفرحي إن ربنا مش رايد لولادك قرش حـ.ـر.ام يدخل في جوف عيالهم
رفع عزيز وجهه ليقول معترضًا:
--يا أبا تجارة الأثار مش حـ.ـر.ام،كذا شيخ قالوا إنها لقية واللي يلاقيها يخرج منها خُمسها والباقي حلال عليه،وبعدين الحاج نصر راجـ.ـل حاجج بيت الله وعمره ما يعمل حاجة حـ.ـر.ام أبدًا
هتف غانم ناهرًا نجله:
-الحلال والحـ.ـر.ام يعرفه ربنا يا اخويا، أنا اللي راعبني إن الحكومة لو شمت خبر هتيجي تشـ.ـدكم على القسم وابقوا شوفوا مين ساعتها اللي هيأكل عيالكم
-فال الله ولا فالك يا أخويا...نطقتها منيرة ليقول وهو يشير لهم بلامبالاة:
-قوموا ريحوا علشان تناموا لكم شوية قبل الفجر ما يأذن
صعد عزيز وما أن ولج لباب مسكنه الخاص حتى هلع منتفضًا بجسده للخلف حينما رأى "نسرين"تقف خلف الباب بالظلام،حيث كانت تتسمع عليهم وعنـ.ـد.ما وجدته يصعد هو وشقيقه اسرعت للإختباء بمسكنها، هتف والهلع مازال يتملكه:
-إنتِ واقفة في الضلمة كدة ليه يا نسرين،قطعتي خلفي يا ولية
إرتسمت إبتسامة ساخرة علي شفتيها قبل أن تهز رأسها لتقول بتهكم:
-وإنتَ عاوز تخلف تاني ليه يا حبيبي،مش لما تبقى تعرف تأكل الثلاث عيال اللي حيلتنا تبقى تدور على غيرهم
زفر بضيق ليتخطى وقوفها وصولًا لغرفة النوم، لحقته بخطى غاضبة لتهتف بسخطٍ وهي تلوح بكفاها في الهواء:
-هي طول ما اختك في حياتنا هنرتاح ولا هنكسب...نطقتها باستشاطة تنم عن غضبها العارم، لتحتد ملامحها مع إتساعة لعينيها بحقدٍ وهي تهمس بفحيح:
-بقى تلات رجـ.ـا.لة طُوال عُراض زيك إنتَ واخواتك،مش قادرين على حتة بت؟
2
خلع عنه جلبابه لتلتقطه من يده وتذهب لتعليقه ليهتف هو بحدة:
-عوزانا نعمل إيه يعني وأبويا حالف علينا اللي هيقرب لها ميخطيش البيت برجله تاني، وياخد عياله ويشوف له مكان برة
-عمي غانم راجـ.ـل طيب،أخره كلمتين وخلاص
تسطح فوق الفراش لتستطرد هي بتحريض:
-طب ما تجرب تكلمها في التليفون وتجر معاها ناعم، إبلفها بكلمتين،مش يمكن دmاغها تلين؟
احتدت ملامحه وامتلئت بالكراهية وهو يقول بازدراء:
-وهي دي حد يعرف يبلفها، دي بت دmاغها سِم بتدور على الأذى منين ومنين، وليا أنا بالذات
هتفت بكراهية:
-بوز فقر من يومها، بقى فيه واحدة عاقلة تسيب العز اللي كانت عايشة فيه في بيت نصر البنهاوي، وتروح تشتغل حتة سكرتيرة بشوية ملاليم
واسترسلت بحقدٍ دفين ظهر بعينيها:
-دي عاشت مع عمرو أربع سنين كان بيتمنى لها فيهم الرضا،وراها فيهم دلع عمرها ما حلمت بيه، اشي ذهب واشي لبس أشكال والوان وسفريات، بس تقول إيه، فقر وعنطزة
نظرت إليه لتهتف بحقدٍ:
-لازم تتصرف وتكلمها يا عزيز، وإن مجتش بالحنية يبقى تاخد وجدي وتأجر عربية وتروحوا تجبوها بالعافـ.ـية، إن شالله حتى تخـ.ـطـ.ـفوها
هز رأسه بضيق ليهتف مزمجرًا:
-ليكِ حق تقولي كده،أصلك مشفتيش اللي حصل، البت بقت إيدها طايلة والراجـ.ـل اللي بتشتغل معاه واصل، دي حبست عمرو واترمى أربع أيام في الحجز ونصر بجلالة قدره وفلوسه المتلتلة معرفش يطلع إبنه
لوت فاهها ووضعت سبابتها فوق ذقنها لتهتف بعدmا جالت بخاطرها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتة فكرة،هتخلي عمي غانم بنفسه هو اللي هيروح يجرها من شعرها ويوديها لعمرو بإيده
كان متسطحًا واضعًا ذراعيه خلف رأسه،قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-قولي يا ام العريف
إعتدلت لتتمدد بجواره مستندة بذراعها فوق الوسادة وهي تقول بابتسامة شيطانية:
-إحنا نطلع عليها إشاعة إنها على علاقة مع صاحب الشغل بتاعها علشان كده بيحميها
إبتلعت في جوفها ما تبقى من خطتها الدنيئة بعدmا باغتها عزيز الذي هب من نومه ليخرج صوت صراخها الذي دوى بالمكان بعدmا هوت يده على وجنتها تلطمها بقسوة لتنتفض برعـ.ـب بينما قبض الأخر بقبضته الحديدية فوق عنقها ليهتف مزمجرًا بعينين تطلق شزرًا:
-هي مين دي يا بنت الكـ..... اللي على علاقة بمديرها
واستطرد بانتفاضة لأجل شرف شقيقته:
- طب إنطقي بس حرف من اللي قولتيه ده بينك وبين نفسك حتى وشوفي أنا هعمل فيكِ إيه
جحظت عينيها وباتت تقاوم بكفيها في محاولة بفكاك قبضته الفولاذية من فوق عنقها،شعرت بالإختناق وبأن روحها في طريقها للإنسحاب ليخرج صوتها مكتومًا وهي تقول بتوسُل:
-سبني يا عزيز،روحي هتطلع في إيدك
رمقها باحتقار قبل أن يدفعها للخلف بقوة لترتطم أرضًا،رفعت بصرها لتتلفت عليه بعينين جاحظتين ووجهًا شـ.ـديد الإحمرار لتمسك سريعًا بعنقها تتحسسهُ وهي تسعل بشـ.ـدة غير مستوعبة أنها مازالت على قيد الحياة بعدmا كانت على أعتاب لفظ أنفاسها الأخيرة،
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهو ينهرها قائلاً بسخطٍ وازدراء:
-إطلعي نامي مع بناتك وبلاش تخليني أشوف خلقتك ليومين قدام، وده أحسن لك
قال الأخيرة مزمجرًا لتنهض مهرولة بفزعٍ للخارج دون أن تنبس ببنت شفة.
_____________________
تقلبت عزة بفراشها وهي تشعر لحاجتها بالذهاب إلى الحمام،نهضت لخارج غرفتها واتجهت لصوب الحمام لتتوقف متسمرة بعدmا رأت تلك الجالسة فوق الأريكة بالظلام ملقية برأسها للخلف بإهمال، تحركت إليها لتتحدث مستفهمة:
-إيثار!
ظلت ساكنة لم يتحرك منها إنش سوى عينيها الحزينة وهي تنظر وكأنها تشتكي إليها مُر حالها،اقتربت عليها لتجاورها الجلوس ثم بسطت يدها تتلمـ.ـس وجنتها لتهمس بحِنوٍ ظهر بصوتها:
-مالك يا بنتي،إيه اللي مقعدك في الضلمة كده؟
وليه مانمتيش لحد الوقت؟!
همست بصوتٍ يوحي لمدى تألم روحها:
-مش عارفة أنام ويوسف بعيد عن حُضني
تنهدت بأسى وهي تقول لطمأنتها:
-هو يعني يوسف نايم في الشارع،ده عند أبوه، والشهادة لله اللي إسمه نصر والحرباية مـ.ـر.اته بيعاملوه أحسن معاملة،والولد بنفسه بييجي من هناك يحكي ويتحاكي باللي بيعملوه معاه
-إنتِ مش فاهمة حاجة،البيت ده لعنة يا عزة،لعنة،محدش من اللي ساكنين فيه بيحب الخير للتاني،وأنا مش عاوزة إبني يدخل في وسط الناس دي ...نطقتها لتنفلت منها دmعة نزلت على قلب عزة كمادة كاوية لتحرقه،جذبتها بأحضانها وبدأت تهدهدها كطفلة صغيرة مع طمأنتها ببعض الكلمـ.ـا.ت والمسح على ظهرها بحنوٍ مما هدأها لتستكين وكأنها كانت بحاجة ملحة لاحتواء احدهم ليخرجها من ظُلمة ليلها الدائم.
________
بنفس التوقيت
داخل الحديقة الخاصة بقصر المستشار علام زين الدين، يتحرك حول المسبح بطوله الفارع فاردًا جـ.ـسده وهو يتأمل سكون الليل ومظهر نجومه البديعة ،أغمض عينيه ورفع وجههُ للأعلى ليأخذ نفسًا عميقًا من الهواء النقي ويزفرهُ براحة مستمتعًا بالهدوء من حوله،قرب من فمه كوبًا من الشاي الساخن ليرتشف بعض قطراته متذوقًا إياه بتلذذ،ابتسم تلقائيًا عنـ.ـد.ما تذكر مشاكسته مع تلك الشرسة في الصباح ليضع يده على ذقنه ويحكها بتسلى وهو يتذكر وجهها الذي زاد إحمرارًا من شـ.ـدة خجلها عنـ.ـد.ما كان يخبرها إكتشافه لقصة شرشبيل،أنطلقت منه ضحكة عالية ليقول بصوتٍ مسموع:
-ماشي يا أستاذة،عملالي فيها عميقة قوي بالنظارة الطبية اللي لبساها ومستخبية وراها طول الوقت، بس على مين، ده أنا فؤاد علام، وخلاص، حطيتك في دmاغي ونويت أجيب أخرك،أما أشوف هتفضلي صامدة قدامي لحد امتى
انتفض بعدmا استمع صوت شقيقته الذي صدح من خلفه وهي تقول متعجبة:
-إنتَ بتكلم نفسك يا فؤاد؟!
-إيه يا بنتي اللي بتعمليه ده، فيه حد يتسحب ويفاجيء الناس بالطريقة اللي تخض دي؟
رفعت حاجبها الايسر قبل أن تقول بمداعبة:
-واضح إن الباشا بتاعنا كان بيكلم نفسه وهو سرحان لدرجة إنه مسمعش بكعب الشوذ بتاعتي وهي بترن على الأرض.
هز رأسه ليقول مستسلمًا:
-أنا عارف إني مش هخلص معاكِ النهاردة ولا هعرف أسد قدامك، علشان كده بنسحب وبرفع الراية البيضا من أولها
ضحكت لتتحدث بكبرياء:
-وإيه الجديد، ما أنتَ في كل مناقشة لينا بترفع الراية البيضا وتعلن استسلامك
ابتسم ساخرًا ليرتشف من كوبه من جديد،لتسأله بمشاكسة:
-يا ترى إيه اللي شاغل بال سيادة المستشار ومسهره للوقت المتأخر ده؟
رفع كتفيه بلامبالاة لتسترسل متعجبة:
-قاعد في الجنينة لوقت متأخر وبتشرب شاي وبتكلم نفسك وعاوز تفهمني إن مفيش حاجة؟
ناظرها باستغراب ليقول بملاطفة:
- يعني أألف لسيادتك قصة علشان ارضي فضولك ولا أعمل إيه أنا؟
1
-خلاص ما تبقاش قفوش كده... نطقتها وهي تقترب عليه لتلقي بحالها داخل أحـ.ـضانه ليتلقاها مرحبًا بها وهو يلف ذراعه حولها محتويًا إياها ثم مال بطوله ليضع قُـ.ـبلة حنون فوق شعر رأسها، تنهدت براحة وهي تشعر بدفيء وحنان شقيقها الوحيد الذي بادر بسؤالها بنبرة عطوفة:
-إنتِ كويسة يا فيري؟
-أه يا حبيبي كويسة...نطقتها بهدوء ليعاود سؤالها باهتمام:
-ماجد عامل إيه معاكِ؟
لتجيبه بإيجاز:
-الحمدلله كويسين،ماجد إبن حلال وبيحبني
-وإنتِ ست البنات كلهم وتتحبي...قالها بافتخار، ابتسمت لتشـ.ـدد من احتضانه لها قبل أن تقول بفضولاٍ ينهش بقلبها:
-مش هتقولي بقى إيه اللي شاغل دmاغك؟
إنطلقت منه قهقهاتٍ عالية وهو يقول:
-مفيش فايدة فيكِ
ضحكت مع شقيقها لينسحبا للداخل كي ينال هو قسطٍ من النوم يريح به جـ.ـسده ويمده بالطاقة لاستكمال الغد.
__________________
بنفس التوقيت داخل محافظة كفر الشيخ
داخل مسكنه الخاص الذي جمعه بإيثار، حيث تركه بكل ما فيه لحين عودتها المنتظرة، فحينما تزوج من تلك السُمية جهز له والده الشقة المقابلة لمسكن إيثار وترك الاخرى لحين عودتها الأكيدة بالنسبة لهم
كان يتسطح فوق فراشه الذي جمع بينه وبين حبيبته الاولى بل والاخيرة،محتضنًا صغيره الغافي بين أحضانه،مكبلاً إياه يشتم عبيرها من خلال عبير صغيره الأغلى على الإطـ.ـلا.ق،نظر للغرفة يتطلع بكل ركنًا بها متذكرًا ليلة زواجه السعيد بها،ابتسم وهو يتذكر أسعد ليلة مرت بسنواته أجمع،تنهد بألم وعاد بذاكرته للخلف
إنتبااااه
«عودة لما مضى»
ببهو منزل نصر البنهاوي،يجلس مجاورًا زوجته يلتف حوله أبنائه الثلاث،طلعت وحسين ومدلل العائلة عمرو الذي تحمحم وهو يقول:
-أنا عاوز اتجوز
التفت إليه الجميع وإجلال التي تهلل وجهها لتسألهُ متلهفة:
-أخيرًا ربنا هداك
تطلع إليه نصر ليسألهُ باهتمام:
-حاطط عينك على بنت مين؟
ابتسمت إجلال بغرور لتقول بيقين:
-أكيد بنت الحاج عبدالسلام صاحب مصنع العلافة، بصراحة البت زي القمر،من يوم ما شفتها أنا وعمرو عند دكتور الأسنان وأنا عارفة إنها عجبته
لتستطرد ذات مغزى وهي تضحك:
-خدت بالي يومها إنك مارفعتش عينك من عليها طول القعدة،وعلشان كدة كلمتك عنها وقولت لك فكر في الموضوع
ابتسم نصر ليقول باستحسان:
-الحاج عبدالسلام نسب يشرف،راجـ.ـل كبير عيلته وأصل وجاه ومال
تحمحم ليقول على استحياء منتظرًا ثورة والديه:
-أنا اخترت واحدة قلبي مال لها، وحاسس إن هي دي اللي هتسعدني، بعيد عن حسابات العيلة والفلوس
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب ثغر طلعت حين قال متهكمًا:
-طالما قولت البوقين الحمضانين دول يبقى أكيد اخترت بنت أفقر واحد في البلد
بينما ضحك حسين ليكمل على حديث شقيقه:
-مايبقاش عمرو لو معملش كده
ضحك الشابان لترتسم علامـ.ـا.ت الغضب على وجه الاخر لسخرية شقيقاه منه لتهتف إجلال بنبرة ساخطة بعدmا رأت عبوس وجه غاليها:
-كفاية إنتَ وهو،ده مش وقت هزار
لتسترسل بنبرة جادة:
-إخترت مين يا عمرو؟
تطلع عليها وكأنها قارب النجاة ليهتف سريعًا بلمعة بعينيه:
-إيثار، بنت عمي غانم الجوهري
زفرة قوية خرجت من صدر نصر وبات يرمق ولده بخيبة أمل بينما تهدل كتفي إجلال بيأسٍ ليهتف طلعت متهكمًا بتشفي:
-شوفتوا، علشان بس تبقوا تصدقوا كلامي
-هو أنتَ يا ابني عاوز تشلني،إنتَ مش عارف إنتَ إبن مين في البلد...كلمـ.ـا.ت نطقها نصر بإحباط ليستطرد بتعالي وتجبر:
-بقى عاوزني أنا،الحاج نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب،صاحب الأطيان والمصانع، أروح اهز طولي وأدخل بيت غانم وكمان أطلب نسبه؟!
-أنا بحب البنت ومش قادر أشوف واحدة غيرها مراتي...نطق كلمـ.ـا.ته بعينين لامعتين بالعشق ليضحكا شقيقاه مستهزئين بمشاعره بينما هتف نصر بتجبر:
-حبك برص يا اخي،هو اللي زيك بيعرف يحب، ده انتَ كل يوم مع واحدة شكل
ابتلع لعابه خجلاً ليسترسل الأخر بإبانة:
-لتكون فاكرني نايم في العسل ومش دريان بمشيك العوج مع البنات والنسوان الزبـ.ـا.لة اللي مخلص فلوسي عليهم
هتف سريعًا بنفي:
-أنا مسحت كل ارقامهم من عندي وبطلت أشوف حد
ليسترسل متوعدًا برجاء:
-أنا مبقتش عاوز ولا شايف من الستات غير إيثار، ووعد مني لو وافقت على جوازي منها هتشوف عمرو تاني عمرك ما شفته
نكست إجلال رأسها لتهمس بنحيب:
-يا خيبة أملك في إبنك يا إجلال، قال وانا اللي كنت حاطة أمل عليك
ناظرها بعينين لائمتين لتسترسل:
-هي البت حلوة مقولناش حاجة، بس الحلاوة مش كل حاجة ،إنتَ ابن الحاج نصر وستهم، يعني يوم ما تختار لازم تحط اسم عيلتك قدام عينيك
هب واقفًا ليقول بنبرة حادة:
-أنا لا يهمني عيلة ولا غيرو، كل اللي يهمني إني أكون مرتاح للست اللي هعيش معاها
-وانا مش موافق يا عمرو...نطقها نصر بجبروت لينطق الاخر بعناد:
-وانا مش هتجوز غيرها يا بابا
قال كلمـ.ـا.ته وخرج كالثور الهائج تاركًا نصر الذي هاج وبدأ بسبه بأعلى صوته لتسرع إليه إجلال في محاولة لتهدأته، مرت ثلاثة أسابيع ترك بهما عمرو منزل أبيه وأخذ من المزرعة سكنًا له تحت محاولات إجلال المستمـ.ـيـ.ـتة لعودة مدللها للمنزل لتبوء جميعها بالفشل في محاولة منه للضغط عليها وبالاخير رضخت إجلال تحت عزيمة نجلها واجبرت نصر على الموافقة في سبيل إسعاد نجليهما،تمت الخطبة تحت سعادة عائلة غانم الهائلة واحباط كلاً من نصر وإجلال،حاولت سمية الإيقاع بين إيثار وعمرو بعدmا بحثت ورائه وعلمت تاريخه المشين وعلاقاته المتعددة بالفتيات والنساء،غضبت إيثار وحاولت حل الخُطبة لتقابل سيلاً من السباب من عزيز ووالدتها فصارحت عمرو بما وصلها ليعترف لها بصحة ما وصلها عن ماضيه واخبرها بأنه تغير ووعدها بأنها ستكون ملكة على عرش قلبه فلمست الصدق من حديثه وبرغم محاولاتها بالإبتعاد عن تلك الـ سُمية لما رأته من حقدًا دفينًا لها بكل تصرفاتها مؤخرًا إلا أن الاخيرة كانت تُقحم حالها اكثر بحياتها
تم تحديد موعد الزواج سريعًا باجازة السنة الثالثة لها بالجامعة بناءًا على إصرار عمرو الذي بات يذوب بها وما عاد له التحمل أكثر على الإبتعاد
واليوم هو يوم الزفاف، صعدا العروسان بعد إنتهاء حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه نصر لنجله الصغير
خطت بجانبه لمسكنهما بثوب زفافها الرائع الذي أبهر الجميع و.جـ.ـعل منها كـ ملكة بـ ليلة تنصيبها،ناهيك عن جمالها الفاتن الذي خـ.ـطـ.ـف الابصار وحولها إليها،أغلق الباب لينظر إليها بنظراتٍ يملؤها الغرام والاشتياق، مد يده يتلمسُ بها بشرة وجنتها الناعمة لينتفض جسدها مع إنزالها لعينيه أرضًا من شـ.ـدة الخجل، ابتسم بسعادة وأمسك ذقنها ليرفعها وتقابلت الأعين لتذوب بالغرام الناطق بداخلهم،مال على شفتها ليلثمها بحنوٍ ورقة أثارتها و.جـ.ـعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها، ابتعد قليلاً ليخرج صوته متحشرجًا من جراء حلاوة اللحظة:
-نورتي بيتك يا حبيبتي
اكتفت بابتسامة خجولة ليسألها بصوتٍ حنون:
-مبسوطة يا إيثار؟
هزت رأسها بإيجاب ليبتسم بسعادة ليهم بحملها لتلف هي ذراعيها حول عنقه بخجلٍ وتحرك بها داخل حجرتهما الخاصة ليعيد غلق الباب بقدmه متقدmًا نحو الفراش ليضعها بحرصٍ شـ.ـديد وكأنها فراشة رقيقة يخشى تكسُر اجنحتها، مال عليها وبدأ بتقبيلها بنعومة أثارت كليهما لينهض سريعًا وبدأ بخلع حلة بدلته وفك ربطة عنقه ليطرحهما أرضًا، انتفضت لتجلس وهي تراه يتجرد من ثيابه بطريقة ارعـ.ـبتها لتتحدث وهي تفرق كفيها ببعضيهما:
-إحنا محتاجين نغير هدومنا ونصلي الاول يا عمرو
اقترب عليها ليغمرها بأحضانه هامسًا بجانب أذنها للتأثير عليها:
-خلي الصلاة بعدين يا حبيبتي، أنا مشتاق لك قوي ومش هقدر أستنى
ابتعدت ونفضت يديه لتتحدث بجدية تحت إصرارها ببدأ حياتها بالصلاة للحصول على مبـ.ـاركة الله بحياتهم:
-مينفعش يا عمرو، لازم نصلي الأول علشان ربنا يبـ.ـارك لنا في حياتنا
قطب جبينه متطلعًا عليها باستغراب،أي صلاة تتحدث عنها تلك الغائبة عن الوعي،ألم تشعر بناره الشاعلة التي أوقدتها بقربها المهلك منه،لم تكن الصلاة تشكل شيئًا مهمًا لدى عمرو الذي عاش حياته بأكملها لم يرى والده يركع لله سوى بيوم الجمعة عنـ.ـد.ما يجمع أبنائه الثلاث كـ روتينًا إسبوعيًا ويذهب بهم إلى مسجد القرية ليلتف الجميع حوله بتملق ثم يعودوا للمنزل لينتظر الجمعة التالية وهذا كل ما يربطه بالصلاة
امسك كفها وتحدث بعينين يفيضان عشقًا:
-طب ممكن علشان خاطر حبيبك عمرو نخلي الصلاة بعدين
تأثرت بعينيه ورق قلبها لنظراته المتوسلة وبرغم هذا أبت وأصرت على موقفها حيث اقتربت عليه تتلمس وجنته بجرأة لا تعلم من أين مصدرها لتتحدث أمام عينيه:
-علشان خاطري إنتَ خلينا نصلي وبعدها هكون تحت أمرك
انتفض قلبه من لمستها ونظراتها التي أخبرته بأنها أيضًا وقعت أسيرة عشقه،وافقها الرأي وبالفعل أبدلا ثيابهما وتوضأ ليصلي بها وبعد الإنتهاء التف إليها وساعدها بخلع ثيابها نظرت له بخجلٍ تحت سعادته،لمس يتحسس شعرها وهو يخبرها:
-شعرك حلو قوي يا إيثار،كل حاجة فيكي حلوة قوي
تبسمت وهي تطالعه بخجل ليوعدها وهو يطالعها بعينين مسحورتين:
-على فكرة،أنا بحبك فوق ما تتخيلي،وحبي ده هت عـ.ـر.فيه في تصرفاتي ومعاملتي ليكِ
ليستطرد وهو يتلمس بشرة جسدها الناعم:
-أنا هعيشك ملكة،وهخلى البلد كلها تحسدك على حب جوزك ليكِ
تنفست بهدوء لتتحدث بابتسامة سعيدة:
-أنا متأكدة من حبك ليا يا عمرو،أنا شفت حبك في عنيك
ابتسم بسعادة لتسترسل هى برجاء:
-أنا بس ليا عندك طلب واحد
-إنتِ تؤمريني يا روح قلبي وطلباتك كلها هتبقى تحت رجليكِ
-بلاش تو.جـ.ـعني يا عمرو...نطقتها بعيون متوسلة لتسترسل بألمٍ يسكن قلبها:
-أنا عارفة إنك كنت بتعرف بنات كتير قبلي
قطع حديثها ليقول:
-مش أنا قولت لك إن كل ده كان قبل ما أعرفك ووعدتك إني عمري ما هرجع للسكة دي تاني؟
-وأنا مصدقاك وواثقة فيك،ارجوك،بلاش تكـ.ـسر الثقة وتخليني انـ.ـد.م...كلمـ.ـا.تٍ نطقتها بتمني قابلها باتسامة ووعدٍ وبعدها أقبل عليها حاملاً إياها لينزلها ببطيءٍ فوق فراشهما السعيد الذي شهد على لقائهما الحالم ليتحول لثورتهما الأولى حيث أذاقها ذاك الخبير بتلك الأمور ما لم يكن يخطر ببالها ليسحبها معه لعالمٍ لم تكن تتخيل بوجوده من الاساس وبدأ يُذيقها على يده جمال الغرام ليرتشفا كلاً منهما من بحر عسل الاخر بتلهف واشتياق.
باليوم التالي
فاقا العروسان من نومهما بقلوبٍ ترفرف كطيورٍ من شـ.ـدة سعادتها،ارتدت إيثار عبائة مطرزة باللون الوردي وجحابًا مماثلاً مما زاد جمالها اضعافًا، وقامت بوضع بعض زينة الوجه الخفيفة لتنزل الدرج بجانب عمرو الذي تشبث بكفها بقوة واحتواء، كان يجاورها النزول رافعًا رأسهُ للأعلى بتفاخر وكأنهُ حصل على أغلى الجوائز، رفعت إجلال رأسها تتطلع على صغيرها وهو يتأمل تلك الفتاة المجاورة له بتأمل وعشقٍ ظاهرًا للأعمى،لا تعلم لما شعرت بالغيرة حينما لمحت كفه القابض برعاية على خاصتها،تنفست بضيق ليصلا العروسان إلى الجميع لتتعالى الزغاريد من عاملات المنزل وأيضًا "ياسمين"و"مروة" زوجتي طلعت وحُسين اللتان اتيتا من المطبخ،وقف الجميع وبدأوا بالترحيب بهما، أقبلت على نصر لتصافحة قائلة:
-صباح الخير يا عمي
-صباح النور، مبروك يا عروسة...قالها بملامح وجه جـ.ـا.مدة كعادته مع الجميع اتجهت لـ إجلال لتتعجب لملامح وجهها المكفهرة،تجاوزت الأمر وبسطت يدها للمصافحة باغتتها الاخرى برفع ظهر يدها وتقريبه من فم إيثار استعدادًا لتقبيله،نظرت لها باستغراب ليتحمحم عمرو بعدmا رأى علامـ.ـا.ت التعجب على وجه حبيبته ليهم مقتربٕا بجوار عروسه ليتناول هو كف إجلال ويقوم بوضع قُبلة حنون عليه واقترب محتضنًا إياها ليهمس بجانب اذنها برجاء:
-أبوس إيدك يا ماما تعدي اليوم على خير،ولا إنتِ عاوزة تنكدي على عموري حبيبك في يوم زي ده
قال كلمـ.ـا.ته التوسلية وابتعد ليراقب ردة فعلها وجدها تتنفس بضيق وهي تكظم غيظها بصعوبة لأجل نجلها لتمد إيثار يدها من جديد للمصافحة قائلة بابتسامة هادئة:
-صباح الخير يا ماما
-إسمي "ستهم"...نطقتها باستعلاء لتكمل وهي تضع كف يدها بخاصتها:
-من هنا ورايح تقولي لي يا" ستهم" زيك زي ياسمين ومروة
-حاضر... نطقتها باستحياء وخجل لتهتف الاخرى بتجبر:
-حاضر يا إيه؟!
ابتلعت ريقها وتمنت لو بإمكانها الإختفاء من أمام تلك المتجبرة لتقول برضوخ:
-حاضر يا" ستهم"
ابتسمت بتجبر لتأمرها:
-إدخلي إتفرجي على المطبخ مع سلايفك على ما عمرو يشرب الشاي مع الحاج وأخواته
نظرت تطالعه باستنجاد ليطمأنها بعيناه فانسحبت تجاور نسرين ومروة وما أن ولجوا للمطبخ حتى تنفسا بصوتٍ عالي وكأنهما كانتا تكظمان أنفاسهم،تحدثت مروة بطمأنينة:
-متزعليش من ستهم، هي تبان تخوف وترعـ.ـب...نطقتها بملامح وجه مرتعبة لتنتفض مصححة حديثها خشية من أن يتسمع عليها أحد:
-بس طول ما انتِ بتسمعي كلامها وتنفذيه بالحرف مش هتشوفك أصلاً
-أما بقى...قالتها بوجهٍ لا يبشر بخيرٍ لتقطع حديثها ياسمين التي هدرت بها:
-مخلاص يا مروة، إنتِ هتخوفيها من أولها ليه؟
-أنا بوعيها علشان متقعش في اللي وقعنا فيه قبلها... قالتها مروة بصدقٍ تحت ارتعاش جسد إيثار التي تيقنت من دخولها لمنزل الاشباح ،سحبتها ياسمين من رسغها لتجلسها فوق مقعدًا وتقابلها الجلوس حول الطاولة المستديرة المتواجدة بالمنتصف وهي تقول بتوعية:
-بصي يا إيثار، أهم حاجة مـ.ـا.تحاوليش تقربي من أي قاعدة بتجمعها بجوزها وولادها، زي ما شوفتيها من شوية كدة وهي بتطردنا بصنعة لطافة
بتطردنا؟!...قالتها بملامح وجه مزبهلة لتهتف الاخرى ساخرة:
-لهو انتِ كنتي فاكرة إنها عاوزة تفرجك على المطبخ بجد؟!
قطبت إيثار جبينها بعدm استيعاب لتقول مروة بصوتٍ ساخر وهي تدق بيدها على الطاولة:
-دي من النهاردة هتكون قعدتك، مكانك في البيت ده هو المطبخ،هتقومي كل يوم من الساعة ثمانية الصبح، تنزلي على هنا، هنجهز فطار للرجـ.ـا.لة وستهم وبعدها نغسل المواعين ونبتدي نجهز للغدا لحد ما الرجـ.ـا.لة تيجي ونغرف لهم ونطلع الاكل بنفسنا، ممنوع اي خدامة تبص ولا تشوف الأكل ولا تدخل المطبخ من أصله، هي مبتحبش حد غريب يبص في أكل عيالها، الخدامـ.ـا.ت هنا للمسيح والتنضيف والخبيز وزريبة البهاييم وبس، أما المطبخ ده مكان متحرم علي أي حد خارج أهل البيت
قالتها مروة بتذكير لتكمل الوصايا السبع:
-المهم،الرجـ.ـا.لة وستهم بياكلوا في أوضة السُفرة
كانت تستمع لكلتاهما بفاهٍ فاغر وعينين متسعتين بذهول لتسألها مستفسرة:
-طب وإحنا؟
انتقلت ببصرها سريعًا ليد مروة التي صدحت بدقها فوق الطاولة لتقول بسخطٍ مفتعل:
-إنتِ فهمك بطيء يا بت يا إيثار ولا إيه،أنا مش لسة قايلالك إن مكانك في البيت هنا
دب الرعـ.ـب بأوصالها ليقطع انتباهها لكلتا العجيبتين دخول عمرو الذي انتشلها صوته الحنون حين قال:
-يلا يا إيثار علشان نطلع شقتنا
التفت إليه سريعًا لتهب واقفة وبلمح البصر كانت تتشبث بذراعه كطفلة ليطالعها قائلاً بتوجس:
-إنتِ كويسة
اكتفت بهزة سريعة من رأسها ليمط شفتيه للأمام وتحرك مصطحبًا إياها لخارج المطبخ، نظرت مروة إلى ياسمين لتقول بنبرة ساخرة:
-البت شكلها اتصـ.ـد.مت
تنهدت ياسمين لترجع بظهرها للخلف وهي تقول:
-دي اللي هتدوقه على إيدين ستهم هيخليها تمشي تتلفت حوالين نفسها زي المـ.ـجـ.ـنو.نة،دي خدت منها ننوس عينها،ده غير إنها مكنتش موافقة على دخولها البيت من أصله
-يلا، نصيبها كده...قالتها مروة وهي تتناول كوب الشاي الموضوع أمامها لترتشف منه.
صعدت بجانب عمرو وما أن خطت لمسكنها حتى باغتها بجذبه لخصرها ليقربها منه قائلاً وهو ينظر لشفتاها باشتهاء:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا قلبي
ابتسمت بتيهة ليسألها متعجبًا:
-مالك يا حبيبتي؟!
نظرت إليه بتعمق قبل أن تنطق بـ.ـارتباك:
-مامتك شكلها صعبة قوي يا عمرو
-هي تبان صعبة بس صدقيني قلبها أبيض وطيبة...نطقها مفسرًا ليسترسل وهو يقطف قبلة سريعة من شفتيها:
-وبعدين إنتِ بالذات متخافيش، ده انتِ مرات الغالي عند ستهم، ومحدش يقدر يمسك بكلمة طول ما أنا جنبك
ابتسمت بخفوت ثم باغتته بسؤالها:
-هو أنتوا صحيح الرجـ.ـا.لة بتاكل لوحدها والستات في المطبخ؟
هز رأسه بإيجاب ليقول سريعًا كي لا يحـ.ـز.نها:
-مش عاوزك تقلقي من النقطة دي،أنا خلاص مبقتش قادر أستغنى عنك، دول الخمس دقايق اللي قعدتهم تحت من غيرك كنت هتجنن فيهم
واستطرد ليطمأنها:
-انا هكلم ماما وهخليها تغير الوضع ده
لف يداه حول خصرها ليجذبها إليه أكثر وهو يقول بافتخار:
-البرنسيسة إيثار مكانها عمره ما هيبقى المطبخ، البرنسيسة إيثار مكانها جوة قلبي وتاج على راسي
زادت ابتسامتها لتجعل من وجهها مثيرًا تنهد بعشقٍ ليحملها ويتجه بها سريعًا صوب غرفتهما ليغوصا معًا من جديد داخل بحر عسليهما
«عودة للحاضر»
استفاق من خياله وبات يتطلع من حوله على تلك الغرفة ذاتها التي شهدت على أسعد وأجمل لحظاته وأيامه التي عاشها معها ليهبط ببصرهِ إلى قطعة روحها الغالية والغافي بين أحضانه،مال بشفتاه يلثم وجنته الرقيقة وهو يشتم رائحة جلده الذكية التي تذكرهُ برائحة محبوبته العطرة، تنهد بألم ينهش بقلبه ليحاول غلق عينيه لينال قسطٍ ولو بسيطًا كي يستيقظ مبكرًا لإكمال يومه من بدايته مع صغيره الغالي
__________________
صباحًا
انتهت من صلاة ركعتي الصباح ووقفت تلملم سجادة الصلاة ثم شرعت في ارتداء ثيابها العملية إستعدادًا لذهابها للشركة،صدح صوت هاتفها الجوال لتنتبه عليه، ضغطت زر الإجابة بعدmا وجدت رقمًا غير مسجل لاعتقادها أنهُ أحد العملاء الخاص بالعمل، فوجئت بصوته الحاد وهو يقول بنبرة ساخطة:
-يا رب تكوني مرتاحة بخراب بيتنا يا بنت أبويا
زفرت بضيق واستغفرت ربها طالبة منه العون على تحملها لكل تلك الاحداث التي تتعرض لها حدثًا تلو الأخر، لتقول بصوتٍ يائس:
-إتفضل كمل، أنا سمعاك
لتستطرد باستسلام:
-قول لي قد إيه أنا إنسانة بشعة وخربت لكم حياتكم ودmرتها، قولي إنكم من غير وجودي كانت حياتكم هتبقى وردي، وإني شؤم عليكم ووجودي مجبش معاه غير الخراب زي ما ماما دايمًا بتقول
-إنتِ بتتريقي، طب إيه رأيك إن كلام أمك كله طلع صح، لما الحاج نصر يلغي شغل بينا أنا والمسكين وجدي بسببك، ده تسميه إيه؟
واسترسل مستنزفًا لمشاعرها:
- أنا ووجدي كان هيطلع لنا مبلغ من ورا الشغلانة دي يعيشنا مستورين إحنا وعيالنا وأبوكِ الغلبان
توقف ليكمل متهكمًا ليقحمها بدائرة الشعور بالذنب:
-لكن إزاي ده يحصل وإيثار موجودة، وكأن لعنتك على رأي أمك لازم تطول الكل
باغتته بسؤالاً متهكمًا:
-وإيثار بقى دخلها إيه في الموضوع ده يا عزيز؟
ولا يكونش أنا اللي روحت قولت لنصر يلغي الشغل اللي بينكم وأنا معرفش!
-الحاج نصر حط شرط رجوعك لجوزك قصاد شغلنا معاه يا بنت أبويا...نطقها بصوتٍ ضعيف كي يستجدي تعاطفها ورضوخها لكنها باغتته بصوتها المعترض الحاد:
-أولاً أسمه طليقي مش جوزي
واستطردت بريبة:
-نيجي بقى للسؤال الاهم يا عزيز، شغل إيه ده اللي جمعك إنتَ و وجدي بنصر، أكيد شُغل شمال ومش قانوني، مهو اللي اسمه نصر جمع ثروته دي كلها من الشغل الشمال، وان شاء الله نهايته هتكون أسود من قلبه
كان يستمع لحديثها قابضًا على كف يده بقوة من جراء غيظه، لم يدري لما دائمًا حديثها ورؤيتها يثيرا حفيظته،لكنه الأن مجبرًا على مجاراتها بالحديث اللين كما نصحته نسرين، ليقول بنبرة حاول جاهدًا بخروجها هادئة كي لا يثير غضبها ويستدعى تمردها المعتاد:
-إسمعيني يا بنت أبويا،أنا لأخر مرة بكلمك بالحسنى وعامل خاطر للدm اللي بينا
كانت تستمع له بابتسامة ساخرة مغلفة بالألم ليستطرد هو بتهديدٍ خفي:
-بعد كده متلوميش غير نفسك لأنك هتكوني السبب في أي حاجة تحصل لك إنتِ أو إبنك
ضحكت لتقول ساخرة:
-من ناحية إبني وده اللي يهمني في الموضوع كله فأنا مطمنة جداً،لاني متأكدة إنك أعقل من إنك تعادي نصر البنهاوي وتأذي حفيده
-ومين قال لك إني هأذيه ولا هتحرك خطوة واحدة من غير عِلم نصر...ضيقت عينيها لعدm استيعاب لحديثه المبهم ليسترسل بدهاء بما دب الرعـ.ـب بأوصالها:
-أنا كل اللي هعمله هخلي المحامي يقدm للمحكمة طلب ضم حضانة يوسف لجدته منيرة حسب القانون ما بيقول
ابتلعت لعابها رُعبًا ليستطرد هو بخطة شيطانية قد حبكها بمخيلته بعدmا لجيء إلى محامي ببلدتهم للاستعلام عن تفاصيل القضية لتهديدها:
-مش بردوا القانون بيقول إن الأم لما تبقى شغالة وطول اليوم برة البيت ومهملة في تربية إبنها اللي يدوب كمل ست سنين، الحضانة بتتنقل لجدته؟
واستطرد بابتسامة خبيثة:
-وبكده الحاج نصر مش بس هيرجع لاتفاقنا القديم معاه، ده احتمال يديني قد اللي كان هيدهوني تلات او أربع مرات، ويشكرني أني رجعت له حفيده في حـ.ـضـ.ـنه وفي وسط بلده وعزوته والراجـ.ـل مش عاوز أكثر من كده
نطقت بصوتٍ جاهدت بظهورهُ متزنًا:
-مـ.ـا.تلعبش معايا اللعبة القذرة دي لأنك عارف كويس إني هقدm للمحكمة الأوراق اللي تثبت إن حالة جدته المادية لا تسمح لتربيته،ده غير إني موفرة لإبني مرافقة قاعدة معاه طول الوقت اللي بغيبه عنه في شغلي
-تفتكري إن الحاج نصر هتعدي عليه حاجة زي كده؟...نطقها ليرهبها لتسأله مستفهمة:
-تقصد إيه؟
ابتسم بخبثٍ بعدmا تيقن بـ.ـارتعابها من جراء نبرة صوتها المهتزة:
-أقصد إنه عنده استعداد يهد لنا البيت ويبني مكانة قصر علشان لما المحكمة تبعت مندوبها تلاقي كل حاجة تمام،وكل ده لجل عيون الحفيد إبن الغالي...نطق الاخيرة بابتسامة شامتة لتصرخ هي بكامل صوتها بعدmا فقدت السيطرة على ثباتها:
-طب إسمعني كويس قوي يا عزيز علشان كلامي مش هعيده تاني، مـ.ـا.تحاولش تتحداني وتأذيني في ابني، علشان اللي هيقرب من ابني هنهش لحمه بسناني، حتى لو كان غانم الجوهري بنفسه، إلا ابني يا عزيز، إلا يوسف
ضحك ساخرًا لتهتف هي بقوة مصدرها مؤازرة أيمن الدائمة لها:
-وبلاش تتسند قوي على نصر لأنه جنب الناس اللي ورايا حيطة مايلة هتاخدك وتقع، واظن إنتَ شوفت بنفسك اللي حصل مع ابنه،نصر بجلالة قدره مقدرش يسد قدام الناس اللي سانديني، فبلاش إنتَ كمان تقف قصادي علشان إيثار الغلبانة بتاعة زمان مبقاش ليها وجود، واللي هيقرب من ابني همحيه من الوجود، إنتَ سامع
-ده أنتِ فجرتي ومبقاش هامك حد،إنتِ إزاي يا بت تكلمي أخوكِ الكبير بالطريقة دي... نطقها بغضبٍ عارم لتهتف ساخطة:
-وعاوزني أكلمك إزاي وإنتَ بتهددني بابني ومستقوي بالناس اللي قهروني وظلموني
لتسترسل بصوتٍ يئن ألمًا:
-الأخ الكبير يعني الحماية والسند، يعني الحـ.ـضـ.ـن الحنين لما الدنيا تضيق، إنتَ بقى فين من كل ده يا عزيز، إنتَ لا عمرك كنت سند ولا حماية، ولا عمري دوقت لحـ.ـضـ.ـنك طعم
لتستطرد بألم ينهش بداخلها:
-علشان خاطر ربنا سيبني في حالي يا عزيز،أنا مش عاوزة منكم أي حاجة غير إنكم تسيبوني أعيش مع ابني في سلام
-تبقى بتحلمي لو فكرتي اني ممكن اسيبك قاعدة لوحدك في مصر بعد النهاردة، دي الناس كلت وشنا...نطقها بحنقٍ لترد عليه بنبرة متألمة لتذكرها لماضيها الأليم وإجبـ.ـارها على الهجرة للقاهرة:
-بيتهيء لي إنتَ أخر واحد يحق له الكلام في الموضوع ده، ولا نسيت أنا سيبت بيت أبويا وخدت إبني على كتفي وجيت القاهرة ليه، نسيت اللي عملته فيا إنتَ وأمك ومراتك واخواتك يا عزيز؟
واستطردت بدmـ.ـو.عها الحارة بعدmا فقدت السيطرة عليها:
-ده انا شفت ذل على إديكم أنا وابني عمري ما هنساه وهيفضل معلم في قلبي لحد ما أقابل وجه كريم،وساعتها هشتكيكم كلكم قدام ربنا،هقوله على كل اللي عملتوه فيا،هحكي له على الايام اللي كنت بباتها ودmـ.ـو.عي على خدي وحاسة بالعجز وأنا مش لاقية أجيب لابني علبة زبادي ولا واحدة بامبرز،وكل ده علشان تضيقوا العيشة عليا وتجبروني أرجع مذلولة لعمرو بعد اللي عمله فيا
شهقت بدmـ.ـو.عها ليخرج صوتها مستسلمًا:
-أخ كبير إيه اللي بتتكلم عنه،سيبوني في حالي بقى وانسوني،وكفاية اللي حصل لي على اديكم،إتقوا ربنا وروحوا جهزوا نفسكم وشوفوا هتقفوا قدامه وتبرروا اللي عملتوه فيا بإيه
كانت تتحدث ودmـ.ـو.عها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وهي ترى ما عاشته بالماضي يتجسد أمام أعينها وكأنها تعيشه مجددًا حتى أنها تشعر الأن بمرارته بحلقها
وكأن ما يستمع إليه من صرخاتٍ وأنين ودmـ.ـو.ع ما هو إلا مشهد مسرحي إعتاد على رؤيته وسماعه ليهتف مهددًا متجاهلاً ما تفوهت به:
-قدامك يومين تلاتة بالكثير تظبطي فيهم امورك،تمشي الولية البومة اللي عندك دي وتسيبي الشغل،وبعدها تتصلي بيا علشان اجي اخدك،غير كده تستني أبواب جهنم اللي هتتفتح في وشك مني
قال كلمـ.ـا.ته التهديدية وأغلق بوجهها دون أن ينبس ببنت شفة ليتركها بو.جـ.ـعٍ جديد يضاف لأوجاعها.
_____________________
داخل قصر علام زين الدين
التف الجميع حول طاولة الطعام ليتناولون إفطارهم قبل إتجاه كلاً منهم لوجهته،وجه والده سؤالاً مستفسرًا:
-ما قولتليش يا فؤاد،عملت إيه في موضوع قضية أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز؟
تناول قطعة الجُبن المعلقة بشوكته ليمضغها بهدوء وهو يجيب أبيه برزانة:
-إتفقت معاهم الإتنين وموافقين من حيث المبدأ،وبكرة هنتقابل في فندق ونتمم الموضوع، وبعدها الإتنين هيسحبوا البلاغات اللي مقدmينها في بعض ويتم التصالح في محضر رسمي عندي في النيابة
-لو الموضوع ده تم على خير، هيبقى نقطة قوة تضاف في سجلك يا سيادة المستشار... نطقها والدهُ بتباهي ليرد الأخر وهو يهز رأسه بلامبالاة:
-مافكرتش في كده خالص يا باشا،أنا عملت الموضوع خالص لوجه الله أولاً ثم لـ أيمن وصلاح،لأن الإتنين محترمين ومايستحقوش بحور الدm اللي كانوا هيغرقوا فيها هما واولادهم
ليسترسل وهو يطالعهُ بنظرة صادقة:
-ربنا عالم إني مش مستني منه أي تقدير أو منصب
كان يستمع لنجله بافتخار لينطق باشادة واستحسان:
-إنتَ مثال محترم للموظف المسؤل يا سيادة المستشار،مثال مُشرف يحتذى به
ابتسامة خافتة خرجت من جانب ثغره ليقول مثنيًا على أبيه:
-أنا ماشي على خطى جنابك يا معالي المستشار
-ربنا يحميك يا حبيبي،أنا حقيقي فخورة بيك...جملة حنون نطقت بها عصمت ليلتفت يناظرها وقبل أن يغمرها بكلمـ.ـا.ته اللطيفة قاطعه ولوج العاملة لتقول بنبرة مرتجفة:
-حارس الأمن بيقول إن فيه ضيفة واقفة على البوابة وطالبة تقابل سعادتك يا فؤاد باشا
كان يمضغ طعامه ليتوقف سائلاً باستفسار:
-ضيفة!
ثم التف ليناظرها باستفهام:
-مين الضيفة دي يا سعاد؟
وقفت تفرق كفيها ببعضيهما ويبدوا على وجهها الإرتياب ليهتف هو بحدة بعدmا استشعر من تلبكها شخص الضيفة:
-ما تنطقي؟!
ارتعبت أوصالها لينتفض جـ.ـسدها من جراء حدة صوته ثم ابتلعت لعابها وهي تقول بـ.ـارتياب:
-"فايزة" هانم والدة مدام "نجلا"
ما ان نطقت باسمها حتى احتدت ملامحه وشعر بنارٍ شاعلة اقتحمت جـ.ـسده بدون رحمةليتحول بياض عينيه إلى أحمر مشتعل يوحي لمدى الغضب الذي داهم كيانه بالكامل ليحول روحه لحمم بركانية،انتفض جسد كلاً من عصمت وفريال اللتان تبادلتا نظرات الرعـ.ـب الممزوجة بالألم وهما ينظران لغاليهم ليهتف علام بنبرة حازمة:
-إطلعي قولي للحرس يمشوها من هنا حالاً
تجمدت ملامحه ليزيح مقعده للخلف بحدة وينطق بنبرة صارمة:
-أنا طالع لها
هبت عصمت منتفضة من جلستها لتلحق بنجلها ممسكة برسغه بقوة وهي تقول بترجي:
-بلاش يا فؤاد،دي صفحة سودة ومصدقنا قفلناها
هبت فريال لتهتف بغضب:
-دي ست معندهاش ريحة الدm،هي لسة ليها عين تيجي لحد هنا بعد اللي بنتها عملته
واستطردت بحدة وغضبٍ عارم ظهر فوق ملامحها وهي تهم بالخروج:
-أنا اللي هخرج لها وأعرفها مقامها كويس
-فريااااال...نطقها فؤاد وغضب العالم قد تجمع بملامحه الحادة ليسترسل بنظراتٍ ساخطة:
-محدش هيخرج لها غيري، ده موضوعي وأنا كفيل إني أحله
اقترب ماجد من زوجته ليمنعها من الخروج كي لا تستدعي غضب فؤاد عليها قائلاً بعقلانية:
-إسمعي كلام سيادة المستشار وأقعدي مكانك يا فريال
أما علام فكان منكس الرأس تحولت ملامحه لمتألمه لشعوره بما أصاب نجله الوحيد بعد سماعه لاسم تلك الحقيرة، خرج صوته جادًا وهو يقول دون أن يحيل نظره عن صحن طعامه:
-كل واحدة فيكم ترجع لمكانها وزي ما فؤاد قال،الموضوع هو اللي هيخلصه
ألقى نظره امتنان لوالده قبل ان ينطلق كاسدٍ جريح بطريقه للإنقضاض على فريسته،من يرى غضبه يتيقن بأنهُ سيحرق الاخضر واليابس وكل من يقع فى طريقه فهو هالك لا محالة
خرج صوت عصمت بوهنٍ وهي تقول بقلبٍ يدmي لأجل صغيرها:
-جاية ليه بعد السنين دي كلها، مش كفاية اللي عملوه في إبني
-إهدي يا عصمت أرجوك... جملة حنون نطق بها علام وهو يربط على كف زوجته الموضوع على الطاولة لتنهمر دmـ.ـو.عها فوق وجنتيها بغزارة
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب بعدmا اقترب من البوابة الخارجية للقصر ليجد تلك السيدة الأنيقة وهي تقف بجانب سيارتها الحديثة لتقترب عليه وهي تقول بنبرة خجلة:
-إزيك يا فؤاد
-إسمي سيادة المستشار ده أولاً...نطقها بجدة لتقسو نبراته مع هذا الڠضب العظيم الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها مستطردًا باحتقار:
-ثانيًا وده الأهم،إنتِ جاية هنا ليه،أنا مش نبهت عليكِ قبل كدة إن الفيلا دي متخطيهاش برجلك لا أنتِ ولا أي حد من طرفكم؟
أطرقت برأسها لتقول بحـ.ـز.نٍ:
-معنديش حد غيرك ألجيء له،بنتي تعبانة يا سيادة المستشار
لتستطرد بتذليل:
-أرجوك إرحمها
اقترب أكثر منها ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً بسخرية:
-أرحمها،وهي ليه مارحمتنيش وفكرت فيا قبل ما تعرضني لفـ.ـضـ.ـيحة كانت هتقضي على مستقبلي النيابي لولا ستر ربنا
نظرت إليه لتقول بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم به قدر الإمكان:
-كانت طايشة وغلطت وخدت جزائها بحبسها سنتين بحالهم،أرجوك كفاية لحد كدة،نجلا مش حمل مرمطة السجون أكتر من كدة، مش هتقدر تتحمل الخمس سنين التانيين
احتدت ملامحه لتمتليء بالقسوة وهو يصـ.ـر.خ هادرًا:
-ما تنطقيش إسمها قدامي تاني
ارجوك يا ابني تقف جنبها،المحامي قال لي إنه ممكن يقدm طعن بس لو إنتَ عدلت من شهادتك في القضية
إنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة يا ست إنتِ، إنتِ عاوزاني اخالف ضميري المهني واهز صورتي وانا بغير شهادتي علشان واحدة حقيرة زي بنتك... نطقها بنظرات احتقارية لتهتف بتذلل:
-وحياة أغلى ما عندك تساعدها، إفتكر لها الايام السعيدة اللي كانت بينكم
احتدت ملامحه ليجتمع بعينيه غضبًا جحيميًا لو خرج لدmر العالم بأكمل،ليهتف وهو يرمقها بسخطٍ قائلاً:
-أنا مفيش بيني وبين بنتك غير كل غدر وخسة وخيانة،احترمتها وعملتها بني أدmة وملقتش منها غير الخيانة اللي بتجري في دmها
عاد للخلف بخطواتٍ واسعة ليقول بنبرة صارمة وهو ينظر إلى طاقم الحراسة:
-الست دي لو جت هنا تاني تطلبوا لها البوليس، مفهوم
نطق كلمـ.ـا.ته وتحرك للداخل بعدmا رمقها بنظراتٍ يملؤها الحقد والاحتقار لتصرخ هي بصوتٍ متألم:
-ارجوك ترحم بنتي يا فؤاد، أرجوك ترحمها
توقف متسمرًا بمنتصف الحديقة حين عادت به الذاكرة قبل سنتين من الأن ليهز رأسه نافضًا تلك الصرخات المتوسلة له ، بعدmا تحدث القاضي داخل قاعة المحاكمة وهو يقول بحزمٍ:
-حكمت المحكمة على المتهمة "نجلا جلال السيد منير" بالسجن لمدة سبع سنوات مع الشغل والنفاذ.
إنتهى الفصل
↚
هل سبق وتذوقت طعم السُكر المُر من ذي قبل؟!
دعني لا أخفيك سرًا وأخبرك عن خيبتي لا قصتي
نعم خيبتي،فلعلّ أكثر الأمور إيلامًا على الإطـ.ـلا.ق أن تضع ثقتك الكاملة بأحدهم لتكتشف لاحقًا أنّه لم يكن سوى خائن،ولم تكن أنتَ سوى غافل،عندها ستشعر وكأن عالمك ينهار تحت قدmيكَ وبأن حياتك التي طالما رأيتها رائعة،لم تكن أكثر من إكذُوبة.
«فؤاد علام زين الدين»
بقلمي«روز أمين»
عاد بذاكرته لما قبل عامين من وقتنا الحالي
في تمام الساعة السابعة صباحًا داخل الجناح الخاص بـ فؤاد علام وزوجته نجلا، خرج من الحمام المُلحق بغرفة النوم يلف خصرهُ بمنشفةٍ كبيرة وقطرات الماء تتساقط من شعر رأسهِ لتسيل فوق صـ.ـدره العـ.ـاري،اتجه صوب غرفة تبديل الملابس وبعد عدة دقائق كان قد إنتهى من ارتداء جميع ثيابه ليتحرك نحو غرفة النوم قاصدًا مرأة الزينة حيث وقف يتطلع على حاله ليضع ربطة عنقه حول ياقة القميص دون عقدها، تناول ساعة يده وارتداها ثم صفف شعره بعناية فائقة، وما أن تناول زجاجة عطره الفرنسي استعدادًا لنثر عنقه حتى تبسم عنـ.ـد.ما رأى تلك الجميلة المتسطحة فوق الفراش تتمطيء بتكاسل وهي تقول بصوتٍ ناعم:
-صباح الخير يا حبيبي
-صباح النور... نطقها بابتسامة وهو يتأمل بعيناه تلك الشقراء وجمالها الساحر وهي تنفض عنها الغطاء كاشفة عن ثوب نومها الرقيق وجـ.ـسدها الانثوي لتنزل متحركة صوبه حتى وقفت خلفه وأحاطت خصـ.ـره بذراعيها لتميل برأسها تسندها على كتفه وهي تتطلع على انعكاس صورتهما معًا لتتنهد بإغراء،استدار بوجهه تجاهها قليلاً ليضع قُبـ.ـلة رقيقة بجانب شـ.ـفتيها استقبلتها بسعادة وتشـ.ـديد من ذراعيها حول خصـ.ـره وهي تقول بدلال:
-حبيبي زي القمر
ابتسم بخفوت ليجيبها بثباتٍ بعدmا عاد ببصره للأمام يتطلع لانعكاس صورته وهو يعقد ربطة عنقه بتمرس:
-فيه راجـ.ـل بردوا يتقال له زي القمر؟!
تدللت أكثر وهي تقول:
-أيوه حبيبي زي القمر،وده مجنني ومخليني دايمًا قلقانة لتيجي واحدة وتخـ.ـطـ.ـفك مني
ضحك برجولة واستدار بجـ.ـسده بعدmا انتهى من نثر عطره ليحتويها بذراعيه وهو يقول:
-بيتهيء لي أنك واثقة فيا وعارفة كويس إني راجـ.ـل محترم وإن الستات مش سكتي
صمت ليغمز بعينيه متابعًا:
-ثم أنا إيه اللي هيخليني أبص بره وأنا متجوز برنسيس
هذا ما كانت تنتظر سماعه منه لترتفع قامتها للأعلى وهي تلف ذراعيها حول عنـ.ـقه وتجيبه بكبرياءٍ وتعالي:
-مهو علشان السبب ده بالذات أنا قلقانة
رفع حاجبه الأيسر لعدm فهمه لجملتها لتسترسل هي بإبانة:
-فيه نوع من الستات بتحب تحط عينها على الرجـ.ـا.لة المتجوزين من برنسيسات زيي كده،وتحاول توقعه علشان تثبت لنفسها تفوقها وإنها ست بجد، وكل ما الست كانت أجمل وأرقى كان التحدي والرهان على جوزها أكبر،بالبلدي كده الصيدة لازم تبقى صعبة علشان تحس إنها عملت إنجاز
1
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه بعدm استيعاب قائلاً:
-بس النوعية اللي بتتكلمي عنها دي مش ستات يا حبيبتي، دول بنات شوارع وعيب يتقال عليهم ستات
صمت قليلاً ثم قطّب ما بين عينيه ليقول بنبرة مستغربة:
-ثم أنتِ إيه عرفك بالحوارات دي أساسًا؟!
ابتعدت عنه لتستدير موالية ظهرها وهي تقول بلامبالاة:
-قعدات شلة ستات النادي بتجيب لك الجديد من الأخبـ.ـار لحد عندك
ابتسم ساخرًا وهو يرد عليها متهكمًا:
-قصدك شلة النميمة
ضحكت ليتحرك هو نحو الطاولة يلتقط حقيبته المليئة بأوراقه الخاصة بعمله، فهو معتاد على جلب أوراق القضايا الهامة معه ليدرسها جيدًا بعقلٍ حكيم وذهنٍ صافي بعيدًا عن ضوضاء العمل،اقتربت عليه تحرك أصابع يدها فوق صدره وهي تعبث بزرائر قميصه بدلال:
-بقول لك إيه يا فؤاد، كنت محتاجة منك مبلغ أشتري بيه شوية حاجات نقصاني
قطب جبينه ليطالعها متعجبًا:
-أنا مش لسة محول لك مصروفك الشهري على الكريدت من يومين؟!
ابتعدت لتقول بلامبالاة وهي تدور حول نفسها وتنظر للاسفل:
-صرفته يا فؤاد،وبعدين هي العشرين ألف جنية اللي بتحولها لي كل شهر دي فلوس؟!
-العشرين ألف جنية اللي مش عاجبينك دول فيه شباب بيفتحوا بيهم مشاريع وبيبدأو مسيرة حياتهم...نطقها باستياء لتقول بكبرياء وهي ترفع عنقها للأعلى:
-أنا مرات فؤاد علام إبن الملياردير علام زين الدين، ولازم مصروف إيدي يتناسب مع وضع وحجم ثروتكم
اجابها بملامح وجه ثابتة ترجع لصعوبة تأثره ودرجة ثباته الإنفعالي العالية:
-لو كلنا مشينا بالمنطق بتاعك ده كنا فلسنا من سنين
ليستطرد بإبانة:
- بابا وعمي ورثوا الشركة والمصنعين والأراضي من جدي الله يرحمه،وبما إن بابا اتجه لدخولة في عالم النيابة فكان مضطر يسلم كل حاجة لعمي عبدالله،والحق يقال،عمي كان أهل ثقة وبدل الشركة بقت ثلاثة والمصنعين بقوا سلسلة مصانع أولاد الزين، وبابا طول السنين دي بياخد ارباح مهولة وبدل ما يركنهم في البنوك استغلهم وشغلهم في مشاريع تانية بتديرها ناس أهل خبرة وثقة، ومع ذلك عشنا زي أي حد
رمقها بنظرة لائمة ليستطرد:
- لو ماما فكرت بعقليتك كان زمانا عايشين على مرتباتنا من النيابة ويدوب مكفيانا أكل
نكست رأسها للأسفل لترتسم علامـ.ـا.ت الحـ.ـز.ن والخزلان فوق ملامحها،أخذ نفسًا عميقًا ليزفره بهدوء كي يحافظ على ثباته الإنفعالي وتوجه إليها ليرفع ذقنها مجبرًا إياها على النظر لعينيه،وهم متحدثًا بنبرة هادئة:
-إوعي تفكري إني بحاول أتحكم فيكِ أو إني قاصد أحرمك من حاجة إنتِ عوزاها، بس إنتِ بجد زودتيها يا نجلا، مصاريفك بتعلى كل شهر عن اللي قبله،وده غلط، لازم يبقى لك سقف للمصاريف وتجبري نفسك على الالتزام بيها،لازم نروض نفسنا ونأدبها يا حبيبتي علشان ما تفجرش
-كل حاجة سعرها ارتفع الضعف يا فؤاد،ولو مش مصدقني إسأل،أنا مرات المستشار فؤاد علام ولبسي واكسسواراتي لازم تكون متجددة دايمًا، كل أصحابي ما بيكرروش الفستان ولا الاكسسوار مرتين...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة ووجهٍ عابس ليرد عليها مستاءًا:
-هو بعيدًا عن إنه تبذير وحـ.ـر.ام وإن ربنا هيحاسبهم على كده،بس منين بيجيبوا فلوس لكل ده؟!
أجابته بتفاخر:
-كلهم متجوزين رجـ.ـال أعمال،وعلى فكرة، محدش فيهم عنده الثروة اللي عندك إنتَ وبباك
نطقت كلمـ.ـا.تها لتمط شفتيها مع عبوس وجهها وتحركت منسحبة لتجلس على طرف الفراش منكسة الرأس لتشعره بالذنب،بالفعل تحرك إليها بعدmا حـ.ـز.ن لأجلها وتحدث:
-عاوزة كام؟
رفعت رأسها لتطالعه بنظراتٍ منكـ.ـسرة افتعلتها للتأثير عليه حيث قالت بصوتٍ حزين:
-خلاص يا فؤاد مش عاوزة حاجة،أنا هروض نفسي زي ما أنتَ قولت لي
يعلم من داخله بأنها تتدلل كي تستجدي تعاطفه ليهتف قائلاً بتملل:
-إخلصي يا نجلا وقولي عاوزة كام، ورايا شغل ومش فاضي أنا لدلع الستات ده
ابتلعت لعابها لتنطق بصوتٍ خافت وعينين مترقبة:
-عاوزة زيهم
-عشرين ألف جنية! ليه يا نجلا؟... نطقها بذهولٍ لتنهض من مكانها وتستقر بوقوفها أمامه وهي تقول بشفتي ممطوطة للأمام:
-هو أنا ليه حاسة إنك مش واثق فيا يا فؤاد؟
ملس بكف يده على وجنتها الناعمة وهو يقول لمراضاتها بعدmا لمح امتعاض ملامحها:
-مش قصة ثقة يا حبيبتي،أنا لو مش واثق فيكِ وفي تصرفاتك مية في المية مكنتش ربطت إسمي بإسمك من الأساس
طالعته بعتاب ليسترسل بإبانة لوجهة نظره:
-أنا مبحبش التبذير علشان ربنا مايزيلش مننا النعم
زفرت باستسلام ليقول مبتسمًا:
-خلاص متزعليش،هحولهم لك على الكريديت بكرة
1
اتسعت عينيها لتلتمع بوميض اللهفة واقتربت تطبع قُـ.ـبلة فوق وجنته قبل أن تنطق متلهفة:
-عوزاهم النهاردة
قطب جبينه يطالعها مستغربًا لهفتها لتنطق سريعًا وهي تعبثُ من جديد بزرائر قميصه بإيثارة:
-أصل عيد ميلاد نوڤا صاحبتي بعد يومين، واتفقت أنا وهي وباقي صحباتي ننزل النهاردة نجيب فساتين البـ.ـارتي مع بعض
تنهد بقلة حيلة واتجه للخارج حاملاً حقيبته بعدmا وعدها بتحويل المبلغ اليوم وكالعادة غمرته بأحضـ.ـانها المتلهفة، انتظرت عدة دقائق بعدmا تأكدت عبر الشرفة المطلة على الحديقة من خروجه بسيارته من حديقة القصر لتُمسك هاتفها سريعًا وهي تتحدث بنبرة حذرة:
-أيوة يا ملك، أنا اتصرفت خلاص في الفلوس،أكدي لي الحجز ونتقابل هناك الساعة إتنين الظهر
استمعت لتأكيد الطرف الاخر لحديثها لتأخذ نفسًا عميقًا يعبر عن راحتها وتحركت لترتمي فوق الفراش لتعود لغفوتها من جديد بعدmا تمت خطتها بالنجاح
******
في تمام الساعة الحادية عشر، كانت تنزل الدرج بأناقتها المعتادة ورأسها الشامخ لتقابلها والدة زوجها وهي تصعد الدرج بنفس اللحظة لتقول الاخرى بابتسامة زائفة:
-إزي حضرتك يا طنط
-أهلاً يا نجلا...نطقتها بصوتٍ جاد و وقار يرجع لعدm استلطاف تلك الـ نجلا لتستكمل وهي تشملها باستغراب:
-لابسة ومتشيكة ورايحة فين كدة على الصبح؟
نطقت بابتسامة صفراء:
-هقابل صاحباتي في النادي نفطر وبعدها هنعمل شوبنج علشان أشتري شوية حاجات نقصاني
رمقتها بنظراتٍ شاملة لتنطق بضيق ظهر فوق ملامحها العابسة:
-نفسي تفرحيني في مرة وتقولي لي إنك رايحة تشتري لبس للبيبي
شعرت بغضبٍ عارم يجتاح كيانها من تلك السيدة الغليظة التي أصبحت لها بالمرصاد بعدmا انتهت السنة الخامسة منذ زواجها دون إنجابها الحفيد للعائلة،قبل ذلك كانت كثيرة اللُطف بحديثها لكنها مؤخرًا تحولت،جاهدت بالحفاظ على هدوء ملامحها وثباتها الإنفعالي بدلاً من أن تحطم رأس تلك الحمقاء لتقول ومازالت محتفظة ببسمتها المصطنعة:
-أكيد هيحصل في يوم من الأيام يا طنط، ما تستعجليش
عدلت من وضع نظارتها الطبية لتقول وهي ترمقتها باستغراب:
-ليكم خمس سنين متجوزين، عوزاني أستنى إيه أكتر من كدة علشان أشوف حفيد لإبني الوحيد
مطت شفتيها لتهز كتفيها وهي تقول بلامبالاة:
-وانا مالي بالموضوع ده يا طنط، حضرتك بنفسك جيتي معايا للدكتور بدل المرة إتنين، وهو بنفسه أكد لك إن لا أنا ولا فؤاد عندنا أي مشاكل في موضوع الخلفة، وإن تحاليلنا كويسة جداً وطبيعية
لتستطرد وهي تذكرها:
-وإن الموضوع كله مجرد وقت وهيحصل
ضيقت عصمت بين حاجبيها لتسألها بفضول:
-وشك أصفر ليه كده؟
ارتبكت بوقفتها لتجيبها بتهرب:
-إجهاد من عدm كفايتي للنوم
ونكست رأسها تسترسل بزيفٍ:
-وكمان عندي مغص
فهمت عصمت ما تشير إليه لتزفر قائلة بطريقة حادة وهي تصعد الدرج متخطية وقوفها:
-ياريت ترجعي بدري قبل ما جوزك ييجي من الشغل
حاضر يا طنط، باي... نطقتها بضيق لتقلب عينيها بضيق قبل أن تزفر بقوة وتمضي بطريقها للخارج
3
******
عودة للحاضر
بمنزل نصر البنهاوي
جاهد محاولاً فتح عينيه بصعوبة بعدmا استمع لصدوح صوت جرس الباب يصاحبه بعض الطرقات العالية على الباب الخارجي للشقة،شعر بتحريك جـ.ـسد صغيره ليفتح عينيه سريعًا وهو يقول:
-نام يا حبيبي
نظر له الصغير ليغلق عينيه مجددًا بعدmا أهداهُ إبتسامة كانت كفيلة بأن تجعل قلبه يرفرف وتخفف من وطأة ألامه التي باتت مصاحبة له بعد انفصاله عن مالكة الفؤاد،لثـ.ـم وجنته بحنوٍ ليتحرك صوب الباب سريعًا بعد صدح الرنين من جديد، فتح الباب ليجد أمامه سُمية وهي ترمقهُ بنظراتٍ نارية لو خرجت لدmرت كل ما يقابلها ولحولته لـ رمادٍ في الحال،خرج صوته متحشرجًا وهو يطالعها بغضب:
-فيه إيه على الصبح،حاطة إيدك على الجرس ونازلة دوس زي ما أكون مديون ليكِ وجاية تطالبيني
هتفت ليخرج صوتها كـ فحيح أفعى دهس أحدهم على ذيلها:
-لا وإنتَ الصادق، جاية ادور على جوزي اللي واخد إبن ضرتي وقافل عليه شقتها وقاعد يسترجع الماضي الحزين
لتستطرد بنبرة ساخطة لعينين تنطقان حقدًا:
-وناسي إن ليه واحدة ست وعنده بنت محتاجة هي كمان لرعايته زي ابن الهانم اللي بيتعامل معاملة خمس نجوم إذا كان منك ولا من جده وجدته
-وطي صوتك وإنتِ بتتكلمي...نطقها بصوتٍ صارم ليسترسل لإرعابها:
-ولا عوزة ستهم تسمعك وتبقى ليلتك مش معدية
نظرت إليه لتتراجع نبراتها من حادة لذليلة وهي تغير استراتيجياتها لكسب تعاطفه كالمعتاد برغم أنه لم يتأثر به مؤخرًا إلا أنها مازالت ماضية بطريقتها التقليدية:
-إنتَ بتعمل فيا كده ليه يا عمرو، بتعـ.ـا.قبني على إيه، على إني حبيتك ومشفتش في الدنيا راجـ.ـل غيرك؟!
أغمض عينيه يتأفف بوقفته ليقول بنبرة متمللة:
-هو أحنا مش هنخلص من الاسطوانة المشروخة دي بقى، يا بنتي إرحمي نفسك ده أنا تعبت لك
كاد أن يكمل ليبتلع ما بجوفه من حديث بعدmا استمع لصوت صغيره يناديه حيث خرج من الغرفة باحثًا عنه:
-بابي
اشتعل قلبها بنار الغل عنـ.ـد.ما رأت لهفته على الصبي حيث التفت وأسرع متلهفًا بخطى واسعة ليقابله وهو يقول بصوتٍ حنون ليطمئنه:
-أنا هنا يا حبيبي
حمله بعناية بينما تحدث الصبي ببرائة:
-أنا عاوز أخد شاور
هم بالحديث لتباغته وهي تبسط يداها باتجاه الصغير إستعدادًا لحمله لتقول بابتسامة مصطنعة علها تكسب بتصرفها هذا ود عمرو:
-تعالى يا يوسف أنا هحميك
تأوهت على أثر دفعها من قِبل عمرو حيث دفعها للخلف محتضنًا صغيره ليبعدها عنه وكأنها عدوى يخشى على صغيره من لمستها وصاح هو يقول بنبرة حادة لملامح وجه صارمة:
-إوعي تحاولي تلمسي إبني أو تتقربي منه
ليرمقها بسخطٍ هاتفًا بقوة أصابت جـ.ـسدها بالإرتجاف:
-إنتِ فاهمة
طالعته بعينين جاهدت لتترقرق بهما غيمـ.ـا.ت الدmـ.ـو.ع ليهتف هو غير عابئًا بحالتها:
-إقفلي الباب وراكِ وإنتِ خارجة
مثلت نزول دmـ.ـو.عها لتستدير مهرولة للخارج لتصفق الباب خلفها وتتحول ملامحها لحاقدة متوعدة لإيثار وطفلها المدلل الذي وبرغم إبتعاده إلا أنه اختطف سعادتها وحياة إبنتها التي كانت من المنتظر أن تحياها لولا وجود هذا الحفيد المقرب لقلوب العائلة.
أخذ عمرو الصبي وولج به إلى الحمام وبدأ بغمر جـ.ـسده جيدًا داخل الماء وبغسله بالصابون الخاص بالاستحمام،دلل صغيره وعاش معه المشاعر التي يفتقدها بابتعاده عنه،أخرجه من المغطس ليلف جـ.ـسده بالمنشفة الكبيرة حاملاً إياه ليتجه نحو غرفة النوم الخاصة بإيثار، ساعده بـ.ـارتداء ثيابه وصفف له شعره ليبتسم الصغير برضا وهو يقول:
- ممكن بقى ننزل نفطر علشان بعدها أكلم مامي؟
تحمحم ليقول بنبرة متلهفة وهو يتناول هاتف نجله الذي يجلبه معه بكل زيارة لمهاتفة والدته من خلاله كي تطمئن عليه:
-طب إيه رأيك نكلمها الأول وبعدين ننزل نفطر مع بعض في الجنينة أنا وإنتَ وجدو وتيتا
هز يوسف رأسه بموافقة ليضغط عمرو رقمها سريعًا ليأتيه الرد وكأنها كانت تنتظر:
-أيوه يا حبيبي
علت دقات قلبه وتحولت كـدقات طبول حربٍ ولم يشعر إلا بروحه التي سرحت بملكوت صوتها الناعم وهي تنطق بـ حبيبي،كم مضى من السنوات دون إستماعه لتلك الكلمة التي كانت بيومٍ غذاءًا لروحه واليوم أصبحت الترياق وياليته يستطيع الحصول عليه، تحمحم قبل أن ينطق بصوتٍ يفيض بالإشتياق:
-إزيك يا إيثار
اشتعلت روحها وكأن نارًا قد سرت بجميع أوردتها ليتحول صوتها من ناعم لحاقد وهي تصيح بنبرة حادة:
-إديني إبني
1
حاضر،طمنيني بس عليكِ الأول... قالها بصوتٍ خانع لتهتف غاضبة بحدة وصرامة:
-قولت لك إدي التليفون ليوسف
زفرت عزة التي تقابلها الجلوس حول طاولة الطعام حيث كانتا تتناولتان فطوريهما واستغفرت ربها بينما ناول عمرو الهاتف للصغير دون أن ينبس ببنت شفة تجنبًا لاغضابها أكثر ليهتف الصغير مهللًا:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا مامي
تلهف قلبها عند استماعها لنبرات فلذة قلبها الغالي لتهتف بحبورٍ:
-وإنتٓ كمان وحـ.ـشـ.ـتني قوي يا قلب وعقل وروح مامي
انتهى الصغير من محادثة والدته وعزة التي أغرقته بسيلٍ من الكلمـ.ـا.ت المدللة ليسعد قلبه،حمل الصغير وتوجه للأسفل ليجد جميع العائلة جالسون بانتظار الصغير حول الطاولة ولم يجرأ فردًا بلمس الطعام بأمرٍ من نصر مما جعل طلعت يستشيطُ غضبًا من أفعال والده المبالغ بها في دلال الصغير وإعطائه أهمية عظمى،تهلل وجه نصر وتحدث مرحبًا وهو يفتح ذراعيه على مصراعيهما لاستقبال حفيده خفيف الظل والحضور:
-يا صباح الفل يا يوسف باشا
1
تبسم الصغير مبتهجًا ليرتمي بأحضان جده الحانية ليغمره الاخر بقبلاته الحارة والصادقة تحت احتراق قلب سُمية التي لوت فاهها وإِنارت وجه مروة التي شملتها بنظراتٍ شامتة مما زاد اشتعال روح الاخرى حيث رمقتها بنظرة نارية لو خرجت لحولتها لجثة متفحمة في الحال، وضع نصر الصغير فوق ساقيه وأشار للجميع قائلاً بمداعبة لوجنة الصغير:
-الوقت بس تقدروا تاكلوا بعد ما حضرة الظابط يوسف وصل.
2
تعالت ضحكات الصغير لينشرح قلب عمرو وإجلال ويستشيط لها الاخرون حتى الأطفال وهم يرون هذا الدخيل الذي يتمتع بدلال جديهما وله منهما جميع الصلاحيات المحرمة عليهم
جلس عمرو وبدأ نصر بإطعام الصغير بنفسه بكل ما لذ وطاب ليتحدث مدلالاً إياه:
-خلص أكلك علشان نطلع الجنينة واخليك تمسك السـ.ـكينة وتدبـ.ـح بيها الخروف ونشويه على السيخ سوا
جحظت أعين الصغير ليتحدث بـ.ـارتيابٍ وعفوية:
-لا يا جدو مش هينفع أعمل كده،أنا أخاف وكمان مامي منعاني أمسك السـ.ـكينة لانها بتأذي
1
هتفت إجلال التي ما أن استمعت لاسم غريمتها حتى فقدت ثباتها لتقول بصوتٍ حاقد:
-والله ماحد هيتلف أملك ويطلعك خيخة غير المعدولة أمك
نظر لها ولم يفهم ما تتفوه به ليطالعها عمرو بنظرات مُلامة منعتها من تكملة حديثها السام وهي تهز رأسها باستسلام
1
تحدثت إبنة طلعت الكبيرة بتفاخر:
-خليني ادبـ.ـحه أنا يا جدي
هتفت إجلال متهكمة:
-مبقاش اللي البنات كمان اللي هتـ.ـد.بـ.ـح يا بنت طلعت
هتف طلعت غاضبًا:
-ومالهم البنات يا أما،ده أنا مربي بناتي التلاتة اجدع من أي راجـ.ـل
اجابته ساخرة:
-مش بالتربية يا عين أمك، في الأخر إسمهم بنات وأخرهم هيتجوزوا ويخلفوا ولاد يشيلوا إسم راجـ.ـل تاني
3
زفرت ياسمين واستشاط داخلها من تلك الحية الرقطاء التي تبخ سمها بوجوه الجميع ولم يسلم من شر لسانها حتى أقرب الناس لديها،ليجيبها طلعت بنبرة تحمل الكثير من السخط:
-إن كان على الواد هجيبه يا أما،اللي يجيب البت يجيب الواد
وحول بصره لتلك الجالسة بأخر الطاولة تجاور زوجتي شقيقاه حسب أوامر إجلال ليهتف أمراً بقوة:
-من بكرة تروحي لدكتورة الزفت اللي إنتِ متبعاها وتشوفي الحبل إتأخر ليه المرة دي
واستطرد بتهديدٍ صريح لقلبٍ مشتعل:
-وإلا وعزة وجلال الله لاكون متجوز عليكِ اللي تجيب لي الواد
لعنت بسريرتها إجلال وإيثار وطفلها اللعين الذي يحول زوجها لناقم عليها وعلى حاله كلما حضر لزيارتهم،رمقت إجلال هؤلاء النسوة وسبت بسريرتها تلك الـ إيثار التي لعبت بعقل نجلها ليتوسط لهن بأن يحضرن الطعام معهم وبالأخير رضخت مجبرة تحت إصرار مدلل قلبها
بعد مرور حوالي الساعتين، ذَبـ.ـح نصر الشاه بمساعدة أنجاله الثلاث وتحت نظرات الصغير لتأخذ النساء اللحم لتسويته وينسحب كل لوجهته بينما جلس نصر وإجلال بصحبة الصغير بالحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل لاشباع لهفتهما عليه،كان يستقل تلك السيارة التي جلبها له عمرو بذكرى يوم ميلاده وتجاوره شقيقته من أبيه فقلب الصغير يميل لها رغم معاملة سُمية ونظراتها العدائية له، كانت عيناي إجلال تطالعه بحرصٍ وتفاخر لتزفر بقوة وهي تتحدث بنبرة غاضبة:
-هتفضل سايب الواد لبنت منيرة كده كتير يا نصر، يوسف لازم يرجع بيت أبوه ويعيش في عزنا
اغمض عينيه ليقول باستسلام:
-سبيني لحد ما الانتخابات تخلص وبعدين أروق لها
اتسعت عينيها لتقدح بشرارات الغضب وهي تهتف من ببن أسنانها بفحيحٍ كأفعى تتجهز ببخ سمها بعيني فريستها:
-إنتَ عاوزني أستنى ست شهور بحالهم يا نصر، ده أنتَ ناوي تجلطني على كده؟
تنفس بعمق كي يستطيع مجابهة تلك المتجبرة ليقول بإبانة وتعقل لكسبها:
-يا إجلال إفهمي، البت مستقوية بناس كُبـ.ـار حواليها، وأنا مش عاوز شوشرة قبل بداية الإنتخابات، محدش عارف الناس دي بتفكر إزاي وممكن أذاهم يوصل لحد فين
واستطرد مستشهدًا:
- وأظن إنتِ بنفسك شوفتي موضوع عمرو حبكوه إزاي علشان المحضر يتحول للنيابة قبل ما أخد خبر بيه
شـ.ـددت على قبضت يدها حتى ابيضت لتقول من بين أسنانها:
-أه يا ناري لو تطولها إيديا،لربيها من جديد على إيد ستهم
هزت رأسها وهتفت بحقدٍ:
-المركز كله رجـ.ـا.لة وستات محدش فيهم قدر يعمل معايا اللي بنت منيرة عملته،نفسي أبرد ناري من ناحيتها يا نصر،نفسي أذلها وأكـ.ـسرها قدام الناس كلها
وضع كوب القهوة فوق الطاولة ليلتف بجـ.ـسده ناحيتها مربتًا على كفها الموضوع فوق ساقيها وهو يقول متوعدًا:
-إصبري على ما أخلص من موال الإنتخابات وأرتاح،وعد عليا هجيبها لك متكتفة وارميها لك تحت رجليكِ، وساعتها إعملي فيها ما بدا لك
2
تنفست بعمق لتنطق بغلٍ ظهر جليًا بنظراتها:
-هصبر يا نصر مع إن الصبر مش طبعي ولا سكتي، بس هصبر على أمل أنول مرادي في الأخر.
-بعيد عن إنتقامك منها البت لازم ترجع لـ عمرو يا إجلال...نطقها بصوتٍ خافت ليسترسل بخيبة امل كست ملامحه:
-إبنك ما اتصلحش حاله وبقى راجـ.ـل غير لما اتجوزها، ومن يوم ما دخلت بينهم الشيطانة اللي إسمها سُمية والبت اتطلقت، وإبنك رجع أسخم من الاول، الواد تحسيه بقى تايه، دmاغه مش مظبوطة، رجع للشُرب والنـ.ـسوان الزبـ.ـا.لة من تاني، بعد ما ربنا هداه وبعد عن السكة دي وقرفها على ايدين بنت غانم
زفرت بقوة ونكست رأسها بانكسار دلالة على صحة حديثه وعدm راحتها بما وصل له نجلها المدلل من خيبة وإخفاق
******
داخل المطبخ الخاص بمنزل نصر،هتفت سُمية الواقفة أمام موقد الغاز تتابع التقليب بالمعلقة بأحد الأواني الموضوعة على النار:
-الغيرة هتمـ.ـو.تني يا ياسمين،كل ما الواد ييجي يتلكك بيه وياخده ويجري على شقة المحـ.ـروقة اللي إسمها إيثار وميخرجش منها غير لما الواد يمشي
هتفت الاخرى بنبرة حادة:
-ما أنتِ اللي خايبة، قولت لك هاتي لك حتة عيل كُلي عقله بيه وهو ينسى إبن إيثار
احتدت ملامحها لتهتف غاضبة:
-وهو بإيدي إياك،ده أنا ممكن أعد لك الكام مرة اللي قرب لي فيهم من يوم ما كتب عليا،ومعظمهم تم وهو مش في وعيه، مع إني عملت له البدع
لتستطرد بعينين حزينتين:
-فالح يقضيها سرمحة مع النـ.ـسوان الشمال برة وييجي لحدي وكأنه شاف عقربة قدامه.
انتفضت على أثر صوت تلك التي ولجت إلى المطبخ دون أن تشعرا بها وهي تتحدث شامتة:
-يمكن علشان بتفكريه بخيبته التقيلة وبالغالي اللي خسره قصاد الرخيص.
التفت سريعًا لتهتف بصياحٍ ووجهٍ مشتعل ينذر بنشوب حربًا على الابواب:
-إبعدي عني الساعة دي يا مروة أحسن لك، أنا عفاريت الدنيا كلها بتتنطط قدام عنيا، متخلنيش أفش غلي فيكِ
ضحكة خليعة أطلقتها مروة لتستشيط الاخرى ليخرج صوت نسرين يوقف كلتاهما وهي تنهرهما:
-ما تخرسي وتخلي ليلتك تعدي إنتِ وهي،البيت مولع لوحدة متزودوهاش
رمقت مروة بازدراء لتسترسل ناهرة لتلك التي تعشق التصنت عليهما:
-وإنتِ يا ست مروة،مش هتبطلي العادة الزفت اللي فيكِ دي.
اتجهت نحو الطاولة وجذبت المقعد لتجلس وتحدثت ببرودٍ قـ.ـا.تل بعدmا شرعت بتقطيع خضروات السلطة:
-والله محدش قال لكم تقعدوا تنموا في المطبخ وحسكم يجيب أخر البيت،عاوزين تتكلموا في اسرار يبقى في شققكم مش هنا
زفرت ياسمين وعادت لطهي الطعام من جديد مفضلة الصمت أمام كلتا الغـ.ـبـ.ـيتان التي ابتليت بهما ببيت الاشباح هذا.
******
ليلاً
تجلس على مقعدًا مجاور للفراش بحجرتها المظلمة حيث أغلقت الضوء لتحاول تهدأت حالها من التـ.ـو.تر الذي اجتاح كيانها فور مكالمة عزيز التي أشعل بها روحها بالكامل و.جـ.ـعلها تدخل بنوبة من الهلع كلما تذكرت تهديداته الصريحة بأخذ صغيرها من بين أحضـ.ـانها،تشعر بعجزٍ شـ.ـديد وبأن يديها مكبلة، وبلحظة انتفضت لتقف متجهة نحو الكومود لتلتقط هاتفها بعدmا أهتدت لفكرة ستضع بها حدًا لهذا الـ عزيز،بحثت بالأرقام المسجلة إلى أن اهتدت لرقم والدها لتضغط زر الإتصال منتظرة الإجابة ليأتيها صوت أبيها المتلهف:
-إيثار، إزيك يا بنتي
تنفست بهدوء في محاولة لتهدأت حالها كي لا تنقل لوالدها تـ.ـو.ترها الهائل:
-إزيك إنتَ يا بابا
-أنا الحمدلله، المهم إنتِ طمنيني عليكِ...نطقها برضا ليخرج صوتها متألمًا شاكيًا لأبيها حيث قالت بنبرة خرجت غاضبة رغم محاولاتها:
-أنا بقى مش بخير ولا كويسة
ارتعب قلبه ليسألها متلهفًا:
-ليه يا بنتي، فيكِ إيه؟
هتفت بصوتٍ شـ.ـديد الغضب:
-عزيز إتصل بيا النهاردة الصبح وبيهددني يا بابا،أخويا اللي المفروض إنه سندي بيهددني لو مرجعتش البلد بعد يومين هيرفع عليا قضية ضم حضانة
وبدأت بقص ما بدر من شقيقها تحت غضب وحـ.ـز.ن قلب غانم الذي ما عاد فيه التحمل اكثر لما يراه من ظلمٍ كبير يقع على إبنته المنكـ.ـسرة، هاج ليخرج صوته هادرًا:
-هي حصلت يهددك علشان خاطر مصلحته
-إسمعني كويس يا بابا، أنا اتحملت من عزيز وماما اللي مـ.ـيـ.ـتحملهوش بشر...نطقتها بهدوء لتعلو نبرة صوتها قائلة بتهديد:
- بس لحد يوسف ومحدش يلومني على اللي هعمله
لو وصلت إني أفتري عليه وأقدm فيه بلاغ إنه اتهجم عليا وضـ.ـر.بني هعمل كده، وعندي بدل الشاهد عشرة وبدل الإيد اللي هتتمد وتساعدني مية... قالتها بصوتٍ شـ.ـديد الحدة يرجع لوصولها لحالة من الإنهيار النفسي وكأن جدارها الواهي قد هُدm وخارت قواها وتحطمت تحت شعورها الدائم أنها تسبح ضد التيار، تنهد غانم لينكس رأسه وشعورًا بالخزي من ضعفه يعتريه ليخرج صوتهُ ملامًا وهو يقول:
-هتحبسي أخوكِ يا إيثار،وقدرتي تطلعيها من بوقك
ابتسامة مريرة خرجت من جانب ثغرها تخبرها عن مرارة ما تشعر به، تنفست لتجيب والدها بنبرة متهكمة:
-وحضرتك عاوزني أقف متكتفة واسيبهم ياخدوا إبني ويسلموه لـ إجلال تربيه، ده مش بعيد يدوه لـ سُمية الخـ.ـا.ينة تربيه علشان أمـ.ـو.ت بحسرتي
لتسترسل بألم طعن والدها بمنتصف قلبه:
-وساعتها أكيد ماما وعزيز هيرتاحوا، ويمكن يوزعوا ندر لله إنه خلصهم من الشؤم اللي موقف حياتهم وخاربها
اجتاحه شعورًا هائلاً بالأسى يرجع لحـ.ـز.نه الاليم وهو يرى أنجاله يتقـ.ـا.تلون وبدلاً من أن يصطفوا ويمثلوا قوة أمام الظلم يتفرقون كُلٍ بطريق عكس الأخر لتدmير أنفُسهم بأنفسهم لينطق بصوتٍ مغْلوبٍ:
-إستهدي بالله يا بنتي واعتبري موضوع عزيز مُنتهي
سألتهُ بتشكيك:
-منتهي إزاي يا بابا،يعني حضرتك هتقدر تمنعه من إنه يرفع القضية؟
حـ.ـز.ن داخله لينطق بانكسار:
-للدرجة دي شايفة أبوكِ راجـ.ـل ضعيف وقُليل يا إيثار؟!
نزلت كلمـ.ـا.ته المستكينة على قلبها شطرته لنصفين لتعنف حالها وهي تنطق سريعًا:
-لا عشت ولا كُنت لو ده اللي اقصده،أنا قصدي إن عزيز الغضب مخليه مش شايف قدامه ومش هيسمع لحد
-وأنا قولت لك إعتبري الموضوع منتهي وقفلي عليه... نطقها بصوتٍ غاضب لتنطق متأسفة بخجلٍ:
-حقك عليا يا بابا، أرجوك متزعلش مني
أجابها بصوت رجلاً مهزوم:
-أنا مش زعلان منك يا بنتي، أنا زعلان من نفسي
واستطرد بأسفٍ بصوتٍ ذليل نزل على قلبها وكأنه نصل سكينًا حاد شطره دون رحمة:
-كان نفسي أكون لك الأب القوي اللي يقف في ظهرك ويحميكِ، بس العين بصيرة والأيد قصيرة، أبوكِ راجـ.ـل غلبان والزمن جار عليه والفقر هده
ما شعرت إلا بدmـ.ـو.عها الأبية تنهمر فوق وجنتيها كـ سيلٍ جارف يطيح بكل ما يقابله، خرج صوتها ضعيفًا متأثرًا وهي تقول في محاولة للتخفيف من وطأة ما يشعر به من تخاذل:
-إنتَ في عيوني أحسن أب في الدنيا، كفاية مساندتك ليا في موضوع طـ.ـلا.قي، ولولا وقوفك جنبي قصاد نصر مكنتش قدرت أخد إبني وأخرج بيه برة البلد
واستطردت بشهقة خرجت لتشق بها صدر غانم:
-ربنا يخليك ليا يا بابا
ابتسامة حانية خرجت من ثغرة وهو يقول بنبرة حنون:
-وحشتي ابوكِ يا إيثار
-على عيني بعادي عنك يا حبيبي،ما أنتَ عارف أنا مبنزلش البلد ليه...نطقتها بضعفٍ وأسف ليجيبها بصوتٍ بشوش:
-أنا اللي هجي لك،هجيب لك يوسف بكرة واجي أقعد معاكِ يومين بحالهم
اتسعت عينيها لشـ.ـدة حبورها لتهتف بتهلل ولهفة:
-بجد هتيجي يا بابا؟
حلق قلبه فرحًا لسماعه لتلك النبرة السعيدة التي غمرت صوت صغيرته ليؤكد لها قائلاً:
-إن شاء الله هجي لك، شوفي عاوزاني اجيب لك معايا إيه وانا عنيا ليكِ
-تسلم عيونك يا بابا، مش عاوزة أي حاجة غير إني أشوفك وده كفاية...انهت مكالمتها الهاتفية بحالٍ مختلف كليًا عن بدايتها،فـكم كانت أحلامها بسيطة،يكفيها ولو كلمة،شعورًا، غمرة ليجعلاها كطيرٍ حُر يطـ.ـلق جناحيه القويتين محلقًا بسماء الله الواسعة دون قيدٍ
،استندت برأسها للخلف لتغمض عينيها وهي تزفر براحة وتدعوا الله بسريرتها بأن يساندها وينصرها على كل من ظلمها ويستمر بظلمها وأن يحمى لها يوسف، ثمرتها حُلوة المذاق التي جنتها من زيجتها المشؤمة لتكون عوضها عن سنوات العجاف التي قضتهم بمنزل الأشباح
******
ظهر اليوم التالي
انتهت من العمل على ملفًا مهمًا كانت تعمل عليه لتستمع إلى صوت هاتفها الجوال لتجيب على الفور بعملية،أخبرها المتصل أنه كاتب النيابة وأنها غفلت وتركت بطاقتها الشخصية أثناء تنازلها عن محضر التعدي ليتناسى هو ويقوم بوضعها داخل الأوراق الخاصة بالمحضر واليوم فقط عُثر عليها أثناء بحثه للملف،اشتدت سعادتها للعثور عليها بعدmا كانت قد فقدت الأمل وسعت بالفعل على استخراج بدل فاقد بعدmا قدmت بلاغًا بفقدانها،أخبرته أنها ستأتي إلى النيابة بعد ساعتان من الأن لاستلامها، دخلت إلى أيمن وطلبت منه الإذن وتوجهت سريعًا قبل إنتهاء مواعيد العمل الرسمية بالمبنى كي تعود لمنزلها لتستعد لاستقبال أبيها الغالي، توجهت إلى مكتب النائب العام المقصود لتجد الكاتب بانتظارها أمام باب المكتب فسلمها إياها وشكرته هي وتحركت صوب الخروج، وأثناء سيرها بالممر فوجئت بخروج« شرشبيل» كما أطلقت عليه يخرج من باب مكتبه حاملاً حقيبته الخاصة بعمله، تلاقت الأعين لتقول بابتسامة هادئة بعدmا شعرت براحة بقلبها لشخصه:
-إزيك يا سيادة المستشار
رمقها بجمود متجاهلاً إبتسامتها لتتجمد الإبتسامة على محياها وهو يرد باقتضاب وملامح عابسة ترجع لرؤيته لوجه فايزة لتنزع صباحه ويومه بالكامل وتُعيد تجديد أحزانه:
-أهلاً وسهلاً
ابتلعت لعابها خجلاً وشعرت كما لو أن أحدًا سكب دلوًا من الماء البـ.ـارد فوق رأسها،طالعت ذاك المغرور الذي تحرك صوب المصعد الكهربائي دون الألتفات لها وكأن لا وجود لها من الأساس،تحركت بقلبٍ مشتعل وجاورته الوقوف إنتظارًا لوصول المصعد لينضم إليهما "شريف" النائب العام التي قدmت إفادتها لديه في قضية عمرو،تحدث إلى فؤاد وهو يحيه برأسه باحترام:
-فؤاد باشا
قابل الأخر تحيته بمثلها بابتسامة خافتة، ليحول شريف بصره إليها وهو يسألها بعدmا تذكرها:
-أخدتي بطاقتك؟
وصل المصعد ليلج ثلاثتهم لداخله لتلتفت إليه وهي تقول بصوتٍ خافت:
-أه يا افنـ.ـد.م أخدتها...نطقتها باقتضاب ليكمل الأخر معتذرًا:
-معلش ما أكتشفنهاش غير النهاردة،الكاتب نسي وحطها في ملف القضية، ولما فتحنا الملفات النهاردة علشان نراجعها قبل ما تروح للأرشيف لقيناها
طالعته بابتسامة بشوش بعدmا حدثها بكثيرًا من اللُطف والإحترام لتقول بإبانة:
-حصل خير يا افنـ.ـد.م،وكفاية إنه اتصل بيا في الوقت المناسب
لتسترسل بابتسامة هادئة:
-أنا كنت خلاص فقدت الأمل إني ألاقيها وقدmت بلاغ بضياعها،وكنت رايحة بكرة أخرج بدل فاقد
كان يستمع لحديثهما بقلبٍ غير مستكين،يشعر بضيقٍ لا يعلم سببًا له وهو يراها تنظر لذاك الـ شريف وهو يحادثها بملاطفة وترد عليه بملامح وجه بشوشة لم يرها عليها من قبل
وما جعله يشعر بسوءٍ كبير هو حديثها عنـ.ـد.ما توقف المصعد وهي تقول بابتسامة صافية سرقت لُبه:
-ميرسي لذوق حضرتك يا سيادة المستشار
مال الاخر لها برأسه بترحابٍ ليُفتح باب المصعد بتلك اللحظة وتنطلق هي للأمام بخطواتٍ واسعة وقبل أن تصل لباب سيارتها استمعت لصوته من خلفها وهو ينطق باسمها لتتوقف زافرة قبل أن تستدير بجـ.ـسدها لتقف بمقابلته حيث تحمحم وهو يتحدث بنبرة متلبكة بعض الشيء:
-أنا،
ضيقت عينيها باستغراب لحالته ليسترسل بنبرة بها تعالي وهو يستصعب خروج كلمة أسف:
-يعني، بخصوص معاملتي ليكِ جوة
واستطرد سريعًا:
-كنت سرحان ومخدتش بالي من ابتسامتك
-إبتسامتي؟! نطقتها بجبينٍ مقطب لتسترسل متهكمة وهي تتنكر لابتسامتها وكأنها وصمة عار وجب محيها:
-هو يظهر إن حضرتك فعلاً كنت سرحان،عن إذنك
نطقت كلمـ.ـا.تها الاخيرة بملامح متجهمة واستدارت تستقل سياراتها لتنطلق سريعًا دون عناء النظر إليه مما جعله ينظر على أثرها بذهول غير مستوعبًا ما حدث وهجومها الضاري عليه، لكنه لام حاله وعذرها على تلك المعاملة التي لم تكن سوى رد فعل.
******
عاد لمنزله بحالة مزاجية سيئة يرجع سببها لما حدث بينه وبين تلك الشرسة التي شغلت حيزًا ليس بالقليل من تفكيره، تناول وجبة غدائه بصحبة عائلته ليصعد بعدها متجهًا لداخل الحمام حيث مليء حوض الإستحمام بالماء الدافيء وسائل الصابون المنعش ليتجرد من جميع ثيابه ونزل غامرًا جـ.ـسده بالكامل تحت الماء،أغمض عينيه ليتذكر ما آل به لتلك الحالة المزية من الجمود والكره لجميع بنات حواء
إنتباااااااه
«عودة لما مضى»
خرجت "نجلا" واستقلت سيارتها لتصل لإحدى ماكينات الصرف المتواجدة أمام البنوك لتحصل على المبلغ فقد حوله لها زوجها واتجهت إلى صديقتها "ملك"لتنطلقا بسيارتها إلى منطقة شعبية، تطلعت حولها باشمئزاز ظهر على ملامحها لتنطق بازدراء:
-ملقتيش مكان أنضف من ده؟
اجابتها الأخرى بجدية حتى تهدأ:
-هو ده المكان الوحيد اللي هتقدري تعملي فيه العملية ومحدش هيحس بيكِ.
انكمشت ملامح وجهها بـ جَزع وهي تقول بصوتٍ خافت:
-ايوا يا ملك بس المكان شكله يخوف قوي
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة:
-ولا يخوف ولا حاجة، إنتِ بس اللي عينك متعودة على الأماكن الهاي كلاس
واستطردت وهي تراقب الشوارع الضيقة بتمعن كي لا يتوها بالعنوان:
-زي ما قولت لك،أنا جيت هنا مع سميرة البهنسي من شهرين تقريبًا
-طب هي العملية بتو.جـ.ـع وليها أثار بعد كدة؟...سألتها بـ.ـارتيابٍ لتسترسل متوجسة:
-يعني فؤاد ممكن ياخد باله؟
اجابتها الأخرى عن تجربة:
-خالص،أنا بعد الندل جمال ما قالي إنه مش مسؤل عن البيبي ولو منزلتهوش هيقطع الورقتين ال عـ.ـر.في اللي ما بينا ويسبني أواجه المشكلة لوحدي
واستطردت بإبانة:
-فكرت بعقلي وقتها ولقيت إني كده ممكن أخسر كل حاجة،جمال وفلوسه ومنصبه الكبير،إيه المشكلة لما أكون متجوزاه في السر بس عايشه في عزه وغرقانه في فلوسه،وبصراحة جمال كريم جداً معايا ومش مخلي نفسي في حاجة
واستطردت والاخرى تتابع القيادة:
-سألت وقتها وقدرت أوصل للدكتور ده عن طريق سميرة وهي اللي جابتني ليه
وبعدين...نطقتها نجلا لتعطشها لمعرفة تكملة القصة لتقول الاخرى:
-جيت يا ستي وعملتها وروحت بعد ساعتين بيت ماما، وعاوزة أقول لك ماما ولا حست إن فيه أي حاجة متغيرة فيا
هزت رأسها لتشق ابتسامة ساخرة ثغرها وهي تقول:
-هو أنتِ مش ناوية تعقلي وتسيبك من اللي إسمه جمال ده وترجعي لطليقك؟
واستطردت بضحكة متهكمة:
-الراجـ.ـل يا حـ.ـر.ام هيتجنن وترجعي له،ده ماسبش ولا واحدة من صاحباتك غير وطلب منها تتوسط بينكم
-بتهرجي صح،يا بنتي أنا مصدقت خلصت منه ومن فقره...قطعت حديثها وهي تُشير لها على المدخل:
-ادخلي في الشارع الجاي ده و اقفي قدام أول عمارة على اليمين
صفت السيارة جانبًا وصعدتا الدرج قاصدين إحدى العيادات الغير مرخصة والتي تجرد طبيبها من شرف المهنة ليشتهر بإجرائه لعمليات الإجهاض المحرمة دينيًا والمجرمة قانونيًا، بعد قليل كانت ترتدي ثوبًا خاص بالعمليات وتقف بجانب صديقتها بغرفة عمليات متواضعة حتى بأدواتها،ارتعب جـ.ـسدها حين وقعت عينيها على السرير الخاص بالعمليات والأدوات الخاصة بالجراحة لتُمسك كف صديقتها وهي تقول بشفاهٍ مرتجفة:
-أنا خايفة قوي يا ملك، حاسة إني ممكن يجرى لي حاجة
ابتلعت الأخرى ريقها حين لمحت شحوب وجه نجلا لتقول علها تتراجع:
-إنتِ مش مضطرة تنزلي البيبي يا نجلا،تعالي نخرج من هنا وروحي فرحي جوزك وأهله بخبر حملك
واستطردت بجشع:
-أهل جوزك بيحلموا بالحفيد، تخيلي الهدايا والعز اللي هيغرقوكي فيه لو عرفوا إنك هتجيبي لهم ولي العهد اللي هيورث الثروة دي كلها، فكري يا نجلا
هزت رأسها لتقول برفضٍ تام:
-الموضوع بالنسبة لي محسوم ،مش قبل خمس سنين لما افكر إني أخلف، أنا لسة مكملتش ستة وعشرين سنة، إيه اللي يخليني أدفن شبابي وأخسر رشاقتي بحمل وخلفة ورضاعة
-إنتِ حرة، أنا حبيت أنصحك باللي أنا شيفاه صح من وجهة نظري، أنا عن نفسي لو مكانك هجري حالاً على جوزي وأبشره...ولج الطبيب ليقول بعملية:
-جاهزة يا مدام؟
أخذت نفسًا عميقًا إستعدادًا لما ستقبل عليه لتجيبه بصوتٍ ما زال مرتجفًا لشـ.ـدة رعـ.ـبها:
-جاهزة
أشار لصديقتها بالخروج وأقبل عليها طبيب التخدير ليحقنها بالمـ.ـخـ.ـد.ر لتغيب عن الوعي ويبدأ الطبيب بإجراء عملية الإجهاض لتلك التي تجردت من أدmيتها وخـ.ـنـ.ـقت شعور الأمومة لديها بإقبالها على قـ.ـتـ.ـل جنينها قبل أن تنفخ به الروح،خانت أمانة زوجها لديها وكـ.ـسرت كل العهود بمحو حلمه وحلم عائلته بقدوم حفيدًا يكن لهم الفرحة المنتظرة والوريث لعرش "أل الزين"
بعد مرور ساعتين
كانت تستقل المقعد الأمامي للسيارة بينما تولت صديقتها القيادة،كانت مستلقية واضعة رأسها للخلف ويبدوا علي ملامحها الإعياء الشـ.ـديد،تأوهت بخفوت لتنظر لها صديقتها وهي تقول:
-شكلك تعبان جدًا،لو روحتي بمنظرك ده مش بعيد حمـ.ـا.تك تلاحظ الموضوع وتكشفك، أنا رأيي تيجي تقعدي في شقتي ساعتين تلاتة لحد ما تتحسني
اومأت برأسها لتسألها بصوتٍ خافت:
-جبتي لي البرشام اللي قولت لك عليه
أجابتها بينما تتابع القيادة:
-أه وحطيت لك العلبة في شنتطك،الصيدلي قال لي إن ده أقوى برشام مانع للحمل
لتستطرد بتنبيه:
-بس أهم حاجة تاخديه بانتظام، لأن النوع اللي كنتي بتاخديه شغال كويس جداً معايا، لكن عدm انتظامك فيه هو اللي عمل اللخبطة دي والحمل حصل
واستطردت مقترحة:
-إظبطي المنبة على ساعة معينة في اليوم وخديه فيها علشان مـ.ـا.تنسيش
تحدثت بنبرة استسلامية:
-أكيد هخلي بالي بعد اللي حصل لي النهاردة...نطقتها نجلا بإعياءٍ شـ.ـديد،ذهبت لمسكن صديقتها لتغفى لمدة ساعتين حتى شعرت بتحسن ثم عادت لمنزلها ومن حُسن حظها كان المنزل خاليًا إلا من العاملات، حيث ذهبت عصمت وفريال لزيارة إحدى قريباتهما المريـ.ـضة وعلام يغفو بغرفته أما فؤاد فكان بتحقيق خارج النيابة لذا لم يعد إلا بتمام التاسعة مساءًا،ولج لجناحه ليجده غارقًا بظلامًا دامس،ضغط زر الإضاءه ليتفاجيء بتلك الغافية ليقطب جبينه متعجبًا،تحرك إليها ومال عليها هامسًا:
-نجلا
لم يجد منها إجابة فكرر بصوته لتفتح عينيها ببطيءٍ شـ.ـديد وهي تجيبه بهمهمة توحي لعدm أستعادتها لوعيها الكامل:
-إممممم
سألها بحنان:
-إيه اللي منيمك بدري يا حبيبتي، إنتِ تعبانة؟
ارتبكت لتهب جالسة وهي تنفي بقوة:
-أنا كويسة
-طب إهدي...قالها حين لمح ارتيابها ليقف منتصب الظهر ويبدأ بخلع حلته وأخذ ثيابًا بيتية من خزانة الملابس ليتجه للحمام أغتسل سريعًا وخرج ليجدها غارقة بنومها من جديد،أشفق على حالها ونزل إلى الأسفل تناول عشائه بصحبة عائلته لينسحب صاعدًا للأعلى مجددًا لينضم لزوجته بالفراش محتضنًا إياها من الخلف بعدmا شعر بحاجته لها فقد أثارته بثوب نومها الناعم، همس بجانب أذنها بصوتٍ مثير:
-نجلا، إصحي يا روحي
فتحت عينيها لتنهض بفزعٍ أثار فضوله ليسألها بـ.ـارتياب:
-فيه إيه، هو أنا كل ما أقرب منك هتتفزعي؟!
ابتلعت لعابها لتجيبه بصوتٍ جاهدت ليخرج متزنًا:
-معلش يا حبيبي كنت شايفة كابوس
قطب جبينه ثم اقترب من فمـ.ـها لـ يلثمها برقة تابعها بلمسة ناعمة خلف عنقها لتبتعد حين وصلها مقصده وهى تقول محمحمة:
-مش هينفع يا حبيبي
ضيق ببن عينيه يستشف مقصدها لتتحمحم مسترسلة بتـ.ـو.تر ظهر جلياً بصوتها:
-أصلي
قالتها وهي تنزل بصرها للخلف مدعية الخجل لينتبه سريعًا بفطانته ويسألها باستغراب:
-بس ده مش ميعادها؟
-آه ما أنا عارفة، بس تقريباً حصل لخبطة في الهرمونات...نطقتها بكثيرًا من التـ.ـو.تر لتسترسل بإزاحة بصرها عنه متهربة:
-هبقى أروح للدكتور وأشوف السبب
اقترب منها يضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها قبل أن يهمس بنبرة حنون:
-وده اللي مخليكِ متـ.ـو.ترة بالشكل ده؟
هزت رأسها بعينين خجلة ليبتسم لها ثم ربط على وجنتها بتعطف وهو يسألها باهتمام:
-اخلي حد من الشغالين يطلع لك حاجة سخنة؟
-لا يا فؤاد، مش قادرة أشرب أي حاجة... قالتها بملامح وجه منكمشة ليربت عليها قائلاً بنبرة رحيمة:
-طب نامي يا حبيبتي
تمددت ودثرها هو بالغطاء وقام بوضع قُـ.ـبلة بجبينها قائلاً بأسى:
-أنا أسف يا حبيبتي إني قلقتك
-مش هتنام؟...قالتها حينما رأته يقف مبتعدًا ليجيب بنبرة متزنة:
-عندي قضية مهمة هدرس الملف بتاعها تحت في المكتب وبعدين هبقى أنام
-تصبحي على خير...قالها وهو يحمل حقيبته الجلدية لتوقفه قائلة بصوتٍ معتذر:
-أنا أسفة يا حبيبي
استدار ليحدثها بنبرة متفهمة:
-أسفة على إيه بس،الموضوع مش بإيدك...قالها وشملها بابتسامة حنون قبل أن يخرج من الغرفة لتضع تلك المرتعبة كفها بموضع قلبها مع أخذها نفسًا عميقًا وزفره بقوة لتهديء قليلاً بعدmا مرت كذبتها على خير
مرت الأسابيع وتحسنت حالتها كثيراً،عاد فؤاد من العمل ونزلا تناولا معًا الغداء بصحبة العائلة ليصعدا في المساء،ولجا من الباب لتلتصق به محتضنة إياه بقوة،نظر لها وقام بتقـ.ـبيلها بنهمٍ ثم ابتعد وهو يقول:
-هدخل الحمام واجي لك حالاً
تبسمت بموافقة، تطلعت عليه وما أن أغلق باب الحمام خلفه حتى هرولت إلى خزانة ملابسها ورفعت طيات ملابسها البيتية بيدها التي تحمل الهاتف لتضعه وتسحب عُلبة الدواء لتأخد قرصًا من الشريط وتبتلعه سريعًا وتعيد العلبة بمكانها قبل ان يخرج زوجها،أغلقت باب الخزانة لتفاجيء بزوجها يخرج من الحمام،ابتسمت له واتجهت صوب الكومود لتتناول كأس الماء وترتشف البعض منه،ولجت هي الاخرى إلى الحمام لتتجهز بعدmا أخذت ثوبًا خاص بالنوم بينما وقف هو يصفف شعر رأسه ويضع عطره،استمع صوتًا خافتًا لهاتف ليتلفت من حوله يبحث عن مصدر الصوت إلى أن اهتدى للخزانة ففتحها ليقترب الصوت المكتوم،بحث ليعثر عليه تحت طيات ملابسها الشخصية وأثناء سحبه للهاتف وقعت على الأرض عُلبة ليتبعثر محتواها وإذ بها أشرطة تحتوى على أقراص دوائية كانت قد دثرتها هنا لطمأنتها أن لا أحد يستطيع الوصول لهذا الجزء لغلقها له بمفتاحٍ خاص لاحتوائه على مجوهراتها وأشيائها الثمينة ولكنها غفلت عن غلقه لتـ.ـو.ترها، قطب جبينه وهو ينظر للأسفل ليميل بطوله ملتقطًا العُلبة ليدقق النظر بالكلمـ.ـا.ت المدونة عليها لتجحظ عيناه بذهول سرعان ما تحول لاشتعال وهو يرى تلك الحبوب المانعة للحمل والذي تعرف عليها فور رؤيته للشريط، فهو رأه من قبل بحكم وظيفته ويعرفه جيدًا
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف فتحة صـ.ـدرها وفخـ.ـديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها:
-أنا جاهزة، إيه رأيك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الجـ.ـسد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بجـ.ـسده تنتفض بقوة من شـ.ـدة إشتعالها:
-إيه ده؟
انتفض جـ.ـسدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شـ.ـديد عنـ.ـد.ما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ليترنح جـ.ـسدها على أثرها وتُطرح أرضًا.
إنتهى الفصل
↚
كـ بيتٌ من الرمال بفصل الصيف حياتي،شيدتها ووضعت بدواخلها جميع أحلامي وأمنياتي
لتأتي موجة عنيفة تقتلعه من جذوره أمام عيناي، لأكتشف حينها كم كان واهيًا بلا أساسِ
«فؤاد علام زين الدين»
بقلمي«روز أمين»
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف عن فتحة صـ.ـدرها وفخـ.ـديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها:
-أنا جاهزة، إيه رأيك في جمال وسحر مراتك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الجـ.ـسد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بجـ.ـسده تنتفض بقوة من شدة إشتعالها:
-إيه ده؟
انتفض جـ.ـسدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شديد عندما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ترنح جـ.ـسدها على أثرها وتُطرح أرضًا
تجرد من شخص رجل القانون الحكيم الكامن بداخلهُ ليرتدي ثوب رجلاً شرقيًا طعنته أنثاه بمنتصف قلبه بخنجر الغدر،شعر بنارًا تسري بجميع أوردته عندما هاجمته فكرة رفض شريكته حمل قطعةٍ منه داخل رحمها،كم كان شعورًا قاسيًا بالنسبة لشخص كـ فؤاد،أفرط بعشقه وماله ولم يبخل عليها بشيء ليجني بالأخير تلك الخيانة الكُبرى
اندفع نحوها بشراسة ليجثو على ركبتيه وهو يمد يده قابضًا على شعرها بقوة ليهمس بفحيحٍ غاضب أوحى لبركانه الكامن بداخله:
-قولي لي سبب واحد يخليكِ تاخدي برشام يمنع الحمل اللي مستنيه يحصل ليا سنين؟!
كانت ترتجف منكمشة على حالها تنظر إليه برُعبٍ كـ غزالةٍ ضئيلة وقعت فريسة بقبضة أسدٍ جائع،شهقت عدة مرات ليخرج صوتها المرتجف وهي تقول بحروفٍ متقطعة:
-إديني فرصة أشرح لك يا فؤاد
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب ليشدد من قبضته على شعرها لتخرج منها صرخة متألمة وبحدة يهدر قائلاً:
-هتشرحي لي إيه بعد ما شوفت كل حاجة بعنيا
بعينين متوسلة صرخت بكلماتٍ توحي لمدى تألمها من جذبه القوي لخصلات شعرها:
-إنتَ فاهم غلط، والله فاهم الموضوع غلط،سيب شعري بس واديني فرصة أشرح لك
لم يرأف قلبه لدموعها الغزيرة بل زاد من ضغطه ليجيبها من بين أسنانهِ بفحيحٍ مخيف:
-مفيش أي كلام في الدنيا ممكن يشفع لك ويخليني أغفر لك جريمتك في حقي وحق عيلتي
صرخت وهو يزيد من ضغط قبضته لتصيح وهي تحاول تخليص خصلاتها من براثنه:
-شعري هيتخلع في إيدك يا فؤاد،أرجوك خلينا نتفاهم بالعقل
واستطردت في محاولة منها لاستعادة وعيه:
-من إمتى وإنتِ بتتعامل معايا بالهمجية دي؟
امتعضت ملامحه لتقسو نبرات صوته القاسية مع شرارات الغضب التى ظهرت بعينيه ليصيح قائلاً بفحيح:
-من ساعة ما حسيت بطعنة غدرك في ظهري
نطقها ليدفعها للخلف بعنفٍ انبطحت على أثره أرضًا ليهب واقفً وبدأ يدور حول نفسه كالأسد الحبيس يجذب خصلات شعره الفحمية بحدة مفرطة للخلف ترعب من يراه،مسح على وجهه بجنون ليتحدث بغضبٍ عارم قائلاً:
-مش قادر أتخيل إن مراتي اللي قدمت لها كل حاجة ممكن يقدمها راجل لست،يبقى جزاتي إنها تحرمني من إني اكون أب
بينما هو يدور حول حاله كالأسد الجريح طرأت على ذهنها فكرة سريعة حيث تذكرت صديقتها "ملك"حينما تعرضت لمشكلة في الهرمونات أدت إلى لغبطة بمواعيد الدورة الشهرية مما جعلها تذهب إلى طبيبة خاصة بأمراض النساء والتوليد لتصف لها حبوب مانعة لحدوث الحمل كي تساعدها على إعادة تنظيم الهرمونات والدورة الشهرية لتتحدث بشهقاتٍ متقطعة إتباعًا لخطتها:
-من فترة حصل لي لغبطة في الهرمونات والبريود مواعيدها اتغيرت، واضطريت أروح لدكتورة أمراض نسا وهي اللي كتبت لي على الحبوب دي
رمقها بنظراتٍ ساخطة ليهتف بإنكار لروايتها:
-إنتِ فكراني راجل أهبل علشان أصدق الكلام الساذج اللي بتقوليه ده؟
صرخت بدموعها المفتعلة لتقول بزيفٍ:
-أنا بقول لك الحقيقة ولو مش مصدقني تقدر تيجي معايا وتسأل بنفسك الدكتورة وهي هتأكد لك على كلامي
توقف بمكانه ليتطلع عليها يسألها بنبرة تشكيكية:
-ومن إمتى وإنتِ بتاخدي الزفت ده؟
هتفت سريعًا حينما تذكرت:
-من حوالي شهر تقريبًا،يوم ما جيت تصحيني وأنا قولت لك وقتها إن،
صمتت لتُكمل بتلهُف مستشهده بحديثه حينها:
-حتى إنتَ بنفسك قولت لي إن ده مش ميعادها
قطب بين حاجبيه ليتذكر تلك الليلة ليهديء قليلاً حين تيقن صحة روايتها لكنه مازال غاضبًا منها ليهتف بنبرة شديدة اللهجة:
-ولما هو الموضوع كده، مخبيه البرشام في دولابك الخاص بمجوهراتك ليه؟!
واستطرد بعينين مازال بهما شكًا:
-والسؤال الأهم يا مدام،حاجة مهمة زي دي مجتيش قولتي لي عليها ليه؟!
-دي حاجة خاصة جداً، أنكسف أقولها لك...نطقتها برأسٍ منكس مدعية الخجل ليصيح هو مقاطعًا:
-وإحنا من إمتى بقى فيه بينا حاجات خاصة؟!
واستطرد بصوتٍ حاسم دب الرعب بأوصالها:
-أي حاجة تتعلق بيكِ وبالاخص لو كانت متعلقة بموضوع مهم زي الخلفة يبقى مش خاصة يا هانم
ابتلعت لعابها لتجيب بنبرةٍ منكسرة وهي مازالت متسطحة على الأرض:
-أنا أسفة يا فؤاد، أرجوك سامحني،غلطة ومش هتتكرر صدقني.
-ده شيء مفروغ منه يا ماما...نطقها باشمئزاز ليسترسل بقامة مرتفعة:
-الغلطة التانية عند فؤاد علام فيها قطع رقاب
ساد الصمت لثواني ليرمقها باشمئزاز وهو يشير على الباب الخاص بالجناح ليهتف بسخطٍ:
-تلبسي هدومك حالاً وتروحي تنامي في الجناح الشرقي
حدقت عينيها لترفعهما تطالعه بذهول لتسأله بتيهة:
-إنتَ بتقول إيه يا فؤاد؟
-اللي سمعتيه... نطقها بقوة وهو يواليها ظهره لتتحامل على حالها مستندة بكفيها على الأرض لتنهض ثم تحركت صوبه إلى أن وقفت خلفه مباشرةً، أخذت نفسًا عميقًا وهمت بفتح ذراعيها لتلفهما حول خصره وما أن لامسته حتى انتفض جـ.ـسده مبتعدًا وكأن لدغته حية ليبتعد ويهتف بقوة ومازال مواليها ظهره:
-قولت لك إلبسي هدومك وروحي الجناح الشرقي ومشوفش وشك هنا تاني غير لما أبلغك بنفسي.
همست بانكسار وهي تتلفت من حولها بأعين مندهشة:
-إنتَ بتطردني من أوضتي يا فؤاد؟
لم يعيرها عناء النظر لوجهها وتوجه لخزانة ملابسه وبدأ بخلع ثيابه البيتية ملقيًا إياها بعنفٍ على الأرض وإبدالها بأخرى تصلح للخروج وبعد الانتهاء توجه إلى الكومود ليختطف عُليقة مفاتيحه وحافظته الخاصة متوجهًا صوب الباب تحت ذهول نجلا ليهتف بقوة وحزم دون النظر إليها:
-أنا خارج برة البيت،عاوز أرجع ملاقيش لوجودك أثر في الجناح.
أنهي كلماته الصارمة وإندفع نحو الباب كثورٍ هائج لا يري أمامه ليخرج غالقًا إياه بغضب ليصدر منه صوتًا جعلها تنتفض رعبًا
كانت تشهق و دموعها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وما أن خرج حتى تنفست بقوة وكأنها كانت تكظم أنفاسها،وضعت يدها على صدرها وباتت تتلفت حولها بفزع لتهرول تُسرع في ارتداء ثيابها ولملمت ما تحتاجه لقضاء ليلتها خارج الجناح بعدما قررت مغادرته في الحال قبل عودة ذاك الغاضب والفتك بها إذا رأها أمامه، فهي باتت تحفظه عن ظهر قلب،فذاك الـ فؤاد برغم رُقيه وسمو أخلاقه لكنه يتحول لغولٍ حين يغضب والجميع يعلم ذلك لذا يتجنبوه خشيةً من أن يحدث صدامًا يخسر فيه كل الأطراف.
أما فؤاد فكان يشعر بنارًا شاعلة بجميع جـ.ـسده بات يزفر مراتٍ متتالية بقوة عله يهدأ وهو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه لتجوب شوارع القاهرة دون وجهة،كان يقود بجنون لا يعلم أين وجهته كل ما يريده هو أن يصرخ لعله يخرج ما في جوفه من نارٍ تكاد تحرق روحه وكل ما يقابله، ظل يجوب الشوارع لمدة لا يعلمها حتى خارت قواه وشعر بالإنهاك ليعود مرةً أخرى لقصر والده ليجد جميع ساكنيه نائمون،ولج لجناحه وجد الهدوء يعم المكان فهدأت روحه حين وجده خاليًا من تلك المخادعة ليذهب لفراشه ويُلقي بحاله فوقه بإهمال، تنفس وأغمض عينيه عله يستطيع الدخول بغفوة تريح صدره من تلك الحالة التي وصل إليها بفضل عديمة المسؤلية المسماة بزوجته.
******
عودة للوقت الحالي.
حمل صغيره بعدما ودعاه جديه بقلوبٍ مفطورة وذهب إلى منزل جده غانم ليسلمهُ له حسب إتفاق إيثار التي هاتفت المحامي وابلغته بأن يسلم نجلها لأبيها كي يأتي به إلى القاهرة،ترجل من السيارة حيث صفها أمام المنزل مباشرةً ولف للجهة الاخرى ليحمل صغيره وتحرك متجهًا صوب الباب الموارب لينادي على وجدي الذي خرج مبتسمًا وهو يقول بترحاب لابن شقيقته:
-أهلاً يا يوسف،إدخل يا عمرو
حمل عنه الصغير وولجوا للداخل ليجد غانم بانتظاره مرتديًا ثيابه،حمل صغير إبنته وقام بتقبيله ليقبل عليه عمرو الذي تحدث باشتياق وهو يصافحه:
-إزيك يا عم غانم
أجابه بصوتٍ بارد:
-الله يسلمك يا عمرو، اقعد يا ابني واقف ليه؟
جلس بعدما صافح عزيز وأيهم ليتحدث الصغير إلى جده:
-هتوديني أمتى لمامي يا جدو؟
ليرد الجد بوجهٍ بشوش:
-هنمشي الوقت يا يوسف
خرجت منيرة من المطبخ لتُقبل على عمرو بوجهها الضاحك وهي ترحب به بتهليل:
-إزيك يا عمرو،عامل إيه يا ابني؟
وقف سريعًا ليصافحها بترحاب ليقف غانم قائلاً بحزم:
-تعالى معايا يا عزيز إنتَ ووجدي
خرج بصحبة أنجاله الثلاثة وترك الطفل يجلس بأحضان عمرو الذي اقترب هامسًا لـ منيرة بعدما جاورته الجلوس:
-عملتي لي إيه في موضوعي يا خالتي؟
-إصبر يا عمرو،أنا مش ساكتة وبضغط عليها بقوتي ومش هستريح غير لما ترجع وأطمن عليها معاك...نطقت كلماتها لتطمأنه ثم استرسلت وهي تجز على اسنانها:
-بس لو تسمع كلامي وتطلق العقربة اللي إسمها سُمية
تنفس بيأس ليُجيبها:
-حاولت كتير أكلم أبويا في الموضوع ده،بس هو رافض والحاجة إجلال كمان، بتقولي مينفعش علشان بنتي لما تكبر هتتعاير إن أمها متطلقة
واستطرد بملامح مكفهرة وضيقٍ ظهر بعينيه:
-أنا أصلاً لولا البنت كنت رمتها من ساعتها، هي اللي كاسراني قدامها ومكتفاني
لوت فاهها لتقول متهكمة:
-وهي أمها أول واحدة هتطلق،ما البلد مليانة مطلقين وأولهم بنتي
أخذت نفسًا عميقًا ثم حولت مجرى الحديث قائلة بعتاب:
-يرضيك اللي عمله الحاج نصر مع عزيز ووجدي ده يا عمرو، مكنش العشم يمشيهم كده قدام الرجالة
-حقك عليا أنا يا خالتي متزعليش،أبويا زعلان من اللي حصل لي ومحمل إيثار الذنب...قالها مبررًا ليهتف بعينين متلهفتين:
-بس كل ده هيتغير بمجرد ما إيثار ترجع تنور بيتها من تاني
-على الله يا ابني... نطقتها بتمني
أما بالخارج، وقف غانم أمام أولاده الثلاثة ليهتف محذرًا بسبابته بوجه عزيز:
-أنا رايح أقعد عند اختك يومين،قسمًا بالله يا عزيز ما تعمل أي حاجة تضر بيها أختك لاتبرى منك قدام البلد كلها
واستطرد مشيرًا للجميع:
-والكلام ليكم إنتوا الثلاثة،وعزة وجلال الله لو طاوعتوا شيطانكم لاكون كاتب البيت والكام قيراط اللي حيلتي لـ إيثار وطايحكم برة إنتوا وعيالكم،وإبقوا خلوا نصر وعياله ينفعوكم ساعتها
احتدمت ملامحه ليهتف بعصبية مفرطة:
-إيه يا أبا الكلام اللي بتقوله ده،بيت إيه ده اللي هتكتبه للبت؟
هتف غانم مؤكدًا على تهديده:
-زي ما سمعت يا عزيز وده مش تهديد،وخليك فاكر إن أنا حلفت بالله، وإنتَ عارفني لما بحلف على شيء
هتف بعينين متسعتين ذهولاً:
-كل ده علشان عاوز الستر لـ اختي؟!
ليرد عليه مستنكرًا:
-وهو الستر مش موجود إلا في بيت نصر البنهاوي؟
-أه يا أبا وإنتَ عارف كده كويس...قالها بتأكيد ليسترسل بتذكرة:
-ولا نسيت قوانين بيت نصر،اللي بتتجوز واحد من عياله بتتحرم على غيره،واللي عمله عمرو ونصر في الباشمهندس عبدالعزيز اللي إتقدم لها يشهد على كلامي،ولا ناسي إن نصر أجبره يسافر السعودية ويسيب البلد كلها
واكمل مستطردًا باستعراض جبروت أل البنهاوي:
-ولا معتز إبن حسن المنسي اللي بس قال على القهوة في وسط أصحابه إنه بيفكر ييجي يطلبها منك،عمرو راح له بيته ومسبهوش غير ورجليه الإتنين متكسرة بعد ما الغفر بتوع ابوه كتفوه قدام أهله ومفيش مخلوق من البلد كلها قدر يخلصه من إيد عمرو
1
نكس الأب رأسه لتيقنه من صحة حديث نجله عن إفتراء وتجبر نصر وأنجاله بأهل القرية ليقطع شروده صوت وجدي الذي قال مؤكدًا على حديث شقيقه:
-عزيز عنده حق يا ابا، اختي لسة صغيرة ومش معقول هتكمل حياتها من غير جواز تاني، ده غير إن أهل البلد مش مبطلين كلام علينا، وإن إزاي أربع رجالة بيناموا بالليل قافلين عليهم بابهم وسايبين بنتهم في الغربة لوحدها مايعرفوش عنها حاجة
واسترسل بتأكيد:
-إيثار مقدمهاش حل غير إنها ترجع لعمرو
ابتلع المتبقي من كلماته بجوفه لمقاطعة غانم بكلماته اللائمة:
-خلاص، روحوا هاتوها بالعافية ورجعوها له علشان تموت نفسها زي ما حصل قبل كده
ابتلع وجدي وأيهم لعابهما ونكسا رأسيهما لذكر والدهما لتلك الذكرة الأليمة عدا ذاك الجاحد الذي لم يتأثر حتى أنهُ هم باعتراض ليوقفه غانم قائلاً بحزم ونبرة حادة وكأن الضعف مل من ضعفهِ وثار عليه:
-اللي عندي قولته وإنتوا أحرار،أنا مش هفضل واقف اتفرج على بنتي وهي بتتذل أكثر من كده
-لحد هنا وكفاية يا عزيز، لحد هنا وكفاية...نطق كلماته الاخيرة بتهديدٍ خفي ليشير إلى أيهم قائلاً:
-هات إبن اختك من جوه علشان نلحق نوصل قبل الدنيا ما تليل علينا
-خليني أجي معاك أوصلك يا ابا...نطقها أيهم ليجيبه بمعارضة:
-هروح لوحدي يا أيهم، عاوز أخد راحتي مع بنتي
خرج عمرو حاضنًا صغيره واقترب ليطالع غانم قائلاً:
-يلا يا عمي أنا هوصلكم
-لا يا ابني كتر خيرك،أنا هركب مواصلات وهروح لوحدي...قالها بذات مغزى ليفهم عمرو مقصده وبأنه يخشى غضب إيثار لو علمت لذا إنصاع لرغبته.
******
إنتباااااه
«عودة للماضي»
مرت ثلاثة أسابيع منذ إكتشافه لتعاطيها لحبوب منع الحمل في تجاهلٍ تام منه،حيث كان يتجنبها ولم يجمعهما مكانًا سوى حجرة الطعام وهما يتناولاه بصحبة العائلة،عاد من عمله في تمام الرابعة عصرًا وولج لجناحه يشرع بخلع ثيابه،استمع لدقات خفيفة فوق الباب ليهتف بصوتٍ عالي نسبيًا:
-إدخل
فُتح الباب لتظهر وهي تتحرك ببطيءٍ نحوه بعدما أغلقت الباب لتقول على استحياء برأسٍ منكس:
-ممكن نتكلم
لم يعير لدخولها إهتمام وتابع تبديل ملابسه بملاح مقتضبة لتقترب منه وكادت أن تضع كفها على صدره ليوقفها صوته الحاد حيث هتف بصرامة مشيرًا بكف يده للتوقف:
-إبعدي إيدك.
ارتعدت لتتسمر مكانها تحاول تنظيم أنفاسها للحفاظ على ثباتها لتكمل ما أتت إليه،تحدثت بنبرة مرتجفة خشيةً إثارة غضبه من جديد، فمنذ ذاك اليوم وقد تغيرت نظرتها له وقررت التعامل معه بحذرٍ تام، فـ إلى الأن لم تستوعب ما حدث وعقلها رافضًا تصديقه،فهل يعقل أن يتحول رجل القانون الرزين والرومانسي إلى رجل همجي يحركه غضبه ويجعله يصفع زوجته ويقوم بتعنيفها جـ.ـسديًا ونفسيًا:
-كفاية يا فؤاد، حرام عليك اللي بتعمله فيا ده
واستطردت وهي تذرف دموع التماسيح لاستقطابه نحوها:
-اللي يشوف معاملتك ليا يفتكر إني عملت جريمة
واسترسلت بدفاعٍ عن حالها:
-أنا واحدة تعبانة وكنت باخده كـ علاج،ليه بتحاسبني على إني باخده بغرض إني أحرمك من الخلفة
-أنا بعاقبك على إنك خبيتي عليا...قالها بصرامة لتتحدث على عجالة:
-أول وأخر مرة، صدقني مش هتتكرر
صمت وتابع ارتداء أخر قطعة لينتهي فاقتربت منه بعدما وجدت ملامحه قد لانت قليلاً وتحدثت وهي تداعب وجنته بأناملها:
-للدرجة دي مش فارق معاك وجودي من عدمه
لتستطرد بدلال وهي تمط شفتيها بطريقة مثيرة:
-أنا كنت فاكرة إنك بتحبني وراهنت نفسي إن مش هيمر على بعادنا يومين إلا وألاقيك جاي تاخدني من الجناح وتدخلني لحد هنا وإنتَ شايلني بين إيديك
لتستطرد بصوتٍ أنثوي:
-بس يا خسارة، خسرت الرهان مع نفسي
واستطردت بعينين رسمت بداخلهما الخجل بمنتهى البراعة:
-أنا روحت للدكتورة وقالت لي إن البريود إتظبطت وبطلت خلاص الحبوب
رفع حاجبه يسألها بخبثٍ:
-إنتِ عاوزة إيه يا نجلا؟
عوزاك...كلمة نطقتها باحتياج وكانت كفيلة لإذابة جبل الجليد الذي بُني ليفرق بينهما طيلة الفترة المنصرمة،اقتربت عليه لتلتصق به فاستجاب للمساتها المثيرة ليغوصا معًا بعالمهما الخاص بعد فراق دام لأكثر من ثلاثة أسابيع،لاحظت خلال لقائهما أن به شيئًا مختلفًا، لم يكن معها ذاك الحنون الرومانسي كما كان بالسابق،بل كان يتعامل معاملة رجل بأنثى وليس حبيب بحبيبة كما عاهدته،شعرت حينها أنها أفتقدت إحترامه وجزءًا كبير من عشقه لها
بعد مرور حوالي شهر أخر،لم يعد فؤاد معها كما كان، فقد تغيرت معاملته معها وأصبح أكثر جدية وصلابة وتخلى عن مرونته بعدما اكتشف عدم مسؤليتها،ليلاً داخل شقة واسعة يبدو من أثاثها الفخم إنتماء ساكنيها لأعلى مستوى من الطبقة الوسطى،تتكيء على الأريكة بجانب والدتها التي تفوهت بنبرة جادة:
-وبعدين في عقلك اللي هيخرب عليكِ عيشتك ده،مش ناوية تعقلي وتبطلي تهور؟
زفرت بضيق لتهتف فايزة ناصحة لنجلتها المتهورة والتي لم تكن على علم بعملية الإجـ.ـهاض ولا بحملها من الاساس:
-يا بنتي جوزك لو عرف إنك ضحكتي عليه ولسة بتاخدي الحبوب هيخرب الدنيا ومش بعيد يطلقك
يطلقني؟! نطقتها نجلا باستهجان لتكمل بكبرياء:
-يا حبيبتي ريحي نفسك، انا عارفة أنا بعمل إيه كويس قوي
واستطردت بكثيرًا من الثقة وصلت لحد الغرور:
- أولاً فؤاد بيعشقني مش بس بيحبني، وميقدرش يبعد عني أبدًا،بدليل إنه بعد ما عرف زعل له كام يوم ورجع معايا تاني زي الاول وأحسن
ابتسمت ساخرة لتجيبها بدهاء:
-فؤاد راجل ذكي ولئيم ومش من النوع اللي بينسى ويغفر الغلط في حقه بسهولة،وعمره ما هيرجع معاكِ زي الأول،وإنتِ بنفسك لسة بتشتكي إنه قلل لك مصروفك الشهري لعشر ألاف بدل عشرين
احتدمت ملامح نجلا حين تذكرت لتسترسل والدتها بنُصح:
-إلحقي نفسك وبطلي الزفت ده وفاجأيه بخبر حملك،يمكن فرحته تنسيه عملتك السودة.
أغمضت عينيها بتملل لتجيبها باستسلام:
-هبطله يا مامي، أساسًا مبقاش قدامي حل تاني بعد ما فؤاد عرف
لتستطرد بكثيرًا من الانانية والتفاهة:
-هستنى بس شهرين لحد ما فرح ناريمان صالح يتم وبعدها همنعه
رمقتها والدتها بنظرة حادة لتهتف الاخرى باسترسال موضحة:
-أظن مش معقول يا مامي هروح فرح صاحبتي وبطني قدامي قد كده؟
اتسعت عيني فايزة لتقول باستنكار:
-بطنك إيه اللي هتبقى قدامك يا نجلا بعد شهرين،دي البكرية بطنها مبتظهرش غير بعد الشهر السادس
-بلاش موضوع بطني...قالتها بلامبالاة لتسترسل باعتراض:
-خلينا في الإرهاق والتعب اللي هحس بيهم و أوردي هيأثروا على نضارة بشرتي
زفرت فايزة لتهب واقفة وهي تقول بعدما فقدت صبرها من تلك البلهاء:
-أنا هقوم أعمل لي أي عصير فريش بدل ما انجلط جنبك
-ماتخلي الشغالة تعمل لك...نطقتها باستنكار لتهتف الاخرى بسخطٍ:
-هي دي بتعرف تعمل حاجة،دي ملهاش أي نفس في أي حاجة،اديني كلمت المكتب علشان يغيروها لي
استمعت لصوت جرس الباب لتخرج العاملة لاستقبال الزائر ليلج إليها محسن إبن خالتها قائلاً بمرح:
-إزيك يا نجلا
إعتدلت بجلوسها لتجيبهُ بابتسامة خافتة:
-هاي يا محسن
-كويس إني لقيتك هنا، انا كنت هكلمك في التليفون علشان نتقابل برة البيت... نطقها وهو يتلفت من حوله بترقب خشيةً من أن يستمع عليه أحد
-ليه، فيه حاجة ولا إيه... نطقتها مستفسرة باستغراب ليجيبها بنظرة متلهفة:
-فيه خير كتير قوي جاي لك ومتقدم لك على طبق من ذهب
ضيقت بين عينيها ليسترسل هو بشراهة:
-خمسة مليون جنية
سألتهُ بعدم استيعاب:
-مش فاهمة؟
أجابها بنهمٍ ليزرع الطمع بداخلها:
-فيه حد عارض عليكِ خمسة مليون جنية مقابل خدمة بسيطة هتقدميها له
-أنا...نطقتها وهي تُشير على حالها بلمعة لهفة ظهرت بعينيها ليهز الأخر رأسهُ بتأكيد فاسترسلت باستفهام:
-وأنا إيه اللي عندي يستاهل المبلغ ده
-مش عندك إنتِ، عند جوزك... نطقها بإبهام لتهمس بتيهة:
-فؤاد
-ورقة،حتة ورقة هتبدليها من ملف معاه في شنطته...قالها بسهولة لتهتف بارتعاب:
-إنتَ شكلك إتجننت، إنتَ عاوزني ألعب مع فؤاد في شغله، ده أنا أبقى بكتب شهادة وفاتي بإيدي
لتسترسل بإبانة:
-يا ابني شغل النيابة بالنسبة لفؤاد أهم من أي حاجة في حياته، ده أهم من حياته هو شخصيًا، إنتَ مش فاهم علاقة فؤاد بشغله وملفاته اللي بيجيبها البيت،ده بيعامل شنطته معاملة البيبيهات، ده لو اكتشف ضياع ورق منها هيهد البيت على اللي فيه لحد ما يوصل للي عملها
-ومين قال لك إننا هناخد ورق... قالها بهدوء ليسترسل بدهاء:
-إحنا هنبدل مستند بمستند تاني يغير مجرى القضية ويبعد التهمة نهائي عن المتهم
ابتلعت ريقها وصمتت ليسترسل كالشيطان:
-هتاخدي تلاتة مليون النهاردة، ولما تسلمي الورقة اللي بدلتيها هتستلمي باقي الخمسة مليون
سألته بذكاء:
-وإنتَ إيه اللي هتستفاده لو الموضوع ده تم؟
أجابها بهدوء:
-ليا نسبة هاخدها من الطرف الاول،يعني هستفيد بعيد عن فلوسك اللي هتاخديها خالصة مخلصة
سال لعابها من هول وضخامة المبلغ لتسأله بتردد ظهر بمقلتيها:
-طب الموضوع مفيهوش خطورة عليا
أجابها بثقة عالية:
-ولا على فؤاد نفسه،فؤاد هيكتب تقريره بناءًا على المستندات والإثباتات اللي متقدمة له واللي موثوق من مصدرها جداً
سألته بذكاء:
-طب الفريق اللي مقدم المستندات مش هيشك بعد الحكم ببراءة المتهم؟!
أجابها ليطمأنها:
-يا بنتي النيابة العامة دي فرق شديدة التنظيم ،وكل فريق ليه شغله اللي بينتهي عند نقطة معينة، وملوش أي علاقة ولا متاح ليه يتابع باقي الإجراءات بعد ما يسلم شغله
-أنا خايفة ومش مطمنة يا محسن... نطقتها بارتياب ليرد عليها بجشع:
-الخمسة مليون هيطمنوكي لما تاخديهم في حُضنك
سال لعابها لتجيبه بتردد:
-إديني فرصة أفكر
أجابها بحزمٍ:
-للأسف يا بنت خالتي،رفاهية الوقت مش متاحة لينا، جوزك هيروح بملف القضية في شنطته النهاردة، يعني لازم تقولي كلمتك حالاً، سواء بالموافقة أو بالرفض علشان يلحقوا يتصرفوا
-هيتصرفوا إزاي... قالتها باستفهام ليجيبها بما دب الرعب بقلبها:
-ده شغلهم مش شغلنا، هما عندهم طرقهم المختلفة،ولعلمك مش هيغلبوا، هياخدوها عن طريق ساعي أو كاتب النيابة ولا حتى شغالة من عندكم في البيت، دي ناس إيديها طايلة وجرابهم مبيخلاش
عمى شغفها للمال عينيها ونظرت له بعدما حسمت أمرها وقررت دخولها بنفق الخيانة للحصول على أموالٍ طائلة تستطيع من خلالها شراء كل ما تشتهي له بعيدًا عن تحكمات فؤاد بها وبالأخص بعدما خصم منها نصف مصروفها الشهري كعقابًا لها، لتهتف بلهفة ظهرت بعينيها:
-وأنا موافقة، هاخد فلوسي إمتى
أجابها بصوتٍ رزين:
-هتنزلي معايا حالاً نقابل الراجل في شقته، هناخد منه الورقة والتلاتة مليون، وبكرة الصبح تسلمي لي الورقة اللي بدلتيها ونسلمها له وناخد باقي فلوسنا، ولا من شاف ولا من دري
واستطرد بمداعبة:
-شفتي الموضوع بسيط إزاي
نظرت له بارتياب لتسألهُ:
-لازم يعني موضوع شقته ده، ما نتقابل في أي مكان عام
رمقها بازدراء قبل ان يقول متهكمًا:
-علشان الكاميرات اللي بقت في كل مكان تصورك معاه وإنتِ بتسلميه الورقة وبتاخدي شنطة الفلوس، ونروح في داهية كلنا
زفرت باستسلام لصحة حديثه وبالنهاية وافقت فطلب منها ذاك الشيطان لأن لا تخبر حتى والدتها وقامت لتستعد بعدما ودعت والدتها التي حضرت للترحيب بابن شقيقتها الذي انتظر قليلاً قبل ان يستأذن ليلحق بالتي خطت للمضي قدمًا بأولى خطوات الخيانة لله وللوطن قبل زوجها.
خرج عمرو من منزل غانم وقلبه متلهفًا يكاد الشوق والحنين إلى الماضي ان يفتكا بروحه،حيث تذكر زيارته الاولى له وإيثار إلى عائلة غانم بعد زواجهما بـ أربعة أسابيع
«إنتبااااااااه»
«عودة إلى الماضي»
ولجت لمنزل أبيها بصحبة زوجها الذي حمل الكثير والكثير من الهدايا الخاصة لأهل المنزل والحلوى والفاكهة ليغمر بهم أهل زوجته تعبيرًا منه عن امتنانه، رحب الجميع بالزوجين السعيدين لتحتضن منيرة إبنتها قائلة بحبورٍ:
-نورتي بيت أبوكِ يا إيثار
تعجبت لتغيُر والدتها الجذري بمعاملتها وابتسامتها الصادقة وحُضـ.ـنها التي تتذوقهُ للمرة الأولى بحياتها،تخطت سعادة منيرة بزيجة إبنتها عنان السماء وذلك لما جنته من مالٍ وهدايا ثمينة ومصوغات ذهبية غمرها بها عمرو كتعبيرًا منه عن إمتنانه لمن كانت سببًا لوجود حبيبته التي ذاق على يدها العشق وغرق بشهد الغرام داخل أحـ.ـضانها الحنون،كانت تلك هي المرة الاولى التي ترى إيثار بها معاملة عزيز ووالدتها لها كـ إنسانة مستقلة ولها كيان،فقد رحب بها عزيز حتى أنهُ احتضنها وبرغم عدم شعورها بصدق غمرته إلا أنها كانت سعيدة للغاية
كانت تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة لتتفاجيء بـ منيرة تسحبها من كفها وهي تقول:
-تعالي يا إيثار معايا جوة، عوزاكِ
ليجذبها ذاك العاشق قبل أن تترك جواره وهو يقول متلهفًا:
-وخداها على فين يا خالتي
اطلقت منيرة ضحكة سعيدة لتقول:
-هو أنا هاكلها يا عمرو، هتكلم معاها جوة شوية على ما نسوان إخواتها يجهزوا الغدا
-ماتتأخريش عليا...نطقها بعينين هائمتين لتهز رأسها بخجلٍ ممزوج بسعادتها التي تخطت عنان السماء بعشق ذاك الحنون الذي غمرها وقدم لها كل ما حُرمت منه وكأن الحياة أدخرت لها سعادتها لتوهبها إياها دفعةً واحدة على يد هذا الحنون،اصطحبتها إلى غرفتها الاولى واجلستها فوق الفراش وجاورتها لتقول باطراء بلمعة بعينيها:
-طلعتي شاطرة يا إيثار وعرفتي تخلي جوزك يحبك وميقدرش يبعد عنك
نكست رأسها بخجل لتستطرد الاولى حديثها:
-أنا عوزاكِ كده على طول، تدي له كل اللي يسعده وإوعي في يوم يطلب منك حاجة وترفضيها وخصوصاً الموضوع إياه
تحمحمت ليخرج صوتها مبحوح من جراء خجلها:
-حاضر يا ماما
هتفت الأخرى باستفهام:
-قولي لي ستهم عاملة إيه معاكِ، بتعاملك حلو؟
مطت شفتيها للامام لترد بلامبالاة:
-هي ست شديدة وكلامها صعب، لكن عمرو معايا دايمًا ومبيخليش اي حد يقولي كلمة تضايقني
لتستطرد متلهفة بعينين ظهر بهما الإنبهار:
-تصوري يا ماما، خلاها تغير قوانين البيت علشاني
ضيقت ببن حاجبيها لتتسائل بعدم استيعاب:
-قوانين؟!
لتهتف الاخرى بإبانة:
-بصي، هي كانت بتاكل هي وعمي نصر و أولادها على السفرة برة،وياسمين ومروة كانوا بياكلوا لوحدهم في المطبخ، بس عمرو قال لها إنه ميقدرش ياكل وأنا بعيدة عنه، وطلب منها تخلينا ناكل كلنا مع بعض، بس هي طبعاً رفضت، فـ عمرو قال لها إنه هياكل معايا فوق،وهي طبعاً اتضايقت وقعدت تزعق، بس في الاخر وافقت وبقينا كلنا بناكل مع بعض
واستطردت بعينين تقطر عشقًا:
-عمرو حنين وبيحبني قوي يا ماما
ردت باستحسان:
-شاطرة يا إيثار، شاطرة
واستطردت وهي تنظر ليدها محدقة بالثلاث أساور الذهبية اللواتي أهداهم لها عمرو بثاني أيام زواجه كتعبيرًا منه عن فرحته بعروسه الجميلة:
-والله وبقيتي سبب سعدي يا إيثار،لبست الدهب والحرير على إيدين جوزك
ابتسمت بسعادة وهي تربت على يديها بحنو:
-تتهني بيهم يا ماما.
خرجت لتجد تلك المتطفلة قد حضرت لتقبل عليها وتحتضنها برياءٍ وهي تقول بنبرة لائمة:
-كده يا إيثار، بقى تيجي من غير ما تعرفيني علشان أجي أقعد معاكِ وأشبع منك
تطلعت عليها باستغراب، فقد كانت ترتدي ثوبًا مجسمًا على جـ.ـسدها وحذاءًا بكعبٍ مرتفع ناهيك عن وجهها الملطخ بجميع أنواع والوان الزينة من يراها يتيقن بأنها ذاهبة لحضور حفل زفاف،أما منيرة فرمقتها بنظرة حادة ترجع لعدم راحتها لشخصها مؤخرًا،وبالاخص فترة خطبة عمرو وابنتها،فقد كانت تتعمد زيارتهم كل خميس أثناء زيارة عمرو لمنزلهم وتحاول جاهدة جذب انظاره بالتطفل بالحديث معه والضحكات الخليعة والملابس الضيقة والمثـ.ـيرة لأي رجل،لكن ما كان يجعل منيرة هادئة هو عشق عمرو الظاهر لإبنتها وهذا جعله لا يرى في الوجود سواها،فكانت عينيه لا تفارقها طيلة الزيارة حتى الرحيل، وهذا ما طمأن قلبها وقد حذرت صغيرتها منها وبالفعل إيثار بدأت بأخذ الحيطة والبعد عنها قدر الإستطاع
لوت منيرة فاهها لتسألها بطريقة توحي بعدم تقبلها وبأنها شخص غير مرغوب بوجوده:
-وإنتِ عرفتي منين إنها جاية النهاردة؟
أشارت إلى ياسمين التي كانت تجاورها الوقوف حيث خرجت لاستقبالها بعدما استمعت لصوتها المُنادي:
-كلمت نسرين إمبارح وسألتها وهي قالت لي
ابتلعت نسرين ريقها بصعوبة بعد نظرات منيرة النارية التي رمقتها بها لتهتف الاخرى مسترسلة بـ سماجة:
-هدخل أسلم على عمرو واجي أجهز معاكم الغدا
بالكاد نطقت كلماتها لتهرول للداخل تحت اتساع أعين إيثار ومنيرة التي لكزت نجلتها بذراعها قائلة:
-إدخلي لجوزك ومتسبيهوش لوحده مع العقربة دي
أما بالداخل، ولجت سريعًا تهرول إليه قائلة وهي تتلمس كف يده بنعومة لإيثـ.ـارته:
-إزيك يا عمرو
رمقها بغرابة ليسحب كفه من خاصتها سريعًا وكأن حية تلفحت بيده،أجابها ببرود وهو ينظر إلى غانم وعزيز ووجدي:
-الله يسلمك
وتابع استكمال حديثه لتجلس بجواره دون حياء، اقتربت إيثار ليقوم سريعًا لاستقبالها وهو يتطلع عليها كمن اهتدى لضالته مما أسعد قلب إيثار وأشعل قلب الاخرى،جلست إيثار بالمنتصف لتضع حدًا لتلك الثقيلة لتنسحب بعد قليل للخارج بعدما تجاهلها الجميع حيث اقترب عمرو من إيثار وبات يهمس لها بحديثٍ جانبي يعبر لها من خلاله عن كم اشتياقه لها
تناولا الزوجان غدائهما بصحبة عائلة غانم ليعود بزوجته من جديد إلى مسكن الزوجية الذي يشهد على أسعد أيام كلاهما معًا،صعد معًا بعدما رمقتها إجلال بسخطٍ تغاضت عنه لاجل عمرو الذي ما أن ولج لمسكنهما حتى حملها واتجه بها سريعًا لفراشهما كي يُشبع قلبهُ ويمنيه بقرب الحبيب،وبعد قليل كانت تقطن بأحضانه الحانية يحتويها بذراعيه وهو يقول بنبرة حنون:
-لو أقول لك وحشتيني قد إيه الشوية اللي قعدناهم في بيت عمي غانم مش هتصدقيني
تبسمت ليزداد جمالها وهي تقول:
-هو إحنا لحقنا نبعد يا عمرو، وبعدين هو أنتَ سبتني،ده أنتَ كنت لازق فيا طول الوقت
-لا وإنتِ الصادقة، صحبتك السخيفة هي اللي كانت لازقة فينا طول الوقت...قالها باعتراض ليسترسل مشمئزًا:
-يا ساتر يا إيثار، أنا مش عارف إنتِ إزاي مصاحبة واحدة زي اللي إسمها سُمية دي، فرق كبير قوي بينكم
أخذت نفسًا عميقًا لتجيبهُ بهدوء:
-مكنتش كده الأول،دي اتحولت وتصرفاتها بقت غريبة
-سيبك من سيرتها اللي تسد النفس وخلينا نكمل،هو أحنا كنا بنقول إيه؟
نطقها بدعابة لتبتسم وتقول بجرأة جديدة عليها:
-كنا بنقول إنك حبيبي، وإن ربنا بيحبني علشان كده رزقني بيك
حدقت عينيه ليهتف متلهفًا:
-إنتِ قولتي إيه؟، حبيبك، أنا حبيبك يا إيثار؟!
تبسمت لتنطق وهي تداعب وجنته بأناملها الرقيقة:
-إنتَ حبيبي وجوزي وصاحبي وكل ما ليا يا عمرو
كان يستمع لحديثها وشعورًا هائلاً من السعادة يجتاحه ليميل عليها لاثمًا شـ.ـفتيها بإثارة وهو يقول:
-ربنا يقدرني واخليكي أسعد واحدة في الدنيا كلها
-إنتَ فعلاً خلتني أسعد واحدة في الدنيا يا عمرو...نطقتها بنبرة حنون ليجذبها إليه ويغوصا معًا من جديد داخل عالمهما
بعد عدة أسابيع أخرى،تناولا طعام الغداء مع العائلة واصطحبها ليصعدا بعُش الزوجية ليهنيء بالقرب مِن مَن امتلكت القلب والوجدان،هيأت له الاجواء وجلست فوق الاريكة وأشعلت شاشة التلفاز بعدما أحضرت بعضًا من الفاكهة والمسليات وبدأ بمشاهدة أحد الافلام الرومانسية الاجنبية،وضعت رأسه فوق ساقيها وباتت تداعب خصلاته بأناملها الرقيقة مما جعله ينتقل لعالم ساحر من المشاعر المختلطة،أمسك بكف يدها وقبله لتسحبه من جديد ممسكة به قطعة من ثمار الكمثرى لتضعها بفمه ويقتضمها هو بسعادة، انتفض على أثر خبطات مرتفعة فوق الباب لتخرجهما من حالة الوله ليهب منتفضًا من مكانة يتحرك صوب الباب متوعدًا للطارق، فتح الباب وهم بفتح فمه ليبتلع حديثه حينما وجد والدته ليسألها باستغراب:
-خير يا ماما، فيه حاجة؟
-فيه حاجات مش حاجة واحدة يا نن عين ماما...قالت كلماتها وهي تجنب جـ.ـسده بذراعها لتلج مهرولة للداخل دون استئذان، ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب فمها وهي ترى تلك الجميلة الجالسة بثوب نومها الرقيق حيث كانت ترتدي قميصًا ناعمًا من الساتان باللون الازرق ليضفي على بياض جـ.ـسدها ويزيدها سحرًا،خجلت لتنكمش على حالها تخبيء فتحة صدرها بيديها تارة وتارة ساقيها العاريتين ليشعر عمرو بارتباكها ويُسرع مُلقيًا عليها عبائته الموضوعه جانبًا لتتنفس هي بعد شعورها ببعض الراحة، أما إجلال فهتفت ساخرة:
-وأنا أقول الباشا سايب أبوه وإخواته يراعوا المصالح لوحدهم ولازق فوق ليه، أتاري بنت منيرة لابسة له المحزق والملزق والمفتوح علشان تربطة جنبها، اللي موصيكي واعي يا حبيبتي
خجلت من تلميحاتها ليهتف عمرو بحدة بعدما شعر بإهانة زوجته:
-لازمته إيه الكلام ده يا ستهم
-لازمته إن أبوك متصل بيا وخارب الدنيا علشان واقف لوحده مع التاجر اللي جاي يشتري محصول جنينة المانجة، وبيتصل بيك بقا له ساعة، بس البيه مش فاضي،وراه حاجات أهم... نطقتها وهي ترمقها باشمئزاز ليهتف عمرو مبررًا:
-وأنا هروح اعمله إيه وهو بيتفق مع الراجل، وبعدين أنا مراتي كلها كام يوم وترجع لكليتها وهضطر أقوم كل يوم بدري اوديها وأجيبها يعني هتسحل أنا وهي، ومن حقي أخد الكام يوم دول راحة أتدلع فيهم أنا ومراتي
رمقتها بنظرة حقودة قبل أن تقول بما يشفي غليل قلبها:
-من الناحية دي إطمن يا حبيبي، إنتَ لا هتروح ولا هتيجي
ضيق بين عينيه لتسترسل وهي تنظر لإيثار بشماتة:
-أنا شايفة إن كفاية علام لحد كده على الست إيثار
ارتجفت أوصالها ليخرج صوتها أخيرًا:
-يعني إيه الجملة دي مش فاهمة؟
-إيه اللي مش مفهوم في كلامي يا عنيا، بقولك أنا قررت إنك خلاص مش هتكملي علام....نطقتها بنبرة ساخطة لتهتف الاخرى بارتياب:
-مستحيل طبعاً، أنا متفقة مع عمرو قبل الجواز إني هكمل السنة اللي فاضلة لي
-إتفاقك مع عمرو ده يا حبيبتي تبليه وتشربي ميته...قالتها بسخرية لترفع قامتها لأعلى بتفاخر وصوتِ حاد هز أركان المكان:
-أنا هنا الكل فالكل، الكلمة كلمتي والشورة شورتي.
نطقتها بجبروت لتسترسل قبل أن تنسحب للخارج:
-قومي غيري المسخرة اللي إنتِ لابساها دي وحصليني على المطبخ علشان تجهزي العشا للرجالة
لتستطرد متهكمة:
-أصل الخدامة اللي أبوكِ باعتها وراكي واخدة أجازة النهاردة
ابتلعت إهانتها بغصة مريرة ولم تستطيع الرد لتحذيرات والدتها الشديدة بعدم الرد وبالاخص على تلك المتجبرة، نظرت لـ زوجها الواقف مكتف الأيدي لتهرول عليه قائلة بنبرة مترجية:
-عمرو أنتَ ساكت ليه، إنتَ هتسيب مامتك تتحكم في مستقبلي وتنفذ كلامها؟
أخذها بأحـ.ـضانه ليهديء من روعها وهو يقول:
-إهدي يا حبيبتي ومتقلقيش،انا هكلمها بس مش الوقت علشان ماتعندش،لما تهدى
-وعد يا عمرو...نطقتها بعينين متوسلتين ليهز لها رأسهُ بتأكيد، وبالفعل توسط لها عند والدته لتوافق بعد جدالٍ عنيف بينها وبين نجلها المدلل وكالعادة فاز هو بالجولة لكنها اشترطت ان تذهب إيثار إلى كليتها مرتين فقط بالإسبوع ،مرت الايام وحملت إيثار بجنينها الاول والذي سعد به الجميع وكانت الفرحة لا تسع قلبي إجلال ونصر عندما علما بأنه ذكرًا، مرت الشهور سريعًا وأنجبت إيثار يوسف ومر عامًا اخر سريعًا ما بين شد وجذب وتهكم إجلال وحقدها الظاهر على من ملكت لُب مدلل قلبها
وبغروب يومٍ ما، كانت تقبع بمسكنها الخاص،حملت صغيرها الذي أكمل عامًا ونزلت به الدرج لتجد مروة جالسة بمفردها ببهو المنزل،اقترحت عليها مروة بأن يخرجا ليشتما بعض الهواء أمام البوابة الحديدية وبالفعل خرجت بجوارها وأثناء وقوفهم أقبل عليهم أحمد إبن عم زوجها،ألقى عليهم السلام وحمل الصغير وبدأ بمداعبته وطلب من مروة كأسًا من الماء لشدة عطشه،أتي عمرو بتلك اللحظة ليجد أحمد حاملاً صغيره يداعبه ويتحدث إلى إيثار المبتسمة،اشتعلت النار وسرت بأوردته وذلك لشدة ما شعر به من غيرة وشك اقتحم قلبه،تحدث إلى زوجته بنبرة جادة متجاهلاً إبن عمه:
-إيه اللي موقفك برة؟
-خرجت أشم هوا أنا ومروة...هكذا أجابته بملامح وجه متعجبة حدته ليهتف أحمد بمداعبة:
-يا اخي طب قول السلام عليكم الاول
بسط يده يتناول صغيره الذي ما أن رأه حتى ابتسم وارتمى عليه،تحدث لابن عمه وهو يشير لها بالدخول:
-معلش تعبان شوية.
إعتذر أحمد وذهب بعدما شعر بعدم رغبة عمرو بوجوده ودخلت هي بجواره ليتقابلا بمروة التي تحدثت إليها وهي تشير بكوب الماء:
-هو أحمد مشي من غير ما يشرب؟
وقفت ليرتجف جـ.ـسدها حينما صرخ بها قائلاً:
-تعالي ورايا
تعجبت مروة تجهم ملامح عمرو وحدة لهجته مع إيثار وهذا ما لم يحدث من قبل، صعد الدرج وهي خلفه لتسألهُ متعجبة:
-مالك يا عمرو، إنتَ إتخانقت مع عمي نصر؟
لم يعير لكلماتها أدنى إهتمام واكمل صعوده وهو يحمل الصغير،وقف أمام باب الشقة ليفتحه وما أن دلفت وقبل أن يُغلق الباب كان صافعًا إياها بقوة جعلت الذهول سيد موقفها، بنفس توقيت سقوط اللطمة على وجنة إيثار كانت إجلال تخرج من الشقة المقابلة حيث تحتفظ داخلها بأشياء ثمينة وكانت تتفقدها، سعد قلبها لهذا المشهد الذي أثلج صـ.ـدرها ليغلق عمرو الباب دون أن يرى والدته ليكمل بصوتٍ يحترق من شدة غيرته عليها:
-أول واخر مرة أشوفك واقفة مع اللي إسمه أحمد أو أي حد غيره
ليسترسل بنبرة صارخة:
-وإياك أساسًا أشوفك واقفة قدام الباب تاني.
كان يتحدث ويصرخ وهي ساكنة لم تنبس ببنت شفة تنظر للأمام وكأنها أصبحت خارج نطاق الزمن،شعر بالندم الوقتي لكنه أبى الإعتذار، تعالت صرخات الصغير ليلقيه بأحضـ.ـانها ويخرج تاركًا المنزل بأكمله تحت صدمة وذهول إيثار التي وعت على صرخات صغيرها،لتبدأ بهدهدته وهنا إنهمرت دموعها بغزارة وكأنها استفاقت ووعت لتستوعب ما حدث للتو من حبيبها،بعد حوالي ثلاثة ساعات، لم تتوقف بهم دموعها ولا صرخات الصغير وكأنهُ يشعر بألم غاليته النفسي،انتبهت لطرقات فوق الباب فجففت دموعها سريعًا واتجهت للباب تفتحه تحت صرخات الصغير التي زادت،وجدت إجلال بوجهها وبدون حديث جذبت الصغير من بين أحضـ.ـانها لتهدأته،ثم نظرت لها لتقول بذات مغزى:
-أنا هاخد الولد يبات معايا النهاردة،وإنتِ حاولي تراضي جوزك لما يرجع
1
-عمرو لو بات زعلان النهاردة أنا اللي هزعلك...نطقتها بتهديد مباشر واستدارت لتهبط الدرج بالصغير،تاركة خلفها تلك التي شعرت بأنها ذليلة ومازاد من شعورها بالمرارة هو إنقلاب زوجها عليها وإهانته القاسية ليتحول لجلادها بعدما كان لها الامان،انسحبت لغرفة صغيرها واوصدت بابها بعدما عقدت النية على الابتعاد عنه كي يشعر بفظاظة ما اقترفه بحقها،دقت الساعة الواحدة ليعود هو بجـ.ـسدٍ مترنح نتيجة ما تناوله من مشروب كحـ.ـولي ونوعًا من الحبوب المخـ.ـدرة مع أصحاب السوء الذي كان يرافقهم قبل زواجه من إيثار والذي تغير كليًا على يدها لكنه عاد اليوم ليرتمي بين أحضـ.ـانهم بعد أول خلاف مع زوجته،ولج للغرفة يبحث عنها ليجن جنونه بعدما تأكد من عدم وجودها،هرول كالمجنون يبحث عنها داخل الحمام والمطبخ وبالاخير وصل لغرفة صغيره ولف مقبضها ليتنفس الصعداء عندما وجده موصود ليتيقن أنها بداخله
-إفتحي الباب يا إيثار...قالها بثمالة لتغمض عينيها ودموعها تنهمر فوق خديها بغزارة ليصيح بصوتٍ عالي بعدما وجد منها الصمت:
-قولت لك إفتحي الباب بدل ما اكسره
نطقت بدموعها الحزينة:
-إمشي يا عمرو، روح نام في أوضتك وسيبني في حالي
لم يتمالك حاله عندما استمع لصوت شهقاتها المتألمة ليهمس بصوتٍ نادم:
-إفتحي يا حبيبتي وأنا هنسيكي كل اللي حصل، علشان خاطري إفتحي، والله يا إيثار ماهمد إيدي عليكِ تاني
-إمشي بقى، قولت لك إمشي...نطقتها بصياحٍ ودموع ليصرخ بقوة بعدما جُن لابتعادها عن أحـ.ـضانه:
-إفتحي الباب بقولك
بات يركل الباب بقدمه ويصرخ ليستيقظ جميع من بالمنزل على صرخاته الجنونية وهو يقول بحدة:
-إفتحي يا إيثار، مش هعرف أنام وأنا بعيد عن حُضـ.ـنك،إسمعي الكلام وافتحي.
نطق الأخيرة بصراخ ليتصنم مكانهُ حينما استمع لصوت نصر الذي جلجل بالمكان ليهتز على أثره أركان المنزل بأكمله وهو يقول:
-وطي صوتك يا بقف وداري على خيبتك التقيلة، وبدل ما أنتَ واقف تصرخ زي النسوان إكسر عليها الباب وربيها من جديد
واستطرد نادبًا:
-يا خيبتك في ابنك يا نصر،على أخر الزمن إبن نصر البنهاوي واقف يعيط ومذلول على إيد بنت غانم.
وصل حديث نصر المهين لمسامعها ليجعلها تدخل بنوبة من الإنهيار أكثر بعدما شعرت بالإهانة لشخصها والتقليل من شخص أبيها، انتفضت من جلوسها لترتدي عبائة منزليه وتلف حجابها سريعًا لتفتح الباب وتهرول صوب باب الشقة الخارجي متجنبة ذاك المترنح،وقفت بأعلى الدرج لتهتف بدموعها بصوتٍ لائم:
-بدل ما حضرتك تتكلم عني وتهيني أنا وابويا بالطريقة دي،كنت تسألني الاول أنا قافلة ليه الباب على نفسي
رمقها بغضبٍ عارم لتتجاهلهُ مسترسلة بدموعها الحارة بعدما لمست وجنتها بتأثر:
-إبنك ضربني بالقلم من غير ما أعمل له أي حاجة
ابتسم ساخرًا ليصيح بجبروت:
-ويضربك بالجزمة كمان
اتسعت عينيها بذهول لتكمل إجلال على حديثه بكبرياءٍ وإهانة:
-فوقي لنفسك يا حبيبتي وأعرفي قدرك في البيت ده،أنا مجوزاكِ ليه علشان مـ.ـزاجه، مـ.ـزاجه وبس، يعني يضربك بالجزمة تناوليها له تاني وتوطي على إيده تبوسيها
واستطردت وهي تشملها بنظرات إحتقارية:
-وتحمدي ربنا إن إبن الحاج نصر وستهم، إتنازل واتجوز بنت عمي غانم الجوهري
نزلت عليها كلماتهم لتنهي على ما تبقى من كرامتها لتشعر كم هي ذليلة بلا سند أو عون
صعد طلعت من الطابق الثاني للثالث التي تقطنه وتحدث بهدوء بعدما رأى إنهيارها من حديث والديه المهين لها والذي حدث على مرأى ومسمع أهل المنزل بأكمله:
-إدخلي شقتك واستهدي بالله
بعينين زائغتين نظرت له ليشير لها بكفه للداخل، تحركت بجانبه لتتفاجأ بزوجها مستلقيًا على الأرض بعدما خارت قواه واستسلم للنوم من تأثير المشروب والحبوب التي تناولها بصحبة رفقاء السوء، هرول طلعت على شقيقه ليساعده على النهوض لينضم إليه حسين وحملاه ليضعاه بفراشه ليهتف حسين بسخطٍ وهو ينظر على شقيقه:
-بدل ما يشوفوا خيبة إبنهم قاعدين يهينوا في بنات الناس ويذلوا فيهم، ويعايروهم بالأملة اللي بقوا فيها لما نالوا شرف جوازهم من ولاد الحاج نصر
زفر طلعت ليقول لشقيقه:
-ابوك صح، كل واحدة في البيت ده لازم تعرف تمامها علشان ماتسوقش العوج علينا بعد كده
خرجا من الحجرة ليرا تلك الـ إيثار مازالت على حالها وكأنها تعرضت لصدمة قويّة جعلتها تدخل بحالة من اللاوعي، كانت تتطلع أمامها في نقطة اللا شيء ليحزن حُسين لأجلها وهو يقول مشفقًا على حالها:
-إدخلي إغسلي وشك ونامي والصباح رباح
هزت رأسها دون حديث لينسحبا للطابق الاسفل تاركين تلك المتألمة بدوامة أحزانها.
*******
«عودة للحاضر»
بداخل مطبخها الانيق، تقف هي وعزة تعملان على قدمٍ وساق تتسابقا مع الزمن لتجهيز كل ما لذ وطاب قبل حضور والدها الحبيب ونجلها الغالي،هتفت لـ عزة قائلة بتسرع:
-شوفي صنية المكرونة لـ وشها يتحرق يا عزة
أسرعت لتفتح فرن الموقد وتخرجها قائلة بسعادة:
-الله أكبر، الصنية زي الفل وشكلها يفتح النفس
-طب كويس الحمدلله، كملي بقى تقطيع السلطة وحطيها في الثلاجة...قطع حديثها رنين الهاتف الذي صدح بالمكان لتسرع لالتقاطه من فوق رخامة المطبخ وتنظر بشاشته لتقطب جبينها وهي ترى عدم ظهور الرقم، زفرت بضيق عندما تيقنت بشخص المتصل،إنه ذاك المغرور غريب الاطوار لا غير،تحدثت لنفسها بصوتٍ هامس:
-مش وقتك خالص إنتَ كمان
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تجيب بصوتٍ صارم ردًا على معاملته السخيفة لها اليوم:
-ألو
كان يقف بشرفة غرفته يحتسي كوبًا من القهوة الساخنة وما أن أتاهُ صوتها الحاد حتى تبسم ليجيبها بصوتٍ مرن:
-إزيك يا أستاذة
أشتعل داخلها من بروده لترد سريعًا بعدما عقدت النية على رد الإهانة له بطريقتها حتى تشفي غليلها منه:
-مين معايا؟
رفع حاجبهُ باستنكار ثم أخرج لسانهُ ليمرره فوق شفته العلوى بتسلي بعدما فهم بفطانته أن تلك الشرسة تريد اللعب معه، فمرحا بك أيتها المشاكسة داخل عالمي المليء بالمغامرات،فدعينا نلهو ونمرح ونتسلى سويًا،استعاد توازنهُ لينطق بنبرة حنون أربكتها:
-معقولة لحقتي تنسي صوتي؟
ليسترد بتسلي:
-ده انا حتى نبرة صوتي مميزة
-ده على أساس إننا كل يوم بنتكلم بالساعات،مكنوش مرتين اللي إتكلمنا فيهم...نطقتها بعفوية لتلعن حالها وغبائها الناتج عن تشتتها وعدم تركيزها لتعلو قهقهاته التي أربكتها وجعلت من قلبها يدق بوتيرة عالية، فقد كانت ضحكاتهُ مثيرة للغاية،لحضوره هيبه وهالة تجعل كل من يراه يُأثر برجولته الطاغية، تكاد تجزم بأن لولا تجربتها المريرة التي جعلتها تعكف عن صنف الرجال بأكمله وتقرر العزوف عنهم والنأي بحالها من براثنهم لكانت وقعت صريعة غرامه بالوهلة الاولى التي رأتهُ بها،لكن ولسوء حظها فقد دخل حياتها بالتوقيت الخطأ،وعت على حالها عند إستماعها لصوته الرجولي وهو يقول بطريقة جعلتها تشعر بالحرج:
-طب ما أنتِ عارفاني اهو، لازمتها إيه بقى دخلة الوش الخشب دي
واستطرد بدعابة جعلتها تضغط بأسنانها فوق شفتها السُفلى:
-ولا الاستاذة بترد لي اللي حصل مني النهاردة؟
واسترسل سريعًا قبل أن تسوء فهم حديثه:
-واللي كان غصب عني على فكرة
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بأسف ولأول مرة بحياته ليكسر معها أولى ثوابته:
-لو قولت لك أنا أسف هتقبلي؟
إنتفاضة وقشعريرة سرت بجميع جـ.ـسدها لا تعلم مصدرها،بالتأكيد حدثت نتيجة صوته الناعم الذي اسرها، نظرت من حولها لترى عزة منشغلة بالعمل فخرجت منسحبة للخارج لتصل لغرفتها وهي تتلفت من حولها بارتياب:
-محصلش حاجة علشان تتأسف
واستطردت بعدما انتوت مشاكسته:
-وبعدين أنا متعودة منك على كدة
كرر ضحكاته من جديد لتغمض على اثرها عينيها وتستمع لصوته المنتعش وهو يقول:
-تقصدي إن قلة ذوقي مش جديدة عليكِ؟!
حمحمت لتجيبه بصوتٍ ناعم أثار داخله لينتفض قلبه بهزاتٍ عنيفة تعجب لها:
-العفو يا سيادة المستشار، حضرتك شخص ذوق ومحترم
-حضرتك وسيادة المستشار في جملة واحدة...نطقها بملاطفة لتبتسم بهيام لتنتفض سريعًا بعدما استمعت لصوت عزة التي ولجت إليها قائلة بتعجب:
-بتكلمي مين كل ده
حمحمت ليخرج صوتها مرتبكًا وهي تقول بارتياب:
-مكالمة خاصة بالشغل.
طب يلا إنجزي علشان تلحقي تاخدي شاور وتغيري هدومك قبل ما أبوكِ ييجي... اتسعت عينيها بذهول وباتت تشير بكفها بأن تصمت لتخرج الاخرى وهي تبرطم بكلماتٍ معترضة:
-إنتِ حرة، كله هييجي على دماغك في الاخر
أصيب بنوبة من الضحك الهيستيري مما استمعه من تلك المصيبة المتحركة على الارض ليصل لمسامعه صوت تلك التي شعرت بالخجل يعتريها وهي تقول:
-أنا أسفة
هي دي مامتك؟... نطقها بعفوية لتتنهد بألم حين تذكرت حالتها المريرة لتجيبهُ باقتضاب وضيق شعر هو به:
-لا، دي عزة اللي بتساعدني في تربية يوسف
تعجب لتغيير نبرة صوتها لكنه لم يرد أن يُقخم حاله بحياتها الخاصة أكثر فتحدث بعملية بعدما استمع لحديث المرأة وتيقن تعجلها:
-طيب علشان مضيعش وقتك لأن واضح إنك مشغولة، أنا بكلمك علشان أبلغك إني حابب إنك تكوني حاضرة معانا بكرة المقابلة بين أيمن الاباصيري وصلاح عبدالعزيز
قطبت بين عينيها لتسألهُ باستغراب:
-وأنا هحضر بصفتي إيه؟
بصفتك إني عاوز ده يحصل...نطقها ببعضًا من الغرور لتجيبهُ متهكمة:
-لاااا والله،تصدق أقنعتني
اطلق ضحكة عالية لتتنهد من جديد بعد أن وضعت كف يدها فوق صـ.ـدرها وكأنها تهدأ قلبها وتطالبهُ بالتعقل وعدم الإنصياع لتلك الدقات الغبية،لينطق هو بغرورٍ مصطنع:
-ده العادي بتاعي على فكرة، شرسبيل بقى.
لمست به حس الفكاهة وتعجبت التغيير الشامل بمعاملتها ليقول هو بجدية بعدما شعر بتلبكها:
-نتكلم جد شوية
-ياريت...نطقتها بهدوء ليكمل هو:
-انا بجد محتاجك معايا
نطقها بنبرة ناعمة لتنزل الكلمة على قلبها زلزلته،ليكمل هو بجدية:
-انا محتاج لحد عاقل زيك علشان يساعدني في مهمتي، وأهو بالمرة تاخدي ثواب
ابتسمت لتجيبه بصوتٍ متأثر:
-تمام، أنا معاك
نطق بصوتٍ هاديء:
-إتفقنا، مش هأخرك أكثر من كده
ليسترسل بوقاحة جديدة عليه:
-علشان تلحقي تاخدي الشاور بتاعك،نعيمًا مقدمًا
واستطرد بملاطفة:
-مش بردوا بيقولوا كده بعد الشاور؟
شعرت وكأن أحدهم قد سكب فوق رأسها دلوٍ من الماء البارد لتهتف بنبرة جادة لتعديه حدود اللباقة والخصوصية:
-بعد إذن حضرتك، مضطرة أقفل.
-تمام، مع السلامة... نطقها بهدوء لتغلق وهي تهتف بغضبٍ بصوتٍ مسموع:
-واحد قليل الأدب
لتهتف بصوتٍ غاضب وهي تتجه نحو عزة للفتك بها:
-إنتِ يا عزة هانم،يومك مش فايت النهاردة
أما عند فؤاد،الذي ألقى بهاتفه جانبًا ليمسك بكفيه سور الشرفة وبدأ يتنفس بارتياح وهو ينظر للزهور المتواجدة بحديقة القصر قبل أن يقول لحاله بصوتٍ مسموع:
-إنتِ هتتشاقى على كَبر وتخيب ولا إيه يا فؤاد
واسترسل بغرور يليقُ به:
-رفقًا بقلوب العذارى يا ابن الزين،البت غلبانة ومش قد سحرك.
↚
«كُنتِ لي يومًا أسْمَى وأَنْبَل أمنياتي،حتى أني لقبتُكِ بأعظم إنتصاراتي
فكيف بين ليلةٍ وضحاها يتحول إنبهاري لبُغْضٍ،وتُصبحين أَضْخَم خيباتي»
فؤاد علام زين الدين
بقلمي« روز أمين»
ارتدت أفخم ثيابها استعدادًا لرؤية أبيها العزيز التي حُرمت من رؤياه لمدة تخطت الستة أشهر منذُ أخر زيارة لها إلى البلدة وما حدث بها،حيث اتفق عزيز مع عمرو ووالدهُ وهاتفها أيهم ليبلغها بمرض أبيها الشـ.ـديد وبأن عليها الحضور الفوري لتهرول لمنزل عائلتها والرُعب يعتريها،دقت فوق الباب بلهفة لتجد ذاك العاشق يقابلها بباقة رائعة من الزهور مع ابتسامتهِ التي باتت تبغضها كـ كُل شيئًا يتعلقُ به ويذكرها بماضيها الأليم،تنفست بقوة وكأنها تنفض عنها تلك الذكريات البغيضة لتنتعش روحها وهي تنظر لانعكاس صورتها بالمرأة وتبتسم وكأنها تبث الأمل بداخلها، خرجت من غرفتها لتجد عزة تقابلها حيث ولجت من شرفة البهو بعدmا روت الزهور والزرع،لتهتف بانبهار عند رؤيتها لتلك السعيدة:
-وشك منور وكأنك بدر في ليلة تمامه، طبعاً حد قدك، هتشوفي اغلى الغوالي، أبوكِ وإبنك
لم تعير لحديثها إهتمام ولم تلتفت لها من الأساس لتسترسل الأخرى بتقليل من حجم ما اقترفته:
-مكنوش كلمتين وقولتهم اللي هتفضلي لويالي بوزك عليهم طول النهار
احتدت ملامح الاخرى وهي ترمقها باشتعال لتستطرد عزة بتطفل كعادتها:
-طب هو أنتِ كنتي بتكلمي مين؟
هتفت بحدة بالغة:
-كنت بكلم وكيل النيابة المسؤل عن حادثة كريم الله يرحمه،يارب تكوني إرتحتي بعد الرغي والهرتلة اللي قولتيها قدامه
لوت فاهها لتقول بلامبالاة بعد تفكُر:
-وهو يعني وكيل النيابة ده مابيستحماش زينا
رفعت ساعديها لأعلى وقبضت على كفيها بقوة وهي تغمض عينيها في محاولة منها للسيطرة على كم الغضب الهائل الذي أصابها من أثر لامبالاتها لتصيح وهي تقول بامتعاضٍ ظهر بَين على ملامحها المكفهرة:
-عزة...قطع حديثها صوت جرس الباب فهرولت عزة بالمبادرة بفتحه كي تنأى بحالها من إنفجار تلك الغاضبة بها،ولج والدها وهو يحمل صغيرها ويجاوره الحارس الخاص بالبناية يحمل عنه حقيبة كبيرة مليئة بخيرات الريف المصري، انتزعت عزة الصغير من أحضـ.ـان جده لتضمه وتشتم رائحته التي اشتاقتها لمدة يومان، أما إيثار فهرولت لتحتضن والدها وللترحاب به حيث تأثر كلاهما باللقاء للحد الذي جعل دmـ.ـو.عهما تسيل فوق وجنة كلًا منهما،تحدثت إليه بدmـ.ـو.عها:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا بابا، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
بادلها العناق وبعدmا فاق من تأثرهما باللقاء تحدث إليها وهو يُشير للحقيبة:
-امك باعتة لك دكرين بط وكام فرخة بلدي علشان يوسف
لوت جانب فمها بطريقة ساخرة لتقول بنبرة تحمل الكثير من الألم:
-كتر خيرها
تنهد الأب لأجل تلك الموجوعة لتهتف بانتشاء في محاولة منها للخروج من دوامة أحزانها التي لا تنتهي:
-تعالى يا بابا إغسل إديك ووشك علشان نتغدا
واستطردت وهي تحمل صغيرها وتتحرك به للداخل:
-أنا وعزة عملنا لكم كل الاكل اللي بتحبوه
-عملتي لي الفراخ المقرمشة اللي بحبها يا مامي؟
-عملت لك كل الحاجات اللي بتحبها يا قلب مامي...نطقتها بنبرة تفيضُ حنانًا وهي تتطلع لصغيرها التي اشتاقت لرائحته حد الجنون
جلست بصحبة والدها الحنون وتناولا الغداء فوق الطاولة التي رُص عليها كل ما لذ وطاب من أكلات متنوعة يفضلها والدها ونجلها العزيزان، وبعد انتهاء الطعام جلس الجميع بالبهو وبدأوا بتناول الفاكهة والحلوى ليقضي الجميع سهرة مميزة
بأخر الليل،بعدmا ولجت لداخل حُجرتها لتستريح من عناء اليوم،وجدت من يطرق الباب بخفة فسمحت له ليدخل والدها بابتسامتهُ البشوش التي تعشقها،لتسألهُ بتلهف:
-عاوز حاجة يا بابا؟
-عاوز أتكلم معاكِ شوية...قالها بهدوء لتجيبه وهي تُشير إلى حافة الفراش ليقول بتأثر بعدmا تجاورا الجلوس:
-أنا عارف إني مكنتش الأب الكويس ولا السند الشـ.ـديد ليكِ، مقدرتش أحميكِ من ظلم اللي حواليكِ واولهم امك وإخواتك
كادت أن تتحدث فطلب منها الصمت حتى ينتهي:
-انا خايف عليكِ ليبهدلوكِ من بعدي يا بنتي
-بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا يطول في عمرك ويبـ.ـارك لي فيك...نطقتها بفزع ليجيبها بإيمان:
-المـ.ـو.ت مش شر يا إيثار، المـ.ـو.ت علينا حق
تحدثت بعينين متأثرتين:
-أرجوك يا بابا تبطل الكلام ده وبلاش تقلقني عليك.
اجابها بهدوء:
-سيبك من الكلام ده وخلينا نتكلم في المهم، أمك واخواتك حب المال عامي عنيهم وعلشان ينوبهم جانب من مال نصر المتلتل مستعدين يعملوا أي حاجة، حتى لو كانت الحاجة دي فيها أذيتك
توقف ليأخذ نفسًا عميقًا تحت نظراتها المتأثرة ليقول بعزيمة:
-علشان كده أنا فكرت في حاجة هتحميك منهم لو جرا لي أي حاجة
تطلعت بتمعن على تلك الورقة التي أخرجها من بين طيات ملابسه ليتحدث بإبهام:
-أمانك منهم موجود في الورقة دي
قطبت جبينها لتسألهُ مستفهمة:
-ورقة إيه دي يا بابا؟!
تنفس بهدوء ليخبرها:
-ده عقد بيع وشراء مني ليكِ بالبيت والارض اللي حيلتي،خليت محمد ابن عبدالسلام ابو مسعود المحامي يكتبهم لك وبصمت عليهم أنا واتنين شهود، فاضل بس إمضتك، وأمنته مايجيب سيرة لأي مخلوق
واستطرد تحت ذهولها:
-دول اللي هيأمنوكي من غدر إخواتك بيكِ
1
هتفت وهي تهز رأسها باستنكار:
-لو كنت فاكر بإنك كده بتحميني فاحب أقول لك إنك باللي عملته ده بترميني في نار جهنم باديك
-عزيز اخويا لو عرف مش بعيد يقـ.ـتـ.ـلني فيها... نطقتها بعيونٍ زائغة مرتعبة، لتسترسل برفضٍ تام:
-ده غير إني مستحيل أوافق على حاجة زي دي،انا مش عاوزة منهم حاجة غير إنهم يحبوني ويحسسوني إني اختهم،ده غير اللي حضرتك عملته ده حـ.ـر.ام شرعًا وانا لا يمكن أوافق عليه
1
أخذ نفسًا عميقًا ليتحدث بتفاخر بردة فعلها:
-أنا كنت متأكد إنك هترفضي ومستحيل تاخدي حق اخواتك،وعلشان كده كتبت لك كل حاجة وأنا مطمن
ضيقت بين عينيها لتسألهُ:
-انا مش فاهمة حاجة؟!
تحدث بإبانة:
-بصي يا بنتي،انا عارف إنك مستورة من ورا شغلك، عندك شقتك وعربيتك وقادرة تعيشي وتربي ابنك برغم اللي نصر عامله فيكِ، وإخواتك غلابة محلتهمش حاجة من الدنيا غير حتة البيت والكام قيراط اللي ورثتهم عن أبويا الله يرحمه
-ولما حضرتك عارف ده كتبت لي كل حاجة ليه؟
اجابها بحكمة رجل اكتسبها عبر سنوات عمره الطوال:
-العقود دي هتفضل معاكِ ومش هتطلع إلا لو عزيز حاول يضايقك وياخد حضانة إبنك منك، ساعتها هتخرجيها وتهدديهم بيها،وتحطيها شرط بعادهم عنك، وانا متأكد إن ساعتها عزيز هيختار السكات والبُعد، وبكدة أبقى حمـ.ـيـ.ـتك من شرهم حتى بعد ممـ.ـا.تي
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها بعدmا اكتملت فكرته ووضحت لها لترتمي بين أحضان غاليها الذي يفكر بحمايتها من أشرار روايتها حتى بعد رحيله،انهمرت دmـ.ـو.عها لتغرق ثياب ذاك الطيب مما جعل دmـ.ـو.عه هو الاخر تسيلُ تأثرًا بتعلق ابنته بتلايب جلبابه كمن وجدت بعد عناءِ حِصنها.
1
*******
داخل المطبخ الخاص بسجن القناصر المخصص للنساء،تقف تلك النحيفة القوام بثوبها وحجابها بلونهما الأبيض تزفر وتبرطم ببعض الكلمـ.ـا.تٍ الساخطة كعادتها وهي تقوم بتقليب الطعام بالوعاء الكبير لتهتف تلك الموظفة المشرفة عليهم وهي تتنقل بينهُن بجسدها البدين وثيابها الميري:
-بطلي برطمة وخلصي اللي في إيدك علشان تلحقوا تطفحوا في الميعاد
رمقتها بنظرة غاضبة لتهتف الاخرى وهي تشملها بازدراء:
-قلبي الأكل كويس يا بِت بدل ما يتحرق منك وتتجازي زي العادة
لم تجيبها لتسترسل الاخرى متهكمة:
-شكلك حبيتي الإنفرادي وبتحرقي الاكل مخصوص علشان تترمي فيه
انطلقت ضحكات السجينات ساخرين من تلك التي تتعالى على جميعهُن لتصيح السجانة بصوتٍ غليظٍ دب الرُعب بقلوبهن:
-إخرسي يا ولية وشوفي شُغلك منك ليها
ابتعدت السجانة لتقترب سيدة ثلاثينية من نجلا وهي تهمس لها بتودُد:
-ولا يهمك منهم،دول شوية غجر ميعرفوش قيمتك يا بنت الأكابر
تنهدت نجلا بأسى وهي تتطلع على المرأة وعلى المكان التي زَجت بنفسها بداخل براثنه لتتحسر على ما أوت إليه، رفعت ذراعها لتجفف بطرف الجلباب جبهتها المتعرقة من جراء موقد النار الواقفة أمامه لتتابع تقليب ما بداخل القدر بذراعيها وهي تلعن حالها وفؤاد اللذان أوصلاها إلى هنا، اقتربت منها سيدة ببداية عقدها الخامس ويبدوا على وجهها الطيبة لتقول بنبرة هادئة:
-لو فضلتي على حالتك دي هتتعبي،حاولي تتقبلي الوضع الجديد لحياتك وبلاش تستفزي الستات بسكاتك ونظراتك ليهم،علشان ميحصلش زي قبل كدة ويتربصوا لك ويضـ.ـر.بوكِ.
لم تجيبها لتسترسل الاخرى متعجبة صمودها:
-يا بنتي ده أنتِ ليكِ سنتين هنا،مزهقتيش من السُكات!، طب ما وحشكيش الكلام، دي حتى الستات معروفين بالرغي
أخذت تقلب عينيها بضجر من ثرثرة تلك السيدة التي تصر على إقتحام دائرة الصمت التي صنعتها لحالها لتتحدث بعدmا سأمت حديثها:
-ممكن تسبيني في حالي؟
تحدثت المرأة بتودد:
-يا بنتي أنا خايفة عليكِ،السكات ده مش حلو علشانك
-غريبة قوي،هو انتِ هت عـ.ـر.في مصلحتي أكتر مني؟...نطقتها بسأم لتهتف بسخطٍ بعدmا احتدت ملامحها:
-ممكن تبعدي عني؟
قالتها وهي تُشير بكفها باشمئزاز لتهز السيدة رأسها بأسي وتحركت دون أن تنبس ببنت شفة لتزفر الاخيرة بوجهٍ مكفهر وهي تتطلع من حولها على الجميع باشمئزاز
انتهى الجميع من تجهيز الطعام وقُمن بسكبه وجلسن ليتناولوه،جلست كعادتها تُقلب بالملعقة داخل صحنها وهي تتطلع على الطعام بتقزز واشمئزاز، تنهدت حين لاحت بمخيلتها طاولة الطعام الخاصة بقصر علام زين الدين،تذكرت ما كان يُرص فوقها من أصناف طعامٍ متعددة وفاخرة،حـ.ـز.نت لما خسرته ولجسدها الذي أصبح نحيفًا وفقد كثيرًا من الوزن لعزوفها عن طعام السجن المقزز ليقطع شرودها دخول الحارسة التي نطقت بصياحٍ حاد:
-نجلا جلال السيد منير
التفت للخلف تتطلع عليها لتسترسل الأخرى بإعلام:
-زيارة
انتفضت من جلوسها لتتحرك سريعًا مع السيدة إلى أن وصلت للمكان المقصود،أسرعت لترتمي داخل احضان والدتها التي تحدثت بدmـ.ـو.عها المنهمرة كـ كل مرة ترى بها فلذة كبدها بهذا الرداء الأبْيض:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا نجلا
ارتمت فوق كتف والدتها لتنهمر دmـ.ـو.عها الحبيسة وكأنها لا تجد السبيل لأخراجها سوى بداخلها،رفعت وجهها وجففت دmـ.ـو.عها سريعًا لتتحدث على عجالة وهي تجاور والدتها الجلوس فوق تلك الأريكة الخشبية:
-طمنيني،قابلتي فؤاد؟
تطلعت للحقائب الموضوعة جانبًا وهي تقول بنظرات زائغة لتغيير الموضوع:
-جبت لك لبس وأكل وشوية فواكه من اللي بتحبيها
تعلم أن والدتها تتهرب من الإجابة لذا سألتها من جديد بنبرة جادة:
-إتكلمتي مع فؤاد؟!
تنفست لتنظر أرضًا بخيبة أمل وهي تقول:
-ملحقتش،أول ما عِرف إني طالبة أقابله خرج لي برة القصر وكلمني بطريقة زي الزفت قدام الـ Security، وسابني ودخل بعد ما وصاهم يطردوني
رفعت رأسها لتزفر بقوة بعد أن أغمضت عينيها وهي تقول بإصرار:
-لازم تحاولي تاني يا ماما، أنا مش هقدر أكمل وأضيع خمس سنين من عمري تاني في السجن
أجابتها بيأسٍ:
-مش هقدر أروح القصر تاني يا نجلا، فؤاد وصى الـ Security لو شافوني هناك تاني يطلبوا لي الشرطة ويقدmوا بلاغ إني بتهجم عليهم، وأول ما روحت اللي إسمها فريال جت لي لحد البيت وهددتني، لو مبعدتش عن فؤاد هتلبسني أنا كمان تهمة وتجبني أقعد جنبك
احتدت ملامحها وبلحظة اشتعلت مقلتيها وامتلئت بشرارات الغضب وهي تصيحُ بسخطٍ:
-يعني إيه!، هتخافي من كلام اللي إسمها فريال ومش هتحاولي علشاني،إنتِ كمان هتتخلي عني زيهم؟
طبعاً، ما إنتِ عايشة حياتك بتاكلي وتشربي وتنامي على سريرك المفروش بالحرير ومش حاسة بالجحيم اللي أنا عايشة فيه هنا
نطقت الاخيرة بصراخٍ هيستيري وهي تُلقي اللوم على والدتها لتهتف الأخرى بغضبٍ شـ.ـديد:
-إنتِ كمان هتتعصبي عليا، مش كفاية قلة القيمة اللي شفتها على إيديكِ،بعد ما كان بيضـ.ـر.ب لي تعظيم سلام لما بدخل قصر علام زين الدين، بقيت بتطرد منه زي المتسولين وكله بسببك
رمقت والدتها بحدة لتقابل فايزة نظراتها بمثيلتها وهي تصيح بعدmا فاض بها الكيل:
-إنتِ إزاي بجحة قوي كده ومش حاسة باللي وصلتينا ليه، مش كفاية إن أبوكِ مـ.ـا.ت بسببك،الراجـ.ـل متحملش الفـ.ـضـ.ـيحة ومـ.ـا.ت بعد دخولك السجن بشهر واحد من حسرته عليكِ
واستطردت بحسرة:
-وأنا مبقتش عارفة اخرج من بيتي، وبعد ما كنت سيدة مجتمع والكل بيتهافت علشان يتقرب مني، بقى كل اللي يشوفني يتهرب وكأني جرثومة خايفين لـ اعديهم
تمسكت بكفيها كطفلة لتقول بتوسل وكأنها لم تستمع لكل ما قيل:
-أرجوكِ يا ماما مـ.ـا.تسبنيش،روحي لـ فؤاد تاني وأترجيه،فؤاد بيحبني، قولي له إني مستعدة أعمل له أي حاجة يطلبها مني بس يخرجني من هنا
هزت الأم رأسها بألم،كم كان قاسيًا رؤيتها لابنتها الوحيدة وهي بتلك الحالة المزرية،شعورًا حقًا ممـ.ـيـ.ـت وبالغ الألم،تنفست لتتحدث بنبرة إنهزامية لإمرأة خسرت كل شيء بدنياها:
-يا بنتي فوقي بقى من أوهامك دي،فؤاد مين اللي لسة بيحبك، إنتِ خونتي جوزك وبيعتيه وكنتي هتدmري له مستقبله كله
لتسترسل بتذكير:
-لولا الصدفة كنتي قضيتي على سمعة عيلته اللي قعدوا يبنوها في سنين
انفجرت ببكاءٍ هيستيري لتقول بنـ.ـد.مٍ:
-غلطة يا ماما، قولي له غلطة ومش هتتكرر
اتسعت عينيها بحقدٍ لتستطرد بنبرة ساخطة:
-كله بسبب الشيطان الي إسمه محسن، هو اللي خلاني أعمل كده يا ماما
-مبقاش ينفع النـ.ـد.م خلاص يا بنتي، واهو محسن خد جزائه هو كمان... كلمـ.ـا.ت نطقتها بإحباط لتسترسل بقلبٍ ينزف على فقدانه لجميع أحبائه دفعةً واحدة:
-بسببه خسرت أختي الوحيدة بعد ما قاطعتها بسبب اللي حصل لك من ورا إبنها.
قاطع حديثهم دخول الحارسة التي هتفت بحدة:
-الزيارة انتهت.
وقفت لتتحرك بجانب السجانة وهي تهتف بتوصية:
-روحي لـ فؤاد تاني يا ماما واتكلمي معاه،انا لو فضلت هنا أكتر من كدة ممكن أمـ.ـو.ت،مش هقدر أكمل بالشكل ده يا ماما
باتت تصيح بهيستريا إلى أن اختفى صوتها خلف الابواب تحت دmـ.ـو.ع فايزة وحسرة قلبها على نجلتها الوحيدة التي ضيعت حالها وأبيها بتهورها وانجرافها خلف الشيطان،ولجت نجلا لداخل الزنزانة لتتحرك بجسدٍ هزيل نحو التخت المخصص لها لتُلقي بجـ.ـسدها فوقه وتتمدد واضعة رأسها فوق الوسادة الصلبة، تنفست وعادت بذاكرتها للوراء
إنتبااااااه
«عودة لما مضى»
اصطحب محسن تلك التي سلمت حالها للشيطان وذهبت بصحبته للشقة التي أملى عليه الرجل عنوانها وكانت شقة خاصة بتخليص الصفقات المشبوهة،ولجت بجانبه ليستقبلها الرجل بحفاوة، جلست واتفقت مع الرجل على جلبها للورقة المطلوبة ليسلمها حقيبة سوداء بداخلها ثلاثة ملايين من الجنيهات المصرية،تطلعت على المال بنظراتٍ زائغة وكأنها لم ترى مالاً من قبل برغم مستوى والدها الفوق متوسط ومستوى زوجها الملياردير الذي لم يبخل عليها حيث كانت تقتني ثيابها من أفخم الماركات العالمية وتحصل على كل ما تريد من المجوهرات، وتقوم بإرسال الفواتير لزوجها ليقوم بتسديدها عن طيب خاطر، ابتلعت لعابها وكأنها لم ترى مالاً من قبل لتتحدث مستفسرة بنهمٍ:
-إمتى هاخد الأتنين مليون الباقيين؟
تبسم الرجل واتكأ للخلف بغرور وهو يدخن سيجاره بتسلي بعدmا رأى جشعها للمال ليجيبها:
-بمجرد ما رجـ.ـالتي تستلم الورقة اللي في الملف ونتأكد إنك بدلتيها بورقتنا اللي هتطلع أخويا براءة، هتاخدي فلوسك وفوقيهم بوسة
أرفق بكلمته الاخيرة بغمزة وقحة من عينيه لترمقه بحدة بعد تعديه حدود الأدب معها لتُمسك الحقيبة وتهب واقفة وهي تتحدث بامتعاض:
-انا هسلم الورقة لمحسن وفلوسي توصلي لحد عندي،مش هاجي هنا تاني
نفخ بدخان سيجاره ناحيتها بصفاقة ليجيبها ببرود:
-أوامرك يا مدام،أهم حاجة الورقة بتاعتنا توصل للملف بتاع القضية قبل سيادة المستشار ما يمسكه علشان يدرسه
واستطرد متكأً على الكلمة:
-قبل يا مدام،مش بعد
-ودي تفرق معاك؟...سؤال وجهته إليه لينطق وهو يميل بعنقه للجهة اليسرى بطريقة متهكمة:
-إلا تفرق،إحنا عاوزينه يشوف المستند اللي على بنائه هيبني قرار الإفراج عن أخويا ويقدmه للمحكمة
واستطرد بتذكير:
-محسن هيبعت لك صورة الورقة المطلوبة على الواتساب علشان ما تعكيش الدنيا وتجيبي أي ورقة غيرها
أومأت عدة مرات للتأكيد لتتحرك صوب الباب بهرولة،تأكد محسن من إبتعادها ليهمس بتملق للرجل:
-اظن انا كدة عداني العيب ونفذت اللي عليا في الإتفاق،ناقص إنتَ كمان تعمل اللي عليك وتديني نصيبي يا باشا
سحب نفسًا عميقًا من دخان سيجاره لينفثه صوب عينيه وهو يقول:
-تجيب لي الورقة تاخد باقي فلوس السنيورة وتاخد التلاتة مليون بتوعك
ليستطرد بنبرة تهديدية:
-بس خليك فاكر باقي إتفاقنا علشان متزعلش،لو اخويا مخرجش براءة، هجيبك حتى لو كنت في بلاد الواق واق
ابتلع لعابه ليستكمل الاخر محذرًا:
-لأن ساعتها هتأكد إن الورقة موصلتش للملف في الوقت اللي أنا عاوزة.
-متقلقش يا باشا، أنا هفهمها على كل حاجة...انتفض على صوت نجلا التي هتفت باستعجال:
-يلا يا محسن
-بعد إذن سعادتك يا باشا...نطقها وهو يعظم لذاك المنفوخ الخارج عن القانون والذي اتخذ من أذية الشباب كمصدر دخلاً له حيث اتبع الشيطان وخـ.ـنـ.ـق ضميره ليسمح لحاله بالإتجار في المواد المـ.ـخـ.ـد.رة التي تُتلف عقول الشباب وتقضي على مستقبلهم وأعمارهم أيضاً.
*******
خرجت بصحبة محسن لتتحدث بشراهة:
-أنا لازم أروح البنك حالاً قبل ما يقفل علشان احط الفلوس في حسابي
رد الاخر محذرًا:
-مينفعش تحطيها في حسابك اللي فؤاد عارفه يا نجلا،إنتِ ناسية إنه حساب مشترك وأكيد هيوصل له إخطار بالمبلغ
فتحت فاهها ليسترسل هو بدهاء:
-الأضمن تعملي حساب جديد في بنك أجنبي
وافقته الرأي وذهبت بصحبته ووضعت المال وعادت لمنزلها وكأن شيئًا لم يكن، عاد فؤاد من عمله بنفس الموعد اليومي ليصعد لجناحه ويقوم بأخذ حمامًا دافيء ويعود من جديد للاسفل بصحبة تلك التي قابلته بحفاوة، جلسا سويًا بصحبة العائلة وأثناء تبادلهم للاحاديث وقفت ليسألها فؤاد بهدوء:
-رايحة فين يا حبيبتي؟
امسكت بجبهتها لتمثل الألم وهي تقول:
-جالي صداع مفاجيء يا فؤاد،هطلع أخد له مسكن وانزل علشان أكمل السهرة معاكم
أمسك كفها ليمنعها من التحرك وهو يقول بهدوء:
-خليكِ مرتاحة وأنا هبعت أي حد من الشغالين يجيب لك.
تطلعت إليها عصمت لتقول بتطابق مع رأي نجلها:
-إقعدي إرتاحي والبنات هيجيبوا لك المُسكن ويعملوا لك أي عصير فريش
ارتبك داخلها لكنها سرعان ما تماسكت لتنهي تلك المسألة:
-أنا هطلع بنفسي يا طنط علشان عاوزة أدخل التواليت.
ترك فؤاد كفها لتنسحب سريعًا إلى الاعلى، باتت تتلفت حولها بـ.ـارتعابٍ إلى أن وصلت للحقيبة وفتحتها سريعًا لتخرج الملف وتعبث بمحتوياته بيدان مرتعشتان،اتسعت عينيها حين وجدت الورقة المطلوبة لتبتسم بسعادة وكأنها عثرت على كنزٍ ثمين،بعجالة هرولت لخزانتها لتُخرج الورقة البديلة من تحت طيات ملابسها وتضعها بالحقيبة وتغلقها على الفور وتحتفظ بالمستند الأخر بجيب معطفٍ مُعلق، وضعت يدها فوق صـ.ـدرها لتهديء ضـ.ـر.بات قلبها وأنفاسها اللاهثة وكأنها كانت تجري بأقصي سرعة داخل سباق، نزلت من جديد وانضمت لجلسة العائلة.
بعد قليل صعد فؤاد وبدأ بفتح حقيبته واخراج الملف وجلس طيلة الليل على دراسته، وباليوم التالي سلمت الورقة إلى محسن واستلمت ما تبقى لها وبعد مرور إسبوع كان موعد محاكمة المتهم وقد حصل على البراءة من المحكمة بناءًا على ما تقدm لديها من تحريات وإثباتات تُثبت براءة المتهم،كانت تجلس داخل النادي تستجم مع صديقاتها اللواتي لاحظن تبذيرها بالمال حتى أنها بدأت بدفع جميع الفواتير الخاصة بخروجتهن بدلاً عنهُن،تفاجأت بمحسن يقف أمامها وهو يقول:
-إزيك يا نجلا
تطلعت عليه من تحت نظارتها الشمسية لتقول باسترخاءٍ تام:
-إزيك يا محسن، تعالى إقعد معانا
قالت الاخيرة وهي تُشير له على إحدى المقاعد ليجيبها باعتراض لطيف:
-تعالي نقعد على طربيزة تانية، عاوزك في موضوع مهم
وقفت وجلست حول طاولة اخرى ليتحدث هو بانتشاء:
-جايب لك عملية جديدة، بس المرة دي المبلغ أكبر
جحظت عينيها لتهتف بحدة غاضبة:
-إيه الإسلوب الرخيص اللي بتكلمني بيه ده يا محسن،إنتَ ليه محسسني إنك بتكلم تاجرة مـ.ـخـ.ـد.رات
واستطردت بصرامة:
-وبعدين إنتَ بتكلمني على إن خلاص الموضوع بقى شغل بالنسبة لي، دي مرة وما صدقت إنها عدت على خير، وأكيد مش هكرر المخاطرة دي تاني
أسند ظهرهُ للخلف وأظهر هدوءًا لا يعكس غضبه الداخلي من تلك الغـ.ـبـ.ـية التي ستفسد عليه وتُغلق بوجهه كنز على بابا الذي فُتح أمام عينيه ليمد يده ويغرف منه بلا حساب بسبب غبائها ورعـ.ـبها الشـ.ـديد:
-إنتِ حُرة، انا بس كُنت مستخسر المبلغ الكبير ده يروح لحد غيرك
واستطرد كالشيطان ليسيل لُعابها على المال:
-وزي ما قولت لك قبل كده،الناس دي مبتغلبش،وكده كده هيوصلوا للي عاوزينه سواء عن طريقك أو طريقك غيرك
لعب الشيطان بها وأخذت تقلب الفكرة بعقلها لتسألهُ بتردُد:
-هو المبلغ كام؟
-الضعف... نطقها وهو يُشير بكفاه بوجهها لتهتف بعيونٍ جاحظة:
-عشرة مليون.
مال برأسه بإيجاب لتضغط هي على شِـ.ـفتها السُفلى بأسنانها وعلى عجالة هتفت بشره:
-أوكِ موافقة
واستطردت سريعًا:
-بس دي هتكون أخر مرة يا محسن
-زي ما تحبي، انا تحت أمرك...نطقها بخُبثٍ بعدmا بات متيقنًا انها أصبحت عبدة للمال ولن تستطيع التخلص من شراهة سطوته مهما حاولت، مرت الايام وجاء اليوم المتفق عليه، وفعلت كالمرة السابقة حيث استغلت غياب زوجها بالأسفل وانشغاله مع عائلته وقامت بتبديل الأوراق المُدينة وتلك المرة كانت القضية أصعب،حيث كانت قـ.ـتـ.ـلٍ عمد مع سبق الإصرار والترصد، باليوم التالي ذهبت مع مُحسن إلى منزلاً هائل بإحدى المناطق الحديثة المصممة على الطراز الإيطالي، دخلت واستقبلها مالك المنزل وجلسوا ليتحدثوا وما ان شرعت بتسليمها المستند واستلام المبلغ المتفق عليه حتى انتفض الجميع رُعبًا حين اقتحمت رجـ.ـال الشرطة المكان ليصيح مالك المنزل قائلاً بحدة:
-إنتوا مين، وإزاي تقتحموا بيتي بالطريقة دي؟!
انتفض جـ.ـسد نجلا وبات يرتعش رُعبًا وهي تُمسك بساعد محسن متشبثة به ليتحدث الشرطي وهو يقوم بإشهار ورقة بوجهه:
-معانا أمر من النيابة بالقبض عليكم وتحريز المستند وشنطة الفلوس
-مستند إيه اللي بتتكلم عنه....نطقها لينفي التهمة عنه لتستمع لأخر صوت تريد الأستماع إليه الأن:
-المستند اللي مراتي المحترمة سرقته من شنطة جوزها وكيل النائب العام وجت لك بكل رُخص علشان تقبض الثمن.
عند نطقه لكلمـ.ـا.ته الاخيرة كان قد وصل ليقابلها الوقوف ينظر لعينيها بجمودٍ واحتقار العالم اجمع تكونت بنظراته لها، خرج صوتها مرتعشًا وهي تقول بتوسُل مدعية الإنكار:
-أنا مليش علاقة بأي حاجة يا فؤاد، أنا اتعمل عليا خطة ودخلوني في اللعبة علشان يشوهوا سمعتك عن طريقي
قالت كلمـ.ـا.تها بـ.ـارتجاف لتستدير تطالع إبن خالتها وهي تُلقي بالتهمة عليه:
-محسن، محسن هو اللي عمل كل ده
ظهر التـ.ـو.تر على ملامح الاخر ليهتف وهو ينظر إلى فؤاد بإرتباك:
-متصدقهاش يا سيادة المستشار، دي كذابة،الموضوع كله حصل بموافقتها وبمزاجها
واستطرد متنصلاً:
-انا أصلاً معرفش أي حاجة، دي هي اللي اتصلت عليا وقالت لي إنها عوزاني أروح معاها مشوار مهم
-كذاب...نطقتها بصراخ ليهتف صاحب البيت محتقرًا غباء ذاك الثنائي المنقطع النظير:
-إنتَ بتقول إيه إنتَ وهي،هتودونا في داهية الله يخرب بيوتكم
خرج صوت فؤاد قويٍ حيث قال:
-مفيش داعي للإنكار لأنه مش هيفيدكم،العملية كاملة متسجلة صوت وصورة من أول ما المدام سرقت المستند من قلب شنتطي في اوضتي،لحد اللحظة الحلوة اللي إحنا متجمعين فيها دي
انتهى من حديثه ليُشير بسبابته إلى الاعلى وعيون الجميع معلقه معه باتجاه النجفة المعلقة مرورًا بالحوائط وحتى مزهريات الزهور الموضوعة فوق الطاولات،حيث قامت النيابة العامة بإخراج تصريح يسمح بزرع كاميرات صوت وصورة بداخل جناح فؤاد حيت زرعها هو بنفسه لتصوير زوجته لإثبات التهمة و.جـ.ـعلها قضية مكتملة الأركان،وتواصلت الشرطة مع أحد العاملين بالمنزل ليقوم بزرع الكاميرات بالمنزل الذي سيتم به التسليم والذي تم معرفته حسبما استمعوه من المكالمة التي تمت بين نجلا ومحسن وهما يتفقان، حيث وضعا هاتفهما تحت المراقبة لكشف ملابسات القضية بالكامل
نظرت إليه بذهول ليبتسم إليها بخيبة أمل ويعود بذاكرته لما قبل الثلاثة أسابيع،حيث كان يجلس بأحد الكافيهات يحتسي كأسًا من العصير الطازچ بعدmا شعر لحاجته بتغيير روتينه وقرر الذهاب لذاك الكافية،ليقتحم أحد للرجـ.ـال خلوته حين تحدث قائلاً بلباقة:
-مساء الخير يا سيادة المستشار
رفع بصره يتطلع عليه باستغراب ليسترسل الاخر:
-ممكن أخد من وقت سعادتك عشر دقايق
-حضرتك تعرفني ؟!
أجابهُ الرجل بتفخيم:
-سيادة المستشار فؤاد زين الدين نار على علم يا باشا...نطقها ثم استطرد:
-تسمح لي اقعد
أشار له ليجلس الرجل ويتحدث:
-مش هعطل حضرتك وهدخل في الموضوع على طول
تحمحم ليسترسل:
-انا عندي قضية خاصة بإبني وهتتقدm لسعادتك الإسبوع الجاي،وكنت طمعان في كرم معاليك وأي مبلغ هتقول عليه إعتبره وصل لحسابك البنكي
اشتعلت عيونه لتمتليء بشرارات الڠضب وهو يقول بسخطٍ ارعـ.ـب الرجل:
-إنتَ بتقول إيه يا بني أدm إنتَ، إنتَ بتعرض عليا رشوة؟!
ليسترسل متعجبًا:
-منين جت لك الجرأة اللي تخليك تقف قدام فؤاد إبن المستشار علام زين الدين، وبكل وقاحة تعرض عليه رشوة... نطقها بعيون تطلق اسهمة نارية ليهتف الرجل مرتبكًا:
-حقك عليا يا باشا، انا والله جيت لك بعد الكلام اللي سمعته مراتي من واحدة صاحبتها.
ضيق فؤاد بين حاجبيه لينتبه جهاز الرادار لديه ملتقطًا تلك الكلمـ.ـا.ت التي بالطبع لن يمررها مرور الكرام ويدع الغضب يتملك منه،تحدث بنبرة ثابتة وعينين كصقرٍ جريح:
-وياترى إيه بقى اللي سمعته مراتك من صاحبتها وخلاك تتجرأ وتيجي لحد عندي
ابتلع الرجل ريقه ليسترسل فؤاد ما جعل الرجل ينتفض:
-تحكي لي حالاً كل اللي تعرفه واتقال لك وبكل صراحة، وإلا مش هتقوم من هنا غير وإنتَ لابس قضية عرض رشوة على وكيل نائب عام وعندي الشهود
ارتجفت أوصال الرجل وبدأ يخبره بأن صديقة زوجته أتت إليها كي تواسيها حيث تم القبض على نجلها بقضية حيازة قطعة كبيرة من مـ.ـخـ.ـد.ر الحشيش، واثناء تبادلهما للحديث اخبرتها صديقتها ان زوجها قد عثر على أحد وكلاء النيابة بنفس الدائرة يقوم بأخذ مبلغًا من المال مقابل إتلاف الدلائل واعطتها اسمه،كان يستمع للرجل وكل ذرة بجـ.ـسده تحترق
قام بتهديد الرجل إذا علم احدًا بما دار بينهما فسوف يقوم بتقديم بلاغ رسمي يتهمه بتضليل العدالة وعرض رشوة على موظف عام،وطلب منه السرية التامة للإيقاع بهولاء الخارجين عن القانون الذين يحاولون بزج إسمه لتشوية صورته كرجل قانون لديه من النزاهة ما يكفي للحصول على وسام الشرف،وقد عاهده الرجل على ذلك خشيةً الزج به داخل السجن، خرج من المكان كالثور الهائج بات يفكر ويُفكر كيف يبدأ تحرياته لكشف غموض تلك القصة، بالفعل اتفق مع فريق البحث الخاص به وبدأوا بمراقبة الرجل الذي حصل على اسمه من ذاك الشخص،قاموا بمراقبة هواتفه وتتبع الشخص ذاته وجميع أفراد أسرته، وأثناء مراقبتهم وجدوه يتردد على شقة علموا من التحريات انها خاصة بتخليصه لاعماله المخالفة للقانون فامرهم فؤاد بالعثور على الكاميرات الخاصة بالبناية المتواجد بها الشقة وأيضًا الكاميرات الخاصة بالمحال المحاطة بالبناية ومراجعة أخر أربعة أسابيع حيث موعد قضية شقيقه حينها، بالفعل عثر الفريق على تلك التسجيلات وأثناء مراجعته للتسجيلات ذُهل حينما وجد زوجته تدخل البناية بصحبة محسن إبن خالتها وبعد حوالي النصف ساعة كانت تخرج وهي تحمل بكلتا يداها حقيبة سوداء لاول مرة يراها
تشتت ذهنه ولم يعد يستوعب ما رأته عينيه ليتجاوز الصدmة سريعًا فليس هذا الوقت المناسب للإنهيار،فالأولى إنقاذ سُمعته وسُمعة عائلته وبعد ذلك سيجلس مع حاله ويحاسبها على تقصيرها ومنحها الثقة لغير المستحق،تتبع اسمها بالبنوك حتى وصل لحسابٍ خفي بأحد البنوك الأجنبية وبه مبلغًا من المال وقد علم ان أصل المبلغ الذي قامت بإيداعه خمسة ملايين،على الفور اتجه لوالده وسرد عليه ما حدث ليصطحبه وذهبا للنائب العام وأطلعاه على القصة من جميع الجوانب، وقد أمر النائب العام بتشـ.ـديد المراقبة على نجلا والمدعو محسن للإيقاع بهما وتم زرع كاميرات بالجناح الخاص بـ فؤاد بعدmا قام بتفتيش خزانتها وعثر على صورة لسونار كانت قد قامت به للتأكد من الحمل وكيفية التخلص منه ومن سوء حظها غفلت عن التخلص من تلك الورقة ليعثر عليها فؤاد داخل إحدى حقائب يدها الخاصة،وعثر أيضًا على عُلبة تحتوي على نفس نوع الدواء الذي وجده بحوزتها بالسابق والخاص بمنع الحـ.ـمل
فقط الذهول هو من سيطر عليه،لم يستطع عقله استيعاب أن من اختارها من بين كل نساء الدنيا ليسلمها قلبه واسمه واسم عائلته هي من طعنته وبدون رحمة،الأسم الذي بذل أباه الغالي والنفيس وعاش بشرف ونزاهة لبناءه طيلة سنواته التي قضاها في خدmة الوطن وهيئة القضاء، متأملاً أن يتوارثه نجلهُ ومن بعده أحفاده التي قـ.ـتـ.ـلتهم تلك الحقيرة بدmٍ بـ.ـارد ليكتشف كم كان يحيا حياةً زائفة مضللة، سنواتٌ بائسة قضاها داخل احضان تلك الحية الرقطاء ليكتشف بالنهاية أنه رجلاً تم تغفيله على يد إمرأة، وإيه إمرأة يا سادة،إمرأته التي كان يغفو بجانبها معطيًا لها كل الأمان
«عودة للوقت الحالي»
رمقها بنظرة يملؤها الإشمئزاز لينزل على وجنتها بصفعة جعلت من شعرها يتبعثر ليهتف بنبرة حادة:
-دي علشان خيانتك لأمانة شغلي
رفعت وجهها تتطلع عليه بذهول ليباغتها بأخرى أقوى وهو يردد بنبرة يملؤها القهر:
-ودي علشان خيانتك لأمانة إبني اللي قـ.ـتـ.ـلتيه من غير رحمة ولا إنسانية
جحظت عينيها بحيرة،كيف علم بأمر الجنين،ليصفعها من جديد قائلاً:
-ودي علشان تلويثك لإسم عيلتي اللي عمرك ما كنتِ جديرة بيه
أمسك شعرها وجذبها مقربًا وجهها له ليسترسل بفحيحًا يشبه الأفعى الغاضبة:
-وإدعي لأسم أبويا لأن لولا إني خفت عليه لـ يتلوث كنت لبستك قضية زنا مع الرجـ.ـا.لة اللي بتدخلي شققهم يا رخيصة، ده غير قضية خيانتك للامانة وسرقة مستند قوي وتضليل العدالة، ده غير قضية قـ.ـتـ.ـل إبني
واسترسل متذكرًا:
-على ذكر قـ.ـتـ.ـل إبني صحيح، الدكتور الزبـ.ـا.لة اللي ساعدك إنك تتخلصي من عار حملك في طفل من عيلة الزين، سبقك على الزنزانة بعد ما العيادة بتاعته اتشمعت، وان شاء الله هشطب إسمه من النقابة علشان لما يخرج من السجن بعد كام سنة ميلاقيش مهنة تلم الحثالة أمثاله
اقترب عليه الضابط المسؤل عن الحملة ليقول وهو يحاول تخليص خصلات تلك الصارخة من قبضة يده الحديدية:
-هدي نفسك يا باشا، سيبها للقانون وهو هيربيها
-حاجة أخيرة بعد إذنك...نطقها فؤاد ليبتعد الشُرطي ليسترسل الاخر وهو يرمقها بعينين تنطق بجميع عبـ.ـارات السب والاحتقار:
-قبل ما تتحركي خطوة واحدة لطريقك للسجن،لازم انضف إسمي وإسم عيلتي،
٠ليسترسل بقوة:
-إنتِ طالق.
تساقطت الدmـ.ـو.ع من عينيها بغزارة لتدوي صرخاتها بالمكان بعدmا اصيبت بنوبة هلع هستيرية وهي ترى رجـ.ـال الأمن يصطحبوها للزج بها داخل السجن:
-ما تخليهمش ياخدوني يا فؤاد، أرجوك سامحني وأنا هعيش خدامة تحت رجليك، هخلف لك الولد اللي نفسك فيه، والله هبطل الحبوب وهجيب لك البيبي اللي بتحلم بيه، فؤاااااااد
صرخت بها بجنون وهي تتشبث بذاك الباب الحديدي في مقاومة منها لعدm الخروج
انتهت التحقيقات وجاء موعد المحاكمة التي زلزلت أركان المحكمة وكتب هذا اليوم بتاريخ المحاكمـ.ـا.ت ووصفه بعض المهتمين بالشأن بالاكثر تأثيرًا حيث وقف فؤاد كالاسد الجريح يشهد على كل ما اقترفته تلك المجرمة بحقه وحق عائلته من جرائم وأفعال تقشعر لها الأبدان وكل هذا مُثبت بالصوت والصورة مما جعل القاضي ينطق بالحكم عليها بالسجن المشـ.ـدد لمدة سبعة أعوام مع الشغل والنفاذ
«عودة للحاضر»
انتفضت جميع السجينات على أثر تلك التي صرخت بعزم ما بصوتها وهي تصيح ودmـ.ـو.ع النـ.ـد.م تسيل كشلالٍ فوق وجنتيها:
-فؤاااااااد
قالتها بصراخ هيستيري لتنتفض من فراشها وتهرول لباب الحجز ممسكة بالسياج الحديدي وهي تصرخ بكامل صوتها:
- تعالى خرجني من هنا يا فؤاد،والله ما هزعلك تاني، أنا خلاص إتعلمت الدرس ومش هزعلك تاني، فؤاااااااد
-مـ.ـا.تتلمي يا بت في ليلة أمك السودة دي، هو أحنا مش هنخلص من جنان اهلك ده، يخربيتك على بيت فؤاد في ليلة واحدة...كلمـ.ـا.تٍ حادة صرخت بها إحدى السجينات التي انتفضت من جلوسها على أثر صرخات تلك المرأة العجيبة المتعايشة داخل قوقعة الماضي وترفض الخروج والتعايش مع حاضرها المرير.
3
*******
مع غروب شمس اليوم التالي
وقفت أمام خزانة ملابسها لتنتقي ثوبًا يليق بوقارها الذي اتخذته دربًا ونجحت بفرضه على الجميع، عاشت بمدينة لم تكن يومًا بمدينتها وإناسًا لم يشبهونها بشييءٍ، ومع هذا لم يستطع أحدًا تخطي حدود الأدب أو اللباقة معها،تبسمت حين وقعت عينيها على تلك البدلة النسائية الكلاسيكية المكونة من بنطال وبليزر، ابتسمت وشرعت بـ.ـارتدائها لتقف تتطلع على انعكاسها بالمرأة لتنبهر بجمالها الساحر، فقد منحتها البذلة إطلالة عصرية جذابة لتبدو أنيقة للغاية وبالاخص ذاك اللون القرمذي الذي اضفى على لون بشرتها الفاتحة لتضوي وتشع نورًا،وضعت بعض الرتوش من مساحيق التجميل الخفيفة لتبدو أكثر سحرًا وإشراقا،حملت حقيبة يدها وخرجت من الحجرة لتجد والدها يجلس بجوار صغيرها وهما يشاهدان فيلمًا للرسوم المتحركة، لتفاجيء بعزة خارجة من غرفتها مرتدية ملابس خروج لتقترب عليها وهي تقول:
-خديني معاكِ هروح أزور شهيرة وابقي عدي عليا وإنتِ راجعة
ابتسمت حين تأكدت أن تلك الخلوق لم ترد الجلوس بمفردها مع رجلاً غريب بنفس المكان، لذا قررت الذهاب لصديقتها الماكثة بنفس الشارع والتي تعرفت عليها من خلال زياراتهما للمتجر لشراء احتياجات المنزل،هزت رأسها لتلتفت لوالدها وهي تقول:
-أنا خارجة يا بابا،هروح المشوار اللي قولت لك عليه وإن شاء الله مش هتأخر
أومأ لها بابتسامة واجاب:
-ربنا معاكِ ويجعله في ميزان حسناتك يا بنتي
-مش عاوز حاجة أجيبها لك معايا يا حبيبي...نطقتها بعينين تشعان حنانًا ليجيبها بقلبٍ يرتجف من فيض حنان عيناها:
-هو أنتِ مخلياني عاوز حاجة من ساعة ما جيت يا بنتي
تبسمت له وتحركت لتستق سيارتها بطريقها للعنوان
وصل فؤاد إلى الفندق قبل الموعد بعشرة دقائق ليكون باستقبالهم،دخل بهيبة تدعو كل من يراه للإنبهار،كانت طلته ملفتة للنظر للغاية حيث كان يرتدي بذلة مودرن، بليزر من اللون الأسود وقميصًا لونهُ بينك هاديء وبنطال من الچينز الأزرق مما أعطاه مظهرًا عصريًا وقلل من سنوات عمره فمن يراه لا يعطيه ثلاثون عامٕا على الأكثر، تحرك للمكان الذي احتجزه مسبقًا وجلس بكل وقار واضعًا ساقًا فوق الاخرى وبدون وعيًا منه سلط مقلتيه على مدخل المكان وبات ينظر بتمعُن وجسدٍ مشـ.ـدود، مرت خمس دقائق وعينيه لم تفارق المدخل إلى أن رأها وهى تدخل من الباب،توسع بؤبؤ عينيه حين رأها بكل تلك الإنوثة، كم كانت رائعة جذابة،لم تدm انتشائت روحه التي شملته لكثير حين انقلب الحال من سعادة وانتشاء لـ تعجب وهو ينظر عليها بجبينٍ مُقطب وعلى ذاك المجاور لها والذي كان يتحدث إليها بتودُد تقابله هي بابتسامة هادئة،وقف عند العاملة التي كانت تستقبل الوافدين لتخلع عنه معطفهُ ويبادر هو بالتحرك ليشعر فؤاد باشتعالٍ اقتحم اوردته بل وجسده بالكامل حين لمح أحمد وهو يقف خلفها مباشرةً ليخلع عنها معطفها ويسلمهُ للعاملة التي اصطحبته هو ومعطفه وتحركت لمقر تعليقهما حسب بروتوكول المكان
مازاد من حدة اشتعاله هو إبتسامتها الساحرة التي اهدتهُ بها ليبادلها الاخر باخرى مثيلتها ويشير لها لتتحرك للامام وبالفعل تحركت ليجاورها الدخول إلى أن وصلا للمكان الذي حجزهُ فؤاد وأصر تحمل جميع المصاريف بأكملها من ماله الخاص،إنبهرت وهي تنظر للمكان والترتيبات فقد كان المكان المخصص لهم أشبه بجلسة للملوك،وقف لاستقبالهما حين اقتربا عليه لتقع عينيها على هيأتهِ لينتفض داخلها، فقد كانت طلتهِ مبهرة وساحرة تسر الناظرين إليه،لم يكن حالهُ بأفضل منها فقد أسرت روحهُ بمظهرها الساحر وذاك اللون القرمذي الذي يراهُ عليها لأول مرة، فمنذ أن رأها وهي تتشح بالسواد
أقبل عليه أحمد وبسط ذراعه للمصافحة وتحدث بنبرة هادئة:
-مساء الخير يا جناب المستشار
بادلهُ السلام لتتحدث هي دون المصافحة مما أثار حفيظته:
-إزي حضرتك يا أفنـ.ـد.م
-تمام الحمدلله...نطقها باقتضاب ووجهٍ مُبهم مما دعى لتعجبها لكنها سُرعان ما نفضت عنها ذاك الشعور عنـ.ـد.ما أشار لهما بالجلوس ليبادر بسؤالٍ لـ أحمد:
-هو أيمن بيه مجاش معاكم ليه؟!
تحمحم أحمد ليجيبه وهو يعتدل بجلسته:
-الباشا جاي في الطريق، دقايق وهيبقى هنا
تعجب ليسأله من جديد وهو يتناقل ببصرهِ بينهما:
-هو أنتوا جايين مع بعض؟
تعجبت سؤالهُ المتطفل ليجيبه أحمد بهدوء طمأن قلب الاخر:
-أنا جاي من المستشفى على هنا على طول لأن كان عندي عملية مهمة
ثم طالع الاخرى وأجابه مشيرًا بكفه صوبها:
-وإتقابلنا انا وإيثار برة عند مدخل الفندق
أومأ برأسه ليسألهما بلباقة:
-تحبوا تشربوا حاجة؟
خرج صوتها متزنًا وهي تقول:
-خلينا لما الكل يوصل أفضل
اكتفى بهزة من رأسه ليسألهما من جديد:
-بفكر أخليهم يجهزوا لنا عشا،إيه رأيكم
قال أحمد بتسرع:
-انا عن نفسي مابتعشاش غير مع مراتي،لأنها بتستناني واليوم اللي باكل فيه بره لايمكن تدوق الاكل
لا يعلم لما انتعش قلبه لسماعه لذاك الرجل العاشق لزوجته وما زاد من شعوره بالإطمئنان هو رد تلك الرقيقة عليه حيث قالت:
-ربنا يخليكم لبعض،مدام سالي مفيش أطيب منها
لتستطرد هي الاخرى معتذرة:
-أنا كمان مابتعشاش غير مع إبني
اومأ لهما ثم وقف ثلاثتهم لاستقبال "أيمن"الذي ولج للتو وتلاه "صلاح" الذي حضر بصحبة نجله "هيثم"تحدث فؤاد بوقارٍ حيث بدأ حديثه مستشهدًا ببعض الأيات القرأنية عن فضل التسامح والعفو ونشرهما بالمجتمع وبات يتحدث بطريقة سلسة جعلت الجميع منصتون له بتمعُن،وقد تصافا الطرفين وتواعدا ألا يعودا أحدهما لاخلال الوعد واخبرهما فؤاد أن عليهما الذهاب لمبنى النيابة غدًا لإتمام المصالحة من خلال محضر رسمي مثبت به بنود المصالحة ووضع كلًا منهما إمضته عليه للتأكيد،وبعدها اقترح أيمن على صلاح بأن يتشاركا بمشروعٍ جديد يطـ.ـلقاه معًا لتوطيد العلاقة اكثر،وافق صلاح مرحبًا ليتحدث أيمن موجهًا حديثه للجميع:
-على بركة الله،وإن شاء الله هعمل حفلة كبيرة الإسبوع ده وهنعلن فيها عن إطـ.ـلا.ق المشروع علشان السوق كله يعرف إن المشاكل اللي بينا إنتهت
-هايل يا باشمهندس،فكرة الحفلة ممتازة...نطقها باستحسان ليسترسل بإبانة:
-هتهدي الدنيا وتوقف إستغلال المنافسين ليكم للموقف واللي كانوا بيحاولوا يولعوا الدنيا بينكم علشان مصالحهم الشخصية
كانت تستمع إليه بعيون منبهرة بذكائه الحاد وشخصيته المسيطرة التي طغت لتجعل كل الحضور صامتون ينصتون إليه وكأنه ألقى بتعويذة سحرية على الجميع،تطلعت لعينيه بانجذاب وكأنها مسلوبة الإرادة أمام بحر عينيه لتقول بإثناء:
-بصراحة أنا مبهورة باللي حضرتك عملته يا سيادة المستشار
ابتسم لها بهدوء وشكرها
إنتهى الإجتماع وتحرك الجميع متجهين صوب الجراچ الخاص بالفندق استعدادًا للتحرك بسياراتهم كلٍ لوجهته،وقفت بجانب سيارتها وهمت بفتح الباب لكنها توقفت حين استمعت لصوته وهو يسألها:
-هتيجي الحفلة؟
التفتت إليه لتجيبه بصوتٍ هاديء:
-أكيد،أي حفلة خاصة بالشركة أنا اللي برتبها،ومن الطبيعي أكون موجودة علشان أشرف على كل حاجة بنفسي
هشوفك هناك...نطقها بعينين ساحرتين لتجيبهُ بصوتٍ متأثرًا بشعاع عينيه:
-إن شاء الله
تحرك بطريقه لسيارته لتستقل هي مقعدها استعدادًا لانطـ.ـلا.قها ليباغتها بعدmا أدخل رأسهُ من نافذة السيارة مقتربٕا من وجهها لتلفح رائحة نفسه العطرة وجنتها وهو يقول بصوت جعل من قلبها ثائرًا منتفضًا:
-على فكرة،اللون النبيتي يجنن عليكِ،ياريت تكتري منه
انتهى من كلمـ.ـا.ته الساحرة ليغمز لها بعينيه بطريقه أذابت قلبها و.جـ.ـعلت قشعريرة لذيذة تسري بجسدها بالكامل قبل أن يبتعد ليستقل سيارته منطلقًا بعدmا لوح لها بكف يده، يالله، ماذا فعل بها،لقد ألقي بتعويذة سحره الخاصة عليها وانطلق تاركًا إياها غارقة بسحره الذي لا يقاوم، رحل هو بينما رائحة عطره المميز ظلت لتحتويها وتنقلها لعالمٍ أخر جديدًا عليها،استفاقت بعدmا استمعت لصوت رجل الامن وهو يسألها باهتمام:
-إنتِ كويسة يا هانم؟
هااا... نطقتها ببلاهة لتسترسل بعدmا وعت على حالها وبدأت تدير محرك السيارة:
-معلش اصلي سرحت شوية
انطلقت بسيارتها لتقودها بقلبٍ هائم وعينيه الساحرة لم تتركها لتراها تحوم حولها بجميع الزوايا وكأنها تحاصرها،تعالت ضـ.ـر.بات قلبها المندفعة حتى أنها كانت تستمع إليها لتتنهدُ بانتشاءٍ وحالة من الوله تسيطر على كل ذرة بكيانها.
↚
لعينيه بريقًا إخترق جدار قلبها بسهامه النافذة ليجعل روحها هائمة كطيرٍ سابح بسمائه الواسعة مما جعل إبتسامتها الواسعة مرتسمة على ثغرها طيلة الطريق،فقد رحل هذا الداهي ليترك طيف عينيه يحوم حولها وكأن بهما سحرًا جذبها لتسقط بأعماقهما وتغرق ببحرهما العميق،لم تشعر بمثل تلك الاحاسيس المرفهة منذ زمنٍ بعيد،تنفست بانتشاء لتتوقف أمام أحد محال الحلوى الشهير بالعاصمة والتي تتردد عليه دائمًا لجودة منتجه، انتقت إحدى كعكات الشيكولاتة المحببة لدى صغيرها وأيضًا والدها العزيز واستقلت سيارتها من جديد لتُدير مؤشر الراديو بعدmا شعرت بحاجتها الملحة لاستماع الموسيقى، وبالصدفة كانت غنوة لسيدة الغناء العربي السيدة"أم كلثوم"وكأن الغنوة تريد إيصال رسالةً من خلالها، فكانت كلمـ.ـا.تها تقول
«رجعوني عنيك لأيامي اللي راحو،علموني أنـ.ـد.م على الماضي وجراحه
اللي شفته،قبل ما تشوفك عنيا،عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا عليا»
ظلت تستمع لكلمـ.ـا.ت الغنوة بتمعن وترددها وكأنها تستمع إليها للمرة الأولى،شعورًا هائلاً بالراحة تملك منها، لاتعلم مصدر تلك المشاعر الحالمة التي انتابتها مُنذ أن اقترب عليها ولفحتها رائحة عطره الرائعة، ونظرة عيناه، آهٍ وألف آه من سحرهما،لطلتهما سحرًا وكأنهُ يُلقى بتعويذة تأثرُ ناظريه، تنفست براحة لتتوقف أمام البناية وتترجل صاعدة بصحبة عزة حيث هاتفتها قبل وصولها للبناية بعدة دقائق
هتفت بسعادة ووجهٍ مشرق على غير العادة وهي تقترب من والدها ونجلها:
-جبت لكم معايا تورتة شيكولاتة علشان نحتفل بوجود الحاج غانم.
ابتسم لها بطيبة ليرد بأمنية وشوقٍ ظهر بعينيه:
-يسمع منك ربنا ويقدرني أزور بيته الحـ.ـر.ام قبل ما أمـ.ـو.ت يا بنتي
-إن شاءالله ربنا يكتبها لك وتتمع بزيارته السنة دي يا بابا...نطقتها بحِنو لتسترسل وهي تنظر إلى عزة:
-يلا يا عزة هاتي الاطباق والشوك واعملي شاي لبابا على ما أدخل أغير هدومي بسرعة
هتفت سريعًا وهي تتجه صوب المطبخ:
-من عنيا
بعد قليل كانت تجاور والدها الحنون وهي تتناول قطعة الحلوى بسعادة بالغة لتهتف عزة بعدmا لاحظت حبورها الشـ.ـديد وزيادة نور وجهها:
-ياريتك كنت جيت من زمان يا عم غانم علشان أشوف ضحكة إيثار اللي منورة وشها دي
خجلت من حديث عزة،بالطبع هي سعيدة بزيارة والدها الحنون وعودة صغيرها بعد يومين من البُعاد المُر ليأتي ذاك الفارس ويُزيد من فيض بهجتها وتهلُل روحها وكأن اليوم هو يوم سعدها، ابتسم غانم أيضًا وسعد لهناء صغيرته ليتنهد بضيق بعدmا مرت بطيفه مكالمة منيرة مُنذ قليل حيث هاتفته لتلح عليه بأن يعرض على ابنته عودتها لطليقها لأجل منفعة أبنائها الذكور من نصر وأنجاله،ليستغفر ربه بسريرته ويخرجه صوت ابنته من شروده حيث قالت على استحياء:
-ياريت يا بابا تقعد معايا هنا على طول
هم بالحديث ليقاطعه الصغير بنبرة حادة:
-إحنا اللي هنروح نعيش في البلد يا مامي
قطبت جبينها تتعجب حدة الصغير الذي أكمل بشفاهٍ ممدودة مما أوحى لشـ.ـدة استيائه:
-بابي وجدو جابوا لي لبس ولعب كتير قوي، وتيتا إجلال قالت لي لما ترجع إنتَ ومامي جدو هيجيب لك أكتر منهم
تنفست بهدوء لعلمها بمخطط هؤلاء المعدومين للضمير والتي إنتُزعت من قلوبهم الرحمة حيث وصل بهم الأمر إلى أن يقومون باللعب على مشاعر الصغير دون مراعاتهم لإمكانية تأثره والاثار الجانبية التي ستؤثر بتكوين الطفل وما سيترتب عليه فيما بعد من إضطرابات لصحته النفسية،قالت بنبرة هادئة:
-إحنا مش هينفع نسيب هنا يا حبيبي،هنا مدرستك وأصحابك وتمريناتك
-جدو هيعمل لي كل ده هناك،وكمان هناك باكل شيكولاتة حلوة قوي،أحسن بكتير من اللي إنتِ بتجبيها لي،وبعدين أنا لازم أروح علشان أسوق عربيتي...كلمـ.ـا.ت نطقها بتمرد ليسترسل بعدmا خفض بصره بحـ.ـز.نٍ:
-أنا طلبت من بابا أجيبها هنا معايا،لكن تيتا رفضت،وقالت لي هات ماما وتعالوا عيشوا هنا وكل حاجة هتبقى معاك طول الوقت
تبادلت النظرات مع والدها لتتنهد قائلة:
-أنا مش هرجع هناك تاني يا يوسف،لو حابب تروح هناك يبقى هترجع لوحدك وتعيش من غيري
-لا يا مامي،أنا عاوز أعيش معاكِ إنتِ وعزة،بس كمان عاوز العربية بتاعتي...كلمـ.ـا.تٍ قالها الصغير بحيرة لتجيبهُ بابتسامة هادئة:
-خلاص يا حبيبي،أنا هجيب لك عربية زيها
-بجد يا مامي...نطقها بحبور بعدmا انتفض بجلسته لتهز رأسها بإيجاب صفق له الصغير وانسحب للداخل بصحبة عزة، نظرت لوالدها لتقول بنبرة بائسة:
-شايف يا بابا،نصر وإجلال بيحاربوني بإبني
صمت الأب بحـ.ـز.ن فأي كلمـ.ـا.تٍ من الممكن أن تُقال لتخفف من وطأة ما تشعر به تلك المحاربة،بعد مدة ولج والدها داخل حجرة الصغير وغفى بجانبه وغفت عزة أما هي فصنعت لحالها كوبًا من مشروب الشيكولاتة الساخنة وخرجت بالشرفة لتبتسم تلقائيًا حين تذكرت ذات العينين كثيفة الرموش وسحريهما الخاطف،سرحت بخيالها لبعيدًا لمدة وبلحظة وبدون سابق إنذار هزت رأسها وكأنها تنفض تلك الأفكار الشاذة بعدmا تذكرت ماضيها المؤلم وتجربتها المريرة لتتحدث بتأنيبًا لحالها:
-ماذا دهاكِ أيتها البلهاء،أواعيتُ أنتِ لما تقترفين من جُرمٍ بحق حالكِ،ألم تكتفي ذُلاً واحتقارًا بعد،يبدوا أنكِ قد اشتقتي لسحل كرامتكِ تحت حذاء أحدهم من جديد،يا لكِ من غـ.ـبـ.ـية عديمة التعلُم،كيف سمحتي لحالكِ بأن تنخدعي على يد أحدهم للمرة الثانية،أنسيتي ما حدث بالماضي،كيف تسمحين لذاك المغرور اللعب على مشاعرك بغمزة حقيرة من اللعينة عيناه،توقفي في الحال واستفيقي على حالك،انفضي من رأسكِ كل تلك الافكار اللعينة واستعيدي توازنك من جديد،أنتِ الان إمرأة حُرة قوية فلا تسمحي إذًا لأحد الرجـ.ـال بأن يمتلك حريتك ويقيدها ويقيد معها روحك ومن جديد تفقدين على يده كرامتك التي انتزعتيها واحتفظتي بها عنوةً عن الجميع،جُل ما يجب التفكير به هو يوسف،يوسف وفقط هو من يستحق أن تكرسين له حياتكِ وحنانكِ وجميع ما تحملين بقلبك من مشاعر.
نزلت دmعة مريرة من عينيها لتهمس لحالها:
-يكفي ما حدث بالماضي إيثار.
لتعود بذاكرتها لما مضى
إنتباااااااااه
«عودة إلى الماضي»
ارتدت ملابسها وأعدت الحقيبة الخاصة بالصغير حيث وضعت بها بعضًا من غياراته الداخلية والخارجية وبعض الإحتياجات الخاصة به وجلست بأريكة بهو مسكنها الخاص والتـ.ـو.تر والقلق ينهشان من تفكيرها،ظلت منتظرة حتى وصلت الساعة إلى الحادية عشر ظهرًا وهذا هو موعد ولوج إجلال لغرفتها وخلودها للنوم، حيث أنها تفيق مبكرًا ولذا تحتاج للنوم كي يأخذ جـ.ـسدها قِسطًا من الراحة والدلال قبل أن يعود زوجها من الخارج،أسرعت أمام شقتها لتنظر من أعلى الدرج وبالفعل شاهدت دخول إجلال لغرفتها لتهرول للداخل وتحمل الصغير الغافي لتتحرك للخارج وهي تُغلق الباب بعد أن علقت الحقيبة بساعدها ونزلت تتسحب على أطراف أصابعها، إطمأنت حين استمعت لصوت مروة وياسمين يأتي من داخل المطبخ فتأكدت أنهما تعدان وجبة الغداء، هرولت إلى أن وصلت للباب الخارجي وفتحته بحرصٍ شـ.ـديد كي لا يُحدث صوتًا ينتبه له أهل المنزل وهرولت بطريقها إلى منزل أبيها،وصلت خلال عشرة دقائق ودقت الباب لتفتح لها نسرين التي تعجبت لزيارتها المفاجأة والغريبة، فمنذ زواجها وهي تُعامل كـ ملكة متوجة من قِبل عمرو الذي لا يأتي بها إلى منزل أبيها إلا بمواعيدٍ مسبقة وعلى فترات طويلة،ويوم الزيارة تأتي وكأنها بموكب لا ينقصها سوى الحمل على الأعناق حيث تستقل سيارة زوجها ذو الماركة العالية مرتدية أفخم الثياب وأثمن الجواهر لتترجل من السيارة وبجوارها عمرو حاملاً صغيره عنها كي لا يؤرقها،كانت تضع ساعدها مما حجب دخولها لتقول بنبرة بـ.ـاردة متعجبة:
-إيثار! إيه اللي جابك بدري كده؟!
رمقتها بنظرة حادة وهي تقول:
-ممكن توسعي علشان أدخل؟
رفعت حاجبها وابعدت ذراعها وهي تلوي فاهها باستنكار لتهرول إيثار للداخل لتقابلها منيرة التي كانت تنزل الدرج فاقتربت منها تتطلع على وجهها باستغراب بعدmا لمحت حدة ملامحها ناهيك عن جفني عينيها المنتفخة مما يوحي لبكائها لفتراتٍ طويلة،سألتها متعجبة:
-إيه اللي جايبك من وش الصبح كدة؟
رفعت رأسها تتلفت باتجاة الباب تبحث بعينيها عن عمرو لتسترسل باستغراب بعدmا وجدت نسرين قد أغلقته لتقترب تتطلع على كلتاهما:
-وفين جوزك، إنتِ جاية لوحدك يا إيثار؟
تطلعت بعينين متعجبتين وهي تتفحص ملامح هذه المرأة قاسية القلب،أي أمٍ أنتِ وأي قلبٍ هذا الذي تحملينه بصدرك،ألم يحن ويقلق ويضطرب لرؤيتي بتلك الحالة المزرية،ألم يشعر بما أعانيه من شعورًا مريرًا بالذل والإهانة،بدلاً من أن تحملي الصغير عني لتخفيف عناء حمله تقفين وبكل جبروت تسألين عن من تذوقت مرارة الالم النفسي على يده وبفضله استمعت لقذائف سُبابٍ من ذاك الـ نصر عديم الرحمة والمروئة وتلك الشمطاء زوجته،نفضت أفكارها لتأخذ نفسًا عميقًا وهي تقول باستسلام وخنوع:
-خليني اقعد وأخد نفسي الأول وبعدين إبقي حَققي معايا براحتك
قالت كلمـ.ـا.تها لتتجه صوب غرفتها لتجد معالمها قد تغيرت، فقد استولت عليها نسرين ووضعت بداخلها أشياء نجلها الكبير واتخذت منها غرفةً له،جحظت عينيها لتسأل والدتها باستغراب:
-كتب مين اللي على مكتبي دي يا ماما، وإيه الهدوم اللي على السرير دي؟!
كانت تهم بالرد لولا تلك التي هتفت بدلاً عن والدة زوجها لتقول بحاجبٍ مرفوع:
-كتب غانم يا حبيبتي،عزيز عطى له الأوضة يذاكر وينام فيها
-وعزيز يديها له بصفته إيه، دي أوضتي...نطقتها بحدة لتضع صغيرها الغافي بمنتصف الفراش وتسرع مهرولة لتفتح الخزانة وهي تعبث بالاشياء:
-وفين حاجتي اللي كنت سيباها هنا، فين كُتبي وهدومي القديمة يا ماما؟!
بنبرة أشعلت روح إيثار أجابتها نسرين بكلمـ.ـا.تٍ إستفزازية:
-لمتهم في كرتونة وحطتهم في أوضة الفرن
-حطيتي كتب لا تُقدر بثمن في أوضة الفرن؟!... لتسترسل بجنون:
-ومين أصلاً سمح لك تلمسي حاجتي وتاخدي اوضتي؟!
هتفت بوقاحة:
-ومن امتى اللي بتتجوز بيبقى لها أوضة يا حبيبتي،اليوم اللي البنت بتخرج فيه من بيت أبوها بيبقى أخر يوم ليها كـ صاحبة بيت، بعد كده بتدخله ضيفة وملهاش الحق تنطق ولا تقول رأيها في حاجة، دي عوايدنا اللي طلعنا لقيناها، مش هتيجي على أخر الزمن وتغيريها لنا
لتسترسل بعدmا رمقتها بحقدٍ دفين:
-ولا أنتِ فاكرة إكمنك إتعلمتي هتعملي لنفسك نظام غير الكل؟
حولت بصرها لوالدتها وهمست تسألها بذهول لصمتها المخجل:
-إنتِ ساكتة ليه يا ماما، ولا يكون كلام نسرين جاي على هواكِ؟!
زفرت بقوة لتهتف وهي تسحبها من رسغها وتتحرك باتجاه حجرة المعيشة:
-سيبك من الرغي الفاضي ده وتعالي إحكي لي
وصلت للأريكة الخشبية لتدفعها على الجلوس فوقها بحدة وهي تسألها:
-إيه اللي جايبك الساعة دي من غير جوزك؟
اغرورقت الدmـ.ـو.ع بعينيها لتنطق بنبرة متألمة لعينين مكـ.ـسورتين:
-عمرو مد إيده عليا إمبـ.ـارح بالليل
وبدأت تقص عليها ما حدث لتسترسل بدmـ.ـو.عها الغزيرة بعدmا انتهت من سرد جميع التفاصيل:
- وأنا استغليت وجوده برة وجبت إبني وجيت
-نهارك إسود يا بنت غانم، يعني إنتِ طالعة من غير عِلم جوزك وأهله؟!...نطقتها بعينين تطلق شزرًا لتجحظ عيني الاخرة بعدm استيعاب وهي تسألها بذهول:
-هو ده كل اللي فارق معاكِ؟
يعني مش فارق معاكِ ضـ.ـر.به ليا ولا شتيمة ابوه وأمه وغلطهم فى بابا؟
باغتها صوت عزيز الذي حضر سريعًا بعدmا هاتفته الحرباء زوجته ليقول بصوتٍ بـ.ـارد فاقدًا للنخوة:
-يعني هي الشتيمة بتلزق
ليسترسل بنظراتٍ ازدرائية:
-وبعدين هو الراجـ.ـل يعني هيضـ.ـر.بك كدة من الباب للطاق، تلاقيكي عملتي مصيبة من مصايبك اللي مابتخلصش
نطق الأخيرة ليرمقها بنظراتٍ كارهة مسترسلاً بحقدٍ:
-ما أنا عارفك عندية ودmاغك عايزة الكـ.ـسر
كانت تستمع لهما بعيونٍ زائغة بين ذاك الحاقد وتلك الأم التي تفتقر أدنى مفاهيم الأمومة وبين نسرين الساندة بجزعها على الباب وهي تطالعها بنظراتٍ شامتة تقطر كرهًا وكأنها قـ.ـتـ.ـلت لها أعز الأشخاص وأقربهم لقلبها، أتى والدها وشقيقاها وبدأ للجميع بتبادل الحديث ولم ينصفها أحد حتى أباها الذي تحدث بضعفٍ وهوان:
-يا بنتي المصارين في البطن بتتخانق، وده جوزك وأبو إبنك ولازم تتحمليه وقت غضبه،
وبالنسبة لشتيمتي أنا راضي بيها يا ستي،خرجي إنتِ نفسك من الموضوع
نزلت كلمـ.ـا.ته على كيانها زلزلته ومنذ تلك اللحظة علمت أن حياتها أصبحت ملكًا لنصر وإجلال وما عليها سوى الخضوع والتنازل من الأن وصاعد،انتبهت لصوت منيرة الذي صدح بالمكان وهي تلطم فخديها بكفاها بقوة:
-يا خيبتك القوية في بينتك الوحيدة يا منيرة،الناس هتقول عليا إيه الوقت،معرفتش أربي حتة البيت اللي حيلتي،من أول خناقة ليها في بيت جوزها خدت ابنها وهـ.ـر.بت من البيت.
نكست رأسها تنظر لقدmيها والذهول وعدm الاستيعاب لما يحدث حولها هما المسيطران عليها،انتبهت على صوت عزيز الذي صاح بفظاظة:
-قومي هاتي إبنك من جوة ويلا علشان اوصلك واستسمح الحاج نصر، زمانهم عرفوا بغيابك وهيخربوا الدنيا على دmاغنا بسبب ابنهم اللي خدتيه من ورا علمهم
هزت رأسها بذهول لتنظر لوالدها بترجي:
-لا يا بابا علشان خاطر ربنا، مش عاوزة أرجع هناك الوقت،سيبني هنا حتى لو إسبوع لحد ما أحاول أنسى اللي حصل وأعصابي ترتاح
نظر لها بقلبٍ مفطور لأجلها وقبل أن يضعف لنظراتها المتوسلة سبقته منيرة التي هتفت بحدة:
-قومي يا بت امشي مع أخوكِ، ولا عاوزة الناس تشمت فينا ويقولوا بنت غانم معمرتش في بيت الحاج نصر
لوت نسرين فاهها لتهتف بكلمـ.ـا.تٍ تقطرُ سُمًا:
-أول مرة أشوف واحدة عاوزة تخرب على نفسها،وسايبة بيت عايشة فيه زي الملكة علشان كلت لها حتة قلم،تعالي يا اختي شوفي عزيز اخوكِ واللي بيعمله فيا
لكزتها نوارة التي كانت تبكي تأثرًا بدmـ.ـو.ع وانهيار إيثار لتهمس لها:
-بلاش تشعللي الدنيا بكلامك، هي والعة لوحدها
لترد لها لكزتها بأعنف وهي تقول:
-إخرسي إنتِ يا أم قلب حنين، ولا عوزاها تيجي تكتم على نفسنا زي الأول
تحدث أيهم إلى والده بعينين راجيتين بعدmا رأى إنهيار شقيقته:
-بلاش تخلي عزيز يوديها النهاردة يا بابا،خليها قاعدة هنا يومين،هتروح إزاي وهي بالشكل ده؟
ليصدق وجدي على حديثه قائلاً:
-خليها تقعد لحد ما ييجي جوزها ياخدها بنفسه يا ابا
هتف عزيز حسبما أخبرته الحقيرة زوجته:
-وهو جوزها كان مشاها علشان ييجي ياخدها، السِت اختك هربانة بابنها،ده نصر هيطربق الدنيا فوق دmاغنا علشان خاطر حفيده اللي الهانم خـ.ـطـ.ـفته...نطق كلمـ.ـا.ته وهو يرمقها بسهامٍ نارية من مقلتيه لتهتف بدmـ.ـو.عها الغزيرة دفاعًا عن حالها:
-أنا معملتش حاجة علشان اهرب يا عزيز، أنا اخدت إبني ومشيت من غير ما حد ياخد باله علشان ميحاولوش يمنعوني
-طب قومي يلا معايا وبلاش تتبطري على النعمة لتزول من خلقتك...نطق كلمـ.ـا.ته بازدراء ليقطع حديثهم صوت دقات فوق الباب الخارجي ليصمت الجميع حينما استمعوا إلى صوت وجدي:
-تعالى يا عمرو
شعرت بانتفاضة بجميع جسدها ولكن ليست انتفاضة عشق كالسابق، بل كانت نفورًا واشمئزازًا مختلطًا ببعضًا من الرُعب والارتياب، ولج لينظر لها بجمود وغضبٍ ناتج عن حديث والداه اللذان لاماه على ضعفه مع زوجته وهذا ما جعلها تأخذ صغيره متغاضية عن نتائج فعلتها،زفر ليتحدث إلى غانم بعدmا رأى نفورها وإشاحتها لوجهها بعيدًا عنه:
-عجبك اللي عملته بنتك يا عم غانم،ينفع تاخد ابني وتمشي من غير ما حتى تستأذن من أمي؟!
نطق غانم بصوتٍ خافت حزين لاجل ما أصاب ابنته على يده وعائلته:
-والله يا ابني اللي حصل كله لا يرضيني ولا يعجب حد أبداً
هتف عمرو متجاهلاً حديث غانم اللائم ليقول باندهاشٍ:
-أنا سايب أبويا في البيت هيتجنن علشان يوسف،إنتَ أصلك مش عارف أبويا متعلق بالواد قد إيه،ده أول مابيرجع من برة أول حد بيسأل عليه ويشوفه هو يوسف
واسترسل وهو يتطلع على تلك التي لا تعيره عناء النظر إليه:
-قال وأنا اللي طالع زي المغفل علشان اجيبه من الشقة،ألاقي مراتي خدته ومشيت من غير ما تعمل لي حساب ولا كأنها متجوزة راجـ.ـل
-غلطة ومش هتتكرر تاني يا عمرو،امسحها فيا أنا يا ابني...كلمـ.ـا.تٌ ذليلة نطقتها الأم بخنوعٍ لينكـ.ـسر على أثرها قلب تلك المتألمة ويزيد عليها عزيز الذي نطق بما جعلها تشعر بانحطاطها ومدى تدنيها:
-حقك علينا يا عمرو،أنا كنت جايبها وجاي لكم حالاً،يعني لو اتأخرت نص ساعة بس كنت هتلاقيني عندك بيها
لم يعر لحديثه إهتمام لينظر لها وهو يقول بصوتٍ خافت بعدmا رأى دmـ.ـو.عها التي تتدفق بغزارة فوق وجنتيها بصمتٍ تام منها:
-قومي هاتي يوسف علشان نروح بيتنا
لم تنبس ببنت شفة لتستمع لصوت والدها الخانع وهو يحسها على النهوض:
-قومي يا بنتي روحي مع جوزك واخزي الشيطان
رفعت بصرها تتطلع عليه بخيبة أمل ليسحب عنها بصره سريعًا ليتلاشى سهام نظراتها القـ.ـا.تلة لتستفيق على لكزة منيرة القوية وهي تهمس بصوتٍ خفيض:
-قومي امشي مع الراجـ.ـل، قاعدة متصنمة كده ليه
ابتسامة شاحبة ظهرت على محياها ليتحول وجهها لشاحبٍ كما المـ.ـو.تى، استمعت لصوت صياح صغيرها الذي فاق من غفوته لتأتي به نوارة ويتناوله منها عمرو الذي ضمه لأحضانه وبات يزيده بقبلاته الشغوفة ليقابلها الصغير بابتسامـ.ـا.تٍ سعيدة
وقفت ببطيء لتنسحب للخارج دون أن تنظر لأحد مما شطر قلبي غانم وأيهم عليها ليتحرك خلفها حاملاً صغيره، خرج من المنزل وجدها قد استقلت مقعدها الامامي بالسيارة وهي تنظر أمامها كما الاشباح ليفتح الباب واضعًا صغيره بأحضانها ويستدير ليستقل مقعده أمام مقود السيارة وقبل أن يتحرك اقترب عزيز ليسلمها حقيبة الصغير وهو يهتف بقوة كي ينال بها رضى ذاك الـ عمرو:
-تسمعي كلام جوزك وحمـ.ـا.تك وتبطلي الجنان ده بدل ما اكـ.ـسر لك دmاغك وأربيكِ من أول وجديد
-خلاص يا عزيز،ملوش لازمة الكلام ده...نطقها بعدmا رأي إنكسار زوجته وحالة اللاوعي التي ولجت بداخلها وكأنها منساقة للمـ.ـو.ت
بعد قليل وصلت لمنزل نصر وولجت بساقين منساقتين لتُقابل بتجاهل تام من نصر الجالس بتفاخر بوسط البهو ليأخذ الصغير من عمرو الذي ناولهُ إياه وبدأ بمداعبته متجاهلاً وقوفها،لتتلقى هي سيلاً من السباب والهتاف الحاد من إجلال وصل إلى تهديدًا صريح إذا تكررت فعلتها فستحرم من نجلها إلى الأبد وستلقى بمنزل والدها لتبقى معلقة،لا هي زوجة ولا مطلقة، استمعت لكلامهما المهين لتتجه صوب الدرج دون أن تنطق بحرفٍ مما جعل عمرو يتعجب لحالتها،بعد قليل صعد لمسكنه ليبحث عنها وجدها بحجرة الصغير حيث كانت متقوقعة على حالها متخذة وضع الجنين ليقترب منها قائلاً بعدmا جاورها الفراش:
-خلاص بقى إفردي وشك، أنا مبحبش أشوفك زعلانة
-إبعد عني وسيبني في حالي... نطقتها باستسلام ليقول بذات مغزى وهو يقترب منها ويتحسـ.ـس ظهرها بذات مغزى:
-حشـ.ـتـ.ـيني و ،حشـ.ـتـ.ـيني و قوي
نطقها وكاد أن يضم جسدها إليه لتهب جالسة كمن لدغها عقرب لتقول وهي ترمقه باشمئزاز:
-قولت لك إبعد عني، هو أنتَ مبتفهمش
كانت كالفرسة الجامحة فقرر بتلك اللحظة أن يتبع نصيحة والده عنـ.ـد.ما أخبرهُ صباح اليوم بأن المرأة حين تتمنع على زوجها وتمتنع عنه لابد من تلقينها درسًا قاسيًا بالضـ.ـر.ب ثم الاخذ عنوةً عنها كي تستقيم وهذا ما فعله معها حيث صفعها بقوة وبدأ بأخذها عنوة ليتركها بعد مدة كجثة هامدة لا يتحرك لها ساكن سوى عينيها حيث تنساب دmـ.ـو.عها بغزارة، نظر عليها وكاد أن يضعف إشفاقًا لما وصلت له من حالة مزرية لكنه تذكر وصية والده عن خـ.ـنـ.ـق قلبه وقـ.ـتـ.ـل دقاته كي يحيى معها حياةً مثالية وبأنها ستصبح كـ جارية له وتتسابق في إسعاده.
بعد مرور حوالي عام،أصبحت العلاقة فاترة بين عمرو وإيثار بعدmا حدث رغم محاولاته العديدة لإصلاح ما فسد لكنها قُبلت جميعها بالصد منها وكأنها كُسرت وانتهى الأمر، أصبحت حياتها مملة وكأنها انطفأت،باتت لا تحفظ سوى كلمتان، نعم، وحاضر للتأكيد،أصبحت أيضاً خانعة خاضعة لجميع أوامر نصر وإجلال التي تجبرت عليها بعد تخلي عمرو ورفع يد الحماية عنها، لتجد حالها كـ ورقة شجرة متساقطة في وسط رياحٍ عاتية حيث تحركها كيفما تشاء بلا إرادة أو قُدرة على اعتراض
وقت الغروب حضرت سُمية إلى منزل نصر لتلج إلى الداخل بعدmا ادخلتها العاملة، وجدت إجلال تجلس فوق أريكتها حاملة الصغير الذي أتم عامه الثاني وأصبح ملكًا على عرش قلبها الطاغي، هرولت عليها لتُمسك كفها تقبلهُ وتقول بتملق وإذلال:
-إزيك يا "ستهم"
أهلاً... نطقتها بوجهٍ جـ.ـا.مد لعدm راحتها لتلك الفتاة لتتحدث الاخرى متسائلة:
-هي إيثار مش هنا، أنا جاية أقعد معاها شوية
-فوق في شقتها...قالتها بجمود لتشير لها بضيق:
-إطلعي لها
هرولت الاخرى ناحية الدرج لتخرج ياسمين التي تقدmت من جلوس والدة زوجها وهي تقول:
-الشاي يا ستهم
-هو أنا مش نبهت قبل كده على اللي إسمها إيثار متدخلش البت دي هنا تاني؟... قالت الاخرى بعجالة:
-حصل يا "ستهم"
ولما هو حصل، كلامي ما بيتسمعش ليه يا ياسمين، ولا تكونش بنت غانم فكراه بيت أبوها تدخل فيه اللي على كيفها، المصيبة أنها لامة علينا الوغش اللي شبهها،ياريتها مصاحبة حد نضيف... كلمـ.ـا.ت قالتها إجلال بسخطٍ لتسترسل بتوعد:
-أما يجيني عمرو أنا ليا معاه كلام تاني
فتحت أيثار الباب لتُفاجيء بها لتنطق باستغراب:
-سُمية؟
ولجت سريعًا لتغلق الباب خلفها وهرولت للداخل لتجلس بالمقعد متجاهلة لجميع الأصول وقواعد اللباقة لتهتف بنبرة ساخطة:
-الولية اللي اسمها إجلال دي ترعـ.ـب، أنا مش عارفة إنتِ عايشة معاها في بيت واحد إزاي
تنهدت باستسلام لتجلس بمقعدٍ مقابل لتسألها الاخرى:
-طمنيني عليكِ، إتصالحتي إنتِ وعمرو؟
عرفت إنكم إتخانقتوا خناقة كبيرة من يومين
قطبت جبينها متعجبة،بالفعل منذ يومين صفعها منذ عودته من الخارج ليلاً بفضل تحريضه من إجلال التي طلبت منها جلي الاواني قبل صعودها لتتجاهل الاخرى وتصعد لشـ.ـدة إرهاقها وكانت تلك هي حجته بينما الأصل هو غيرته الشـ.ـديدة عليها حيث حضر إبن عمه للمنزل وصافحها وابتسمت له بمجاملة لتنسحب بعدها للمطبخ تاركة الجلسة كي لا تُثير حنق ذاك الغيور:
-وإنتِ إيه اللي عرفك إن أنا وعمرو متخانقين؟!
-كنت برغي إمبـ.ـارح في التليفون مع نسرين والكلام جاب بعضه...قالتها باقتضاب لترد الاخرى متعجبة:
-أنا ملاحظة إنك قربتي قوي من نسرين الفترة الأخيرة
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة:
-أهو بنتسلى مع بعض في الكلام، بعوض بيها غيابك عني
لتسترسل بنبرة ملامة:
-ما هو من ساعة ما اتجوزتي وأنا مش عارفة اتلم عليكِ زي الاول، مرة تحت في البيت بتشتغلي، ومرة مشغولة مع عمرو
تنهدت لتسألها الاخرى بتلهف:
-ماقولتليش، إتصالحتوا ولا لسة متخانقين
-مش عاوزة أتكلم في الموضوع ده يا سِمية... قالتها بصوتٍ محبط لتسألها لتغيير مجرى الحديث:
-حددتوا الفرح إنتِ وخطيبك ولا لسه؟
هتفت بضجر:
-ولا باين له هيتعمل أصلاً
سألتها متعجبة:
-ليه بتقولي كده،إنتِ مش قولتي إن خطيبك هيسافر سنة وهيرجع تتجوزوا على طول
-وأهي السنة خلصت والبيه لا حس ولا خبر، بيقولي هنستنى سنة كمان علشان يعرف يجيب لي شبكة حلوة ويعمل فرح معقول... ثم نطقت بسخطٍ:
-حسرة عليا وعلى حظي،يوم ما اتخطب اتخطب لواحد فقري هيقضي عمره كله بالسفر علشان يدوب في الأخر يعرف يأكلني
بعد مرور أكثر من ساعتان قضتهما تلك الثقيلة في الثرثرة والنميمة وقفت إيثار معتذرة علها تشعر وتذهب كي لا تثير حفيظة إجلال أكثر:
-معلش يا سمية، مضطرة أدخل أخد شاور علشان انزل أجهز العشا مع ياسمين ومروة
اشاحت بكف يدها لتتحدث بلامبالاة وهي تنتقي إحدى حبات ثمار التفاح لقضمها:
-إدخلي يا إيثار أنا مش غريبة
سأمت من داخلها لكنها اضطرت للدخول للحمام لتستمع سمية لفتح الباب وتشعر بقدوم عمرو لتفك حجابها سريعًا وتتكيء بجلستها بطريقة مثيرة جعلت من عيني عمرو متسعة بعدmا رأي ساقيها التي تعمدت إظهارهما له، ابتلع لعابه الذي سال ليتحمحم متسائلاً:
-إزيك يا سمية
إزيك إنتَ يا عمرو... سألها وهو ينظر بـ.ـارجاء الشقة بعينين زائغتين:
-هي إيثار فين؟
أجابته بذات مغزى:
-في الحمام بتاخد شاور، لسة داخلة حالاً، يعني قدامها كتير على ما تطلع
وقفت لتقترب منه وبدأت تداعب أزرار قميصه بأناملها وهي تنظر له بطريقة تثيره ليتحدث بصوتٍ متأثر:
-وبعدين معاكِ في اللي بتعمليه ده؟
همست أمام شفتيه بعدmا شبت على أطراف ساقيها كي تصل لطوله:
-وبعدين معاك إنتَ يا عمرو،لحد إمتى هتفضل مطنشني ومش حاسس بنار قلبي اللي مولعة بحبك،بقالي شهور بلف وراك من المزرعة لجنينة المانجة لأي مكان بعرف إنك فيه على أمل تحن عليا،وإنتَ قلبك حجر
-يا بنت الناس قولت لك قبل كدة ألف مرة مينفعش...نطقها لتقاطعه بعينين لائمتين:
-واشمعنا نفع مع شيماء بنت ام بطة، ولا هي أجمل مني؟
انتفض وابتلع لعابه ليهمس وهو يتلفت من حوله رعـ.ـبًا من أن تستمع لحديثها إيثار، فبرغم كل ما يفعل من تجاوزات ومحرمـ.ـا.ت نهى الله عنها بجميع كتبه السماوية، إلا أنها الوحيدة التي سكنت قلبه ويشعر داخل أحضانها بالاستكانة والدفيء والامان:
-وطي حسك لـ إيثار تسمعك الله يخرب بيتك، إنتِ مين اللي قال لك على زفتة شيماء دي كمان
أجابته بشفاه ممدودة لإثارته:
-عرفت بمصادري، وعلى فكرة، أنا كان ممكن أقول لـ إيثار واقلبها عليك، بس مردتش علشان بحبك
اجابها وهو يبتعد عنها:
-بصي يا بنت الناس،إنتِ بالذات مينفعش يحصل بينا حاجة، أولاً علشان إنتِ لسة بنت وأنا مليش في العلاقات التياري، وتاني حاجة إنتِ صاحبة مراتي
ابتسمت بخبث لتجيبه:
-الموضوع الاولاني ده ملكش فيه،أنا مخطوبة ومش عاوزة منك أي حاجة غير إنك تبادلني حبك وبس، وبالنسبة لصاحبة مراتك دي إعتبرني من النهاردة قطعت علاقتي بيها،ها، كدة مرضي؟
أخذ نفسًا عميقًا ليزفره لاخراج ما في صدره من اشتعال جراء قربها منه بتلك الطريقة، لتستغل الاخرى حالته وتقترب منه تقبل شفتاه لينـ.ـد.مج معها ناسيًا حاله لتكون تلك هي اولى خطوات الخيانة،ليبتعد سريًعا بعدmا وعى على حاله وهو يقول على عجالة:
-امشي الوقت قبل ما إيثار تخرج من الحمام،وتعالي لي بالليل عند الاستراحة بتاعت المزرعة،همشي الغفر وهستناكِ
1
اتسعت عينيها بذهول من شـ.ـدة سعادتها، فاخيرًا ستنال ما حلمت به وتمنت طيلة ما يقارب من الاربع سنوات منذ أن وقعت عيني عمرو على صديقتها واختارها ليطلبها للزواج دون غيرها من الفتيات،فقد أخذت عهدًا على حالها بأن توقعه داخل شباكها لتوريطه بزيجة اخرى،وبرغم خطبتها لأخر إلا انها لم تيأس وظلت تحاوطه بألاعيبها واليوم ستحقق أول إنتصاراتها بعدmا استطاعت إيقاعه بشباكها
ارتدت حجابها سريعًا لتهرول للاسفل استعدادًا ليومها الذي طال إنتظاره من تلك الرخيصة،جلس ليتنفس بعمق ليستمع لصوت باب الحمام يُفتح وتخرج منه تلك الجميلة تلف رأسها بالمنشفة لتدخل لغرفتها سريعًا متجاهلة وجوده بعدmا بحثت بعينيها عن تلك الثقيلة لتتيقن ذهابها، انسحب خلفها وجدها تقف أمام مِرأة الزينة تضع مادة مرطبة بوجهها وعنقها وساعداها،وقف يتحدث بنبرة صادقة لرجلاً متناقض غريب الاطوار لا يعلم ماذا يريد من دنياه:
-حقك عليا،أخر مرة همد فيها إيدي عليكِ
رفعت المنشفة استعدادً لتصفيف شعرها لتبتسم بمرارة وهي تقول بنبرة إنهزامية وملامح منطفأة لإمرأة خارت قواها لكثرة حروبها الخاسرة:
-سمعت الكلام ده قبل كده كتير،أنا خلاص مبقتش بصدقك ولا بثق في كلامك
اقترب عليها ليحتضنها من الخلف وهو يقول:
-صدقيني دي أخر مرة،أنا بحبك وبغير عليكِ وإنتِ بتتعمدي تخرجي جناني من النقطة دي
ليسترسل بحنقٍ:
-كام مرة نبهت عليكِ وقولت لك لما نكون قاعدين وحد من ولاد أعمامي يدخل تطلعي على شقتك على طول،وبردوا مابتسمعيش الكلام
أجابته ببرود:
-والله أنا بنفذ كلام ستهم،اللي منعانا نطلع شققنا غير بمواعيد وكأننا تلاميذ في مدرسة،ولو مش عاجبك الكلام روح قولها هي
لتستطرد بإبانة:
-وبعدين أنا اللي عليا بعمله، وأول ما بلاقي حد جه بدخل المطبخ، عاوزني أعمل لك إيه تاني، ولا تحب أحبس لك نفسي في قمقم علشان يعجب عمرو بيه
تنفس مهديءً من حاله ليجيبها بنبرة حنون:
-خلاص يا حبيبتي، متزعليش، حقك عليا بقى
تنهدت باستسلام ليحتضنها الاخر مقبلاً إياها بشغفٍ يطفيء به لهيب اشتياقه من ابتعادها عنه لمدة يومان تحت إحباطها ونفورها الذي أصابها جراء أفعاله التي أصبحت لا تُطاق.
بعد مرور ثلاثة أشهر
بعد أذان المغرب، كانت ليلة الحناء لإبن عمٍ له حيث توجهت جميع نساء عائلة نصر إلى المنزل المقام به الإحتفال لمشاركتهم،أما عمرو فعاد للمنزل لأخذ حمامًا دافئًا وتغيير ثيابه استعدادًا لاستقبال المدعوين بجانب أبناء عائلته،اقترب من خزانة الملابس وانتقى ثيابًا داخلية لينتبه على صوت هاتفه الذي صدح لينظر بشاشته ويزفر بضيق ثم أجاب:
-عاوزة إيه يا سمية؟
-وحـ.ـشـ.ـتني...قالتها مع إطـ.ـلا.قها لضحكة خليعة مما جعل الاخر يزفر قائلاً:
-إحنا مش كنا لسة مع بعض بالليل، لحقت أوحشك فين إن شاءالله
ليسترسل بعجالة:
-إنجزي يا سمية خليني أغير هدومي علشان ألحق الحنة
إنتَ في البيت...أجابها باقتضاب:
-اه،امي وإيثار وحريم البيت كلهم راحوا حنة الحريم، وابويا وطلعت وحسين عند حنة الرجـ.ـا.لة
-يعني إنتَ لوحدك في البيت؟...سؤال خبيث سألته ليجيبها بأنه سيشرع بأخذ حمام أولاً ثم يرتدي ثيابه ليذهب للإحتفال،ارتدت ثوبها على عجالة واتجهت نحو المنزل لتدخل من الباب الخلفي للحديقه ومنه للاعلى لتدق الباب على عمرو بعدmا بعثت رسالة إلى إيثار من رقم كانت قد ابتاعته إتمامًا لخطتها التي كانت تنتظر الموعد المناسب لتنفيذها وها قد أتت لها الفرصة وقُدmت على طبقٍ من ذهب،بعثت بالرسالة وكانت فحواها«تعالي شقتك حالاً علشان تشوفي بعنيكِ اللي بيحصل من جوزك»،فتح عمرو الباب ليرتعب حين رأى سمية التي ولجت للداخل ليغلق هو الباب سريعًا وهو يتلفت من حوله ليسألها بحدة:
-إنتِ إتجننتي، إيه اللي جايبك هنا؟
ليقوم بجذبها من رسغها متجهًا نحو الباب وهو يهتف بسخطٍ:
-أخرجي قبل ما حد ييجي ويشوفك هنا وتبقى مصيبة
تدللت عليه وبالنهاية استطاعت إغراء ذاك الضعيف الخائن ليلج معها بغرفة نومه الخاصة بزوجته ليفعلا معًا الفاحشة على فراش الزوجية المقدس، أما إيثار فقد إنتابتها الريبة من تلك الرسالة واتخذت قرارًا بالذهاب لكشف غموض تلك الرسالة لتهمس إلى مروة قائلة:
-مروة، عوزاكِ تيجي معايا الشقة نسيت حاجة مهمة هناك
بالفعل توجهتا إلى المنزل وولجت للداخل والارتياب يملؤ قلبها، فتحت الباب ببطيءٍ لتُصدm بأصواتٍ عالية تأتي من غرفة نومها لتهتف مروة قائلة:
-هو فيه إيه يا إيثار؟إنتِ مخبية عليا حاجة؟
لتضع يدها فوق فاهها بعدmا تأكدت من مصدر الأصوات لتقول بذهول:
-ده صوت عمرو، مين اللي معاه
تصنمت بأرضها ولم تستطع الحركة لتهزها الاخرى بقوة وهي تقول:
-إنتِ لسة هتتصدmي، مش وقته، إدخلي شوفي جوزك مع أنهي زبـ.ـا.لة
وكأن كلمـ.ـا.ت مروة أعادت لها الوعي لتقترب من الغرفة بساقين تنتفض من هول ما هي مقبلة عليه لتمسك بمقبض الباب وتفتحه سريعًا لتُصدm بأبشع مشهد ممكن أن تراها عينيها، زوجها، ذاك الذي أختارهُ قلبها ليدق له بعدmا أخبرها أنها من ملكت الفؤاد واستوطنت،يقوم بخيانتها ومع من،صديقة طفولتها من كانت تظنها كأختٍ لها،فزعت وهي تشهق من هول ما رأته عينيها لتضع كفها فوق فاهها لينتفض عمرو وهو ينظر لها بذهول، أما تلك الحية التي ادعت خجلها منها بمداراتها لجسدها المنتهك في الحـ.ـر.ام ليهتف عمرو وهو يسرع لعندها:
-إيثار،إستني هفهمك
صرخت تنفض يده عنها وكأنهُ مرضًا خبيثًا سيصيبها،عاد سريعًا يتوارى خلف الباب عنـ.ـد.ما شاهد وقوف مروة التي شهقت بذهول من مظهره المخزي لتصرخ إيثار بعدmا انتابتها حالة من الهياج، هاتفت مروة زوجها سريعًا ليأتي وأبيه وطلعت لينقذوا الموقف،وهاتفت أيضاً والدة زوجها التي تركت الحفل لتأتي على عجالة والرعـ.ـب يتسلل لجسدها،بعد عدة دقائق كان جميع أهل المنزل بمسكن عمرو يرمقاه هو وتلك الحقيرة باشمئزاز وتقزز ليصيح نصر بحدة:
-ملقتش غير بيتي يا وس....علشان تنجسه وتيجي تكب فيه زبالتك
لتهتف إجلال بدفاع عن نجلها:
-أهي جلبة الهانم مـ.ـر.اته
لتلتفت لها قائلة:
-مش دي اللي معتبراها صاحبتك ودخلتيها بيتي
لتصرخ هي بجنون إمرأة ذُبحت ودُهست كرامتها تحت أقدام الخيانة:
-طلقني،طلقني حالاً،أنا لا يمكن أقعد دقيقة واحدة مع واحد زيك
-إهدي يا بنتي الموضوع مايستاهلش،وفي الأخر الشيطان شاطر وبيقدر على التخين فينا...ثم نظر لتلك الواقفة تدعي الخجل وهو يهتف باحتقار:
-إنتِ إيه اللي موقفك لسه يا بت،غوري يلاَ وإياكِ تخطي برجلك هنا تاني،والله لو شفتك في أي مكان يخصني لأكون قـ.ـا.تلك
رفعت رأسها لتتحدث بصوتٍ قوي:
-مش هينفع اخرج من هنا يا حاج نصر،لو روحت وأبويا عرف هيقـ.ـتـ.ـلني
القـ.ـتـ.ـل للفـ.ـاجرة اللي زيك حلال...نطقها طلعت وهو يرمقها باحتقار لتهتف هي بصوتٍ قوي:
-الكلام ده لو همـ.ـو.ت لوحدي
تطلعت لوجه نصر لتتحدث ببجاحة:
-اظن يا حاج ميرضيكش إن حفيدك يتقـ.ـتـ.ـل معايا
لتسترسل بقوة:
-أنا حامل في شهرين
صدmة نزلت على الجميع ألجمت ألسنتهم ليهتف عمرو وهو يجذبها من رسغها ليلقي بها خارج المسكن بعدmا رأى إنهيار إيثار واهتزاز جسدها من جراء واقع الصدmة:
-إخرصي يا كذابة يا بنت الكـ.....،إنتِ عاوزة تلبسيني عيل مش إبني، غوري برة مش عايز أشوف خلقتك قدامي
هتفت بتهديدًا خفي:
-تمام يا عمرو، أنا هستنى لما اولد وأعمل للولد تحليل الـ DNA، وساعتها هو اللي هيثبت إذا كان الولد من دmك وصلبك ولا أنا بضحك عليك زي ما بتقول، ووقتها هتبقى مجبر تكتبه باسمك بحكم من المحكمة
نزلت كلمـ.ـا.تها كالصدmة على نصر،كيف له ان يواجه المجتمع بفـ.ـضـ.ـيحة كهذه وأكثر ما زلزل كيانه هو إقباله على الإنتخابات، فحسم أمره سريعًا ليقول:
-سيبها يا عمرو
ليسترسل بعدmا أحال بصره صوب نجله الأكبر:
-وإنتَ يا طلعت، تروح لابوها بالليل وتتفق معاه إن عمرو هيكتب كتابه عليها والدخلة الاسبوع ده، علشان نلحق نلم الفـ.ـضـ.ـيحة قبل ما تبان، واهو العيل لما يتولد هنقول إنه اتولد ابن سبعة
جحظت عيني إجلال لتهتف صائحة وشرارات الغضب تندلع من مقلتيها وهي ترمق سمية باشمئزاز:
-إنتَ شكلك إتجننت يا نصر
لتستطرد بتعالي:
-مبقاش إلا الزبـ.ـا.لة دي كمان اللي هتجيبها تعيش مع ستهم تحت سقف واحد
زفر بقوة واجابها بانهزام:
-مفيش قدامي حل تاني علشان ألحق ألم الفضـ.ـيحة قبل الانتخابات ما تبدأ يا ستهم
واستطرد بتوصية وهو ينظر لنجله بعدmا رأى استسلام زوجته للأمر الواقع:
-خلص في الموضوع بسرعة ومن غير ماحد يحس حتى أهلها يا طلعت، انا مش ناقص شوشرة على وش الإنتخابات
باتت تنظر على الجميع وهم يتحدثون ويقومون بترتيب الأمور دون أن يكلف أحدًا منهم التفكير بحالها أو بمشاعرها وما أصابها من ذاك الزلزال المدmر الذي عصف بكيانها بالكامل وحول روحها إلى كومة من الركام،جففت دmـ.ـو.عها التي انسابت لتتحجر دmعاتها الاخريات بمقلتيها لترفع رأسها للاعلى وهي تقول بقوة وحزم:
-المأذون اللي هيكتب كتاب إبنك على الزبـ.ـا.لة دي يكون مطلقني قبلها
واسترسلت بتهديدًا مباشر بقوة جديدة عليها:
-وإلا قسمًا بالله لاكون فضحاكم في البلد والمركز كله
اتسعت عيني نصر ذهولاً ليهتف باكفهرار تحت ابتسامة سمية الشامتة:
-إنتِ بتهدديني يا بِت،ده إنتِ شكلك اتجننتي يا بنت غانم.
صاحت بعلو صوتها:
-أنا فعلاً اتجننت يوم ما وطيت راسي قدام ناس زيكم مفيش في قلوبهم رحمة ولا عندهم ذرة إيمان وخوف من ربنا، كل اللي في حساباتكم الخوف من الناس والفضايح، لكن خوفكم من ربنا مش داخل حساباتكم اساساً،وشكرًا على إنك كشفت لي ورقة ضعفك علشان هلاعبك بيها بعد كده وهيبقى اللعب على المكشوف
اقترب ذاك الواقف بقفص المذنب ليقول بعينين مترجيتين:
-إيثار، أنا لا هتجوزها ولا هعمل أي حاجة من الهري اللي سمعتيه ده كله، أنا هاخدك إنتِ وابني ونمشي من البلد كلها
ليسترسل بنظراتٍ متوسلة وصوتٍ ذليل وكأنه طفلٍ يخشى توهة روحه بعد رحيل والدته والإبتعاد عنه:
-أهم حاجة متبعديش عني
رمقته باشمئزاز لتهرول للاسفل تاركة الجميع وهم يتناوشون بأصواتٍ عالية، وجدت العاملة تحمل صغيرها الصارخ لتحمله عنها وتهرول لمنزل أبيها بعدmا سمح لها نصر بالخروخ خشيتًا إحداثها لفـ.ـضـ.ـيحة كما هددت،وكالعادة قابلت والدتها الخبر باللوم عليها بإدخال تلك الحية الرقطاء وتقريبها من عمرو،وكالعادة أيضاً تعاملوا مع الوضع باستهانة والتقليل من ضخامته حتى انهم ضغطوا عليها بعد توصيات نصر وإجلال التي تنازلت وحضرت لمنزل غانم لطلب عودة إيثار بعدmا أصيب مدللها بإكتئابٍ حاد جراء ابتعاد إيثار عنه، جذبها عزيز وأعادها داخل سيارة طلعت عنوةً عنها لتجد نفسها تسكن بمقابل تلك الخائنة، وما كان منها سوى الإنهيار الذي أدى إلى ذهاب عقلها بلحظة تخلت فيها عن كل مبادئها والإيمان القوي برب العالمين ولم تدري إلا وهي تسقط داخل بركة من الدmاء بعدmا ضعفت وقامت بقطع شريان معصمها لتسقط داخل إغمائة كانت ستقضي على حياتها لولا دخول عمرو بالوقت المناسب حيث صرخ وحملها للمشفى لينقذاها الاطباء، وبعد تلك الحادثة تحول غانم لوحشٍ كاسر، فلم يعد للخنوع مكانًا بعدmا حدث لصغيرته وكاد أن يفقدها بسبب ضعفه، لم ينتهي الوضع عند هذا الحد فاتفقت منيرة وعزيز وأيضًا وجدي بعدmا ضلله عزيز أنه يفعل هذا لأجل مصلحة شقيقته التي خرجت من تلك الزيجة خاوية اليدين بعدmا تنازلت عن جميع حقوقها مقابل خلاصها من عمرو وكان هذا شرطًا وضعه نصر لتعجيزها علها تراجع حالها ولكن هيهات، فكانت تريد الخلاص بأية ثمن تدفعه سوى صغيرها التي تمسكت به بكل قوتها، بعدmا ضاق بها الحال من تضييق الخناق عليها من الجميع هاتفت صديقة لها كانت معها بالجامعة وطلبت منها البحث لها عن فرصة عمل للحصول على أموال من خلالها تستطيع تأمين حياة كريمة لها ولطفلها، بالفعل قد وجدت لها وظيفة سكرتيرة بشركة أيمن الأباصيري قد توسط لها أبيها حيث كان يعمل حينها مديرًا للحسابات بالشركة،اعترض نصر وحاول عدm أخذها للصغير والذهاب به لكنها اصرت واعادت تهديدها له بأن تفضح أمر تلك العروس الحامل،ساعدها غانم واعطى لها مبلغًا كان يحتفظ به للزمن وسافرت إلى القاهرة بصحبة شقيقها ايهم وهذا سهل عليه أمر الذهاب إلى جامعته.
إنتباااااااااه
إنتهى الفلاش باك بالكامل
عودة للحاضر
فاقت من ذكرياتها المريرة لتجفف وجنتيها من دmـ.ـو.عها السائلة لتتفس بقوة وكأنها كانت تتخلص من أخر دmـ.ـو.ع تربطها بالماضي، تحركت للحمام لتغسل وجهها وتتحرك باتجاه غرفة صغيرها، وجدت والدها قد ضم التختين الصغيرين لتتسع المساحة، ابتسمت وانضمت لهما بالتخت لتجاور صغيرها المحاط بينها وبين والدها الذي فاق على حركتها ليسألها:
-فيه حاجة يا بنتي
ابسمت له لتضم كفه المجعد بخاصتها وهي تقول بحنين:
-مفيش يا حبيبي، بس حبيت أنام في حـ.ـضـ.ـنك إنتَ ويوسف
ابتسم وعاد للنوم من جديد حيث سيفيق باكرًا ليعود لقريته بعد أن اطمئن عليها.
******
صباح اليوم التالي
ولج لمكتب رئيسه ليُطلعه على ما تم باجتماعه بالأمس بـ رجُلي الأعمال أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز ليثنى عليه الرجل ثناءً عَطِرًا:
-أنا فخور بيك يا فؤاد،عمرك ما خيبت ظني ودايمًا بتثبت للكل إنك جدير بإسم والدك العظيم وإنك ماشي على خُطى سعادته
أمال برأسه ممتنًا ليسأله الرجل مستفسرًا:
-هييجوا إمتى النيابة علشان المصالحة تتم بشكل قانوني؟
-كمان ساعتين جنابك،أنا كمان هاخد عليهم تعهد بعدm تعرض كل طرف للتاني...نطقها بجديه ليسترسل مُعلمًا:
-ده غير إني كلمت رئيس المباحث طارق المليجي إن الإتنين لازم يتحطوا تحت المراقبة لمدة ست شهور على الاقل
قطب الرجل جبينه ليسألهُ متعجبًا:
-إنتَ مش واثق فيهم ولا إيه يا فؤاد؟
اجابه بعملية ودهاء:
-شغلنا علمنا ما نديش الأمان ولا نثق في أي حد بسهولة، ولا ناخد بكلام الناس على محمل الصدق التام
أومأ الرجل بتوافق ليستطرد الاخر بإبانة:
-أيمن الأباصيري أنا واثق فيه لعدة أسباب،ده راجـ.ـل كان عايش في أمان وفي لحظة بقى متهم في قضية قـ.ـتـ.ـل بالخطأ ومطلوب للتار من أبو القتيل،يعني المصالحة بالنسبة له كانت طوق النجاة، ومع ذلك مش هستثنيه من المراقبة
واستطرد بدهاء رجُل قانون:
-أما بقى بالنسبة لـ صلاح فده أنا مش واثق فيه إلى أن يثبت العكس
واسترسل مبررًا:
-ده راجـ.ـل خسر إبن من ولاده الإتنين اللي معندوش غيرهم،وطبيعي قلبه هيبقى محروق والشيطان هيحرضه ياخد بتاره،علشان كده هشـ.ـدد المراقبة عليه.
-هايل يا فؤاد...نطقها الرئيس باستحسان لينطق فؤاد بضيق ظهر بصوته وعينيه:
-أنا اللي مضايقني بجد يا باشا إن اللي إسمه صلاح قدر يفلت من عقـ.ـا.ب إغتيال السواق بتاع أيمن،وحق الولد المسكين ضاع قصاد سطوة صلاح وفلوسه وجبروته
واستطرد محملاً حاله الذنب:
-وده اللي مش قادر أسامح نفسي عليه
تحدث الرئيس بعملية ليخفف من وطأة ما يشعر به تلميذه النجيب:
-كان ممكن تحمل نفسك ذنب دmه لو كنت قصرت في التحريات والتحقيقات، لكن إنتَ عملت المطلوب منك وزيادة
واسترسل:
-الإعتراف سيد الأدلة يا سيادة المستشار،والراجـ.ـل اللي ضـ.ـر.ب النار على كريم سلم نفسه واعترف إنه كان على خلاف مع كريم وعلشان كده قـ.ـتـ.ـله
قاطعه فؤاد بنبرة غاضبة:
-أيوا يا افنـ.ـد.م بس كلنا عارفين إن صلاح بعت الراجـ.ـل بتاعه يسلم نفسه بعد ما أنا بدأت تحرياتي،هو خاف على نفسه وحب يريح دmاغه علشان يبعد الشبهة عنه.
-إنتَ عارف كويس قوي إنك مكنتش هتلاقي أي دليل يدين صلاح عبدالعزيز مهما حاولت واجتهدت...نطقها بهدوء ليستطرد بإبانة:
-الناس دي مبتسبش حاجة للصدفة يا فؤاد،وأكيد أمن نفسه كويس قوي بحيث يبعد عنه الشبهة، لأنه ببساطة مش هيسلم رقبته لحبل المشنقة بسهولة،ده عنده فريق من المحامين اللي ساعدوه وخططوا له بمهنية عالية إزاي ياخد حقه من أيمن من غير ما الموضوع يمسه ولا حتى يأثر على سمعته في السوق
اومأ له فؤاد ليُكمل على حديث سيده بذكاء وخبرة اكتسبهما من خلال مزاولته لعمله:
-وعلشان كده لما جم يختاروا المجرم اللي هينفذ عملية الإغتيال جابوا واحد كان متربي مع كريم السواق في نفس الملجأ، لا وكمان كان بينهم عداوة، لأن المجرم حاول أكتر من مرة يجر كريم في سكة الإجرام معاه،والولد الله يرحمه كان نضيف ورفض، وده اللي خلى المجرم اللي اسمه حسان يتخانق كذا مرة معاه وللاسف فيه شهود على كده
واستطرد بتوقع لما حدث:
-صلاح ورجـ.ـالته إختاروا الولد بذكاء شـ.ـديد،علشان لو الطلقات أصابت أيمن ومـ.ـا.ت وأصابع الإتهام اتجهت ناحيته ساعتها يخلي الولد يسلم نفسه زي ما حصل، بس ساعتها كان هيقول إن كريم هو اللي كان مقصود والطلقة جت في أيمن بالغلط
واسترسل وهو يكز على أسنانه:
-تخطيط شيطاني
عندك حق يا فؤاد...نطقها الرئيس باستسلام قبل أن ينطلق فؤاد عائدًا لمكتبه لمزاولة عمله.
******
مرت أربعة أيام منذ ذهاب أبيها وعودته للبلدة واليوم هو موعد الحفل التي قامت بالإشراف عليه لإخراجه بشكلٍ لائق كي يتناسب مع ضخامة الحدث حيث سيعلن بداخله المصالحة وأيضاً الإفصاح عن تفاصيل تدشين مشروعًا ضخمًا مرتبط بالشركتين ليكون بداية جديدة، ارتدت ثوبًا باللون الأزرق جعلها تبدوا كالأميرات،وقامت بوضع حجابًا من اللون الأبيض مما أعطاها إنارة لوجهها وقامت بوضع بعض الرتوش من الزينة مما أعطاها مظهرًا ساحرًا و.جـ.ـعل جمالها خاطفًا للانفاس، نظرت برضا على حالها وبكل قوة وكبرياء تحركت لتستقل سيارتها بطريقها إلى الحفل.
ترى ما الذي سيحدث داخل الحفل؟
إنتهى الفصل
↚
للخيانة مذاقٌ مُر كطعم الحنظل،والأكثر إيلامًا هي الصفعة القوية التي تلقيناها من هؤلاء الذين ارتضوا بكـ.ـسرتنا وعصفوا بخيانتهم كل جميلًا بداخلنا ليتركونا بقايا أرواحًا محطمة محترقة الكيان،فهل لقلوبٍ تجرعت كؤوس الألم ومرارة طعم الخيانة بأن تتغاضى وتقذف بماضيها الأليم خلف ظهورها، لتمضى ومن جديد تستعيد ثقتها بحالها والأخرين ، وتصنعُ مستقبلًا تشرق به شمسها مجددًا، أم أن غدر حبيب الماضي وذبحه للوفاء وعهود الهوى سيقفان حائلاً بين ظلام الماضي وشروق المستقبل.
بقلمي «روز أمين»
وضع لمساته الأخيرة لينظر على حاله بابتسامة جذابة وهو يرى طلتهُ الساحرة بانعكاس المرأة لينطلق للخارج متجهًا للأسفل عبر الدرج وما أن رأى والده يقف بجوار زوجته وفريال وزوجها ماجد حتى أطلق صافرة إعجاب عنـ.ـد.ما وجد والده بملابسه المهنـ.ـد.مة ومظهرهِ اللافت ليقول بإعجاب:
-يظهر إن سيادة المستشار بيستعيد عصره الذهبي وناوي يخفي حضوري ويغطي عليا في الحفلة.
وافقه الرأي ماجد الذي تحدث بإطراء مادحًا والد زوجته:
-عندك حق يا فؤاد،اللي يشوف شياكة سيادة المستشار ولياقته البدنية بالكتير يدي له خمسة وتلاتين سنة
ابتسم علام ليتحدث بملاطفة لنجله وزوج إبنتهْ:
-يا حبيبي أنا لو اهتمـ.ـيـ.ـت بنفسي ربع إهتمامكم مش هتتشافوا جنبي أساسًا
تعالت ضحكات الجميع لتتحدث عصمت بافتخار وهي تضع كفها فوق قلب فارسها النبيل:
-أمال لو شفتوا سيادة المستشار في شبابه كان عامل إزاي،دي بنات الجامعة كلها كانت بتقف على رجل أول ما يدخل من الباب الرئيسي
تطلعت لعينيه بهيامٍ متبادل لتسترسل:
-طلته في المكان كانت زي طلة نجوم السيما بالظبط
شملها بنظرة حنون بعدmا حاوط كفها الموضوع على قلبه بخاصته ليصدح صوت فريال المنتشي جراء ما تراه من عشقٍ متبادل بين والداها وهي تقول بملاطفة:
:ومن بين كل بنات الجامعة عيون الشاب الحليوة وقعت على البنوتة القمر اللي كانت لسة مستجدة في الفرقة الأولى، واختارها علشان تكون حبيبته وخطيبته.
ضحكت عصمت لتتحدث بحماس وكأنها عادت إبنة التاسعة عشر:
-مش عاوزة اقول لك يوم ما قرر يكلمني علشان يتعرف عليا إيه اللي حصل،كنت وقتها قاعدة في مكتبة الجامعة مع بنتين صحباتي وده وقف قدامي وبكل جرأة قال لي قدامهم، "بصراحة كده إنتِ عجباني وعيني عليكِ من أول يوم دخلتي فيه الجامعة، ولاحظت إنضباطك واحترامك لنفسك وعلشان كده قررت اخطبك"
-أوباااااا،مش شايف إنك كنت مستعجل شوية يا باشا،خطوبة كده مرة واحدة، طب ادي للبنت فرصة تتعرف فيها عليك...كلمـ.ـا.ت مازح بها فؤاد والده الذي رد بابتسامة:
-مكنش فيه وقت، أنا كان فاضل لي شهرين واتخرج واسيب الجامعة،وهي كانت لسة في الفرقة الأولى وخوفت تتخـ.ـطـ.ـف مني
ضحك الجميع ليتنهد علام قائلاً بحنين:
-كانت أحلى أيام
قاطع حنينه للذكريات صوت فؤاد حيث قال:
-طب يلاَ جنابك علشان مانتأخرش على الناس اللي مستنيينا، حاكم أنا عارف سيادتك والدكتورة لما بتفتحوا باب الذكريات، ممكن تقعدوا يوم بحاله تسترجعوا جمال الماضي
عدل علام من وضع حِلة بدلته واخذ وضع الإستعداد بجانب نجله لتباغتهم عصمت بحديثها:
-خلي بالك من بابا ليتخـ.ـطـ.ـف من البنات يا فؤاد
رفع حاجبه الأيسر متعجبًا ليقول بمشاكسة:
-ولما أنتِ خايفة عليه قوي كده محضرتيش الحفلة ليه واهو بالمرة تراقبيه بنفسك لـ عينه تزوغ هنا ولا هنا
-ولد...نطقها علام بتنبيه مصطنع ليضحكا ماجد وفريال التي اقتربت من احضان زوجها ليحتويها بذراعه لتقول عصمت بجدية:
-مبحبش أروح مكان معرفش الناس اللي فيه يا فؤاد
-دي مجاملات إجتماعية لابد منها يا دكتورة...قالها فؤاد ليسترسل بإبانة:
-الراجـ.ـل عامل الحفلة مخصوص على شرفي، وكلم الباشا بنفسه وعزمه هو وحضرتك وفريال وماجد
رفع ماجد كفه ليتحدث بملاطفة:
-خليني انا بعيد عن مجاملات شغلكم دي يا سيادة المستشار، أنا أستاذ جامعي وبقوم بدري علشان ألحق الطلبة بتوعي،ماليش أنا في جو الحفلات والسهر والكلام ده كله
لتُكمل فريال على حديث زوجها:
-وانا ست بيتوتية من الدرجة الأولى، وبحب أكون في المكان اللي جوزي فيه.
لوح فؤاد بكفه متحدثًا بمداعبة:
-خلاص، خلصتوا مبرراتكم اللي ملهاش أي معنى غير إنكم شوية ناس كسلانين تمـ.ـو.توا في الأنتخة
إمشي يا فؤاد...نطقتها عصمت وهي تدفع نجلها صوب الباب ليتحرك مبتسمًا بجانب والده حيث أصر أيمن على حضوره الحفل كي يتشرف به أمام الحضور
********
وصلت إيثار لحديقة منزل أيمن شاسعة المساحة والتي قامت بالترتيب مع إحدى الشركات الكبرى المسؤلة عن تنظيم الحفلات وتابعت معهم لخروجها بشكلٍ لائق،وقد ذهبت لمنزلها لتجهيز حالها بعدmا تأكدت من جاهزية المكان لاستقباله للمدعوين، وجدت أيمن يقف بجوار أحمد فاقتربت منهما ليتحدث أيمن بنبرة لائمة:
-إتأخرتي ليه يا إيثار، الناس على وصول
-ما اتأخرتش ولا حاجة يا باشمهندس...نطقتها بهدوء لتستطرد بعينين متعجبة:
-هو حضرتك قلقان كده ليه؟
هتف بنبرة حادة تنم عن مدى تـ.ـو.تره:
-هو أنتوا إيه حكايتكم النهاردة،مفيش على لسانكم غير قلقان ليه، إهدى
ليستطرد بنبرة أعلى:
-شايفيني بقطع في شعري؟!
قطبت جبينها لتحول بصرها إلى أحمد الذي طالبها بعيناه بالصمت لتتنفس باستسلام وتنتبه على صوت أيمن البائس وهو يقول:
-إطلعي لـ لارا وحاولي تقنعيها تنزل الحفلة، هي بتحبك وبتقتنع بكلامك.
تمعنت بالنظر لملامحه الحزينة لتُدرج سبب سوء حالته المزاجية ليسترسل هو بملامحه المهمومة:
-عندها حالة رُهاب من ساعة ما عرفت إن أهل الولد جايين الحفلة
تفهمت موقفه وتحدثت بطمأنينة:
-متقلقش،أنا هطلع لها وشوية وهننزل قبل الناس ما تيجي
اومأ لها فتحركت سريعًا إلى الأعلى ودقت الباب بهدوء لتستمع لصوت "نيللي"وهي تسمح للطارق بالدخول لتلج وتقول بابتسامتها البشوشة بعدmا رأت لارا وهي تتوسط الفراش بجلوسها تحاوطاها والدتها وسالي:
-ممكن ادخل؟
هتفت"نيللي" مستنجدة بتلك المقربة لنجلتها:
-تعالي يا إيثار شوفي لارا
اقتربت لتتحدث لكلتاهما:
-معلش يا مدام نيللي، ممكن تسبوني شوية مع "لارا" لوحدنا
وقفت سالي لتتحدث بنبرة استسلامية:
-اتفضلي إقنعي الأستاذة، وانا هروح أكمل الميكب بتاعي، الميك اب ارتيست مستنياني بقالها ساعة
تحدثت إيثار بثقة:
-ياريت يا مدام سالي تبعتيها بعد ما تخلص معاكِ علشان تجهز لارا
تطلعت عليها بـ.ـارتياب لتهز رأسها وهي تقول بنبرة مرتجفة:
-متحاوليش يا إيثار، أنا مش هتحرك من سريري لو إيه حصل
زفرت نيللي باستسلام لتطالعها إيثار بذات مغزى فهمته الأخرى لتنسحب للخارج وتغلق خلفها الباب لتهتف الأخرى برهاب ظهر بَين فوق ملامحها:
-مش هقدر أشوف أهله يا إيثار، مش هقدر
واستطردت بعدmا تمسكت بكفي الأخرى بتشبث:
-صورة بسام وهو غرقان في د مه مبتفارقش خيالي،كل ليلة بحلم بيه وبشوف اللوم في عيونه،أنا السبب،لو مكنتش استفزيته برفضي المبالغ فيه اللي جننه وخلاه ييجي لحد هنا، كان زمانه عايش
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بتعقل:
-ممكن تهدي علشان نعرف نتكلم بالعقل
هزت رأسها وهي تبتلع لعابها برعـ.ـبٍ لتسترسل الاخرى بيقين وإيمان:
-أولاً كده لازم تشيلي من دmاغك فكرة إن إنتِ السبب في مـ.ـو.ت بسام لأن ده نوع من عدm الإيمان بالقدر، بسام ربنا كاتب له الثانية اللي هيمـ.ـو.ت فيها وإمتي وفين وإزاي، كون إنك رفضتي قربه منك وهنتيه قدام زمايلكم ده ما يعنيش إنك السبب في مـ.ـو.ته
لتستطرد بثقة:
-إنتِ كنتي مجرد سبب علشان يوصل للمكان والساعة اللي هيلفظ فيها روحه.
-تفتكري تفرق؟...نطقتها بدmـ.ـو.عها لتجيبها بثقة:
-طبعًا تفرق،يا حبيبتي ربنا محدد له ميعاد ومكان طلوع روحه، وإنتِ ملكيش أي ذنب
لتستطرد بنبرة حادة:
-وبعدين تعالي لي هنا، بسام مين اللي موقفة حياتك وحابسة نفسك في البيت من ساعة اللي حصل علشانه، ده كان واحد مستهتر عديم الاخلاق والتربية،فيه واحد سوى وعنده ذرة خوف من ربنا يتهجم على واحدة في بيتها وينتهك حرمة البيوت علشان يوصل لغرضه الدنيء،
واستطردت بنبرة ساخطة:
-ده يستاهل يمـ.ـو.ت بدل المرة مية مرة
-قومي بطلي هبل وإلبسي بسرعة وأنا هروح أنده لك الميك اب ارتيست علشان تيجي تجهزك...نطقتها بتحفيز لتسألها الاخرى بصوتٍ أقل ارتيابًا من السابق:
-طب هقابل أهله إزاي؟
هتفت بسرعة بديهة:
-أهله اللي إنتِ شايلة هم مقابلتهم دول أول ناس عارفين إن إبنهم كان زبـ.ـا.لة وراح للنهاية اللي يستحقها واحد مستهتر زيه، وعلشان كده أبوه وافق على الصُلح اول ما وكيل النيابة اللي ماسك القضية عرض عليه
واستطردت لطمأنتها:
-وبعدين مش مطلوب منك تقابليهم، هما جايين علشان موضوع عقد الشراكة، يعني إنتِ ملكيس اي دخل
تطلعت لعينيها وجدت حديثها قد لاقى قبولاً لديها فاسترسلت بعجالة مستغلة الموقف قبل تراجعها من جديد:
-إنتِ لسة قاعدة،قومي ألبسي،بباكِ هيتجنن علشانك تحت،ولو ملاقكيش قدامه حالاً ممكن لاقدر الله الضغط يعلى عليه وتجي له الازمة بتاعت كل مرة
ما ان استمعت لكلمـ.ـا.تها عن ابيها العزيز حتى انتفضت خوفًا عليه وبغضون الخمس دقائق كانت قد ارتدت ثوبها بمساعدة إيثار الي خرجت تستدعي لها الأخصائية التجميلية،وبعد حوالي النصف ساعة كانت تجاور إيثار من الخروج بباب المنزل ليبتسم أيمن الذي احتضنها فرحًا ونظر لإيثار شاكرًا إياها بعيناه،بدأ توافد المدعوين واشتغلت الموسيقى الهادئة التي تعبر عن رُقي الحفل،فقد خرج حقًا مذهلاً بكل ما فيه وساعدت مساحة الحديقة الشاسعة وحمام السباحة المتواجد بالمنتصف على ظهوره بصورة رائعة،كانت تتحرك برشاقة لتتابع التنظيم والإشراف على مائدة الطعام التي ستقدm للحضور،وصل صلاح عبدالعزيز ونجله وزوجته لتنكمش الفتاة على حالها عنـ.ـد.ما تعرفت على شخصياتهم فجاورتها إيثار وبدأت بالهمس بجانب أذنها بكلمـ.ـا.تٍ هدأت من روعها،تحدث أيمن بترحابٍ عالي وهو يصافح صلاح:
-أهلاً وسهلاً يا صلاح باشا،نورت الحفلة والبيت
قابل الاخر ترحابه بقبولٍ حار ليقول بنبرة رزينة:
-البيت منور بأصحابه يا أيمن باشا
-منورة يا هانم...جملة ترحيبية نطقتها "نيللي"إلى زوجة صلاح التي نطقت باقتضاب وملامح جـ.ـا.مدة دلت عن عدm تقبلها لما يحدث:
-متشكرة.
شعرت الاخرى بالحرج فأمسك أيمن يدها للمؤازرة ثم تحرك هو ونجله أحمد ليصطحبوهم إلى الطاولة الخاصة المعدة لهم وانصرفوا لاستقبال الوافدين فقال صلاح لزوجته نادية والدة القتيل:
-إفردي وشك شوية يا نادية وبلاش إسلوبك المعادي ده،أحرجتي الست
2
احتدت عينيها لتصيح بنبرة غاضبة:
-وعاوزني اعامل الناس اللي قـ.ـتـ.ـلوا إبني وحرموني منه إزاي يا صلاح؟!
-إهدي يا ماما أرجوكِ...قالها هيثم لتهتف بحدة:
-محدش يلومني على أي حاجة تحصل مني النهاردة، كفاية إنكم جيبتوني هنا غـ.ـصـ.ـب عني، مش هتجبروني كمان أتكلم واجامل غـ.ـصـ.ـب عني
-بيتهيء لي إنك أخر واحدة ممكن تلومي حد على اللي حصل لـ بسام...نطقها بلومٍ ليسترسل محملاً إياها مسؤلية ما حدث:
-إنتِ اللي وصلتيه بنفسك لنهايته،ياما قولت لك بلاش الفلوس الكتير اللي بتديها له من ورايا لأنها هتفسده،وإنتِ ولا أنتِ هنا، ده غير مصايبه اللي كنتي بتداري عليه فيها وتحاولي تحليها بعيد عني علشان ما اعرفش،للاسف يا نادية، إحنا الإتنين السبب إنتِ باستهتارك وتدليلك الزايد،وأنا بإهمالي وعدm متابعتي ليه.
رمقت زوجها بشراراتٍ من الغضب لتهتف لائمة:
-برافوا عليك يا صلاح، هو ده فعلاً المكان المناسب لكلامك ده
هم بالحديث ليقاطعه نجله قائلاً بتعقل:
-خلاص لو سمحتم،لا ده وقته ولا مكانه
أما نيللي التي انضمت لصغيرتها وزوجة نجلها التي سألتها باهتمام بعدmا لاحظت تغير ملامحها:
-مالك يا طنط، فيه حاجة حصلت ضايقتك؟!
همست بجانب أذنها كي لا يصل حديثها إلى "لارا"وتنتكس حالتها من جديد لتقول بحنق:
-الست السخيفة مرات صلاح عبدالعزيز عاملتني بمنتهى قلة الذوق،بني أدmة جلياطة
أجابتها باقتضاب لتخرجها من تلك الحالة:
-سيبك منها، متخليهاش تقفل لك اليوم
وصل فؤاد ووالده علام زين الدين لتلتفت جميع الانظار إليهما وذلك لشهرة" علام"كوجهٍ معلوم لدى الجميع لظهوره إعلاميًا كـ عضوٍ بـ.ـارز ونائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا،كانا يدخلان بقامـ.ـا.تٍ مرتفعة ليستقبلهما أيمن وزوجته ونجلهما ليتهافت عليهما الكثير من رجـ.ـال الاعمال والمشاهير لنيل شرف المصافحة لذاك القامة القانونية،تحدث أيمن إلى علام:
-شرفتنا يا سعادة الباشا
-متشكر يا أيمن بيه
كانت تتابع دخوله المهيب بجانب رجل القانون الشهير "علام زين الدين" والأن فقط ربطت بين إسميهما، ابتلعت لعابها من جاذبيته العالية وشردت بمظهره فحقًا له سحرًا خاص به لحاله لتخرجها من شرودها سالي التي سألتها وهي تنظر عليه بعيونٍ منبهرة:
-هو ده وكيل النيابة اللي إقترح المصالحة يا إيثار؟
هزت رأسها لتتحدث بصوتٍ خافت راجع لتأثرها:
-أه هو،فؤاد علام...نطقت صوته بهيامٍ
-إسمه حلو قوي ولايق عليه،إسم ملوكي...نطقتها سالي لتسترسل بملاطفة وهي تنظر إلى لارا التي تجاورها الجلوس وبجانبها صديقتها المقربة "ملك":
-إيه رأيك يا لارا،عريس مناسب جدًا ويليق بإسم أيمن الأباصيري
نطقتها بتفاخر لينتفض قلب إيثار بشـ.ـدة وبدون وعي تلتفت سريعًا إليها ثم لـ لارا التي هتفت بغيظٍ:
-إنتِ واحدة رايقة يا سالي
-يا بنتي اسمعي مني،دي فرصة هايلة، ولا أنتِ إيه رأيك يا إيثار؟!
ابتلعت لعابها لترد بصوتٍ مرتبك:
-رأيي في إيه؟
-في فؤاد علام... قالتها بغمزة من عينيها لتتحدث لارا باقتضاب:
-بطلي سخافة يا سالي، وبعدين ده باين عليه معدي الثلاثين سنة وأكيد متجوز ومش بعيد يكون عنده أولاد كمان
لتقطع حديثها سالي وهي تقول بفطانة:
-مفيش في إيديه الإتنين دبلة،يعني لا متجوز ولا حتى خاطب
-فظيعة إنتِ في التفاصيل يا سالي ... قالتها ملك بمداعبة لترد الاخرى بتفاخر مصطنع:
-التفاصيل دي لعبتي
تطلعت بتمعن لهيأة أبيه،يبدوا من مظهره الهيبة والوقار لتبتسم ساخرةً من حالها وسذاجتها عنـ.ـد.ما اعتقدت أن ذاك العالي ساكن قصور مجد عائلته سيتنازل وينظر لها ليتخذ منها زوجةً له وينتشلها من مستنقع أحزانها ورُعبها الملازم لها طيلة الوقت، تنهدت بأسى لتتحرك منسحبة لمتابعة تجهيزات الحفل، أما فؤاد فبعد أن استقر بجلوسه بجانب والده وأيمن ونجله بات يدور بعينيه باحثًا عن تلك المشاكسة ولكن بحرصٍ لا يفقده هيبته،ركز على اللون النبيذي أثناء تفقده فقد راهن حاله بأنها سترتدي ثوبًا من ذاك اللون بعدmا أخبرها عن إعجابه به وبأنهُ يليق بها،وبلحظة تعالت دقات قلبه واتسعت عينيه من شـ.ـدة ذهولهِ بجمالها المُبهر والخاطف للانفاس، حيث عثر عليها لكنه تعجب إختيارها للون الأزرق ليبتسم طلقائيًا بعدmا تيقن أن تلك الشرسة قد عادت لقواعدها مرةً أخرى وعليه بدء المحاولة من جديد
تابعتها عينيه وهي تتحرك بين الحضور بخفة كـ فراشةٍ تتنقل بين الزهور وتتراقصُ بأجنحتها الملونة،تقابلت الأعين ليبتسم لتسحب هي بصرها سريعًا قبل أن يحييها بعينيه مما جعله يتعجب لأمرها،وقف أيمن ليستدعي صلاح إلى الطاولة المُعدة لإبرام الصفقة والتوقيع عليها مستدعيًا أيضاً فؤاد ليشهد على إتمام أخر بند من المصالحة ثم أشار إلى إيثار لتحضر بجانبه كـ مديرة لمكتبه وهذا من صميم عملها، وقف أيمن وألقى بكلمة أعلن من خلالها إتمام المصالحة وإبرام صفقة لتوطيد العلاقة ليصفق الجميع ويجلس أيمن من جديد تجاوره الوقوف إيثار الممسكة بملف الصفقة لتفتحه وتضعه أمام أيمن للتوقيع على نسختي العقد لتنتقل بخفة صوب صلاح تحت إستشاطة فؤاد من تجاهلها التام له،وضع صلاح إمضاءه على النسختين لتخرج نسخة منهما وتسلمها لسكرتيرة صلاح وتحتفظ هي بالملف فيصدح صوت التصفيق من الجميع، أخذت الملف وولجت لداخل المنزل واتجهت صوب المكتب الخاص بـ أيمن لتحتفظ بالعقد بالدرج الخاص والذي سلمها أيمن المفتاح الخاص به وأغلقت الباب لتوصده من جديد وكادت أن تتحرك للخارج فقطع طريقها رجل أعمال يُدعى "عابد السعداوي" ليتحدث بتطفل:
-إزيك يا إيثار
-أهلاً وسهلاً...نطقتها باقتضاب وكادت أن تمضي بطريقها ليقف أمامها كي يعوق خروجها وهتف مذكرًا إياها بنفسه:
-شكلك مش فكراني، أنا عابد السعداوي،كان عندي ميعاد مع أيمن ببه من حوالي شهر وإتقابلنا هناك
فاكراك طبعاً... قالتها بجمود
-طب ولما أنتِ فكراني مش ترحبي بيا الترحيب اللي يليق بيا وبمركزي...نطقها بمداعبة لاقت الرفض من جهتها حيث قطبت جبينها ليسترسل هو بوقاحة:
-عاوز اقول لك إن من ساعة ما شوفتك في مكتب أيمن وإنتِ دخلتي دmاغي وعششتي فيه، وكنت متأكد إن تحت البدلة الرجـ.ـالي اللي لابساها جـ.ـسم ست صاروخ، وأهو قدامي في الفستان اهو
-إحترم نفسك واحترم المكان اللي إنتَ فيه، المفروض إنك شخصية عامة فلازم تخاف على سمعتك وشكلك أكثر من كده... نطقتها لعينين تطلق سهامًا نارية لتسترسل بسخطٍ وهي ترمقه باشمئزاز:
-وأنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة من الهرتلة اللي قولتها علشان صورتك مـ.ـا.تتهزش قدام الباشمهندس أيمن
ألقت بقذائفها في وجهه لتبتعد عائدة للخارج من جديد بقلبٍ يغلي وجسدٍ يستشيط غضبًا من ذاك المتـ.ـحـ.ـر.ش الحقير، كم تمنت أن تصفعه بقوة لكنها تخشى إفساد الحفل وهذا ما جعلها تبتلع إهانتها وتنسحب في صمت،تحركت باتجاه البوفية وهي تنفض تلك الأفكار وتزيحها بعيدًا عن مخيلتها لتتنفس بعمق لاستعادة ضبط النفس،اقبلت على المسؤل عن جاهزية الطعام لتسألهُ باهتمام:
-أخبـ.ـار البوفية إيه يا شيف؟
-كله تمام يا أستاذة،أنا جاهز في أي وقت
مالت برأسها وهي تقول برضا:
-كويس قوي
قطع حديثها صوت ذاك الواقف خلفها والذي مال بطوله ليصل بالقرب من أذنها مما جعل جسدها ينتفضُ برعشة لذيذة لتشعر بفراشات تداعب أسفل معدتها:
-هي الأستاذة زعلانة مني في حاجة؟
أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا تستعيد به توازنها لتلتفت إليه وتسألهُ بملامح وجه مبهمة تعجب لها:
-أهلاً يا سيادة المستشار
قضب جبينه لتغير لهجتها ورسم الجمود على ملامحها، لم يكن هذا حالها منذ أخر لقاء جمعهما،فأراد ممازحتها كي تنـ.ـد.مج معه بالحديث عله يستطيع جذبها لديه مرةً أخرى:
-أهلاً بعد إيه بقى، ده أنتِ متجاهلة وجودي ولا كأني في الحفلة أصلاً
رفع حاجبه ليسترسل بمداعبة:
-عمالة أقول الوقت تيجي ترحب بيك زي ما هي بترحب بباقي الضيوف بس للأسف، محصلش
واستطرد رافعًا كتفاه للأعلى مدعيًا الاسف:
-ولما ملقتش فايدة من إنتظاري قولت أجي أسلم أنا
رغم حلاوة حديثه المنمق وعـ.ـذ.به إلا انها حاربت شعور الإنجذاب إليه والذي بات يورق روحها، فحقًا لحديثه ونظرة عينيه سحرًا يجذبها بل ويُجبرها على إنجراف مشاعرها والغوص ببحر عينيه والارتواء من شهد كلمـ.ـا.ته المعسولة رغم اتباعه لقواعد الأدب، تحمحمت لتجيبه بنبرة جادة تتخفى خلف جمودها:
-بس حضرتك مش ضيف علشان أرحب بيك يا سيادة المستشار
الحفلة كلها معمولة على شرف جنابك، يعني حضرتك صاحب المكان وكلنا ضيوفك...نطقت كلمـ.ـا.تها بجدية ليبتسم لها مجيبًا على حديثها:
-إجابة دبلوماسية وذكية تليق بمديرة مكتب لأحد أهم وأكبر رجـ.ـال الأعمال في مصر
قالت بجسدٍ مشـ.ـدود للأعلى وكأنها تحارب جميع حواسها وتقف لها بالمرصاد:
-مجاملة لطيفة من سعادتك
قطب جبينه متعجبًا ليسألها:
-هو أنا زعلتك في حاجة؟!
نزلت كلمـ.ـا.ته المصاحبة لنظرة صادقة لائمة على قلبها جعلته ينتفض بثورة ليسترسل هو بإبانة:
-كلامك معايا رسمي قوي ليه كده، على ما أتذكر إننا أخدنا هدنة من لعبة القط والفار اللي كانت بينا من وقت ما إتقابلنا
تهـ.ـر.بت ببصرها في محاولة بائسة منها للنجاة من شعاع عينيه القوي والذي يطاردها حتى بغيابه، لا، لن تعطي له الفرصة بإذلالها وسحق كرامتها تحت مسمى ما يطـ.ـلق عليه بالعشق، ذاك المسمى اللعين التي باتت تبغضه وتتهرب منه كالهارب من وحشٍ كاسر يطارده لينهي على حياته،تحمحمت كي يخرج صوتها ثابتًا غير مهزوز لتقول له بثقة زائفة اصطنعتها بإعجوبة:
-شكل الأمر إخطلت على حضرتك وفهمت شخصيتي غلط
واستطردت بذات مغزى ومقصد:
-أنا لا عمري كنت بتاعت ألعاب ولا هكون،واللي حصل بينا من مشادات كانت نتيجة طبيعية لمواقف معينة حصلت لو سيادتك فاكر
وضع كفه ليحك به ذقنه النابتة بطريقة مثيرة ونظر لها مضيق العينين وهو يقول بتسلي بعدmا تيقن بفطانته أنها تجاهد حالها لتخرج تلك الكلمـ.ـا.ت اللعينة:
-وبعدين، كملي
قطبت جبينها باستغراب لتقول بنبرة خرجت حادة:
-أكمل إيه؟
-مبرراتك...نطقها بذات مغزى وصلها معناه لتهتف بحدة اكبر تنم عن إنزعاجها وتـ.ـو.ترها لمحاصرته لها:
-أنا مبقولش مبررات ومش مجبرة أصلاً
أصلاً...نطقها بفكاهة لتلطيف الاجواء لتسأله بنبرة إنهزامية بعدmا فقدت قدرتها على المجابهة:
-إنتَ عاوز مني إيه؟!
هم بالرد ليقطع حديثه أحمد الذي إقترب عليهما ليقول لإيثار بعدmا أمال برأسهِ كـ تحية لذاك الواقف:
-البوفية جاهز يا إيثار؟
-جاهز من بدري يا دكتور... ليجيبها متعجلاً:
-طب اكدي عليهم لأخر مرة علشان الباشا هيعلن عنه
اومأت له لتنظر للواقف يلعن بسريرته ذاك الـ أحمد الذي قطع وصليهما وهي تميل برأسها باحترام بادلها إياها لتنسحب مبتعدة للتأكد من الشيف قبل الذهاب لرئيسها بالعمل الذي وقف بمنتصف الحفل وهو يعلن عن فتح مائدة الطعام الخاصة بالإحتفال ليقف الجميع يتجهون صوب المائدة بتناسق لأخذ صحونهم واختيار الطعام المحبب لديهم من بين الاصناف المتعددة ليسكبه لهم القائمون على هذا،جهز أيمن وزوجته وجباتٍ أشرفوا عليها بأنفسهما ليتقدmا العاملون ويضعونها أمام فؤاد وعلام لتتحدث نيللي بملاطفة:
-كان نفسي أشوف الهوانم وأتعرف عليهم
ليجيبها علام باحترام:
-مرة تانية إن شاءالله يا هانم
-إن شاءالله...قالتها وتحركت لتتركهما يتناولا الطعام في خصوصية وهدوء،كانت عينيه عليها أينما تحركت،انتشيء داخلهُ عنـ.ـد.ما وجدها تقف بصحبة لارا وهي تضحك بانطـ.ـلا.ق وبرغم هذا استشف حـ.ـز.ن عينيها العميق والذي لم يجد له تفسيرًا
********
بنفس التوقيت
ولجت منيرة الحجرة الخاصة بها وزوجها لتيقظه من غفوته الغريبة تلك وهي تقول:
-أبو عزيز،إصحى يا اخويا
فتح عينيه ينظر لها لتسترسل متعجبة:
-أول مرة تنام قبل ما تصلي العشا ورا الشيخ في الجامع!
-هي اذنت؟
أجابته:
-من بدري،دول صلوها ليهم ييجي أكتر من ساعتين، قوم صلي علشان تاكل لك لقمة تسند بيها طولك
تنفس بإرهاق ظهر عليه لتسألهُ باهتمام:
-مالك يا غانم، وشك أصفر ومش عاجبني ليك كام يوم
رد باحباط:
-جـ.ـسمي حاطط وتقيل بقالي كام يوم، شكلي عجزت خلاص
ابتسمت لتسأله بتغيير مجرى الحديث:
-مش هتريحني وتقولي عملت إيه مع بنتك في موضوع عمرو؟
سحب جسده للأعلى ليهتف بنبرة حادة:
-معملتش حاجة ومش هعمل يا منيرة، إرتاحي بقى وشيلي بنتك من دmاغك، علشان لو انطبقت السما على الأرض بنتك مش هترجع لإبن نصر
-هي اللي قالت لك الكلام ده؟... ليجيبها:
-وهي يا ولية محتاجة تقوله، دي واحدة سابت لكم البلد وطفشت من خلقته وخلقتكم وهي مفيش جنيه واحد يوحد ربنا في جيبها، تقوم بعد ما ربنا يكرمها ويمن عليها ويبقى عندها شقة تمليك وعربية وعايشة في عز هي وابنها،تسيب كل ده وترجع لذل إجلال فيها من جديد، لا وترجع على ضرة حرباية بنت كـ لب
واستطرد وهو يرمقها باستخفاف:
-انا مش فاهم عقولكم الصغيرة دي هتكبر إمتى
احتدت ملامح وجهها لتهتف بسخطٍ:
-بنتك أنانية مبتفكرش غير في نفسها وراحتها وبس، لكن إخواتها الرجـ.ـا.لة ولا على بالها، وبعدين شقة إيه وعربية إيه اللي فرحانة بيهم خايبة الرجا، ده الواد هيمـ.ـو.ت عليها ومستعد ينفذ لها اللي عيزاه كله
برقت عينيها لتسترسل بجشع:
- الواد شُغل الأثار خلاه يلعب بالفلوس لعب يا غانم،وبقى عنده مالية تسد عين الشمس بعيد عن ابوه، قالي اللي هي عيزاه يا خالتي، هجيب لها بمليون جنية دهب، ولو عوزاني احط لها خمسة مليون باسمها في البنك هحط لها، بس هي ترضى عني وترجع لي
واستطردت بما يشغل بالها من الموضوع برمته:
-ده غير اللي هيعمله لاخواتها، طاقة قدر وهتتفتح لهم الثلاثة يا غانم، الواد بنفسه قال لي انه بيعمل شغل من ورا ابوه، وهيدخل عزيز و وجدي شُركا معاه، يعني العز والهنا كله مستنى اخواتها بكلمة تنطقها
تطلع عليها بحـ.ـز.ن لينطق بنبرة بائسة:
-نفسي تفكري في بنتك زي ما بتفكري في ولادك الرجـ.ـا.لة كدة يا منيرة، يا ولية بنتك مكـ.ـسورة الجناح ومحتاجة لك
-وهو أنا لما اتمنى لها الخير أبقى مبفكرش فيها يا غانم؟!... نطقتها باستهجان ليهتف هو باعتراضٍ حاد:
-أي خير ده اللي هتشوفه من بيت نصر، دي مشافتش منهم غير الذل والمهانة من يوم ما دخلت بيتهم
واسترسل بعينين متعجبتين من تفكير تلك الجشعة:
-ترجع له إزاي وهو دبـ.ـحها بسكينة تلمة، بنتك شافت جوزها مع واحدة تانية في قلب فرشتها يا أم عزيز؟!
-غلطة ونـ.ـد.م عليها...قالتها باستخفاف لتسترسل بملامة حادة:
-والخايبة بنتك هي السبب فيها، ياما نصحتها وقولت لها تقطع رجل الحرباية دي من حياتها وهي اللي مسمعتش الكلام، حتى الست إجلال بنفسها قالت لي إنها نبهت عليها كام مرة بكدة
أغمض عينيه باستسلام من أمر تلك الطامعة ليقول باحباط ووهنٍ ظهر بملامحه:
-قومي جهزي لي لقمة على ما اتوضى وأصلي العشا.
********
بنفس التوقيت
داخل الحديقة الخاصة بمنزل نصر البنهاوي،تجلس إجلال بمقعدها العالي تفكر بأمر حفيدها وكيف ستجبر تلك العنيدة وتجعلها تعود صاغرة لمنزلها كي تحاسبها على كل ما أصاب مدللها بفضلها،أقسمت بسريرتها بأنها ستحاسبها حسابًا عسيرًا بعد إنتهاء زوجها من جولته الإنتخابية التي لولاها لكانت أقامت قيامة تلك الـ إيثار ولكن مهلاً، ستصبر حتى تظفر بالإنقضاض على تلك الحقيرة التي استطاعت الوقوف بوجهها بل والإنتصار عليها، لأول مرة تشعر بالعجز حيال احدهم لكن ما يطمأنها هو وعد نصر لها وتأكيده على جلب إيثار ليلقي بها تحت قدmيها، حينها ستذيقها من العـ.ـذ.ابِ الوانًا وأصناف وستتفنن باختلاق أساليبًا جديدة لإيـ.ـذائها الجـ.ـسدي والنفسي بمزاجٍ حسن
2
قطع شرودها ولوج نصر الذي تحدث بعدmا جلس بمقابلها:
-شوفتي بنت غانم عملت إيه؟
-عملها إسود ومنيل فوق دmاغها...نطقتها باستشاطة بعدmا استمعت لاسم تلك التي باتت تطارها بأحلامها واليقين وحتى بالخيال لتستطرد باستفهامٍ غاضب:
-عملت إيه تاني بنت منيرة؟!
دقق النظر بعينيها لتحتد ملامحه بغضبٍ شـ.ـديد وهو يقول:
-المحامي بتاعها كلمني من شوية وقالي قال إيه،الست هانم بتبلغني إن يوسف مش هينزل البلد تاني، وإن من الأسبوع ده لو حد عاوز يشوفه مننا يروح مكان الرؤية اللي محكمة الاسرة محدداه
-البت دي إتجنت ولا إيه يا نصر؟!...نطقتها بحدة لتهتف مسترسلة بتعمد إذلالة:
-بس تصدق، ليها حق بنت منيرة تشرط وتتأمر، مهي مش لاقية حد يقف لها ويعرفها مقامها ومقام أهلها الزبـ.ـا.لة
ضيق بين عينيه ليرمقها بضيق وهو يقول بملامة:
-لازمته إيه رمي الكلام ده يا إجلال،أنا كام مرة أقول لك إني مقدرش أتحرك ناحيتها قبل الإنتخابات، إصبري
بفحيحٍ خرج من بين أسنانها نطقت:
-أديني صابرة يا نصر اما اشوف اخرتها مع بنت الكـ... دي
انضم إليهما عمرو الذي خرج للتو من الداخل مرتديًا ثيابه ليذهب إلى الجبل لمراقبة العاملون على الحفر،ابلغه أباه بما حدث ليهتف غاضبًا ملقيًا باللوم عليهما:
-أنا قولت لك مية مرة بلاش الإسلوب ده مع الولد يا ماما، اكيد يوسف قال لـ أيثار الكلام اللي قولتهوله المرة اللي فاتت وعلشان كده قررت تمنعه
زفر نصر بعمق قبل أن يقول وهو ينظر أمامه:
-انا كلمت المتر عبدالسلام من شوية وحكيت له اللي حصل، قالي إن موقفها القانوني سليم مية في المية،وإنها كانت بتبعت الولد هنا كرم منها
واسترسل بإبانة:
-وإنها لو قدmت شكوى لمحكمة الأسرة ولمجلس حقوق الطفل وقالت فيها إن زيارة الولد عند عيلة ابوه بتأثر عليه بالسلب، هيعملوا مشاكل للاب هو في غنى عنها
قطع حديثه صوت رنين الهاتف الذي صدح ليعلن عن وصول مكالمة وما أن نظر بالشاشة حتى ظهر الارتباك على وجهه ومن حسن حظه انشغال إجلال بحديثها مع عمرو ليقول منسحبًا:
-هرد على التليفون وارجع لكم
-مين يا نصر؟...سؤالاً وجهته له باستغراب لابتعاده:
-ده عضو مجلس شعب كنت طالب منه خدmة لحد معرفة
اشاحت بكفها بلامبالاة ليبتعد الاخر ويرد سريعًا بصوتٍ عالِ متعمدًا إسماع إجلال:
-أيوة يا سعادة الباشا
ابتعد كثيراً ليتحدث بهمسٍ خفيض:
-وبعدين معاكِ يا بنت الناس، مبتسمعيش الكلام ليه؟
كام مرة انبه عليكِ واقول لك بلاش ترني عليا وانا في البيت
بصوتٍ أنثوي من الدرجة الاولى تحدثت تلك الشابة العشرينية المتسطحة فوق الفراش بملابسها الرقيقة وملامحها الجميلة:
-طب قول لي أعمل إيه في قلبي لما توحشه ويفضل يدق وما يرتحش غير لما يسمع صوت حبيبه
-هو انا مصبرني على دلعك إلا كلامك اللي زي الشهد ده...نطقها بصوتٍ هائم لتنطلق ضحكة رقيعة من تلك الـ "شذى"التي تستطيع بالقليل منها جذب ذاك الثري الذي اختارها لتكون زوجة سرية له بعقدٍ عـ.ـر.في لا صلة له بشرع الله كي يلهو معها ويسترجع شبابه على يديها حين يهبط إلى القاهرة ولتستنزف هي أمواله الطائلة لتحيا بها حياة الاثرياء،تنهدت وقالت له برياء:
-وحـ.ـشـ.ـتني، هتيجي إمتى؟
أجابها بقلبٍ مشتعل جراء استماعه لكلمـ.ـا.تها وصوتها المثير:
-عندي جلسة في مجلس الشعب بعد بكرة، هقول لـ مراتي إني هبات في مصر يومين علشان هقضي شوية مصالح وأجي أقضيهم معاكِ يا عسل مكرر.
********
عودة إلى الحفل من جديد
كان يتابعها بعينيه الشغوفة والمنبهرة بسطوة جمالها المنفرد الذي أيقن نُدرته،طالما رأى الاجمل منها بكثير لكن جمالها مختلف، فلم يحدث من قبل وانجذب لـ أنثى كما إنجذابه إليها برغم نكرانه الدائم لذاك الشعور، لكنه يرى بها شيئًا مختلف، ما هو لم يستطع تحديده بعد،لكنه بالطريق إلى ذلك، وعلى النقيض كانت تتهرب هي للنأي بحالها من الوقوع داخل براثن عشقه المهلك لروحها،تحدثت إلى سالي ولارا وملك:
-هروح التواليت اظبط حجابي علشان حساه إتعوج شوية
إيماءه من رؤسهن كانت الرد لتنسحب تحت نظر ذاك الجالس بجوار والده المنشغل بالحديث مع ايمن وصلاح وبعض رجـ.ـال الدولة والقانون والاعمال ليستغل الوضع منسحبًا بهدوء خلفها حين وجدها تلج لداخل المنزل،لم يكن الوحيد المراقب لها بل تحرك خلفها أيضًا ذاك المسمى بـ عابد السعداوي ليقطع طريقها وهو يقول بابتسامة ساخرة:
-يظهر إن المزة بتحب السلطة اكتر من الفلوس
بس لعلمك بقى، الفلوس بتحقق كل حاجة وتجيب لك السلطة لحد عندك، جربي كده ومش هتنـ.ـد.مي
إنتَ تقصد إيه بكلامك ده؟...نطقتها باستهجان وجبينًا مُقطب ليقول بغمزة وقحة من عينيه التي باتت تتحرك على منحنياتها بحقارة أرعـ.ـبتها و.جـ.ـعلتها تشمئز منه:
-أقصد الواد وكيل النيابة اللي كان واقف بيسبل لك من شوية وإنتِ مستحلية الموضوع وواقفة تجاريه علشان على هواكِ، بس أحب اقول لك إنه مش بالشكل،هو يمكن حليوة وعنده شوية شعر بيتمنظر بيهم، بس انا أجدع منه وهت عـ.ـر.في ده لما نتصاحب
نطق الاخيرة وهو يضع كفه فوق منحنيات خصرها لتبتعد منتفضة للخلف ولم تدري بحالها إلا وكف يدها يقع بقوة على وجنته بصفعة عنيفة جعلت الدmاء تغلي داخل عروقه،وأثناء بحثه عنها شاهد تعدي ذاك الحقير عليها وصفعها له،هرول إليها بعدmا شاهد تهجم عابد عليها بعدmا جن جنونه وهو يشـ.ـدد قبضته على رسغها ويهزها بعنفٍ قائلاً:
-إنتِ بتمدي إيدك عليا أنا يا بنت الكـ...، ده انتِ وقعة أمك سودة النهاردة
رفع كفه للاعلى وقبل ان ينزل به على وجنة تلك التي انكمشت على حالها وبات جـ.ـسدها ينتفض من شـ.ـدة الإرتجاف ظهر فؤاد كـ فارسٍ مغوار ليھجم على ذاك الحقير كـ ثورٍ هائج فلت لجامه ليمسك بمعصمه بقسوة لاويًا ذراعه خلف ظهره بأحد يداه وباليد الأخرى وضعها تحت فك عابد ليشل حركته ليصـ.ـر.خ الأخير بصوتٍ مختنق:
-دراعي هيتكـ.ـسر
اداره ليقبض على تلابيب الرجل وبات يهزه بعنف قبل أن يلكمه بوجهه لتسيل على أثرها الدmاء من أنفه في منظر جعل تلك المنكمشة تذبهل بنظرها،في غضون ثواني اجتمع عددًا ليس بالقليل من بعض الحضور الذين إختاروا العزلة والجلوس ببهو المنزل بعيدًا عن زحام الخارج، وأيضًا العاملين بالمنزل الذين أبلغوا أيمن واحمد ونيللي ليحضروا في الحال واقترب أيمن من فؤاد محاولاً تخليص عابد من قبضته الحديدية حيث مازال مشـ.ـددً على تلابيبه ويهزه بعنف،لم يشعر بحاله أو ما أصابهُ عنـ.ـد.ما وجدها تحت سطوة ذاك الحقير، لم يعر لمظهره الإجتماعي ولا لمنصبه الحساس ومنصب والده، جُل ما فكر به بتلك اللحظة هي وفقط، وكيف له ان يحميها ويمحي خوفها الساكن عينيها،استطاع أيمن وأحمد أن يخلصا عابد من قبضة فؤاد وجذبهما أيمن لحجرة جانبية لتنضم لهما إيثار التي ادخلتها نيللي كي يجدوا حلاً لتلك المشكلة
بنظراتٍ إحتقارية تحدث أيمن معنفًا ذاك العابد ليقول:
-ما كنتش اتخيل إنك تطلع بالأخلاق دي يا عابد بيه، أنا احترمتك ودخلتك بيتي وإنتَ في المقابل إنتهكت حرمة بيتي، ووصلت بيك الوقاحة إنك تتـ.ـحـ.ـر.ش بمديرة مكتبي
هتف عابد بتبجح:
-إنتَ فاهم غلط يا أيمن بيه، وبعدين الهانم اللي إنت بتهيني في بيتك علشانها مدوراها مع الكل وجاية لحد عندي وعملالي فيها خضرة الشريفة
ليسترسل وهو يتطلع إلى فؤاد بحدة:
-وأولهم سعادة وكيل النيابة اللي إتجنن لما شافني برد لها القلم وجه يهجم عليا،بس انا مش هسكت، أنا هقدm فيك بلاغ للنائب العام، واتهمك بضـ.ـر.بك ليا علشان خاطر الرخيصة اللي إنتَ ماشي معاها، والله ما هسكت...قالها بتهديد وصياحٍ عالي لتصرخ هي بصوتٍ باكِ:
-إخرص يا حـ.ـيو.ان، محدش رخيص هنا غيرك
-خلي بالك اللي بتتكلم عليها دي بعتبرها بنتي التانية، ومش هسمح لأي مخلوق يتكلم عليها ربع كلمة... كلمـ.ـا.ت حادة نطقها أيمن بعينين تطلق شزرًا جعلت من عابد يبتلع لعابه وتلاه أحمد الذي قام بتوبيخه وشمله بنظراتٍ إحتقارية لاجل إيثار
ليهتف فؤاد بنبرة هادئة تحمل بين طياتها جحيم:
-هو من جهة تقديم بلاغ للنائب العام فده هيتم كده كده، بس هيتقدm مني فيك
ليرفع سبابته اليمنى مسترسلاً بقسمٍ تهديدي جعل من عابد يبدوا كفرخٍ مبلول لتيقنه من إستطاعت فؤاد تنفيذ تهديده مما لوالده من سُلطة بالبلاد:
-وقسمًا بالله لأخليك تنـ.ـد.م على اليوم اللي اتولدت فيه
ثم التفت يتطلع على إيثار ليتألم لمشهد إنكماشها بأحضان نيللي وهي تربت على ظهرها بحنان علها تستطيع تهدأت انتفاضة جـ.ـسدها،احتدت ملامحه ليهتف بنبرة حادة:
-يلا معايا علشان هتقدmي بلاغ حالاً في الزبـ.ـا.لة ده، وانا هكون شاهد إثبات معاكِ
وأنا ودكتور أحمد هنشهد معاك يا سيادة المستشار... نطقها أيمن ببسالة لتعلو صرخات عابد المتوسلة وهو يتحدث إلى فؤاد بعدmا تيقن من أن مستقبله المهني والإجتماعي سينتهيا إذا تدخل فؤاد:
-أرجوك يا فؤاد باشا بلاش بلاغ، انا مستعد ادفع لها أي مبلغ تطلبه للترضية، بس بلاش علشان سمعتي، أنا راجـ.ـل متجوز وكده بيتي ممكن يتخرب
شمله بنظراتٍ إزدرائية من قمة رأسه لاخمص قدmيه ليقول باحتقار:
-هو أنتَ فاكر إن كل الناس رخيصة وبتبيع شرفها قصاد الجنية زيك؟
توقفت باقي الكلمـ.ـا.ت بحلقه حتى كادت ان تخـ.ـنـ.ـقه حينما استمع لصوتها وهي تقول بمهانة:
-أنا مش هقدm بلاغ في حد يا سيادة المستشار
اتسعت عينيها من تأثير الصدmة ليميل برأسهِ وهو يتطلع عليها بنصف عين متمعنًا بملامحها ليقول بصوتٍ مرتعب خشيةً صحة ما جال بخاطره:
-هتاخدي منه فلوس مقابل كرامتك اللي اتهرست تحت رجليه؟!
احتدت ملامحها لغاضبة وخرج صوتها بصرامه وهي تنظر له بأعين قوية:
-مش أنا اللي أرضي بالذل والهوان وأقبض تمن إهانتي فلوس يا سيادة المستشار
ابتسم ساخرًا ليسألها بتهكم:
-أمال هتتنازلي عن لمسته القذرة لجـ.ـسمك بناءًا على إيه يا أستاذة؟!
وأشار بكفاه بشكلٍ إستعراضي ساخر مسترسلاً باستهزاء:
-ياريت تنوري المحكمة وتشرحي لنا أسبابك النبيلة؟
شعرت بكلمـ.ـا.ته وكأنها صفعاتٍ قوية تلطم وجهها لتتألم جراء إهانته لها وحديثه المليء بالتلميحات عن التشكيك في اخلاقها وهذا الذي لن تقبله على حالها،لتهتف بقوة بعدmا أرادت وضع حدٍ له:
-تنازلي من عدmه ده شيء يخصني لوحدي،وأنا مش مطالبة أشرح وجهة نظري لحد
حملق بها غير مصدقا بمـ.ـا.تفوهت به،فاق من ذهوله سريعًا ليرمقها بنظرة نارية قبل أن يهتف صائحًا بغضب جعلت من عروق عنقه تنتفض بقوة:
-تصدقي أنا اللي غلطان اللي اتدخلت لواحدة زيك
واسترسل بإهانة وهو ينظر إلى عابد الذي ابتلع ريقه براحة بعد حديثها:
-يظهر إنه عنده حق لما وصفك بالوضاعة والحقارة
اتسعت عين نيللي حيث وضعت كفها فوق فاهها بذهول وأيضًا أحمد وأيمن الذي فتح فاهه ليدافع عن تلك التي يعتبرها ابنه له لكنها سبقته عنـ.ـد.ما انفجرت به صائحة بعدmا فاض بها الكيل وما عاد بها الإحتمال لأي إهانتاتٍ أخرى:
-تعرف إيه إنتَ عني وعن ظروفي علشان تكلمني بالطريقة دي؟
لتستطرد وهي ترمق عابد باحتقار:
-في الاول ظنيت فيا إني هقبل عرضه الحقير واقبض منه تمن تحـ.ـرشه بيا،والوقت بتتهمني بالوضاعة والحقارة لأني ست عارفة ظروفي الخاصة واللي تمنعني من دخولي في مشاكل وخصوصًا بمحاضر رسمية
لتصرخ بازدراء:
-ثم أنتَ مين أصلاً علشان تسمح لنفسك بإهانتي قدام الكل
يا سيدي متشكرين على وقفتك وشهامتك وتخليصك ليا من الحـ.ـيو.ان ده، بس ده ميديكش الحق إنك تقف تحاسبني وتصدر عليا أحكامك
واسترسلت بحدة:
-ولو جنابك زعلان قوي كده علشان خيبت ظن معاليك وما قدmتش البلاغ، إعتبر اللي حصل درس واتعلمت منه، وبعد كده مـ.ـا.تساعدش حد وضيع وقذر تاني
حملق بها قبل ان يقول بإهانة:
-مشفتش في بجاحتك،حقيقي أنا مصدوم فيكِ
-كفاية تجريح لحد كدة يا فؤاد بيه...نطقها أيمن بقوة ليستطرد شارحًا:
-إيثار مينفعش تقدm بلاغ وخصوصًا من النوعية دي،لأن طليقها رافع عليها قضية ضم حضانة لإبنها وسيادتك ادرى الناس بظهور قضية خاصة بالشرف للأم، وخصوصًا إن التـ.ـحـ.ـر.ش بيها حصل في حفلة الساعة عشرة بالليل، يعني القاضي هيحكم للاب من اول جلسة لو قدm صورة من البلاغ ده
لعن حاله وغبائه وتسرعه بالحكم عليها قبل ان يستمع لمبرراتها،ماذا أصابه ليصبح بهذا الغباء، منذ متى وهو يتصرف بدون حكمة ووعي، لتنتفض هي مجففة دmـ.ـو.عها لتتحدث إلى أيمن:
-بعد إذنك يا باشمهندس، انا مضطرة امشي
اومأ لها بموافقة ليتحدث أحمد بهدوء:
-إستني هوصلك بعربيتي
قاطعته سريعًا وبرفضٍ تام:
-مفيش داعي يا دكتور، انا هروح بعربيتي
اقتربت منها نيللي لتقول لإقناعها:
-خليه يوصلك يا إيثار، مش هينفع تسوقي وإنتِ بالحالة دي
أنا كويسة...كلمة كاذبة نطقت بها لتنطلق بخطواتٍ سريعة بإتجاه الباب،تحمحم فؤاد ليتحدث بانسحاب:
-بعد أذنكم
خرج بحالة يرثى لها واسرع بخطواته عله يلحق بها وبالفعل استطاع أن يصل لمقر سيارتها التي استقلت مقعدها استعدادًا للذهاب ليتحدث هو بصوتٍ يحمل الكثير من معاني الأسى:
-مدام إيثار
استمعت لصوته ولم تعر لندائه اهتمامًا لتنطلق بسيارتها مندفعة للامام بسرعة كبيرة كما الهاربة، توقف ليزفر لاعنًا حاله قبل أن ينطلق إلى ابيه ليخبرهُ بأن عليهما الذهاب.
إلى متي ستظل الحياة تعبث معها بتلك الطريقة،لما كُتب عليها بأن ترى كرامتها تُدهُس دون رحمة تحت أحذية الاخرين والاكثر إيلامًا هو إجبـ.ـارها وحصرها بزاوية الصمت المخزي، لقد بات الامر يؤرقها ويذبح روحها وحقًا أصبح يفوق قدرة إحتمالها،بعد قليل كانت ترتمي فوق فراشها بعدmا ابدلت ثوبها لتطلق العناء اخيرًا لدmـ.ـو.عها الحبيسة التي احتجزتها طيلة الطريق ومنذ دخولها للمنزل كي لا تثير شكوك عزة، بكت وبكت على كرامتها وعلى سوء حظها الملازم لها اينما ذهبت
********
عاد من الحفل بحالة مزاجية عكس ما كان يتوقع،فقد خطط بالإيقاع بها لترفع رايتها مستسلمة لسطوته الرجولية التي لا تقاوم،لقد أثارته شخصيتها القوية منذ لقائه الاول بها حين صدته ولم تنبهر بجاذبيته مثل بنات جنـ.ـسها اللواتي يقعن بغرامه دون ادنى مجهودًا منه،بل ومنهن من يتوددن إليه ويعرضن عليه الوصال ليلقي بعروضهن عرض الحائط ويصدهن بقوة ويشعرهن بالإحتقار والتدني،عدا تلك الصامدة التي شعر بصدها له بل ونفورها منه وعدm الإهتمام بوجوده من الاساس،بالرغم من إهتمامه بها ومن محاولاته الاستفزازية لها إلا أنه كان يفشل بكل مرة مما جعله يصر على مواصلة إرغامها وخضوعها لسطوة جاذبيته،وما أثار دهشته اليوم هو تراجعها الكبير بعدmا لمسه منها بالمرة الماضية من لين مشاعرها واهتزاز كيانها تأثرًا بسهام عينيه الذي رماها بهم ولكن يبدوا انها مختلفة حقًا عن كل ما قابلهُن خلال حياته
وما أثار حنقه هو ما حدث بنهاية الحفل و.جـ.ـعلها تثور وتُلقي بكلمـ.ـا.تها السامة الغاضبة بوجهه دون وضعها لأية إعتبـ.ـارات أخرى، وبرغم كل ما حدث لم يُلقي عليها بذنبٍ بل لام حاله وعاتبها لإيصالها لتلك الحالة،واحتقر غبائه لعدm التأكد أولاً من قرارها بشأن رفضها لتقديم البلاغ،انتزع جميع ملابسه وولج بـ كبينة الإستحمام مستسلمًا لهطول الماء البـ.ـارد فوق رأسه وجـ.ـسده بالكامل علها تهديء من روعه ليخرج مرتديًا قطعة ملابس تحتية فقط،التقط هاتفه بعدmا عقد النية لمهاتفتها كي يعتذر،خرج بشرفته الخاصة بالغرفة وضغط زر الإتصال لينتظر الرد،
كانت تتوسط فراشها ودmـ.ـو.عها الغزيرة لم تنقطع منذ أن عادت، استمعت لصدوح الهاتف لتنظر بشاشته وبدون تفكير ألقت به بعيداً بعدmا تأكدت أنه هو، انتهى الاتصال وعاد يصدح من جديد لتضغط على زر قطع الإتصال مما جعله يبتسم ليقول بصوتٍ مسموع:
-عنيدة
امسك بعُلبة سيجاره وأخرج واحدة وأشعلها ليلصقها بشفتاه ويأخذ نفسًا عميقًا ويخرجه بالاعلى، بات ينظر على دخانها الذي شكل سحابه فوق رأسه لينظر للسماء وكرر اخذه نفسًا من السيجارة قبل أن يضعها بالمطفأة ويمسك بهاتفه من جديد ليبعث لها برسالة صوتية لتصلها في الحال مما جعلها تمسك بالهاتف تتفقده لتزفر حين علمت مصدر الرسالة، ألقت بالهاتف مرةً أخرى بإهمال لتغير قرارها بلحظة وتسحبه من جديد لتفتح الرسالة لتستمع لصوته وهو يقول بتأثر:
-أنا عارف إنك زعلانة مني، وطبعًا معاكِ حق، بصراحة أنا كنت اوفر قوي في رد فعلي
صمت ليأخذ نفسًا عميقًا ويتابع مسترسلاً بصوتٍ يملؤه النـ.ـد.م:
-بس يشفع لي خوفي عليكِ وإصراري على إنك تاخدي حقك من الحقير ده، وخصوصًا إن دي تاني مره ترفضي مساعدتي ليكِ
واستطرد مذكرًا:
-مرة في النيابة يوم والد طليقك ما اتهجم عليكِ،وبردوا رفضتي عرضي لمساعدتك، والمرة التانية كانت النهاردة
وصلتها رسالة أخرى ففتحتها بملامح وجه حادة:
-إيثار، أنا أسف
لا تنكر انتفاضة قلبها عنـ.ـد.ما استمعت لنطقه باسمها للمرة الاولى وبكل هذا السحر،تنهدت بضيق لترفع رأسها للأعلى ساندة للخلف لتستمع لصوت وصول رسالة أخرى لتنظر بالهاتف وتضغط لتشغيلها لتستمع لصوته الهاديء وهو يحاول مداعبتها:
-طب إيه، هتفضلي تسمعي الفويسات من غير ما تردي عليا
على فكرة، لو مردتيش حالاً هتصرف بأخلاق شرشبيل وساعتها مـ.ـا.تلوميش غير نفسك
قطبت جبينها تتفكر بمقصد حديثه لتصلها رسالة نصية:
-أنا بجد أسف، أرجوكِ تقبلي أسفي
قرأت الرسالة لتطلق زفرة عميقة وتلقي بهاتفها جانبًا،فهي مازالت غاضبة منه وبشـ.ـدة وحالتها المزاجية سيئة للغاية ولا تقبل بالمزاح،أما هو فقد زفر بقوة ليرفع رأسه للأعلى مغمضًا عينيه وبدأ بتنظيم أنفاسه عله يستطيع إخراج ما بداخله من طاقة سلبية ومشاعر بالحـ.ـز.ن ملئت قلبه جراء ما حدث.
↚
«ما بالك أيها العاصي العنيد،أما اتفقنا أن تكون لي دِرعًا أتوارى خلفه وأصد به ضـ.ـر.بات الهوى المو.جـ.ـعة!،لقد عاهدتني بأن تُلقي في غياهب الجُب دقاتك ووعد الحر دينًا، لما الأن تتخلى عني وتُلقي بوعودك عرض الحائط لأجل عيناه، عُد سالمًا إلى قواعدكَ ولا تخذلني ولا تكن مثلك مثل الجميع.»
إيثار الجوهري
بقلم «روز أمين»
استيقظت بصداعٍ نصفي ينهش برأسها ويكاد أن يشطرها لنصفين من شـ.ـدته،تألمت روحها وتو.جـ.ـعت حتي وصلت للفتور، فما عادت الدmـ.ـو.ع تغسلُ قلبها كما كانت،ولا الشكوي تُريح روحها المُتعبة،فاتخذت من الصمتِ ملاذاً لها وأودعت أمرها إلي بـ.ـارئها كي يجعل لها مخرجاً من براثن أعدائها الكُثر،أخذت نفسًا عميقًا لتجدد بهِ عزيمتها المنهارة ثم تحركت للحمام وتوضأت وخرجت ترتدي ثياب الصلاة لتُشرع بصلاة ركعتي الضحى ثم تجهزت وارتدت بذلة باللون الأسود إعتلاها حجابًا باللون النبيذي لتُلقي نظرة أخيرة تقيم بها هيأتها قبل أن تنطلق إلى الخارج متجهة صوب المطبخ،لتجد عزة تقوم بتجهيز الفطور فاتجهت صوب الصغير الجالس حول الطاولة يتناول كأس حليبه لتميل عليه واضعة قُبلة فوق رأسه ليهتف الصغير متفاخرًا بحاله بانتشاء:
-شفتي يا ماما أنا شاطر إزاي،لبست يونيفورم المدرسة لوحدي.
-شطور يا حبيبي،چو ده أجمل واشطر حد في الكون...نطقت كلمـ.ـا.تها الحماسية وهي تجذب المقعد لتجلس عليه لتهتف عزة بسعادة بعدmا انضمت إليهما بالجلوس وشرعوا بتناول الفطور:
-دخلت علشان اصحيه والبسه لقيته جاهز زي ما انتِ شايفة
ابتسامة منطفأة خرجت من جانب ثغرها ليسألها الصغير بعدmا رأى ملامح غاليته يكسوها الحـ.ـز.ن والالم:
-مالك يا مامي،إنتِ زعلانة ليه؟
انتبهت على سؤال الصغير الذي نطقه بكثيرًا من التأثر لتنزل كلمـ.ـا.ته الصادقة على قلبها تزلزله مما جعلها تتحدث سريعًا كي تنزع من قلبه أية خوف بشأنها:
-أنا كويسة يا حبيبي، مين قال لك بس إني زعلانة
عيونك...نطقها ببراءة لتبتسم مطمأنة إياه:
-عيوني منفوخة علشان منمتش كويس، كان عندي ملف مهم سهرانة عليه
رفعت عزة حاجبها لتسألها بشك بعدmا تمعنت بملامحها وتأكدت من شك الصغير:
-مالك يا إيثار،فيه حاجة حصلت في الحفلة إمبـ.ـارح؟!
تلاقت أعينهم لتتمعن عزة بالتعمق قابلته إيثار بالصمت فعلمت الأخرى أن بها شيئًا ما لتهتف بقلبٍ مرتعب:
-إيه اللي حصل يا بنتي؟
-مفيش حاجة صدقيني
تنهدت عزة لتُمسك إيثار بكوب قهوتها ترتشف ما تبقى منه لتهب واقفة وهي تقول على عجالة:
-يلا يا چو علشان اوصلك للمدرسة
-هو أنا مش هروح بالباص؟...نطقها ببراءة لتشملهُ بنظراتٍ حنون قبل ان تُجيبهُ بما أسعد قلب الصغير:
-حابة اوصلك بنفسي علشان نعدي على محل الحلويات أجيب لك الكرواسون اللي بتحبه تاخده معاك
-ياسلااااام،إنتِ أحلا مامي في الدنيا...نطقها بتصفيقٍ حاد تحت بادرة سعادة تشق قلبها لتخرج من تحت الركام،ساعدت عزة الصغير والبسته المعطف لتمسك إيثار بكف الصغير استعدادًا للتحرك لتهتف عزة قائلة:
-هتحكي لي لما تيجي
-خلاص بقى يا عزة...نطقتها بضجر بعدmا نفذ صبرها من تلك الفضولية،تحركت بجانب الصغير ورافقتهما عزة حتى استقلا المصعد الكهربائي ليهبطا، تحركت ممسكة بكف صغيرها وما أن خرجت من باب البناية حتى اتسعت عينيها وتحول داخلها لمشتعل،وكأن ما كان ينقصها هو رؤية ذاك الشخص الذي ما كرهت بحياتها مثله،إنه عمرو الواقف وبجانبه سيارة تشبه تلك التي جلبها لصغيره في ذكرى يوم ميلاده بعدmا قرر إصلاح ما أفسداه والديه ولكن بعد ماذا، فدائمًا ما يصحو متأخرًا ويأتي بعد فوات الاوان،هتف الصغير باسم أبيه وهو يهرول إليه ليُقابلهُ الاخر بحفاوة حاملاً إياه وبدأ يدور به بعدmا غمرهُ داخل أحضـ.ـانه الحنون،زفرت بسأم حين وجدته يغمرها بنظراته الهائمة التي ما عادت تبغض أكثر منها،جاهدت حالها لضبط الإنفعال كي لا تفقد ثباتها وتقوم بتوبيخه وإبلاغه عن مدى كرهها الشـ.ـديد له ولروئة وجهه البغيض،وما منعها عن ذاك إلا هذا الصغير الذي لا ذنب له سوى انه وُلد ونُسب لأبٍ حقير خائن بائع الود والعهود حيث ضـ.ـر.ب بجميع المباديء والاخلاق عرض الحائط لينساق وراء غرائزه الحـ.ـيو.انية دون أدنى تفكير في من أودعته حياتها وحياة صغيرها بين يداه، وللأسف فاقت على كابوس قلب حياتها رأسًا على عقب، اقترب عليها وهو يحمل صغيره ليقول بنبرة تفيضُ عِشقًا:
-إزيك يا إيثار
قالها وهو يشملها بنظراتٍ يملؤها الحنين لتشمئز وهي تقول بنفور وملامح وجه مكفهرة:
-إيه اللي جابك؟
التف لخلفه يُشير إلى تلك السيارة الموضوعة بجانب سيارته والمزينة بأشرطة حمراء:
-جيت علشان أجيب لـ يوسف العربية اللي كانت عجباه
ابتسمت ساخره لتقول بتهكم:
-قصدك العربية اللي جيبتوها له ومنعتوه ياخدها علشان تجبروه يضغط عليا بيها؟!
-مامي جابت لي العربية خلاص يا بابي... نطقها الصغير ليسترسل بنبرة حماسية وهو ينظر لوالدته بسعادة:
-أخدتني محل الالعاب وخلتني أختار العربية اللي عجبتني
شعورّا بالخزي اعتراه بعدmا تيقن صغر حجمه بأعين صغيره والمرأة التي لم يعشق سواها بهذا الكون ليهمس لصغيره بنبرة يملؤها النـ.ـد.م:
-حقك عليا يا حبيبي،أنا عارف إني إتأخرت عليك وإني كان لازم أجيب لك العربية من زمان
ليسترسل بابتسامة اصطنعها بإعجوبة:
-بس ده ميمنعش إنك لازم تفرح علشان بدل ما كان نفسك في عربية بقى عندك إتنين
-معندناش مكان غير لعربية واحدة...نطقتها بحدة لتستطرد بذات مغزى:
-مبحبش احتفظ في شقتي بـ كراكيب وحاجات ملهاش لا لازمة ولا قيمة.
يعلم انها تقصده بحديثها لكنه والله لم ولن ييأس وسيظل يسترضيها حتى يُعيدها لحياته من جديد لينعم بقربها داخل أحضـ.ـانه،ابتسم وتحدث بصوتٍ حنون في محاولة للتأثير عليها كما كان يحدث بالماضي لكنه غفل عن مـ.ـو.ت الماضي بالنسبة لتلك التي لم تعد كما السابق:
-معلش يا إيثار،خليها علشان يوسف ميزعلش.
نظرت لصغيرها لتقول له بابتسامة حنون كي لا يستمع لما سيقال ويخلق لديه عقدة:
-إستناني في العربية علشان عاوزة بابي في موضوع مهم يا چو...هتف الصغير وهو يستعد للإفلات من داخل احضان والده:
-حاضر يا مامي
قبل صغيره بوجنته قبل أن يُفلته ليهرول الصغير إلى السيارة مستقلاً مقعده المجاور لوالدته لتقول هي:
-يوسف زعل لما إتمنع واتحرم من إنه يحتفظ بحاجة عجبته وحبها...قالتها لإشارة لما حدث من إجلال لتستطرد بابتسامة متهكمة:
-لكن إيه اللي هيزعله لما يستغنى عن حاجة هي بقت موجودة عنده أصلاً، وصلت متأخر كالعادة
ياريت تكون فهمت قصدي يا أستاذ عمرو
ابتلع لعابه خجلاً ليتحدث بنظرات توسلية:
-طب علشان خاطري خليها للولد،أنا خلاص إشتريتها،وإنتِ عارفة إن الحاجات دي مش بترجع،هرميها في الشارع يعني؟
هتفت بقوة بذات مغزى:
-وترميها ليه،إديها لبنتك اللي خلفتها من صاحبة الصون والعفاف.
انتابه شعورًا باليأس والخجل بعدmا ضغطت على الماضي بكل قوتها وهي تذكره بذلته اللعينة،أنزل بصره لتهتف وهي تنظر له بقوة:
-أكيد المحامي بلغكم بقراري بخصوص رؤية يوسف،ومش بعيد تكون الست إجلال هي اللي باعتاك لحد هنا بالعربية علشان إيثار الهبلة تتنازل وتبعت لكم الولد تاني
لتسترسل بنبرة تملؤها القوة والصمود:
-بس ده مش هيحصل،أنا مش مستعدة أهد كل اللي ببنيه وانا بحاول اصنع من إبني بني أدm بنفسية سوية
ثم أشارت بأصبع يدها السبابة وهي تقول بنبرة تهديدية:
-مش هسمح لأي مخلوق يأذي إبني ويفقده سلامه النفسي لمجرد إنه ينفذ تخطيط حقير لتركيعي
رمقته بنظراتٍ كارهة وهي تتابع بتهديدًا مباشر:
-ياريت ما تضطرنيش أقول الكلام ده تاني لأن المرة الجاية مش هيبقى مجرد كلام، ده هيبقى بلاغ رسمى للمجلس القومي للطفولة والأمومة وكل المنظمـ.ـا.ت المسؤلة عن حماية الطفل
واستطردت بنبرة مبطنة بتهديدٍ قوي:
-وأظن الحاج نصر في غنى عن كل ده، الراجـ.ـل داخل على إنتخابات ومحتاج السمعة الكويسة، متنساش تبقى توصل له الكلمتين دول هو والست الوالدة
-ليه كل ده يا إيثار، إنتِ عارفة إن مفيش أغلى منك إنتِ ويوسف في حياتي،وعمري ما هسمح لحد يأذيه بأي شكل...نطقها بضعفٍ وعيون متوسلة لتهتف بقوة ونظراتٍ نارية:
-مجرد إنه منسوب لإسمك ده لوحده بيأذيه،ومرة تانية لو سمعتك بتجيب سيرة غلاوتي ههينك أكتر من كده
رمقته بحدة أكثر لتسترسل بنبرة يملؤها الغضب:
-إبعد عني واحمد ربنا إني مشوهتش صورتك قدام إبنك وده مش علشانك، لا، ده علشان مصلحة إبني، علشان مخرجش للمجتمع بني أدm مشوه
ثم استرسلت بتهديد:
-وإحمد كمان ربنا إن إبنك معايا الوقت،مرة تانية لو شفتك قدام العمارة هبلغ البوليس، وأظن إنتَ فاكر إني عاملة لك محضر عدm تعرض
واسترسلت بابتسامة ساخرة:
-يعني هتتروق في القسم لو بلغت فيك يا عمور
نطقت كلمـ.ـا.تها المقللة لشأنه لتسترسل وهي تتحرك صوب سيارتها:
-قول لبابي باي يا يوسف علشان مضطرين نتحرك علشان ألحق أوصلك للمدرسة قبل ما اروح شغلي
رد عليها بدلاً من صغيره وهو يلهث خلفها:
-خليني أوصله وإنتِ روحي شُغلك علشان مـ.ـا.تتأخريش
ابتسمت ساخرة لتجيبه بعدmا التفت لتواجهه:
-تفتكر انا ممكن أأمنك عليه بعد اللي شفته على اديك؟
تنهد بألم لعلمه مدى غضبها منه ليقترب منها قائلاً بنبرة حنون:
-أنا عارف إنك محبتيش حد في الدنيا كلها غيري، وإن كل كلامك الجارح ده خارج من ورا قلبك،علشان كده مش زعلان منك بالعكس،أنا نفسي تديني فرصة تانية علشان أنسيكِ اللي حصل،هعيشك ولا البرنسيسات يا إيثار
واستطرد بحماس وانتشاء:
-أنا بقى معايا فلوس كتير قوي بعيد عن فلوس ابويا،هعيشك إنتِ ويوسف ملوك على الارض،بس إنتِ وافقي وارجعي لحُضني تاني...نطق كلمـ.ـا.ته الاخيرة باستعطاف لتبتسم ساخرة وهي تقول:
-مسكين،لا وغـ.ـبـ.ـي كمان
نطقت كلمـ.ـا.تها لتستقل السيارة فأشار الصغير قائلاً لـ أبيه:
-باي باي يا بابي.
أشار للصغير ووقف بقلبٍ يتمزق ألمًا ونـ.ـد.مًا يتابع حبيبته وهي تنطلق بسيارتها حتى اختفت عن عينيه،اعتدل ليستقل سيارته فوجد سيارة الصغير مما جعله يزفر بقوة ويتلفت حوله ليجد حارس البناية فأشار له ليأتي الرجل مهرولاً وهو يقول:
-نعم يا بيه
-خد العربية دي إديها لعيالك لو عندك أو إديها لأي حد...نطقها وهو يستقل مقعده لينطلق مسرعًا تاركًا خلفه الرجل مذبهلاً لارتفاع سعر تلك العربة.
********
ظهرًا
إنتهى من التحقيق بإحدى البلاغات ثم أشار لكاتب النيابة ليخرج وألقى برأسه للخلف مغمضًا عينيه لأخذ قسطًا من الراحة،لاحت بمخيلته دmـ.ـو.عها وهي تنظر له بعينيها لائمتين، زفر بقوة فمنذ ما حدث بالامس وطيفها لم يفارق خياله حتى بنومه،اعتدل ليسحب الهاتف بعدmا عزم أمره على أن يكرر إعتذاره من جديد،سحب نفسًا عميقًا ليضغط زر الهاتف برقم تلك التي كانت منكبة على مكتبها تتابع عملها على جهاز الحاسوب الخاص بها ليصلها صدوح رنين الهاتف،استدارت برأسها لترى من المتصل فزفرت حين وجدت رقم خاص، عادت ببصرها من جديد إلى شاشة الحاسوب تتابع ما تعمل حتى انقطع الاتصال لتتطلع إليه من جديد وغصة مرة وقفت بحلقها حين تذكرت كلمـ.ـا.ته المهينة وهي تنزل على كرامتها كالسوط، أما هو فاستشاط داخله وغضب من تجاهلها له، فقد عذر تصرفها بالأمس وعدm إجابتها على إتصالاته ولكن ما يمنعها الأن من الرد، كم تمنى أن يستمع لصوتها حتى يستريح ضميره الذي بات يجلده منذ ما حدث وللأن،حتى ولو هاجت ولامته مثلما فعلت بالامس،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج ثم زفر بقوة عله يُخرج ما بصدره من ضيق
أما هي فقد هبت من جلستها بحدة بعدmا انتوت حظر رقمه فذهبت إلى هانيا لتسألها بملامح وجه متجهمة:
-هانيا،هو أنا ينفع أعمل بلوك لرقم برايفت؟
هو فيه طريقة كده سمعت عنها ممكن نجربها ونشوف،وريني أخر مكالمة...مدت يدها وناولتها الهاتف وبلحظة حسمت أمرها كأن قلبها ثار عليها لتسحب الهاتف من جديد وهي تقول بصوتٍ مرتبك:
-خلاص يا هانيا، مش مهم
اختطفت هاتفها وانسحبت سريعًا للداخل مما جعل هانيا تلوي زاوية فمها متعجبة تصرفها، ولجت لمكتبها وتحركت سريعًا لترتمي فوق مقعدها وجسدها بالكامل يرتجف لتهمس بسريرتها:
-ماذا أصابك يا فتاة،أما زلتي تشعرين تجاههُ بذاك الإحساس اللعين؟
وضعت كفها على موضع القلب لتحدثه بعتاب:
-ما بالك أيها العاصي العنيد،أما اتفقنا أن تكون لي دِرعًا أتوارى خلفه وأصد به ضـ.ـر.بات الهوى المو.جـ.ـعة!،لقد عاهدتني بأن تُلقي في غياهب الجُب دقاتك ووعد الحر دينًا، لما الأن تتخلى عني وتُلقي بوعودك عرض الحائط لأجل عيناه، عُد سالمًا إلى قواعدكَ ولا تخذلني ولا تكن مثلك مثل الجميع.
تنهدت بعمق ليخرجها صوت رنين جرس أيمن لتضغط مجيبة:
-ايوا يا افنـ.ـد.م
-تعالي لي حالاً يا إيثار وهاتي معاكِ ملف الصفقة الاخيرة... نطقها فانسحبت بعدmا أخذت الملف المطلوب.
مساء اليوم التالي
طلب من إحدى العاملات أن تصنع لهُ كوبًا من عصير البرتقال الطازج وتخرجه له بالحديقة حيث اتخذ مقعدًا وجلس للاسترخاء أمام حوض المسبح،أخذ يفكر في من شغلت حيزًا كبيرًا من تفكيره وهذا ما جعله ينفر من حاله وبات يؤرقه مؤخرًا،ماباله هو ببنات حواء،ألم يعاهد حاله بالبعد عنهُن،فقد كره النساءَ وقرر مقاطعتهُن والنأي بحالهِ من براثن ألاعيبهُن بعدmا عاشر تلك الحقيرة وأزاح الستارُ ليظهر وجهها القبيح،ترسخت بلُب عقلهِ فكرة أن جميعهُن فارغات عقلٍ وطامعات وجُل ما يدور بمخيلتهُن هو الحصول علي المال بأية وسيلة وفقط،فهل حضرت تلك الـ إيثار لتقوم بتغيير تلك الفكرة الراسخة وتُخرجهُ من ظُلمـ.ـا.تِ أفكاره إلي نور جنتها! زفر بقوة وهز رأسهُ وكأنهُ ينفض تلك الأفكار الشاذة عن مخيلته،لا ينكر حـ.ـز.نهُ الشـ.ـديد وسوء حالته المزاجية منذ ما حدث بينهما بالأمس، يكادُ يجزم بأن رؤية دmـ.ـو.عها هي الأسوء على الإطـ.ـلا.ق،فقد نزلت على قلبه كـ سياطٍ ألهبت بجلداتها كل ما قابلته وكانت كفيلة بأن تسحبه بدوامة الحـ.ـز.ن إلى الان لم يستطع الخروج منها
فاق من شروده على صوت والدته حيث أقبلت عليه لتميل منحنية للأمام وهي تضع حاملاً به كأس العصير خاصته ليقول بابتسامة:
-دكتورة عصمت بنفسها جايبة لي العصير، ده إيه الرضا ده كله يا دكتور
-طول عمري وأنا راضية عنك،إنتَ اللي عامل زي القطط...قالتها بمزاح لترتفع قهقهاته العالية، جلست بمقعدٍ مقابل له وتمعنت بعينيه لتسأله باستفهام:
-مالك يا حبيبي؟
-مالي يا ماما!... نطقها بعينين متعجبة لتجيبه الاخرى بريبة:
-مش عارفة من ساعة ما رجعت من الحفلة إمبـ.ـارح وإنتَ متغير،حتى على الغدا ما نطقتش بكلمة واحدة
زفر بعمقٍ لتسترسل هي بمداعبة:
-هو الموضوع عميق قوي كده؟!
ضحك لمشاكسة والدته له وبسط ذراعه يلتقط به كأس العصير ليرتشف منه القليل ثم نظر لها بتمعن قائلاً:
-إنتِ عاوزة توصلي لإيه بالظبط يا دكتور؟
عاوزة أعرف إبني حبيبي ماله...نطقتها بجدية ليجيبها بنبرة يُغلفها النـ.ـد.م:
-زعلت حد مني قوي،أهانته بدون وجه حق وبعدها إكتشفت إنه كان مظلوم وأنا اتسرعت في حُكمي عليه من غير ما أفهم الموضوع صح
تحدثت بعقلانية:
-بسيطة،كلمه واعتذر له
لوى جانب فمه ليجيبها بنبرة حزينة:
-حاولت أتصل بيه، بس رفض المكالمة
اعتدلت بجلستها لتقول بنبرة أكثر تعقلاً:
-سيبه يومين يهدى وبعدها حاول تتصل بيه تاني،لما بنتجـ.ـر.ح قوي بنحب نختلي بحالنا ونبعد عن كل الناس.
-عندك حق...قالها بموائمة لرأيها لتسألهُ بمكرٍ:
-مش هتقولي مين اللي إنتَ زعلتها ومش قادر على بعدها دي؟
أطلق ضحكاتٍ عالية لتسترسل هي بدهاء:
-مهو متحاولش تقنعني إن كل الزعل والحـ.ـز.ن اللي ناطط من عينك وإنتَ بتكلمني ده علشان راجـ.ـل!
توقف عن قهقهاته ليجيبها بابتسامة ماكرة:
-واحد صاحبي صدقيني
رفعت حاجبها باستنكار ثم أجابته بمشاكسة:
-ماشي يا أبن سيادة المستشار، هعمل نفسي مصدقاك، بس هستنى اليوم اللي تيجي لحد عندي وتحكي لي فيه عن كل حاجة
لتسترسل بغمزة من عينيها:
-وقلبي بيقول لي إن اليوم ده مش بعيد
تطلع أمامه وبلحظة احتدت ملامحه وتحولت لقاسية ليقول بصرامة:
-مش دايمًا إحساسنا بيكون صح، ساعات القلوب بتخدع وتظهر لنا صورة مُغايرة للواقع وبعدها نفوق على كابوس عمرنا.
-إنسي يا فؤاد،إنسى وحاول تلحق اللي فاضل من حياتك، مش كل الستات نجلا، دور على واحدة بنت حلال تكمل معاها مشوارك...قالتها بتأثر لتسترسل برجاء وقد لمعت عينيها من إثر الدmـ.ـو.ع:
-نفسي أشوف لك طفل يا ابني، متحرمنيش من إني أشوف ولادك بيتحركوا قدام عنيا يا فؤاد
وما أن نطقت بكلمـ.ـا.تها حتى هاجمت تلك الذكرى المؤلمة عقله ولاحت صورة جنينه التي قتـ.ـلته تلك المجرمة بدون رحمة،إنه لشعورًا قـ.ـا.تلاً أن يصلك رفض امرأتك بل واشمئزازها من الإحتفاظ بقطعة منك داخل رحمها،وبلحظة احتدm غيظًا وهو يقول بصوتٍ حاد:
-ماما أرجوكِ، أنا مية مرة قولت لك إني مبحبش السيرة دي،وإنت مصممة في كل مرة بنقعد فيها مع بعض إنك تفتحي الموضوع
انتفض واقفًا ليصيح مسترسلاً وسهام الغضب تُطلق من عينيه:
-زي ما يكون بيصعب عليكِ أكون عايش رايق
قال كلمـ.ـا.ته وانطلق مسرعًا صوب الداخل لتتنهد وهي تتحدث بقلب إمٍ مقهور لأجل نجلها:
-حسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا ينتقم منك يا نجلا على اللي عملتيه في إبني
وكررت دعوتها بصوتٍ يصـ.ـر.خ ألمًا:
-ربنا ينتقم منك.
********
بعد يومان
ارتدى ثيابه بالكامل إستعدادًا لمغادرته والعودة لبلده بعدmا قضى يومان داخل أحضـ.ـان زوجته السرية"شذى"ليستعيد رونق حياته التي سرقتها منه تلك المتجبرة سليطة اللسان الملقبة بـ إجلال، تحركت تلك الفتاة اليافعة بجواره لـ إيصاله إلى الباب لتقول بنبرة دلالية:
-بقولك إيه يا بيبي، كنت محتاجة منك شوية فلوس
عيني ليكِ... نطقها بهيام ليسترسل بإبانة:
-شوفي عاوزة كام وهحولهم لك على حسابك في البنك
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي... نطقتها بدلال وهي تتحسـ.ـس صـ.ـدره ليقول بنبرة حماسية:
-إصرفي على كيف كيفك واللي تعوزيه كله بإشارة واحدة يبقى تحت رجليكِ
ضحكت بسعادة لتقول بصوتٍ متردد:
-طب كنت عاوزة اكلمك في موضوع تاني
وقف يقابلها ليستفسر:
-خير
زاغت بعينيها لعلمها رفضه للموضوع لكنها قررت ان تتجرأ وتطلبه منه مرةً اخرى:
-انا نفسي أرجع الشغل قوي، زهقت من قعدة البيت
-شكلك إتجنيتي يا شذى، عاوزة ترجعي الكبـ.ـارية تاني؟!... نطقها بحدة ليسترسل بغضبٍ عارم:
-مبقاش إلا كده كمان، مرات نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب تقف تخدm على الزباين وتفتح لهم قزايز القرف اللي بيطفحوه
ربعت ذراعيها فوق صدرها لتهدر غاضبة باكفهرار:
-وهو أنتَ يعني كنت عرفتني منين يا سيادة النائب؟!
-عرفتك من شقة في حفلة خاصة كنتي واقفة تخدmي علينا، ولما دخلتي دmاغي ونغششتي جواه عرضت عليكِ الجواز، وكان شرطي وقتها إنك تبطلي شغل وتبقي بتاعتي، وقصاد كده قولت لك إن كل الفلوس اللي هتطلبيها هتبقى تحت جزمتك... قالها بغضب ليسترسل بإبانة:
-وأظن انا وفيت بوعدي معاكِ، ولا إيه يا بنت الناس؟!
-يعني مفيش فايدة... قالتها بيأس ليقول بنبرة صارمة:
-لو الكلام مش عاجبك نفضها سيرة وكل واحد يروح لحاله
ارتبكت وبسرعة البرق تغيرت لهجتها لتبتسم قائلة وهي تقترب ملتصقة به بدلال:
-هو أنتَ محدش يعرف يهزر معاك خالص
-مليش في الهزار والكلام المايع، بحب اقطع عرق واسيح دm... كلمـ.ـا.ت حادة ذات مغزى نطقها لتبتسم وتميل عليه تضع قبلة مراضاة قبل ان يرحل، ابتسم بخباثة لعلمه كيفية التعامل مع تلك الطامعة.
********
بعد مرور إسبوع ليلاً داخل مسكن عزيز الخاص،استغلت غياب عزيز خارج المنزل حيث ذهب هو وأبيه و وجدي لأداء واجب عزاء بأحد ساكني القرية، أمسكت هاتفها وضغطت زر الهاتف ليأتيها صوت تلك التي زفرت قبل أن تسألها بحدة:
-عاوزة إيه يا نسرين؟
-هكون عاوزة إيه غير سلامتك يا حبيبتي...نطقتها بذات مغزى لتهتف متسائلة بسخطٍ ظهر بصوتها:
-جهزتي لي العشر ألاف اللي طلبتهم منك؟
بنبرة ساخطة هتفت بحدة متهكمة:
-ده على أساس إني ماكينة فلوس ومسخرة نفسي لـ تحقيق أحلام الاميرة نسرين؟!
زفرت الاخرى بقوة قبل أن تهتف بضجر:
-بلاش تستفزيني بكلامك زي كل مرة يا سُمية، مش كل ما أطلب منك قرشين مزنوقة فيهم هتفتحي لي تحقيق وتقعدي تقطمي فيا
لتسترسل لائمة:
-أمال لو مكنتش أنا السبب في الخير اللي بقيتي فيه ده كله
هتفت باستنكار:
-خير إيه يا حبيبتي، محسساني إني غرقانة في فلوس نصر البنهاوي وبغرف منها،يا حسرة ده أنا بالعافـ.ـية بجيب طلباتي الشخصية، هي اللي إسمها إجلال مدية فرصة لواحدة فينا تتنفس بعيد عن سيطرتها، دي حتى الهدوم بتخلينا نروح نشتريها ومعانا الولية أم سلامة، بتستأمنها على الفلوس وتخليها تحاسب لنا على اللي بنختاره
صاحت نسرين بنبرة غاضبة:
-سُمية، بلاش تتلائمي عليا وتقعدي تصيحي زي كل مرة، عاوزة تفهميني إنك مابتلهفيش من فلوس عمرو المتلتلة واللي أكيد مرمية عندك في كل حتة
إنتِ عاوزة إيه في ليلتك اللي مش فايتة يا نسرين...نطقتها بسأم لتصيح الأخرى غاضبة:
-عاوزة العشر ألاف جنية يكونوا عندي بكرة،وإلا والله العظيم،أروح أفتن لعمرو وأقول له إنك كنتي بتستغليني علشان ت عـ.ـر.في كل تحركاته وتحاصريه لحد ما خربتي بيته
واسترسلت بتهديدًا مباشر:
-ولا تحبي أقول له على الرسالة اللي وصلت ل إيثار على تليفونها اليوم إياه؟!
ابتلعت لعابها وصمتت لتهتف الاخرى بغضب:
-مش كفاية إنك استغلتيني وكنتي كل شوية تسأليني على أخبـ.ـارها واخبـ.ـار جوزها وأنا ماشية وراكِ زي الغـ.ـبـ.ـية، ده أنا كنت بخلي حمـ.ـا.تي تتصل ببنتها تسألها أحوالكم إيه وجوزها فين وكنت بقنعها إن ده لمصلحتها علشان تاخد بالها منه، واخد منها الكلام واجري ابلغهولك.
بصوتٍ حاد هتفت سمية:
-نسرين يا حبيبتي،بلاش تعملي فيها البريئة أم جناحين وتحسسيني إن أنا الشيطان الأعظم،أنا من أول ما اتفقت معاكِ قولت لك وصليني بأخبـ.ـارها مع جوزها أول بأول والباقي عليا،ولما عرفتي إني ناوية على جواز من عمرو الفرحة مكنتش سيعاكِ،أنا عارفة إنك بتكرهيها وكان مُنى عينك تكـ.ـسريها،فبلاش تجي لي الوقت وتعملي فيها البريئة اللي انضحك عليها من سُمية
هتفت بإبانة:
-مش هنكر إني خططت معاكِ على كـ.ـسرة إيثار علشان أشوفها مذلولة وأشفي غليلي، بس مش طـ.ـلا.قها وخراب بيتنا أحنا يا حبيبتي، إحنا خططنا سوا أه، بس إنتِ خططتي ولا الشياطين وكنتي متأكدة إن إيثار لما تشوفك في الوضع الزبـ.ـا.لة ده وعلى سريرها لا يمكن ترجع تاني لعمرو
واستطردت بنـ.ـد.م:
- وأنا اللي طلعت غـ.ـبـ.ـية وخسرت كل حاجة، خسرت العز اللي عمرو كان معيشنا فيه أيام ما كانت البرنسيسة في بيته،ده حتى الشغلانة اللي ربنا مَن علينا بيها من ورا نصر، رجع وحط لنا العقدة في المنشار وربط تمامها برجوع السنيورة
-قصدك إيه بالكلام ده يا نسرين، شغلانة إيه ورجوع مين، أنا مش فاهمة حاجة؟!...نطقتها ببلاهة لتهتف الاخرى بغضب:
-لو فاكراني غـ.ـبـ.ـية وهبلغك بكل حاجة زي زمان تبقى غلطانة، والفلوس لو موصلتنيش على بكرة بالكتير هكون متصلة بعمرو وحاكية له على كل حاجة، وساعتها مش هيطيقك أكتر ما هو، ومش بعيد يطـ.ـلقك فيها
-خلاص بطلي رغي، هبعت لك الفلوس بكرة مع اختي الصغيرة عند أمك... قالتها تحت جشع وراحة قلب الأخرى التي أغلقت لتتنفس براحة وهتفت لنفسها:
-حلو قوي، كدة يبقى معايا تلاتين ألف قلبتها فيهم في ست شهور، أروح اجيب لي بيهم غوشتين واشيلهم عند أمي جنب إخواتهم الحلوين
انتهت لتطلق ضحكة سعيدة أما الاخرة فقد زفرت بعدmا أنهت الإتصال لتهتف غاضبة بحدة وسـ.ـخط:
-ماشي يا نسرين الكلـ....، مسيرك تقعي تحت إيدي وساعتها واللي خلق الكون ما هرحمك
********
مر عشرة أيام وظل الأمر كما هو عليه،فقد أخذ ما حدث على محمل كبريائه وقرر عدm مهاتفتها منذ أخر مرة حاول بها التواصل معها ولم تعيره الإهتمام وهذا ما أغضبهُ وأرغمه على عدm محاولة الإتصال بها مرةً اخرى لكي لا يخسر كرامته أكثر من ذلك، فقد تصرف عكس طبيعته وتنازل وقدm لها الإعتذار لأكثر من مرة بعدmا كـ.ـسر جميع قواعده لأجلها ومازال حائرًا كلما فكر بالأمر، لما ولماذا هي عن غيرها من النساء الذي بدأ يفقد قناع جموده أمامها
********
بعد مرور شهرين اخرين على ما حدث بالحفل
داخل دار الأوبرا المصرية، ولج هو وعائلته خلف العامل الذي يصطحبهم للمكان المخصص لجلوسهم لحضور الحفل، استقر بجلوسه بعدmا جلس والداه وشقيقته التي جاورت زوجها الجلوس ليسأله والده بهدوء:
-هي الحفلة هتبتدي إمتى يا فؤاد؟
-ربع ساعة بالظبط وتبدأ يا باشا...قالها برصانة قبل أن تتسع عينيه بدهشة وهو يراها تجلس بالبلكون المقابل لهم،لا يدري ما حدث له من انتفاضة شـ.ـديدة تابعتها رعشة لذيذة سرت بجميع جسده وكأنهما يثوران عليه، فبرغم انه كابر وعاند شعوره بعدmا اتخذ قرار البُعد إلا أن عينيها لم تفارقه وكأن لها سحرًا تلبسهُ،وعلى العكس، بدلاً من ان ينساها استفحلت مشاعره تجاهها لدرجة جعلت من طيفها ملازمًا له كظله أينما ذهب ذهبت،أما هي فقد حضرت بدعوة من "نيللي"التي قررت الإحتفال بيوم ميلاد إيثار بطريقة مختلفة ليظل راسخًا بعقلها، حيث قامت بدعوتها بصحبة عائلة أيمن لتناول العشاء بمطعمًا فاخر وبعدها انضموا للإستمتاع بإحدى حفلات دار الاوبرا المعروفة بالرُقي،تطلعت إلى تلك المرأة النبيلة التي تشملها بعطفها الدائم هي وصغيرها في محاولة نبيلة منها بتعويضها للاسرة التي افتقدتها لتقول بنبرة ممتنة:
-مش عارفة أشكر حضرتك إزاي يا مدام نيللي على اليوم الحلو ده،بصراحة فاجأتيني بحفلة الأوبرا
ابتسمت لتجيبها بحنوٍ ظهر بصوتها:
-إيه متشكرة دي كمان،إنتِ زيك زي لارا ومفيش فرق بينكم
ابتسمت لارا لتقول بنبرة حنون:
-كل سنة وإنتِ طيبة يا إيثو
شكرتها لتقول سالي بنبرة حماسية:
-بعت لك هديتك على البيت يا إيثار علشان صندوق كبير ومكنش ينفع اجيبه معايا هنا
لتهتف لارا بمشاكسة:
-أفتن عليكِ وأقولها على الهدية؟
لتصيح الاخرى محذرة:
-بطلي سخافة يا لارا،أحلى ما في الهدية مفاجأتها
واسترسلت بابتسامة وهي تتطلع على إيثار:
-يارب تعجبك
اثنت عليها قائلة بعرفان للجميع:
-ليه تعبتي نفسك،بجد كتير عليا اللي بتعملوه معايا ده كله
زفر أيمن ليقول بتعنيفًا مفتعل كي يعفي عنها الحرج:
-يادي كتير عليا اللي كل شوية تقوليها دي، وبعدين معاكِ يا بنت، فيه واحدة كل شوية تقول لـ اهلها اللي بتعملوه معايا ده كتير عليا؟!
ابتسمت بإحراج ليقول أحمد بنبرة هادئة:
-إسكتوا بقى علشان العرض هيبدأ
ثم التف يتطلع إلى إيثار وهو يقول بابتسامة هادئة:
-كل سنة وإنتِ طيبة يا إيثار
-وحضرتك طيب يا دكتور...قالتها بسعادة لتنظر أمامها بعدmا خُففت الإضائة إستعدادًا للبدأ، خرجت الفرقة التمثيلية ليبدأ العرض الشهير، عرض "باليه بحيرة البجع"،
انـ.ـد.مجت مع العرض لأبعد حد، فقد كانت الموسيقى رائعة أما الراقصون فكانوا يتحركون بطريقة إستعراضية بمنتهى الحرفية جعلتها تسرح بخيالها وكأنها تحولت لفراشة راقصة، أثناء إنـ.ـد.ماجها تطلعت تتفقد المكان لتجحظ عينيها وتعود لنقطة معينة من جديد،نعم هو هي أكيدة من نظراته المسلطة عليها،الاضواء خافتة لكنها تستطيع تحديد هوية الاشخاص وما جعلها تتأكد هي تحيته حيث مال برأسهِ كـ تحيةً منه قابلتها بتجاهل تام فهي مازالت غاضبة منه برغم مرور الوقت، هز رأسهُ بيأسٍ مع خروج إبتسامة خفيفة على تلك العنيدة،برغم غضبها الذي مازال قائمًا إلا أن قلبها قد خانها وثار عليها منتفضًا لتعلو دقاتهُ وكأنها طبولِ حربٍ،باتت تتطلع على العرض بتمعن لتظهر له عدm إهتمامها بحضوره لكنها لم تستطع الصمود فانهارت قواها الواهية لتتسحب ببصرها كي تسترق النظر لهيأته بعدmا توقعت صرف نظره عنها لكنه باغتها بنظراته المسلطة فوقها وكأنه لم يرى من العرض سواها،خجلت وسحبت عينيها سريعًا وبدأت تلعنُ حالها وغبائها الذي صور لها بأنها أذكى من ذاك الداهي،أتى وقت الإستراحة لتضوي الانوار داخل الساحة من جديد،همس لـ عائلته معتذرًا:
-هروح أسلم على أيمن الأباصيري
نظر والده نحو الإتجاه الذي اشار ناحيته نجله ليهز رأسه بموافقة ويتحرك الاخر بالممر إلا أن وصل لمقصده، كانت تلتزم الصمت التام وجسدها متخشبًا تنظر تحت قدmيها من جراء ما حدث لتنتفض من جديد حين استمعت لصوته يأتي من خلفها، فقد وقف خلفها مباشرةً ليقول بصوتٍ رزين واثق:
-مساء الخير
مساء النور...رددها الجميع ليتحدث إلى أيمن:
-منور الاوبرا يا أيمن بيه
-ده إيه المفاجأة الحلوة دي يا سيادة المستشار...نطقها أيمن ليجيبه فؤاد بلباقة:
-هي مفاجأة حلوة وغير متوقعة
واسترسل وهو يُشير إلى البلكون المتواجد به عائلته:
-أنا كنت قاعد انا والباشا والعيلة ولقيت حضرتك مع عيلتك قولت لازم اجي أسلم
نظر أيمن إلى علام ومال برأسه بتحية ردها الأخر ليُلقي السلام على نيللى وأحمد وأشار بتحية صامتة لـ سالي ولارا وجاء دور سلام تلك التي اشرفت على لفظ أنفاسها الاخيرة من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ليقول بصوتٍ بات هادئًا:
-إزيك يا أستاذة إيثار
-الحمدلله...نطقتها بجمود عكس ما يدور بداخلها من تـ.ـو.تر وارتباك لا تدري سببهما ليلتف إلى أن وقف امامها وبكل بسالة تحدث دون خجل:
-أنا أسف، عارف إن الموضوع عدى عليه وقت طويل، بس أنا مدين ليكِ باعتذار قدام الكل
واستطرد تحت ذهولها وذهول الجميع من موقفه:
-ياريت تقبلي أسفي
إبتلعت لعابها من هيأته التي تنطقُ بالرجولة والبسالة ومازادها تلبكًا هي عينيه التي تشملها وكأنها تحتضنها، بالكاد استطاعت إخراج صوتها لتقول بنبرة تبدو متـ.ـو.ترة:
-حصل خير يا سيادة المستشار...نطقتها بهدوء ليقاطعها معترضًا:
-اللي حصل مكانش خير خالص،أنا فقدت أعصابي في اليوم ده وكان لازم أكون اهدى من كده، بس صدقيني أنا كنت متضايق علشانك مش منك
كانت تستمع إلى كلمـ.ـا.ته الاسفة بصوتهِ الواثق أما عن عيناه فلا تسألني،فقد كانت تفيض حنانًا ممزوجًا بالإعتذار مما أدخلها بحالة لا تحسد عليها،تـ.ـو.ترت لتبتعد بعينيها وهي تقول:
-متشكرة لذوقك
لم تستطع نطق اكثر من كلتا الكلمتان لتضع نيللي كفها على خاصتها وهي تبتسم لها بحنان وسعادة لأجل كرامتها التي رُدت إليها بعدmا سُلبت امامهم
مالت سالي بجانب أذن لارا لتهمس باستغراب يرجع لعدm علمهما بما حدث:
-إنتِ فاهمة حاجة من اللي بتتقال؟!
رفعت الفتاه كتفيها للأعلى وهي تمط شفتاها للامام بعدm معرفة لتسترسل الاخرى بمشاكسة:
-سيبك إنتِ من الحوار ده وخلينا في البرنس اللي واقف قدامنا، بذمتك مش شبه أبطال الأفلام الفرنسية القديمة
سخيفة... نطقتها باستخفاف لترد الاخرى:
-يا بنتي ده قمر، فرصة كبيرة بلاش تضيعيها من إيدك
أما أيمن فتحدث بمشاكسة لمديرة مكتبه:
-أظن دي أحلا هدية إتقدmت لك النهاردة في عيد ميلادك.
-هو عيد ميلادك النهاردة... إجابته بهزت رأس ونظراتٍ خجلة ليسترسل بنبرة هادئة:
-كل سنة وإنتِ طيبة
متشكرة لذوقك...قالتها بصوتٍ خافت لتتحدث نيللي:
-إحنا خارجين النهاردة نحتفل بيها،يعنى كلنا هنا النهاردة على شرف الإستاذة إيثار
-ميرسي بجد يا مدام نيللي، ربنا يخليكم ليا...كلمـ.ـا.ت نطقتها بعيني متأثرة مع إبتسامة جذابة سرقت بها لُب ذاك الواقف يتطلع على حُسنها بإنبهار.
-مش تسلم على لارا بنت الباشمهندس أيمن يا سيادة المستشار...جملة نطقتها سالي لينتبه ويتطلع عليهما لتسترسل بابتسامة هادئة:
-شكلك مكنتش تعرفها
-أهلاً وسهلاً... نطقها وهو يميل برأسه للفتاة برسمية قابلتها الاخرى بابتسامة هادئة وهي تلكز زوجة اخيها بفخدها ليسترسل مستئذنًا:
-العرض دقايق وهيبدأ، أسيبكم تستمتعوا بيه،
واسترسل بلباقة وهو يمرر عينيه على الجميع:
-اتمنى لكم سهرة سعيدة
وتوقف ببصرهِ فوق عينيها ليكمل بابتسامة حنون:
-مرة تانية كل سنة وإنتِ طيبة
أومأت بملامح وجه زادتها كلمـ.ـا.ته العطرة نورًا وابتهاجًا
انسحب عائدًا لمكانه ليبدأ العرض بالمواصلة بعد إنتهاء الإستراحة ليتابعاه كلاهما بقلوبٍ ومشاعر مختلفة عن ذي قبل، فقد بات يتطلع عليها بنظراتٍ أقوى لتسحب هي عنه بصرها بخجل إلى ان انتهى الحفل وذهب الجميع إلى وجهته بعدmا شكرت إيثار عائلة أيمن على هذا اليوم الجميل والمميز، وعاد كلاً منهما يفكر بالأخر وتوقعت أن يهاتفها لكن خاب ظنها.
********
عصر اليوم التالي
كانت تجلس بصحبة عزة والصغير داخل الشرفة يتحدثون سويًا فاستمعوا لرنين جرس الباب لتنهض عزة متجهة صوب الباب وبعد قليل استمعت لصوت تلك المزعجة يناديها فاتجهت للخارج لتجد رجل يحمل إحدى باقات الزهور النادرة، تمعنت بوجه الرجل باستغراب لتهتف عزة قائلة:
-واحد جايب ورد وبيقول علشانك
علشاني أنا!... نطقتها باستغراب ليسألها الرجل باهتمام:
-حضرتك الأستاذة إيثار غانم الجوهري
-أيوا أنا...رد عليها:
-فيه هدية وبوكية ورد علشانك
قطبت جبينها واقبلت عليه تسألهُ:
-مين اللي باعتهم؟
اجابها بعملية:
-معنديش معلومـ.ـا.ت، بس الكارت مكتوب عليه
أخذت الكارت وقرأت ما عليه وكان كالأتي:
-«برغم إنك عملتي معايا اللي مفيش مخلوق في الكون قدر يعمله، ومع ذلك مقدرتش أفوت مناسبة مهمة زي دي، كل سنة وإنتِ طيبة، مع تحياتي، شرشبيل»
إبتسامة عريضة ارتسمت لتُزين ثغرها تحت استغراب عزة التي هزتها لتسألها بفضول:
-مين اللي باعت لك الورد؟
استفاقت من حالة الهيام التي سحبتها كلمـ.ـا.ته داخلها لترد على عزة:
-هقول لك بعدين
تنهدت لتقول للعامل بجدية:
-أنا أسفة لتعبك بس أنا مش هقدر أقبل الهدية، ياريت ترجعها لصاحبها
أجابها بجدية:
-مش هينفع يا افنـ.ـد.م،إحنا مجرد شركة توصيل ملناش علاقة باللي بعت الهدية ولا عندنا أي معلومـ.ـا.ت عنه،يعني لو حضرتك رجعتيني بالاوردر مش هعرف أرجعه لصاحبه
زفرت لتسألهُ بحدة:
-والحل!
رفع الرجل كتفيه للاعلى ليقول بهدوء:
-اتفضلي حضرتك استلمي الاوردر وإبقى رجعيه لصاحبه بنفسك
زفرت بضيق لتقول لعزة:
- خدي منه الحاجة ودخليها جوة يا عزة
قدm لها الوصل لتضع إمضائها عليه ثم ناولته بعض النقود ليرحل لتلج للداخل من جديد لتجد عزة ممسكة بذاك الصندوق الملفوف بشريطًا صغير باللون الاحمر، زفرت بعمق لتسألها عزة مستفسرة:
-مين اللي باعت لك الحاجات دي يا إيثار؟!
اخذت نفسًا عميقًا وأخرجته بهدوء وهي تقول:
-وكيل النيابة اللي كان ماسك قضية كريم الله يرحمه
قطبت الأخرى جبينها وهي تسألها باستغراب:
-ووكيل النيابة يبعت لك هدية بتاع إيه؟!
لتشهق وهي تتحدث وكأنها تذكرت:
-مش ده اللي كان بيكلمك من ييجي تلات أسابيع ساعة ما خدتي التليفون واتسحبتي وكلمتيه من أوضتك؟!
هي إيه الحكاية بالظبط، متفهميني يا بنت عم غانم!.. نطقت كلمـ.ـا.تها الاخيرة بغمزة من عينيها لتزفر الأخرى بضيق وهي تقول:
-هيكون إيه اللي بينه وبيني بعقلك يا ست عزة
واستطردت بألم وهي تتذكر الفارق الإجتماعي الكبير بينهما:
-ده راجـ.ـل مستشار قد الدنيا وأبوه يتعد من أبرز رجـ.ـال الدولة، ده غير عيلته الكبيرة
واسترسلت بصوتٍ مختنق بالدmـ.ـو.ع:
-تفتكري إيه اللي ممكن يجمعه ببنت عم غانم الغلبان
هتفت سريعًا بتفاخر:
-فشر، ده أنتِ ست البنات كلهم،ووكيل النيابة ده لو لف الدنيا كلها لا هيلاقي في عقلك ولا أخلاقك ولا طيبة قلبك
استمعت لصوت رنين هاتفها لينتفض قلبها حين رأت رقمه الخاص لتبتسم تلقائيًا وبلحظة ضغطت زر الإجابة لتستمع لصوته الرجولي المؤثر:
-إزيك
-الحمدلله...سألها بابتسامة هادئة:
-عجبتك الهدية؟
-مشفتهاش علشان احكم...قالتها بهدوء ليسألها مداعبًا إياها:
-معقولة لحد الوقت مافتحتيهاش؟!
انا سبت لك ربع ساعة بحالها وبعدها رنيت
ضيقت بين عينيها لتسألهُ باستغراب وهي تتجه صوب غرفتها لتغلق بابها عليها:
-وإنتَ عرفت منين إن فات ربع ساعة؟!
السؤال ده عيب يتسأل لواحد زيي...نطقها بغرور ليسألها من جديد:
-مقولتليش، مفتحتيش الهدية ليه لحد الوقت؟
-كون إني افتحها معناها إني قبلتها...قالتها بجدية ليسألها باستغراب:
-وليه ترفضيها؟!
وليه اقبلها!... قالتها بثبات فأجابها بنبرة هادئة:
-تقبليها لسببين، أولهم بمناسبة عيد ميلادك، ثانيًا الهدية دي كـ اعتذار مني ليكِ بسبب اللي حصل في الحفلة
اجابته بثبات:
-أنا أسفة في اللي هقوله،بس أنا مفيش بيني وبينك اللي يخليني اقبل هدية منك ده أولاً،ثانيًا اللي حصل في الحفلة مفيش أي حاجة في الدنيا تمحي الالم والإهانة اللي حسيت بيهم وقتها
-على فكرة،إنتِ كمان هنتيني ومش عارف إزاي قبلتها على نفسي واتصلت بيكِ تاني...نطقها مشيرًا لعدm إجابتها على مكالمـ.ـا.ته السابقة ليتابع مسترسلاً:
-أنا مفيش مخلوق على وجه الأرض قدر يعمل معايا اللي إنتِ عملتيه
-وانا عمري ما حد إتكلم معايا بالطريقة البشعة اللي إتكلمت معايا بيها... قالتها باستنكار ليقول سريعًا بمداعبة:
-كده نبقى خالصين ونقطة ومن أول السطر
-بمعنى؟
أجابها بذكاء:
-أقصد إن إحنا الإتنين تجاوزنا في حق بعض، فكده نبقى خالصين
واستطرد بدهاء:
-بس أنا ليا شرط علشان أقدر أتجاوز إهانتك ليا
رفعت حاجبها متعجبة لتسأله ساخرة:
-كمان! وياترى إيه بقى شرط جنابك؟!
إنك تقبلي هديتي...قالها بصوتٍ راجي لتجيبه باحراج:
-معلش تعفيني من الطلب ده لاني حقيقي مش هينفع
عنـ.ـد.ما وجدت منه الصمت استرسلت كي لا يحـ.ـز.ن:
-أنا ممكن أخد الورد وده كفاية جداً بالنسبة لي، بس الهدية أنا أسفة
باغتها بطلبه:
-طب مش تفتحيها وتشوفيها الاول، مش يمكن تعجبك وتحبيها؟!
بنبرة هادئة وواثقة أجابته:
-أيًا كان نوع الهدية فأنا متأكدة إن ذوقها هيكون هايل وراقي،لكن الموضوع بالنسبة لي مسألة مبدأ
سألها باستفسار:
-هو أيمن الاباصيري مجابلكيش هدية؟
أجابته بهدوء:
-جاب لي طبعاً، بس الموضوع هنا مختلف، الباشمهندس أيمن بيعتبرني زي لارا بنته،ده غير إن أنا بردها له في اعياد ميلاده وأي حد من العيلة
-خلاص كده إتحلت... قالها بدهاء لتسأله مستغربة:
-إزاي؟
اجابها:
-ترديها لي في عيد ميلادي
للأسف،مش هقدر...قالتها بحزم ليسألها:
-ليه؟!
-علشان زي ما قولت لك من شوية، مفيش بيني وبينك اللي يخليني اقبل هدية منك...نطقتها بحسم ليقول ما جعل قلبها ينتفض ويثورُ عليها:
-طب ولو قولت لك علشان خاطري، بردوا هترفضي!
أرجوك بلاش تصعبها عليا...نطقتها بصوتٍ راجي ليجيبها بدهاء:
-لو ده هيريحك خلاص، خلينا نتفق على ميعاد ترجعيها لي فيه
قطبت جبينها ليسترسل هو:
-إيه رأيك لو نتعشى مع بعض بكرة،أنا عارف مطعم بيعمل أكل إيطالي تحفة، متأكد إنه هيعجبك
تنهدت بعمق قبل ان تقول له:
-أنا أسفة، بس حقيقي مش هينفع
سأم رفضها المتكرر ليقول متعجبًا:
-طب أعمل إيه تاني علشان أريحك؟
-متعملش حاجة، أنا بكرة هبعتها لحضرتك مع ساعي الشركة لحد مكتبك... قالتها بعد تفكير، ليجيبها بمكر:
-أكيد بتهزري، معقولة هتبعتي لي هدية على مقر النيابة؟!
ليسترسل لإقناعها:
-مقر النيابة ليه قدسيته، ولا إيه يا استاذة؟
-طب هنعمل إيه؟... قالتها بعدmا انتهت حلولها ليجيبها بمراوغة:
-خلينا نتقابل بعد ما تخلصي شعلك قدام كافية لؤلؤة، المكان قريب منك يعني مش هتتأخري
بعد تفكيرٍ دام أكثر من عشرون ثانية أجابته باستسلام:
-أوكِ.
-عندي طلب أخير لو أمكن...قالها برجاء ليستطرد سريعًا:
-ممكن تعتبريه رجاء
اجابتهُ بترقب:
-لو هقدر أعمله أكيد مش هتأخر
-هتقدري لأنه بسيط جدًا...قالها بهدوء ليستطرد بتمني:
-عاوزك تفتحي الهدية وتقولي لي رأيك فيها
وقبل أن تعترض تابع مسترسلاً:
-يهمني جداً إني أعرف رأيك في ذوقي،ياريت مترفضيش
لم تستطع الرفض بعد إلحاحه الشـ.ـديد لتقول له بنبرة مستسلمة:
-حاضر
ابتسم ليقول بمشاكسة:
-يا سلام لما بتبقي مطيعة، بتبقى تجنني
خجلت من كلمـ.ـا.ته لتقول باستئذان:
-أنا مضطرة أقفل،بعد إذنك
-قبل ما تقفلي عاوزة اقول لك على حاجة...نطقها لتستمع بتمعن وهو يقول بنبرة صادقة:
-أنا مستغرب نفسي قوي معاكِ،ت عـ.ـر.في إني عمري ما اتأسفت لحد،مش تكبر ولا غرور أكثر من إنه إنضباط نفسي لأبعد الحدود بيمنعني إني أغلط،ولو فلتت وغلطت مبحبش أعتذر مباشر،ممكن أعمل للشخص اللي غلطت في حقه حاجة توصله لمعنى الإعتذار بس من غير ما انطقها مباشر
أخذ نفسًا عميقًا ليسترسل بنبرة صادقة:
-معاكِ مش بس إعتذرت بالكلام،لا،ده الامر وصل إني ارن عليكِ يومين ورا بعض وسيادتك تطنشيني لا وأرجع أكلمك تاني النهاردة
تنهد قبل أن يقول بما دغدغ مشاعرها:
-معاكِ فؤاد علام بيكـ.ـسر كل قواعده اللي وضعها في التعامل بينه وبين الناس وبقى لي سنين ماشي على نهجها،إنتِ الوحيدة اللي انا سمحت لك بتحطيم أسواري والدخول لأعماقي،إنتِ وبس يا إيثار.
نزلت كلمـ.ـا.ته الصادقة على البريءُ قلبها فزلزلته وضـ.ـر.بت بجميع تحذيراته عرض الحائط،أغمضت عينيها لتسرح بمعاني كلمـ.ـا.ته الرائعة لتنسى وتتناسى معه ما مرت به من عواصف زلزلت بكيانها ومازالت توابعها تلاحقها للأن.
↚
انهت محادثتها معه بقلبٍ منتشي تشعر بعالمها قد تغير وكأن خريفها بلحظة تحول لربيعًا وتفتحت زهورهُ لتُضيء ألوانها الزاهية عالمها،كل هذا بفضل كلمـ.ـا.ته التى حملتها إلى أعناق السماء لتسبح بروحها داخلها، حتى أن قلبها كاد أن ينسى كل مامر به من ألام طيلة الفترة المنصرمة،تشعر لأول مرة مُنذ ما حدث لها بالماضي أنها تريد ترك العنان لقلبها يتحكم بمصيرها وتدع عقلها الذي يؤرق نفسها جانبًا،هرولت إلى المراة لتنظر لإنعكاس صورتها فرأت وجنتيها قد أُلتهبت بنار الهوى وتحول لونهما للأحمر الداكن بفضل حبورها الشـ.ـديد الذي شملها من مجرد بضع كلمـ.ـا.تٍ، فمابالك بنظرة من ساحرتيه أو همسة أماميهما،تنهدت وأخذت نفسًا عميقًا وزفرته في محاولة منها لتهدأ من حالة الوله التي أصابتها،باتت تكرر عملية الشهيق والزفير لتنظيم ضـ.ـر.بات قلبها السريعة ثم خرجت بعدmا هدأت بعض الشيء لتجد عزة تجلس بجوار الفتى يتطلعون على ذاك الصندوق الصغير بفضولٍ ليقول يوسف بصوتٍ حماسي:
-تعالى إفتحي الهدية يا مامي علشان نشوف فيها إيه
حولت بصرها في التو لتلك التي سحبته عنها سريعًا قبل أن ينكشف أمرها بأنها من حرضت الصغير،تنهدت لتقترب منحنية على الصندوق استعدادًا لفتحه ليباغتها سؤال عزة التي قالت بتعجب:
-إنتِ هتاخديها؟!
نظرت لها باستنكار لترد نافية:
-لا طبعاً،انا رفضتها وهرجعها له بكرة
-أُمال بتفتحيها ليه؟!
تنهدت قبل أن تجيبها وهي ترفع كتفيها مدعية اللامبالاة:
-هو طلب مني أشوفها وأقول له رأيي فيها
قطبت عزة جبينها وهي تقول متعجبة:
-امره غريب قوي الجدع ده
فتحت الصندوق لتجد مجـ.ـسمًا صغيرًا لشخصية "شرشبيل"الكرتونية لتضحك بصوتٍ عالِ جعل من عزة ويوسف يهرولان لمكانها ليشاهدا ما يضحكها بهذه الطريقة الهستيرية، أخرجت المجـ.ـسم بيدها بطريقة إستعراضية لتمررهُ أمام أعينهم ليشهق الصغير متمتمًا بذهول:
-شرشبيل الشرير!
أما عزة فلوت فاهها لتقول وهي تضع كفها فوق فكها بتعجب:
-يخيبه راجـ.ـل، هو جايب لك لعبة؟!
لتشب برأسها داخل الصندوق وتصيح وهي تشير بأصبعها بفضول:
-فيه علبة تانية أهي،يظهر فيها حاجة دهب
أعادت إيثار المجـ.ـسم داخل الصندوق ووضعته فوق الطاولة واستقامت بعدmا أخذت العُلبة وبدأت بفتحها لتُذهل من شـ.ـدة ضوء تلك الإسورة المرصعة بالاحجار الألماسية بإطلالة مبهرة تسحر ناظريها،تمعنت بجمال صنعها المُتقن وكأنها صُنعت بمنتهى الحرفية لتبدو قطعة فنية مضيئة مُزينة بفصوص الألماس المتلألئة وكأنها تعزف سيمفونية من الرقي والفخامة لتهتف عزة بعينين مسحورتين:
-إيه الجمال ده كله، دي حلوة قوي يا إيثار
لم تنكر إنجذابها لتلك القطعة النادرة وبرغم هذا الإنبهار إلا أنها مازالت عند قرارها التي اتخذته،الأن وفقط فهمت مغزى إصراره على رؤيتها، كان على يقينٍ بأن هديتهُ نادرة وتُسحر ومن تلك الغـ.ـبـ.ـية التي ترفض هدية بهذه الاناقة وبالتأكيد ثمنها باهظ،استفاقت على صوت التي قالت وهي تشير بكفها أمام عينيها:
-روحتي لحد فين
تنهدت وأعادت غلق العُلبة من جديد لتسألها الاخرى بتعجب:
-مش هتلبسيها علشان تشوفيها على إيدك؟!
أعادت وضعها داخل الصندوق لتقول وهي تجذب كف إبنها لتجلسهُ على ساقيها:
-وألبسها ليه طالما هرجعها؟!
تطلعت لها لتسألها بتشكيك:
-هو أنتِ هترجعيها بجد،دي شكلها غالي قوي
على عجالة نطقت بتأكيد:
-وللسبب ده بالذات لازم ترجع
واسترسلت بنبرة جادة:
-انا مستغربة هو إزاي يجيب لي هدية غالية بالشكل ده وهو ميعرفنيش أصلاً
-مش يمكن بيحاول يتعرف... قالتها بابتسامة خبيثة لترمقها الاخرى بتحذيرًا وهي تنظر للصغير لتجده ممسكًا بالمجـ.ـسم وسارحًا بتفاصيله المتقنة بعدmا أفلت حاله من فوق ساقيها وتوجه صوب الصندوق لتسألهُ هي بابتسامة:
-عجبك يا چو؟
وضعه بداخل الصندوق وتوجه صوبها من جديد وهو يقول بوجهٍ كاشر:
-مش بحب شرشبيل لأنه شرير وبيحارب السنافر
إبتسامة عريضة زينت ثغرها عنـ.ـد.ما تذكرت إمضاء ذاك المخادع بـ "شرشبيل"،تمدد الصغير فوق الاريكة ليضع رأسهُ فوق ساقي غاليته لتعبث بحنان بأناملها الرقيقة داخل خصلاته الناعمة ليتدلل مبتسمًا وهو يضم ساقها بأحضانه بدلال تعبيرًا عن مدى شعوره بالأمان والإرتياح،وقفت عزة لتسألها باهتمام:
-اعمل لك حاجة تشربيها معايا؟
-ياريت فنجان قهوة
أومأت وانسحبت للمطبخ لتنظر هي لصغيرها وباتت تدغدغه بأناملها في بطنه مما جعل صوت قهقهاته تعلو وتصدح بالمكان لتجلجل أركانه تحت ابتهاج روحها
ليلاً،كان يجلس بصحبة عائلته ببهو قصرهم الفخم،الجميع يتبادلون فيما بينهم الأحاديث عدا ذاك الشارد الذهن حيث كان سارحًا في تلك الساحرة التي استطاعت خـ.ـطـ.ـف لُبهُ بجميع تفاصيلها حتي تلك البسمه التي كانت تشع من عينيها وهي تتطلعُ عليه مازالت مرتسمة بذهنه، صوتها الهامس الأشبهُ بسيمفونية رائعة مازال عالقًا يترددُ رنينهُ بأذنيه،جديدة عليه تلك المشاعر التي يحياها لأول مرة حتى مع تلك الخائنة التي غربت شمس سعادته على يدها وتسببت له بجـ.ـر.حٍ غائر بجبين كبريائه كرجل لم يحدث وعاش بحضرتها مثل هذه المشاعر الخصبة،إبتسامة رائعة زينت ثغرهُ دون وعيًا منه كانت كفيلة لسعادة قلب علام الذي نطق لمشاكسته:
-اللي واخد عقل سيادة المستشار
-يتهنى به...قالتها عصمت بمزاحٍ ليرفع حاجبهُ متعجبًا وهو يتحدث لوالداه:
-ده إيه الروقان ده كله، الباشا الكبير والدكتورة بنفسهم بيقسموا عليا
تعالت ضحكات الجميع ليقول ماجد:
-على فكرة يا سيادة المستشار،إنتَ فيك حاجة متغيرة النهاردة
هب واقفًا ليقول وهو يستعد للخروج إلى الحديقة:
-ده الكل مركز معايا بقى، أنا احسن حاجة أطلع أتمشى شوية في الجنينة
-خلي بالك،إنتَ كل مرة تتزنق فيها ومتعرفش تجاوب تهرب... قالتها فريال ليرمقها باستغراب قائلاً:
-كُلي سناكس يا فيري
هزت رأسها وهي تمط شفتاها لإغاظته ليضحك على شقيقته المشاكسة وينسحب للخارج،تحرك إلى أن وصل للحديقة الخلفية وأخرج هاتفة وقبل أن يطلب رقمها لغى خاصية عدm ظهور الرقم ليظهر على شاشة تلك التي كانت تتوسط فراشها وهي تقرأ كتابًا بيدها عن تعديل السلوك الإنساني،لتنتبه على صوت الهاتف وما أن نظرت إلى الشاشة وجدتها مزينة بحروف إسمه،"فؤاد علام زين الدين"فقد ظهر إسمه عن طريق برنامج الـ TrueCaller لتبتسم تلقائيًا وتضغط زر الإجابة لتقول بصوتٍ هاديء كنسيم البحر:
-تنازل كبير من سيادة المستشار إنه يمنحني شرف ظهور رقمه على تليفوني
قابل كلمـ.ـا.تها المشاكسة بقهقهة تفيضُ منها الرجولة لتداعب الفراشات معدتها على الفور مع إرتعاشة لذيذة سرت بجسدها ليتوقف عن قهقهاته ويقول بكبرياءٍ مصطنع:
-أبشري يا أستاذة،إنتِ دخلتي التاريخ من أوسع أبوابه
ابتسمت وهزت رأسها من أفعال ذاك المغرور لترد بعدmا انتوت مشاكسته:
-دخلت التاريخ علشان رقم تليفونك ظهر عندي!
بثقة عالية أجابها:
-آه طبعاً،إنتِ عارفة الرقم اللي سيادتك مستهونة بيه ده كام حد في مصر يتمنى يعرفه؟!
ضحكت بسعادة ليتنهد بعمق ثم زفر بهدوء ليتحكم بحاله بعدmا اذابتهُ برقة ضحكتها،تحمحم ليسألها بترقُب:
-فتحتي الهدية؟
وقبل أن تجيبه شاكسها مسترسلاً:
-أظن أديتك وقت كفاية،كده ملكيش حجة
ابتسمت لتجيبهُ بهدوء:
-شفتها
وإيه رأيك؟...سألها مترقبًا لتجيبه بصوتٍ مبتسم:
-لذيذ شرشبيل
ابتسم بخفوت لتيقنهُ من أن الفكرة ستنال استحسانها ليسألها من جديد:
-طب كويس إن شرشبيل باشا نال الرضا،طب ده بالنسبة لشرشبيل،إيه أخبـ.ـار الهدية التانية معاكِ؟
بهدوء ورزانة اجابته:
-أنا قولت لك من قبل ما اشوفها إنها اكيد هتعجبني،وبالمناسبة، حابة أهنيك على ذوقك المميز
-طب إيه؟...قالها باستفهام لتقابلهُ بابتسامة وهي تقول:
-هو أحنا مش إتفقنا خلاص
ليجيبها سريعًا:
-لسة ما اتفقناش،إحنا قولنا نشوف الهدية الأول وبعدها هنحكم
قالها بصوتٍ حنون وكأنهُ يترجاها مما جعلها تبتلع ريقها تأثرًا وتجيبهُ بنبرة حاسمة خرجت مرتبكة بعض الشيء:
-أنا بالنسبة لي حسمت قراري من وقتها وبلغتك بيه
واسترسلت بصوتٍ راجي أثارهُ:
-أرجوك ما تضغطش عليا
انتعش داخلهُ ولم يدري بما تفعلُ به نبراتِ صوتها الناعمة، كل ما يعلمهُ أنه يشعر بحالة من الإنجذاب القوي لكل ما بتلك المبهرة،نبرات صوتها بكل حالاته،جديتها،نعومتها،حتى بثورتها تثورهُ وتجعله يريد الوقوف أمام طلتها ساعاتٍ وساعات،تجذبهُ نظراتُ عينيها المتنوعة ما بين خجلة وسعيدة وحزينة وحتى الغاضبةِ منها، طلتها، جمالها الساحر برغم هدوئه وبرغم عدm بذلها لمجهودٍ كي يظهر،حقًا أصبح سعيدًا بحضرتها، وضع كفهُ فوق شعر رأسهِ ليسحبهُ للخلف بنعومة وهو يبتسم قائلاً:
-مقدرش أضغط عليكِ يا إيثار،أنا لما فكرت في الهدية كان علشان أسعدك بيها وكانت بمثابة إعتذار مني
-كلامك ليا قدام الباشمهندس وعيلته كان كفيل يمسح أي حـ.ـز.ن حضرتك إتسببت لي فيه... قالتها بكثيرًا من الصدق والعرفان جعل قلبهُ يرتجف فابتسم قائلاً بعدmا انتوى على ان يشاكسها:
-على فكرة،مفيش داعي كل شوية حضرتك وجنابك والكلام الكبير ده،إحنا بنتكلم الوقت كـ أصحاب، يعني زي ما أنا بقول لك إيثار، تقولي لي يا فؤاد
ارتبكت لسرعة وتيرته بتطور العلاقة بينهما لذا تلبكت وهي تقول على عُجالة:
-لا طبعاً مينفعش
-ليه مينفعش؟...نطقها بهدوء لتجيبهُ بجدية:
-علشان حضرتك ليك وضعك ومركزك
-طب ماحضرتك بردوا ليكِ وضعك ومركزك الكبير قوي في عنيا...وإلى هُنا وكفا، فقد إنصهرت مشاعر الفتاة وذابت روحها وانتهى الأمر،فكلمـ.ـا.تُ ذاك الماكر قد أصابت هدفها واخترقت كيان تلك التي كانت تدعي الصمود لتكتشف أنه مجرد صورة واهية إنهارت أمام كلمـ.ـا.ت ذاك الساحر،اتخذت من الصمت ملاذًا فمن أين تأتي بكلمـ.ـا.تٍ وإذا وجدتها كيف تُخرجها وقد إندثر صوتها تحت ما خلفهُ دmار كلمـ.ـا.ته،ابتسم واسترسل ليخرجها من تلك الحالة التي أدخلها بها:
-ت عـ.ـر.في إن إسمك حلو قوي ومميز
واستطرد بما نهى عليها:
-زي كل حاجة فيكِ
أغمضت عينيها وباتت تتنهد وهي تضع كفها على موضع صدرها كي تهدئ من ضـ.ـر.بات القلب التي ثارت وأصبحت كصوت طبول الحرب وكأنها تتمردُ عليها، سألها بنبرة أكثر حِنوًا:
-إنتَ ساكتة ليه يا إيثار، أنا عاوز أسمع صوتك
بصعوبة أخرجت صوتها المرتعش والذي دل على حالتها لتقول:
-هتكلم أقول إيه؟
-أي حاجة منك هتبقى حلوة، وحلوة قوي كمان... قالها بصوتٍ ناعم أقرب لهائمٌ لتبتلع لُعابها وهي تقول متهربة:
-أنا مضطرة أقفل علشان أروح أطمن على يوسف
ابتسم لخجلها الزائد وتحدث كي لا يزيدها عليها:
-أوكِ،إبقى بوسي لي يوسف
نطقها بهيام ارتجف على اثره جـ.ـسدها ليسترسل مذكرًا إياها بجدية:
-آه، متنسيش ميعادنا بكرة،الساعة خمسة مناسب ليكِ؟
نطقت بصوتٍ مازال متأثرًا:
-مناسب جدًا
-إتفقنا،تصبحي على خير...نطقها بصوتٍ ناعم لترد بهدوء:
-وحضرتك من اهله
زام مهمهمًا باعتراض:
-إممممممم،إحنا قولنا إيه؟
إبتسمت لتجيبه:
-وإنتَ من أهله
إيثار... قالها بإحساس لترد متأثرة بعد أن سحبها لدوامة عالمه الساحر:
-نعم
-خليكِ كده دايمًا،لقد خُلقت السعادة من أجل إزدهار روحك وإنارت وجهك، مابالك أنتِ بالحُزن يا فتاة
شعورًا هائلاً بالسعادة إحتل مدينتها لتجيبهُ بصوتٍ يفيضُ فرحًا:
-يظهر إن الباشا ليه في الشعر كمان
-أنا ليا في كل حاجة، محتاج بس اللي يكتشفني...قالها بمشاكسة لتبتسم قائلة بهدوء:
-بعد إذنك.
أغلقت سريعًا لتأخذ نفسًا بعمقٍ وكأنها كانت تكظم أنفاسها،بلا وعيٍ ضمت الهاتف إلى صدرها لتغمض عينيها وهي تُطلق تنهيداتٍ عميقة،شعورًا حُلوًا ولأول مرة تصل إليه وتتعايش داخله، نعم حصلت على بعض المشاعر في بدايات قصتها المأساوية مع المدعو عمرو، لكنها الأن تيقنت أنها لم تكن أكثر من ردة فعل على مشاعره الفياضة تجاهها،لقد احبت حبهُ لها وأثارها إهتمامهُ الزائد وغمرها بحنانه واهتمامه المُبالغ به، لكنه أبدًا لم يكُن عشقًا من النوع المتعارف عليه
أما ذاك الماكر الذي تبسم بـ.ـارتياح بعدmا رفضت وبشـ.ـدة هديتهُ القيمة والتي أختارها بعناية فائقة بحيث تسحر من تراها ومن الوهلة الأولى تتمناها ويصعب على أي أنثى رفضها، لكنها مقابل كل هذا الإغراء رفضتها لتريح قلب ذاك المجروح الذي طُعن بظهرهِ على يد مَن سلمها حياته وكان يغفو بجانبها مطمأنًا، لذا سيكون حذرًا إلى أبعد الحدود مع تلك الـ إيثار وخصوصًا بعدmا استمع إليه من صديقه وكيل النائب العام بشأن أقوال والد طليقها عن إبتزازها لنجله واستغلال الصغير من أجل الحصول على المال مقابل رؤيته،سيضع جميع الإحتمالات ولم ولن يعطي الأمان بسهولة،وضع يديه بداخل بنطالهِ القطني ليفرد قامتهُ لأعلى وبدأ يتنفسُ بانتشاء وهو مغمض العينين والسعادة تغمر وجههُ ليظهر بوسامة أُضيفت لوسامتهِ الطبيعية ليجعلا منهُ اكثر جاذبية ورجولة.
********
صباحًا
داخل منزل "أيمن الاباصيري"وبالتحديد بغرفة الطعام كانوا يصطفون حول المائدة يتناولون وجبة فطارهم الصباحي،لتقول لارا بنبرة هادئة:
-بابي،كنت عاوزة أروح أقعد مع إيثار شوية بالليل،يوسف وحشني قوي ونفسي أشوفه
اشتدت سعادته لرؤية غالية قلبه وهي تطلب الخروج بعدmا حكمت على حالها بالعُزلة منذ ذاك اليوم المشؤوم، ليهتف بنبرة سعيدة:
-روحي يا قلبي،خلي السواق يوصلك الساعة ثمانية،وإن شاء الله في الويك إند هنعزمها هي ويوسف وعزة ييجوا يقضوه معانا،وممكن نعمل بـ.ـاربكيو
-حلو قوي الإقتراح ده يا بابي...نطقتها بانتشاء لينظر لها بسعادة وتتنهد نيللي براحة لتسألها سالي باهتمام:
-إبقي إسأليها على رأيها في الفستان يا لارا،أصلها مكلمتنيش وقالت لي رأيها فيه،وخايفة يكون ذوقي معجبهاش
أمسك أحمد كف زوجته وطبع قُبلة فوقه ليقول مدللاً إياها:
-ذوق مين ده اللي ميعجبهاش،أنا مراتي ذوقها يعجب الباشا
اتسعت ابتسامتها لترد بسعادة:
-ميرسي يا حبيبي
أجابها أيمن بهدوء:
-أكيد إنشغلت لأن كان عندنا شغل كتير متأخر وكان فيه إجتماع مهم جدًا إمبـ.ـارح، هتكلمك النهاردة أكيد
-عادي يا اونكل براحتها،أنا بس إستغربت لأن أي هدية بجيبها لها بتكلمني بعدها على طول وتشكرني...قالتها بهدوء ليقف ايمن بعدmا جفف فمه بالمحرمة الورقية وهو يقول:
-أنا ماشي، عاوزة حاجة يا حبيبتي؟
ميرسي يا حبيبي...نطقتها نيللي براحة ليقف أحمد وهو يقول:
-أنا كمان لازم أتحرك حالاً علشان عندي عملية بدري
هبت سالي من مقعدها لتجاور زوجها الوقوف قائلة باهتمام:
-هوصلك يا حبيبي
قاطعتها نيللي بهدوء:
-إقعدي يا سالي علشان عاوزة أخد رأيك في حاجة مهمة
واستطردت بعدmا وجدت منها نظرات متعجبة:
-أحمد خارج مع بباه فمفيش داعي توصليه
قبل أحمد جبهة زوجته ليتحرك بجانب ابيه تحت تعجب سالي لتقف لارا قائلة:
-أنا هروح أبلغ إيثار في التليفون إني هزورها،وكمان اختار من على أمازون كام هدية ليوسف علشان يلحقوا يوصلوا
ابتسمت لها نيللي لتنسحب الفتاة منطلقة للأعلى لتتطلع نيللي لتلك التي مازالت متسمرة بوقفتها لتشير لها وهي تقول باستغراب:
-مـ.ـا.تقعدي يا سالي
جلست لتسألها بـ.ـارتياب:
-خير يا طنط؟
نظرت لها بحزم لتتحدث بصوتٍ صارم وكأنها تحولت لأخرى:
-ياريت اللي حصل في دار الأوبرا أول إمبـ.ـارح ما يتكررش تاني، لانه لو إتكرر هزعل منك، وانا زعلي وحش وإنتِ لسة مجربتيهوش، واتمنى إنك متجربهوش أبداً
قطبت جبينها متعجبة لهجة نيللي الحادة والتي تراها لأول مرة لتسألها بتوجس:
-حضرتك تقصدي إيه، أنا مش فاهمة حاجة، وإيه اللي أنا عملته زعلك مني بالشكل ده؟!
رفعت رأسها لتتحدث بكبرياء وتعالي:
-غلطة كبيرة قوي منك إنك تعرضي بنت أيمن الاباصيري على المستشار فؤاد علام
ابتلعت لعابها وانتابتها حالة من الخجل من حِدة نيللي لتقول بدفاعٍ عن حالها:
-أنا مقصدتش خالص من تصرفي المعنى اللي وصل لحضرتك يا طنط
-كلامك ملوش تفسير عندي غير كده يا سالي، أنا كنت في منتهى الحرج، الراجـ.ـل يقول علينا إيه؟...قالتها بنبرة غاضبة لتسترسل بتنبيه:
-ثم أنتِ ناسية الحالة النفسية اللي لارا بتمر بيها؟
وإلى هنا قررت مصارحتها لتقول مبررة تفكيرها:
-بصراحة يا طنط انا مش هكذب عليكِ، أنا فعلاً فكرت إننا ممكن نقربهم من بعض علشان لارا تحاول تخرج من اللي هي فيه
واسترسلت وهي تهز كتفها:
-وبعدين أنا شيفاه مناسب جدًا ليها،وكمان هيبقى إضافة لإسم عمو في السوق
هتفت بحدة واعتراض:
-إسم أيمن الأباصيري مش محتاج حد يسنده ده أولاً،ثانيًا لارا لازم اللي يختارها يكون بإرادته ويتعب علشان نوافق عليه كمان، مش إحنا اللي نرمي بنتنا ونعرضها عليه بالشكل المهين اللي عملتيه ده
واستطردت بنبرة جادة:
-وبعدين مناسب لـ لارا من أي إتجاه، ده عمره ضعف عمرها، واصلاً تلاقيه متجوز
بلهفة أجابتها بنفي:
-لا مش متجوز، أنا شفت إيديه الإتنين مفهومش دبلة
قالت نيللي بنبرة حاسمة:
-إنسي الموضوع ده خالص وخرجيه من دmاغك يا سالي، وإوعي تفتحيه قدام لارا،البنت مش ناقصة إنتكاسات في حياتها، كفاية اللي حصل لها من الزفت اللي إسمه بسام
-أنا شايفة إن عامل السن مش مهم، وخصوصًا إنه مش باين عليه خالص بالعكس، ده غير وضع عيلته ومنصب بباه الكبير وكمان ثروتهم... قالتها بمحاولة لإقناع الاخرى لتستطرد بانبهار:
-ده أنا لما سألت عنهم لقيت ثروتهم كبيرة جدًا، يعتبر من أكبر أثرياء البلد
رفعت كفها لتخبرها بما لاحظته بخبرة إكتسبتها عبر سنوات عمرها الطويلة:
-طب ريحي نفسك وبطلي تدعبسي وراه لأن الراجـ.ـل عقله مشغول وشكله كده بيفكر يرتبط
فتحت فاهها لتسألها بفضول:
-يرتبط، حضرتك عرفتي منين؟
اجابتها بذكاء:
-مهو لو سيادتك ركزتي شوية كنتي عرفتي إنه مهتم بـ إيثار ومعجب بيها
فتحت عينيها باتساع وفغر فاهها لتقول بذهول:
-نعم، حضرتك بتقولي إيه يا طنط، فؤاد علام هيبص لواحدة زي إيثار!
نطقتها باستنكار لتجيبها الاخرى باستغراب:
-ومالها إيثار!، إيه اللي ناقصها علشان واحد زي فؤاد يفكر فيه؟
على عجالة تراجعت لعلمها محبة تلك المرأة لهذه الفتاة وما تكنه لها من غلاوة:
-ملهاش،ولعلم حضرتك، أنا بحب إيثار جدًا وبحترم كفاحها،أنا حتى جبت لها هدية عيد ميلادها فستان من نفس الأتيليه اللي بشترى منه لنفسي
واستطردت بأيضاح:
-بس ده إبن علام زين الدين بجلالة قدره، والإسم لوحده يخض، واكيد يوم ما يفكر يختار هيختار إسم عيلة يناسب عيلته قبل أي حاجة تانية
وضعت نيللي كفها فوق فكها وهي تقول بدهاء:
-وتفسري بإيه وقوف إبن علام زين الدين بجلالة قدره وهو واقف قدامنا كلنا وبيعتذر لـ إيثار؟
زاغت عينيها لتقول وهي تمط شفتيها بلامبالاة:
-عادي، إنسان محترم وشكله غلط في حقها وإعتذر لها، الموضوع بسيط ومش محتاج يتفسر بطريقة تانية
ابتسمت نيللي لتسألها من جديد:
-طب ونظرات الإشتياق اللي كانت بتنط من عنيه وهو بيبص عليها، دي عنيه كانت بتمر على كل ملامح وشها وكأنه بيصورها علشان يحتفظ بيها ذكري في دmاغه
باذبهلال نطقت:
-معقولة يكون كلامك صح!
واسترسلت ببعضًا من الكبرياء:
-ده يبقى الزمن جاب أخره على رأي مامي
قالتها بشرود لتتطلع سريعًا إلى نيللي وهي تسألها بتمعن لردها:
-طب تفتكري لو كلامك صح، واحد زي علام زين الدين هيوافق بالمهزلة دي؟
-ده شيء ميخصناش، اللي يخصنا قولتهولك، وياريت دي تكون أخر مرة نتكلم في الموضوع ده، بنتي خط أحمر بالنسبة لك يا سالي...قالتها بلهجة حادة شبه تهديدية لترد الأخرى بخجل:
-اوكِ يا طنط، اوعدك.
********
وقفت أمام خزانة ملابسها كي تنتقي ثوبًا يليق برؤياه،فمنذ مكالمة الأمس وقد تغيرت لتصبح أكثر إهتمامًا بحالها،ابتسمت بحياء حين وقعت عينينها على ثوبًا رقيقًا باللون النبيذي يختلف عن سابقهُ،تذكرت كلمـ.ـا.ته الجريئة عنـ.ـد.ما أخبرها عن طلتها الهائلة وبأن هذا اللون يليق بها وعليها الإكثار من إرتدائه،وضعت يدها تتلمس هذا الثوب وبعد قليل كانت ترتديه وتقف أمام مرأتها تتطلع على الثوب برضا كامل،فقد كان مفصلاً بأناقة من الأعلى حيث ياقتهُ العريضة والمصنوعة بدقة مرورً بتجسيم خصرهِ المحاط بحزامًا باللون الأسود تتوسطهُ حلقة مرصعة بحباتٍ من اللون الأسود لينتهي بذيلٍ واسع ليعطيها مظهرًا خاطف، لفت حجابًا باللون البيچ ليضفي لمسة أنوثة جذابة على مظهرها، ابتسمت وخرجت من غرفتها ممسكة بحقيبة صغيرة وضعت داخلها عُلبة الإسوارة لتشهق عزة من جمالها اللافت وهي تقول:
-بسم الله ماشاء الله،شوفتي،كنتي مخبية الجمال ده كله تحت بدلة الرجـ.ـا.لة اللي لازقة لي فيها
-وبعدين معاكِ يا عزة...نطقتها بجدية وهي تزوغ بعينيها متهربة من تفحص الاخرى لها لتأخذ صغيرها وتهرول للخارج دون أن تتناول فطارها لتنأى من محاصرة عزة لها
أما هو فانتقى أفضل بذلة لديه ووضع عطره المميز ثم مرر يده على ذقنه النابته يتتطلع عليها بتدقيق وكأنهُ ذاهبًا لعرسه وليس مجرد مقابلة.
********
ظهرًا
بمنزل نصر البنهاوي
الجميع يجتمع على الطاولة الممتدة بطول الغرفة بأكملها كي تكفي هذا العدد المهول من الابناء والاحفاد، هتفت إبنة طلعت الصغيرة وهي تسأل جدها ببراءة:
-هو يوسف هييجي يوم الخميس يا جدي؟
استشاط داخلهُ حينما ذكرته الصغيرة بما فعلته إبنة غانم التي أصبح ما يبغض أحدًا بقدر ما يحمل لها من ضغينة داخل قلبهُ المليء بالشر، ليهتف من بين أسنانه متوعدًا بشر ظهر بعينيه:
-يوسف مش هييجي الكام شهر اللي جايين، بس فترة الإنتخابات تعدي وهييجي يعييش معايا على طول
واستطرد وهو ينظر لعين الصغيرة:
-وأمه هتبقى خدامة للكل، مرمطون البيت للصغير فيه قبل الكبير
تبسمت بشمـ.ـا.تة وهي تستمع لما يطرب أذنيها ويبرد نار قلبها الشاعلة تجاه تلك الإيثار، فبرغم انها حصلت على مرادها وتزوجت من عمرو بل وتخلصت من إيثار إلى الأبد، إلا انها مازالت عالقة بذهن ذاك المعتوه بعشقها وتقف حائلاً بينها وبين سعادتها من جميع الجهات،فبرغم ثروة عمرو التي كونها إلا أنه لا يعطيها المال إلا للضرورة القصوى كنوعًا من العقـ.ـا.ب لها كي لا تتنعم وهي التي منعت حبيبتهُ بالتنعم بماله وعزه،وأكثر ما جعلها تحقد عليها هو وقوفها حائلاً بينها وبين الطفل التي تتمناه كي تتملك به وتقف على أرضٍ صلبة في هذا المنزل الذي يحبذ جميع من به الذكور ويفضلوهم على الإناث، والثالث وهذا الاضعف لديها، وهو عزوف عمرو عن الوقوع بعشقها كما فعل مع الاخرى
لتفيق من سعادتها على صوت مروة الشامت وهي تقول بابتسامة لإغاظتها أثناء تطلعها عليها:
-هو عمرو هيرد إيثار بعد الإنتخابات يا عمي؟
برغم كلمـ.ـا.ت والده التي أوقدت بقلبه نارًا مستعرة غيرةً على المرأة التي لم يعشق غيرها بحياته إلا أن كلمـ.ـا.ت مروة نزلت على قلبهِ كـ قطراتٍ من ندى الصباح على الزهور بينما أشعلت النيران بقلب الأخرى حين أجاب نصر ببرود:
-هترجع في نفس اليوم اللي هتظهر فيه النتيجة واخد الكرسي، نصر البنهاوي مبيقولش كلمة إلا لما يكون متأكد منها
رمقته إجلال بابتسامة ساخرة منه ليتحدث حسين لتهدأت الأوضاع قائلاً بصوتٍ يتغلب عليه العقل:
-خلينا نتفاهم معاها بالعقل يا حاج، في النهاية هي أم إبننا ومش عاوزين نخسره، خليني اروح لحد عندها اكلمها وأشوف إيه اللي مزعلها
برعونة هتف ذاك الأبله متناسيًا أمر والده ليقول:
-إيثار مش هتسمع لحد يا حسين،هي غضبانة قوي من الكلام اللي يوسف بلغهولها عن لسان أمك، قالت لي لو حد قرب من الولد تاني هتشتكي علينا في مجلس الطفولة
إحمرت عيني سمية المستعيرة لتهتف بنبرة ساخطة:
- وإنت إيه اللي بيوديك عند العقربة دي تاني؟
لتخرسها لهجة إجلال الغاضبة حيث صاحت وهي ترمقها بنظراتٍ ساخطة:
-إنتِ إتجننتي يا بت، شكلك نسيتي نفسك وأصلك الوا.طـ.ـي وقاعدة تتكلمي وعملالي فيها ست، وفين، على سفرة ستهم... قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة وهي تدق الطاولة بكفها لتهز ما عليها من صحون مما أحدث ضجيجًا أرعـ.ـب الجميع لتبتلع الاخرى ريقها برعـ.ـبٍ لينقذها صياح نصر الذي هتف ناهرًا نجله:
-هي اللي إتجننت بردوا ولا البقف إبنك اللي ناوي على مـ.ـو.تي بجلطة
ليسترسل بتوبيخ:
-إنتَ إيه اللي وداك عندها تاني يا بني أدm، مكفكش اللي حصل المرة اللي فاتت؟!
ولا ناسي إن بنت غانم عاملة لك محضر بعدm التعرض يا بيه؟
ليستطرد صارخًا بندب:
-أنا عارف إن خروجي من المجلس ونهايتي هتكون على أديك
ليكمل على حديثه طلعت الذي استغل الوضع ليثور ويوبخ مدلل أمه:
-هو أنتَ يا ابني ما بتتعلمش، ده انتَ اتحبست وكلت علقة مـ.ـو.ت على إيد شوية بلطجية مايساووش وبرده محرمتش
هتف نصر متسائلاً باستفهام:
-وروحت لها ليه يا خلفة الشوم؟!
-روحت علشان أحاول اتفاهم مع إيثار علشان تخليني أشوف إبني بالنظام اللي ماشيين بيه يا حاج، ولا عاوزني أقف متكتف وأتحرم من إني أخد إبني وانيمه في حـ.ـضـ.ـني زي اي أب... قالها بنبرة متأثرة شقت صدر إجلال لتهتف بصياحٍ كي تطمئن عزيزُ عينيها:
-لا عشت ولا بقيت لو بنت غانم إتحكمت فيك وحرمتك من يوسف
أدارت وجهها لنصر لترمقهُ بنارٍ مستعرة ستحرق الأخضر واليابس:
-ولو سيادة النايب مش عارف يتصرف، أنا اللي هتصرف وهجيب لك إبنك في حُضنك وهرجع لك بنت منيرة زاحفة وأرميها لك تحت رجليك
ابتسم ساخرًا ليقول بتهكم:
-روحي هاتيها للمحروس علشان تبردي نار قلبه وتولعي فينا كلنا
صاحت بصوتٍ أرعـ.ـب الاطفال وعينين تطلق سهامًا لو خرجت لأسقطت الجميع صرعى:
-أُمال عاوزني أشوف بنت منيرة قاعدة تبيع وتشتري فينا وأعمل زيك واقف أتفرج؟
-لو على بنت منيرة كنت فعصتها تحت جذمتي هي وعيلتها كلها، بس الخوف من الشوشرة اللي هيعملوها الكبرات اللي البت بتتحامي فيهم... قال كلمـ.ـا.ته بإبانة ليسترسل بحدة:
-والكلام ده قولته قبل كده ييجي خمسين مرة، كبري دmاغك بقي وإهدي لحد ما اظبط دنيتي
لوت فاهها بتهكم ليصمت الجميع أمام جبروت تلك المتسلطة التي لم يستطيع أحدًا مجابهتها حتى نصر بذاته
********
إنتهت من ساعات الدوام الرسمية لتلج إلى الحمام الخاص بها داخل العمل واعادت ظبط حجابها والتأكد من كامل هيأتها وبعد مدة كانت تستقل سيارتها متجهة للعنوان الذي اتفق معها على أن يلتقيا أمامهُ،نظرت على الحقيبة الموضوعة بالمقعد المجاور وابتسمت لتعود بنظرها لمتابعة الطريق،إنتابها بعض الإرتياب والتلبك حين شارفت على الوصول للمكان، لكنها تنفست بعمق لطرد ذاك الشعور السلبي كي تقوي حالها بتلك الكلمـ.ـا.ت:
-ما بكِ إيثار، لما كل هذا الإرتياب،الامر بسيط ولا يحتاج لكل هذا التعقيد،ستلتقين به وتسلمينه هديتهُ وأنتهى الامر، إهدأي يا فتاة
بالكاد انتهت من حديثها مع النفس،لتجد نفسها أمام المكان،صفت سيارتها وحملت حقيبة الهدية وما أن ترجلت حتى تفاجأت به يترجل من سيارته الفخمة ويغلق بابها،وما أن اعتدل لينظر عليها حتى تسمر كلاهما
هي: تسمرت بوقوفها وباتت تتطلع على هيأته الرجولية بأنفاسٍ متقطعة، فقد كان وسيمًا للغاية ببذلته ونظارته الشمسية التي ضاعفت وسامتهُ
هو: إنبهر بسحرها وجمالها المضاعف وشعر بقلبهُ يتراقص حينما رأها باللون الذي أخبرها سابقًا بأنهُ عشقهُ عليها،إذًا فقد إرتدته خصيصًا لأجل إرضائه، هكذا حدثتهُ نفسه ليشعر بتفاخر مضاعف، إقترب عليها كالمسحور ليخرج صوتهُ قائلاً بعذوبة أذابتها:
-إيثار؟
نطقها بمشاكسة لتبتسم وتجيبه بمراوغة:
-بيقولوا
ابتسم ونظر لها كالمسحور ليبتلع لعابه وهو ينطق بكلمـ.ـا.تٍ أشعلت كامل حواسها:
-إنتِ حلوة قوي النهاردة
اشتعلت وجنتيها خجلاً لكلمـ.ـا.تهِ الصريحة ليسترسل بلباقة:
-ده ميمنعش إنك حلوة على طول، بس النهاردة جمالك زايد،مميز شويتين
تطلعت إليه لتقول بإبتسامة:
-متشكرة
واستطردت وهي تناولهُ هديته قائلة باحترام:
-ميرسي بجد على ذوقك وأسفة مرة تانية
مش هتراجعي نفسك...قالها برجاء مفتعل ليتابع:
-ده أنا منقيها على ذوقي وأول ما شفتها حسيت إنها إتعملت لك مخصوص.
تطلعت بعينيه وهي تقول بلوْمٍ ممتزج برجاء:
- وبعدين، هنفضل نعيد في نفس الكلام كتير، انا بزهق بسرعة
ابتسم ليمد يده متناولاً منها الهدية وهو يقول:
-لا وعلى إيه
تنهدت لتقول بنبرة تحمل الكثير من الإمتنان والإحترام:
-متشكرة بجد على اللفتة الجميلة، وارجو إنك تكون مقدر موقفي
اخذ نفسًا عميقًا ليقول اسفًا:
-مع إني كنت اتمنى تقبليها، لكن اهم حاجة إنك تكوني مرتاحة
هتفت بنبرة حماسية:
-قبل ما انسى،أنا احتفظت بشرشبيل
-كنت متأكد... قالها بابتسامة جذابة
تأسفت بعينيها مرةً أخرى ليسود الصمت لعدة ثواني لتقطعة قائلة:
-طيب، بعد إذنك وفرصة سعيدة
انتفض حين وجدها تستعد للرحيل لينطق سريعًا وهو يشير إلى الكافية:
-خلينا نشرب فنجانين قهوة مع بعض
مالت برأسها للجانب الأيمن وقبل أن تعترض باغتها بعينية المترجية:
-يعني مش كفاية رجعتي لي الهدية،كمان هتكسفيني وترفضي عزومتي على فنجان قهوة؟
تطلعت إليه بكثيرًا من الحيرة والتردُد ليسترسل مستغلاً ترددها:
-علشان خاطري
قالها بعينين تفيض من الحنان والهيام ما جعلها تهز رأسها بطاعة عمياء وكأنها منساقة، اشتدت سعادته ليقترب من سيارته ليضع بداخلها الهدية ويستقيم مشيرًا لها لتتقدmهُ، وصلا للداخل وقادهما المسؤل عن تنظيم المكان لطاولتهما فاقترب على المقعد وقام بسحبهِ لها في حركة أثبتت مدى رُقيه وتحضرهُ، جلست ومال عليها ليعدل لها المقعد وأثناء إنحنائه وصلهُ رائحة عطرها الهاديء ليُسطلهُ،أخذ نفسًا بعميقٍ شـ.ـديد ليحتفظ داخل رأتيه بأكبر كمية من رائحتها المُسكرة ثم اعتدل من جديد ليلف حول الطاولة متخذًا مقعده
أتى إليهما النادل ليسألهما فاختارت قهوة ليسألها هو باهتمام:
-تاخدي حاجة حلوة مع القهوة؟
-لا متشكرة... نطقتها بتـ.ـو.تر ليسألها باهتمام:
-أنا هاخد قهوتي مع قطعة تشيز كيك بطعم التوت،إيه رأيك أطلب لك معايا؟
قالها بنبرة حنون لتهز رأسها بإيجاب سريع أظهر كم إرتباكها ليُملي هو على النادل قائمة إختيارهما وينصرف،تنفس كي يضبط نبضات قلبه المتدافعة ليباغتها بكلمـ.ـا.تهِ الراقية:
-شكلك حلو قوي النهاردة،مميزة
إبتسمت بخجل دون أن تجيبه ليسترسل بمداعبة:
-قولت لك قبل كده أنا إن النبيتي حلو عليكِ.
تهـ.ـر.بت بعينيها وباتت تفرك أصابع كفيها ببعضيهما بتـ.ـو.تر ظهر بَين على ملامحها ليضحك وهو يسألها:
-مالك، إهدي شوية
تلفتت من حولها وهي تقول:
-دي أول مرة أقعد فيها مع حد لوحدنا وخايفة حد يشوفني
-هو أنتِ دايمًا خايفة كده...قالها باستغراب لتأخذ نفسًا بعمقٍ يدل على مدى ما بداخل قلبها وهي تقول بتأثر:
-أنا عُمري ما خفت على نفسي، كل خوفي دايمًا على يوسف
تبسم ليقول بعينين تلتمعان بمزيجًا من الإعجاب والإنبهار:
-ت عـ.ـر.في إن يوسف محظوظ قوي، عنده أم قلبها مليان بحبه
-أنا اللي محظوظة بيه،يوسف ده أحلا حاجة حصلت لي في حياتي،ألطف ولد ممكن تشوفه...قالت كلمـ.ـا.تها بعينين سعيدتين لتسترسل سريعًا:
-مبقولش كده علشان هو إبني على فكرة
جاء النادل وأنزل ما بيده ليبدأَ بتناول الحلوى مع إرتشافهما للقهوة ذات المذاق الممتع
إبتسم سعيدًا بالحديث معها ليباغتها بسؤالهُ المتشوق لمعرفة المزيد عن تفاصيل حياتها:
-هو إنتِ منفصلة بالسكن عن أهلك ليه؟
امتعضت ملامحها ليشعر بها سريعًا ويقول مفسرًا سبب سؤاله:
-أصل لاحظت وانا بكلمك فون إن دايمًا يوسف هو اللي حواليكِ والمربية بتاعته
ضيق عينيه ليسترسل متسائلاً كي يشتت تركيزها ليبعدها عن سؤالهُ بعدmا تيقن من عدm إرتياحها لدخوله بتلك المنطقة:
-إسمها عزة، صح؟
ابتسمت لتذكره وهي تسألهُ بسعادة:
-إنتَ لسه فاكر إسمها، مع إني على ما أتذكر قولته قدامك مرة واحدة!
تعمق بعينيها لينطق بنظرات تقول من حديث العشق ما لم ينطقه اللسان:
-أي تفصيلة تخصك مهما كانت صغيرة بتتحفر في عقلي
هامت عينيها بنظراته لتنزل كلمـ.ـا.تهُ على قلبها كـ غيثٍ هطل على أرضٍ تشققت من جراء الجفاف الملازم لها منذ سنواتٍ لترتوي وتنهي عطش السنين، لتشق الزهور طريقها وتخرج ومن جديدٍ تزدهر،تمادى بكلمـ.ـا.ته الساحرة حيث أخبرها بأكثر جُرأة:
-ت عـ.ـر.في إن عيونك حلوين قوي
خجلت كثيرًا ليقول مسترسلاً بنبرة متأثرة بسحرها:
-ليهم سحر بيجذبني وكل ما أدقق النظر فيهم بحس إني عاوز أتعمق وأسيب نفسي أغرق فيهم أكتر وأكتر
مجاملة لطيفة منك...قالتها بهدوء ليقاطعها مذكرًا إياها:
-قولت لك قبل كده مليش في المجاملات ولا بحبها
-فؤاد علام لسانه مبينطقش غير باللي بيحسه...نطقها بقوة لتسألهُ بجراءة كي تستشف من عينيه ماذا يريد منها:
-وإيه بقى اللي حاسه فؤاد علام؟!
-إنك إتخلقتي في الدنيا دي علشاني...كلمـ.ـا.ت نارية صادقة نطق بها بكل ثقة وعينين تترقبان ردة فعلها،إرتجافة قوية أُصيب بها جـ.ـسدها وكأن صاعقة كهربائية صدmته،تعمقت بعينيه لترى نورًا ساطعًا كسطوع الشمس يسحبها لداخله وكأن به الخلاص، خلاصها الذي سينتشلها من حالة التخبط والضياع التي تحياها وصغيرها،سرحت بعينيه لترى طريقًا مرسومًا ومزينًا بالعشق ينتظرها،لتستفيق على صوتهِ الجذاب وهو يسألها بابتسامة ساحرة:
-سرحتي لحد فين؟
تنهدت لتبتسم له وهي تقول بعدmا عقدت النية على العودة إلى أرض الواقع من جديد، فليس للأحلام مكانًا بدنياها المظلمة:
-أنا فعلاً سرحت، بس رجعت تاني للواقع، أصلي مبحبش الأحلام
نطقتها بلامبالاة لتسترسل بقوة وذات مغزى:
-أصلها بتعيشك حالة حلوة قوي لحد ما تصدق نفسك وتفرح وتبني قصور في الهوا،وبعدها تصحى على كابوس عمرك اللي بيفضل مكمل معاك وطابق على نفسك، ويا تخلص منه، يا يخلص هو عليك
تعمق بعينيها ليقول بثقة وقوة:
-معايا الأحلام بتتحول لحقيقة،الكوابيس ملهاش وجود في حياتي
تطلعت عليه لتسألهُ بحيرة:
-إنتَ عاوز مني إيه بالظبط؟
أجابها بصلابة متعمقًا بعينيها كي يصل لأعماقها:
-عاوز أوصل لأحلامك علشان أحققها لك وأخليكِ تعيشي معايا فيها على أرض واقعنا
يعني إيه؟!... نطقتها بحيرة ليجيبها بثقة:
-خلي كل حاجة لوقتها،بلاش نتسرع ونتخطى خطوات كبيرة،المتعة الحقيقية دايمًا بتكون في الرحلة مش في الوصول.
فهمتيني يا إيثار؟...نطقها ببحة متأثرًا بشعاع عينيها لتهز رأسها بإيجاب بعدmا وصلها معزى كلمـ.ـا.ته.
إنتهى الفصل
↚
عادت من موعدها بقلبٍ يهيمً عِشقًا وعقلاً يُجنب كل مخاوفهُ لينقاد مستسلمًا لحكم الهوى ورغبة الفؤادِ،تاركًا زمام أمورهُ لذاك القلب الذي فلت لجامعه وانطلق لعنان السماء ليسبح ويمرح متغاضيًا عن كل ما قد يؤرق عليه حياته ويفسد سعادته،ولجت لداخل الحمام بعد أن قررت الحصول على قسطًا من الإستجمام،اتجهت نحو حوض الإستحمام حيث ملئته بالماء الدافىء وسكبت بداخلهُ بعضًا من سائل الصابون وبعض أوراق الزهور ومزيجًا من بعض الزيوت العطرية لتغمر جسدها وتغمض عينيها لتدخل بحالة لذيذة من الإسترخاء،كانت تتنفسُ بهدوء وبسمة حالمة لم تفارق شفتيها وهي تسترجع مقابلتها معه بالكامل، نظراته الساحرة التي جعلت منها أسيرةً، ناهيك عن كلمـ.ـا.تهِ الفاتنة التي استحوذ من خلالها على جميع حواسها وسحبها معه لعالمه المُبهر،ظلت على وضعها لفترة طويلة حتى شعرت بالإسترخاء التام لتخرج مرتدية ثياب الحمام وتتجه نحو خزانة الملابس لتنتقي ثوبًا هادئًا وترتدية، تحركت للمطبخ لتتأكد من أن عزة قامت بتجهيز الاصناف التي طلبتها منها لارا لحضور العشاء معهم
بعد قليل كانت تقوم بوضع الصحون الفارغة فوق الطاولة لتجهيزها لحين وصول تلك الجميلة
صدح رنين جرس الباب ليهرول الصغير إستعدادًا لفتحه قبل أن تتبعه عزة التي استبقت خطواته لتنظر من فتحة الباب السحرية قبل أن تبتسم وتُشرع بفتح الباب بعد ان إطمأنت،ابتسمت لارا ليصـ.ـر.خ الصغير باسمها وهو يهرول ليرتمي بداخل أحضـ.ـانها مرددًا إسمها بسعادة قابلتها هي بكثيرًا من الحبور وهي تحمله وتلج به للداخل:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا چو
-إنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و كتير يا لارا... نطقها ببرائة لتنظر للسائق الذي يحمل الكثير من حقائب الهدايا وهي تقول:
-إدي الشُنط لعزة واستناني في العربية يا عم عيد،
لتستطرد بعد تفكير:
-ولا اقول لك، روح بيتك اتعشى مع أولادك ولما أخلص هتصل بيك
-حاضر يا هانم... نطقها الرجل بطاعة ليناول ما بيده إلى عزة التي وضعتهم فوق طاولة جانبية وانسحبت خلفه لكي تغلق الباب
خرجت إيثار للترحيب الحار بضيفتها الجميلة ليدخلا لغرفة الطعام مباشرةً لتتطلع لارا للاطعمة المتواجدة فوق الطاولة وهي تقول بصوتٍ حماسي:
-كل الاكل الحلو ده علشاني؟
-وإحنا في ده اليوم اللي ست البنات تيجي تتعشى عندنا...كلمـ.ـا.ت ترحيبية نطقتها عزة بسعادة لتكمل إيثار على حديثها:
-عملنا لك كل الأكل اللي بتحبيه، يارب بس يعجبك
نطقت وهي تسحب المقعد لتجلس إستعدادًا للبدأ بالطعام:
-أكيد يا قلبي هيعجبني، ده كفاية إنه من صُنع إديكي إنتِ وعزة
التف الجميع حول الطاولة وشرعوا بتناول الطعام لتهز لارا رأسها وتقول باستمتاع وهي مغمضة العينين ويبدوا على وجهها التلذذ بمذاق الطعام:
-يا جمال وطعامة ولذاذة الرُقاق
هتفت عزة بإيضاح:
-ده عمايل إيثار، دوقي بقى الفتة السوري وقولي لي رأيك فيها علشان أنا اللي عملاها
ابتسمت الفتاة لتجيبها بحديثٍ لين لقلبٍ رقيقًا هين:
-أكيد روعة، كل حاجة بتعمليها تجنن يا عزة
-ربنا يكرمك يا بنت الأصول... هتفت لارا بحماس وهي تنظر للصغير:
-أنا جبت لك هدايا تجنن، هنلعب بيها مع بعض بعد العشا يا چو
اشتدت سعادة الصغير لتسترسل الفتاة وهي تنظر إلى عزة:
-وجبت لك إنتِ كمان هدية يا عزة، يارب تعجبك
مغلبة نفسك ليه بس يا بنتي...قالتها بعينين شاكرتين لتسترسل بامتنان وهي تتطلع إلى إيثار:
-دي إيثار الله يكرمها مش مخلياني محتاجة لحاجة
مطت شفتاها للأمام مدعية الحـ.ـز.ن لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ لائمة:
-طب هو أنا مش زي إيثار ولا إيه يا ست عزة، ولا هتخليني أزعل منك.
ابتسمت لها وأجابتها بصدقٍ:
-ربنا يعلم معزتك في قلبي
تابعوا تناول طعامهم وسط أحاديثًا شيقة دارت بين الجميع، بعد قليل انتقلوا إلى البهو جلست إيثار فوق الاريكة بينما تجلس الفتاة أرضًا بجانب الصغير وهما يحاولان تركيب قطع القطار اللُعبة ليصفقا معاً بعدmا نجحا بمهمتهما واشتغل القطار لتنتقل هي بجانب إيثار تاركة الصغير الذي تابع اللهو بالقطار
وضعت كف يدها تحتوي به خاصتها لتتحدث بامتنان:
-مش عارفة أشكرك إزاي يا لارا على اهتمامك بيوسف، الولد بيحبك جدًا وبيفرح قوي لما بيشوفك
-أنا كمان مـ.ـا.تتصوريش سعادتي لما بقعد والعب معاه... واسترسلت بضحكاتٍ ساخرة من حالها:
-أنا بحس إني رجعت بنت صغيرة لما بكون معاه
ابتسمت إيثار لتتحمحم الفتاة قائلة بعيونٍ زائغة:
-عاوزة أحكي لك على حاجة حصلت
-قولي يا قلبي...تنهدت الفتاة لتقول بعينين حائرة وارتيابٍ ظهر فوق ملامحها البريئة:
-وليد رجع يكلمني تاني وعاوزنا نرجع لبعض،تخيلي يا إيثار، بيقولي إنه مش قادر ينساني حتى بعد الكلام الصعب اللي قولته له اخر مرة
تنهدت براحة لتجيبها بنبرة عاقلة:
-وده يثبت كلامي عنه ونظرتي فيه، وليد بيحبك بجد يا لارا، اتحملك واتحمل عصبيتك وحالتك النفسية بعض مـ.ـو.ت بسام
صمتت لتسترسل بأسى:
-ده أنتِ اتهمتيه بإنه السبب في مـ.ـوت بسام؟
بشعورًا مؤلم تحدثت الفتاة بما يؤرق نفسها:
-أنا محتارة يا إيثار ومش عارفة اعمل إيه،مكذبش عليكي،من ساعة ما كلمني وأنا فرحانة قوي وسعيدة إنه لسة مستنيني ومرتبطش لحد الوقت، بس في نفس الوقت خايفة، شعور إن وجوده في حياتي وحبي ليه هو اللي جنن بسام وخلاه يتصرف بالطريقة دي مش بيفارقني، خايفة ارجع له وبعدين أفشل ومقدرش أتخلص من الاحساس بالذنب المشترك بينا بقتـ.ـل بسام،خايفة من الفشل يا إيثار
زفرت إيثار لتجيبها بنبرة حاسمة:
-هرجع وأقول لك إنك لازم تروحي للدكتور النفسي وتتابعي معاه علشان تتخلصي من عقدة الذنب اللي ملازماكي طول الوقت، واللي ملهاش اساس من الصحة أصلاً
استدارت لتمسك كفيها وهي تقول بنبرة حنون:
-إنسي اللي حصل وحاولي تعيشي حياتك مع الإنسان اللي بيحبك وشاريكِ
أخذت نفسًا عميقًا لتقول بعد حسم قرارها:
-خلاص يا أيثار،أنا هخلي أحمد ياخد لي ميعاد مع الدكتور اللي عنده في المستشفى
باغتتها الاخرى بإصرار:
-وتكلمي وليد وتقولي له إنك موافقة ترجعي له ،بس بشرط يتقدm لك رسمي زي ما طلب منك قبل الحادثة
ابتسمت بخجل ليهتف الصغير بسعادة:
- يلا يا لارا علشان نلعب
ضحكت لارا لتهبط سريعًا تنضم لذاك البرئ لتشاركه اللعب
********
باليوم التالي، في تمام الساعة الثانية ظهرًا،كانت منـ.ـد.مجة بالعمل على جهاز الحاسوب تنظر بتمعن شـ.ـديد على شاشتهُ من خلال نظارتها الطبية بينما تتحرك أناملها فوق لوحة الكتابة بسلاسة وطـ.ـلا.قة،قطع إنـ.ـد.ماجها صوت رنين هاتفها الجوال لتتوقف وتنظر عليه وبلحظة اعتلت إبتسامتها ثغرها ليُضيء وجهها تلقائيًا حين وجدت نقش حروف اسمه التي زينت الشاشة لتحول من قلبها الهادئ لمتراقص،خلعت عنها النظارة ثم أمسكت الهاتف لترد بصوتٍ بذلت قصارى جهدها ليبدوا هادئ:
-ألو
-هتصدقيني لو قولت لك إن دي أرق ألو سمعتها في كل حياتي...نطقها بصوتٍ يفيضُ رجولة لتبتسم قائلة بعدmا أرادت مشاكستهُ:
-وبعدين معاك يا سيادة المستشار،بالراحة عليا أنا مش قدك
بصوتٍ صادق أجابها:
-ده سيادة المستشار هو اللي طلع غلبان ومش قدك
ليسترسل مخبرًا إياها بملاطفة:
-بقى أنا افضل طول الليل سهران علشان طيف عيون سيادتك ملازمني ومش سايبني في حالي، ولما بصعوبة أنام الساعة تلاتة الفجر ألاقيكِ جاية لي كمان في أحلامي
ابتسمت بسعادة ليتابع باستنكار مصطنع:
-لا واللي أفظع من كده إني ولأول مرة في حياتي من ساعة ما اتعينت في النيابة أعمل مكالمة شخصية من مكتبي،علشان تتأكدي إنك قدرتي تسيطري على كل جوارح فؤاد علام وتخليه يكـ.ـسر ويخالف ثوابت حياته،مش عارف هتوصليني معاكِ لحد فين؟
تنهد وبدأ بلف مقعدهِ يمينًا ويسارًا باسترخاء ليتابع مستطردًا بنبرة رجل يذوبُ عشقًا:
-غيرتيني قوي يا إيثار، غيرتيني لدرجة تخوف
-بقي إيثار المسكينة عملت كل ده في فؤاد علام؟!... نطقتها بدلال جعل من قلبهِ هائجًا متوهجًا ليرد عليها بمراوغة:
-والله ماحد طلع مسكين غير فؤاد علام
ابتسمت وتحمحمت قبل أن تقول باستئذان متهربة من كلمـ.ـا.ته التي تسحبها لعالم مليء بالحالمية وليس هذا بالمكان المناسب لتلك المحادثات:
-لو قولت لك إني مضطرة أقفل تزعل مني؟
-مقدرش أزعل منك...قالها بصوتٍ حنون ليتابع مفسرًا موقفه:
-أنا أسف بجد، أنا كنت مكلمك علشان أشتكي لك من طيف عيونك اللي عـ.ـذ.بني معاه طول الليل، وكنت مقرر أقفل بسرعة علشان معطلكيش عن شغلك
واستطرد بصوتٍ متأثر:
-بس كعادتي معاكِ،الكلام مبيخلصش وجملة بتجر جملة وموضوع بيجيب موضع وبنسى الوقت وياكِ.
-إيثار...نطقها حين طال صمتها كي يطمئن عليها ولكن،إين هي إيثار، لقد ذابت الفتاة كقطعة شيكولاتة وقعت بكوبٍ من الحليب الساخن لتنصهر وتذوب في الحال،انتبهت فور نطقهِ لاسمها لتقول ببحة مؤثرة بصوتها:
-نعم
-عنيكِ حلوة قوي...قالها قاصدًا وهو يبتسم بخبث بعدmا تيقن من إنصهار مشاعرها من أثر كلمـ.ـا.ته الساحرة ليتابع مسترسلاً بعدmا قرر أن يرأف بحالتها:
-انا هقفل علشان تشوفي شغلك، وهكلمك على الساعة عشرة بالليل
وافقته فأنهى المكالمة لتتنفس بعمقٍ وباتت تتفقد حرارة وجنتيها التي توهجت جراء كلمـ.ـا.ته التي نقلتها لعنان السماء
بينما وقف هو ليتحرك حتى وصل لنافذة مكتبه الزجاجية ووقف يتطلع للبعيد بعينين لامعتين بوميض الهوى،انتشى داخلهُ وبلحظة تعجب وبات يلوم حاله،كيف سمح لعقله الواعي بالإنجراف كالمغيب خلف مشاعرهُ الهوجاء،مازالت مخاوفه من تكرار الماضي تلاحقه برغم محاولاته بالمضي قدmًا،بالنهاية قد وقع صريعًا لعيناها لكنه سيوازن اموره بالتأكيد ولن يسمح لأخطاء الماضي بأن تتكرر.
********
داخل الحديثة الخاصة بمنزل نصر البنهاوي
تتجاورتان سمية وياسمين الجلوس لتنطق الاولى بنبرة بائسة وقد اكتسى وجهها بالحـ.ـز.ن واليأس:
-أنا تعبت يا ياسمين ومبقتش عارفة أعمل إيه،كل يوم بيعدي وبيقربنا من الإنتخابات بحس إن روحي بتتسحب مني، مصيري بقى متعلق بالإنتخابات ونهاية حياتي مع عمرو بتقرب
وعلى حين غرة التفتت إليها لتهتف بنبرة حاقدة:
-ده أصلاً مش طايقني لا أنا ولا البنت لوحده، تخيلي بقى لما اللي إسمها إيثار دي ترجع هيعمل فينا إيه، ده الواد لما بييجي بينسيه الدنيا وما فيها، أمال لما هي بنفسها تيجي هيعمل معاها إيه؟
تنهدت لتجيبها بما يطمئن قلبها:
-إوعي تكوني فاكرة إنها لما هترجع البيت هتتعامل زي قبل الطـ.ـلا.ق، إيثار قيامتها هتقوم بمجرد رجوعها للبيت ده تاني، وحب عمرو وجنونه بيها مش هيشفع لها عند ستهم اللي خلاص حطيتها في دmاغها وناوية تطلع القديم والجديد كله على جتتها
لتسترسل بشفقة ظهرت فوق ملامحها:
-طب تصدقي باللي خلقك،رغم إن إبن إيثار بينغص عليا حياتي كل ما ييجي هنا،إلا إنها صعبانة عليا قوي،دي هتشوف أيام أسود من قرن الخروب وبكرة تقولي ياسمين قالت
رفعت كفيها وهي تنظر للسماء وتنطق بكلمـ.ـا.تٍ تقطر حقدًا وغلًا:
-إلهي ما تشوف غير الهم والحـ.ـز.ن في حياتها إيثار بنت منيرة،ربنا ينتقم منها بحق الظلم اللي شفته من جوزي أنا وبنتي بسببها
انتفضت كلتاهما على صوت مروة التي باغتتهما وهي تهتف من خلفهما:
-يخربيتك ولية بجحة عديمة الحيا،إنتَ مصدقة نفسك وعاملة فيها مظلومة يا عقربة، بقى إيثار هي اللي ظلمتك يا عِرة النسـ.ـوان؟!
واسترسلت بنظراتٍ مذهولة:
-أمال لو مكناش قافشينـ.ـك مع جوزها وفي قلب فرشتها،صحيح اللي اختشوا مـ.ـا.توا
قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة وهي ترمقها بازدراء لتهب الأخرى من مكانها هاتفة وهي تلوح بأصبع كفها بنظراتٍ كارهة:
-ت عـ.ـر.في إيه أكتر حاجة حارقة دmي يا مروة، إني مش قادرة أمد إيدي عليكِ علشان ستهم مش هتسكت،لولا كده كنت جبتك من شعرك وحطيتك تحت رجليا وعرفتك مقامك صح
-لو بنت رجـ.ـا.لة بصحيح إعمليها،ومش هقول لك ستهم هتعمل فيكِ إيه، لا...نطقت كلمـ.ـا.تها باستفزاز لتسترسل بكبرياء بعدmا رفعت قامتها لأعلى:
-أهلي هما اللي هيمحوكِ إنتِ والعرة أبوكِ اللي عرف بفضـ.ـيحة بنته واتكتم علشان فلوس ونفوذ نصر البنهاوي، ولا إنتِ نسيتي أنا بنت مين، وإن عيلتي تاني أكبر عيلة في البلد بعد البنهاوية
ارتسمت ابتسامة ساخرة فوق ثغرها لتسترسل بإهانة:
-ولا أنتِ فاكرة الناس كلها واقعة وملهاش أصل زيك
وصل داخلها لحد الاشتعال لتهرول مسرعة للداخل لعدm وجود كلمـ.ـا.تٍ تجابه بها تلك التي انطلقت بوجهها كمدفعية ألقت بقذائفها القوية بوجهها، أطلقت ياسمين ضحكة عالية لتنطق باستحسان وهي تنظر لتلك الواقفة تتطلع على تلك البغيضة وهي تهرب للداخل بابتسامة نصر:
-جدعة يا بت يا مروة، نسفتي جبهتها وجبتيها الارض
التفت لها لترمقها بنظراتٍ قوية وهي تهتف بغضب:
-ولما أنتِ شمتانة فيها كده قاعدة تسمعي لها وتشجعيها على كلامها الفارغ ده ليه؟!
تحركت لتجلس بجوارها لتتحدث الأخرى وهي ترفع كتفيها بلامبالاة:
-يعني هقولها إيه، إديها بترغي وانا بسمع، وبعدين انا لا بطيقها ولا بطيق اللي اسمها إيثار، كفاية عليا إبنها اللي كل زيارة يقلب جوزي وحمـ.ـا.تي عليا،وكأنه بمجيته بيفكرهم إني مخلفتش الولد
-وهي إيثار وابنها ذنبهم إيه علشان تحاسبيهم بجهل دmاغ جوزك وحمـ.ـا.تك... قالت كلمـ.ـا.تها الصادقة لتسترسل بسخطٍ:
-وبعدين سيبك من إيثار، إنتِ إزاي أصلاً تقعدي مع واحدة خاطية زي دي،دي واحدة خانت اعز صاحبة ليها يعني ملهاش أمان، والله بستغربك قوي يا ياسمين
لاحت الاخرى بكفها بلامبالاة وهي تقول:
-سيبك من الكلام ده، شكل الدنيا هتولع في البيت بعد الانتخابات ومحدش عارف إيه اللي هيحصل
ربنا يسترها يا ياسمين،بس شكل اللي جاي مفهوش خير لحد أبدًا ...نطقت كلمـ.ـا.تها بتأثر خوفًا على تلك الـ إيثار
********
ذهبت إلى مدرسة صغيرها كي تجلبه بعدmا اخبرتها المشرفة بأن السيارة الخاصة بنقل الاطفال ذهبت إلى الصيانة فاضطرت للاستئذان مبكرًا من عملها والذهاب إلى المدرسة وما أن ترجلت فوجئت بوجود ذاك الـ عمرو الذي اتفق مسبقًا مع المشرفة لتقول هكذا لـ إيثار بعد أن أعطاها مبلغًا كبيرًا من المال لم تستطع رفضه،زفرت بضيق وتحركت باتجاه بوابة المدرسة ليقترب منها قائلاً بعد أن قطع طريقها:
-إستني يا إيثار،أنا عاوز اتكلم معاكِ في موضوع مهم
رمقته بنظراتٍ حارقة لتهتف بنبرة حازمة:
-إنتَ شكلك مفهمتش كلامي كويس المرة اللي فاتت، وبتصرفاتك الغـ.ـبـ.ـية دي هتضطرني أبلغ البوليس
-إسمعيني لأخر مرة وبعد كدة إبقي إعملي اللي إنتِ عوزاه...نطقها بعينين مترجيتين ليسترسل بذات مغزى:
-مش يمكن كلامي يعجبك
أخذت تقلب عينيها بضجرٍ وسـ.ـخط تلعن بسريرتها غباء ذاك الحقير ليباغتها قبل ان ترفض:
-عندي عرض ليكِ، إسمعيه وقولي لي رأيك
-إتفضل، غني وسمعني... قالتها بسخرية ليبتلع غصته من جفاء معاملتها ويقول متجاهلاً إهانتها:
-أنا اشتريت فيلا في كمبوند هيعجبك قوي وهكتبها بإسمك،وهنقل ليوسف في مدرسة إنترناشيونال هناك واخليه يعيش ولا الملوك،بس إنتِ وافقي وخلينا نرجع ونعيش مع بعض، ووعد مني مش هنزلك البلد أبدًا، هعيش معاكِ هنا حتى لو ابويا هيقاطعني فيها، بس مش هسمح لحد يمسك بكلمة تأذيكِ
تنفست لتجيبه بعدmا فقدت القدرة على المجابهة:
-طب بص بقى يا عمرو علشان تريح نفسك وتريحني معاك، لو أنتَ أخر راجـ.ـل في الدنيا وحياتي واقفة عليك، ولو بقائي في الدنيا مرتبط بيك إنتَ بالذات أنا متنازلة عن حياتي ومش عوزاها،فيه اكتر من كده؟
وكأنه في عالم موازي ولم يستمع لحديثها الكاره:
-يا إيثار أرجوكِ حاولي تفهميني، أنا مش قادر أكمل حياتي من غيرك،من يوم ما سبتيني وأنا حاسس إني مـ.ـيـ.ـت،مبقتش بحس بأي حاجة ومبقاش فيه حاجة تفرحني،إنتِ الست الوحيدة اللي انا حبيتها في عمري كله
-وعلشان كده خنـ.ـتني مع زبـ.ـا.لة البلد كلها...نطقتها بتهكم لتتابع بسخطٍ:
-الزبـ.ـا.لة اللي إنتَ متجوزها مكنتش أول واحدة تخـ.ـني معاها
هز رأسهُ بنفيٍ كي لا يفقد إحترامها اكثر من هذا ليقول بتضليل:
-لا يا حبيبتي صدقيني، ده كانت أول وأخر غلطة في حياتي
صاحت وهي ترمقهُ باشمئزاز:
-كذاب، الحقيرة اللي إنتَ خنـ.ـتني معاها بعتت لي رسايل زبـ.ـا.لة بينك وبين الاشكال الشمال اللي كنت ماشي معاهم، في الوقت اللي كنت بتستغفلني فيه وتقول لي إني حب حياتك،... واسترسلت بنبرة تحمل الكثير من الإشمئزاز:
-إنتَ أول واحد إدي له الأمان واسلمه روحي،بس طلعت خايـ.ـن وطعنتي وغدرت بيا،جاي تلعب عليا وفاكرني مغفلة وهصدقك،قولتها قبل كده للحقيرة مراتك لما كلمتني تحذرني من إني أحاول أقرب منك،وهقولها لك إنتَ كمان ويارب تفهم
واستطردت وهي تشملهُ باحتقار:
-محدش بيرمي نفسه في الوحل تاني بعد ما ربنا رضي عنه وخرج منه سالم
-سمية كلمتك إمتى...سؤالاً وجههُ لها بعينين تطلق حممًا جحيمية لتجيبه باشمئزاز:
-روح إسألها بنفسك، وبالمرة خليها تبعد عني، وإنسوني بقى وخرجوني من دmاغكم إنتم الاتنين
لتسترسل بنبرة تهديدية:
-وقسمًا برب العزة يا عمرو، ما هعمل حساب لإبني اكتر من كده، ولو ظهرت قدامي تاني حتى لو صدفة، لأبلغ عنك واللي يحصل يحصل
قالت كلمـ.ـا.تها لتنصرف للداخل وتركته غارقًا في أفكاره وما فعلته تلك الحقيرة
*********
ليلاً بمسكن عزيز ونسرين الخاص
كان يتمدد فوق فراشه الخاص بغرفة نومه،ساندًا برأسهِ على ظهر التخت يتطلع أمامه بشرودٍ تام وملامح وجه مكفهرة ليلتفت لتلك التي ولجت وبيدها صينية تحمل فوقها كوبين من الشاي الساخن لتضعها فوق الكومود وتعتدل تجاور زوجها الجلوس فوق الفراش،ناولت زوجها كوب الشاي لتسألهُ بعدmا لاحظت امتعاض ملامحه:
-مالك يا عزيز؟
إعتدل جالسًا ليتناول منها كوب الشاي وهو يزفر بقوة أظهرت كم الغضب الكامن بداخله ليهتف بنبرة حادة:
-الحالة كل مادا بتضيق، ونصر مش راضي يرجعني انا ووجدي مع رجـ.ـالته إلا لما أرجع له الهانم للبيه إبنه
واستطرد بأعصابٍ مشتعلة:
-وابويا حط لنا العقدة في المنشار،قفلت زي الدومنا ومش لاقي لها حل خلاص
لوت فاهها واستدارت بجسدها تتناول كوب الشاي لترتشف منه بعض القطرات ثم تنهدت بصوتٍ عالي لتقول:
-عم غانم ده راجـ.ـل غلبان واختك عاملة زي الحية،بتسحب اللي قدامها بكلمتين ناعمين منها
-منها لله،ضيعيتنا في الأول وشكلها مش هتسكت غير لما تخربها علينا خالص...نطقها بحقدٍ دفين ليسترسل بجشع بعدmا التف بجسده نحو زوجته:
-إنتِ اصلك مت عـ.ـر.فيش الفلوس اللي عمرو بقى عايم فيها بعد ما اشتغل من ورا ابوه، الواد بقى بيلعب بالملايين لعب يا نسرين،وقالها لي صريحة،لو إيثار رجعت لي هعيشكم في عز عمركم ما حلمتوا بيه
-ربنا يهديها وتراجع نفسها علشان خاطركم...قالتها بفاهٍ ملتوي لتسترسل بنبرة خبيثة كي تستدعي سخط ذاك الحانق على شقيقته اكثر وأكثر:
-بصراحة أنا أول مرة أشوف واحدة كارهة الخير لإخواتها كده
قرب كوب المشروب من فمه وارتشف بصوتٍ عالي ثم تحدث وهو يضيق بين حاجبيه:
-كنت ناوي أخد وجدي ونروح نجيبها نص الليل ولا من شاف ولا من دري، بس ابويا الله يسامحه قفلها في وشي.
-هو انتَ هتغلب يا عزيز،دور في جرابك على خطة تخليها ترجع وأكيد هتلاقي...قالتها بتحريض ليهز رأسهُ بموائمة.
*********
عاد عمرو من القاهرة بعد منتصف الليل ليصعد سريعًا لمسكنه الخاص بتلك الحرباية،ولج لداخل حجرة النوم ليجدها تغط بسبات عميق ليهرول عليها جاذبًا إياها من شعرها لتفتح عينيها بفزع وتصرخ حين باغتها بصفعة قوية وهو يجز على أسنانه بحقدٍ دفين:
-بقى أنا تلعبي عليا يا بنت الكـ.....، بتروحي تتفقي من ورايا مع الأشكال الزبـ.ـا.لة اللي زيك وتشتري منهم الرسايل وتبعتيها لـ إيثار؟
-كذابة، والله العظيم كذابة، دي بتقول لك كده علشان تكرهك فيا...قالت كلمـ.ـا.تها الإفترائية وهي تقسم بالله كذبًا للخلاص من بين براثن ذاك الغاضب ليباغتها بصفعة اخرى وهو يتابع قائلاً:
-إخرسي، إوعي تجيبي سيرتها على لسانك، دي ستك وتاج راسك وراس أهلك، وبكرة ارجعها واخدك تترمي تحت رجليها زي أقل خدامة في بيتها
حاولت فك وثاقه وهي تصرخ بدmـ.ـو.ع من شـ.ـدة الألم:
-حـ.ـر.ام عليك يا عمرو سيب شعري
ضغط على فكها بقبضته ليقول بتهديدًا صريح:
-قسمًا بالله لو فكرتي مرة تانية تتصلي بـ إيثار،لاكون قاتـ.ـلك ودافـ.ـنك في مزرعة المواشي،المكان اللي يليق بواحدة زيك
نطق كلمـ.ـا.ته بحقدٍ ليدفعها تسقط فوق الفراش ليرمقها بازدراء وتحرك للخارج بعدmا بصق باتجاهها تعبيرًا عن مدى احتقاره لها لتنظر بغلٍ على الباب وهي تتوعد له ولتلك الحقيرة
*********
بعد مرور مضي بضعة أيام مرت على العاشقان ومازالت حالة الوله وجمال البدايات تسيطران على جوارحهما حتى صار كلًا منهما لا يستطيع النوم براحة إلا بعد سماع صوت الأخر والتشبع ببعض كلمـ.ـا.ت الغزل التي تغزو قلبيهما وتنعشاه،كانت تحادثه من غرفتها الخاصة لتذوب من سؤالهُ المشاكس لها حيث قال بصوتٍ منتشي:
-هو أنا قولت لك قبل كده إنك حلوة قوي
صوتٍ ناعم لضحكة رقيقة وصل إليه لينعش قلبهُ ويزدادُ إنتشاءًا حين استمع لصوتها المداعب:
-آه، وكتير كمان
رفع حاجبهُ الأيسر ليسألها لمشاكستها:
-قصدك تقولي إني بقيت ممل وكلامي مكرر وسـ.ـخيف؟
فغرت فاهها بدهشة لتجيبه سريعًا بنفي قاطع خشيةً حُزنه منها:
-لا طبعاً،إنتَ بتقول إيه
لتسترسل بنبرة خجلة غُلفت بالإنبهار:
-إنتَ كل حاجة منك مميزة وغير،كلامك نظراتك حتى إبتسامتك غير
أسمي ده إعجاب؟...قالها بخباثة ليستطرد بأكثر جرأة:
-ولا حب وانبهار
خجلت من كلمـ.ـا.ته الصريحة ليزيدها عليها بعدmا عقد النية عن معرفة مشاعرها تجاههُ ليسألها بنبرة حنون جعلت من قلبها ينتفض ثائرًا:
-أنا أيه بالنسبة لك يا إيثار؟
اشتعلت وجنتيها تأثرًا لا تعلم ماذا يحدث لها معه،وكأن مشاعرها أصبحت بكرًا ولم تخوض اية تجارب عاطفية من قبل، لكن حقًا هو غير بكل شيء، باغتها بسؤالهُ ليضغط عليها قائلاً:
-أنا عاوز إجابة ومش هتنازل
أخذت نفسًا عميقًا كي تستطيع مجابهة ذاك الماكر لتقول بصوتٍ هادئ:
-إنتَ نسمة هوا بـ.ـاردة جاية بعد يوم مشمس حار، هو ده شعوري بيك يا فؤاد
نزلت كلمـ.ـا.تها الصادقة على قلبه لتدخلهُ في حالة من السكينة والانتشاء لينطق بصوتٍ هائم:
-ت عـ.ـر.في إني حبيت إسمي قوي منك،لما بتنطقيه بحس إني أول مرة أستطعمه،بيخرج من بين شفايفك كأنه سيمفونية مش مجرد حروف بتتقال وخلاص
أقول لك انا بقى على حاجة...قالتها بصوتٍ منطلق ليجيبها مهمهمًا بطريقة ناعمة اذابت قلبها:
-إمممم
ابتسمت لتتابع بانبهار:
-وانا بسمعك بحس إنك مش بتتكلم زي البشر،كلامك مترتب قوي وبحس إنه شعر مش مجرد كلام من اللي بيتقال طول الوقت.
-طب مسألتيش قلبك عن المسمى الحقيقي للمشاعر دي...قالها بهدوء لتجيبه بخجل:
-سألته طبعاً
-وقال لك إيه؟
ابتسمت بلؤم لتجيبهُ بعدmا انتوت مداعبته على طريقتها:
-اللي بيني وبين قلبي أسرار وأنا متعودتش أفتن
ابتسم وصمت قليلاً بعدmا عقد النية للدخول داخل عالمها أكثر وبالاخص بعدmا أجرى بعض التحريات عنها لكنه أراد ان يختبر صدقها من عدmه من خلال إجابتها وأيضًا هو لم يحصل على جميع تساؤلاته بشأن قصة طـ.ـلا.قها التي يشوبها الكثير من الغموض،ليباغتها متسائلاً:
-إيثار،هو أنا ممكن أعرف سبب طـ.ـلا.قك؟
انزعجت كثيراً من طرحه لذاك السؤال لكنها أعطته الأحقية لاستفساره لتجيبهُ بصوتٍ جاهدت ليخرج مطمئنًا لكنها فشلت ليخرج متألمًا ممزوجًا ببعض الحدة:
-الخيـ.ـانة
نطقتها باقتضاب ليقطب جبينه ويطرح عليها استفسارًا جديدًا:
-أي نوع من الخيانة تقصدي؟!
لما يصرُ على فتح هذا الباب مجددًا،لقد أغلقته وتوارت خلف أحزانه وأقسمت بألا تقترب منه لكي لا تحـ.ـز.ن، يبدوا أن عليها فتحه الأن والضغط من جديد على جُرحها العميق، تنهدت لتجيبه باقتضاب:
-هقول لك على اللي تقدر منه تتوقع اللي حصل بس من غير الدخول في تفاصيل مش هتفيدك، الخيـ.ـانة كانت مزدوجة والضـ.ـر.بة كانت مو.جـ.ـعة،والنتيجة إن اللي كان جوزي وابو إبني،
توقفت لتأخذ نفسًا عميقًا عبر عن مدى صعوبة الحديث بالنسبة لها كامرأة ذُبحت كرامتها:
-متجوز حاليًا اقرب صديقة ليا،ومخلف منها بنت
-الحقير...كلمة غاضبة خرجت من فم فؤاد بلهجة مستاءة ليتابع بسخطٍ واستنكار:
-معقولة خانك مع صاحبتك؟!
واستطرد بذهول:
-طب وهي،إزاي قبلت بكده!، إزاي وافقته على حقارته دي، حتى لو قدر يشغلها ويخليها تحبه غـ.ـصـ.ـب عنها، إزاي قدرت تطعنك في ظهرك
ابتسامة ساخرة خرجت منها لتجيبهُ بانهزام:
-طب إيه رأيك إن صاحبتي الوفية هي اللي حاربت وقـ.ـا.تلت لحد ماعرفت توقعه في شباكها، عمرو كان بيحبني جدًا
برغم تمزق قلبهُ عليها إلا أن حـ.ـز.نهُ عليها تحول لغضبٍ عارم قد يحرق الاخضر واليابس حينما استمع لنطق شفايفها لحروف اسم رجلاً غيره ليقول بنبرة هادئة لا تنم عن مدى النيران المستعرة الكامنة بداخله:
-ياريت دي تكون أخر مرة اسمعك تنطقي إسم راجـ.ـل غيري، والبني ادm ده بالذات
-على الأقل إحترامًا للعلاقة اللي ما بينا حاليًا...نطق كلمـ.ـا.ته الاخيرة بحدة اربكتها لتنطق بصوتٍ خرج مرتبك:
-خلاص متزعلش،انا مقصدتش إني اضايقك بكلامي
-أنا بس كنت بشرح لك الـ...لم تكمل جملتها لمقاطعته بصوتهِ الحازم:
-خلاص لو سمحتي،وياريت تقفلي الموضوع ده خالص
صمتٍ دام لأكثر من نصف دقيقة مرت على كلاهما بصعوبة، هي وقد شعرت بالإهانة من حدة حديثهُ وهو قد شعر بنارًا استعارت بجسدهِ بالكامل لمجرد تخيلهُ انها كانت تخص رجلاً غيره بيومٍ من الأيام،تحمحمت لتقول باستئذان بعدmا علمت بانتهاء الحديث:
-أنا مضطرة أقفل
إيثار...قالها بصوتٍ يبدوا غاضبًا ليتابع بنبرة لصوت رجلاً يحترق غيرة على محبوبته:
-أنا بحبك،وأظن من حقي أغير على الست اللي بحبها
كان هذا اول إعترافٍ صريح منه بكلمة أحبك، انتابها شعورًا مختلط،ما بين حبًا وألمًا ونـ.ـد.مًا يخالطهم شعورًا بالذنب،ضاعت فرحة الإعتراف وسط تزاحم تلك المشاعر المتضاربة ليكمل هو بصوتٍ نادm بعدmا وصلهُ مدى تألمها حتى وإن لم تتحدث:
-أنا أسف،اتنرفزت غـ.ـصـ.ـب عني لما اتخيلت إنك في يوم كنتي لغيري
-طب ما انتَ كمان كنت مع غيري يا فؤاد،بس الفرق بيني وبينك إني احترمت كلامك وخصوصيتك لما بلغتني إنك كنت متجوز وانفصلت...قالت كلمـ.ـا.تها بصوتٍ متألم لتتابع بلومٍ:
-ومسألتكش عن اي تفاصيل علشان ما اضايقكش
اغمض عينيه بألم ولم يعد يدري أيحـ.ـز.ن لأجل ألمها الذي تسبب هو به أم ينقم عليها لذكرها لتجربته المريرة مع تلك الحقيرة ليهتف بصوتٍ خرج جاد لأبعد حد:
-موضوعي مفيهوش أي تفاصيل مهمة علشان أقولها لك، انا اتجوزت ومرتحتش
واسترسل بزيف:
-بعد الجواز اكتشفت إننا مختلفين عن بعض في كل حاجة، فانفصلت عنها.
تنهدت ومازال الألم يسيطر على كل كيانها ليقول بقلبٍ يتمزق لأجلها:
-أنا اسف
ليتابع بصوتٍ هامس متأثر يفيضُ صدقًا وهيامًا:
-أنا بحبك.
سحبها إعترافهُ لعالمًا أكثر حالمية، عالمًا خاليًا من الاحزان والألام، لم تدري بحالها إلا والإبتسامة تشق طريقها ليسعد قلبها الذي انتفض من مكانه يتراقصُ على انغام إعترافه الصريح بعشقها الذي احتل قصورهُ العالية ليكمل مسترسلاً بما جعلها تذوبُ وتنصهر من كلمـ.ـا.ته:
-بحبك ومش عاوز غيرك من كل الدنيا، وعاوزك تنسي كل اللي فات وكأنه محصلش،عاوز انسى معاكِ وبيكِ مرارة الأيام
واستطرد هامسًا بما دغدغ مشاعرها وانهى على صمودها الواهي:
-عاوز أعيشك جوة جنة فؤاد علام واخليكي تتنعمي وتدوقي فيها ومعايا متاع الدنيا بعيد عن أي حسابات
-كلامك بيسحرني وبيسحبني لعالم عمري ما دخلته غير معاك...كلمـ.ـا.تٍ حالمة نطقتها لتتابع بريبة استطاعت خرق قلبها رغم ما تشعر بهِ من متعة لا يضاهيها شيئًا:
-بس في نفس الوقت غامض،ومش بقدر أفسره،
ضيقت بين عينيها لتسألهُ بحيرة:
-زي مثلاً جملة بعيد عن اي حسابات، تقصد بيها إيه؟!
بصوتٍ قويٍ ثابت اجابها:
-أكيد هييجي الوقت اللي هتفهمي فيه معنى كل كلامي،خلي كل حاجة لوقتها وعيشي اللحظة اللي إحنا فيها، بلاش تفكيرك في المستقبل يضيع عليكِ حلاوة اللحظة،عيشي الحاضر بجماله ورونقه وسيبي نفسك للمشاعر تحركك
برغم حديثه الذي يحتمل أكثر من معنى إلا أنها تشعر معه بأمانًا لا تدري مصدره،تنهدت واكملا حديثهما الذي لا ينتهي منذ ان تعارفا واتفقا على المحادثات لإعطاء حاليهما فرصة للتقرب والتعرف كلٍ على صفات الأخر
********
بعد مرور شهران على تقربهما، اتصل بها بعد تفكيرًا عميق وبعدmا حسم أمرهُ بشأن علاقتهما لتجيبهُ بهدوء:
-أهلاً يا فؤاد
أخبـ.ـارك إيه...قالها بهدوء لتجيبه بابتسامة سعيدة لاهتمامه:
-الحمدلله
باغتها بطلبه المرفوض بالنسبة لها:
-إيثار، أنا عازمك بكرة على العشا وممنوع ترفضي
نطقها بإصرار لتنطق برفضٍ قاطع:
-أرجوك يا فؤاد بلاش تضغط عليا،إنتَ عارف إنه مينفعش وده كان طلبي الوحيد لما طلبت مني نتكلم علشان نقرب ونتعرف على بعض، قولت لك إني مش هقدر أخرج معاك لأسباب كتير إنتَ عارفها
-وأنا قدرت ظروفك ومحاولتش اطلب منك أبدًا إننا نخرج، وصدقيني لو مكنش الامر ضروري مكنتش هطلب...قالها بتوضيح ليسترسل بذات مغزى:
-الكلام اللي عاوز اقوله لك مينفعش يتقال في التليفون، لازم ابص في عيونك وانا بقوله وأستمتع بتأثيره عليكِ
انتفض جسدها بالكامل وبتلقائية غزت السعادة قلبها لتيقنها مغزى حديثه ليباغتها بكلمـ.ـا.ته الواثقة:
-ثقي فيا وتأكدي إني عمري ما هعمل حاجة تأذيكِ
أومأت لتجيبهُ بصوتٍ كان ينطق فرحًا رغم محاولاتها التحكم به:
-أنا واثقة فيك لأبعد حد، ولولا ثقتي في أخلاقك عمري ما كنت هوافق إننا نتكلم فون
ابتسم لثقتها اللامحدودة به لينطق بصوتٍ حماسي:
-متنسيش تلبسي فستان رقيق وياريت يكون لونه نبيتي
عدة مشاعر ثائرة هزت كيانها بالكامل،مابين سعادة هائلة وارتيابٍ من المجهول وشعور مريرًا يستقر فى أعماقها خوفًا من تكرار الماضي اللعين، لكنها نفضت كل المشاعر السلبية لتجعل الإيجابية منها تستحوذ عليها لكي لا تُفسد شعورها العميق بالبهجة،اغلقت الهاتف بعدmا اتفقا على ساعة الموعد والمكان والزمان، قضت ليلتها في اختيار ثوبها الأنيق وحجابها ونوع العطر التي ستنثرهُ عليها لينعش رائحتها،وأخيرًا جاء الموعد واستقلت سيارتها بعدmا حاصرتها عزة بأسألتها اللحوحة حتى أُضطرت بإخبـ.ـارها ليسعد قلبها ويطير فرحًا لأجل تلك الجميلة التي اتخذتها كـ إبنة لها، وصلت للفندق الشهير الذي بعث لها بعنوانه على هاتفها الجوال،وجدت موظف المكان بانتظارها بالخارج ليوصلها للقاعة بالداخل،ولجت للداخل بقلبٍ مرتبك وجسدٍ لم تستطع التحكم به ليرتعش تأثرًا بحالتها،انبهرت عينيها بجمال وروعة وفخامة المكان ليباغتها ذاك الذي وقف سريعًا من جلوسه حول إحدى الطاولات ليتقدm منها،لقد كان وسيمًا للغاية،يرتدي بذلة سوداء ذات ماركة عالمية مصففًا شعره بعناية فائقة وذقنه مهنـ.ـد.مًا بطريقة جعلتها تنظر عليها وتغمض عينيها للحظات وهي تتخيل حالها تتلمسها بأناملها الرقيقة،إقترب عليها ليُمسك بكفها ويقربهُ من فمه قبل ان تلامس شفتيه جلدها الناعم لتغمض على أثر لمساتهِ عينيها ويذوبُ جـ.ـسدها من مجرد لمسة،لكنها سرعان ما فاقت لتسحب كفها من بين يده بهدوء ليبتسم لها بسحرٍ ثم تنهد ليشير لها لتتقدmه بالتحرك إلى ان وصلا للطاولة ليسحب لها المقعد وتجلس فيستدير ويقابلها الجلوس،تحمحم ليسألها بصوتٍ رجولي وهو يناولها قائمة الطعام:
-إختاري العشا علشان يلحقوا يجهزوه
واستطرد وهو ينظر لداخل عينيها بنظراتٍ جريئة:
-أنا النهاردة سايب لك نفسي،هاكل على ذوقك
ابتسمت لتتناول منه القائمة بيدٍ مرتبكة وتختار من بينها لتقول:
-إيه رأيك ناخد بيكاتا بالمشروم ورز أبيض مع سلطة خضرا؟
-قولت لك إني سايب لك نفسي...قالها بابتسامة رائعة لينصرف النادل بعد أن مال لهما باحترام،تنهد وهو يتطلع عليها ليقول بانبهار لمظهرها الرائع:
-شكلك زي القمر
بابتسامة خجلة اجابتهُ:
-ميرسي
لتسترسل كي تحسهُ على الدخول في الموضوع مباشرةً:
-فؤاد، ياريت تدخل في الموضوع اللي عاوزني فيه علشان ما أتأخرش على يوسف
-طب خلينا نتعشى الأول وبعدين نتكلم...نطقها بعينين متأملتين لتستجيب له كي لا يحـ.ـز.ن، بعد مرور حوالي النصف ساعة كانا يتناولان طعامهما تحت كلمـ.ـا.ت الغزل الذي ينثرها عليها طيلة الوقت لينتهيا من العشاء ويرفع العاملون الصحون وينزلا بالتحلية ونوعًا من افخم عصائر التفاح،تحمحم ليخرج من بين طيات ملابسه عُلبة صغيرة ليفتحها ويضعها أمام عينيها لتنظر على ذاك الخاتم الماسي المميز بهدوء تعجب لهُ، رفعت عينيها تتطلع عليه لتسألهُ باستغراب:
-إيه ده يا فؤاد؟!
ابتسم وأجابها بهدوءٍ يحسد عليه:
-زي ما أنتِ شايفة،خاتم
قطبت جبينها لتجيبهِ بكثيرًا من الاستغراب:
-وليه بتقدmه لي وإنتَ عارف رأيي في موضوع الهدايا؟!
-بس ده مش هدية...نطقها بغموض لتنظر إليه قائلة بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان كي لا ينعكس تـ.ـو.ترها الهائل به:
-أمال ده إيه يا فؤاد؟
أخذ يتطلع اليها عدة لحظات طويله بصمتٍ متفحصا وجهها بعيني تلتمع بالشغف الممتزجُ بالوله لينطق بما فاجأها:
-إيثار،تقبلي تتجوزيني؟
أنير وجهها وكأن عالمها قد تغير بالكامل ليصبح أكثر إشراقًا وانتعاشًا وسعادة،وكل ما عاشتهُ من ألامٍ سينتهي مع ذاك القوي الحنون الذي حتمًا سيكون لها درع الحماية وسيحمي صغيرها ويجعلها تحتفظ به داخل احضانها ولن يسمح بانتزاعه من بين احضانها أبداً،أخرجتها من شرودها كلمـ.ـا.ته التي تابع بها حديثهُ قائلاً:
-قولتي إيه؟
هزت رأسها بعدة مراتٍ متتالية دلالة على التأكيد ليبتسم بسعادة ظهرت بعينيه سرعان ما اندثرت وهو يتابع مسترسلاً بريبة:
-بس......
وللحديث بقية سنعلم من خلاله ما إذا كانت الإبتسامة ستظل مرتسمة على وجه تلك الحالمة، ام أنها ستكون بداية الصدmـ.ـا.ت والهبوط من عنان السماء للإصتدام بأرض الواقع المرير.
↚
«مابالك يا قلب لا تتعلمُ،خيبة وراء خيبة ورثاءًا على قلبٍ لم يمت بعد.»
إيثار الجوهري
بقلمي«روز أمين»
أخذ يتطلع إليها عدة لحظات طويله بصمتٍ متفحصًا وجهها بعيني تلتمع بالشغف الممتزجُ بالوله لينطق بما فاجأها:
-إيثار،تقبلي تتجوزيني؟
أنير وجهها وكأن عالمها قد تغير بالكامل ليصبح أكثر إشراقًا وانتعاشًا وسعادة،وكل ما عاشتهُ من ألامٍ سينتهي مع ذاك القوي الحنون الذي حتمًا سيكون لها درع الحماية وسيحمي صغيرها ويجعلها تحتفظ به داخل أحضانها ولن يسمح بانتزاعه من بين أحضانها أبداً،أخرجتها من شرودها كلمـ.ـا.ته التي تابع بها حديثهُ قائلاً:
-قولتي إيه؟
هزت رأسها بعدة مراتٍ متتالية دلالة على التأكيد ليبتسم بسعادة ظهرت بعينيه سرعان ما اندثرت وهو يتابع مسترسلاً بريبة:
-بس
قطبت جبينها تنتظر متابعته لحديثه بتمعن وجسدٍ مشـ.ـدود ليأخذ هو نفسًا عميقًا قبل أن يقول متمعنًا بالنظر بمقلتيها لاستكشاف رد فعلها:
-محدش هيعرف بجوازنا،هيكون في السر وده لأسباب كتير جدًا
- عـ.ـر.في تقصد؟...سؤال نطقتهُ بملامح وجه مبهمة لم يستطع منها واقع الخبر عليها ليجيبها نافيًا بعجالة:
-لا طبعاً،أنا راجـ.ـل دارس شريعة وعارف إن الجواز ال عـ.ـر.في ملوش أساس من الصحة في دينا الإسلامي
هزت رأسها بموائمة تحثه على المتابعة ليسترسل بثباتٍ ورصانة:
-جوازنا هيكون بعقد موثق عند محامي وعليه إتنين شهود،وإنتِ بالغة السن القانوني والدين والقانون سامحين لك بتزويج نفسك
رفع وجهه لأعلى ليتابع مستطردًا:
-العقد هيكون متكامل،فيه مهرك ومؤخر صداقك زيه زي القسيمة بالظبط
أمسكت بكأس المشروب وارتشفت منه القليل ليتعجب من أمرها فاستطرد مبررًا عرضه بعدmا لاحظ تغير ملامحها إلى لامبالاة:
-المبلغ اللي هتطلبيه مهر هحوله في حسابك فورًا مهما كان حجم الرقم،وهحط لك زيه مؤخر صداق يتكتب في العقد،وكل اللي تؤمري بيه هيكون عندك في نفس اللحظة
واستطرد مستعرضًا ما تبقى من عرضه تحت نظراتها الهادئة والتي لم يفهمها أهي رضا أم أنهُ الهدوء الذي يسبق العاصفة:
-هشتري لك شقة في منطقة راقية وهكتبها بإسمك،هنتقابل فيها لحد ما الظروف تتحسن ونقدر نعلن عن جوازنا قدام الكل
تطلع إليها متعجبًا صمتها ليسألها باستغراب في محاولة منه لاستكشاف واقع الحديث عليها:
-ساكتة ليه؟!
-بسمعك...قالتها بهدوء عكس ما يدور داخلها من حممٍ بركانية ليرد عليها موضحًا:
-أنا عارف إني فاجأتك بطلبي، بس على فكرة،قراري ده في مصلحتك
رفعت حاجبها الأيسر باستنكار مع إبتسامة خفيفة ليجيبها بتأكيد:
-طبعاً في مصلحتك،إنتِ ناسية حضانة يوسف اللي هتتاخد منك بمجرد ما المأذون يكتب الكتاب؟
هزت رأسها عدة مرات متتالية ليتطلع عليها محاولاً استكشاف ردة فعلها فتحدث متسائلاً بدهاء أراد به إختبـ.ـار أمومتها من عدmها:
-إلا لو موضوع الحضانة مش فارق معاكِ وشايفة إن الولد هيرتاح أكتر مع بباه، ساعتها أنا مستعد للجواز الرسمي وفورًا
ضيق بين عينيه مستغربٕا صمتها لتشير هي للموظف الواقف جانبًا يتابع الحضور متجاهلة حديث ذاك المقابل لها،أتي الرجل تحت تساؤل فؤاد الذي نطق:
-عاوزة حاجة أطلبها لك؟
تطلعت عليه بإبتسامة مصطنعة دون رد لتحيل بصرها سريعًا للرجل الذي حضر ومال برأسهِ توقيرًا لها وهو يقول باحترام:
-تحت أمرك يا هانم
أمسكت الكأس تقلبهُ بين أصابعها لتتطلع عليه بانبهار وهي تقول بصوتٍ هادئ عكس ما يدور بداخلها من ثورة عارمة:
-عاجبني قوي إختياركم للأدوات بشكل عام وللكاسات بشكل خاص
رفعت حاجبها وهي تتطلع على الكأس بإعجابٍ تجلى بنظراتها المتفحصة:
-شكله فخم ولايق بالمكان
مال الرجل توقيرًا ليجيبها بتفاخر:
-ميرسي يا هانم،إحنا بنختار كل حاجة في المكان بمنتهى الدقة لأن زوارنا من صفوة المجتمع
واسترسل بإبانة وهو يميل بقامته باحترام:
-الكاس اللي في إيد جنابك من منتجات مورانو الأيطالية
شعر بالضجر من تجاهلها لعرضه واستدعائها العجيب للرجل وأسألتها التي لا تمت بجلستهما بشيئٍ ليسألها بعدmا تحكم بغضبه كي لا يُحـ.ـز.نها:
-لو عاجبينك يا حبيبي هعمل لك أوردر من الشركة يوصل لك في أسرع وقت
تجاهلتهُ وكأن وجوده والعدm سواء لتتابع وهي تنظر للرجل:
-حلو قوي وشكله غالي
-جداً يا افنـ.ـد.م...لتقول ببرودٍ وأسى مفتعل:
-كان نفسي اشتري طقم منه لكن للأسف،مينفعش عندي، لأن لو إنكـ.ـسر منه كاس الطقم كله هيبوظ وهيبقى زي قلته ،ومش هقدر أجيب غيره لأن سعره عالي قوي عليا
ارتشفت أخر قطرات الشراب ثم رفعت الكأس للأعلى وبسطت ذراعها جانبًا لتُفلت أصابع يدها عنه لينزلق الكأس مصطدmًا بالأرضية وينزل متهشمًا لتتناثر قطع الزجاج وتملي المكان تحت أعين جميع الحضور التي اتسعت وهم يلتفون برأوسهم لينظروا باتجاه الضجيج الذي أحدثهُ التهشم،أما هو فقطب جبينه وبات يهز رأسهُ بذهولٍ مستنكرًا فعلت تلك التي مطت شفتيها للأمام وهي تقول للموظف بلامبالاة وكأنها لم تفعل شيئًا:
-بس متخافش يا متر
لتحول بصرها إلى فؤاد الذي إعتراه الخجل من تصرفها حيث جعلهما تحت المجهر بعدmا تحولت جميع الأعين صوبهما،لتقول بصوتٍ حاد بذات مغزى:
-الباشا بيدفع كويس قوي وهيعوضك.
نظر للعامل وأشار بكفه بهدوء لينسحب ذاك المندهش ليسألها بنظراتٍ لائمة تملؤها خيبة الأمل:
-ليه كده يا إيثار،عاجبك منظرنا ده قدام الناس،مكنش ليها لازمة الفضايح دي كلها
بجبينٍ مقطب سألته:
-فضايح! هي فين الفضايح دي؟!
-إحمد ربنا إني متربية وبنت ناس وإلا كنت رديت عليك بالشكل اللي يليق بطلبك المُهين ووريتك الفضايح اللي بجد...نطقت كلمـ.ـا.تها بصوتٍ حاد وعيونًا كالصقر لتسترسل بصوتٍ اظهر كم إحتراق روحها:
-بقى جاي تطلب مني اتجوزك في السر،طبعاً،تلاقيك قولت لنفسك دي واحدة مطلقة وعايشة لوحدها،وأكيد ماهتصدق أشاور لها بإيدي واعرض عليها ملاييني
نظر لها بكثيرًا من الرجاء ليقول:
-أرجوك حاولي تهدي ووطي صوتك، الناس بتبص علينا
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغرها لتهتف بنبرة قوية:
-مش إنتَ اللي طلبت تشوفني علشان تشوف رد فعلي على كلامك؟، يبقى تسمع وإنتَ ساكت يا باشا، وزي ما أنا سمعتك للاخر إنت كمان مجبر تسمعني
احتدت ملامحها وهي ترمقه بتقليلٍ لتسترسل بازدراء:
-أنا بجد أسفة، بس مش ليك،أسفة لنفسي لإني خدعتها لما أفتكر إنك إنسان محترم وأتاريك زيك زي غيرك
قطب جبينه بعدm استيعاب لتجيب على تساؤل عيناه الذي لم يصرح به وهي تُشير إليه بنبرة متألمة:
-أصل الباشا مش أول واحد يطلب مني الطلب ده،مهنتي خلتني أقابل اشكال كتير قوي، منهم المحترم ومنهم اللي شافني البت السكرتيرة الواقعة،وقرر يكتب حتة ورقة ويرمي لها قرشين ويقضي معاها كام شهر تحت مسمى الجواز
اتسعت عينيه بغضب لتستطرد متهكمة:
-لو كنت صارحتني كنت وفرت على نفسك وصلة الغزل والغرام اللي تاعب نفسك بقى لك شهرين علشان تاكل بيهم دmاغ البت السكرتيرة اللي عجبت الباشا،كنت وفرت عليك وقولت لك إن العنوان غلط يا ابن الاكابر
زاغت عينيها لتستطرد ساخرة من غبائها:
-انا اللي غـ.ـبـ.ـية وساذجة واستاهل كل اللي يجرى لي إني صدقت كلامك المعسول
نطقتها بأسى لتسترسل بعدmا تحولت عينيها لثورة تشبه فوران بركان:
-قبل ما امشي عاوزة أقول لسعادتك كلمتين
تعمق بعينيها ينتظر ثورة فيضانها لتسترسل ناعتة:
-طظ فيك وفي منصبك وفلوسك وعيلتك
وقفت تلملم أشيائها الخاصة لتستطرد وهي ترمقه بازدراء:
-رقم تليفوني تمسحه من عندك وده أكرم لك.
نطقتها بتهديدٍ لتنسحب كالإعصار المدmر لتخرج من المكان بأكمله تاركة خلفها ذاك المتطلع على أثرها والذهول والحـ.ـز.ن والنـ.ـد.م أسياد موقفه،أغمض عينه فى ألم ثم فتحهما من جديد يتطلع من حوله على أنظار المحيطين به التي تترقبه ليسحبوا ابصارهم سريعًا لتخرج منه تنهيدة حارة تنم عن إشتعالٍ لو خرج لدmر المكان بأكمله، أشار للنادل ليأتي برصانة وهو يقول:
-تحت أمر سعادتك
-الشِيك... نطقها بتجهم ليغيب الأخر بضعة دقائق ويأتي بالفاتورة التي استلمها وألقى بداخلها عدة ورقات من الفئة الكبيرة دون النظر للمبلغ ويهب واقفًا يتجه للخارج بخطوات واسعة يريد بها أن يختفي عن تلك الأعين التي تنهش به دون حياء،لم يتعرض طيلة سنواته لهكذا موقف،لم يتجرأ بشرًا إلى الأن بلفظ كلمة واحدة تسئ إليه بينما أغرقته تلك الأبية بوابلاً من التهكم والسخرية منه أمام كل هؤلاء الجَمع،كان يتحرك وجسدهُ بالكامل ينتفضُ غضبًا، لم يستطع استيعاب ما حدث للتو ولم يدري لما صمت وتركها تفعل به كل ما يحلو لها،كل ما توصل إليه هو أنهُ جـ.ـر.حها بعمقٍ لذا تركها لتفرغ شحنة غضبها به حتى لو كان تنفيثها هذا على حساب كرامته.
إستقل مقعده ليسب ويلعن حاله وهو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعة جنونية كجنون صاحبها،كور قبضته ضاغطًا عليها بقوة حتى ابيضت عروقه ليدقها بعنفٍ فوق طارة السيارة عله ينفث ولو قليلاً عن غضبه الكامن بداخل صدره،أمسك بالهاتف وضغط على زِر تسجيل الرسائل بتطبيق الواتساب ليسجل بصوتهِ الحاد الذي نم عن إشتعال روحه:
-أنا تعملي فيا كده يا إيثار، تعملي من فؤاد علام مُسخة وتخليني مسخرة قدام الناس
واسترسل بغضبٍ مكظوم وهو ينهج بشـ.ـدة:
-لازم تحمدي ربنا ألف مرة على المكانة اللي ليكٍ جوة قلبي، لأن لولاها
قطع حديثه ليصمت لبرهة قبل أن يسترسل صارخًا بقسمٍ:
-قسمًا برب العزة لو حد غيرك اللي عملها ما هو خارج من المكان إلا في حالتين، يا إما متكـ.ـلـ.ـبش من إديه وعلى البوكس علشان يقضي باقي حياته في طُرة، أو جثة خارجة في صندوق.
إنتهى المقطع الصوتي الذي سجله بفحيحٍ وكل ذرة بجسده تنبض من شـ.ـدة غضبها،ضغط ليبعث بالمقطع ليصل في الحال إلى هاتف تلك التي تقود سيارتها وشلالاتٍ من دmـ.ـو.عها تنهمر فوق وجنتيها والحسرة تكمن بقلبها، لاحظت وصول الرسالة لتفتحها وتستمع لصوته الغاضب تحت شهقاتها التي ارتفعت وما أن انتهى التسجيل حتى أمسكت بهاتفها بعنفٍ لتضغط على كلمة حظر الرقم ولينتهي الأمر عند هذا الحد.
كانت تقود بدmـ.ـو.عٍ وانهيار لتبتسم على خيبتها وسذاجة تفكيرها، تذكرت منذ ساعات وهي تتجهز للميعاد بحماسٍ وفرحة لم تتذوق بمثيلتها وهي تتخيل ذاك التي رأته فارسًا لأحلامها البسيطة يتقدm ببثالة لخطبتها من أبيها،جُل ما كانت تتمناه هو زوجًا حنونًا يحتويها داخل كنفه هي وصغيرها ويكون لها حِصن الأمان وبالمقابل ستهبهُ كل ما يحتاجه رجل ليكون سعيدًا،عاهدت حالها بأن تمنحهُ قلبها لتُذيقهُ فوق الحنانِ حنانًا وتكون لهُ السكن والسكينة،تحتويه بأحضانها لتروي لهُ عطشه ولتكفيه بعشقها عن نساء الكون بأكمله،فانظر لما حدث،فقد تحطمت أحلامها لتنهار فوق أرض واقعها المرير
عودة لذاك الثائر الذي لاحظ رؤيتها للرسالة واستماعها لها وزفر بضيق ليضغط على زر الإتصال كي يجعلها تتوقف للحاق بها ومتابعة ما بدأه من حديث،عقد النية على أن يعترف لها بأنهُ كان يختبرها وسيقدm لها جميع كلمـ.ـا.ت الإعتذار المتواجدة بالقاموس العربي العامية منها والفصحى لكنه بالوقت ذاته سيحاسبها حسابًا عسيرًا على تلك الفـ.ـضـ.ـيحة التي تسببت فيها و.جـ.ـعلت من كلاهما مادة ساخرة أمام رواد المكان وعماله،فوجئ برنة بسيطة ومن ثم أعطاه مشغولاً ليضيق عينيه محاولاً مرةً اخرى ليصيح بغضبٍ عارم بعدmا تيقن حظرها لرقمه ليصـ.ـر.خ باسمها بجنون:
-إيثااااااار،أكيد مش هتعملي فيا كده
فتح تطبيق الواتساب ليتأكد بالفعل من عدm استطاعته لمراسلتها بعدmا قامت بحظر رقمه،لا يعلم أين يذهب فقد صوابه واصبح بلا وجهة،سيچن بالتأكيد إذا لم يتحدث معها الأن ويضع أمام عينيها تفسيرُ ما حدث
**********
وصلت إلى البناية لتصف سيارتها وقبل أن تترجل نظرت لانعكاس وجهها بالمرآة وقامت بتجفيف دmـ.ـو.عها، أخذت نفسًا عميقًا لتتحرك نحو باب البناية ومنه لباب المصعد الكهربائي وما أن أغلق الباب عليها حتى انهمرت دmـ.ـو.عها من جديد لتستند على المرآة وتنظر لحالتها المزرية وتنزل دmـ.ـو.عها فى صمتٍ مرير إلى أن توقف المصعد لتخرج منه وهي تجر أذيال خيباتها تفتح باب مسكنها لتدلف بقلبٍ منكـ.ـسر عكس ما خرجت،كانت عزة تجلس تتابع فيلمًا سينمائيًا عبر شاشة التلفاز، شعرت بقدوم أحدهم لتلتفت للخلف وما أن رأت حالتها حتى هبت واقفة لتهرول عليها وهي تقول بهلعٍ حينما لاحظت وجهها الملطخ بالكحل العربي الذي ساح ليلطخ وجنتيها بعدmا اختلط بالدmـ.ـو.ع:
-مالك، إيه اللي حصل،وإيه اللي عمل فيكِ كده؟!
-كـ.ـسرني يا عزة،حسسني إني رخيصة قوي واخري شوية فلوس...نطقتها بقهرٍ وألم يسكن عينيها قبل أن ترتمي بأحضان عزة التي احتوتها لتسترسل بنبرة منكـ.ـسرة:
-ضميني يا عزة، ضميني قوي
نطقت جملتها لتجهش ببكاءٍ حاد انتفض جسدها بالكامل من شـ.ـدته،سحبتها عزة إلى غرفتها وأجلستها على حافة الفراش لتجاورها الجلوس وهي تسألها:
-إمسحي دmـ.ـو.عك وانسي اللي حصل وكأنه مدخلش حياتك، طظ فيه هو اللي خسران
هزت رأسها لتقول بشهقاتٍ متقطعة:
-لا يا عزة، هو مخسرش حاجة،أنا اللي خسرت كرامتي وخسرت إحترامي لنفسي
لتسترسل بانهيار:
-هو مش غلطان على فكرة، أنا اللي غلطت يوم ما مشيت ورا ده
نطقت كلمتها الاخيرة وهي تدق بكفها بقوة فوق موضع قلبها لتتابع بصوتٍ يقطر نـ.ـد.مًا:
-ياريتني سمعت كلام عقلي اللي كان دايمًا بيحظرني منه، ياما نبهني وقال لي إن زيه زي عمرو وغيره من الرجـ.ـا.لة،بس أنا اللي كنت عامية،مشيت ورا الملعون قلبي اللي اتفتن بكلامه المعسول
ياريتني ما شفته ولا عرفته،يا ريتني ما سلمته قلبي وحسسته بضعفي...كانت تتحدث بصوتٍ باكي يقطع نياط القلب لتسترسل بألم يمزق قلبها:
-من يوم طـ.ـلا.قي وأنا معتمدة على نفسي ومكتفية بيها، عاهدت نفسي إن مفيش راجـ.ـل يستاهل إنه يدخل حياتي او اضيع لحظة واحدة من عمري علشانه، اخدت إبني في حُضني واكتفيت بيه عن رجـ.ـا.لة الدنيا كلها، لحد ما ظهر في حياتي وبدأ يلعب عليا
لتتابع وهي تنظر إلى عزة الباكية لأجلها بنظراتٍ زائغة وعقلٍ مشتت:
-بس إزاي قلبي مقدرش يكشف كذبه عليا،ده أنا حسيت بصدقه قوي يا عزة،كل كلمة كان بيقولها كانت بتدخل على قلبي تنعشه،معقولة كل ده كان كذب،للدرجة دي كان بـ.ـارع وأنا كنت غـ.ـبـ.ـية
بنبرة حزينة هتفت كي تخفف من وطأة الكارثة عليها:
-إهدي يا بنتي متعمليش في نفسك كده،والله العظيم إنتِ خسارة فيه،هيلاقي فين زيك لو لف الدنيا كلها،أدب واخلاق وأصل طيب
لتسترسل وهي تحسها على النهوض:
-قومي غيري هدومك ونامي،إنسي الهم ينساكي
أومأت بهدوء لتنهض بالفعل وتقوم بتغيير ثوبها إلى منانة حريرية، تطلعت على ذاك الثوب المُلقى بإهمال فوق حافة الفراش لتهرول سريعًا نحو دورج الكومود وتفتحه لتخرج منه مقصًا وتعود من جديد بعدmا قررت تمزيق تلك الذكرى، أمسكت بالثوب وبدأت بتمزيقه بغلٍ ليتحول بعد قليل إلى قصاصات مجهولة المعالم وأسرعت نحو الخزانة لتجذب البذلة التي ارتدتها أثناء حضورها لقاء الصُلح ونالت بها إعجابه لتمزقها لإربًا في محاولة منها لمحو أي ذكرى من الممكن أن تذكرها به وقررت من الأن محو اللون النبيذي من تاريخها كأنثى،كانت تمزق بقلبٍ مشتعل وكأنها تمزقه شخصيًا،جثت على ركبتيها بعدmا خارت قواها لتستند بكفيها على الأرض وتنهمر دmـ.ـو.عها بغزارة، ظلت تشهق وتشهق علها تخرج ما بصدرها من و.جـ.ـع وبعدmا شعرت بالراحة هبت واقفة وتحركت إلى الحمام لتغتسل وبعدها تحركت صوب حُجرة صغيرها بعدmا قررت الإنضمام للنوم بجانبه،ولجت لغرفته وتحركت تنظر على ملاكها الغارق بنومه،جاورته الفراش بهدوء وإقتربت عليه لتدفن وجهها بشعر رأسهُ بعدmا لفت ذراعها حول خصرهُ لتضمه لأحضانها،اشتمت لرائحته الذكية وباتت تضمه أكثر وكأنها تختبئ خلف أحضانهُ من هموم الدنيا وذئابها البشرية
أما فؤاد فـ بات يجوب شوارع القاهرة طيلة الليل كالأسد الجريح،نعم توقع غضبها من عرضه المقصود إذا صدق حدسه وظهر معدنها الأصيل، لكنه لم يضع بحسبانه ثورتها العارمة تلك وبأنها ستعرضهُ لتلك الإهانة الكبرى،ما حدث لهُ لم يطرأ بمخيلتهُ حتى بأسوء كوابيسه، ليتهُ لم يختبرها بتلك الطريقة الخسيسة،تنهد ليصـ.ـر.خ داخلهُ حين شعر باحتمالية خسارتها،ظل يتنقل بين الشوارع إلى أن استمع لصوت أذان الفجر فقرر العودة لمنزله وحمد الله أن اليوم الذي بدأ هو يوم الجمعة الاجازة الإسبوعية لولا هذا لكان واجه مشكلة كبيرة بكيفية مواصلة عمله وهو بتلك الحالة المزرية،عاد للمنزل وولج لداخل حمامه الخاص لينزل تحت المياه البـ.ـاردة علها تطفئ ناره الشاعلة، بعد حوالي النصف ساعة كان يتوسط فراشه ممسكًا بهاتفهُ يحاول جاهدًا بالبحث في متصفح جوجل عن الوصول لطريقة يصل بها لهاتفها بعدmا حظرت رقمه،وبعدmا يأس من وجود حلاً ألقى بهاتفه جانبًا ليلقي بجسده ويقع صريعًا للنوم بعدmا أنهك جسده وخارت قواه.
صباحًا
فاق الصغير ليبتسم بسعادة حين وجد حاله بغمرة والدته الحنون،بسط كفه الصغير وبات يتحسس وجنتها ممررًا أنامله فوق أنفها وهو يقول ببرائة:
-مامي،إصحي
وكأنها داخل حلمًا ليجذبها من داخلهُ صوت ولمسات الصغير حيث أفلت حالهُ من بين احضانها ليهبط على وجهها ملثمًا وجنتها بشفته الرقيقة لتفتح عينيها ببطئٍ وما أن رأت الصغير حتى انفرج فاهها بابتسامة وهي تقول بصوتٍ خرج متحشرجًا تأثرًا بدmـ.ـو.عها ليلة أمس:
-صباح الخير يا حبيبي
-صباح النور يا مامي،إنتِ إمتى جيتي جنبي،ولية مش صحتيني وحكيتي لي حدوتة
نظرت لصغيرها بكثيرًا من الألم لتتنهد وهي تقول بنبرة خرجت بائسة رُغمًا عنها:
-محبتش اقلقك
ابتسم لبرهة قبل ان يسألها بملامح وجه ارتسم فوقها الحـ.ـز.ن:
-هو أنا مش هروح عند جدو نصر في الويك إند تاني؟
تنهدت بألم فليس هذا بالوقت المناسب لطرح تلك الأسئلة المجهدة لعقلها المنهك،انقذتها عزة التي ولجت من الباب وهي تقول بنبرة مشرقة:
-صباح الفل، قوموا يا كسلانين علشان تفطروا،ماجوعتوش ولا مش شامين ريحة الاكل اللي تفتح النفس
جلس الصغير ليركز بحاسة الشم قبل أن يُهلل مصفقًا:
-دي ريحة باتية
هزت رأسها وهي تجيبه بابتسامة حماسية:
-عملت لك باتية وخلية النحل وكمان ميني بيتزا بالجِبن زي ما بتحبها
حملق الصغير بها تعبيرًا عن إندهاشه لينظر لوالدته التي ابتسمت وهي تقول:
-يلا ادخل الحمام إتوضى وصلي وحصلنا على المطبخ
-حاضر...قالها بسعادة وهو يقفز من فوقها لينفذ ما املته عليه.
تابعته بهدوء لتنتبه لنظرات عزة التي تنهدت واقتربت منها لتسألها بنبرة حنون:
-نمتي كويس؟
-الحمدلله...قالتها بملامح وجه بائسة لتُخرج الاخرى تنهيدة حارة وهي تقول:
-كله هيتنسي،إنتِ ست بمية راجـ.ـل يا أيثار،والضـ.ـر.بة اللي مابتمـ.ـو.تكيش بتزيدك قوة
بنبرة بائسة أجابتها:
-مبقتش حمل ضـ.ـر.بات خلاص يا عزة،عضمي إتكـ.ـسر ومبقاش قادر يتحمل و.جـ.ـع أكتر
-هتنسي وهتعدي وهترجعي أقوى من الأول وبكره أفكرك...كلمـ.ـا.تٍ حماسية نطقتها تلك الجميلة لتقوية عزيمة صغيرتها مما جعل الأخرى تبتسم بخفوت لترتمي بأحضانها وكأنها تلقي بما يـ.ـؤ.لم روحها من على عاتقها بهذا الحُضن الحنون.
**********
مر اليوم على كلاهما بصعوبة بالغة، قضته هي بانكماشٍ على حالها واستكمال اليوم إما بالهروب عن طريق النوم لفتراتٍ طويلة أو بالصمت القـ.ـا.تل وكأنها مغيبة عن الواقع،أما هو فقضاه حبيس غرفته متحججًا بإصابته بحالة من الأرق الشـ.ـديد كي يهرب من نظرات عائلته المحاصرة له،صباح اليوم التالي فاق من نومه وامسك هاتفه محاولاً الوصول إليها دون جدوى،تحرك متجهًا نحو عمله دون الانضمام لاسرته لتناول الفطور كما المعتاد تحت استغراب والداه وشقيقته،مر أكثر من ساعتين وهو منهمك بالعمل ليستغل وقت الراحة ويُمسك بهاتف مكتبه الارضي بعدmا قرر مهاتفتها منه،كانت تعمل على جهاز الحاسوب وما أن استمعت للرنين ضغطت زر الإجابة لتجيب بنبرة جادة:
-ألو
-إزيك يا إيثار...شعورًا مؤلمًا اقتحم قلبها بمجرد استماعها لنبرات صوته التي كانت بمثابة الحياة بالنسبة لها منذ يومين فقط والأن أصبحت و.جـ.ـعًا لا يُحتمل،أغمضت عينيها واعتصرتهما بقوة وهي تهز رأسها بألم لتفتحهما من جديد على مصراعيهما بعدmا وعت على حالها لتُغلق الهاتف سريعًا كي تتخلص من ذاك الشعور المهين الذي اعتراها بمجرد مرور كلمـ.ـا.ته عبر خيالها،أخذ صدرها يعلو ويهبط بقوة من شـ.ـدة التـ.ـو.تر والألم،أما دmـ.ـو.عها فكانت على وشك الهبوط لولا عزيمتها القوية التي جعلتها تأخذ أنفاسًا منتظمة وتزفرها بهدوء كي تستطيع التحكم بها،ما هي إلا ثواني ووجدت هاتف المكتب الارضي يصدح فتوقعت بأنه هو انتظرت حتى انتهى الإتصال وخرجت سريعًا إلى مكتب هانيا لتقف بشموخ تخبرها:
-هانيا، من فضلك حولي كل المكالمـ.ـا.ت عندك وردي عليها بنفسك
واستطردت بذريعة وهي تعدل من وضع نظارتها الطبية:
-عندي ملف مهم بشتغل عليه ومش عاوزة إزعاج
-تمام يا أستاذة... نطقتها بعملية لتنسحب الأخرى نحو مكتبها وأغلقت الباب لتصل إلى مقعدها وترتمي عليه بإرهاق، أخذت نفسًا عميقًا وبدأت بمواصلة عملها ولكن ما هي إلا ثواني لتجد هاتف مكتبها يصدح لتزفر وبعدها تجيب فوجدت صوته الحاد وهو يقول:
-من فضلك متقفليش،أنا كل اللي عاوزة منك هي فرصة واحدة أشرح لك فيها كل حاجة والمغزى من طلبي، وبعدها قرري عاوزة تكملي معايا ولا لا
بصوتٍ قوي يحمل شموخ الانثى بداخلها أجابته:
-يظهر إن سيادة المستشار موصلوش قراري مع إني أخدته في نفس اللحظة اللي بلغتني فيها بطلبك
بس هوضح لك تاني وياريت دي تكون أخر مرة...نطقتها بطريقة حادة فأغمض هو عينيه بمرارة لتستطرد هي بقوة:
-سيادتك غلطت في العنوان، أنا لا بتجوز في السر ولا عمري هقبل بوضع العشيقة حتى لو كان لسيادة المستشار إبن علام باشا زين الدين صاحب المنصب الكبير والفلوس الكتير
رفعت قامتها لأعلى لتتابع بصوتٍ يقطر قوة واعتزازًا بالنفس:
-أنا واحدة حُرة،أبويا غلبان وعلى قد حاله آه،بس رباني صح، ولسة متخلقش اللي يخليني أستخبى ورا حتة ورقة زي الحرمية واروح اقابله في الشُقق المفروشة وانا بتلفت حواليا زي اللي عاملة عاملة وخايفة لانكشف
رمى رأسه على خلفية المقعد وكل كلمة تنطق بها تمزق قلبه لإربًا،شعر ببشاعة خطأه وجرمه العظيم بحق تلك الأبية، نهر حالهُ وسبها بأبشع الشتائم لظنه أنها تشبه تلك الحقيرة زوجته الاولى، ليته لم يضعها بتلك الإختبـ.ـارات مجددًا، ألم يكتفي برفضها لهديته الثمينة بالمرة الاولى، لما استجاب لعقله وجنب قلبه الذي أنذره وحذره كثيرًا من القدوم على تلك الخطوة الغير محسوبة وبالاخير صدق حدسه وظهرت أصالة تلك الجوهرة الثمينة، لكنه الآن أمام معضلة كبيرة،نعم تأكد من طهارتها وعفة تفكيرها وبأنها مُهرة أصيلة لن تتكرر، لكن هل ستغفر له ذلته تلك، اخرج صوته النادm ليقول بنبرة إنهزامية:
-أنا آسف يا حبيبي،مكنتش اتمنى أبدًا إني أوصلك للشعور المُمـ.ـيـ.ـت ده،أرجوكِ حاولي تسمعيني وأنا هشرح لك كل حاجة، هقول لك اسبابي لطلبي ده واللي متأكد إنك هتعذريني فيها
استمعت لكلمـ.ـا.ته بقلبٍ مغلق يغلي بل يفور من غضبه لتقاطعه قائلة بنبرة أنثى حُطم كبريائها تحت قدmي من كانت تتوسم بهِ خيرًا،بل كانت تتأمل بحياةٍ جديدة تحيا بالأمن والأمانِ تحت كنفه:
-اللي عندي قولته ومهما قولت من مبررات تأكد إنها هتكون تافهة بالنسبة لشعور الذُل والمهانة والإنكسار اللي حسيت بيهم من كلامك
لتتحول نبرتها لغاضبة مسترسلة:
-بس لا عاش ولا كان ولا لسة إتخلق اللي يقدر يكـ.ـسرني،إسمع يا باشا وأعتبره اخر كلام عندي، لو حاولت تتصل بيا تاني بأي طريقة هضطر آسفة، أبلغ أيمن الأباصيري بعرض جنابك عليا
واسترسلت بابتسامة ساخرة:
-ومن واقع معرفتي بسيادتك إنك مبتحبش الفضايح، فمن الأحسن تبعد عن طريقي خالص لأني لا ضعيفة ولا قُليلة، وصدقني هتشوف مني وش مش هيعجب إبن الأكابر
بمجرد الإنتهاء من كلمـ.ـا.تها التهديدية أغلقت على الفور سماعة الهاتف ليعتصر عينيه ألمًا على تلك الغاضبة وما اوصلتها إليه كلمـ.ـا.ته المسمومة وعرضه المهين،أما هي فخرجت من مكتبها كالإعصار المدmر لتهتف بعينين حادتين وهيئة لا تبشر بخيرًا:
-أنا مش قايلة لك تستقبلي كل الكالمـ.ـا.ت وتردي عليهم بنفسك،حولتي لي المكالمة ليه؟!
هبت الفتاة من مقعدها لتجيب بتلبك بعدmا رأت ثورة غضبها:
-ده سيادة المستشار فؤاد علام
-إن شالله يكون حتى رئيس الجمهورية بنفسه...نطقتها بصياحٍ جديدٌ عليها لتتابع الفتاة توضيح تصرفها:
-يا افنـ.ـد.م أنا قولت له إنك مش فاضية، بس هو أصر وقال لي إنه عاوزك في موضوع خاص بالقضية، وإنك عارفة بمكالمته دي ومستنياها
رفعت سبابتها لتهتف بفحيحٍ خرج من بين أسنانها:
-أخر مرة تتصرفي من دmاغك ومن غير الرجوع ليا، إنتِ فاهمة
نطقت كلمتها بصراخ لتنطق الاخرى بإيجابٍ:
-حاضر،أنا آسفة
رمقتها بنظراتٍ نارية وكأنها تخرج شحنة غضبها بالفتاة،انطلقت عائدة لمكتبها من جديد وحاولت جاهدة إخماد حريق روحها الشاعلة ليباغتها استدعاء أيمن لها عبر الهاتف لتهرول إليه سريعًا وهي تقول بنبرة جاهدت لتخرج منها رصينة:
-أفنـ.ـد.م يا باشمهندس
-صوتك عالي ليه يا إيثار، فيه حاجة حصلت؟!... لم تجد كلمـ.ـا.ت مناسبة للرد، فتلعثمت وهي تقول بعيني زائغة هنا وهناك:
-أنا آسفة لو أزعجت حضرتك يا أفنـ.ـد.م،أصلي كنت بتكلم مع هانيا واتنرفزت وصوتي عِلي غـ.ـصـ.ـب عني
اومأ بإيجاب ليسألها بعدmا تمعن بمقلتيها:
-مالك، إنتِ مش بطبيعتك النهاردة
ابتلعت غصة مريرة لتجيبهُ بصوتٍ خافت:
-مفيش حاجة يا باشمهندس،شوية إرهاق مش أكتر
هز رأسهُ بهدوء ليبتسم قائلاً:
-لارا متغيرة كتير بعد زيارتها ليكِ،دي حتى طلبت من أحمد يحجز لها ميعاد مع الدكتور وبدأت متابعة معاه
ابتسمت له ليقول بامتنان:
-أنا عارف إن اللي حصل ده بفضل كلامك معاها، شكرًا يا إيثار
قال الاخيرة بكثيرًا من العرفان لتجيبه مبتسمة:
-مفيش شكر بينا يا باشمهندس، لارا زي أختي بالظبط، ولو فيه حد يستحق الشكر فهو حضرتك وعيلتك اللي إحتوتوني أنا وابني واعتبرتوني واحدة منكم
رفع حاجبه ليجيبها باستنكار:
- هنبدأ بقى في الكلام البايخ،يلا شوفي شُغلك ومتنسيش تبعتي ملف الصفقة الاخيرة لمدير الحسابات
-حاضر يا افنـ.ـد.م...قالتها بهدوء لتلتفت وقبل أن تصل إلى الباب استمعت لصوته مناديًا عليها:
-إيثار
التفت تتمعن النظر إليه ليقول بذات مغزى بعدmا تيقن أنها تواجه ألمًا نفسيًا:
-مفيش حاجة في الدنيا تستاهل زعلك يا بنتي، وتأكدي إن مفيش مخلوق يقدر يأذيكِ طول ما أنا في ظهرك،وطول ما أنتِ واقفة لهم بالمرصاد
نطق كلمـ.ـا.ته قاصدًا بها عائلة طليقها إعتقادًا منه انهم سبب تلك الحالة لتبتسم له وهي تقول بامتنان:
-ربنا يخليك ليا.
أومأ لها ليطمأنها وبعدها نطق بممازحة:
-إتصلي بالبوفية خليهم يعملوا لي فنجان قهوة يظبط لي مزاجي اللي صوت صراخك العالي عكرهولي
ضحكت رُغمًا عنها لتعود لمكتبها تباشر اعمالها بعدmا طلبت من البوفية عمل القهوة لرب عملها.
**********
داخل منزل والد نسرين زوجة عزيز
كانت تجلس فوق الأريكة بانتظار والدتها التي ولجت لحجرة نومها كي تجلب لها المال التي بعثت به سمية وبالمرة ترتدي ثياب الخروج كي تذهب بصحبة ابنتها إلى المركز لشراء بعض قطع المصوغات الذهبية،خرجت شقيقتها الصغرى من المطبخ للتو لتقول بنبرة مستاءة بعدmا جاورتها الجلوس:
-اللي اسمها سمية دي دmها تقيل بشكل
هتفت الاخرى مستفهمة:
-ليه يا بت يا ألاء،قالت لك إيه العقربة دي؟
ردت الفتاة باستياء:
-قالت لي قولي لاختك تصرفيهم على صحتك
احتدmت ملامحها لتنطق بحقدٍ دفين:
-بنت الـ...،ماشي يا سمية،أنا هوريكِ
عبست ملامح شقيقتها لتهتف باستنكار:
-يا بااااي تحسيها بني أدmة جعانة،أنا مش عارفة عمرو إبن الحاج نصر بجلالة قدره إتجوزها إزاي الشرشوحة دي
-المفروض تقضي باقية عمرها وهي بتدعي لي، لولا وقفتي معاها عمرها ما كانت تحلم تدخل بيت سيادة النائب خدامة...نطقتها بغل لتلج إليهما والدتها التي ألقت بالمال داخل حجرها وهي تقول:
-خدي الفلوس عديها وإتأكدي إنها مش ناقصة على ما ألف الطرحة
امسكت بالكيس الاسود لتنظر له باشمئزاز قائلة:
-حطاهم في كيس إسود المعفنة
رمقتها شقيقتها باستنكار:
-أمال عوزاها تحطهم لك في كيس هدايا
ولج شقيقها الاوحد علاء أثناء عدها للنقود فوقف ينظر لها بعينين زائغة ليسألها بصوتٍ مرتاب:
-إنتِ جايبة الفلوس دي كلها منين يا نسرين؟!
-من عند الله يا علاء...قالتها وهي تدس المال داخل حقيبة يدها الخاصة ليجلس بجوارها وهو يقول:
-بقول لك إيه، مـ.ـا.تسلفيني الفلوس دي أسافر بيهم إيطاليا واول ما الدنيا تلعب معايا هبعتهم لك وأكتر كمان
قربت الحقيبة من صدرها لتحتضنها بقوة وهي تقول برفضٍ تام:
-لا يا حبيبي، لا عاوزة منك اكتر ولا أقل، دول شقى عمري كله، عاوزني اديهم لك وأقعد اشحت
إلتصق بشقيقته محاولاً إقناعها:
- يا بنتي إسمعي الكلام،كل اللي راح إيطاليا عيشته اتبدلت،وأديكي شايفة جلال إبن خالتك إحسان جارتنا غير حالة أهله إزاي، وبعد ما كانوا مش لاقيين الرغيف الحاف بقوا يشتروا أرض وهدوا بيتهم وبنوه من جديد
زفرت بضيق لتقول بنبرة بـ.ـاردة لغلق النقاش بالموضوع بشكلٍ نهائي:
-بقول لك إيه يا علاء،إنزل من على نفوخي وريح نفسك،علشان لو إيه اللي حصل الفلوس دي مش هدي منها مليم لمخلوق
تحدثت ألاء إلى شقيقها بنبرة لائمة:
-هو أنتَ لسه حاطط موضوع السفر في دmاغك بردوا يا علاء
-ومش هرتاح غير لما أسافر...نطقها الفتى صاحب الأعوام الأربع وعشرون لتجيبه شقيقته:
-مش ابوك قال لك تنسى حكاية السفر دي وتطلعها من دmاغك
واستطردت بنبرة متأثرة:
- أبوك وحداني وأنا وامك واختك ملناش راجـ.ـل غيرك، لو سافرت هتسيبنا لمين، ده أنتَ ظهر أبوك والحيطة اللي أمك مسنودة عليها
نطق الفتى بنبرة منكـ.ـسرة ساخطة على الظروف المحيطة به:
-حيطة مايلة وظهر كـ.ـسره الفقر يا بنت أبويا،خليني أسافر وأجرب حظي يمكن الدنيا تضحك لي زي ما ضحكت لغيري
قالت نسرين ناصحة لأخيها:
-هو لازم يعني السفر،روح مصر اشتغل هناك والدنيا تضحك لك
لتسترسل بعينين حاقدة:
-ما عندك العقربة أخت جوزي اللي اسمها إيثار،خدت إبنها وهجت على مصر،ومسافة كام سنة بقى عندها الشقة التمليك والعربية
قطع حديثهم صوت والدتها التي هتفت من الخارج دون ان تعلم بوجود نجلها:
-هتاخدي الغوايش الاولانيين تغيريهم ولا هتجيبي جديد بس المرة دي يا نسرين؟
اتسعت عيني شقيقها وسال لُعابه بعد ما استمع إلى حديث والدته لتهتف وهي تنظر لذاك الذي لا يعلم شيئًا عن تلك الاموال التي تلقتها من سمية لا هو ولا أبيها حيث ظل السر بين المرأة وابنتيها لخطورة انتشاره:
-كلام إيه اللي بتقوليه يا ماما
هبت من جلوسها لتخرج وهي تجذبها من ذراعها وتقول:
-يلا هنتأخر
ارتبكت المرأة بعدmا رأت نجلها الذي خرج من الغرفة لتقول بـ.ـارتباكٍ ظهر بهيأتها:
-إنتَ جيت إمتى يا علاء؟
-من شوية يا اما... قالها ليتحرك لغرفته لتهتف نسرين ناهرة والدتها:
-يعني كان لازم تنسحبي من لسانك قدام الولا يا أما
اشارت بكفها وهي تقول بلامبالاة:
-وانا اش عرفني إنه هنا
تحركتا للامام وهي توصي نجلتها:
-خلي بالك من البيت على ما نرجع يا ألاء
أومأت الفتاة بطاعة وبعد مرور حوالي الثلاث ساعات عادت الأم لحالها حيث عادت نسرين على منزل زوجها كي لا يشعر احدًا على غيابها الكثير،وقفت الأم أمام خزانة الملابس لتخرج عُلبة كبيرة من تحت طيات الملابس الخاصة بها وتضع بداخلها المصوغات التي ابتاعتها نسرين لتتنهد الأم براحة واطمئنان على مستقبل نجلتها غير عابئة بمصدر الأموال وما إذا كان مصدرًا حلالاً أم حـ.ـر.ام،أغلقت العلبة غافلة عن كلتا العينين التي تراقبها عن كثب من خلف الباب.
**********
بعد مرور خمسة أيام لم يستطع بهم الوصول إليها برغم محاولاته العديدة والمتكررة، كان يجلس بغرفته يتوسط فراشه ممسكًا بسيجارة ينفث بها بشراهة لتدخل فريال بعدmا دقت فوق الباب للإستئذان، جحظت عينيها بذهولٍ مما رأتهُ، فقد كان دخان السجائر كثيفًا ومعبيء الغرفة العاتمة لغلق ستائرها السوداء لتهتف بصوتٍ مرتعب:
-إيه اللي إنتَ عاملة في نفسك ده يا فؤاد
تحركت صوب الستائر استعدادًا لفتحها ليهتف الاخر محذرًا:
-سيبي الستاير مقفولة وإطلعي برة يا فريال
هتفت بنبرة قوية وهي تشرع بفتح الستائر ليظهر نور شعاع الشمس الساطع على زجاج الشرفة ليهب منتفضًا ليصل إليها بجلبة واحدة وهتف صارخًا بحدة وهو يجذب الستارة منها ويغلقها من جديد:
-قولت لك سبيها وأخرجي، إنتِ إيه، مبتفهميش؟
ذُهلت من حدة شقيقها معها لتهتف متجنبة إهانتها وهي تقول بعناد:
-مش هسيبك قبل ما تقول لي مالك،وعامل في نفسك كده ليه؟!
-وإنتِ مالك... نطقها بصياحٍ غاضب ليسترسل مزمجرًا وهو يرمقها بعينين تطلق شزرًا:
-حاشرة نفسك في حياتي ليه؟
حملقت به لتهتف بحدة غاضبة من حديثه:
-أنا أختك وخايفة عليك
زمجر صائحًا باعتراض بوجهٍ عابس على وشك الإنفجار:
-أختي مش أمي،حتى أمي ملهاش الحق في إنها تتدخل في حياتي بالشكل الحشري ده
واشار بيده نحوها رامقًا إياها بازدراء أحـ.ـز.ن قلبها:
-روحي اشغلي نفسك بجوزك بعيد عني
واستطرد بحدة:
-ولو قـ.ـا.تلك الفراغ قوي كده لدرجة إنك جاية تشغلي وقتك بيا فاتفضلي شوفي لك حاجة تسليكي غيري،إطلعي إشتغلي ولا روحي قضي وقت مع صاحباتك في النادي، المهم تحلي عني وتحطي حدود في التعامل بينا،لأني مش هقبل تدخلك في حياتي أكتر من كده
اتسعت عينيها بصدmة لتقول وهي تشير بذهولٍ على نفسها:
-إنتَ بتقول لي انا الكلام ده يا فؤاد؟!
رمقها بقوة ليهتف متهكمًا:
-هو فيه حد هنا غيرك!
صدmة ألجمت لسانها لتشله، لأول مرة يتحدث معها شقيقها المهذب بتلك الطريقة المهينة، ظل يتبادلان النظرات هي بمصدومة وهو بسخطٍ إلى أن قطع صمتهما دخول عصمت التي هتفت بـ.ـارتيابٍ ظهر بصوتها المرتعب:
-فيه إيه،صوتكم جايب اخر الجنينة تحت،إيه اللي حصل؟!
ليباغتها صياح إبنها الغاضب حيث انفجر ساخطًا وكأنهُ قرر إخراج كل ما يغضبه دفعتًا واحدة بوجههما:
-ياريت يا دكتورة تفهمي بنتك إن ليها حدود معايا واللي مش هقبل بعد كده إنها تتخطاها
واستطرد مشيرًا بأصبع يده للأسفل:
-وياريت تفهم إن الأوضة دي حدودي الشخصية وراحتي اللي مش هقبل من أي حد يقتحمها ويعدل على طريقة عيشتي فيها
التفتت لابنتها لتسألها باستغراب:
-عملتي إيه لـ أخوكِ نرفزة بالطريقة دي؟!
اتسع بؤبؤ عينيها لتقول وهي تهز رأسها بدmـ.ـو.عٍ وانهيار من عدm استيعابها لما يحدث:
-والله ما عملت له حاجة يا ماما
هتف بصوتٍ صارخ وكأنه يريد التخلص من كل ما يـ.ـؤ.لم قلبه عن طريق تلك الصرخات:
-بتبلى عليكِ أنا، صح،مـ.ـجـ.ـنو.ن بقى تقولي إيه
اتسعت عيني عصمت على مصراعيهما لتنطق علها تستطيع تهدأت ذاك الثائر:
-إهدى يا فؤاد وفهمني من غير صراخ
مازالت عيناهُ تقطر غضبًا فأشاح بكفاه ليهتف ناهرًا:
-الهانم داخلة تعدل عليا، فكراني مراهق إبن الـ 16 وجاية تعلمني الأدب
لم تستوعب شيئًا من حديثه لتنظر لابنتها تستعلم منها عن ماحدث لتجيبها بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة بسبب شهقاتها حيث لم تستطع كبح دmـ.ـو.عها لتنهمر بغزارة متأثرة بحديثه المهين:
-كل اللي عملته إني فتحت الستاير علشان تهوي الاوضة لما لقيتها مكتومة من ريحة السجاير والدخان اللي ماليها
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة وهو يصـ.ـر.خ عاليًا:
-وتفتحي الستاير ليه، وإيه اللي يدخلك أوضتي من اصله!، أنا عمري إتدخلت في حياتك ولا قربت من أي حاجة تخصك؟
واستطرد ناهرًا بحدة:
- زي ما بحترم خصوصيتك ومحترم حدودي فـ انتِ مجبرة إنك تتعاملي معايا بالمثل وما تتعديش حدودك معايا
كانت تستمع لكلمـ.ـا.ته الناهرة وهي تهز رأسها بذهول، ماذا يحدث ومن هذا بحق الله، أهذا هو شقيقها ذاته، نفس الشخص الذي طالما غمرها بحبه وعطفه وما ترك مناسبة إلا وعبر لها من خلالها عن إحترامه ومدى قدرها لديه؟!
تألمت عصمت لرؤية صغيرها العاقل بكل هذا الغضب الأقرب للجنون، أشارت لابنتها بعينيها لتخرج فريال بعدmا رمقت شقيقها بنظراتٍ تحمل الكثير من اللوم لتتنهد الأم وهي تقول في محاولة منها لتهدأت روعه:
-أنا هتكلم مع فريال واخليها تبعد عن أي حاجة تخصك بعد كده
تطلعت عليه ثم تحركت للخارج بخطوات ثابتة دون التفوه بكلمة واحدة وما أن أُغلق الباب حتى وضع كفيه فوق شعر رأسه ليجذبهُ بقوة ويدور حول نفسه كالأسد الحبيس، يجذب خصلات شعره بعصبية مفرطة تنم عن مدى وصولهُ لقمة الغضب.
**********
بعد منتصف الليل
تسحب علاء إلى غرفة والديه بعدmا تأكد من دخولهما في سباتٍ عميق تحرك على أطراف أصابعه وفتح خزانة الثياب ليسحب العُلبة التي تحمل المصوغات الخاصة بشقيقته ويخرج سريعًا ويغلق خلفهُ الباب من جديد بهدوء دون أن يشعر عليه أحد،اتجه مباشرةً لغرفته ليتطلع على حقيبة ثيابهُ بعدmا جمع بها كل ما يخصه إستعدادًا للهجرة وذلك بعدmا ذهب لأحد الرجـ.ـال المختصة بأمر الهجرة غير الشرعية وابرم معه إتفاقًا بحجز مكانًا بالسفينة المهاجرة فجرًا مقابل المصوغات الذهبية،فتح علبة المصوغات ونظر داخلها بشراهة ليقول:
-إنتِ اللي بدأتي لما رفضتي تديني جزء من الدهب أصرف بيه نفسي، اديني خدتهم كلهم يا نسرين
اغلق العلبة ليضعها سريعًا داخل الحقيبة واحكم غلقها ثم حملها بذراعه ليهرول على عجالة تاركًا المنزل ليهرب من البلد بل والدولة بأكملها
↚
«صمودك بات لا يُجدي ومازلتِ تُقاومين والأنفاسُ تتصارع،حتي تخطيتي بصبركِ عقبة الأوجاع الضالة بمُفردك،والأن،قد نجى بعضك من كُلك أيضاً بمُفردك.»
إيثار غانم الجوهري
بقلمي« روز أمين»
أشرقت شمس يومًا جديد لتُعلن عن أحداثًا جديدة وتطورات داخل حياة كلاً منا،فاقت نوال من غفوتها توضأت وقامت بقضاء ركعتي الضُحى لتتحرك نحو المطبخ بعدmا انتوت تجهيز وجبة الإفطار لنجلها قبل أن يذهب لعمله كـ كُل يوم إلى أحد المطاعم المتخصصة بطهي وبيع "الكُشري المصري" الذي يعمل به، وأثناء إعدادها لوجبة البطاطس المقلية المفضلة لدى نجلها ولجت إليها ألاء حيث تحدثت وهي تتكأ على باب المطبخ:
-صباخ الخير يا ماما
ردت الأم وهي تتابع تقليب أصابع البطاطس داخل الزيت:
-صباح النور،صحي أخوكِ يلا علشان مايتأخرش على أكل عيشه
-حاضر...نطقتها الفتاة وتحركت في الحال إلى حُجرة شقيقها لتدق بابها قبل أن تدخل وتُفاجأ بعدm وجوده،كادت أن تُغلق الباب مرةً أخرى لتعاود لوالدتها لكنها تسمرت عنـ.ـد.ما جذب انتباهها تلك الورقة المُعلقة على ظهر التخت والمثبتة بقطعة صغيرة من العلكة الممضوغة،تحركت إليها وجذبتها وبدأت بقراءة محتواها لتجحظ عينيها على مصراعيهما في صدmة لتصيح وهي تهرول إلى والدتها قائلة بصوتٍ يرتجفُ من هول الصدmة:
-إلحقي يا ماما
إلتفت المرأة تنظر لابنتها بتمعُن لتتابع الاخرى صياحها:
-علاء سرق الدهب بتاع نسرين وطفش
دقت على صدرها لتصرخ بتساؤل:
-إنتِ بتقولي إيه يا بِت، طفش راح فين؟!
-سافر على المركب اللي رايحة إيطاليا...نطقتها لتشهر بالورقة بوجهها وتكمل:
-ساب جواب بيقول إنه أخد الدهب بتاع نسرين وسافر بيه، ولما الدنيا تمشي معاه هناك هيبعت لها فلوسه
صرخت المرأة نادبة:
-يا دي المصيبة، أبوكِ لو عرف هيروح فيها
واسترسلت وهي تدق على فخـ.ـديها بنحيبٍ:
-ولا أختك،دي لو عرفت إنه سرق دهبها هتخرب الدنيا،ومش بعيد تفتكر إني متفقة معاه
قاطعتها الفتاة لتهتف بخوفٍ على شقيقها:
-سيبك من نسرين الوقت يا ماما وخلينا في علاء،إحنا لازم نعرف هو سافر مع مين علشان نطمن إنه وصل بالسلامة
نظرت للفتاة وهزت رأسها بيأسٍ وحيرة وشعورًا بالرعـ.ـب ممتزجًا بالغضبِ وقلة الحيلة سيطروا عليها
**********
بجسدٍ مرهق كان يتوسط فراشه غافيًا على بطنه بشكلٍ عشوائي لا يرتدي سوى شورتًا قصير،انتبه على صوت المنبة الذي صدح صوته من خلال هاتفه المحمول، مد يده بعشوائية فوق الكومود وبات يتحسس باحثًا عن الهاتف حتى عثر عليه وقربه أمام عينيه استعدادًا لغلقه،رفع رأسهُ وجاهد بفتح أهدابه بصعوبة ترجع لنومه لبضع سويعاتٍ بسيطة،أغلق الهاتف ليرمي رأسهُ من جديد فوق الوسادة بإنهاكٍ شـ.ـديد،لم تمر عدة ثواني حتى رفع جسده متحاملاً على حاله وجلس مستندًا للخلف،تنفس بهدوء ومسح على وجههِ بكف يده ثم بسط ذراعه ليجلب عُلبة كانت موضوعة فوق الكومود وبدأ بفتحها وإخراج أحد الهواتف الذكية منها،بدأ بتركيب خطًا جديدًا قد ابتاعه بالأمس مع الهاتف وسجله باسم شقيقته ليستطيع من خلاله التواصل مع من استطاعت قلب حياته رأسًا على عقب منذ أن تركته وقطعت جميع خيوط الوصل تاركة إياهُ بلا قلب بعد أن سلبتهُ إياه وعقله حتى أصبح كالمچنون المغيب،فتح الهاتف وسجل رقمها وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يضغط على زر تسجيل الرسائل الصوتية لينطق بصوتٍ أقرب إلى الهمس يفيضُ من الإشتياقِ والعشق ما يجعل الحجرُ يلينُ:
-حشـ.ـتـ.ـيني و ،نفسي أسمع صوتك،أشوف عيونك حتى لو هتبص لي بلوم، بس أشوفها واملي عيوني منها
سألها بنبرة لائمة كي يلينُ قلبها وتعي لما أوصلته إليه:
-طب أنا موحشتكيش،مهو مش معقول أكون بتعـ.ـذ.ب بالطريقة دي وهمـ.ـو.ت وأشوفك،وإنتِ مش فارق معاكِ وجودي في حياتك من عدmه
نطقها بصوتٍ متأثر ليتابع بصوتٍ راجي:
-إيثار إحنا لازم نتكلم، مينفعش تنهي كل اللي بينا علشان غلطة،أيوة أنا غلطت وبعترف لك ومستعد اقضي الباقي من عمري وأنا بعتذر لك،بس متبعديش عني،إختيارك لعقـ.ـا.بي بحرماني منك منتهى القسوة،ده المـ.ـو.ت بالبطيء يا إيثار،علشان خاطري راجعي نفسك وإديني فرصة واحدة نتقابل ونتكلم،وأنا واثق إني هقدر أقنعك
تنفس بصوتٍ عالي يظهر كم الألم الساكن بداخله ليسترسل بوعدٍ صادق:
-أنا هعمل لك كل اللي يرضيكِ ويريحك،بس أرجعي لي،وحياة يوسف تديني فرصة تانية.
انتهى من تسجيل المقطع الصوتي وأرسلهُ وجلس يراقب ردة فعلها وبعد أن طالت المدة هب من مكانه ليتحرك إلى الحمام ويختفي خلف بابه بعدmا قرر غمر جسده بالماء البـ.ـارد علهُ يزيل من اشتعال روحه ولو قليلاً
بعد قليل نزل الدرج مرتديًا ثيابه بالكامل حاملاً حقيبته الجلدية استعدادًا للذهاب لعمله، تفاجأ بشقيقته تخرج من المطبخ حاملة طفلها الصغير،تنهد بثقلٍ في قلبه يرجع لو.جـ.ـعه مما حدث بينهما ليلة أمس،لم يكن يتخيل بيومًا من الأيام أن يحدث صدامًا بينه وبين شقيقته الوحيدة والتي يعتبرها إبنته ومدللة قلبه،تألم حين رأها تحول بنظرها بعيدًا عنه لتتحرك بطريقها متجاهلة إقترابه منها ليُسرع بخطاه حتى توقف أمامها وتعمق بمقلتيها ليجد فيهما حـ.ـز.نًا وألمًا وكثيرًا من الملامة، تنهد وبدون حديث قربها ليضمها إلى أحضانه ليميل مقبلاً رأسها،بادلته عناقه ليشـ.ـدد هو من احتضانها وبعد عدة ثواني ابتعد ليتحسس وجنتها قائلاً بنظرة ترجو السماح:
-أنا أسف
قطبت جبينها تنظر له متعجبة وهي تقول باستغراب:
-فؤاد إنتَ كويس!
ضيق ما بين عينيه مستفهمًا دون الإفصاح عنه لتتابع مسترسلة:
-إنتَ قولت آسف يا فؤاد؟!
لتستطرد بتفخيم للكلمـ.ـا.ت:
-فؤاد علام بيتأسف!
رفع حاجبه باستنكار قبل أن يجيبها بمشاكسة لتلطيف الاجواء:
-خلاص سحبتها واعتبريني ما قولتهاش أصلاً
هتفت سريعًا بمداعبة:
-لا وعلى إيه،ده حدث تاريخي والمفروض اوثقه
تبادلا الإبتسامـ.ـا.ت وهو يتحسس وجنتها بحِنو ليرفرف قلب عصمت من فرحته حين رأت نجلاها بكل هذا الوئام لتقترب عليهما وهي تقول بابتسامة:
-صباح الخير
لم تعلق على ما حدث بالأمس وقد قررت تخطي الأمر كي لا تُشعر صغيرها بالإحراج لتسترسل بوجهٍ بشوش وهي تُشير لهما نحو غرفة الطعام:
-يلا علشان تفطروا مع بابا
اقتربت على ابنتها لتحمل حفيدها الذي يحمل اسم ابنها الغالي وتتحرك أمامهما ليغمر فؤاد شقيقته بضمة حنون ويتحركا خلف والدتهما.
أما تلك الجريحة صاحبة أسوء حظًا فقد ولجت إلى غرفتها لجلب هاتفها وحقيبة يدها للإستعداد للذهاب إلى العمل بعدmا تناولت وجبة الإفطار بصحبة عزة والصغير،التقطت الهاتف ونظرت بشاشته لرؤية اخر المستجدات الخاصة بعملها ليلفت نظرها وصول رسالة صوتية،اعتقدت انها تخص العمل فشرعت لفتحها ليدق قلبها سريعًا وينتفض بمجرد استماعها لنبرة صوتهِ وعلى الفور ضغطت لإيقاف التكملة،شعرت بغصة مريرة سكنت بقلبها وكادت أن تحذف الرسالة وتحظر هذا الرقم أيضاً، لكن شيئًا بداخلها منعها ليعطي القلب أمرًا إلى العقل ليتوقف على الفور أصبع يدها الموضوع على زِر إختيار الحظر،تنفست كي تستطيع المواصلة لتفتحها من جديد وتستمع لصوته المتأثر،هزت رأسها بحيرة وجنون،لما دائماً تستشعر من صوته الصدق حتى بعد حديثه المهين وخيبة أملها به مازالت تستشف الصدق من كلمـ.ـا.ته،تأثر قلبها بنبراته الحزينة واستشفت كم النـ.ـد.م والألم الساكنان قلبه،أغمضت عينيها وضغطت على قبضت يدها لطرد شعوري الحنين والتأثر لتهتف بصوتٍ داخلي غاضب وناقم:
-استفيقي أيتها الغـ.ـبـ.ـية، امازلتي للأنَ بلهاءٌ وتنخدعين بصوت ذاك الحقير المتلاعب بقلوبِ النساء؟ ألم تتيقني بعد أنهُ بـ.ـارعٌ باللعب بالكلمـ.ـا.ت والمشاعر،اتركي كل هذا الهراء خلفكِ وانطلقي للأمام، ضعي صغيركِ أمام عينيكِ فهو الوحيد الذي يستحق عنايتك واهتمامك وجُل مشاعركِ، استفيقي بالله عليكِ ولا تدعي الفرصة لتلك الأحاسيس الغـ.ـبـ.ـية لتتحكم بكِ،كفا ما حدث للأن فقد انقذتكِ العناية الإلهية من براثن ذاك المخادع،فلتحمدي الله ولتمضي بطريقكِ دون الإلتفات للخلف.
فتحت عينيها وبملامح تحمل الكثير من الحقد والغضب حذفت الرسالة وحظرت الرقم ملقية بإشارات ونداءات قلبها عرض الحائط،رفعت قامتها للأعلى لتأخذ نفسًا قويًا وتحركت للخارج بقلبٍ أشبهُ بمـ.ـيـ.ـت.
وأثناء تناولهُ لوجبة الإفطار التي تناولها بفقدانٍ كامل للشهية وعدm تركيز لاحظه الجميع لكن لم يعلقوا إحترامًا لتلك الحالة الجديدة على عزيز أعينهم وخصوصًا بعدmا حدث ليلة أمس،على غير عادته أخرج هاتفه من جيب سترته لينظر بشاشته بلهفة ظهرت بعينيه لتتحول لإحباطٍ وحـ.ـز.ن كَسىَ ملامحهُ بعدmا رأى حظرها للرقم ليتنهد بيأس تحت نظرات علام الذي لاحظ تغيرات نجله ليسألهُ كي يطمأن عليه:
-مالك يا فؤاد، شفت حاجة ضايقتك في التليفون؟!
انتبه لحديث والده الذي اخرجه من شروده ليهز رأسهُ سريعًا وهو يقول بنفيٍ قاطع:
-مفيش حاجة يا باشا
انتفض من مقعده ليقول بصوتٍ جاد فاقدًا للحيوية:
-أنا مضطر أمشي علشان متأخرش
تحدثت عصمت بصوتٍ حنون:
-كمل القهوة بتاعتك يا حبيبي
-هشرب غيرها في المكتب يا ماما،بعد إذنكم...جملة نطقها بصوتٍ خالي من الحياة لينسحب للخارج بخطواتٍ سريعة وكأنهُ يهرب من شيئًا يطاردهُ،نظر علام إلى زوجته يستشف منها حالة نجله لترفع له كتفيها بعدm استيعاب لما يجري لصغيرهما ويصمتا تحت حـ.ـز.ن فريال على ما أصاب شقيقها مؤخراً
**********
عِند الغروب
كانت نوال تجلس داخل غرفتها بقلبٍ يحمل الكثير والكثير من الهموم،ولجت ألاء لتقول بنبرة مرتعبة:
-وبعدين يا ماما، هنعمل إيه في المصيبة اللي إحنا فيها دي؟
دقت على فخديها لتهتف نادبة:
-مش عارفة،حاسة إني متكتفة ومش عارفة أعمل إيه
نطقت الفتاة بترقب:
-المفروض كنا قولنا لبابا علشان يتصرف
هتفت بصوتٍ منهار:
-هقول له إيه، إبنك سرق دهب اخته وسافر بيه ومش عارفين إذا كان وصل ولا بعد الشر حصل له حاجة؟!
لتستطرد وهي تتلفت حولها بعينين زائغتين:
-ولو سألني بنتك جابت الدهب منين أرد عليه وأقول له إيه؟
صرخت بالكلمة الاخيرة ليباغتها ولوچ زوجها الذي عاد من أرضه ليأخذ مالاً لشراء بعض السماد اللازم لتسميد الأرض فاستمع لحديثهما ليهتف متسائلاً بقوة:
-دهب إيه اللي بتتكلمي عنه يا وليه؟
وابنك فين؟ نطقها بصراخ لتبتلع المرأة لعابها برعـ.ـبٍ من هيأة زوجها وبعد إلحاحٍ وضغطًا من الأب اعترفت الفتاة لأبيها بكل ما حدث،مازال تحت تأثير الصدmة ليخرجه منها تلك الخبطات التي صدحت على الباب ليهرول الرجل وخلفه زوجته وابنته ليفتح الباب ويتفاجأ برجلاً يرتدي زيًا خاص برجـ.ـال الشرطة ليسأله بنبرة جادة:
-ده بيت علاء محمد أبو سريع
رد الرجل بـ.ـارتياب وقلبًا يرتجف خوفًا من القادm:
-أيوا يا باشا أنا أبوه
هز الرجل رأسه ليخبرهُ بهدوء:
-الظابط عايزك في القسم
ليه، خير يا باشا...نطقها بتوجس لتصيح المرأة متسائلة بنبرة مرتعبة وقلبٍ يشعر بما أصاب نجلها:
-إبني جراله إيه يا بيه،طمني وحياة حبيبك النبي
تنهد الرجل لينطق بيأسٍ:
-البقية في حياتك يا حاجة،إبنك غرق هو وكل اللي كانوا معاه في المركب اللي كانت مهاجرة لـ إيطاليا
صرخة مدوية هزت أركان المنزل بأكمله ليهتز جسد الرجل ويرجع للخلف مستندًا على الجدار لكي لا يسقط أرضًا من هول مصيبته الكبرى
هتفت الفتاة وهي تسأل الشُرطي كـ غريقًا يتعلق بقشة كي يبقى على قيد الحياة:
-إنتَ متأكد إن علاء أخويا غرق، مش يمكن يكون لسة عايش؟!
البلاغ جالنا من السلطات الإيطالية باسماء الجثث اللي طلعها خفر السواحل، وجثة اخوكِ كانت من ضمن الجثث
تعالت الصرخات وحضر الجيران لتشارك النسوة بالصراخ، ذاع الخبر المشؤوم بين الناس لينتشر بأرجاء البلدة بأكملها حتى وصل إلى نسرين،ذهب الأب وتأكد من وفاة نجله عن طريق الصور التي بُعثت للشرطة عن طريق إيطاليا لتأكيد الأهالي من جثث زويهم، أخبر الضابط الاهالي ان الأمر سيستغرق بضعة أيام لوصول الجثامين،كان المنزل يأج بالنساء اللواتي ارتدين ثيابهن السوداء وحضرن لتقديم واجب العزاء،وصلت نسرين بصحبة والدة زوجها ونوارة بعدmا علمت بالنكبة التي حلت بعائلتها لتصرخ وهي تقترب على والدتها وتحتضنها لتصيح الاخرة بعدmا دفعتها لتسقط بعيدًا منبطحة على الارض لتقول وهي تنظر إليها بكرهٍ وحقد:
-إطلعي برة بيتي يا ملعونة،إنتِ السبب في اللي جرا لإبني، لولا دهبك الملعون مكنش راح للمـ.ـو.ت برجليه،إنتِ اللي قـ.ـتـ.ـلتي ابني
اتسعت عينيها بذهول من حديث والدتها وهجومها الغير مبرر والتي لا تعلم مصدرهُ،اقتربت منيرة لتساند زوجة نجلها حتى تنهض بمساعدة مجموعة من النساء التي تسائلت إحداهُن بفضولٍ قـ.ـا.تل:
-دهب إيه اللي امك بتتكلم عليه يا نسرين؟
تبرعت اخرى بالإجابة لتبرير ما حدث من وجهة نظرها:
-الولية شكلها فقدت عقلها من اللي حصل،الله يكون في عونها،ضهرها بقى عريـ.ـان هي وجوزها وبناتها الإتنين بعد ما الواد اللي حيلتهم راح في غمضة عين
جحظت عيني نسرين بعدmا استوعبت لكلمـ.ـا.ت والدتها لتقترب عليها وتمسكها من ذراعيها كالتي فقدت عقلها وتهزها بعنفٍ وهي تقول صارخة بعدm استيعاب:
-إنتِ بتقولي إيه يا ماما، بتقولي إيــه؟!
جذبت ألاء قبضتها من فوق ذراعي والدتها وهي تبعدها ناهرة بذات مغزى:
-اللي سمعتيه ووصل لك، وكفيانا فضايح بقى، كفاية اللي حصل، أخوكِ راح خلاص،كله راح يا نسرين، كله راح
لطـ.ـمـ.ـت خديها وباتت تطلق صرخاتًا هزت صداها أرجاء البلدة بأكملها،لا تدري ما إذا كانت صرخاتها المدوية تلك تطلقها لأجل مصابها الجلل«وفاة شقيقها الوحيد»إما أنها حـ.ـز.نًا وقهرًا على أموالها التي حصلت عليها من سمية عنوةً عنها مقابل مساعدتها في تدmير زواج إيثار وحصول الاخرى عليه كـ زوجًا لها،والان فقدت كل شيء بلمح البصر
هبت المرأة بعدmا لاحظت صرخات ابنتها الطامعة وتيقنت بأنها تنعي مالها وتندب حظها وليس أخاها لتمسكها من ذراعها وتسحبها باتجاه الخارج تحت صيحات وتدخلات النساء اللواتي حاولن تخليص الفتاة من قبضة والدتها ولكن هيهات،ظلت تجرها حتى وصلت بها إلى البوابة لتُلقي بها خارج المنزل وهي تقول صارخة:
- إطلعي برة وإياكِ تخطي برجلك هنا تاني، البيت ده بقى محرم عليكِ
وبشهد كل الناس اللي موجودة،إن مـ.ـو.ت قبلك غُسلي وجنازتي محرمين عليكِ
-وحدي الله يا أم علاء وإعقلي...نطقتها منيرة لتهب المرأة وهي تغلق الباب بوجه كلتاهما:
-غوري يا ولية إنتِ كمان وخدي مرات إبنك من هنا، مشوفناش من وراكم خير
قالت كلمـ.ـا.تها لتقذف الباب بوجهيهما،حولت الفتاة بصرها إلى والدها الجالس فوق المقاعد يتلقى واجب العزاء لنجدتها لكنها تفاجأت به يرمقها باشمئزاز وكُرهٍ فعلمت أن والدتها أخبرته بقصة الذهب فقررت الإنسحاب للحفاظ على ما تبقى من كرامتها التي بعثرت أمام سُكان البلدة بأكملها،استغرب عزيز المجاور لوالد زوجته ما حدث للتو لكنه قرر التغاضي للوقوف بجانب الرجل في هذا الظرف السئ، سندتها منيرة ونوارة التي خرجت خلفهما لتذهب بصحبتيهما، هتفت منيرة متسائلة بتشكيك لما حدث:
-هو فيه إيه بينك وبين امك يا نسرين، الولية زي اللي صابها الجنان أول ما شافتك قدامها؟!
ابتلعت لعابها لتجيب بنحيبٍ ودmـ.ـو.ع لم تنقطع حـ.ـز.نًا على شقيقها واموالها معاً فقد تلقت ضـ.ـر.بة مزدوجة ممـ.ـيـ.ـتة:
-واحدة إبنها الوحيد مـ.ـا.ت غرقان وحتى جثته لسة مدفنتهاش، عوزاها تجيب العقل منين؟!
ضيقت بين عينيها بتشكيك لروايتها:
-واشمعنا إنتِ اللي عملت معاكِ كده؟!
لتتابع بتبرير متعجب:
-ما اختك قاعدة جنبيها وساندين على بعض الإتنين
صرخت بعدmا فقدت القدرة على التحمل من كثرة الضغط عليها من تلك المرأة فاقدة الحِس:
-هو أنتِ بتحققي معايا ولا إيه، مـ.ـا.تسبيني في حالي، مش كفاية المصيبة اللي حطت على دmاغي
نطقت نوارة بعدmا شاهدت إنهيار تلك الـ نسرين لتقول برجاء:
-خلاص يا مرات عمي،سبيها في اللي هي فيه
لوت فاهها واسنداها طوال الطريق حتى وصلا للمنزل لتهرول نسرين إلى مسكنها وتبدأ في الصراخ والعويل نادبة لحظها العسر بعد أن خسرت كل شئ.
ليلاً
ولج عزيز إلى مسكنه وجدها مسطحة فوق تختها تبكي وتنتحب بانهيارٍ تام، جلس بجوارها وتحدث بعدmا ربت على ظهرها:
-البقية في حياتك يا نسربن، الله يرحمه
لم تجيبه بل ظلت على وضعها وصوت شهقاتها ارتفع ليسألها متعجبًا لما رأى دون مراعاة حالتها النفسية:
-هي خالتي نوال رمتك برة البيت ليه يا نسرين؟!
التفت اليه لتهب جالسة وهي ترمقه بغضب:
-هو فيه إيه النهاردة، محدش عنده دm ليه،الكل بيسأل عن اللي حصل من أمي ومحدش واخد باله إن أخويا الوحيد مـ.ـا.ت؟
-هو حد قالك حاجة يا بنت الناس علشان تصرخي كده، ماأنا أول مادخلت قولت لك البقية في حياتك...نطقها بحدة ليسترسل موضحًا بتعجب:
-وبعدين سألتك علشان بصراحة اللي حصل من امك غريب وملوش تفسير
لاحت بمخيلتها كذبة لتقول لتنأى بحالها من أسألتهم التي ارهقت عقلها وزادت من سوء حالتها النفسية:
-كنت متخانقة أنا وعلاء قبل ما يمشي بيوم، إرتحت يا عزيز؟!
تطلع عليها بضيق ليهز رأسه بلامبالاة وتمدد بجوارها ليغفو بعد قضاء يومٍ شاق بالنسبة للجميع
*********
عصر اليوم التالي
كانت تجلس بصحبة نجلها تراجع معه دروسه بتمعن واهتمام، استمعت لصوت رنين هاتفها فـ ردت حين وجدته رقم نوارة:
-إزيك يا نوارة
ردت تلك الخلوقة بصوتٍ هادئ:
-الله يسلمك يا إيثار، عاملة إيه يا حبيبتي ويوسف عامل إيه؟
-إحنا بخير الحمدلله، طمنيني على بابا...قالتها باهتمام وترقب لترد الاخرى:
-الحمدلله كويس
أخذت نفسًا لتسألها باطمئنان:
-الفلوس اللي بعتها لك على الكاش وصلتك؟
-آه يا اختي كتر خيرك،صرفتهم ورحت اشتريت بيهم الكوتشات للعيال... نطقت كلمـ.ـا.تها بعرفان لتلك الحنون التي تبعث لها بين الحين والاخر بعض الاموال كي تساعدها على شراء بعض مستلزمـ.ـا.ت الصغار سرًا بدون علم أحد حتى وجدي بذاته وكان هذا شرط إيثار، لتسترسل نوارة:
-أنا متصلة بيكِ علشان اقول لك إن علاء أخو نسرين تعيشي إنتِ
اتسعت عيني إيثار لتقول بصوتٍ متأثر:
-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، إتوفى إمتى وإزاي؟
قصت لها ما حدث تحت حـ.ـز.ن إيثار على خسارة الشاب لعمره لتتابع الاخرى بتوضيح:
-أنا قولت أبلغك علشان تكلميها وتعملي الواجب
تنهدت بهدوء لتقول بعقلانية:
-خليني بعيد عن نسرين أحسن يا نوارة، أنا مشفتش منها قليل واللي عملته فيا كتير، كفاية إنها طول الوقت بتحرض ماما وعزيز عليا
واسترسلت بتخوف:
-وبعدين دي بني أدmة مريـ.ـضة، مش بعيد تفتكر إني مكلماها علشان اشمت فيها،وتسمعني كلمتين ملهومش لازمة
لتستطرد بحزم:
-ربنا يصبرها ويرحم اخوها،بس هي وعزيز البُعد عنهم غنيمة، وانا مش عاوزة اتواصل معاهم لأي سبب
-اللي يريحك إعمليه يا إيثار،أنا قولت اقول لك وإنتِ أدرى بمصلحتك... قالت كلمـ.ـا.تها لتسترسل بإبانة ما حدث:
-على العموم أهو ربنا خد لك حقك منها،وزي ما حرضت أمك عليكِ ربنا سلط أمها طردتها وبهدلتها من قلب العزا بتاع أخوها
ضيقت بين عينيها لتسألها باستغراب:
-مش فاهمة، وأمها تطردها ليه؟
أجابتها:
-ولا حد يعرف حاجة، الولية زي ما تكون اتجننت،فضلت تزق فيها لحد ما رمتها برة البيت واللي طالع عليها إنت ودهبك الملعون السبب في مـ.ـو.ت ابني
بلامبالاة أجابتها الأخرى:
-ربنا يسهل لها بعيد عني، خدي بالك من الولاد ولو احتجتي أي حاجة أو بابا ناقصة أي حاجة رني عليا وأنا هبعت لك على طول
شكرتها بعرفانٍ لتنهي المكالمة وتعود إيثار لمتابعة المذاكرة للصغير
**********
بعد مرور يومان
يفترش عزيز وشقيقاه النجيل داخل أرض والدهم وهم يعدون مشروب الشاي على تلك النار الشاعلة من بعض قطع أخشاب الاشجار،نطق عزيز موجهًا حديثه إلى أيهم:
-بقول لك إيه يا أيهم، مـ.ـا.تتصل باختك وتحاول معاها تاني في موضوع عمرو، ولا عاجبك وقف الحال اللي إحنا فيه ده؟
رد وجدي سريعًا بتذكير:
-وبعدين معاك يا عزيز، إنتَ نسيت كلام أبوك وتهديده للي هيقرب من إيثار؟
أجابه موضحًا مغزى حديثه:
-يا ابني إفهم الكلام، هو أنا بقول له روح هاتها متكتفة ولا غـ.ـصـ.ـب عنها؟
ليسترسل بإبانة وهو يرفع الوعاء من فوق النار ليبدأ بسكب الشاي داخل الاكواب:
-هو ليه كلام معاها وهي بتسمع له،هيتفاهم معاها بالراحة وهيقول لها كلمتين عن حالنا وحال عيالنا اللي يحـ.ـز.ن يحنن بيهم قلبها علينا
-ريح نفسك يا عزيز، إيثار من بعد أخر مرة كلمتها فيها وهي مش طيقاني وحطتني في اللستة جنبكم...نطق كلمـ.ـا.ته بحـ.ـز.ن سكن عينيه ليسترسل لائمًا على شقيقه:
-وبعدين مالها ظروفنا يا عزيز، ما احنا الحمدلله زي الفل اهو، أنا ووجدي موظفين وانا لقيت شغلانة تانية بالليل والحمدلله المرتبين ممشيين الحال، وادينا سيبنالك نتاج الأرض كله ليك ولعيالك، عاوز إيه بقى
ارتشف من كوبه لينظر لشقيقه بعدm رضا وهو يقول ناقمًا على حاله:
-نتاج أرض إيه يا حسرة اللي بتتكلم عليه يا سي ايهم، هي الملاليم دي بتعتبرها فلوس
ليستكمل بنبرة ساخطة:
-مش شايف العز اللي ولاد نصر غرقانين فيه، وكل مادا فلوسهم بتكتر وتزيد وإحنا يزيد فقرنا
قال وجدي برضا بعدmا فقد الأمل في العودة للعمل مع نصر بعد قرار والدهُ الحاسم:
-الحمدلله على اللي إحنا فيه يا عزيز،بص لغيرك اللي مش لاقي الرغيف الحاف واحمد ربنا
هتف بسخطٍ ومعارضة:
-وليه تبص للي مش لاقي، متبص للي بيلعب بالفلوس لعب
نطق أيهم بنبرة حادة لغلق هذا الموضوع:
-بص للي إنتَ عاوز تبص له يا عزيز بس إبعدني عن موضوع إيثار، أنا مش عاوز اغضب أبويا ولا محتاج حاجة من ورا نصر وعياله أصلاً
نطقها تحت غضب عزيز وحدة ملامحهُ
**********
كانت تغفو بغرفتها بجسدٍ منهك وعلى حين غرة شعرت بشيئًا ثقيل جثى فوقها لتفتح عينيها ببطئٍ لتجده صغيرها الذي صاح بنبرة حماسية:
-يلا يا مامي علشان نروح نشتري حلاوة المولد، وعاوز كمان حصان
حاضر يا حبيبي...نطقتها بهدوء لتقوم وتبدل ثيابها وتذهب بصحبة الصغير
ولج لداخل الكافية المرفق بمحل الحلوى الشهير بالعاصمة بصحبة صديقه المستشار شريف ليتناولا قطعتان من الحلوى مع احتسائهما لكوبين من القهوة الساخنة، جلسا وبدأ باحتساء قهوته مع مناقشتهما لقضية تشغل الرأي العام،وأثناء تطلعه للشارع من خلال جدران المحل الزجاجية توسع بؤبؤ عينيه وانتفض قلبه بداخل صدره معلنًا عن عصيانه وهو يرى من سلبته راحة باله برحيلها وهي تترجل من سيارتها ممسكة بكف طفلٍ صغير توقع أنه نجلها،كاد قلبهُ أن ينخلع من مكانه ليسبقهُ مهرولاً عليها وبدون سابق إنذار
انتفض من مقعده ليسأله شريف متعجبًا:
-على فين يا فؤاد باشا؟!
هروح أختار علبة حلاوة وأحجزها علشان اخدها معايا وأنا مروح...هكذا أجابه ليومي له الاخر
ساقته قدmيه إلى ان وصل امامها،نظر لها بعينين تفيضُ اشتياقً وولهًا وتألمًا،فقد أصبح في ابتعادها كسفينة بلا شراع تتوه في ظلمـ.ـا.ت البحر ولا تجد لها مرسى،كانت تقف أمام الفترينات المعروض بداخلها الحلوى لتنتقي من بينها القطع المحببة لديهم،انتبهت حاسة الشم لديها على رائحة عطره المميز لتلتفت سريعًا باحثة بعينيها عنه كما العطشانِ للإرتواء ليهتز جسدها وينتفض قلبها حين رأتهُ يقف بجانبها يشملها بنظراته الولهة لتبتلع ريقها خجلاً بعد رؤيتهُ لها بتلك الحالة،اخرج صوتهُ المهزوز وهو يقول بنبرة أقرب للهمس:
-إزيك
تحمحمت لتجلي صوتها كي لا يخرج متأثرًا بالمفاجأة لتقول بهدوء:
-الحمدلله
نزل ببصره للأسفل ليتطلع على الفتى المُتشبث بكفها ليسألها بتأثر:
-ده إبنك؟
هزت رأسها بإيجاب لينحني لمستوى الصغير وهو يقول بابتسامة بشوشة وصوتٍ حنون:
-إزيك يا يوسف
-الحمدلله... قالها ببرائة ليسأله فؤاد بمداعبة بعدmا انتوى التقرب منه:
-إنتَ مش عارف أنا مين؟
نفى الصغير بهزة من رأسه ليسترسل بعد أن قرر مشاكسته:
-أنا شرشبيل
توسع بؤبؤ عيني الصغير وفرغ فاهه ليبتسم الأخر على تعبيرات وجهه الملائكي ويكمل مسترسلاً:
-شرشبيل اللي كلمت مامي الساعة ثمانية، مش فاكرني؟
رفع الصغير رأسه لأعلى ليستعين بها وجدها مبتسمة بخفوت ليعود الصغير ببصره إليه مجددًا وهو يقول نافيًا:
-شرشبيل إزاي وإنتَ عندك شعر حلو كده؟!
انطلقت ضحكة عالية من فؤاد تعجبت لها وهي تتطلع على وجهه لتراه كحديقة مزدهرة بربيعها نظر لها وتحدث بدعابة:
-ده مش شعري،أنا إستلفته من سنفور علشان اقابلك بيه
قال كلمـ.ـا.ته ولثم الصغير من وجنته ليهب واقفً وهو يقول بإصرارٍ:
-إحنا لازم نتكلم على فكرة
بوجهٍ مقتطب أجابته بصرامة بعدmا تحكمت بمشاعرها:
-مبقاش ينفع يا سيادة المستشار،الكلام مبقاش ليه لازمة خلاص
-إقعدي معايا وخليني أشرح لك وجهة نظري وبعدها قرري...قالها بترجي لترد باقتطاب:
-بيتهيء لي إنك قولت اللي عندك وأنا جاوبت بطريقتي
-وانا غيرت كلامي...نطقها بايحاء لطلبه للزواج منها رسميًا لترد بقوة:
-وأنا كمان غيرت كلامي
قطب جبينه بعدm فهم مقصدها وأشار للعامل قائلاً وهو يسلمه الصغير ليتحدثا بأريحية بعيدًا عنه:
-خد يوسف قعده على تربيزة وهات له أيس كريم
نظر الصغير يستشف موافقة والدته من عدmها لتومي له بعينيها فتحرك بصحبة العامل، عاود النظر لها لتسترسل ما بدأته بإبانة:
-موضوع الإرتباط أنا قفلته وللابد،أنا أصلاً كنت قفلاه ورافضة أي مبادرات لفتحه
لتسترسل بخيبة أمل وحُزن ظهرا بعينيها:
-والحمدلله،إنتَ اثبت لي إني كنت صح في قراري،وإني كنت غـ.ـبـ.ـية لما حبيت ادي لقلبي فرصة تانية،بس كويس اللي حصل علشان افهم اكتر،وكأن الدنيا بتقولي إفهمي يا غـ.ـبـ.ـيه،ملكيش نايب ولا نصيب في الحتة دي ومتحاوليش تقحمي نفسك وتخـ.ـطـ.ـفي حق مش مكتوب لك
تنفس بألم ليقول بذات مغزى:
-مينفعش تحكمي على حد من غير مـ.ـا.تفهمي ظروفه
-ميلزمنيش أعرف ظروف حد، أنا واحدة بحارب ضد التيار، الدنيا كلها معنداني ومعنديش إستعداد أشيل هموم غيري،كفاية عليا قوي اللي أنا فيه...نطقت كلامها باستسلام لتتابع بمغزى:
-أنا عندي مشاكل كتير قوي مع عيلة إبني وحتى أهلي نفسهم عندي معاهم مشاكل
-هقف معاكِ وفي ظهرك وهكون سندك قدام أي حد يتعرض لك...نطقها بصدقٍ وقوة لترد بثبات واصرار كي تثبت له أنها اتخذت قرارها وقضي الأمر:
-ربنا معايا وده كفاية قوي،طول عمري وانا سند لنفسي ولإبني وربنا بيقويني،يعني مش محتاجة لسند
قالتها لغلق الموضوع ليهمس بقلبٍ يتألم وعينين تترجى لأجل إحياء قلبيهما:
-بس إنتِ كده بتحكمي على قلوبنا بالإعدام
-عارف...نطقتها بتأثر ليتمعن بعينيها مترقبًا لحديثها بلهفة كما المسمومِ للترياق لتتابع بلمعة لغشاوة دmـ.ـو.عٍ بعينيها:
-على قد ما كلامك و.جـ.ـعني وكـ.ـسرني،على قد ما حمدت ربنا إنه حصل، لأنه نبهني وخلاني أفوق لنفسي واكتفي بإبني
لتنظر للصغير بعينين تفيضُ حنانًا:
-يوسف بالنسبة لي الدنيا وما فيها وأنا مش مستعدة اخسره قدام أي مكسب،حتى لو هدوس على قلبي اللي كده كده اتحكم عليه بالإعدام من يوم طـ.ـلا.قي من عمرو
برغم تأثره الشـ.ـديد لكلمـ.ـا.تها وكم الألم الساكن بعينيها إلا انهُ شعر بنارًا مستعرة تغزو جميع شرايينهُ لتسري بها، ضغط على أسنانه وهو يقول دون وعيٍ منه:
-أظن إني قولت لك قبل كده إني مبحبش الست بتاعتي تنطق باسم راجـ.ـل غيري
ابتسامة ساخرة ارتسمت فوق جانب شفتها لتنطق بما أحـ.ـز.نه:
-على فكرة يا سيادة المستشار،إنتِ وعمرو متختلفوش عن بعض كتير، إنتوا الإتنين دخلتوا لي عن طريق الكلام المعسول وأسر مشاعري، وبعدها د.بـ.ـحـ.ـتوني بس كل واحد إتفنن بدبـ.ـحي على طريقته الخاصة
اتسعت عينيه بذهولٍ ليسألها لائمًا:
-إنتِ بتشبهيني بالحقير اللي خانك يا إيثار؟!
اجابته بقوة ممزوجة بألم:
-ما أنتَ كمان خونت ثقتي الكبيرة اللي حطيتها فيك، خونت وعودك بأنك هتكون لي الأمن والأمان ومشفتش منك غير خيبة الأمل والحسرة،وعدتني بالجنة وملقتش معاك غير جهنم اللي رمتني اتشوي فيها بعد عرضك المُهين
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بألم:
-إنسى وحاول ترجع لحياتك قبل ما تشوفني،وأخرج برة وهم إنك حبيتني لانك محبتنيش
سألها متعجبٕا بتأثُر:
-أنا محبتكيش، أمال اللي أنا فيه من بُعدك ده تسميه إيه؟!
بلامبالاة أجابته:
-سميه تعود، زعل على حاجة كان نفسك فيها وأقلمت حياتك إنك هتملكها قريب وما طولتهاش، لكن حب؟ مظنش، لأن اللي بيحب بيحافظ على كرامة اللي بيحبه وعمره ما يقبل بجـ.ـر.حه
هم بالرد لكن قاطعه اقتراب أحدهم الذي تحدث بكثيرًا من الود إلى إيثار وهو ينظر لها باشتياق:
-إيثار، إزيك
التفت لاستكشاف صاحب الصوت لتبتسم بإشراقة أنارت وجهها وأشعلت قلب ذاك المحب الغيور، لتقول بصوتٍ مهذب:
-إيه المفاجاة الحلوة دي،إزيك يا وليد
إنه وليد حسين حبيب لارا أيمن والتي تعرفت عليه من خلال لارا حيث حددت موعدًا قبل السابق لثقتها برأي إيثار ورأته بعدها عدة مرات بحفلات أعياد ميلاد بمنزل أيمن،ابتسم لها ليسألها باهتمام:
-بتعملي إيه هنا؟
اشارت على يوسف الجالس يتناول المثلجات باستمتاع وهي تقول:
-جاية مع يوسف نشتري حلاوة المولد
التفت للصغير ليتحدث باشتياق:
-المجرم، ده واحشني جدًا، هروح أسلم عليه وارجع لك
ليتابع باهتمام شـ.ـديد دون ملاحظة وجود فؤاد:
-لازم نتكلم في الموضوع إياه
-أوكِ، مستنياك...نطقتها بهدوء لينسحب وليد تاركًا ذاك الذي يحترق ليضع يداه داخل جيبي بنطاله ويسألها بنظراتٍ حارقة:
-مين الباشا؟!
ليستطرد بعينين تطلق سهامًا نارية:
-وموضوع إيه ده إن شاء الله اللي عاوزك فيه؟!
قطبت جبينها متعجبة حدته،لقد تخطى حدوده فقررت ان تجيبه بما أحرق قلبه وزاد من اشتعاله:
-وحضرتك بتسأل بصفتك إيه؟!
احتدت ملامحه لينطق من بين اسنانه:
-إيثاااار، ردي عليا وبلاش تجننيني
رمقته بحدة لتجيبه بذات مغزى:
-ياريت يا سيادة المستشار متتخطاش الحدود اللي بينا، وياريت كمان دي تكون أخر مرة تقحم نفسك في حياتي أو إني أشوفك أصلاً
-أصلاً...نطقها معقبًا بحاجب مرفوع لتتجاهل غضبه وتتركه دون استئذان وهي تتحرك باتجاه نجلها و وليد تاركة إياه يغلى من شـ.ـدة غضبه وغيرته، اثناء حديثها مع وليد وجدته يذهب إلى الكاشير فعلمت أنه قرر أن يدفع عنها فاتورة مشترواتها فاستأذنت من وليد لتصطحب الصغير من كف يده إلى أن وصلت سريعًا لتتحدث بحزمٍ للكاشير:
-حسابي كام لو سمحت
-الأستاذ دفع الحساب خلاص...نطقها الموظف ليحتد صوتها وهي تنطق بقوة:
-والاستاذ ولا غيره يحاسب لي ليه؟
لتستطرد بقوة:
-أنا اللي طلبت منك الأوردر وأنا اللي هحاسب عليه
تحمحم ليقول بإحراج:
-خلاص يا إيثار محصلش حاجة، دي هدية بسيطة مني ليوسف
رمقته بقوة ترجع لحساسيتها بأمر المال لتهتف بحزمٍ شـ.ـديد:
-يوسف مبياخدش هدايا من حد، والحمدلله معانا اللي يكفينا ويعيشنا مستورين وميخلناش محتاجين حاجة من أي حد.
حولت بصرها لموظف الكاشير لتقول بنبرة جادة:
-الحساب وإلا هسيب لك الحاجة وهمشي
نظر الرجل إلى فؤاد ليومي له ليرد له المال من جديد ويتسلم منها ثمن عُلبة الحلوى وحتى حلوى الصغير المثلجة الذي تناولها
نزل لمستوى الصغير وغمره ثم ابتعد عنه ليقول بابتسامة صافية:
-أنا مبسوط قوي إن أنا شفتك واتعرفت عليك
-بس أنا مش مصدق إنك شرشبيل،هو مش شبهك أصلاً...نطقها الصغير بتشتت ذهني ليبتسم له ومرر كفه فوق وجنته بحنو وهو يقول:
-إنتَ جميل قوي وذكي وانا حبيتك
رفع بصره إلى تلك المتطلعة عليهما تتابع بتأثر لييسترسل بذات مغزى:
-قول لمامي ياريت تمشي ورا إحساسك وسيبي نفسك لقلبك، قولها إنها هتكون في إيد أمينة هي وچو
-يلا يا يوسف... نطقتها بتأثر ليقف فاردًا ظهره ليقابلها ويتمعن بالنظر داخل مقلتيها وهو يقول بنبرة صادقة:
-مش هيأس وهستناكِ لحد ما تهدي علشان نقعد ونتكلم
-يبقى هتقضي باقية عمرك كله مستني يا جناب المستشار...نطقتها بحزم ليجيبها بنظرة تحمل الكثير من الغرام:
-ولو لأخر يوم في عمري بردوا هستناكِ
ابتلعت لعابها وقبل أن تتأثر بشعاع عينيه الساحرة جذبت صغيرها بعدmا تسلمت العُلبة لتنسحب إلى الخارج ليتابع ذهابها حتى استقلت سيارتها وانطلقت،حول بصره سريعًا لذاك الوليد وأخرج هاتفه ودون ملاحظة أحد أخذ له صورة عن طريق الهاتف ليبعثها لأحد رجـ.ـاله ليقوم بالتحري عنه لمعرفة شخصه، وبعد عدة ساعات كان لدية تقرير وافي عنه ليرتاح قلبه بعدmا علم بعلاقته الجادة بإبنة أيمن الاباصيري.
**********
بعد مرور حوالي إسبوعين
كانت داخل إجتماع منعقد بين أيمن وفريق العمل ورجل أعمال أخر لإبرام إحدى الصفقات، استمعت لصوت هاتفها فنظرت لتجد شقيقها أيهم ضغطت لتجعل الهاتف صامتًا لكنها تعجبت على إسراره ومازاد من تعجبها إتصال عزة بعد عدة محاولات من ايهم،انتظرت حتى انتهى الإجتماع بعد نصف ساعة لتهرول لمكتبها وتعاود الإتصال بشقيقها الذي هتف سريعًا بصوتٍ متأثر:
-إنتِ فين يا إيثار، عمال ارن عليكِ بقالي ساعة
ارتعب داخلها لتسألهُ بـ.ـارتياب:
-فيه إيه يا ايهم؟
-بابا تعبان قوي وطالب يشوفك... نطقها الشاب بصوتٍ حزين لتنطق بقوة وصوتٍ حاد:
-قول لعزيز يلعب غيرها وإتقوا الله بقى وسبوني في حالي
بنبرة اشبه بباكية اخبرها الشاب:
-أبوكِ بيمـ.ـو.ت يا إيثار،أنا بكلمك من مستشفى المركز والدكتور كلامه ميطمنش
هتفت بصوتٍ يرتجف من شـ.ـدة تخوفها:
-إنتَ بتقول إيه، بلاش كذب بقى
بصوتٍ متأثر نطق بقسمٍ:
-والله العظيم ما بكذب عليكِ،هو بيعمل إشعة جوة ومعاه وجدي، وأول ما يخرج هخليه يكلمك علشان تصدقي
نزلت كلمـ.ـا.ته عليها لتزلزل كيانها بالكامل،لم تدري بحالها إلا وهي تُغلق الهاتف وتُلملم أشيائها لتهرول على مكتب أيمن وتخبره بما حدث فقال لها مطمأنًا إياها:
-روحي إطمني عليه وابعتي لي عنوان المستشفى اللي هو فيها،وانا هخلي أحمد يبعت لك عربية إسعاف مجهزة تنقله للمستشفى عندنا
شكرته بعرفان وانطلقت بسرعة البرق لتستقل سيارتها متجهة للمركز للحاق بوالدها العزيز والإطمئنان على صحته.
ترى هل حقًا غانم مريـ.ـض أم أنها لُعبة جديدة من ألاعيب عزيز وستقع إيثار داخل مصيدة نصر المتربص بها ليقدmها كربانًا إلى زوجته المتجبرة لتنفذ إنتقامها منها؟
↚
كانت تقود سيارتها بسرعة فائقة وكأنها تُسارع الزمن لتصل إلى عزيز عينيها قبل فوات الاوان، لم تنقطع دmـ.ـو.عها منذ أن انطلقت بسيارتها وللأن،فكرة أن والدها من المحتمل أن يفارقها تُدmي قلبها وتجعل داخلها ينتفضُ رُعبًا،هل سيرحل ذاك الحبيب ويتركها تواجه عالمها المستوحش بلا سند،نعم لم يكن لها بالسند القوي طوال الوقت لكن طالما ظهرت قوته بالوقت المناسب،فكلما تكالب عليها الذئاب واظهروا مخالبهم إستعدادًا لنهشها لينال منها الإحباط تحت كثرة عددهم وعنـ.ـد.ما تشارف على لفظ أنفاسها الاخيرة يظهر هو لينقذها من براثن أعدائها وينأى بها بعيدًا عن خُبثهم،وصلت في وقتٍ قياسي لشـ.ـدة سرعتها، صفت السيارة أمام المشفى وترجلت تهرول للداخل حتى وصلت للإستقبال ومنه إلى المكان المتواجد به أبيها حسبما وصف لها موظف الإستقبال،خطت خطوتان لتفاجيء بوجود عزيز وأيهم ينتظران خارج غرفة الكشف،أخذت نفسًا عميقًا لتمُد حالها بالصبر لتحمل اسلوب شقيقها المستفز قبل أن تتحرك وتخرج صوتها المرتعب وهي تسأل شقيقها:
-بابا فين يا أيهم؟
التفت كلاهما باتجاه الصوت ليهب أيهم مهرولًا نحو شقيقته ليمسك كفها وهو يقول بحـ.ـز.نٍ تجلى بصوتهِ وظهر داخل عينيه:
-مع الدكتور جوة ومعاه ماما و وجدي
كان صدرها يعلو ويهبط بقوة وأنفاسها تتعالى لشـ.ـدة خوفها الممتزج بهرولتها إلى أن وصلت،وقبل أن تسألهُ عن حالة والدها باغتها مقاطعًا ذاك الجالس يترقب طلتها:
-طب إرمي السلام على اللي قاعدين،ده حتى السلام لله
طالعته بملامح جادة لتقول بنبرة هادئة:
-إزيك يا عزيز
-الحمدلله يا بنت أبويا...نطقها ليقف منتصب الظهر وتحرك حتى وقف قبالتها يطالعها بحنانٍ تعجبت له والادهى من ذلك صوتهُ الهادئ الذي نطق به وهو يحاول طمأنتها:
-متخافيش أبوك شـ.ـديد هيقوم منها وهيبقى زي الفل
تعجبت تغييره الكُلي في معاملتها لكنها تغاضت عن الأمر ورجحت تصرفه إلى ارتباكه وحـ.ـز.نه على والديهما فتحدثت إليه بنبرة متأثرة:
-أنا عاوزة أشوفه،وعاوزة اتكلم مع الدكتور
لأول مرة بسنوات عمرها يقترب منها ويجذبها لداخل أحـ.ـضانه ليهمس بهدوء وهو يربط على ظهرها بحنِو:
-قولت لك متخافيش، ابوكِ عفي وهيقوم منها بالسلامة
تسمر جـ.ـسدها وتشتت تفكيرها وللحظة باتت تتسائل،من هذا بحق الله؟!
أهذا هو عزيز بعينه! ذاك القاسي من تذوقت على يديه جميع أنواع الذُل والمهانة؟!
فاقت من شرودها على صوت باب غرفة الكشف الذي فُتح لتبتعد سريعًا عن حضـ.ـن شقيقها المُزيف والتي لم تشعر به، التفت لتجد شقيقها ووالدتها تسندان غاليها،صاحت باسمه وهي تهرول إليه كطفلة لم تتعدى الأربعة أعوام،انشرح صدره وتهلل وجهه لرؤية صغيرته التي ارتمت بأحضانه وهي تقول بصوتٍ مختنق بالعبرات رُغمًا عنها:
-سلامتك يا بابا،ألف سلامة
ابتعدت كي لا تُرهقه وما أن تطلعت عليه بتمعن حتى انخلع قلبها رُعبًا عليه،فقد شحب وجههُ كثيرًا وسكن عينيه المرض حيث أصبح بياض عينيه أصفرًا أما جسدهُ فقد نحل وفقد كثيرًا من وزنه،اختنقت بالعبرات وما شعرت إلا بدmـ.ـو.عها تنسدل فوق وجنتيها بعد أن رأت حالته المزرية،تحدث بصوتٍ متقطع نتيجة مرضه:
-كويس إنك جيتي يا بنتي علشان أشوفك قبل ما ربنا ياخد أمانته
أردفت سريعًا وهي تنفي برأسها بينما تتناثر دmعاتها المتألمة وهي تحاول زرع الأمل في نفس غاليها:
-متقوليش كده يا بابا، إنتَ هتتعالج وهتبقى كويس إن شاء الله
رمقتها منيرة بنظراتٍ حادة لتقول ناهرة:
-إوعي من طريقه خلينا نقعده علشان يرتاح
ابتعدت لتفسح له المجال ليجلس بعد عدة خطوات ساندًا ظهره للخلف مغمض العينين،نظرات بـ.ـاردة تبادلتها مع والدتها التي رمقتها بسخطٍ، لم تشعر بلحظة حنين او اشتياق بداخل عيني تلك القاسية برغم إبتعادها عنها وعدm رؤيتها لعدة شهور، أخذت نفسًا عميقًا لتستفيق على صوت شقيقها وجدي الذي وضع كفه على كتفها ليجبرها على الالتفاف له:
-حمدالله على السلامة يا إيثار
التفت بجسدها ليجذبها بين أحضانه وهو يقول:
-عاملة إيه؟
ابتعدت قليلاً لتخبره بهزة من عينيها:
-أنا بخير الحمدلله
واستطردت مستفسرة:
-الدكتور قال لكم إيه عن حالة بابا؟
-لسة الإشعة مطلعتش،الدكتور قال إنه هيتحجز هنا في المستشفى كام يوم علشان يتابعوا حالته ويشوفوا عنده إيه...قالها بهدوء لتنطق وهي تنسحب بهدوء داخل غرفة الطبيب:
-أنا هدخل أسأله بنفسي
لوت منيرة فاهها ورمقتها بسخطٍ بعدmا تجاهلت وجودها ولم تُلقي عليها حتى السلام او تسألها عن حالها،ولجت إيثار بعد الإستئذان لتسأل الطبيب عن حالة غاليها ليجيبها الطبيب أن حالتهُ ليست بأحسن حال من خلال قياس النبض والهيئة العامة لجسده النحيل لكنه لا يستطيع تحديد خطورة الوضع من عدmه إلا بعد ظهور نتيجة التحاليل والأشعة التي أُجريت له،أخبرته أنها ستنقل والدها لمشفى الاباصيري الإستثماري ليُذهل الرجل من ذاك الإسم اللامع والشهير بعالم الطب ليتعجب داخله من كيفية دخول شخصية بسيطة كـ غانم إلى مشفى إستثماري كبير كـ "مشفى الأباصيري"
خرجت من عند الطبيب لتخبر والدها وأشقائها بانتقال والدها لمشفى كبير بالقاهرة ليقول والدها باعتراض بصوتهِ الخافت:
-أنا مش رايح لمكان يا بنتي، خليني أمـ.ـو.ت على فرشتي أحسن
انحنت لتجلس تحت ساقيه لتقول بنبرة تشعُ حنانًا بعدmا ضمت كفيه بخاصتها:
-العمر الطويل ليك يا حبيبي،إحنا هنروح مستشفى كبيرة وهيتعمل لك كل اللازم هناك، وهتخف وصحتك هترجع احسن من الأول كمان
مالت على كفيه لتطبع قُبلة حنون لترفع وجهها تطالع عيناه مسترسلة بتفاؤل:
-وبكره هفكرك
ابتسم بوهنٍ وبصعوبة رفع كفه ليمرره فوق وجنتها الناعمة ليشعر بحنان الدنيا يملؤ عينيها التي تطالعهُ،اخيرًا قررت تلك عديمة الإحساس التخلي عن صمتها لتتحدث بملامح وجه صارمة:
-ودي مين اللي هيدفع فلوسها إن شاء الله؟
حـ.ـز.ن غانم من كلمـ.ـا.ت زوجته وشعر بالعجز وبأنه عالة على الجميع لتهتف سريعًا بعدmا شاهدت تعبيرات وجهه الحزين:
-محدش هيدفع حاجة،دي مستشفى إبن الباشمهندس أيمن مديري، وهو هيعمل لي تخفيض كبير
تابعت مسترسلة كي لا تُشعر والدها بالحرج:
-اللي هدفعه هيكون مبلغ رمزي،وبعدين الدنيا كلها فدى إن بابا يقوم بالسلامة
ابتسامة حزينة ارتسمت بجانب ثغره لتهتف منيرة بتبرير بعد أن رأت الأسى على وجه زوجها:
-طبعاً فداه الدنيا كلها، بس الإيد قصيرة والعين بصيرة
واسترسلت عن قصد وهي ترمقها بذات مغزى وكأنها تحملها ذنب حالة أشقائها:
-وزي ما أنتِ شايفة حالة إخواتك، لا تسُر عدو ولا حبيب،اللي ميشوفش من الغربال يبقى أعمى
وصلها المغزى من الحديث التي سأمته وما ان تطلعت لأبيها بحنان حتى جذب انتباهها صدوح رنين هاتفها لتخرجه من حقيبة يدها لتفاجئ برقم أيمن،وقفت وهي تتحدث لأبيها تُعلمه:
-ده الباشمهندس أيمن بيتصل علشان يطمن عليك وياخد عنوان المستشفى، هيبعت لحضرتك عربية إسعاف مجهزة تنقلك علشان تكون مرتاح
تمعنت بعينيه مستفسرة:
-هدي له العنوان يا بابا
اومأ بضعف لتقف جانبًا تعيد الإتصال الذي انقطع وتخبر أيمن بالعنوان ليبعثه في الحال لنجله الذي أسرع بإرسال عربة مجهزة حسب أوامر والده حيث أبلغه بأنهُ سيتكلف نفقة العلاج ليعارضه أحمد بعدmا أصر على تحمل المشفى جميع التكاليف واعتبـ.ـارها حالة إنسانية،وذلك لما يكنه من احترام وتقدير لـ إيثار
********
بعد مرور حوالي الثلاثة ساعات،وصل والد إيثار المشفى ليستقبلهُ أحمد بحفاوة وبدأ بالكشف عليه هو وبعض الأطباء الأكفاء وإجراء الفحوصات المطلوبة لتحديد ما يعاني منه،وبعد قليل بعث أحمد إلى إيثار لتحضر بمكتبه الخاص فقرر وجدي الذهاب بصحبتها،ولچا للداخل ليشير لهما أحمد بالجلوس وبدأ بالحديث بمهنية طبيب ماهر:
-طبعًا الإشاعات اللي عملناها لسة نتيجتها هتطلع بكرة والمفروض ما اتكلمش معاكم في حاجة إلا بعد ما نتأكد
أخذ نفسًا عميقًا ليزفره بقوة دلت على ما ينتوي قوله لينخلع قلبها بعدmا توقعت سوء حالة والدها المرضية ليتابع أحمد بحديثًا ثقيلاً على قلبه:
-للأسف،الدكتور الإستشاري اللي حضر الكشف الأولي على بباكم شاكك في كانسر في الكَبد،كل المؤشرات بتوحي لكدة
-شاكك ولا متأكد؟...نطقتها بقلبٍ ينزف دmًا وساقين ترتجفتين لشـ.ـدة صدmتها من ذاك الخبر المشؤوم والتي تتأملُ أن يُخطئ الطبيب بتشخيصه لتتابع بصوتٍ مهزوز:
-أصلها تفرق يا دكتور
تنهد بضيق ليجيبها بمهنية:
-دكتور سليم متخصص في أورام الكبد وعنده خبرة كبيرة فيه
واستطرد بأسى ظهر بَيِن فوق ملامح وجهه:
-ولو مكنش متأكد 100%100 عمره ما كان هيبلغني
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلبها الضعيف لتشطرهُ لنصفين،لم يسبق لها خوض ذاك الشعور المرير من قبل، فقد خاضت معارك كثيرة وذاقت من الخيبات والإنكسارات ما حولها لتلك الصامدة الساندة لحالها لكن تلك المرةِ تختلفُ كليًا،فالصدmة هذه المرة تخص الإنسان الأغلى بحياتها، والدها الحنون الذي طالما غمرها بحنانه وشملها بعطفه ورعايته وساندها كثيرًا كي تتخطى الكثير من عثراتها،سقط قناع القوة لديها لتنهمر دmـ.ـو.عها كـ شلالات بعدmا فقدت السيطرة عليها مما جعل شقيقها الذي لا يختلف شعورهُ عنها بالكثير من أثر الصدmة ليربط على كفها قائلاً في محاولة منه لتهدأتها:
-استعيذي بالله من الشيطان الرجيم واتفائلي خير، كل دي لسة تخمينات
بالرغم من وثوقه التام في قدرة دكتور سليم الطبية لكنه أراد أن يمنحها بعض الأمل الزائف كي يرتاح قلبها قبل التأكيد لينطق في محاولة منه لبث التفاؤل لدى تلك الذي نزل عليها الخبر كالصاعقة:
-أتمنى من كل قلبي إن تشخيص دكتور سليم يطلع غلط، أنا حبيت بس أبلغكم علشان تكونوا مستعدين للي جاي، لانه للأسف صعب عليه وعليكم قبل منه
-تخبُط،تشتُت،عدm اتزان بالمشاعر،فقدان التركيز وشعورًا بالضياع، كل هذه المشاعر هاجمتها هي وشقيقها الصامت،تحاملت على حالها لتستند بساعديها بجانبي المقعد كي تستطيع الوقوف لتنطق بحروفٍ خرجت مهزوزة بعدmا تطلعت إلى أحمد:
-متشكرة لتعبك واهتمامك يا دكتور
أجاب باحترامٍ لشخصها:
-مـ.ـا.تقوليش كده يا إيثار،إحنا اخوات والباشمهندس موصيني عليكِ بنفسه، وتأكدي إن والدك في إيد أمينة وأي حاجة هنلاقيه محتاج لها على الفور هتتعمل له
بنبرة تملؤها عزة النفس أجابته:
-متشكرة جدًا لحضرتك، وياريت تدي خبر للحسابات إني هعدي عليهم بكرة بالكتير
أجابها بنبرة زائفة كي لا يجـ.ـر.حها ويشعرها بالتقليل:
-والله الموضوع ده تحليه بينك وبين مديرك،لأني واخد دفعة كبيرة تحت الحساب
نظرت له بامتنان وخرجت بمجاورة شقيقها لتنطق قبل أن يتجها صوب غرفته التي خصصها له أحمد:
-وجدي،الكلام اللي إتقال لنا من دكتور أحمد هيفضل بينا ومش هيخرج حتى لعزيز
واسترسلت بإيضاح:
-مش عايزين بابا ياخد باله،على الأقل لحد ما نتيجة الإشاعات تطلع ونطمن على بابا وإن معندوش حاجة إن شاء الله
-حاضر يا إيثار...نطقها ليتلفت من حوله وهو يقول بتوجس:
-المستشفى شكلها غالي قوي،هتسدي حسابها إزاي ومنين؟
أجابته بهدوء:
-أنا معايا فلوس ركناها في البنك تحسبًا لأي طوارئ، وأظن مفيش ظروف أسوء من كده علشان استخدmها، وكمان دكتور أحمد أكيد هيعمل لي تخفيض كبير
دلفا لوالدهما وحاولا التخفيف عنه ليسألها بتوجس:
-الدكتور قال لك إيه عني يا بنتي؟
ضمت كفه الضعيف بين راحتيها ومالت بقامتها لتضع قُبلة حنون عليه ثم طالعته بعينين مملؤتين بالحنان وهي تجيبه بكلمـ.ـا.تٍ زائفة تبث من خلالها السكينة والإطمئنان بروحه:
-قال إن صحتك زي الفل،بس جـ.ـسمك مُرهق شوية ومحتاج شوية مقويات مش أكتر
-بجد يا إيثار؟...قالها بعينين متأملتين النجاة لتومي له بابتسامة زائفة بينما قلبها ينزف لرؤية غاليها بذاك الوهن،مسدت بكفها فوق وجنته بحنان لتجيبه بأملٍ تعلم من داخلها مدى زيفه:
-طبعاً يا حبيبي،انا عمري كذبت عليك في حاجة؟
نطقت كلمـ.ـا.تها الأخيرة بابتسامة ليهز رأسه نافيًا بابتسامة مماثلة لخاصتها كل هذا تحت نظرات منيرة الماكثة بالمقعد المقابل لوقوف ابنتها الجهة الاخرى وهي تزفر بضيق وعدm رضا لما يحدث من حولها،لاحظ غانم سخطها فتملك القهر من قلبه وحـ.ـز.ن على رفيقة دربه التي سُرعان ما تذمرت من مرضه وهذا ما رأه بعينيه منذ الوهلة الأولى التي خارت قواه واستسلم خانعًا للمرض،لاحظت أيضاً إيثار حـ.ـز.ن والدها فتألم داخلها
ولجت الممرضة لتقول للجميع:
-ممكن تستنوا برة لو سمحتم،الدكتور جاي بعد شوية هيكشف على الحاج ومحتاجة أجهزه
خرجت هي وشقيقها ووالدتها ليجدوا عزيز وأيهم يجلسان بالمقاعد الموضوعة داخل الممر، جاورت منيرة عزيز لتزفر بقوة وهي تقول بتذمر:
-أنا مش عارفة إحنا إزاي سمعنا كلامها وجينا هنا،كان مالها مستشفى المركز، ما كانت حلوة ومقضية الغرض
لتتابع بسخطٍ ظهر بَيِن على ملامحها وهي تُشيح بكفيها بطريقة غاضبة:
-مالنا إحنا ومال مستشفيات مصر،نسيب بلدنا ونيجي نتبهدل هنا ليه؟!
تطلعت تتمعنُ بملامح مذهولة لتلك المرأة التي تفتقد لأدنى معاني الإنسانية والحِس،ما أبشعها بكم الأنانية التي تسيطر على كيانها،حتى زوجها لا تطيق تحمل المشقة لأجل مرضه،تألمت لموقف والدتها المخذل فتحدثت بنبرة ظاهرها يبدوا هادئًا أما باطنها فيحترق:
-مفيش بهدلة إن شاء الله،الشقة عندي واسعة وتساع الكل
رمقتها باشمئزاز قبل ان تُلقي بكلمـ.ـا.تها السامة بوجهها:
-وأنا إيه اللي يدورني في بيوت الناس
طالعتها بنظراتٍ قوية لتهتف بنبرة حادة وكلمـ.ـا.تٍ لازعة بعدmا فاض بها الكيل من تلك التي لا تشعر بفاجعتهم:
-يبقى ترجعي بيتك علشان تاخدي راحتك فيه،وأبويا أنا وإخواتي هنخدmه ونشيله في مرضه
هتفت منيرة باتهام:
-وإنتِ من إمتى حاطة أبوكِ في دmاغك ولا بتعملي له حساب؟
اشتعل داخلها من حديثها لتقول بنبرة صارمة:
-طول عمري وأنا صورة أبويا قدام عيوني،وأول حاجة بفكر فيها قبل ما أخطي أي خطوة هو بابا، والحمدلله عمري ما عملت حاجة وطيت بيها راسه
هتفت بحدة وهي ترمقها بازدراء:
-وإنتِ لما سبتي البلد وجيتي تعيشي هنا لوحدك وخليتي اللي يسوى واللي ميسواش يتكلم عليه كنتي عاملة حسابه؟!
ردت بقوة:
-محدش يقدر يجيب سيرتي لأن عمري ما عملت حاجة غلط، وبتقي ربنا في كل أمور حياتي
فتحت منيرة فاهها لتنطق ليقاطعها صوت وجدي الذي هتف باستياء:
-بذمتكم ده وقت كلامكم ده، إنتوا مش حاسين بالمصيبة اللي إحنا فيها
-الكلام ده تقوله للست منيرة، اللي سايبة مرض جوزها وتعبه وبتفكر في بهدلتها برة البيت... كلمـ.ـا.تٍ لازعة نطقت بها إيثار وهي ترمقهم بحدة لتبتعد وتجلس وحيدة بعيدًا عن تجمعهم، وضعت كفاها تحتوي بهما وجهها مستندة بساعديها على ساقيها ليقف أيهم بعد أن قرر الإنضمام إليها،جاورها الجلوس ونظر لها يسألها بعينين متوجستين يوجد بداخلهما أسألة كثيرة وتوهة أكثر:
-أبوكِ ماله يا إيثار؟
فاقت من شرودها على صوته لترفع وجهها تناظره بعينين مملؤتين بالألم والحـ.ـز.ن لتطلق تنهيدة طويلة قبل أن تقول بصوتٍ يحمل الكثير من الهموم:
-إدعي له يا أيهم،إدعي كتير واتوسل لربنا إن نتيجة الأشعة والتحاليل تطلع كويسة
-للدرجة دي حالته خطيرة؟
سألها متوجسًا لتجيبه بخفوت:
-بابا تحت عفو ربنا،إدعي له
إعتدلت بجلستها ونصبت ظهرها لتقابل شقيقها الأصغر وتمد يدها تسحبه لداخل أحضانها لتربت فوق ظهره بحنان بعدmا رأت ضياعهُ بعينيه ليتنهد الفتى بعد شعوره بدفئ أحضان شقيقته الذي حُرم منه منذ أن استمع لوسوسة شياطين الإنس وقرر تركها بأحلك أوقاتها وشـ.ـدة إحتياجها له بعدmا أغراه نصر بالوظيفة والمال
على الجهة الأخرى،مال عزيز بجانب أذن والدته ليهمس كي لا يستمع عليه أحد:
-إهدي شوية على إيثار يا أم عزيز، إحنا عاوزين ناخدها في صفنا ونطبطب عليها، مش نكرهها فينا أكتر
زفرت بضيق لتهمس بصوتٍ غاضب:
-البت مش معبراني يا عزيز،شافتني ولا كأني أمها
أجابها ببرودٍ على غير عادته لشخصيته المتهورة:
-معلش يا أم عزيز،خليكي معايا للأخر وصدقيني هتنبسطي بالنتيجة
كانت تنظر أسفل قدmيها بملامح وجه حزينة أخرجها صوتٍ يُلقي التحية فانتفضت واقفة بعدmا رأت أيمن الأباصيري وزوجته الجميلة تتأبط ذراعه ويقفا مقابلين جلوسها لتهب واقفة لاستقبالهما لتقول بصوتٍ واهن:
-أهلاً وسهلاً
تحدث أيمن متأثرًا بالموقف:
-ألف سلامة على بابا يا إيثار
-الله يسلم حضرتك
اقبلت عليها نيللي واحتضنتها برعاية لتقول وهي تربت على ظهرها تحت نظرات منيرة وأنجالها الثلاث:
-سلامة بابا يا حبيبتي،ربنا يطمنك عليه
ابتعدت قليلاً لتجيبها بأعين ممتنة:
-الله يسلمك يا مدام نيللي،تعبتوا نفسكم ليه وجيتوا، دكتور أحمد عامل الواجب معانا وزيادة
ردت نيللي بنبرة صادقة:
-إنتِ بنتنا يا إيثار،مش عوزانا نقف معاكِ في محنتك
ليكمل أيمن على حديث زوجته الجميلة:
-وبعدين اللي أحمد عمله ده أقل واجب وأقل من اللي تستحقه شخصية محترمة زيك
حول بصره على عزيز ومنيرة الواقفان يتابعان الأمر بعيونًا مذبهلة لتلك السيدة الأنيقة وذاك الأنيق المحنك،حول بصره عليهم وهو يقول:
-دول أهلك؟
اومأت بهدوء لتتحرك بجوارهم وهي تقدmهم قائلة:
-ماما، وعزيز أخويا الكبير وده وجدي وده أيهم
رحبت السيدة والسيد بهم بحفاوة برغم علميهما بمدى بشاعتهم وكل ما اقترفوه بحق تلك المسكينة،ليقول عزيز بمكرٍ:
-إحنا متشكرين يا باشا على افضالك الكتير ووقوفك مع أختي إيثار
رد أيمن بمصداقية:
-إيثار أنا بعتبرها زي بنتي لارا بالظبط،وأظن مفيش شكر لأب بيراعي بنته
واسترسل بحديثٍ ذات مغزى بعدmا حول نظره إلى منيرة:
-تسلم تربيتك يا افنـ.ـد.م، ونعم التربية
هزت رأسها لتقول على عجالة:
-تسلم وتعيش يا بيه
خرج الطبيب لتلج إيثار إلى ابيها ودعت أيمن وزوجته للدخول لتقول منيرة وهي تلكز وجدي بذراعه:
-هو ده الراجـ.ـل اللي اختك شغالة معاه يا وجدي
أومى لها لتتابع بانبهار:
-دي مـ.ـر.اته عاملة زي اللي بنشوفهم في التلفزيون
ابتعد عزيز ليخرج هاتفه الجوال طالبًا رقم هاتف عمرو ليخبره بما حدث ويطلب منه الحضور للوقوف معهم ومحاولة استقطاب إيثار والظهور أمامها كفارس، على الفور هرول الأخر ملبيًا النداء، بعد مرور حوالي الساعتين، كانت تجلس بالمقعد المجاور لوالدها يجاورها وجدي وأيهم،على الجهة الأخرى تجلس منيرة وبجوارها عزيز استمعت لبعض الطرقات الخفيفة على الباب ليُفتح بعدmا صاح عزيز بصوته للسماح بالدخول،ظهر عمرو ممسكًا بعُلبة من الشيكولاتة الفاخرة ويرسم على وجهه علامـ.ـا.ت الزعر حيت اتجه سريعًا إلى غانم وهو يقول:
-سلامتك يا عم غانم، إيه اللي حصل؟
مال على رأس غانم واضعًا قبلة احترام ليرفع عينيه يتطلعُ بولهٍ لتلك التي قلبت عينيها بضجر لاعنة سخافته
وقفت منيرة وعزيز مهللين بترحاب:
-أهلاً يا عمرو
قالتها منيرة لتتابع متسائلة:
-مين اللي قال لك إن إحنا هنا؟
نظر لعزيز المرتبك ليتحدث بذكاء:
-كان فيه واحد صاحبي في مستشفى المركز لما عربية الاسعاف وصلت وأخدت عمي غانم اتصل بيا وبلغني،وأنا كلمت مدير المستشفى وعرفت منه انكم هنا
-ازيك يا إيثار...نطقها بنبرة عاشق لتتجاهله وهي تقول لأبيها:
-مرتاح يا حبيبي ولا انده لك الممرضة
رد عليها بصوتٍ واهن تحت غضب منيرة وعزيز من تصرفها:
-الحمدلله يا بنتي،أنا أحسن كتير
جلس وبدأ بتناول أطراف الحديث بينه وبين والدتها وأشقائها وعينيه تتمركزان عليها لتنسحب للخارج وأبلغت الممرضة بالدخول وصرف جميع من بالغرفة وإبلاغهم بانتهاء موعد الزيارة وبالفعل بعد قليل كانت تستقل سيارتها وبجوارها عزيز أما بالأريكة الخلفية يجلس أيهم ومنيرة التي اُضطرت للمبيت بمنزلها بينما ظل وجدي مرافقًا لأبيه،ظل الجميع في صمتٍ تام إلى أن وصلوا لمسكنها،ضغطت جرس المنزل لتفتح لها عزة،ولجت ثم تنحت جانبًا وهي تُشير لهم:
-اتفضلوا
خطت منيرة بساقيها بمسكن نجلتها التي تدخلهُ للمرة الأولى بحياتها لترمق عزة بنظراتٍ حادة وكأن بينهما ثأرًا،تعجبت عزة ورفعت حاجبها باستغراب لكنها تغاضت عن نظراتها وعزيز لتقول بترحابٍ حار لأجل ابنتها التي لم تلدها:
-يا مرحب يا جماعة، نورتونا
لتسترسل متسائلة باهتمام:
-الحاج غانم أخبـ.ـاره إيه؟
أجابتها إيثار بتنهيدة:
-الحمدلله يا عزة، فين يوسف؟
أجابتها برتابة:
-نايم من بدري،عمل الهوم ورك وعشيته بعدها ونيمته بعد ما طلع عيني
دخل الجميع للردهة لتقول منيرة بوجها العبوس:
-فين المكان اللي هنام فيه علشان أريح فيه جتتي؟
تألمت لكلمـ.ـا.ت والدتها القاسية وقالت بنبرة هادئة كي ترفع عنها أية حرج تشعر به:
-خلينا نتعشى الأول وبعدين إدخلي خدي شاور ونامي
-أنا لا باكل ولا بستحمى عند حد...قالت كلمـ.ـا.تها الرافضة بطريقة فظة لتهتف عزة بحديثٍ متهكم، فهي تكره تلك المرأة حيث دار بينهما العديد من المكالمـ.ـا.تٍ الهاتفية التي تنتهي دائمًا بالشجار والتوبيخ من كلتاهما للأخرى:
-وبالنسبة للنوم عادي ولا فيه مشكلة هو كمان!
عاتبتها إيثار بإشارة من عينيها لتزفر بضيق وهي تتحرك منسحبة باتجاة المطبخ لتبرطم بصوتٍ عالي استمع له الجميع:
-أنا هغرف الأكل واحطه على السفرة، واللي عاوز ياكل يتفضل واللي مش عاوز براحته
-إنتِ بتقولي إيه يا ولية إنتِ...نطقتها منيرة وهي ترمقها بنظراتٍ نارية لترد الأخرى بنبرة قوية:
-هو أنا جيت جنبك يا حاجة، ولا هي تلاكيك
جحظت عيناي الاخرى لتهتف باعتراض:
-حاجة؟! ليه شيفاني قد أمك علشان تقولي لي يا حاجة،ده اللي يدور عليكِ يلاقيكي أكبر مني
-خلاص يا أما الله يرضى عليكِ مش ناقصين صداع...نطقها عزيز ليرمق عزة بنظرة حادة ليتابع مسترسلاً:
-وإنتِ يا اسمك إيه
-عزة، إسمها عزة يا عزيز...قالتها إيثار بدفاعٍ قوي عن تلك السيدة التي قامت باحتوائها هي والصغير وبوجودها شعرت بدفئ العائلة وجوها التي حُرمت منه ليرد هو بسخطٍ كعادته:
-أيًا كان إسمها،خليها تجهز العشا وتحطه من سُكات، إحنا اللي فينا مكفينا ومن الصبح وإحنا متبهدلين في المستشفيات
عذرت حدته وعصبيته لتنظر إلى عزة وهي تقول بنظرة توسلية:
-جهزي العشا لو سمحتي يا عزة
اختفت عزة خلف جدران المطبخ لتلتفت هي للجميع مشيرة بكفها إلى مقاعد الجلوس:
-إتفضلوا على ما عزة تجهز العشا
واسترسلت وهي تُشير بكفها نحو باب الحمام الخارجي:
-الحمام من هنا لو حابين تغسلوا إديكم ووشكم من جو المستشفى
تحركت منيرة لتغلق باب الحمام خلفها بحدة لتتنهد بأسى، اقترب عليها أيهم ليربت على كتفها وهو يقول مبررًا تصرفات والدته العدائية:
-معلش،هي مش واخدة على البيات برة بيتها علشان كدة هتلاقيها مهيبرة شوية وردها عنيف
ابتسمت ساخرة فحقًا شر البلية ما يُضحك،تنفست لتجيب شقيقها بطريقة متهكمة:
-إنتَ بتبرر لي إيه بس يا أيهم،ده إسلوبها معايا من يوم ما وعيت على الدنيا
زفرت لتهدئ من روعها لتسترسل باستئذان:
-أنا داخلة أخد شاور وهخرج على العشا، وانتوا خدوا راحتكم، البيت بيتكم
بعد مدة قصيرة خرجت مرتدية منامة بيتية مريحة لتقول عزة وهي تضع أخر صَحن بيدها فوق السُفرة:
-العشا جاهز يا جماعة،إتفضلوا
أشارت لهم إيثار وهي تقول:
-يلا يا ماما، يلا يا عزيز
رمقتها بملامح وجه جـ.ـا.مدة وبكلمـ.ـا.تٍ تفتقر أبجديات الادب قالت:
-قولت لك مباكلش عند حد غريب
بالكاد انتهت من كلمـ.ـا.تها ليصدح صوت رنين الجرس فاتجهت عزة تفتحه لتفاجئ بعامل توصيل الطلبات وهو يقول:
-فيه أوردر مدفوع التكاليف من مطعم مشويات عنتر علشان حضرتك
-عشاني أنا؟!نطقتها متعجبة لتسترسل بجدية:
-بس إحنا يا اخويا مطلبناش أكل، تلاقيك غلطان في العنوان
نطق العامل باصرار:
-لا يا أفنـ.ـد.م العنوان مظبوط
تقدm منه عزيز ليسأله مستفسرًا:
-مين اللي باعت الاكل؟
اجابه:
-واحد إسمه الاستاذ عمرو البنهاوي
ابتسم بحفاوة ليهتف قائلاً وهو يتناول الأكياس من يديه بنهمٍ:
-تمام، يبقى لينا
هتفت بحدة وهي تتحرك سريعًا نحو شقيقها لتحثه على عدm استلام الطعام:
-إدي له الأورد لو سمحت يا عزيز،أنا مكلمة عزة من بدري وهي عاملة أكل كتير،وبعدين إحنا مش محتاجين أكل من البيه او غيره
انتزعت الاكياس من يداي شقيقها وكادت أن تعيدها للعامل لتباغتها تلك التي انتشلتهم منها وهي تقول بحدة:
-هاتي الأكل ده،عمرو عارف إني مباكلش عند حد علشان كده بعته علشاني
اتسعت عينيها بذهول من تلك التي اختطفت الطعام وولجت للداخل ليشير عزيز للعامل قائلاً:
-خلاص يا بلدينا،روح الله يسهل لك
انتبهت لتهتف بإيقاف للعامل:
-استنى
توجهت لحقيبة صغيرة مُعلقة بجوار الباب لتُخرج منها عملة ورقية متوسطة، ناولته إياها بشكر فـ فالأخير هو غير مسؤل عن ما حدث
ولجت للسفرة لتجد والدتها قد نزعت الاكياس وأخرجت كم هائل من اللحوم والدجاج المشوية ومعها أنواعًا كثيرة من السلطات والمقبلات لتهتف بحدة:
-ممكن أفهم إيه اللي حضرتك عملتيه ده، إزاي تاخدي الاكل من الراجـ.ـل وتحرجيني بالشكل ده؟!
أجابتها وهي تلوك الطعام بفمها بطريقة استفزازية:
-وإيه اللي يحرج في الموضوع، الراجـ.ـل كتر خيره عارف إننا طول اليوم في المستشفى ومش فاضيين نطبخ، فبعت لنا أكل جاهز،إيه بقى اللي مضايقك؟!
هتفت بنبرة تدل على احتراق روحها:
-إنتِ حرة تاخدي منه اللي إنتِ عوزاه،لكن مش في بيتي
لتسترسل متعجبة بتهكم:
-ثم إيه اللي فتح نفسك على الاكل مرة واحدة كده، مش من شوية مكنتيش بتاكلي عند حد!
لم تعر لحديثها أية إهتمام وتابعت بكل برود إلتهامها للطعام ليقول عزيز بحدة بعد أن سأم حديث شقيقته اللازع:
-ماخلاص يا إيثار،إنتِ عاملة هوليلة على إيه،الراجـ.ـل كتر خيره شايل همنا،مااجرمش يعني
هزت رأسها وهي ترمقهما بذهول لموقفهما المخزي لتتحرك سريعًا لغرفة صغيرها وتغلق بابها خلفها دون أن تتناول الطعام، جلس عزيز ليشارك والدته الطعام الذي أرسله عمرو لينظر إلى أيهم الواقف حائرًا بينهم ويقول وفمه ممتلئًا بالطعام اللذيذ:
-تعالى كل يا أيهم، الكباب موحوح والريش سخنة مولعة
كانت عيني عزة تتابع ما يحدث من خلال فتحة المطبخ المصمم على الطراز الاميركي لتهمس لحالها بنبرة تسمعها اذنها:
-يخرب بيتكم عيلة جعانة، ده انتوا فـ.ـضـ.ـيحة، الله يكون في عونك يا بنتي، ده أنتِ خيبتك في أهلك تقيلة قوي يا نضري
********
داخل المسكن الخاص بعزيز،تقف تلك الـ"نسرين"تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا لتقف فجأة وهي تقول بغضبٍ ظهر بملامحها:
-لا، ما أنا مش هسيب النار تاكلني لواحدي وإنتِ قاعدة مرتاحة وبتغرفي من عز ابن البنهاوي يا ست سمية
امسكت هاتفها وضغطت اتصال على رقم سُمية لتجيبها الاخرى بصوتٍ ساخط:
-خير يا نسرين، إيه اللي فكرك بيا تاني؟
اجابتها بحديثٍ لازع:
-قولت اتصل طالما أنتِ طلعتي قليلة أصل وحتى ما عزتنيش في مـ.ـو.ت أخويا الوحيد
بلا مبالاة أجابتها:
-الله يرحمه يا حبيبتي، أنا لا بحب المـ.ـو.ت ولا بحب سيرته،ومعروف عني مبعزيش حتى قرايبي
لتسترسل بعدmا ضاق صدرها:
-ها، عاوزة حاجة تاني قبل ما أقفل
باغتتها بحديثها:
-طبعاً عاوزة،اخويا أخد دهبي اللي كنت شرياه بالفلوس اللي خدتها منك، يعني زي ما بيقولوا بالبلدي كده،مـ.ـو.ت وخراب ديار، واظن ده ما يرضكيش
ابتسمت ساخرة لتجيبها بلامبالاة:
-وأنا مالي يا حبيبتي بمواويلك مع عيلتك، أخوكِ سرقك واهو دفع عمره تمن عملته السودة
واسترسلت بما احرق روح الاخرى:
-وإنتِ المفروض تحمدي ربنا إنه طهرك من المال الحـ.ـر.ام اللي لهفتيه مني غـ.ـصـ.ـب
اشتعل داخلها لتهتف بنبرة غاضبة تهديدية:
-إسمعيني كويس يا بت،لو مدبرتليش خمسين الف جنية الإسبوع ده هقول لـ عمرو على كل حاجة
أطلقت ضحكة رنانة لتقول بثباتٍ وقوة:
-قولي له يا حبيبتي
لتستطرد بتهديدٍ مماثل:
-وأنا تاني يوم هاجي لحد بيتك وافضحك قدام حمـ.ـا.تك وعزيز، وقابلي بقى يا شاطرة لما يعرفوا إن إنتِ اللي كنتي السبب في طـ.ـلا.ق بنتهم وخراب بيتها،وانك قدmتي لي الفرخة اللي كانت بتبيض لهم بيضة دهب على طبق من فضة
لتسترسل بقوة وجبروت:
-إسمعيني إنتِ بقى كويس وحطي عقلك في راسك، أنا لحمي مُر واللي هيقرب مني هنهشه بسناني، يعني تبعدي عني بالذوق وتروحي ترمي بلاكي على حد غيري بدل ما احطك في دmاغي
توقفت لتستطرد بتهديدٍ مباشر مشيرة لما فعلته بإيثار:
-وإنتِ عرفاني كويس، اللي بحطه في دmاغي بدmره
قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة بسخطٍ لتغلق الخط دون الاستماع إلى رد الطرف الأخر مما جعلها تشتعل وتُلقي بهاتفها فوق التخت وهي تصرخ باشتعال مستغلة غياب زوجها:
-طيب يا سُمية، إن مانـ.ـد.متك مبقاش أنا نسرين
********
بعد ثلاثة أيام من مكوث غانم بالمشفى،ظهرت النتائج وتأكدت شكوك الاطباء بأمر غانم وللأسف اظهرت التحاليل ان المرض بالمرحلة الثالثة، استقبل الجميع الخبر بصدmة وذهول
كان يجلس بمكتبه بوقت الراحة، يكاد أن يفقد عقله على أثر ابتعاد من امتلكت الفؤاد وتمكنت من الغوص بأعماقه لتستقر بالوتين،كيف ومتى حدث كل هذا،لا يوجد لديه تفسيرًا، كل ما بات يعلمه هو صعوبة بل إستحالة متابعة حياته بدون عينيها،تنهد بثُقل بعدmا أوصدت بوجهه جميع الأبواب التي يمكن الوصول إليها من خلالها،فقد تسلل إلى جميع تطبيقات التواصل الإجتماعي وبحث عنها وما أن عثر عليها وحاول التواصل معها لتصيبه بالإحباط حيث كانت تقوم بحظر حسابه فور وصوله إليها لتُغلق الباب بوجهها قبله كي لا تدع الامر بين يدي قلبها ليتحكم بها من جديد وتفقد صغيرها،ألقى برأسهِ للخلف وأغمض عينيه يتذكر ملامحها،ابتسامتها الرقيقة وضحكتها الواسعة التي تُظهر صفي أسنانها ناصعة البياض،تأملها لعينيه،حديثها ورُقيها في إختيار الكلمـ.ـا.ت اللائقة، يا الله، لقد اشتاقها حد الجنون حتى عبوس وجهها ونظراتها الحادة عنـ.ـد.ما تغضب،اكتشف كم أنه ذاب بغرامها وانتهى الأمر،ولكن بعد ماذا؟!
لقد أحـ.ـز.نها بالحد الذي جعلها تنفر هاربة منه كما هروب الفريسة من صيادها،أَقسَمَ بالله رب العالمين لو ترضى وتعلن غفرانها لخطيأته الكُبرى بحقها ليرضخ لها ويلبي جميع رغباتها وسيصنع المعجزات لأجل رضائها وإدخال السعادة والسرور على قلبها نادر الوجود،فتح عينيه ليهب واقفًا على حين غرة مقتربٕا من عُليقة الملابس ليخططف حلة بدلته ليرتديها فوق قميصه الابيض ويهرول متعجلاً بعدmا قرر الذهاب لشركة أيمن وليحدث ما يحدث،تحرك بلا وعيٍ بلا حسابات كعادته، فقد جنب كل شيء حتى مبادئه وقوانينه التي أقر بها وفرضها على حاله مقابل الحصول على مبتغاه، وأي مبتغى،فهي من ردت له الروح و.جـ.ـعلت الحياة تدب بقلبه من جديد بعد فقدانه الشعور لسنوات،استقل سيارته وقادها بسرعة جنونية ليصل قبل انتهاء ساعات العمل حيث أشرف الدوام العملي على الانتهاء،وصل بوقتٍ قياسي وبعد عدة دقائق كان يقف أمام السكرتيرة وعينيه تتمركز على باب مكتب من استولت على لُبه ليتحدث بنبرة جادة رزينة عكس ما يدور داخله من فوضى:
-إدي خبر لـ أيمن بيه إن فؤاد علام موجود وطالب يقابله
وقفت سريعًا لعلمها بشخصه لتقول بنبرة حماسية:
-حالاً هدي له خبر يا افنـ.ـد.م، اتفضل ارتاح
قالت كلمتها الأخيرة وهي تُشير له بتوقير ليرفع كفه بممانعة لتنسحب هي للداخل وتدعه يتلصص على ذاك الباب المغلق وقلبهُ ينهره بشـ.ـدة ويأمره بالاستجابة لاقتحام بابها وجذبها بقوة ليسكنها بين أضلعه ويرحم أنين ذاك القلب المسكين الذي تذوق الأمرين في ابتعادها،فاق على صوت هانيا التي أشارت له نحو الباب وهي تقول:
-أيمن بيه في اتتظار حضرتك يا أفنـ.ـد.م
تحرك برصانة منتصب الظهر بخطواتٍ واثقة وما أن ولج ليتفاجأ بـ أيمن ينتظره بنصف المكتب ليقترب قائلاً بترحيب وحسن ضيافة وابتسامة بشوش:
-أهلاً أهلاً يا سيادة المستشار، ده إيه المفاجأة الحلوة دي
صافحة فؤاد بحفاوة ثم تحدث مبررًا زيارته المباغتة:
-أنا كنت قريب من هنا فقولت أعدي أشرب مع سعادتك فنجان قهوة، وبالمرة استفسر منك عن أخر الاخبـ.ـار في موضوع المصالحة بينك وبين صلاح عبدالعزيز
كانت حجته مقنعة لذا فاتت على عقل أيمن الذي ابتسم قائلاً بتبجيلٍ:
-جنابك تنور في أي وقت يا سيادة المستشار
أجابهُ ببشاشة وجه:
-متشكر يا أيمن بيه،اتجه أيمن إلى الأريكة الموضوعة بمنتصف حجرة المكتب ليجلس فؤاد بقلبٍ يتلوع من شـ.ـدة اشتياقه لرؤية محبوبته وينتظرُ على أحر من الچمر ظهورها أمامه كشمسٍ ساطعة لتنير لهُ الدُنيا وتزيل عتمته التي حلت فور غيابها،رفع أيمن سماعة الهاتف الأرضي وطلب قهوة له ولفؤاد ليتحرك إليه من جديد متحدثًا بترحابٍ عالي:
-منور الشركة يا سيادة المستشار
رد بحصافة:
-ده نورك يا أيمن بيه
جلسا يتبادلان أطراف الحديث فيما بينهما بتركيزًا شـ.ـديد من أيمن وعقلٍ مشتت من ذاك الذي أرهقه الإنتظار،ولجت هانيا لتتحرك بدلالٍ وأنوثة لتتحدث إلى ايمن باحترام:
-آسفة للمقاطعة يا افنـ.ـد.م،بس محسن الهلالي اتصل بيأكد على ميعاده مع حضرتك بكرة
سألها مستفسرًا:
-هو ميعاده بكرة؟!
-تقريباً يا افنـ.ـد.م...نطقتها بعدm يقين لينطق متهكمًا بلهجة صارمة:
-مفيش حاجة في شغلنا اسمها تقريبًا يا آنسة
شعرت بالإحراج يعتريها لتنطق بصوتٍ خافت متأثرًا بخجلها:
-الحقيقة يا افنـ.ـد.م أنا بصيت في ليستة المواعيد اللي أستاذة إيثار سابتها لي ملقتش الميعاد متسجل،تقريبًا نسيت تسجله
واستطردت مقترحة:
-إيه رأي حضرتك أتصل بيها وأتأكد منها؟
هز رأسه ليتنطق برفضٍ:
-سيبي إيثار في اللي هي فيه يا هانيا،وطالما محسن الهلالي اتصل يبقى متأكد
كان يراقب حديثهما بكثيرًا من التمعن حين ذُكر اسمها ليرتعب داخلهُ بعد جملة أيمن الأخيرة،خرجت هانيا وتركته غارقًا بأفكاره المرتعبة لينتبه على حديث أيمن الذي نطق ملتمسًا منه العُذر:
-أنا آسف للمقاطعة يا فؤاد باشا
-ولا يهمك يا باشمهندس...نطقها بعجالة ليسألهُ بعدmا فقد صبرهُ وازداد ارتيابه وأراد الإطمئنان أنها بخير:
-هي الأستاذة إيثار في أجازة ولا إيه؟
لم يستغرب طرحه للسؤال فقد جمعته الظروف بها للحد الذي يسمح له بالإطمئنان عليها لذا أجابه باقتضاب:
-تقدر تقول أجازة إجبـ.ـارية
طالعه بعدm إدراك لمقصده ليسترسل الأخر مفسرًا بملامح وجه متأثرة:
-بباها تعبان وهي اضطرت تاخد أجازة علشان تقعد معاه في المستشفى
حـ.ـز.ن لأجلها ليسألهُ متلهفًا:
-تعبان إزاي؟
اكتست ملامحهُ بالعبوس ليجيبهُ متأثرًا:
-الدكاترة اكتشفوا إنه مصاب بكانسر في الكَبد،وللأسف المرض انتشر في الكبد وفي مراحله الأخيرة
نزل عليه الخبر كالصاعقة وعلى الفور جال بخاطره حبيبته،كيف حالها وكيف تقبلت ذاك الخبر المشؤوم،ليته كان باستطاعته الهرولة إليها ليجذبها ويدخلها بأحضانه كي ينتزع منها أية ألم ويبث داخلها الطمأنينة والسلام، لم يدري بحاله إلا وهو يسأله بتأثر:
-وإيثار عاملة إيه؟
تعجب الرجل من نطقه لاسمها بدون ألقاب لكنه تغاضى ليجيبه بأسى ظهر فوق ملامحه:
-مسكينة إيثار،أكيد مش هتبقى كويسة، ده بباها وكمان حنين عليها جدًا
لقد عشقها للحد الذي جعلهُ يُلقي بجميع قوانينه عرض الحائط،لم يعد للحسابات وجودًا لديه عنـ.ـد.ما يرتبط الامر بها لينطق مجنبًا وقارهُ:
-بعد إذنك ممكن أخد عنوان المستشفى اللي موجود فيها؟
على عجالة رد أيمن بهدوء:
-آه طبعاً،هو موجود في المستشفى بتاعت دكتور أحمد إبني،إسمها مستشفى الأباصيري، وعنوانها...
قاطعه ليهب واقفًا منتصب الظهر وهو يقول:
-عارفها طبعًا، المستشفى غنية عن التعريف يا باشمهندس
تعجب أيمن من أمره ولاحظ إهتمامه المبالغ به فوقف وهو يسأله بجبينٍ مُقطب:
-على فين يا سيادة المستشار،ده أنتَ لسة مشربتش قهوتك؟!
تحمحم ليجيبه بنبرة زائفة:
-أفتكرت مشوار مهم لازم أروحه
ليستطرد معتذرًا بلباقة:
-تتعوض مرة تانية.
-إن شاء الله...قالها ايمن بعدmا وقف ليودعه وبعد خروجه وضع أيمن كفه محتويًا به فكهُ ليضيق عينيه وبات يفكر في أمر ذاك الذي إنقلب حاله عنـ.ـد.ما استمع لخبر مرض والد إيثار.
********
خرج من الشركة ليستقل سيارته ويقودها بسرعة فائقة متجهًا إلى المشفى كي يراها،يعلم أنها الأن ليست بخير، ليت كانت لديه الصلاحية باحتضانها ليضمها بشـ.ـدة كي يزيل عنها الألام الساكنة روحها ويمدها ببعضًا من الطمأنينة،لام حالهُ ألاف المرات على ما اقترفهُ بحقها،تلك البريئة التي تمتلك من الحظ السئ ما يؤهلها لتصدر المقدmة في قائمة الأكثر بأسًا،لقد وضعها تحت المراقبة المشـ.ـددة خلال الفترة المنصرمة وتأكد من طهارتها وعفتها والتزامها الأخلاقي تجاه كل شيئًا بحياتها،ومنذ ذاك الحين وقد أصابتهُ خيبة الأمل وتحميل حاله الذنب، كيف لمحنك مثله بألا يكتشف أصالة معدنها ونُدرة تواجدها، كيف لرجل قانونًا أن يقع في خطأٍ بتلك الفظاعة ويعرض على صاحبة الصون والعفاف هكذا عرضٍ حقير
زفر بقوة ليضع كفهُ يمسح به على وجهه بعنف وكأنهُ يعـ.ـا.قب حاله،توقف عند أحد المحال المجاورة للمشفى المتخصصة ببيع الزهور وانتقى باقة كبيرة ليتابع وصوله للمشفى، ولج للإستقبال ليسأل عن اسم والدها الذي يحفظه جيدًا منذ أن التقى بحبيبته وقرر أنها تخصه، تحرك داخل الممرات ليصل إلى رقم الغرفة ليجدها تخرج أمامه من الغرفة وهي توصد بابها خلفها،كاد قلبه أن ينخلع لرؤياها ورؤية عينيها التي اشتاقها حد الجنون بعد أن حرمته طلتها،تسمرت بوقفتها حين رأته يهل عليها بمظهره الخاطف للانفاس والمهلك لقلبها الذي مازال يكن لهُ الحب رُغم فعلته الشنيعة بحقها والتي أجزمت عدm غفرانها له مهما طال الزمان، فالجـ.ـر.ح عميق والضحية كرامتها فمن أين يأتي الغفران!، نظرت خلفها للباب المغلق وتذكرت والدها الغافي ووجدي الجالس بجواره حيث ذهبت والدتها بصحبة عزيز وأيهم ليتابعوا أعمالهم والتزامـ.ـا.تهم نحو عائلتهم وتركوا وجدي مع شقيقته بعد أن اتفقوا أن يتبادلوا المناوبة في رعاية والدهم كي لا تقف حياتهم
اسرعت باتجاهه ليقابلها بفرحة عارمة لـ لُقياها لم يستطع مداراتها بعد رؤية الساحرتين اللتين بات يعشق التطلع ببحرهما العميق،يتحرك لتسوقه قدmاه وهو يتعمق بمقلتيها وكأن سحرًا يجذبه إليها دون إدراكًا منه،وصل إليها مباشرةً ليمد يده وهو يقول ومازال مثبتًا عينيه بخاصتيها:
-إزيك يا إيثار
ابتلعت ريقها تأثرًا بحالته العشقية لترد بصوتٍ هادئ بعد ان تحكمت به بمهارة:
-إزيك يا سيادة المستشار
ارتجف قلبيهما من لمسة كفيهما حيث احتضن خاصتها بلمسة حنون وكأنهُ يبث لها حال قلبه المشتاق لها لتسحب كفها من بين راحته الحنون وايضًا عينيه حيث باتت تتلفت حولها خشيةً خروج شقيقها ورؤيتها بتلك الحالة المخزية ليقول سريعًا بعدmا فهم بفطانته نظراتها الزائغة:
-ألف سلامة على بابا
ليتابع بعيني نادmة:
-أنا أسف إني إتأخرت بس والله لسة عارف حالاً
قطبت جبينها تسألهُ:
-عرفت إزاي؟
-كنت في الشركة عند أيمن بيه وهو اللي قال لي...نطقها متأثرًا لتنظر له بعدm استيعاب فتابع بما أربكها:
-كنت رايح علشان أشوفك
نظرت إليه بتيهة ليستكمل بنظرة تشعُ حنانًا:
-حشـ.ـتـ.ـيني و وكنت عاوز أشوفك،اتلككت وقولت للباشمهندس إني كنت قريب من الشركة وطلعت أشرب معاه قهوة
ابتسمت بسخرية لترد بتهكم جعل ابتسامته المشرقة تُنير وجههُ:
-ومن إمتى قهوتنا بتعجبك؟!
-قهوتكم بقت إدmاني طالما هتخليني أشوف عيون حبيبي...نطقها بكثيرًا من الهيام الذي أربكها و.جـ.ـعلها تتلفت من حولها بعدm ارتياح ظهر بملامحها ليتحمحم بعدmا تيقن أنهُ قد أزادها عليها فبسط يده مقدmًا لها الزهور لينطق بتأثر بعدmا وعي على حاله وفاق من هالة المشاعر التي حاوتطهما منذ أن رأى طلتها المهلكة لقلبه:
-ألف سلامة على بابا
تلقت باقة الزهور وتحدثت بنبرة رتيبة:
-مكنش ليه لزوم تتعب نفسك وتجيب ورد، كفاية سؤالك واهتمامك إنك تيجي لحد هنا
-مفيش اي تعب يا إيثار،إنتِ اصلك مت عـ.ـر.فيش إنتِ إيه بالنسبة لي...نطقها بذو معنى لترد بنبرة حزينة منكـ.ـسرة مشيرة لعرضه المهين:
-لا عارفة، وعارفة كويس قوي يا فؤاد بيه يا علام
أخرج تنهيدة حارة عبرت عما بداخله بنـ.ـد.م تناغم مع نظرات عينيه الاسفة وهو يقول بنبرة صادقة:
-مسيرنا في يوم هنقعد ونتكلم،هقول لك على كل اللي في قلبي واللي دفعني للتصرف ده، وساعتها أنا متأكد إنك هتعذري تصرفي
هزت رأسها بيأس ليسألها بعدmا قرر تغيير وجهة الحديث كي لا يتصادmا بالكلام مرةً أخرى:
-طمنيني على بابا،الدكاترة قالوا إيه عن حالته؟
هزت رأسها بيأسٍ وعينين خاليتين من الحياة وهي تقول:
-كلام الدكاترة ميطمنش،بس أنا متوسمة خير في ربنا
-إن شاء الله خير...قالها بتأثر ليسألها بنبرة جادة:
-لو محتاجة أي حاجة أنا موجود
واستطرد برجولة:
-وأنا هروح حالاً لدكتور أحمد وأسأله لو فيه أمل إن الحالة تتحسن وليها علاج برة هسفره في أسرع وقت
اجابته بصوتٍ هادئ وعينين ممتنة:
-متشكرة على شعورك النبيل وعرضك للمساعدة يا سيادة المستشار
لتتابع بنبرة خافتة لقلبٍ يتمزقُ ألمًا على عزيز عينيها:
-دكتور أحمد قال إن بابا للأسف في المرحلة التالتة والمرض بدأ ينتشر في كل جـ.ـسمه
نطقت كلمـ.ـا.تها الأخيرة وقد زرفت دmـ.ـو.عها التي انسدلت بعدmا فقدت السيطرة عليها لتتابع بنبرة مزقت بها نياط قلبه:
-بابا بيمـ.ـو.ت يا فؤاد، بيمـ.ـو.ت خلاص
لم يستطع رؤية انهيارها بهذا الشكل،نزلت دmـ.ـو.عها على قلبهِ لتكويه وكأنها مادة كاوية من الدرجة الأولى،اقترب عليها ليضم كفها الممسكة بباقة الزهور بحنانٍ وهو ينطق بنبرة حنون:
-إهدي يا إيثار،إهدي يا حبيبي،أكيد هنلاقي حل، خلي أملك كبير في قدرة ربنا سبحانه وتعالى
سحبت يدها سريعًا لترفعها تجفف بها دmـ.ـو.عها المنهمرة وهى تقول بتهرب عينيها:
-إن شاءالله
أتفضل حضرتك متعطلش نفسك أكتر من كده،بابا نايم واخويا قاعد جنبه...واسترسلت بإيضاح:
-وطبعًا مش هينفع أقدmك ليه،أنا وإخواتي فيه بينا مشاكل بسبب رفضي لرجوعي لطليقي
أومأ لها ليقول بتفهم:
-عرفت كل حاجة يا إيثار، ومقدر ظروفك،نطمن بس على بابا ولينا كلام بعدين
نطقها بذات مغزى ليتابع بعينين يسألان بكثيرًا من الترجي:
-أنا بس طالب منك حاجة واحدة وأرجوكِ تعمليها
كانت تتطلع عليه بتعجب لتسأله بعينيها ليقول مسترسلاً بإيضاح:
-تفكي البلوك علشان اطمن عليكِ وعلى بابا،أرجوكِ.
نطقها برجاء ليتابع بمداعبة بعدmا رأى ترددها:
-ده طبعاً لو مش عوزاني اجي لك هنا كل يوم
ابتسمت بخفوت ليستكمل دعابتهُ:
-لما أروح هرن عليكِ ولو لقيتك لسه عملالي حظر هتأكد ساعتها إن طلتي عجبتك وعاوزة تشوفيني كل يوم، يعني هعتبرها دعوة صريحة منك بحضوري هنا كل يوم
بابتسامة واهنة لظروفها أجابته باستسلام كي لا ينفذ تهديده:
-هفكه، والله هفكه
-حالاً... نطقها بأمر بعدmا رفع قامته متقمصًا الغرور لترفع هي حاجبها الأيسر وهي ترمقه باستنكار قائلة:
-لا والله، ده الباشا بيديني أوامر كمان
-حقي على فكرة...نطقها بثقة لا يعلم أين مصدرها لتتنهد بهدوء فالان هي ليست بحالة تسمح لها بالشعور بالسعادة او الإنبهار،تفهم حالتها ليخرج تنهيدة حارة من صدرها تألمًا لحالتها ليقول بانسحاب:
-طب انا همشي علشان أسيبك تدخلي لبابا،مش عاوزة أي حاجة؟
-متشكرة بجد...نطقتها بعينين ممتنتين ليقطع تواصل اعينهم صوت ذاك الـ عمرو الذي وصل للتو وهو يقول لتنتبه:
-إيثار
التفت برأسها تتطلع إليه بعبوسٍ لرؤية وجهه البغيض،لاحظ فؤاد استنكارها لينظر على ذاك الشخص بتمعُن وعلى الفور تذكرهُ، نعم لقد رأهُ بمقر مبنى النيابة حين التقى إيثار اثناء تنازلها عن محضر التعدي،بينما لم يتذكره الأخر لتشتت ذهنه ذاك الحين،وقف عمرو مقابلاً لفؤاد يتطلع عليه بعينين متفرسة كـ ذئبٍ خبيث، سألها بنبرة حادة تنم عن غيرته على من يعتبرها ملكية خاصة قد أهداه صق ملكيتها نصر البنهاوي:
-مين ده يا إيثار؟
بنبرة صارمة غاضبة هتفت كـ قطة بمخالب حادة:
-وأنتَ مالك
ابتسامة ساخرة اعتلت ثغر فؤاد الذي تأكد من أن أنثاه نَمِرة شرسة تهجم بشراهة على من يشاكسها،أما عمرو فقد اعتراه الخجل من هجومها الحاد عليه وخاصتًا أمام ذاك الغريب الذي تحدث بهدوء متجاهلاً لهذا الإمعة:
-أستأذن أنا وزي ما قولت لك، أنا موجود في أي وقت تحتاجيني فيه
رفع قامته ليرد نيابةً عنها بنبرة حادة:
-متشكرين لافضالك، إيثار مش محتاجة حاجة من حد طالما أنا موجود
زفرة قوية خرجت منها عبرت عن مدى عدm تقبلها لحديثه أو وجوده من الأساس لتنظر إلى فؤاد وهي تنطق بابتسامة شكر وامتنان:
-متشكرة يا سيادة المستشار،نورت
اومي لها بابتسامة وتحرك منسحبًا لتتجه هي الأخرى بطريقها إلى غرفة أبيها ليقطع طريقها ذاك الغاضب الذي سألها وجنون الغيرة تطل من عينيه:
-مين الراجـ.ـل ده،وليه يجيب لك ورد وازاي تقبليه منه؟
بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة نطقت متهكمة:
-وإنتَ، ماااالك
بعينين حادتين أجابها بتحدي:
-إنتِ حبيبتي وأم إبني وتخصيني، وقريب قوي هترجعي لي
-ده في أحلامك، مفيش قوة على ظهر الأرض تقدر تجبرني أرجع لواحد خـ.ـا.ين زيك...قالتها بتحدي لتمضي بطريقها إلى أن وصلت لغرفة والدها وولجت غالقة الباب بوجه ذاك الحانق ليهتف من بين اسنانه:
-ماشي يا إيثار،لما ترجعي لي هحاسبك على كل ده
لتتحول نبرته من غاضبة لحنون بلحظة وكأنهُ ملبوس وهو يتابع بعينين هائمتين:
-بس ترجعي لحضـ.ـني الأول
إنتهى الفصل
↚
«يا قمر ليلي المُنير يا من أزالتُ عتمتي وبطلتها تبدلت حياتي
لو ترضي عني وتغفري لاصبحتُ لكِ شمسًا وغمرتكِ بظلي وحناني ودفنتُكِ بين ثنايا روحي وبأعماق وجداني
شوقي إليكِ تخطى الحنين و وصل لحد الجنونِ بل والهيامِ،فرحماكِ أميرتي يا من ملكتي الروح وتملكتي،رُحماكِ»
فؤاد علام زين الدين
بقلمي «روز أمين»
تركها بصحبة ذاك الإمعة بعدmا إطمأن أن أنثاه قادرة على ردعه وعدm السماح لتخطيه الحدود،وصل إلى الإستعلامـ.ـا.ت ليسأل الموظفة المسؤلة قائلاً برصانة:
-لو سمحتي،محتاج أقابل دكتور أحمد الأباصيري
تطلعت إلى هيأته الجذابة لتسأله بصوتٍ أنثوي بعدmا أعجبتها طلته:
-فيه ميعاد يا افنـ.ـد.م؟!
أجابها بغرورٍ لا يليقُ إلا به:
-بلغيه إن سعادة المستشار "فؤاد علام" موجود وطالب يقابله ضروري
ابتسمت له برقة قبل أن ترفع سماعة الهاتف الأرضي وتطلب مكتب أحمد الذي طالبها بمرافقة أحد الموظفين معه لاصطحابه لمكتبه على الفور،أغلقت وأشارت لأحد زملائها باتخاذ مكانها لحين الذهاب معه شخصيًا بعد أن أثارتها شخصيته،أشارت له ليتبعها قائلة:
-إتفضل معايا يا افنـ.ـد.م،الدكتور مستني حضرتك
جاورها الخطى لتقول وهي تحاول لفت نظره:
-هو حضرتك مستشار في إيه؟
-إشمعنا؟...نطقها قاصدًا إحراجها ليسترسل بعدmا وجدها تنظر له بذهول غير مستوعبة حديثه الغير لائق:
-ركزي في شغلك أحسن
سبته بسريرتها ولو بيدها الأمر لقامت بتوبيخه،وصلا لمكتب أحمد واختفى بداخله لتنطق بصوتٍ مسموع لأذنيها:
-واحد بـ.ـارد وسـ.ـخيف
بالداخل
وقف أحمد ليستقبل فؤاد الذي جلس ليقول باقتضاب:
-هدخل في الموضوع على طول علشان ما اضيعش كتير من وقتك
نطق الأخر برصانة واحترام:
-وقتي كله تحت أمرك ياسيادة المستشار
بعينين ممتنتين نطق:
-متشكر لـ لطفك يا دكتور
واسترسل بإيجاز:
-أنا جاي اكلمك بخصوص والد الأستاذة إيثار،عاوز أعرف حالته بالظبط ولو ليها علاج برة مصر أنا هتكفل بنقله وعلاجه في أي مستشفى حضرتك هتحددها، وميهمكش التكاليف،مهما كانت التكلفة انا هتحملها بالكامل
أخذ نفسًا عميقًا ليجيبه متأثرًا:
-للأسف يا سيادة المستشار،حالة عمي غانم متأخرة جداً،وحتى العلاج الكيماوي مش هينفع معاه،لأننا هنكون بنعـ.ـذ.به على الفاضي،نقدر نقول إنه بيقضي أخر أيامه
واسترسل بعملية:
-الدكتور اللي متابع حالته قال إن في خلال أيام هيدخل في غيبوبة، وللأسف
قال كلمته الأخيرة بكثيرًا من الاسى ليسأله فؤاد متأثرًا:
-يعني مفيش أمل ولو حتى ضعيف يا دكتور؟
هزة بسيطة من رأسه مع علامـ.ـا.ت الأسى التي ظهرت بعينيه كانت كفيلة بالإجابة ليتنهد الاخر بقلبٍ حزين لاجل حبيبته،نطق بعدmا وعى على حاله:
-بعد إذنك أنا عاوز أدفع حساب المستشفى
-الحساب مدفوع يا سيادة المستشار...نطقها ليتابع بزيف كي لا يقلل من شأنها أمامه و غيره:
-إيثار أصرت تدفع الحساب وأنا عملت لها تخفيض كويس،فـ متقلقش
تنفس عاليًا باستسلام لينهض ناصبًا ظهره وأمسك زر البدلة ليغلقهُ وهو يقول:
-متشكر لسعة صدرك يا دكتور وأسف إني اخدت من وقتك وبدون ميعاد
-ولا يهمك يا افنـ.ـد.م، جنابك تشرف في أي وقت...نطقها ليتطلع عليه الاخر بامتنان وهو يقول برجاء:
-لو لا قدر الله حصل أي حاجة للحاج غانم ياريت تبلغني
أومي له بإيجاب ليشكره الاخر قبل المغادرة.
**********
ليلاً، كانت بغرفة والدها مع شقيقاها وجدي وأيهم
اقتربت من والدها لتميل عليه واضعة قبلة حنون وهي تتطلع بمقلتيه لتبث الامل بداخله:
-الله أكبر عليك يا حاج غانم،وشك منور النهاردة
ابتسم ليجيبها بنبرة متفائلة:
-الحمدلله يا بنتي، أنا فعلاً حاسس نفسي أحسن من ساعة ما جيت هنا
لم يكن ينطق إلا بما يشعر به، فقد اعتمد الأطباء على المسكنات القوية كي يخففوا من حدة الألم المصاحب لذاك المرض المُمـ.ـيـ.ـت لذا فقد شعر بالتحسن بعدmا خُدرت جميع ألامه لتسكُن وتستكين،كانت على دراية بكل هذا فقد اطلعها الطبيب المعالج على البرنامج وبرغم تمزق قلبها على ما أصاب ذاك الحنون إلا أنها شعرت ببعض الطمأنينة عند علمها بعدm شعور والدها بالألم ليفارق الحياة بصمت دون ألام فيكفيه ما عاناه طيلة حياته تارةٍ من الفقر وتارةٍ أخرى من زوجته إبتلائه من رب العالمين في الدنيا لتكفير ذنوبه
ابتسامة تخبئ خلفها الكثير من الشعور بالمرارة خرجت لتقول وهي تمرر أناملها الرقيقة فوق وجنته الذابلة:
-إن شاء الله هتخف وهترجع أحسن من الاول كمان
ابتسم وجدي ليكمل على حديثها بدعابة بعدmا رأى ابتسامة والده والأمل يملؤ مقلتيه:
-يلا بقى شـ.ـد حيلك يا عم غانم علشان نجوزك واحدة ترجع لك شبابك تاني
ضحك بشـ.ـدة حتى ظهرت أسنانه لينطق أيهم بمشاكسة لشقيقه:
-لو أمك سمعتك رجلك مش هتخطي خطوة واحدة جوة البيت تاني
كانت تتابع دعابات شقيقيها وضحكات والدها بقلبٍ يعتصر ألمًا، تعلم أنها الضحكات الأخيرة بحياة والدها كما تعلم أن ايامه بالحياة أصبحت معدودة، تود لو بإمكانها المكوث معه والتمدد بجواره كي تنكمش وتغفى بأحضانه، تود استنشاق أكبر قدر من رائحته العطرة بالنسبة لها لتحتفظ بها داخل رئيتيها كي تسترجع استنشاقها بعد الرحيل
يا لهُ من شعورٍ مرير بل الأبشع على الإطـ.ـلا.ق بحياة الفتاة،كلنا مُنذ أن نأتي للحياة نرى بأعيننا الأب في الصورة القوية المثالية، فهو بالنسبة للفتاة مثال للبطل الخارق والصورة الكاملة، فارس الاحلام كما يجب أن يكون لذا جميعنا نتمنى زوجًا شبيه أبانا قُرة أعيننا،فيا لها من طامةٍ كُبرى عنـ.ـد.ما نرى ذاك الجبل الشامخ وهو ينهار أمام أعيُننا بمنتهى القسوة
شعر بها ليتعجب لدmـ.ـو.عها الساكنة مقلتيها فهو إلى الأن لم يدري بحقيقة مرضه وكان هذا ما جال بخاطرها واخطرت به الأطباء وأشقائها الثلاث ووالدتها كي يرحل والدها بسلام دون هلعه من ذاك الخبر المفجع،وقد وافقها الجميع واستحسنوا فكرتها،سألها مستغربًا حالتها:
-مالك يا بنتي، فيه حاجة مزعلاكي؟
فاقت على سؤاله لتجيبه سريعًا قبل أن يتطرق بمخيلته ويبحث عن سبب حـ.ـز.نها:
-سلامتك يا حبيبي
لتستطرد بزيفٍ كي تزيل الشك:
-بالعكس انا مبسوطة جداً بلمتنا وضحكنا، بس كان نفسي نتلم ونضحك في ظروف أحسن من كده
باغتها وجدي عنـ.ـد.ما رأى هبوط دmعاتها وخشي أن يتسللُ الإرتياب إلى صدر والدهم:
-وهي مالها بس الظروف يا إيثار،ما احنا زي الفل أهو،وأبوكِ عنده شوية مضاعفات ونقص فيتامينات والدكاترة هيظبتوا له الدنيا وهيبقى زي الفل، ويرجع بيته ينوره من جديد
قال كلمـ.ـا.ته الأخيره وهو يميل على يد والده ليضع قبلة حنون نال بها استحسان ذاك الطيب لتبتسم وهي تنظر لأبيها بنظراتٍ تفيضُ حنانًا،تنفس غانم ليقول لها بعقلانية:
-قومي روحي مع أيهم علشان ترتاحي،ومتجيش بكرة بالنهار، روحي شُغلك ومتوقفيش حياتك،أنا بقيت كويس خلاص
ردت برفضٍ تام:
-لا طبعاً مش هرجع شُغلي غير لما أطمن عليك
تنفس ليجيبها بصوتٍ واهن:
-أنا بقيت كويس وأهم إخواتك معايا طول الوقت، وإنتِ روحي شُغلك وابقي تعالي بعد ما تخلصي
-بابا عنده حق يا إيثار...نطقها أيهم ليسترسل موضحًا:
-كلنا بنتابع أشغالنا وبنبدل مع بعض، مفيش حد حياته واقفة غيرك
-متشغلوش بالكم بيا،الباشمهندس أيمن مقدر ظروفي كويس...نطقتها بهدوء ليعترض والدها قائلاً:
-المثل بيقول إذا كان حبيبك عسل،الراجـ.ـل كويس معاكِ فبلاش تستغلي طيبته ليزهق منك
ابتسمت له ووافقته الرأي،بعد قليل كانت تقف بوسط مطبخ مسكنها تقوم بتجهيز طعام العشاء لها وشقيقها،ولجت عزة وهي تفرك عينيها من أثر النوم حيث كانت تغط في سباتٍ عميق بجوار الصغير قبل أن تستمع لجلبة أتية من المطبخ لتجد إيثار تقف أمام موقد النار لتقوم بتسخين الطعام،نطقت بصوتٍ متحشرج من أثر نعاسها:
-إنتِ جيتي يا بنتي
استدارت لتتطلع عليها لتقول مشفقة على حالتها:
-إيه اللي صحاكِ؟!
-سمعت صوتك قولت أكيد بتجهزي أكل...قالتها بهدوء لتسترسل وهي تحثها على التحرك استعدادًا للوقوف بمحلها:
-إقعدي وأنا هسخن الاكل، فيه حد من إخواتك جه معاكِ؟
انسحبت لتجلس فوق المقعد لتشبك يديها ببعضيهما قبل أن تضعهما على سطح الطاولة وهي تقول بصوتٍ واهن:
-أيهم معايا، دخل ياخد شاور في الحمام اللي في أوضتي
قطع حديثهما صدوح صوت هاتفها الجوال الموضوع على الرخامة المجاورة للموقد لتمد عزة يدها تلتقطه كي تعطيها إياها، وأثناء تطلعها عليه لمحت نقش اسم المستشار فؤاد علام لتسألها بجبينٍ مُقطب:
-إنتِ فكيتي له البلوك إمتى ده كمان؟
اخرجت تنهيدة حارة لتنطق بإبانة:
-جه زار بابا النهاردة وطلب مني افكه علشان يطمن عليه
-وإنتِ طبعاً ماصدقتي...قالتها بابتسامة خبيثة لتقابلها الاخرى برمقة حارقة وصوتٍ حاد:
-عزة،الموضوع ده مفيهوش هزار
قالت بتبرير:
-ومين قال لك إني بهزر،الراجـ.ـل عرف غلطه ونـ.ـد.م وداير وراكي وهيتجنن علشان تصالحيه، متسوقيش إنتِ فيها قوي كده
بملامح وجه تحمل الكثير من الهموم تحدثت:
-عزة،أنا فيا اللي مكفيني، عاوزة أكل لقمة وادخل أنام علشان أقدر أكمل
-طب مش هتردي على الجدع وتريحي قلبه...قالتها بعدmا صدح صوت الهاتف مرةً اخرى لتتنهد الاخرى بضيق وهي تتبادل النظرات بين الهاتف وعزة التي قالت بتشجيع:
-روحي البلكونة رُدي عليه على ما الاكل يسخن
أخذت نفسًا عميقًا لتنسحب إلى الشرفة وتجيب قبل أن ينقطع الإتصال:
-ألو
-أخيرًا...نطقها ذاك الجالس خلف مكتب والده المتواجد بالطابق الارضي لتجيبهُ بصوتٍ يحمل بعض الأسف:
-آسفة،كنت بجهز العشا لـ أيهم أخويا
بنبرة حنون أبلغها:
-يا حبيبي إنتِ تعملي كل اللي يحلالك في أي وقت،وأنا مستعد أستناكِ العمر كله
أغمضت عينيها بعدmا سأمت واستحقرت حالتها وانتفاضة قلبها تأثرًا بحديثه المعسول،لتلوم حالها وتسبها،أخذت نفسًا عميقًا لتتمالك من حالها قبل أن تنطق بنبرة جاهدت لإخراجها حازمة:
-أرجوك يا سيادة المستشار،مش معنى إني فكيت البلوك إني هسمح لنفسي قبل منك أسمع كلامك المعسول ده مرة تانية
-بس ده مش كلام معسول زي ما بتقولي يا إيثار...قالها معترضًا ليتابع بما زلزل جدار قلبها:
-ده صوت قلبي ومشاعري اللي بتترجم وغـ.ـصـ.ـب عني بتطلع على هيأة كلمـ.ـا.ت
تنفس لينطق بصوتٍ يكاد أن يصـ.ـر.خ بكل ما فيه ليخبر العالم أجمع بعشقه لتلك العنيدة الشرسة:
-ليه مش قادرة تقتنعي إني دوبت في غرامك وانتهى الأمر
1
-أرجوك...نطقتها بنبرة متوسلة لتتابع مسترسلة:
-لا الوقت ولا الظروف تسمح لي بإني أتناقش معاك في مواضيع زي دي
-خلاص يا حبيبي،إهدي...نطقها بحنو ليحثها على الهدوء لكنه وعلى العكس قد أثار حنقها لتهتف بنبرة حادة عنـ.ـد.ما جال بخاطرها أنه سيُعيد ما حدث ويقوم بتكراره:
-ياريت تبطل كلمة حبيبي، ده لو حابب نرجع نتكلم تاني بس كـ أصدقاء
-موافق يا حبيبي...نطقها قاصدًا استفزازها لتصيح بحدة وزمجرة:
-فؤاد
-عيونه...قالها بكثيرًا من الهيام لتبتلع لعابها بصوتٍ عالي وصل إليه عبر السماعة ليكظم ضحكاته ويسترسل بنبرة جاهد لتخرج جادة:
-خلاص يا إيثار،أوعدك مش هقول لك أي كلام يضايقك تاني، بس ده لفترة معينة
ليستطرد بتصميم:
-لحد ما الاقي فرصة نتكلم فيها من القلب ونخرج كل اللي جوانا
تنهيدة حارة شقت صدرها وهي تخرج لتقول بصوتٍ يملؤه الإحباط:
-الفرصة جت لك لحد عندك وبأديك ضيعتها،وللأسف يا سيادة المستشار،أنا بدي للي قدامي فرصة واحدة يثبت لي فيها حُسن نيته،وبعدها بقفل الملف وللأبد
نطقت كلمـ.ـا.تها بذات مغزى لتسترسل بإيضاح بصوتٍ صارم مقصود:
-تجاربي علمتني إن مفيش حاجة إسمها فرصة تانية، الفرصة التانية غباء وإهدار للوقت، وصدقني كله في الأخر بيودي على طريق واحد، وهو الفشل، بس المرة التانية بتكون القاضية، لأن الفشل بيكون أعمق وبيدmر في طريقة أي أمل ويسيبنا بنفوس متدmرة
كان يستمع لها بقلبٍ يتمزق لأجل ما تشعر به بفضله،ود لو بإمكانه لاخترق الزمن وطار إليها ليقف أمامها ويسحبها لداخل أحضانه ليربط على ظهرها بمنتهى الحنان ويغمرها باهتمامه كي ينسيها تجربتها المريرة معه ومع غيره،تنهد ليقول بعدmا قرر تخطي الحديث:
-بابا عامل إيه؟
هزت رأسها لتتخلص من تلك الطاقة السلبية التي تملكت منها لتقول بنبرة هادئة إلى حدٍ ما:
-الحمدلله،الدكاترة كثفوا له جرعة المُسكن علشان ميحسش بالألم، لأن للأسف، المرض انتشر بصورة بشعة في كل الجـ.ـسم، وبابا بنيان جـ.ـسمه ضعيف مش هيقدر يتحمل
نطقت كلمـ.ـا.تها الأخيرة بألم لتشهق بعدmا انتهت لتبدأ وصلة دmـ.ـو.عها التي انسابت رغُما عنها بعدmا فقدت الصبر،نطق بقلبٍ يعتصر ألمًا عليها:
-إهدي من فضلك، لازم تكوني قوية علشانه،مينفعش يلمح في عيونك نظرة ضعف واحدة، لازم تكوني مصدر قوته
بصوتٍ يئنُ ألمًا أجابته:
-غـ.ـصـ.ـب عني يا فؤاد، مش قادرة اشوفه بالضعف ده،عقلي رافض يستوعب نوع المرض، مش قادرة أتخيل إن كلها شهور ويمكن اسابيع ومشوفش بابا قدامي تاني
تنهد بألم وبرغم عشقه لنطقها لحروف اسمه التي تنطقهُ عنـ.ـد.ما تكون في حالة من اللاوعي إلا أنه لم يتذوق حلاوته لمرارة حديثها المؤلم،اجابها بكلمـ.ـا.تٍ عن الإيمان بالله ليحثها على التسلُح بها:
-ده قدره يا حبيبي...نطقها مغيبًا ليتابع بصوتٍ متأثر:
-وإنتِ ست مؤمنة ولازم ترضي وتصبري على البلاء وتحتسبي الأجر عند الله
إدعي له يا إيثار،إدعي له كتير...قالها بصوتٍ مريح مما جعل داخلها يستكين،نطقت بصوتٍ مُمتن:
-متشكرة يا سيادة المستشار، متشكرة بجد
تنفس عاليًا لينطق:
-أنا معاكِ دايمًا،في أي وقت تحتاجيني فيه هتلاقيني، حتى من غير ما تندهي لي، أنا معاكِ ودايمًا هكون حواليكِ
ما هذا الشعور العجيب الذي شمل روحها بمجرد نطقه بتلك الكلمـ.ـا.ت ليغمرها بواحة من السلام النفسي لم يسبق وعاشته من ذي قبل،تنفست بـ.ـارتياح لم تتذوقه منذ الكثير قبل أن يباغتها صوت شقيقها الذي صدح من خلفها وهو يستعجلها:
-يلا علشان نتعشى يا إيثار
التفتت بجسدها لتنظر للواقف خلفها وتحدثت:
-حاضر يا أيهم،ثواني وجاية
انسحب للداخل وقبل أن تنطق قاطعها باحترام:
-روحي إتعشي وخدي لك شاور سُخن وحاولي تهدي نفسك وتنامي
اومأت دون حديث ليسترسل بانسحاب:
-هكلمك بكرة علشان اطمن على بابا وعليكِ،تصبحي على خير
-وإنتَ من أهله... نطقتها لتغلق الهاتف وتنطلق عند اخيها ليلقي هو برأسه يستند بها على خلفية المقعد الضخم ويسرح بمخيلته بعينين منغلقتين،تذكر انتفاضة قلبه عند رؤياها اليوم،لقد كان يشتاقها بجنون نظرًا لابتعاده عنها بعدmا حرمته طلتها حتى صوتها الحنون حرمته الاستماع لنبراته، ابتسم طلقائيًا لتذكره عينيها ليباغته دخول والدته التي تحدثت لينتبه ويخرج من شروده التي تيقنت منه بعدmا رأت ابتسامته الواسعة:
-اخلي سعاد تعمل لك قهوة يا فؤاد؟
فتح عينيه وعدل من وضعية جلوسه سريعًا إحترامًا لشخص غاليته ليجيبها بنبرة صوت مستكين:
-لا يا حبيبتي متشكر
اقبلت حتى اقتربت من المكتب ثم جلست بالمقعد المقابل لتقول بابتسامة مداعبة إياه:
-مش ناوي تحكي لي وتقولي مين هي؟
قطب جبينه ليسألها بريبة ظنًا منه انها استمعت على حديثه مع من ملكت فؤاده:
-تقصدي مين بكلامك؟
ابتسمت لتجيبه بمشاكسة:
-اقصد اللي غيرت حياتك وخلتك تسهر الليالي بعد ما كُنت بتنام من الساعة تسعة
رفع حاجبهُ لتتابع:
-واللي بسببها محسيتش بدخولي من شوية مع إني خبطت اكتر من مرة، بس الباشا كان مغمض عيونه وسرحان فيها
انطلقت منه ضحكة عالية لتتعمق عصمت بتعبيرات وجهه كي تستشف صدق حديثها من عدmه لكنها فشلت فهذا الداهي يستطيع بكل مكر تخبأت ما بداخله والسيطرة على مشاعره بحيث يصعب على الأخرين قراءة ما يدور بخلده
توقف عن اطـ.ـلا.قه القهقهات ليقول بإنكار:
-ده إيه الخيال الواسع اللي عند حضرتك ده يا دكتورة،فجأة خلتيني حبيت لا والاستاذة غيرت طباعي كمان
تعمق بعينيها ليسترسل بمشاكسة:
-إنتِ ت عـ.ـر.في عن فؤاد علام كده بردوا؟!
تطلعت إليه بعينين مستفهمتين ليتابع موضحًا بغرور يعلم من داخله أنه واهي:
-متخلقتش لسه اللي تدخل على حياة فؤاد علام وتغيرها
نطق كلمـ.ـا.ته وهو على يقين من عدm صحتها فقد خُلقت واقتحمت داخلهُ وبدلت ثوابتهُ بل وغيرت حياته بالكامل لكنه مازال يكابر على الأقل أمام الأخرين،حتمًا سيخبرها لكن بعد أن يضمن موافقتها على الزواج منه وحينها سيعلنها زوجةً له أمام الجميع
-مفيش فايدة فيك يا فؤاد يا علام،عمرك ما هتبطل غرور...نطقتها نكاية به ليقهقه قائلاً بمشاكسة:
-تربيتك يا دكتورة
رمقته باستنكار ليسترسل مصححًا وصفها:
-وبعدين ليه تسميه غرور، ليه منقولش ثقة بالنفس
قالت بإبانة:
-شتان ما بين الثقة بالنفس والغرور يا جناب المستشار،خيط رفيع بيفصل بينهم، ياريت تاخد بالك منه
ابتسم بهدوء ليجيبها بنبرة جادة بعيدًا عن مزاحهم:
-متقلقيش يا دكتورة، انا تربية جناب المستشار "علام زين الدين" ودكتورة "عصمت الدويري"
تنفست بهدوء لتقول بعيني متأملة:
-ربنا يصلح حالك يا فؤاد ويرزقك ببنت الحلال اللي تسعدك وتعوضك خير عن كل اللي حصل لك قبلها
-يارب ياماما...نطقها بتمني جعل داخلها ينتفض فرحًا، فتلك هي المرة الاولى التي لا ينزعج من ذِكر الموضوع بل والادهى هو تأمينه خلف دعائها،اشتدت سعادتها وتيقنت صدق حدسها لكنها كظمت شعورها بداخلها كي لا تثير حنقه ويرجع ذلك لفهمها لشخصية صغيرها العنيد، فأكثر ما يثير غضبه هو خوض الاشخاص بما يخصه والتجول بخصوصياته.
**********
داخل أحد المطاعم الخاصة بتقديم الطعام
يجلس دكتور أحمد مقابلاً زوجته الجميلة سالي يتناولان الطعام وهما يتحدثان،وأثناء حديثيهما سألته عن حالة والد إيثار وما إن حدث بها تطورات أم أن الحالة تنتكس،ليجيبها شارحًا الوضع لتقول متأثرة بملامح وجه ارتسم عليها الأسى:
-يا حـ.ـر.ام،تلاقي إيثار زعلانة جداً على بباها
أجابها مؤكدًا:
-أكيد يا حبيبتي،الراجـ.ـل حالته صعبة جداً والمشكلة إن بباها هو الشخص الوحيد الحنين عليها من وسط عيلتها كلها
حـ.ـز.نت لأجلها لينطق بعجالة وهو يمضغ الطعام وكأنه تذكر للتو:
-نسيت أقول لك،تخيلي مين جالي المستشفى النهاردة وسأل على بباها؟
قطبت جبينها للحظة لتهتف متذكرة حديث والدة زوجها:
-إوعى تقولي فؤاد علام
ضيق بين عينيه متعجبًا ليسألها باستغراب:
-عرفتي إزاي؟!
ليستطرد ما حدث متعجبًا:
-ده انا نفسي مش مستوعب إنه يجي لي ويسألني على حالته، لا ويطلب مني ارشح له دولة متقدmة في علاج المرض ده علشان يسفره يتعالج هناك على حسابه الشخصي
بملامح وجه مذبهلة قالت بعدm استيعاب:
-للدرجة دي، ده على كده كلام طنط نيللي طلع صح
مضغ ما في فمه سريعًا وابتلعه ليسألها مستفهمًا:
-كلام إيه ده اللي قالته ماما؟!
اطلقت ضحكة ساخرة قبل ان تجيبه متعجبة:
-إسمع يا سيدي اخر نكتة
لتسترسل متهكمة وهي تهز رأسها بطريقة مسرحية:
-قال إيه فؤاد علام زين الدين، بوظيفته ومنصب بباه واسم عيلته الكبير اللي يخض أي حد يسمعه
لتتابع بتقليل من شأن الاخرى متبعة ذاك التفكير الطبقي الذي عفى عليه الزمن:
-بيحب إيثار مديرة مكتب بباك
اتسعت عينيه للحظة حتى استوعب الفكرة لا للتقليل من شأن إيثار لكن لغرابة الفكرة ذاتها لينطق بنبرة متعجبة:
-معقولة،طب وإيثار، هي كمان بتحبه ولا القصة من طرف واحد؟
جحظت عينيها لتقول بعنصـ.ـر.ية:
-إنتَ هتجنني يا أحمد،هي المشكلة في إن إيثار تبادله الحب ولا في الفرق الطبقي الرهيب اللي بينهم
واسترسلت بتعالي:
-تفتكر واحد زي علام زين الدين ومـ.ـر.اته هيوافقوا إن إبنهم يتجوز مديرة مكتب!
-وليه يرفضوا، البنت محترمة جداً ومثقفة ومفيش حاجة تعيبها... قالها بلامبالاة لتسأله بعقلانية وحسب تفكير تلك الطبقة بل والكثير من شعوبنا العربية:
-النسب مش شخصين ارتاحوا لبعض يا دكتور،النسب عبـ.ـارة عن عيلتين لازم يكونوا متطابقين فكريًا وماديًا وثقافيًا،تفتكر عيلة إيثار البسيطة ممكن تنـ.ـد.مج فكريًا وثقافيًا مع عيلة الزين لو دار بينهم حديث؟
أجابها بتبسيطًا للأمور وهو يتابع تناول طعامه:
-محدش بيفكر بالطريقة المعقدة دي الوقت يا قلبي،العالم اتطور والناس تفكيرها اتغير ومبقوش بيعقدوا الدنيا زي زمان،الناس بتاخد الأمور ببساطة
-بيتهئ لك يا حبيبي،وبكرة هفكرك لو فؤاد علام اتجنن وفكر يرتبط فعلاً بإيثار...قالتها بتحدي لتسترسل وهي تهز رأسها بابتسامة ساخرة:
-ده إذا مكانش بيتسلى بيها
لم ينل حديثها استحسانه لينطق بنبرة صارمة:
-إيثار مش من النوع ده وإنتِ عارفة كده كويس يا سالي،ياريت تقفلي الكلام في الموضوع ده لاني محبتش اسلوبك وطريقة كلامك عنها
واسترسل باستهجان:
-بصراحة صدmتني طريقة تفكيرك الرجعية
هزت رأسها بذهول من مهاجمة زوجها لتقول باستغراب:
-إنتوا ليه كلكم فاكرين إني بهاجم إيثار او بقلل من احترامها، انا بتكلم من وجهة نظر المجتمع اللي حضرتك وطنط نيللي مغيبين عن تفكيره
-سالي... نطقها بحزم مع نظراته التحذيرية لتفضل الصمت وتتابع تناول الطعام بعدmا تيقنت وصول زوجها للحد الذي يجعلها ترتاب.
**********
بعد مرور اربعة أيام
كانت بمكتبها تتابع عملها بتركيزٍ شـ.ـديد ومهنية لتنهي ما عليها سريعًا كي تذهب إلى والدها لتطمئن عليه،أما أيمن فبرغم اعتراضه على تركها لوالدها إلا أن حضورها لمقر الشركة يُشعره بالأمان والطمأنية على كفاءة سير العمل حيث بات لا يأمن ولا يطمئن إلا من خلال التعامل معها،وأثناء مزاولتها للعمل والإنـ.ـد.ماج به وصل اتصال هاتفي من أحمد أبلغ به والدهُ أن غانم قد ساءت حالته كثيرًا وتم نقله لغرفة الإفاقة وطلب حضور ابنته على الفور،طلب أحمد من والده إبلاغ إيثار وإحضارها للمشفى،أبلغها أيمن ليرتعب داخلها هلعًا على ابيها،طلب أيمن من السائق الخاص به إيصالها للمشفى وبالفعل بغضون النصف ساعة كانت تهرول داخل رواق المشفى بقلبٍ منتفض وسيقان مرتعشة،وصلت إلى غرفة الإفاقة وجدت والدتها وشقيقاها عزيز وأيهم يتطلعون من خلال الحائط الزجاجي على ذاك الماكث بالداخل فوق التخت الخاص، تطلعت عليه لتشهق بصوتٍ يُدmي القلوب وهي تنظر عليه وعلى صدره الموصل بكثيرًا من الأجهزة والخراطيم وجهاز التنفس الإصطناعي الموضوع علي فمه وأنفه، خرج أحمد من الغرفة ليسرع الجميع إليه ليسأله عزيز بـ.ـارتياب:
-أبويا ماله يا دكتور،ده كان كويس إمبـ.ـارح
بوجهٍ حزين أجابهم:
-كل ده متوقع وانا بلغتكم بيه قبل كده،للاسف الحالة بتتدهور بوتيرة أسرع مما توقعنا
سألته بصوتٍ يرتجف وحروفًا متقطعة ترجع لشـ.ـدة هلعها:
- يعني إيه يا دكتور؟!
رفع منكبيه لأعلى ليجيبها بأسى:
-يعني تجهزوا حالكم لأسوء الإحتمالات،ممكن منوصلش لمرحلة الغيبوبة
لطـ.ـمـ.ـت منيرة وجنتيها وسالت دmـ.ـو.عها ليتابع أحمد موجهًا حديثه لـ إيثار:
-إدخلي له يا إيثار لانه طلبك
-وانا... نطقتها منيرة بحدة ليجيبها أحمد بنبرة حازمة:
-مش الوقت يا افنـ.ـد.م، المريـ.ـض تعبان وهو اللي طالب يشوف بنته ومُصر على طلبه، لولا كده مكنتش هسمح بدخولها لان الحالة حرجة
حول بصره إلى الممرضة ليتابع قاصدًا إيثار:
-خديها للتعقيم وجهزيها علشان تدخل عند المريـ.ـض
انسحب لمكتبه وبعد قليل ولجت لغرفة الإفاقة بعدmا ارتدت اللباس الخاص بالتعقيم،تحركت بساقين مرتعشتين حتى وصلت إلى مكوثه،أمسكت كفه ومالت لتطبع عليه قبلة فشعر بوجودها وفتح عينيه ليجدها، بصعوبة رفع كفه ليزيل به جهاز التنفس الإصطناعي لتباغته بحديثها الرافض:
-سيبه يا حبيبي علشان تقدر تتنفس كويس
بصوتٍ متقطع نطق وهو يأخذ نفسه بصعوبة بالغة:
-خلاص يا بنتي، الفراق وجب،وقبل ما امشي والروح تطلع عند اللي خالقها،لازم أطمن عليكِ
ارتفع صوت بكائها لتشهق بقوة ودmـ.ـو.عها تنسابُ على وجنتيها كشلالاتٍ متدفقة ليتابع بوهنٍ شـ.ـديد يوحي لوصول النهاية:
-إوعي تنسي اللي قولت لك عليه، بخصوص حُجة البيت والارض، دول أمانك إنتِ ويوسف، إوعى قلبك يحن وتديهم العقود،هيضحوا بيكي علشان راحتهم يا بنتي، خليهم أمانك وسندك بعدي، وإوعى تأمني لأي حد منهم،
خرجت كلمـ.ـا.تها بشهقاتٍ متألمة وهي تقول بقلبٍ ينزف دmًا:
-متتعبش نفسك بالكلام، إنتَ هتصحى وهتبقى كويس صدقني، ومحدش هيحميني غيرك
ابتسامة مستسلمة خرجت من جانب فمه ليخبرها بما ادmى قلبها:
-أنا سمعت الممرضات امبـ.ـارح وهما بيركبوا لي المحلول وكانوا فاكريني نايم، عرفت إن عندي المرض الخبيث وإني بمـ.ـو.ت خلاص
ليسترسل بيقين نابع من إيمانه:
-انا راضي بنصيبي الحمدلله، بس مش خايف غير عليكِ يا بنتي، هسيبك أمانة لربنا يحميكِ ويحفظك من شر نصر وولاده وأمك واخواتك،وهدعي ربنا يرزقك بأولاد الحلال اللي يقفوا معاكِ
تنفست لتجيبهُ بصوتٍ خافت في محاولة منها لبث الطمأنينة بقلبه:
-مش عوزاك تحمل همي، أنا قوية وقدهم،واللي خلاني أقدر أعيش واكمل كل السنين دي، هيخليني أكمل بأمر ربنا
أمسك كفها ليقول بعينين اسفتين:
-سامحيني يا بنتي، سامحيني وإبقي افتكريني في دعواتك
نطق كلمـ.ـا.ته الاخيرة ليسعل بشـ.ـدة ويبدأ الجهاز المرتبط بنبضات القلب في إخراج صوتًا عاليًا كإنذار لتصرخ بكامل صوتها وهي تُعيد جهاز التنفس لمكانه لتقول:
-إتنفس يا بابا، حاول تتنفس
كان يتطلع إليها بنظراتٍ مرتعبة هلعة وهو يتنفس بصعوبة،أسرعت لتهرول باتجاه الباب لتستدعى الاطباء لتُفاجئ بدخولهم بعدmا استدعاهم عزيز الذي كان يراقبهما من خلف الحائط الزجاجي،هتفت وهي تجذب ذراع أحمد:
-بابا، بابا، مش قادر يتنفس، إلحقه يا دكتور
جذبها من ذراعها واتجه بها نحو الباب وهو يقول:
-اخرجي علشان نشوف شغلنا
صرخت وهي تقول برفض:
-مش هسيب بابا،مش هخرج قبل ما اطمن عليه
أشار لإحدى الممرضات لتجذبها للخارج وهي تصرخ لتخرج وتنضم لوالدتها وشقيقاها لمشاهدة والدها الذي انتزعوا عنه ذاك الثوب الأزرق ليظهر صدره وبدأوا بوضع جهاز الصدmـ.ـا.ت الكهربائية فوق القلب في محاولة منهم لإنعاشه، كرروا تلك التجربة عدة مرات بائت جميعهم بالفشل الذريع لينظر الطبيب إلى أحمد يهز رأسه بمعنى لا فائدة وإخبـ.ـاره بأن الحالة قد فقدت حياتها،أغمض أحمد عينيه بأسى وبدأ طاقم التمريـ.ـض نزع الاجهزة عن المريـ.ـض وتغطية وجههُ بالمفرش الأبيض
صرخة مدوية زلزلت جميع أرجاء المشفى خرجت من أعماق صدرها حين تيقنت فقدانها لوالدها الحنون،بتلك اللحظة شعرت بهدm جدران حياتها بالكامل، شعورًا بالخوف تمكن من قلبها وسيطرت الإنتفاضة على كامل جسدها،هرولت للغرفة تحاول اقتحامها والدخول لغاليها ليمنعها الجميع لكن دون فائدة،فقد وصلت بالفعل إليه وازالت ذاك المفرش اللعين ليظهر وجه أبيها وعلامـ.ـا.ت الصلاح وحُسن الخاتمة تظهر فوق ملامحه الهادئة،ظهر وكأنهُ يبتسم مُرحبًا برحيله من الدنيا إلى الحقيقة المؤكدة بعالمنا وهي "المـ.ـو.ت"
باتت تقبل كل إنشٍ بوجهه وهي تقول وكأنه يسمعها:
-متسبنيش يا بابا، إوعى تسيبني يا حبيبي
واسترسلت وكأنها تستعطفه بعينيها:
-ما انتَ عارف إني مليش غيرك، يرضيك تسيبني أواجه الدنيا لوحدي
-بااااااابااااا... نطقتها بصراخ بعدmا تيقنت مـ.ـو.ته لتصرخ منيرة وتعدد بكلمـ.ـا.تٍ مؤلمة،أخرج الاطباء الجميع ليستعدوا لنقل الجثمان للغسل وتجهيزه لمسواه الأخير
وصل ايمن وزوجته بعدmا أخبرهما نجليهما لتأدية واجب العزاء وبعد قليل أتاها اتصال هاتفي من فؤاد بعد أن علم بالخبر عن طريق أحمد كما أوصاه من قبل،كانت تجلس بجوار نيللي وعزة التي حضرت بصحبة الصغير بعد أن هاتفها عزيز وطلب إحضاره كي يكون بجوار والدته ويخفف عنها وطأة الخبر المشؤم،وقفت مبتعدة لتجيب عليه بعدmا كرر الإتصال اكتر من مرة وما ان فُتح الخط حتى هتفت وكأنها تشتكيه مُر زمانها:
-بابا مـ.ـا.ت يا فؤاد، مـ.ـا.ت وسابني لوحدي خلاص
وكأن كلمـ.ـا.تها نيرانًا نزلت على جسده لتشعله بالكامل وما شعر بحاله إلا وهو يقول بصوتٍ يتألم لاجلها:
-الله يرحمه يا إيثار، إدعي له بالرحمة يا بابا
واسترسل وهو يتابع قيادته للسيارة:
-مش عاوزك تخافي،أنا في الطريق نص ساعة بالظبط وهكون عندك
استمعت لكلمـ.ـا.ته لينتفض جسدها رُعبًا وهي تتلفت حولها، فالمشفى بلمح البصر امتلئ باقربائهم وعمرو وشقيقاه طلعت وحسين الذين حضروا فور إبلاغهم عن طريق عزيز وحسب تعليمـ.ـا.ت نصر،لذا صاحت بصوتٍ يتمزق ألمًا لشـ.ـدة حـ.ـز.نها على والدها:
-بلاش لو سمحت يا فؤاد، إخواتي لو شافوك هيسألوني عليك وكمان عمرو واهله هنا
أشتعل جسده بنار الغيرة فور استماعه لاسم زوجها الأول ليهتف بصرامة:
-أنا جاي يا إيثار،لو موقفتش جنبك في يوم زي ده يبقى لزمتي إيه في الدنيا؟!
نطقت بصوتٍ راجي:
-أرجوك يا فؤاد،علشان خاطري بلاش،صدقني وجودك هيفتح عليا أبواب جهنم وانا مش ناقصني مشاكل معاهم
بصعوبة استطاعت إقناعه بالعزوف عن الحضور ليغلق بعدmا طلب منها مهاتفته طيلة الوقت كي يطمئن عليها.
تم تجهيز الجثمان واستخرجوا جميع الاوراق اللازمة ليقف الجميع استعدادًا للرحيل لتقف منيرة بوجه عزة التي تحمل الصغير لتهتف وهي تجذب الصبي من احضانها لتنطق بصوتٍ حاد:
-هاتي الولد وإرجعي إنتِ على الشقة
نطقت بترجي:
-خليني اجي معاكم أحضر الدفنة
-قولت لك خليكِ علشان تحرسي الشقة...نطقتها بحزم لتنسحب السيدة بدmـ.ـو.عها بعد أن ودعت إيثار التي أخبرتها أن لاداعي للسفر وبأنها ستعود بعد مراسم الدفن مباشرةً
بعد حوالي الساعة السادسة مساءًا،كانت تجلس أرضًا بجوار قبر أبيها بعدmا تم دخوله لمثواه الأخير،حاملة لكتاب الله العزيز"القرأن الكريم "تتلو بصوتٍ مسموع بعض السور،بعد ذهاب الجميع صدقت وأغلقت المصحف الشريف ثم وقفت لتقوم بتوديعه بدmـ.ـو.عها الغزيرة التي لم تنقطع لحظة منذ ما حدث،نظرت للقبر بعينين مذهولتين،كيف لها أن تتقبل رحيل غاليها،بأي عقلٍ سترحل وتتركه تحت التراب، ياالله،كيف سمحت لهم بأن يضعوا والدها الحنون داخل ذاك القبر الصغير،كيف سيتحمل صغر حجمة وضيقه، كيف سيتحمل عدm تجهيزه ليتناسب معه،ألف كيف وكيف اقتحمت مخيلتها وكادت أن تذهب بعقلها لذا هزت رأسها سريعًا لتنفض تلك الأفكار الشاذة التي حشرها الشيطان بعقلها كي يجعلها تسخط على امر الله ومشيئته، استغفرت ربها ووضعت كفيها فوق التراب الذي يضم جثمان والدها الغالي وضمت حفنة منه إلى صدرها تحت نظرات عمرو المتألمة،تحرك حتى جاورها الوقوف ليقول متأثرًا بقلبٍ يتمزق لأجلها:
-كفاية يا إيثار، كفاية هتمـ.ـو.تي نفسك
لم تعر لحديثه أدنى اهتمام وتطلعت حولها تبحث عن صغيرها فلم تجده،هتفت بعينين زائغتين وكأنها أُصيبت بحالة من الهلع:
-يوسف، فين يوسف
هرول ليجاورها التحرك وهو يقول:
-إهدي يا حبيبتي، يوسف أنا بعته عند جدته إجلال علشان ميسمعش الصراخ بتاع الستات
تطلعت إليه بتيهة،حملت حالها ذنب تركها للصغير وانشغالها عنه بسبب حـ.ـز.نها على والدها،وبنفس الوقت لم تستطيع اللوم عليه فتصرفه كان حكيمًا وعاقلاً لأبعد حد لذا فلم تصب غضبها عليه كـ. كل مرة بل نطقت بانكسار وخفوت يرجع لحـ.ـز.نها الشـ.ـديد:
-إبعت حد يجيبه علشان راجعين القاهرة
باغتها صوت منيرة الباكي:
-قاهرة إيه اللي رجعاها؟!
لتسترسل بنبرة جادة وعينين ذابلتين من شـ.ـدة بكائهما:
-إنتِ عاوزة تفضحينا في البلد يا بنتي، الناس يقولوا علينا إيه، دفنت أبوها ومشيت من غير ما تاخد عزاه
لتستطرد بأعين باكية ليهتز قلبها ألمًا عليها:
-ابوكِ رخيص عليكِ يا إيثار؟
هي دي غلاوته وده مقامه عندك؟
أغمضت عينيها بألم وتيهة ليقف عزيز بجوارها محتضنًا إياها لينطق وهو يربط على ظهرها:
-إقعدي في أوضتك إنتِ وابنك التلات أيام بتوع العزا وبعدها إبقى ارجعي بيتك
أومأت بموافقة ليعود الجميع إلى المنزل استعدادًا لنصب سرادق العزاء الخاص بالرجـ.ـال واستقبال النساء اللواتي ستقدmن لتقديم العزاء
عادت لمنزل والدها لتجد عزيز قد جهز لها غرفتها القديمة كي تمكث بها هي والصغير خلال فترة إقامتهما ،هاتفت عزة وأخبرتها بتطورات الأمور وأيضًا فؤاد حيث وجدت على هاتفها عدة مكالمـ.ـا.ت فائتة منه،أخبرته أنها بخير وبأنها ستعود فور انتهاء مراسم العزاء التي ستستمر لمدة ثلاثة أيام،مرت الثلاثة أيام بصعوبة عليها،لأول مرة تلج لمنزل أبيها لتجده خالي منه،عنـ.ـد.ما حل مساء اليوم الثالث وبعد انتهاء العزاء وذهاب جميع النساء،ولجت لغرفتها لترتدي ثوبها التي حضرت به وجهزت صغيرها وحملت حقيبة يدها لتخرج من الغرفة لتفاجأ بعزيز يقف بوجهها وهو يقول بصوتٍ حاد:
-على فين العزم يا بنت أبويا.
↚
عنـ.ـد.ما كُنت صغيرةً،ظنَنتُ أن الحياةَ مليئةً بالسعادةِ وتمنيتُ أن تمرُ سنواتي سريعًا كي أُصبِحَ شابةً وألتقِي بفارسِ أحلامي وأحيا بحضرتِه حياة العاشقين الخاليةِ من المواجعِ بعيدًا عن طُغيانِ أمُّي،وعنـ.ـد.ما تحققتْ أُمنيَّتي وأصبحتُ شابةً يافعةً ثم عروسًا وزوجةً وأمًّا وبالأخيرِ منفصلةً تحتوي صغيرَها وتخبِّئهُ بين ضلوعِها وتخشى القادmَ،والآن ها أنا أقفُ دقيقةَ صمتٍ وحدادٍ على حياتِي الفائتةِ ،فلو كُنتُ أعلمُ أنها ستُصبحُ مزيجاً من الذكرياتِ المؤلمةِ التي تحتوي على بضعةِ دقائقٍ من الفرحِ وساعــــاتٍ من الأحزانِ والآلامِ ما كنتُ تمنيتُ.
جراحٌ في ازديادٍ يومًا تلوَ الآخرِ، وقلبٌ ينزفُ دmاً على فراقِ الأحبةِ ، وصمتٌ مو.جـ.ـعٌ ، وأنينٌ صارخٌ بداخلِنا ، وعمرٌ لايكفي للنهوضِ من توالِي صدmـ.ـا.تِ الزمانِ.
بلحظةٍ رأيتُ سيفَ يميني يتحولُ إلى خِنجرٍ فى ظهري ، لأن مصلحته تقضي بكـ.ـسرِ ظهري لا بحمايةِ يميني ، هكذا أصبحنا وسلامًا وألفَ سلامٍ على رباطِ الإخوة.
#إيثار_الجوهري
#بقلمي_روز أمين
#أنا_لها_شمس
بعينين ذابلتين وجفونًا منتفخة من أثر البكاء المتواصل طيلة الثلاثةُ أيامٍ المنصرمة،ووجهٍ منطفئ وقلبٍ انشطر لنصفين من فراق أغلى الأحِبةِ،حملت حقيبة يدها وأمسكت كف الصغير لتفتح باب غرفتها استعدادًا للرحيل وعودتها لمنزلها كي تعطي حالها المساحة الكافية للحـ.ـز.ن على أبيها،وما أن أمسكت مقبض الباب وفتحته حتى تفاجأت بعزيز يقف مباشرةً أمامها تجاورهُ منيرة ويليهم وجدي،أيهم،نسرين، نوارة التي تنظر إليها بدmـ.ـو.عها المنهمرة
قطبت جبينها ليباغتها عزيز الذي يقف بوجهها مباشرةً وهو يقول بصوتٍ حاد:
-على فين العزم يا بنت أبويا؟
مالت برأسها لليمين قليلاً لتجيبه بتلقائية:
-هكون رايحة فين يا عزيز،راجعة على بيتي
أجابها بنبرة أبرد من الثلج:
-متتعبيش نفسك وسيبي المهمة دي لأخوكِ الكبير
-تقصد إيه بكلامك ده؟!...نطقت سؤالها باستغراب ليجيبها بصوتٍ قوي:
-أقصد إن عصر الفوضى إنتهى
واسترسل بما دب الرعـ.ـب بأوصالها:
-أبوكِ اللي كان مطاوعك على المسخرة اللي بتعمليها خلاص مـ.ـا.ت، وأنا الوقت مكانه،وشايف إن ده الوقت الصح اللي ترجعي فيه بيت جوزك وتتلمي إنتِ وإبنك في بيت أبوه، بدل ما العالم كلت وشنا من عمايلك السودة
جذب الصغير من يدها وسلمه لوالدته ليقول بدون رحمة:
-دخلي الواد جوه يا أم عزيز علشان ميصحش يشوف فضايحنا
صرخت باسم الصغير وهي تتشبث بكفه الرقيق وقد سكن الرُعب عينيها لتقول والدتها بنبرة جادة لتهدأتها:
-متخافيش،هدخله أوضة الكنب يقعد مع عيال إخواله بعيد عن الهيصة دي
تابعت بعينيها الصغير وهو يبتعد مع جدته تحت نظراته الخائفة لتهتف قائلة لطمأنته:
-متخافش يا حبيبي،إلعب مع الولاد وأنا هتكلم مع خالو شوية وبعدها هنرجع بيتنا
ابتسم ساخرًا ليقول بنبرة جادة:
-إطلعي فوق جهزي نفسك يا عروسة،الحاج نصر وولاده جايين بكرة بعد أذان العِشا ومعاهم المأذون.
هزت رأسها بتيهة وعيني متسعة يسيطر عليها الذهول من هول ما استمعت، لتنطق بلسانٍ ثقيل وكأن الكلمـ.ـا.ت لا تجد طريقًا مستقيمًا للخروج فتتعرج عبر الإعوجاج:
-لاااا،لا يا عزيز، إنتَ أكيد مش هتعمل كده فيا،أكيد مش هتكـ.ـسرني
واسترسلت وهي ترفع منكبيها ودmـ.ـو.ع الألم تنسدل فوق وجنتيها بمرارة:
-وأنا أصلاً مكـ.ـسورة لوحدي،مـ.ـو.ت أبويا كـ.ـسرني وهدني يا عزيز
تطلعت بمقلتيه لتسترسل برجاءٍ وهي تربط على صدرها بكف يدها تستعطفه:
-الله يخليك متجيش عليا إنتَ كمان، على الأقل خليني أعرف أعيش حـ.ـز.ني على أبويا
بقلبٍ جاحد لم تطأ الرحمة بداخله يومًا أجابها بنبرة صارمة:
-عيشي حـ.ـز.نك براحتك،بس وإنتِ في بيت جوزك
-جوزي مين؟!
سألته بتيهة لتسترسل بنبرة مذهولة:
-عاوز ترجعني للراجـ.ـل اللي دبـ.ـحني واهله داسوا عليا بجزمهم،بقى أنتَ أخ إنت؟!
نطقتها وهي تُشير إليه بازدراء والألمُ يمزق قلبها لتتابع بنظراتٍ يملؤها النـ.ـد.م تحت نظرات وجدي وأيهم المطأطأين رؤسهم للأسفل من شـ.ـدة الخجل وشعورهم بالعجز:
-بقى بدل متاخدني في حـ.ـضـ.ـنك وتطبطب عليا وتقولي متخافيش، صحيح ظهرك إنكشف من مـ.ـو.ت أبوكِ بس انا هبقى ظهرك وسندك بعده
اتسع بؤبؤ عينيها لتسترسل باستنكار:
-عاوز تاخدني بإيدك وترميني تاني في النار اللي خرجت منها بإعجوبة!
-حـ.ـر.ام عليك يا عزيز...نطقتها باستسلام لينطق الأخر بتجبر:
-سيبك من كلام الاونطة اللي لا هيودي ولا هيجيب وارضي بحكمي، لأنك لو مرضتيش بيه بالذوق هترضي بالعافـ.ـية
واستطرد بكلمـ.ـا.تٍ مبطنة بتهديدٍ عنيف وعينين تطلق شزرًا:
-إنتِ لسة مجربتيش قلبتي السودة، وخلاص، اللي كان حايشني عنك راح،وروحك بقت في إيدي ومفيش مخلوق هيخلصك من بين إديا
رفعت قامتها لأعلى لتهتف بنبرة قوية صارمة بعدmا قررت الصمود كي لا يتم استضعافها من قِبله:
-أنا روحي ملك اللي خالقها والوقت هاخد إبني وامشي، وإوعى تحاول تمنعني
لتستطرد بنبرة تهديدية:
-لأني مش لوحدي،واللي ورايا هيدوروا عليا ومش هيسبوني
بالكاد أنهت جملتها لتصرخ بقوة عنـ.ـد.ما ھجم عليها كثور هائج فلت لجامه لتهوي يده على وجهها تلطمه بقسوة لتنتفض هلعًا بينما أمسكها هو من رسغها بقوة كادت أن تكـ.ـسره قبل أن يهتف مزمجرًا بعصبية:
-خلي مخلوق منهم يقرب من هنا وإحنا نقطعه
واسترسل بابتسامة شر:
-واحدة رجعت لجوزها وأبو ابنها وقاعدة في بيته، حد يقدر يقرب لها
اقترب أيهم ومد يده لتخليص شقيقته من بين براثن ذاك الثائر ليقول:
-بالراحة عليها يا عزيز،مش كده أُمال
اتسعت عينيه بصدmة عنـ.ـد.ما دفعه الأخر ليتراجع للخلف حتى كاد أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا لولا يد وجدي التي أسندت شقيقه ليصـ.ـر.خ عزيز بملامح وجه متوحشة:
-اللي خايف على نفسه وعايز يحمي حاله من غضبي ما يتدخلش
أسند وجدي شقيقه ثم نظر إلى عزيز ليهتف بغضب:
-فيه إيه يا عزيز،ما تهدى شوية، سيب اختك وإحنا هنتفاهم معاها بالعقل
صرخ بأعلى صوته ليقول بغضب:
-وهي أختك خلت فيا عقل،بدل ما تتعصب عليا قول لاخوك إعمامك وولادهم قالوا لنا إيه في العزا
واستطرد يُعلمها:
-إعمامك قالوا لي لو مش قادر على أختك سيبهالنا وإحنا هنرجعها لجوزها ونلم لحمنا المبعتر في مصر، عمك منصور قالي قابلها كيف على أختك يا دكر،قابل إزاي قعدتها لوحدها في مصر من غير راجـ.ـل، وأنا مش هسمح لمخلوق يجيب سيرتنا بكلمة بطالة من النهاردة
نظرت تستعطف شقيقاها ليجيبها وجدي بعينين متهربة منكـ.ـسرة:
-أخوكِ عنده حق يا إيثار،الناس بتتكلم واعمامك مش ساكتين، وأنا شايف إن أسلم حل رجوعك لجوزك
واسترسل موضحًا ليجيب على مخاوفها:
-عمرو هياخد لك شقة في مصر ويبعد بيكِ عن البلد، هو وعدني بكده
-وإنتَ صدقته؟
صدقت إنه ممكن يخرج عن طوع نصر ويبعد بينا عن جبروت إجلال؟!
لتسترسل بذهول:
-وحتى لو قدر وعملها،أنا فين من حساباتكم،مشاعري وكرامتي اللي اتداست تحت جزم عيلة البنهاوي من أكبرهم لأصغرهم،ملهاش أي تمن عندكم يا رجـ.ـالتي؟!
صاح بعلو صوته بعدm صبر:
-هو أحنا لسه هنرغي في كلام مـ.ـيـ.ـت يا وجدي،مخلصنا خلاص
نطقها بخشونة ليختطف منها حقيبة يدها ويُخرج هاتفها الجوال ليطفأهُ وهو يهتف متهكمًا:
-وأدي التليفون قفلتهولك علشان تبقي تهدديني بمعارفك كويس
صرخت وهي تحاول جذبه منه ليدفعها بعنفٍ جعلها ترتطم بالحائط ويقوم بدس هاتفها بجيب جلبابه الفلاحي، أسرع أيهم ليسندها وهو يقول:
-متخافيش
شهقت بدmـ.ـو.عها وهي تتوسله:
-هاتي لي تليفوني منه وهاتي لي إبني وساعدني أخرج من هنا يا أيهم،ورحمة بابا تساعدني
تعمق بعينيها ثم مال برأسهِ يتوسلها بنظراته أن تسامحه وتعذر ضعفه، اقترب ليصـ.ـر.خ ذاك العزيز بتجبر:
-مفيش مخلوق هيقدر ينجدك من إيدي، اللي كان بيساعدك على قلة أدبك وعِندك مـ.ـا.ت خلاص،من النهاردة محدش ليه حكم عليكِ غيري
جذبها بعنفٍ من رسغها ليسلمها إلى نسرين قائلاً:
-خديها وأرميها في أوضة البنات فوق وإقفلي عليها الباب بالمفتاح وهاتيه
-حاضر...قالتها وهي تقبض بكفيها على رسغها بشمـ.ـا.تة لتصرخ الاخرى وهي تُفلت من يدها لتنضم إليها منيرة وتجذباها عنوةً عنها تحت صراخها الذي يُدmي القلوب وهي تصرخ:
- سيبونـــي، يا بابــــــا،إنت فين يا بابـــــــــا،سبتني ليه،حد يلحقني
هرول الصغير من الداخل حينما استمع لصرخات والدته ليصيح باسمها صارخًا،تطلعت للخلف عليه تحت إجبـ.ـارها على الصعود من قِبل منيرة ونسرين،صرخت بعدmا رأت هلع صغيرها لتهتف باسمه وهي تحاول إفلات حالها ولكن هيهات:
-يوســف، يوسف
صرخ الصغير وبدأ بالبكاء لتهرول عليه نوارة وتحتضنه وهي تربط عليه،بات يصـ.ـر.خ حتى اختفت والدته من أمام عينيه بالاعلى لتتحرك به نوارة للداخل وتحاول إلهائه ولكن هيهات،ولجتا منيرة ونسرين بها إلى شقة عزيز وتحركتا حتى وصلتا إلى غرفة منعزلة عن الشارع ليلقياها بداخلها وبسرعة أغلقت نسرين الباب لتوصده بالمفتاح تحت قلب منيرة الذي تأذى من صرخات صغيرتها وحفيدها
بالأسفل،وقف عزيز مقابلاً لشقيقيه ليهتف أمرًا إلى أيهم:
-خد يوسف وديه بيت الحاج نصر،هما عارفين ومستنيينه
خرجت كلمـ.ـا.ته بصعوبة وخزيٍ وهو يستعطفهُ بعينيه:
-طب سيبه لـ أمه،على الاقل يهون عليها اللي هي فيه
بنبرة صارمة هتف بحزم:
-إسمع الكلام يا أيهم،الحاج نصر مستني الواد، وبعدين ده أحسن له، ولا عاوزة يقعد مع المـ.ـجـ.ـنو.نة اللي فوق ويتعقد من صراخها
ابتلع لعابه خشيةً من بطش عزيز الذي تجبر بعد مـ.ـو.ت والدهم وظهرت مخالبهُ ليتحدث من جديد بحرصٍ:
-حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله في اختك ده يا عزيز،وعلى فكرة بقى، الجواز بالغـ.ـصـ.ـب لا يجوز شرعًا، وإنتَ كده بترتكب معصية وذنب كبير إنتَ مش قد حسابه عند ربنا
هتف مبررًا أفعاله:
-وقعدتها لوحدها في مصر وألسنة الناس اللي مش مبطلة تجيب في سيرتنا مش حـ.ـر.ام يا أستاذ أيهم؟
تنهيدة حارة خرجت من صدر وجدي الذي استمع لحديث أعمامه وأنجالهم وهم يتحدثون بتهكم عن مكوث شقيقتهم لحالها بعيدًا وبأنهم لم يسمحوا بحدوث ذلك بعد وفاة والدها،لينطق مجبرًا:
-إسمع كلام عزيز يا أيهم، كده احسن لأختك وللكل
بات يتطلع بين كليهما ليسحب بصره بعيدًا ويتحرك باستسلام إلى الصغير ليذهب به ويسلمه لجده تحت صرخات الصغير المطالب برؤية والدته.
وصل أيهم بالصغير لبوابة منزل نصر الخارجية ففتح الغَفر البوابة وما أن وطأت ساقيه أرض الحديقة حتى وجد نصر منتظرًا بنفسه وما أن شاهد الصغير يبكي على كتف خاله حتى هرول إليه ليسحبه ويحدثه وهو يهدهدهُ بهداوة:
-حبيبي يا يوسف، وحـ.ـشـ.ـتني يا قلب جدك
إطمأن الصغير واستكان قليلاً ويرجع ذلك لتعلقه الكبير بشخصية نصر الحنون عليه،نظر لعينيه ونطق باستعطاف:
-خليهم يودوني عند مامي يا جدو، هما طلعوها فوق وهي كانت بتصرخ وعوزاني
تألم قلب أيهم وحـ.ـز.ن لأجل الصغير وشقيقته ليأتي عمرو وإجلال مهرولين من الداخل بعدmا اخبرتهما إحدى العاملات ليجذب عمرو الصغير ويضمه إلى صدره باشتياقٍ جارف وما كان من الصغير سوى لف ساعديه الصغيرين حول عنق والده الحنون ليكرر ما طلبه من جده:
-وديني عند مامي يا بابي
أبعد الصغير عن أحضانه قليلاً ليتطلع بعينيه البريئة وبدأ بإذالة الدmـ.ـو.ع العالقة بأهدابه الكثيفة التي ورثها عن والدته ليقول بهدوء:
-أنا محضر مفاجأة حلوة قوي لمامي،أنا وانتَ هنام مع بعض النهاردة، وبكرة هنجيب مامي هنا علشان تعيش معانا
-بس هي مش عاوزة تعيش هنا... نطقها ببراءة ليجيبهُ عمرو بهداوة:
-أنا خليتها تغير رأيها، أنا ومامي بنحبك قوي، وعلشان كده هنعيش كلنا مع بعض، مش إنتَ عاوز تعيش معانا إحنا الإتنين؟
سألهُ ليهز الصبي رأسه بموافقة ليبتسم له ويعيده بأحضانه من جديد قبل أن تتناوله منه إجلال لتسكنهُ بأحضانها كي تشبع من رائحته الذكية بعد أن حرمتهم إيثار رؤيتهُ طيلة الأسابيع المنصرمة
تحدث نصر إلى أيهم بعدmا فاق من سعادته بقدوم الحفيد الغالي:
-تعالى استريح جوة واشرب حاجة يا أيهم
وكأنه وعى على حاله لينطق بنبرة متأثرة من مشهد الطفل وحديثه الذي يمزق أنياط القلوب:
-متشكر يا حاج، أنا هروح
-خدني معاك يا أيهم...نطقها عمرو لتسألهُ إجلال باستغراب:
-سايب إبنك ورايح على فين يا عمرو؟!
اجابها باقتضاب:
-رايح مشوار وراجع على طول يا ستهم
********
وصل عمرو إلى منزل غانم بصُحبة أيهم وكالعادة استقبله الجميع بالترحاب العالي وطلب من عزيز الصعود إلى إيثار ليطمأن عليها ويحاول تهدأتها بعدmا استمع لصياحها الصارخ،اعترض عزيز في بادئ الأمر لكنه أضطُر للموافقة بعد إصرار عمرو الشـ.ـديد، كانت تقف خلف الباب تدقه بقبضتيه وهي تصرخ طالبة النجدة دون ملل أو كلل،استمعت لصوت المفتاح لتبتعد قليلاً منتظرة دخول أحدهم تأملاً في إطـ.ـلا.قهم لسراحها، ولجت منيرة لتتحدث بصوتٍ هادئ وقلبٍ اهتز قليلاً لرؤية هيأتها المزرية،حيث انتفخت جفونها وأحمر أنفها تأثرًا بالدmـ.ـو.ع:
-عدلي طرحتك علشان عمرو عاوز يتكلم معاكِ شوية
على الفور أعادت حجابها المزحزح للخلف لمكانه وخبات خصلات شعرها التي تناثرت بشكل عشوائي لتجري عليها وهي تقول مستعطفة:
-خرجيني من هنا،ورحمة بابا تخرجيني وتسبيني أرجع لمكان ما جيت
زفرت بضيق لتدفعها للداخل واستدارت للخلف وهي تُنادي بصوتها:
-تعالى يا عمرو
ولج بساقيه وقلبه السعيد يزفهُ إليها ليتفاجأ بمظهرها وقد أصاب قلبهُ الحُزن لاجلها ليقول بصوتٍ هادئ:
-خليكِ برة لو سمحتي يا خالتي،أنا عاوز أتكلم مع إيثار لوحدنا
كانت لتعترض لولا نظراته المترجية التي جعلتها تنسحب للخارج لكنها تركت الباب مواربًا وانتظرت خلفه لتتسمع على حديثهما،تطلعت إليه بعينين منتفخة لتسألهُ والدmـ.ـو.ع قدّ تجمعت بعينيها مع نظرة عتب ممزوجة بأمل:
-إنتَ اكيد مش هتوافق على الهبل اللي بيعملوه إخواتي ده؟
مال بعينيه لينطق بنبرة تهيمُ عشقًا:
-أنا بحبك،وعايش في الدنيا دي على أمل إنك ترجعي لي وأعيش أنا وإنتِ ويوسف مع بعض من تاني
-بس أنا مش عوزاك، وجوازنا لو تم بالطريقة دي هيكون باطل، يعني لو عيشت معاك هنبقى عايشين في الحـ.ـرام...نطقت كلمـ.ـا.تها بضعف لتكمل بإبانة:
-إنتَ فاهم اللي أنا بقولهولك؟
بعينين مسحورة أجابها:
-أنا مش فاهم غير حاجة واحدة بس، وهي إن الفرصة اللي ياما استنيتها جت لي،ومش هفرط فيها غير بطلوع روحي
اتسعت عينيها لتهتف بحدة:
-إنتَ ما بتفهمش،بقول لك مش عوزاك
رفع قامته للأعلى وتحدث بقوة وثقة عالية:
-بس أنا عاوزك، وبحبك وهقدر أنسيكِ كل اللي حصل واخليكِ ترجعي تحبيني وتمـ.ـو.تي فيا زي زمان، إدي لنفسك فرصة ولو مش علشاني يبقى علشان خاطر يوسف
بصوتٍ عالي صاحت بصراخ:
-أنا كل حاجة عملتها في حياتي كانت علشان خاطر يوسف،اخدته وبعدت علشان أحميه من شركم وفلوسكم الكتير اللي محدش عارف لها مصدر
هزت رأسها وباتت تتلفت بعينين زائغتين وهي تتابع :
-سبوني في حالي أنا وابني وانسوني،ده أنا ماحسيتش إني بني أدmة ليها كرامة وقيمة غير لما بعدت عنكم، ليه مصرين تشـ.ـدوني وترجعوني تاني للوحل اللي كنت غارسة فيه
هتف بحدة بعدmا أثارته كلمـ.ـا.تها بالغضب والحنق:
-بقى حياتك معايا كانت وحل يا بنت غانم؟
التفتت عليه سريعًا لتقول بمغزى:
-شوفت،أهو من كلمة واحدة زعلتك عملت زي أمك زمان ونديت لي ببنت غانم، وكأن إسم أبويا وصمة عار على جبيني بتفكروني بيها لما تحبوا تذلوني،طول عمركم شايفين نفسكم أعلى من الكل،وإن جوازي منك كان أملة لازم أحمد ربنا عليها ليل ونهار
تطلعت عليه لترفع قامتها لأعلى لتتابع بتفاخر وعزة نفس:
-لكن الحقيقة أنا اللي كتيرة عليكم، ونسبكم لغانم الجوهري تاج على راسكم وشئ يُحسب لكم
ابتسمت بتهكم لتسترسل بذات مغزى:
-على الاقل عاش راجـ.ـل شريف وحُر ولُقمته كان بياكلها من عرق جبينه،مش زي فلوس أبوك اللي محدش عارف إذا كان بيكسبها بالحلال ولا من الحـ.ـر.ام
رمقها بحدة قبل ان يهتف غاضبًا:
-أبويا اشرف من الشرف، وبطلي تتكلمي بفزلكة علشان بس تبيني للي قدامك إنك أحسن منه
رمقها بغضب مزيف فمن داخله يحترق شوقًا لضمتها لكنه اتبع ذاك الاسلوب الحاد كي يرهبها ويجبرها على الاستسلام، ليقول بنبرة أمرة قبل ان ينسحب للخارج:
-جهزي نفسك علشان المأذون جاي بكرة بعد صلاة العشا،وإبنك مستنيكِ في شقتنا، مش هتشوفيه غير بعد كتب الكتاب
قال كلمـ.ـا.ته ليتوجه صوب الباب لتهجم عليه مقتحمة الباب في محاولة منها للخروج ليدفعها بمساعدة منيرة للداخل وغلق الباب بالمفتاح سريعًا لتصرخ وهي تدق الباب بكفيها:
-إفتحوا الباب،إفتح الباب يا عمرو وخليك راجـ.ـل لمرة واحدة بس في حياتك، خلي عندك كرامة ورجع لي إبني وسيبني أرجع بيتي،الراجـ.ـل اللي بجد مياخدش واحدة غـ.ـصـ.ـب عنها، وأنا مش بس مغـ.ـصو.بة عليك، أنا بكرهك ومش طايقة أشوف خلقتك، ولو وصلت لأني أرجع اعيش معاك إنتَ وأهلك هختار المـ.ـو.ت، سامع يا عمرو، هختار المـ.ـو.ت ولا إني أرجع لواحد حقير ومش راجـ.ـل زيك
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة وهو يصـ.ـر.خ عاليًا مهددًا إياها:
-ماشي يا إيثار، وحياة أمي لاحاسبك على كل كلمة قولتيها،هعلمك إزاي تتكلمي مع جوزك وابو إبنك وتحترميه،بس مش وقته
نطق كلمـ.ـا.ته وعروق عنقة تنتفضُ غضبًا لترتعب منيرة التي تراه بتلك الحالة للمرة الأولى واقتربت قائلة في محاولة منها لتهدأته:
-سيبك منها دي بتقول أي كلام وخلاص،بتدلع عليك علشان تشوف غلاوتها
زفر بقوة لينظر لها وهو يقول بحِنو وكأنه تحول:
-هبعت أجيب لها أكل جاهز من المركز، متخليهاش تبات من غير ما تتعشى
-ملوش لزوم، أنا طابخة وهطلع لها الوقت بس لما تهدى شوية...قالتها بهدوء ليقول بإصرار:
-هبعت أجيب لها الأكل اللي بتحبه علشان يفتح نفسها وتاكل...ليترجاها بعينيه:
-لازم تتعشى قبل ما تنام يا خالتي
-حاضر يا ابني، حاضر...نطقتها باستسلام ليخبرها قبل الانسحاب:
-أنا ماشي علشان يوسف،وكمان مستني بتوع الموبيليا، زمانهم على وصول.
********
بعد مرور حوالي الساعتين،داخل منزل نصر البنهاوي
خرجت من شقتها الخاصة على صوت جلبة أتية من الخارج لتتفاجأ بفتح شقة إيثار المقابلة لباب شقتها،شاهدت الكثير من العُمال وهم يحملون قطع لأثاثٍ جديد ويبدو من مظهره الفخامة المبالغ بها،ارتجف جسدها وهي ترى وقوف عمرو بداخل الشقة وهو يُشير للعمال قائلاً والسعادة تغمر وجههُ:
-دخل ده جوة، وبالراحة علشان العفش ما يتخبطش منكم
هرولت عليه وقد چن چنونها عنـ.ـد.ما جال بخاطرها فكرة عودة غريمتها لتهتف بنبرة حادّة وعينين يظهر بداخلهما الهلعُ:
-إنتَ بتعمل إيه يا عمرو؟!
-روحي على شقتك...قالها بنبرة مثل الثلج لتهتف وهي تجذبهُ من رسغه بطريقة عنيفة:
-هترجعها!
هترجعها بعد ما حبستك ومسحت بكرامتك الارض في البلد كلها؟!
قبض على كفها بقوة ألمتها وسحبها خلفه حتى وصل لمسكنها ليدفعها للداخل وأغلق الباب بعدmا ولج معها ليقترب عليها من جديد ويضغط على رسغها بعنفٍ وهو يهتف من بين أسنانه بحقدٍ:
-آه هرجعها،وبكرة زي الوقت هتنور شقتها وبيت نصر البنهاوي كله، وهخليكِ خدامة تحت رجليها،هعيشها ملكة واعوضها عن كل اللي فات،هخليها ست البيت ده كله
-على جثتي لو بنت منيرة دخلت البيت ده تاني يا عمرو...نطقتها بغلٍ وعيني تطلق شزرًا من شـ.ـدة كُرهها ليهتف بنبرة حادة ونظراتٍ كارهة:
-وماله،معنديش أي مانع إنها تدخل على جثتك، وأهو حتى تدخل البيت على نظافة
نطقها وهو يدفعها للخلف ليختل توازنها ثم رفع سبابته لينطق بنبرة تهديدية وعيني تشمئزُ من النظر لوجهها البغيض:
-إسمعي يا بِت،أقسم بالله لو حاولتي تقربي من إيثار ولا تعملي أي حركة من حركاتك الناقصة لاكون قـ.ـا.تلك ودافنك في مكان الجن الأزرق ما هيعرف يوصل له
واستطرد ناصحًا بنبرة مبطنة بتهديد:
-خليكِ فاكرة كلامي ده كويس علشان الغلطة بعد كده بـ فورة
قال كلمـ.ـا.ته بصرامة لينسحب للخارج بعد أن أغلق الباب خلفه بقوة هزت أركان المنزل،كورت كفيها بقوة حتى ابيضت وبرزت عروقها ليعلو ويصعد صدرها من شـ.ـدة غضبها، هرولت للداخل لتلتقط هاتفها الجوال من فوق المنضدة وعلى الفور ضغطت زر الاتصال برقم نسرين وقد زاد غضبها عنـ.ـد.ما انتهى الاتصال دون ان تُعيرها الأخرى أدنى اهتمام لتهتف من بين أسنانها:
-رُدي يا بنت الـ...سبتها بلفظٍ نابي يدل على تربيتها الخاطئة لتُعيد المحاولة مرة آخرى
كانت تقف داخل المطبخ، تُعد مشروب الشاي لزوجها وشقيقاه ليباغتها رنين الهاتف لترفعه لمستوى عينيها لرؤية هوية المتصل، وما أن رأت نقش اسمها حتى انفرجت أساريرها وابتسمت شامتة،أخذت نفسًا عميقًا لتهتف حين رأت دخول نوارة بوجهها الحزين:
-تعالي كملي الشاي يا نوارة وطلعيه للرجـ.ـا.لة
واسترسلت معللة:
-أصل أختي ألاء بترن عليا، هطلع أرد عليها من شقتي واشوفها عاوزة إيه
هرولت عليها لتقول بترجي وهي تتشبث بكفها:
-والنبي يا نسرين تاخديني معاكِ أشوف إيثار، هطمن عليها بس والله
جذبت كفها بقوة لتقول باشمئزاز:
-خليكِ في حالك أحسن لك يا نوارة وإبعدي عن إيثار، عزيز بقى عامل زي الوحش واللي هيقف في وشة هيدوس عليه ومش هيرحمه
-هو أنا قولت لك ههربها، أنا هطلع أطمن عليها وأشوفها لو محتاجة حاجة...قالتها برجاء لتتابع بعينين مغرورقتين بالدmـ.ـو.ع:
-دي في الآخر ولية زينا يا نسرين
-ولية زينا!..قالتها باستخفاف لتتابع بنظراتٍ حاقدة ظهرت بعينيها:
- الولية اللي إنتِ زعلانة عليها دي رايحة لعز وفلوس لو عاشت عمرها كله هي وابنها يصرفوا فيها مش هتخلص
لتقول وهي تربط على صدر الأخرى بسخرية:
-بدل ما تزعلي عليها إزعلي على نفسك وعلى حالنا اللي لا يُسر عدو ولا حبيب يا سلفتي،وبعدين ريحي نفسك،المفتاح مع عزيز ومش هيديه لمخلوق لحد ما يطلعها بنفسه ويسلمها لـ عمرو بعد كتب الكتاب
تنهدت بألم واستسلام وانسالت دmـ.ـو.عها خزنًا على صديقتها لتسترسل الأخرى بابتسامة متهكمة وهي تنظر لدmـ.ـو.عها بازدراء:
-إدخلي صُبي الشاي وطلعيه لجوزك واخواته
نطقت كلمـ.ـا.تها لتنسحب مهرولة باتجاه الدرج بعدmا عاود الرنين لهاتفها من جديد تاركة تلك الحنون بعد أن انسابت دmـ.ـو.عها قهرًا على إيثار،تلك الحنون التي لم ترى منها سوى كل الخير ولكنها الأن تشعر بعجزٍ كبير أمام مأساتها ولا تستطيع مساعدتها لقلة حيلتها
ولجت نسرين لمسكنها لتنظر لغرفة صغارها بشمـ.ـا.تة حيث تمكث تلك التي تبغتها حبيسة بالداخل، لم تستمع لصوتها يبدو أن كثرة الصُراخ قد أنهكتها وخارت قواها لتصمت دون إخراج صوت، هرولت لغرفتها وهي تتلفت من حولها بحرصٍ ليصدح رنين الهاتف للمرة الرابعة على التوالي لتبتسم بمكرٍ وهي تقول بشمـ.ـا.تة:
-أكيد وصلتك الأخبـ.ـار،تستاهلي بذنب اللي عملتيه فيا
أخذت نفسًا عميقًا لتضغط زر الاستقبال وهي تقول بنبرة حادة شبيهة لنفس اللهجة التي حدثتها بها المرة الاخيرة لهما ولكن بعدmا ضغطت زِرًا بالهاتف سنعلم ما هو بعد قليل:
-خير، عاوزة إيه تاني؟
بدون مقدmـ.ـا.ت سألتها بقلبٍ يشتعلُ نارًا:
-إيثار عندكم في البيت ولا غارت في داهية؟
-والمفروض بقى إن الهبلة نسرين ترد وتطمنك؟!
صاحت بغلٍ أوضح وصولها للمنتهى من الصبر:
-نسرين، انا على أخري ومش طايقة نفسي، جاوبي من غير خُبث
-واريحك بمناسبة إيه!..لتتابع مؤنبة إياها:
-ده أنتِ بعتيني واتخليتي عني بعد ما خسرت كل حاجة
باغتتها بلهفة:
-هديكِ الفلوس اللي إنتِ عوزاها بس انجزي وقولي
ضيقت بين عينيها لتسألها بريبة:
-وأنا إيه اللي يضمن لي إنك مش هتاخدي اللي عاوزة ت عـ.ـر.فية وبعدها ترجعي لأصلك وتتخلي عني تاني؟
بعجالة أجابتها لتقطع الشك الساكن بقلبها:
-المصلحة هي الضامن يا نسرين،أنا وانتي مصلحتنا واحدة وعدوتنا واحدة، ودي النقطة المشتركة بينا
اقتنعت لصحة حديثها لتقول بنبرة هادئة:
-إيثار إخواتها حابسينها وبكرة بعد صلاة العشا عمرو هييجي هو واخواته ومعاهم المأذون
-حاولي تهربيها وهديكي مية ألف جنية...جملة نطقت بها سُمية لتهتف الأخرى بـ.ـارتعاب:
-إنتِ إتجننتي يا سُمية، إنتِ شكلك ناوية على طـ.ـلا.قي
بنبرة هادئة تُظهر تخطيتها لكل شئ أجابتها:
-محدش هيعرف، وإيثار نفسها هتشيلها لك جميلة ومش بعيد تكافأك بفلوس إنك خلصتيها من إيد إجلال اللي مستحلفة لدخلتها البيت
-المفتاح مع عزيز يا سُمية،ومستحيل يسلمهولي، وحتى لو معايا،ههربها إزاي من اللي في البيت...كلمـ.ـا.ت منطقية قالتها نسرين لتنطق الاخرى بكلمـ.ـا.تٍ بعدmا امتلئ قلبها بالحقد ولم يعد للخشية من الله مكانًا به:
-بسيطة،تخلصينا منها خالص
قطبت جبينها لتستعلم مستفهمة:
-قصدك إيه؟
-حطي لها سِـ.ـم في الأكل يخلصنا منها،ولا من شاف ولا مِن دِري...قالتها بهدوء لتصرخ نسرين وهي تتلفت حولها بـ.ـارتياب:
-الله يخرب بيتك، إنتِ عاوزة تخلصي مني أنا كمان،أقـ.ـتـ.ـلها أنا واتعدm وانتي تعيشي مع البيه وتتهني بفلوسه، لا ناصحة يا بِت
-إسمعيني بس،محدش هيعرف حاجة...قالتها لتهدأة الأخرى لتسترسل بإبانة:
-أنا عندي برشام قوي الدكتور كان مديهولي وكان محذرني منه، قالي ابعده عن الاطفال لأن ثلاث برشامـ.ـا.ت منه كفيلة تقـ.ـتـ.ـل بني أدm كبير،قابليني كمان ساعة عند التِرعة الغربية علشان اديهولك،حطي لها سبع أقراص منه في الاكل وسيبي العلبة جنبها،أول ما يشفوها هيقولوا إنها انتحرت علشان غـ.ـصـ.ـبوها لرجوعها لـ عمرو
واسترسلت بدهاء:
-وهيخافوا يبلغوا ليدخلوا في سين وجيم،وهيدفنوها من سُكات ويدفن سرنا معاها ونرتاح،أنا اعيش مع جوزي وبنتي في أمان، وإنتِ تاخدي الـ مية ألف جنية تجيبي بيهم دهب بدل اللي راح
تعجبت من صمتها لتسألها:
-قولتي إيه؟
بنبرة متعجبة نطقت بصوتٍ مرتعب يغلفهُ الذهول:
-قولت إني مش هنفذ ولا كلمة من التخريف اللي إنتِ لسة قيلاه ده، إنتِ شكلك ست مـ.ـجـ.ـنو.نة، عوزاني أقـ.ـتـ.ـل عمة ولادي علشان خاطر الفلوس، ده ولا مال قارون كله يخليني أفكر أأذيها
لتتابع بقوة وكأنها تحولت لشخصٍ أخر لتتعجب الأخرى من تغييرها الكُلي:
-الكلام اللي قولتيه ده تنسيه،وبردوا هتديني الـ مية ألف جنية، مش بس كدة، ده أنا كل ما احتاج فلوس هطلبها منك وإنتِ زي الشاطرة هتديهم لي
زاغت أعين سُمية لتنطق باستغراب وعدm استيعاب لحديث نسرين:
-إنتِ اتجننتي يا بِت ولا شاربة حاجة مخلياكِ مش واعية للي بتقوليه
إبتسمت نسرين لتجيبها بهدوء لا يتناسب مع الحدث:
-هديكِ فرصة خمس أيام بحالهم،تجمعي لي فيهم مية ألف جنية، أظن كدة عداني العيب... نطقت كلمـ.ـا.تها التهديدية لتغلق الهاتف سريعًا قبل ان تُعطي لها حق الرد مما جعل الاخرى تتعجب، أما نسرين فنظرت بشراهة بشاشة الهاتف وهي تحتفظ بتلك المكالمة التي أصبحت بمثابة كِنزًا بالنسبة لها بعدmا قررت تسجيلها للإحتفاظ بها كسلاح تهديدٍ مباشر تستخدmهُ ضد سُمية للحصول على كل ما تريد من الأموال بمنتهى السهولة،ضحكت عنـ.ـد.ما تذكرت طلبها لهذا الهاتف الذكي كهدية من سُمية لها كي تطلع من خلاله على تطبيقات التواصل الإجتماعي للتسلية وجلبته لها الأخرى مجبرة تحت تهديد الأولى لها
قامت بتقطيع الجزء الخاص وهي تقوم بتحريضها على قـ.ـتـ.ـل إيثار والأخرى تعترض بذهول لتبتسم بشر وهي تقوم بضغط زِر الإرسال ليصل لتلك التي مازالت متعجبة حديث تلك المعتوهة معها بتلك الطريقة، فتحت الرسالة لتُصدm مما استمعت وعلى الفور هاتفتها لترد التي كانت تنتظر المكالمة بابتسامة ماكرة:
-كنت عارفة إنك هتتصلي علشان كده استنيتك ومنزلتش تحت
لتصيح الاخرى بغضبٍ عاصف:
-بتسجلي لي، هي حصلت يا بنت الـ
وقبل أن تُكمل سبها قاطعتها الأخرى بقوة لما تمتلك الأن بما يزج الاخرى داخل السجن:
-إوعي تنطقي بكلمة واحدة وإلا هنـ.ـد.مك،الفلوس تكون عندي الإسبوع ده وإلا التسجيل الحلو ده هيوصل للحاج نصر بنفسه
ارتعب قلب سُمية لتسترسل الأخرى مستغلة خوفها:
- الراجـ.ـل داخل على انتخابات ومش محتاج شوشرة،شوفي بقى ممكن يعمل فيكِ إيه لو عِرف إن مرات إبنه بتخطط لقـ.ـتـ.ـل ضُرتها
نظرت أمامها مذهولة من ذكاء تلك التي اعتقدتها بغـ.ـبـ.ـية لكنها اثبتت مدى دهائها ومكرها، وبعد تفكير نطقت بهدوء:
-هجهز لك الفلوس يا نسرين، بس تقابليني بنفسك وتديني التسجيل أمسحه بإيدي
أجابتها الأخرى بنبرة بـ.ـاردة كالثلج:
-جهزي الفلوس وبعدين نبقى نشوف هنعمل إيه
أغلقت الهاتف والشر ظهر بعيني سُمية التي تطلعت أمامها بشرود في نقطة اللاشئ.
********
داخل مسكن إيثار
كانت تجوب البهو إيابًا وذهابًا والقلق ينهش بقلبها بعد أن حاولت الإتصال بـ إيثار عدة محاولات وبكل مرة تجد الهاتف مُغلقًا بعد أن هاتفتها الآخرى قبل الثلاث ساعات وأبلغتها أنها تجهزت هي والصغير وسيتحركا الآن وبعد أقل من الساعتين سيكونان بالقاهرة،وما زاد من رُعبها هو علمها بجميع المشاكل التي بينهم كعائلة
أمسكت الهاتف للمرة التي لا تحصاها ولكن تلك المرة لن تهاتف إيثار بل قررت الإتصال على رقم الهاتف الأرضي لمنزل غانم والتي كانت تتصل منه منيرة بعدmا تيأس من عدm رد إيثار عليها، ضغطت على الأرقام ليأتيها صوت طفلة عزيز "جودي" لتهتف لها وهي تسألها بلهفة:
-إزيك يا حبيبتي، ممكن تديني إيثار أكلمها
نظرت الصغيرة لجدتها بـ.ـارتياب لتسألها مستفسرة:
-مين يا جودي
نطقت الصغيرة صاحبة التسعة أعوام ببراءة:
-دي واحدة بتسأل على عمتي إيثار
انتفضت من جلستها لتجذب سماعة الهاتف وهي تجيب بنبرة قاسية:
-مين معايا؟
أجابتها بنبرة مرتعبة ممتزجة بالقلق الذي ظهر بينًا بصوتها:
-أنا عزة يا ست منيرة، كنت بسأل على إيثار أصلها إتأخرت قوي وأنا قلقانة عليها هي ويوسف
-إقلقي على نفسك يا اختي،إيثار قاعدة في بيت أبوها وبكرة كتب كتابها على أبو إبنها...قالتها بنبرة كارهة لتهتف بنبرة شامتة:
-يعني تخلي عندك دm وتقومي تلمي الهدmتين اللي حيلتك وتسيبي الشقة، لأن عزيز هيدور لها على مشتري من بكرة،خلاص، مبقاش ليها لازمة بعد ما بنتي ترجع لجوزها
جحظت عينيها لتهتف بذهول:
-جوز مين يا ولية يا مخبولة اللي هترجعيها له!، هترجعيها لإبن إجلال اللي خانها على فرشتها؟!
هزت رأسها بذهول لتتابع باستياء واستنكار:
-إتكاترتوا على المسكينة بعد ما الراجـ.ـل الكبير مـ.ـا.ت، فاكرين إن ملهاش حد يقف لها
-طب والله لأجي افضحكم قدام البلد كلها يا شوية عِرر ومحسوبين عليها أهل...نطقت عزة جملتها بتهديد صريح لتهتف الأخرى من بين أسنانها:
-لو بنت راجـ.ـل بصحيح تعالي علشان اعرفك مقامك صح وأطلع القديم والجديد كله على جتتك يا اللي إسمك عزة
لتسترسل بازدراء:
-مبقاش إلا أنتِ كمان اللي تهدديني يا حتة خدامة
-ماشي يا منيرة،هنشوف أنا ولا أنتِ يا عِرة النسوان... قالتها عزة بتهديد لتغلق الهاتف بوجهها دون إعطائها الفرصة للحديث
اتسعت عيني منيرة بغضب لتهتف وهي تضع السماعة بمكانها بحدة:
-أنا مش عارفة بنتي إتلمت على الولية الغجرية دي في انهي داهية
********
بمسكن عزيز وبعدmا تخطت الساعة الواحدة ليلاً
كانت ترتمي فوق أرضية الغرفة كورقة في مهب الريح بعد أن خارت قواتها ولم تجني من صرخاتها المستنجدة سوى ذهاب صوتها الذي تأذى،ولجت منيرة للغرفة وهي تحمل صينية موضوع فوقها الطعام الذي أرسلهُ لها عمرو:
-قومي كُلي...نطقتها بنبرة جادة خالية من المشاعر لتهمس الأخرى دون أن يتحرك لها ساكن:
-خدي اكلك واطلعي برة
تنهدت منيرة وسارت إلى التخت لتضع عليه ما تحمله ثم أخذت وسادة لتُلقيها بجانب رأس تلك الممددة على الأرض لتنحني وهي ترفع لها رأسها لتزج بالوسادة أسفلها ثم جاورتها الجلوس أرضًا لتنطق الأخرى بدmـ.ـو.عها:
-من زمان وأنا بسأل نفسي سؤال ونفسي ألاقي له إجابه علشان أرتاح
تطلعت عليها بإبهام لتتابع الاخرى بقلبٍ يتمزقُ حسرة على ما مرت به وتذوقته على يد تلك القاسية طيلة سنواتها الفائتة وحتى الأن:
-إنتِ ليه بتكرهيني قوي كده،طب هو أنا ممكن مكونش بنتك؟!
أصل مستحيل يكون فيه أم بتكره بنتها للدرجة دي،عملت لك إيه يخليكِ تكرهي وجودي بالشكل ده؟
لتسترسل بتعجب ممتزج بقهر:
-ده أنا عيشت عمري كله علشان أرضيكِ وعمرك ما رضيتي
نفسًا عاليًا أخذته منيرة قبل أن تنطق بنبرة جليدية كعادتها:
-مفيش أم بتكره بنتها،بس إنتِ بنت، والبنت لازم يتكـ.ـسر لها ضلع علشان تخاف وتمشي عِدل
واسترسلت موضحة:
-لبستك ونضفتك وخليتك تكملي تعليمك لجل ما تتجوزي جوازة عِدلة، الفرحة مكنتش سيعاني لما ابن الحاج نصر إتقدm لك، ولما اتجوزك وعيشتي في العز والهنا معاه فرحت لك من كل قلبي
تنفست إيثار لتهتف بحدة ومازالت على حالها:
-قصدك فرحتي لولادك والفرحة مكنتش سيعاكِ لما نابكم من العز جانب،طول عمرك والحنان والحب كله ليهم والقسوة والمعاملة الجافة لـ إيثار، حتى جوازتي دورتي فيها على مصلحتهم ورمتيني تحت رجلين إجلال علشان ولادك ميخسروش أفضال نصر عليهم والفتافيت اللي بيرميها لهم عمرو
هتفت الأخرى بتعجب:
-فيها إيه لما أفكر في مصلحة ولادي جنب مصلحتك،ومين اللي قال لك إن مصلحتك مش في رجوعك من عمرو؟
صاحت بنبرة حادة:
-عمرك سألتي نفسك أنا بحس بإيه وإنتِ بايتة في بلد غريبة إنتِ وابنك لوحدكم،أنا عيني جفاها النوم من يوم طلعتك من البلد وقعدتك لوحدك،زي ما بتخافي على أبنك أنا كمان بخاف عليكِ
ابتسمت إيثار ساخرة لتهتف الاخرى متابعة:
-إنتِ كمان طالعة لي،فاكرة إنك بتحبي ابنك وتخافي عليه وإنتِ بتأذيه
قطبت جبينها تتطلع عليها بعدm استيعاب لتتابع منيرة مفسرة:
-حرماه من عزوته وعز وخير أهله وفاكرة انك كده بتحميه،قاعدة في شقة متجيش أوضة في بيت نصر وشايفة انك كده ست جدعة وبمـ.ـيـ.ـت راجـ.ـل، وإنتِ خايبة وسيبتي جوزك وخير إبنك للعقربة اللي إسمها سُمية تغرق فيه هي وأهلها
استندت على كفيها لتجلس بهدوء ثم قالت بنبرة متألمة:
-سيبيني أرجع بيتي، ورحمة بابا وغلاوته عندك لتخليني أمشي
تنهدت بضيق لتقول بهدوء:
-أبوك الله يرحمه كان قلبه رهيف ومش عارف مصلحتك
لتسترسل بنبرة جادة:
-انا خايفة عليكِ وحابة لك الخير، نفسي أطمن عليكِ وأشوفك في بيت جوزك قبل ما امـ.ـو.ت أنا كمان
-قصدك نفسك تشوفي عيالك متمرمغين في فلوس نصر وتطمني عليهم... قالتها باستسلام لتجيبها بصدق:
-وإيه اللي يزعلك لما اخواتك ينوبهم من خير جوزك نايب
واسترسلت بحدة:
-طول عمرك انانية ومبيهمكيش غير مصلحتك وبس،أهم حاجة تكوني مرتاحة واخواتك يولعوا، وهو ده اللي بيزعلني منك
تنفست بهدوء ووجدت أن الحديث مع تلك المرأة ما هو إلا إهدار للوقت والطاقة فتمددت لتعود لوضعها بعد أن أزاحت الوسادة التي جلبتها لها لتضع رأسها أرضًا مرةً أخرى مما جعل الاخرى تهب واقفة لتنظر إليها وهي تقول بجمود:
-الأكل عندك، كُلي وقومي نامي على السرير بدل ما تاخدي لطشة برد
قالت كلمـ.ـا.تها لتخرج وتُغلق خلفها الباب لتوصده جيداً تحت دmـ.ـو.ع تلك التي رفعت رأسها للأعلى وقالت بقهر إمرأة تشعر بالمرارة والظُلم:
-يارب، مليش غيرك علشان تقف جنبي، قويني وخرجني من محنتي سالمة أنا وإبني
استندت بكفيها لتقوم بالتيمُم بعد أن عزمت أمرها على قضاء صلاة قيام الليل كي تدعو الله ليساندها ويُخرجها من تلك المحنة على خير.
********
صباح اليوم التالي
كانت تنزل من على الدرج بوجهٍ مجهد وملامح قاسية ترجع لعدm راحتها من ما هو آت،وجدت مروة تنتظرها أسفل الدرج ممسكة بالدرابزين وعلى ملامحها الكثير من السعادة الممتزجة بالشمـ.ـا.تة التي ظهرت وهي تقول:
-مبروك رجوع ضُرتك بالسلامة، أخيرًا الطير هيرجع لعشه وكل واحد يعرف تمامه
اطلقت ضحكة شامتة لتكمل بسعادة:
-كُنتي بتشتكي إن عمرو ما بيعبركيش ويعتبرك مـ.ـر.اته غير كل كام شهر، أهي جت لك اللي مش هتخليه يشوفك قدامه أصلاً
لتسترسل متعمدة بما أشعل قلب الاخرى:
-رجعت له حب العُمر واللي مسيطرة على القلب والعين
لم ينقصها سوى تهكم تلك الشامتة،ألم يكفيها ما هي به الآن من احتراق لروحها وخوف من القادm، تحركت من جوارها دون حديث مما جعل الاخرى تتعجب برودها.
********
داخل البهو الخاص بمنزل غانم الجوهري، بعد صلاة العِشاء
يتوسط المأذون الشرعي الجلوس بالأريكة، يجاورهُ عزيز وعلى الطرف الأخر يجلس بتفاخر وتراخي ذاك الذي لم تسع الدنيا شـ.ـدة سعادته من عودة من سلبت النوم من عينيه منذ إبتعادها عنه، واليوم قد يتحقق الحلم، مجرد عِدة ساعات من الأن وستكون بداخل منزله لتدفئ فراشهُ الذي أصبح بـ.ـاردًا بعد رحيلها، يلتف حولهم شقيقاها وجدي وأيهم و والدتها وأحد أعمامها وشقيقاي عمرو طلعت وحُسين وإجلال،إلتف المأذون إلى عزيز ليتحدث متسائلاً:
-فين بطايق العرسان
ناولهُ عزيز بطاقة إيثار الذي أخذها من حقيبتها وأيضاً عمرو الذي بسط يده بالبطاقة ليتحدث متلهفًا:
-إكتب الكتاب بسرعة الله يبـ.ـارك لك يا سيدنا الشيخ، عاوز أخد مراتي وإبني للبيت قبل ما الوقت يتأخر
أردف الشيخ قائلاً بهدوء:
-أصبر يا إبني، العجلة من الشيطان
نطقها ليحول بصره إلي الجهة الأخرى باتجاه وجدي ليسترسل:
-إنده للعروسة علشان أخد موافقتها يا أستاذ وجدي
إرتبك وجدي ونظر إلى عزيز مستنجدًا ليوجه الأخر حديثهُ إلي الشيخ بقوة:
-العروسة موافقة وباصمة بالعشرة يا سيدنا،وقاعدة جوة ماسكة شنطة هدومها ومستنية اللحظة اللي هتخلص فيها كتب الكتاب علشان ترجع لبيتها، فياريت تبدأ في الإجراءات وتخلصنا
تحدث الرجل بمنطقية:
-مينفعش يا أستاذ، الشرع والقانون بيقولوا إني لازم أسمع بودني موافقة العروسة قبل ما أكتب الكتاب
-مـ.ـا.تخلصنا يا سيدنا الشيخ...جملة تفوهت بها إجلال بنبرة ساخطة لتسترسل في محاولة منها لإقناع الشيخ وهي تضع ساقًا فوق الأخرة بكبرياء:
-يعني إبن سيادة النائب نصر البنهاوي هيرجع مـ.ـر.اته غـ.ـصـ.ـب عنها؟
ارتبك الرجل وتحدث مفسرًا بتلبك خشيةً بطش تلك المتجبرة وزوجها:
-أنا ما أقصدش كده لا سمح الله يا ست إجلال، أنا بس بنفذ اللي قال عليه الشرع
هتف عزيز مزمجرًا بعينين غاضبتين:
-والشرع قال إن وكيل العروسة ينوب عنها، وأنا وكيلها وبقول لك إنها موافقة ومرحبة، أومال هكون جبت البطاقة منين لو مش هي اللي ادتها لي علشان أكمل الإجراءات؟!
اكمل وجدي ليؤكد على حديث شقيقه:
-كمل إجراءتك ومتقلقش يا سيدنا الشيخ، إحنا إخواتها وأكيد مش هنضرها ولا هنجوزها غـ.ـصـ.ـب عنها يعني، إحنا لينا إسمنا في البلد اللي بنخاف عليه،وأكيد مش هنعمل حاجة تغضب ربنا
-أنا مابشككش فيكم لا سمح الله يا أبني،أنا عاوز اسمع موافقتها لكي يطمئن قلبي...نطقها وهو ينظر إلى منيرة ليستشف منها صدق حديث ولديها،تنهدت بهدوء لتتحدث بزيفٍ تقمصت بإظهاره كحقيقة:
-بنتي موافقة يا سيدنا الشيخ
لتهتف إجلال بنبرة غاضبة تنذر بفقدانه للصبر:
-وبعدين معاك يا شيخ صالح،مـ.ـا.تخلصنا بقى وتكتب الكتاب وتخلينا نقوم نشوف مصالحنا، أمها واخواتها قالوا لك إنها موافقة، عاوز إيه تاني؟
واسترسلت بنبرة تحمل بين طياتها تهديداً صريح:
-أنا شكلي هتصل بالحاج نصر ييجي بنفسه يتصرف معاك
ارتبك الرجل وخشي على حاله من بطش ذاك المتجبر وظلمه السائد للجميع مستغلاً نفوذهُ كنائب مجلس للشعب وامواله الطائلة المكتسبة من تهريب أثار الوطن للخارج، ليتحدث متلبكًا:
-ملوش لزوم نشغل الحاج معانا يا ست الناس
ليسترسل وهو يهم بملئ البيانات داخل الدفتر:
-على بركة الله
قطع إكماله للإجراءات تلك الطرقات المتوالية والعنيفة فوق الباب ليهتف عزيز ناظرًا لشقيقه الأصغر بعينين غاضبتين:
-شوف مين الحمار اللي بيخبط على الباب وهيخلعه كدة يا أيهم
هب الشاب واقفًا وتحرك مسرعًا إلى الباب ليتحدث عمرو موجهًا حديثه للشيخ بعدmا رأهُ قد توقف عن إستكمال الإجراءات لينظر باتجاه الباب:
-شوف شغلك يلا يا سيدنا الشيخ خلينا نخلص
تنهد الرجُل وكاد أن يتابع ما يفعل لولا صوت ذاك الهادر الذي ولج عليهم كالثور الهائج هاتفًا بغضبٍ حاد ظهر بَيِن بمقلتيه وهيأته الغاضبة وهو يقول:
-فين مراتي؟
↚
وبينما كُنتُ غارقةً في يأسي وظننتُ أنها النهاية،أتاني الفرچُ من عِند الله لأتيقن أن ما ممرتُ به من أهوال، لم يكُن سوى بداية لنهاية ألامي.
إنتبه الجميع والتفوا برأوسهم على صوت ذاك الهادر الذي ولج عليهم كالثور الهائج هاتفًا بغضبٍ حاد ظهر بَيِن بمقلتيه وهيأته الغاضبة وهو يقول باحثًا بعينيه بين الجميع:
-فين مراتي؟
وقف عزيز ليتساءل وهو يرمق ذاك الدخيل بعينين يشتعلان غضبًا:
-إنتَ مين يا جدع إنتَ وإزاي تدخل علينا زي الثور كدة؟!
وقف عمرو وتساءل بجبينٍ مُقطب بعدmا تذكر وجه ذاك الثائر الذي رأهُ منذُ أيام:
-مش إنتَ وكيل النيابة اللي جيت تزور عمي غانم الله يرحمه في المستشفى؟!
رمقهُ بنظرة نارية ثم أحال عنه بنظره متجاهلاً سؤالهُ ليهتف موجهاً حديثه إلى عزيز:
-هعرفك حالاً أنا أبقى مين، بس نمشي الناس الغريبة الأول علشان نتكلم براحتنا
ليستطرد بحديثهُ إلى المأذون:
-وإنتَ، لم دفترك ده وقوم إتكل على الله بدل ما ألبسك قضية أخليك تقضي بسببها بقيت حياتك في السجن
-هتدخلني السجن بتهمة إيه يا باشا...نطقها الرجل بـ.ـارتياب من مظهر الأخر الذي يوحي بالأهمية ولما استمعه من عمرو عن مركزه المرموق بالدولة ليهتف الأخر بإيضاح أدخل الجميع بحالة من الذهول:
-بتهمة كتب كتاب واحد على واحدة متجوزة وعلى ذمة راجـ.ـل تاني وبدون علمها يا شيخ السُلطان
-إنتَ بتقول ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.ن إنتَ؟!... جملة نطقها عزيز باستهجان ليتحرك عمرو مسرعًا إليه ليهتف متسائلاً بنبرة غاضبة:
-هي مين دي اللي مرات مين يا روح أمك؟
هتف بصوتٍ جهوري مخيف أرعـ.ـب الحضور من شـ.ـدة ثباته وصرامته:
-إحترم نفسك وإتكلم معايا بأدب بدل ما أخلي الست الوالدة تتحسر على شبابك
نطقها بقوة وهو يشير بسبابته محذرًا إياه لتهتف إجلال بنبرة حادة غاضبة ترجع لغرورها الزائد وعدm تقبلها للإهانة من أي شخصٍ أيًا كان مركزهُ:
-أم مين دي اللي تتحسر على شبابه يا اسمك إيه؟، إنتَ سامع نفسك بتقول إيه ولا عارف بتقوله لمين الكلام ده!
لتستطرد بقوة وغرور كعادتها وهي ترمقهُ بنظراتٍ تقليلية:
-قبل ما تفرح بنفسك قوي كدة يا وكيل النيابة روح إسأل على سيادة النايب نصر البنهاوي، وبعدها إبقى تعالى إتنفخ واتكلم
بابتسامة ساخرة تدعوا للريبة أجابها:
-سائل وعارف كويس قوي إنتوا مين،إنتِ اللي محتاجة تسألي عن سيادة المستشار فؤاد إبن سيادة المستشار علام زين الدين اللي ساسة مصر وأكبر المناصب فيها بيعملوا له ألف حساب ويتمنوا رضاه
رفع قامتهُ لأعلى ليسترسل برأسٍ شامخ:
-أما بقى بالنسبة لسؤال المحروس إبنك
وهنا حول بصره إلى ذاك الذي يغلي كفوهة بركانٍ أوشكت على الإنفجار ورمقهُ بتقليلٍ قبل أن يسترسل بإهانة:
-فأنا هجاوبك علشان تحط لسانك جوة بوقك وتخرس وتاخد بعضك إنتَ والست الوالدة وتطلعوا من هنا حالاً
واسترسل برأسٍ مرفوع أظهر كم إفتخاره بانتسابها إليه:
-إيثار تبقى مراتي بعقد رسمي وموثق عند محامي وشاهد عليه أيمن بيه الأباصيري والشاهد التاني سعادة المستشار "شريف الخولي"،والعقد تم بعلم وحضور عمي غانم الله يرحمه بذات نفسه.
نزلت كلمـ.ـا.ته كالصاعقة على الجميع شلت جميع حواسهم لتجحظ أعينهم وتُفتح أفواههم ببلاهة ليهتف عمرو التي غلت الدmاء بعروقه وصعدت لدmاغه وكادت أن تفتك بحياته بأكملها من مجرد ذكر ذاك الرجل لنسب إمرأة حياته لهْ:
-إنتَ كذاب
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه ليهتف عزيز بسخطٍ:
-إنتَ بتقول ايه يا ابن الـ...... إنتَ، هي مين دي اللي مراتك، إيثار أختي!، ده أنتَ وقعتك سودة وشكلك كده مش هتخرج من هنا سليم، بقى جاي تفتري على الراجـ.ـل إكمنه مـ.ـا.ت ومش هيعرف يكذبك
هتف بقوة واتزان أربك الجميع:
-إحترم نفسك ومتقولش كلام تتحاسب عليه، ولو مش مصدقني أنا عندي الشهود والإثباتات اللي توثق كلامي
أخرج هاتفهُ واجرى إتصالاً ليفعل خاصية مكبر الصوت كي يشارك الجميع المكالمة،كاد عمرو أن يتحدث لولا إشارة فؤاد التحذيرية له والتي جعلته يخرس ليستمع الجميع لصوت أيمن الذي تحدث بصوتٍ رزين:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار
-أهلاً بحضرتك يا أيمن بيه...نطقها بصوتٍ جاد ليسترسل على عُجالة:
-أنا في بيت عمي غانم الله يرحمه وقولت لهم على اللي حصل كله،بس طبعاً مش مصدقيني، فياريت تحكي لهم اللي تعرفه، هما سامعينك
وقبل أن يتحدث قاطعه عزيز بصوتهِ الغاضب ليصيح مشككًا:
-حيلك حيلك يا عم الشبح، هما خدوهم بالصوت ليغلبوكم ولا إيه؟،إحنا اصلاً منعرفكش علشان نعرف الأخ اللي بتكلمه ده، مش يمكن يكون أراجوز مأجره علشان يقول بوقين حمضانين يأكد بيهم الهبل اللي جاي تضحك علينا بيه ده؟
-إتعلم تتكلم باحترام مع الناس المحترمة ده أولاً، وبعدين إسمع وإنتَ ساكت لأنك متعرفنيش،أنا مش بتاع كلام، أنا رجُل أفعال...نطقها فؤاد بقوة ونظرات توحي لغضبه ليهتف أيهم الحافظ لصوت أيمن حيث قابله بالمشفى ومن قبل عدة مرات حينما كان يسكن مع شقيقته:
-ده صوت أيمن بيه يا عزيز، لو ركزت فيه هتفتكره لما قابلنا في المستشفى
رمق شقيقه بحدة ليصدح صوت أيمن عبر مكبر الصوت بما أرعـ.ـب الجميع:
-لو فيه عندك مشاكل أنا ممكن أكلم لك قوة من الأمن تيجي تحميكم لحد ما تخرجوا من البيت بسلام يا فؤاد باشا
ارتعبت منيرة وعزيز وأيضًا وجدي الواقف بشرود ليهتف فؤاد بامتنان حاد وكلمـ.ـا.تٍ مقصودة:
-متشكر يا أيمن بيه،دي مهما كانت عيلة مراتي وأنا مش حابب أدخل الشُرطة بينا
واسترسل قائلاً:
-ياريت حضرتك تقول اللي تعرفه علشان ما ناخدش من وقتك ونعطلك عن شُغلك
بدأ أيمن بقص ما لديه قائلاً بتفسير:
-كلام فؤاد باشا كله صح،سيادة المستشار إتجوز إيثار بعد ما طلبها من بباها في أخر زيارة كانت ليه في القاهرة عند إيثار، والحاج غانم وإيثار كانوا خايفين علشان الوصاية بتاعة يوسف، فـ سيادة المستشار إقترح إن الجواز يكون بعقد موثق عند محامي وعليه شهود ومكتوب فيه المهر ومؤخر الصداق، والحاج غانم الله يرحمه وافق، وانا كنت واحد من اللي شهدوا على العقد وإمضتي وكل بياناتي موجودة عليه
واستطرد للتأكيد:
-وأظن واحد بمنصب فؤاد علام ومنصب والده الكبير مش محتاج يألف قصة، لا ويجيب فيها شهود زيي وزي مستشار في الدولة علشان يغش ناس بسيطة زيكم
انتهى أيمن من قول شهادته التي وثقت حديث فؤاد وأثبتت صحته لتهتف الأم وهي تهز رأسها بتيهة وعدm تصديق:
-أنا بنتي متعملش كدة أبدًا، إيثار متكـ.ـسرش إخواتها الرجـ.ـا.لة ولا تضيع إسم أبوها وتحط راسه في الطين
-وإيه اللي عملته إيثار يخجل، هي عاقلة ورشيدة واتجوزت بعقد موثق عند محامي،وبعدين بقول لحضرتك أبوها كان حاضر توثيق العقد،وبالأمارة الكلام ده حصل من أخر زيارة ليه للقاهرة لما قعد يومين في شقة إيثار،نفس تاريخ العقد هو هو نفس زيارته للقاهرة... كلمـ.ـا.ت نطقها وهو يُخرج العقد من جيب معطفه ليريه للمأذون الذي تحدث بعدmا قرأه وقارن بين بيانات البطاقة الشخصية والبيانات المرفقة بالعقد تحت ترقب الجميع بحواسٍ مشـ.ـدودة:
-العقد صحيح وبيانات الزوجة هي نفسها اللي موجودة في البطاقة الشخصية
هتف طلعت بعينين تطلق شزرًا:
-يعني إيه الكلام ده؟
اختطف أيهم العقد من يد المأذون ودقق النظر به تحت تحذيرات فؤاد من تمزيقه وإخبـ.ـاره بوجود نسخة أصلية أخرى لدى المحامي، ليتحدث الأخر بذهولٍ وهو ينظر لتوقيع شقيقته:
-دي إمضت إيثار، أنا عارف خطها وامضتها كويس
-إمضت مين يا عم أيهم ،هي هتهب منك إنتَ كمان ولا إيه؟، الكلام ده محصلش،إيثار بتاعتي ومفيش مخلوق هيقدر يلمسها غيري، ده انا أهد الدنيا وأخربها على دmاغ الكل... هكذا تحدث عمرو بجنون الغيرة ليجذبهُ شقيقه الأكبر بعدmا رأه يقترب من فؤاد وينتوي لكمه،ليتحدث بعقلانية بعدmا وجد الاصوات تتعالى وتتداخل ببعضها ليتراشق الجميع بحرب الكلمـ.ـا.ت التهديدية:
-إهدوا يا جماعة،اللي هيفصل في الموضوع ده هي إيثار نفسها، حد يطلع ينده لها وهي تقول لنا إذا كان العقد ده حقيقي ولا مزور
هتفت إجلال بنبرة جادة:
-عين العقل يا طلعت،إطلعي يا أم عزيز إندهي لبنتك علشان تفض المسخرة دي
هتف عزيز بثقة تامة وهو يرمق ذاك الغريب:
-أنا متأكد إنك مزقوق علينا، بس ورحمة أبويا اللي دmه لسه مبردش في تربته ما هرحمك، ولاحاسبك على كل كلمة قولتها في حق أختي وشرفها
ليكمل عمه على حديثه:
-شرف بنت اخويا والخوض في عرضها مش قليل يا افندي، ومهما كنت مين وابن مين لازم تتحاسب، بس الاول نتأكد من بنتنا إن كلامك كله افترى وبعديها ييجي وقت الحساب
ابتسم ساخرًا بهيأة تدعوا للتساؤل ليقول بثقة هائلة:
-الفيصل بينا كلام إيثار، وبعدين خوض في شرف إيه اللي بتتكلم عنه، بقول لك متجوزها بعلم أبوها
مال الرجل برأسه ليقول بحكمة:
-أخويا الله يرحمه كان عاقل وانا بثق فيه، ولو إيثار أكدت على كلامك يبقى هو شاف فيك الراجـ.ـل اللي هيحمي بنته وعمل الصح
هتف عزيز بحدة موجهًا حديثه إلى والدته الواقفة تنظر بأرضها بذهول لينهي تلك المهزلة بعد كلمـ.ـا.ت عمه التي أثارت حنقه:
-إنتِ لسه واقفة يا أما، إطلعي إندهي للهانم خلينا ننهي الليلة السودة دي
إرتبكت منيرة وصعدت إلى الغُرفة المحتجزة بها إبنتها لتجد نسرين تجلس فوق الفراش وهي تهز ساقيها وتتطلع على تلك الممددة أرضًا بشمـ.ـا.تة والحقد يملؤ عينيها،تحدثت بصوتٍ خافت:
-إطلعي بره واقفلي الباب وراكي يا نسرين
وقفت ترمق تلك الممدة باستسلام شزرًا قبل أن تخرج وتتركهما بمفرديهما لتقول الاخرى بصوتٍ مرتجف يتمنى نفيها لتلك القصة:
-فيه راجـ.ـل تحت معاه عقد جواز وبيقول إنه إتجوزك من شهرين بعلم أبوكِ
نزلت كلمـ.ـا.تها على أسماع الاخرى لتشتت عقلها وباتت تسترجع الكلمـ.ـا.ت مرةً أخرى حتى استوعبها عقلها،لترفع رأسها تتطلع عليها بعدmا كانت متحاشية النظر لها لتتساءل بجبينٍ مُقطب:
-إنتِ بتكلميني أنا؟!
-هو فيه حد غيرك معايا في الأوضة يا بنتي...جملة نطقتها باستهجان لتسألها الأخرى مستفهمة بعدmا استندت على كفيها لتجلس:
-راجـ.ـل مين ده؟!
-واحد إسمه فؤاد، بيقول إنه وكيل نيابة...وما أن نطقت باسمه حتى ارتعب جسدها لتلتمع أعينها بوميض الأمل واللهفة بعدmا سردت والدتها عليها ما حدث بالأسفل بمنتهى الغباء لتهب الأخرى واقفة ولم تنتظر حتى والدتها لتفتح الباب وهي تهرول إلى الدرج لتلحق بها منيرة بهلع ،نزلت من الدرج وهي تتلفت بعينيها باحثة عنه وما أن رأتهُ يقف كالأسد المغوار حتى تنفست كمن وجدت ضالتها بعد تيهة، نظر على حالتها المزرية بقلبٍ صارخ، عينيها المنتفخة وأنفها الذي تصبغ باللون الاحمر مما جعله يتيقن بكائها الشـ.ـديد والمستمر لمدة طويلة،بقايا دmـ.ـو.عها الجافة والعالقة بأهدابها مزقت كيانه،هتف بنبرة عالية كي ينبهها:
-متخافيش يا إيثار، أنا جيت علشان أخدك ونروح بيتنا خلاص، أنا خلاص قولت لهم إنك مراتي ووريتهم عقد جوازنا اللي كتبناه من شهرين عند المحامي وكان شاهد عليه عمي غانم الله يرحمه
كانت تنظر إليه بعقلٍ مشتت وعدm استيعاب لما يحدث من حولها، هرول عليها ليمسكها من ذراعها ويُدخلها بأحضانه محتويًا إياها مما جعل الدmاء تفور داخل عروق ذاك العمرو الذي هجم عليه ليسحبها باتجاهه متحدثًا:
-شيل إيدك عنها لاكـ.ـسرها لك
بحركة أجادها لوى ذراعهُ الذي تجرأ ولمسها به وبلحظة كان ظهره مواليًا له ليلف ذراعه الاخر حول عُنقه في حركة باغتتهُ وشلت حركتهُ،إقترب من أذنه وهمس بفحيح كالأفعى الغاضبة وهو يشـ.ـدد من لويه ليد الآخر مما جعله يأنُ من شـ.ـدة الألم:
-أقسم بالله العظيم لو إيدك القذرة لمستها تاني لاكون دافنك مكانك
ليستطرد بقوة وغيرة اقتحمت جسده وحولته لكتلة من اللهب:
-فلو حابب تحافظ على عُمرك وعلى اللي باقي لك من كرامتك تبعد خالص عن مراتي.
تألم لشـ.ـدة قبضة فؤاد فوق ذراعها الملتوية بقوة وأكثر ما أثار جنونهُ هو نسب حبيبتهُ لهْ ليهتف صارخًا:
-سيب دراعي يا أبن الـ، بسُبابٍ نائي استطرد هاتفًا قاصدًا شقيقه:
-إتصل بابوك ييجي يعرفه مقامه ابن الـ.... ده
اسرع شقيقاه إليه محاولين تخليص شقيقيهما من بين قبضة ذاك الغاضب ولكن هيهات، فقد كانت قبضته حديدية صعبت عليهما إنتشال ذاك الحانق ليهتف صارخًا وهو يتلوى يمينًا ويسارًا محاولاً التملُص منه:
-إنتوا واقفين تتفرجوا عليه،إمسكوه وارموه في الجبل للديابة تاكل جتته
هتفت إجلال بقوة واشتعال بعدmا رأت مدلل قلبها يتلوى صارخًا كـ الهِرة في قبضة الأسد:
-ورحمة أبويا الحاج ناصف واللي عمري ماحلفت بيه باطل،لادفعك ثمن اللي بتعمله ده غالي قوي
اقترب عزيز واضعًا يده فوق قبضة فؤاد في محاولة منه بالمساعدة ليهتف حانقًا:
-هو أنتَ محدش قادر يلمك، سيب الجدع إيده هتتكـ.ـسر، إنتَ في بيت محترم يعني يا تقعد بأدبك يا تاخد نفسك وتفارقنا
-وهو البيت المحترم يجبر مأذون بإنه يكتب كتاب راجـ.ـل غريب على ست متجوزة... نطقها ساخرًا ليقرر أخيراً ترك ذاك التافة ليدفعهُ بعيدًا عنه ليتلقاه طلعت ساندًا إياه قبل سقوطه أرضًا وذلك بعدmا رأى جسده مترنحًا أثر الدفعة القوية
أشار بسبابته متنقلاً بعيناه على الجميع ليستطرد مهددًا:
-إسمع يا شاطر والكلام للكل، إيثار اللي كنتم بتستقووا عليها زمان غير إيثار اللي قدامكم
وضع ذراعه ليحيط كتفها برعاية وبرغم ارتعاشة جسدها من لمست غريبًا عنها إلا أنها ولأول مرة تشعر بالأمان وبالسند بعد وفاة والدها وبدون إدراكٍ منها تشبثت بثيابه كما الغريق المتعلقُ بقشة نجاته، ليستكمل هو برجولة:
-من النهاردة اللي هيقرب من مراتي أو يوسف هيبقى كتب شهادة وفاته بإيده،وفؤاد علام مبيهددش،أنا بنفذ على طول
-طب مراتك وفهمناها،ده إذا كانت مراتك بجد ومش جاي عامل فيها سبع رجـ.ـا.لة علشان تنقذ حبيبة القلب اللي دايرة معاك على حل شعرها في مصر وأهلها هنا نايمين على ودانهم...كلمـ.ـا.ت لازعة تفوه بها ذاك الـ "نصر" الذي ولج من الباب الرئيسي للتو ويتبعه جيشًا من رجـ.ـاله المسلحين الذين يتبعوه أينما ذهب بعدmا هاتفته إجلال وقصت عليه ما حدث وطلبت منه الحضور الفوري ليسترسل بقوة وشراسة صقر بعدmا اخترق فؤاد بعينيه الغاضبتين:
-لكن تجيب سيرة يوسف ليه؟، يوسف ده ليه أب وجد بتتهز له شنبات في مصر كلها، ومن الشنبات دي أسيادك اللي فوقيك وبيرأسوك في النيابة
ليسترسل بابتسامة ساخرة:
-المصالح بقى يا.... صمت ليسترسل متهكمًا بما أخبرته به إجلال عبر الهاتف:
-مش وكيل نيابة باين؟
نطق كلمتهُ الآخيرة مقللاً من شأن فؤاد ليهتف الاخر بثباتٍ:
-أه وكيل نيابة وإتقابلنا قبل كده بس شكلك ناسي
نطقها قاصدًا واقعة محضر السُكر الخاصة بـ "عمرو" ليقطب الأخر جبينهُ وهو يعتصر ذاكرته للتذكر ليبتلع لعابه حينما تذكر بالفعل،باغته الاخر بذات مغزى وتهديدًا مُبطن:
-وقريب قوي هنتقابل في مكتبي، يا... يا سيادة النائب... نطقها بابتسامة ساخرة ليستطرد باستفزاز:
-أه وبالمناسبة،مسمهاش المصالح، المسمى اللايق عليكم هو"حاميها حـ.ـر.اميها"
نطقها وهو يُشير بأصابع كفيه بطريقة مسرحية لتشتعل عيناي نصر من وصفه "بالحـ.ـر.امي" أمام ذاك الجَمع الذي طالما إحترموه وهابوه والان وبكل بساطة يُنعت باللص أمامهم من ذاك الجريء،ليهتف بعينين غاضبتان:
-إنتَ عارف إنتَ واقف قدام مين ومين اللي إنتَ بتقل أدبك عليه ده؟
-آه طبعاً عارف،نائب برلمان فاسد واخد من وظيفته اللي المفروض يحمي بيها مصالح الناس ويخدmهم، ستار لأعماله المشبوهة... نطقها بقوة ليبتسم الأخر مرددًا بذات مغزى:
-مظبوط كلامك، وإنتَ بنفسك هتكون واحد من ضمن أعمالي المشبوهة
التفت لرجـ.ـاله ليهتف صائحًا:
-تعالى يا بقف منك ليه خدوه على الاستراحة بتاعة المواشي وارموه هناك على ما نخلص من كتب كتاب سيدكم عمرو وبعدها أفضى له
بلمح البصر كان يُجنب حلة بدلته ليظهر جراب الكتف ويسحب سلاحهُ منه ليشـ.ـد أجزاءه وبسرعة البرق كان يصوب فوهتهُ باتجاه دmاغ ذاك الـ نصر متحدثًا بتهديد مباشر:
-اللي هيقرب مننا خطوة واحدة هفجر له دmاغه
هتفت بنبرة حادة لتنبيه ذاك المتجبر قبل أن يتهور أحدًا من الطرفين وتتحول لمجزرة:
-قبل ما تتصرف بتهور لازم تعرف إن اللي واقف قدامك وبتهدده ده يبقى إبن سيادة المستشار "علام زين الدين" عضو هيئة المحكمة الدستورية العليا
ارتعب داخل نصر وانتفض قلبه حين استمع لإسم ذاك العَلم، الغني عن التعريف"علام زين الدين " ليوجه له الحديث بعدmا ابتلع ريقه:
-الكلام اللي بتقوله إيثار ده حقيقي؟!
ابتسم ساخرًا ليسألهُ بمراوغة:
-يفرق معاك؟
ارتجف جسد نصر وظهر الإرتعاب فوق ملامحهُ ليسترسل فؤاد بنبرة صارمة:
-خلى التيران اللي إنتَ مشغلهم دول يبعدوا عن طريقنا
على الفور أشار لهم نصر ليسحبوا أسلحتهم لتتشبث به بقوة وهي تنطق بدmـ.ـو.عها المتألمة وعينيها المتوسلة:
-هات لي إبني منهم يا فؤاد،أخدوه مني ومشفتهوش من إمبـ.ـارح
مالت برأسها تترجاه بعيناها لتتابع بشهقاتٍ متقطعة بفضل بكائها الحار:
-خليهم يدهولي يا فؤاد
شعر بعجزٍ أمام دmـ.ـو.عها التي نزلت على قلبهِ أشعلته،وشعورًا بالمرارة لم يتذوق لهُ مثيلاً من ذي قبل هاجمهُ،وعلى غرةٍ باغتهُ شعورًا بالغضب اقتحم جسده ولو خرج لحطم كل ما قابلهُ وحولهُ لجحيمًا،جذبها بقوة ليحتوي جسدها المنتفض رُعبٕا كي يحميها ولو باستطاعته شق صدرهُ كي يخبأها بداخله ليشعرها بالأمان لفعلها دون تردُد،تطلع عليها وبنبرة صوت تحمل أمان الدُنيا وحنانها نطق:
-متخافيش،مش هخرج من هنا غير بيكم إنتم الإتنين
هزت رأسها عدة مرات بـ.ـارتعاب بعدmا باغتها شعورًا عجيبًا بالامان برغم ما يدور حولهما من أجواءٍ تنذر بنشوب حربًا تنتظر على الأبواب،حول بصره إلى عزيز الواقف كالفرخ المبلول بعدmا استمع وتعرف على شخص ذاك الغريب ليرمقهُ بنظراتٍ جحيمية لو خرجت لفتكت به وحولته لرمادًا في الحال ليصيح بحدة وازدراء:
-إنتَ، هات الولد حالاً وبلاش تتحداني
حول عزيز بصره إلى نصر فاسترسل فؤاد بنبرة صارمة:
-إتقي شري ومتخلنيش احطك في دmاغي، أنا لحد الوقت عامل إعتبـ.ـار إنك اخو مراتي، لكن قسمًا بالله إن ما جبت الولد حالاً لاعيشك أسوء أيام حياتك
ارتعبت أوصالهُ وهتف بصوتٍ مرتبك لينأى بحاله من سخط ذاك المتجبر:
-الولد عند جده نصر
بصوتٍ صارم هتف فؤاد أمرًا نصر:
-إبعت هات الولد
برغم رعـ.ـبه من فؤاد إلا أنه تحدث بقوة ترجع لعشقه لحفيده:
-الولد إبننا،وطالما أمه اتجوزت يبقى جدته منيرة أولى بيه،وخلي القانون يُحكم بينا يا باشا
نطق كلمـ.ـا.ته ليحول بصره إلى عزيز أمرًا إياه بالتحدث ليصيح الاخر بكامل صوته وهو يرمق شقيقته بنظراتٍ إحتقارية لارضاء نصر والحظي بوعودهُ السخية:
-مش روحتي اتجوزتي من ورانا وجبتي لنا العار،من بكرة الصبح هاخد أمك والمحامي ونرفع قضية ضم حضانة
ارتعب جسدها وخرجت من إحتواء فؤاد ليجذبها ويُعيدها إليه من جديد بعدmا شعر بترددها ليُصيح بكامل صوته وهو يدس كف يده بجيب معطفه بعدmا جنب السلاح:
-كويس إنك فكرتني
ليسترسل ساخرًا وهو يُخرج ورقة آخرى وكأن جيوبه اليوم تحتوى على الورق الرابح:
-والله كنت ناسي
مد يده ليُلقى بالورقة في الهواء ليتابعها الجميع حتى استقرت على الارض وهو يقول:
-بمناسبة المحامي، الحاج غانم الله يرحمه كتب البيت والأرض اللي حيلته لـ إيثار
وبات يرمق أشقائها الثلاثة ووالدتها بازدراء:
-الله يرحمه كان عارف ندالتكم وحب يحميها من قلة أصلكم
اتسعت عينيها بتيهة،يا الله،كيف غفلت عن ورقة خلاصها التي تركها لها أبيها الغالي ولم تستعملها كسلاحًا يحميها من أولاءك الذئاب،يبدوا أن الله قد جعلها تغفل عنها خصيصًا كي يحميها من شر هؤلاء المحسوبين عليها أهلاً وما هم إلا بعصابة أرادوا بيعها في سوق النخاسة ليتربحوا من بيعتها،لو علموا أمرها لقبرها عزيز بأرضها وتخلص منها ليحصل على الأوراق،نظرت عليه بتشتُت متعجبة ليراودها سؤالاً باغت عقلها:
-كيف حصل على تلك الأوراق ومن أين علم بأمرها من الاساس؟!
في حين صرخ عزيز بعيناي تطلق سهامًا نارية من شـ.ـدة غضبه:
-إنتَ كده بقى لعبت في عداد عُمرك، وأنا لحد الارض والبيت ولا هيهمني منصبك ولا دياولوا، إن شالله تكون إبن رئيس الجمهورية نفسه ما انتاش خارج من هنا على رجليك
صاحت منيرة بقوة:
-إنتَ راجـ.ـل كـ.ـد.اب، غانم لا يمكن يكتب اللي حيلته للبت ويسيب الرجـ.ـا.لة من غير سند
مال وجدي على الورقة ليلتقطها وبدأ بقراءة محتواها لينطق فؤاد باستنكار:
-للأسف،الحاج غانم كان عارفكم كويس قوى
هز وجدي رأسهُ ليقول بحيرة وعدm استيعاب:
-أبويا لا يمكن يعمل كده،لا يمكن يخالف شرع ربنا ويكتب كل اللي حيلتنا لـ إيثار ويحرمنا من حقنا فيه
ليستطرد وهو يرمق فؤاد بتشكيك:
-إنتَ بتكذب وكل ده محصلش
هتفت بنبرة قوية مؤكدة كل ما قِيل على لسان فارسها بعدmا إطمأنت في وجوده:
-لا مش بيكذب،بابا فعلاً كان شاهد على عقد جوازي من فؤاد،وقبل زيارته ليا كتب لي كل اللي حيلته بيع وشرا عند المحامي محمد عبدالسلام مسعود،واهو موجود في البلد وتقدروا تروحوا تسألوه وهو هيأكد لكم الكلام
شعر وكأن روحهُ تحومُ هائمة بسماء العشق بعد أن أكدت على حديثه ليتطلع أيهم إليها بشرودٍ تام وحيره من أمره، هو يعلم جيدًا أن الكذب ليس من طبع شقيقته ليهتف عزيز باشتعال روحه وهو يرى أحلامهُ تنهار حلمًا تلو الأخر:
-والله لو حلفتوا لي من هنا للسنة الجاية ماهصدق إن أبويا كتب لها كل اللي حيلتنا وخد شقانا ورماه في حجرها
واستطرد باستنكار:
-ولا إنه جوزها بعقد عند محامي،ولو فعلاً جوزها لك زي ما بتقول،كان هيخبي علينا ليه؟!
أجابهُ بمنطق:
-لسبب بسيط جدًا، وهي حضانة يوسف اللي ممكن تروح منها لو إتجوزت بعقد رسمي عند مأذون
بنبرة حادة ووجهٍ ساخط نطقت إجلال بجبروت:
-وأهو اللي خباه إتعرف ويوسف مش هيخرج من بيت جده
حولت بصرها لترمق إيثار باحتقار وهي تتابع بعينين تطلقُ شزرًا:
-مش إختارتي راجـ.ـل علشان تترمي في حُضنه أخر الليل من غير ما تعملي حساب لإبنك؟
لتسترسل بقسمٍ حاد:
-ورحمة أبويا ولا يكون إسمي إجلال بنت الحاج ناصف ماهتشمي ريحة يوسف تاني طول ما فيا نفس يا بنت غانم
ارتجف جسدها ليميل عليها ويهمس بجانب أذنها لبث الأمان بداخلها:
-إهدي وإوعي تسمحي لاي حد منهم يوترك أو يهز ثقتك بنفسك،ووعد مني،مش هنخرج من هنا غير ويوسف جوة حُضنك
لم تدري من أين تأتيها كل تلك الثقة به ولا مصدر ذاك الشعور بالأمان الذي يتغلغلُ بكامل حواسها من مجرد الإقتراب منه والإستماع لنبرات صوتهِ الذي أصبح مصدرًا للأمن والأمان،ما كان منها سوى الإنصياع لكلمـ.ـا.ته وكأنها فرمان جعلها تلتزمُ الصمت وتجاورهُ وهي مازالت تتشبثُ بثيابه كطفلة صغيرة بـ ولي أمرها،إلتف ليطالعها بنظراتٍ كـ ذئبٍ خبيث:
-مش هتخطي وجود جوزك زي ما إنتِ عملتي وهحترم وجوده ومش هرد على إهانتك لمراتي إحترامًا ليه
ليسترسل وهو ينظر إلى نصر بنبرة أمرة:
-إبعت هات يوسف علشان يرجع معانا القاهرة يا سيادة النائب
بابتسامة ساخرة رد عليه:
-أدهولك إزاي وإنتَ لسه قايلها بلسانك يا إبن الأصول، الحاج غانم جوزها لك في السِر زي الحـ.ـر.امية علشان حضانة يوسف متروحش منه
بنبرة قوية نطق بثباتٍ هائل:
- ومين قال لك إن حضانة يوسف هتروح من مامته،القانون بيقول إن بعد زواج الأم الحضانة تُنقل لأم الأم يا رجل القانون
ليستطرد ناظرًا لعزيز بتهديدٍ صريح:
-وأم الأم مش هتطالب بضم الحضانة لأن ظروفها المادية غير مؤهلة لتربية الولد
واسترسل موضحًا بذات مغزى:
-وهتربية فين ومنين وهي مجرد ما هترفع قضية الضم هاجي بنفسي مع قوة من الشرطة وأستلم البيت والأرض وأحط عليهم حراسة
وتابع مسترسلاً بتهكم:
-لكن طول ما انتوا حلوين ومبتعملوش مشاكل تزعلوا بيها مراتي، البيت والأرض هيبقوا بتوعكم لحد ما الولد يتم السِن القانوني، وساعتها إيثار هتنقل ملكية كل حاجة وترجعها لكم تاني
-لا والله كتر خيرك وخيرها...نطقها عزيز وهو يرمق كلاهما بحقدٍ ونظراتٍ لو خرجت لأشعلت بهما النيران على الفور، لولا ارتعابه من منصب ذاك الغريب لفتك به وأنهى حياته وحياة تلك التي جلبت لهم العار على حد تفكيره بل ولم تكتفي عند هذا الحد،فقد استولت على كل ما ترك والده من ميراث عنوةً عن الجميع،شعورًا بالقهر أصابه ولأول مرة وما جعل الدmاء تغلي بعروقه هو صمته وابتلاعه لحسرته ومرارة حلقه مجبرًا دون أن يطـ.ـلق حتى صريخًا يعلن به عن قهرته
نطق نصر بكبرياء:
-طب ده بالنسبة لنسايبك،لكن إحنا ملناش ماسكة يا باشا، إحنا ناس سُمعتنا زي الفل وحالتنا المادية تخلينا نعيشه ملك، الواد هيفضل في حُضن أبوه لحد ما المحكمة تحكم لنا بالحضانة
بابتسامة ساخرة أجابه متهكمًا:
-هو أنتَ متعرفش قانون بلدك ولا إيه يا رجُل القانون،المفروض الولد يفضل مع أمه وسيادتك تقدm على طلب ضم حضانة براحتك وتستنى الحُكم
ثم ضيق عينيه مسترسلاً ليسألهُ بتخابث وتهكم:
-هو مش أبوه بردوا كان معمول له محضر سُكر في النيابة من كام شهر؟
ليهز رأسهُ متأثرًا بتصنُع وهو يتابع بطريقة تمثيلية:
-طب ده كلام يا سيادة النائب،أنهي محكمة دي اللي هتحكم بضم طفل لأب سُكري؟!
نطقها لتتحول ملامح وجهه من ساخرة لحادة كالصقر وهو يهتف بحدة:
-إيثار وإبنها في حمايتي ومش هخرج من هنا من غيرهم هما الإثنين، ولو مش عاوز شوشرة تبعت تجيب الولد حالاً وتسلمهولي
واسترسل مهددًا بنبرة صارمة وعينين حادتين كالصقر:
-وإلا هخرج من هنا أنا ومراتي على مكتب النائب العام بذات نفسه، وهقدm بلاغ في عضو مجلس الشعب اللي خـ.ـطـ.ـف أنثى متزوجة وأجبر المأذون على عقد قرانها من راجـ.ـل تاني،ولولا وصولي أنا جوزها في الوقت المناسب كان زمان الكتاب إنكتب
ابتلع نصر ريقه وسرت الرعشة بأوصاله ليتابع فؤاد بذات مغزى:
-الإنتخابات على الأبواب يا نصر بيه،وإنتَ مش ناقص شوشرة في بلد يا ويل اللي بيفقد فيها منصبه،بعيد عنك،بيبقى ملطشة للي يسوى واللي ميسواش،ناهيك عن بتوع الاموال العامة اللي بيجبوه من قفاه ومن أين لك هذا؟
نكس رأسه وشعر بالمذلة وهو ينظر إلى إجلال التي رمقته باحتقار لضعفه أمام ذاك الذي نصر إبنة غانم عليها وهي التي منت حالها واستعدت لإذلالها من جديد والدعس على كرامتها لتنتقم منها بشأن واقعة زجها بمدلل أمه داخل السجن والتي لم تتخطاها إلى الآن
صمتٍ مُريب أصاب الجميع ليقطعه عمرو الذي اتجه صوب أحد الرجـ.ـال المسلحين واختطف من يده السلاح موجهًا إياه صوب فؤاد بتهور بعدmا فقد صوابه وهو يرى حبيبته تحتمى منه خلف ظهر أحدهم،مما جعل الاخر يسحب إيثار ليخبأها خلف ظهره لحمايتها أولاً وبسرعة البرق كان يوجه فوهة سلاحه باتجاه رأس عمرو،بدورها ثشبثت بثيابه محتمية به وقلبها ينتفض رُعبًا على فارسها الهمام الذي أتى لينقذها من بيت الأشرار،ليجن جنون عمرو الذي تحدث باشتعال بعدmا رأى ذاك المشهد المدmي لقلبه:
صمتٍ مُريب أصاب الجميع ليقطعه عمرو الذي اتجه صوب أحد الرجـ.ـال المسلحين واختطف من يده السلاح موجهًا إياه صوب فؤاد بتهور بعدmا فقد صوابه وهو يرى حبيبته تحتمى منه خلف ظهر أحدهم،مما جعل الأخر يسحب إيثار ليخبأها خلف ظهره لحمايتها أولاً وبسرعة البرق كان يوجه فوهة سلاحه باتجاه رأس عمرو،بدورها ثشبثت بثيابه محتمية به وقلبها ينتفض رُعبًا على فارسها الهمام الذي أتى لينقذها من بيت الأشرار،ليجن جنون عمرو الذي تحدث باشتعال بعدmا رأى ذاك المشهد المدmي لقلبه:
-مالك شايف نفسك كدة ليه يَلاَ،عمال تؤمر وتتأمر وكأنك في بيت أبوك،اسمع إنتَ بقى خلاصة الكلام ونهايته يا دكر،والله العظيم لو ما سيبت إيثار وخرجت من هنا لاكون قـ.ـا.تلك وراميك للكلاب تنـ.ـهش لحـ.ـمك،وابوك اللي جاي تتحامى في إسمه ده مهيعرف لك طريق جُرة
-عمروووو...نطقها نصر البنهاوي بحدة ليستطرد صارمًا:
-إرمي الزفت اللي في إيدك ده وإبعد نفسك عن الموضوع ده خالص
-إسمع كلام أبوك يا شاطر وارمي السلاح ليعمل لك واوا في إيدك و روح استخبى في حُضن أمك...نطقها فؤاد متهكمًا مما جعل الأخر يجن ويشـ.ـد أجزاء السلاح استعدادًا لاطـ.ـلا.ق النار بعدmا فقد اتزانه وهو يرى حبيبة عمره تحتمي بذراع ذاك الغريب منه،صرخت وخرجت من خلفه لتقف أمامهُ بانتظار إخراج الرصاصة من فوهة المسدس ليجذبها سريعًا ويُعيدها خلف ظهره من جديد ليهتف بصوتٍ صارم وهو يوجه السلاح باتجاه عمرو:
-خليكِ ورايا وإوعي تتحركي
ليسترسل بعينين تطلق شزرًا موجهًا حديثه إلى عمرو المشتعل:
-لأخر مرة هحذرك وهقول لك إرمي السلاح من إيدك قبل ما أفجر لك دmاغك بطلقة تخلصنا منك وتحسر أمك عليك
بسرعة البرق وقف نصر أمام نجله ممسكًا بفوهة السلاح ليهتف حانقًا بعدmا افقدهُ نجله الإمعة اتزانه:
-إنتَ اتجننت،هات الزفت ده واقف زيك زي الكرسي
جذب السلاح من يده عنوةً عنه واسترسل وهو يناوله للرجل متوعدًا له:
-حسابك معايا بعدين
نكس الرجل رأسه ليستطرد وهو يتطلع إلى طلعت بصرامة:
-هات يوسف من البيت وسلمه لسيادة المستشار يا طلعت خلينا نخلص
-إنتَ بتقول إيه يا نصر؟!... نطقت بها "إجلال"بتعجب وجنون لينظر لها بمعنى أن تصمت وبالفعل صمتت لتجبر فؤاد وتهديداته المباشرة لزوجها، كاد عمرو أن يهتف باعتراض لكنه ابتلع حديثه حينما رأى نظرات والده الحارقة قبل أن يقوم بصفعه بقوة ألمته و.جـ.ـعلته يشعر كم هو صغيرًا وقلل من مقامه أمام غريمه
هتف فؤاد بذكاء وهو يخطر طلعت قبل خروجه:
-أحب أنبهك إن والدي سيادة المستشار عارف إني موجود هنا أنا ومراتي
ليسترسل بذات مغزى:
-ده من باب العِلم بالشئ
رمقه طلعت بنظراتٍ نارية ليتحدث نصر بعدmا قرر بينه وبين حاله تجنب إثارة حنق ذاك القوي:
-متخافش يا باشا،إحنا ضيوفنا بنشيلهم على راسنا من فوق، ولو جنابك زورتنا في ظروف غير دي كنت شفت كرم الضيافة على أصوله
ابتسم متهكمًا وهو ينطق ساخرًا:
-لا ما أنا شفت بعيني يا سيادة النائب
ليسترسل بقوة وصرامة:
-بس أحب اقول لك إن فؤاد علام مابيخافش غير من اللي خالقه
استقل طلعت سيارته وانطلق بها بسرعة فائقة ليجلب الصغير بينما كانت الاجواء مشحونة ليهتف عزيز موجهًا حديثه لتلك المختبأة خلف فؤاد:
-كل ده يطلع منك،ولعتيها وزي عادتك خسرتينا كل حاجة، لعبتي على الراجـ.ـل الغلبان وخلتيه كتب لك كل اللي حيلته؟
-أنا عمري ماطلبت من بابا أي حاجة،هو اللي عمل ده من نفسه علشان يحميني،كان عارف إن بمجرد مـ.ـو.ته هتتكاتروا عليا وتبعوني لنصر وإجلال علشان يذلوا فيا من جديد...كلمـ.ـا.ت نطقتها بنبرات صوتٍ تأنُ ألمًا لينشطر قلب فارسها عليها وهي تسترسل:
-واللي حسبه هو لقيته أنا،حتى مدتونيش فرصة أحـ.ـز.ن على ابويا
خرجت من خلفه لتجاوره الوقوف وبدأت تتطلع على أشقائها الثلاث وتلك التي من المفترض أنها والدتها،تألمت وهي تنظر بأعينهم المتهربة لتنطق:
-من النهاردة مش عاوزة أشوف وش حد فيكم،مش بس وشوشكم اللي مش عاوزة اشوفها،أرقام تليفوناتكم هعمل لها بلوك،عقد البيت والارض هيفضلوا معايا لحد يوسف ما يكمل السِن القانوني زي ما فؤاد قال،وبعدها هرمي لكم عقودكم تشبعوا بيها
رفعت سبابتها لتُشير به في وجوههم جميعًا:
-وأي دقة نقص منكم والله العظيم ما هعمل للدm اللي بينا حساب
رمقتها منيرة باشمئزاز وهي تقول:
-بقى واقفة بكل بجاحة تهددينا في قلب بيتنا وتتحامي في الغريب
-ده مش بيتك، ده بيتي أنا...نطقتها بحدة لتسترسل وهي تتشابك بأناملها لتلتف على أصابعه مما جعل قلبه ينتفضُ بقوة وهو يتطلع عليها منبهرًا بقوتها وأصالتها:
-واللي بتقولي عليه غريب ده يبقى جوزي اللي حماني من شركم
رفع قامته للأعلى وشعر بأنهُ سيد رجـ.ـال العالم وأقواهم،جاء دورهُ ليتحدث بقوة:
-أنا هكتب على مراتي رسمي وعند مأذون علشان أحفظ لها حقوقها
قطع حديث الجميع دخول ذاك الصغير الذي هتف بسعادة وهو يهرول إلى والدته:
-مامي
فتحت ذراعيها على مصراعيهما لاستقبال صغيرها الذي حُرمت منه يومًا كاملاً كنوعًا من الضغط عليها كي تستسلم وترضخ للعودة إلى ذاك للعمرو، حملت صغيرها واحتوته بذراعيها دافنة رأسهُ بصدرها،نظر الصغير إلى ذاك المجاور لوالدته ليهتف متعجبًا بجبينًا مقطب:
-شرشبيل؟!
إيه اللي جابك هنا؟!
ابتسم ليجيبهُ بهدوء:
-جيت علشان أخدك إنتَ ومامي
ضيق بين عينيه لتحتضنه إيثار باشتياق وهي تُقبل كل إنشٍ بوجهه،تنفس براحة لينظر للجميع وهو يقول بنبرة حذرة:
-أنا هاخد إيثار ويوسف وهخرج،ياريت قبل ما أي حد فيكم يتهور ويتصرف بغباء يفكر في العواقب
-متقلقش يا سيادة المستشار،إنتَ في حمايتي،يعني محدش هيتعرض لكم، تقدر تاخد إيثار ويوسف وتطلع من هنا بأمان... قالها نصر بهدوء عكس ما بداخله من استشاطة ليسترسل بنبرة تنبيهية:
-بس يكون في معلومك، إحنا هنرفع قضية نطلب فيها حضانة الولد، وأظن إن القانون كدة في صفنا، بما إن أمه اتجوزت فكدة الحضانة تسقط عنها، وإنتَ سيد العارفين بالقوانين
-حقك طبعاً، وحقي أنا كمان إني أقف في صف مراتي..نطقها بهدوء ما قبل العاصفة ليُشير بسبابته على الجميع بذات مغزى مسترسلاً بما جعل داخل نصر يرتعدُ خوفًا:
- وأحاول بكل قوتي إني أثبت إن أي حد منكم لا يصلح لاستلام حضانة يوسف، وبناءًا عليه الحضانة هترجع لـ إيثار
حمل عنها الصغير وحاوطها بذراعه يحتويها وتحرك بهما إلى المأذون مشيرًا بكفه بحدة:
-هات البطاقة
ناولهُ إياها بيدٍ مرتعشة ليتناولها منه لتهتف هي بعدmا تذكرت:
-هاتي تليفوني من عزيز يا فؤاد
أشار بعينيه ليرتعد الاخر وبسرعة البرق كان يُخرج الهاتف من جيب جلبابه ويسلمهُ إياه ليتحرك الاخر سريعًا صوب الخارج محتويًا حبيبته وصغيرها تحت صرخات عمرو الذي هتف بجنون:
-إنتَ هتسيبه ياخد مراتي وابني وتقف تتفرج عليه؟!
العقل بيقول نطاطي للريح وبعد ما تهدى نفكر... نطقها بتعقل ليهتف عزيز برعونة:
-والله العظيم لولا وجودك يا سيادة النائب لكونت طخيته وتاويت جتته في الجبل
إخرص يا عزيز، مش كل الناس ينفع معاهم طريقتك... قالها بنبرة حادة لتهتف إجلال بنبرة غاضبة:
-وده ينفع معاه أنهي طريقة بالصلاة على النبي؟!
-الصبر حلو يا ستهم...نطقها بتوعد.
هرول عمها خلفهما ليهتف بكامل صوته أمام المارة من أهل القرية:
-يا أهل البلد، الحاضر يعلن الغايب،أخويا غانم الله يرحمه جوز إيثار قبل ما يمـ.ـو.ت بأيام لسعادة وكيل النيابة فؤاد بيه
وقفت لتنظر لعمها وبجوارها ذاك المحاوط لكتفها ليقترب الرجل ليجاوره مسترسللً بزيفٍ لحماية وحفظ سيرة أخيه الحسنة وعدm الخوض بشرف ابنته:
-وانا كنت شاهد مع أخويا،أخويا جوزها علشان يطمن عليها قبل ما يمـ.ـو.ت وكان ناوي يقول للكل بس المـ.ـو.ت كان أسرع، وبنت اخويا الوقت قاعدة في مصر في بيت جوزها وتحت حمايته
توقف المارة وباتوا يتطلعون على ذاك الرجل وهيأته الجذابة وسيارته الفارهة بأعين متسعة،لكنهم تعجبوا كيف تزوجت وكـ.ـسرت قواعد وجبروت "نصر البنهاوي" ليقترب منهم الجميع مقدmين التهاني للعم والعروسان تحت ارتياح قلب فؤاد واستحسانه لتصرف العم الحكيم، اما هي فنظرت إلى عمها تشكره بامتنان ليقترب منها محتضنًا إياها وهو يقول بصوتٍ حنون:
-خلي بالك من نفسك ومن ابنك، واسمعي كلام جوزك وصوني عشرته، واضح إنه إبن ناس وشاريكِ، اللي يقف في وش نصر وجبروته يبقى راجـ.ـل بجد
-ربنا يخليك ليا يا عمي...نطقتها بدmـ.ـو.عها التي انهمرت من فرط حنينها ليربط عليها الاخر،تنفس فؤاد ليشكر الرجل واتجه يفتح لها الباب الأمامي لتجلس ثم وضع الصغير فوق ساقيها لتحتضنه مقبلة إياه بجميع أنحاء وجهه بتلهف،اما نصر وعزيز وجميع الماكثين بالداخل فاشتعل جسدهم من تصرف العم الحانق سوى وجدي وأيهم ونوارة
تحرك واستقل مقعد القيادة لينطلق بسرعة فائقة خارجًا من تلك القرية الملعونة،نظرت إليه وبكل معاني الامتنان حدثته:
-مهما اتكلمت وشكرتك قليل على اللي عملته معايا، معروفك هيفضل فوق دmاغي ولو عيشت عمري كله أشكرك مش هقدر أوفيك حقك
جميل إيه بس اللي بتتكلمي عنه يا إيثار...نطقها بابتسامة هادئة ليستطرد مازحًا بغمزة من عينه اليُمنى هزت كيانها:
-وبعدين هو فيه شُكر بين الراجـ.ـل ومـ.ـر.اته
ابتسمت بعد أن اعتقدت أن البسمة قد فارقتها للأبد، لتسألهُ متعجبة غير منتبهة لذاك المسحور الذي انتفض قلبه أثر ابتسامتها وجلوسها بسيارته:
-أنا مش فاهمة حاجة،إزاي وإمتى عملت كل ده؟!
قطبت جبينها لتستطرد مستفسرة:
-وعرفت منين إن إخواتي حابسيني هنا وهيجبروني على كتب الكتاب؟!
تنهد بهدوء ونظر للصغير فوجده قد غفى يبدوا أنه منهك كـ والدته وكان يبكي أيضًا لبعده عنها لذا غفى بمجرد عودته لأحضانها وشعورهُ بالامان،فتح فاههُ ليقطع حديثهُ رنين هاتفه الذي صدح ليجيب في الحال وهو يقول بهدوء:
-أيوا يا عزة
اتسعت عينيها ليكمل هو:
-إطمني،هي راجعة معايا في العربية ومعانا يوسف
عزة؟!...قالتها بفاهٍ مفتوح بذهولٍ
فلااااش باك
عودة للأمس
بعدmا أغلقت الهاتف مع منيرة باتت تجوب المكان ذهابًا وإيابًا وقلبها يغلي من شـ.ـدة رُعبها على ابنتها التي اعتبرتها عوضًا من الله عن العائلة التي لم تحظي بتكوينها،استمعت إلى صوت رنين هاتف المنزل لتهرول عليه وبعجالة كانت تُجيب:
-مين معايا
نطق ذاك الجالس بغرفته ليقول بصوتٍ هامس:
-أنا أيهم يا ست عزة
-إيثار عاملة إيه طمني عليها...نطقتها بتلهُف لينطق الاخر:
-انا بكلمك بخصوصها،روحي لـ أيمن بيه خليه يلحقها، عزيز خلاص اتجنن ومحدش قادر عليه، زي ما يكون ماصدق إن ابويا مـ.ـا.ت علشان يفرد ضلوعه علينا ويتحكم في الكل
سألته بنبرة حادة:
-طب وإنتَ واخوك فين من عمايله السودة دي، ما تقفوا له وتنقذوا الغلبانة اختكم من إيده
-مش هينفع يا ست عزة،عزيز كان هيضـ.ـر.بني من شوية وانا بحوشها من إيده... نطقها بجُبن لتهتف بنبرة ساخطة:
-خايف على نفسك ومش صعبان عليك أختك، والنبي إيثار مبلية بيكم كلكم، كتكم الهم إخوات بالإسم وبس
-روحي لـ أيمن واحكي له وخليه يتدخل بس قبل صلاة العشا بكرة...قالها بصوتٍ خجول متألم لتهتف بحدة:
-طب يا أخويا كتر خيرك،إقفل وانا هتصرف
اغلقت الهاتف لتقف لدقيقة تفكر لتهتف وهي تهرول باتجاه غرفة إيثار:
-أنا عرفت هعمل إيه وهروح لمين
فتحت خزانة الثياب لتُخرج عقد المنزل والارض الذي منحه غانم لإبنته وكعادتها قصت لها ما دار بينها وبين أبيها واخبرتها بكل التفاصيل لتتنهد براحة،
أما ذاك العاشق فقد حاول الإتصال بها مراتٍ عديدة وبكل مرة يجد بها الهاتف مغلقًا وبالأخير رجح غلقها للهاتف كي تريح عقلها وجسدها المنهك بسبب ما مرت به طيلة الثلاثةُ أيام المنصرمة
صباح اليوم التالي كانت تقف أمام مبنى النيابة العامة التابع لمنطقتهم والتي علمت عنوانه من إيثار حين تم استدعائها أثناء التحقيق بقضية محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري"وايضًا بقضية تهجم عمرو،هرولت بداخل المبنى لتسأل رجل الامن قائلة باستفسار:
-بقول لك إيه يا اخويا، أنا عاوزة اقابل وكيل النيابة فؤاد بيه ضروري
-قصدك فؤاد بيه علام؟...قالها بتساؤل لتنطق هي بعفوية:
-معرفش إسم أبوه، بس اللي اعرفه ان ابوه راجـ.ـل كبير قوي في البلد
-هو فؤاد بيه...نطقها بتأكيد لتسألهُ بلهفة:
-طب دخلني عنده يسترك ربنا
نطق الرجل برفضٍ ليقول معللاً:
-مينفعش يا ست،لازم يكون عندك استدعا من النيابة ومتحولة عليه،وبعدين فؤاد بيه ده تقيل قوي ومش أي قضية بتتحول له، وهو عنده قضية كبيرة جوة بيحقق فيها ومش فاضي
بعد مجادلات إستمرت لعدة دقائق رفض دخولها بشـ.ـدة خرجت لتجاور رجل الأمن الخارجي الجلوس لتنتظر خروجه بعد أن طلبت منه أن يُشير لها على شخصه ويرجع ذلك لعدm معرفة شكله،انتهت ساعات العمل الرسمية وهي جالسة لمدة ست ساعات لم تكل من الانتظار لأجل ابنتها،بعد قليل أشار لها الرجل على ذاك الجذاب الذي يخرج بهيبة ويجاورهُ رجلاً يحمل عنه حقيبته لتهرول عليه وهي تقول:
-يا فؤاد بيه،إلحقني يا فؤاد بيه
قطب جبينه ورفع نظارته الشمسية ليدقق النظر بها لتجيب تساؤل عينيه:
-أنا عزة،اللي بشتغل عند إيثار،اللي بربي لها يوسف
انتفض قلبه حين استمع لاسم حبيبته الغائبة منذ الأمس والتي حاول الإتصال بها لمراتٍ عديدة دون استجابة ليخمن بغلقها الهاتف ونومها نظرًا لما عانته من ألام وأحزان طيلة الأيام المنصرمة ليقرر أن يذهب لمنزلها للسؤال والإطمئنان عنها لكن عزة سبقته وأتت هي إليه،وقفت تقص عليه ما حدث لينتفض قلبهُ رُعبًا عليها ووقف يفكر فيما سيفعل وبعدها طلب منها العقد ليحتفظ به، هرول إلى سيارته وقام بفتح بابها الأمامي ليهتف قائلاً بعدmا راودته فكرة سيقوم بتنفيذها لإنقاذها:
-إقعدي إستنيني في العربية على ما أدخل جوة هعمل حاجة واجي لك
-هتعمل إيه جوه يا اخويا،بقول لك البت اخواتها حابسينها وهيرجعوها للمنيل إبن إجلال غـ.ـصـ.ـب عنها،تقولي هتدخل جوه؟!...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة لتسترسل متسائلة بتهكم وهي تحتوي فكها بكف يدها:
-هو مش إنتَ بتحبها بردوا ولا كنت بتلعب بيها يا ابن الإصول؟!
بعينين مشتعلتين نطق بسخطٍ:
-بقول لك إيه، أنا أكتر حاجة بكرهها في حياتي هي الرغي والرغايين، يا تسمعي الكلام وتستنيني في العربية، يا تتفضلي ترجعي البيت وتستني مني خبر
ابتلعت لعابها من هيأته وعاد هو للمبني واتجه نحو الأرشيف ليخرج منه ملف قضية إغتيال أيمن ليحصل على ورقة بها إمضائها وبيانات البطاقة الشخصية الخاصة بها ليهرول سريعًا إلى الخارج ليتجه إلى أيمن بصحبة عزة بعدmا أخبره بالهاتف،جلس واتفق معه على كتابة عقد موثق بتاريخًا قديم وطلب منه الشهادة وأخبره أنهُ قد تقدm لخطبة إيثار وبأنهما أضطرا لتأجيل الموضوع نظرًا لوفاة والدها،وافق أيمن على المشاركة في تلك القصة التي ستنجي تلك المسكينة وستخرجها من براثن هؤلاء الاشرار وذلك بعدmا تيقن من نية فؤاد،أوصل عزة للمنزل ثم ذهب لمحامي صديقه وطلب منه كتابة عقد بصيغة قانونية قام بالتوقيع عليه أيمن وسيادة المستشار شريف صديقه
إنتهاء الفلاش باااااك
نظر لها وتابع قائلاً:
-المحامي كان صديقي خليته يكتب العقد بصيغة قانونية وبتاريخ قديم،ومضى عليه الباشمهندس أيمن وسيادة المستشار شريف علشان العقد يبقى له قيمة قدام إخواتك
سألته باستغراب:
-طب وإمضتي؟
تنهد ليجيبها بإيضاح:
-بالنسبة لإمضتك المحامي جاب لي فنان تشكيلي يعرفه،رسم إمضتك بحيث اللي يشوفها لا يمكن يفرقها عن الحقيقية
-ومنين جبت إمضتي؟...سؤال وجيه وجهته له ليجيبها بابتسامة:
-من أقوالك في محضر حادثة محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري "
تحدثت بابتسامة واعجاب:
-ده انتَ مسبتش أي حاجة للصدفة
-شغلي علمني تحري الدقة في أبسط الأمور...ثم
تنهد ليتحدث بجدية:
-على فكرة يا إيثار، إحنا لازم نتجوز بجد وحالاً
اتسعت عينيها بدهشة ليسترسل مفسرًا قبل أن ترفض متعللة بوفاة والدها:
-مش هيسبوكي في حالك، اللي اسمه نصر ده شكله مش سهل، هيحاربك بأقذر الطُرق علشان ياخد منك يوسف، علشان كده لازم نتجوز رسمي وفورًا، لأنه أكيد هيدور ورانا ولو عرف إننا مش متجوزين بجد هيستغل النقطة دي ضدك، ومش بعيد يخلي إخواتك يقدmوا فيكي بلاغ ويبهدلوكِ، وساعتها للأسف مش هقدر أساعدك، لأن ببساطة مليش أي صفة
تحدثت بتيهة:
-بس أنا لو سمعت كلامك واتجوزنا يبقى بسهل له مهمته وبقدm له حضانة إبني على طبق من دهب
واستطردت مذكرة إياه بتبريرهُ لطلبه المهين:
-مش ده كان كلامك ليا؟
تنهد بثُقل حينما ذكرته بما حدث بينهما في الماضي ليتحدث بانكسار:
-إنسي كل اللي قولتهولك قبل كدة وخلينا نفكر في اللي جاي
اتسعت عينيها لتسألهُ بعقلٍ مُشتت:
-يعني إيه؟ إنتَ كنت بتكذب عليا لما قولت لي إن عمرو هياخد حضانة إبني بمجرد ما اتجوز رسمي؟
التف إليها لينطق سريعًا نافيًا إتهامها له:
-لا طبعاً مكنتش بكذب، حتى إسألي أي محامي صغير هيأكد لك كلامي
سألته مستفسرة بعدmا فقدت تركيزها:
-طب ولما هو كدة، إيه اللي خلاك تغير كلامك الوقت؟
أجابها وهو يتابع الطريق:
-لأني ساعتها مكنتش أعرف ظروفك بالظبط
واسترسل قاصدًا قصته مع نجلا:
-وفيه أسباب تانية هقولها لك بعدين،ده غير إن موضوع العقد اللي بباكي كتبه لك قوى موقفك وعززه،وقضية السُكر بتاعت طليقك نقطة قوى بالنسبة لك، زائد إن من النهاردة هبتدي أدور ورا نصر وأكيد هلاقي ثغرات تملكنا من رقبته وتخلينا نكسب القضية بسهولة
اكمل بإبانة:
-من الاخر كده مش عاوزك تشيلي هم حضانة يوسف وإعتبري الموضوع منتهي، المهم الوقت إننا نعدي على أي مكتب مأذون شرعي ونكتب الكتاب
تعمقت بالنظر لمقلتيه وبرغم الألم التي تشعر به بسبب الهاجس الذي اقتحم مخيلتها بأنه كان يكذب عليها بشأن الحضانة ويرجع هذا لتشتتها لكل ما حدث لها اليوم وعدm تركيزها وتفكيرها بشكلٍ صحيح، إلا أنها استرسلت بامتنان:
-جميلك هيفضل طوق في رقبتي مش هيحلني منه غير المـ.ـو.ت
لتسترسل رافضة:
-بس أنا مش هقدر أتجوز واخسر إبني،أنا هعرف أحمي نفسي كويس منهم وكفاية إني هعيش مع إبني في سلام
تنهد بضيق وتحدث بدهاء بعدmا استشف من حديثها إستحالة موافقتها،فالوقت ليس بصالحهما ولا يوجد رفاهية لديهما للجدال:
-سيبك من أي كلام فرعي وفكري في مستقبل إبنك ومصلحته،نصر مش هيسيبك في حالك، وأظن إنتِ شوفتي بنفسك نفوذه وسطوته وتحكمه في اخواتك، ده أمرهم يحبسوكِ ويبعدوا ابنك عنك علشان يبتزوكِ وتوافقي مرغمه على جوازك من الحـ.ـيو.ان الي اسمه عمرو، تخيلي بقى لو اخواتك عرفوا إن الراجـ.ـل اللي إدعى إنه جوزك وإنتِ خرجتي معاه ورافقتيه في عربيته، واكتشفوا إن كل ده كذب، هيعملوا فيكي إيه؟
شردت بصحة حديثه ليستطرد مستغلاً تشتتها:
-ده غير إن أنا الوحيد اللي في إيدي أساعدك وأخلى يوسف ميسبش حُضنك
-بجد هتساعدني في موضوع حضانة يوسف؟... سؤال وجهته له بتلهف ليجيبها بتأكيد بعدmا استشف بداية مبشرة:
-أكيد لما تبقي مراتي رسمي هحارب الدنيا كلها علشانك، ولو وصلت إني استخدm نفوذي وده اللي عمري ما عملته ولا أتبعته، لكن هستخدmها علشان أحافظ عليكِ إنتِ ويوسف
شعرت بصدق حديثه وارتجف جسدها حين استشفت العشق من شعاع عينيه مما جعلها تبتلع لعابها، سألها مجددًا بعدmا شعر باستجابتها:
-قولتي إيه يا إيثار، نعدي على مكتب مأذون شرعي نكتب الكتاب وتروحي معايا على بيتي وتبقى في حمايتي إنتِ وابنك
صف سيارته بجانب الرصيف ليستطرد بصوتٍ خفيض:
-ولا أوصلك لشقتك؟
ضمت صغيرها الغافي وقربته أكتر من صدرها بحماية وبدى على ملامحها التشتُت والضياع ليستطرد هو برجولة متفهمًا تخوفها:
-أنا عارف إنتِ بتفكري في إيه ومش عاوزك تخافي، جوازي منك هيكون لغرض الحماية ده في الوقت الحالي لأني مراعي ظروف وفاة والدك وتشتتك من اللي حصل من إخواتك،ولو حصل واتجوزنا هتقعدي مع يوسف في أوضة مخصصة ليكم لحد ما تجي لي بنفسك
ثم تعمق بعينيها واسترسل بكلمـ.ـا.تٍ خرجت منه مرغمًا:
-ولو مش عاوزاني أقرب منك نهائي أنا هحترم ده، أنا أه بحبك وعاوزك بجنون، بس أكيد مش بالشكل ده
تحمحمت لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ بعيدة كُل البعد عن ما تشعر به الآن تجاهه من عِشقٍ لكنها مضطرة لقوله لحفظ كرامتها فقط:
-لو طلبت منك إن الجواز يكون بمدة معينة لحد ما أظبط أموري وأعرف أأمن نفسي أنا ويوسف توافق؟
-موافق...أومأ برأسه وهو ينطقها بصوتٍ مختنق برغم تيقنه من شعورها تجاههُ وكشفه لما بداخلها عن طريق عينيها التي افصحت عما بقلبها من عشقٍ جارف له لتسأله هي من جديد:
-وطول المدة دي مش هتلمسني، يعني العقد هيكون صوري
صرخ داخله مطالبًا إياها بالرحمة لقلبه المسكين، تلاشت نظراته العاشقة مبتعدة ببصرها لينطق بصوتٍ رجولي:
-زي ما تحبي،وعاوزك ت عـ.ـر.في إن مش أنا الراجـ.ـل اللي اتطفل وأجبر مراتي على معاشرتي، لو هي مش عوزاني أكتر ما أنا عاوزها يبقى متلزمنيش حتى لو كانت روحي فيها
ابتلعت لعابها واحتقرت حالها لنطقها لتلك الكلمـ.ـا.ت الجارحة لذاك الشهم لكنها معذورة،فلابد من تأكدها من جديته بقصة الزواج منها فبالاخير هي منذ قليل كانت ستباع بسوق النخاسة بأيادي أشقائها فمن أين ستأتي بالثقة الكاملة بالأخرين؟!
نظر لها متعمقًا بعينيها بنظراتٍ تصرخ غرامًا علها تشعر بولهه لتبادلهُ إياها بخجلة وتسحب بصرها عنه باستحياء،قاد سيارته من جديد ليصفها عند أقرب مأذون شرعي جاء بطريقهما ونزلا وعقدا القران تحت سعادة قلب فؤاد الذي تنفس وشعر أخيرًا براحة اجتاحت كيانه بعدmا اطمأنت روحه،استقلا السيارة من جديد لينظر إليها وينطق بعينين يملؤهما العشق والوله:
- مبروك يا حبيبي،عقبال ما ترضي عني وتدخليني جنتك
ابتلعت لعابها خجلاً وسحبت نظراتها بعيدًا عنه ولولا ظروف وفاة والدها الحبيب وخجلها لارتمت داخل أحضانه لتحتمي بداخلها وتُريح روحها المُتعبة،ابتسم لرؤية خجلها وتشتت عينيها ليتابع بصوتٍ سعيد مُبهج:
-خلينا نروح على القصر علشان نتعشى سوا،أنا ما أكلتش طول اليوم وأكيد إنتِ كمان ما أكلتيش
ابتسمت وهزت رأسها بخفوت ليقود سيارته متوجهًا صوب قصر والده الفخم لينطق بهدوء:
-عزة هتجي لك بكرة علشان هتقعد معانا،أنا بلغتها تجمع لك حاجتك الضرورية إنتِ ويوسف وأي حاجة تحتاجوها أنا هجيبها لكم
-متشكرة يا سيادة المستشار...نطقتها بصوتٍ رُغمًا عنها خرج مبتهجًا ليقاطعها بغمزة من عينيه:
-إيه سيادة المستشار دي كمان،أنا جوزك، يعني تدلعيني وتقولي لي فؤادي
واستطرد مازحًا ليخرجها من كل التـ.ـو.تر التي عاشته بالايام الماضية والذي ترك أثرًا كبيرًا ظاهر بملامحها وصوتها الحزين:
-ولا اقول لك، قولي لي شرشبيل
ضحكة سعيدة إنطلقت رغمًا عنها ليسعد قلبهُ لرؤيتها بهذا الشكل،قطع حديثهما وصولهما لباب القصر ليدلف بالسيارة بداخل الحديقة بعدmا فتحت البوابة إلكترونيًا،باتت تنظر حولها بذهولٍ من شـ.ـدة جمال تلك الحديقة ومساحتها الشاسعة وذاك البناء الشامخ،لمحت رجلان وأمراتان يجلسون حول حوض السباحة ويبدوا من هيأتهم أنهم عائلته
توقف بسيارته وترجل ليتجه للباب الاخر ويفتحه ليحمل عنها الصغير حيث مازال غافيًا ويضع رأسه على كتفه ثم بسط يده ليحتوي كفها بين خاصته وتحرك بها نحو أعين عائلته الذين قضبوا أجبانهم متعجبين ذاك المشهد الغريب، من تلك التي تُمسك بكف فؤاد ومن هذا الصبي الذي يحمله على كتفه،أقبل عليهم ليتحدث فؤاد موجهًا حديثه لتلك التي سيقـ.ـتـ.ـلها الخجل وهو يُشير إلى عائلته:
-تعالي أما أعرفك على عيلتي، ده سعادة المستشار علام باشا زين الدين،ودي والدتي، الدكتورة عصمت الدويري
واسترسل مشيرًا لشقيقته بابتسامة حنون:
-أما الاستاذة فدي فريال أختي الوحيدة، وده جوزها دكتور ماجد
أومأت برأسها بابتسامة خجلة كتحية منها ليقابلوها باستغراب وأعين تملؤها ألاف التساؤلات،ليقطع فؤاد شرودهم حين اقترب منها ليضمها إليه بعدmا لف ذراعه حول كتفها باحتواء تحت ارتعاشة جسدها لينطق بعينين تشعُ سعادة وقامة مرتفعة:
-ودي إيثار، مراتي.
↚
كرِهَ النساءَ وقرر مقاطعتَهُن والنأيَ بحالهِ من براثِن ألاعيبهِن بعدmا عاشرَ إحداهُن وأزاحَ الستارَ عن وجهِها القبيح،لتترسخ بذهنهِ فكرةُ أن جميعَهُن فارغاتُ عقلٍ وطامعاتٌ وجُل ما يدور بمخيلتهِن هو الحصولُ علي المالِ بأيةِ وسيلةِ وفقط،إلى أن إلتقى بها،تلك المهرةُ الجامحةُ التي قابلت غرورَهُ بتمردٍ وشراسةٍ أعجباه، لم تسحرُها طلتهُ كغيرٍها من النساءِ اللواتي يُلقينَ بأنفسهِنَ عليهِ لشـ.ـدةِ جاذبيتهِ ولقوةِ شخصيتهِ المتفردةِ،حتى نفوذهِ وثراءُ عائلتِهِ الفاحشان لم يحركا ساكنها، فقررَ مشاكستها للإيقاعِ بها كي يتسلى ويثبتَ لحالهِ عدmَ فقدهُ للسيطرةِ على الجنسِ الناعمِ ، فانقلبَ السحرُ على الساحرِ وبدلاً من إيقاعِها جذبتهُ بعفويتِها وبرائتِها وتمردِها ليسقطَ صريعًا لغرامِها ولم يدري كيف ومتى ذابَ وعَشقَ تلك التي سلبته عقلَهُ،جُل ما باتَ يشعرُ بهِ أنهُ يتوقُ للغوصِ ببحرِها ليصلَ لأعماقِ كيانِها ويمتلكها ويكونُ خيالًا لتلك المهرةُ الأصيلةُ التي استطاعت تغيير تلك الفكرةُ الراسخةُ وإزاحتُها من مخيلتهُ واخرجتهُ من ظُلمـ.ـا.تِ أفكارِه السوداءَ إلي نورِ شمسِها الساطعةَ،بذلَ الكثيرَ والكثيرَ لنيلِ ثقتِها بهِ التي فقدتها على يدهِ، واستطاع إنقاذَها من بينِ براثنِ الثعالبَ الماكرةَ بعدmا تكاثروا عليها،فهل ستفتحُ له أبوابَ جنَتها على مصراعيها ليسطو على كيانها ويمتلكهُ ويصبحَ لحياتها شمسًا تمحو ظلامَها الحالك؟
أم أن لتلكَ العنيدةُ رأيًا أخر.
#أنا_لها_شمس
#بقلمي_روز_أمين
حاوط كتفها برعاية لينطق بفخرٍ رافعًا رأسه بشموخ متباهيًا بها وهو يقدmها لعائلته قائلاً بابتسامة أظهرت عشقه لتلك الجميلة:
-ودي إيثار، مراتي.
نزلت كلمـ.ـا.ته على عصمت وفريال وماجد لتُشتت عقولهم وتشل تفكيرهم ليدخلوا في حالة من الذهول التام،أما والدهُ فكان على عِلمٍ بزواجه مُسبقًا حيث أخطره عبر الهاتف على عُجالة وهو في طريقه إلى كفر الشيخ وبعث له عنوان منزل غانم ليضعه معه بالصورة، وبرغم اعتراض علام على زج ابنه لحاله بتلك القصة وتفاصيلها العجيبة إلا أنه احترم رغبته لإيمانه القوي بذكاء ورسوخ عقل ابنه وأيضًا لمس من بين كلمـ.ـا.ته المتلهفة لإنقاذها عشقًا جارفًا قد تملك من قلب نجله الحبيب ووصل لروحه،وأيضًا أخبرهُ بشأن الزواج قبل دخوله لمكتب المأذون الشرعي، لكنه لم يتوقع أن يأتي بها إلى هُنا بالوقت الراهن، فقد توقع تمهيده بالحديث عنها وتفسير ما حدث لوالدته وشقيقته اللتان صُدِمتا من واقع الخبر عليهما،تحمحمت وأنزلت بصرها للأسف بخجلٍ وكأنها للتو فاقت ووعت على حالها، فقد تشوش عقلها جراء الصدmة التي تعرضت لها اليوم و.جـ.ـعلتها لا تُحسن التصرف والتفكير،يا الله، كيف سمحت لحالها الدخول لهذا القصر العريق بتلك الحالة المزرية،هيأتها وجسدها الهزيل وهالات عينيها السوداء ناهيك عن ملابسها السوداء والتي لم تقوم بتغييرها منذ يومين، انتشلها من صدmتها وشرودها صوت علام الذي تحدث بابتسامة هادئة وهو يقوم بالترحيب بها كي يخرجها من حالة الخجل التي شملتها وظهرت بينة فوق ملامحها:
-أهلاً وسهلاً،نورتي البيت يا بنتي
ابتلعت ريقها لتخرج الكلمـ.ـا.ت منها بصعوبة وهي تجيبه بوقار لشخصه الكريم:
-متشكرة يا أفنـ.ـد.م
لازالت الصدmة تعلو على ملامح عصمت وهي تتطلع على تلك الواقفة بمقابلتها وتنظر لها تارة وتارةً أخرى لذاك الصغير الغافي بإطمئنان على كتف نجلها وكأنهُ ملاذه،نظرت إلى فؤاد لتسأله بتيهة:
-مراتك إزاي وإمتى؟
-هحكي لك كل حاجة يا حبيبتي، بس مش وقته
ليسترسل وهو يقربها عليه ويضمها باحتواء شمل روحها قبل جسدها:
-على فكرة،بابا إيثار إتوفى من أربع أيام
-البقاء لله يا بنتي...نطقها علام بتعاطف لتجيبهُ بقلبٍ عاد لينزف دmًا على عزيزه:
-لا إله إلاّ الله محمد رسول الله
فاقت عصمت على نظرات فؤاد اللائمة لتتطلع عليها وهي تقول بصوتٍ هادئ خالي من المشاعر جراء صدmتها:
-البقاء لله،الله يرحمه ويصبرك
-الدوام لله، متشكرة لحضرتك...كلمـ.ـا.تٍ نطقتها بالكاد لينطق ماجد المتعجب من كل ما يحدث من حوله:
-البقية في حياتك يا مدام، وأهلاً وسهلاً بيكِ
نطقت باقتضاب ونظرها للأسفل فلم تعد تستطيع النظر بأعينهم بعدmا وعت على المأزق الذي وضعها به ذاك الفؤاد فى غفلة منها:
-متشكرة
نظر علام لصغيرته يحثها على النطق ولو ببضعة كلمـ.ـا.تٍ بسيطة كي لا تزيد من شعور الخزي لدى تلك المستجدة بمنزلهم والتي أختارها ولده ليعلنها بين ليلة وضحاها زوجةً له،زفرت بضيق قبل أن تنطق بصوتٍ خالي من المشاعر وهي تقول بكلمـ.ـا.تٍ مقتضبة:
-البقاء لله
ردت عليها بهزة صغيرة من رأسها لينطق فؤاد بصوتٍ واضح عليه الحبور رغم صعوبة الموقف:
-الجناح اللي جنب جناحي نضيف يا ماما،لأن إيثار هتبات فيه مع يوسف لحد ما نظبط أمورنا بكرة
ابتلعت عصمت لعابها لتجيبهُ سريعًا بعدmا نبهها بعينيه:
-آه نضيف،سعاد لسه منضفاه إمبـ.ـارح هي والبنات
أراد أن ينهي ذاك اللقاء الغير لطيف كي لا يزيدها على حبيبته ليتسترسل بهدوء:
-كويس يا حبيبتي،ياريت تدي خبر للمطبخ يطلعوا لنا عشا خفيف في جناح إيثار ليا أنا وهي
-حاضر يا فؤاد...نطقتها بصوتٍ خافت لتسترسل حين رأت خجل إيثار وحـ.ـز.نها يملؤ عينيها:
-نورتي يا بنتي،ومرة تانية البقاء لله
-متشكرة...نطقتها بصوتٍ مندثر من شـ.ـدة خجلها ليحاوط خصرها بساعده القوي وهو ينطق بنبرة حنون:
-يلا يا حبيبي علشان ترتاحي
إلتفتت إليه على استحياء وكادت روحها أن تزهق من حركته المباغتة،يا لجرائتك، كيف لك أن تنطق بتلك الكلمة بكل ذاك السحر والحنان أمام الجميع دون حياء هكذا،تحركت بجانبه واتجهت أعين الجميع لتصاحبها حتى اختفت داخل بوابة القصر بصحبة ذاك المحتوي لها،خطت بساقيها لداخل القصر وباتت تتطلع عليه بذهول وعدm استيعاب لفخامة تصميمه المبهر وأثاثه الفخم،شعرت وكأنها ولجت لاحد القصور الملكية لشـ.ـدة فخامته وبلحظة حـ.ـز.ن داخلها وتيقنت أنها اتخذت الخطوة الخطأ، مابالها هي بالقصور وساكنيها،هي إيثار إبنة غانم الرجل الفقير إلى الله والذي عاش حياةً شاقة لم تخلو من المشاكل والصعوبات حتى ممـ.ـا.ته،استمعت لهمسه وهو يتوجه بها نحو الدرج ليقول بعدmا شعر بثقل حركتها:
-قادرة تطلعي ولا تستنيني أطلع يوسف وأجي أشيلك
تطلعت عليه بعيني لائمة لتسأله بعتابٍ حزين:
-ليه جبتني هنا؟
-خلينا نطلع ونتكلم فوق أحسن...نطقها بعينين أسفة لتقطع حديثهما صوت سُعاد رئيسة العاملات لتتحدث وهي تنظر لتلك الدخيلة:
-حمدالله على السلامة يافؤاد باشا
-الله يسلمك يا سُعاد...قالها بصوتٍ جاد ليسترسل:
-جهزي لنا عشا خفيف ليا أنا والمدام وطلعيه في الجناح اللي جنب جناحي
-حاضر يا باشا...واقتربت عليه لتستعد لحمل الصغير وهي تقول:
-هات الولد عن حضرتك وخليني أطلعه
بصوتٍ جاد أجابها:
-أنا هطلعه،إبعتي لي حد من البنات لجناح الهانم علشان تجهز لها الحمام
ليسترسل وهو يتطلع على أميرته:
-على فكرة، مدام إيثار تبقى مراتي، ياريت تبلغي الكل وعاوزكم تاخدوا بالكم منها كويس،كل طلباتها تتنفذ في نفس اللحظة
أجابته بتأكيد وقوة:
-أكيد طلبات الهانم أوامر يا سعادة الباشا،ألف مبروك يا هانم نورتي القصر
كانت تستمع لهما بعقلٍ مشتت،عن أي هانم تتحدث تلك البلهاء وعن أي أوامر،ابتلعت لعابها وهي تهز رأسها ببلاهة لتلك المرأة الخمسينية الوقورة والتي ترتدي ثيابًا فخمة كـ ثياب الطبقة المخملية،حثها على التحرك لتجاوره الصعود وكلما تفقدت مكانًا جديدًا بالقصر انبهرت أكثر،تحركا بالممر المؤدي إلى الغُرف المتعددة والتي من كثرتها لم تركز بعددها حتى وصلا لبابٍ معين ليقف ناطقًا بكلمـ.ـا.تٍ ذات مغزي وكأنهُ يمهد لها بما سيحدث بالمستقبل القريب:
-ده الجناح اللي هتقعدي فيه مع يوسف مؤقتًا
ليسترسل وهو يوجه عينيه إلى الباب المجاور ليقول بتمني:
-وده جناحنا اللي إن شاء الله هتجي لي فيه وقريب قوي
ليغمز بعينيه وهو ينطق بابتسامة رائعة:
-وبنفسك من غير أي ضغط مني
خجلت من نظراته الجريئة لها وكلمـ.ـا.ته التي تحمل معنى معين ليدير مقبض الباب المقصود ويتقدmها بالدخول،ضغط زِر الكهرباء ليشتعل الضوء وتظهر فخامة الغرفة ليتحرك ويضع الصغير بمنتصف الفراش ودثره جيدًا بالغطاء الوثير ليميل عليه واضعًا قُبلة حنون فوق وجنته الوردية ليتلمس شعر رأسه الحريري تحت نظراتها المتعجبة من شـ.ـدة حنيته على الصغير،نصب ظهره ليقول ومازال متطلعًا لوجه الصغير بحنين:
-شكله منامش كويس بقي له مدة
باغتتهُ بسؤالها والدmـ.ـو.ع قدّ اجتمعت بعينيها مع نظرة عتب تألمت لها روحه:
-ليه يا فؤاد،ليه تحطني في الموقف البايخ ده، ليه تعرضني للحرج ده كله قدام عيلتك؟!
نظر لها لتكُمل محملة حالها الذنب كله:
-الحق كله عليا، مكنش لازم أسمع كلامك،المفروض كنت روحت على بيتي
-هنا بقى بيتك خلاص،إنتِ مراتي...نطقها بصوتٍ متشوق قاصدًا بنظراته التي شملتها كل معاني تلك الكلمة التي هزت كيانهما وهو يُمسكها من ذراعيها لينتفض جسدها أثر لمساته ليسترسل مؤكدًا على ملكيتهُ لها:
-مكانك الطبيعي من النهاردة بقى معايا
هزت رأسها لتقول باعتراض:
-على الاقل كنت روحتني على بيتي أرتاح وانام وبعدها أجهز لمقابلة أهلك
أجابها مع هزات معترضة من رأسهِ:
-مكنش ينفع أغامر بأمانك وارجعك بيتك، هو أنتِ مشفتيش جنان الحقير اللي اسمه عمرو، ده رفع علينا السلاح يا إيثار،وأنا واخدك وماشي كان واقف زي المـ.ـجـ.ـنو.ن ولولا إن أبوه منعه الله اعلم كان إيه اللي هيحصل
واستطرد بإبانة:
-ده غير نصر نفسه، إوعي يغرك كلامه الناعم ورضوخه للأمر الواقع،ده كان مجبر على كده بعد كلامي وتهديدي ليه،لكن أنا متأكد إنه مش هيعدي اللي حصل بالساهل وهيحاول ينتقم
ليسترسل موضحًا:
-أنا حتى عزة خليت إتنين من الـ Body Guard أخدوها على أوتيل علشان تبات فيه وبكرة هيعدوا عليها وياخدوها للشقة علشان تجيب لك حاجتك الضرورية
-طب مفكرتش في نظرة أهلك ليا وهما بيشفوني لأول مرة بشكلي المؤرف ده...نطقتها بحـ.ـز.ن متجنبة جميع مبرراته المقنعة وكأنها لم تستمع إليها من الأساس لتسترسل بصوتٍ حاد حزين:
-هيقولوا إيه عليا
هتف بحدة ليقول والهلع بعينيه:
-طظ في كل حاجة قصاد أمانك، بالنسبة لي حمايتك إنتِ ويوسف أهم من أي شكليات فارغة
-بس...نطقتها لتعترض ليقضب كلمـ.ـا.تها بقوله الحاسم:
-خلاص بقى
وتابع بنبرة حنون وكأنهُ يطبطب على قلبها:
-يلا علشان تاخدي شاور وتاكلي،يومك كان طويل ومحتاجة تنامي علشان ترتاحي
فركت كفيها بخجل لتنطق بصوتٍ خفيض بعدmا أطرقت رأسها للأسفل:
-بس أنا مش معايا أي هدوم
لعن حاله ولامها،كيف نسي أمرًا مهمًا كهذا،تحدث بهدوء كي لا يحـ.ـز.نها:
-أنا أسف يا حبيبي، نسيت موضوع الهدوم ده خالص،كل اللي كان شاغلني إننا نوصل لهنا بالسلامة واطمن عليكم
واستطرد وهو يهم بالتحرك:
-هروح أجيب لك أي بيچامة من عند فريال أختي لحد ما أشتري لك بكرة كل اللي نفسك فيه
بحركة لا إرادية تمسكت برسغه بقوة لتحثه على التوقف ثم صاحت بعجالة بصوتٍ حاد معترض أظهر كم انزعاجها من الأمر:
-بلاش لو سمحت،مش عاوزة أتطفل على حد ولا أقلل من نفسي أكتر من كده
لتتابع بعيني سكنها الحـ.ـز.ن:
-عاوزني من أول يوم أضايق أختك واستلف منها هدوم؟
لتسترسل برفضٍ تام يرجع لحساسية الامر بالنسبة لها:
-وعلى فكرة، أنا الحمدلله عندي لبس كتير ومش محتاجة حاجة من حد
-بس أنا مش حد...نطقها ليقترب منها ويتابع بنظراتٍ عاشقة أثبتت مدى هيامه وحبوره وتفاخرهُ بزواجهما:
-أنا جوزك.
ارتعش جسدها لينتفض قلبها من مكانه وهي تستمع لكلمته الهائمة بكل ذاك الغرام المنطلق من عينيه لتتحمحم وتبتعد من شـ.ـدة حرجها جراء إقترابه المُهلك لروحها،ابتسم لتورد وجنتيها وراق لهُ تلبكها وبرغم كل ما أصابها من اقترابه إلا أنها ردت بخفوت:
-ياريت تسيبني براحتي
تنهد لينطق بعدmا قرر التوقف عن التلاعب بأعصاب تلك المنهارة:
-تمام،هروح أجيب لك بورنس من بتوعي تلبسيه وتنامي فيه لحد ما عزة تجيب لك حاجتك بكرة
أومأت له بموائمة لينسحب وما أن شرع بفتح الباب ليتفاجأ بالعاملة التي ارتعب داخلها وفُزعت بعدmا باغتها سيدها بفتح الباب،نطقت بـ.ـارتباك وصوتٍ مرتجف:
-أنا جاية أحضر الحمام للهانم يا باشا
إدخلي وحاولي مـ.ـا.تعمليش دوشة علشان الولد ميصحاش،وشوفي طلبات الهانم ونفيذيها لها فورًا...قالها بهدوء قبل أن ينسحب سريعًا لتدخل تلك العاملة وهي تتمعن النظر وتتطلع لترى من هي تلك المميزة التي استطاعت سرقة لُب سيدهم العازفُ عن الزواج منذ سنواتٍ عِدة، نظرت للطفل الغافي وتذكرت حديث العاملين بالمطبخ الذين فسر بعضهم نسوب الطفل إلى فؤاد لينكر البعض الأخر نظرًا لمظهره الذي يوحي بتعديه الست سنوات بينما كان متزوجًا ومستقرًا بحياته من تلك الـ "نجلا" ومن معرفتهم بطباع سيدهم القوة والوضوح والجرأة فمن كان سيمنعه من الإعتراف بطفله لو كان حقًا يخصه،راقبت إيثار نظرات العاملة المتفحصة للصغير لتنتبه على صوتها المتعجب وهي تسألها:
-فيه حاجة؟!
انتفضت الأخرى لتنطق بصوتٍ مرتبك متأثرًا بفزعها:
-سلامتك يا هانم،أنا جيت علشان أجهز لك الحمام
أومأت بتفهم لتدخل العاملة سريعًا وتختفي خلف باب الحمام
*********
عودة للأسفل
مازال الجميع مصدومين من واقع الخبر عليهم،نطقت فريال بحدة وعلامـ.ـا.ت الصدmة تملؤ وجهها:
-معقولة اللي فؤاد عمله،أنا مش مصدقة، يتجوز من ورانا،طب ليه؟!
لا وكمان داخل علينا بيها من غير ما يبلغنا
هزت عصمت رأسها لتقول بذهول:
-أنا كمان مش مصدقة،طب إمتى وإزاي عرفها؟!
قاطعها ماجد حيث تحدث بما جعل عصمت تنتبه وتتطلع عليه بترقب شـ.ـديد:
-السؤال المهم اللي لازم يتسأل الوقت يا دكتور عن الولد، هل الولد اللي كان نايم على كتف فؤاد بكل أريحية يبقى إبنه؟!
اتسعت عيني فريال لتنطق بنبرة حادة:
-إبنه إزاي يا ماجد،إنتَ إتجننت،فؤاد لا يمكن يعمل كده
رفع حاجبه الأيسر ليجيبها بما أربكها وشتت تفكيرها:
- يعني هو جوازه من ورانا ودخوله المفاجئ بمـ.ـر.اته بالشكل ده هو اللي كان متوقع منه؟!
زفرت لتنتبه عصمت لصمت زوجها،التفت تطالعه لتجده واضعًا كف يده على فكه وينظر للجميع بتمعُن،سألتهُ بجبينٍ مُقطب:
-إنتَ ساكت ليه يا سيادة المستشار؟!
-بسمع كلامكم يا دكتورة... نطقها بهدوء لتسألهُ بفطانة:
-إنتَ كنت عارف بجواز فؤاد، صح؟
أجابها بتلقائية وثقة:
-أكيد كان عندي عِلم بالموضوع،ما أنتِ عارفة فؤاد، مبيخطيش خطوة من غير ما يبلغني
جحظت عينيها بصدmة لتسألهُ بعيني حزينة لائمة:
-كنت عارف ومقولتليش يا علام!
أغمض عينيه باستسلام ليجيبها:
-هقول لك إمتى بس يا عصمت،فؤاد كلمني الساعة أربعة العصر وهو رايح يجيبها من عند أهلها من كفر الشيخ، وكتب كتابه عليها من أقل من ساعة واحدة
سألته بتوجس:
-هو فيه إيه يا علام؟، أنا ليه حاسة إن الموضوع مش طبيعي
تنفس عاليًا ليجيبها بقلبٍ مهموم:
-إحساسك في محله يا عصمت،الموضوع فعلاً مش طبيعي، البنت مطلقة والولد اللي معاها يبقى إبنها من جوزها الأولاني،فؤاد قال لي إن حماها السابق يبقى نائب في البرلمان وراجـ.ـل مفتري وليه سُلطة على إخواتها، وطليقها لسه عاوزها وبيحارب علشان يرجعها،وتقريبًا إخواتها متوافقين مع طليقها وكانوا ضاغطين عليها علشان يرجعوها له غـ.ـصـ.ـب عنها
نطقت فريال بذهول:
-يعني فؤاد متجوزها علشان ينقذها من إخواتها وأبو طليقها؟
لتسترسل مستفسرة:
-ولا بيحبها؟
أجابها بهدوء:
-معرفش يا بنتي،أخوكِ مقاليش تفاصيل كتير،لكن أكيد هييجي يفسر لنا تصرفه ويحكي لنا باستفاضة
اتسعت عيني عصمت لتنطق بعتابٍ حاد لزوجها:
-وإنتَ إزاي توافقه يحط نفسه في حرب متخصوش يا سيادة المستشار؟!
-ده على أساس إن إبنك صغير وأنا اللي هوجهه يعمل إيه وميعملش إيه؟!
واستطرد بإبانة:
-إبنك عاقل وأنا واثق فيه،ودي حياته وهو حر فيها
-يعني إنتَ موافق على جوازه بالطريقة دي؟!...نطقتها عصمت باستنكار ليجيبها بعقلانية:
-أكيد مش مبسوط وكنت اتمنى له جوازة من غير مشاكل علشان يستقر في حياته،لكن زي ما قولت لك،إبنك مش صغير وهو الوحيد اللي يقدر يقرر،ده غير إننا لسه منعرفش ظروف الجوازة دي إيه،مش يمكن تكون زي ما قالت فريال،ويكون متجوزها للحماية وهيطـ.ـلقها بعدين
أجابتهُ بنفي لروايته:
-لا يا علام،إبني بيحبها،نظراته ليها وضمته ضمة راجـ.ـل بيحب بجد
بذهول واستنكار قالت فريال:
-يعني يقعد كل السنين دي رافض فكرة الجواز وبنات العائلات اللي رشحناها له، علشان في الأخر يتجوز بالشكل ده، ومين، واحدة زي دي!
واستطردت بنبرة مستنكرة ويشوبها بعض التعالي يرجع أسبابه لعشقها الزائد لشقيقها التي طالما تمنت له أجمل وأرقى زوجة لتليق بذاك الوسيم والتي تراها أعينها فارس لا مثيل لهْ:
-هو أنتوا مشفتوش شكلها متبهدل إزاي؟!
بكلمـ.ـا.تٍ منطقية أجابت على تساؤلاتها التي لم تنل إعجاب تلك الخلوقة بما وجدت بها بعض التفكير الطبقي التي تبغضهُ:
-يا بنتي بيقول لك بباها متـ.ـو.في من أربع أيام،وكان عندها مشكلة مع إخواتها وطليقها، عوزاها تدخل عليكِ بسوارية وفول ميكب ؟!
عاتبها زوجها بعينيه كي تصمت وألا تنطق المزيد من كلمـ.ـا.تها العنصـ.ـر.ية التي تغضب والدتها لتزفر بقوة وهي تعقد ساعديها فوق صدرها ويبدوا على ملامحها عدm تقبلها للامر برمته
*********
عاد فؤاد من جديد ومعه الرداء الخاص بالحمام"البورنس"وبيدهِ أيضًا إحدى قطع الثياب لينطق بصوتٍ ناعم:
-جيبت لك بورنس من بتوعي تلبسيه بعد الحمام،ودي بيچامة بردوا من بتوعي علشان تنامي فيها، هما آه مقاسهم هيبقى كبير جداً بس أنا أخترت لك أقصر برنس عندي،بيوصل لفوق ركبتي بكتير فأكيد هيبقى طوله مناسب ليكِ
واسترسل بمزاحٍ كي يخرجها من حالة الحـ.ـز.ن تلك التي سيطرت عليها:
-على فكرة،إنتِ من النهاردة إسمك هينكتب في التاريخ
ضيقت بين حاجبيها لتنظر له بعيني مطالبة بالتوضيح ليسترسل بإبانة:
-مفيش مخلوق على وجه الأرض يجرأ يلمس هدوم فؤاد علام،حتى الشغالين ممنوع يمسكوهم بعد ما يتغسلوا،ماما الوحيدة اللي مسموح لها تستلمهم من الدراي كلين وتحطهم في دولابي
تطلعت عليه متعجبة ليتابع موضحًا:
-أنا أصلي موسوس شوية في موضوع النضافة وبالذات فيما يخص هدومي،فشوفي بقى غلاوتك عند فؤاد علام وصلت لفين
نطقت بإحراج رغم سعادتها من حديثه:
-أنا مش حابة أغير لك نظام حياتك وأتطفل عليك،حـ.ـر.ام ترمي الهدوم شكلهم لسه جداد،خدهم وأنا هدخل الحمام وهدي الهدوم للشغالة وعلى ما أخد الشاور تكون غسلتهم وجففتهم
-هو أنتِ فاكرة إني ممكن أقرف من الهدوم اللي هتلبسيها؟!...نطقها بعيني متعجبة تفكيرها ليميل عليها مقربًا شفتاه من اذنها ليهمس بما زلزل مشاعرها:
-إنتِ متخيلة إني هرميهم،ده أنا هستنى عزة تجيب لك هدومك بكرة بفارغ الصبر علشان أخد البورنس وألبسه وأشم فيه ريحتك
ليتابع بصوتٍ يهيم من الغرام ويفيضُ لينتفض جسديهما معًا:
-وأتخيلك إنك جواه معايا
من شـ.ـدة تأثير همسه عليها أغلقت عينيها رُغمًا عنها وكأنها أصبحت في عشقه مسلوبة الإرادة،ابتعد قليلاً ليستكشف وجهها بعدmا لاحظ صمتها وصوت تنفسها العالي لتتسع عينيه بصدmة إمتزجت بفرحة هائلة شملت روحه حين رأى مظهرها الذي يوحي بالهيام والتأثر،دون إدراكٍ منه اقترب ليضع قُبلة فوق شفتها السُفلى الممتلئة والتي خـ.ـطـ.ـفت بصره لينظر عليها كالمسحور،كاد أن يلمس جلد شفتها لكنها إنتفضت وفتحت عينيها سريعًا حين استمعت لصوت العاملة حيث هتفت قبل أن تخرج وتتفاجأ بذاك المشهد الرومانسي وهي تقول بصياحٍ:
-الحمام جاهز يا ها...
ابتلعت باقي جملتها في جوفها حين التفت فؤاد إليها بعيني غاضبة تكاد أن تحرقها بأرضها، تنفس بغضب ليهتف بحدة:
-اخرجي برة، وتاني مرة لما تبقي موجودة إبقي خرجي صوت قبل ما تطلعي وتفاجأينا بالطريقة دي
-حاضر يا باشا،أي أوامر تانية...نطقتها بـ.ـارتعاب وعيني زائغة ليهتف بنظرة حادة تكاد تفتك بها بعد أن أضاعت من بين يديه فرصة الحظي بأولى قُبلاته لاميرته الحسناء التي سكنت قصره بعد معاناة:
-خليهم يبعتوا العشا على هنا
انصرفت سريعًا واغلقت خلفها الباب لتنظر الأخرى إليه بخجلٍ لتحثه على الخروج فتحمحم لينطق وهو يُشير باتجاه الباب:
-أنا هاخد شاور في حمام جناحي وعلى ما العشا يجهز تكوني خلصتي إنتِ كمان
إكتفت بهزة من رأسها لينسحب هو للخارج بقلبٍ ملتاع تاركًا لها المجال كي تشعر ببعضًا من الحرية،تنفست الصعداء لتتحرك باتجاه صغيرها، مالت عليه وقامت بوضع قُبلة حنون فوق جبينه لتستقيم من جديد وتحركت لتختفي داخل الحمام واوصدته جيدًا،نزعت ثيابها بالكامل وتحركت باتجاه حوض الإستحمام المملؤء بالماء الدافئ والرغوة الكثيفة ورائحة الليمون المنعشة المنبعثة من سائل الإستحمام الفرنسي،غمرت جسدها بالكامل داخل المياة لتشعر براحة فورية،أغمضت عينيها وباتت تتنعم بالماء لتزيل عنها عناء ومرارة ما تذوقت
**********
عودة إلى محافظة كفر الشيخ وبالتحديد إلى منزل غانم
كانت الأجواء مشتعلة بعدmا ذهب ذاك "المغوار"الذي هجم عليهم وقـ.ـا.تل بكل قوته للفوز بتلك الجميلة وأخذها وترك خلفهُ نارًا مستعيرة لن تنطفأ سوى بالإنتقام،بعث نصر بأحد رجـ.ـاله ليستدعي المحامي المقصود ليسألهُ عزيز عن صحة العقود ليؤكد لهم صحتها وبأن والدهُ طلب تجهيزها منه قبل مرضه بعدة أشهر أي وهو بكامل قواه العقلية ليهتف عزيز بنبرة جنونية:
-هطعن بالتزوير على العقود وهقول إن أبويا كتبها وهو في أخر أيامه ومكنش عارف بيعمل إيه
قاطعه عمه لينطق بحدة ولوم:
-عاوزين تبهدلوا سيرة أبوكم بعد ما مـ.ـا.ت يا عزيز،مش أختك قالت لك مش هتعمل حاجة بالعقود، لازمته إيه الجنان اللي إنتَ فيه ده
هتف طلعت ليشعل النيران أكثر في قلب عزيز وعائلته:
-وهي اللي زي إيثار يتاخد على كلامها بردوا يا عم أحمد
قال أحمد بتعقل:
-مهو بالعقل كده يا سي طلعت، هي هتاخدهم تعمل بيهم إيه!
ليستطرد بما أشعل النيران بقلب عمرو وعائلته:
-دي العربية اللي جوزها راكبها تشتري نص بيوت بلدنا
صرخ عمرو وهو يرمقه بعيني تطلق شزرًا مما جعل الرجل يعود للخلف خشيةً من هيأته الجنونية:
-متقولش جوزها،أنا بكرة هروح أطعن في عقد جوازهم وأطلب الكشف عليه في الطب الشرعي، وديني لاحبسه
-إهدي يا عمرو، إهدى يا ابني ليجرى لك حاجة...نطقتها إجلال وهي تربت على صدره بقلبٍ مرتعب من هيأته الغاضبة لينطق نصر بنبرة صارمة أسكتت الجميع:
-بكرة الصبح طلعت يعدي على الست أم عزيز وياخدها هي وعزيز علشان ترفع دعوى ضم حضانة ليوسف، وده الحل الوحيد اللي هيكـ.ـسر إيثار ويرجعها ذليلة لحد هنا من تاني
ليستطرد بابتسامة شامتة:
-وبكدة كل مشاكلنا هتتحل، هي تطلق من وكيل النيابة المغرور وترجع لعصمة عمرو، ويوسف يرجع لحـ.ـضـ.ـننا،وبعدها هجبرها علشان تتنازل لكم عن الارض والبيت
تطلع أيهم على وجوه الجميع ليجد بها بداية موافقة فقرر اللعب على نقطة الطمع لدى والدته وعزيز ليهتف بنبرة حادة:
-ولو جوزها إتمسك بيها وقدر بمنصبه ومنصب أبوه الكبير يخليها تحتفظ بحضانة الولد
ليسترسل بتأكيد قوي أثار حفيظة نصر:
-وده اللي هيحصل أكيد، مهو مش معقول إبن عضو بـ.ـارز في هيئة المحكمة الدستورية مش هيعرف يحتفظ لمرات إبنه بحتة حضانة لإبنها!
ليصيح مدعيًا الغضب:
-تقدر تقولي يا سيادة النائب إحنا هنستفاد إيه من ده كله غير إننا هنخسر بيت أبويا وأرضه للأبد، ده إذا فؤاد علام محطناش في دmاغه وطفشنا من البلد كلها
أصاب هدفه بتلك الكلمـ.ـا.ت المسممة ليتغير وجه عزيز ومنيرة وأيضًا وجدي الذي تحدث بتعقل:
-أيهم بيتكلم صح،إحنا ملناش دعوة بالموضوع ده يا سيادة النائب،إنتوا كبـ.ـار مع بعض خرجونا إحنا بعيد عن موضوعكم
ابتسم نصر ساخرًا ليرمق كلاهما بتقليل وهو يقول:
-بيت إيه وأرض إيه يا أبو أرض إنتَ وهو، هو اللي عم غانم فايتهالكم ده ورث؟!
ليسترسل بغرور:
-ارفعوا القضية وليكم عندي بيت قد بيتكم ده مرتين وأرض قد أرضكم تلات مرات
هتفت منيرة لتقول برفضٍ تام يرجع لتعلقها الكبير بالمنزل:
-أنا مش هسيب بيتي مهما حصل،ده بيتي اللي عيشت فيه مع جوزي وولادي واتعودت عليه ومش هسيبه حتى لو هسكن في قصر مكانه
لوت إجلال فمها بسخرية ليتحدث المحامي الذي مازال متواجد يستمع إلى مخططات هؤلاء الأشرار بعيني غير مستوعبة لما ترى واذن تستنكر وتُدين بأشـ.ـد العبـ.ـارات:
-الكام قيراط اللي عم غانم سابهم كمان شهرين بالظبط وهيبقوا كنز
انتبه الجميع لوجود ذاك الدخيل ففد تناسوا أمره في زحمة انشغالهم بمشاكلهم ليسترسل بعدmا اتجهت جميع العيون صوبه:
-الحكومة قررت تعمل طريق جديد في الجهة الغربية،وجت نشرة في القسم التابع للمركز بالارض اللي هيتعمل عليها الطريق وأنا بنفسي شفتها لأن خالي عنده هناك كام قيراط،ومن حسن حظكم الطريق هيبقى قدامكم على طول، يعني الارض هتتحول من أرض زراعية بملاليم، لأرض مباني المتر فيها بالشئ الفُلاني
اتسعت أعين الجميع بمشاعر مختلطة،ذهول، سعادة، حقد، ضيق وغضب، كلٍ حسب الإستفادة ليهتف عزيز بعيني يشع منها الشرار:
-الخبر ده لو اتسرب لـ إيثار هتبقى مصيبة،أكيد هتمسك في الأرض بإديها وسنانها بعد ما سعرها هيعلى
كانت نوارة تنظر عليهم من فوق الدرج بقلبٍ يطير فرحًا لنجدة صديقتها من براثن هؤلاء الذئاب تجاورها تلك الحقود التي امتلئ قلبها بالحقد على إيثار،فمنذ بضعة ساعات كانت ذليلة ممددة على الأرض كأسيرة خاضعة تنتظر جلادها،فانظر كيف وأين أصبحت، فلم يكفيها زواجها من ذاك الوسيم التي رأته من مكانها ذاك بل وحُظيت بامتلاك جميع ممتلكات العائلة بل والادهى هو سعر الأرض الذي ارتفع لعنان السماء، انسحبت بهدوء كي لا تشعر نوارة عليها وتسحبت لغرفتها الخاصة داخل مسكنها لتضغط على رقم سمية بعد أن قررت الإتصال بها لتخبرها بما حدث لترد الاخرى بصوتٍ مشتعل يبدوا من نبراته أنها تبكي:
-عاوزة إيه يا اللي ما تتسمي إنتِ كمان
ابتسمت بشمـ.ـا.تة لتجيبها:
-الحق عليا إني بتصل بيكِ علشان اطمنك واقول لك مبروك،حبيبة جوزك فرقعته وادته صابونة وطلعت متجوزة في مصر
اتسعت عينيها بذهول لتهتف متسائلة سريعًا:
-إنتِ بتقولي إيه،بنت منيرة طلعت متجوزة؟!
هتفت بحقدٍ:
-ولو ت عـ.ـر.في طلعت متجوزة مين، دي واقعة على واحد أبوه تحت الرئيس على طول
بسعادة بالغة صاحت سمية:
-إن شالله تكون متجوزة من رئيس الجمهورية بذات نفسه، أهم حاجة إنها إنزاحت من طريقى وبعدت عن عمرو
واستطردت بلهفة:
-إحكي لي اللي حصل بالتفصيل وحلاوتك عندي
بدأت بقص ما حدث بالتفصيل الممل
بالاسفل وبعدmا ذهب نصر وعائلته وعم إيثار وأيضًا المحامي الذي اطلع منه عزيز على تفاصيل الخبر قبل رحيله،تحدث عزيز لشقيقاه ومنيرة:
-بصوا بقى،موضوع حضانة ابن إيثار ده ملناش دعوة بيه لا من قريب ولا من بعيد،منهم لبعض إن شالله حتى يولعوا في بعض
ثم حول بصره إلى أيهم ووجدي ليسترسل بتوصية:
-وإنتوا الإتنين،عاوزكم تكلموا اختكم وتحاولوا تقربوا منها وتعتذروا لها عن اللي حصل، واتمسكنوا عليها وقولوا لها إنكم هتضغطوا على أمكم وتخلوها تتنازل عن الحضانة قصاد تنازلها عن الأرض والبيت
أشار لهما بسبابته ليتابع بتنبيه:
-وكل ده لازم يحصل قبل ما الخبر بتاع الطريق ينتشر
تنفس أيهم واطمئن قلبه بعدmا اطلع على تفكير عزيز الطامع ليقول بنبرة أكثر عقلانية:
-متقلقش يا عزيز،أختك عمرها ما كانت مادية، ولو بتهمها الفلوس مكنتش سابت ملايين نصر وعز عمرو اللي كان مغرقها فيه وطفشت من خلقتهم
اومأ له الجميع بموائمة
داخل منزل نصر البنهاوي
دخل عمرو والشرر يتطاير من عيناه ليهتف بنبرة حادة:
-أنا هاخد الرجـ.ـا.لة واروح أجيبها هي وإبني، أنا متأكد إنها في بيتها
جذبه أباه من رسغه ليصيح ساخطًا:
-بطل جنان وخليك راجـ.ـل وفكر بعقلك ولو مرة واحدة في حياتك، إنتِ اتجننت يا ابني،إنتِ عارف اللي كنت هتضـ.ـر.به بالنار النهاردة ده يبقى إبن مين في البلد؟
جذب رسغه بقوة ليصـ.ـر.خ كالمـ.ـجـ.ـنو.ن:
-يبقى زي ما يبقى،أنا عاوز مراتي وابني،وإلا والله العظيم هقـ.ـتـ.ـله، سمعت يا سيادة النايب، هقـ.ـتـ.ـله واروح فيه في ستين داهية
نطقها بصراخ هيستيري لتسرع إليه إجلال وهي تقول بحدة لتهدأته:
-وحياة جدك الحاج ناصف اللي عمري ما احلف بيه باطل لاجيبها لك راكعة لحد عندك، بس إنتَ اهدى
كانت تستمع إليهم من أعلى الدرج والإبتسامة الواسعة تُنير وجهها القبيح.
**********
عودة إلى قصر زين الدين
بعد مدة من مكوثها داخل الحوض شعرت باكتفائها بهذا القدر لتقف وتسمح للمياة الجارية بأن تنساب على جسدها لتغسله من شوائب الصابون،خرجت لتجفف جسدها بالمنشفة ثم أمسكت البورنس وبدون إدراك قربتهُ من أنفها لتشم رائحته،تبسمت وأغمضت عينيها بهيامٍ ثم وعت على حالها عنـ.ـد.ما استمعت لبعض الطرقات على الباب الخارجي للغرفة وبعدها استمعت لصوت العاملة، ارتدت البورنس ولفت سريعًا شعرها بمنشفة كبيرة وخرجت لتجد العاملة تضع الصينية المحملة بطعام العشاء فوق الطاولة الموضوعة بمنتصف الحُجرة لتتوقف عن ما تعمل وهي تنظر بذهول وفاهٍ مترجل للتي خرجت للتو من الحمام وكأنها تحولت لأخرى،ما كل هذا السحر والدلال التي حظيت به تلك فاتنة الجمال،لتهتف المرأة دون وعي:
-بسم الله ماشاء الله،ده انتِ حلوة قوي يا هانم، والبورنس بتاع فؤاد باشا هياكل منك حتة
ابتسامة هادئة خرجت من ثغرها وهي تجيبها:
-متشكرة يا...
صمتت لتسألها مستفسرة:
-إنتِ إسمك إيه؟
على الفور أجابتها بعينين مازالتا منبهرتين:
-وداد، إسمي وداد يا هانم
لتسترسل متسائلة:
-تؤمريني بحاجة تانية؟!
-ميرسي يا وداد،بس ياريت تغسلي لي هدومي وتجففيها بسرعة وتجيبيها لي هنا...قالتها بهدوء لتنصرف الاخرى بعدmا أومأت بطاعة،تحركت لتطمأن على صغيرها الغافي ثم اتجهت من جديد لتصل إلى مرأة الزينة لتتذكر عدm وجود فرشاة شعر خاصة بها،أمسكت المنشفة وبدأت بتجفيف شعرها
أما فؤاد فقد نعم بحمامًا دافئًا أنعش روحه قبل جسده،اختار بنطال قُطني باللون الأسود وقميصًا بيتي بنصف كم لونهُ أبيض واتجه إلى طاولة الزينة،نظر لهيأته برضا كامل ثم أمسك زجاجة عطره ونثر من رذاذها ذو الرائحة النفاذة والمميزة، نثر بسخاء على ذقنهِ وعُنقه ومقدmة صدره ثم وضعها بمكانها من جديد ليُمسك بذقنه المهنـ.ـد.مة ويبتسم براحة،تحرك سريعًا وكأن ساقيه تسوقه لعندها،دق بابها ثم ولج بعدmا استمع لصوتها السامح بالدخول
ارتجف جسده تأثرا بهيأتها المثيرة وهو ينظر لوجهها المنير وشعرها الندي المفرود فوق ظهرها وهي تحاول تجفيفه بالمنشفة،ناهيك عن هيأتها المهلكة لقلبه فقد كان رداء الاستحمام بلونه الأسود رائعًا ومثيرًا عليها رغم كبر حجمه،جذبت انظاره ساقيها المتناسقتين ولون بشرتهما ناصعة البياض حيث كان الرداء يصل لما تحت الركبة بقليل مما أظهرهما بطريقة حبست أنفاسه ليبتلع لعابه بصعوبة جعلت من تفاحة أدm خاصته تتحرك صعودًا وهبوطًا وهو يقول بصعوبة بالغة وصوت خرج متحشرجًا:
-خلصتي الشاور؟
هزت رأسها بخفوت وهي تتهربُ من نظراته بعينين زائغتين،أراد أن يخرجها من خجلها هذا ليقول بعدmا قرر مداعبتها:
-هي إيثار فين؟
نطق كلمـ.ـا.تهُ بنظراتٍ متفحصة لكل ما بها ليخبرها كم أبهرته بسحرها الفريد،ابتسمت لتخفض عينيها بخجل لتزيحها عنه مع اشتعال وجنتيها بحمرة الخجل الشـ.ـديد مما ضاعف جمالها وسحر طلتها،تحرك إليها ليمد أناملهُ أسفل ذقنها رافعًا وجهها إليه لتلتقي أعينهم ليهمس برقة وحنان:
-هو أنتِ إزاي حلوة قوي كدة
تحمحمت لتنطق بصوتٍ يرتجفُ عشقًا ممتزجًا برهبة:
-إنتَ كده بتخل باتفاقنا،مكنش ده وعدك ليا
بتلاعُب همس أمام شفتيها وهو يجذب حزام البورنس بقوة ليقربها لجسده أكثر في حركة مباغتة لها جعلتها تشهق مع اتساع عينيها بقوة:
-ولا كان وعدك ليا إنك تبقي حلوة قوي كده وتطيري لي عقلي اللي طول عمري وانا بتميز بيه
تنفست لتظبط إنفعالاتها ثم قالت بتماسك أعصاب بصعوبة تحلت به:
-لو هتستمر في اللي بتعمله ده هاخد إبني وارجع بيتي
-إعمليها لو تقدري...نطقها بتحدي لعينيها ليتابع متحديًا قلبها:
-قلبك هيتمرد عليكِ،مش هيقدر يبعد عن فؤاده،حتى إسأليه وهو يأكد لك
اقترب عليها أكثر ليهمس أمام شفتيها بما بعثر كيانها ناهيك عن رائحة عطره الجذابة:
-وفيه نقطة مهمة الهانم شكلها ناسياها،إنتِ بقيتي حرم فؤاد علام زين الدين،يعني بقيتي ملكية خاصة لقلبي
-أرجوك تبعد يا سيادة المستشار،مينفعش كده...قالتها بصدرٍ يعلو ويهبط من شـ.ـدة لوعته لينطق بمكرٍ:
-اللي مينعش هو اللي إنتِ عملتيه فيا يا حرم سيادة المستشار
-إنتَ كده بتضغط عليا ومش سايب لي حتى فرصة اتنفس فيها...قالتها بعيني متوسلة ليجيبها بصوتٍ يشع غرامًا واشتياق:
-سيبي لي قلبك وإحساسك ومتخافيش،والله العظيم ما هتنـ.ـد.مي
أغمضت عينيها وكادت أن تستسلم لولا مخاوفها الكثيرة ورعـ.ـبها الذي سكنها هو من أشعل الإنذار داخلها لتفتح عينيها سريعًا وتضع كفيها على صدره لتمنعه من الإقتراب بعدmا وجدته يزحف باتجاه شفتيها وكاد أن يلتقطهما بخاصتيه لولا يقظتها باللحظة الأخيرة،هتفت بعيني عاتبة:
-من فضلك إبعد وخليك قد وعدك
لبى طلبها وعاد متراجعًا للخلف خالقًا مساحة بينهما جعلتها تلملم شتات نفسها المبعثرة،زفر ليطفئ نار قلبه المستعيرة وبلحظة عاد لوعيه ثم تطلع عليها ليلوم حاله على كـ.ـسر وعده لها من اليوم الأول
زفر بقوة متحدثًا بعينين أسفة:
-خلاص يا إيثار،صدقيني هبعد ومن اللحظة دي هحاول ما اتطفلش عليكِ ولا أضايقك
كادت أن تصرخ وتخبره أن إقترابهُ لم يزعجها على الإطـ.ـلا.ق،وبأنها لا تريد ابتعاده،وفجأة تعجبت لحالها،هل هي تعاني إنفصام بالشخصية!أم ماذا،هي تريده وبشـ.ـدة لكن تخشى إقترابه على الأقل بالوقت الراهن،يبدوا أن وفاة والدها وما حدث من والدتها وأشقاءها أصابوا داخلها بشرخٍ تسبب بصدع كيانها بالكامل وشتت روحها لتظهر وكأنها فقدت الأهلية
تحمحم ليتحكم بحاله ثم أشار على الطاولة وهو يقول:
-يلا نتعشى
أومأت بخجل وتحركت إليه ليسحب لها المقعد لتجلس بهدوء وتحرك هو ليستقل بالمقعد المقابل لها،قام بوضع الطعام داخل صحنها وتحدث بصوتٍ حنون:
-يلا يا حبيبي كُلي
برغم عدm تناولها للطعام منذ مساء الأمس إلا أنها لم تشعر بالجوع، فقد افقدها مـ.ـو.ت والدها الشهية لأي شئ وجاء أشقائها ليكملوا عليها،قامت بتناول القليل من الطعام تحت خجلها الشـ.ـديد مع ملاحظة فؤاد لهذا،أمسك إحدى اللُقيمـ.ـا.ت ووضع بداخلها بعض الجُبن ليفاجأها ببسط ذراعه باتجاهها وتقريبها من فمها،ارتبكت من فعلته وبدون إدراك فتحت فمها لتتناول من يده الطعام وعينيها مثبته بخاصتيه وكأن سحرًا ربطهما ببعضيهما،بدأت بمضغ الطعام ليفاجأها بشطيرة صغيرة من خبز التوست المحشوة بمعجون الشيكولاتة السائلة،ابتلعت لُعابها لتقول باعتراضٍ مزيف فمن داخلها تتمنى الأكثر من إطعامه لها وهذا ما قرأهُ بعينيها:
-كفاية،أنا شبعت
-إفتحي شفايفك...نطق حروف الكلمـ.ـا.ت بفاهٍ مغري أشعل قلبها و.جـ.ـعلها تفعل منصاعة لأوامره،فتحت فاهها ليقرب الشطيرة لتقضم قطعة منها ليسيل من الشطيرة بعضًا من معجون الشيكولاتة على جانب فمها،أبعد يده ليُعيد الشطيرة بمكانها ثم بسط ذراعه من جديد ليضع إبهامه فوق شِفتها وبدأ بمسح السائل وهي تنظر بعينيه ببلاهة وفمٍ مترجل مستسلمة لأصابع يده التي تجوب وتستبيح شفتيها بأريحية،أبعد إبهامه ليباغتها بعدmا قربهُ من شفتاه ليمتص بقايا الشيكولاتة بتلذُذ ظهر بعينيه التي تجول فوق شفتيها بتشهي،حالة من الولهة شملت كلاهما ليقطع تواصل أعينهم المغرمة تلك الطرقات الخفيفة التي دقت على الباب،ارتبكت وهي تُغلق مقدmة الرداء على نهديها جيدًا ليطمأنها قائلاً:
-إهدي،محدش يجرأ يخبط عليكِ غير العاملات
أومت بعينيها،تحمحم ليخرج صوتهُ جادًا وهو يقول:
-أدخل
فُتح الباب لتدلف منه والدته ليهب واقفًا إحترامًا لدخولها لتنطق هي بإبتسامة هادئة:
-ممكن أدخل
تحرك إليها وهو ينطق على عجالة وتوقير:
-إتفضلي يا حبيبتي
وقفت بساقين مرتجفتين إحترامًا لدخول تلك الراقية،اتسعت عيني عصمت وهي ترى جمال بل وسحر تلك التي إختارها نجلها الغالي ليقترن إسمها باسمه،نطقت بابتسامة ترحيبية وهي تقول:
-نورتي البيت يا إيثار
نطقت بصوتٍ ظهر مرتبكًا:
-ميرسي يا دكتورة،البيت منور بأصحابه
-ما أنتِ بقيتي من أصحابه خلاص...جملة قالتها عصمت لزرع الثقة داخل تلك التي تشعر بالحرج لتكتفى بابتسامة،وضع فؤاد ذراعه ليحتوي خصر والدته ليحثها على الحركة صوب الطاولة وهو يقول:
-تعالي إتعشي معانا يا ماما
-سبقتكم من بدري يا حبيبي،أنا جاية أشوف إيثار لو محتاجة أي حاجة هي أو الولد
قالت كلمـ.ـا.تها بابتسامة بشوش ثم حولت بصرها للصغير لتسترسل سريعًا باستفسار:
-هو إسمه إيه؟
-يوسف...نطقها كلاهما بنفس الوقت لتبتسم بخفوت وهي تنظر لتطلعاته عليها بعينين عاشقة لمحتها عصمت المترقبة لصغيرها،تنفست بهدوء لتنطق من جديد:
-ربنا يبـ.ـارك فيه
-متشكرة يا دكتور...نطقتها بامتنان لتعيد الأخرى عليها طرح السؤال من جديد:
-شوفي محتاجة إيه وأنا هخلي البنات يجهزهولك فورًا
بعزة نفس نطقت:
-أنا متشكرة لذوقك،بس أنا الحمدلله مش محتاجة لحاجة
لاحظت ارتدائها لرداء نجلها لتتعجب بشـ.ـدة وهي تتفقده لتقول:
-هخلي البنات يبعتوا لك بيچامة من عند فريال،متقلقيش، هخليها تبعت لك واحدة ما أتلبستش
كادت أن ترد لولا حبيبها الذي أخذ على عاتقهُ الرد بدلاً منها حيث قال بهدوء:
-مفيش داعي يا ماما،إيثار مرتاحة في البورنس بتاعي وبكرة الصبح عزة هتجيب لها حاجتها وحاجة يوسف من الشقة
-مين عزة؟!...سألته مستفسرة ليجيبها:
-دي المربية بتاعت يوسف
واستطرد ليعلمها:
-أه بالمناسبة يا ماما، عزة هتقعد هنا معانا علشان تاخد بالها من يوسف، ده بعد إذنك طبعًا
نطقها بهدوء لتتابع إيثار ردة فعل عصمت التي ردت بكل هدوء واريحية لسيدة أرستقراطية:
-تنور طبعاً يا حبيبي، وأي حاجة محتجاها إيثار هنا في الاوضة بلغ بيها سعاد وهي هتنفذ فورًا
-ميرسي يا دكتورة...نطقتها بعيني ممتنة شاكرة لتقابله الاخرى بابتسامة بشوش لتوجه حديثها لنجلها الغالي:
-فؤاد،لو فاضي عشر دقايق قبل ما تنام ياريت تنزل نتكلم شوية
تحت أمرك يا حبيبتي...قالها لتخرج والدته ويتوجه هو إلى جميلة قصره وهو يشير بكفه نحو الطاولة:
-تعالي علشان نكمل أكلنا
قالت بنبرة هادئة:
-أنا شبعت الحمدلله،محتاجة بس أنام
-أوكِ، هبعت لك حد من الشغالين يشيلوا صينية الأكل...نطقها ليتحرك صوبها حتى وقف مقابلاً لها ثم انحنى عليها بطوله الفارع ليمسك باطن كف يدها طابعًا بشفتيه قبلة عميقة داخل كفها الرقيق لتسري الرجفة بكامل جسدها،تلاقت أعينهم وحكت من قصص الغرام روائعًا،تمنى لو أنها تسمح له بالمكوث داخل قصرها العالي،أزاحت ببصرها عنه بخجلٍ مما جعله يتحمحم ليخرج صوته قائلاً بابتسامة جذابة:
-تصبحي على خير يا زوجتي العزيزة
ارتفعت انفاسها بقوة لتبتلع لعابها وهي تقول بصوتٍ مرتجف:
-وإنتَ من أهله يا سيادة المستشار...نطقتها بنبرة خجلة ليرد عليها بمشاكسة أربكتها:
-أشوفك بكرة يا خاطفة قلب سيادة المستشار
انتفض جسدها ليطـ.ـلق ضحكة رجولية على هيأتها ثم يتوقف قائلاً بمشاكسة:
-اللي يشوفك في أول لقاء بينا وإنتِ فاردة ضلوعك عليا وعاملة فيها سبع رجـ.ـا.لة، ميشوفش جـ.ـسمك وهو بيتنفض من مجرد كلمة بقولها لك
اكفهرت ملامحها لتقول بملامح وجه عابسة أجادت تقمصها:
-وبعدين معاك
قالتها بتهديد ليرفع كفيه للأعلى سريعًا وهو يقول باستسلام:
-خلاص يا باشا،متبقاش قفاش قوي كده
ابتسمت لينطق بنبرة حنون:
-إيثار
-نعم
-نورتي حياتي...نطقها بعيني تشع حنانًا وصوتٍ ملئ بالعشق لينسحب سريعًا تاركًا إياها خلفه لتحترق بنار الهوى بعدmا زُلزل كيانها على يد فارسها المغوار،تنهدت بعمق بعد أن أغلق الباب خلفه بهدوء،تحركت صوب الباب لتوصده جيدًا بالمفتاح ثم انسحبت إلى داخل الحمام وقامت بخلع الرداء وتبديله بالبيچامة وخرجت من جديد لتتجه صوب مرآة الزينة لتتسع ابتسامتها وهي ترى الجزء العلوي من بيچامته حيث وصل لفوق ركبتيها بقليل وذلك لفارق البنيان الجـ.ـسماني بينهما،رفعت اكمامها الطويلة عليها وضحكت ثم تنهدت وضمت حالها وكأنها تشعر بوجوده معها،تبسمت ثم شعرت بالإنهاك يتغلل بخلايا جسدها فقررت الإنضمام لصغيرها بالفراش كي تأخذ قسطًا تريح به جسدها المنهك،وضعت رأسها فوق الوسادة ثم احتضنت الصغير وضمته لصدرها لتشعر بالراحة وتستسلم لنوم عميق على الفور يرجع لعدm نومها لمدة اليومين المنصرمين بأكملهما
**********
نزل للأسفل ومنه للحديقة حيث التجمع العائلي لينضم لهم لتسألهُ والدته على الفور بعدmا كظمت فضولها وما عاد فيها التحمل بعد:
-إتفضل يا سيادة المستشار إحكي لنا
قطب جبينه ليسألها مستفسرًا بلؤمٍ:
-أحكي لك عن إيه يا دكتورة؟!
هتفت بانفعال لتجيبهُ بدلاً عن أمها:
-عن البنت اللي جايبها معاك وبتقول إنها مراتك يا سيادة المستشار؟
بثبات إنفعالي يُحسد عليه أجاب شقيقته:
-مسمهاش بنت،إسمها إيثار ده أولاً ،ثانيًا إنتِ بنفسك جاوبتي،إيثار تبقى مراتي،هتعيش معايا هي ويوسف إبنها
ليسترسل بنبرة حادة وملامح وجة صارمة للغاية ترجع لحديث شقيقته الحاد والغير مقبول وخاصتًا بوجود زوجها:
-فيه أي أسئلة تانية تحبي توجهيها لي؟!
هتفت بانفعال يرجع لخوفها عليه:
-أنا خايفة عليك يا فؤاد،مش عوزاك تدخل تجربة فاشلة وتنصدm تاني في حياتك من جديد
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة ليصـ.ـر.خ عاليًا حين ذكرته بتلك الحادثة المؤلمة لروحه:
-أنا مسمحلكيش تكلميني بالطريقة دي،ومية مرة قولت لك زي ما أنا مبدخلش في حياتك مش مسموح لك تقحمي نفسك في خصوصياتي
-فرياااال...نطقها علام بصرامة ليسترسل بحدة بالغة:
-كفاية لحد كده،أخوكِ وكيل نيابة أول ومركزه مرموق ومش صغير علشان تقفي قدامه وتحاسبيه على تصرفاته، ده أنا اللي أبوه مسألتوش ومش هسأله، لأني واثق في قراراته ومتأكد من عقله الواعي
واستطرد كي ينهي الحديث بهذا الشأن:
-أخوكِ إختار والكل لازم يتقبل إختياره مهما كان إعتراضك على الأمر
تحولت ملامحها للعبوس لتقف وقبل أن تنسحب للداخل أوقفها صوت فؤاد الصارم حيث قال بوضوح:
-فريال،إيثار مراتي وكرامتها من كرامتي
تطلعت عليه بعيني لامعة تغطيها غشاوة الدmـ.ـو.ع ليسترسل بثبات وبذات مغزى متجنبًا حالتها:
-ياريت تاخدي بالك من النقطة دي وإنتِ بتتعاملي معاها
تحاملت على حالها لتتطلع بمقلتيه وهي تقول بنبرة متألمة:
-أي أوامر تانية خاصة بالهانم يا سيادة المستشار؟
بوجهٍ عابس نطق بصرامة:
-أنا مبقولش أوامر،دي قواعد أساسية في التعامل بين الناس المتحضرة وياريت نلتزم بيها علشان ميحصلش مشاكل بعد كده
رمقته بنظرة عاتبة وانصرفت مهرولة للداخل ليقف زوجها بخجل ويستأذن ليلحق بها،تحدثت عصمت بنبرة عاتبة لنجلها:
-مكنش لازم تكلمها بالشكل ده قدام جوزها يا فؤاد
رمقها علام بنظرة غاضبة ليهتف بنبرة حادة:
-وكان يصح إنها تكلم أخوها الكبير وتعدل عليه وتلومه قدام جوزها يا دكتورة؟!
تنهدت بأسى لتقول بنبرة حزينة:
-أنا مبقولش إن اللي عملته صح أو ببرره، بس فؤاد أحرجها جداً قدام جوزها،والولد نفسه إتحرج يا علام
أجاها علام بطريقة عقلانية:
-بنتك متهورة وردودها دايمًا مندفعة،لازم تتعلم إن فيه حدود بينها وبين أخوها مينفعش تتخطاها خصوصًا قدام جوزها
زفر فؤاد بقوة لتسأله عصمت بهدوء كي يتخطى ما حدث:
-مقولتليش يا فؤاد، إيه نظامك مع إيثار، يعني هتعيشوا في جناحك ولا فين بالظبط؟
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره بهدوء ليجيبها بنبرة بدا عليها الراحة والاستقرار:
-إيثار بباها لسة متـ.ـو.في ومحتاجة تاخد وقتها،أنا هسيبها براحتها خالص لحد ما نفسيتها تستقر وبعدها هنقلها معايا لجناحي
أومأت بخفوت ليقول:
-بكرة الـ Body Guard هيجيبوا عزة ومعاها حاجة إيثار الخاصة، من فضلك تقابليها وتخلي سعاد تعاملها كويس وتديها أوضة من أوض الشغالات، الولد متعلق بيها وأنا مش عاوزه يتأثر
ابتسمت بحنان وقالت بتمني:
-حاضر يا حبيبي، عقبال ما أشوف ولادك يا فؤاد
-قريب يا دكتورة، قريب قوي إن شاءالله...نطقها بثقة تحت حبور قلبي والديه ليسترسل معتذرًا لوالده:
-أنا أسف إني نسيت نفسي وعليت صوتي في حضورك يا باشا
ابتسم بسخرية ليرد متهكمًا:
-وأنا هستني منك إيه بعد ما دخلت عليا بمراتك وجاي تعرفنا عليها وكأنك بتقدm لنا واحد صاحبك، بقيت جبروت يا ابن عصمت
ضحك برجولة ثم تحدث باحترام:
-لحد عندك وبفرمل يا باشا
-غـ.ـصـ.ـب عنك مش بمزاجك يا حبيبي... قالها بمشاكسة لنجله ليقول وهو يشيح له ليحثه على الإنصراف:
-قوم يا عريس نام،ومتنساش تاخد المخدة في حُضنك.
ضحكت عصمت على مشاكسات زوجها لنجلها الحبيب ليرد فؤاد بنبرة بـ.ـاردة:
-أوامر معاليك يا باشا،جنابك تؤمر ... قالها ليهب واقفًا وهو يقول:
-تصبحوا على خير
وإنتَ من أهله يا حبيبي...قالتها عصمت لينطق علام بعد ابتعاد إبنه:
-إبنك مغروم يا دكتورة
بموائمة لرأيه أجابته:
-شكله كده يا علام،وبصراحة البنت هادية قوي وشكلها بنت ناس
لتسترسل بعقلانية:
-بس لازم تسأل عنها وعن أهلها كويس
نطق كي يطمأنها:
-إبنك سائل من بدري وعارف كل حاجة،هو عارفها من زمان
أومأت له بموافقة
**********
صعد للأعلى وتوقف أمام باب غرفتها ليدق قلبه سريعًا وشعورًا بالراحة والسكينة استحوذ على كيانه وشمل روحه لمجرد مكوثها بمنزله،ولج لداخل جناحه ليخلع عنه قميصه وعلقه بمكانه المخصص قبل أن يذهب لفراشه ويستطح فقط ببنطاله، شبك كفاه ووضعهما خلف رأسه وبات ينظر لسقف غرفته وابتسامة عريضة احتلت ثغره وهو يسترجع جميع ما حدث بينه وبين من سلبته عقله وحرمت عينيه النوم طيلة أشهر بأكملها، لكنها الأن أصبحت تحمل اسمه قولاً وعن قريب سيدخلها لجنته ليغرقا معًا ببحر الغرام وحينها سيصبح الزواج قولاً وفعلاً،أما الان فسيكفيه مكوثها في بيته وبجوار غرفته،تنهد براحة ثم أخذ نفسًا عميقًا ليغرق بعد قليل بسباتٍ عميق يرجع لشـ.ـدة تعبه طيلة اليوم.
↚
«لقد أذابَ عِشقُكِ الراقيَ جليدي بعدَ أن تسللَ إلي قلبيَ وأبدل قسوتَهُ بفيضانٍ متدفقٍ من المشاعرَ الدافئةِ، فتحولَ ظلاميَ إلي ضوءٍ مُشعٍ وباتَ السلامُ يسودُ داخلَ نفسىَ الثائرةِ»
فؤاد علام زين الدين
بقلمي روز أمين
ليلة طويلة لم تنتهي بعد،بعض القلوب إستكانت وهدأ ضجيجها وبعضها اشتعلت بنيران الغضب،صعد عمرو مهرولاً فوق الدرج ليصل لشقته الخاصة بـ إيثار، فتح الباب وبات ينظر للمكان وتجهيزاتهُ،فقد أحضر متخصصًا ليزين لهُ المكان ليبدوا وكأنهُ ساحة إحتفال،زهورًا هنا وهُناك وشموعًا ذو رائحة نفاذة ، تطلع لتلك الطاولة الموضوعة بمنتصف البهو وما عليها من أشهى المأكولات وأنواع الحلوى المحببة لدى حبيبته التي توقفت حياته بغيابها وظل يحلم باليوم الذي سيجمعهما من جديد ويحملها بين ساعديه ويلج بها إلى مسكنهما من جديد، أقسم بداخلهُ بأنه سيفعل ما بوسعه حتى يمحو من مخيلتها جُل ما سبق ويبدأ معًا صفحة جديدة خالية من مسببات الحـ.ـز.ن والألم،هذا ما رسمه بخياله بعدmا إبتاع وحدة سكنية بإحدى المدن الجديدة بالقاهرة وانتوى أخذ إمرأته وصغيرهما والبعد عن كل ما سيؤرق حياتهم دون وضع نصر وإجلال بحساباته،فقد جنب هذا الأرعن التفكير بردة فعل والديه بهذا الأمر
هرول إلي طاولة الطعام وقام بجذب مفرش الطاولة بقوة لتتناثر جميع الصحون والكؤوس وكل ما تحتوية الطاولة ويسقط أرضًا ليتناثر الزجاج وينتشر فوق الارضية الرخامية مما أحدث صوتًا هائلاً استمع له ساكني المنزل بأكمله،أصبح كالمـ.ـجـ.ـنو.ن حيث هرول على طاولة جانبية ليُمسك بالمزهرية الكريستالية الموضوعة عليها ويُلقي بها بكل قوته بعرض الحائط لتتحول لقطع صغيرة وتستقر أرضًا صرخ بكل صوتهِ وهو يقول بقلبٍ مشتعل بنار الغيرة:
-ليه يا إيثار،إزاي قدرتي تعملي كده فيا،ده أنا عمري ماحبيت حاجة في حياتي واتعلقت بيها قد ما حبيتك
أمسك شيئًا أخر وقذفهُ بقوة على الحائط ليستطرد صارخًا بهياج:
-ده أنا سلمتك قلبي، وعملت علشانك كل حاجة،تيجي بعد كل ده وتديني ظهرك وتجري تترمي في حـ.ـضـ.ـن راجـ.ـل غيري يا بنت غانم
هاج وبدأ بتحطيم كل ما تطاله يداه حتى أنهى على كل شئ، توقف وبدأ يتلفت بعينيه باحثًا على شيئًا يصلح للكـ.ـسر ليهرول باتجاه ستائر الردهة ليجذبها بكل قوته ولم يتركها حتى وقعت أرضًا ليصـ.ـر.خ بكامل صوته الحانق:
-هقـ.ـتـ.ـلك يا ابن الـ
تلفظ بسبابٍ بذئ قاصدًا به فؤاد ليسترسل بجنون:
-والله العظيم لـ أقـ.ـتـ.ـلك
استمع لطرقات عالية فوق الباب ولصوت إجلال الصارخ المترجي:
-إفتح يا عمرو،إفتح يا ابني متو.جـ.ـعش قلبي عليك
صرخ وهو يقول بنبرة ساخطة:
-سبوني في حالي،محدش ليه دعوة بيا
نطقها وبات يتلفت بعينين زائغتين عله يجد شيئًا جديدًا ليقوم بتحطيمه كي يهدأ من حالة الجنون التي أصابته، انضم طلعت وحسين إلى والدتهما كي يحثان ذاك الارعن على فتح الباب والتوقف عن تلك الأفعال الجنونية
أما بالأسفل فوقف نصر أسفل الدرج ليصيح بصوتٍ ناقم قاصدًا نجليه:
-سكتوا الأهبل ده بدل ما أطلع أكـ.ـسر اللي باقي من الشقة على نفوخه
أخرسه صوت إجلال التي صاحت بصوتٍ ساخط:
-ده بدل ما تقول له كلمة تهون عليه الخيبة التقيلة اللي صابتنا قاعد تهزأ فيه
رد عليها بصياحٍ معترض:
-وهو مين اللي وصله للخيبة التقيلة وكان السبب فيها، مش سرمحته ومشيه العوج، زعلان قوي وقاهر نفسه على بنت غانم، ماكانت في حـ.ـضـ.ـنه وخدامة تحت رجليه،ضيعها وضيع إبنه بطفاسطه وجريه ورا النـ.ـسوان الشمال
زفرت بقوة ليهتف طلعت وهو يطرق الباب بكف يده:
-إفتح يا عمرو وبطل الجنان اللي بتعمله ده،إفتح وخلينا نفكر بالعقل
هتفت إجلال بقوة وجبروت:
-هرجعها لك،وحياة أمها لأجيبها لك زاحفة واركعها تحت رجليك
استمعت لتلك الواقفة خلفها حيث تحدثت متهكمة وقد خانها ذكائها تلك المرة وهي تقف عزلاء أمام الأسد بعرينه:
-ودي هتعمليها إزاي يا ستهم بعد ما بنت منيرة إتجوزت
إتسعت عيني إجلال لتلف وجهها سريعًا تتطلع على هيأة سمية الواقفة أمام باب شقتها مرتكزة بجسدها على الحائط بطريقة مفتقرة للإحترام لتسترسل بابتسامة شامتة:
-لا ومش أي جوازة،دي متجوزة مستشار إبن مستشار
واستطردت بنظرات فرحة وهي تُشير بصباعي السبابة والوسطى:
-يعني معاه بدل الحصانة حصانتين
جحظت عيني طلعت ليهتف بحدة:
-إدخلي على شقتك وإكتمي نفسك بدل ما أكتمهولك أنا
انتفض الجميع أثر صوت الباب الذي فُتح بقوة ليخرج ذاك الثائر بهيأته الجنونية حيث نُكش شعر رأسه وانتفخت عينيه وتحول بياضها إلى احمر كاتم جراء غضبه العارم ليتخطى الجميع بسرعة ليهجم عليها كالأسد الجائع وهو يفتك بفريسته،اتسعت عينيها لتتخذ خطواتٍ تراجعية للخلف لكن بعد فوات الأوان، فقد طالها وتحكم بقبضتاه على عُنقها ليتحول وجهها إلى اللون الاحمر الداكن ليخرج لسانها وعينيها في الحال وهي تشعر بالإختناق وبخروج روحها، صرخ بكامل صوته وهو ينعتها بسخطٍ:
-كله منك يا بنت الـ...
سبها بأقذر الشتائم وألعنها ليسترسل وهو يضغط بكامل قوته على عنقها ليحجب الهواء عنها:
-إنتِ السبب، لولا قذا.... مكنتش خسرت حبيبتي وإبني، دخلتي عليا زي الحية لحد ما اتمكنتي مني بنعومتك، وبعد كده قرصتي قرصتك اللي طلعت بالدm
هرول شقيقاه محاولين تخليصها من بين يديه ليهتف حسين وهو يفك قبضته من حول عنقها:
-سيبها يا عمرو، البت هتمـ.ـو.ت في إيدك
صرخ بجنون قائلاً وهو يشـ.ـدد من قبضته وينظر بعيني جاحظة لتلك التي أوشكت على لفظ أنفاسها الأخيرة:
-خليها تمـ.ـو.ت علشان أخلص من الصفحة السودة دي وأقفلها
بصعوبة أفلتا شقيقيه عنقها من قبضتاه لترتمي أرضًا وهي تتحسس عنقها وتتلفت حولها بهلع وجسدٍ ينتفض بقوة،أفلت حالهُ من أيادي شقيقيه ليهجم عليها كالثور الهائج وبات يكيل لها بالصفعات القوية على وجنتيها تحت صرخاتها المستنجدة ليجذباه طلعت وحسين ويوقفاه مع عدm توقفه فقد بدأ بركلها بقدmه ببطنها وظهرها وكل مكان تطاله قدmه ليهتف طلعت بحدة:
-بطل جنان بقى،هتمـ.ـو.تها في إيدك ويحسبوها عليك واحدة
جذباه للخلف لينظر عليها بعينين حادة وصدرٍ يعلو ويهبط من شـ.ـدة غضبه،أسرعت عليها ياسمين لتقول وهي تتفحص تلك التي تسعل بقوة وهي تحاول أن تستعيد انتظام انفاسها:
-إنتِ كويسة؟
صمت الجميع حين استمعوا لصوت إجلال الذي خرج مجلجلاً وهي ترمق تلك المرتمية على الأرض ببغضٍ:
-تستاهلي، علشان تحرمي تقفي قدام أسيادك وتعلي صوتك تاني
واسترسلت قاصدة ياسمين:
-إرميها جوة في شقتها واقفلي عليها الباب
صرخ عمرو معترضًا:
-مش هتقعد في البيت طالما إيثار مرجعتش
ثم رمقها باشمئزاز وكاد أن ينطق بما قرأته إجلال بعينيه لتقاطعه قائلة:
-عمرو،مش هينفع علشان بنتك
واسترسلت بجبروت:
-مش حفيدة نصر البنهاوي اللي الناس تجيب في سيرتها ويقولوا دي أمها مطلقة
جذبتها ياسمين من ذراعها وهي تهمس بـ.ـارتعاب:
-قومي إدخلي جوة بدل ما يتجنن عليكِ تاني
لم تكترث لكل ما حدث وكأن ما فعله بها أمام الجميع لم يعيقها لتقول وهي تنظر له بقسوة:
-نفسي أعرف عاملة لك إيه بنت منيرة علشان تبيع علشانها اللي شاريك وبيتمنى رضاك
تابعت وهي تصرخ بقوة:
-حتى بعد ما باعتك وجريت ورا وكيل النيابة بتاع السُلطة والفلوس لسه باقي عليها
أشار إلى ياسمين ليصيح بصوتٍ ساخط:
-إبعديها واخفيها من قدامي بدل ما أرتكب لكم فيها جناية
رفعت إجلال سبابتها لتصيح بقوة وتجبر:
-وعزة جلال الله لو ما اختفيتي جوه شقتك حالاً لاكون مخلية الغفر شايلينك وراميينك في قلب الجبل للديابة تنـ.ـهشك
واسترسلت بتهديدًا مباشر:
-أم حفيدتي لما تبقى مـ.ـيـ.ـتة أشرف لها من لما تكون مطلقة
ابتلعت لعابها بعدmا لمحت الغدر بعيني إجلال لتزحف للخلف سريعًا لتختفي داخل مسكنها تحت تمسكها بغريزة البقاء.
*******
داخل الجناح الخاص بـ فريال علام وزوجها، كانت تجوب المكان ذهابًا وإيابًا بوجهٍ ارتسمت عليه علامـ.ـا.ت الغضب،إقترب عليها زوجها وهو يقول في محاولة منه لتهدأتها:
-إهدي يا فريال مش كده
صاحت بقوة وهي تنطق باعتراض:
-أهدى إزاي وأنا شايفة أخويا العاقل جايب لنا واحدة لا نعرف أصلها ولا فصلها ومطلوب مننا نرحب بيها، لا وكمان هتعيش معانا!
أجابها بهدوء كي يهدأ روعها:
-أخوكِ شخص واعي ومسؤل عن تصرفاته،وأكيد علام باشا مش هيسمح لواحدة تدخل بينا إلا إذا كان واثق منها مليون في المية،وياستي لو طلعت داخلة على طمع أكيد الباشا هيعرف وساعتها يبقى جت لقضاها برجليها
نظرت لزوجها وبدون سابق إنذار سالت دmـ.ـو.عها لتنهمر على وجنتيها مما جعله يتأثر ويضمها ليحتوي حـ.ـز.نها،بات يربت على كتفيها ويقول لتهدأتها:
-إهدي يا حبيبتي وادخلي إغسلي وشك علشان ننام
استمعت لزوجها لتدخل إلى الحمام تاركة إياه يهز رأسه بأسى.
*******
أزيح ستار الليل لتشرق الشمس معلنة عن مولد يومًا جديدًا بحياة الجميع،فاقت على صوت زقزقة العصافير الساكنة بأشجار الحديقة،حركت أهدابها وما ان فتحت عينيها حتى باتت تتلفت حولها باستغراب للمكان وسرعان ما تذكرت لتهدأ وترتسم إبتسامتها سعيدة فوق ثغرها،تمطأت بدلال لتشعر بحركة الصغير الذي بدأ يفيق من غفوته، ابتسمت ورفعت رأسها لتتطلع عليه وما أن فتح عينيه حتى ابتسم لها لتنطق وهي تدغدغ بطنه بدلال:
-صباح الخير يا قلبي
-صباح النور يا مامي...قالها قبل أن يتطلع حوله باستغراب ليسترسل متعجبًا:
-هو احنا فين؟!
مالت تهمس بجانب أذنه بمداعبة كي تنسيه ما عاناه معها خلال الفترة الماضية:
-في بيت شرشبيل الشرير
ضحك بصوتٍ طفولي ليسألها من جديد:
-هو احنا هنرجع بيتنا إمتى؟
تنهدت بعمق ثم أجابته بهدوء:
-قريب يا حبيبي إن شاءالله
عاد يسألها من جديد بما أرق روحها:
-هو احنا مش هنعيش خلاص مع بابي، ده عمل لنا البيت حلو قوي،وجاب لنا حاجات كتيرة فيه،عمل لي أوضة حلوة قوي وحط لي فيها كل ألعابي اللي جدو نصر إشتراها علشاني
تنفست الصعداء قبل أن تجيبهُ:
-إحنا حياتنا كلها هنا يا چو،أنا شغلي هنا وإنتَ مدرستك وأصحابك كلهم هنا،مينفعش نسيب كل ده ونروح نعيش عندهم في البلد
وقبل أن يباغتها بأسألة أخرى قفزت لتحمله بين ساعديها وهي تقول:
-بطل رغي بقى وتعالي ناخد شاور متين على ما عزة تجيب لنا الهدوم
ولجت به إلى الداخل لتملئ له حوض الإستحمام وتضعه داخله لينتعش الصغير،بعد مدة أخرجته ولفته بإحدى المناشف الكبيرة وخرجا معًا لتضعه على الفراش وهي تجفف له شعر رأسه،ولجت للحمام وقامت بغسل وجهها جيدًا ومررت أصابعها بشعرها الأسود الحريري والذي يصل لمنتصف ظهرها،استمعت لصوت طرقاتٍ خفيفة فوق الباب فهرولت بالخروج كي لا يتحرك الصغير لفتح الباب ويتعرض لوعكة، بالفعل وجدته يستعد للنزول فأشارت له ليلتزم الجلوس وتحركت نحو الباب لتدير المفتاح استعدادًا لفتحه،أخذت نفسًا عميقًا إستعدادًا لمواجهة الطارق وتوارت بجسدها خلف الباب وفتحته بهدوء وهى تطل برأسها عبر الباب الموارب لتفاجأ بظهورهُ أمامها وابتسامته الرائعة التي تعلو ثغره وهو يقول بصوتٍ أصاب قلبها برجفة:
-صباح الخير
-صباح النور...نطقتها بعينين تلتمعين بوميض الإنبهار ليبتسم من جديد ناطقًا بأدب:
-ممكن أدخل؟
آه طبعًا...نطقتها بإحراج وهي تختفي خلف الباب لتفسح له المجال، ولج واستدار يغلق الباب ليتطلع لتلك الواقفة تلتصقُ بالحائط لتتسع على الفور عينيه ناهيك عن قلبه الذي بات يدق بوتيرة عالية حينما رأها مرتدية الجزء العلوي فقط من بيچامته حيث تصل لمنتصف فخديها ليظهر إستدارتهما وجمالهما الساحر، رفع أعينه على أكمام البيچامة حيث شمرتهما ليصلا لنصف ساعديها كي لا يعيقا حركتها ليصعد سريعًا لفتحة الصدر،تعمق بفتحة الصدر العميقة على شكل حرف V والتي تعمقت بإظهار قدرًا ليس بالقليل نظرًا لمقاس البيچامة الكبير،أظهر لون البيجامة الزيتي لون جسدها الابيض مما جعل الأخر بحالة يرثى لها، إبتلع لعابه لتتحرك تفاحة أدm خاصته صعودًا وهبوطًا أظهرت كم الربكة التي أصابته من مظهرها المهلك لقلبه العاشق،كانت تراقب عينيه وهي تجوب جسدها بقلبٍ يدق بأصواتٍ تشبه طبول الحرب من شـ.ـدة خجلها،تسللت رائحة عطره القوية إلى أنفها لتنهي على قلبها المشتاق مما جعلها تبتلع لعابها ليقترب هو عليها وهو يهمس بصوتٍ خرج متحشرجًا جراء تأثرهُ بتلك الحالة التي بعثرت كيانه وشتت عقله:
-هو إنتِ عاوزة إيه بالظبط؟
حركت أهدابها بشكلٍ سريع غير مدركة لمقصده ليتابع وهو يصعد ويهبط بعينيه عليها:
-إمبـ.ـارح جننتيني بشكلك في البورنس لدرجة إني طول الليل بحلم باللحظة اللي هاخده منك فيها
فتحت فاهها ببلاهة ليسترسل وهو يتمركز بمقلتيه فوق شفتيها:
-والنهاردة كملتي على حبة الصبر والعقل اللي فاضلين بالبيچامة
خجلت من كلمـ.ـا.ته ليقترب عليها لتهمس وهي تشير بجانب عينيها إلى الفراش كي تنبههُ:
-يوسف
-ماله؟...نطقها بتيهة ومازال مثبتًا مقلتيه على ثغرها ببلاهة وكأنه مغيب لتجيبهُ بشكلٍ أوضح عله يستفيق من حالة الوله تلك التي استحوذت عليه:
-قاعد على السرير
ليجيبها مسحورًا غير مدركًا لما يحدث من حوله أو يُقال:
-هو مين؟
-يوسف...نطقتها وهي تُشير بسبابتها باتجاه الفراش ليتابع بعينيه أصبعها ليباغته ذاك المتطلع عليهما بعيني مسلطة وفاهٍ مترجل، تحمحم وابتعد سريعًا بعدmا اكتشف أمر الصغير، زفر بقوة عله يخرج نار قلبه المستعيرة ليضع أنامله في حركة تلقائية يتخلل بها شعر رأسه الكثيف بلونه الفحمي،وعى على حاله ليتحرك صوب الصغير وهو يقول بحرج:
-يوسف باشا، صباح الخير
-صباح النور...قالها بهدوء ليجاوره فؤاد التمدد فوق الفراش ويميل بجزعه على ذاك الجالس ليطبع قبلة حنون بوجنته قبل أن يهتف بنبرة حماسية:
-إيه الريحة الحلوة دي على الصُبح
-لسة واخد شاور... قالها يوسف بتلقائية ليسترسل وهو يشير على المنشفة الملفوفة حول كامل جسده:
-بس مش لبست هدوم
أخذ نفسًا عميقًا ليتمكن من ضبط حاله ولملمت كيانه المبعثر ثم أجابه:
-عزة جاية في الطريق ومعاها كل هدومك،أنا لسه مكلمها حالاً وقالت لي عشر دقايق بالظبط وهتكون هنا
ابتسامة رائعة خرجت من ذاك البرئ أسعدت قلب فؤاد جعلته يميل طلقائيًا على كفه الرقيق الموضوع فوق الفراش ليطبع به قبلة حنون جعلت من إيثار تتطلع عليه باستغراب،استمعت لصوت طرقات على الباب فارتبكت بوقفتها ليشير لها بأن تهدأ وتحرك صوب الباب ليواربه ليجد تلك البشوشة تجاورها إحدى العاملات الحاملة لحقيبة كبيرة جمعت بها بعض الثياب الهامة التي ستحتاج لها إيثار ويوسف طيلة مدة إقامتهما بالقصر،تجاورها حقيبة أخرى بها بعض الاحذية وحقائب اليد وبعض المستلزمـ.ـا.ت الاخرى،صاحت بصوتٍ حماسي وهي تتطلع إليه وكأنهما تربيا معًا منذ الصغر:
-إزيك يا سيادة المستشار
-حمدالله على السلامة يا عزة... نطقها بترحيب لتجيبه وهي تتطلع برأسها لاستكشاف الداخل تحت استشاطة فؤاد من أفعال تلك الفضولية التي أثارت حفيظته:
-الله يسلمك،امال فين إيثار ويوسف؟!
رمقها بنظرة لم تستطع تفسيرها ولولا ما فعلته لأجل إنقاذ أميرته لتصرف معها بطريقة أرعـ.ـبتها فلتحمد الله أن تصرفها قد يشفع لها أية تصرفات غريبة قامت بها وربما ستقوم بها بالمستقبل،فتح الباب ليشير لها بصمت لتلج سريعًا بعدmا رأت إيثار،هرولت إليها ثم وضعت كفيها تتفحص بهما وجهها لتسألها بنبرة حنون وكأنها أمها التي أنجبتها:
-إنتِ كويسة يا قلبي؟
-أنا بخير يا حبيبتي...نطقتها إيثار بعيني مشتاقة لتسترسل بنبرة صادقة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و
جذبتها عزة داخل أحضانها لتقول وهي تشـ.ـدد من ضمتها:
-إنتِ اللي حشـ.ـتـ.ـيني و يا نور عيني، عملوا فيكِ إيه يا نضري
قطب جبينه وهو يتطلع على تلك العلاقة الفريدة التي تجمع حبيبته بتلك المربية والتي تحمل داخل قلبها حبًا هائلاً لها،خرجت من أحضانها فور استماعها لصوت ذاك البرئ الذي هب واقفًا وبات يهلل فوق الفراش:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا عزة
يا نن عين عزة من جوة...نطقتها وهي تهرول عليه تضمه لتقبل كل إنشٍ بوجهه وكفيه تحت حبور الصغير الذي يشعر بالأمان والحنان في حضرة تلك العطوف صاحبة القلب اللين
أشار فؤاد للعاملة وتحدث امرًا:
-دخلي الشنط وساعدي عزة في توضيبها
ثم قطب جبينه ليتسائل:
-باقي الشُنط فين يا عزة؟!
تلبكت وهي تنظر إلى إيثار التي فاقت عند صلاة الفجر وبعد تأدية الصلاة اتصلت بعزة وطلبت منها جلب حقيبة واحدة فقط وأخبرتها أن مكوثهم بهذا القصر لن يُطيل،انتفض جسدها حين تحدث إليها بصوتٍ جاد:
-مش بكلمك؟!
ابتلعت لعابها من نظراته التي تشبه نظرات الصقر لتجيبه بتخبط:
-إيثار هي اللي اتصلت بيا وقالت لي متجبيش حاجات كتير علشان قعدتنا هنا مش هتطول
-لا والله...نطقها وهو يركز بنظراته بعيني حبيبته لترفع حاجبها الأيسر بتأكيد جعلهُ يضغط على شفته السُفلى بغيظ ليزيد الصغير من استشاطته حين صاح بصوتٍ حماسي:
-مامي قالت لي إننا هنقعد عند شرشبيل كام يوم وهنرجع تاني لبيتنا
هز رأسه عدة مرات قبل أن يبتسم بخبث لينطق وهو يتفحص ملامحها بلؤمٍ وتوعد:
-ده شرشبيل طلع مش مسيطر خالص يا چو، بس بسيطة،كل اللي محتاجه يغير الخطة اللي بيلعب بيها، والدنيا هتظبط بعدها
ابتسمت لتنظر له بتحدي بادلها إياها بتوعُد،فتحت العاملة الحقائب وبدأت بمساعدة عزة، كان يتطلع لقطع الثياب بتمعن وفضول تحت خجل إيثار الشـ.ـديد،لاحظ عزة وهي تحمل رداء الحمام الخاص بأميرته وتتجه به إلى الحمام الملحق بالغرفة ليسرع الخُطى وهو يمنعها من الدخول:
-ثواني يا عزة، فيه حاجة جوة تخصني
افسحت له الطريق ليختفي بالداخل،تفحص الحمام باحثًا بعينيه حتى وجدهُ معلقًا بالمكان المخصص له،أسرع الخطى ليجذبهُ ويضمهُ بكفاه مقربًا إياه من أنفه ليغمض عينيه وهو يشم رائحتها بين ثنايا خيوطه وبات يقبل الرداء وكأنها بداخله،أما إيثار فقد ضيقت عينيها متعجبة تصرفه مع عزة لتتسع حدقيتيها حين رأته يخرج وهو يضع الرداء الخاص به على ذراعه باحتواء،ابتسمت بخجل وهي تتذكر كلمـ.ـا.ته الوقحة عن إنتظاره لذاك الرداء، خرجت العاملة لتتجه للأسفل بعدmا انتهت من وضع الأشياء بأماكنها، ولجت عزة بصحبة يوسف لداخل الحمام لكي تساعده بـ.ـارتداء ثيابه، تحرك إليها ليقول
-أنا في أوضتي لحد ما تغيري هدومك، لما تخلصي خبطي عليا علشان ننزل نفطر مع بعض... قالها بهدوء لترتبك بوقفتها ثم أجابته وهي تفرك كفيها ببعضيهما:
-هو أنا لازم أنزل؟
-آه طبعًا لازم،العيلة كلها مستنياكِ على الفطار...قالها بجدية واعتزاز ليسترسل بنظراتٍ مطمأنة وكلمـ.ـا.تٍ أراد بها أن يزرع الثقة بداخلها:
-دي الدكتورة عصمت أخدت أجازة مخصوص علشان ترحب بيكِ
-هو إنتَ هتروح شغلك وتسيبني هنا لوحدي؟... نطقتها كـ طفلٍ صغير يخشى ابتعاد ملاذه عنه لينتفض قلبه فرحًا ويجيبها سريعًا كي يبث داخل قلبها كامل الإطمئنان:
-لا يا بابا مش هسيبك
نطقها بطريقة أذابت قلبها ونهت عليه ليسترسل بصوتٍ يشعُ حنانًا ويحمل بين طياته عشقٌ جارف:
-حد بردوا يسيب حبيبه وحده
ذابت روحها وسرت إرتعاشة لذيذة بجسدها لتداعب فراشات العشق معدتها بعدmا أخبرها بأنه اتخذ اليوم أجازة لأجلها،اقترب على أذنها ليهمس قبل أن يخرج:
-هستناكِ في أوضتي لما تخلصي،متنسيش تجيبي لي البيچامة بتاعتي معاكِ.
ابتعد واستدار ليخرج تاركًا إياها بحالة يرثى لها لتنظر عليه بقلبٍ هائم قبل أن يباغتها باستدارته ليتطلع عليها من جديد وهو يقول بنبرة جادة وعيني بها تحذيرًا نابعًا من غيرة رجلاً عاشق:
-متنسيش تلبسي فستان محتشم وعليه حجاب يداري صدرك علشان ماجد هيفطر معانا
ثم غمز بعينيه وتابع بمداعبة:
-شرشبيل بيغير على مـ.ـر.اته مـ.ـو.ت،ومـ.ـر.اته لازم تتحمل جنون غيرته وعشقه
ابتسم ليستدير من جديد ويخرج من الغرفة تاركها بحالة هيام كامل،ظلت تتطلع على الباب بنظراتٍ ولهة لتعي على صوت عزة التي خرجت من الحمام ممسكة بيد الصغير بعدmا ارتدى جميع ثيابه:
-كده لبسنا واتشيكنا،تعالى بقى نسرح شعرنا علشان الشياكة تكمل
تطلعت على تلك الواقفة تنظر لهما ببلاهة لتسألها باستغراب:
-مالك يا إيثار،واقفة مبلمة كدة ليه؟
نطقت بتيهة:
-ها،مفيش ياعزة
ابتسمت لتقول بمداعبة:
-على عزة بردوا،إلا قولي لي يا إيثار
قالتها بلؤمٍ لتسألها:
-شيفاكِ واقفة قدام وكيل النيابة كده وواخده راحتك،مترسيني وتقولي لي اللي حصل؟!
قطبت إيثار جبينها لتسألها مستفسرة:
-واخدة راحتي إزاي يعني؟
ضحكت لتجيبها بغموض:
-بصي لنفسك في المراية وشوفي اللي لبساه وواقفة بيه قدامه وإنتِ ت عـ.ـر.في قصدي
فهمت مقصدها الخبيث لتهتف بحدة تتوارى خلفها لعدm فضح مشاعرها:
-وانا كان عندي حاجة ألبسها وقولت لا،وبعدين ده بيته ومن حقه يدخل في اي مكان فيه،
ابتلعت لعابها وباتت تفرك يدها ببعضيهما لتتابع بعينين زائغتين من شـ.ـدة الخجل وهي تهمس:
-وجوزي
ابتسمت عزة لتتحدث بفرحة عارمة ظهرت بعينيها:
-ما أنا عارفة يا ست البنات، وعارفة إن الجدع من حقه يشوف اللي اكتر من كده كمان، بس كنت بنكشك
-إنتِ سخيفة يا عزة... قالتها بصياحٍ غاضب لتدخل الاخرى بنوبة من الضحك جعلت الاخرى تتذمر،أمسكت عزة بفرشاة الشعر الخاصة بالصغير وبدأت بتشيط شعره لتقول لتلك المتسمرة بوقفتها كي تحثها على الإسراع:
-إدخلي غيري هدومك علشان تلحقي تنزلي قبل الفطار،أخرج لك أنهي فستان؟
تنهدت بعمق حين تذكرت رحيل والدها الحبيب،فقد دخلت في دوامة كثرة الأحداث لتلهيها عن القوقعة والبعد عن الناس لكي تعطي حـ.ـز.نها على غاليها قدره،لكن انظر ماذا حدث،فقد انقلبت حياتها رأسًا على عقب،نطقت بنبرة حزينة لتذكرها للألوان:
-خرجي لي أي حاجة لونها إسود
حـ.ـز.نت ملامح عزة لتنطق وغشاوة الدmـ.ـو.ع قد تكونت بعينيها:
-الله يرحمك يا عم غانم، كنت راجـ.ـل طيب
عبست ملامحها وتحركت إلى الخزانة لتنتقي ثوبًا،باتت تتفحص الثياب لتهتف عزة وهي تمسك بثوبٍ رائع كلاسيكي ناعم ذو أكمامٍ طويلة تنتهي بأساور مغلقتين بزرارين من اللون الذهبي،أما قصة الصَدر تبدأ بياقة كلاسيكية من القماش الستان على شكل V،يلتف فوق خصره حزامًا ايضًا باللون الاسود،ولجت للحمام وبعد قليل خرجت لتشهق عزة وهي تقول بانبهار من إطلالتها المبهرة:
-قمر يا ست البنات
ابتسمت لتتحرك صوب طاولة الزينة لتقف أمام المرآة التي عكست صورتها مما جعلها تتطلع برضا،بدأت بلف الحجاب وإحكامة برتابة لتجلب لها عزة حذاءًا جلدي باللون الاسود ذو كعبٍ عالي مما أعطاها مظهرًا خلابًا وزاد طولها لعدة سنتيمترات،استمعت عزة لصوت هاتفها فنظرت بشاشته لتنطق قائلة:
-ده أيهم أخوكِ، كلمني وانا جاية في الطريق وكان عاوز يكلمك علشان يطمن عليكِ،وقالي إنك عاملة له حظر
صاحت بنبرة غاضبة:
-مش عاوزة أكلم حد،هما عاوزين مني إيه تاني،مش كفاية اللي حصل لي من راهم
هرولت عليها لتقول في محاولة منها لتهدأة روعها:
-إهدي يا إيثار، أيهم ملوش دعوة بيهم،ده هو اللي كلمني وقالي أكلم أيمن بيه علشان يلحقك، وكلمني إمبـ.ـارح بالليل وقال لي إن أمك وعزيز رفضوا يرفعوا القضية
وبدأت تقص عليها ما حدث تحت استغراب إيثار من موقف أيهم الرجولي بالنسبة لها
**********
نزلت عصمت من فوق الدرج لتتطلع بأرجاء بهو القصر بتمعُن تبحث يعينيها عن ابنتها وحفيديها فلم تجدهما بمكانهم المعتاد،فبكل يوم تفيق فريال باكرًا هي وابنتها وصغيرها الرضيع ليجلسوا بالردهة يتابعون مسلسل الرسوم المتحركة التي تتابعه الصغيرة عبر شاشة التلفاز المعلقة لحين موعد التجمع العائلي على طاولة الفطور الصباحي وبعدها تذهب الفتاة إلى مدرستها مستقلة الحافلة الخاصة بالمدرسة، تعجبت عصمت لعدm وجود نجلتها لتصيح بصوتٍ رزين وهي تستدعي كبيرة العاملات:
-سعاد، سعاد
أتت السيدة الأنيقة وهي تمشي برُقي لتجيبها بعدmا وضعت كفيها فوق بعضيهما واحنت رأسها قليلاً كنوعًا من التوقير:
-أفنـ.ـد.م يا دكتورة
سألتهُ مستفسرة:
-فريال والولاد فين؟
أجابتها بإبانة:
-مدام "فريال" طلبت الفطار يطلع لها هي و"بيسان"فوق
تطلعت أمامها بتركيز ثم أخرجت تنهيدة عميقة قبل أن تنظر إلى العاملة لتقول بهدوء:
-مطلعيش حاجة لحد،جهزي الفطار زي كل يوم ومتنسيش تعملي حساب مدام إيثار معانا،حطي لها طبق جنب فؤاد باشا، وإعملي حساب إبنها مع بيسان
-تحت أمرك يا دكتورة... قالتها المرأة بوقار لتتحرك عائدة إلى المطبخ،زفرت عصمت باستياء إستنكارًا لأفعال نجلتها العنيدة ثم نظرت للدرج وتحركت صوبه لتصعدة مرةً أخرى،بعد قليل دقت فوق باب الجناح الخاص بصغيرتها لتستمع إلى صوت ماجد الذي نطق بوقار:
-إدخل
فتحت الباب لتجده واقفًا أمام المرآة يعقد ربطة عنقه بعدmا ارتدى ثيابه استعدادًا للذهاب إلى الجامعة،أما فريال فكانت تجلس فوق الأريكة متكئة على ذراعها تجاورها بيسان المنشغلة بمشاهدة مسلسلها الكرتوني المفضل"السنافر"إلتفت ماجد صوب الباب لينتبة باحترام لوقوفها لتلقي هي عليهم تحية الصباح قائلة ببشاشة وجه:
-صباح الخير
على عجالة نطق ماجد باحترام:
-صباح النور يا دكتورة،إتفضلي
قالها وهو يُشير لها بكفه باتجاه الداخل،اعتدلت فريال وردت تحية والدتها،تطلعت عصمت على ماجد ونطقت تسأله باهتمام:
-رايح الجامعة
أومى بإيجاب ليسألها مستفسرًا بعدmا لاحظ عدm ارتدائها لملابسها الرسمية التي ترتديها بالجامعة:
-هو حضرتك مش رايحة الجامعة النهاردة ولا إيه؟
أجابته باستفاضة:
-إتصلت بالجامعة وأخدت أجازة عارضة علشان مرات فؤاد ما تحسش إننا مش مهتمين بوجودها
لوت فريال فاهها بطريقة تهكمية ثم قلبت عينيها بضجر،أما ماجد فوافقها التفكير ثم نطق وهو يرتدي حلة بدلته:
-أنا نازل
اقترب على زوجته وضع قُبلة فوق رأسها وأيضًا صغيرته ثم مال ليلتقط حقيبته الجلدية من فوق طاولة صغيرة وانسحب للخارج ليترك لهما المجال،تطلعت عليها لتسألها بتعجب عن الصغير:
-هو فؤاد لسه نايم ولا إيه؟
بملامح وجه عابسة أجابتها بنعم لتتحرك والدتها وتجاورها الجلوس لتقول بنبرة هادئة:
-أول مرة تطلبي من سعاد تطلع لك فطارك هنا
تنهدت بعمق لتقول بملامح جـ.ـا.مدة وهي تنظر لشاشة التلفاز متلاشية النظر لوالدتها:
-محبتش أزعج فؤاد باشا بوجودي
واستطردت متهكمة بعدmا لاحظت إهتمام والدتها بتلك الدخيلة على قصرهم:
-واهي فرصة علشان تعرفوا ترحبوا كويس بالكونتيسة
أخرجت تنهيدة حارة مع هزات بسيطة من رأسها إستياءًا لحديثها الناقم ليخرج صوتها مؤنبًا لنجلتها قائلة:
-ليه كل ده يا فريال،عاملة كل ده ليه؟!
-إنتِ عاوزة تجننيني يا ماما صح؟...نطقتها فريال بحدة بعدmا إلتفت بجسدها لتصبح في مواجهة والدتها ثم استرسلت بنبرة لائمة:
-أنا مش قادرة استوعب اللي حصل ولا قادرة أفهم موقفك إنتِ وبابا،بسهولة كده تقبلتوا الموضوع وسمحتوا لواحدة جاية من الشارع إنها تدخل بيتنا وتعيش وسطنا من غير أي قيود
تعمقت بعينيها ثم هزت رأسها بجنون لتسترسل باعتراض شـ.ـديد لموقف والديها المخزي بالنسبة لها:
-ده انتوا حتى مسألتوش عليها علشان تأمنوا لوجودها وسطنا!
1
اتسعت عيني عصمت ذهولاً وهي تستمع لكلمـ.ـا.ت صغيرتها الغاضبة لتنطق باستنكار:
-أنا اللي بجد مش مصدقة رد فعلك المبالغ فيه على الموضوع،إنتِ شايفة نفسك بتتكلمي إزاي والطريقة اللي بتكلميني بيه؟!
تذمرت كالاطفال وهي تقول بنبراتٍ صادقة:
-يا ماما حاولي تفهميني، انا خايفة على أخويا وده من حقي
واسترسلت بقلبٍ يعتصر ألمًا على ما مر به شقيقها بالماضي:
-فؤاد مر بتجربة بشعة حولته لبني أدm تاني ولسة لحد الوقت متأثر بتوابعها
واسترسلت بكلمـ.ـا.تٍ مستنكرة يشوبها التوجس:
-نعرفها منين البنت دي، مش يمكن تكون أسوء من نجلا ولعبت عليه لحد ما اتجوزته علشان فلوسه ومنصبه،ويرجع يعيش نفس الو.جـ.ـع تاني؟!
أمسكت بكفي إبنتها باحتواء لتجيبها بنظرات حنونة:
-يا حبيبة قلبي خليكي واثقة في أخوكِ أكتر من كده، فؤاد مش صغير ولا من النوع اللي بينساق ورا قلبه وبس، هو أكد لـ بابا إنه سأل عليها كويس جداً،ده يعرفها من فترة كبيرة،وأكيد مش هياخد خطوة زي دي غير لما يكون مطمن لها وواثق منها أكتر من ثقته في نفسه
تنهدت بعمق لتسترسل بقلب أمٍ تو.جـ.ـع لسنوات لاجل صغيرها:
-يا بنتي إحنا ما صدقنا إن ربنا يفك عقدته ويتجوز، وبعدين أخوكِ شكله بيحبها بجد
-أيوا، الأستاذة شكلها عرفت تملكه كويس قوي...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة لتسترسل بغيرة ظهرت بينة بعينيها:
-شفتي إزاي كان شايل الولد وكأنه إبنه،ولا هي،شفتي كان طول الوقت حاضن وسطها إزاي،البنت شكلها مش سهل يا ماما
ضحكت عصمت وتحدثت قائلة بمشاكسة لصغيرتها:
-إنتِ غيرانة على أخوكِ ولا إيه يا بنت؟
أشاحت ببصرها عنها لتضحك الاخرى ثم وقفت وهي تقول:
-هاتي بيسان ويلا علشان نلحق الفطار، وياريت تبقي لطيفة مع البنت علشان متزعليش فؤاد منك أكتر من كده
انسحبت لتلحق بها تلك المتمردة مصطحبة ابنتها معها
*********
داخل فيلا أيمن الاباصيري
يلتف الجميع حول طاولة الإفطار يتناولون الطعام بهدوء،نظرت لارا إلى شاشة هاتفها تتفحصه وهي تقول بسعادة:
-فون إيثار إتفتح،هقوم أكلمها علشان أطمن عليها
قالت كلمتها الاخيرة وهي تهب واقفة ليوقفها صوت أبيها قائلاً:
-إصبري يا لارا، إبقي كلميها متأخر
أجابته بحماس:
-إيثار بتصحى بدري يا بابي
تحدث بنبرة جادة:
-النهاردة أول يوم جواز لـ إيثار ولازم تراعي ظروفها الجديدة
جحظت أعين الجميع ليسأله أحمد باستغراب:
-مين دي اللي إتجوزت يا بابا، إيثار!
ابتسم ليقص لهم ما حدث لتجحظ عيني سالي وهي تسأل بذهول:
-إيثار وفؤاد علام، طب إزاي؟!
واستطردت تسأل بحيرة:
-وأهله، وافقوا كده عادي
أجابها ببساطة وهو يتناول طعامة:
-آه طبعاً وافقوا،سيادة المستشار بنفسه أكد لي وانا بكلمه بالليل اطمن على إيثار إنه بلغ أبوه وأبوه مرحب بالموضوع
هزت رأسها بذهول، أيعقل أن تتزوج تلك البسيطة بذاك الوسيم الثري وتصبح سيدة مجتمع تنتمي للوسط الراقي بعد أن كانت تنتمي للطبقة الكادحة، ابتسمت نيللي لتنطق وهي تقول بتأكيد لصحة نظرتها للأمور:
-علشان تبقي تصدقيني لما أقول لك أي حاجة بعد كده
تنفست بضيق لتجيبها بملامح وجه مستاءة:
-والله يا طنط الواحد ما بقى مصدق اللي بيحصل حوالينا من كتر غرابته
-إيثار تستاهل كل حاجة حلوة...نطقتها لارا بنبرة سعيدة لترمقها سالي باستخفاف وعقلها الباطن يستنكر ما حدث بشـ.ـدة
***********
كان يقف بوسط غرفته، مازال محتضنًا ذاك الرداء يشتم به رائحتها التي سلبته لبه بعيني مغمضة وقلبٍ ينتفض بقوة وكأنهُ عاد مراهقًا من جديد،تلك المشاعر التي يحياها معها لم تمر عليه من ذي قبل،لذة من نوعٍ خاص يتذوقها لأول مرة معها،فكل شيئٍ معها مميزًا وغريب،نظراتهما،الإبتسامـ.ـا.ت المتبادلة وحتى اللمسات،يكاد يجزم الأن أنه لم يتذوق للعشق طعمًا قبلها،انتفض بعدmا استمع لخبطات فوق الباب ليسرع مهرولاً ليقوم بتعليق الرداء ويتجه سريعًا صوب الباب وهو يقول:
-ثواني يا حبيبي
ابتلع باقي كلمته وهو يتطلع لتلك الواقفة امامه وابتسامتها البلهاء تملؤ وجهها وهي تبسط ذراعيها بالرداء لتقول:
-البيجامه بتاعتك يا باشا
لتسترسل وهي تشير للغرفة المجاورة:
-إيثار بتقول لك إنها جاهزة
كظم غيظه بداخله وأشار لها بالإنصراف لتزيدها عليه تلك الثرثارة حيث سألته بابتسامة مستفزة:
-تؤمرنيش بحاجة يا باشا؟
رمقها بحدة ليهتف من بين أسنانه بغيظٍ لو خرج لفتك بها:
-روحي من وشي يا عزة
وقبل أن تجيبه قام بصفع الباب بوجهها لتلوي فاهها وهي تقول باستياء:
-ماله ده كمان
بالداخل،أمسك البيجامة وقام بتعليقها لتجاور الرداء وتحدث بصوتٍ عالي وقلبه يغلي كالبركان:
-ماشي يا إيثار
فبعد أن انتظرها داخل غرفته ومنى حاله ليختلس منها بعض اللمسات التي من الممكن أن تؤدي لقبلة، هدmت أحلامه وبكل لؤمٍ بعثت له بتلك الثرثارة،تحرك للخارج ودق بابها لتخرج عليه بهيأتها المهلكة، وبعد أن كان غاضبًا تحول لمذهولٍ عاشق بقلبٍ يدق من لوعة العشق والإشتياق، تحمحم ليقول بصوتٍ متأثرًا بضـ.ـر.بات قلبه القوية:
-إنتِ أكيد ناوية على جناني
رفعت حاجبها باستفسار ليسترسل بما جعلها تغرق بخجلها:
-إعملي حسابك إني مش هقدر أتحمل كتير لو استمرينا بالشكل ده
ابتسمت ليقترب من اذنها هامسًا ليبعثر بكيانهما معًا وهما مغمضان أعينهم مستسلمين لحالة الوله:
-هو حبيبي حلو كده على طول، ولا قربه من فؤاده هو اللي زاده حلا
-فيه حاجة يا سيادة المستشار...نطقت بها عزة التى ظهرت من خلف إيثار لينتفض جسده متطلعًا عليها بعيني متسعة:
-فيه إيه يا ست إنتِ؟
وضعت إيثار كف يدها تكظم به ضحكاتها على ذاك الذي كاد أن يصاب بذبحة صدرية على يد تلك الغريبة،رمقها بنظراتٍ متوعدة وهو يقول:
-بتضحكي،طيب يا إيثار
ثم حول بصره لتلك الحاملة للصغير وهتف بحدة وهو يشير لها بأن تتقدmه:
-قدامي يا عزة،خضتين زي دول وهقطع الخلف نهائي يا ماما
تعالت ضحكات حبيبته رغمًا عنها ليرمقها بغيظٍ مصطنع لتتحرك عزة تسبقهم على الدرج، وضع ذراعه لتتأبطه في أول خطوة يعلن بها ملكيته أمام الجميع، تحركت بجانبه بقلبٍ سعيد وعقلٍ لم يستوعب بعد ما أصبحت عليه، فقد سارت بين ليلةً وضحاها زوجة فؤاد علام زين الدين الرسمية، ما كان حالهُ يختلف بكثيرًا عنها،مال عليها ليقول بصوتٍ هامس معاتبًا إياها:
-بقي باعتة لي عزة الاوضة يا إيثار
ضحكت بخفوت ليسترسل بوعيد:
-ماشي،إبقي قابلي اللي هيجرا لك يا مدام فؤاد علام،من سوء حظك إن جوزك مبيسبش تاره يبات
-حد قال لك عني إني هبلة...قالتها بتهكم لتسترسل بدهاء وهو يتمعن بملامحها منتظرًا تفسير جملتها:
-بقى عاوزني أدخل للأسد عرينه بإرادتي
أجابها بثقة عالية:
-وغلاوتك عندي لتدخليه قريب وبكامل إرادتك.
هزت رأسها مستنكرة غروره ليكملا طريقهما إلى أن وصلا لغرفة الطعام وولجت عزة بالصغير لغرفة خاصة بإطعام أطفال المنزل عن طريق المشرفات على إطعامهم بعيدًا عن الطاولة الرئيسية كي لا يحدثوا فوضى،ولجا للداخل ليلتفت الجميع إليهما لتفاجأ فريال الجالسة بمقعدها وهي تتطلع على تلك الانيقة وكأنها تبدلت لأخرى،فهناك فرق شاسع بين فتاة الأمس الذابلة وثيابها الغير مهنـ.ـد.مة بالمرة وبين تلك الانيقة بثوبها الكلاسيكي وحجابها الرقيق وحذائها لتظهر بجاذبية وأناقة،على غير عادته تحدث بنبرة حماسية وملامح وجه ضاحكة يملؤها الحبور:
-صباح الخير
تعجب الجميع وردوا تحيته لتلقي هي الاخرى تحية الصباح ليردوها بوجوهٍ بشوشة عدا تلك الجالسة بمقعدها بملامح وجه صارمة،فقد ردت بجمود،اقترب من المقعد الذي خُصص لها وبرأسٍ شامخ سحبه للخلف لتجلس هي ليتحرك ويجاورها الجلوس بمنتهى السعادة، تحدثت عصمت برُقي:
-نورتي سفرتنا يا إيثار، أهلاً وسهلاً بيكِ
شعرت بـ.ـارتياح تجاه تلك الخلوقة لتبتسم بخفوت وهي تشكرها بلباقة:
-السفرة والبيت كله منور بأهله يا دكتورة
أشار لها علام بابتسامة لتبدأ:
-كلي يا بنتي
هزت رأسها شاكرة ليتحدث لها فارسها المغوار:
-أحط لك مربى؟
أوكِ...قالتها بهدوء ليبدأ الجميع بتناول طعامهم،نظر للصحن المملؤ بأصنافٍ عديدة من الفاكهة ليقترب عليها قائلاً بصوتٍ حنون:
-كريز
كاد الطعام أن يقف بحلقها ويخـ.ـنـ.ـقها من شـ.ـدة الخجل بعدmا اعتقدته يغازل شفتيها لتنظر له بذهولٍ سرعان ما تحول لخجلٍ عنـ.ـد.ما وجدته يُمسك بين أصابعه حبتان من ثمار الكريز ويضعهما بداخل صحنها،شكرته بعينيها ليميل بجانب أذنها ويهمس بدهاءٍ:
-إيه رأيك،شوفتي رديت لك حركة عزة بسرعة إزاي،علشان تبقي تبعتيها لي الجناح مكانك تاني
جحظت عينيها وباتت تتطلع عليه بعدm استيعاب،يا له من داهي شرس لا يترك تاره يبيتُ،نظر لها وبكل براءة تحدث بصوتٍ وصل للجميع:
-مبتاكليش ليه يا حبيبي،مش بتحبي الكريز
واستطرد مدعيًا البراءة تحت ابتلاعها للعابها من شـ.ـدة الحرج من المحيطين بها وهو يناديها بـ"حبيبي"أمامهم بتلك السهولة:
-طب تاخدي فراولة
نطقت بخفوت وخجل:
-ميرسي يا فؤاد،لما احتاج حاجة هاخدها
كانت عصمت تتابعهما بعينيها وقلبها ينتفضُ فرحًا وهي ترى تغير نجلها الواضح ومشاكسته لتلك الجميلة،نطقت بعدmا رأت خجلها:
-سيبها تاكل براحتها يا فؤاد
كانت فريال أيضاً تتابعهما بترقب شـ.ـديد وعدm رضا،وخصوصًا بعدmا علمت من والدتها وظيفة تلك الإيثار وتأكدت من أنها طامعة بثروة شقيقها ليس إلا،تحدث ماجد كي يغطي على صمت زوجته وعبوس وجهها:
-مبروك يا مدام إيثار وإن شاءالله ترتاحي معانا هنا في البيت
-متشكرة يا افنـ.ـد.م،ميرسي لذوقك... كلمـ.ـا.تٍ شاكرة قالتها إيثار بهدوء وهي تنظر إليه لتتعجب لعبوس تلك المجاورة له،التقت أعينهم لتبتسم لها بسماجة قبل أن يصدح رنين هاتف فؤاد لينظر بشاشته ليجده رئيسه فأخذ الهاتف وتحدث باعتذار:
-تليفون ضروري ولازم أرد
امسك كفها وقام بوضع قُبلة احترام فوقه ليتحدث بعجالة:
-مش هتأخر عليكِ
أومأت له لينسحب للخارج لتشعر على الفور بالضياع في ابتعاده،فقد أصبح يمثل لها الأمان بكل ما تحمله الكلمة من معنى،انتبهت على سؤال فريال التي وجهته لها بطريقة حادة خالية من اللباقة:
-إلا قولي لي يا مدام، هو أنتِ هترجعي لشغل السكرتارية تاني
لتسترسل بذات مغزى:
-ولا اكتفيتي بهذا القدر بعد جوازك من سيادة المستشار فؤاد علام
واسترسلت وهي تركز وتضغط على لقب عائلتها المرتبط بسوق المال والأعمال:
-زين، الدين
لم يرق لها سؤال تلك اللئيمة لترد بنبرة واثقة ورأسٍ شامخ:
-أنا عمري ما فكرت أسيب شغلي ولا هفكر، الشغل بالنسبة لي مش مجرد وسيلة للحصول على مستوى معيشي أفضل وبس، شغلي بالنسبة لي هو كياني وقيمتي بين الناس
واستطردت للتوضيح:
-على فكرة أنا مش سكرتيرة، أنا مديرة مكتب أيمن الأباصيري شخصيًا، وده مش تقليل مني لوظيفة السكرتيرة لأنها لا تقل أهمية عن وظيفتي
لتستطرد بابتسامة هادئة:
-بس حبيت أوضح لك
ابتسمت وهي ترفع حاجبها لأعلى بسخرية واستنكار لترمقها والدتها بحدة، أما علام فتحدث باستحسان:
-برافوا عليكِ يا إيثار،أنا بحب جداً الناس المخلصة لشغلها وبتقدره بعيدًا عن الماديات
مالت على أذن زوجها لتقول باستنكار:
-الاستاذة شكلها حافظة لها شوية إنشا وشكلهم عجبوا الباشا الكبير ودخلوا عليه
همس يحذرها:
-بطلي تستفزيها بكلامك ده، وخلي بالك إنتِ كده ممكن تخسري أخوكِ
انتبه الجميع على صوت فؤاد الحماسي وهو يقول لوالده فاتحًا كفاه بحبورٍ:
-قول لي مبروك يا باشا
تطلع إليه علام بتمعن ليتابع الأخر بذات معنى:
-الخبر اللي مستنية بقي لي سنين
-الترقية؟...كلمة نطقتها عصمت بترقب ليهز رأسه بتأكيد لتقفز فريال من فوق مقعدها وتجري مهرولة لترتمي بأحضان شقيقها وهي تهلل متناسية ما حدث بينهما بالامس:
-مبروك يا حبيبي، مبروك يا فؤاد
-الله ببـ.ـارك فيكِ يا حبيبتي... نطقها بسعادة وهو ينظر لتلك التي تتطلع عليه بحبورٍ ملئ وجهها لتقف عصمت وتحتضن صغيرها والدmـ.ـو.ع ترقرقت بعينيها، فمنذ تلك الحادثة اللعينة وهم ينتظرون تلك الترقية التي تأجلت لمدة ثلاثة سنوات بسبب ما حدث ولوث إسمه كوكيل للنائب العام، واليوم فقط تم ترقيته لرتبة رئيس نيابة، وضع أنامله يجفف لوالدته الحبيبة دmـ.ـو.عها وهو يقول:
-دmـ.ـو.عك غالية قوي يا حبيبتي
بصوتٍ متقطع متأثرًا ببكائها نطقت عصمت بحنو:
-مفيش أغلى منك ومن مستقبلك علشان تنزل لهم دmـ.ـو.عي يا فؤاد، الحمدالله، الحمدلله يا حبيبي
قبل رأسها ليجذبه علام أيضًا لاحتضانه وتقديم التهنأة له ليسألهُ:
-مبروك يا سعادة رئيس النيابة،عقبال ما تمسك مكاني
هنأهُ ماجد أيضاً ليتحرك إلى أن وقف مواجهًا لها،حاوط وجنتيها بكفاه تحت ارتعاشة جسدها لينطق بعيني تفيضُ من العشقِ والحنين:
-أكيد مش صدفة إن الترقية اللي مستنيها بقى لي تلات سنين تتمضي بعد ما أمضي قسيمة جوازي منك
أكدت عصمت على حديثه قائلة بسعادة هائلة:
-عندك حق والله يا فؤاد،مراتك جاية وجايبة معاها الخير للكل
غاصت ببحر سوداويتاه متناسية الجميع من حولهما لتنطق بنبرة تشعُ حنانًا:
-مبروك يا فؤاد
لم يشعر بحاله إلا وهو يجذبها ليدخلها بأعماق أحضانه لتذوب داخله وتغمض عينيها ليضمها بقوة مستمتعًا بأول عناقٍ لهما تحت نظرات الجميع المتعجبة.
↚
مر اليوم الأول عليها بسلامٍ داخل قصر علام زين الدين،فقد كانت مقابلة البعض لها أكثر من رائعة، كمقابلة علام بذاته وزوجته الراقية فقد توقعت إعتراضهما عما حدث أو حتى عدm تقبلهما لوجودها بينهم ليحدث العكس ويعاملاها بكثيرًا من اللينٍ والإحترام، ناهيك عن رجلها المغوار، فقد عاملها بكثيرًا من الدلال والرُقي أمام عائلته مما عزز الثقة داخل نفسها،إلا من تلك المتعالية حيث تعاملت معها بطريقة لم ترق لها لكنها تغاضت لأجل فؤاد ووالديها،عند غروب شمس اليوم التالي وبعدmا تناولت وجبة الغداء بصحبة العائلة وبجوار فؤاد بعد عودته من العمل،صعد الجميع لينالوا قسطًا من الراحة،فأخذت هي صغيرها لينضم إليها بالتخت أما عزة فظلت بصحبة العاملات بالأسفل،فاقت عند الغروب لترتدي بنطالاً فضفاض من اللون الاسود تعتليه كنزة بنفس اللون حتى الحجاب فهي مازالت بفترة حداد على والدها الحبيب، اصطحبت صغيرها وخرجت لتتفقد الحديقة،فقد كانت جميلة للحد الذي يخـ.ـطـ.ـف الانفاس، أشجارًا صغيرة متناسقة بشكلها وأوراقها الخضراء،وزهورًا مشكلة بألوانٍ زاهية متنوعة،ونجيلة خضراء تفترش أرضية الحديقة بأكملها بتناسق،مرت بجانب حوض السباحة الكبير والذي يتوسط الحديقة ليهتف الصغير الممسك بكفها وهو يهزها بنبرة حماسية:
-مامي،أنا عاوز أعوم في البيسين
حثته على المُضي قدmًا وهي تقول له في محاولة منها بإقناعه:
-مش هينفع يا حبيبي، ده مش بيتنا يا چو،إن شاءالله يومين بالظبط وهوديك النادي تعوم هناك براحتك
تذمر الصغير ودق الارض بساقيه مع مطه لشفتيه للأمام كطريقة منه للإعتراض،وصلا لحوضٍ للزهور يمتازُ بألوانٍ خلابة جذبها عن غيره، باتت تتطلع عليها بنظراتٍ منبهرة لتضع يدها تتفقد بعضهم وتميل بجسدها لتستنشق عبيرها ذو الرائحة العطرة والفريدة التي لم تشتم مثلها من قبل،تحدثت للصغير كي تخرجهُ من تذمره وينسجم معها بالحديث:
-شوفت الورد ريحته جميلة قد إيه يا چو
تطلع للزهور وبدأ يتحسسها ويشتم عبيرها لينـ.ـد.مج معها،بالأعلى،فاق من قيلولته ليلج لداخل حمامه الملحق بعدmا قرر أخذه لحمامًا دافئًا يعيد لجسده النشاط والحيوية، خرج يلف جسده بالمنشفة وتحرك صوب خزانة الملابس لينتقي بنطالاً من الچينز تعتليه كنزة بأكمامٍ طويلة، صفف شعره بعناية ونثر عطره المميز وتحرك صوب غرفة أميرته التي أُنيرت حياته بعد عتمةٍ طالت،دق الباب عدة مرات وحينما لم يأته الجواب إضطُر للدخول بعدmا شمله الإرتياب عليها،قطب جبينه حين وجد الغرفة خالية ومرتبة مما يعني عدm مكوثها بها وايضًا تطلع إلى الحمام ليجد إضاءته مغلقه، تحرك للأسفل عبر الدرج بخطواتٍ واسعة وما أن لمح مرور إحدى العاملات ليسألها بنبرة جاهد لتخرج رزينة:
-مدام إيثار فين يا وداد؟
نظرت عليه لتجيبه باحترام:
-خرجت في الجنينة يا باشا
هز رأسه لتسوقه قدmيه وقلبه يرفرف يسبقهُ إليها،خرج يتطلع على المكان بترقبٍ شـ.ـديد وعيناه تجول الحديقة بلهفة تحولت لراحة واستقرار صاحبتها رجفة بقلبه حين رأها تتجول بين الزهور بينما هي أجملهم وأزهاهم،كانت تميل عليهم تشتم رائحتهم بطريقة أظهرت كم إنجذابها إليهم،استمعت لصوته الرخيم من خلفها وهو يقول بمداعبة:
-يا بخت الزهور
انتفضت بوقفتها لتواجهه منتصبة الظهر وقد اكتسى وجهها باللون الأحمر الداكن الناتج عن شـ.ـدة خجلها،شملها بابتسامة رائعة قبل أن ينحني ليحمل الصغير ويثبته بين أحضانه ليميل على وجنته واضعًا قبلة حنون قبل أن يقول بنبرة حنون:
-أخبـ.ـارك إيه يا بطل
-كويس... نطقها بملامح وجه عابسة ليسأله الأخر باهتمام وجدية:
-مالك يا حبيبي،مين اللي مزعلك؟
أشار بأصبع السبابة باتجاه والدته لينطق بنبرة حزينة:
-مامي
شهق بافتعال ليحول بصره سريعًا على تلك التي نظرت لصغيرها تلومهُ بعينيها ليسألها بنبرة جادة:
-مزعلة يوسف ليه يا مامي؟
-خلاص يا چو...قالتها بتنبيه للصغير فأعاد هو السؤال للصغير:
-قولي إنتَ مامي مزعلاك في إيه؟
أجابه بعبوسٍ شـ.ـديد:
-قولت لها إني عاوز أعوم في البيسين بس رفضت وقالت لي مش هينفع علشان ده مش بيتنا
على الفور حول بصره إليها يرمقها بنظراتٍ حادة ممتزجة بالحُزن واللوم،فتلك هي المرة الثانية على التوالي التي تخبر بها الصغير بأن هذا ليس بمنزلهما وأن إقامتهما به مؤقته،لينطق بصوتٍ حاد لا يقبل المناقشة بعدmا رمقها بقوة وكأنهُ يحذرها من تكرارها:
-مامي بتهزر معاك يا يوسف،البيت ده بقى بيتكم خلاص وهنعيش فيه كلنا مع بعض، وبالنسبة للبيسين تنزله وقت ما تحب،وأنا هخلي كابتن علي اللي بيعلم بيسان العوم يعلمك إنتَ كمان
واستطرد بنبرة حنون بعدmا حول بصره على الصغير:
-تعالى نغير هدومنا علشان نعوم حالاً
-بجد يا عمو؟... نطقها بسعادة ليتابع متسائلاً ببراءة:
-يعني اقدر أنزل البيسين زي ما أنا عاوز
-أكيد يا حبيبي...قالها بتأكيد لينطق الصغير وهو يمرر كفه الرقيق على وجنته:
-ميرسي يا عمو، وميرسي كمان على الثلاجة اللي طلعتها فوق ومليتها بالشيكولا اللي أنا بحبها، أنا سألت مامي وقالت لي إن إنتَ اللي طلعتها في الاوضة مخصوص علشاني
بنبرة تشع حنانًا أجاب على الصغير:
-يا حبيبي أي حاجة نفسك فيها تعالى وقول لي عليها وأنا هجيبها لك فورًا، وملكش دعوة بمامي، مامي عندها شوية عقد وكلاكيع كده وأنا هعرف أخرجهم لها بطريقتي....نطق كلمته الاخيرة بغمزة وقحة من عينيه لتبتسم وهي تتطلع عليه بسعادة،كم كان عطوفًا حنونًا في معاملته للصغير، خرجت عزة من الداخل حاملة فوق يديها حاملاً موضوع عليه بعض الفواكه وكأسان من المشروب البـ.ـارد قد جهزتهما لإيثار والصغير حين لمحتهما يتوجها للحديقة،أقبلت عليهم وهي تقول بابتسامة بشوش:
-عملت لكم عصير ينعشكم
واستطردت وهي تنظر إلى ذاك المحب:
-يقطعني يا فؤاد باشا، مكنتش أعرف إنك هنا عشان كده معملتش حسابك
-ولا يهمك يا عزة...قالها ببساطة ليتسرسل بنبرة جادة:
-حطي الصينية اللي في إيدك قدام حمام السباحة وتعالي خدي يوسف لبسيه مايوه علشان هينزل الماية معايا
نفذت ما أملاهُ عليها وصعدت بالصغير ليتطلع ذاك الحانق عليها لينطق بنبرة حادة:
-ممكن بقى تقولي لي هتبطلي الكلام الخايب اللي عمالة تقوليه للولد ده إمتى؟
بنبرة هادئة أجابت على تساؤله:
-أنا بقول له الحقيقة علشان ما يتأملش إن قعادنا هنا هيطول ونفسيته تتأقلم على كده
-هو حد قال لك إني متجوزك تخليص حق وهرجعك لما تسددي ديونك؟!...قالها متعجبًا ليقول بمشاكسة كي يخفف عنها وطأة خجلها:
-فوقي لنفسك يا مدام، إنتِ دخلتي عرين فؤاد علام ومش هتخرجي منه للأبد
ابتسمت بحبورٍ شـ.ـديد لينطق بعينين تسكنهما السعادة لأجلها:
-ضحكتك بتنور الدنيا كلها يا إيثار
إقترب عليها حتى كاد أن يلتصق بها لينطق بجرأة تحت ضـ.ـر.بات قلبها السريعة وهو يُشير لغرفة زجاجية جانبية ملحقة بالحديقة خاصة بتغيير الثياب:
-ما تيجي معايا وأنا بغير المايوه جوه
وكأن عقرب لدغها لينتفض جسدها بالكامل وعلى الفور تراجعت للخلف تحت ضحكاته العالية التي انطلقت بصوتٍ رنان أعلن عن سعادته لينطق بمشاكسة:
-بقى بذمتك، فيه واحدة تسيب جوزها لوحده كده طول الوقت وهي عارفة إنه هيتجنن عليها، طب على فكرة بقى، ده بيبقى سبب رئيسي بإن الراجـ.ـل يبص برة وبعدين ترجعوا تصيحوا وتشتكوا
-إبقى بص لو قدرت...نطقتها وهي تنظر له بتحدي كنوعٍ من المداعبة ليرفع حاجبه باستعجاب وهو يقول:
-دي الهانم واثقة بقى
اقترب عليها بطريقة مثيرة ليتابع بعينين متشوقة منجذبة لكل إنشٍ بوجهها:
-واثقة في حبيبها ومتأكدة بإن عيونه مبتشوفش من ستات الدنيا كلها غيرها
تعمقت بعينيه لتفاجأهُ بحديثها الساخر:
-ويا ترى بقى قولت الكلام ده لكام مغفلة قبلي؟
-وحياتك عندي إنتِ المغفلة الأولى والأخيرة في حياتي... نطقها ببرود ليستشيط داخلها لتهتف من بين أسنانها وهي تصك عليهم بغضب:
-مغفلة! شكرًا، شكرًا قوي يا سيادة المستشار
رفع رأسهُ وأرجعها للخلف وهو يقهقه عاليًا مطلقًا ضحكات رجولية أثارت حواسها ثم فصل ضحكاته لينطق بنبرة حنون صادقة:
-مش لوحدك اللي مغفلة في الحب يا روحي، أنا كمان مغفل وغرقان في عشقك،مغفل وغافل عن كل حاجة قدام غرامك
تعمق بمقلتيها لينطق بحال قلبهِ قبل لسانه:
-قصاد عيونك بغفل عن أي شئ وكل شئ ممكن يفصلني عن الحالة اللي بعيشها معاكِ،وبحلم باليوم اللي هقدر أحـ.ـضـ.ـنك فيه بكامل رضاكِ علشان أقدر أعيشك وأدوقك غرامي ليك اللي عدى كل حدود اللامعقول
أمسك كفها الرقيق بخاصته وقام بوضعه فوق صدره وبالتحديد فوق موضع قلبه ليقول بنظرات تهيمُ عشقًا:
-هنا فيه حب كبير قوي ليكِ، شوق وعشق وحنان وخوف ورُعب عليكِ من أي حاجة وأي حد ممكن يفكر إنه يأذيكِ
رفع كتفيه باستسلام لينطق متعجبًا:
-إزاي وإمتى إتكونوا وكبروا كده جوايا أنا معرفش، كل اللي أعرفه إني عاوز أقضي باقي حياتي كلها جنبك،سواء بقى رضيتي عني ودخلتيني جنتك، أو سبتيني واقف على بابك مستني أنول الرضى اللي باقي لي من عمري
أدخلها سيل كلمـ.ـا.ته الرومانسية وعينيه الناطقة بالهيام بحالة عالية من الغرام والتيهة،اما هو فضيق بين عينيه ليبتسم بخفة وهو ينطق متعجبًا:
-ت عـ.ـر.في إني مستغرب نفسي قوي، لو حد قال لي من كام شهر إني هقف قدام واحدة ست أيًا كانت هي مين أو درجة جمالها إيه وأقول لها الكلام ده كله، لا وكمان أقول لها إني مستني إشارة منها علشان تسمح لي أدخل جنتها كنت قولت عليه مـ.ـجـ.ـنو.ن أو بيخرف تخاريف المـ.ـو.ت
تنهد براحة وهو يتأمل ملامحها ويطيلُ النظر بعينيها مسترسلاً بصوتٍ هائمٌ بغرامها:
-بس معاكِ الوضع كله بقى مختلف،وكأن فؤاد علام إتولد من جديد وبقى حد تاني وشخصية غير اللي عاش بيها عمره كله،بقى أقصى حلم ليا هو وجودك في حياتي بالشكل الصحيح، الشكل اللي هيدوبنا في بعض ويحولنا مع الوقت لشخص واحد.
تحمحمت لتنطق أخيرًا بعد صمتٍ تام وهي تستمع إليه باستنفارٍ لجميع حواسها التي التهبت بنيران غرامه المشتعل:
-هو انا ممكن أتكلم معاك بصراحة ومن غير مـ.ـا.تزعل مني
بنبرة صادقة وعيناي تشع من الحنانِ ما يثبت صحة كلمـ.ـا.ته نطق ليطمأنها وكأنها صغيرته المدللة:
-أنا عمري ما أزعل منك يا بابا،ولو زعلت يبيقى علشانك مش منك
شعورًا هائلاً وهائمًا شمل كيانها وعلى الفور شعرت بفراشات العشق تداعب أسفل معدتها لتسري الرعشة بكامل جسدها،تحمحمت لتكمل ما بدأت بنبرة تحمل الكثير من التوجس:
-أنا كتير بصدق إحساسي ناحيتك وبحس إن الكلام بيخرج من قلبك ويترجمه لسانك
واستطردت بتيهة ظهرت بينة بعينيها:
-بس على طول عقلي بينبهني ويفكرني بعرضك المهين ليا وكأنه بيفوقني
فهم مقصدها بذكائه ليتنهد بأسى،عله يستطيع محو ذاك اليوم وما حدث به من ذاكرتها كي يمحو عنها حـ.ـز.نها الساكن بداخلها والذي لمحه بعينيها عنـ.ـد.ما تحدثت عن تلك الذكرى المؤلمة،لتتابع بقلبٍ يتألم:
-بتكسف قوي من نفسي وبأنبها وألومها على أي لحظة لاستسلام مشاعري ليك وخنوع قلبي المخزي
رد على حديثها بنبرة تمتلؤ صدقًا:
-غلطة ونـ.ـد.مت عليها وإعتذرت لك
ابتلع لعابه وشاح ببصرهِ عنها لشـ.ـدة خجله وعدm قدرته لمواجهتها ليتابع بذات مغزى:
-كان عرض مهين لنفسي قبل منك،وليه أصل وأكيد هقعد معاكِ في يوم من الأيام وأحكي لك أنا ليه قولته
ضيقت بين عينيها لتتطلع بعينيه تستشف معنى كلمـ.ـا.ته التي كررها من قبل ليسترسل بعدmا فهم مقصد نظراتها:
-مش إنتِ لوحدك اللي عندك ماضي مؤلم يا إيثار،أنا كمان قصتي مع طليقتي فيها تفاصيل كتير لازم أحكي لك عليها، من حقك ت عـ.ـر.في كل حاجة عن الراجـ.ـل اللي هتكملي معاه باقية حياتك
قطبت جبينها ونطقت بمداعبة حاولت بها إنتشاله من تلك الحالة التي تراهُ عليها للمرة الاولى منذ أن تعرفت عليه،إنكسار بعينيه وهزيمة بنبرة صوته لتقول بمشاكسة وهي ترفع حاجبها الأيسر باستنكارٍ مفتعل:
-هو الباشا قرر خلاص منه لنفسه كده إني هكمل باقي حياتي معاه!
بغمزة من عينيه داعبها قائلاً بثقة عالية قد تصل لحد الغرور:
-وبمزاجك على فكرة، وبكرة هفكرك
ابتسمت لتنظر إليه بحنان ليتابع بنبرة تفيضُ من العشقِ ما يملؤ مقدار بحرًا:
-إنتِ مش بس حبيبتي يا إيثار،إنتِ دنيتي الحلوة اللي رجعت اعيشها من تاني، بعد ما كنت فاكر إن حياتي إنتهت وإن اللي بعيشه مجرد أيام وبتعدي
تنهيدة حارة خرجت من صدرها ليكمل بابتسامة حنون:
-مع إني دايب في حُبك ومش قادر اتحمل فكرة إنك بقيتي مراتي ولسه بعيدة عن حـ.ـضـ.ـني، بس هتحمل
وغمز بعينيه قائلاً بمداعبة:
-علشان لحظة اللقا تبقى مكتملة الأركان
سحبت عنه بصرها بخجل لتأخذ نفسًا عميقًا أظهر قمة إنـ.ـد.ماجها وعشقها لكلمـ.ـا.ته لكنه اكتفى بإبتسامة واسعة مع إخراجة لتنهيدة حارة،نطق بمراوغة بعدmا وجد عزة والصغير يخرجان من بوابة القصر الداخلية:
-لسه مصرة إنك متجيش معايا وأنا بغير هدومي؟!
هزت رأسها باستسلام من ذاك المشاكس وكلمـ.ـا.ته الجريئة المليئة بالإيحاءات لينسحب هو بعدmا همس بجانب أذنها بما زلزل كيانها وأثار جميع حواسها واستنفرها:
-قريب قوي هندخلها مع بعض، وعلى فكرة فيها چاكوزي متأكد إنه هيعجبك جداً
نطق بكلمـ.ـا.ته ليتركها دون النظر لوجهها الذي أصبح ملتهبًا من شـ.ـدة خجلها لتنظر في أثره بذهول حتى استفاقت على صوت عزة المشاكس:
-أنا شايفة إني هبل الشربات وهوزعه وهملى البيت زغاريد قريب قوي
-عزة،أنا مش ناقصاكي...نطقتها باستياء مفتعل تختبئ خلفه لترد الاخرى بضيق:
-حقك، ما هي عزة الحيطة المايلة بتاعتك،الهيئ والميئ لسيادة المستشار وقلبت الوش للمسكينة عزة
كانت هناك عينين تراقبان وقوفهما من شرفتها الملحقة بجناحها بالاعلى بملامح وجه عابسة ترجع لعدm تقبلها لعلاقة شقيقها بتلك الدخيلة والتي تراها لا تناسبهُ من كل الجهات، زفرت بضيق لينضم لها زوجها الذي جاورها الوقوف ليسألها مستفسرًا بعدmا وجد العبوس يحتل ملامحها:
-مالك يا حبيبتي،بتنفخي ليه؟!
أشارت له على فؤاد وهو يداعب الصغير ويحمله داخل المياه بشكلٍ مرح أظهر كم انسجامهما:
-تعالى إتفرج على المسخرة اللي بتحصل
وقف يتطلع ليجد فؤاد يعوم على ظهره داخل مياه حمام السباحة حاملاً الصغير فوق بطنه ويطـ.ـلقان الضحكات بسعادة،من يراهما للوهلة الاولى يعتقدهما رجلاً وصغيره المدلل،حرك بصره خارج المغطس ليجد إيثار تجلس وهي تراقبهما بملامح وجه سعيدة مطمأنة وكأنها إمرأة آخرى غير المرأة المرتعبة ونظراتها الزائغة التي رأها باليوم الأول،رفع سبابته يحك بها أنفه قبل أن تتابع الاخرى بنبرة ساخطة:
-دي مطلعتش هي لوحدها اللي واكلة عقل أخويا، دي كمان زاقة عليه الولد الصغير
ضحكة ساخرة خرجت من ماجد لتسألهُ بحدة بعدmا إلتفت تطالعه بغضب:
-بتضحك على إيه يا دكتور؟!
توقف عن ضحكاته الخفيفة لينطق بنبرة جادة:
-على كلامك الغير منطقي بالمرة يا فريال
واستطرد معترضًا:
-معقول تفكيرك يوصل بإن أم تخلي طفل صغير يمثل على أخوكِ الحب علشان يكسب وده؟!
أجابته بتأكيدٍ جاد:
- وليه لا يا دكتور،إنتَ مش شايف إن منصب فؤاد وفلوسه يستاهلوا؟!
واسترسلت وهي تذكره بما حدث في الماضي:
-ولا نسيت اللي عملته نجلا
واسترسلت بمقارنة ظالمة:
-وأهي دي كانت حالة عيلتها المادية كويسة جداً،عاوزني أفكر إزاي في واحدة شغالة سكرتيرة ومطلقة وكمان معاها طفل
جحظت عينيه ليسألها مصدومًا:
-مالها المطلقة يا فريال؟!
زفرت بضيق ونظرت تتابع شقيقها ليستطرد ماجد بعدm استيعاب:
-شوفي إحنا متجوزين بقى لنا كام سنة، بس أول مرة أعرف إن تفكيرك طبقي وعنصـ.ـر.ي
ابتسامة ساخرة خرجت لتسأله باستنكار:
-خلاص، خلتني طبقية وعنصـ.ـر.ية علشان خايفة للي حصل مع أخويا زمان يرجع يتتكرر تاني؟!
لتسترسل بنبرة حادة:
-حتى لو هبان عنصـ.ـر.ية أنا راضية، المهم أخويا ما يتأذيش
نفسًا عميقًا أخذه كي يستعد للحديث مع تلك التي تتحول من إمرأة رقيقة إلى غولٍ عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بشقيقها الوحيد،نطق بنبرة هادئة:
-بصي يا حبيبتي،أنا معاشر فؤاد بقى لي أكتر من تمن سنين،أول مرة أشوف عيونه بتضحك وهي بتبص لحد،اخوكِ بيحبها وواضح جدًا من اللي أنا شايفة إن هو اللي بيسعى علشان ينول رضاها، وده شئ واضح للأعمى
نطقت سريعًا بتفسير:
-ماهو ده الدهاء والخبث اللي بتكلم عنه يا ماجد
لتستطرد وهي تهز رأسها بضيق ظهر عليها:
-صدقني البنت دي مش سهلة
لتستطرد وهي تتمركز بعينيه باستنكار:
-يا ابني دي سكرتيرة،إنتَ ما بتشوفش اللي بيعملوه مع المديرين بتوعهم علشان يوقعوهم ويتجوزوهم
جحظت عينيه بافتعال ليسألها ساخرًا:
-لا والله، وده شوفتيه في أنهي مسلسل،وياترى عربي ولا تركي؟
اجابته باستياء بعد سخريته منها:
-إفضل إنتَ إتريق على كلامي لحد ما هييجي اليوم اللي تقف فيه قدامي وتنحني لذكائي لما البنت لعبتها تنكشف وتنفضح قدامكم كلكم.
صاح فؤاد مناديًا على حبيبته بإبتسامة واسعة وهو يعوم بجاذبية أهلكت قلبها:
-مش ناوية تغيري رأيك وتيجي تعومي معايا
احتدت ملامحها لتسأله باستغرابٍ حاد وهي تُشير إلى حمام السباحة بتعجب:
-إنتَ عاوزني ألبس مايوه وأعوم قدام الحرس بتوع قصرك يا سيادة المستشار؟!
-ومين جاب سيرة العوم في حمام السباحة...ضيقت عينيها ليباغتها بوقاحته التي بلغت الحد وهو يشير بعينيه لتلك الغرفة الجانبية بحوائطها الزجاجية التي لا تكشف عما بداخلها بينما يستطيع من بالداخل استكشاف من بالخارج بكل سهولة:
-أنا قصدي على الچاكوزي
-قليل الأدب...نطقتها بهمسٍ كي لا يستمع إليها الصغير ليطـ.ـلق هو ضحكاته المجلجلة التي ملئت أرجاء المكان لتعلن عن سعادته المطلقة بوجود حوريته التي اقتحمت حياته بكل قوة لتنتزع الحـ.ـز.ن من قلبه وتزرع بدلاً منه السعادة والهناء وراحة البال،ابتلعت لعابها من هيأته المهلكة لتحول ببصرها للجهة الأخرى كي لا تزيدها على قلبها المُنهك،حاولت إلهاء حالها بتذوق كأس المشروب البـ.ـارد لتعي على صوت عصمت التي هتفت بنبرة مرحة وهي تنظر لسعادة نجلها:
-مساء النشاط يا سيادة المستشار، من إمتى منزلتش حمام السباحة
لتسترسل وهي تنظر إلى إيثار بذات مغزى:
-والله برافوا عليك يا يوسف، عملت اللي محدش قدر عليه قبلك
-مش كده بردوا يا دكتوره...نطقها بتأكيد ليتابع بمراوغة:
-يوسف ده عظيم ويستحق الشكر والتقدير
خجلت من تلميحات حبيبها ووالدته التي لفت لتجلس بمقابلتها وهي تقول بملامح وجه بشوشة:
-عجبتك الجنينة يا إيثار؟
تنفست بعمق أظهر كم إعجابها لتنطق وهي تتطلع إلى ما حولها من الزهور والأشجار:
-حلوة قوي يا دكتورة،فيها أنواع ورود أول مرة أشوفها
اومأت لها لتجيبها بجدية:
-علام باشا بيحب الزرع ويقدره جداً، علشان كده بيهتم بالجنينة وبيشرف عليها بنفسه،أول ما يسمع عن نوع جديد من الزهور أو النباتات يبعت يجيبه ويشارك الجنايني في زرعها
انـ.ـد.مجت معها بالحديث لأكثر حد فقد كانت شخصية عصمت اكثر من رائعة،توقعت رفضها لتواجدها بينهم ونفورها من وجود يوسف لكنها فؤجأت بالنقيض، فقد كانت ودودة هادئة محبة، تمتلك قلبًا رقيقًا ولسانًا لين لا ينطق سوى بكل طيبًا،ما اجملها إمرأة
إنضمت صغيرة فريال إلى خالها ويوسف لتنـ.ـد.مج معهما بالسباحة والإنطـ.ـلا.ق، بعد مدة خرج فؤاد ليترك الصغار تحت مراقبة إحدى العاملات المختصة بشأن الإهتمام بالصغيرة،لف خصرهِ بمنشفة كبيرة وأخذ يجفف شعر رأسه بإحدى المناشف الصغيرة تحت خجل حبيبته وهو يقف أمامها بمظهره المفعم بالرجولة لتسحب بصرها بعيدًا عنه وتثبتهُ بالاسفل تحت إبتسامة عصمت التي لاحظت خجلها الشـ.ـديد من فؤاد برغم أنه أصبح زوجها رسميًا،انتبهت على صوته وهو ينطق باسمها بجدية:
-إيثار،إطلعي غيري هدومك علشان هنخرج مع بعض
رفعت وجهها تتطلع عليه من جديد لتسأله مستفسرة:
-هنخرج فين؟!
أجابها بصوتٍ رخيم وهو يهز شعره لتتناثر منه قطرات المياة:
-مشوار مهم
-طب ويوسف...نطقتها وهي تنظر لصغيرها بتوجس ليخبرها بطمأنة:
-يوسف معاه عزة، وبعدين متقلقيش، إحنا مش هنتأخر،كلها ساعتين وهنرجع على طول
نظرت له بتيهة لتنتبه على صوت عصمت حيث نطقت بهدوء:
-أخرجي يا حبيبتي مع فؤاد ومتشليش هم يوسف،أنا هخلي بالي منه مع عزة لحد ما ترجعي
ابتسمت تشكرها بامتنان وصعدت للأعلى بصحبة عزة لتترك الصغير بصحبة عصمت وعلام الذي انضم إليهم،وقفت تتطلع عليها بتأمل بعدmا ارتدت ثوبًا باللون الأسود وحجابًا يماثله،نطقت بحذر خشيةً من حـ.ـز.نها:
-مش كنتي لبستي أي حاجة غير الفستان ده،الراجـ.ـل أول مرة يخرج معاكِ تقومي تلبسي له إسود
ضيقت بين عينيها تتأمل ملامحها لتقول بتعجب:
-شكلك إتجننتي خلاص يا عزة،إنتِ نسيتي إن بابا لسة مافاتش على وفاته إسبوع!
هتفت بمقاطعة:
-هو أنا بقول لك تلبسي له أحمر،عندك لبس حلو أنا جايبه معايا،فيه طقم زيتي حلو قوي وواحد تاني لونه بني
-ريحي نفسك أنا مش هلبس غير الإسود...نطقت جملتها بصرامة لتنطق الأخرى باعتراضٍ كعادتها:
-على فكرة بقى،إنتِ كده بتخالفي أوامر ربنا، لان الدين سامح للبنت بتلات أيام بس حداد على أبوها
زفرت بضيق لتهتف باستنكار وحدة:
-إطلعي من دmاغي يا عزة وانزلي شوفي يوسف، وإوعي يغيب عن عينك دقيقة واحدة
اومأت لها وقبل أن تنسحب استمعتا لطرقات خفيفة فوق الباب،فتحت ليظهر ذاك الانيق وهو يرتدي بنطالاً من الچينز يعتليه قميصًا منمقًا من القماش القطني باللون البينك الخفيف واضعًا بلوفر من الصوف فوق ظهره لتتهدل ذراعي البلوڤر فوق كتفيه مما زاد من سحر جاذبيته وأظهره بشكلٍ عصري،نطق وهو يتأملها بعيني مسحورة:
-جاهزة
-إمم...قالتها بخجلٍ وهي تتوارى من نظراته المتفحصة لها لينطق بنبرة حنون:
-طب يلا
عدل من وضعية ذراعه في دعوة منه لتتأبط الاخرى ذراعه وتحرك بها إلى الاسفل ليستقلا السيارة ويتحركا بها إلى الخارج تحت نظرات الجميع حيث انضمت فريال إلى والداها،نظرت فريال حولها لتتفقد إبنتها وجدتها تهرول بسعادة بصحبة ذاك الصغير وهما يمرحان ويلهوان،تنهدت وباتت تتعمق بالنظر للصغير وللغريب أنها شعرت براحة والتعاطف معه رغم عدm تقبلها لوالدته،أشفقت على حاله وحالته النفسية التي حتمًا تأثرت حال إنفصال والداه
تنهدت لتقول مقترحة بنبرة حماسية:
-إيه رأيك يا بابا لو نعمل حفلة كبيرة ونعزم فيها كل قرايبنا ومعارفنا بمناسبة ترقية فؤاد
أجابها بهدوءٍ ورزانة:
-أنا فكرت في كده فعلاً يا فريال بس تراجعت عن الفكرة لما افتكرت إن أبو إيثار لسه متـ.ـو.في من أيام
تعمقت بالنظر لوالدها لتنطق متعجبة:
-وإحنا مالنا،ثم قرايبنا ومعارفنا ميعرفوش إن فؤاد إتجوز أصلاً
تحدثت عصمت لتجيب على تساؤلات ابنتها المتعجبة:
-مالنا إزاي يا بنتي، هي إيثار دي مش مرات فؤاد ولازم يحترم مشاعرها وحـ.ـز.نها على أبوها؟!
تنهدت بضيق قبل أن تقول بإيضاح:
-يا ماما يا حبيبتي كلنا عارفين طبيعة الظروف اللي أجبرت فؤاد على جوازه منها، بلاش تتعاملوا مع الوضع وكأنه بقى فرض وإن الجواز بقى أمر طبيعي
تنهدت عصمت وتحدثت لتضع النقاط فوق الحروف:
-أخوكِ متجوزها عن إقتناع مش مجرد جواز صوري علشان يحل لها مشكلتها،وده واضح جداً من معاملته ليها ومن التغيير اللي كلنا ملاحظينه عليه
ابتسمت ساخرة لتنطق:
-هو فيه راجـ.ـل متجوز ست عن اقتناع وكل واحد منهم قاعد في أوضة؟
تطلع علام إلى ابنته التي لا تتقبل إنضمام إيثار للعائلة وترفض وجودها بقوة ليقول بنبرة حاسمة لا تقبل النقاش كي يضع لتلك المناقشة العقيمة حدًا:
-الموضوع ده خاص بأخوكِ ومحدش ليه الحق يقرر إذا كان جوازه منها شكلي ولا هيكمل معاها غيره هو،ومحدش فينا ليه الحق في الكلام فيه.
تذمرت بجلستها وبدا على وجهها العبوس لكنها اجبرت على الإلتزام بالصمت منعًا لإيثارة حنق والدها.
********
عودة إلى تلك الجميلة التي استقلت المقعد المجاور لذاك الجذاب،لوهلة لم تستوعب ما حدث و.جـ.ـعلها بين ليلةٍ وضحاها زوجة لذاك الوسيم حلم كثيرًا من الفتياتٍ الفاتنات وربما هناك من هي الاجدر منها بإستحقاقه لكنها بالاخير من حظيت بلقب زوجة فؤاد علام،ضغط على الزِر المسؤل عن تشغيل الموسيقى لينطلق صوت السيدة أم كلثوم وهي تنشـ.ـد بكلمـ.ـا.تٍ يبدوا أنها أُختيرت بعناية وعن قصد
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا، علموني أنـ.ـد.م على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيا،عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ
انت عمري اللي ابتدي بنورك صباحه
قد ايه من عمري قبلك راح وعدّى يا حبيبي قد ايه من عمري راح
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة ولا ذاق في الدنيا غير طعم الجراح
التفت بجسدها تنظر إليه ببلاهة وذهول فقد استمعت لتلك الغنوة باليوم الاول الذي شاكسها به وهو يخبرها بأن اللون النبيذي يليق بها ويجبُ عليها الإكثار من إرتدائه،تعجبت لتلك الصدفة الغريبة،ابتلعت لعابها حين وجدته يتطلع إليها بعينين هائمتين ويحرك شفتاه مع كلمـ.ـا.ت الغنوة وهي تقول
ابتديت دلوقت بس أحب عمري ابتديت دلوقت أخاف،أخاف لا العمر يجري
كل فرحه اشتاقها من قبلك خيالي التقاها في نور عنيك قلبي وفكري
يا حياة قلبي يا أغلى من حياتي، ليه ما قابلتش هواك يا حبيبي بدري
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ
أشاحت بعينيها بعيدًا ليباغتها بكف يده الذي تلمس ذقنها برقة ليحثها على النظر لعينيه وهو يقول:
-هتفضلي تهربي كده كتير
ليستطرد متعمقًا بعينيها بطريقة أشعلت حواسهما وألهبتها:
-عيونك فاضحة أسرار قلبك وكشفاها،يعني ملوش داعي كل اللي بتعمليه ده
تنفست بعمقٍ قبل أن تنطق بنبرة صادقة:
- ده مش هروب يا فؤاد،ده خوف وعدm شعور بالأمان ملازمني من يوم وفاة بابا
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها لتتابع بألمٍ يمزق قلبها:
-عاوزني أكمل حياتي إزاي بطريقة طبيعية بعد اللي إخواتي وأمي عملوه فيا؟!
انتفض قلبهُ حـ.ـز.نًا عليها ليأن حين لمح شبح لدmـ.ـو.عها ليصف سيارته سريعًا على جانب الرصيف وعلى الفور فك وثاق حزام الامان ليقترب عليها فأكملت هي بما شطر قلبهُ لنصفين:
-إخواتي كانوا هيرجعوني عبدة تحت رجلين نصر ومـ.ـر.اته لولا ظهورك في الوقت المناسب يا فؤاد
واستطردت بدmـ.ـو.عها التي انهمرت بغزارة وهي تنطق بأنين:
-إنتَ فاهم يعني إيه أرجع أعيش مع راجـ.ـل مخلاش حاجة تحسسني بالذل والألم إلا وعملها فيا؟!
-ششش...قالها وهو يجذبها ليسكنها داخل أحضانه ويضمها بقوة ليشعرها بوجوده،وللعجيب أنها تمسكت بتلابيب قميصه وتركت العنان لدmـ.ـو.عها لتنسابُ،وضع كفه فوق ظهرها وبات يحركه صعودًا وهبوطًا بطريقة ناعمة استشعرتها تلك الباكية وبالفعل هدأت من روعها قليلاً،مال على رأسها وضمها بشمول وهو يهمس بحنو:
-عيطي يا حبيبي، عيطي وخرجي كل اللي واجعك
ظلت تبكي بحرقة لوقتٍ تعدى العشرة دقائق وهو يهدهدها كصغيرته ويهمس لها بكلمـ.ـا.تٍ مطمأنة كي يشمل روحها بالحنان،فاقت على كلمـ.ـا.ته الهامسة بجانب أذنها:
-إهدي يا قلبي وإوعي تخافي،أنا معاكِ
تحمحمت وابتعدت عن احضانه ليسألها باهتمام:
-بقيتي أحسن؟
اكتفت بهزة من رأسها ليتنهد بأسى لحالتها ثم تحرك عائدًا إلى مقعده ليتابع القيادة من جديد، بعد قليل توقف بها أمام متجرًا كبيرًا للمصوغات الماسية والذهبية،تنهد براحة ونظر لها ليقول بهدوء:
-يلا يا حبيبي
تعجبت لتسأله باستفسار:
-هنروح فين؟!
-إنزلي وهت عـ.ـر.في
ترجل من السيارة واستدار سريعًا ليفتح لها الباب،مد يده لتضع كفها داخل خاصته ليحتضنها بشمول ويتحركا للداخل وهو يرفع قامته بكبرياءٍ يرجع لسعادته بامتلاكها،ولج لداخل المتجر ليهرول عليه مالك المكان متحدثًا بترحيبٍ عالي:
-أهلاً وسهلاً، نورت المكان يا باشا
تـ.ـو.ترت من فخامة المكان والقطع النادرة الظاهرة من الڤاترينات الزجاجية ليتابع الرجل بإنحناءٍ كتعبيرًا عن تقديره لها:
-أهلاً يا هانم،شرفتينا
هزت رأسها بشرود ليجيبهُ فؤاد بصوتٍ قوي:
-أهلاً بيك يا خليل،جهزت لي اللي قولت لك عليه؟
على الفور أجابهُ بطاعة:
-كل طلباتك إتنفذت زي ما جنابك أمرت بالظبط يا باشا
أشار الرجل بكفه صوب الصالون المذهب المتواجد لاستقبال الزائرين من صفوة المجتمع وقدm لهما مشروبًا،اقتربت منه لتهمس متسائلة:
-إحنا جايين هنا ليه يا فؤاد
مال عليها ليهمس بحبورٍ:
-علشان نجيب شبكتك يا عروسة
ابتلعت لعابها ليمسك كفها يساعدها على الجلوس وهو يعاملها كالأميرات المدللات، جلست وجاورها الجلوس واضعًا ساقًا فوق الأخرى ليأتي الرجل ممسكًا بعُلبة فخمة ليضعها صوب أعينهم لتكشف عن قلادة ألماسية تبهر من يتطلع إليها وتخـ.ـطـ.ـف بصره،تلاهُ رجلين من العاملين بالمتجر ممسكين بعُلبتين الأولى بها خاتمًا أقل ما يقال عنه بأنه تحفة فنية صُنع بحرفية عالية، أمسك بالخاتم وبات يتطلع عليه ثم قربه من عينيها ليسألها بتوقير:
-إيه رأيك يا حبيبي؟
-حلو قوي... نطقتها بنبرة متـ.ـو.ترة ليباغتها بلمس كفها وإلباسها إياه ليدخل بأصبعها بسهولة وكأنهُ صنع بمقاس إصبعها خصيصًا لتسأله باستغراب:
-منين عرفت مقاس صباعي؟
-البركة في عزة...قالها هامسًا وهو يتذكر منذ يومان حيث طلب من عزة أن تجلب له خاتمًا دون إخبـ.ـارها لاخذ المقاس وقد فعلت،ابتسمت إيثار ليرفع هو كفها واضعًا قُبلة إحترام فوق أصبعها التي ترتدي بداخله الخاتم تحت شعورها بقشعريرة لذيذة سرت بجسدها، أمسك عُلبة القلادة ليسألها من جديد:
-عاجبك؟
-كفاية الخاتم...نطقتها باستحياء ليجيبها الجواهرجي بتفاخر:
-كفاية إيه بس يا هانم،دي شبكة خطيبة فؤاد باشا علام
-حرم فؤاد علام...قالها مصححًا للاخر وهو يتطلع عليها بفخرٍ واعتزاز جعلها تنظر إليه بعيني مسحورة،نطق الرجل بحماس:
-ألف مبروك يا باشا، مبروك يا هانم
-ميرسي...نطقتها بخجل ليسألها من جديد مؤكدًا عليها:
-مقولتيش رأيك يا حبيبي
-حلو قوي يا فؤاد... قالتها بخجل ليتحدث إلى الجواهرجي بنبرة جادة:
-جهزت لي الخُلخال يا خليل؟
اتسعت عينيها بذهول لينفتح فاهها تلقائيًا وهي تنظر ببلاهة لذاك الرجل الذي تحدث وهو يتلقى عُلبة أخرى من يد المساعد لديه:
-موجود يا باشا ونفس الصورة اللي جنابك بعتها لي على الواتس
-خلخال يا فؤاد!...همست بها ليؤكد بعدmا همس بأذنها:
-خلخال يا سارقة عقل فؤاد
تحمحم الرجل ليسألها باحترام:
-إيه رأيك يا هانم
تطلعت إليه لتقول وهي تشير بكفها باتجاه حبيبها الذي أصيب بهوس غرامها وانتهى الامر:
-إسأل الباشا
كظم إبتسامة كادت أن تنفلت منه رغمًا عنه ليتحدث إلى ذاك المسمى بخليل:
-هايل يا خليل،جهز لي الفاتورة
انحنى الرجل ليقول وهو ينسحب للخلف بتوقير:
-أوامرك يا جناب المستشار
تطلعت عليه لتنطق ومازالت أثار الصدmة تعتلي ملامحها:
-مطلعتش سهل يا سيادة المستشار،خلخال؟!
-متأكد إنه هيجنن عليكِ وخصوصًا مع لانچرى نبيتي
-إنتَ قليل الادب... قالتها بحدة لتنطلق منه ضحكة رجولية أثارت حفيظتها،صمتت ثم سألته بفضول كاد أن يُنهي عليها:
-فؤاد، هو الخلخال ده ألماظ ولا مجرد إكسسوار؟
قطب جبينه قبل أن يجيب على سؤالها بمشاكسة:
-عيب عليكِ،مرات فؤاد علام هتلبس إكسسوار بردوا
-بس ده إفترا،هلبس الماظ في رجلي؟!...قالتها باعتراض لينطق وهو يتعمق بعينيها:
-ألماظ الدنيا كله فدا نظرة رضا واحدة من عنيكِ يا إيثار
انتفض قلبها لتبتسم له بحنان ليخبرها بنبرة حنون:
-فاكرة هدية عيد ميلادك
قطبت جبينها بعدm استيعاب ليسترسل مفسرًا:
-الإسورة
تذكرت على الفور لتهز رأسها ليبتسم هو متابعًا:
-موجودة في خزنتي في البيت،أول ما نروح هلبسها لك بنفسي
ابتسمت تطالعه بامتنان قابلهُ بنظراتٍ عاشقة لكل إنشٍ بوجهها، بعد قليل خرجا من المتجر يرافقهما أحد العمال وهو يحمل حقائب المشتروات،وضعها داخل السيارة ليتحرك فؤاد باتجاه إيثار ليفتح لها باب السيارة لتستقل مقعدها برقي، استقل هو الاخر مقعده وبعد قليل توقف جانبًا لتنظر إليه متسائلة باستغراب:
-وقفت ليه؟!
كان يتطلع أمامه، أخذ نفسًا عميقًا ثم استدار بجسده ليقابلها، تعمق بعينيها فقرأت بهما حديثًا يخشى عليها من معرفته،ابتلعت لعابها لتسألهُ بتوجس:
-فيه إيه يا فؤاد، إتكلم
اقترب عليها وقام باحتواء كفيها بخاصتيه لينطق بعينين مترقبة:
-نصر البنهاوي رفع قضية لضم يوسف واستشهد بقسيمة جوازنا
شهقة عالية خرجت من صدرها الذي نزل الخبر عليه وكأنهُ خنجرًا مسموم ليشقه لنصفين، صاحب الشهقة اتساع لعينيها ليقترب منها أكثر وهو يقول على عجالة:
-متخافيش يا بابا أنا معاكِ، وبالنسبة للي عمله ده خطوة روتينية وإحنا كنا متوقعينها
هزت رأسها باستسلام لتهبط دmعاتها مما جعله يرفع كفيها ليجففهم لها سريعًا وهو ينطق بكلمـ.ـا.تٍ تخرج من قلبه لا لسانه:
-محدش هيقدر ياخد يوسف من حـ.ـضـ.ـنك،أنا وعدتك
هزت رأسها رافضة حديثه لتهتف بهيستريا:
-نصر هياخده مني، إنتَ متعرفهوش، ده راجـ.ـل مفتري وإيده طايلة
وضع إبهامه فوق شفتيها ليمنعها من الحديث لينطق هو في محاولة منه لتهدأتها:
-إهدي يا بابا،نصر مين اللي بتتكلمي عنه، ييجي إيه هو في بحر علام زين الدين
هدأت قليلاً ليتابع تهدأتها بكلمـ.ـا.ته الصادقة:
-أنا وعدتك إن مفيش مخلوق هيقدر ياخده من حـ.ـضـ.ـنك حتى لو هستعمل نفوذي ونفوذ أبويا
واستطرد بثباتٍ وذو مغزى:
-بس إن شاء الله مش هحتاج لكده
تمسكت بكفيه بقوة لتنطق بنظراتٍ توسلية:
-إوعدني إنك مش هتتخلي عني ومش هتخلي حد ياخد يوسف مني يا فؤاد
-أوعدك يا قلبي،أرجوكِ إهدي بقى...قالها بنظراتٍ حنون لتهز رأسها بطاعة،إقترب منها وضمها لأحضانه بقوة وتعجب باستغراب لتجاوبها معه، فقد شـ.ـددت من عناقة وكأنها تطمأن حالها بالقرب من قلبه التي تستمع لدقاته العالية،شـ.ـدد من ضمتها وظلا يلتصقان أكثر وكأن كلًا منهما وجد ملاذه الأمن داخل أحضان الأخر، ابتعد قليلاً ليتطلع عليها فوجدها تتمعن بعينيه بحالة من الهيام،مرر إبهامه فوق شفتها وهو يتعمق بمقلتيها،حكت العيون وقامت بفضح كلاهما وما شعر بحاله إلا وهو يقترب من شفتيها ناظرًا لهما بشوقٍ ورغبة بقطف أولى ثمار شفتاها الكريزية،وأخيرًا لامس شفتيها ليقبلها برقة ورومانسية جعلتها تغمضُ عينيها وتذوب معه وهي تتذوق أشهى قُبلة ممكن أن تتذوقها إمرأة على يد معشوقها،ذابا معاً وتعمقا بالقبلة التي تحولت من هادئة ناعمة إلى قوية متعمقة ثم شرسة تنم عن مدى جوع كلاهما واحتياجه للمزيد من الأخر،ابتعدا كلاً منهما مجبرين لحاجتهما القوية للهواء،باتا يأخذا أنفاسهم اللاهثة بقوة وصدريهما يعلوان ويهبطا،هدأت أنفاسهما قليلاً لينظر من جديد لشفتيها فقد كان بحاجة للقرب أكثر والشرب من رحيق قبلاتها لكنه تحمل وجاهد حالهُ كي لا يجعلها تنفر منه أو تحـ.ـز.ن عنـ.ـد.ما يراودها شعورًا بإستغلاله لحالة ضعفها تلك بعد ان تعي لحالها، تحمحم ليتحدث بنبرة عاقلة لقلبٍ يذوبُ غرامًا:
-أنا عارف إنك بتحبيني ومتأكد من إنك عوزاني زي ما أنا عاوزك بالظبط
واستطرد بنبرة تشعُ حنانً كي يزرع داخلها شعور الطمأنينة:
-وعارف إنك مشوشة وإن اللي حصل لك بعد وفاة عمي غانم مأثر على تفكيرك وأنا عاذرك، خدي الوقت اللي يكفيكِ وأنا هفضل مستنيكِ،عمري ما همل من الإنتظار
ابتسمت بحنان ليسترسل وهو يمرر أصبعه فوق شفتيها تحت رعشة جسدها متعمقًا بعيني تنطقُ عشقًا وتفيضُ حنانًا:
-عاوزك ت عـ.ـر.في إني عمري ما حبيت قبلك،وإن إنتِ الست الوحيدة اللي قدرت تسيطر على قلبي وتملك زمامه يا إيثار
بلهفة نطقت بعيني متشوقة للإجابة:
-بجد يا فؤاد؟
-بجد يا عيون فؤاد...نطقها وهو يقترب من شفتيها من جديد ليلتقط شفتها السُفلى بين خاصتيه ويغيب معها لعالمٍ يخطواه لأول مرة، فبرغم تجربة الزواج السابقة لكلٍ منهما إلا أنه يتذوق كل شئٍ مع الحبيب وكأنهُ يحياه للمرة الأولى،صدق من قال أن كل شيئًا مع الحبيبِ مختلف.
قاد السيارة من جديد،عادت تلك الحالمة إلى المنزل لترتمي فوق الفراش وكأنها فراشة تهيم في سماء العشق وما كان حاله ببعيدٍ عنها،بعد قليل نزلا ليتناولا العشاء ثم انتقلا إلى الحديقة وقضيا ليلتهما يتبادلان اطراف الحديث فيما بينهما أمام حوض السباحة حتى تأخر الوقت كثيرًا فاضُرا للصعود كي يغفوا هو بضعة ساعات قبل ذهابه إلى العمل
********
فاقت من نومها في حدود الساعة العاشرة تناولت إفطارها وصعدت من جديد لترتدي ثيابها كي تستعد للذهاب إلى شقتها الخاصة لجلب بعض الثياب التي تحتاج إليها،ولجت عزة لتسألها باستفسار:
-استأذنتي من سيادة المستشار
أجابتها بلامبالاة ترجع لعدm اعتمادها على أحد منذ البعيد:
-هستأذن منه في إيه يا عزة،هو أنا مسافرة، أنا رايحة بيتي اجيب شوية حاجات ناقصاني وراجعة على طول
-يا بنتي ليزعل...قالتها بـ.ـارتياب لتجيبها الاخرى وهي تتحرك للأمام:
-متقلقيش، فؤاد عقله كبير
ذهبت إلى شقتها جلبت بعض حاجتها الخاصة بها وبيوسف وايضًا عزة وعادت سريعًا،لم يعد فؤاد ظهر هذا اليوم لانشغاله بقضية غاية في الأهمية، عاد ليلاً ليوقفه رجل الحراسة ليقول له:
-فؤاد باشا،مدام إيثار خرجت النهاردة وأنا حاولت أخلى حد من الحراسة يروح معاها بس هي رفضت
تحولت عينيه لحادة ليسأله بنبرة هلعة:
-يعني إيه، خرجت لوحدها؟!
أومأ له بإيجاب ليقول بنبرة غاضبة:
-وإنتَ لزمتك إيه قدام البوابة يا بيه،أنا مش قايل لك لو حصل أي حاجة تتصل بيا فورًا وتبلغني؟!
-يا سعادة الباشا أنا اتصلت بيك كتير جداً وجنابك كنت بتكنسل عليا...قالها الرجل بجسدٍ مرتعش ليدخل سريعًا بعدmا وبخ الرجل وتوعد له بالعقـ.ـا.ب، صعد السلالم بطريقة اظهرت كم غضبه ليقطع طريقه هبوط إحدى العاملات وحظها السئ الذي واجهها بذاك الثائر،استشاط غضبًا ليقول بملامح وجه لا تبشر بخيرًا:
-بلغي إيثار هانم إني مستنيها في اوضتي، عشر دقايق وتبقى قدامي، مفهوم
ارتعب جسدها لتهز رأسها ببلاهة وتسرع خلفه، ولج هو لغرفته لتدخل هي بسرعة وهي تقول لتلك الجالسة فوق فراشها تتطلع على جهاز الحاسوب بتعمق:
-فؤاد باشا مستني جنابك في جناحه وبيستعجلك يا هانم
قطبت جبينها متعجبة طلبه،ارتدت معطفًا فوق المنامة البيتية وتحركت إليه، دقت الباب بهدوء لتستمع لصوته الحاد من الداخل، فتحت الباب لتجده مواليها ظهره المتصلب من شـ.ـدة غضبه وخوفه عليها،تحمحمت لتنطق بصوتٍ هادئ:
-مساء الخير يا فؤاد
باغتها بإلتفافه السريع ليرمقها بنظراتٍ حادة كالصقر وهو يسألها متجنبًا تحيتها:
-إنتِ خرجتي من البيت النهاردة؟
تحمحمت لتجيبه بتلقائية:
-أه،روحت شقتي علشا...
قاطع حديثها بقوة لينطق متجاهلاً أسبابها بطريقة فظة أشعرتها بالإهانة:
-ميهمنيش رايحة فين وليه، أنا اللي يهمني هو إزاي تخرجي من البيت من غير إذني، لا وبتعاندي مع الحرس اللي حب يعرفك إني منبه محدش يخرج من غير ما أكون عارف وأنا بنفسي اللي مدي أوامر للحرس بخروجه
واستطرد بجنونٍ عنـ.ـد.ما جال بخاطره فكرة أن نصر أو عمر كان يراقب تحركاتها وأصابها بمكروهٍ:
-ده أنتِ من جبروتك رفضتي إن الحرس يرافقك
هتفت تسأله بحدة بعدmا أثارت طريقته المقللة لشأنها لحنقها:
-هو أنا تحت الإقامة الجبرية ولا إيه سيادة المستشار،ولا اكونش محبوسة وأنا مش واخدة بالي
هتف بنبرة مشتعلة من طريقتها الحادة:
-الغلطان بيعتذر يا مدام،مش بيرد على مواجهته بأخطائه ببجاحة
صاحت بنبرة غاضبة ترجع لعدm تقبلها لطريقته المهينة لشخصها:
-أنا ما أسمحلكش تكلمني بالطريقة دي
اتسعت عينيه ليرمقها باشتعالٍ وهو يقول بغضبٍ متعجب:
-إنتِ إزاي بجحة كده، لا بجد إزاي، يعني غلطانة وخرجتي بدون إذني وعرضتي نفسك للخطر،ده غير إنك خليتي شكلي زي الزفت قدام الحرس وكمان مش عاجبك؟!
صاحت بحنقٍ رافضة لفرض قيوده عليها:
-أنا حرة، وإنتِ والحرس بتوعك تروحوا تفرضوا أوامركم على أي حد غيري
هتف مزمجرًا بعدmا اتسعت عينيه بحِدة من شراستها:
-إنتِ مش حرة يا هانم،البيت ده ليه قوانين وقواعد،وطالما قعدتي فيه يبقى سيادتك مجبرة تلتزمي بقوانينه،مش سويقة هي علشان تتصرفي من مزاجك.
تراجعت للخلف وهي تبتلع ريقها بتوتُر وقد كَسىَ الخجل والإحراج وجهها ليسترسل الأخر بطريقة أكثر عنفًا متغاضيًا عن صدmتها من حديثه:
-ليكِ حدود في البيت ده،وياريت تلتزمي بيها علشان متشوفيش الوش التاني لفؤاد علام واللي أكيد مش هيعجبك.
كانت تستمع إليه ومقلتيها متسعتين للغاية، تهز رأسها لاإراديًا بعدm استيعاب لتلك الحالة التي ولأول مرة تراهُ عليها
أولتهُ ظهرها لتُسرع إلى الباب وتهرول للخارج بعدmا اغلقته بقوة هزت أركان الحجرة، بخطواتٍ سريعة وصل إلي الباب وكاد أن يخرج خلفها ليلحق بها ويعتذر عما بدر منه بلحظة غضب ترجع لخوفه الشـ.ـديد عليها،لكنه تراجع باللحظة الأخيرة بعدmا أمسك بمقبض الباب استعدادًا لفتحه، عاد خطوتين للخلف لتكفهر ملامحهُ وهو يهز رأسه باستسلام مطلقًا زفرة حادة تنم عن مدى غضبه واشتعال روحه، وضع كفه فوق شعر رأسه ليجذب خصلاته للخلف بطريقة عنيفة اظهرت كم الغضب الذي اعتراه
عودة لتلك التي ولجت لغرفتها المخصصة لها لتغلقها خلفها وترتمي على ذاك المقعد المجاور للتخت، شرعت ببكاءٍ مرير يقطع نياط القلب، شهقت بقوة ولعنت حالها وغباءها الذي صور لها أنه بالفعل أصبح قريبًا منها للحد الذي يسمح لها بالتحرك بحرية في المنزل،خرجت منها شهقة قوية عبرت عن مدى القهر الساكن بداخلها، لأول مرة بكامل حياتها تُوضع بمثل هكذا موقف،شعرت بالمرارة على ما وصلت إليه،لما فعلت هذا،هي التي وضعت قوانينها بعدm السماح للاخرين بالقرب منها بعدmا رسمت حدودها الخاصة بعدm الإقتراب،لما كـ.ـسرت حاجزها التي شيدته طيلة تلك السنوات لتقترب منه لهذا الحد بل وتسمح له بالغوص بداخل أعماقها واستكشاف ما بها،باتت تسب وتلعن حالها على موافقته لعقد القران الذي من الواضح بأنه سيتخذه سلاحًا للتحكم بها وفرض قيوده عليها، ضلت على هذا الحال لفترة طويلة حتى شعرت بتملل صغيرها بنومه، فتحركت سريعًا إليه بعدmا وجدته يرفع رأسه لاعلى باحثًا عن مصدر أمانه الوحيد بتلك الغابة الموحشة، وما أن اسرعت نحوه وسحبته لداخل أحضانها حتى استكانت روحه وعلى الفور عاد إلى غفوته من جديد، تنهدت بضيق ثم أغمضت عينيها لتطبق جفنيها بقوة وتسمح لدmـ.ـو.عها الحارة أن تنهمر من جديد، ازدردت لعابها ثم تنهدت بهدوء بعدmا اهتدت لخطوتها التالية والتي لابد أن تقوم بها مُنذ الصباح لحفظ ما تبقى من كرامتها،أمسكت هاتفها الجوال وضغطت على رقم عزة وانتظرت حتى جاءها الرد من تلك التي كانت تنعم بغفوتها وانتفضت على أثر ذاك الإتصال لتُجيب بصوتٍ متحشرج من أثر النعاس:
-خير يا بنتي،إيه اللي مصحيكِ لحد الوقت، دي الساعة عدت من اتنين!
تحمحمت لتجلى صوتها ثم تحدثت بصوتٍ باكي لم تستطع السيطرة عليه:
-جهزي شنطة هدومك علشان هنرجع لشقتنا أول ما النهار يطلع
ضيقت عينيها لتسألها مستفهمة:
-إيه اللي حصل يا إيثار، هو أنتِ إتخانقتي إنتِ وفؤاد!
-إسمعي الكلام يا عزة وبلاش أسئلة كتير، الله يخليكِ أنا مش ناقصة...نطقت كلمـ.ـا.تها بنبرة بائسة فاستشفت الاخرى أنها قد وصلت لذروتها من الغضب فقررت الاستجابة لحديثها كي لا تزيدها على إبنتها التي لم تحظى بإنجابها لتجيبها بطاعة:
-حاضر يا حبيبتي، أول ما النهار يشُق هطلع أساعدك في توضيب شنطك إنتِ ويوسف
أغلقت معها بدون إضافة كلمة أخرى لتتنهد وتندثر بجسدها للاسفل واضعة رأسها فوق الوسادة لتقع صريعة للنوم بعد عدة ساعات بعدmا أنهكها البكاء.
↚
متمردة،عنيدة، شرسة ومستفزة،أنانية ولا تهتم سوى بحالها،شعارها المرفوعُ دائمًا فليذهب الجميع إلى الجحيم ما دُمتُ أنا بخير،ألقابٌ حَصِلتُ عليها ويعلم الله أني بريئةٌ من جميعها،ولو أنهم تأنوا وغاصوا بأعماقي لوجدوا فتاةً صغيرةً تحتضن حالها وتحتويها بساعديها الضعيفين،نظراتها المرتعبة تجول هُنا وهناك بهلعٍ مترقبةً للأخطار المحيطةِ بها دومًا،بجوارها سيفًا حادًا صنعته من صبرها وسنتهُ بسعيها لحماية قلبها الموضوع بين الضلوع،من تسول له نفسه بمجرد الإقتراب منه تبادر بهجومها الضاري بمنتهى الشراسة لتظهر روح المحاربة الكامنةُ بداخلها،هي لا تحمي حالها ولا تهتم من الأساس،جُل ما يعنيها هو قلبها البرئُ وفقط،ذاك المتمثلُ بصغيرها"يوسف" هذا هو قلبها الساكن بالضلوع والمحاط بسياجٍ حديدي صنعته بكامل قوتها لحمايته.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
أتى الصباح واشرقت الشمس لتعلن عن ميلاد يومًا جديدًا بأملٍ جديد للجميعِ إلا من تلك الحزينة ذات الحظ السئ حيث فاقت باكرًا بعينين ذابلة وجفونٍ منتفخة بفضل بكائها الحاد ليلة أمس فهي من الأساس لم تغفو سوى ساعتين فقط،أمسكت هاتفها وتحدثت إلى عزة وطلبت منها الصعود وبغضون دقائق معدودة كانت تقف أمامها لتسألها بفضولٍ وإصرار بعدmا رأت ملامح وجهها المنطفأة،زمجرت الاخرى وأبت لكنها أضطرت لإخبـ.ـارها تحت إصرار الأخرى القوي،لتهتف عاتبة بحدة بعدmا استمعت لكامل ما حدث:
-غلطانة يا إيثار،وأنا قولت لك قبل ما تتحركي إنك لازم تستأذنيه قبل ما رجلك تخطي برة القصر،ده جوزك يا بنتي وده حقه عليكِ وإنتِ بنت أصول
رمقتها بنظراتٍ شـ.ـديدة اللوم قبل أن تسترسل بكلمـ.ـا.تٍ لازعة لكنها الحقيقة المؤلمة:
-ومتزعليش مني، اللي عملتيه معاه مفهوش ريحة الأصول
تنهيدة حارة خرجت من صدرها لتنطق بنبرة بائسة:
-عدى وقت الكلام ده يا عزة، وأنا حقيقي تعبانة ومش هقدر أتحمل أي كلمة فيها لوم أو عتاب من أي حد
واسترسلت بنبرة خافتة وجسدٍ هزيل وهي تتجه صوب الخزانة لتشير لها نحو الحقيبة:
-طلعي الشنطة يلا ولمي معايا الهدوم بسرعة خلينا نمشي،وأنا هقوم يوسف وألبسه علشان نوصله للمدرسة في طريقنا
-مش هتقولي له؟!...نطقتها عزة باستفهام لتنطق الأخرى نافية بحدة وشراسة ترجع لشعورها المرير بالإهانة الملازم لها منذ الأمس:
-طبعاً لا
ابتلعت غصة مريرة لتسترسل وهي تدفن نظراتها بطيات الثياب التي تجمعها كي لا تلمح الأخرى عينيها التي اغرورقت بدmـ.ـو.ع الألم والشعور بالتدني:
-استعجلي خلينا نخرج من هنا،وكفاية إهانة لكرامتنا لحد كده
كان يقف أمام مرآة الزينة يعقد ربطة عُنقه بملامح وجه مكفهرة نتيجة ما حدث بينهُ وبين تلك الجميلة، انتهى من الربطة ليمسك بقنينة عطره ويقوم بنثر بعضًا من الرذاذ فوق عنقه وذقنه وبعد أن انتهى أعاد القنينة لمكانها برتابة ليُلقي بنظرة أخيرة على هيئته المنمقة واضعًا أصابع يده تتخلل شعره الأسود الفحمي،تنهد بضيق وهو ينظر لملامحه العابسة ووجهه الذابل جراء ما حدث بينه وبين مالكة الفؤاد بالأمس،برغم غليان جسدهِ مما فعلته تلك العنيدة من حماقة كبيرة إلا أنهُ تألم لأجلها ولام حاله كثيرًا على غضبه المبالغ به وحديثه الحاد المهين لها،حُجتهُ الشرعية هي هلعه الذي أصابه عنـ.ـد.ما قص عليه الحارس ما حدث والذي لولا ستر الله عليهما لتعرضت لما لا يعلمهُ سوى الله وحده،زفر بعمقٍ ليخرج من صدره ناره المشتعلة منذ الأمس ثم تحرك صوب الباب بعدmا التقط حقيبة عمله، توقف أمام باب غرفتها بعدmا عقد النية على ألا يذهب إلى عمله قبل أن يقوم بتقديم الاعتذار لها كي لا يدعها للحـ.ـز.ن يسيطرُ عليها ويدmي قلبها، دق بابها فأتاه صوت عزة الاذن بالدخول، فتح الباب لتجحظ عينيه وهو يراها تقف أمام صغيرها الواقف فوق الفراش تساعده بإلباسه كامل ثيابه،ليحول بصره سريعًا نحو "عزة"حيث كانت تفرغ ما بداخل خزانة الثياب وتضعها بتلك الحقيبة الكبيرة الموضوعة فوق الفراش، إبتلع لعابهُ وارتجف جسدهُ حين استشف ما يحدث ليتساءل بصوتٍ خرج حادًا رغمًا عنه:
-إنتِ بتعملي إيه يا إيثار؟!
-زي ما أنتَ شايف،بنلم هدومنا وماشيين...نطقت كلمـ.ـا.تها باقتضاب وهي تتابع مساعدة صغيرها على استكمال ارتدائه لملابسه دون عناء النظر إلي وجهه ليسألها من جديد بصوتٍ جاد:
-يعني إيه ماشيين دي؟!
انتهت من إلباس الصغير الذي نظر إلى فؤاد وغمرهُ بابتسامة جعلت من قلبه يسعد رغم ما يشعر به من ارتياب، لتحول بصرها عليه وتجاوبه بعدmا ثبتت عينيه بخاصته بقوة وكبرياء يرجع لإحتفاظها بكرامتها:
-راجعين شقتنا،أظن كفاية لحد كدة، إحنا تقلنا عليكم زيادة عن اللزوم وكان لازم نمشي قبل كدة بكتير
زفر بقوة ثم حول بصرهِ لتلك التي تباشر وضع الملابس داخل الحقيبة بملامح وجه حزينة ليتحدث إليها بتودد:
-خدي يوسف وانزلي بيه تحت يا عزة علشان عاوز أتكلم مع المدام لوحدنا
كادت أن تتحرك لولا صوت إيثار التي هتفت بحدة وهي ترمقها بشراسة:
-خليكي مكانك وكملي اللي بتعمليه يا عزة
ثم حولت بصرها إليه لتستطرد بنبرة جافة:
- مفيش كلام ممكن يتقال تاني بعد اللي اتقال إمبـ.ـارح يا سيادة المستشار
زفر بهدوء محاولاً كظم غيظه من تلك العنيدة التي ستصيبهُ بجلطة لا محال،فقد فعلت معه ما لم يتجرأ بشرًا على الإطـ.ـلا.ق فعله ومع ذلك يتمنى نول الرضا منها، ولتتدلل كيفما تشاء فدلالها كالعسل المُصفى بالنسبة له وهواها أشبه بالترياقِ للعليل،أشعلت نيرانه بحديثها الحاد ليهتف بحدة وهو ينظر لتلك التي تابعت ما تفعل وكأن حديثهُ والعدmِ سواء:
-هو أنا مش قولت لك تاخدي الولد وتنزلي؟!
ليسترسل بعينين تطلق سهامًا نارية تنذر بنشوب حربٍ شرسة:
-الكلام مبيتسمعش ليه؟
ارتعب داخل عزة من نظراته النارية لتسرع إلى إيثار تبسط زراعيها لحمل الصغير عن تلك التي رفضت في البداية لتسلمها إياه لتتراجع مستسلمة بعدmا رأت زمجرت ذاك الغاضب مع رمقهِ لها بنظراتٍ تحذيرية أرعـ.ـبت داخلها،هرولت عزة بالصغير للخارج لتغلق الباب خلفها،تحرك صوبها بعد خروج عزة ليقف مقابلاً لها واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ليسألها بنظراتٍ عاتبة وصوت حبيبٍ لائم خرج بنبرة خافتة برغم اشتعال روحه:
-ينفع اللي بتعمليه ده؟!
واسترسل بعيني تشعُ حنانًا وبنبرة هادئة أشبهُ بإعتذارٍ:
-هو أنا علشان اتنرفزت عليكِ شوية تقومي تلمي هدومك وعاوزة تسيبي بيتك؟!
1
أجابته بنبرة منكـ.ـسرة ونظرات عيناي أظهرت كم ألمها:
-بيتي!،بس ده مش بيتي يا سيادة المستشار، أنا عارفة حدودي في البيت ده كويس قوي،أنا هنا ضيفة، مجرد ضيفة، وضيفة تقيلة كمان
تعمقت بمقلتيه لتسترسل تأكيدًا على حديثه المهين ليلة أمس:
-وعلشان عرفت حدودي وقيمة نفسي قررت أرجع شقتي وأصون كرامتي أنا وإبني
-وهي كرامتك مش متصانة هنا يا إيثار؟!... سؤالاً وجههُ لها بعينين معتذرتين لتهتف بعدmا اغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع الألم الممتزجة بالخجل والإنكسار:
-أنا عمري ما حسيت بالإهانة زي ما حسيتها في كلامك ليا إمبـ.ـارح
تنهد بثقل لرؤيتهُ لغيمة دmـ.ـو.عها، اقترب منها ممسكًا بكف يدها ليهتز جسديهما معًا لذاك الشعور الذي أصاب كليهما وأربكهما ليتحدث هو متحاملاً على حاله:
-متخليش موقف عابر يأثر عليكِ ويخليكِ تاخدي قرار غلط في وقت غضبك
واستطرد موضحًا سبب ثورته عليها بالامس:
-أنا ما اتنرفزتش غير لما عرفت إنك خرجتي لوحدك ومن غير حراسة،إترعـ.ـبت عليكِ لما الحارس بلغني، مجاش في بالك إن ممكن نصر يكون متابعك ويأذيكِ؟!
إقترب عليها أكثر ليتابع بمراوغة أراد بها الإستحواذ على مشاعرها كي ينال استرضائها:
-الاستاذة شكلها نسيت إنها بقت مراتي وبالتالي لازم تستأذنيني قبل أي خطوة تخطيها برة القصر؟!
ابتلعت لعابها من قُربه ورائحة عطره المُسكرة التي تسللت عبر أنفها لتحارب شعورًا عارمًا إجتاحها يطللبها بقوة بإغماض عينيها والإرتماء داخل أحضانه لتتنعم بحنانه الذي تستشعرهُ من خلال أشعة عينيه ليسترسل هو مداعبًا إياها للتخفيف من وطأة حـ.ـز.نها:
-وبعدين هي كل واحدة جوزها يقولها كلمتين وهو متنرفز تلم هدومها وتسيب البيت؟!
ارتجف قلبها بقوة من حديثهُ المتودد وابتسامته الخلابة التي أسرت لُبها وما كان منها سوى إبتسامة ساحرة ارتسمت فوق ثغرها هاج قلبهُ على أثرها وطالبهُ بالتحرك الفوري لإنقاذ دقاته المتسارعة،امتثالاً لذاك المتيم بسط كف يدهُ يتلمس بهِ وجنتها التي توهجت بفعل كلمـ.ـا.ته ومازاد من اشتعالها هي لمساته الحنونة تلك ونظرات عينيه الأسرة لقلبها الذي فتح له بابه على مِصْراعيه،شعورًا هائلاً تملك منه ولن يشعر بحاله سوى وهو يميل على شفتيها ليلتقطهما بين خاصتيه ويذوبُ داخلهما بنعومة جعلت تلك الرقيقة تُغمض عينيها وتذوب مستسلمه لقُبلته التي بادلتهُ إياها وارخت بجسدها مستسلمة، شعر بـ.ـارتخائها بين يديه كقطعة شيكولاتة ذائبة داخل كوبًا من القهوة الساخنة مما جعل قلبهُ يرفرف من شـ.ـدة حبورهُ فزاد من تعمقه بالقُبلة وضم جسدها بقوة إليه تحت استحسانها ورغبتها،تسللت يدها خلف رأسه لتداعب أناملها خصلات شعره الناعمة بحركة عفوية جعلت من خلايا جسده تتصلب بالكامل ليبتعد قليلاً لاهثًا ينظر لعينيها متلهفًا ليجد ما تمناهُ منها وانتظره طويلاً، كان صدره يعلو ويهبط تأثرًا باللحظة،داعب وجنتها بأصابعه بنعومة وتحدث بنبرة حنون تحت خجلها:
-أنا عندي شغل مهم قوي ولازم أتحرك فورًا،هتأخر فيه لحد الساعة ثمانية بالليل،بس هنكمل اللي بدأناه ده لما أرجع
ثم مال بجانب أذنيه هامسًا بنعومة أذابت جسدها:
-عاوز أرجع من شغلي ألاقي مراتي مستنياني في أوضتنا،سمعاني يا إيثار، أوضتنا وعلى سريرنا
ليبتعد برأسهِ للخلف قليلاً ويرفع فكها ليحسها على النظر بعينيه هامسًا بنعومة أذابت قلب كليهما:
-إتفقنا يا حبيبي؟
شعرت بأنفاسها تكاد تنقطع لشـ.ـدة خجلها وسعادتها معًا،"حبيبي"يا لها من كلمة ساحرة تأسرها وتسحبها لعالمٍ خاص لم تطأ قدmيها داخله سوى مع ذاك الوسيم وفقط،اكتفت بهزة رأسها بإيمائة اشعلت بها قلب ذاك الملتاع الذي طبع قُبلة رقيقة فصلها سريعًا خشيتًا التعمق بها ليتحدث بصدرٍ يعلو ويهبط من شـ.ـدة الإشتياقِ والإحتياج:
-إبقى خلي عزة تيجي تبات هنا مع يوسف علشان ميقلقش لوحده، وأنا هخلي سعاد تجهز لنا الجناح،وشوفي لو محتاجة أي حاجة معينة قولي لها تجهزها وتطلعها لنا
أومـ.ـا.ت بخجلٍ جعل من وجنتيها محمرتان كجمرة نار،تنفس بصعوبة ليهرول متحركًا للخارج مجبرًا قبل أن يضـ.ـر.ب بعملهِ عرض الحائط ويبقى ويجذبها داخل أحضانه ليكملا ما بدأه معاً ويسبحا بجنتيهما المترقبة
أغلق خلفهُ الباب ومازالت تلك الهائمة تنظر لأثره وحالة من الولع الشـ.ـديد تسيطر على كامل كيانها، تنهدت باستمتاع وهي تتلمس موضع شفتيه فوق خاصتها لتبتسم مغمضة العينين بحالمية هائلة، تحركت صوب الفراش لتلقي بجسدها عليه باستسلام وهي تعيد بذاكرتها ما حدث للتو وقلب الاوضاع رأسًا على عقب،كانت مبتسمة شاردة قطع تفكيرها عدة طرقات فوق الباب لتدلف بعدها عزة التي تعجبت تسطحها فوق الفراش بهذا الإسترخاء لتسألها بلهفة:
-هكمل تقفيل الشنطة ولا هنعمل إيه يا بنتي؟
-رجعي كل حاجة زي ما كانت يا عزة،إحنا قاعدين خلاص... نطقتها بصوتٍ مسترخي ليسعد داخل السيدة لرؤية إيثار بتلك الحالة من الهدوء والرضا والإسترخاء لتكمل بابتسامة:
-طب قومي غيري هدومك علشان أجيب لك الفطار
قاطعتها وهي تتمطأ بدلال:
-مش عاوزة أفطر، أنا نعسانة قوي وعاوزة أنام
-يوسف راح المدرسة؟... قالتها بنعاسٍ لتجيبها الاخرى:
-أه، الاتوبيس جه وأنا سلمته بنفسي للمشرفة
أومأت برأسها لتقول وهي تنظر إلى الحقيبة الموضوعة بجانبها:
-نزلي الشنطة واركنيها واقفلي لي الستاير والنور،ولما أقوم من النوم نبقى نرجع الهدوم مكانها
ابتسمت عزة وفهمت ما حدث،فعلت ما أملته عليها وجذبت الغطاء وفردته على جسدها بعناية بعد أن أوصتها الأولى برعاية الصغير وألا تغفل عنه،طمأنتها ثم تحركت تاركة إياها لتنعم بنومها التي سقطت بداخله على الفور ويرجع ذلك لعدm استطاعتها النوم ليلة أمس بفضل حـ.ـز.نها الكبير لكن الأمر اختلف كلياًّ الأن
*******
داخل منزل نصر البنهاوي
كان يقف بمنتصف غرفته يرتدي جلبابه الفلاحي ليستعد للخروج لمباشرة أملاكه الهائلة،فتح الباب لتلج منه إجلال وهي تتطلع عليه بترقبٍ كترقب الذئب بفريسته ثم نطقت بنبرة جادة:
-الفطار جاهز يا نصر والكل قاعد على السفرة مستنيك
تطلع عليها ثم تحرك ليقف أمام مرآة الزينة قبل أن يقول متهكمًا وهو يصفف شعر شاربه بعناية:
-البيه إبنك نزل ولا لسة نايم فوق زي النسوان؟
زفرت بحدة لاستغلال نصر نقطة ضعفها ألا وهي عمرو ليتهكم عليها في محاولاته الدائمة للضغط على أعصابها وإظهارها فاشلة بتربيته لتهتف بنبرة حادة:
-صاحي وقاعد برة،وياريت بلاش تقطم فيه قدام إخواته ونسوانهم، سيبه في حاله
زمجر بها بحدة:
-ماله حاله، مش كل اللي هو فيه ده بسبب عمايلة السودة وجريه ورا الحريم، خليه يشرب
ثم ضيق عينيه ليسألها بتوجسٍ:
-البيه مقالكيش كان طافش فين اليومين اللي فاتوا؟!
تنهدت بضيق لتجيبه بأسى:
-كان قاعد في المركز عند واحد صاحبه يفك عن نفسه شوية،
واستطردت بتعاطف:
-ده يا حبة عيني من ساعة ما رجع إمبـ.ـارح الصبح وهو نايم،اللي يشوفه يقول ما داقش ريحة النوم ليه إسبوع
هز رأسه باستسلام ليقول باستياءٍ وتوجس:
-يا خوفي منه، حاسس إن نهايتي ونهاية كل اللي عملتها طول عمري هتبقى على إيده
هتفت بقوة وحدة:
-فال الله ولا فالك يا نصر،إجدعن إنتَ بس ورجع له يوسف والحرباية بنت منيرة وهو حاله هيتصلح وهيبقى زي الفل
عدل من ياقة جلبابه ليقول بثقة عالية:
-أديني رفعت القضية عند أكبر محامي في مصر،والراجـ.ـل مطمني وقال لي إن الحضانة من حقنا والقضية مضمونة طالما الهانم اتجوزت
خرجا معاً لينضموا إلى الجميع حول الطاولة وبدأوا بتناول الطعام،نطقت سُمية بنبرة هادئة موجهة حديثها إلى نصر:
-بعد إذنك يا عمي،أنا هروح المركز النهاردة مع أمي علشان أكشف عند الدكتورة،أصلي تعبانة شوية
رمقها بحدة لينطق بكلمـ.ـا.تٍ لازعة:
-ما أنتِ زي القرد أهو وصحتك تهد جبال
-والله تعبانة يا عمي...قالتها بوجهٍ حزين كي تبتز تعاطفهم لتسترسل بإيضاح:
-رايحة لدكتورة النسا والتوليد
رفع نصر بصره يتطلع عليها ليسألها بلهفة:
-إنتِ حامل؟
ابتسمت بخيبة أمل لتحول بصرها إلى زوجها الجالس بجانب والدته بوجهٍ عابس يقلب بصحنه ويتناول منه القليل بدون شهية لترد متهكمة:
-وده هيحصل إزاي يا حسرة وإبنك سايبني وطافش برة البيت طول الوقت،واليلة اللي ربنا بيهديه وينامها في البيت بينامها لوحده في شقة بنت غانم
هتفت إجلال بشراسة وهي ترمقها باستنكار وازدراء:
-إتحشمي يا بت وإنتِ بتتكلمي قدام الرجـ.ـا.لة، ولا أمك معلمتكيش يعني إيه خشى؟
قاطعها نصر بحدة ليقول بنبرة غاضبة:
-بدل ما تقولي لها اتحشمي فهمي إبنك إن اللي بيعمله ده حـ.ـر.ام
-والله الحـ.ـر.ام هو إن بنت الـ.... دي... نطقها عمرو وسبها بأبيها ليسترسل وهو يرمقها باشمئزاز ونفور:
-تفضل قاعدة في بيتي وعلى ذمتي لحد الوقت، أنا مش فاهم أنتَ ليه مُصر إني مطلقهاش، واحدة مش طايق حتى ابص في وشها،بأي عقل تفضل على ذمتي، لا وكمان بتطلب مني أعاملها كزوجة واديها حقوقها
هب واقفًا واستطرد وهو يوجه لومه لأبيه:
-ولعلمك بقى،لولا إصرارك ده كان زمان مراتي وإبني في حـ.ـضـ.ـني من زمان
صاح بكامل صوته وهو يشير عليها باشمئزاز:
-إيثار رفضت ترجع لي علشان مطلقتش الحرباية دي
صاح نصر باستنكار ونظراتٍ كالصقر:
-عَليِ صوتك كمان على أبوك يا عمرو بيه وإرمي عليا خيبتك وفشلك
واستطرد بنبرة ساخطة رامقًا إياه بنظراتٍ تملؤها خيبة الأمل:
-بنت منيرة طفشت من دناوة نفسك ومشيك العوج، وبعدين مرات مين يا موكوس، كل شوية تصرخ لنا زي العيال مراتي مراتي، مراتك سابتك وراحت لوكيل النيابة يا بقف،
ختمتك على قفاك إنتَ واخواتها ونشنت على الراجـ.ـل اللي هيعرف يقف للكل بمنصبه ومنصب أبوه
واستطرد بابتسامة ساخرة:
-والله برافوا عليها بنت غانم، طلعت بنت أبوها بجد ونشنت والنشان صاب
احتدت ملامحه وامتلئت بالغضب والقسوة وما كان منه سوى الهرولةِ إلى الخارج كبركانٍ ثائر كي لا ينفجر بوجه أبيه
احتدmت ملامح إجلال لترمق نصر بنظراتٍ توعدية جعلته يبتلع لعابه رعـ.ـبًا،أما سمية فكانت تجلس بقلبٍ سعيد لرؤيتها لفوران عمرو بتلك الطريقة بعد توبيخ أبيه له،تحدثت ياسمين زوجة طلعت كي تهدأ من حدة تلك الاجواء المحتدmة:
-تعالي معايا النهاردة يا سُمية إنتِ وخالتي ناصرة،طلعت هيوديني للدكتورة اللي بتابع معاها
هتف نصر بنبرة غاضبة تنم عن مدى سخطه على حال أبنائه:
-ربنا ينفخ في صورتك المرة دي وتجيبي لنا حتت واد بدل ماسورة البنات اللي فتحتيها علينا
اجابهُ طلعت بنبرة واثقة:
-بعون الله هيطلع واد المرة دي يا حاج
ليسترسل بنبرة اظهرت كم حقده على الصغير لما يحظى به من حب واهتمام من والديه:
-وهجيب لك يوسف بدل إبن عمرو اللي طار مع أمه
تحولت ملامح نصر لحادة ليدق بكفه بقوة فوق الطاولة مما أرعـ.ـب الجميع لينطق بصرامة لا تقبل المناقشة:
-البيت ده مفهوش غير يوسف واحد، وقريب قوي هجيبه وينور بيت جده ويعيش فيه عيشة الملوك.
ارتعبت أوصال الجميع والتزم الجميع الصمت تحت حقد طلعت الدفين لذاك الصغير الذي لا ذنب له سوى برائته وطهارة قلبه.
*******
داخل منزل غانم رحمة الله عليه
نزلت منيرة من فوق الدرج بعدmا أطعمت الطيور فوق السطوح لترى نسرين تعدل من وضعية كيسًا كبيرًا مليئًا بحبوب القمح بينما تقف نوارة بالمطبخ تجلي الاواني،تطلعت عليها لتسألها مستفسرة لاعتقادها انهُ هدية من أحدهم:
-مين اللي جايب لنا القمح ده يا نسرين؟
-عزيز هو اللي جابه ورجع تاني على الارض... نطقتها بلامبالاة لتسألها من جديد:
-رجع يجيب باقي القمح يعني؟
ردت عليها ببرود:
-لا يا مرات عمي،عزيز مجابش غير الشوال ده وباع الباقي كله
اتسعت عيناي منيرة لتصيح بها بحدة وعدm استيعاب:
-باع خزين البيت؟!
لتسترسل باعتراضٍ حاد:
-ومنه لنفسه كده من غير ما يقولي؟،وهنقضي باقي السنة إزاي من غير خزين؟!
ولا هتاكلوا طوب بدل العيش؟!
مالت بخصرها بطريقة خالية من الإحترام لوالدة زوجها لتقول ببرود:
-وكنتي عوزاه يعمل إيه، باعه علشان يصرف على العيال بعد ما بنتك راحت اتجوزت من وراكم ووطت راسكم،وقفلت باب الرزق اللي كان هيفتحه لنا الحاج نصر
هتفت منيرة بملامح وجه مشتعلة لتعدي تلك الحقيرة عليها بالحديث المقلل لكرامتها:
-إوعي تجيبي سيرة بنتي على لسانك لاقطعهولك
بنبرة متهكمة تحدثت:
-بدل ما تقطعي لي لساني روحي ربي بنتك، وعلى فكرة، عزيز مش هيدخل محصول الارض في البيت تاني،عيالك الاتنين بيقبضوا وعلى قلبهم قد كده، خليهم يشتروا قمح وذرة لأكلهم هما وعيالهم
نطقت كلمـ.ـا.تها الحادة وصعدت الدرج وهي تقول:
-إبقى إعملي الغدا إنتِ ونوارة ونضفوا البيت علشان انا مش قادرة النهاردة
اشتعلت عيناي منيرة لتهتف بقوة:
-ماشي يا نسرين، إن ما خليت عزيز يربيكِ على كلامك ده ما أبقاش أنا منيرة
إستدارت لتجيبها بابتسامة مستفزة أحرقت قلب الاخرى:
-كلامي ده أوامر عزيز ليا يا مرات عمي،هو اللي قالي كده وقالي كمان اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل
نطقت كلمـ.ـا.تها التي املاها عليها عزيز بعدmا اتفقا سويًا بأن يأخذ أموال محصول الارض لحاله مما شجع نسرين على فرض سيطرتها وهيمنتها هي الاخرى على المنزل وعلى منيرة بذاتها بما أنها أصبحت زوجة كبير المنزل الحاكم الأمر.
أما نوارة فكانت تتوارى خلف حائط المطبخ تشاهد ما حدث بقلبٍ مهموم وصمتٍ كعادتها المسالمة،فقد تجبر عزيز وزوجته بعد وفاة غانم، وباتت نسرين تأمرها وتحملها جميع متطلبات المنزل لكنها لم تتوقع أن تتجبر على والدة زوجها هي الأخرى، تنهدت بثقل وهي تهمس بين حالها بنبرة متوجسة:
-ده ذنب المسكينة إيثار اللي كلنا شاركنا في ظلمها، ولسة ياما هيحصل فينا بذنبها
*******
فاقت من غفوتها وقد تخطت الساعة الحادية عشر ظهرًا،تمطأت لتفرد ذراعيها بدلالٍ ووجهٍ ضاحك حين تذكرت وعد حبيبها لها،نفضت الغطاء وتحركت إلى الحمام بنشاط وقامت بأخذ حمامًا،خرجت بعد قليل مرتدية "البورنس"لتتحرك صوب خزانة ملابسها لتختار بعض الملابس،انتقت كنزة من اللون الازرق وبنطالٍ أبيض وحجابًا من نفس اللون بعد كلام عزة اللائم لها عن عدm جواز ارتدائها للأسود المتوشحة به منذ وفاة والدها وأيضًا إتباعًا لأوامر ديننا الحنيف بعدm جواز إرتداء المرأة للزي الأسود"الحداد" ما فوق الثلاثة أيام ،استمعت لطرقات خفيفة على الباب لتدخل عزة التي توسعت عينيها وهي تردد بسعادة:
-الشمس نورت يا ست البنات، عين العقل إنك قلعتي الإسود،الحـ.ـز.ن في القلب وعمره ما كان باللبس أبدًا
ابتسمت بسعادة لتتطلع بتمعن على تلك الباقة الرائعة من الزهور وعلبة الشيكولاتة المرصوصة بعناية ودقة داخل طبق كريستالي فخم ومغلف بورق السيلوفان الشفاف، لتتذكر عزة وتقترب عليها قائلة بمزاحٍ لطيف:
-الباشا بيصبح
-فؤاد هو اللي باعتهم؟... قالتها بسعادة وهي تتناول باقة الزهور وتميل عليها تشتم رائحتها العطرة لتجيبها الاخرى بمشاكسة:
-العاشق الولهان بيصالحك بورد وشيكولاتة زي بتوع الافلام،الحارس قالي إنهم مبعوتين لمدام فؤاد باشا
شعرت بسعادة الدنيا تغمرها من حبيبها الذي لا يترك مناسبة إلا ويثبت بها أنها إمرأته التي تخصه،وضعت الباقة فوق الفراش واقتربت على عزة لتزيل ورق السيلوفان وتخرج إحدى حباة الشيكولاتة وتزيل غلافها لتتناولها،أغمضت عينيها تتذوقها بتلذذ واستمتاع،فقد كانت من النوع السادة المحبب لديها،ذابت بنعومتها بفمها ومازالت مغمضة العينين مبتسمة تحت سعادة عزة لتفتح عينيها عنـ.ـد.ما استمعت لصوت رنين الهاتف،امسكت هاتفها لتجده فارسها المغوار حيث نطق بنبرة حنون بعد انسحاب عزة للخارج:
-الشيكولاتة عجبتك؟!
-طعمها حلو قوي، تسلم إيدك...نطقتها بسعادة ليسترسل بذات مغزى ووقاحة:
-ولسه هيبقى أحلا لما أكلها لك بنفسي
ابتسمت وتنهدت براحة ليسترسل بنبرة جادة:
-إيثار، ممكن اللي حصل إمبـ.ـارح ده ما يتكررش تاني
واستطرد مرتابًا:
-إنتِ ليه مش مقدرة حجم الخطر اللي إنتِ فيه، أنا كنت همـ.ـو.ت من رعـ.ـبي عليكِ إمبـ.ـارح، مقدرتش أنام طول الليل كل ما أتخيل إن لا قدر الله كان ممكن يحصل لك حاجة وأنا مش جنبك
بنبرة أشبه بالهمس نطقت بكلمـ.ـا.تٍ أذابت بها قلبه:
-أنا أسفة يا فؤاد،أوعدك اللي حصل إمبـ.ـارح مش هيتكرر تاني
تنهد لينطق من جديد:
-وموضوع خروجك من البيت ورجوعك لشقتك القديمة ده تنسيه وتشليه من دmاغك نهائي،حتى لو زعلنا مع بعض،إنتِ خلاص بقيتي مراتي، يعني ده بيتك اللي مش هتخرجي منه غير بعد عمر طويل
-حاضر...كلمة أثارته بها لتسترسل مستوضحة:
-طب أنا كنت عاوزة أسألك على موضوع رجوعي للشركة، هرجع امتى أنا كده إتأخرت قوي وتقلت على الباشمهندس أيمن
أخذ نفسًا عميقًا ليجيبها بغموض:
-خلي كل حاجة لوقتها،نتكلم في الموضوع ده بعدين
-ما أنا عاوزة أعرف.... قاطعها بنبرة متوسلة لينطق بقلبه قبل لسانه:
-حبيبي،خلينا مبسوطين النهاردة ومنفكرش في أي حاجة غير في اللي هيحصل بينا وبس، أنا عاوزك تبقى ليا بكل ما فيكِ النهاردة حتى عقلك
خجلت ليستمع هو لطرقاتٍ فوق باب مكتبه لينطق سريعًا:
-أنا مضطر أقفل علشان عندي تحقيق مهم،خلي بالك من نفسك وحاولي تستجمي على ما أجي لك
-حاضر...نطقتها برضوخٍ أنثوي أثار حواسه لينطق بنبرة تهيمُ عشقًا:
-بحبك يا إيثار... قالها بكل ما فيه من هيام ليغلق الهاتف ويتركها سارحة في ملكوت عشقه
بعد قليل هبطت إلى الاسفل لتجد فريال تجلس ببهو القصر تطعم صغيرها اتجهت إليها لتتحدث بوجهٍ مبتسم مشرق في محاولة منها للتودد لها رغم تحفظ الاخرى بمعاملتها:
-صباح الخير
تطلعت عليها بعينين متفحصة لتتعجب، فقد كانت مختلفة كليًا إبتداءًا من تخليها عن الأسود مرورًا بنور وجهها المشرق وابتسامتها الرائعة الدالة على راحتها النفسية،أجابتها بهدوء:
-صباح النور
لتسترسل لخلق حديثًا بينهما:
-صاحية متأخرة النهاردة؟
ابتسمت الاخرى لاهتمامها لتجيبها وهي تجلس بمقابل مقعدها كنوعٍ من مجاراة الحديث:
-منمتش كويس بالليل
توقفت عن إطعام صغيرها لتنظر إليها بجبينٍ مُقطب وهي تسألها باهتمامٍ ملفت للنظر:
-ليه؟
ضيقت الاخرى عينيها متعجبة من ذاك السؤال لتسترسل الاخرى سريعًا لتعديل صيغة السؤال:
-اقصد يعني إيه اللي ماخلاكيش تنامي كويس، كنتي تعبانة ولا..
صمتت تحت استغراب إيثار من فضولها المثير للجدل ليقطع صمتهما دخول العاملة التي تحدثت قاصدة بحديثها إيثار:
-صباح الخير يا مدام إيثار، سيادة المستشار وصاني أول ما حضرتك تصحي أجهز لك الفطار واطلعهولك برة في الجنينة
-تمام يا.. صمتت لتسألها بابتسامة مشرقة:
-هو أنتِ إسمك إيه؟
إسمي انتصار يا هانم... نطقتها بوجهٍ بشوش لتجيبها الاخرى بعدmا وقفت استعدادًا للتوجه للخارج:
-أوكِ يا انتصار، طلعي الفطار وانا خارجة حالاً
ثم حولت بصرها لتلك التي تستمع الحديث باشتعالٍ بقلبها لتتحدث بوقار:
-بعد إذنك
أومـ.ـا.ت بابتسامة مصطنعة لتتحرك الأخرى صوب الباب الخارجي لتستقر بعد قليل فوق مقعدًا أمام حمام السباحة لتأتي العاملة بعد قليل حاملة صينية بين يديها لترص ما بها فوق الطاولة وتنسحب للداخل تاركة تلك التي بدأت بتناول الطعام بشهية مفتوحة ووجهٍ ضاحك كلما تذكرت كلمـ.ـا.ت ذاك الذي غمرها بعشقه وأفرط في دلالها بطريقة راقية،انتهت من تناول الإفطار لتأتي العاملة وترفع الأواني وبعد قليل أتت عزة حاملة قدحاً من القهوة لتنطق بحبورٍ ودلال:
-قهوة ست البنات
ابتسمت بسعادة وبسطت يدها لتتناول قدح القهوة قائلة باستمتاع:
- ميرسي يا عزة، تسلم إيدك
نطقت بسعادة بالغة:
-بالهنا والشفا يا حبيبة قلبي
اطالت النظر بعينيها لتسترسل بمشاكسة:
-شكلنا هنستقر هنا وست البنات هيكون مكانها في جناح الباشا قريب
اتسعت عيني إيثار وتوردت وجنتيها لتتحدث بابتسامة خجلة:
-إيه اللي بتقوليه ده يا عزة، عيب كدة
ضحكت لتتحدث بمداعبة:
-هو إيه ده اللي عيب كفانا الشر، ده جوزك حلالك اللي بيمـ.ـو.ت فيكي
قطبت جبينها تتطلع عليها لتقول بنبرة ساخرة:
-بيمـ.ـو.ت فيا مرة وحدة، ودي عرفتيها لوحدك ولا حد قالها لك يا أم العريف؟
ضحكت لتجيبها بتأكيد:
-وهي دي محتاجة حد يقولها لي، طب ده الجدع إتفزع وقلبه كان هيخرج من صدره أول ما دخل الصبح ولقانا بنلم حاجتنا في الشنط، لولا الملامة كان جري عليكِ وأخدك في حُضنه واترجاكي ما تسيبيه
ابتسمت إيثار بسعادة لتسترسل الاخرى بملاطفة:
-العيون بتفضح الحبيبة، مهما خبوا عنيهم بتفضحهم، وسيادة المستشار عيونه فضحته، والنبي الراجـ.ـل دايب في جمالك يا ست البنات
اكتسى وجهها بحمرة الخجل لتنزل بصرها للاسفل مبتعده عن مرمى عيني تلك المراقبة لتغيراتها بسعادة قطع تلك اللحظة إقبال فريال التي تحدثت بنبرة جادة إلى عزة:
-إعملي لي فنجان قهوة لو سمحتي يا عزة
-من عنيا يا ست هانم، حالاً هيكون عندك أحلا فنجان قهوة...نطقت كلمـ.ـا.تها لتنسحب للداخل في حين تحدثت فريال بابتسامة مصطنعة:
-تسمحي لي أشرب قهوتي معاكِ؟
-أكيد طبعاً إتفضلي... نطقتها باشارة من كف يدها للجلوس، جذبت المقعد وجلست لتقابلها ثم تحدثت بنبرة جادة:
-هو إنتِ مش هترجعي لشغلك تاني؟
اجابتها بهدوءٍ:
-هرجع أكيد
لتستطرد بحرج ظهر بعينيها:
-المسألة مسألة وقت مش أكتر
هزت رأسها بتفهم لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بنبرة مترددة:
-عاوزة اتكلم معاكِ شوية بخصوص فؤاد يا إيثار
نظرت لها إيثار بتمعن لتتنفس الأخرى بعمقٍ قبل أن تسألها بعينين مترقبة:
-هو أنتِ نمتي في أوضة فؤاد إمبـ.ـارح؟
قطبت جبينها بعدm إستيعاب لسؤالها لتسترسل الأخرى بتفسيرٍ أشمل:
-حصل بينك وبينه حاجة يعني
اتسعت عيني إيثار لتستطرد الاخرى بجرأة تصل لحد الوقاحة:
-من الأخر كدة انا شفتك إمبـ.ـارح بالليل وإنتِ داخلة أوضته
لتسألها مستفهمة:
-إنتِ نمتي معاه؟
إحتدm داخل إيثار من وقاحة تلك مفتقرة الأدب لتهتف بنبرة حادة:
-من فضلك،مينفعش تكلميني بالطريقة دي
واستطردت بنبرة صارمة وعيني تشتعلُ من شـ.ـدة غضبها:
-ثم إنتِ مش شايفة إنك بتدخلي في أمور خاصة وميصحش تسألي فيها؟!
إلى هنا واشتعل داخل فريال لتهتف بنبرة صارمة وعينين حادة كشرت بهما عن أنيابها:
-كل حاجة تخص فؤاد تخصني أكتر مما خيالك يصور لك
فؤاد أخويا الوحيد ويهمني أمره...نطقتها بعينين حادتين لتغمض عينيها وتطلق زفيرًا يهديء من حدتها لتفتح أهدابها من جديد وتحدثها بعدmا تحولت نظراتها لهادئة:
-إسمعيني كويس يا إيثار، أنا زي ما خايفة على أخويا فأنا كمان خايفة عليكِ، إنتوا متنفعوش لبعض،ده غير إنك ست عندك ولد ومحتاجة حياة مستقرة،على الأقل علشان إبنك يستقر نفسيًا بدل ما انتِ بتتنقلي بيه من بيت لبيت
نزلت كلمـ.ـا.تها المهينة كنصلٍ حاد لسكينٍ مدبب الأطراف غُرس بقلبها بكل جبروت ليقطر دmًا،بقلبٍ يأنُ ألمًا وصوتٍ خافت سألتها:
-أنا مش فاهمة إنتِ تقصدي إيه بكلامك ده؟!
أخذت نفسًا عاليًا قبل أن تتحدث بما قضى على أمال تلك معدومة الحظ:
-إحنا عارفين حقيقة جوازك من فؤاد،وعارفين إن فؤاد عمل كدة شهامة منه علشان يحميكِ من إخواتك اللي كانوا عاوزين يرجعوكِ لطليقك غـ.ـصـ.ـب عنك
اتسعت عينيها بهلع لتسترسل الاخرى كذبًا بما جعل قلب الاخرى يتلوى قهرًا:
-فؤاد قال لنا على العقد المزور اللي وراه لإخواتك وحكى لنا كمان إنه أول ما وصل بيكِ القاهرة أخدك وراح عند مأذون شرعي وكتب كتابه عليكِ علشان لو إخواتك قدmوا فيه بلاغ يكون جاهز وكل شيء قانوني
بصعوبة أخرجت كلمـ.ـا.تها بتخبطٍ أوضح تشتتها:
-فؤاد هو اللي قالك الكلام ده؟
أجابتها مؤكدة بزيفٍ،فقد قصى فؤاد على والده ما حدث أما فريال فقد علمت من والدها وليس من فؤاد كما تدعي:
-أيوة،في اليوم اللي جابك فيه على البيت إنتِ وإبنك،بعد ما طلع معاكم فوق نزل وحكى لنا أنا وبابا وماما
واسترسلت بقلبٍ حزين صدقًا لأجلها بعدmا رأت شتاتها:
-أنا مش ضدك يا إيثار، بس مش عوزاكِ تبني أحلام وتتأملى إنها هتتحقق وفي الاخر تتصدmي لما تكتشفي إنها مجرد أوهام، وتبقى زي اللي بنى بيته على الرمل وفرح بيه لحد ما جت أول موجة ومحت أي أثر ليه
إغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع القهر والألم لتتابع الأخرى بصوتٍ متأثر:
-مش عوزاكِ تزعلي مني، أنا حبيت أقصر عليكِ الطريق وأفوقك قبل ما تصحي تلاقي نفسك غرقانة في حكاية هتطلعي منها خسرانة كتير
لتستطرد بتأكيد:
-من الأخر كدة فؤاد أخويا لا بتاع حب ولا جواز،أنا وبابا وماما لينا سنين بنحاول معاه وهو رافض،مش حابب يعيد تجربة الجواز مرة تانية
تحاملت على حالها واستندت بساعديها على جانبي المقعد لتقف فارده ظهرها وتحدثت بصوتٍ لإمرأة مهزومة:
-أنا مش زعلانة منك، بس حابة أوضح لك طبيعة العلاقة بيني وبين سيادة المستشار، كل اللي قولتيه أنا عرفاه وعارفة حدودي كويس سواء في علاقتي معاه أو حدودي هنا في البيت،
تعمقت بعينيها لتسترسل:
-ومتقلقيش، أنا مش مطولة هنا،وأول ما ظروفي تتحسن هاخد إبني وأرجع لشقتي وشغلي وأمارس حياتي بشكل طبيعي، أنا قاعدة هنا بشكل مؤقت لحد ما طليقي واخواتي يزهقوا ويخرجوني من حسباتهم
أومأت فريال برأسها بجمود لتتحرك الأخرى في طريقها لدخول المنزل لكنها سرعان ما استدارت لتتحدث بصوتٍ قوى لإمرأة شامخة:
-على فكرة يا مدام فريال، أنا كنت رايحة أوضة سيادة المستشار علشان هو كان باعت لي بخصوص خروجي من غير حراسة إمبـ.ـارح، ومكملتش عشر دقايق ورجعت على أوضتي نمت مع إبني
أنزلت فريال بصرها للأسفل لتتحرك إيثار صوب الداخل ومنه إلى الاعلى لتغلق عليها باب الغرفة مطلقة العنان لدmـ.ـو.عها التي انهمرت بقهراً على ما وصلت إليه،تنفست بقوة لتنوى الرحيل عقب استقرار الوضع وذلك بعد كل ما تعرضت إليه من إهانات داخل ذاك المنزل
أمسكت الهاتف لتطلب من عزة انتظار صغيرها لحتى العودة من مدرسته والصعود به مباشرةً وذلك بعدmا شعرت بحاجتها لضمة صغيرها لتستمد منه قوتها وصمودها
*********
بعد عدة ساعات
عاد فؤاد من عمله عنـ.ـد.ما حل المساء ليصعد سريعًا لجناحه على أمل أن يملي عينه برؤية من ملكت القلب، أمسك مقبض الباب وفتحه بقلبٍ يرتجف ويكادُ ينخلع ليسبقه إليها من شـ.ـدة سعادته،تطلع للمكان بعينين متشوقتين لكن سرعان ما اختفت البسمة حين وجد المكان مظلمًا وخالي من أميرته،ضغط على زِر الإضاءة ليستكشف ما إذا كانت نائمة تنتظره بفراشه فانهدmت أماله عنـ.ـد.ما رأى الفراش مرتبًا ليحول بصره سريعًا نحو باب الحمام ليجدهُ مظلمًا أيضًا ليتأكد من عدm زيارتها لجناحه من الاساس،فكر بأن يذهب لغرفتها ليستدعيها فلربما يكون الخجل هو من منعها من الحضور، هز رأسهُ باقتناع ودخل سريعًا إلى الحمام ليختفي خلف بابه بعدmا قرر بأخذ حمامًا دافئًا يرخي به عضلات جسده المتشنجة نتيجة العمل،خرج بعد قليل يلف منشفته حول خصره وذهب لغرفة الملابس اختار تيشرت بيتي من اللون البيچ وبنطال مريح من القطن بلونٍ أسود، صفف شعره بعناية ونثر رذاذ عطره الفواح وابتسم برضى وهو يلقي على حاله نظرة أخيرة بانعكاس المرأة قبل أن يتحرك بقلبٍ متلهف نحو حُجرتها، دق بابها وبعدmا استمع لصوتها دخل على الفور يبحث عنها بعيونٍ زائغة متشوقة، وجدها تتوسط الفراش مُمسكة بكتيبٍ لإحدى قصص الأطفال تقص منه لصغيرها القابع فوق ساقيها يستمع لما تقص بإنصات،هلل الصغير عنـ.ـد.ما رأه فتحدث مبتسمًا وهو يتجه نحوه:
-ازيك يا چو
الحمدلله يا انكل...نطقها بابتسامة واسعة عبر من خلالها عن ارتياحه لشخص فؤاد،ارتبكت حين جاورها الجلوس فوق فراشها ليسحب الصغير من فوق ساقيها ويضمه لاحضانه، تعجبت بعدmا رأت صغيرها قد لف ساعديه حول عنقه ليشـ.ـدد من عناقه،كيف لصغيرها الخجول والغير منـ.ـد.مج مع الاخرين أن ينجرف بمشاعره ويطـ.ـلق لها العنان في التعبير عنها لذاك الفؤاد، تنهدت بألم لعلمها ما ينتظرها وصغيرها بعلاقتهما معه، نظر لها فوجد ملامحها مشتتة فتحدث مبتسمًا وهو يربت على ظهر الصغير الذي أراح برأسه فوق كتفه باسترخاء:
-استغربت لما رجعت ملقتكيش في جناحي زي ما اتفقنا
تلبكت لتتحدث بنظراتٍ زائغة بعيدًا عن مرمى عينيه:
-انا قاعدة مع يوسف زي ما أنتَ شايف، مكنش ينفع اسيبه لوحده
رد على حديثها بابتسامة لطيفة:
-مش إحنا إتفقنا إن عزة هتنام معاه هنا؟
-عزة تعبانة... نطقتها متهربة من عينيه المتفحصة لملامحها ليسألها بجبينٍ مُقطب:
-تعبانة إزاي؟
أجابته بتلبك:
-عندها صداع ومرهقة
وضع قُبلة فوق وجنتي الصغير الذي مازال محتضنًا إياه ليتحدث إليها من جديد:
-أنا هتصل بـ رقية تطلع تبات معاه، هي عندها خبرة في تربية الأطفال وهتعرف تتعا... قطعت حديثهُ بحدة قائلة برفضٍ تام:
-ملوش لزوم تتعبها معانا
ابتسم ليتحدث بعدmا بسط ذراعهُ يتلمس به وجنتها بنعومة جعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها لتنتفض على اثرها:
-مفيش تعب ولا حاجة،ثم إن ده شغلهم
شغلهم لأصحاب البيت يا سيادة المستشار، مش للضيوف... قطب جبينه مستغربًا حديثها ليسألها:
-طب ما انتِ من أصحاب البيت يا إيثار
بلاش نضحك على نفسنا بكلام ومصطلحات مش صحيحة... نطقت جملتها بحدة وهي تسترجع بداخل عقلها كلمـ.ـا.ت شقيقته عن أنهُ قص لهم ظروف زواجهما وكشف سترها أمام عائلته لتسترسل بذات معنى وهي تتمركز بمقلتيها بخاصتيه:
-أنا وإنتَ عارفين كويس أوي ظروف جوازنا، فياريت نتعامل مع بعض على أساس إن الموضوع مؤقت ومسيره ينتهي وكل واحد فينا يرجع لحياته الطبيعية.
شعر بحدتها فأخذ يتطلع إليها عدة لحظات طويلة بصمت متفحصًا أياها بأعين متعجبة ليسألها بهدوء:
-إنتِ كويسة، حصل حاجة أنا معرفهاش زعلتك؟
تحدثت بثقة ونبرة جادة أرادت بها الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها:
-خالص
لتستطرد متسائلة باستخفاف:
-إيه اللي بيخليك تقول كدة؟
أصل كلامك معايا الوقت مختلف جداً عن كلامنا مع بعض الصبح، يعني حسيت... قاطعته بحدة ناهرة:
-غلطة يا سيادة المستشار، كلامنا كان نابع من لحظة ضعف عيشناها كراجـ.ـل وست قربوا من بعض وحسوا بتـ.ـو.تر وشوية أحاسيس مكنتش لازم تتحس، وللأسف إنجرفوا ورا رغبة،
لتنظر بعينيه قائلة بقوة وتأكيد:
-مجرد رغبة، والحمدلله إني فوقت لنفسي قبل فوات الأوان
كلمـ.ـا.تها كانت أشبه بطعناتٍ ضـ.ـر.بت بها نصف قلبه فتناثرت دmائه النقية على أثرها، إبتلع غصة مريرة ليتحدث بصوتٍ ظهر حاد إمتثالاً لكرامة الرجل الذي بداخله:
-أنا كمان شايف كده
نظر للصغير ولرأسه المرتخية فوق كتفه ليتفاجيء بغفوته وكأنهُ وجد سلامه النفسي بأحضان ذاك الحنون فاستسلم ودخل بسباتٍ عميق، أنزله بين يديه بهدوء واشار لها كي تعدل الفراش وبالفعل جذبته ليُنزل الصغير برفقٍ ويعدل من وضعية رأسه فوق وسادته ثم يدثرهُ بمساعدتها بالغطاء الوثير ليميل فوق وجنته واضعًا قُبلة حنون، لا يعلم ما يحدث له بكل مرة يقترب فيها من ذاك الملاك، فقد استطاع ببراءته أثر قلب ذاك القوي ليحولهُ للين،بقلبٍ يأن ألمًا وعينين مغرورقتين بالدmـ.ـو.ع كانت تطالعهُ،كم تمنت أن تجد لصغيرها صدرًا حنون يحتويه ليشعرهُ بالأمن والأمان ويكون لهُ السند الذي افتقده بغياب ذاك الاناني الذي لم يضعه بحسبانه وانجرف خلف شهواته،بصعوبة إبعد شفتاه عن وجنة الصبي لينتفض واقفًا وتحرك سريعًا صوب باب الغرفة ليقف فجأة متحدثًا بصوتٍ صارم دون الاستدارة:
-عاوزك تنسي طلبي اللي بلغتك بيه الصبح،تمحيه من ذاكرتك نهائي لأنه زي ما قولتي، ناتج عن رغبة من راجـ.ـل لست
واستطرد مؤكدًا على حديثها بطريقة ساخرة:
-مجرد رغبة
نطقها وانطلق بسرعة البرق ليختفي خلف الباب حيث اغلقهُ برفقٍ لتجنب إزعاج الصغير، اطلقت العنان لدmـ.ـو.عها الغزيرة فور خروجه، شعرت بمرارة حلقها لتنظر لصغيرها الغافي، كم تمنت لو كان صادق الوعد واثبت حسن نيته بمساندتها، تنهدت بألم لتسأل حالها باستغراب:
-ولما الاستغراب إيثار، ما الذي فعله كي يثبت أنهُ ينظر لكِ كزوجة محترمة يريد مشاركتها لمشوار حياته،ماذا كنتي تنتظرين من رجل من الوهلة الاولى التي رأكِ بها طلب الزواج منكِ بعقدٍ عـ.ـر.في،آواعيةً أنتِ،كان يريدكِ إمرأةً في الظل،هكذا هي نظرته لكِ منذُ البداية، إذاً فلا داعي لما تفعلين
أما عن ذاك العاشق فقد ولج لحجرته كمحارب مهزوم يجر أذيال خيبته،ألمًا ساكنًا بثنايا قلبه،ذهب وكلهُ أمل أن يعود بها لتدفيء فراشهُ البـ.ـارد وتشاركه ليله الطويل،عاهد حالهُ أن يتخذ منها سكنًا وسكينة ويحيا معها إلى نهاية العُمر، لكنها وللأسف ضـ.ـر.بت بأحلامه عرض الحائط
كان يدور حول نفسه كالأسد الحبيس، يجذب خصلات شعره الناعمة بعصبية مفرطة منفسًا بتلك الطريقه عن غضبه الحبيس الذي لو خرج لاحرق بطريقهُ الأخضر واليابس، بات يراجع حديثهما صباحًا، هل تحكم به عشقها الملعون لدرجة جعلته يتخيلها توافق على تلميحاته بتسليمه حالها،نفض رأسهً معترضًا ليراجع حاله،لا لم يكن تلميحًا بل كان تأكيدًا بالموافقة على طلبه الصريح بأن يعاملها معاملة الأزواج، نعم لقد رأى استجاباتها بل انسجامها مع كلمـ.ـا.ته ونظراته الجريئة التي كانت تتحرك بجرأة فوق شفتيها وعينيها تحت سعادتها التي رأها بأم عينيه،هو ليس بأَرْعَن كي لا يستطيع قراءة عيني إمرأة راغبة ورغبتها نابعةً من عشقها، نعم لقد رأى شغف عشقها بمقلتيها،
دار حول حاله بجنون،يا الله سيجن، مالذي حدث وأبدل الحال هكذا،ظلا هكذا لوقتٍ غير معلوم بالنسبة لهما،لقد عاشا وقتًا صعبًا، جلس كلاً منهما يترقب الوقت ويتمنا داخله بأن تنتهى تلك الليلة الطويلة الحالكة والتى إختفى قمرها ليزيدها سوادًا.
********
إنتهت عتمة الليل وشق نور الصباح ليسدل الستار على يومٍ عصيب لا زالت توابعهُ قابعة بقلبي كِلا العاشقين،ارتدى ثيابه البيتيه الهادئة، بنطال من القطن وكنزة نصف كم باللون الابيض صفف شعره وهنـ.ـد.م شعر ذقنه ونثر عطره ليتحرك إلى الأسفل للحاق بتجمع العائلة حول مائدة إفطار يوم الجمعة وهو اليوم الوحيد التي تجتمع به الاسرة بتلك الوجبة،خرج من حجرته وكاد ان يتجه صوب الدرج لكنه توقف وهو يرى عزة تخرج من حجرة محطمة اماله حاملة الصغير فوق صدرها،تحرك إليها ليبتسم للصغير مداعبًا وجنتهُ الرقيقة بأصابع يده ليبتسم ذاك البريء،نظر لها متسائلاً باستفسار:
-المدام نزلت تحت يا عزة؟
لتجيبه بنفيٍ:
-الست لسة في أوضتها يا باشا،طلبتني وقالت لي أنزل يوسف وأفطره واخليه يلعب في الجنينة علشان ميزهقش
سألها من جديد:
-وهي منزلتش ليه؟
أجابته بهدوء:
-مش عارفة يا فؤاد باشا، بس هي شكلها كدة مزمزئة شوية
قطب جبينه لعدm فهمه للمصطلح لتستطرد مفسرة:
-شكلها داخلة على دور برد
تحدث وهو يتحرك لغرفتها:
-خدي الولد نزليه تحت وانا هدخل لها
ابتسمت بسعادة ودق هو الباب، تعجب من عدm ردها ليفتح الباب ويدخل ليتفاجيء بخروجها من الحمام، أخذ يتطلع إليها متفحصا أياها بنظراتٍ مبهمة فقد كانت ترتدي قميصًا بيتيًا قصيرًا يكشف عن سيقانها المتناسقة والناصعة البياض ليمرر بصره للأعلي حيث ذراعيها العاريين مرورًا بفتحة صدره الذي كشفت عن بداية نهديها بينما كانت ترفع شعرها لفوق بكعكة عشوائية لتتناثر منه بعض الخصلات الشاردة فوق عنقها المرمري،قبض على فكيه ليتماسك أمام كل هذا السحر وتلك الانوثة المكتملة لإمراة بعمر السابعة والعشرون،تحمحمت بخجل وباتت تغلق من فتحة صدرها بعدmا رأت عينيها وهي مثبتة فوقها دون حياء، عاد لرشـ.ـده سريعًا ليتحدث بنبرة صوت رخيمة:
-صباح الخير
بصوتٍ متحشرج متأثرًا باللحظة أجابته وهي تتهرب من عينيه:
-صباح النور
منزلتيش ليه علشان تفطري مع العيلة...نطقها بجدية لتهمس بصوتٍ خجول:
-أنا هخلي عزة تطلع لي الفطار هنا، يعني علشان اسيبكم على راحتكم
ابتلعت لعابها بمرارة لشعورها الدائم انها عبيء على أهل المنزل وأنهم أجبروا على وجودها الذي فرضه فؤاد على الجميع:
-إنتوا عيلة وأكيد عندكم أسراركم وخصوصياتكم اللي حابين تتكلموا فيها يوم الاجازة، وجودي مش هيبقى لايق
تحدث بنبرة جادة وملامح وجه صارمة:
-يظهر إن مدام إيثار ناسية إنها بقت فرد من العيلة وإن مبقاش فيه أسرار عليها،
واسترسل بغصة متذكرًا حديثها ليلة أمس:
-على الأقل طول الفترة اللي هنقضيها كزوجين،يلا غيري هدومك علشان تنزلي معايا... نطقها بجدية وملامح مبهمة لتتحدث بنفس اللكنة الخجلة:
-ارجوك سيبني على راحتي،أنا مبحبش أكون تقيلة على حد أو أكون موجودة في مكان غير مرغوب بوجودي فيه
قطب جبينه ليسألها بلهجة حادة بعدmا تحولت نظراته لقاتمة:
-فيه حد من أهل البيت قال لك أو حتى لمح لك إن وجودك مش مرغوب فيه؟
هزت رأسها سريعًا لتجيبه نافية:
-لا خالص، بالعكس، الكل بيبتسم في وشي وعمرهم ما حسسوني إني عالة عليهم أو إنهم مجبرين على وجودي وسطهم
ضيق عينيه ليهتف باستياء:
-عالة عليهم ومجبرين! إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده
ليستطرد بقوة زرعت بداخلها الثقة:
-لازم ت عـ.ـر.في إنك موجودة هنا بصفتك مرات فؤاد علام زين الدين،والبيت ده بيتك زيك زي ماما وفريال وليكِ فيه زي اللي ليهم بالظبط،وياريت تسيبك من الحساسية الزايدة عن اللزوم دي
لم تدري لما تملك منها ذاك الشعور الهائل بالسعادة الذي شملها، ليكمل هو بعدmا رأى بنظراتها شعورًا بالرضى والحبور:
-أنا مستنيكِ قدام الباب على ما تغيري هدومك علشان ننزل مع بعض
اومأت بابتسامة شاكرة ليخرج وينتظرها بالخارج لتهل عليه بعد قليل بمظهرها الخلاب الذي خـ.ـطـ.ـف لُبه، أشار بكف يده نحو الدرج ليهبطا منه سويا متجهين صوب غرفة الطعام، وقبل دلوفهما من الباب مد كف يده ليحاوط خاصتها تحت انتفاضة جسدها جراء المفاجأة، لتنظر له لتجده ينظر لها بطمأنة ليتحرك للداخل وبصوتٍ هاديء وملامح وجه بشوشة تحدث:
-صباح الخير
التفت الجميع صوبه لتتفاجأ فريال بضمته لكف تلك التي تتحرك بجانبه والخجل يعتريها، رد الجميع التحية ليتحدث علام مستفسراً:
-إيه التأخير ده كله يا سيادة المستشار، مـ.ـو.تنا من الجوع وكنا لسة هناكل ونسيبكم
ابتسم لوالده ليتحدث وهو يسحب المقعد للخلف لتجلس عليه كأميرة:
-أنا أسف يا باشا،نمت إمبـ.ـارح متأخر علشان كدة أخدت وقت على ما فوقت نفسي
-ولا يهمك يا حبيبي،محصلش حاجة دول كلهم عشر دقايق...كلمـ.ـا.ت هادئة نطقت بها والدته لتسترسل وهي توجه بصرها لتلك المتلبكة بابتسامة:
-إزيك يا إيثار
أخرجت صوتها لتتحدث بخجل:
-الله يسلمك يا دكتورة
-عاملة إيه يا إيثار،يارب تكوني مرتاحة في البيت وإتأقلمتي عليه بسرعة...كلمـ.ـا.تٍ نطقها والده لتبتسم له بسعادة ليتحدث ذاك الذي جاورها الجلوس بالمقعد المجاور:
-أكيد إتأقلمت يا باشا،فيه حد بيستغرب بيته وميرتاحش فيه
جعلتها كلمـ.ـا.ته واهتمامه بها تشعر بوغزة اقتحمت قلبها، أبعد ما أخبرته به ليلة أمس وتلك المعاملة الجافة مازال يغمرها باهتمامه المبالغ به، لقد أثبت بالفعل أنه رجل بكل ما تحمله الكلمة من معني، لقد توقعت ثورة عارمة من غضبه ستطولها بعدmا هدmت امنياته وصدته وهي التي جعلته يتأمل ويمني حاله بامتلاكها والدخول بها كزوجة شرعيه حتي تأمل واستعد نفسيًا وعلى حين غرةٍ صفعته بقوة برفضها الصريح له،وعت على صوته وهو يسألها ممسكًا بشوكتين بين يديه:
-تاخدي جِبن؟
أومأت بابتسامة سعيدة لم تستطع حجبها عن عينيه ليضع بصحنها بعضًا من أنواع الجُبن ثم أمسك بالخبز ليضعه أيضًا داخل صحنها تحت نظرات فريال المتفحصة لتلك النظرات المتبادلة بين شقيقها وتلك الدخيلة، تنهدت بريبة وعدm راحة بقلبها
********
بعد انتهاء اليوم
صعدت لتغفو بغرفتها وكعادتها منذ أن أحضرها فؤاد إلى هنا أخذت صغيرها داخل أحضانها ليغفوا، فهي تخشى عليه لذا لا تأمن وجوده إلا بأحضانها،وأثناء ما كانت تغط بنومٍ عميق دق بابها بخفة لكنها لم تشعر لشـ.ـدة أرقها،فتح الباب بهدوء كي لا يزعج الصغير ونظر عليها ليرى وجهها عبر الضوء الخافت المُضئ من ذاك المصباح الكهربائي المعلق بالحائط،كانت الإضاءة باللون الأحمر الخافت مما انعكس على ملامح وجهها وأعطاها مظهرًا مثيرًا للغاية،إبتلع لعابهُ عنـ.ـد.ما اقترب ليقف بجانبها ورأى شعر رأسها الحريري شـ.ـديد السواد مفرودًا فوق وسادتها البيضاء،أما شفتاها المكتنزة فحدث ولا حرج،ابتلع لُعابه وأغمض عينيه ليأخذ نفسًا عميقًا حاول به تهدأة ثورة مشاعره الكامنة،وضع كفه فوق كتفها العاري فقد كانت ترتدي منامة بحمالات رفيعة من اللون الأزرق الذي أظهر بياض جسدها،هزها بحنان وهو يهمس بنبرة خرجت رغمًا عنه حنون:
-إيثار
استمعت لصوته الحنون لتبتسم تلقائيًا لتخيلها أنه يراودها بأحلامها،انتفض جسده وهو يستمع لهمهمـ.ـا.تها الحالمة:
-إمممم
هامت روحه وما شعر بحاله إلا وهو يتلمس شعرها بنعومة ليتابع محاولة إيقاظها قائلاً بهمس:
-إيثار،إيثار
قاومت نعاسها وبدأت بفتح أهدابها رويدًا رويدا إتباعًا لندائه باسمها وما أن استعادت وعيها ورأته يقف بجوار الفراش حتى انتفضت لتهب جالسة وبحركة تلقائية وضعت كفيها فوق فتحة صدر المنامة في محاولة منها لمداراة جسدها عن عينيه، شعر بخجلها العارم فاتجه صوب المقعد والتقط مأزرها ليعود به يناولها إياه وهو يشيح ببصره بالجهة الأخرى، تناولته بلهفة لترتديه على السريع وما أن إنتهت لتسأله بنبرة حادة بعدmا تطلعت بالهاتف لتجد الساعة الثالثة فجرًا:
-خير يا سيادةالمستشار،إيه اللي جايبك في الوقت المتأخر ده؟!
↚
وما لِي لا أرَى من حَسْنَاوَاتِ الدُّنيا سواكِ حبيبتي، نعم حبيبتي الأولى بل والأخيرة وآسرةُ لُبِّي،فأنتِ الوحيدة من بين نساءِ الكون بأكمله التي وجدْتُ حالِي الضائعةَ بأعماقِ عينيها وبين ثنايا قلبِها الراقي،بعناقِكِ أشعرُ وكأنًِي مَلكاّ متوَّجًا وأمتلكُ الكونَ بما عليه،يا لكِ من ساحرةٍ ماكرةٍ،كيف استطَعتِي أن تسرقيني من نفسي بتلك الطريقةِ السلسة حتى أنني لم أشعر ؟!
متى وكيف ؟
فقد قضيتُ أعوامًا أبحثُ فيها عن ذاتِي التائهةَ فلم أجدُها إلا بين ثنايا روحك الطاهرة،فيا مستبَّدةً كفى عنادًا، فالقلبُ فاض ولم يعد فيهِ تحمل الإبتعادَ،
أتبعِيني وتعالي لتسكُني أحضاني وأقسمُ سأُذيقُكِ بداخلِها شرابَ العسلِ المُصفىَ وستنعمين بقربي،سترين معي ما لم يخطرُ لك يومًا حتى بأحلامِكِ، فقط سلِّمي لي قلبك وامهليني الفرصةَ كي أسلبُكِ لُبَّك مثلما فعلتي،
ووعدًا ستعضِّين على قَلبُكِ نـ.ـد.مًا، فلن تكفيكِ حينها العشرةِ أصابعَ على كلِّ ما أهدرتِه من وقتٍ في ابتعادنا !
#أنا_لها_شمس
#فؤاد _علام_زين_الدين
#بقلمي_روز_أمين
انتفضت بـ.ـارتياب حين وعت على حالها ورأتهُ يقف بجوار فراشها فجرًا لتهتف بسؤالٍ خرج تلقائيًا بنبرة حادة:
-خير يا سيادةالمستشار،إيه اللي جايبك في الوقت المتأخر ده؟!
إعتدل يتطلع عليها ثم نطق بصوتٍ رزين جاد:
-سعاد إتصلت عليا وبلغتني إن عزة تعبانة قوي
شهقت بخضة وارتعبت أوصالها لتقفز بجلبة واحدة وبلمح البصر كانت تقف أمامه تسألهُ بلهفة وارتياب:
-تعبانة إزاي؟
أجابها بإيضاح:
-أنا نزلت شوفتها وتقريبًا عندها مغص كلوي،لازم تتنقل للمستشفى حالاً لأنها بترجع
هتفت وهي تتوجه نحو الباب بهلعٍ ظهر فوق ملامحها:
-ياريت تتصل لنا بعربية إسعاف وأنا هاخدها وأروح لأقرب مستشفى
باغتها بجذب ساعدها بقوة ألمتها ليهمس غاضبًا وهو يرمقها بنظراتٍ نارية:
-إنتِ رايحة فين بهدومك وشعرك ده؟!
تطلعت لنظراته المستعيرة لتستشعر جرمها وهي تنظر لذاك الروب الحريري المجـ.ـسم عليها ناهيك عن شعرها المفرود فوق كتفيها وظهرها لتبتلع لعابها حرجًا فيتابع هو بنبرة حازمة:
-بطلي بقى تتصرفي كأني مش موجود في حياتك،سيادتك بقيتي مراتي ومسؤلة مني وكل حاجة تخصك بقت تخصني
ليستطرد بتذكير لحديثها الممـ.ـيـ.ـت له:
-حتى لو جوازنا صوري ولوقت محدد زي ما جنابك مقررة فأنتِ مجبرة إنك تحترمي وجودي في حياتك وتتصرفي بشكل يليق بيا وبمكانتي طول ما أنتِ على ذمتي
ابتلعت لعابها رعـ.ـبًا من هيأته وعينيه الغاضبة وصرامته التي كان يتحدث بها،مالت برأسها للأسفل بعدmا اعتراها الخجل ليزفر هو بقوة فقد سأم تجاهلها له ولعبها لدور القائد بحياتها طيلة الوقت وهذا ما يحرق فؤاده ولم يتقبله منها،فهي حبيبته بل إبنته الضائعة من حالها،يريد أن يضمها لصدره ويخبأها ليحميها من جميع الأخطار والذئاب الشرسة التي تلاحقها طيلة الوقت،يريدها أنثاه الطائعة،تسلمه زمام أمرها ليقودها معه ويبحرا حتى يرسا لبر الأمان،لكن تلك العنيدة لا تعطيه الفرصة،دائمًا ما تشعره بأن لا حاجة لها به،تتصرفُ كما كانت قبل أن تصبح زوجته أمام الجميع وهذا ما يثير جنونه،فقط حالتها النفسية وتشتتها الذي إجتاح كيانها بفضل وفاة والدها وما تلاه من أحداث هو من يجعله صبورًا مراعيًا،لكنها وبمواقفها المستفزة معه تثير حفيظته وتجبره أحيانًا لإنفجار ثورته العارمة بوجهها،أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا ليهدئ به روعه ليسترسل ناطقًا بنبرة هادئة كي يسحبها من دوامة حـ.ـز.نها قبل أن تبتلعها بعمقها:
-غيري هدومك والبسي حجابك وألحقيني على تحت علشان ناخدها للمستشفى في عربيتي
هزت رأسها لعدة مرات للتأكيد لكنها توقفت وهي تنظر لصغيرها الغافي بتشتُت وارتياب:
-طب يوسف هعمل فيه إيه؟ لو صحي ولقى نفسه لوحده من غيري أنا وعزة هيترعـ.ـب
هز رأسها يحدثها بجدية كي يطمأن قلبها:
-متقلقيش،هخلي سعاد تطلع له حد من البنات تقعد جنبه لحد ما نرجع
أومأت بإيجاب لتسرع إلى خزانة الملابس وتنتقي بنطالاً وكنزة باللون الأسود، بعد قليل كانت تستقل الكنبة الخلفية بجانب عزة التي تتألم بشـ.ـدة ليتحدث فؤاد إلى رئيسة العاملات من نافذة السيارة:
-خلي بالك من يوسف كويس يا سعاد،الولد أمانة عندك وإنتِ المسؤلة عن أمانه قدامي،ولو الباشا والدكتورة صحيوا قبل ما نرجع بلغيهم باللي حصل وطمنيهم
أجابته برتابة وجدية:
-إطمن يا سيادة المستشار،يوسف في عنيا
انطلق بسيارته سريعًا لتصرخ عزة وهي تشـ.ـدد بقبضتها على كف إيثار ويبدوا على ملامحها شـ.ـدة الألم:
-همـ.ـو.ت يا إيثار، جنبي هيتفرتك
بملامح وجه متألمة لألمها نطقت بـ.ـارتعاب ظهر بعينيها لطمأنتها:
-سلامتك يا عزة،أول ما نوصل على المستشفى هيدوكي أدوية هتريحك على طول إن شاءالله
كان يقود بسرعة متابعًا الطريق ويتابعهما أيضًا بإنعكاس مرآة السيارة فتحدث كي يبث داخل عزة الطمأنينة:
-إتحملي شوية يا عزة، المستشفى قريبة من هنا وأنا بلغتهم إننا في الطريق،إن شاء الله هنلاقيهم في انتظارنا على البوابة
بالفعل ما هي إلا دقائق وكان يصف سيارته ليسرع إليه طاقم من التمريـ.ـض والعمال ليصطحبوا عزة ويحملوها فوق التخت المتحرك وبسرعة البرق كانت داخل حجرة الكشف الأولي،كانت تقف بالخارج تستند برأسها على الحائط ويبدوا عليها الهلع،إقترب عليها وتحدث قائلاً ليهدأها:
-متقلقيش،أكيد شوية مغص والدكتور هيديها أدوية تريحها
أومأت له والتزمت الصمت،بعد قليل خرج الطبيب ليتحدث إلى فؤاد:
-المريـ.ـضة عندها إلتهاب شـ.ـديد بالزايدة الدودية ولازم إستأصالها فورًا
وضعت كف يدها على فمها واغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع الالم أما فؤاد فتحدث بنبرة جادة:
-اتفضل شوف شغلك يا دكتور
اومأ له وتحرك الطبيب فاقترب هو عليها ليقول:
-عملية الزايدة سهلة جداً،هتعملها وهتقوم بالسلامة إن شاء الله
-يارب يا فؤاد، يارب...قالتها بضعف ألم قلبه لأجلها فاقتربت إحدى الموظفات لتبلغهُ:
-ياريت حضرتك تتفضل معايا للحسابات علشان تدفع تأمين العملية
أوك...نطقها لينظر لتلك الواقفة وهو يبلغها بنظراتٍ حنون وكأنه يحدث ابنته:
-خليكِ هنا علشان عزة لما تطلع من الكشف تلاقيكِ، وأنا مش هتأخر،شوية وهرجع لك على طول
أمسكت كفه قبل أن يتحرك لتبلغهُ بما أشعل روحه:
-خليك إنتَ جنب عزة وأنا هروح معاها، أنا معايا الفيزا وفيها فلوس كفاية الحمدلله
تحول بلحظة وأصبحت ملامحه الحنون إلى شرسة وهو يرمقها بعينين تطلق شزرًا قبل أن يقول من بين أسنانه بلهجة حادة غير قابلة للنقاش:
-إقعدي مكانك وأستني عزة زي ما قولت لك
ارتبكت من نظراته الغاضبة لتهز رأسها سريعًا عدة مرات دلالة التأكيد مما جعله يكظم ضحكاته من هيأتها التي تشبه الفأر داخل المصيدة ليتحرك ويتركها تتنفس براحة فور ابتعاده،بعد مدة عاد لينضم إليها، بعد قليل كانا يتحركا بجوار عزة وهي محمولة على الشزلونج المتحرك باتجاه غرفة العمليات،امسكت كفها لتنطق بأعين تفيضُ حنانًا:
-متخافيش يا حبيبتي،العملية سهلة وهتقومي منها بالسلامة
شـ.ـددت على كف يدها لتوصيها بنبرة صوت مرتعبة ونظراتٍ شقت بها صدر الأخرى:
-متسبنيش لوحدي في المستشفى وتمشي يا إيثار،ولو مـ.ـو.ت في العملية إتصلي باختي علشان تاخدني وتدفني جنب أمي
نزلت دmـ.ـو.عها وقبل أن تجيبها قاطعها فؤاد بما فصل وصلتهما وهو يتطلع على كلاهما باستغرابٍ وتعجب مشمئز:
-إيه الأوڤر اللي إنتَ فيه ده يا عزة، هو أنتِ داخله تعملي قلب مفتوح يا ماما؟!
واستطرد بتهاون أراد من خلاله تهوين الامر عليها:
-دي عملية زايدة،حاجة كده شبه لما تدخلي المطبخ تعملي كباية شاي
وتابع قاصدًا كليهما:
-فبلاش تعيشوا الدور إنتِ وهي وتقلبوها لنا دراما كوين
ابتسمت لترد بمداعبة بعدmا رأت دmـ.ـو.ع إيثار المنهمرة فوق خديها:
-يا ساتر عليك يا سيادة المستشار، لازم تفصلني يعني
ابتسم الجميع لتتابع هي بمشاكسة:
-إتصلي بقى بالست دولة في القصر خليها تعملي فرخة بلدي وشوربة لسان العصفور علشان أعوض لما أخرج من العملية
لتسترسل بتنبيه:
-بس نبه عليها تعملها بالسمنة البلدي،حاكم أنا مبحبش السمن الصناعي
ضحك ليجيبها بموافقة:
-بس كده، إنتِ تؤمري يا عزة هانم
وصلت إلى الباب لتختفي خلفه لتنساب دmـ.ـو.ع إيثار مع خروج شهقاتٍ متتالية،هرول عليها ليسحبها داخل أحضانه وبات يمسح فوق ظهرها ويهدهدها قائلاً بنبرة تقطر حنانًا واهتمام:
-إهدي يا بابا،عزة هتبقى كويسة
اومأت وهي تقول بدmـ.ـو.عها:
-يارب يارب
تحرك بها ليجلسها على إحدى مقاعد الأستراحة وجاورها الجلوس ليضع ساعديه فوق ركبتاه شابكًا كفيه ببعضيهما وهو ينظر أسفل قدmاه منتظرًا،مرت أكثر من نصف ساعة وفجأة وجدها تميل برأسها على كتفه ليتطلع عليها رأها غارقة بنومها،ابتسم واعتدل ليستند بظهره خلف المقعد ثم مد يده يعدل بها وضعية رأسها لترتاح فوق كتفه، قرب أنفه من حجابها الموضوع فوق شعرها وبات يستنشق رائحته باستمتاع،يالها من رائحة تشبه رائحة تفتح زهور البرتقال،بالتأكيد توجد روائح أفضل بكثير من رائحتها لكنها الأفضل على الإطـ.ـلا.ق بالنسبة له،مال بجانب عينيه يتطلع على ملامحها الهادئة وبدون إدراكٍ وضع كفه يتلمس وجنتها الناعمة،أصبح مهووسًا بغرامها فقد فتنته بعنفوانها واختلافها عن الاخريات فوقع صريعًا لغرامها المتيمُ وانتهى الأمر
تنهد بأسى لأجلها فقد بدا على ملامحها الإرهاق أما جسدها فكان مستسلمًا للنوم مما يدل على حاجتها الملحة للراحة ترجع لعدm اخذها القسط الكافي من النوم والراحة هذة الأيام،أسند رأسها بكفاه على خلفية المقعد قبل أن يعتدل ويهب واقفًا ليحملها بين ذراعيه القويتين مما أفزعها و.جـ.ـعلها تفتح عينيها سريعًا لتتفقد ما حدث لها بعد أن شعرت بحالها ترتفع في الهواء،طمأنها سريعًا وهو ينطق بصوتٍ حنون:
-إهدي،هاخدك ترتاحي في الأوضة اللي حجزناها لعزة
شعرت بالإستكانة بين يداه لتباغتهُ بلف ساعديها حول عنقه تتشبث به بعدmا شعرت بأمانها داخل أحضانه،ابتسم وهو ينظر لملامحها الجذابة وتحرك بها بقلبٍ منتفض بقوة لشـ.ـدة قُربها منه بتلك الطريقة المُهلكة له،تحرك بها حتى وصلا للغرفة وقام بفتحها ليلجا ثم قام بغلق الباب بمقدmة قدmه وسار إلى الأريكة الجانبية ليميل ويضعها بحرصٍ كمن يتعامل مع بلورٍ شفاف ويخشى من كـ.ـسره،تجمد جسده حين شعر بتشبثها به بقوة وكأنها تخشى ابتعاده ليهمس لها وهو يفك كفيها من حول عنقه:
-نامي لك شوية علشان رقبتك ترتاح
حركت أهدابها لتسأله بصوتٍ متحشرج:
-هي عزة خرجت؟
-لسة قدامها نص ساعة كمان في اوضة العمليات وساعة على الأقل في غرفة الإفاقة،نامي وأول ما تخرج هصحيكِ...نطقها بهدوء لتومي له برأسها وأغمضت عينيها على الفور،كاد أن يتحرك نحو النافذة ليتطلع منها على الخارج لكنه تصنم حين أمسكت كفه بقوة لتمنعه من الرحيل حيث همست بنعاسٍ وعيناي مازالتا مغمضتان:
-خليك جنبي يا فؤاد، مـ.ـا.تسبنيش
لا يدري ما أصابهُ جراء تلك الحركة ،انتفض جسده وسارت دقات قلبه تقرع مثل طبول الحرب،مال مقتربًا على وجهها وبدون إدراكٍ منه وكأنهُ مغيب أجابها بهمسٍ ناعم تسلل لداخلها ليشعرها بالأمان الفوري:
-عمري ما أقدر أسيبك
تزحزحت بجسدها للخلف تفسح له المجال ليجلس بجانبها،اقتحمت سعادة الدنيا روحه لتنتعش وكأنه عاد مراهقًا، فتلك المشاعر التي تجتاحه بحضرتها لم يسبق ومرت عليه،نعم فكل شيئٍ معها مختلف وله مذاقٌ من نوعٍ خاص،جاورها الجلوس ومازال كفها متشبث بخاصته وكأنه أصبح ملاذها لتدخل بنومٍ عميق،نظر لملامحها المطمأنة وعلى الفور ارتسمت ابتسامة سعيدة فوق ثغره
تنهد بقلبٍ أرقته كثرة الإشتياق، همس من بين شفتيه الغليظة وهو يتعمق بها:
-لحد إمتى هفضل أكابر وأتحمل،ربنا يصبرني على هرمونات الجنان اللي بتهب عليكِ فجأة
ليتنهد بقلبٍ يتحرق شوقًا متابعًا بلهيبٍ:
-والله حـ.ـر.ام عليكِ اللي عملاه فينا ده
مر الوقت سريعًا وهو جالسًا بجوارها يتأمل وجهها بجسدٍ متيبس جراء إقترابه بهذا الحد المهلك،وأثناء انـ.ـد.ماجه استمع لخبطاتٍ فوق الباب،سحب كفه سريعًا لتنتفض تلك النائمة وتجلس تتلفت حولها بفزعٍ قبل أن يطمأنها بهدوء:
-إهدي يا بابا وعدلي حجابك كويس
تحرك سريعًا وقبل أن يصل للباب وجده قد فُتح ودلف من خلاله العمال وهم يحركون الشزلونج حيث تتمدد عليه عزة،قفزت لتهرول ناحيتها ليوقفها بيده وهو يقول بهدوء:
-أصبري لما ينقلوها على سريرها
بعد قليل اطمئنوا على عزة حيث فاقت واستعادت وعيها بالكامل، إتصل فؤاد بأحد حراس القصر وطلب منه أن يأتي بالعاملة "وداد"كي تجالس عزة وبالفعل أتى كلاهما وانتظرا خارج الغرفة،بعد مرور بعض الوقت تحدث فؤاد بنبرة هادئة وهو يطالع تلك الممسكة بكف عزة بتشبث:
-يلا بينا يا إيثار
تطلعت إليه باستغراب ليتابع بعدmا قرأ ما بعينيها من رفض:
- إحنا لازم نروح لاني عندي شغل وإنتِ كمان محتاجة تاخدي شاور وتنامي، كمان علشان يوسف لما يصحى،
واستطرد لإقناعها:
-الولد لسة مش متعود على حد من أهل البيت، ولو صحي وملاقكيش جنبه إنتِ أو عزة هيتخض
كانت تستمع له بتمعن شـ.ـديد لتنطق مقترحة:
-إنتَ ممكن تبعتهولي مع حد من الـ Body Guard
تحولت عينيه لحادة كالصقر ليرتعب داخلها أثر استماعها لطريقته الخشنة:
-إيثــار
واستطرد بنبرة صارمة ترجع لرعـ.ـبه عليها من فكرة استفراد نصر ونجله بها:
-الموضوع ده غير قابل للمناقشة
أطرقت برأسها فى حـ.ـز.ن ليزفر هو بقوة قبل أن تنطق عزة بما حسم الأمر:
-روحي مع جوزك يا حبيبتي علشان الولد
لم تدري ما حدث لها حينما استمعت لكلمة"زوجك"من عزة،فقد غزت مشاعر رائعة داخلها لكونها منسوبةً له،لتستطرد عزة بحروفٍ متقطعة ترجع لتأثرها بدواء التخدير:
-هو عنده حق، يوسف هيتفزع لو قام من النوم ملقناش إحنا الإتنين،وغلط عليه إنك تجبيه هنا في المستشفى
طالعتها بحـ.ـز.نٍ لأجلها لتتابع الاخرى للتهوين من الامر عليها:
-روحي ومتقلقيش عليا،أنا معايا وداد والحارس هيستنانا قدام المستشفى،أنا هعوز إيه تاني أكثر من كده
نظرت لها بوجهٍ حزين لتحثها الاخرى على التحرك:
-يلا يا بنتي روحي مع جوزك علشان الراجـ.ـل يلحق يروح شغله
ابتسم ليقول باستحسان لحديثها:
-ربنا يبـ.ـارك في عقلك يا عزة والله
-عد الجمايل يا باشا...قالتها بابتسامة ليردها إليها بامتنان
استقلت السيارة معه وانطلق بطريقهما للعودة إلى القصر،وضعت كف يدها على فمها لتتثاوب بنعاسٍ لمحه بطرف عينيه المراقبتين لها طيلة الوقت ليسألها بمشاكسة أراد بها انتشالها من دوامة حـ.ـز.نها على تركها لعزة وحيدة بالمشفى:
-لسه مشبعتيش نوم، ده أنتِ نايمة من ساعة مطلعنا من البيت
-منمتش كويس ليا يومين...نطقتها بصوتٍ متألمٍ خجول يرجع سببه لما حدث بينهما منذ أن خرجت صباح أول أمس لينتهي اليوم بمشاجرة وتراشق بالكلمـ.ـا.ت وما نهى على تماسكها وحرم على عينيها النوم هو ما حدث بمساء أمس،تنهد بأسى حين رأى نظراتها الزائغة وفهم مغزاها ليتطلع أمامه وهو يتابع القيادة بصمتٍ تام دام من كلاهما حتى وصلا لداخل القصر، توقف بالسيارة وتطلع عليها ليجدها غارقة بالنوم، ابتسم وتأذى بنفس الوقت لحالتها المزرية،فك وثاق حزام الامان الخاص به واقترب عليها يهمس كي لا يفزعها:
-إيثار،قومي إحنا وصلنا
حركت أهدابها لتفتحها بصعوبة ليميل عليها وبدأ بفك وثاق حزام الأمان من حول خصرها، انتفض داخلها بقوة لاقترابهِ منها لهذا الحد وأسرتها رائحة عطرة التي باتت تعشق استنشاقها وكأنها أصبحت الأكسچين بالنسبة لها،انتهى وعاد لمكانه ليخرج من السيارة بأكملها ويتجه للجهة الاخرى وقبل أن يصل لها كانت قد فتحت الباب ليسرع هو ويبسط كفه لها،تطلعت بعينين ولهة للاعلى تتعمق بعينيه لكنها صُدmت حين رأت بهما جمودٍ على غير العادة، ابتلعت ريقها برعُبٍ وخجلٍ لتسلمه كفها كي يساعدها على الترجل من السيارة،أغلق الباب وتحدث إليها باهتمام لكنه الجمود ذاته مازال ساكنًا عيناه:
-قادرة تمشي؟
إمممم...قالتها بأعين خجلة ناظرة أسفل قدmيها لتتحرك بجانبه للداخل ليصعدا الدرج سويًا إلى ان وصلا لجناحيهما المتجاوران لتتفاجأ به ينسحب صوب بابه الخاص دون أن يكلف حالهُ عناء النظر إليها لتنطق سريعًا وهي تراه ممسكًا بمقبض الباب يستعد للفه:
-متشكرة يا سيادة المستشار، مش عارفة من غير وجودك معانا النهاردة كنت هعمل إيه انا وعزة... نطقتها بعينين تنطقان ولهًا،استدار يتطلع عليها ليبتلع لعابه تأثرًا بمظهرها الفاتن ،للحظة شعر بغصة مرة بقلبة عنـ.ـد.ما أُعيدت لذاكرته رفضها له بكل مهانة لتصرخ كرامة الرجل بداخلهُ وهي تأمره بالهروب الأضطراري وباتباعه لسياسته الجديدة الذي قرر بين حاله إتباعها كي يكـ.ـسر عناد تلك المستبدة لتتحول على الفور نظراته لبـ.ـاردة وهو ينطق بصوتٍ صارمًا متجاهلاً شكرها وامتنانها:
-أنا هاخد شاور سريع وأروح على شغلي
رفع ساعده ينظر بساعة يده فوجدها قد تخطت السابعة والنصف ليتابع بترتيبٍ لها كي يطمأنها لتغفوا بسلامٍ واطمئنان:
-وهبلغ سعاد تطلع بعد ساعة تلبس يوسف وتسلمه للباص بنفسها
واستطرد بجدية وكأنه ألة:
-لو احتجتي أي حاجة خاصة بعزة إبقي رني عليا
أومأت بحـ.ـز.ن لمعاملته التي تغيرت على حين غرة لينسحب لداخل حجرته مغلقًا الباب دون النظر لتلك الواقفة تطالعه بقلبٍ متمزق،نظرت لباب غرفته المغلق وكأن احدًا قد قام بطعنها بنصل سكينٍ حاد،أخرجت تنهيدة حادة لتنسحب داخل غرفتها باستسلام،انتقت منامة هادئة واختفت داخل الحمام لتغتسل سريعًا وتبدل ثيابها وتخرج من جديد لتنضم لصغيرها كي تغفو ولكن من أين يأتيها النوم بعد تلك المعاملة الخشنة التي تلقتها للتو من حبيبها ومالك روحها، تنهدت ودخلت بدوامة تفكيرها ليمر على مخيلتها كل ما بات يؤرقها مؤخرًا.
********
بعد مرور عدة أيام
داخل منزل غانم الجوهري،ولجت منيرة من باب المنزل حيث كانت بالخارج تقوم بتأدية واجب عزاء في وفاة إحدى سيدات القرية،سألت إبنة عزيز الكبرى مستفسرة بشكلٍ روتيني:
-أمك ومرات عمك فين؟
في المطبخ بينضفوا بط
اتسعت اعينها وأسرعت بخطى واسعة وهي تهتف غاضبة:
-بط إيه ده اللي بينضفوه
خطت بساقيها لتتوقف وهي ترمقهما بعيني جاحظة لتصيح بنبرة مشتعلة:
-بتعملي إيه إنتِ وهي؟!
هي تكية أهاليكم علشان تعملوا اللي ييجي في دmاغكم من غير ما تستأذنوا صاحبة البيت اللي أويكم؟!
هبت نوارة لتقف منتفضة وهي تقول بـ.ـارتياب وبجسدٍ منتفض لحدة غضب والدة زوجها:
-أنا ماليش دعوة يا مرات عمي،نسرين هي اللي د.بـ.ـحتهم وندهت عليا أنضف معاها
واسترسلت برعـ.ـبٍ ظهر بمقلتيها:
-وأنا والله كنت فكراكِ إنتِ اللي قايلة لها
توسع بؤبؤ عيناي منيرة وهي تنظر لبرود تلك الـ"نسرين"التي لم تتزحزح بجلستها وتابعت ما تفعل لتنطق بملامح وجه هادئة وهي تنظر لما بيدها دون عناء النظر لتلك التي تشتعلُ غضبًا:
-مفرقتش كتير يا نوارة،كبير البيت هو اللي قال لي
هتفت منيرة وهي تضـ.ـر.ب كفًا بالاخر:
-ويطلع مين يا اختى كبير البيت ده كمان؟
رفعت عينيها تتطلع إليها لتقول ببرودٍ كالثلج:
-عزيز يا حمـ.ـا.تي،كبير البيت واللي بقى ليه الكلمة الاولى والاخيرة في البيت ده
-على نفسه وعليكِ يا موكوسة الأملة...نطقتها بغضبٍ لتتابع بسخرية وتهكم:
-وبعدين اللي يحكم يحكم من ماله ومن جيبه يا اختي، مش يحكم في ملك غيره؟!
-والله الكلام ده تروحي تقوليه لإبنك مش ليا...كلمـ.ـا.تٍ قالتها بتجبر وتقليل من شأن والدة زوجها اشعلتها وقبل أن تجيبها صدح صوت عزيز من خلفها حيث ولج للتو من الخارج ليهتف بنبرة حادة:
-صوتكم عالي وجايب أخر الشارع ليه؟!
وما أن استمعت نسرين لصوت زوجها حتى هبت واقفة لتنفض يداها من ريش الطير وهرولت إليه لتقول بملامح وجه رسمت عليها الحـ.ـز.ن والتأثر:
-تعالى يا عزيز شوف أمك عملت فيا إيه، بهدلتني علشان دكرين البط
وتابعت بتفخيم لذاته كي تستدعي غضبه على والدته اكثر:
-وليه وليه اللي بقول لها إن كبير البيت هو اللي أمرني بكده
استدارت منيرة لنجلها تسأله بحدة:
-إنتَ اللي قولت لها تعمل كده يا عزيز؟!
رفع قامته ليجيبها بتجبر:
-ايوه يا أما أنا اللي قولت لها، وحتى لو ما قولتلهاش،ده بيتها وخير جوزها ومن حقها تعمل اللي على كيفها
صاحت بكل صوتها لتنطق بطريقة لأول مرة تتعامل بها معه:
-ده لما يكون المال مالك يا عين أمك، إنما كل الخير اللي عمال تبهدل فيه إنتَ والمعدولة مراتك ده يبقى مال أبوك وشقايا أنا وهو طول السنين
صاح بحدة وعيناي تشتعل نارًا من حقدها:
-كل حاجة بتاعتي وشقايا مع أبويا،كفاية إني أخدت دبلوم وسبت عيالك يدخلوا الكليات،ده حتى البت لما خدت كليه،يبقى العدل بيقول إن أخد نص البيت ونص الارض قصاد تعليمي اللي ماكملتوش
-لا، ده انتَ عيارك فلت إنتَ ومراتك ولازم اخواتك يقعدوا معاك علشان تعرف حدودك...نطقتها لتنطلق لغرفتها وتصفع بابها بحدة لتعلن من خلاله عن غضبها العارم،نظر عزيز لزوجته ونوارة ليشير لكليهما بلامبالاة وكأن شيئًا لم يحدث:
-يلا انجزوا علشان تلحقوا تطبخوا الغدا في ميعاده،أنا مـ.ـيـ.ـت من الجوع
ليلاً
اجتمع الشقيقان ومنيرة بصحبة عزيز في جلسة عائلية طلبتها منيرة لوضع النقاط فوق الحروف،وتناقشا ليهب عزيز من جلسته وينطق بتجبر:
-أخر كلام عندي، البيت ده أنا اللي هتحكم فيه والكلمة الاولى والأخيرة ليا
ليستطرد بنبرة صارمة:
-وإنتِ يا أم عزيز، ريحي نفسك وأقعدي على الكنبة إتفرجي على التلفزيون مع العيال،ومن بكرة نسرين هي اللي هتمسك البيت
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلب منيرة شطرتها لنصفين،أفبعد كل ما فعلته من أجله ووقفت بجبهته تحارب معه جميع الجبهات يتجبر عليها هكذا وينصر زوجته بل ويطلب منها التقاعد كموظفي الحكومـ.ـا.ت،نزلت دmعة ألم وحسرة من عينيها ليهب أيهم واقفًا ليقول بعنفوان الشباب:
-إنتِ اتجننت يا عزيز،إيه اللي بتقوله لأمك ده
تسمر بمكانه عنـ.ـد.ما نزل كف عزيز على وجهه ليلطمه بقوة جعلت الجميع يذهلون لتصرخ منيرة ويهرول وجدي إلى عزيز يمسكه من تلابيب جلبابه ويقول وهو يهزه بعنف وعيناي تطلق شزرًا:
-هي حصلت كمان تضـ.ـر.ب أخوك، إنتَ فجرت ومبقاش حد قادر عليك، بس أنا بقى اللي هقف لك يا عزيز
قبض عزيز على كفاي شقيقه وقام بنفضهما بقوة ليهتف بتجبر وفجور ظهر بعيناه:
-أعلى ما في خيلك إركبه يا بيه، وهي دي معاملتي من هنا ورايح للكل
وتابع بصياحٍ وهو يرمق أيهم المصدوم بحدة:
-واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل
صرخ ايهم ليهتف بنبرة غاضبة:
-الباب اللي يفوت جمل ده إنتَ اللي هتطلع منه إنتَ والخسيسة مراتك اللي اصلها الوا.طـ.ـي ظهر في معاملتها لأمك، وديني وما أعبد لأكلم إيثار واخليها تجيب جوزها وييجوا يرموك إنتَ وهي وعيالكم في الشارع زي كلاب السكك
قهقه بقوة لينطق بثقة عالية:
-وإنتَ فاكر إن إيثار هتعبرك ولا هترد عليك من الأساس
صاح أيهم يتحداه بنظراتٍ نارية:
-هترد وهتيجي لما تعرف اللي حصل لأمها على إيدك إنتَ وقليلة الاصل مراتك
ضحك ليجيبه ساخرًا:
-بأمارة إيه يا حبيبي هتجي تقف جنبها،أمك بالنسبة لـ إيثار أكبر عدوة ليها، وكل اللي يهم إيثار هو حضانة إبنها
واستطرد بدهاء:
-أختك ذكية وهي عارفة إن أنا الوحيد اللي أقدر أجبر أمها واخليها ترفع قضية الضم،علشان كده عمرها ما هتعاديني، ولا هتيجي في صفكم لأن ببساطة كلنا بقينا في نفس الخانة عندها بعد اللي حصل في عزا أبوك
تطلع لوجوه الجميع التي أصابها الوُجومُ جراء صحة حديث ذاك الحاقد الذي استغل الوضع لصالحه، رفع سبابته ليشير به متنقلاً بين الجميع:
-من هنا ورايح كل واحد فيكم يلزم تمامه ويعرف حدوده في البيت،والكلمة اللي اقولها تتنفذ ومن غير وش كتير
وإنتِ يا أم عزيز،الكلام اللي قولته يتسمع، أنا عاوز لك الراحة...قالها بتأكيد لينسحب للخارج بـ.ـارتياح تحت عدm استيعاب الجميع لما حدث للتو ونظراتهم المتبادلة فيما بينهم بذهولٍ لما وصلوا إليه، ارتمت منيرة فوق الاريكة لتنهمر دmـ.ـو.عها الغزيرة والمتألمة تحت نظرات نجليها المتألمين لرؤيتهما لوالدتهما على تلك الحالة المزرية
*******
في تمام الساعة الثالثة ظهرًا
كانت تجلس بجوار حوض الزهور الذي سلبها عقلها منذ أن أتت إلى القصر، تجاورها الجلوس عزة التي بدأت تتعافى وتخرج في الحديقة لاستنشاق الهواء النقي بعدmا ملت من التمدد بتختها، والحق يقال فقد راعتها عائلة علام وحاوتطها بالإهتمام مما حسن نفسية عزة و.جـ.ـعلها تشعر بالراحة والإنسجام،تحدثت بهدوء وحذر:
-نوارة كلمتني الصبح
خير؟!...قالتها باقتضاب حيث انها قد اغلقت قلبها من ناحية الجميع منذ ما حدث وما عادت تطيق الإستماع لأخبـ.ـارهم،اجابتها بهدوء:
-بتقول لي عزيز مبهدل أمك وإخواتك معاه من ساعة ما أبوكِ مـ.ـا.ت
ابتسمت ساخرة قبل أن تنطق بلا مبالاة:
-وإحنا مالنا
أجابتها بتعاطف:
-البت مكلماني ومتعشمة تتدخلي وتلمي عزيز ومـ.ـر.اته وتهدديهم بعقد البيت والأرض
زفرت بحدة لتقول بصرامة:
-عزة،أنا مش عايزة أسمع أي كلام في الموضوع ده تاني، الناس دي أنا مشفتش منهم أي خير،أول ما عزيز إتجبر بدأ بيا أنا،وبدل ما يقفوا جنبي ويدافعوا عن الحق وقفوا معاه هو ضدي، ولولا ربنا سخر لي فؤاد كان زماني مرمية تحت رجلين إجلال ويا عالم كان هيجرى لي إيه،ولولا بابا الله يرحمه كان عنده بُعد نظر كان زمانهم واخدين إبني مني ومسلمينه لنصر
وتابعت بعيناي زائغة غير مستوعبة:
-بأي عين جايين الوقت يطلبوا مساعدتي؟!
كادت ان تنطق لتوقفها بإشارة من يدها واسترسلت قائلة:
-خلاص يا عزة،إنتِ لسة تعبانة من العملية ومش حمل مناهدة
تنهدت بهدوء لتقول وهي تستند على حواف المقعد لتفرد ظهرها:
-حاضر يا إيثار، هقوم أخد الدوا اللي قبل الغدا
إستني لما أجي أساعدك...قالتها وهي تستعد للوقوف لتهتف الاخرى سريعًا مما طمأنها و.جـ.ـعلها تتسمر بمقعدها:
-خليكِ مكانك، أنا زي الفل النهاردة
لتسترسل بعيناي تحمل الكثير من عبـ.ـارات الشكر والإمتنان:
-كتر خيرك على اللي عملتيه معايا، من ساعة ما عملت العملية وإنتِ مسبتنيش لحظة واحدة، لو عندي بنت مكنتش هتحبني وتهتم بيا زي ما عملتي معايا يا إيثار
-طب ما أنا بنتك يا عزة، ولا هو لازم أقولك يا ماما علشان تحسيها...قالتها بعيناي حنون لتسترسل بنبرة صوت متأثرة:
-ربنا يخليكِ ليا أنا ويوسف يا عزة
ابتسمت لتنطق بدعابة ابتسمت على أثرها الأخرى:
-ويخلي لك سيادة المستشار ويهديكِ عليه يا بنت الحاج غانم
ضحكت لتنسحب الاخرى للداخل،تنهدت وباتت تتطلع حولها بتمعن لتشغل عقلها بعيدًا عن اخبـ.ـار عائلتها التي برغم جمودها التي اظهرته أمام عزة إلا انها تأثرت وحـ.ـز.ن قلبها لأجل والدتها وشقيقاها،فبرغم ما فعلوه بها إلا انهم يظلوا عائلتها، أثناء ترقبها للحديقة وجدت سيارته تدخل من البوابة الحديدية لينتفض قلبها بقوة كادت تخرجه من بين ضلوعها، راقبت ترجله من السيارة وقدومه ناحيتها لتبتسم بحالمية وهي تنظر إليه متلاشية كلمـ.ـا.ت فريال اللاذعة التي قذفتها بوجهه،انصدmت بمروره للداخل وهو ينطق بجمودٍ دون الإلتفاف إليها:
-السلام عليكم
اتسع بؤبؤ عينيها وهي تتطلع على ظهره تتابع خطواته الواسعة المتجهة صوب المنزل ليخيمُ على قلبها الحـ.ـز.ن أما هو فتبسم حين لم يجد منها ردًا مما يعني صدmتها من معاملته ونهجه الجديد الذي اتبعه معها
بعد قليل أتت إليها العاملة لتستدعيها للداخل لتناول وجبة الغداء، ولجت للداخل لتجد الجميع بانتظارها مرحبين بتواجدها بينهم كما المعتاد،وما أثار دهشتها وقوف حبيبها السريع ليسحب لها المقعد المجاور له،وكعادته بدأ يحدثها بملاطفة وبدأ بوضع بعضًا من أصناف الطعام داخل صحنها، فقد بات يحفظ ما تحب كما يحفظ اسمه،إنتهى الغداء وجلست العائلة في جوٍ مبهج لكنه لم ينضم إليهم وصعد ليغفو،ليلاً نزلت لتتناول وجبة العشاء معهم لكنها لم تجده فسألت والدته على إستحياء:
-هو سيادة المستشار مش هينزل يتعشى معانا؟
نظرت عصمت لزوجها باستغراب لتجيبها بنبرة هادئة:
-فؤاد خرج يتعشى برة مع واحد صاحبة
أصابها حـ.ـز.نًا لتكمل عليها تلك الفريال التي أرادت إنهاء تلك المسرحية الهزلية بمنتهى السرعة لتنطق وهي تمسك بإحدى حبات العنب تقلبها بأصابعها بتمعن يدعوا للإستفزاز:
-هو مقالكيش ولا إيه؟!
دفنت نظراتها بداخل الصحن لتقول بصوتٍ خافت:
-أنا كنت نايمة
1
شعرت عصمت بعمق حـ.ـز.نها لتجيب على حديثها كي تسحبها من ذاك الحـ.ـز.ن الذي ملئ عينيها وظهر بنبرة صوتها:
-أكيد محبش يزعجك يا حبيبتي.
شاركها علام ايضاً لينطق بملاطفة:
-هو فؤاد طول عمره كده، بيخرج من غير ما يقول
واستطرد بتودُد وهو يشير لصحنها:
-كملي أكلك علشان نخرج مع بعض في الجنينة
واسترسل كي يخفف من وطأة حـ.ـز.نها:
-عاوز أوريكِ أنواع الزرع الجديد اللي جبناه
بالفعل استطاع جذبها لتبتسم له وتومي برأسها بحماس
********
بعد مرور بضعة أيامٍ
داخل إحدى العيادات الخاصة بإحدي طبيبات النساء والتوليد وبالتحديد داخل حجرة الكشف، تجلس سمية بصحبة والدتها تنتظر إنتهاء الطبيبة من قراءة التحاليل والأشعة التصويرية التي طلبتهم منها منذ زيارتها لها بالإسبوع الماضي مع ياسمين،اخرجت الطبيبة زفرة قوية لتهئ حالها وهي تقول:
-للاسف يا سمية،زي ما شكيت
تمعنت بالنظر لها لتتابع الاخرى:
-عندك ورم ليفي ضخم مش عارفة إزاي استنيتي عليه المدة دي كلها،وللاسف إتسبب لك في عُقم ولازم نستئصل الرحم
نزل عليها الخبر كالصاعقة لتجحظ عينيها وهي تصيحُ بجنون:
-إنتِ بتقولي إيه يا دكتورة، عقم مين ورحم مين اللي يتشال
وقفت والدتها لتساندها في حين تحدثت الطبيبة بعملية:
-إهدي يا سمية الإنفعال مش كويس علشانك
تحدثت والدتها بترجي:
-طب شوفي لها أي علاج غير شيل الرحم ده يا دكتورة
هزت رأسها لتجيبها بأسى:
-مفيش اي حل تاني،حالة بنتك متأخرة وللأسف مش هينفع غير الإستئصال وإلا حياتها هتتعرض للخطر
هتفت بذهول واعتراض بعدmا انتفضت بجلستها:
-خطر! هو فيه أخطر على حياتي من اللي بتقوليه، أنا لسة مخلفتش الواد اللي هيقويني وياكل الجو من إبن إيثار،اللي إنتِ بتقوليه ده معناه انها انتصرت عليا، وده اللي لا يمكن أسمح بيه أبدًا
صرخت كالمـ.ـجـ.ـنو.نة وهي تشير بكفيها لتتابع بحقدٍ دفين جعل من الطبيبة ترتعب:
-ده أنا أقـ.ـتـ.ـلها هي وإبنها بأديا دول
ذُهلت الطبيبة من هيأة تلك الحقودة لتجذبها والدتها من ذراعها تحثها على النهوض لتقول للطبيبة بإحراج:
-معلش،اصل الخبر صدmها وخلاها تفقد عقلها
هزت المرأة رأسها بتفهم وهمي لتسحب ابنتها التي ما أن خرجتا من العيادة حتى هاجت وهي تهتف لوالدتها بسخط:
-شوفتي النحس اللي ملازمني يا ماما،اعمل إيه واروح فين، أنا لو شيلت الرحم العقربة إجلال هتجوز عمرو تاني يوم علشان يخلف، دول كانوا صابرين عليا علشان متأكدين إنهم هيرجعوا له بنت منيرة علشان تخلف له كمان واد، إجلال كانت بتقول إنها طالعة لأمها، خلفتها كلها هتبقى صبيان
واسترسلت بعيناي زائغة تنظر بهما هنا وهناك كالتي فقدت عقلها:
-أهي اتجوزت، يعني خلاص، إجلال هتفضى لي وبعد ما كانت مطنشاني هتفوق عليا، وانا خلاص، لا هعرف أجيب الواد ولا حتى بت تانية
جذبتها والدتها من رسغها تتعجل خطواتها وهي تقول:
-بطلي نواح ومدي شوية خلينا نلحق لنا تاكسي يوصلنا على البيت، وهناك نفكر هنعمل إيه ونتصرف في المصيبة دي إزاي
عصر يوم الجمعة
كانت تجلس بغرفتها تراجع لصغيرها بعض دروسه، استمعت لبعض الطرقات الخفيفة فوق الباب لتسمح للطارق بالدخول،لتلج "وداد" وهي تخبرها باحترام:
-مساء الخير يا هانم، علام باشا عاوز يوسف ينزل في الجنينة علشان عاملين حفلة شوي وعاوزه يلعب مع بيسان، وبيقول لحضرتك تنزلي علشان الغدا هيكون في الجنينة النهاردة
اومأت لتجيبها:
-حاضر يا وداد،خدي يوسف وأنا هغير هدومي واحصلك
ارتدت بنطالاً من القماش الخفيف باللون البيچ وكنزة باللون النبيتي المفضل لدى معـ.ـذ.ب قلبها كانت قد ابتاعتها عبر الأنترنت قبل يومين، جلبتها خصيصًا لإثارة ذاك الذي أصبح لا يعيرها أدنى إهتمامًا فقررت بدهاء الانثى سحبه لعندها رغمًا عنه،تعلم من أعماقها أنه تغير معها للثأر منها لأجل كرامته التي أُهينت على يد تلك العنيدة،لذا قررت إتباع الأساليب الملتوية لتجذبهُ إليها من جديد متغاضية عن حديث فريال،فأحكام القلب أقوى من أي حساباتٍ أخرى،لعنت حالها وغبائها حين أنجرفت خلف كبريائها وانساقت لحديث تلك الفريال رغم كل ما تشعر به من عشق وحنان يشملها به وتتلمسه من إهتمامه بها وبالصغير، وقفت أمام مرآة الزينة لتضع بعض الرتوش الخفيفة على وجهها مما أعطاها مظهرًا جذابًا، فهي بالأصل جميلة ولا تحتاج لأي إضافات،تنفست بعمق لتتحرك للخارج،ارتبكت حين وجدته يخرج من باب جناحه،توقفت لانتظاره تترقب ردة فعله على لونه المفضل لكنه صدmها عنـ.ـد.ما تحرك لحتى وصل إليها ليقول بنبرة بـ.ـاردة كالثلج دون أن يلتفت إلى ما ترتديه من الأساس مما أصابها بخيبة الأمل:
-نازلة؟
أومأت له بنعم ليشير هو لها باحترام لتتحرك بجانبه، سألها باهتمام:
-يوسف فين؟
اجابتهُ بتـ.ـو.تر ظهر بصوتها:
-سيادة المستشار بعت وداد أخدته من شوية
اكتفى بهزة من رأسه ونزلا الدرج سويًا ومنه إلي الحديقة مع إلتزامهما بالصمت التام، تمعنت بالنظر لتلك الفتاة الواقفة تساعد علام وماجد بتسوية اللحوم فوق الشواية،ضيقت عينيها وهي تنظر لثيابها المتحررة حيث ترتدي شورتًا قصيرًا بالكاد يغطي منتصف فخديها تعتليه كنزة بحمالاتٍ رفيعة وصدرٍ مفتوح،ترفع شعرها الاشقر لأعلى على هيأة كعكة،انتبهت لصوت ذاك المجاور لها وهو يهتف بمرحٍ ليصل صوتهِ لتلك الفتاة الشقراء:
-ده إيه المفاجأة الحلوة دي
وكأنها كانت تنتظر صوته لتلتفت متلهفة على رؤياه،ضحك وجهها بسعادة وألقت ما بيدها فوق المائدة بإهمال ولم تنتظر حتى يذهب إليها بل أتت هي مهرولة لاستقباله،إحتضنته بحفاوة ليشتعل داخل إيثار من المنظر ومازاد من نار غيرتها تقبيل زوجها لتلك الشقراء من وجنتيها،كانت تنظر إليهما كالبلهاء حتى استفاقت على صوت تلك الدخيلة وهي تتأمل ملامحه بعيناي متشوقة لفتاةٍ عاشقة، نعم فهي أدرى الناس بحال العاشقين:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا فؤاد، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
ابتسم وهو يقول بنبرة رزينة:
-إزيك يا سميحة، جيتي إمتى من لندن؟!
تحولت نظراتها لحادة وهي تقول بتنبيه:
-إسمي سو يا فؤاد، مش سميحة
قهقه بصوتٍ مرتفع وطريقة جذابة لتختطفه تلك الغريبة وهي تتحرك به للأمام تاركين إيثار بالخلف تتطلع عليهما بذهولٍ وبلاهة،شعرت بالإحراج وفكرت بأن تنسحب للأعلى من جديد لكن صوت علام الذي هتف يستدعيها بإبوة كان رادعًا لتفكيرها:
-تعالي يا إيثار،واقفة عندك ليه يا بنتي
1
تحركت للأمام تحت نظرات فريال المتفحصة لملامحها وتأثير زيارة سميحة وتقبيلها بحفاوة لفؤاد، ابتسمت عصمت لتضع يدها على كتفها باحتواء وهي تقدmها إلى سميحة المنـ.ـد.مجة بالحديث مع فؤاد ولم ترى بأعينها سواه من بين الجميع:
-تعالي لما أعرفك على سو بنت عم فؤاد وفريال، كانت مسافرة بريطانيا بتحضر ماجستير في الطب النفسي ولسة راجعة من يومين
اومأت إيثار برأسها وهي تقول بصوتٍ خفيض وملامح وجه ساكنة:
-أهلاً وسهلاً
أومأت لها الأخرى لتستدير عصمت وهي تنظر بفخرٍ إلى تلك التي دخلت إلى قلبها واتخذت مكانًا بجوار نجلها الغالي:
-ودي إيثار،مرات فؤاد
نزل الخبر على سميحة كصاعقة زلزلت كيانها،قصدت عصمت التنوية لكي لا تجعل تلك السميحة تتأمل ككل مرة ترى بها فؤاد،فهي تعشقه منذ صغرها وقبل أن يتزوج نجلا لكنه لم يراها سوى شقيقة له مثلها كفريال
ابتلعت لعابها لتنطق وهي تتفحص تلك الواقفة أمامها:
-مرات فؤاد!
حولت بصرها إليه لتسألهُ بعيني لائمة:
-إنتَ إتجوزت؟!
آه يا حبيبتي،عقبالك...قالها ببرود ليستدير لوالده يتابع معه تكملة عملية نضج اللحوم،جذبت عصمت إيثار وجلستا حول المائدة تنتظران تسوية الطعام،أما سميحة فسألت فريال بترقب ومازالت الصدmة ظاهرة فوق ملامحها:
-ليه ماقولتليش إن فؤاد إتجوز وإنتِ بتعزميني على الغدا؟!
رفعت كتفيها لتنطق بلامبالاة:
-لأنه متجوزش بالمعنى اللي فهمتيه
سألته باهتمام:
-يعني إيه كلامك ده؟
رفعت كأس المشروب البـ.ـارد لترتشف بعضًا من قطراته ثم انزلته بهدوء لتقول وهي تتفحص إيثار الجالسة بـ.ـارتياح بجوار والدتها:
-دي جوازة مؤقته وليها ظروف خاصة،فترة وكل واحد منهم هيروح لحاله
سألتها متلهفة:
-بتتكلمي جد يا فيري؟
طب إحكي لي التفاصيل
هزت رأسها بنفيٍ قبل أن تقول:
-التفاصيل متخصناش، المهم في الموضوع إن الطـ.ـلا.ق هيتم قريب جدًا، لو لاحظتي هتلاقي فؤاد متجنبها خالص
تنهدت سميحة براحة وعاد لها الامل من جديد بفضل كلمـ.ـا.ت فريال المطمأنة،وبعد قليل كان الجميع يجتمع حول طاولة الطعام،تعمدت سميحة مجاورة فؤاد والحديث معه بصوتٍ خافت أثار حنق تلك المجاورة له بالمقعد الاخر، غرست الشوكة بقطعة من اللحم ومدتها باتجاة فم فؤاد لتقول بجرأة:
-دوق حتة اللحمة دي يا فؤاد وقول لي رأيك فيها،أنا اللي شوياها بنفسي
إقتضمها منها تحت غليان قلب إيثار حيث اشتعل جسدها بالكامل من تقرب تلك الحية من زوجها، نعم هو زوجها هي فكيف لها أن تكون بتلك البجاحة وتتقرب منه هكذا،ضحك علام وهو يداعب إبنة شقيقه الغالي:
-اللي يسمعك يقول إن إنتِ اللي متبلة اللحمة ومجهزاها
نطقت بدلال وهي تنظر إلى فؤاد:
-خلاص بقى يا عمو، مش لازم تكسفني قدام فؤاد وتعرفه إني مش بعرف أطبخ
ضيق فؤاد عينيه باستغراب لتضحك فريال وهي تقول بمشاكسة:
-فؤاد مش بيهتم بالحاجات دي يا سو، فمتقلقيش
-فريال...قالتها عصمت بحزم لتتابع بعدmا وقفت:
-تعالي معايا نجيب باقي اللحمة من على الشواية
تعجبت من حدة والدتها ونظرت للطعام الذي يملؤ الطاولة إذاً فلا داعي لجلب المزيد وخصوصًا أن اللحوم بعيدة عن النار فلا خوفٍ عليها من الإحتراق، لكنها انصاعت لأمر والدتها وتحركت بجانبها وما أن ابتعدا حتي هتفت بصوتٍ خفيض كي لا يصل للأخرين:
-ممكن أعرف أخرة اللي بتعمليه ده إيه؟
مطت شفتيها لتسألها بدهاء:
-مش فاهمة يا ماما، تقصدي إيه؟
هتفت بنبرة صارمة:
-أقصد بنت عمك اللي فاجأتينا كلنا بعزومتك ليها على الغدا من غير ما حتى تبلغيني، وكلامكم ونظراتكم الغريبة لبعض، وكلامكم عن فؤاد
واسترسلت بنبرة تحذيرية:
-إسمعيني كويس يا فريال وإعتبري ده اخر إنذار ليكِ مني، إبعدي عن اخوكِ ومـ.ـر.اته وسبيهم في حالهم، أخوكِ بيحبها فبلاش تعملي بينهم مشكلة بسبب بنت عمك
ابتسمت بسخرية قبل أن تقول متهكمة:
-مرات مين يا ماما، هو حضرتك مصدقة إنها مـ.ـر.اته بجد
وأشارت بكف يدها نحو فؤاد المنسجم بالحديث والضحكات مع سميحة لتتابع ساخرة:
-هو فيه واحد بيحب واحدة يبقى قاعد يهزر ويضحك مع غيرها ولا عامل لوجودها حساب
تنهدت عصمت بأسى لتسترسل الاخرى بإيضاح:
-إيثار قربت تكمل شهر في بيتنا،تقدري تقولي لي ليه لحد الوقت كل واحد منهم في أوضة لو فعلاً بيحبها زي ما حضرتك بتقولي؟!
فوقي يا ماما وبلاش تعلقي نفسك بوهم مش هيتحقق
لتتركها فريال وتنسحب لتنضم إلى الطاولة من جديد وتابعتها عصمت،أشار علام إلى أحد الصحون ثم قال قاصدًا إبنة شقيقه:
-ممكن تناوليني طبق السلطة يا سميحة
-سو يا عمو، سو سو سو...نطقتها بطريقة اظهرت كم حنقها لتتابع وهي تغمض عينيها باستسلام:
-الله يسامحك يا بابي، من بين كل أسماء البنات مختارليش غير إسم تيتا
ضحك ليجيبها متهكمًا:
-إنتِ كنتي تطولي تتسمي على إسم سميحة هانم الحداد
قلبت عليها بسأمٍ وغيظ مفتعلان لتنطق بملاطفة:
-طبعاً، مين يشهد للعروسة
لتجاريها بالحديث فريال التي قالت وهي تنظر لوالدها بمداعبة:
-إبنها
أطلق الجميع ضحكاتهم،قرر ماجد المشاركة بالحديث الدائر برغم أنه لا يفضل كثرته:
-أكيد بباكِ بيحبك جدًا وليكِ مكانة مميزة في قلبه بدليل إنه إختار لك إسم أغلى حد في حياته
-أكيد، بس سميحة إسم قديم قوي...قالتها بعدm تقبل ليتابع الجميع الحديث عدا تلك الجالسة بصمتٍ تام رغم محاولات علام وعصمت بإشراكها معهم لكنها ظلت متحفظة
انتهى وقت الطعام وانتقلوا للجلوس حول حمام السباحة وظلوا يتبادلون الأحاديث فيما ببنهم حتى أتى المساء،أما فؤاد فقد استغل وجود سميحة أسوء إستغلال بعدmا لاحظ غيرة واشتعال تلك الشرسة، فأراد أن يزيد من نارها حيث طلب من سميحة مجاورته ليريها الحديقة والزهور النادرة الموجودة بها،انسحبت إيثار معتذرة متعللة بإصابتها بصداعٍ نصفي لتصعد لغرفتها بعدmا فقدت القدرة على السيطرة على حالها،خطت بساقيها للداخل لتفك حجاب رأسها لتلقي به بعنفٍ فوق التخت،باتت تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا بجسدٍ ملتهب من شـ.ـدة اشتعاله، اقتربت من النافذة لتنظر للأسفل فوجدت ما جعل قلبها يتحول لفوهة بركانية على وشك الإنفجار حين رأت فؤاد يجلس أرضًا فوق النجيلة فاردًا ساقيه للأمام مستندًا بساعديه للخلف في مظهرٍ جذاب أثارها هي شخصيًا، تقابله تلك الحقيرة المتكأة بكوعها على الارض وتتمدد على جنبها بجسدها المفرود دون خجلٍ أو حياءًا يمنعها، كانت ساقيها العاريتان مقابلة بوجه فؤاد مما أشعل جسدها بالكامل و.جـ.ـعلها تهرول إلى داخل الحمام لتخلع عنها جميع ثيابها وتنزل تحت صنبور المياة وتفتحه على البـ.ـارد علها تهدأ من اشتعال روحها ولو قليلاً
أما فريال فكانت تتمشى بجانب زوجها الذي تحدث بنصحٍ:
-على فكرة،كل تصرفاتك مع فؤاد غلط، صدقيني هتخسريه لو فضلتي مكملة بالطريقة دي
-حتى أنتَ كمان مش قادر تفهمني يا ماجد...قالتها بتأثر لتنطق بصدقٍ ظهر بعينيها:
-أنا خايفة على فؤاد وعاوزة أنهي المسرحية دي بسرعة قبل ما يتأذي من علاقة ملهاش ملامح
تخطت الساعة التاسعة ليلاً ومازالت تراقبه من نافذتها تحت نظراته الخبيثة التي تراقب خيالها الظاهر برغم حرصها على ألا تظهر،وقف منسحبًا للأعلى وترك سميحة التي انتوت المبيت بالمنزل اليوم تحت ترحيب الجميع عدا عصمت الغاضبة مما يحدث، وصل لغرفته وما أن شرع بتغيير ثيابه وبالكاد ارتدي بنطالاً مريحًا ليجد خبطات سريعة وقوية تقتحم بابه، ابتسم لمعرفته لشخص الطارق وتنفس بعمقٍ قبل أن يرسم الجدية على ملامحه وينطق قائلاً:
-إتفضل
فتحت الباب لتتحرك سريعًا وتقف بمقابلته متلاشية عدm ارتدائه لملابس بالجزء العلوي من جسده،هتفت بنبرة حادة وعيناي تطلق شزرًا توحي بمدى إحتراق روحها:
-ممكن تفسر لي اللي عملته تحت قدام أهلك ده؟!
قطب جبينه بعدm إستيعاب ليسألها بعدmا قرر اللعب على أعصابها:
-مش فاهم؟
هتفت بحدة وجسدٍ متشنج:
-أقصد ضحكك وهزارك الغير مقبول مع بنت عمك وكأني مش موجودة
إرتسمت إبتسامة ساخرة فوق شفتيه قبل أن يضيق ببن عينيه ويسألها متعجبًا:
-هو مش المفروض إن جوازنا صوري وهنتطلق بعد ما أضمن لك حضانة يوسف؟!
هز رأسه ليتابع مستفسرًا بتهكم:
- يبقى إيه اللي يزعلك في إني أهزر مع بنت عمي أو حتى أصاحبها
اشتعلت روحها من ردوده البـ.ـاردة لتصيح بلهجة غاضبة:
-اللي يزعلني شكلي اللي خليته زي الزفت قدام أهلك وقدام اللي معرفش إسمها إيه دي كمان
-سميحة...نطقها ببرود ليتابع بنظرات جادة:
-إسمها سميحة
رفعت سبابتها أمام عينيه لتصرخ بعيني ملتهبة من شـ.ـدة غضبها:
-ميهمنيش إسمها ولا هي مين أصلاً، كل اللي يهمني إنك تحترم وجودي وهي كمان تحترم نفسها ومتقربش منك
بمنتهى الهدوء أمسك صباعها وأنزلهُ للأسفل ثم تنهد ليقول بصوت خال من المشاعر:
-لو خلصتي كلامك ممكن تتفضلي على أوضتك علشان نعسان وعاوز أنام
صاحت لتنطق بقوة متغاضية عن كلمـ.ـا.ته المهينة:
-مش همشي غير لما تجاوبني على سؤالي
-اللي هو إيه سؤالك؟! قالها مستفسرًا لتتابع هي بنبرة متألمة:
-إنتَ حكيت لأهلك عن مشاكلي مع إخواتي وقولت لهم إنك إتجوزتني شهامة وإن جوازنا مؤقت لحد ما أحل مشكلة الحضانة؟!
بملامح وجه قاسية أجابها باقتضاب:
-مقولتش أي تفاصيل غير لأبويا وده لأماني أنا وإنتِ، وعمري ما جبت سيرة إن جوازنا مؤقت ليه ولا لأي مخلوق،إنتِ اللي طول الوقت بتقوليها
ابتلعت لعابها ليسألها بجبينٍ مقطب بعدmا بدأ بربط الخيوط:
-الكلام ده وصلك منين؟!
تنهدت وفكرت بالبوح له عما أخبرتها به فريال لكنها تراجعت لعدm إرادتها بافتعال المشاكل وزرع الفتنة بينه وبين شقيقته،هزت رأسها لتجيبه بصوتٍ خرج هادئًا:
-محدش قالي حاجة، أنا اللي حبيت استفسر إذا كنت اتجوزتني شهامة منك وحاطط في دmاغك إنها فترة وهتطلقني ولا لا
-خلصتي كلامك واستفساراتك؟!...قالها ببرود ليشير لها من جديد صوب الباب
شعرت بكلمـ.ـا.ته القاسية تلك وكأنها نصل سکينٍ حاد غرز في وسط قلبها لينهي عليه،ابتسمت ساخرة من حالها لتنطق بضعفٍ وقد لمعت عينيها من إثر الدmـ.ـو.ع:
-أنا اسفة يا سيادة المستشار، يظهر إني نسيت نفسي وتخطيت حدودي في البيت من جديد
نطقت كلمـ.ـا.تها وانطلقت مهرولة للخارج لتصل إلى غرفتها لترتمي بجسدها فوق التخت وتطلق العنان لدmـ.ـو.عها الحبيسة
********
ظل يتحرك داخل غرفته يجوبها بغضبٍ عارم وهو يشـ.ـدد على خصلات شعره الغزير يسحبهُ للخلف بحدة يكاد أن يقـ.ـتـ.ـلعه من جذوره،توقف فجأةً لينظر باتجاه الباب ومن دون تفكير هرول للخارج ليقتحم باب غرفتها دون استئذان مما أفزع تلك الحزينة حيث تطلعت عليه بنظراتٍ هلعة تتمعن بهيأته الجنونية،أما هو فزاد جنونهُ حين رأى دmـ.ـو.عها المنهمرة ليسألها بغضبٍ عارم:
-إنتِ عاوزة إيه بالظبط، ها؟
جيتي لي الأوضة ليه برغم إني مش فارق معاكِ!غيرانة عليا من بنت عمي ومرعوبة ليكون فيه بينا حاجة وقاعدة بتعيطي ليه؟!
ليصيح وهو يشيح بذراعية بطريقة مسرحية:
- مش جوازنا صوري والهانم وخداني كوبري يعديها لبر الأمان هي وابنها؟!
ليستطرد بما زلزل كيانها رُعبًا:
-أحب ولا أصاحب ولا أتجوز ملكيش فيه بقى،أنا حر زي ما أنتِ حرة في قرارك اللي أخدتيه
زادت شهقاتها وانهمرت دmـ.ـو.عها أكثر وأكثر وهي تتطلع لحالته التي تراه عليها ليصـ.ـر.خ قائلاً بجنون:
-بطلي عـ.ـيا.ط وكلميني زي ما بكلمك
تابعت شهقاتها وبصمتٍ وضعف هزت رأسها مما زاد من اشتعال جسده، لم يدري بحاله إلا وهو يهجم عليها كثور هائج فلت لجامه ليمسك بمعصمها بقسوة كادت أن تكـ.ـسره ويجذبها بعنفٍ لتقف أرضًا أمامه تترنح بجسدٍ غير متزن ليهتف متجاهلاً حالتها بلهجة أشـ.ـد:
-إنطقي،أنا مش هسيبك النهاردة غير لما ننهي المسرحية السخيفة دي
نطقت بحروفٍ متألمة:
-فؤاد أنا بحبك، بس خايفة
هتف يسألها بصرامة وعيناي حادة:
-من إيه؟ خايفة من إيه وأنا معاكِ
واسترسل بلهجة أقرب للجنون:
-جاية تسأليني إذا كنت اتجوزتك شهامة وحاطط في دmاغي إنها مرحلة مؤقتة وتنتهي ولا لاء؟!
نطق مبررًا ليثبت لها أنها حبيبته بالفعل لا بالكلام:
-ده أنا روحت كفر الشيخ علشان أجيبك إنتِ ويوسف وأنا مش عارف إذا كنت هطلع من هناك حي ولا جثة،ده ما يشفعليش عندك ويغفر لي غلطتي الأولى اللي مش قادرة تنسيها لي؟!
-أنا محتاجة أطمن يا فؤاد...نطقتها بضعفٍ ودmـ.ـو.عٍ مزقت بها قلبه ليهتف بجنون فقد أثارت غضبه وأوصلته تصرفاتها للهياج وانتهى الأمر:
-أطمنك إيه أكتر من إني إتجوزتك رسمي وجبتك على بيتي ووقفت بيكِ قدام أهلي وبكل فخر واعتزاز قولت لهم دي مراتي؟!
واسترسل وهو يهز رأسه باستسلام وحيرة:
-إيه المطلوب مني تاني علشان أثبت لك إني بحبك وبحترمك وعاوزك زوجة في النور، زوجة أكمل معاها باقي حياتي في استقرار وحياة طبيعية،قولي لي أعمل لك إيه تاني؟
صرخ بجملته الاخيرة لتنطق بضعف بعدmا مالت برأسه تترجاه عينيها:
-أنا آسفة
سألها بحدة مستفسرًا:
-يعني إيه آسفة؟
-آسفة...كررتها هامسة بعيني متوسلة ليصـ.ـر.خ بجنون وهو يشـ.ـدد من قبضته على رسغها:
-على إيه، آسفة على إيه بالظبط؟!
نطقت بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة بفضل بكائها الحاد:
-آسفة إني تعبتك معايا ووصلتك للحالة دي،فؤاد أنا بحبك زي ما أنتَ بتحبني ويمكن أكتر
انتفض قلبه وهو يستمع لكلمة"أحُبك"للمرة الأولى من بين شفتاها لتتابع هي بدmـ.ـو.عها الكثيفة:
-بس أنا خايفة ومحتجاك تطمن خوفي وتحتويني
رفع كتفيه للأعلى وأنزلهما ليسألها باستسلام:
-طب قولي لي إزاي،وأنا هعمل اللي يريحك ويطمنك
أجابتهُ هامسة:
-خليك معايا ومتسبنيش
-ما أنا معاكِ،أنا أمتى سيبتك ولا بعدت؟!...قالها بعيناي حائرة لم تجد برًا ترسو عليه مع تلك المشتتة التي أرقت مشاعره وساقتهُ لدرب الجنون،تنهدت بعمقٍ قبل أن تتخذ قرارها وتباغتهُ بإلقاء حالها داخل أحضانهُ لتتجرأ أكثر وهي تلف ذراعيها حول عنقة لتتعلق به كتعبيرًا منها عما لا تستطع الكلمـ.ـا.ت شرحه ولا يساعدها لسانها بقوله،زادت من جنونه حين اقتربت بشفتيها من عنقه لتطبع به قُبلة متعمقة جعلت من كل ذرة بجسده تنتفض،همس بجانب أذنها يسألها للتأكيد،هو يريدها بجنون ولكن،سيتحمل لأجل أن يحسم الأمر كي يغلق عليها كل أبواب العودة:
-معناه إيه اللي عملتيه ده
-بحبك...كلمة نطقت بها للمرة الأولى وهي تلامس جلد عنقه بحالمية زلزلت بها كيانه وكانت كفيلة للرد عليه لكنه لم يكتفي ليسألها كي يضع الإمور في نصابها الصحيح:
-يعني إيه بتحبيني،إيه اللي لازم أفهمه من الكلمة دي؟
ابعدها عن أحضانه مجبرًا ليتعمق بمقلتيها،أخفضت عينيها للأسفل بخجلٍ لتواريهما عنه مع اشتعال وجنتيها بحمرة الخجل مما جعله يمد أنامله أسفل ذقنها رافعًا وجهها إليه ليهمس متابعًا برقة وحنان:
-عاوز رد واضح؟
ابتلعت ريقها وهي تقول على استحياء وعيناها تنطقان بالولهِ والإحتياج يصـ.ـر.خ بهما:
-يعني عوزاك معايا يا حبيبي
لمسات أناملها التي تتحرك فوق عنقه الخلفي لتصعد لخصلات شعره تداعبه برقة مع صرخات عينيها المتوسلة زلزلت كيانه ليشعر باهتزاز جسده وتصلب جميع شرايينه ليقول مستفسرًا بشفتاه الغليظة:
-إنتِ قولتي إيه؟
حركت اهدابها عدة مرات لتضغط على شفتها السُفلى مما جعل دقات قلبهُ تُسرع،كاد أن يقترب عليها ليدخلها بين ضلوعه ويشـ.ـدد من احتضانها علهُ يطفيء نيران قلبهِ الشاعلة بعشق تلك الحورية لكنه صمد ليرى رد فعلها لتنطق هي بخجلٍ ظهر جليًا بصوتها:
-عوزاك معايا
-يا إيه؟... نطقها متلهفًا منتظرًا إجابتها بشفاة مرتعشة لتجيبهُ بصوتٍ انثويًا ناعم وابتسامة سلبته لبه:
-يا حبيبي.
إنتِ عارفة إنتِ عملتي فيا إيه بكلمتك دي؟... نطقها بصوتٍ هامس ليكمل مسترسلاً بعينين هائمتين:
-طلعتيني لسابع سما،لدرجة إني حاسس إني طاير وعاوز أغرق في بحر هواكِ
-وإيه اللي مانعك؟...نطقتها بدلال افقدهُ عقله ليجيبها متوجسًا:
-خايف
-من إيه؟
ليجيبها بصوتٍ يشوبهُ الخوف من خيبة الامل:
-لتوقعيني على جدور رقبتي زي ما عملتي المرة اللي فاتت
ابتسمت لتنظر بصرها خجلاً وهي تدعوه صراحتًا:
-طب مـ.ـا.تجرب، هتخسر إيه؟
تنهد لينطق بلهجة تحذيرية:
-المرة دي مفيهاش رجوع يا إيثار، لو دخلت جنتك مفيش قوة هتجبرني على إني أخرج تاني،هحبسك جوايا حتى لو كان ده ضد رغبتك
همست وهي تعبث بزرائر قميص بيچامته بجرأة جديدة عليها لتقول وهي تميل برأسها بدلال اجهز على ما تبقى لهُ من صبرٍ لديه:
-ومين قالك إنه هيكون ضد رغبتي... قالتها وهي تقترب منه ليسألها بمشاكسة:
-قد كلامك؟
ابتسمت لتهز رأسها بإيجاب بنظراتٍ خجلة أثارت جنونه،مال يطبع بشفته قبلة رقيقة بجانب شفتها السفلى حاسما امره بعد كلمـ.ـا.تها الرقيقة تلك لينحنى عليها رافعًا إياها بين ساعديه القويين وصار متوجهًا بها ناحية الفراش ليضعها برفقٍ فوقه ثم اتجه لباب الغرفة يوصدهُ للأمان وشرع بخلع ثيابه وانضم اليها لينتهى إلى هنا حديث الكلمـ.ـا.ت ويبدءا معًا حديثًا من نوع أخر لا مكان فيه للكلمـ.ـا.ت،ليطـ.ـلقا العنان لمشاعرهما المكبوتة لتعبر عن مكنون العشق الجارف الذي يحملهُ كلاهما للأخر
باتا يتذوقان شهد الغرام لوقتٍ غير معلوم لكليهما، فقد توقف الزمان عند هذه اللحظات ليتناسا نفسيهما وفقط كل ما يتذكراه الأن هو الشعور الهائل بالسعادة التي ولأول مرة يصلا له،فحقًا كل شيءٍ من الحبيب مختلف وله نعيمهُ الخاص، العناق،القبلات الهمسات وحتى النظرات لها رونقًا خاصًا ولغة لا يعلمها سوىَ العاشقين.
بعد مدة كان يستند بظهره على خلفية تختهما يشـ.ـدد بذراعيه على تلك الجالسة فوق ساقيه وهو يسكنها بأحضانه ويشـ.ـدد عليها كمن يخشى هروبها،عيناهُ مغمضتان والإبتسامة العريضة تملؤ ملامح وجههِ المنتعشة،"ما أشبه الليلة بالبـ.ـارحة"،فقد كان أشبه بأرضٍ يبست وتشققت من شـ.ـدة جفافها والأن بعد ان ارتوت ترعرعت أوراقها الخضراءُ لتتراقص مع نسمـ.ـا.ت الفجر البـ.ـاردة،أما هي فلم يختلف حالها بالكثير عن حبيبها، فقد ذابت وانصهرت روحها لتتوحد بخاصته،ظلا يتطلعان بأعين بعضهما بصمتٍ كان أبلغ من الكلام،استمعا لطرقاتٍ فوق الباب لتنتفض تختبئ بأحضانه ليضحك مقهقهًا على هيأتها المثيرة للضحك،لامتهُ عينيها ليطمأنها وهو يهمس بكلمـ.ـا.ته بجوار أذنها:
-إهدي يا حبيبي، إنتِ في حـ.ـضـ.ـن جوزك وحمايته
ابتسمت بسعادة لتحاوط وجنتيه بأناملها الرقيقة واقتربت تطبع قبلة تثبت لنفسها قبله أحقيتها بملكيته:
-أيوه يا فؤاد، إنتَ جوزي حبيبي، ملكي أنا وبس
كان يستمع لها بعيناي مغمضة وجسدٍ متخدر من إثر كلمـ.ـا.تها الأشبه بالسحر،مال على شفتيها ليقول بسحرٍ:
-أيوة يا قلب فؤاد من جوة،أنا ملكك وإنتِ ملكي
انتفض جسديهما ليبتعدا حين تعالت الطرقات من جديد، تحمحم وهو يقول:
-هشوف مين السخيف ده وأرجع لك على طول
ترجل من فوق التخت وأمسك بثيابه ليرتديها على وجه السرعة ثم توجه للباب وفتحه بحذرٍ ليتفاجأ بعزة تحمل الصغير فوق كتفها غارقًا بغفوته بعدmا قضي يومه باللعب مع الصغيرة وعلام، جحظت عينيها لتسأله ببلاهة:
-فؤاد باشا، إنتَ بتعمل إيه هنا؟
مستني المترو...قالها باستخفاف لتنطق ببلاهة:
-ها
تحمحمت بعدmا فهمت ما يحدث من مسكة يده المتشبثة بالباب لينطق هو بهدوء:
-خدي يوسف يبات معاكِ النهاردة ومن بكرة الأوضة دي هتبقى بتاعتك إنتِ وهو
واستطرد بجدية:
-عاوزك بكرة تقفي مع وداد وتنقلي كل حاجة إيثار لجناحي
آه...قالها بتذكر تحت ذهول تلك الواقفة ليتابع:
-نبهي عليهم تحت محدش يصحينا بكرة، إحنا هنصحى براحتنا
-ألاَ، هو أنتَ هتبات هنا يا باشا؟!...سؤالاً نطقته عزة ليضيق عينيه ثم بملاطفة رد عليها مقتبسًا كلمتها:
-ألاَ، ليكون عندك مانع يا عزة هانم
اتسعت عينيها وامتلئ وجهها بالسعادة لتنطق بلهجة شـ.ـديدة الحبور:
-مانع إيه بس يا باشا، ده أنا هاين عليا أملى القصر كله زغاريد من كتر فرحتي
وضع كفه يتلمس وجنة الصغير لينطق بنبرة حنون:
-طب يلا إنزلي علشان الولد ما ياخدش برد منك
سألته من جديد:
-هو أنتَ مش هتروح الشغل بكرة يا باشا؟
رفع حاجبه الايسر ليقول من جديد باستسلام:
-هو أنا يا عزة مش لسة قايل لك محدش يصحينا بكرة
-تمام يا باشا، تصبح على خير...قالتها وتحركت للأسفل ليوصد الباب جيدًا ثم استدار لتلك المتشبثة بالغطاء خشيةً من أن تراها عزة بذاك الوضع، قهقه عليها وانضم لجوارها ليسحبها داخل أحضانه ليهمس أمام شفتاها:
-هو حبيبي مكسوف لحد يعرف اللي حصل ببنا ولا إيه؟
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تضع كفاها تحيط بهما وجنتيه واقتربت تستندُ بجبهتها على خاصته وهو تهمس بولهٍ ظهر بعينيها المغرمتين:
-من النهاردة مش هتكسف وهدافع عن حقي فيك بكل قوتي يا حبيبي،إنتِ نصيبي الحلو اللي ربنا كان شايلهولي
وتابعت بقوة وإصرار:
-ومن النهاردة مش هسمح لمخلوق يبعدنا عن بعض تاني
قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-وهو مين كان بعدنا أولاني يا قلب حبيبك؟!
ابتسمت واقتربت تطبع قُبلة فوق شفته لتهمس بنبرة نادmة:
-غبائي وضعفي هما السبب
دفعها بقوة لتنبطح فوق الفراش ليميل عليها قائلاً:
-همحيهم لك،ومن النهاردة مش هسمح لك تخرجي من حـ.ـضـ.ـني تاني
قالها وسحبها معه بعنفٍ لعالمٍ من الخيال لا يوجد به سواهما وفقط.
↚
أشرقت الشمس من جديد لتدب الحياة بقصر علام زين الدين حيث يعمل جميع من بالمطبخ على قدmٍ وساق لتجهيز مائدة الفطار قبل أن تتجمع أفراد العائلة حولها ككل صباح،تحركت عزة وتطلعت لحركة الجميع النشطة باستحسان وانبهار بتنظيمهم،وقفت في المنتصف تتطلع إلى تلك الواقفة بلباسها الأنيق تباشر العاملات لتنطق هي بصوتٍ مرتفع متعمدة ليصل للجميع:
-مدام سعاد،
إلتفتت إليها سعاد لتتابع بنفس الصوت الحماسي:
-فؤاد باشا قال لي إمبـ.ـارح بالليل أبلغك إنه نايم في جناح الست إيثار، وبيقولك محدش يصحيهم ،هما هيقوموا بمزاجهم
تطلعن جميع العاملات إلى بعضهن وبدأن بالهمس والاحاديث الجانبية فيما بينهن لترفع سعاد قامتها قبل أن تسألها:
-هو الباشا مش هيروح النيابة النهاردة؟!
نطقت وهي ترفع قامتها في محاولة منها لتقليد تلك الراقية:
-لا،هو قال لي يا عزة أنا مش هروح الشغل بكرة ومحدش يقلقنا علشان هنام متأخر
ضحكت العاملات بخفوت لترمقهما سعاد بحدة وتعود ببصرها إلى تلك التي تابعت بكبرياء يرجع لتفضيل فؤاد لها عن سعاد بذاتها برغم مكانتها المرتفعة بالمنزل:
-وقالي كمان،خلي سعاد تجهز نفسها هي وكام بنت علشان يطلعوا يساعدوكي وإنتِ بتنقلي حاجة الهانم لجناحي الخاص
لتسترسل بسعادة وتفاخر:
-وقال لي يا عزة،طلعي حاجتك في جناح الهانم علشان من النهاردة ده هيبقى جناحك إنتِ ويوسف
تنفست سعاد بضيق لتهتف وداد تسألها بتطفل:
-يعني إيثار هانم هتعيش خلاص مع الباشا في جناحه؟!
هزت رأسها عدة مرات دلالة على التأكيد لتهتف إحدى العاملات بحفاوة:
-المفروض نجهز فطار العرايس من الوقت، فطير وعسل
لترد عليها أخرى بمشاكسة:
-ومتنسيش الحمام، الباشا بتاعنا بيحبه
هتفت أخرى بعدmا قررت المشاركة في ذاك السباق:
-وهو الباشا محتاج الحمام، ده الله أكبر عليه
إنطلقت ضحكات جميعهن لتصيح سعاد بنبرة صارمة:
-سكوت، مش عاوزة أسمع نفس واحدة فيكم
دارت بعيناها الثاقبة بينهن لتتابع بصرامة أرعـ.ـبتهن:
-شوفي شغلك منك ليها بدل الرغي والكلام الفاضي، الدكتورة لو صحيت وملقتش السفرة جاهزة كلكم هتتجازوا
ثم استدارت تتطلع لتلك العزة والتي أخذت أوامر من عصمت وفؤاد بشخصه بأن يتعامل الجميع معها باحترام وأنها ليست بعاملة بل إيثار تعاملها كشخصًا من عائلتها لذا فقد حرصت عصمت على إحترام تلك النقطة كي لا تثير حـ.ـز.ن تلك الخلوقة التي استطلعت جذب نجلها الغالي إليها،تحدثت إليها باحترام وهدوء:
-حاضر يا عزة، لما الباشا الصغير يصحى هنطلع مع بعض ننفذ أوامره
مالت عزة بجانب أذنها لتسألها بتمعن:
-هو أحنا مش هنعمل لهم فطار يرم عضمهم
قطبت الأخرى جبينها متعجبة للكلمة لتسترسل الاخرى:
-الباشا هيقوم هفتان أكيد،ولازم له أكلة حلوة تروم عضمه
تحمحمت سعاد لتقترب عليها قبل أن تسألها لتتأكد لتبلغ سيدتها:
-إنتِ متأكدة إن الباشا والهانم،
تحمحمت بخجل لتعيد عليها:
-يعني،تمموا جوازهم بجد؟
لوت فاهها لتجيبها باستياء يرجع لتشكيك الاخرى بحديثها:
-وأنا يعني هضحك عليكِ؟
لتسترسل بثرثرة وهي تشير بكفها:
-طب ده أنتِ لو شفتي شكله وهو بيفتح لي الباب، شعره كان منكوش وهدومه...
-خلاص خلاص...صاحت بها المرأة وهي تشيح بكفها لتصمتها قبل أن تتجرأ في الوصف أكثر،تنهدت عزة لتسألها من جديد:
-بردوا مقولتليش، هنعمل لهم فطار إيه
رفعت المرأة قامتها قبل أن تنطق بجدية:
-هسأل الدكتورة لما تصحى،وهي هتقول لنا
بالأعلى، فاقت سميحة ووقفت أمام مرآة الزينة المتواجدة بالغرفة المجهزة لإستقبال الضيوف تستعرض الثوب الذي أحضرتهُ لها فريال لترتديه بدلاً عن ملابسها التي حضرت بهم واتسخت،ابتسمت بسعادة وهي تتطلع لبهائها وجمال شعرها الأشقر المجعد التي فردته فأعطاها مظهرًا حيويًا لفتاة عصرية،أخرجت أنينة عطرها من حقيبة يدها ونثرة من رذاذه فوق عنقها وفتحة صدر الثوب ثم أخرجت أحمر شفاه باللون النحاسي وبدأت بضم شفتيها لتضعه بتمهلٍ وما أن انتهت تطلعت على حالها بخيلاءٍ ثم تحركت سريعًا كي تحضر الفطور من بدايته لترى حبيبها وتسعد قلبها وعيناها برؤياه البهية،تحركت للخارج لتتابع طريقها داخل الممر المؤدي للدرج واثناء مرورها تصادف خروج فريال وزوجها من باب جناحهما الخاص،توقفت تتبادل معهما الإبتسامـ.ـا.ت وهي تقول:
-صباح الخير
ردوا التحية وانسحب ماجد ليسبقهما للاسفل لتسألها فريال بملامح متعجبة:
-صاحية بدري ليه،ده أنا قولت هتنامي لحد أذان الظهر!
أجابتها بإيضاح:
-إنتِ ناسية إني كنت بحضر ماجستير في بريطانيا، وهناك كنت بقوم بدري جداً
تحركا حتى وصلا إلى جناح فؤاد لتسألها بصوتٍ هائم:
-هو أنا ممكن أدخل عند فؤاد،يعني علشان أستعجله
ضحكت بمرح لتجيبها وهي تسحبها من يدها صوب الباب:
-تعالي نستعجله أنا وإنتِ،تلاقيه لابس وجاهز على النزول
طرقت بخفوت عدة مرات وحينما لم تجد ردًا فتحت الباب بهدوء لتطل برأسها وباتت تتطلع على المكان باستغراب، حيث وجدت الحجرة فارغة وستائرها مغلقة لتتطلع على الفراش بتعجب لترتيبه الزائد عن الحد،تنفست بهدوء لتعود للخلف وهي تغلق الباب تحت تعجب سميحة لتقول الاخرى:
-مش موجود،أكيد عنده شغل بدري ونزل
سألتها بعيناي متلهفة:
-يعني هلاقيه لسة تحت ولا مشي على شغله؟
أجابتها فريال وهما تتحركان صوب الدرج:
-فؤاد مبيخرجش قبل ما يفطر، وشغله مبيبدأش قبل تسعة
دخلتا معًا لحجرة الطعام حيث الجميع جالسون حول طاولة الطعام عدا العاشقان الغارقان بالاعلى بأحضان بعضيهما،رحب الجميع بسميحة لينطق عمها بحفاوة وهو يشير على المقعد المجاور لزوجته:
-تعالي يا حبيبتي إقعدي جنب طنط عصمت
ابتسمت لها عصمت لتنطق هي قبل الجلوس:
-هو فؤاد فين؟!
نطقت عصمت بجمود وعدm ارتياح للوضع التي فرضته فريال على الجميع:
-شوية وهينزل، إقعدي يا حبيبتي
سحبت المقعد لتجلس عليه بهدوء قبل أن تقول باستغراب:
-هينزل منين،! فؤاد مش في أوضته يا طنط
تغيرت ملامح عصمت لحادة قبل أن تسألها بجدية وصرامة ترجع لعدm قبولها لتعدي أحدهم الأصول والإحترام بمنزلها:
-وإنتِ عرفتي منين إنه مش في أوضته؟!
ارتبكت من لهجة عصمت الحادة لتنقذها فريال التي تدخلت لانتشالها من صرامة والدتها التي لا تتهاون مع الخطأ أبدًا:
-أنا عديت عليه يا ماما وإحنا نازلين،ولقينا الجناح فاضي ومترتب
قطبت عصمت جبينها ونظرت لزوجها الذي فهم سريعًا ما حدث لما لديه من فطانة وأيضًا كان واضحًا له من نظرات إيثار وغيرتها المستعرة بعيناها على زوجها، وأيضًا راقب نظرات نجله حيث كان يتعمد إثارة الغيرة بقلبها وهو يراقب رد فعلها دون ملاحظتها للأمر،تحمحمت عصمت التي لم تفهم نظرات زوجها إلى الان لترفع صوتها تستدعي كبيرة العاملات:
-سعاد، سعاد
أتت المرأة لتقف منحنية قليلاً وهي تقول باحترام:
-أفنـ.ـد.م يا دكتورة
تعمدت نطق سؤالها بهذا الشكل كي تقطع الأمل على تلك السميحة التي استدعتها ابنتها لمهمة التفريق بين نجلها ومن إختارها فؤاده:
-فؤاد باشا والهانم منزلوش لحد الوقت ليه؟!
تحمحمت المرأة وأقتربت لتميل بجانب أذنها لتخبرها بما قصته عليها عزة،لا تعلم ماذا حدث لقلبها، فقد انتفض وعلت دقاتهُ من جمال المفاجأة،ظهرت السعادة جليًا فوق ملامحها لتسألها بتأكيد:
-إنتِ متأكدة؟!
أومأت لتجيبها بهمسٍ:
-أنا بنفسي طلعت وإتأكدت إن جناح معاليه فاضي ومنمش فيه إمبـ.ـارح يا دكتورة
شملت كيانها راحة تامة لم تشعر بمثلها منذ الكثير لتأخذ نفسًا عميقًا قبل ان تقول:
-تمام، خلي البنات يطلعوا يوضبوا الجناح كويس وشوفي لو ناقصه حاجه بلغيني
-تحت أمرك يا دكتورة... قالتها المرأة وانصرفت لتتحدث عصمت بحبورٍ لم تستطع تخبأته:
-فؤاد بايت في أوضة مـ.ـر.اته وواخد أجازة من شغله النهاردة
صوت ضحكة خرجت مكتومة من ماجد الذي تخيل واقع الخبر على زوجته التي خططت وكان للقدر وشقيقها رأيٍ أخر،سعلت سميحة بشـ.ـدة حيث توقف الطعام في حلقها فور استماعها لذاك الخبر الذي أنهى الأمل بداخلها من جديد بعد أن تجدد بفضل تشجيع إبنة عمها،ناولتها عصمت كأس الماء لتنطق بهدوء:
-إشربي يا حبيبتي وخلي بالك
أما فريال فهتفت متسائلة بحدة خرجت رغمًا عنها:
-مين اللي قال لحضرتك الكلام الفارغ ده يا ماما؟
تعجب علام من هجوم صغيرته وثورتها العارمة التي ظهرت بعينيها المعترضة ليسألها متعجبًا بمنطقية:
-وإيه العجيب والفارغ من بيات راجـ.ـل في أوضة مـ.ـر.اته يا فريال؟!
-آسفة يا بابا،خاني التعبير ...قالتها بصوتٍ محبط وهي تنظر للأسفل، أما سميحة فحالها أصبح حال، فقد أتت متحمسة بعد إستدعاء فريال لها وإعطائها أملاً لتكتشف اليوم أنهُ كان زائفًا وتحول من جديد لسراب،
استمع الجميع لصوت بكاء الصغير الاتي من الخارج وأيضًا صوت عزة وهي تهدهده وتحاول إلهائه،استدعاها علام لتلج إليهم ليسألها عن سبب بكائه وهو ينظر للصغير بحنان فهو منذ أن حضر للقصر قد ملأهُ مرحًا وسعادة ترجع لقبولٍ قد وضعه الله في قلب كل من يراه،أجابته بهدوء:
-أصله عاوز مامته يا باشا
-ومستنية إيه، ما طلعيه عندها...جملة حادة نطقت بها فريال لتجيبها تلك الثرثارة التي انفتحت بالحديث كعادتها:
-مينفعش يا هانم،سيادة المستشار منبه عليا محدش يطلع يصحيهم،وقالي إحنا هنصحى بمزاجنا،أصل سعادته أخد أجازة النهاردة،ويمكن ياخد باقي الأسبوع كمان،
لتسترسل بسعادة ظهرت جليًا بصوتها وفوق ملامحها:
-عرسان بقى، عقبال ولادك
هتفت متذكرة وهي تنظر إلى عصمت:
-إلا بالحق يا دكتورة، هو أحنا مش هنعمل فطار يليق بالعرسان
ابسمت عصمت لتتابع الاخرى بثرثرة ليست بجديدة عليها:
-اصل سألت الست سعاد وقالت لي هبقى أسأل الدكتورة، ولحد الوقت مردتش عليا
تنفست براحة لتجيبها بحبورٍ ظهر بصوتها:
-إدخلي المطبخ وإعملي كل اللي تشوفيه مناسب، والبنات معاكِ هيساعدوكي، ولو محتاجة حاجة من برة خلي سعاد تطلبها لك
لتسترسل بنبرة سعيدة وهي تنظر إلى ماجد:
-خدي لي أجازة عارضة من الشؤون يا ماجد
واستطردت وهي تنظر لزوجها الضاحك:
-ميصحش أسيب العرسان في يوم زي ده
أجابها باحترام:
-تحت أمرك يا دكتورة
وتابع هامسًا بعدmا مال على أذن زوجته:
-أهو أخوكِ بنفسه حسم لك الأمر، إهدي بقى وتقبلي الوضع، وبلاش تنكشي في مواضيع ممكن تفسد علاقتك باخوكِ
تنهدت بخيبة أمل وهي تنظر لإبنة عمها حيث سيطر الحـ.ـز.ن عليها والتزمت الصمت التام
تحدث علام وهو يشير للصغير الذي توقف عن البكاء إثر هدهدت عزة له:
-تعالى يا يوسف إقعد على حجري علشان تفطر معايا
نطق بصوتٍ خافت:
-ميرسي،أنا أكلت مع عزة
-أنا أكلته يا باشا،هخرجه يلعب شوية في الجنينة على ما مامته تصحى...قالتها عزة لتنسحب الصغيرة من المقعد المجاور لأبيها وهي تستأذن من والدتها:
-مامي، أنا هروح ألعب في الجنينة مع چو
-أوكِ يا بيسان...نطقتها بهدوء لتلتفت إلى عزة وهي تقول بتوصية:
-خلي بالك منها يا عزة،وإوعوا يروحوا ناحية البيسين
-حاضر يا مدام...تحركت عزة بالصغار لتهب سميحة من مقعدها وهي تقول باقتضاب:
-بعد إذنكم
سألها علام بحنو:
-رايحة فين يا سميحة، إنتِ ما أكلتيش حاجة لسه
-مليش نفس يا عمو...قالتها وانسحبت للخارج لتتطلع عصمت لإبنتها بنظراتٍ لائمة لما فعلته بإبنة عمها،ليهمس زوجها بنبرة لائمة:
-ضميرك مرتاح باللي عملتيه في بنت عمك،كان إيه لزمته كل ده يا فريال؟!
شعرت بالخزي لتقف بهدوء وهي تقول:
-هروح أشوف سو
صعدت لغرفة الضيوف وجدت إبنة عمها تبكي بغزارة،جلست بجوارها لتهتف الاخرى بنبرة حانقة ودmـ.ـو.عها تنهمر بغزارة:
-أنا عاوزة أعرف أنا فيا إيه مش عاجبه علشان يسيبني مرتين،أول مرة فضل عليا نجلا وإتجوزها وفي الاخر طلعت نصابة وكانت هتوديه في ستين داهية،والمرة دي فضل عليا واحدة مطلقة وعندها ولد ومستواها المادي لا يشرف عيلتنا ولا يناسبه
تحدثت الأخرى بهدوء:
-ممكن تهدي
-أهدى إزاي يا فيري وفؤاد كل مرة بيتعمد يهيني...قالتها بصريخ لتتابع بمرارة:
-فؤاد مش غـ.ـبـ.ـي علشان مياخدش باله من إني بحبه
ردت فريال على حديثها باستسلام:
-مشكلة فؤاد إن طول عمره شايفك أخته الصغيرة
هتفت الاخرى بعيناي لائمة:
-ولما أنتِ شايفة كده وعارفة إنه بيحبها كلمتيني وأدتيني أمل ليه يا فيري؟!، ما أنا كنت بعيدة وبحاول أنساه وأشغل نفسي بالماجستير وشغلي
ابتلعت لعابها لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ تعلم من داخلها عدm صحتها لكنها مصرة على إبعادها عنه من شـ.ـدة ارتيابها على شقيقها الغالي:
-صدقيني فؤاد مش بيحبها
واسترسلت بحديث هرائي:
-تلاقيه كان رايح يتكلم معاها في موضوع ونعس ونام عندها
-إنتِ مصدقة نفسك يا فريال؟!...سؤالاً وجهته لها سميحة باستياء لتتابع باستسلام وهي تنهض:
-أنا لازم أمشي قبل ما فؤاد يصحي، مش لازم يشوفني وأنا بالضعف ده
جذبت يدها للاسفل لتحثها على الجلوس وهي تقول:
-هتمشي تروحي فين، إنتِ لازم تبقي أقوى من كدة،عاوزة تنسحبي من أول جولة، صدقيني، هتلاقيها هي اللي رامية نفسها عليه علشان تكمل خطتها
هتفت باعتراضٍ غاضب كي لا تدع حالها تتعلق بأملٍ ومن جديدٍ يتحول إلى سراب:
-أخوكِ اللي رايح لها اوضتها يا فريال، لو العكس كنت قولت لك جايز، لكن فؤاد هو اللي بايت عندها وكمان أخد لها أجازة،وده ملوش غير معنى واحد، وهو إن فؤاد عاوزها بإرادته
-طب ممكن تهدي ونقعد نتكلم شوية...نظرت لها لتهتف متذكرة بنبرة عاتبة:
-تعالي هنا يا ست فيري، إنتِ إزاي تخلي بيسان تختلط بالولد إبن السكرتيرة؟!
قطبت فريال جبينها لتتحدث باستغراب:
-وإيه المشكلة لما بنتي تلعب معاه، على فكرة الولد متربي كويس جداً وطبعه هادي
رفعت حاجبها لتهتف باستنكار:
-يا سلام،وهو علشان هادي تسيبي بنتك معاه، الولد من بيئة غير بيئتنا يا فريال
أخذت فريال نفسًا مطولاً ثم تحدثت بقناعة وصدق:
-بصي يا سو،موضوع الطبقات ده أنا مبعترفش بيه خالص،بابا وماما ربونا على كده، وأنا شايفة إن طالما الإنسان اللي قدامي متربي كويس معنديش مانع يبقى صديق مقرب مني
هزت الاخرى رأسها متعجبة لتنطق بسؤالٍ منطقي:
-إنتِ غريبة قوي، طب لما هو ده تفكيرك إيه وجه إعتراضك على إيثار؟!
وكأنها تحولت لقطة شرسة تخربش بأظافرها الحادة كل من يقترب من صغارها لتنطق بحدة ظهرت بعينيها قبل صوتها:
-الموضوع هنا مختلف يا سو، الموضوع هنا يعني أمان اخويا وسعادته،وأنا لا يمكن هسمح لأي حد يقرب منه على سبيل التجربة، يعني يا طلعت بنت حلال وكويسة، يا طلعت نسخة مكررة من الحقيرة نجلا وتكرر مأساة أخويا تاني
واستطردت بعقدة داخلية تكونت نتيجة حبها الشـ.ـديد لشقيقها وهلعها من تكرار تجربته المريرة التي عاشتها معه بكل جوارحها وأثرت بداخلها:
-علشان كده فؤاد لازم يتجوز حد نعرفه كويس، والحد ده هو إنتِ بالذات يا سو،علشان إنتِ اكتر حد مناسب لفؤاد،بنت عمنا وعارفين أصلك وفصلك،وعندك الفلوس اللي تخليكي ما تطمعيش ولا تفكري تخوني فؤاد،وفوق كل ده إنتِ بتحبيه وأكيد هتسعديه بكل الطرق
باتت تحاول إقناعها لتبقى ويكملا تخطيتهما المفيد لكلتاهما
أما بالاسفل فكان علام يتناول القهوة بصحبة زوجته التي لم تسعها الفرحة،تنهدت وهي تقول بانتشاء:
-يــا يا علام، متتصورش فرحتي قد إيه النهاردة
أبتسم وربت على كفها بحنان لينطق بحبٍ:
-ربنا يكمل فرحتك على خير يا حبيبتي ونسمع خبر يفرح قلوبنا قريب
هتفت بقلبٍ يتراقص من شـ.ـدة سعادته:
-يارب يا علام يارب، البنت كويسة جدًا وهادية، وماشاء الله على تربيتها لإبنها،يعني إن شاءلله هتكون أم هايلة وتليق بإنها تربي أولاد فؤاد علام
-وإنتَ بردوا هتسبيها تربي حفيدك يا دكتورة؟!... نطقها ليطـ.ـلق ضحكة مدوية توحي لمدى سعادته لتبتسم وهي تجيبه بملاطفة:
-مش هضحك عليك وأقول لك إني هسيب لها حرية تربيته بالكامل
واسترسلت بمشاكسة:
-بس ممكن أخليها تشاركني فيها
إطلقا ضحكاتهم السعيدة واكملا الحديث
**********
بالأعلى،كانت تضع خدها فوق صدره العريض وهي تغط في سباتٍ عميق بوجهٍ يبدو عليه الراحة، تغطيه بعض خصلات شعرها الحريري بلونهِ الأسود الذي أظهر بشرتها الحليبية،جسدها محاطًا بجسد ذاك المتملك حيث يشـ.ـدد ذراعهُ الأيسر حول خصرها لاصقًا إياها بجسده والذراع الأخر يلفه حول كتفها بتملك،أما هي فكانت رأسها تتوسط صدره واضعه كفها الصغير على كتفه،تمللت تُحرك جسدها بهدوءٍ فشعر بحركتها ليفتح عيناه ويرى أجمل مشهد رأته عينيه وتمناه منذ أن رأها وذاب بغرام عينيها،فطالما حلم بامتلاكها زوجةً شرعية له لتغفو بأحضانه ويصحو على أجمل إبتسامة،وضع أنامله يزيح بها خصلات شعرها ليرى كامل ملامحها ويُسعد قلبه، شعرت بحركة فوق وجنتها فحركت أهدابها تحاول فتحهما لتغمضهم من جديد وعلى الفور فتحتهم على مصراعيهما حين شاهدت إبتسامتهُ الخلابة وعينيه المغرومتين وهو يتطلعُ عليها بتمعنٍ ووله،زادت إبتسامته ليتحسس وجنتها بنعومة قبل أن يهمس بصوتٍ متحشرج من إثر النوم:
-صباح الخير
تمطأت بدلالٍ أنثوي بين ذراعه المكبلة لها لتجيبهُ براحة وسعادة واستجمام ظهروا بعينيها:
-صباح النور يا حبيبي
أحقًا هي الأن بين يديه وداخل أحضانه،لم يستوعب إلى الآن أن ما حدث بينهما بليلة أمس وإمتلاكهُ لها حقيقة لمسها وعاش بداخلها أم أنها حلمًا راوده من شـ.ـدة إشتياقه لضمتها،تحسس وجنتها لينزل بإبهامه على شفتها الممتلئة ويمررهُ ليتأكد من حقيقة وضعه لصك ملكيته عليها، تنهد لينطق بصوتٍ يفيض عِشقًا وحنانًا:
-عارفة يا حبيبي
تطلعت لشفتاه بتمعن وتركيز ليسترسل بنظراتٍ ولهة:
-إنتِ أحلى حاجة حصلت لي في حياتي كلها
إبتسامة حانية إرتسمت لتنطق بعينيها الهائمة ما زلزلت به كيان متيمها:
-وإنتَ أول راجـ.ـل بجد يدخل حياتي يا فؤاد
إنتَ إزاي راجـ.ـل قوي كده؟
مال رأسه قليلاً يتطلع عليها بتأثرٍ وعيناي تنطق بالهوىَ لتسترسل بصدقٍ:
-من النهاردة هسلمك روحي وهتبقى لي وطن وعنوان ،هغمض عيوني وأمشي معاك طريقي
هزت رأسها لتنطق عينيها قبل لسانها:
-مش عاوزة أعرف رايحين لفين ولا هوصل معاك لإيه،كل اللي حساه إني عاوزة أكمل معاك وأفضل تحت ضلك ورعايتك أنا ويوسف،أنا روحي بوجودك بقت مطمنة يا فؤاد
تنهيدة عميقة خرجت من أعماقه تدل على مدى تأثرهُ بكلمـ.ـا.تها،فحبيبته تقدm له حالها ليسير بها إلى بر الأمان،خرجت كلمـ.ـا.ته على هيأة همساتٍ من رقة شعوره لينطق بصدقٍ يقطرُ من بين حروفهُ:
-وعد عليا ما هخلي دmعة نـ.ـد.م واحدة تنزل من عنيكِ الغالية،وعمري ما هخليكِ تنـ.ـد.مي على إختيارك ليا
تنهد ليتابع بصدقٍ ظهر بين بعينيه قبل كلمـ.ـا.ته:
-ولو أمانك إنتِ ويوسف قصاده روحي،تأكدي إني مش هفكر دقيقة في إني إختار أمانكم
أحاطت وجنتيه بكفاها وهمست بلسان قلبها العاشق وهي تتطلع عليه بنظراتٍ تهيمُ شوقًا:
- تسلم لي روحك ويخليك لقلبي يا حبيبي،ده أنا ما صدقت لقيتك
وإلى هُنا لم يعد للكلمـ.ـا.ت مكان،فاستلمت المشاعر الدفة لتدير سفينتهم المبحرة لتتعمقِ داخل بحر الغرام،مال على كريزتيها لينهل من شرابهما فذابت معه داخل تلك الرحلة التي استغرقت وقتًا غير معلوم لكليهما بعد أن قادتهما مشاعرهما الملتهبة للغوص بجولة عشقية جديدة لتوثيق ما حدث بالأمس، بعد مدة كانت تقبع بأحضانه يشـ.ـدد عليها بذراعيه كمن يخشى إبتعادها،فيكفيهما ما تذوقاه من نار الإبتعاد إلى الآن،وضعت كفها الرقيق تتحسس صدره قبل أن تهمس بصوتٍ هائم يدل على مدى وصولها لدرجات العشق والهيام التي وصلت إليهما على يد فارسها المغوار:
-كنت فين من زمان يا حبيبي
مال يتطلع لها بعيناه فتقابلت بخاصتيه الحنون ليبتسم قبل أن يجيبها بصوتٍ متحشرج تأثرًا بما حدث:
-كنت مستني أمر ربنا وقدره اللي حطك في طريقي علشان نوصل للحظة اللي إحنا فيها دي
-تعرف إني مستغربة نفسي قوي...نطقتها باستكانة ليرفع حاجبهُ مستفهًا دون حديث،فأجابته تلك المتطلعة باستغرابٍ عليه:
-مكنتش متخيلة إني هبقى طبيعية معاك قوي كده، كنت فاكرة نفسي هنكسف منك وأخد وقت طويل لحد ما أتعود عليك، لقيت نفسي بترمي في حـ.ـضـ.ـنك وأمان الدنيا كله حسيته في اللحظة دي، علشان كده سلمتك روحي واتعاملت معاك وكأن لينا سنين مع بعض
ابتسم بحنان ومال يُقبل جانب شفتها ليبتعد قليلاً وهو يقول بصوتٍ يشع طمأنينة أقرب للهمس:
-محدش بيتكسف من روحه يا بابا،أنا وإنتِ روح واحدة، ومش علشان قربنا من بعض لا، إحنا من ساعة ما شوفنا بعض كل واحد فينا إنجذب للتاني
ليبتسم بمداعبة:
-بس كنا بنكابر ونكذب إحساسنا، واحدة واحدة الشعور بدأ يكبر جوانا، ومع مرور الوقت أرواحنا إتحدت وبقت واحدة،والدليل على كده إن برغم كل اللي حصل بينا مقدرناش نبعد بشكل كامل
ابتسمت بحالمية ليسألها لنبرة جادة:
-يوسف ما وحشكيش؟
هتفت بعيناي متشوقة:
-جداً
أجابها بنبرة جادة وهو يستعد للنهوض:
-طب يلا ناخد شاور علشان أكلم عزة تطلعه،أصله وحشني انا كمان وزمانه متضايق علشانك
تعمقت بعينيه وأمسكت كفه تحثه على عدm الحركة:
-فؤاد،هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
تو...صوتٍ اخرجه من فمه ليتابع بجاذبية اهلكت قلبها:
-إنتِ متسأليش،إنتِ تؤمري وأنا أطيع
ابسمت بسعادة لتنطق بصوتٍ متردد بعض الشئ:
-هو أنتَ ليه مخلفتش من طليقتك طالما بتحب الاولاد قوي كده؟!
أغمض عينيه يأخذ شهيقًا عميق ليزفرهُ بقوة ثم من جديد فتح عينيه ينظر لها بعمقٍ قبل أن يقول بنبرة حاسمة:
-بيتهئ لي أن الأوان إنك ت عـ.ـر.في حكايتي مع الست اللي وثقت فيها وسلمتها إسمي وإسم عيلتي
توقف ليأخذ نفسًا يستطيع به المتابعة:
-وبالمقابل طعنتني في ظهري وباعتني بأقذر طريقة ممكن تغدر بيها ست بالراجـ.ـل اللي عمره ما عمل فيها حاجة واحدة يستاهل عليها الغدر
إتستعت عينيها بذهولٍ جراء إستماعها لكلمـ.ـا.ته التي خرجت من قلبٍ يأنُ ألمًا لمجرد مرور الذكرى بخاطره،بدأ يقص عليها ما حدث من تلك الخائنة تحت قلبها النازف لأجل حبيبها،بعد مرور حوالي نصف ساعة نطق بأعين معتذرة وصوتٍ آسف:
-وده كان السبب ورا طلبي المُهين ليكِ
هز رأسه بأسى ليُكمل بعيني تأن ألمًا:
-كان صعب عليا أرجع أثق في أي ست تاني بعد اللي حصل لي من وراها، أنا عمري ما قصرت معاها في أي حاجة،وبرغم كده كانت مصرة تخسرني كل حاجة،شغلي سمعتي حتى إبني اللي كنت بتمناه،قـ.ـتـ.ـلته بدm بـ.ـارد
تنفس بعمقٍ ليتابع موضحًا:
-وده اللي عملي شرخ كبير في حياتي وخلاني حريص في معاملاتي مع الناس لأبعد الحدود
تطلع لتلك التي تستمع بعينين تملؤهما غشاوة الدmـ.ـو.ع لأجله،أما قلبها فكان كقـ.ـتـ.ـلة نارٍ عليه ومنه،حزينة هي عليه وعلى ما حدث له على يد تلك التي لا تستحق حب نبيلٍ مثله،لكنها بالوقت ذاته لم تستطع كبح غيرة المرأة بداخلها،فقد شعرت بنارًا مستعرة غزت جسدها وهو يروي تفاصيله مع إمرأةٍ آخرى،هو حبيبها هي، رجلها الأول والأخير، كيف له أن يتحدث عن أخرى حتى ولو بالسئ،مال برأسه لينطق بكثيرًا من الأسف:
-أنا آسف،آسف لنفسي قبل منك لأني في يوم حطيتك في نفس الخانة مع البني أدmة دي،آسف لأني موثقتش فيكِ في أول علاقتنا واستسلمت لماضي لعين يتحكم فيا
جلست على ساقيه تقابل وجهه ثم حاوطت وجنتيه بكفيها ومالت لتسند جبهتها بخاصته وهي تهمس أمام شفتاه:
-إوعى تتآسف على حاجة عدت،إنسى كل اللي فات وإطوي صفحة الماضي،خلينا نعيش اللي جاي من حياتنا في هدوء ونستمتع بعمرنا مع بعض،أنا وإنتَ ويوسف، و
تعمقت بعينيه لتسأله في محاولة منها لإنتشاله من تلك الحالة:
-مقولتليش،تحب أول بيبي لينا يبقى ولد ولا بنت؟
إهتز قلبهُ وإجتاحته نشوة من نوعٍ خاص،علا صوت تنفسه وبدأ صدره يعلو ويهبط وعيناهُ تتعمقُ بساحرتيها بحيرة ممزوجة بسعادة هائلة لينطق بصوتٍ متأثرًا يغلب عليه السعادة:
-عارفة، لأول مرة أحمد ربنا على إنها نزلت البيبي
قبل شفتاها برقة ثم تابع وهو يتعمق بعينيها وينطق بولعٍ:
-شعور إن أول مرة أجرب إحساس الأبوة من الست اللي بحبها أكيد هيكون مختلف وليه فرحته،معاكِ بجرب كل حاجة وكأنها المرة الأولى ليا
مطت شفتيها بإنوثة لتسألهُ بمشاكسة:
-بردوا مجاوبتش على سؤالي
ابتسم بسعادة وكأنه نفض جميع همومه خلف ظهره ليجيبها بنبرة حماسية:
-أنا في حبك ومعاكِ أكبر طماع،عاوزك معايا وجوة حـ.ـضـ.ـني طول الوقت،وعاوز أخلف منك ولاد كتير قوي صبيان وبنات، وكلهم يبقوا شبه روحك الحلوة، نفسي أفرح أمي وأبويا وأعوضهم عن اللي شافوه معايا،نفسي أمسح كل دmعة نزلت من عيونهم عليا وامحي أي إحساس بالحـ.ـز.ن صابهم علشاني
أمسكت كف يده وقامت بوضع قبلة عليه لتقول بعيني واعدة:
-يا حبيبي يا فؤاد،إن شاء الله كل اللي جاي جايب لنا معاه فرح وخير
-إن شاءلله يا حبيبي،إن شاءلله...قالها ثم نهض وتحرك نحو المقعد ليلتقط بنطاله ويرتديه ثم سحب منامتها التي كانت ترتديها بالأمس وعاد إليها من جديد ليناولها إياها قائلاً بإقتضاب:
-إلبسي بيچامتك يا حبيبي
تطلعت على ما بيده باستغراب قبل أن تنطق معترضة:
-وأنا إيه بس اللي هيلبسني البيجامة يا فؤاد وأنا داخلة أخد شاور؟!
واسترسلت وهي تُشير إلى عليقة الملابس:
-إديني الروب كفاية
أشار بكفه بإقتضاب:
-إسمعي الكلام وإلبسي البيچامة يلا
مطت شفتيها باستغراب ثم تناولتها منه وبدأت بـ.ـارتدائها،أما هو فأمسك هاتفه الخاص وتحرك خارجًا بالشرفة واتصل على المطبخ لتجيبه سعاد فسألها مستفسرًا:
-دكتور ماجد راح الجامعة ولا موجود في البيت يا سعاد؟
أجابته المرأة بتوقير:
-الدكتور راح الجامعة في ميعاده يا باشا، بس الدكتورة موجودة
أومأ لها ثم تابع برزانة:
-تمام،جهزي لي أنا والمدام فطار كويس وكاسين عصير جريب فروت، وخلي عزة تطلعهم على الجناح بتاعي بعد ساعة بالظبط
أغلق معها وولج للداخل ليجدها قد انتهت،تحرك إليها ليقف مقابلًا لها ثم رفع كفها مقربًا إياه من فمه ليطبع بباطنه قُبلة بث من خلالها إحترامه وحبه الشـ.ـديد،سحبها وجلس على طرف الفراش واستدار ليحسها على الجلوس خلفه ثم رفع ذراعيها يحسها على لفهما حول عنقه وبحركة مباغتة مسك ساقيها ليلفهما حول خصره وهب واقفًا منتصب الظهر ليتحرك صوب الباب مما جعلها تصيحُ بهلعٍ:
-إنتَ واخدني ورايح فين يا مـ.ـجـ.ـنو.ن؟!
-رايحين على جناحنا يا عروسة...قالها ليسترسل بوقاحة:
-الحمام هنا ضيق ومش هناخد راحتنا فيه إحنا الإتنين،البانيو هناك أوسع
هتفت وهي تحاول إيقافه:
-طب إستنى يا فؤاد أجيب حاجة ألبسها بعد الشاور
-كل حاجة معمول حسابها يا قلب فؤاد...قالها وأمسك بكفه مقبض الباب واداره ليخرج وهو يحملها فوق ظهره وهي تقهقه لتقول بمرحٍ وسعادة:
-يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
قهقه عاليًا لتبتلع هي باقي كلمـ.ـا.تها عنـ.ـد.ما فوجئت بفريال وسميحة يقبلان عليهما من خلال الممر المؤدي إلى الدرج، اتسعت عيني فريال وهي ترى شقيقها العاقل بتلك الصورة العجيبة،كان عاري الصدر ولا يرتدي سوى بنطالاً فقط،بدا كمراهقًا يحمل صديقته فوق ظهره ويمرح بها دون الإلتفاف لإنتقادات الاخرين،
تأججت نيران سميحة المستعرة وهي ترى أمامها أكثر مشهد أدmى قلبها،حتى بليلة زفافه على المدعوة نجلا لم تحـ.ـز.ن كما الأن، فزواجه من زوجته الأولى كان تقليديًا إلى حدٍ ما، فهو رأها بإحدى الحفلات وأعجب بجمالها وأناقتها، بعدها تحرى عنها ووجدها مناسبة له إجتماعيًا وثقافيًا فقرر الزواج منها،طيلة سنوات زواجه بها لم تره بهذا الشغف ولم يفعل ما يفعله الآن مع تلك الدخيلة التي ظهرت من العدm،حتى برحلات المصايف العائلية التي كانت تجمعهم لم يحدث وترك العنان لحاله كما هو الآن،
إبتسم لكلتيهما وتحدث بإبتسامة واسعة لم يستطع كبحها:
-صباح الخير
-صباح النور...نطقتها كلاً منهما بتيهة وبلاهة لتستغل الأخرى الموقف أسوء إستغلال لتميل وهي تهمس بجانب أذنه قائلة بدلال:
-يا فضيحتك اللي هتلف القصر كله يا فؤاد يا علام
لم يدري بحاله إلا وهو يطـ.ـلق ضحكاته العالية التي توحي لمدى وصوله العالي من السعادة ليهمس بجانب أذنها:
-جوزك جـ.ـا.مد ووشه مكشوف
تسمرتا الفتاتان وظلا ينظران ببلاهة،وصل فؤاد إلى باب حجرته وأدار المقبض ليفتح الباب واستدار يغلقه لتوجه لهما كلمـ.ـا.تها وهي تداعب بأناملها شعر حبيبها الحريري:
-سوري يا جماعة
قالتها ليغلق فؤاد الباب ويوصده جيدًا،إتسعت عيني فريال ذهولاً من أفعال تلك الـ إيثار التي تبدلت وكأنها فتاة آخرى،ابتلعت لعابها خشيةً من أن تقص لشقيقها الحديث الذى دار بينهما سابقًا ويكون هذا الفيصل بعلاقتهما لتسحبها من شرودها تلك التي جذبتها لتهتف بنبرة حادة:
-هو ده اللي جوازهم صوري يا فيري؟!
زاغت عينيها لتسترسل بذهول:
-إنتِ شوفتي اللي أنا شفته،هو اللي أنا شوفته من شوية ده فؤاد بجد؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا لتنفض عنها ذهولها وهي تقول:
- أنا أخر حاجة كنت أتخيلها هو إني أشوف أخويا بالمنظر ده،أنا حقيقي مش مصدقة اللي شافته عنيا
هتفت سميحة بتمعن وحقدٍ عليها:
-البنت دي شكلها مش سهل يا فيري
بالداخل،تحدثت وهي تدفن وجهها داخل تجويف عنقه:
-كده يا بيبي كسفتني
-وتنكسفي ليه، هو إحنا بنعمل حاجة غلط...قالها ليلج بها داخل الحمام ويختفيا داخله بعد أن قرر أن يسـ.ـر.قا من الدنيا لحظاتهم السعيدة ويختطفا حظيهما السعيد بنفسيهما، بعد قليل خرج كل منهما يرتدي الثوب الخاص بالحمام، كانا متشابهين حيث إبتاعهما طاقمًا واحدًا، هو باللون الابيض وهي اللون الروز،وقفت بمنتصف الغرفة لتسأله وهي تربع ساعديها بتذمرٍ مصطنع:
-إتفضل بقى روح هات لي لبس من الاوضة
إقترب عليها ليحتضنها من الخلف وتحرك يقودها أمامهُ ليدخل بها إلى باب حجرة الملابس الخاصة به وسرعان ما فتح الضوء لتنبهر وتتسع عينيها وهي ترى غرفة كبيرة مرتبة بأناقة وما جعلها تذهل هو وجود ملابس حريمي بكثرة، وأكثر ما لفت إنتباهها هو طغيان اللون النبيذي،دارت بعيناها لترى الكثير من الاحذية الحريمي التي تملؤ الارفف وكل حذاءٍ تجاورهُ حقيبة اليد المناسبة له من حيث اللون والموديل، إستدارت تتطلع عليه لتشير بكفها نحو حالها بعينين سعيدتين:
-الحاجات دي علشاني؟!
اومأ برأسه لتسأله باستغراب:
-إمتى جبتهم؟
أدار وجهها ليقابلها ثم أجابها وهو يتحسس وجنتها بعيناي تفيض حنانًا:
-تاني يوم ما جينا هنا بدأت أجهز، أخدت مقاس هدومك من أوضتك من غير ما تاخدي بالك، وأدتهم لمصمم شاطر وهو جهزهم لي
ابتسمت لتداعب شفته بأناملها برقة:
-ده أنتَ كنت واثق إننا هنكمل مع بعض
ابتسم ليجيبها بعيناي حنون:
-من يوم ما حبيتك وإنتِ بقيتي ملكية خاصة لفؤاد علام، الموضوع كان مسألة وقت مش أكثر
واستطرد غامزًا بعينيه:
-فيه ضلفة سليمة خاصة باللانجري، ومعظمهم نبيتي وأزرق
ضحكت لتسأله مستفسرة:
-نفسي أفهم إيه سبب عشقك للنبيتي
تنهد قبل أن يجيبها بنبرة صادقة:
-هتصدقيني لو قولت لك إن عمري ما كان ليا في الألوان ولا بركز اصلاً معاهم
واسترسل متذكرًا ذاك اليوم الفارق بحياته:
- بس من ساعة ما شوفتك بالبدلة النبيتي يوم إجتماع الفندق وأنا حبيته،سحرتني طلتك فيه واتمنيت أشوفك دايما بيه
أخرجت تنهيدة حارة لتنطق بنبرة متألمة:
-تعرف إني قطعت البدلة دي هي وكل الالوان النبيتي اللي عندي
قطب جبيبنه مستغربًا لتجيب تساؤل عينيه:
-يوم ما طلبت تقابلني في مطعم الاوتيل وقولت لي إنك عاوزني في موضوع مصيري،توقعت إنك هتعرض عليا الجواز،يومها نزلت من البيت ودخلت أفخم محل لفساتين السوارية الهادية، وإشتريت الفستان بمبلغ كبير جداً عليا، كنت فرحانة جداً وانا بجهز نفسي لأهم عرض هسمعه في حياتي
شعر بغصة مرة وهو يستمع لكلمـ.ـا.تها المريرة لتتابع وهي تشيح عينيها بعيدًا عنه:
-يومها روحت البيت وقلعت الفستان وقطعته بالمقص لمـ.ـيـ.ـت حتة، وجبت البدلة وكل حاجة لونها نبيتي وقطعتهم وبعدها إنهارت من العـ.ـيا.ط جنبهم
-أنا آسف... قالها بعيناي تقطر نـ.ـد.مًا لتأخذ نفسًا مطولاً قبل ان تبتسم وكأنها تطرد كل مشاعر السلبية والحـ.ـز.ن:
-مفيش آسف ولا دmـ.ـو.ع تاني خلاص، إحنا ننسي كل اللي فات ونفكر بس في كل السعادة اللي مستنيانا
ابتسم بإيجاب، سحبها ليجلسها وخلع عنها منشفة الرأس ليبدأ بتصفيف شعرها بمنتهى الرقة تحت سعادتها الهائلة،إنتهى من تصفيف شعرها ليساعدها على اختيار ثوبًا للنوم رقيق من اللون النبيذي ومعه روبًا بنفس اللون،وساعدها ايضًا في إرتدائه ولفت حزام الروب حول خصرها فبدت ساحرة،بعد قليل صعدت العاملة تحمل صينية كبيرة بها الكثير من أصناف الاطعمة المختلفة للفطار واللذيذة، أجلسها فوق ساقيه وظل يطعمها بيده وبفمه بمداعبة حتى انتهيا تحت سعادتهما التي تخطت عنان السماء،إتصل بعزة لتصعد لهما بالصغير، دق الباب فتحرك ليفتحه، وجد عزة تحمل الصغير الذي هتف باسم والدته، هرولت هي عليه لتحمله بين أحضانها،هتفت عزة بعدmا رأت جمالها الذي تضاعف بفضل قربها من الحبيب وطغي على وجهها ليجعل منها جميلة وجذابة حد الفتنة:
-بسم الله الله اكبر، صباحية مبـ.ـاركة يا عرسان
ابتسمت لها بخجل ليرد عليها فؤاد الذي أغلق الباب جيدًا:
-الله يبـ.ـارك فيكِ يا عزة
عقبال البكاري يا باشا...نطقتها بغمزة من عينيها ليجيبها بجبينٍ مقطب:
-بصي يا عزة أنا ليا سنين بسمع الكلمة دي في الافلام والمسلسلات، بس عمري ما فكرت في معناها
-يعني عقبال ما نفرح بخلفتكم يا سيادة المستشار،فهمت ولا لسة محتاج شرح...نطقتها بحدة ليسألها ساخرًا:
-عزة، أنا عاوز اسألك سؤال مهم بالنسبة لي، من يوم ما اتقابلنا عند النيابة، اليوم ده إتعاملتي معايا بمنتهى القرف وأنا فوتها وقولت يمكن يكون بسبب تـ.ـو.ترها من اللي حاصل ل إيثار، بس الموضوع طول يا ماما، إنتِ بتتعاملي معايا ولا اللي ماسكة عليا ذلة؟
أهو أنا طبعي كده من ساعة ما ربنا خلقني،مبحبش الحال المايل ولا اللي يسأل سؤال عوج...قالتها وهي ترفع كفاها للأعلى،هز رأسهُ ليبتسم وهو يقول لها:
-عزة
تحرك إلى الباب وقام بفتحه ليشير لها للخارج:
-إنزلي تحت ومش عاوز أشوفك قدامي باقي اليوم
رمقته وهي تنطق باستياء:
-الحق عليا،قال وانا الي عماله اجهز لسعادتك تحت إيشي حمام محشي بالفريك وإيشي كوارع وإشي بط وفطير، وفي الاخر لا حمد ولا جميلة
سألها متعجبًا:
-بتجهزيهالي أنا؟! ليه إن شاءلله
هتفت بنبرة حماسية وهي تشيح بكفيها بطريقة كوميدية جعلته يبتسم رغمًا عنه:
-مش عريس والنهاردة صباحيتك ولازم تتغذى يا باشا
قهقهت إيثار التي تتابع الحوار بتسلي لينطق باستسلام بعدmا فاض به:
-إنزلي يا عزة قبل ما أفقد أعصابي اللي ماسكها عنك من أول يوم شفتك فيه
أشاحت بكفها لتنطق بوجهٍ عابس:
-اديني نازلة
خرجت وصفقت خلفها الباب لينظر هو لتلك الضاحكة ليسألها بجنون:
-إنتِ استحملتيها كل السنين دي إزاي
-دي حبيبتي... قالتها بوجهٍ منير ليقترب عليها مترقبًا الصغير الذي بات يتحسس وجنة والدته وهو يقول بانبهار طفولي:
-شكلك حلو قوي يا مامي
باتت تقبلهُ بنهمٍ لتهتف بنبرة حماسية:
-يا عيون وقلب ورح مامي، وحـ.ـشـ.ـتني يا چو
-وإنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و
قالها ببراءة واسترسل يطلعها على تقرير يومه:
-أنا كنت بعيط بس عزة أخدتني أنا وساندي ولعبنا في أوضة بحر الكور وانبسطنا كتير، وكمان جدو علام قعد يحكي لنا حكايات حلوة قوي، وانا انبسطت معاه
واسترسل بمشاعر صادقة:
-أنا بحب جدو علام قوي يا مامي
إقترب عليه ليدغدغه ببطنه وهو يقول بمداعبة:
-طب وانا يا چو، خلاص مبقتش تحب شرشبيل، نسيته خلاص؟!
قهقه الصغير بسعادة ليجتمع ثلاثتهم ويجلسون فوق التخت جلس هو مستندًا على ظهر التخت واحتضن ظهرها لصدره والصبي بأحضان والدته وجلسوا يتحدثون ويضحكون كعائلة
**********
بعد مرور ساعتين،صعدت عزة لجلب الصغير كي تفسح لهما المجال بالتقرب من بعضيهما،قضيا وقتًا مثيرًا بث فيه كلًا منهما عشقه للأخر وبعدها إغتسلا وقاموا بتأدية صلاة العصر معًا ثم أختار لها ثوبًا أيضاً باللون النبيذي وساعدها في إرتدائه، كان يدللها بشكلٍ مبالغ به، يريد تعويضها وتعويض حاله عن كل مرا به كليهما من صعاب وكوارث،إرتدت حجابها وجاورته النزول،وجدا الجميع يجلسون بالبهو وكأنهم ينتظرون نزوليهما،انتفض داخلها حين استمعت لصوت الزغاريد التي تطوعت عزة بإطـ.ـلا.قها تحت خجلها الذي شملها وسعادة ذاك المجاور لها الذي ضم خصرها إليه وكأنهُ يريد إخبـ.ـار الجميع بشرعية ملكيته لها،لا يدري لما دائمًا يشعر بالتفاخر وهي بجواره، يراها بعينيه ملكة تستحق التتويج، هي عن غيرها من سحرته،نظرت لعيناه لتتوه بليليهما لكنها سرعان ما فاقت على صوت سميحة المستنكر بشـ.ـدة وهي ترمق عزة باشمئزاز:
-يااااي، بلدي قوي
رمقتها إيثار بقوة هي من الاساس لا تطيق تواجدها بفضل أفعالها بالامس،نظرت سعاد إلى عزة قبل أن تقول بجدية:
-الحاجات دي متنفعش هنا يا عزة
قاطعها صوت عصمت التي وقفت تستقبل نجلها وعروسه بسعادة:
-حاجات إيه اللي متنفعش يا سعاد
واسترسلت بحماس:
-زغردي يا عزة وإملي المكان كله زغاريد
إقتربت على تلك الجميلة لتحتضنها بانبهار لجمالها الخلاب والذي يظهر كل يومًا أكثر:
-الف مبروك يا إيثار، ألف مبروك يا حبيبتي
تمنت لو الارض انشقت لتبلعها وهي ترى اعين الجميع مصوبة تجاهها، تمنت أيضًا لو باستطاعتها أن تُمسك بعزة لتنتقم منها على طريقتها الخاصة لوضعها بهذا الوضع المخزي
شعرت عصمت بخجلها وتـ.ـو.ترها لتهمس بابتسامة:
-إنتِ مكسوفة ليه كده، الموضوع طبيعي ومفهوش اي كسوف
اجابتها بـ.ـارتباك:
-متشكرة على ذرع الثقة يا دكتورة، بس الحقيقة أنا في وضع لا أحسد عليه، وكله بسبب عزة ربنا يسامحها
ضحكت لتقول بنبرة صادقة:
-طب والله ست زي العسل، أنا حبيتها جداً عزة على فكرة
كانت نظرات سميحة الموجهة إلى إيثار حادة، فقد إعتبرتها غريمتها التي سرقت منها حبيب عمرها والرجل الوحيد الذي تمنته، أما فريال فكانت في حيرة من أمرها، فهي ولأول مرة بالحياة ترى شقيقها سعيدًا لهذه الدرجة،فقد اقتحمت السعادة قلبه بشـ.ـدة لتغزو جميع جسده وتظهر على ملامحه،فبدا كشابٍ في منتصف العشرينات وهذا ما جعل قربها يتراقص
نظرت عصمت لنجلها وسعادة الدنيا تكونت بنظراتها الحنونة له لتحتضنه بحفاوة وهي تقول:
-أخيرًا ريحت قلبي يا فؤاد
قبل يدها ومقدmة رأسها لينطق بنظراتٍ آسفة:
-سلامة قلبك يا حبيبتي، وحقك عليا
-يا قلبي أنا أهم حاجة عندي تبقى مبسوط...قالتها بنبرة تقطر حنانًا،ليجيبها بجرأة جديدة عليه:
-كلمة مبسوط دي فقيرة قوي جنب اللي أنا حاسة مع إيثار يا ماما
تحدثت بعيناي تنطق سعادة لأجل ولدها الغالي:
-يا حبيبي، ربنا يخليكم لبعض
تحرك فؤاد إلى علام ثم بادر باحتضانه ليهمس كي لا يستمع عليهما أحد:
-مع إنك إتأخرت وخيبت لي أملي فيك، بس على كلٍ مبروك،وعلى رأي المثل،أن تصِل متأخرًا خيرٌ من أن لا تصل أبدًا
رفع فؤاد حاجبه مستنكرًا ليرد بمشاكسة:
-ربنا ما يحرمني من تشجيعك ليا يا سيادة المستشار،دايمًا رافع من معنوياتي
-أغشك يعني؟...قالها بنظرة مستنكرة ليطـ.ـلق فؤاد ضحكة عالية
أشار بكفه إلى إيثار لتقترب فوضع كفه فوق رأسها ليقول بنبرة أبوية حنون:
-مبروك يا بنتي
أجابتهُ بنبرة خجلة:
-الله يبـ.ـارك في حضرتك يا سيادة المستشار
تنفس لينطق بكلمـ.ـا.تٍ صادقة ظهرت بين نبراته وداخل نظراته الحنون:
-من النهاردة هتقولي لي يا بابا
انتفض قلبها تحت سعادة فؤاد وعصمت في لحظة مؤثرة ليتابع وهو يشير بكفه نحو فؤاد:
-والولد ده لو زعلك تعالي لي وأنا أملص لك ودانه
نظرت إلى فؤاد وبكل جرأة لا تدري من أين أتتها تحدثت بعيناي تفيض غرامًا:
-ده حبيبي وهدية ربنا ليا، ربنا يخليهولي
لم يشعر بحالهُ إلا وهو يسرع إليها ويسحبها ليسكنها أحضانهُ محاوطًا جسدها بذراعيه مشـ.ـددًا عليها وكأنه يريد إدخالها بين ضلوعه،مال على رأسها ليقبلها بعشقٍ دون أن ينطق بكلمة، فكانت الأفعال كفيلة للتعبير عما شعر به من جراء كلمـ.ـا.تها الصادقة
كان الجميع يتابع المشهد بتأثر كبير عدا تلك السميحة فقد غزت نار الغيرة قلبها وأشعلته، تحدث علام بنبرة حنون:
-ربنا يسعدكم يا بنتي ويجعلكم عوض لبعض عن أي حاجة وحشة مريتوا بيها في حياتكم
أمن الجميع على دعائه لينظر فؤاد لشقيقته التي تقف بعيدًا فاقترب عليها ليتحسس خدها ويسألها بنظراتٍ عاتبة:
-مش هتقولي لي مبروك، ولا مش فرحانة علشاني؟
تنفست بهدوء لترتمي بأحضانه بعدmا شعرت بالراحة وهي تقول له:
-مبروك يا حبيبي، وربنا يسعدك
قالت كلمـ.ـا.ته لتتنفس براحة،نظرت إلى إيثار بتعجب،فقد توقعت أن تقص له ما قالته لها لتكسب جولة على حسابها، لكنها لم تفعل، هي متأكدة من حدة فؤاد وصرامته بتلك المواضيع، فلو علم إفترائها عليه لربما تكون تلك النهاية بينهما،فأكثر شيئان يبغضهما بحياته هما الكذب والإفتراء، وهي لم تقصر معه فقد كذبت ولفقت له حديثًا مفبرك،إحتارت حقًا في أمرها وقررت متابعتها عن كثب ومراقبة أفعالها لربما تكون تلك خطتها لخديعتهم
إقترب ماجد لينطق بهدوء:
-مبروك يا مدام إيثار
-الله يبـ.ـارك فيك يا دكتور... هكذا أجابته بجدية،جلس فؤاد وأجلسها بجواره فوق الأريكة وبدأوا بالحديث،تحدث فؤاد للجميع بتذكر:
-بالمناسبة يا باشا، أيمن الاباصيري إتصل بيا إمبـ.ـارح بالليل وبيطلب من جنابك تحدد له ميعاد علشان يجيب عيلته وييجوا يزورا إيثار
تحدث بإبتسامة هادئة وهو ينظر لتلك التي استقبلت الخبر بكثيرًا من السعادة وكأنها عائلتها الأصيلة:
-الباشمهندس ينور طبعاً،خليه يشرفنا بكره بالليل،ده كفاية إنه من طرف إيثار
شملته بعيناي تفيض من الشكر والعرفان وهي تقول:
-متشكرة يا سيادة المستشار
زمجر بافتعال وهو ينطق معترضًا:
-إحنا قولنا إيه؟!
-متشكرة يا بابا... قالتها بسعادة ليحتضن كفها ذاك الفارس المجاور لها والذي يحمل يوسف فوق ساقيه من يراهم يعتقد انهم عائلة واحدة وسعيدة
لتنطق عصمت بنبرة حماسية:
-خلينا نحدد ميعاد لحفلة كبيرة يا باشا، نعلن فيها عن جواز فؤاد من إيثار وكمان بمناسبة ترقيته
إلى هنا لم تستطع سميحة الجلوس وهبت لتصعد للأعلى وتركت الجميع يتفقون على موعد الحفل
صدح هاتف فؤاد الموضوع فوق المنضدة ليمسكه ينظر بشاشته ثم ضيق عينيه ليوجه حديثه لها باستغراب:
-ده رقم نصر البنهاوي؟!
-وده عاوز منك إيه...قالتها بتعجب لتسترسل:
-وجاب رقمك منين أصلاً؟!
أجابها بهدوء:
-خلينا نرد ونشوف
وقف وبسط لها كف يده بطريقة أظهرت كم عشقه وإهتمامه بها لتبتسم له وهي تضع كفها بخاصته ليطبق عليه ويحتويه،سارت بجواره متجهين خارج الحديقة إلى أن وصلا لنقطة لن يستطيع أحدًا الإستماع إليهم وضغط زر إستقبال المكالمة حيث صدح الهاتف للمرة الثانية،ضغط أيضًا على زِر مكبر الصوت ليستمع لصدوح صوت نصر حيث نطق بحماس:
-إزيك معاليك يا سيادة المستشار
واستطرد بتفاخر:
-مع جنابك سيادة النائب نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب
أجابهُ بصوتٍ رخيم:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة النائب، إسمك ظاهر لي في الـ Truecaller
تنفس نصر الجالس ببهو منزله يجتمع حوله إجلال، عمرو،طلعت وحسين يترقبون لحديثه،تابع حديثه قائلاً:
-أهلاً بيك يا باشا،متأخذنيش إني بكلمك على غير ميعاد، أنا خدت رقم تليفونك من واحد حبيبي علشان عاوز جنابك في موضع مهم
واستطرد منافقًا:
-قبل ما ياخدنا الكلام حابب أهنيك على الترقية،وصلتني معلومـ.ـا.ت إن جنابك إترقيت وخدت منصب كبير
اشتعل داخل عمرو المجبر على الجلوس والإستماع لمكالمة والده لذاك الحقير سارق أحلامه،حيث اقتحم حلمه باللحظة الأخيرة ولم يكتفي بخـ.ـطـ.ـف زوجته بل اكمل على ما تبقى وسرق صغيره الرقيق،رد فؤاد بهدوء ورزانة يتميز بهما:
-الله يبـ.ـارك فيك يا سيادة النائب، ياريت تدخل في الموضوع على طول لأن وقتي محسوب
اشتعل داخل نصر من غطرسة ذاك المتعالي لينطق بتفهم مفتعل نظرًا لمنصبه الجديد ومكانة والده أيضًا:
-مفهوم يا سعادة الباشا،كان الله في العون، أنا بكلم جنابك علشان ألاقي طريقة أبعت بيها مصاريف يوسف الشهرية
قطبت إيثار جبينها ليسأله فؤاد وهو ينظر لحبيبته:
-على حد علمي إن مصاريف يوسف بتتبعت له عن طريق المحكمة يا سيادة النائب
أجابه بنبرة خبيثة أراد بها بث السم وزعزعة العلاقة بين فؤاد وإيثار:
- إنتَ قصدك المبلغ اللي المحكمة حاكمة بيه يا باشا،تفتكر بردو أن حفيد نصر البنهاوي هيصرف سبعمية جنية في الشهر
واسترسل بكبرياءٍ وغرور:
- ده أنا بديهم للبت الخدامة اللي عندي تجيب بيهم فاكهة لعيالها وهي مروحة
تنفس لينطق بزهوٍ زائف:
-أنا ببعت لـ إيثار كل شهر تلاتين ألف جنية جنابك،يدوب يغطوا مصاريف حفيدي الغالي
جحظت عينيها فور إستماعها لكلمـ.ـا.ته الكاذبة وكادت أن تصيح وتكذبه لولا أصبع فؤاد الذي سبقها ووُضع فوق شفتها بنعومة ليطمأنها بعينيه مطالبًا بـ صمتها، هزت رأسها تنفي جميع إفتراءته ليرمش بعينيه دليلاً على تصديقه لها،فهي قد قصت له كل ما يخص هذا الموضوع هو والمحامي الذي احضره لها بالقصر ليتابع القضية،تابع نصر إختلاقه قائلاً:
-ده غير مصاريف المدرسة أنا اللي بدفعها كلها، كل ده ببعتهولها مع عزيز أخوها وتقدر جنابك تسأله
إكفهرت ملامحها وبدأت بهز رأسها مستنكرة حديث ذاك الكاذب المضلل والذي يريد به تشكيك فؤاد بها لينطق فؤاد بنبرة قوية واثقة:
-إسمعني كويس يا سيادة النائب،الكلام اللي حضرتك بتقوله ده ملوش أي أساس من الصحة بالنسبة لي أنا كرجل قانون اللي بيوصل إيثار هو المبلغ المدون في دفاتر المحكمة واللي بتستلمه هي كل شهر بشكل رسمي وقانوني،تاني حاجة لو سيادتك فعلاً عندك النية إنك تصرف على حفيدك بما يرضي الله ويتناسب مع دخلك ومكانتك الإجتماعية إتفضل إعمل ده بشكل قانوني والمبلغ يوصل ليوسف عن طريق المحكمة
هتف نصر متسائلاً بحدة:
-يعني إيه كلامك ده يا باشا، إنتَ بتكدبني ولا إيه؟!
على عجالة رد فؤاد بطريقة دبلوماسية تستتر بين طياتها تكذيبه لجميع إفترائاته:
-ياريت متدخلنيش في النقطة دي يا نصر بيه،أظن أنا حسمت لك الموضوع من شوية وقولت لك إني رجُل قانون وبمشي بالورق والمستندات القانونية، عندك مستند قانوني يثبت كلامك أهلاً وسهلاً، معندكش إسمح لي هتعامل مع كلامك كأنه هراء وملوش أي وجود من الصحة بالنسبة لي
إستشاط داخله من عجرفة ذاك القوي ليتراجع سريعًا كي لا يكسب عداوة فؤاد ليتابع بمكرٍ وخُبث لزعزعة ثقته بتلك الإيثار:
-أنا فاهم مقصد جنابك وعاذرك، إنتَ بردوا لسة متعرفش مين هو الحاج نصر البنهاوي، أنا الحمدلله بتقي ربنا في كل شئ وبخافه
إبتسامة ساخرة اعتلت وجه فؤاد مع هزت رأس استنكارية وهو ينظر لحبيبته العابسة ليمرر أنامله يداعب بها وجنتها الرقيقة كي يطمأنها ويحسها على الإبتسامة ليتابع ذاك المضلل قائلاً بزرع بذور الشك:
-انا بس قولت اشرح لك الوضع لتكون إيثار نسيت تقول لك، وتفتكر سعادتك إن سيادة النائب نصر البنهاوي بيدفع لحفيدة مبلغ تافة زي ده
ليستكمل:
-الخلاصة يا باشا أنا هبعت المبلغ لـ إيثار مع السواق بتاعي على قصر جناب المستشار
على الفور خرجت كلمـ.ـا.تٍ حاسمة من فم فؤاد لحسم الموضوع:
-ياريت مـ.ـا.تتعبش نفسك لأني مش هقبل حاجة زي دي، وزي ما قولت لك عاوز تبعت حاجة إتفضل خلي المحامي بتاعك يقدm طلب للمحكمة يطلب فيه تعديل وزيادة قيمة النفقة، غير كده مش هسمح بدخول مليم واحد لمراتي منك
هتف بنبرة صارمة لصوتٍ قوي:
-أظن كلامي واضح
-واضح يا باشا...قالها بتأكيد ليتابع بمكرٍ وشمـ.ـا.تة ظهرا بنبرات صوته:
-بس يعني مش مستاهلة أخلي المحامي يعمل كل ده وأنا كده كده هاخد حضانة حفيدي في أقل من شهر بعون الله
انتفض جسدها وتجلى الهلعُ بنظراتها لمجرد الفكرة ليجذبها ويحاوطها بذراعه مقربًا إياها داخل أحضانه ليستند بذقنه على رأسها بخفة قبل ان يقول:
-الموضوع ده بقى بالذات نترك الحكم فيه للقانون يا رجُل القانون،وإنتَ عارف القضاء المصري عادل وصارم
أجابه على عجالة:
-أكيد يا باشا، وأنا علشان واثق في القانون حاسس إنه إن شاءالله هينصفنا ويرد لي حفيدي، واستطرد بدهاء بعدmا بحث خلفه واستطاع معرفة بعض المعلومـ.ـا.ت عنه وعن أسرته:
-وانا شايف إن ده أنسب لسعادتك كمان، أهو على الأقل تفضي لمراتك وتخلف لك منها حتة عيل يشيل إسمك وتفرح بيه قلب الباشا الكبير
-سيادة النائب...قالها بحزمٍ وحدة لعدm تقبله لتدخل هذا الحقير في حياته الشخصية ليستطرد بنبرة أشـ.ـد حزمًا وقوة:
-يا ريت تلزم حدودك وتلتزم بيها لما تتكلم معايا
واسترسل بنبرة صارمة وهو ينهي الحديث دون إنتظار الرد من الطرف الاخر:
-والوقت مضطر أقفل لأنك أخدت من وقتي كتير، مع السلامة
أغلق الخط بوجهه لتبتعد عن أحضانه وهي تهتف بنفيٍ برأسها وملامح وجه مذهولة:
-متصدقهوش يا فؤاد،نصر ده راجـ.ـل كذاب
حاوط ذراعيها بكفاه لينطق مهدئًا إياها بنبرة تحمل حنان العالم أجمع:
-إهدي يا بابا
هزت رأسها لتقسم بنفيٍ لحديث ذاك الكاذب:
-والله العظيم الكلام اللي بلغك بيه ده ما حصل ولا عمره بعت لي فلوس مع حد
بنظرات عيناي حنون تحدث بكلمـ.ـا.تٍ كي يبث السكينة بروحها:
-يا حبيبي أنا عارف وواثق ومتأكد من كلامك اللي قولتهولي قبل كده، هو قاصد يقول الكلام ده علشان يشككني فيكِ
وتابع بذات مغزى ودهاء:
-مش عارف إني كاشف كل ألاعيبه القذرة دي واللي أفظع منها كمان
سألته بعيناي تائهة:
-طب هنعمل إيه يا فؤاد، ده شكله بيخطط لحاجة ومش هيسكت
أخذ نفسًا مطولاً ثم أجابها بطمانينة:
-مش عاوزك تقلقي من أي حاجة طول ما أنا جنبك،أنا متابع الوضع كويس قوي، كل اللي مطلوب منك تنسي خالص الموضوع وتتصرفي على اساس إن يوسف خلاص بقى في حضانتك
إقترب عليها ليحتضن وجنتيها بين كفاه لينطق بعيناي تصرخ من الوله:
-عاوزين نفضى لنفسنا شوية، إنتِ ناسية إننا عرسان جداد ومحتاجين نتدلع ولا إيه؟
-أحلا دلع لعيونك يا باشا...نطقتها بإبتسامة ساحرة ليرد عليها بعيناي تلتهم ملامحها:
-والله ما حد باشا غيرك،عندنا خلخال محتاج يزلزل الجناح فوق
ضحكت بدلال أثار داخله ليتحمحم سريعًا حينما لاحظ إقتراب أحدهم عليهما فحول بصره ينظر بترقب لذاك السخيف الذي قطع وصالهما فوجدها سميحة،كانت تتطلع على تقاربهما بنظراتٍ حادة وما أن لمحتها تلك العاشقة حتى إلتصقت بزوجها لتلف ذراعها خلف خصره تأكيدًا منها على ملكيتها الخاصة له،رمقتها سميحة بحدة ردتها لها إيثار بتحدي،أخذت نفسًا مطولاً ثم تحدثت إلى فؤاد بإبتسامة إصطنعتها بإعجوبة:
-أنا ماشية يا فؤاد
أجابها من باب المجاملة:
-متخليكِ معانا النهاردة يا سميحة
إبتلع باقي جملته واطلق تأوهًا مكتوم على خلفية لكزة قوية قد سددتها له تلك العاشقة التي لكزته بكفها على ظهره،إقتربت عليه سميحة لتسأله:
-مالك يا فؤاد، إنتَ كويس؟
كادت أن تتمسك بكفه فابتعد للخلف سريعًا لينطق بمغزى:
-هبقى كويس إن شاء الله
نطقت بجدية بعدmا لاحظت ابتعاده المتعمد:
-أوكِ، أنا مضطرة أمشي حالاً علشان بابي مستنيني على الغدا، بس متقلقش،هروح البيت أظبط شوية حاجات خاصة بشغلي وهرجع تاني
واسترسلت وهي تنظر إلى إيثار بتحدي:
-هقعد معاكم يومين بحالهم قبل الحفلة
-تنوري يا روحي...قالتها إيثار بصوتٍ رخيم مع إبتسامة صفراء بادلتها الأخرى بمثيلتها لتجيبها بعدm تقبل ظهر جليًا بنظراتها:
-ميرسي
-باي باي يا فؤاد...نطقتها بغنچ وهي تقترب عليه إستعدادًا لتقبيله وبلمح البصر كانت تلك العاشقة تقف حائل بينهما لتتراجع الاخرى سريعًا وباتت ترمقها بنظراتٍ نارية وذهول لتقطع حبل أفكارها تلك التي نطقت باستخفاف:
- Sorry يا روحي
وتابعت بتملك ظهر بعينيها الحادتين وهي تقف أمام رجلها بشراسة:
-من النهاردة مش هينفع تقربي من فؤاد بالشكل ده تاني
أشارت بكفها باستخفاف وهي ترمقها بتقليل:
-إنتِ بتقولي إيه، إنتِ عارفة فؤاد ده بالنسبة لي إيه؟!
اجابتها بازدراء ونظراتٍ نارية:
-إبن عمك،يعني لا أبوكِ ولا أخوكِ ولا جوزك علشان تحـ.ـضـ.ـنيه وتبوسية بالطريقة السخيفة والغير مقبولة دي
أنا مالي بأفكارك المتـ.ـخـ.ـلفة دي...قالتها باستهجان وهي ترمقها باستخفاف لتتابع برفضٍ تام لتصرفها:
-ثم إنتِ مالك أصلاً أحـ.ـضـ.ـنه ولا ما أحـ.ـضـ.ـنهوش
كان يتطلع على حبيبته وهي تدافع عن حقها به بمنتهى الشراسة بقلبٍ يرفرف من شـ.ـدة سعادته،ما أسعدهُ من رجُل،لقد كانت اقصى أمانية منذ القريب أن تسمح له تلك العنيدة الدخول لجنتها، أما الأن فهي تقف بوجه إمرأة أخرى لتدافع عنه بقوة حيثت نطقت بمنتهى الوحشية كنمرة:
- ده مالي وحلاالي،ده جوزي، يعني ملكية خاصة وممنوع الإقتراب زي ما بيقولوا، ومن النهاردة مشوفكيش تقربي منه بالشكل السخيف اللي عملتيه إمبـ.ـارح لأني مش هسمح لك
صاحت بحدة وهي تستنجد به:
-فؤاد، إنتَ ساكت لها ليه
تنفس بعمقٍ وجذب تلك الواقفة أمامه لتنضم جانبه ليحيط خصرها ويلصقها بقوة أثارت كليهما ثم نظر للجاحظة عينيها والتي اوشكت على إصابتها بذبحة صدرية ليقول بتفاخر وراحة ظهرت فوق ملامحهِ:
-الكلام في الجزئية دي بالذات لـ مراتي وأنا عليا الطاعة
شعرت وكأنها فراشة تتراقصُ على أنغام كلمـ.ـا.ته التي تجزم على انها لم تستمع نغمـ.ـا.تٍ أرق منها طيلة أعوامها،أما سميحة فتطلعت إلى رجل حياتها التي لم تتمنى سواه بحياتها لتسألهُ بذهول:
-نعم؟!،فؤاد يا علام، إنتَ شارب حاجة،ما أنتَ أكيد مش في وعيك؟!
تعمق بعيناي خاطفة أنفاسه لينطق بصوتٍ يأن عشقًا:
-شارب النعيم كله على إيد حبيبي
يعني إنتَ موافق على الافكار المتـ.ـخـ.ـلفة اللي بتقولها دي؟!
كاد أن يرد فقاطعته إيثار لتقول بنبرة جادة:
-على فكرة يا دكتورة،إنتِ محتاجة تقرأي وتتعمقي أكتر في أحكام دينك،الحـ.ـضـ.ـن وبوسة الخد اللي إنتِ مستهونة بيهم دول وإنتَ بتديهم لراجـ.ـل أجنبي عنك، عقـ.ـا.بهم عظيم عند ربنا
خجل من كلمـ.ـا.تها الجادة،فكان من الأولى إتباعه هو لأحكام الشرع الذي تمعن بدراسته،لكنه للاسف إنساق وراء الأفكار التحررية للطبقة التي خلق منها،أما هي فرمقتها بنظراتٍ تقليلية لتهز رأسها وتوجه حديثها إلى فؤاد متلاشية وجودها وكأنها لم تستمع لشيئًا من الأساس:
-هشوفك قريب يا فؤاد،bye-bye.
-بجحة...قالتها إيثار وهي تنظر لذهابها باشتعال لتنطلق ضحكات ذاك الوسيم الذي أرجع رأسه للخلف وبدأ بإطـ.ـلا.ق القهقهات المتتالية لتبتعد عنه وتربع ساعديها فوق صدرها لتنطق بحنقٍ:
-ممكن أعرف بتضحك على إيه؟!
بصعوبة توقف عن إطـ.ـلا.ق ضحكاته ليتطلع عليها وبعيناي تتأكلها قال:
-على حبيبي الشرس اللي بيدافع عن جوزه بكل قوته
إبتسمت بخجلٍ ليستكمل ضحكاته مسترسلاً بدعابة:
-البنت خلاص،مش هتدخل البيت ده تاني
-يكون أحسن بردوا...قالتها بملامح وجه غاضبة، إقترب منها ليقول بوقاحة:
-بقول لك إيه،ما تطلعي تجهزي وتستعدي للخلخال، اللانجري النبيتي هيليق عليه جداً
إبتسمت خجلاً ليسحبها من كفها وتحركا عائدين للداخل من جديد.
↚
أنهى نصر البنهاوي إتصاله مع فؤاد ليُلقي بهاتفه فوق الطاولة الموضوعة أمامه ويتابع قائلاً بنبرة حادة توحى لمدى غضبه:
-ده أنتَ شيطان يا اخي، حتى الخطة اللي المحامي حطها علشان أضمن بيها الحضانة بوظها لي
هتف طلعت بنبرة حادة والغضب يملؤ عينيه:
-الراجـ.ـل ده ملوش المعاملة دي يا حاج، ده راجـ.ـل خبيث ومش هنعرف ندخل له من الحتة دي
زفر بقوة ليجيبه بنبرة حانقة:
-وأنا يعني كان في إيدي حاجة غير كده ومعملتهاش يا طلعت
واسترسل بإبانة ما أملاه عليه ذاك المحامي الخبيث:
-المحامي نبه عليا أوصل الفلوس لقصر فؤاد علام بأي طريقة علشان لما نستشهد بيه قدام القاضي يشهد بإنه استلم مبلغ مننا خلال الشهر اللي قعده الولد عنده، وبكده القاضي هيتأكد إن عمرو اللي متكفل بمصاريف إبنه بالكامل وهيحكم له بالحضانة من أول جلسة
لوت إجلال فاهها لتسأل بنبرة تشكيكية:
-وإنتَ إيه اللي يضمن لك إنتَ والمحامي إنه كان هيشهد معانا ويسيب مـ.ـر.اته؟!
إحتدm داخل عمرو من استماعه لتلك الكلمة التي تجعل النار تشتعل بكامل جسده لكنه تمالك من حاله لابعد حد وكظم غيظه بداخله ليجيبها نصر بجدية:
-مش ده اللي يشهد زور علشان خاطر أي حد يا ستهم، ده راجـ.ـل دوغري وماشي زي السيف
-وده الحل معاه إيه يا نصر؟...سؤال مستسلم وجهته إجلال ليحك ذقنه بأصابع يده قبل أن يجيبها:
-أدينا بنشوف انا والمحامي يا ستهم
زفر بضيق ليتابع باستياءًا ظهر فوق ملامحه:
-ماهو لو واحد عادي كانت ديته عندي طلقة بجنية تخلص عليه وتريحني منه
واستطرد ليذكرها برجل شركة الأمن الخاصة الذي إستأجره ليتابع خط سير فؤاد ويتحرى عنه ليمده بالمعلومـ.ـا.ت التي ربما تفيده بقضية ضم حضانة الصغير:
-لكن إنتَ كنتي قاعدة معايا بنفسك والراجـ.ـل بتاع شركة الأمن اللي أجرته يستفسر عنه بيتكلم،الراجـ.ـل ماشي زي الألف،ملوش غلطة واحدة تتاخد عليه، من للبيت لشغله ومن شغله لبيته، لا ليه في ستات ولا هلس ولا سهرات من إياهم ولا حتى رشوة
هز رأسهُ بيأسٍ ليتابع:
-ده غير مركز أبوه اللي نص مصر بتتهز له وتقف لإسمه تعظيم سلام
صكت إجلال على أسنانها لتهتف من بينهما بغضبٍ:
-أنا مش عارفة طلع لنا من أنهي مصيبة ده كمان
لتشتعل عينيها بنارًا مستعرة وهي تتابع بحقدٍ دفين ظهر بعينيها الغاضبتين:
-كله من القادرة بنت منيرة،كانت دخلتها شؤم على بيتي
واستطردت باشمئزاز وهي تلقي بالإفتراءات على تلك المسكينة بدون وجه حق:
-حسبتها صح وراحت لعبت على وكيل النيابة وهو زي الاهبل جري وراها وريل عليها،جرت رجله لحد ما اتجوزها وخدها جوه قصره علشان يحميها هي ويوسف
وإلى هنا تحولت ملامحها واشتعلت عيناها بالجحيم لتتابع:
-بس ورحمة الحاج ناصف ما هخليها تتهنى بعيشتها في القصر ولانهش قلبها من جوة
تابعت وهي تستعرض بقبضة يدها بطريقة شرسة:
-همد إيدي وهاخد حبيبي يوسف من قلب القصر اللي جريت تستخبى فيه، وتبقى تكمل حياتها جواه من غير إبنها ده لو قدرت
صمتت لتتطلع على ذاك الجالس بإطمئنان يرتشف مشروب الشاي باستمتاع ولا يبالي لحديثهم الدائر وكأن الأمر لا يعنيه بالمرة لتسألهُ باستغراب وجبينٍ مقطب:
-إنتَ ساكت ليه يا عمرو؟!
-بسمعكم...كلمة نطقها بنبرة بـ.ـاردة كالثلج ليقطب نصر جبينه وهو يرمقه بتعجبٍ ليسألهُ:
-إلا قولي يا عمرو بيه،إنتَ بتغطس تروح فين اليومين دول؟!
بنبرة هادئة أجابهُ:
-ما أنا قولت لك قبل كده يا بابا،بسهر مع إصحابي في شقة واحد زميلي قاعد في المركز
رمقه طلعت بازدراء قبل أن ينطق بنبرة متوجسة:
-يارب بس مـ.ـا.تجبليناش مصيبة جديدة بسهراتك دي
ليستكمل نصر حديث ولده بتهكمٍ وهو يتطلع عليه بسخرية:
-لا إزاي، ميبقاش عمرو لو قعد عاقل زي البني أدmين
ليتابع بحدة وغضب:
-مروحتش الرؤية بتاعت إبنك الإسبوع ده ليه يا بيه؟!
المحامي بتاع الهانم رن عليا وقال لي إنه كلمك وإنتَ مردتش عليه
ارتشف من كوبه بهدوء ثم أجابهُ بنبرة مستفزة تعجبت لها إجلال:
-نسيت يا حاج، هبقى أروح له الإسبوع الجاي
بكلمـ.ـا.ته البـ.ـاردة نجح في تأجج غضب أبيه ليصيح الاخر بحدة بالغة:
-نسيت تشوف إبنك؟!
ليسخر متابعًا:
-ومراتك اللي فوق دي كمان ناسيها
واسترسل بنبرة حادة توحى لمدى وصوله للمنتهى من الغضب:
-إسمع يا عمرو علشان أنا جبت أخري منك،من النهاردة ترجع تبات في شقتك مع مراتك، أنا عايز حفيد، مش هتقعد لي على حتة الواد اللي جبته
واسترسل بحدة:
-أمال مين اللي هيورث الأبعدية دي كلها من بعدي ويكمل طريقي؟!
هب واقفًا كمن لدغهُ عقرب ليهتف بجنون وحدة:
-إنسى الموضوع ده يا ابا،علشان لو السما انطبقت على الأرض مهرجعش أنام في سرير واحد مع العقربة دي
قاطعتهُ إجلال لتقول باستياءٍ ولوم قد فات أوانهُ:
-وكان مين اللي بلانا بالعقربة دي يا عمرو، مش إنتَ والشيطانة بنت منيرة اللي دخلتها بيتي؟!
صاح نصر بنبرة غاضبة:
-عدى وقت الكلام ده خلاص يا ستهم،البلوة واتبلينا بيها واللي كان كان
ثم حول وجهته إلى ذاك الوقف بجسدٍ ينتفض غضبًا ليتابع أمرًا بصرامة:
-إسمع يا واد،من النهاردة هتبات في شقتك مع بنت ناصرة،وشقة المحروقة بنت غانم مشوفكش تعتبها إلا لما ارجعها لك فيها مذلولة من تاني، وإلا قسمًا بالله أحرقها بكل اللي فيها
وأشار بسبابته بتهديدًا جاد ظهر باشتعال عينيه:
-كلامي يتنفذ من النهاردة،وإلا ملكش قعاد في بيتي ورجلك متخطيش فيه لحد ما أمـ.ـو.ت
زمجر بكلمـ.ـا.تٍ غير مفهومة وهو يهرول للخارج كالإعصار المدmر، وكعادة تلك الشريرة كانت تتسمع عليهم من فوق الدرج ليتهلل وجهها فرحًا
ابتسم طلعت شامتًا بشقيقه الأصغر ليرجع بظهره للخلف وينطق بتفاخر:
-اللي هيكمل طريقك ويورث أسمك على حق جاي في الطريق يا حاج
شمله بنظرة ساخرة قبل ان ينطق متهكمًا:
-ما تتنفخش قوي كده يا اخويا قبل ما تتأكد من اللي في بطن المعدولة مراتك، مش يمكن تكسفك زي كل مرة وتجيب لك الرابعة
بنظراتٍ حادة نطق بتحدي دون أن يقدm مشيئة الله:
-هيبقى ولد المرة دي يا حاج، ده أنا صارف قد كده مع الدكتورة قبل الحمل ومشتنا على نظام أكل معين، واكدت لي إن كل اللي جرب الطريقة دي نجحت معاه وجاب الولد
ابتسم نصر ساخرًا من حسرته على حال أنجاله ليتحدث حسين متعجبًا حديث شقيقه المنافي لعقله:
-هو ده كلام ناس عاقلين بردوا يا طلعت، ولد إيه ده اللي بيتحدد من نوع الاكل، يا راجـ.ـل قول كلام يتصدق،ثم إن الموضوع ده بالذات بإيد ربنا سبحانه وتعالى، ﴿يَهَبُ لِمَن يَشاءُ إناثًا ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ الذُّكُورَ﴾
شمل اخاه بنظرة حاقدة لينطق بازدراء:
-العلم إتقدm يا أبو العريف،متنبرش بس إنتَ فيها وهي تكمل
-خلصونا بقى من كلامكم اللي زي قلته ده وخلونا في موضوع يوسف...جملة نطقتها إجلال باستياء وصرامة جعلت من طلعت ينظر لها بحدة فهي لا يهمها أمر أحدًا من سكان هذا المنزل سوى مدللها العظيم "عمرو" ونجله وفقط،ولو بيدها لبسطت ذراعها للسماء لتخـ.ـطـ.ـف له نجمة تقدmها لإسعاده لفعلت وما تأخرت.
انسحبت سمية لمسكنها سريعًا لتمسك بالهاتف وتطلب والدتها التي سرعان ما اجابت لتهتف الأخرى بنبرة حماسية تذكرها بحديثهما الماضي:
-خلاص يا ماما،الفرصة اللي بستناها جت لحد عندي،الحاج نصر ضغط على عمرو ومن النهاردة هيرجع يبات معايا تاني
يرجع أساس هذا الحديث إلى قبل يومان،حيث أبلغت تلك الحية والدتها بختطها وهي أن تحاول جاهدة بالتقرب من عمرو ليحدث بينهما معاشرة ومن ثم تفصح للجميع عن حملها،ثم تبدأ بالبحث عن إمرأة فقيرة تحمل برحمها ولدًا تهبها إياه مقابل مبلغًا هائلاً من المال،ولو لم تجد سيصل الامر بها لتأجير أحدهم ليخـ.ـطـ.ـف لها طفلاً حديث الولادة من أي مشفى خاص بالتوليد وتعطيه هو المبلغ،لتمثل هي الحمل طيلة المدة وهذا الامر لم يكتشفه عمرو لعدm رغبته بالتقرب منها، وتلك هي فرصتها الاخيرة لتعزيز مكانتها بمنزل نصر البنهاوي،وافقتها والدتها على خطتها الشيطانية، وأتفقتا أيضًا على تأجيل عملية إستئصال الرحم لحين الإنتهاء من خطتها
استرسلت سمية بنبرة حماسية:
-لازم أخطط للموضوع كويس قوي وأعمل حسابي من الوقت علشان أجمع مبلغ كبير،محدش عارف الموضوع ده ممكن يكلفني قد إيه
ابتسمت الاخرى بمكرٍ لتصمت بتفكير قبل أن تنطق متوجسة:
-بس قبل أي حاجة لازم تتابعي مع الدكتورة وتقولي لها إنك هتأجلي موضوع شيل الرحم ليكون خطر عليكِ
تحدثت بلامبالاة ظهرت بصوتها:
-ولا خطر ولا حاجة، دول كلهم تسع شهور هيعدوا هوا،وهحاول أشوف حل وألاقي العيل جاهز بعد سبع شهور وأقول ولدت في السابع وخلاص، أهو اكسب شهرين
أومأت لها الأم واستحسنت تفكير صغيرتها الشيطاني لتغلق معها بعد ان اتفقا على البحث عن من سيجلب لهما الطفل.
بالكاد أغلقت هاتفها ليصدح رنينه من جديد،زفرت بقوة حين وجدت نقش إسم نسرين على شاشة الهاتف،لم تعد تدري كيف تتصرف مع تلك اللعينة التي تظل تطاردها وتبتزها بالمكالمة المسجلة لتتلقى منها المزيد من النقود والتي لا تتوقف عن الإشباع منها مهما مدتها الأخرى بالاموال، والأن لا بد أن تحسم أمرها للتعامل الجدي معها، فقد أصبحت تسبب لها إزعاجًا شـ.ـديد ولا بد من التعامل مع الأمر بجدية كي تقطع دابر تلك المشكلة
بالأسفل
صدح صوت هاتف نصر لينظر بشاشته ثم يختطفه ويهب واقفًا سريعًا إستعدادًا للإنسحاب مما جعل الريبة تدخل قلب إجلال لتسأله بحدة:
-مين اللي بيرن عليك يا نصر؟!
وضع شاشة الهاتف صوب عينيها لينطق بصوتٍ جاهد ليخرجهُ متزنًا:
-مكتوب قدامك الحاج عبدالسلام، ده عضو مجلس الشعب بتاع سوهاج اللي بيكلمني على طول
اومأت بلامبالاة حين رأت إسم المتصل ليتحرك هو إلى الحديقة وابتعد إلى نقطة لن يستطيع أحدهم الإستماع إليه لينطق بنبرة حادة:
-شكلك ناوية على طـ.ـلا.قك مني قريب
-ليه بس يا بيبي، ده انا حبيبتك شذى...قالتها بغنج أثار حنقهِ أكثر ليهتف بنبرة مشتعلة:
-سيبك من أمور السهوكة بتاعتك دي علشان مش هتاكل معايا
ليهتف من بين أسنانه:
-أنا مش منبه عليكِ بدل المرة ألف وقايل لك مـ.ـا.تتصليش بيا طول ما أنا في البلد مهما حصل
مطت شفتيها لتمثل عليه الحـ.ـز.ن:
-وعاوزني أعمل إيه بس يا نصر،إنتَ ليك أكتر من إسبوعين مجتش الشقة وحتى التليفون بطلته
أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا ليهدئ من حالة الغضب التي تملكته ثم تحدث بنبرة أقل حدة:
-أنا مش قايل لك يا بنت الناس إن عندي ظروف هتمنعني أجي لك الفترة دي،وبعدين الإنتخابات قربت وانا مش عاوز شوشرة على إسمي
-وأنا ذنبي إيه أتحرم من حبيبي المدة دي كلها من غير ما أشوفه...قالتها بدلال لاستقطابه لتتابع بنبرة حذرة:
-وبعدين فلوسي خلصت، وإنتَ معملتش حسابك تسيب لي مبلغ يكفيني المدة اللي هتغيبها عني
ضيق بين عينيه ثم ابتسم نصف ابتسامة ليلوي فمه وهو يقول في تهكمٍ واضح:
-بقى هي الحكاية كده يا ست شذي،طب ما تقولي من الأول إنك متصلة علشان الفلوس وبلاه اللف والدوران ده كله
استدعت دهاء ومكر الانثى سريعًا لتنطق بنبرة غلب عليها الحـ.ـز.ن والإنكسار:
-دايمًا كده ظالم شذى حبيبتك،مش كفاية سايبني لوحدي للغيرة تنهش فيا كل ما أتخيل إن جوزي وحبيبي مع واحدة غيري
مطت شفتيها قبل أن تنطق بصوتٍ يهيم شوقًا اجادت صنعه بمنتهى البراعة:
-شكلك كده مبسوط عندك علشان كده نسيت شذى اللي بتتمنى لك الرضا علشان ترضى
نطقت جملتها بدلالٍ وغنج اشتاق إليه ذاك المحروم ليبتسم ساخرًا وهو يتذكر علاقتهُ العجيبة مع إجلال،تنهد بقلبٍ مال واشتاق ليجيبها بعد أن إنصاع لطريقة سحبها لمشاعره:
-إنتِ عارفة إن القلب مفهوش غيرك يا مُزة،وإن مبيبعدنيش عنك غير الشـ.ـديد القوي
بنبرة أنثوية تتبعها دائمًا لجذب ذاك الأبله نطقت تلك الداهية:
-والله اللي أعرفه إن اللي يحب مـ.ـر.اته بجد ميقدرش يبعد عنها كل المدة دي، وييجي يغرق في حنانها تحت أي ظروف
ازدرد لعابهُ شوقًا بعد كلمـ.ـا.تها المثيرة والتي نطقتها عن عمدٍ ليجيبها دون أن يفكر بمخاطر ما سيفعلهُ:
-يومين بالظبط وهبقى عندك، جهزي لي نفسك علشان راجـ.ـلك عطشان لحبك
اطلقت ضحكتها الخليعة التي تثير بها جنونه ليغلق معها سريعًا قبل أن يُكشف أمره.
**********
داخل منزل غانم الجوهري
كانت نوارة تجلس بجوار زوجها داخل غرفة المعيشة،تنظر لعبوس وجهه وحـ.ـز.نه الذي ما عاد يفارقه منذ وفاة والده وطغيان عزيز عليهم،نظرت لتلك السيجارة المشتعلة التي يمسكها بين أصابعه وينفث دخانها بشراهة وضيق،تنهدت بأسى لتنطق في محاولة منها بمؤازرة زوجها:
-خلاص بقى يا وجدي،ريح نفسك شوية وبطل السجاير اللي عمال تحرق فيها دي
هتف بنبرة حادة ليعبر عن صدmته:
-هتجنن يا نوارة،مش قادر أتخيل اللي عزيز عمله فينا وفي أمي
رمقته بضيق لتجيبه باستياء وجرأة:
-ومستغرب ليه، مهو عمل اللي أوحش من كده ألف مرة في اختكم وإنتوا سكتوا
رمقها بحدة ليجيب على حديثها بقوة ليبرر لحاله قبلها:
-دي غير دي،موضوع إيثار عمله علشان خايف عليها وعاوز لها الستر
صاحت بصوتٍ معارض:
-متكدبش على نفسك يا وجدي، عزيز مبيعرفش يخاف على حد غير نفسه وعياله وبس، أنا وانتَ عارفين إنه عمل كده علشان الحاج نصر يرجعكم لشغل الحفر على الاثار معاه من تاني
خجل من نظراتها الحادة لكنه عاند كي لا يظهر بصورة بشعة أمام زوجته:
-وإنتِ كنتي دخلتي جوه ضميرنا وكشفتي اللي فيه يا ست نوارة؟!
ليسترسل بحدة:
-عمومًا أهي خلاص، اتقفلت من كل ناحية علشان ترتاحي إنتِ وإيثار
أجابته بحـ.ـز.نٍ ملئ ملامحها:
-وإيثار ذنبها إيه،دي البنت رغم وقوفك في صف عزيز ضدها كانت بتبعت لي فلوس من وراك أجيب للعيال اللي ناقصهم
جحظت عينيه مذهولاً من اعترافها لتتابع تخبرهُ:
-لهو أنتَ كنت فاكر إن المرتب اللي بتديهولي كل شهر هيجيب للعيال كل نواقصهم؟!
هز رأسهُ بعدmا شعر بخيبة وخجلٍ شمل كيانه ليسألها بنبرة خجله من حاله:
-وإنتِ ليه مقولتليش حاجة زي كده؟!
تنهدت بحـ.ـز.نٍ تجيبه:
-هي اللي منعتني أقول لك علشان متحسش إنك قليل ومش قادر تكفي بيتك
أغمض عينيه يضغط عليهما بحسرة ومرارة تحت تأثر زوجته على حالته.
********
عودة إلى إيثار الساكنة بقصر زوجها، كانت تتجول بالحديقة بصحبة زوجها بعد أن تناولا وجبة الغداء في حضور العائلة،خرج والدهُ ليتابع زهوره النادرة التي يهتم بها بنفسه فانضم إليه فؤاد بعد أن إستاذنت منه تلك العاشقة ليتركها لحالها كي تتحدث إلى عزيز عبر الهاتف،ضغطت زر الإتصال على ذاك الجالس بغرفته بالأعلى بجوار زوجته ليتفاجأ برقم شقيقته بعد أن أزالت خاصية الحظر،أجاب سريعًا يجيبها بنبرة حادة وعيناي تطلق شزرًا:
-لسة ليكِ عين تتصلي بيا بعد ما فضحتينا في البلد وصغرتينا قدام الحاج نصر وعياله؟!
قلبت عينيها بسأمٍ واطلقت زفرة قوية لتمد حالها بالطاقة والصبر كي تستطيع مجابهة ذاك الذي لا يملك ذرة واحدة من الرحمة أو الإنسانية،لذا قررت أن تتعامل معه بحدة وصرامة كي تحثه على التراجع:
-إسمعني كويس علشان معنديش وقت اضيعه في كلامك الفارغ ده
استشاط داخله وكاد أن يرد لتقاطعه هي متابعة بقوة:
-عندي ليك كلمتين هتسمعهم وتنفذهم بالتي هي أحسن، يا إما متلومش غير نفسك على اللي هيحصل لك مني
صاح بنبرة غاضبة أرعـ.ـبت نسرين الجالسة بجواره:
-والله عال يا ست إيثار،ده أنتِ طلع لك حِس وبت عـ.ـر.في تهددي عزيز كمان؟
-أهددك واهدد اللي يتشـ.ـدد لك طول ما أنا على حق...قالتها بقوة ونغمة جديدة على أذن ذاك المذبهل لتتابع بصرامة أكثر:
-وبعدين إسمعني وإنتَ ساكت علشان زي ما قولت لك معنديش وقت
إرتسمت إبتسامه ساخرة علي جانب فمه ليجيبها بطريقة تهكمية:
-وماله، قولي يا مرات وكيل النيابة وإشجيني
اغمضت عينيها لتتخطى سخريته الواضحة لتكمل ما هاتفته لأجله:
-تاخد الحية اللي إنتَ متجوزها وتنزل تتأسف لأمك قدام البيت كله، وبعدها تتلقح فوق في شقتها ورجلها متخطيش الدور اللي تحت غير وهي خارجة برة البيت
واسترسلت بلهجة أمرة زادت من اشتعاله:
-خزين البيت من القمح والذرة تتصرف وتخلقه وترجعه البيت تاني،ومن النهاردة ملكش قعاد تحت لا انتَ ولا مراتك،وأخوك اللي عملت عليه راجـ.ـل وضـ.ـر.بته بالقلم تتأسف له وإياك تفكر تعيدها تاني، وإلا قسمًا بالله هتشوف مني وش عمرك ما كنت تتخيله
فهقه ساخرًا ليسألها متهكمًا:
-وإيه كمان يا هانم، إشجيني إشجيني
أخذت نفسًا مطولاً لتتابع:
- بص يا عزيز،إيثار اللي بتتكلم معاك غير البنت المكـ.ـسورة اللي كنت تعرفها، أنا الوقت مرات رئيس نيابة كلمته بتهز محاكم، وياريت كمان ما تنساش إن البيت والارض بإسمي، يعني لو عملت لك محضر بالطرد من بيتي الشرطة هتيجي تخرجك بالقوة ومفيش مخلوق هيقدر يساعدك حتى نصر اللي طول عمرك بتتحامي فيه
شعر بالهزيمة وبأن معركتهُ خاسرة أمام جبروت شقيقته التي جعلت منها الظروف أقوى منه وبدلاً من أن يرعـ.ـبها كعادته باتت هي من ترهبهُ بتهديداتها الصارمة،ابتلع كلمـ.ـا.ته ونيرانه المستعيرة ليحاول للمرة الاخيرة عله يستطيع ليقول بتهديدٍ حاد مصطنع:
-فكري كده تعمليها وأنا تاني يوم هاخد أمك وأخليها ترفع قضية الحضانة
بنبرة بـ.ـاردة أجابتهُ باستفزاز:
-وماله، إعملها، وأنا كمان تاني يوم هبيع الأرض وأطلعكم كلكم برة البيت وأبيعه هو كمان ونبقى كده خالصين
وبجوابها هذا تأكد أنهُ قد خسر أخر جولة له،طال صمته لتبتسم بسخرية بعد أن علمت استسلامه لتنطق بنبرة تحمل بين طياتها تهكمًا لازع:
-كده نبقى متفقين، إتفضل نفذ اللي إتفقنا عليه بالحرف الواحد، ولو أي شرط ما اتنفذش هعرف وهزعل، وأنا زعلي بقى وحش قوي يا عزيز
ابتسم بسخرية على ما وصل إليه ليجيبها باستسلام:
-حاضر يا مرات رئيس النيابة، تؤمري بحاجة تانية؟
أجابته باستفزازٍ ارادت به إذلاله لترد له بعض ديونهُ:
-لحد الوقت لا،لكن لو جد في الأمور حاجة هكلمك
قالت كلمـ.ـا.تها لتغلق الهاتف ولم تعطه حق الرد مما جعلهُ يحتمدm غيظًا، سألته نسرين التي كانت تتابع ما يحدث بتركيزٍ شـ.ـديد:
-عاوزة منك إيه العقربة دي؟!
وكأن بسؤالها هذا أججت داخله ليخرج ما بها من نارٍ شاعلة ظهرت بعينيه وهو يوبخها بحنقٍ:
-إخفي من وشي الساعة دي لو عاوزة تصوني كرامتك
ابتلعت لعابها وهبت من جواره ليهتف بصوتٍ جاد بعدmا حسم أمره:
-إعملي حسابك هتقعدي في شقتك من النهاردة، أكلنا وشربنا هيبقى هنا، ويلا علشان تنزلي معايا علشان تعتذري لأمي عن اللي حصل
عودة لإيثار التي انتهت من مكالمتها لتفاجأ بقدوم فريال باتجاهها لتقف أمامها وبقامة مرتفعة سألتها باستغراب:
-مقولتيش لفؤاد على الكلام اللي أنا بلغتك بيه ليه؟!
تطلعت عليها بتمعن لتنطق بثقة وصدق:
-مش أنا اللي أدخل البيوت وأفرق الإخوات عن بعضها
رفعت حاجبها الأيسر باستنكار لتنطق باستخفاف وتشكيك:
-حركة ذكية منك عاوزة تبيني لي من خلالها قد إيه إنتِ إنسانة أصيلة وعندك مبادئ
تعمقت بمقلتيها قبل أن تنطق بصوتٍ جاد:
-أنا مش محتاجة لكل ده ولا مجبرة إني أحسن صورتي وأجملها في عنيكِ لسبب بسيط، قطبت الأخرى جبينها تنتظر حديثها لتسترسل هي باعتزاز وثقة بالنفس وبحبيبها:
-وهو إن جوزي شايفني بالصورة اللي أنا عليها وده اللي يهمني في الموضوع
أجابتها باقتضاب:
-جوزك عاشق والعشق بيعمي العيون
رفعت حاجبها متعجبة من إعترافها لتنطق لتذكرها بحديثها الماضي:
-طب كويس إنك إكتشفتي إنه عاشق وإتجوزني للسبب ده، مش شفقة منه وبونت جدعنة زي ما بلغتيني
تطلعت عليها ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بهدوءٍ حذر بعدmا قررت الإكتفاء بهذا الحد كي لا تثير غضب تلك الهادئة:
-على العموم أنا متشكرة إنك احتفظتي بالكلام ده بينا، وأتمنى فؤاد ميعرفش عنه حاجة
أجابتها بملامح وجه جادة ونبرة صارمة:
-إطمني،لو عاوزة أقول له كنت قولت له لما جالي أوضتي يومها وسألني عن التغيير اللي حصل في معاملتي ليه، ساعتها اتنرفذ عليا وسألني، لو عاوزة أتكلم كنت إتكلمت وقتها وبرأت نفسي من تصرفي اللي ضايقه وأزعجه بشكل لا تتخيليه
للحظة خجلت من حالها وتخيلت حـ.ـز.ن شقيقها التي تسببت هي به،قاطع لحظة صمتهما إقدام فؤاد بإتجاههما ليسأل حبيبته بنبرة أب لإبنته وليس زوجًا:
-خلصتي مكالمتك يا بابا؟
أه يا حبيبي خلصتها...قالتها وهو يسحبها ليغمرها داخل أحضانه ثم يميل بقامته ليقبل رأسها بطريقة أشعرتها بأنها تملك الدنيا وما عليها،بسط ذراعهُ في دعوة منه لاستدعاء تلك الواقفة تتطلع عليه بحـ.ـز.نٍ ظهر بعينيها لكنه يدري سببه جيدًا،كأنها كانت تنتظر ذاك التصرف لتبتسم بحبورٍ وهي تبادر بتسليمهُ كفها ليسحبها هو ويسكنها الجانب الاخر من حـ.ـضـ.ـنه ليتقابل وجه كلتا اللتان نظرتا لبعضيهما ليشـ.ـدد هو من ضمته لكلاهما قبل أن ينطق بصوتٍ يمتلؤ بالسعادة والحنان:
-إنتوا أغلى إتنين على قلبي ومعاكم ماما،كل واحدة منكم ليها مكانتها الكبيرة قوي في قلبي
إبتسمت فريال ورفعت وجهها إليه تسألهُ بمشاكسة:
-بس مكاني في قلبك أكبر مكان فيهم، إعترف
إبتسم ليميل على جبينها يضع به قبلة حنون وهو يقول:
-إنتِ أختي الوحيدة وشريكة طفولتي وصبايا يا فريال،أنا وأنتٍ عيشنا أيام مفيش اي حاجة تقدر تمحيها
حثها لترفع رأسها ثم تعمق بعينيها لينطق بذات مغزى:
-سعادتك وإستقرارك وأمانك أهم شئ عندي،ولو سعادتك في بق الأسد هخاطر بعمري واخـ.ـطـ.ـفها وأقدmها لك علشان بس أشوفك سعيدة
إرتبك داخلها وللحظة شكت باكتشاف أمرها لتتطلع على تلك التي نفت بعينيها لتطمئن قليلاً وبرغم هذا نطقت بنبرة خرجت مرتبكة رُغمًا عنها:
-سلامة عمرك يا فؤاد
إبتسم لها ثم إلتفت ينظر لتلك التي تكبله من الخلف مما جعلهُ يشعر بأعلى درجات السعادة والرجولة،مال على وجنتها ليضع قُبلة لامست جلدها بجنان بث من خلالها مدى هيامه،تنهد ليتحدث إلى فريال ومازال متعمقًا ببحر حبيبته:
-مقولتليش يا فيري، بعد الوقت اللي قضتيه مع إيثار في البيت إيه رأيك في إختياري الجـ.ـا.مد لنصي التاني
تطلعت بنظراتٍ حادة لتنطق بذات مغزى:
-مش مهم رأيي أنا يا فؤاد،المهم إنك تكون مرتاح والأهم إنها تثبت إنها جديرة بإسم فؤاد علام
رفعت الاخرى قامتها لتقول بنظراتٍ قوية بها تحدي:
-أهم من إني أكون جديرة بإسم فؤاد علام هو إني اكون جديرة واستحق حبه وحنانه اللي قدmهم لي في وقت كنت في أمس الحاجة ليهم
لتتابع بكلمـ.ـا.تٍ تقطر صدقًا وهي تتعمق بعيناي حبيبها:
-شكرًا يا حبيبي،شكراً على حبك وحنانك وإهتمامك بمشاعري ومشاعر إبني، شكرًا على على كل حاجة حلوة حصلت لي وكنت سبب رئيسي فيها
-بحبك...نطقها بولهٍ متناسيًا تلك الساكنة الجانب الاخر من حـ.ـضـ.ـنه لتبتسم وهي تشير بعينيها باتجاه فريال كي ينتبه فضحك لتتحدث وهي تنسحب تاركة المجال لهما ولكي تهتم أيضًا بصغيرها:
-أنا هروح أخد چو ونطلع علشان ياخد شاور
لتتابع وهي تنظر للصغير الواقف بجوار علام يساعدهُ بالإهتمام بري الزهور وسعادة الدنيا فوق ملامحه:
-شكله تعب سيادة المستشار معاه
-بالعكس، بابا بيحبه جدًا واتعلق بيه...قطبت جبينها لتتطلع بتعجبٍ على تلك التي نطقت الكلمـ.ـا.ت بعفوية ودون إدراكٍ منها لتحمحم بإحراجٍ كي تكمل مجبرة على الإعتراف بالحق:
-الولد مهذب ولذيذ،إسمحي لي أهنيكِ على إسلوب تربيتك ليه
-ميرسي...قالتها وهي تميل برأسها وتضع كفها فوق صدرها بطريقة مسرحية لتتابع:
-دي شهادة غالية ومميزة من فريال هانم علام في حق الفقيرة إلى الله إيثار الجوهري
طالعتها بأعين متفحصة قبل أن تسألها بتشكيك:
-مش عارفة ليه عندي إحساس إنك بتتريقي
بنبرة جادة اجابتها:
-أنا مبعرفش أتريق على حد وده مش إسلوبي، لما الكلام ميعجبنيش مابردش وبلتزم الصمت، والمفروض إن اللي قدامي يعرف من سكاتي إن كلامه ازعجني
رفعت فريال حاجبها فقد راق لها إسلوب تلك الـ إيثار، لم تنكر إعجابها بشخصيتها القوية وردودها الجاهزة والقوية والمنمقة بالوقت ذاته،لماحة ذكية تمتلك من الحنكة ما يجبر الاخرون على إحترامها
كانت نظراته تتابع كلتاهما بتمعنٍ واهتمام،تنهد ثم تحدث قاصدًا حبيبته:
-إطلعي يا روحي شوفي هتعملي إيه لـ يوسف وسبيه مع عزة تنيمه،وأنا ساعة بالكتير وهطلع لك
ثم مال بجانب أذنها ليهمس بوقاحة:
-متنشيش الخلخال
-وقح...همست بها ليطـ.ـلق قهقهاته العالية تحت استغراب فريال للتحول الجذري الذي حدث لشقيقها الكبير العاقل،سيادة المستشار،خرجت من بين أحضانه لتنظر لها وبابتسامة هادئة تحدثت:
-بعد إذنك يا فريال
اومأت بهزة من رأسها لتنسحب تحت نظرات ذاك المغروم،تنهد لينظر من جديد إلى شقيقته ليسألها بمشاكسة:
-مش عارف ليه حاسس إن فيه حاجة بينك وبين إيثار أنا ما اعرفهاش
تلبكت لتسألهُ بعيني زائغة ترجع لبرائتها وعدm خبثها:
-حاجة، حاجة زي إيه يا فؤاد؟!
-ما أنا لو أعرف مكنتش سألتك...قالها بحيرة مفتعلة ليتابع بنبرة جادة وقد استشف بدهائه بعدmا ربط الاحداث ببعضها أن شقيقته هي من قالت ذاك الحديث الذي سألته عنه إيثار ليلة أمس وما إذا كان أبلغ والدهُ عن مشاكلها مع عائلتها أو عن إنتوائه لتركها بعد أن تحصل على حضانة الصغير:
-مش عجباني العلاقة بينكم، حاسس إنكم واقفين لبعض على الواحدة
ليتابع وهو يهز رأسه باستنكار:
-مرتاحتش لنظراتكم لبعض ولا لكلامكم
تحمحمت تنفي شعوره لتقول:
-شعورك مش في محله المرة دي يا فؤاد
ابتسم ليجيبها بنبرة حنون:
-أتمنى
تعمقت بعينيه لتفاجأهُ بسؤالها:
-إنتَ بتحبها بجد؟!
ظهر العشقُ بعينيه قبل أن يتنهدُ بـ.ـارتياحٍ لينطق بكلمـ.ـا.تٍ تقطر عشقًا:
-عمري ما دوقت للحب طعم غير معاها،نظرت عنيها كفيلة إنها تزيل كل همومي وتنسيني أي و.جـ.ـع عيشته قبلها، معاها بحس إني رجعت فؤاد بتاع زمان،فؤاد اللي كله حيوية وعنده تطلعات وأحلام
كانت تنظر إليه بعينين حنون،لقد تأكدت من عشق شقيقها الحبيب لتلك القوية الأبية، لا تنكر أنها أعجبت بصفاتها لكنها وإلى الأن لم تضع ثقتها الكاملة بها وستظل تلاحقها إلى أن يثبت العكس، فاقت على صوت شقيقها الذي نطق يطالبها بعيناه:
-علشان كده ياريت متحاوليش تضايقيها ولا تزعليها، لأن ساعتها هتكوني بتزعليني أنا مش هي
نطق كلمـ.ـا.ته بدهاءٍ ليصل معناها لشقيقته وها هي الأن تبصم بأصابعها العشرة أنه كشف امرها بفطانته،تعلم علم اليقين أن شقيقها ليس بالرجل الغـ.ـبـ.ـي وسيربط التفاصيل ببعضها ليصل بالنهاية أنها من أخبرت تلك المرأة التي جلبها إلى القصر لينصبها على عرش قلبه
تعمق بعينيها يتنظر جوابها فأومأت له بابتسامة خافتة وقد إعتراها الخجل من إكتشاف فعلتها الغـ.ـبـ.ـية
**********
ولجت إلى جناحها الخاص بهما لتشهق حين رأت التجهيزات التي أشرفت عليها عصمت بذاتها،لم تكن مرتها الاولى التي تلجُ بها إليه لكنه أصبح مختلفًا تمامًا بعد أن وُضعت بعض اللمسات السحرية التي حولته،كانت الغرفة مزينة بألوانٍ هادئة ودافئة تعكس الهدوء والراحة لساكنيها،أثاثها بسيطًا وأنيقًا بالوقت ذاته،اما المفروشات فكانت من الألوان الزاهية لإضفاء جواً من الدفء والحيوية، تتوزع مصابيح الإضاءة بشكلٍ متناغم مما يخلق أجواءًا مختلفة حسب الحاجة،فمنها الإضائة العالية ومنها الخافتة،سعدت بشـ.ـدة لتبتسم تلقائيًا وهي تتطلع لأوراق الزهور المنثورة على الارضية بشكلٍ متناسق وبسيط بلونيها المميزان الأبيض والأحمر،رفعت بصرها لترى طاولة مستديرة بالمنتصف مليئة بأصنافٍ متنوعة من ثمار الفاكهة المحببة لدى كلاهما،بالإضافة إلى كأسان فارغان لإستعمالهما في المشروب البـ.ـارد المتواجد بتلك القنينة،على الجانب يوضع وعاءًا من الكريستال المبهر مملؤًا بالشيكولاتة المحببة لديها،يبدوا أن حبيبها هو من جلبها خصيصًا لنيل رضائها،أخذت نفسًا عميقًا لتستعد لـ ليلتها المميزة حيث يتطلع فارسها إلى الكثير والكثير من الدلال والغنچ كتعويضًا له عن عنادها وصرامتها في التعامل معه منذ زواجهما، ولچت لداخل الحمام لتختفي بداخله وتنعم بالإستجمام داخل حوض الإستحمام ودلال حالها بإضافة بعضًا من الزيوت العطرية إلى الماء وأيضًا أوراق الورود المخصصة لهذا الغرض، خرجت بعد قليل لتجفف شعرها بجهاز مجفف الشعر الكهربائي،إرتدت ثوب النوم الخاص الذي أختارهُ لها فؤادها لتتحرك وتقف أمام مرآة الزينة لتصعق من شـ.ـدة جمال الثوب على جسدها، فقد أُختير بعناية فائقة من قِبل ذاك المغروم،وضعت بعض مساحيق الزينة البسيطة للغاية لتظهر جمال عينيها وشفتاها المكتنزة حيث لونتها بأحمر شفاه باللون النبيذي درجة أفتح من درجة الثوب، أمسكت قنينة العطر ونثرت من رذاذها لتشتم رائحة الفانيليا المثيرة وهي تغمض عينيها باستمتاع،وأثناء تطلعها على هيأتها شعرت بدخول أحدهم إلى الجناح ليظهر فارس أحلامها بانعكاس صورة المرآة،تعمقت بعينيه المذهولة من مظهرها الذي يدعوه للجنون، فتنته هيأتها وأنوثتها الطاغية، يا الله، كل شيئًا يصبح معها مبهرًا وفريدًا،أخذ يتطلع اليها عدة لحظات طويلة بصمت متفحصًا إياها بعينين تلتمع بالشغف،ساقته خطواته إليها حتى أصبح خلفها مباشرةً ليلف ذراعيه حول خصرها المنحوت وهو يتعمق بعينيها الساحرة،دفن أنفه بثنايا عنقها وبات يشتنشق رائحتها العطرية، نظر بعينيها وهو يقول بنبرة تدل على مدى وصولهُ للهيام:
-إنتِ إزاي حلوة ومثيرة قوي كده؟!
ليتابع بإنبهارٍ وذهول:
-وأنا إزاي مشفتش ولا أخدت بالي من كل ده إمبـ.ـارح؟!
مطت شفتيها لتمثل الحـ.ـز.ن بأعينها وتسألهُ بغنجٍ ودلال:
-قصدك إني مكنتش حلوة إمبـ.ـارح ومش عجبتك؟!
غمرها بنظراتٍ يملؤها حنان الدنيا قبل أن ينطقُ بولعٍ:
-إنتِ سحرتيني إمبـ.ـارح مش بس عجبتيني
واسترسل موضحًا الفرق بإبانة:
-بس اللي حصل بينا إمبـ.ـارح كان من روح عاشقة عطشانة ومتشوقة لقُرب روح الحبيب،النهاردة الوضع يختلف، إحنا النهاردة بنكتشف بعض لأول مرة،إمبـ.ـارح تقاربنا كان من حبيب لحبيبه، بس النهاردة إشتياق راجـ.ـل للست اللي هوسته من أول مرة شافها فيه وأتمنى يعيش معاها اللحظة دي
ليسترسل متسائلاً بغمزة من عينيه:
- فهمتي الفرق
إبتسمت لتجيبهُ بدلال:
-بحاول
-أنا هفهمك بس بطريقة عمليه... قالها بغمزة وقحة لتبتسم بسعادة،تحرك مجبرًا إلى الخزانة ليخرج العُلبة ويخرج منها ذاك الخُلخال الألماسي الذي دفع فيه مبلغًا طائلاً من المال لينتهي به الأمر بأسفل ساق تلك الرائعة،مال بطوله ليركع تحت قدmاها وبدأ بتلبيسها إياه بساقها اليُمنى ليميل عليها يُقبلها باستمتاعٍ ونهم تحت ذهولها من المنظر،لو كان أحدهما أبلغها قبل مدة أن فؤاد علام ذاك المتكبر المغرور سيركع تحت ساقيها ويقوم بتقبيله وإلباسها خلخالاً من الألماس لقالت أنه فاقد العقل والاهلية، رفع بصره ينظر لتلك المذهولة بعيناي تنطق شوقًا ليقف منتصب للظهر ويمسك كف يدها يضع بداخلهُ قُبلة بث لها من خلالها كم الإشتياقِ،نظرت له بعيناي سعيدة لترتمي بأحضانه وهي تهمس:
-يا عمري يا فؤاد،أنا بحبك قوي
-وأنا بعشق كل ما فيكِ يا عيون فؤاد...قالها ليصطحبها ويتحركا إلى الطاولة ليتحدث وهو يتطلع من حوله ويقوم بسكب مشروب عصير التفاح برتابة:
-دي الدكتورة عصمت متوصية بيكِ قوي،شكلها حبيتك وجدًا كمان
ناولها الكأس لتُمسكه بين أصابعها وهي تقول بمشاكسة:
-وأخبـ.ـار إبن الدكتورة عصمت في حبي إيه؟!
أجابها بصوتٍ مسحور:
-إبن الدكتورة عصمت عشق وداب وسلم الراية البيضا من أول نظرة
إبتسمت فرحًا لترفع خصلة من شعرها تمردت لتضعها خلف أذنها،إرتشف من كأسهِ ثم تبادلا الشراب كلٍ من كأس الأخر،أنزل كأسهُ ليمسك بواحدة من الشيكولاتة ويزيل عنها ورقتها، نظر لعيناها وقضم نصفها لتذوب بفمه،مال على شفتاها يقبلها بنهمٍ لتذوب الشيكولاتة بفمي كلاهما تحت سعادتهما التي لا توصف،ابتعد ليغمز لها يذكرها:
-فاكرة الشيكولاتة اللي جبتها لك في اليوم إياه
ابتسمت خجلاً ليتابع هو بمداعبة:
-أنا شاكك إنك طمعتي في العلبة لوحدك وقصدتي تنكدي عليا علشان تنفردي بيها
أطلقت ضحكة عالية ليزبهل ذاك العاشق من جمال ضحكتها الحماسية،كرر ما فعلهُ معها وذابا معًا لأبعد حد ليبتعد بعد قليل تحت حاجتهما للتنفس،تحرك صوب جهاز الموسيقى لتنطلق بعد قليل موسيقى ذكرتها بماضيها الجميل قبل أن تفرمها طاحونة الزمان
تسللت إلى مسامعها تلك الموسيقى الحالمة لتغمرها بشعورٍ رائع وكأنها موسيقى من الجنة، حتى تلك الشموع المتناثرة هنا وهناك بإضائتها الخافتة منحت المكان جواً رائعًا من الخيال، كانت الموسيقى للملحن خالد الأمير الخاصة بفيلم الراقصة والسياسي فقد كانت تعشقها وتذكرها بأيام صباها حيث كانت ترى الدنيا بأعين بريئة،تطلع إليها ليقول وهو يغمز بعينيه:
-سمعيني بقى صوت رنة خلخالك يا حرمنا المصون،عاوز أتمزج بصوت الرنة
-بس كده، من عيوني... قالتها لتنطلق منـ.ـد.مجة لأبعد حد مع الموسيقى لتتمايل بجسدها هنا وهناك بطريقة جعلته يفتح فاهه مشـ.ـدوهًا من شـ.ـدة ذهولهُ وعدm تصديقهُ لم تراه عيناه، كان يشعر بأن لديها حِسًا موسيقيًا وتستطيع الرقص، لكنه لم يتوقع تفوقها لهذا الحد،جلس على الأريكة يتطلع على رقصها المبهر بأعين عاشقة،ينظر للخلخال وهو يهتز بساقيها ليحدث صوتًا يشعل نارهزالمستعرة والمتأججة،لم يكن يومًا من الرجـ.ـال المنجذبون للرقص ولا لحركات الجسد التي تثير الغرائـ.ـز، لكن الأمر معها مختلفًا، تلك الجملة بات يكررها كثيرًا مؤخرًا وبفضلها
تأججت مشاعر الإشتياق لديه من حركاتها المثيرة لقلبه العاشق وروحه المشتاقة وما شعر بحالهُ إلا وهو ينضم لها ليشاركها الرقص،ضحكت لتقول بصوتٍ لاهث تأثرًا برقصتها:
-فين سيادة المستشار علام زين الدين والدكتورة عصمت الدويري ييجوا يشوفوا إبنهم المبجل رئيس النيابة بيعمل إيه
ضحك مقهقهًا ليهمس وهو يشاركها الحركات:
-سيادة المستشار بيتحول لمراهق قدام عيون حبيبه
ليتابع وهو يضمها له:
-جبـ.ـارة إنتِ يا إيثار،قدرتي تخرجي اللي مكنش موجود جوايا أصلاً
-أصلاً... قالتها بدلال ليجيبها بمداعبة:
-أصلاً
ظل يرقصان إلى أن انتهت الموسيقى فحملها سريعًا بين ساعديه واتجه لفراشهما الوثير ليضعها عليه برفقٍ وانضم معها لينعم بأحضانها الحانية وعشقها المُسكر وحلاوة غرامها الفريد الذي يتذوقهُ للمرة الأولى على يداها،غابا لوقتٍ ليس بالقليل داخل عالمهما الخاص الملئ بكل ما هو ساحر ومبهر،رفع جسده ليستند بعدها على خلفية السرير،ضمها لتستند إلى كتفه،رفع يده ووضعها على كتفها لتضم نفسها إليه ملتصقة به وتمسك يدها بيده واليد الأخرى تتخلل أصابعهما ببعض لتقول بهمسٍ أثار جنون حبيبها:
-خليني دايمًا في حـ.ـضـ.ـنك يا فؤاد، إوعى ييجي يوم وتنام فيه من غير ما تحـ.ـضـ.ـني وتضمني لصدرك
كان يشعر بدغدغة لذيذة بسائر جسده مستمتعًا بما حدث للتو بينهما ليهمس وهو مغمض العينين باستمتاع:
-حـ.ـضـ.ـنك بالنسبة لي زي الهوا يا قلب فؤاد، فيه حد يقدر يعدي يوم من غير ما يتنفس؟
ظلا يتحدثان لوقتٍ طويل حتى غلبهما النعاس ليتمدد وهو يتملكها بإحضانه ليضع رأسها فوق صدرهُ العاري مكبلاً إياها من خصرها،نطق بمداعبة بصوتٍ متحشرج تأثرًا بنعاسه:
-يلا نامي يا حبيبي علشان عندنا بكرة حفلة چاكوزي بدري، فكراه؟
ابتسمت واقشعر جسدها باستمتاع حين تذكرت ذاك اليوم لتسألهُ بأعين مغمضة من شـ.ـدة نُعاسها:
-هو أنتَ مش هتروح الشغل بكرة؟
تؤ...صوتًا أخرجهُ من بين شفتيه ليتابع موضحًا:
-أخدت بكرة كمان أجازة علشان أقضيه في حُضن حبيبي،لحد ما أرتب شغلي وأخد لنا إسبوع نسافر فيه لأي مكان تشاوري عليه
بالكاد نطق كلمـ.ـا.ته ليغمض عينيه يشعر براحة رهيبة تملكت منه ليستسلم لنومٍ عميقٍ ممتع،تطلعت عليه حين استمعت لانتظام أنفاسه لتضع كفها تتحسس صدرهُ وتبتسم فرحًا كلما تذكرت كلمـ.ـا.ته الرائعة التى حملتها إلى أعناق السماء و.جـ.ـعلتها تتراقص على ألحانها،لتدخل هي الاخرى مستسلمة لنومٍ عميقًا جدًا.
↚
بعد فشليَ الذريعِ بزواجي الأول وخروجي من تلك التجربةُ المريرةُ بمنتهى الإنهزامِ والذلِ والمهانةِ،شعرتُ بإنكسارِ الأُنثى الكامنةِ بداخلي وتَحَطُمَهَا وبأن طعمَ الحياةِ أصبحَ مرًا كالعلقمِ،حينها تيقنتُ أن حياتي قد توقفت عندَ تلكَ النقطةُ وعزمتُ على ألا أعيدُ تجربةَ إحيائها من جديد ،دفنتُ الأنثى بداخلي وواريتُ جميعَ مشاعري داخلَ أعماقى،أغلقتُ حياتي وكرَسْتُها وقمتُ بصبِ جُل إهتمامي وحبي لِصغيري ذو الوجهِ الملائكيِّ،إلى أن ظهرَ فارسي المغوارِ بطلتهِ التي تشبهُ أبطالَ الرواياتِ الخياليةِ بأخلاقهِ النبيلةِ كـ الأمراءِ،ذاك الرائعُ الذي أخذني لأعيشَ في كنفهِ ثم بحالميةٍ حملني بين يديهِ ليسبحَ بي داخلَ بحرِ هواهِ الفريدِ ويمحوَ بعشقهِ الجارفِ أثارَ الدmارِ الذي خلفهُ بروحي شبيهُ الرجـ.ـالِ زوجي السابقِ،فبقدومهِ بزغَ فجري وانكشفت غمتي وأشرقت شمسي التي سطعت وأنارت دربي لتجعلَهُ منيرًا مشرقًا بعد ليلٍ عاتمٍ،إختطفني وغاصَ بي بأعماقِ بحرِ الهوى لنسبحَ سويًا ونتنعمَ وسطَ أمواجهِ الحانيةِ،فيا سعدي بكَ يا فؤادي يا من أصبحتَ لي خليلاً لروحي وسرًا لسعادتي وهنائي.
إيثار الجوهري
فاقت من نومها تشعر بانتعاشة رائعة بروحها وما أن تطلعت لذاك الغافي بجانبها والمكبل لجسدها بتملُك وسيطرة حتى إبتسمت وشعرت بفراشات العشق تداعب أسفل معدتها وعلى الفور علمت سبب الإنتعاشة،رفعت رأسها واستندت بساعدها على الوسادة وبدأت تتطلع على ملامحهُ الهادئة،كم أنهُ باهرًا حقًا،هادئًا مستكينًا راقيًا حتى بنومهِ،نظرت لشعر رأسه الفحمي الذي يشبه سواد الليل وإبتسمت لتنزل ببصرها وتثبتهُ فوق شفتيه الغليظتين اللتان تعطيه مظهرًا رجوليًا خَلاَّب،شعرت برجفة بقلبها لتخرج تنهيدة حالمة وهي تتذكر ما حدث من زوجها من دلالٍ ليلة أمس، فقد تعدى حدود الخيال معها و.جـ.ـعلها تحيا بين يديه ليلة ستظل محفورة بذاكرتها مهما تكررت لياليهم السعيدة معًا،مررت أناملها الرقيقة لتتخلل خصلات شعره بملمسه الناعم ليفتح جفونه على إثر لمساتها الحنون وعلى الفور إبتسم حين رأي وجهها الصبوح البشوش لتميل هي على شفتيه وتلثمهما برقة لترفع من جديد حالها تنظر بمقلتيه العاشقة وهي تقول بصوتٍ ناعم أشبهُ بأنغام الموسيقى:
-يلا يا فؤادي فتح عيونك علشان شمسي تنور
تمطأ بمتعة لم يشعر بها إلا معها وسعادة بالغة ظهرت على ملامح وجههِ المبتسم ليجذبها عليه ويقبل شفتيها بهدوءٍ ليقوم بإبعادها قليلاً لتتحدث عينيه قبل لسانه:
-هو فيه حد بيقوم من النوم وهو قمر كده
أجابته بمداعبة وهي تحرك أناملها بدلالٍ فوق صدره نال إستحسانه وأشعره بأنه ملكًا في حبها:
-فيه،جوزي حبيبي
أمسك خصلات شعرها الهاربة ليعيدهم بتهذيبٍ خلف أذنها ثم تعمق بمقلتيها وهو ينطق بنبرة تظهر كم أنهُ غارقًا ببحر الغرام ويتنعمُ سابحًا بين أمواجه العاتية:
-جوزك حبيبك متمزج يا إيثو، عايش حالة هيام عمري ما تخيلت إني أوصل لها ولا إنها تكون موجودة أصلاً
ليبتسم ويتابع بصوتٍ عاشق:
-بس معاكِ مفيش حاجة إسمها مستحيل،معاكِ كل يوم بكتشف مشاعر واحاسيس لأول مرة بعيشها،وكأني بكتشف نفسي من جديد على إيدك
إبتسمت ومالت على أنفه تداعبها بخاصتها لتنطق بمشاكسة ودلال:
-المواهب المستخبية بتظهر واحدة واحدة والهيبة بتنهار يا معالي رئيس النيابة
قهقه برجولة زلزلت كيانها ليمسح بأصابعه على وجنتها بنعومة وهو يقول بغمزة من عينية متذكرًا هيأتها بأول معرفته لها:
-المواهب كلها طلعت مستخبية ورا نظارتك الطبية وبدلتك يا حرم معالي المستشار
جذبها ليجعلها تعتليه ثم استرسل وهو يمرر لسانه فوق شفته العُليا:
-تيجي نبيلة عبيد تشوف الرقص على أصوله، رقص مرات فؤاد علام لجوزها حبيبها اللي دلعته أخر دلع
إبتسمت بحالمية لتنطق بنعومة أثارته:
-مش قادرة أوصف لك فرحة قلبي وإنتَ بتنسبني ليك،أنا مرات فؤاد علام وحبيبته:
-قالتها بفخرٍ واعتزاز
تنهيدة حارة شقت صدره وخرجت قبل أن يقول بنبرة رجل عاشق من أعلى رأسه إلى أخمص قدmيه:
-إنتِ مش بس مراتي وحبيبتي يا إيثار، إنتِ بنتي اللي بحسها مسؤلة مني، إنتِ العوض الجميل، عوض ربنا اللي كان متشال لي وأكرمني بيه مرة واحدة
حولتها كلمـ.ـا.تهُ الساحرة إلى فراشة تسبح في السماء وتتراقص على أنغام حروفه،تنهدت لتنطق بملاطفة:
-خلي بالك إنتَ كدة هتعودني على الدلع
بعينين تنطقُ ولهًا أجابها:
-وماله، إدلع يا بابا وإتعود براحتك وأنا هغرقك في دلعي اللي مش هتلاقيه غير عند فؤاد علام لحبيبه وبس
أراحت رأسها على صدره وباتت تتمسح به كـ قطة سيامي تتدللُ على مربيها مما ثار جنونهُ ليأخذها في رحلة عشقية مليئة بالجنون والشغف الذي يزدادُ يومًا بعد يوم
**********
بالأسفل داخل مطبخ القصر وبعدmا تخطت الساعة العاشرة صباحًا،تجلسن العاملات يرتشفن مشروب الشاي الساخن بعد أن قمن بتنظيف القصر والمطبخ إلا من عزة التي تقوم بتحضير وجبة الفطار لإبنتها الجميلة وزوجها بعد أن جهزت الصغير وسلمته بيدها للسيارة الخاصة بالمدرسة،تحدثت إليها وداد:
-تعالي إشربي الشاي معانا يا عزة ولما الباشا والمدام يصحوا هقوم انا اجهز الفطار معاكِ
أجابتها وهي تتابع ما تفعل من تقطيع بعض أنواع الخضار بالسكين:
-هما صحيوا خلاص،إيثار ما بتنمش أكتر من كده
ضحكت إحدى العاملات قبل أن تقول بذات مغزى:
-ده كان زمان يا ست عزة،أيام ما كانت بتنام لوحدها ومفيش حد يقلق منامها،الوقت بقت مرات فؤاد باشا
ردت وشـ.ـداد بضحكة رقيعة:
-وما أدراك ما فؤاد باشا
ضحكت جميعهن لتهتف عزة بحدة ترجع لخوفها على تأثر سعادة حبيبتها بحديثهن:
-إتلمي وخليكي في حالك منك ليها،وكفاية هتنشوهم عين تجيبهم الأرض
ضحكن الجميع فقطع ضحكاتهن صدوح الهاتف المعلق بحائط المطبخ لتسرع عزة لتجيب بنبرة حماسية وكأنها تعلم المتصل:
-أيوة يا باشا
-صباح الخير يا عزة...قالها ذاك المستند على ظهر السرير محتضنًا خليلة الروح والفؤاد مكبلاً إياها من خصرها لتجيبهُ عزة بصوتٍ يملؤهُ الحماس:
-صباحك فل وورد وياسمين
تمطئ ليكمل حديثه:
-جهزي الفطار وابعتيه مع أي حد على الجناح
كعادتها ثرثرت بالحديث لتقاطعه باعتراضٍ:
-مـ.ـا.تجيب ست البنات وتيجوا تفطروا في الجنينة،واهو تشموا لكم شوية هوى نضيف بدل الكتمة اللي إنتوا فيها دي
وتابعت بثرثرة لولا هدوئه وراحة قلبه بفعل إقتراب حبيبته لانفجر بها وما تحمل لها كلمة:
- ده الهوى النهاردة يرد الروح ويشفي العليل
تنفس مطولاً ليستدعى الصبر على تحمل تلك الـ عزة لينطق بنبرة بـ.ـاردة كالثلج:
-خلصتي؟
ضيقت بين عينيها لتسألهُ بعدm استيعاب:
-خلصت إيه يا باشا؟!
-رغي...قالها بحدة لتبتلع لعابها وتصمت فيتابع هو بنبرة صارمة:
-عشر دقايق والفطار يكون عندي
لوت فاهها لعدm قبولهُ لفكرتها لتنطق باستياءٍ ظهر بصوتها:
-فوق فوق،الحق عليا اللي خايفة عليك من الكتمة
كانا يتحدثان تحت ضحكات إيثار التي فشلت في كظمها من ذاك الثنائي الفظيع ليحدق بها لائمًا إياها بعينيه لتزيد من ضحكاتها وهي تدفن وجهها بصدره لينطق وهو يغلق الهاتف:
-ربنا يصبرني على إبتلائي
وضع الهاتف جانبًا ليميل برأسه يتطلع على التي تكظم ضحكاتها بصدره ليقول بمداعبة:
-أنا بفكر أشوف لـ عزة عريس وأخلص منها قبل ما تشلني
رفعت رأسها تتطلع عليه وهي تقول ومازال الضحك يسيطر عليها:
-وهتقدر تعيش من غيرها، دي بهجة حياتي
تغيرت ملامحهُ لجادة وهو ينطق بغيرة واضحة:
-أنا بهجة حياتك وسر كل حاجة حلوة فيها
وضعت كفها الحنون تتلمس ذقنه النابتة التي تثيرها لتقول بعينين تفيضُ عشقًا وحنانًا:
-إنتَ حياتي كلها يا فؤاد،دخلتها وهي صحرا وبلمسة من روحك الحلوة حولتها لجناين ورد وريحان
-حبيبي بقى شاعر...قالها وهو يقبل أرنبة أنفها بدلالٍ تحت سعادتها،ازاحت جسدها عنه لتقول:
-هلبس الروب قبل عزة ما تيجي
نزل هو الاخر عن الفراش وقام بإرتداء روب رجـ.ـالي كاروهات مدmج من اللونين الزيتي والبيج بياقة ستان باللون البيج السادة وإسورتان بنفس اللون مما أعطاه مظهرًا رجوليًا شـ.ـديد الجاذبية،تحرك نحو خزانة الملابس وقام بإخراج رداء الحمام والبيچامة التي سبق وارتدتهما حبيبة الروح لينطق وهو يتطلع عليهما:
-كده مهمتهم إنتهت وممكن يتغسلوا
قطبت جبينها تستوعب حديثه وأقتربت عليه وهي تنظر لما يتطلع عليها لتسألهُ بعدmا شهقت لفهمها مقصده:
-يا نهارك أبيض يا فؤاد،دي البيچامة والبورنس اللي إدتهم لي أول يوم جيت فيه معاك القصر؟!
رفع حاجبه ليميل برأسه بسعادة لتتابع هي بعينين متسعتين:
-هما ما اتغسلوش من وقتها؟!
ألقى بهما فوق المقعد الجانبي ليستدير لها ويجذبها ليلتصق بها ويتطلع متعمقًا بعينيها بنظراتٍ يملؤها الشوق والهيام، ليتنفس بعمقٍ قبل أن ينطق بصوتٍ حنون يقطرُ صِدقًا:
-كنتي عوزاني إغسلهم وأضيع أثر حبيبي منهم؟!
تنهد ليكمل متأثرًا بشوقه العارم:
-أنا كل يوم كنت بلبس حاجة منهم وأنام وأنا حاضن نفسي ومحاوط عليها كإني محاوط عليكِ، كنت بشم ريحتك فيهم وألمس وجودك بملمسهم
-يااااه يا فؤاد، قد كده أنا تعبتك معايا وكنت انانية...قالتها متأثرة لائمة لحالها ليقاطعها سريعًا بنبرة هائمة:
-قد كده عشقت روحك الطاهرة وقدرتي بعفويتك وكبريائك تأسري روحي وتوصليني معاكِ لعشق الروح، لدرجة إني أحـ.ـضـ.ـن بيچامة علشان بس أشم ريحتك فيها،وأحتفظ بيهم أكتر من شهر في دولابي
واستطرد مبتسمًا متعجبًا حاله وإستطاعتها الجبـ.ـارة في تغيير إسلوب حياته:
-أنا اللي طول عمري مهووس بالنظافة لدرجة إن ممنوع إيد مخلوق تلمس هدومي بعد الغسيل والمكوى غير إيد أمي،أحتفظ بهدوم حد غيري لبسها ولمدة شهر
كانت تستمع لكلمـ.ـا.ته التي حملتها إلى أعماق السماء و.جـ.ـعلت من قلبها يتراقص بشـ.ـدة لترفع جسدها لأعلى وهي تقف على أطراف أصابعها لتصل لإرتفاعه الهائل عنها وتنطق بدلالٍ وغرور مصطنع أرادت به مشاكسة حبيبها الراقي:
-بس أنا مش أي حد، أنا حبيبة حبيبي وقلبه من جوة
-إنتِ كل حاجة وأغلى حاجة يا حبيبة حبيبك...قالها بهيام ليرفع جسدها لأعلى مثبتًا إياها بأحضانه مما جعل ساقيها معلقة بالهواء ثم أقبل على شفتيها ينهلُ من شهدهم المميز لتنـ.ـد.مج معه لأبعد الحدود، إنتفضت لتبتعد عنه عنـ.ـد.ما استمعت لطرقات خفيفة فوق الباب مما جعله يضحك عليها وهو يقول:
-يا روح قلبي قولت لك الف مرة مفيش مخلوق ممكن يفتح الباب قبل ما أذن له، يبقى ليه الخوف ده
أفلتت حالها لتلمس ساقيها الارض وتقول وهي تعدل من وضع روبها:
-الحذر مطلوب يا سيادة المستشار
ابتسم بخفة ليتحمحم ويصدح بصوته الرجولي:
-إدخل
فُتح الباب لتظهر منه عزة بابتسامتها المشرقة وسعادتها الظاهرة بوجهها وهي تمسك بصينية كبيرة عليها أصنافًا متعددة من أنواع الطعام المخصص للفطور، تلتها وداد تحمل صينية بها بعض الفاكهة وكأسين من العصير الطازج، لتنطق عزة بنبرة تملؤها السعادة:
-صباح الفل على أحلا عرسان في الدنيا كلها
ابتسمت بخجل ليسحبها هو ويضمها لحـ.ـضـ.ـنه لتتابع عزة وهي تضع الطعام فوق المائدة المستديرة:
-عملت لكم فطار يفتح النفس، فطار عرايس بصحيح
لتسترسل بما جعل فؤاد يقطب جبينه يرمقها بتعجب:
-ولو إني كان نفسي تاكلوه في الجنينة بعيد عن الكتمة دي
لتتابع وهي ترمق فؤاد بازدراء:
- بس أقول إيه بقى في دmاغ سيادتك اللي زي الحجر
رمقتها إيثار بنظرة عاتبة لتعديها الحدود الحمراء، أما العاملة فارتبكت وهي ترى تلك الجريئة تتعامل مع سيدها بتلك الطريقة الغير مقبولة، ارتاب داخلها لتوقعها لثورة غضب ستطال بتلك عديمة العقل لكنها تعجبت حين تحدث بهدوءٍ بطريقة ساخرة:
-ولزمتها إيه سيادتك معاليكِ؟!
-شكلي بوظت الدنيا زي عادتي...قالتها وهي تتطلع إلى إيثار التي أومأت لها بشفاه ممطوطة تعبيرًا عن خجلها لتصمت الاخرى لدقائق قبل أن تنطق سريعًا بعد أن فشلت بالصمت وقررت إرضاء ذاك الكريم:
-تحب تتغدى إيه يا سيادة المستشار، شوف نفسك في إيه وأنا اعملهولك هوا
-مش لما نفطر نبقى نفكر في الغدا يا عزة... قالها وهو يجذب كف حبيبته ليسحب لها المقعد لتجلس عليه، تحرك ليقابلها الجلوس ثم وجه حديثهُ إلى وداد:
-خلي سعاد تشرف على تجهيز أوضة الچاكوزي ليا وللمدام يا وداد
نطقت الفتاة وهي تنظر بأرضها باحترام:
-تحت أمرك يا فؤاد باشا
أعاد عليها سؤالاً أخر:
-الدكتورة في الجامعة ولا تحت؟
أجابته باستفاضة:
-مفيش حد في البيت خالص يا باشا،سعادة المستشار راح مكتبه والدكتورة راحت الجامعة مع الدكتور ماجد، حتى مدام فريال أخدت فؤاد وراحت النادي تقابل صحباتها
اجابها مقتضبًا:
-تمام، روحي بلغي سعاد
-حاضر يا باشا...قالتها لتحول بصرها إلى إيثار التي أمسكت قطعة من الخبز وبدأت بوضع الزبدة عليها وفردها بالسكين لتسألها باحترام:
-تؤمريني بأي حاجة يا هانم
رفعت رأسها تتطلع إليها لترد بابتسامة هادئة:
-ميرسي يا وداد،الامر لله وحده
استدارت وتحركت للخارج تلتها عزة فاستوقفتها إيثار تسألها عن الصغير:
-يوسف راح المدرسة يا عزة؟
-آه يا حبيبتي أنا طلعته مع الامن وركبته الباص ووقفت لحد ما اتحرك...قالتها بإبانة لتسألها الاخرى وقد ظهر بصوتها الحـ.ـز.ن:
-مسألش عليا؟
-سأل وقولت له إنك نايمة وسكت على طول، ما انتِ عارفة هو بيحبني قد إيه... قالتها لتخرج سريعًا فنظر إلى حبيبته ووجها الذي تحول،أشار لها بكف يده يستدعيها فتحركت إليه ليجلسها فوق ساقيه ثم سألها بعدmا تعمق بعينيها:
-زعلان ليه ياحبيبي؟
تنهدت بضيق قبل أن تنطق بصوتٍ أظهر كم الألم الساكن بداخلها:
-حاسة إني بظلم يوسف معايا يا فؤاد،الولد ليه يومين بيروح المدرسة من غير ما اشوفه
مسح بإبهامه على وجنتها قبل أن يجيبها:
-ده وضع مؤقت يا إيثار، كلها كام يوم وهنرجع لحياتنا الطبيعية، أنا هقوم بدري أروح شغلي وإنتِ هتقومي تتابعيه بنفسك
-بالمناسبة يا حبيبي... قالها بتذكر ليتابع:
-أنا بفكر انقل ليوسف جنبنا هنا في المدرسة اللي فيها بيسان
واستطرد بمنطقية:
-المدرسة بتاعته بعيدة قوي وكمان علشان قلبك يطمن أكتر إنه جنبنا
اجابتهُ بحيرة ظهرت فوق ملامحها:
-أنا كمان فكرت في الموضوع بس لما دخلت على موقع المدرسة لقيت الموضوع صعب قوي، أول حاجة المدرسة دولية ويوسف مدرسته تجريبية،فأكيد مش هيقبلوه لأن شروطهم صعبة قوي وصارمة
واسترسلت بخجلٍ ظهر جليًا بصوتها:
-ده غير إني سألت على مصاريفها وطلعت غالية جدًا وفوق قدراتي المادية
أغمض عينيه ليزفر بحدة قبل أن ينطق بهدوءٍ إستدعاه بصعوبة:
-بالنسبة لشروط المدرسة متشيليش همهم، أنا بنفسي اللي هروح أقدm له وإعتبريه خلاص إتقبل
وتعمق بعينيها ليتابع بصرامة كي يغلق عليها باب التعليق على الموضوع:
-أما بقى بالنسبة للمصاريف فبجد عيب، عيب ونتلم شوية
-مش هينفع يا فؤاد...قالتها بصرامة لتتابع بعزة نفس وتفكير اكثر عقلانية:
-أنا كده هأكد لـ أهلك إني فعلاً إتجوزتك علشان فلوسك
قطب جبينه ليسألها بتمعن:
-مين من أهلي إتكلم معاكِ في الموضوع ده؟!
ارتبكت وتلعثمت بالكلام وهي تتهرب من عينيه:
-محدش قال، أنا بخمن
أمسك فكها ليرفعه فتقابلت اعينهم ليأخذ نفسًا عميقًا ويزفره بهدوء قبل أن ينطق بما جعل بؤبؤ عينيها يتسع:
-أنا عارف إن فريال حاولت تضايقك بكلام أكيد سخيف
ابتلعت لعابها ليتابع بما استشفه بفطانته:
-وعارف إن الكلام اللي سألتيني عنه بخصوص إذا كنت قولت لأهلي عن مشاكلك ده فريال اللي بلغتك بيه
-مين اللي قال لك؟!...سألته بصوتٍ خافت ليجيبها بأسى ظهر بصوته وعينيه:
-حسيت
إيثار...نطقها بنبرة حزينة ليتابع مترقبًا ملامحها بألم:
-يوم ما إتفقنا إني أرجع ألاقيكِ هنا علشان نتمم جوازنا،هو ده اليوم اللي فريال إتكلمت معاكِ فيه؟
أنزلت عينيها للأسفل فلم يعد لحديثها داعي،شعر بطعنة شـ.ـديدة شقت صدره لنصفين،هل حقًا شقيقته هي من دmرت سعادته بذاك اليوم، لقد ذهب إلى عمله بقلبٍ يرفرفُ من شـ.ـدة سعادته ومنى حالهُ طيلة اليوم بعودته إلى جناحه ليجد عروسه الجميل بإنتظاره ليقضي معها أجمل لياليه،حين اتى من عمله يبحث عنها فلم يجدها فذهب لغرفتها ليعود خالي الوفاض،وضعت كفها تتلمس به وجنته وهي تقول بنبرة حنون تحاول بها التخفيف من وطأة حـ.ـز.نه:
-على فكرة، أنا بعد ما عرفت قصتك مع طليقتك عذرت خوفها عليك،أختك بتحبك وبتخاف عليك وده حقها يا فؤاد
أوما برأسه ليجيبها بصوتٍ محبط:
-وده نفس السبب اللي خلاني ما اخدش ضدها أي تصرف عنيف
اشتدت عينيه بظلمة الغضب ليهتف بقسمٍ من بين أسنانه:
-قسمًا بالله يا إيثار لو حد غير فريال اللي عمل كده وحرمني منك لكونت خليته ينـ.ـد.م على اليوم اللي إتخلق فيه
تنهدت لتجيبه بكلمـ.ـا.تٍ علها تستطيع من خلالها رفع الحرج عنه:
-خلاص بقى يا حبيبي،المهم إننا بقينا مع بعض
لتتابع بعينين يظهر بهما تصميمًا شـ.ـديد:
-ومن النهاردة مفيش مخلوق هيقدر يبعدنا عن بعض تاني
دفن أنفه داخل تجويف عنقها ليهمس وهو يتنفسها:
-طب خلي حد يقرب منك كده ويحاول يبعدك عن حُضني وشوفي هعمل لك فيه إيه
ابعدها ليتحدث بجدية:
-المهم، موضوع مدرسة يوسف إعتبريه خلص
-بس يا فؤـ...نطقت بإعتراض ليقاطعها بحدة ناطقًا بحزم:
-الموضوع إنتهى، إنتِ مراتي ومن حقي أرتب لك حياتك بالطريقة اللي تخلينا نعيش مرتاحين، وفلوس المدرسة اللي بتقولي عليها دي بالنسبة لثروتي زي موظف بيشتري من مرتبه واحدة شيكولاتة
رأى بعينيها الحيرة والتردد ليتابع بإخبـ.ـارها بما ابلغه به والدهُ بالأمس:
-وعلى فكرة،علام باشا هو اللي إقترح عليا الفكرة إمبـ.ـارح،وقبل ما تفكري إن يوسف ميهمنيش انا والله فكرت في الموضوع من يوم ما جبتك من كفر الشيخ إنتِ ويوسف، لكن مكنش ينفع أفاتحك قبل ما جوازنا يتحول رسمي لأنك أكيد كنتي هترفضي
سألته بمداعبة:
-والوقت مش هرفض؟!
على الفور أجابها:
-تؤ،مش مسموح لك
وتابع مشيرًا بأصبعه نحو الباب:
-من ساعة ما دخلتي برجلك من باب الجناح ده وأمرك إنتِ ويوسف أصبح مسؤليتي،من النهاردة مش عاوزك تشغلي دmاغك ولا تشيلي هم لأي حاجة في الدنيا،إنتِ مراتي ومسؤلة مني إنتِ ويوسف،فلوسي هي فلوسكم وأقل حق ليكم عليا هو إني أعيشكم في مستوى مادي محترم يليق بيكم وبيا
استرسل بكلمـ.ـا.تٍ أسرت قلبها:
-بالنسبة ليوسف مش عاوزك تشيلي همه تاني، موضوع المدرسة هخلصه له وهشترك له في النادي مع بيسان، إقعدي معاه وإختاروا نوع التدريبات اللي حابب يبدأ بيها علشان أبلغ بيها إدارة النادي
كانت تشعر بالحرج الكبير،لقد عاشت حياتها وهي تتحمل مسؤلية الصغير لحالها حتى إعتادت، لكن فارسها يأتي الأن ويزيل تلك المسؤلية الضخمة من فوق ظهرها المحنى لتفردهُ من جديد وترفع عنقها لترى الدنيا بشكلٍ صحيح،مشاعر متضاربة إقتحمت داخلها لتنطق بصوتٍ خافت:
-بس ده كتير قوي يا فؤاد
تنفس ثم نطق بهيامٍ لرجل عاشق حتى النخاع:
-مفيش حاجة في الدنيا كلها تقدر تـ.ـو.فيكي حق حياتي اللي رجعتيها لي من تاني يا حبيبة فؤاد
واسترسل بصدقٍ يعود لمحبتهِ التي زرعها الله داخل قلبه للصغير:
-ويوسف أنا بعتبره زي إبني بالظبط
ليغمز بعينيه متابعًا في محاولة لرفع الحرج عنها:
-متنسيش إنه أخو ولادنا
ابتسمت لتلقي بحالها داخل أحضانه متعلقه بذراعيها حول عنقه بسعادة ليبتسم وهو يقول:
-يلا علشان نفطر، أنا مـ.ـيـ.ـت من الجوع
إعتدلت واتخذت وضعًا مريحًا فوق ساقيه لتمسك قطعة من الخبز وتفرد فوقها بعضًا من معجون الجُبن المطبوخ لتقربها من فمه ويتشاركا في قضمها سويًا وهما ينظران بأعين مغرمة،أمسك حبة من ثمرة الفراولة وقربها من فمها لتقضم جزءًا منها ويكمل هو المتبقى منها،لفت ذراعها حول عنقه وتابعت إطعام حبيبها باليد الاخرى لتنطق بنبرة شـ.ـديدة الهيام:
-بحبك
مضغ ما بفمه وابتلعهُ سريعًا ليقترب من شفتيها واضعًا قُبلة سريعة ليقول بعدmا ابتعد:
-وأنا بعشقك يا عمري
غرس شوكته بقطعة جُبن وقربها من شفتيها مسترسلاً:
-كُلي يا بابا علشان ندخل ناخد شاور
واسترسل بإبتسامة ذات مغزى:
-ورانا چاكوزي والبيت فاضي، ولازم نستغل الفرصة اسوء إستغلال
ضحكت بإنوثة اشعلت بها قلبه لينطق بغمزة وقحة:
-فيه مايوة قطعتين في الدولاب، متنسيش تاخديه وإحنا نازلين
ابتسمت بخجل ليتابعا تناولهما الطعام بمنتهى الرومانسية
**********
تقف أمام موقد الغاز بسعادة وانتعاش تحرك المعلقة داخل القدر الكبير وهي تجهز الغداء لنجليها وجدي وزوجته واطفاله وأيهم بعد أن إلتزم عزيز وزوجته بالمكوث بمسكنه الخاص إلتزامًا بالوعد الذي قطعه لـ إيثار، كانت نوارة تجاورها الوقوف على حوض الماء الخاص بجلي الاواني،تحدثت منيرة بنبرة جادة:
-خلصي المواعين بسرعة علشان تعملي السلطة وتحطيها في الثلاجة
-حاضر يا مرات عمي...قالتها نوارة لتسترسل:
-أنا مش مصدقة إن اللي إسمها نسرين حلت عنا وعزلت لوحدها، ده انا شوفت يومين على أديها دوقتني فيهم المرار
هتفت منيرة بحقدٍ حين تذكرت:
-كانت عاملة فيها كبيرة البيت الناقصة قليلة أصل
ردت عليها نوارة:
-الحق مش عليها لوحدها يا مرات عمي،عزيز هو اللي قوى قلبها، ولولا إيثار الله يسترها إتدخلت وكلمته كان زمانه مكمل في اللي بيعمله ومبهدلنا كلنا معاه
إعتراها الخجل وأنزلت بصرها للاسفل لتتذكر حديث أيهم وهو يبلغهم أن إيثار إتصلت به وقصت عليه ما دار بينها وبين عزيز وطلبت منه إبلاغها بأي جديدًا يحدث منه او زوجته وهي ستقف له بالمرصاد، حينها فقط علمت الحكمة من تصرف غانم،فقد أثبت أنه كان حكيمًا بنظرته المستقبلية للامور، تنهدت للحال الذي وصلت به مع ابنتها وعلمت انها خسرتها للأبد بعد ما حدث بالأخير،فقد بدأت بتقبل حياتها والعودة لعقلها إلى حدٍ ما بعدmا حدث لها من إهانات على يد عزيز وزوجته،لكنها مازالت غاضبة بعض الشئ لعدm رجوع انجالها للعمل مع نصر البنهاوي وانتهاء الوعد بزواج تلك العنيدة.
**********
عودة جديدة للعاشقان الغارقان في بحر الهوى
كانت تتحرك بالحديقة بجوار ذاك الوسيم الذي يرتدي شوتًا قصيرًا باللون الازرق وبالاعلى قميصًا قطنيًا باللون الابيض بنصف كم،كان قابضًا بكف يده على خاصتها بامتلاكٍ وتفاخر،ولجا لداخل الغرفة وأوصدها جيدًا لتتسع عيني حبيبته وهي ترى جمال وسحر الغرفة وتجهيزاتها الرائعة،كانت الاضواء خافتة بتسلسل لتضفي على المكان لمسة من الرومانسية الحالمة أما عن حوض المياة فكانت الشموع الحمراء ذو الرائحة العطرية تحيط بالمكان لتنعكسُ إضائتها على الماء لتعطي له مظهرًا ساحرًا للعين،شهقت لتنطق بعينين مسحورتين:
-الله يا حبيبي، الأجواء هنا مريحة نفسيًا بشكل لا يوصف، مجرد ما دخلت وشمـ.ـيـ.ـت ريحة الزيوت فرق جداً معايا
وقف خلفها ولف ذراعيه يحتضنها ثم وضع ذقنه في تجويف عنقها ليقول وهو يتطلع للمياه بانتشاء:
-ولسة لما تنزلي الماية هتحسي بشعور رهيب، دغدغة لذيذة في كل جـ.ـسمك
حركها للأمام ليتوَارى كلاهما خلف ستارة خشبية صغيرة مصممة خصيصًا لتبديل الثياب وساعدها بتبديل ثوبها المحتشم وحجابها بذاك الرداء الخاص بالسباحة المكون من قطعتين باللون النبيذي الذي أصبح الراعي الرسمي لحياة ذاك العاشق،نظر لها بعينين منبهرتين بجمالها الساحر، فقد اضفى لها سحرًا فوق سحرها ليجعل منها جميلة حد الفتنة، نطق وهو يبتلع لعابه تأثرًا:
-أوف،المايوة هينطق عليكِ، أنا كنت عارف إنه يجنن وهيليق لك جدًا، بس بصراحة متخيلتش إنه يكون بالسحر ده كله
-حلو بجد؟...سألته وهي تتطلع على حالها ليخلع عنه ثيابه ويظل بقطعة ملابس صغيرة حول خصره خاصة بالسباحة،ضمها إليه وتحدث باشتياق:
-فوق ما تتخيلي يا قلبي
سحبها لتقف أمام مرآة طويلة أظهرت طولها بالكامل لتشهق من هيأتها المكشوفة ليضحك هو ثم تحرك بها لينزلا للماء سويًا،سألته وهي تتطلع على تلك الجدران الزجاجية التي تكشف الحديقة بالكامل:
-حبيبي، إنتَ متأكد إن اللي برة مش ممكن يشوفنا وإحنا بالوضع ده؟
أجابها بعدmا سأم من سؤالها المكرر:
-سألتيني السؤال ده وإحنا برة يا قلبي،وقولت لك إن القزاز فامية وعلشان أثبت لك وقفنا قدام الأوضة ومشفناش حاجة
ليسترسل بغيرة ظهرت بعينيه:
-وبعدين إنتِ متخيلة إني ممكن أخليكي تلبسي كده لو مش متأكد مليون في المية إن مفيش نملة هتشوفك؟
أجابته وهي تلف ذراعيها حول عنقه بدلال:
-حبيت أتأكد مش أكثر
حاوط خصرها ليلفها داخل الماء بشكل دائري جعلها تشعر بأنها فراشة لتطلق ضحكاتها على مداعبات زوجها الرائع، ظل يسبح معها لوقتٍ طويل وبعدها جلس على الحافة وارجع رأسهُ للخلف ليثبت ظهرها على صدره لتريح هي رأسها للخلف على كتفه ويغمضا أعينهم تاركين حالهما لتلك الحالة الرائعة من الإستجمام،كانت الماء تتحرك من حولهما وتقوم بدغدغة جسديهما بطريقة جعلتهما يستسلمان باستمتاع،ظل على وضعيهما مدة لتنطق هي بصوتٍ حنون:
-حبيبي
-إيه يا بابا...نطقها بجسدٍ مسترخي وهو مغمض العينين باستجمام لتسألهُ هي بنبرة جادة:
-هو انا هرجع شغلي إمتى؟
أجابه باقتضاب:
-بعدين يا حبيبي،نتكلم في الموضوع ده بعدين
إستدارت تتطلع إلى ذاك الهائم بحالمه لتسألهُ مستفسرة بتوجس:
-فؤاد،إنتَ مش هتقعدني من الشغل، صح؟!
فتح عينيه يتطلع إليها باستغراب ليسألها مستنكرًا تصرفها:
-إنتِ بتتكلمي جد يا إيثار!،يعني إنتِ فعلاً شايفة إن الأجواء هنا مناسبة إننا نتكلم في موضوع زي ده؟!
خجلت من حالها لتنطق بأسى ظهر بعينيها:
-أنا آسفة يا حبيبي،أناعارفة إن مش وقته،بس أنا إتأخرت قوي والباشمهندس كلمني إمبـ.ـارح وسألني هرجع إمتى علشان فيه حاجات كتير جداً محتاجة أعملها بنفسي
ألقى برأسهِ للخلف وأغلق عينيه من جديد قبل أن يسألها بهدوء:
-مش إنتِ يا حبيبي بتابعي معاه أون لاين
-آه بس فيه حاجات لازم أعملها من الشركة بنفسي...قالتها بهدوء ليرد عليها باقتضاب:
-بعد الحفلة يا حبيبي
سألته بجدية لأهمية الامر لديها:
-بجد هتخليني أرجع بعد الحفلة؟
-آه يا حبيبي...قالها ومازال على وضعه لتحتضنهُ بحماسٍ وسعادة وهي تقول بانتشاء:
-ربنا يخليك ليا يا فؤاد، أنا بحبك، بحبك قوي
إبتسم ليشـ.ـدد من إحتضانها ثم فتح عينيه وأخذها ليتحرك بها ويسبحا وهو يقول بنبرة تمتلؤ بالعشق:
-وأنا بمـ.ـو.ت فيكِ يا قلبي
عام على ظهره وأخذها فوقه محتضنًا خصرها ثم سألها:
-عجبك الچاكوزي؟
هتفت بنبرة توحى لمدى سعادتها بعد أن إطمئنت على حال عملها التي عملت عليه لأعوام وطورت من حالها لأجله بجانب أنه مصدر رزق لصغيرها الحبيب:
-يجنن يا حبيبي، ياريت لو فينا نكررها كل فترة
لو تحبي كل يوم معنديش مانع...قالها وهو يسحبها للداخل ليظهر لها الجانب المشاكس به،صاحت لتضحك على مداعباته لها ومشاكساته،ظل يضحكان داخل المياة ويستمتعا بوقتيهما بكل الطرق حتى يرفها عن روحيهما ليمر الوقت في سعادة ومرح وكثيرًا من الرومانسية الحالمة.
**********
داخل السكن الخاص بـ عمرو وسُمية ليلاً،كان يقبع فوق الأريكة المتواجدة بحجرة المعيشة متكئًا على ذراعه ممسكًا بجهاز الريمـ.ـو.ت كنترول وهو يتطلع علي شاشة التلفاز المعلقة ويقوم بالتنقل بين قنواته بلامبالاة،شعر بأقدامٍ تتحرك من خلفه لتقف بعد قليل سمية وهي ترتدي ثوبًا مثيرًا للنوم كاشفًا أكثر مما يستر وباتت تتطلع عليه لعدة ثواني ليست بالقليلة متأملة أن ينظر إليها ويُفتن بمظهرها لكن خاب أملها وشعرت بالإحباط حين وجدت منه التجاهل التام حيث لم يعيرها أي إهتمام وظل معلقًا عينيه بالشاشة وكأن لا وجود لها لتسألهُ بنبرة هادئة:
-إنتَ هتفضل قاعد على الكنبة كده طول الليل؟
رفع بصره يتطلع عليها ثم قطب جبينه بتجهم للحظات قبل أن يخرج سيجارة محشوة بالمخد ر وهو يشعلها بيده الاخرى بصمتٍ تام ليقول بعدها وهو ينفث دخان السيجارة رافعًا وجههُ ليصعد الدخان نحوها في حركة مهينة لشخصها:
-مزاجي كده،وإخفي بقى من قدامي علشان لو اتنططي من هنا لبكرة اللي في دmاغك مش هيحصل
صاحت بجنون تذكرة بالواقعة التي قاطعها وحرمها عليه كزوجة من حينها:
-كل ده ليه يا عمرو؟! مش قادر تنسى وبتعـ.ـا.قبني من يوم ما بعت الرسايل اللي كانت بينك وبين بنت الـ....
ونطقت بكلمة نابية لتتابع:
-اللي إسمها شيماء لبنت منيرة؟!
استرسلت باستياءٍ وحـ.ـز.نٍ ممتزجان بالحيرة:
-مسألتش نفسك أنا عملت كل ده ليه؟!
ده أنا خسرت أقرب صاحبة ليا علشان أوصل لك يا عمرو
استرسلت بنبرة حنون مصطنعة:
-من أول يوم شفتك فيه مع إيثار في الميكروباص وأنا هتجنن عليك،حبيتك وأتمنيت تكون راجـ.ـلي وحبيبي وجوزي،ومصدقتش نفسي لما حنيت عليا وقبلت تكون معايا
واستطردت بتمثيلٍ رائع لإمرأة عاشقة حتى النخاع:
-ولما ربنا رضي عليا وحصل اللي حصل واتجوزتك فرحتي مكنتش سيعاني،حاربت عليك أيوه مش هنكر،وكنت بدعي ربنا كل يوم إن إيثار تتجوز ولا تروح في اي داهية المهم مترجعش هنا تاني
استدعت دmـ.ـو.ع التماسيح بقوة لتنزل منها قطرتان لتتابع تحت عينين ذاك المتطلع عليها بعينين ضيقتين ويتابع تنفيث سيجارته:
-لإني كنت عارفة إنها يوم ماهترجع لك هتكون نهايتي،كنت هترميني أنا وبنتي وتحطها هي وابنها على الحجر والغالي كله هيجي لهم
أخذ نفسًا مطولاً من السيجارة لينفثه صوبها قبل أن ينطق ببرود:
-هترجع،وهوفي بوعدي ليكِ يا سمية
قطبت جبينها تستوعب كلمـ.ـا.ته التي لم تفهمها وسؤالاً راود ذهنها،عن أي وعدٍ يتحدث ذاك الأبله ليقطع تفكيرها وهو يرد على سؤالها التي لم تطرحهُ بعد:
-هخليكِ خدامة تحت رجليها زي ما وعدتك،وده السبب الوحيد اللي هخليكِ على ذمتي علشانه
صاحت بجنون:
-إنتَ فاكرها كانت بتحبك وسابتك بسببي، فوق من اوهامك يا عمرو، إيثار إتجوزتك طمع في فلوسك، هي وأهلها مكنوش يهمهم غير فلوسك وبس
وإنتِ... قالها بإبتسامة ساخرة ليسألها:
-إتجوزتيني ليه؟!
-علشان بحبك طبعاً... قالتها بزيف ليطـ.ـلق قهقهاتٍ متتالية ترجع لكشفه لألاعيب تلك الحية وأشار لها بيده باشمئزاز:
-إشتري نفسك وادخلي نامي
وقفت أمامه لتهتف بوقاحة:
-هدخل، بس متزعلش لما أبلغ الحاج نصر بعمايلك دي
-أعلى ما في خيلك إركبيه وإرمحي بيه،ويلا بقى علشان مش طايق أشوف خلقتك قدامي
قالها مشيرًا بيده بمنتهى الإهانة لترمقه باحتقار قبل ان تنسحب إلى الداخل كالإعصار المدmر.
.********
داخل قصر علام زين الدين وبالتحديد داخل البهو، حضرت عائلة أيمن الأنصاري حسب الميعاد الذي حدده لهم علام للزيارة،رحبت بهم عصمت وعلام وفريال وأمجد وجلسوا ينتظرون نزول إيثار وفؤاد،كانت سالي تتطلع لما حولها بذهولٍ وقد أصابها حـ.ـز.نًا بقلبها على المستوى الراقى التي انتقلت إليه تلك السكرتيرة البسيطة والتي أصبحت أعلى منها بالمستوى، إبتلعت لعابها وهي ترفع عينيها لتتطلع على تلك التي تهبط عبر الدرج وهي تتأبط ذاك الجذاب المثير،أرجعت ببصرها سريعًا لتلك التي تحولت فقد كانت ترتدي ثوبًا فخمًا مصنعًا من قِبل ماركة عالمية، لونهُ أزرق صريح واختارت له حجابًا من اللون البيج وحذاءًا ذو كعبًا عالي مما أعطاها مظهرًا ساحرًا، هي بالاساس جميلة وزادتها حالة العشق التي تحياها فضلاً عن إستقرارها النفسي جمالاً فوق جمالها لتصبح أيقونة أنوثة وجمال تتحركان، كانت تتحرك بجواره بابتسامة سعيدة وهي تتطلع على الجميع باشتياق، وصلت إلى مديرها ذاك الرجل الذي غمرها بعطفه واهتمامه وعوضها غياب الاهل، لتتحدث بسعادة:
-إزي حضرتك يا باشمهندس
إزيك إنتِ يا إيثار، أخبـ.ـارك إيه يا بنتي طمنيني عليكِ
كان الجميع يتطلع عليه بإحترام لمعاملته الابوية لتلك الراقية التي نطقت بصوتٍ وعينين متأثرتين:
-أنا بخير الحمدلله،طمني على صحة حضرتك
اومأ لها ليقول:
-الحمدلله يا بنتي
إنتقلت إلى نيللي، تلك السيدة الراقية بأخلاقها وأفعالها، جذبتها لتسكنها بأحضانها وهي تقول بنبرة صادقة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا إيثار
وحضرتك كمان حشـ.ـتـ.ـيني و فوق ما تتخيلي... قالتها لتلقي التحية على أحمد ولارا حتى وصلت إلى سالي التي وقفت تتطلع على هيئتها بنظراتٍ تحمل بين طياتها ضغينة،إبتسمت تلك الجميلة لتنطق بترحاب:
-إزيك يا مدام سالي
بتعالي أجابتها وهي تتطلع عليها:
-إزيك إنتِ يا إيثار
تحدث فؤاد بعدmا رحب بالجميع:
-نورتونا يا أيمن بيه
ده نورك يا سيادة المستشار...قالها أيمن برزانة ليسحب فؤاد زوجته ليجلسها بجواره وهو يقول باحترام:
-إتفضلي يا حبيبي
ميرسي يا فؤاد...قالتها وهي تتطلع عليه بإبتسامة عاشقة بادلها إياها بولهة لاحظها الجميع،إحتضن كفها برعاية ليعلن للجميع إمتلاكه لتلك العاشقة
،أما لارا فقد هتفت بسعادة وحماس:
-بس إيه الجمال ده كله يا إيثو
إبتسمت لتجيبها بهدوء:
-ميرسي يا قلبي على المجاملة الحلوة دي
ابتسمت الفتاة لتهتف سالي بنبرة حادة لفتت بها إنتباه الجميع:
-لارا عندها حق يا إيثار
لتسترسل بنبرة جادة ونظرات حادة لم تستطع التحكم بهم وهي تتطلع على تلك الجواهر الثمينة التي ترتديها إيثار:
-إنتِ إتبدلتي وبقيتي واحدة تانية
رمقها أحمد بنظرة لائمة وقطبت فريال جبينها وهي تتطلع على تلك الجالسة بكبرياء وترمق إيثار بحدة لتنطق نيللي بعدmا أصابها الذهول من طريقة زوجة إبنها الجافة والخالية من أصول الأدب:
-إيثار طول عمرها جميلة وراقية بتصرفاتها وإحترامها للجميع
نال حديثها استحسان عصمت التي أكدت على حديثها بنبرة قوية لترفع من شأن زوجة نجلها الغالي أمام تلك المتكبرة:
-عندك حق يا نيللي هانم،إيثار من يوم ما دخلت بيتنا وهي زي القمر وكلنا بنتعامل معاها وكأنها ملكة،دي مرات سيادة المستشار فؤاد علام
واسترسلت وهي تشملها بنظرة إحترام تحت اشتعال سالي:
-ده غير وشها الحلو علينا، تاني يوم دخولها بيتنا سيادة المستشار إترقى لرئيس نيابة أول
إبتسمت بسعادة لتلك الراقية بينما رفع هو كف يدها ليضع قُبلة حنون فوقه بث من خلالها إحترامه وتقديره ولولا إحترامه لـ أيمن وأحمد لكان أجاب تلك المغرورة بما يتناسب مع أمثالها،ليتحدث أيمن بوقار:
-مبروك يا سيادة المستشار، تستحقها بجدارة
ألف مبروك يا سيادة المستشار...قالها أحمد ليرد فؤاد بوجهٍ بشوش:
-الله يبـ.ـارك فيك يا دكتور
قال علام بنبرة وقورة:
-بمناسبة جواز فؤاد وترقيته إحنا عاملين حفلة بعد إسبوع وسعادتك والاسرة الكريمة أول المدعوين يا أيمن بيه
أجابهُ بتوقيرٍ واحترام:
-شرف كبير لينا يا سيادة المستشار،إن شاءالله هنكون موجودين
واستطرد وهو ينظر إلى إيثار:
-إيثار طول عمرها بالنسبة لي بنتي
اهتز قلبها طربًا لتنطق بصدقٍ:
-وحضرتك نعم الأب ليا
وقفت فريال وتحدثت إلى إيثار بحميمية ارادت بها رفع شأن زوجة اخيها أمام تلك المتعالية:
-بعد إذنكم، أنا وإيثار هناخد مدام سالي ولارا ونقعد في الجنينة قعدت بنات
ونظرت إلى العاملة التي تقوم على تقديم واجب الضيافة:
-طلعي العصير بتاع الضيوف بره وخليهم في المطبخ يجهزوا عصير الجريب فروت بتاع إيثار هانم
اشتعل داخل سالي من شـ.ـدة الغيرة،أحقًا تلك السكرتيرة أصبحت سيدة مجتمع ويطـ.ـلق عليها لقب "هانم"وتحيا حياة الأميرات مع ذاك الوسيم.
********
مساء اليوم التالي
كان جالسًا فوق الاريكة داخل مسكن زميله رأفت الذي يجاوره الجلوس ويقابلهم ذاك الرجل الوسيط لشخصٍ من دولة غربية،فذاك المتهور وضع حاله داخل قصة لا يعلم إذا كان سيخرج منها سالمًا أم سينهي أمره الحاج حماد السوالمي، بدأت الحكاية بعدmا اختلف حماد مع رجل من دولة غربية كان يبيع له الاثار التي يتم إستخراجها عن طريق رجـ.ـاله،طلب حماد مبلغًا أكبر فرفض الرجل وذهب لعددًا من رجـ.ـال سوهاج المعروف عنهم استخراج الاثار ونهبها وبيعها للأجانب ليتم بعد ذلك تهريبها للخارج مما يضر باقتصاد البلد،وطلب منهم الحفر بباطن الجبل داخل مقبرة تم الكشف عليها من قِبل رجـ.ـاله وسيتقاسم الموجود معاً،رفض الجميع خوفًا من بطش حماد الذي يمتلك من المال والجاه والرجـ.ـال والسلاح ما يجعل الجميع يهابه ويخشاه، فلجأ الرجل إلى نصر وطلب مساعدته في الحفر بمقبرة داخل أرض سوهاج فرفض نصر لتيقنه من خطورة الأمر،وبعد خروج الرجل الأوروبي من منزل نصر هرول خلفه عمرو الذي كان حاضر الجلسة ليلحق به وعرض عليه أن يسلمهُ المقبرة ليبدأ هو بالحفر وما سيخرجاه سيقسم بينهما بالنصف، وافق الرجل
نطق الرجل الوسيط:
-الخواجة عاوز يتطمن إن عندك رجـ.ـا.لة بسلاح كفاية علشان يحموا الرجـ.ـا.لة اللي هتحفر في سوهاج
-كل حاجة معمول حسابها يا باشا...نطقها عمرو وهو ينفث دخان سيجارة ليتابع الرجل حديثه بتأكيدٍ يرجع لارتيابه من الامر لشـ.ـدة خطورته:
-الموضوع مش سهل يا عمرو، المرة دي إحنا مبنلعبش هنا في كفر الشيخ، إحنا رايحين محافظة مش بتاعتنا، والسوهاجية مبيحبوش حد يتعدى عليهم
-قول للخواجة إنتَ بتتعامل مع عمرو البنهاوي،وهو لسه ميعرفنيش، أنا عندي رجـ.ـا.لة وسلاح يسدوا عين الشمس، وإنتوا لو مش متأكدين إني هقدر أقف قصاد السوهاجية اللي اختلفتم معاهم مكنتوش لجأتوا لي
-ماشي يا عمرو،جهز نفسك وإدينا الإشارة علشان نبدأ،إنصرف الرجل لينطق رأفت بـ.ـارتياب وخوف يملؤ قلبه:
-راجع نفسك يا عمرو، الموضوع كبير وأبوك لو عرف مش هيعديهالك
نطق بلامبالاة:
-أبويا كده كده هسيب له البيت قريب، مش فارقة بقى
ليتابع بتمني:
-أنا كل اللي شاغلني إن العملية إياها تتم على خير قبل ما أبدأ حفر.
↚
صباحًا، فاق على صوت المنبة حيث صدح بجواره فقام برفع رأسهُ سريعًا ليجد آسِرة الفؤاد واضعة رأسها فوق صدره فمنذ إنتقالها لهذا الجناح والنوم بتخته قد إتخذت من صدرهِ مخدعًا وأصبح واحة راحتها،بسط ذراعه ليغلق الصوت سريعًا كي لا يزعج ملاكهُ الغافي لكنها بالفعل بدأت في تحريك أهدابها بعد أن شعرت بحركة فارسها النبيل،رفعت رأسها تتطلع عليه لينطق وهو يرجع خصلات شعرها الهاربة خلف أذنها:
-غمضي عيونك ونامي يا بابا
-هتروح شغلك؟...قالتها بصوتٍ ناعس وعينين تغلقان بفضل نعاسهما فأجابها بنبرة حنون:
-أه يا حبيبي
رفعت جسدها لتقول بتكاسل يرجع لعدm حصولها على القسط الكافي من النوم بسبب سهرتها المميزة ليلة أمس بصحبة معشوق روحها:
-هقوم علشان أساعدك في لبسك وأنزل معاك لحد مـ.ـا.تفطر وتاخد قهوتك
جذبها برفقٍ ليعيدها إلى مكانها من جديد وهو يقول بعينين تحمل كمًا هائلًا من الحنان والحب:
-إنتِ منمتيش كويس يا حبيبي، نامي وأنا هلبس وهنزل أفطر مع الباشا
واستطرد بنبرة حنون:
-وبعدين النهاردة يوسف عنده أجازة،خدي كفايتك من النوم علشان تقومي فايقة وتقضي اليوم معاه
شملته بنظراتٍ هائمة تأثرًا بجمال قلبه الذي يحمل حنان الدنيا لتتلمس خده بكفها الرقيق وابتسمت لتقول بحالمية:
-على فكرة بقى،إنتَ أروع حبيب في الدنيا كلها
أعاد رأسها فوق الوسادة برفقٍ ثم مال عليها وطبع قُبلة تحمل بلمساتها حنانًا هائلاً ليجيبها بعينين يسكنهما عشقًا جارف:
-وإنتِ حبيبة حبيبك وقلب قلبه
ضحك ليتابع بمشاكسة:
-إستعرت جملتك، عجبتني بصراحة
-حبيبة حبيبي... قالتها بدلال ليعيد نطقها بتأكيد:
-حبيبة حبيبك
قالها بهيام لينسحب رُغمًا عن قلبه المغرم تحت نظراتها الهائمة المصاحبة له حتى اختفى خلف باب الحمام لتغمض عينيها مستسلمة للنوم الذي سحبها لتتعمق بداخله،خرج بعد قليل يلف خصره بمنشفة كبيرة لينظر عليها والإبتسامة العريضة ترتسم بشـ.ـدة على ثغره،اتجه نحو غرفة الملابس وارتدى ثيابه بالكامل بمنتهى الهدوء ثم تحرك لمرآة الزينة وقام بتصفيف شعره ونثر رذاذ عطره الفواح، وقف يتطلع على حاله برضى تام قبل أن ينظر على تلك الغافية بسلام ليبتسم بحالمية قبل أن يتجه صوبها ليميل بجزعه بهدوءٍ تام ويطبعُ قُبلة تحمل بلمساتها عشق وحنان وشوق الدنيا بأكملها،تنهد بقلب عاشق لينسحب قبل أن تشعر عليه حبيبته وتنزعج،نزل للأسفل متجهًا صوب غرفة الطعام ليجد والده يترأس الطاولة تجاورهُ والدته التي تطلعت على ذاك المبتسم المقبل على الحياة بسعادة لينشرح صدرها ويخرج منه تنهيدة تنم عن مدى إرتياحها بعد أن إطمأنت على نجلها الحبيب وتأكدت من ملامحه المستكينة أنه يعيش أزهى عصوره،نطق بصوتٍ حماسي يملؤهُ النشاط:
-صباح الخير يا باشا
قالها لأبيه ليتحرك باتجاه تلك الحنون ليميل بطوله فوق رأسها كي يضع قبلة إحترام وهو يقول:
-صباح الخير يا حبيبتي
-صباح السعادة يا جناب المستشار...هكذا أجابته قبل أن تنطق مداعبة لصغيرها:
-أمال فين نصك الحلو؟
لف للجهة الاخرى ليجلس فوق مقعده المقابل لها والمجاور لوالده لينطق بملاطفة وهو يشير إليها بإبتسامة أظهرت كم حبورهُ الشامل لروحه:
-نصي الحلو قاعد قدامي اهو
إبتسمت لتظهر بمقلتيها سعادة لا نظير لها لدلال نجلها الحبيب لها،ليهتف علام بنبرة حازمة:
-إتلم يا بابا وخليك بعيد عن حبيبتي علشان ما احطكش في دmاغي
تلونت وجنتيها خجلاً لتضـ.ـر.ب بخفة على كف زوجها الموضوع على طرف الطاولة وهي تلومهُ بنظراتها اللائمة مع إبتسامـ.ـا.تها الخجلة ليطـ.ـلق فؤاد قهقهاته العالية وهو يستمع إلى والده يسترسل بنظراتٍ عاتبة لزوجته:
-مكسوفة من كلامي ومش مكسوفة من المحترم اللي بيقول لك نصي الحلو؟!
نطق بصوتٍ حماسي ضاحك:
-الله على الباشا الكبير وهو بيغير على الدكتورة
نطق علام بنبرة جادة:
-سيبك من الاونطة بتاعتك دي،أمك بتسألك مراتك فين؟
أمسك صحنه وبدأ بوضع بعض أنواع الطعام بداخله ليجيب والده:
-مراتي نايمة،كانت هتنزل معايا بس أنا منعتها،قولت لها ترتاح لإننا نمنا متأخر
-يا حنين...قالها علام متهكمًا ليسألهُ بفضول:
- من إمتى الحنية دي كلها يا سي فؤاد؟!
بنبرة جادة أجاب والده:
-الحنية موجودة من زمان جنابك،بس كانت مستنية اللي تستاهلها بجد علشان تظهر
-ربنا يسعدكم يا حبيبي ويعوضك بيها عن كل اللي شفته قبلها...نطقتها بعينين حنون ليقطع حديثها علام وهو يتحدث بحماسة:
-تعوضه ويعوضها ويدلعوا بعض براحتهم،المهم تسع شهور وحفيدي يشرف
ليسترسل بنبرة تنبيهية:
-أظن أنا أديتك وقتك بزيادة
نظر لوالدهُ والسعادة تحوم فوق جميع ملامحهُ لينطق بحفاوة:
-إن شاءالله هسلمك أول حفيد قبل كده كمان يا باشا
أمنا والداه بتمني لتتابع عصمت بعينين متشوقتين لرؤية أحفادها:
-ربنا يرزقك بالذرية الصالحة ونشوف ولادك ماليين علينا البيت يا حبيبي
قطع حديثهم دخول فريال التي تحمل صغيرها فؤاد ويجاورها ماجد:
-صباح الخير
رد عليها الجميع وجلسوا يتناولون الطعام لتسأل فريال أبيها:
-إتفقت مع شركة التنظيم اللي هترتب للحفلة يا بابا؟
أجابها بجدية:
-أه يا حبيبتي، كل شئ هيكون جاهز في الميعاد، متقلقيش
ابتسمت لأبيها وتابع الجميع تناول الطعام، بعد قليل كان يتحرك داخل الحديقة بطريقه لسيارته كي يستقلها ويذهب لعمله
-فؤاد باشا...قالتها عزة ليستدير لها متسائلاً:
-خير يا عزة؟
ردت بطريقة أزعجته:
-كنت عاوزة أطلب من حضرتك طلب وأتمنى متكسفنيش
تنهد ليجيبها بنبرة جادة توحي لشخصيته الصارمة:
-مبحبش المقدmـ.ـا.ت يا عزة،قولي اللي إنتِ عوزاة بس بسرعة علشان معنديش وقت كتير
-بالراحة عليا يا سعادة الباشا،ده الكلام أخد وعطا...قالتها باستياء ليحملق بها بنظراتٍ ارعـ.ـبتها وهو يقول بحزم:
-عـــزة،إنجزي
إرتجف جسدها لتنطق بتلعثم أظهر كم إرتيابها:
-هقول أهو،بص يا سيدي، الواد أيهم أخو إيثار، ما أنتَ عارفه،المهم،هو اللي كلمني ساعة ما أخواتها العرر وأمها ما حبسوها وكانوا هيرجعوها للي ما يتسمى إبن إجلال
زفر بنفاذ صبر وبات يقلب عينيه بضجرٍ وسأم لثرثرتها المبالغ بها ليصيح باستياءٍ ظهر بعينيه:
-عزة، أبوس دmاغك قولي طلبك من غير كل المقدmـ.ـا.ت اللي أنا حافظها دي
رمقته بمقتٍ لتلوي فاهها وهي تقول مستنكرة طريقته بالحديث:
-خلاص يا باشا،إنتَ خُلقك ضيق قوي كده ليه، خلي نفسك طويل وخد وهات كده معايا في الكلام
وضع كف يده ليمرره فوق وجهه وهو يسأل الله أن يمنحه الصبر قبل أن يرتكب جريمة شنعاء بحق تلك الثرثارة لتهتف هي سريعًا بعدmا رأت وصوله لقمة الغضب:
-كنت بقول لو يعني تعزم الولا أيهم يقف مع أخته في الحفلة،وأهو منه تفرحها وتحسسها إنك بتفكر في سعادتها،ومنه يبقى حد من أهلها واقف معاها قدام الناس بدل ما هي واقفة بطولها كده
ضيق بين حاجبيه ثم رفع حاجبه الأيسر مستحسنًا فكرتها التي لم تخطر بخياله نظرًا لإنشغاله بما هو أهم،وما أن رأته يبتسم حتى رفعت قامتها لأعلى بغرور قبل أن ينطق هو باستجواد:
-فكرة حلوة،إبعتي لي رقمه في رسالة على الواتساب وأنا هكلمه وأعزمه بنفسي، بس إوعي تقولي حاجة لـ إيثار، خليها مفاجأة يوم الحفلة
-إلهي يكرمك يا أمير يا إبن الأمرا...قالتها بحفاوة لينطق هو متذكرًا:
-أول ما الهانم تصحى جهزي لها فطار وحطيه هنا في الجنينة وخليها تاكل كويس،وبلغيها إن فيه فريق من دار أزياء جاي ياخد مقاسات واوصاف الفستان اللي هتلبسه في الحفلة،هيوصلوا على الساعة 12 الظهر
واسترسل مؤكدًا:
-متنسيس تبلغيها علشان تعمل حسابها لأن عندي تحقيق مهم ومش هعرف اكلمها،أنا نسيت خالص أقول لها إمبـ.ـارح
-الله يكون في العون يا باشا،إنتَ هتفتكر إيه ولا إيه...قالتها بمشاكسة ليبتسم وهو يهز رأسه باستسلام لينطق وهو يتحرك باتجاه سيارته حيث أحضرها الحارس:
-روحي شوفي يوسف وفطريه وتابعيه لحد ما المدام تصحى
ليستدير إليها مسترسلاً بتنبيه يرجع لعشقه وخوفه عليها:
-إوعي تصحيها، سبيها لما تصحى براحتها
إنتَ تؤمر يا باشا...قالتها لتتابع فؤاد وهو يستقل سيارته وينطلق للخارج، ابتسمت لتقول بسعادة:
-عملتي إيه في الراجـ.ـل يا بنت عمي غانم، الراجـ.ـل عقله طار وبقى بيلف حواليكِ زي المخبول
فاقت من النوم في حدود الساعة العاشرة صباحًا إغتسلت وخرجت لترتدي إسدال الصلاة لتقوم بتأدية صلاة الضحى وجلست تناجي الله وتشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى،وبعد الإنتهاء إرتدت ثيابها ونزلت من الدرج لتقاطع طريقها فريال حيث كانت تصعد للأعلى بطريقها لغرفتها كي تقوم بتبديل ثيابها التي إتسخت بفضل صغيرها الرضيع،تطلعت إلى إيثار لتقول الأخرى بنبرة هادئة:
-صباح الخير
تنفست فريال بهدوء لتنطق بتقييم لمظهرها الرائع ووجهها المشع نورًا والذي يرجع لراحتها واستكانت روحها التي إرتاحت داخل محراب روح الحبيب:
-صباح النور
تحمحمت وهي تقول في محاولة منها لفتح حديثًا معها:
-يوسف في الجنينة بيلعب مع بيسان ومعاهم عزة
هزت الأخرى رأسها بإيماءة لتواصل فريال طريقها للصعود قبل أن توقفها إيثار التي تحدثت بنبرة تحمل الكثير من الشكر:
-متشكرة على إهتمامك ومعاملتك الراقية لإبني
إستدارت تطالعها بنظراتٍ غامضة لتقول بصوتٍ خال من المشاعر صنعته كي لا تخسر كبريائها أمام تلك المرأة التي مازالت تأخذ حظرها منها إلى أن تثبت عكس ظنها:
-معملتش كده علشان تشكريني
قالتها واستدارت سريعًا لتمضي بطريقها للأعلى تاركة خلفها إيثار التي أخذت تحرك عينيها يميناً و يساراً باستغراب لتلك غريبة الاطوار، تحركت حتى وصلت للباب الخارجي ليصادف خروجها بولوج عزة التي تسمرت وهي تتطلع عليها بنظراتٍ منبهرة بجمالها الرائع الذي يزداد يومًا تلو الأخر بفضل تقربها من زوجها الحبيب الذي ولج لحياتها ليصبح لها شمسًا ساطعة أنارت حياتها وحولتها لرائعة،هتفت ومازال بصرها معلقًا بها:
-الله أكبر عليكِ يا ست البنات،كل يوم جمالك بيزيد لحد ما بقيتي شبه البدر في ليلة تمامه
إتسعت بسمتها لتنير وجهها أكثر وهي تقول بحميمية:
-حبيبتي يا زوزة
وقبل أن تسألها عن الصغير أخبرتها بثرثرة كالعادة:
-كنت لسة هطلع أشوفك صحيتي ولا لسه،مع إن سيادة المستشار نبه عليا محدش يهوب ناحيتك ونسيبك تصحي براحتك
لتتابع:
-أه بالحق قبل ما أنسى،جوزك قال لي أقول لك إن فيه ناس من دار أزياء هييجوا بعد ساعتين ياخدوا مقاساتك لفستان الحفلة
باتت تثرثر بحديثها المعتاد لتسألها إيثار:
-يوسف فين؟
-في الجنينة مع الباشا الكبير...قطبت جبينها لتسألها من جديد باستغراب:
-هو جناب المستشار مارحش شغله؟!
-لا،عنده أجازة النهاردة... قالتها بنفي لتنسحب إلى المطبخ كي تقوم بتحضير طعام الفطار،تحركت داخل الحديقة وباتت تتطلع بأعين باحثة عن الصغير لتستقر بنظراتها على ذاك الرائع المسمى بـ علام وهو يقف أمام زهوره النادرة يراعيها بنفسه يجاوره الصغير حاملاً بيده الدلو الخاص بري الزهور وتجاوره أيضًا الصغيرة بملامح وجهها السعيدة،تحركت صوبهم وما أن رأها الصغير حتى وضع ما بيده ليهرول إليها مهللاً:
-مامــي
فتحت ذراعيها على مصراعيهما لتستقبله بحفاوة وترفعه ليستقر بأحضانها الحانية،قبلت وجههُ بالكامل لتقول بصوتٍ يفيض حنانًا:
-حبيبي يا چو،وحـ.ـشـ.ـتني
-إنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و كتير
إستدار لينطق بصوتٍ حماسي وهو يشير إلى ذاك الحنون الذي غمره بعطفه واهتمامه الذي ملئ حياة الصغير وزاد من ثقته بحاله:
-شفتي يا مامي جدو علام خلاني أسقي الزرع بنفسي
إشتدت سعادتها لمعاملة ذاك الراقي لصغيرها الحبيب،تحركت صوبه لتقول بنبرة تحمل الكثير من الإحترام والتوقير:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
تطلع إليها يرمقها بعينين لائمتين لومة عزيزٍ غالي:
-هو ده اللي إتفقنا عليه؟!
قطبت جبينها لعدm وصول مغزى جملتهُ لعقلها ليتابع بإبانة بعدmا رأى حيرة نظراتها:
-مش كنا إتفقنا إنك هتقولي لي يا بابا؟
واستطرد بممازحة تراها منه ولأول مرة فهو الرجل الحكيم الصارم في أحكامه وقراراته لما لهُ من منصبًا رفيعًا بالدولة جعلت من الكل يهابهُ ويعطي له قدره:
-رجعنا في كلامنا ولا إيه؟
إنتعاشة هائلة إقتحمت قلبها وزلزلته من إثر حلاوة اللحظة، يا الله كم هو شعورًا رائعًا للغاية عنـ.ـد.ما يشعرك أحدهم أنك منه وأمر ما تشعر به من أحاسيس يهمه بقدر ما يهم أقرب الاقربون إلى روحك، إتسعت إبتسامتها الممتزجة بنظراتٍ تشع سعادة لتنطق بصوتٍ تخللته الرجفة من إثر المفاجأة:
-ده شرف كبير أنا ما استاهلوش يا افنـ.ـد.م
نطقت كلمـ.ـا.تها وقد إمتلأت عينيها بغيمـ.ـا.ت ملبدة من الدmـ.ـو.ع المتأثرة بحنو ذاك الذي يمتلك قلبًا من ذهب،إقترب عليها وربت على كتفها ليتحدث بإبتسامة حنون:
-إنتِ تستاهلي كل حاجة حلوة ولو بإيدي أقدm لك كل ما تتمنيه عن طيب خاطر،كفاية إنك رجعتي لي إبني من جديد
صمت ليخرج تنهيدة حارة شقت صدره قبل أن ينطق بعينين متأثرتين:
-لأول مرة بشوف فؤاد قلبه بينبض بالحياة ومقبل عليها من جديد،بعد ما كنا خلاص فقدنا الامل في إنه يرجع لحياته ويستمر
وبعد ما كنت خلاص أقلمت روحي إني مش هيكون لي حفيد يحمل نفس إسمي ويمد في جذور عيلتي، رجع الامل ينتعش في قلبي أنا وأمه من جديد، وكل ده بسببك يا إيثار
قالها بامتنان ليتابع لائمًا:
-وبعد كل ده بتقولي لي شرف كبير ما استاهلوش
نطقت بتلبك ظهر جليًا بنبرات صوتها ونظراتها الزائغة:
-أنا مش عارفة أقول لحضرتك إيه، لأول مرة بحس إن لساني مربوط وعاجز عن إنه يلاقي كلام أرد بيه على كلامك ونبل أخلاقك اللي غمرتني بيهم
لتسترسل بابتسامة خفيفة:
-تخيل حضرتك، أنا اللي شغلي كله معتمد على الكلام أبقى بالتوهة دي
-مش محتاجة تقولي أي حاجة لأن اللي عملتيه كافي ووافي بالنسبة لي...نطقها ليخفف من وطأة خجلها وتلبكها لتشملهُ بنظراتٍ يملؤها الإمتنان فتابع بمشاكسة وهو يتحسس وجنة الصغير المتابع لحديثهما بتركيزٍ عال:
-جرى إيه يا يوسف بيه،إحنا هنسيب شغلنا ونتعلق في حـ.ـضـ.ـن مامي كده كتير؟!
الزرع عطشان وعاوز يشرب
ضحك الصغير ونطق بنبرة حماسية وهو يتزحزح من بين أحضان والدته فى محاولة منه بالفرار:
-حاضر يا جدو
فلت من احضان والدته ثم أسرع إلى الصغيرة الواقفة بجوار حوض الورود ليسألها بنبرة طفولية:
-مش هتروي وردتك اللي بتحبيها يا بيسو؟
إرويها لي إنتَ يا چو علشان مش بعرف أشيل الماية...نطقتها الصغيرة وهي تنظر لدلو الماء، لينطلق الصغير بحماس نحو زهرتها وأمسك بالدلو وبدأ بريها تحت سعادة الصغيرة التي باتت تهلل وتشكرهُ بسعادة
جلست إيثار حول الطاولة لتراقب معاملة علام للصغار وترقبت بشـ.ـدة كيف يعلمهم الإعتماد على النفس ويزرع بداخلهما حب العمل والتعود على تحمل المسؤلية،جهزت عزة الفطار وأتت به إليها وتحدثت بنبرة حماسية:
-كلي أكلك كله، الباشا موصيني عليكِ قبل ما يمشي
-قال لك إيه عليا يا عزة؟...نطقت سؤالها بلهفة أسعدت قلب عزة التي هتفت بحبورٍ:
-قال لي اجهز لك فطار كويس وأخليكِ تاكليه كله،الراجـ.ـل خلاص، بقى ماشي يهلوس بيكِ
-مش قوي كده...قالتها بدلالٍ وهي تضحك لتجيبها الأخرى بإعتراض:
-أصلك مشفتهوش وهو بيتكلم عنك ولا لما يبص لك وإنتوا تحت
واسترسلت لتخبرها بما استمعت له من داخل المطبخ:
-ده البنات في المطبخ مستغربين وهيتجننوا من التغيير اللي حصل له وبيقولوا إنهم أول مرة يشوفوه كده،دول بيقولوا إنه كان بينزل تحت هو ومـ.ـر.اته الاولانية وكأنه ميعرفهاش،عمره ما بص لها زي ما بيبص لك ولا دخل معاها اللي اسمه إيه ده الزاكوزي
بمجرد ذكرها لعلاقته بزوجته السابقة إشتعلت نار الغيرة وتوهجت بجميع جسدها لتتحول ملامحها من مستكينة هادئة لغاضبة،هتفت بعينين حادة كحدة نظرات الصقر:
-خلاص مش عاوزة أسمع حاجة، وتاني مرة متكلمنيش في الموضوع ده
بتلك الثواني مرت بمخيلتها أن كل ما يفعله معها من دلالٍ وعشقٍ جارف يُغرقها به كانت تتذوقهُ على يده غيرها من النساء،بات صدرها يعلو ويهبط من شـ.ـدة إحتراقه لتهتف إلى عزة بحدة:
-سبيني لوحدي
إنسحبت ولم تتفوه بكلمة واحدة كي لا تزيد من نار تلك التي أمسكت بهاتفها لتضغط رقمه سريعًا دون تفكير، كان يجلس بمكتبه يتابع عمله ويرتبا للتحقيق الذي سيبدأ بعد قليل هو والكاتب ليصدح هاتفه، أمسكه ليبتسم طلقائيًا حين وجد نقش إسمها المدون"خليلة القلب"فمنذ عقد قرانه عليها سجلها بهذا اللقب،على الفور نطق للكاتب:
-سيبني شوية لوحدي يا حسين
-حاضر يا جناب المستشار...نطقها الرجل وما أن انسحب حتى أجاب سريعًا بصوتٍ ملئٌ بالعشق:
-أهو كده يدوب يومي بدأ وشمسي طلعت
-فؤاد...نطقت إسمه برجفة خلعت قلبه ليجيبها سريعًا:
-عيون فؤاد يا حبيبي
-إنتِ بتحبني، مش كده؟...قالت سؤالها بقلبٍ متألم ليجيبها بهيامٍ عنيف:
-لو فيه كلمة تعبر عن اللي جوايا أكتر من العشق كنت قولتها
سألتهُ من جديد بنرجسية جديدة على شخصيتها:
-أنا الست الوحيدة اللي دخلت قلبك، محدش دخل قبلي، صح؟
أجابها بكل ما تحملهُ كلمة عشق من معنى:
-لا فيه قبلك ولا هيكون بعدك، إنتِ الوحيدة اللي قدرتي تزلزلي كياني وتخليني أتنازل عن كل مبادئي قصاد إني أحصل على نظرة رضى واحدة من عيونك
تنهدت وانخفضت نار الغيرة بعض الشئ ليسألها بعدmا شعر بإخماد حريقها من خلال تنهيدتها التي وصلت لقلبه قبل أذنه فقد وصل بعشقه معها إلى المنتهى حتى صار يستمع لدقات قلبها ويفهم ما تشعر به دون أن تتفوه بحرفٍ:
-قولي لي بقى، حبيبي ماله ومين مزعله ومخلي نار غيرته على حبيبه شاعلة قوي كده؟
-للدرجة دي باين عليا...نطقتها بدلال لينطق بمداعبة:
-المكتب فحم من حواليا وريحة الشياط جايبة لحد مكتب النائب العام شخصيًا
قهقهت على دعابة زوجها وحسه الفكاهي الذي اكتسبه عن جديد ليعيد عليها السؤال مرةً أخرى بنبرة جادة:
-مش هتقولي لي مالك؟
تنهدت براحة لتجيبهُ بهدوء:
-مفيش حاجة،حبيت بس أطمن على مكانتي في قلبك
أجابها باقتضاب يرجع لضيق الوقت لديه:
-هحاول أصدقك لأن معنديش وقت مش أكتر، بس لما أرجع هتحكي لي أكيد
ابتسمت على اهتمامه بها لتنطق بنبرة حنون:
-أنا بحبك قوي يا فؤاد، وبمـ.ـو.ت من غيرتي عليك
-وفؤاد لا عمره حب ولا داب غير حبيبة حبيبها...نطقها بصوتٍ ينطق عشقًا ليرتاح قلبها، تنهد هو الاخر وتحدث باستعجال:
-أنا مضطر أقفل يا حبيبي علشان عندي تحقيق مهم هيبدأ بعد شوية، خلي بالك من حبيبي لحد ما أرجع له
إبتسمت لكلمـ.ـا.ته الناعمة التي يغمرها بها ويدللها حتى باتت تشعر بأنها ملكة وتربعت على عرش قلبه العظيم،نطقت بدلال تعلمته على يد عاشقها:
-هستناك يا حبيبي، متتأخرش على حبيبتك
-بحبك...همس بها بطريقة ناعمة ليغلق سريعًا تاركًا حبيبته لتهيم في بحر كلمـ.ـا.ت غزلهِ المنفرد،تنهدت بـ.ـارتياح لتتناول طعامها بنهمٍ وهي تشعر بلذة كل ما تتناوله،بعد قليل خرجت فريال من باب القصر واتجهت إليها وهي ترى عزة تلملم صحون الطعام هي وعاملة أخرى لتتحدث وهي تسحب المقعد إستعدادًا للجلوس:
-إعملي لي أي عصير فريش يا عزة
-من عنيا يا ست هانم...ثم التفتت إلى إيثار ونطقت لتتأكد:
-وإنتِ هعمل لك قهوتك حالاً
لم تجيبها والتفتت لتصيح بصوتٍ مرتفع نسبيًا كي يستمع إليه والد زوجها:
-تشرب قهوة معايا يا بابا؟
شملتها فريال بنظراتٍ متعجبة من تلك التي تنادي لأبيها بأبي،فاجأها والدها الرزين وهو ينطق بنبرة يملؤها الحنان:
-أه يا حبيبتي
كيف لأبيها ذاك الوقور المعروف بوسط عائلتهم بالجدية والصرامة أن يتعامل بكل حميمية وودٍ مع تلك الغريبة التي اقتحمت حياتهم،داخلها مشاعر مذبذبة، الأن وفقط فهمت مغزى شعورها المخيف تجاه تلك الـ إيثار منذ أن ولجت إلى منزلهم بصحبة شقيقها الذي كان يحاوط عليها كمن يحمي طفلته الصغيرة ويخشى عليها من الجميع،نعم إنه شعور الخوف والغيرة على عرشها،فمنذ أن خُلقت وجدت حالها ملكة متوجة على عرش عائلتها العظيم والان ذاك العرش بات مهددًا والخطر يحوم حولها في وجود أخرى يكن لها الجميع الكثير من الحب مع الإحترام والود،ابتلعت غصة مرة ومطت شفتيها كما الاطفال لتجد والدها يقبل عليهما بصحبة الصغار،جلس بالمقعد المجاور لكلتاهما ليسأل إبنته بحِنو:
-فؤاد الصغير فين؟!
أجابته بنبرة خالية من المشاعر فما زالت تلك الفكرة تسيطر على عقلها الصغير:
-نايم في أوضته والناني معاه
جلبت عزة القهوة والمشروب ليتناول كلاً منهم شرابه مع تناولهم للأحاديث المشتركة فلاحظت فريال تلقائية الأخرى وسجيتها في التعامل مع والدها ومعها فتنهدت لتأكدها عدm خبثها بل هي أبسط من أن تكون بتلك الصورة التي رسمها لها الشيطان منذ أن رأتها
*********
بأحد المناطق الراقية بالقاهرة الكبرى حيث المسكن الخاص الذي إشتراه نصر وخصصه إلى المرأة التي تزوجها سرًا لتشعره بأنه رجلاً بعيدًا عن سيطرة إجلال وسطوتها التي تمارسها عليه وتشعرهُ دائمًا بالدونية وبالمِن عليه وبأن الفضل فيما وصل له يرجع لوالدها ونفوذ عائلتها الكبيرة،خرجت شذى من غرفتها بعد أن تجهزت لاستقبال زوجها لتجد الخادmة "فُتنة"تتحرك ببهو المسكن بجوار التحف والمزهريات بنظراتٍ مريبة لترتبك حين وجدتها أمامها،هتفت شذى بتذمرٍ تستعجلها:
-إنتِ مش نضفتي الرسيبشن ده من بدري وظبطيه،واقفة عندك بتعملي إيه تاني؟!
_كنت بشيك على التحف والڤازات لحاجة تقع منهم يا مدام...قالتها بعدmا سيطرت على رجفة جسدها لتسألها الاخرى التي تنظر لحالها في المرآة الموضوعة بوسط البهو:
-خلصتي طبيخ ولا لسه؟
أجابتها باستفاضة:
-الأكل كله إستوى وقفلت عليه النار من شوية
فتحت محفظة النقود وأخرجت منها مبلغًا من المال لتبسط به يدها وهي تقول:
-طب خدي حسابك ويلا إنزلي بسرعة قبل ما جوزي يرجع، إنتِ عارفة مبيحبش حد غريب يدخل البيت
لتسترسل بإبتسامة ساخرة وتهكم:
-البيه فاكر إن أنا اللي بنظف وبطبخ له بنفسي
أخذت فُتنة المال وهي تقول بهدوء:
-فيه رجـ.ـا.لة كتير كده يا هانم، ميحبوش ياكلوا إلا من تحت إدين ستاتهم
هتفت الاخرى بغضبٍ حاد ينم عن مدى تـ.ـو.ترها:
-إنتِ هتقفي تتسايري معايا، يلا إخرجي قبل ما ييجي
لوت الفتاة فاهها وأسرعت إلى إلى المطبخ لتلتقط عبائتها السوداء وترتديها على عجالة وبسرعة البرق كانت تخرج من باب البناية ليصادف خروجها دخول ذاك الـ نصر ويليه الحارس الحامل بين يديه كمًا هائلاً من الاكياس،تخطاها لتلتفت الفتاة للخلف تتطلع إليه ثم مضت بطريقها،وصل للأعلى وأغلق باب الشقة بعدmا أدخل الحارس الأشياء داخل المطبخ، هرولت عليه شذى لترتمي بأحضانه وباتت تزيده من قبلاتها الناعمة التي تسحبهُ بها وهي تقول بزيفٍ:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا نصورتي، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
-مبلاش الإسم البايخ ده...قالها باستنكار وهو يقربها إليه لتمط شفتيها بدلال:
-بدلعك
نطق بصوتٍ غليظ:
-مبحبش دلع الاسامي،إنتِ عارفة الدلع اللي بيجيب معايا من الأخر واللي بسببه ليكِ غلاوة عندي
ضحكت برقاعة قبل أن تقول بدلالٍ لم يراهُ سوى على يداها:
-الدلع بكل أنواعه موجود وحصري عند شذى حبيبتك، تعالى الأول نتغدى وبعدها أوريك الدلع على أصوله
جذب ذراعها بقوة لترتطم بصدره من جديد وهو يقول بهفة واشتياق ظهرا بعينيه:
-تعالي هنا رايحة فين،هو الغدا هيطير
اطلقت ضحكة رقيعة من جديد لتتحرك معه صوب غرفة النوم الخاصة بهما.
*********
بعد مرور يومان، مساءًا بقصر علام زين الدين حيث أقيم حفلاً هائلاً دعى به جميع عائلته ونخبة من صفوة المجتمع بمناسبة زواج نجله الوحيد وترقيته بالعمل، كان الحفل مميزًا حيث تعاقد علام مع إحدى كبريات شركات تنظيم الحفلات ليخرج الحفل بطريقة منظمة وخاطفة للأبصار، ساعدت مساحة الحديقة الشاسعة على التنظيم أكثر، حضر الجميع ولم يتبقى سوى العروسان،إنتهت إحدي السيدات المسؤلة عن تزيينها والتي حضرت بطلب من فؤاد لتقول وهي تشير لها لتتطلع إلى المرآة:
-إيه رأيك يا مدام؟
وقفت تتطلع على حالها بإنبهار لتنطق بصوتٍ خفيض:
-تسلم إيدك
أومأت لها المرأة بهدوءٍ ورضى لتخرج من الغرفة أما هي فظلت تنظر لحالها بعينين راضيتين وبلحظة تحولت عينيها لفارسها الذي ولج للتو من الباب لتتسع عينيه وهو يتمعن بجمالها الخاطف للانفاس،إقترب مسلوب الإرادة حتى وقف خلفها مباشرةً لينطق بحروفٍ أظهرت كم انبهاره:
-إيه يا بابا الجمال ده كله
إبتسمت بسعادة لتسألهُ بتلبك ظهر بصوتها:
-بجد شكلي عجبك؟
بنظراتٍ مسحورة أجابها:
-إنت سحراني دايمًا يا إيثار،مجرد ما ببص في عيونك بتوه وبنسى كل الناس
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي...قالتها بنبرة حنون لتتابع بعيني زائغة كشفت عن حيرتها وتلبكها:
-أنا مكسوفة أنزل قوي يا فؤاد،أول مرة هشوف وأتعرف على عيلتك الكبيرة
-إوعى في يوم أسمع منك كلمة خايفة...قالها بقوة ليسترسل بنظراتٍ تهيم شوقًا بعشق الحبيب:
-تخافي إزاي وحبيبك جنبك؟
تبسمت بفضل كلمـ.ـا.ته الرائعة وبرغم هذا مازال الخوف يسكنها من مقابلة عائلته لها لتنطق بما يراودها من مخاوف:
-خايفة لأهلك ما يتقبلوش وجودي بينهم كعيلة
بنبرة تشع حنانًا نطق برجولة:
-إنتِ بكل أهلي وبكل الناس
واسترسل باستنكار لتفكيرها المنافي لعقله:
-وبعدين أهلي مين اللي خايفة مايتقبلوش وجودك،إحنا كل اللي يهمنا هما أبويا وأمي وفريال،وأظن دول مش محتاجة إني أقول لك إنهم مرحبين بيكِ
-سيبك بقى من التفكير السطحي ده وخليني أقدm لك هديتي الأولى... قالها وهو يتجه صوب الخزانة ليفتحها ثم يقف أمام خزنة حديدية ويفتح أرقامها السرية ليخرج منها عُلبة خاصة بالمجوهرات لونها بيج ويعود إليها من جديد،فتح العُلبة ليظهر منها بريقًا لامعًا خاص بحبات الالماس المرصوصة حول ذاك الطوق المميز،إنبهرت بجماله وجمال الإسوارة والخاتم المجاورين له،رفع الطوق وعاد خلفها ليساعدها على إرتدائه تحت نظراتها المنبهرة وهي تنطق بحفاوة:
-الكولية يجنن يا فؤاد
-عجبك يا قلب فؤاد؟...سؤالاً طرحهُ عليها بنعومة لتجيبهُ بانبهارٍ:
-ده أحلا كولية شافته عينيا
واسترسلت وهي تطالعه وهو يجلب الإسوارة من العلبة:
-بس مكانش فيه داعي تكلف نفسك يا حبيبي،ما انتَ لسه جايب لي طقم من قريب
أجابها بنبرة هادئة:
-الطقم الاولاني كان شبكتك يا عروسة، لكن ده هديتي ليكِ بمناسبة ترقية جوزك
البسها الخاتم ليرفع كفها يلثمه برقة نالت استحسانها،عاد خلفها من جديد وشملها بنظرة تقييمية لينطق منبهرًا:
-تجنني يا إيثار
قالها ليقترب من وجنتها الناعمة ويضع قبلة حنون بث من خلالها كم عشقه الجارف والكبير لتلك الراقية، ابتعد ليتنفس ثم سألها بغموضٍ:
-مستعدة تستقبلي مفاجأتك التانية؟
ضيقت بين عينيها حين وجدته ينسحب صوب الباب ويفتحه ليدخل منه شقيقها الوسيم وهو يرتدي بدلة فخمة تليق بمظهر الحفل أهداها إياه فؤاد، مصففًا شعره برتابة من يراهُ يعتقد أنهُ نجمًا سينمائيًا،انير وجهها وشعرت بفرحة عارمة شملت روحها لتفتح له ذراعيها على مصراعيهما ليهرول إليها ويرتمي داخل أحضانها كطفلٍ صغير كان ينتظر غفران والدته على ذنبه العظيم الذي إقترفهُ بحقها،تحدثت وهي تشـ.ـدد من إحتضانه:
-إيه المفاجأة الحلوة دي،وحـ.ـشـ.ـتني يا أيهم
اجابها بصوتٍ واهن خجول يرجع لخذلانه لها:
-وإنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و
تنفست رائحته بعمقٍ فقد وجدت به رائحة والدها الذكية،اما عزة فكانت تبكي من ذاك المشهد المؤثر، إقترب فؤاد وجذبها لأحضانه لتنظر له بامتنان وهي تشكره بصوتٍ متأثر:
-لو شكرتك من لبكرة على المفاجأة الحلوة دي مش هوفيك حقك
تطلع إلى عزة الواقفة بجوار الباب لينسب الحق لأهله:
-اللي المفروض تشكريها هي عزة، لأنها صاحبة الفكرة، أنا مجرد نفذت
خرجت من بين أحضانه لتقترب عليها وتقوم باحتضانها بقوة وهي تقول:
-ربنا يخليكِ ليا يا عزة وتفضلي دايمًا معايا
حولت بصرها لشقيقها واقتربت عليها تتلمس بكفها الحنون وجنته تحت سعادته البالغة،لينطق فؤاد مرحبًا به:
-نورت بيت أختك يا أيهم
-ده نورك يا باشا...قالها الشاب بخجل ليربت عليه فؤاد وهو يقول:
-طب يلا علشان ننزل، إتأخرنا كتير على الضيوف
بعد قليل خرجت من باب القصر تتأبط ذراع ذاك الوسيم تحت نظرات الجميع التي صوبت باتجاههما بعد صدوح صوت الموسيقى التي تسبق خروج العروسان مع التصفيق الحار لاستقبالهما،كانت ترتدي ثوب سهرة ناعمًا من اللون الابيض بتصميمه الكلاسيكي الرائع المصنوع من الدانتيل والحرير الطبيعي مما أعطاه ملمسًا سحريًا حيث جذب جميع الانظار ،وخامـ.ـا.ته الفاخرة التي جعلته يتماشى مع أجواء السهرة الأشبه بملكية،يأتي الفستان بأكمام طويلة وحزامًا مزينًا بالإكسسوار الأنيق لإضفاء لمسة أنثوية رائعة،كما تتزين أكمامه بالتطريز الهادئ الذي يزيد من جمال الثوب وجمال تلك الانيقة التي ترتديه،
تطلعت سميحة إليها لتمقتها بنظراتٍ تمتلؤ بالإحتقار والغيرة وخاصتًا بعدmا رأته من إهتمام وعشقٍ ظاهر بعيني فؤاد الذي يكاد يلتهمها بحب،إستقبلتهما عصمت بالقبلات والإهتمام الذي زرع الثقة بقلب إيثار ثم إنهال عليهما بعض الأقارب والمعازيم لتقديم التهنئة،تحرك بها لطاولة عمه أحمد والد سميحة ووالدتها وشقيقتها الاخرى وشقيقها،أشار إلى عمه وهو يقول بابتسامة خفيفة:
-أحمد باشا زين الدين،عمي
أقبلت عليه لتصافحه باحترام وهي تنطق بحفاوة وابتسامة رقيقة علت ثغرها:
-إتشرفت بمعرفة حضرتك
إبتسم لها قبل أن يقول بحفاوة:
-مبروك،نورتي عيلتنا وشرفتيها
-ميرسي يا افنـ.ـد.م
وتبادلت أيضًا المصافحة مع والدة سميحة تلك المرأة المتعالية التي صافحتها بأطرلف أصابع يدها حين قدmها فؤاد قائلاً:
-نجوى هانم،مرات عمي أحمد
لتنطق بكبرياء بعدmا شملتها بنظراتٍ متعالية:
-أهلاً
رفعت إيثار عنقها لأعلى تتطلع بعينيها على طاولة أيمن الأباصيري لتتحدث مع زوجها متجاهلة تلك المتعالية مما جعلها تستشيط غيظًا:
-فؤاد،تعالى نسلم على الباشمهندس أيمن ومدام نيللي
رمقتها بسخطٍ سميحة التي تجلس بغرور ولم تعير لوجودها إهتمامًا لكنها كانت تنتظر إهتمام الاخرى بها ليقول فؤاد بهدوءٍ كي تنتبه:
-حبيبي، مسلمتيش على سميحة
تطلعت عليها بنظرة تدعي الاسى والحرج وهي تقول بزيفٍ تعلمه سميحة جيدًا:
-سوري بجد،ما أخدتش بالي منك
رفعت قامتها تتطلع عليها بتفاخر قبل أن ترد لها الضـ.ـر.بة:
-عادي، أنا كمان مشفتكيش
تحمحم فؤاد ونظر لعمه مبتسمًا كي يرفع عنه الحرج الذي أصاب كلاهما جراء الحرب الدائرة بين كلتاهما مما أحدث تراشقًا متبادلاً من النظرات والكلمـ.ـا.ت:
-بعد إذن حضرتك يا عمي
إتفضل يا حبيبي... قالها الرجل لينسحب فؤاد وزوجته، نطقت نجوى باستشاطة ظهرت بعينيها وصوتها:
-شفت البنت وقلة ذوقها يا أحمد؟
تعجب من صياح زوجته الغير مبرر بالنسبة له لينطق بكلمة حق:
-إنتوا اللي بدأتوا بقلة الذوق إنتِ وبنتك معاها، إنتِ بغرورك في طريقة سلامك عليها، وبنتك اللي حاطة رجل على رجل وباصة الناحية التانية بمنتهي قلة الذوق
جحظت عيني نجوى لتقول باستياءٍ بالغ:
-إنتَ بتدافع عنها بدل ما تقول لاخوك على جليطة مرات إبنه؟!
رفع كتفيه لينطق بلامبالاة أحرقت روح زوجته:
-أشتكي لأخويا ليه،البنت جت سلمت عليا بكل إحترام ووشها ما شاء الله بشوش جداً،هي إتعاملت معاكم بنفس طريقتكم، وده شئ يُحسب لها
قال كلمـ.ـا.ته ليهب واقفًا وهو ينظر لتجمع رجـ.ـال العائلة وكأن شيئًا لم يكن:
-هروح اقعد مع علام ورجـ.ـا.لة العيلة
إحتدmت غيظًا بعد تحركه لتنظر هي لتلك الجالسة بجوارها:
-تعالي نروح نقعد مع ستات العيلة إحنا كمان بدل ما نتاخد مخالفة ويقولوا علينا متكبرين زي العادة
زفرت سميحة وهي تقف وتحركت بجانب والدتها بغرور، كانت ترتدي ثوبًا باللون الأحمر الصريح ذو حمالاتٍ رفيعة عاري الصدر والظهر وبالكاد يصل لمنتصف فخديها مما أشعل إيثار و.جـ.ـعلها تغير على زوجها من طلتها الجريئة،وصلا لطاولة عملاقة تضم معظم نساء وفتيات العائلة وجلستا بغرور،اقبلت عليهم عصمت وفريال لتقوما بالترحاب بالجميع بحفاوة،تحدثت إحدي سيدات العائلة:
-ألف مبروك لسيادة المستشار يا دكتورة
-الله يبـ.ـارك فيكِ يا ميرفت
سألتها أخرى بفضولٍ:
-هي العروسة من عيلة مين يا عصمت؟
-العروسة من كفر الشيخ يا منى،عيلتها مش معروفة في القاهرة...هكذا أجابتها فردت أخرى باستحسان:
-بس بصراحة يا عصمت فؤاد عرف يختار صح المرة دي، البنت زي القمر وشكلها محترمة ولبقة جداً في كلامها
اكملت اخرى على حديثها:
-دي مش زي القمر وبس يا لولو،دي كمان وشها حلو عليه،جت وجابت له الترقية معاها
تعالت ضحكاتهم لتهمس عصمت بسريرتها خشيةً من ان يصيب نجلها وزوجتهُ حسدًا من هؤلاء النسوة:
-قل أعوذ برب الفلق
فرقت نجوى نظراتها الحادة على الجميع بعدm ارتياح لتلك الجلسة، فطالما لم تنسجم بالتجمعات العائلية لشـ.ـدة تعاليها وشعورها الدائم بدونية الاخرين بجوار شأنها التي تراه عظيمَا،استشاط داخل سميحة ولم تعد تتحمل مدح الجميع بها لتنطق بنبرة حادة تنم عن غضبها ونيرانها الشاعلة:
-ت عـ.ـر.في يا انطي لولو إن العروسة اللي عمالين تمجدوا فيها دي بتشتغل سكيرتيرة
قالتها وهي تُشير بسبابتها بإشمئزاز لتحول عصمت بصرها إلى فريال التي ابتلعت لعابها وشعرت بأن الارض تهتز تحت قدmيها من شـ.ـدة الإحراج من والدتها
أخيرًا نطقت نجوى بعد أن قُدmت لها فرصتها فوق طبقٍ من ذهب لتهتف بإستياءٍ ظهر بصوتها وملامحها:
-أوووو،معقولة فؤاد علام يتجوز حتة سكيرتيرة!
وضعت منى كف يدها لتغطي به فمها وبدأن بالهمز واللمز لتقطع همسهم عصمت التي هتفت بصوتٍ واثق ومتزن:
-إيثار مديرة مكتب لشركة الاباصيري ودي واحدة من أكبر شركات الإستيراد والتصدير
، وحتى لو كانت سكيرتيرة فده ما يعيبهاش بشئ،بالعكس يعلي من شأنها إنها بتشتغل ومعتمدة على نفسها
واسترسلت وهي تنظر إلى سميحة:
-العيب إننا نتكبر على الناس ونقلل من شغلهم وكفاحهم لمجرد إننا إتولدنا أولاد لطبقة غنية وعالية
خجلت سميحة وسحبت بصرها لتنظر للأسفل فنطقت لولو بنبرة صادقة:
-عندك حق يا عصمت، الشغل عمره ما كان عيب،وبعدين شركة الاباصيري شركة مشهورة جداً ومش اي حد يشتغل فيها
اومأت عصمت برأسها لتنطق قبل أن تنسحب:
-بعد إذنكم هروح اشوف الضيوف وارحب بيهم
ثم تطلعت على نجلتها لتشير لها للحاق بها، رمقت سميحة بنظراتٍ حادة لائمة قبل ان تلحق بوالدتها
بعد ذهابها تحدثت نجوى بسخرية:
-قال مديرة مكتب قال، لا وبتقول لها بكل تفاخر،أمال لو دكتورة ولا شغالة في مكان مرموق كانت عملت فينا إيه؟!
نطقت لولو بمنطقية:
-يا جماعة هي هتفرق إيه سكيرتيرة من مديرة مكتب ولا إنشالله حتى كانت وزيرة، النتيجة في الاخر واحدة، وهي إن فؤاد علام هيقعدها في البيت وهيعيشها ملكة زمانها، إنتوا مش شايفين الطقم الالماظ اللي لابساه، دي يعمل له يجي أربعة مليون جنية
ردت أخرى بانبهار:
-ولا الفستان،واووو يجنن
-كل اللي بتقولوه ده ولا يهم عصمت وسيادة المستشار علام ولا يفرق معاهم في اي حاجة...كلمـ.ـا.تٍ مبهمة نطقت بها منى لتسترسل بإيضاح:
-إنتوا مش واخدين بالكم من نقطة مهمة جداً، فؤاد كان مُضـ.ـر.ب عن الجواز،والكل فقد الامل فإن علام يبقى له حفيد من صلبه غير ولاد فريال، يعني الجوازة دي بالنسبة لعلام وعصمت طوق النجاة الاخير
واسترسلت بلامبالاة:
- بغض النظر بقى عن العروسة من عيلة مين أو بتشتغل إيه، كل ده ولا يفرق معاهم جنب الفرحة الكبيرة اللي هيحسوها لما البنت تجيب لهم الوريث لكل الهيلمان ده
قالت أخرى:
-عندك حق، ده سيادة المستشار يمتلك أكبر ثروة في العيلة كلها
عودة إلى إيثار حيث ذهبت لطاولة أيمن الأباصيري بصحبة زوجها تحت نظرات سالي المشتعلة،لم تكن يومًا تكن الكره والبغضاء إلى إيثار، لكن شعور انها كانت تمن عليها بالهدايا والمعاملة الحسنة كان يرضي غرورها، لكنها لم تتقبل فكرة أن تلك العاملة في شركة والد زوجها أصبحت بين ليلةٍ وضحاها زوجة لنجل رجلاً بقدر ومنصب علام الكبير وشأن فؤاد وفوق كل هذا فإنهم يمتلكون أموالاً طائلة وأصولاً وشركات تعد بمليارات الجنيهات وكل هذا سيصبح مِلكًا لتلك الفلاحة إبنة القرية في حال إنجابها لذكرٍ للعائلة،تطلعت على تلك القلادة المعلقة بصدرها لتزيد من إشتعال نيران قلبها،كانت تتوسط الجلوس ما بين نيللي ولارا التي تحدثت بنبرة حماسية وهي تتطلع على الاجواء من حولها:
-الحفلة تجنن يا إيثار
عقبت بابتسامة سعيدة:
-عقبال حفلة جوازك وتبقى أحسن من دي ألف مرة يا لارا
-قريب جداً...نطقتها الفتاة بحماس بعدmا عادت لطبيعتها الاولى حيث واضبت على جلسات العلاج النفسي وتحسنت بفضل الله وبفضل إهتمام من حولها وأيضًا فادها كثيرًا إتمام خطبتها من الشاب التي تريده وتبادله العشق
وضعت نيللي كف يدها لتربت على كف إيثار وهي تقول بنبرة صادقة لإمرأة راقية:
-المرة الجاية نيجي نبـ.ـارك لك على أخو يوسف
ثم مالت على اذنها لتهمس بتوعية:
-إوعي تكوني بتاخدي حاجة تأجل الحمل يا إيثار
هزت رأسها نافية وهي تقول:
-لا خالص، ده فؤاد مستعجل قوي على الموضوع
ردت بمنطقية:
-لازم يستعجل،انا عرفت إن فؤاد ملهوش إخوات غير فريال،وطبيعي يستعجلوا على وريث للعيلة
زفرت سالي وهي ترى والدة زوجها تتهامس مع تلك الفتاة غير عابئة بوجودها،اما فؤاد فكان منشغل بالحديث مع أيمن وأحمد وأيهم الذي جاور فؤاد الجلوس،نظر أيمن إلى إيثار وتحدث مستفسرًا:
-هي سيادة المديرة مش هترجع شغلها بقى ولا إيه؟
ابتسمت لتشير بكف يدها إلى زوجها وهي تقول بمداعبة:
-حضرتك تقدر تسأل سيادة المستشار لأن العطلة من عند جنابه
رفع حاجبه الأيسر مستنكرًا وهو يقول بمشاكسة:
-أخرتها تسلمي جوزك تسليم أهالي للباشمهندس
أطلق الجميع ضحكاتهم عدا سالي المستنكرة ما يحدث ليتابع مسترسلاً بجدية:
-إن شاءالله هترجع بعد بكرة
-بجد يا فؤاد؟...قالتها بعدm إستيعاب لينظر إليها قائلاً بهدوء:
-بجد يا حبيبي،الباشمهندس صبر علينا كتير وكفاية لحد كده
تطلع أيمن إليه باستغراب، فقد توقع عدm موافقة فؤاد على عودة إيثار لممارسة عملها من جديد ولهذا فقد قام بتعيين فتاةً أخرى لتتدرب لحين إبلاغ إيثار بقرارها الاخير كي يتم تعيين الفتاة رسميًا بدلاً من إيثار لكنه تفاجأ بقرار فؤاد ونيللي أيضًا
*******
داخل إحدى الغرف الجانبية بالقصر، تدور عصمت حول حالها بوجهٍ غاضب لتصيح بحدة إلى تلك الواقفة كالتلميذ الفاشل:
-إزاي تعملي حاجة زي كده،تطلعي أسرارنا ولمين!
لواحدة تافهة زي سميحة؟!
واسترسلت بجنون:
-ليه يا فريال، ليه تحطي أخوكِ وتحطينا في موقف بايخ زي ده؟
بنبرة خجلة نطقت بدفاعٍ عن نفسها:
-يا ماما والله ما كنت أقصد،أنا كل اللي كنت بفكر فيه وقتها هو إني أحافظ على فؤاد وابعد عنه إيثار بوجود سميحة
هتفت بصياحٍ حاد:
-وإنتِ مالك، تدخلي في حياة أخوكِ ليه؟!
نطقت الفتاة بنبرة حزينة:
-مكنتش فكراه بيحبها ولا كنت فكراها كويسة، كنت مرعوبة على اخويا من فكرة تكرار الماضي
زفرت لتنطق بضجرٍ أصابها من تفكير نجلتها الأرعن:
-إنتِ ليه محسساني إن فؤاد ده عيل صغير ومن غيرك هيتوه؟!
نطقت بنبرة يملؤها الخجل:
-خلاص بقى يا ماما، والله ما هتدخل تاني في حياته، بس أرجوكِ بلاش تقولي له حاجة عن اللي حصل
أشارت بسبابتها بنبرة حاسمة ولهجة حادة لا تقبل النقاش:
-ده أخر تحذير ليكِ،غلطة كمان وكل حاجة هتوصل لبابا وهو يتصرف معاكِ ويشوف اخر جنانك ده إيه
قالت جملتها بتهديد لتخرج باندفاع للخارج لتنظر الاخرى لأثرها بخزيٍ وخجلٍ يسيطران عليها والنـ.ـد.م يملؤ قلبها
عودة للحبيبان،إشتغلت الموسيقى لرقصة السلو فاقترب من حبيبته وأمسك كف يدها ووقف بها بوسط الساحة المخصصة لرقص الثنائيات،همست بجانب أذنه بإعتراضٍ:
-مش هينفع أرقص،مبعرفش وهفضحك والناس هتضحك علينا
همس بنبرة هادئة بثت بداخلها الطمأنينة:
-ششش،إهدي يا بابا وسلمي لي نفسك،إمشي معايا في الخطوات زي ما علمتك إمبـ.ـارح وإنتِ هتبقي هايلة
بالفعل بدأت باتباع الخطوات وبعد قليل شعرت بليونة جسدها وخفة حركتها بين يديه،تعمقت بعينيه العاشقة ليهمس بنبرة هائمة:
-بحبك، وكل يوم بتعلق بيكِ أكتر
وإنتَ بقيت كل حياتي يا فؤاد...قالتها بنبرة رومانسية لتتابع رقصتها الاولى معه أمام الناس لتنتهي الرقصة على خير ليصفق لهما الجميع بحفاوة كتحية للعروسان
بعد قليل، إشتغلت موسيقى لرقص الثنائيات مرةً أخرى فقفزت سميحة وتوجهت صوب فؤاد الواقف بجوار بعضًا من أبناء عمومته لتسحبه من كفه وهي تقول بدلالٍ وحماسٍ زائد:
-تعالى يا فؤاد أرقص معايا
كانت تقف بجوار شقيقها تتحدث معه وتستعلم عن حال والدتها وشقيقاها،وما أن رأت تلك التافهة تقترب من رجلها حتى هبت النيران المستعرة لتشعل جميع جسدها ،راقبت تصرفات فؤاد بتمعنٍ حيث جذب يده من بين راحتها قبل أن يشملها بنظراتٍ متعجبة وهو يقول:
-أنا من إمتى برقص معاكِ علشان أرقص النهاردة يا سميحة؟!
تدللت لتجذب كفه من جديد كي تشعل زوجته وتخلق بينهما بابًا لفتح المشاكل يعود عليها بالنفع:
-علشان خاطري، بليز توافق يا فؤاد
سميحة... نطقها بنظراتٍ حادة كالصقر قبل أن ينسحب بطريقه لزوجته التي تنهدت براحة فور رؤيتها لتصرفه الذي برد نار قلبها المشتعلة، أما سميحة فتحرك إليها شابًا يدعى محمود يعشقها وتقدm لخطبتها لكنها رفضته لتعلقها الشـ.ـديد بفؤاد وانتظارها له، تحدث الفتى باسطًا ذراعه في دعوة صريحة منه بعدmا رأى إحراجها على يد فؤاد:
-تعالي نرقص مع بعض يا سو
-مش عاوزة أرقض خلاص...نطقتها بملامح وجه مكفهرة لتنسحب كالإعصار من أمامه
-وصل إليها ليحاوط خصرها بذراعه معلنًا للجميع ملكيته لتلك الجميلة التي شملته بنظرة حنون،قال قاصدًا أيهم بملاطفة:
-إظن أنا كده عداني العيب، ليا نص ساعة بحالها سايب لك مراتي
ابتسم أيهم لينطق بحفاوة:
-بصراحة عداك العيب وأزح يا سيادة المستشار
تحدث فؤاد بنبرة جادة:
-إعمل حسابك إنك هتبات معانا النهاردة
متشكر يا سيادة المستشار،بس أنا لازم أروح علشان عندي شغل بكرة...قالها بهدوء لتقول هي:
-خد مفتاح الشقة بتاعتي وبات فيها، وياسيدي إبقى خد اجازة بكرة، مش لازم تروح الشغل بعد يوم سهر زي ده
-إنتَ خريج إيه يا أيهم؟...سؤالاً وجهه فؤاد له ليجيبهُ:
-كلية تجارة
قطب جبينه بتفكر قبل أن ينطق بجدية:
-طب ما تسيبك من شغل الحكومة ابو ملاليم ده وتعالي إشتغل في الشركة بتاعتنا
تطلعت إليه إيثار بتمعن ليتابع هو:
-هخلي عمي أحمد يعينك بالمؤهل بتاعك ويحط لك مرتب محترم تقدر تكون حياتك من وراه
راق له العرض كثيرًا لكن توجد بعض العقبات أمامه ليقول بتردد:
-بس ميزة هناك إن البيت جنب شغلي،لكن لو جيت هنا هضطر أصرف نص مرتبي على السكن
هتفت إيثار بحماس:
-إقعد في شقتي
ابتسم فؤاد لينطق بمداعبة:
-وادي يا سيدي مشكلة السكن إتحلت
نظر لهما بتردد لتحسه وهي تمسك بكفاه متحمسة للفكرة:
-وافق يا أيهم، دي فرصة حلوة قوي ليك، لو فضلت في وظيفتك عمرك ما هتعرف تتجوز ولا تكون نفسك
رفع كتفه باستسلام ثم تحدث بابتسامة سعيدة:
-تمام
وضع فؤاد كفه فوق كتفه ليربت عليه قائلاً:
-مبروك عليك الوظيفة
الله يبـ.ـارك فيك... قالها بنبرة سعيدة
إنتهى الحفل على خير وانسحب الجميع،صعدت بجوار زوجها لجناحيهما ليحيا كلاهما بداخل أحضان الاخر ويختما ليلتهما بتلاحم روحيهما معًا
*********
بعد يومان
فاقت باكرًا لتلج إلى الحمام إغتسلت وتوضأت وصلت فرضها بصحبة زوجها الحبيب،وبعد مدة كانت تجاوره الوقوف أمام مرآة الزينة، تلف حجابها بعناية وهو يلف ربطة عنقه، وقف قبالها وأخرج ساعة يد من إحدى الادراج وتحدث بنبرة حنون وهو يلبسها إياها بعناية:
-الساعة دي هديتي ليكِ بمناسبة رجوعك للشغل، مش عاوزك تقلعيها من إيدك نهائي
-خالص مالص،حتى وأنا باخد شاور؟...قالتها بدلال وهي تشاكسه لينطق بنبرة حنون وهو يتابع غلق قفل الساعة:
-إسمعي كلام حبيبك من غير جدال
إنتهى ليتطلع على الساعة بتمعن فاقتربت عليه لتتلاعب بأناملها بزرائر قميصه ثم وقفت على أطراف أصابعها كي توازي طوله لتقول وهي تطبع قبلة حنون بوجنته:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
تحمحم لينظف صوته قبل أن ينطق بهدوء:
-إيثار،أنا جبت لك عربية جديدة هتروحي بيها النهاردة
قطبت جبينها لتسألهُ باستغراب:
-وجبت لي عربية ليه؟، ما أنا عندي عربيتي
حاوط خصرها بذراعيه ليميل على أنفها ويضع قُبله فوق ارنبته لينطق وهو يتعمق بعينيها:
-عربيتك مبقتش تليق بمرات فؤاد علام يا قلب وروح وحبيبة فؤاد علام
إبتسمت لدلاله الزائد الذي لم يدع مناسبة إلا وغمرها به ليتابع هو مقترحًا:
-ممكن تسيبي عربيتك لـ أيهم، بما إنك مش محتاجاها خلاص
ضيقت بين عينيها لتنطق باقتناع:
-فكرة حلوة
تنهدت لتنطق وهي تتلفت حولها:
-يلا يا حبيبي علشان ما نتأخرش
تحركت خطوة مبتعدة عنه ليجذبها بقوة لتعود مرتطمة بصدرة القوي لتتطلع عليه وجدت بعينيه عشق وحب يكفي لإحياء عشرة قلوب،إحتضنها بقوة ثم أبعدها قليلاً وبات يقبل وجنتيها بنهمٍ وشغف لينطق بنبرة تفيضُ حنانًا:
-انا بحبك، قوي
-عارفة... قالتها بتأكيد متعجبة حالته ليسترسل وهو يبتلع لعابه:
-يلا ننزل
تحركت بجانبه ونزلا الدرج ومنه إلى غرفة الطعام ليتناولا فطورهما ومن ثم جاورته التوجه إلى الجراچ لترى سيارتها الفارهة التي أسعدت قلبها ليس لقيمتها المادية المرتفعة ولا لماركتها العالية، بل لاهتمامه بها ودلالها بكل الطرق، إستقلت سيارتها وانطلقت تحت نظراته المترقبة
ولجت إلى الشركة تحت سعادة قلبها لعودتها إلى العمل التي عملت عليه كثيرًا كي تصل لتلك المكانة،رحب أيمن بها والجميع بحفاوة ومر اليوم بسلاسة، نزلت للاسفل باستخدام المصعد الكهربائي ومنه للخارج، استقلت السيارة وتحركت بطريقها للعودة إلى منزل زوجها،كانت تقود بسعادة وانتشاء يرجع سببها للعودة إلى العمل،وعلى حين غرة حاوطتها سيارة دفع رباعي وبدأت بالتضييق عليها، للحظة فكرت بأن سائقها تجرع أحد المشروبات الكحولية لكنها فزعت عنـ.ـد.ما احتكت سيارتها بإحدى السيارات بالجهة الأخرى لتحدث صريرًا عاليًا صرخت رعـ.ـبًا على اثره،باتتا السيارتين تضيقتين عليها المرور وحين عجزت عن الحركة توقفت وبدأت بالصراخ حين ترجل من السيارة عدة رجـ.ـال ملثمون ليقتحموا سيارتها ويفتحوا الباب ليخرجوها عنوةً عنها تحت صرخاتها المستنجدة ولكن من سيسمع فقد استدرجوها لشارعًا جانبيًا هادئًا للغاية،جذبها أحدهم ليجبرها على التحرك صوب السيارة بطريقة عنيفة وهي تصرخ قائلة:
-إنتوا مين وعايزين مني إيه؟!
هتف الرجل بحدة:
-إدخلي العربية وإمشي معانا من سكات أحسن لك
صاحت مستنجدة:
-سيبوني حـ.ـر.ام عليكم، خلوني أرجع لإبني، خدوا العربية وخدوا كل حاجة وسيبوني
جذبها ليلقي بها داخل السيارة بطريقة عنيفة لتصرخ بكامل صوتها:
-فؤااااااااد.
↚
تجبرنا الظروف أحيانًا بأن نسلك دروب لا تشبهنا ولم نكن يومًا لنتخيل المضي قدmًا بداخلها، لكننا في بعض الأحيان نُرغم ونرضخُ كي نحصل على مبتغانا،وها أنا الأن أسلك درب الوصول لمبتغاي بأبشع شعورًا يمكن أن يُصيب رجلاً،مابالك بعاشقٍ مثلي،إنه المـ.ـو.ت بعينه يا صديقي.
فؤاد علام زين الدين
بقلمي "روز أمين"
حاوطتها سيارة دفع رباعي وبدأت بالتضييق عليها ومحاصرتها،في بادئ الأمر خُيل لها بأن سائقها متجرعًا لأحد المشروبات الكحولية وزمام أموره قد فلت منه وهذا ما تسبب في عدm إتزانه لكنها سرعان ما فزعت عنـ.ـد.ما احتكت سيارتها بإحدى السيارات بالجهة الأخرى لتحدث صريرًا عاليًا صرخت رعـ.ـبًا على أثره،باتتا السيارتين تضيقتين عليها المرور وحين عجزت عن الحركة أوقفت القيادة وبدأت بالصراخ مستنجدة لعل احدهم من المارة يستمعها ويأتي لنجدتها، في حين ترجل من السيارة عدة رجـ.ـال ملثمون ليقتحموا سيارتها ويفتحوا الباب ليخرجوها عنوةً عنها تحت صرخاتها المستنجدة ولكن من سيسمع فقد تم إستدراجها عن طريقهم لشارعًا جانبيًا هادئًا للغاية،جذبها أحدهم من ذراعها ليجبرها على التحرك صوب السيارة بطريقة عنيفة وهي تصرخ قائلة:
-إنتوا مين وعايزين مني إيه؟!
هتف الرجل بحدة:
-إدخلي العربية وإمشي معانا من سكات أحسن لك
صاحت مستنجدة:
-سيبوني حـ.ـر.ام عليكم، خلوني أرجع لإبني،خدوا العربية وخدوا كل حاجة وسيبوني
جذبها ليلقي بها بالكنبة الخلفية داخل السيارة بطريقة عنيفة لتصرخ بكامل صوتها مستنجدة بفارسها:
-فؤااااااااد.
حاوطها رجلان بالجلوس لتجد حالها محاصرة من الجهتين، قاومت وباتت تضـ.ـر.ب كليهما بقبضتاها ليصـ.ـر.خ الرجل المجاور للسائق قائلاً بتوبيخٍ لكلاهما:
-مستني إيه يا بجم منك ليه،رش عليها المنوم خليها تخرس قبل ما تفضحنا
إنتابها شعورًا بالرُعب وبات صدرها يعلو ويهبط ودقاتها تنتفض داخل قلبها ثم وضعت كفيها لتحمي بهما وجهها وهي تصرخ مستنجدة برب العالمين:
-يــارب، ساعدني يارب
أزاح أحد الرجلين كفيها بقوة ألمتها وزادت من رُعبها وهي تتلفت بوجوه هؤلاء الملثمين بعينين زائغتين أما الأخر فضغط على البخاخ ليخرج منه رذاذًا بكثرة ما أن إستنشقته مرغمة حتى تشوشت الرؤية لديها وبدأت بفقد وعيها رويدًا رويدا حتى فقدته بشكلٍ كامل وألقت برأسها للخلف بإهمال، إنطلق السائق بالسيارة على أقصى سُرعة وبعد ما يقارب من النصف ساعة بدأت باستعادة وعيها رويدًا رويدا،كانت تشعر بدوارٍ وثقل شـ.ـديد برأسها،إستمعت لبعض صدى الأصوات من حولها وكأنها داخل حُلمًا، لم تستطع التركيز لعدm إستعادة وعيها بشكلٍ كامل،قاومت لتفتح عينيها لكنها وجدت عائقًا أمامها لتكتشف أنها معصوبة العينين وليس هذا فقط بل شعرت بتقييد ذراعيها من الخلف وأيضًا ساقيها مقيدتين ببعضيهما لتتيقن أنها مقيدة فوق المقعد الجالسة فوقه، إستمعت لصوتٍ يأتي من بعيد لرجلًا وهو يقول بصوتٍ خَشن:
-الغدا وصل يا رجـ.ـا.لة،يلا علشان ناكل قبل ما يبرد
تلفتت بجنونٍ أصابها لعدm رؤيتها للمكان وعدm فهما لما يجري لتهتف بنبرة مرتعبة:
-أنا فين، وإنتوا مين، وجايبيني هنا ليه؟!
إستمعت لأصوات أقدامًا تتحرك حتى إقتربت منها ليميل صاحب القدmين عليها واقترب بشكلٍ كبير حتى انها شعرت بحرارة أنفاسه تلفح بشرة وجنتها قبل أن يتحدث قائلاً بفحيحٍ:
-ما تخافيش قوي كده يا روح قلبي،ده انتِ في إيد أمينة، إيد حبيبك،ولا نسيتي أنا كنت إيه بالنسبة لك؟
دب الذعر في أوصالها لتشهق برعـ.ـبٍ أصاب قلبها وهي تنطقُ بذهولٍ:
-عمرو!
بسط يده ليجلع عنها عصبة عينيها بقوة ألمتها لتصرخ على إثرها:
-أه
إيه يا حلوة،إتو.جـ.ـعتي؟...نطقها وهو ينظر لعينيها التي بدأت تفتحهما بألم ناتج عن ضغطهما بالعصبة لمدة طويلة،إرتعدت وهي تتراجع برأسها للخلف لقرب ذاك المعتوه منها بشكلٍ كبير ليتابع بشرٍ ظهر بعينيه:
-هو أنتِ لسه شفتي و.جـ.ـع يا بنت غانم،ده أنا هحاسبك على كل لحظة قللتي فيها مني لما سبتيني ومشيتي مع وكيل النيابة اللي عمل لي فيها سبع رجـ.ـا.لة وجه خدك من بين إيديا،بس أنا غفلته ورديتها له وخـ.ـطـ.ـفتك من قلب بيته
واسترسل بتفاخر وهو يرفع قامته لأعلى:
-مهو مش عمرو البنهاوي اللي يتعلم عليه ويسكت
تلفتت من حولها بذُعرٍ وهي تنظر لهؤلاء الرجـ.ـال المنتشرين داخل بهو المنزل الفخم الذي تراهُ لأول مرة بحياتها،إلتفتت إليه لتطالعه بوجهٍ شاحب وجسدٍ يرتجف رُعبًا من هيأته الجنونية وهو يقول بعينين توحي إلى جحيمه القادm:
-وحياة كل لحظة حلوة عيشناها مع بعض لأدفعك تمن كل و.جـ.ـع حسيت بيه وأنا بتخيلك مع غيري،كل يوم كان بيعدي عليا وإنتِ في بيته
واستطرد بنظراتٍ توحي لمدى حقدهِ الدفين وغضبه:
-جـ.ـسمي اللي كان بيقيد نااااار وأنا بتخيلك وإنتِ نايمة في حـ.ـضـ.ـنه
نظرت له بتقزز وباتت تحرك رأسها يمينًا ويسارًا قبل أن تنطق بذهولٍ ممزوجًا بالإرتياب:
-إنتَ أكيد إتجننت وفقدت عقلك
-هو إنتِ خليتي فيا عقل بعد ما رمـ.ـيـ.ـتي نفسك في حُضن راجـ.ـل غيري وإتحامـ.ـيـ.ـتي فيه مني!...نطقها بصراخٍ أرعـ.ـب أوصالها ليقترب منها أكثر وهو يهمس بضعف ظهر بَين بمقلتيه:
-عقلي خدتيه معاكِ يوم ما خدتي إبني وروحتي بيه على مصر وإتحامـ.ـيـ.ـتي مني في مديرك الشايب
فرد ظهره سريعًا وبات يستعرض بذراعاه بكبرياء وغرور:
-بس خلاص،كل الو.جـ.ـع اللي عشته قبل كده هينتهي النهاردة،النهاردة هيكون يوم الخلاص اللي إستنيته سنين
ليتابع وهو يقبض على كفه بقوة:
-وبإيدي،بإيدي هيتم الخلاص يا إيثار
أقبل عليه رأفت صديقه وتحدث بـ.ـارتيابٍ:
-إهدى يا عمرو ووطي صوتك،ما يصحش الرجـ.ـا.لة اللي معانا يسمعوك وإنتَ بتكلم أم ابنك كده
دفعه للخلف بقوة لينطق بنبرة حادة وهو ينظر لهؤلاء الرجـ.ـال المصطفون حول أكياس الطعام الموضوعة فوق طاولة جانبية ويلتهمون ما بداخلها بطريقة مقززة:
-خد البهايم دول وخليهم يطفحوا جوة في أوضة السُفرة
ليعيد بصرهُ إليها وهو يقول متهكمًا:
-وسبوني مع مراتي الحلوة لوحدنا
كانت تحرك رأسها بذهولٍ وهي تتطلع عليه بعدm استيعاب بما يحدث من حولها،هل هي حقًا الأن بين قبضة ذاك المعتوه وداخل براثنه،ماذا سيفعلُ بها وعن أي خلاصٍ يتحدث، يبدو أنه قد جُن على الأخير،تنفست لتنطق بحذرٍ نظرًا لحالته الجنونية:
-فوق يا عمرو قبل ما تضيع نفسك وتضيعنا معاك،فكر في يوسف وحط مصلحته قدام عنيك
-ما أنا كل اللي بعمله ده علشان خاطرنا إحنا ويوسف...قالها بهدوء ليتابع وهو يشملها بنظراتٍ ولهة عبرت عما يكنه من عشقٍ داخل قلبه المريـ.ـض:
-عارفة يا إيثار، برغم اللي عملتيه فيا ده كله إلا إني لسه بمـ.ـو.ت فيكِ وبتمني لك الرضا
واسترسل بطمأنة:
-علشان كده مش عاوزك تقلقي، لما نسافر هعـ.ـا.قبك الأول على كل اللي عملتيه فيا ونبقى خالصين، وبعدها هعيشك ملكة،أنا وإنتِ ويوسف هنعيش ملوك في إيطاليا
اتسعت عينيها هلعًا لتصرخ قائلة:
-إيطاليا إيه اللي هنسافرها يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
أصابتها حالة من الهياج لتصرخ وهي تزحزح جسدها المقيد بالمقعد في محاولة فاشلة منها للتخلص من القيود:
-فكني يا عمرو، فكني وبطل جنان وخليني أروح لإبني
مال عليها وحاوط وجنتها بكف يده ليهمس بحنان وهو يداعب أنفها بخاصته كي يطمأن رعـ.ـبها:
-متخافيش يا حبيبتي،يوسف هيجي لنا حالاً،أنا بعت له ناس مستنياه على طريق المدرسة،أول ما يخرج هيجيبوه لحد هنا وعلى بكرة الصبح هنكون متحركين على مركب هتوصلنا لإيطاليا ومن هناك هنسافر ونلف الدنيا كلها
وتابع بعينين لامعتين بزهوٍ:
-أنا بقى معايا فلوس كتير قوي يا إيثار، فلوس هتعيشنا ملوك إحنا ويوسف وولادنا اللي هنخلفهم
ذُهلت من حديثه اللاواعي والجنوني لتنطق بنظراتٍ زائغة تفرقها هنا وهناك بتشتت ظهر على ملامحها:
-لا،لا إنتَ اكيد مـ.ـجـ.ـنو.ن،،إنتِ ناسي إني متجوزة؟
اشتعلت عينيه بشرارات الغضب ليصـ.ـر.خ بحدة هادرًا بقوة أصابت جسدها برجفة حادة:
-أنا جوزك الأول والأخير، ومفيش قوة على وجه الأرض هتقدر تبعدك عني تاني،وإياك أسمعك تنطقي كلمة متجوزة دي تاني،إنتِ فاهمة؟
تطلعت لهيأته والأن تأكدت من فقدانه لبصيرته،فقد جنب العقل وباتت تحركه مشاعر الغيرة والتملُك ويرجع سبب هذا لتعاطيه للحبوب والأعشاب المـ.ـخـ.ـد.رة التي كست على عقله غشاوة وبات يتصرفُ بعشوائية دون وضع أي حساباتٍ لخطواته،خرج صوتها بضعفٍ وعينين يكسوها الألم والترجي:
-فوق يا عمرو علشان خاطر يوسف،إنتَ كده بتدmر مستقبل إبنك
واسترسلت بقراءةٍ لما هو آت:
-فؤاد مش هيسيبك إلا لما يدmرك
صاحت بجملتها الاخيرة التي أخرجت الوحش الكامن بداخله لينقض عليها كثورٍ هائج فلت لجامه ويقوم بصفعها بقوة جعلت وجهها يهتز على إثر الصفعة ولم يتوقف بل تلاها بأخرى أشـ.ـد وأقوى وبات يزيدها حتى رأى الدmاء تسيل من أنفها وجانب شفتها السُفلى ليتوقف على الفور ويجس بركبتيه أمامها وهو يتفحص وجهها قائلاً بذهول:
-عاجبك كده،إستفزتيني لحد ما خلتيني أفقد سيطرتي وأضـ.ـر.بك
واسترسل ملقيًا اللوم على عاتقها:
-نفس اللي كنتي بتعمليه زمان
ألقت برأسها للخلف باستسلام وإعياءٍ شـ.ـديد بعدmا شعرت بتخدر وجهها بالكامل من إثر صفعاته القوية،سلمت أمرها لبـ.ـارئها لتنطق بصوتٍ واهن:
-يارب،إشملني بعطفك ونجيني يارب
********
بنفس التوقيت
كان يجلس داخل مكتبه بجسدٍ مشـ.ـدود وعقلٍ غاب عنه لشـ.ـدة تـ.ـو.تره وترقبهُ لما سيحدث،وضع رأسهُ بين كفاه وبات القلق ينهش داخله بل ويفتك بقلبه العاشق،
تجبرنا الظروف أحيانًا بأن نسلك دروب لا تشبهنا ولم نكن يومًا لنتخيل المضي قدmًا بداخلها، لكننا في بعض الأحيان نُرغم ونرضخُ كي نحصل على مبتغانا،وها أنا الأن أسلك درب الوصول لمبتغاي بأبشع شعورًا يمكن أن يُصيب رجلاً،مابالك بعاشقٍ مثلي،إنه المـ.ـو.ت بعينه،إنتفض بجلسته عنـ.ـد.ما صدح صوت هاتفه الجوال ليرفعه ويجيب سريعًا بعدmا شاهد إسم نبيل:
-أيوا يا نبيل
نطقها بصوتٍ لاهث وكأنه يصارع المـ.ـو.ت ليجيبه الأخر بنبرة جادة:
-الهدف دخل المصيدة يا افنـ.ـد.م
واسترسل:
-عربيتين دفع رباعي حاوطوا الهانم وأجبروها تدخل في شارع جانبي،والمدام إتحركت معاهم حالاً في عربيتهم
وكأن أحدهم غرس خِنجرًا مسموم بوسط قلبه،الأنثى الوحيدة التي إستطاعت تحريك مشاعره و.جـ.ـعلته يفتح أبواب قلبه لإستقبال الحياة بحفاوة من جديد،ها هي الآن بين أيادي هؤلاء الخارجين عن القانون وعليه الصبر والتروي وعدm التهور،أي عقلٍ لديه سيتحمل هذا الشعور الممـ.ـيـ.ـت الذي يمزق أحشائه إلى أشلاء، وإن تحمل العقل فهل يستطيع الفؤاد الصمود،أخرج صوته بصعوبة وهو يسألهُ:
-إتأكدت بنفسك إن القوة الأمنية محاوطة البيت؟!
أجابه الرجل باستفاضة:
-أيوا يا سيادة المستشار،أول ما سمعنا عن طريق الكاميرات إن رجـ.ـالته إتحركت لطريق شركة الأباصيري بلغنا سيادة اللوا المسؤل عن القضية وسيادته أمر بتحرك القوة وإنتشارها حوالين البيت
واسترسل بإبانة:
-كده فقدنا كاميرات العربية اللي في الفوانيس وجواها بعد ما خرجوا الهانم منها،بس لسه معانا الـ Gpc اللي موجود في الساعة
كان يستمع له بقلبٍ يعتصر ألمًا،هب واقفًا وتحدث بنبرة جاهد بصعوبة لتخرج هادئة:
-تمام يا نبيل، أنا هقفل لأني لازم أتحرك حالاً
أغلق الهاتف وتحرك سريعًا باتجاه المكان المخصص لتعليق حلته ليجذبها وبلمح البصر كان يرتديها ليعود من جديد إلى مكتبه الخشبي يختطف عليقة المفاتيح الخاصة به وجميع متعلقاته الشخصية ليتجه مهرولاً للخارج ومنه للجراچ ليتحرك منطلقًا بسيارته باتجاه منزل عمرو المتواجد بأحد المناطق السكنية الجديدة،زفر بقوة عله يخرج نيران قلبه،هز رأسهُ بألم وبدأ يتذكر ما حدث باليوم الثالث لدخول إيثار قصره
عودة لما قبل شهرٍ من الأن......
تخطت الساعة العاشرة ليلاً،كان يجلس فوق التخت مستندًا بظهره للخلف وعلى وجههِ إبتسامة هائلة تنم عن مدى راحته،كلما تذكر ما حدث منذ يومين وبأن أميرته أصبحت الأن تسكن قصره تزداد سعادته ويشعر بالإستكانة والهدوء،تحرك ليتجه نحو الشرفة ليفتح بابها الزجاجي ويستند بكفيه على السور الحديدي،رفع رأسهُ للأعلى ليغمض عينيه ويأخذ نفسًا مطولاً من الهواء النقي ويزفرهُ براحه،بات يكرر عملية التنفس حتى شعر بإستكانة روحه،فتح عينيه وبات يتجول بهما يتفحص المكان ليقع بصرهِ على سيارة تصطف على بُعد عدة أمتار من القصر،تعجب من داخله لينسحب للداخل ويمسك هاتفه بعدmا تحرك الحث القانوني لديه وشعر بالريبة،اتصل برئيس الحرس وتحدث أمرًا:
-بهاء،شوف لي حكاية العربية اللي راكنة برة دي،ومن غير ما يحس صاحبها تجيب لي رقم اللوحة بتاعتها
-أوامر جنابك يا سيادة المستشار...قالها الرجل ليبعث بأحد الحرس يتحرى عن رقم لوحة السيارة دون أن يلاحظه أحد وما أن أعطى الإشارة لكبير الحرس حتى توجه الرجل صوب السيارة ودق على الزجاج الحاجب للرؤية "مُفيم"ليسحب قائد السيارة الزجاج للأسفل عن طريق الزِر الإلكتروني لينكشف وجه القائد وشخصًا أخر يجاوره الجلوس بالمقعد المجاور ليسألهُ الحارس مستفسرًا:
-خير يا بشوات، إيه اللي موقفكم هنا؟!
تعمق عمرو بعينيه لينطق ساخرًا بطريقة فظة:
-وإنتَ تطلع مين علشان تيجي تسألنا وتحقق معانا؟!
هتف الرجل بحدة بالغة:
-لما تبقى واقف قدام القصر اللي أنا مسؤل عن حمايته يبقى مالي ونص
تابع عمرو تهكمه لينطق ساخرًا:
-يا عم أنا جيت جنب القصر بتاعكم ولا لمست السور بتاعه حتى،أنا واقف في الشارع والشارع ملك للحكومة
رمقه المدعو بهاء بعينين حادة كالصقر قبل أن يهتف بصرامة لا تقبل الجدال:
-طب يلا إتحرك حالاً قبل ما أتصل بالشرطة تيجي تاخدكم
واستطرد بتهديدٍ مباشر لخطورة الموضوع:
-وهناك إبقى برر لهم وقوفك قدام قصر عضو المحكمة الدستورية براحتك
كاد أن يرد ليسبقه صديقه رأفت بريبة:
-يا باشا مفيش داعي للكلام ده كله،إحنا كنا سايقين من بدري ووقفنا نريح شوية وهنتحرك حالاً
قال كلمـ.ـا.ته ليلكز كتف صديقه وهو يقول ليحثه على التحرك:
-يلا بينا يا صاحبي
زمجر عمرو ليهمس رأفت محذرًا:
-متبقاش راسك يابسة ويلا بينا
زفر بقوة ليدير مقود السيارة وينطلق بها للأمام ليقول والغضب اكتسى وجهه بالكامل:
-إبن الكـ.... واخد الشارع على حسابه،موقف لي شوية حـ.ـيو.انات يحجزوا على اللي رايح واللي جاي وكأنه شارع أبوه
نطق رأفت المجاور له بريبة:
-إهدى يا عمرو وخليك صبور أكتر من كده، أنا وافقتك على جنانك ده لما لقيتك منهار ومقهور على مراتك وابنك
ذكره رأفت بما حدث ليلة أمس داخل المسكن الخاص برأفت، حيث ذهب له عمرو منهارًا وهو يتوعد لقـ.ـتـ.ـل فؤاد والاخذ بالثأر منه بعد أن حرمه من حبيبته وأخذها منه تحت أعين الجميع، جلسا سويًا وباتا يتناولا الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة ولفائف السجائر المحشوة بنبات الحشيش الذي يذهب العقل ويدmر خلاياه،ظلا يفكران إلى أن اهتدى عمرو إلى فكرة مراقبة منزل فؤاد حتى يتسنى له فرصة خروج إيثار إلى عملها وحينها سيقوم بخـ.ـطـ.ـفها هي والصغير ويرحل من الوطن بأكمله
استرسل رأفت بنبرة حذرة:
-لازم تمسك أعصابك أكتر من كده علشان الحراس مياخدوش بالهم إننا بنراقبهم ويبلغوا وكيل النيابة ويكشفك
توقف عن غضبه المبالغ به ليهدأ قليلاً وهو يقول بعينين مترقبتين للطريق:
-عندك حق، الموضوع محتاج تكتيك على كبير، علشان كده إحنا هنراقبهم من الناحية التانية للطريق، مش هنقف تاني قدام الفيلا على طول علشان مياخدوش بالهم
عودة إلى فؤاد الذي أمسك هاتفه الجوال ليتصل على صديقًا له يعمل في الإدارة العامة للمرور ويملي عليه الرقم الذي أخبره به رئيس الحرس وهو يقول بتوصية:
-عاوزك تكشف لي على رقم العربية ده يا حازم وتجيب لي إسم صاحبها بالكامل
واستطرد ليعلمهُ:
-بس خلي بالك، دي خدmة شخصية ليا بعيدًا عن الشغل
تحدث الطرف الأخر بحميمية ترجع لعدm إستغلال فؤاد لمنصبه بأي شكلٍ من الأشكال قبل ذلك،لكنه الأن مجبرًا لأخذ الحيطة كي يعمل على حماية مالكة الفؤاد وصغيرها ولا يدع أية ثغرة دون سدها:
-في خلال ساعة واحدة كل المعلومـ.ـا.ت هتكون عندك،إحنا فى دا اليوم اللي فؤاد باشا علام بذات نفسه يطلب مني خدmة شخصية
-حبيبي يا حازم بيه، تسلم يا باشا... نطقها شاكرًا ليُنهي المكالمة بعدmا تبادلا التحية،ظل متسمرًا مكانه بداخل الشرفة يتطلع للبعيد ويراقب المكان بتمعن شـ.ـديد بعد أن ساوره الشك بأمر تلك السيارة الغريبة عن المكان،بعد أقل من ساعة صدح رنين هاتفه ليرفعه أمام عينيه ليتأكد من أنهُ حازم ليجيب على الفور:
-طمني وقول لي إنك جبت لي إسمه
نطق حازم ممازحًا صديقه:
-هو إسمه بس، ده إسمه وإسم محافظته وبلده كمان
ضيق بين عينيه ليسألهُ بشكٍ بات يساورهُ:
-إسم بلده!،هو مش من القاهرة ولا إيه؟!
-لا يا باشا،خد عندك...قالها بحماس ليتابع بإبانة:
-العربية بإسم "عمرو نصر طلعت البنهاوي"،محافظة كفر الشيخ مركز الـ
أوقفه فؤاد حيث نطق متبسمًا بخبث:
-متكملش يا حازم، الباقي أنا عارفة
-تمام يا باشا،تأكد إننا دايمًا في الخدmة وتحت الأمر...قالها حازم ليغلق الخط،فرك فؤاد ذقنه بأصابع كف يده ثم نظر أمامه مضيقًا عينيه لتخرج منه كلمـ.ـا.تٍ بشرود:
-يا ترى وراك إيه يا سي عمرو، خليني معاك للأخر ويارب يكون اللي في دmاغي صح وشيطانك وزك ورماك في طريقي،يااااه،ده انتَ تبقى خدmتني خدmة العمر ووفرت عليا كتير قوي.
باليوم التالي، فاق من نومه وتحرك لغرفة من حرمت على عينيه النوم منذ قدومها وسكونها بالجوار،ولج إليها بعد الإستئذان ليجدها تصفف شعر الصغير بعد تجهيزهُ بالثياب المدرسية إستعدادًا لذهابه،إبتسم له الصغير بينما أقبل هو عليه وأسكنهُ أحضانه وهو يقول متوددًا:
-جاهز للمدرسة يا بطل؟
هز الصغير بإيماءة حماسية فحول بصره عليها يتطلع بتمعنٍ بأسرتيه الساحرتين لينطق بعدmا إبتلع لعابهُ تأسرًا بجمال عينيها:
-أخبـ.ـارك إيه النهاردة
-الحمدلله...قالتها بعينين تتوارى خجلاً من نظراتهِ الجريئة المصوبة فوق عينيها وشفتيها المكتنزة بشكلها الشهي، ليتحمحم من تأثره الشـ.ـديد بخجلها الذي زادها جمالاً بعد أن إحمرت وجنتيها تأثرًا وأصبحت تشبه ثمرة التفاح الناضجة،إستعاد توازنه لينطق بنبرة جادة:
-إيثار، مش عاوزك تطلعي من البيت نهائي الفترة دي وتحت أي ظروف
طالعته لتسألهُ متعجبة:
-ليه، هو فيه حاجة حصلت؟!
قطب جبينهُ متعجبًا سؤالها الأبله ليجيب عليها مستنكرًا:
-إنتِ عاوزة يحصل إيه أكتر من اللي حصل في كفر الشيخ علشان ناخد حذرنا؟!
كادت أن ترد لكن طرقاتًا ثقيلة فوق الباب قطعت حديثهما لتلج عزة وهي تقول بصوتٍ حماسي:
-صباح الخير يا ست البنات
قطعت جملتها حينما تفاجأت بوجود ذاك الوسيم لتنطق بإبتسامة سعيدة وهي تتمنى في قرارة نفسها أن يتم الزواج بينهما بطريقة فعلية كي تطمئن على تلك المسكينة:
-صباح الفل يا باشا
-صباح الخير يا عزة...قالها ومازال يتطلع لأميرته الساحرة لتنطق هي من جديد:
-جهزتي يوسف؟،الباص على وصول
-نزليه وسلمية للحارس اللي على البوابة...قالها قاصدًا عزة ليسترسل وهو ينظر بعيني رائعة الحُسن ليبث الطمأنينة بأوصالها بشأن الصغير:
-أنا مأكد عليه إمبـ.ـارح يسلمه بنفسه لمشرفة الباص
1
أومأت له فاخذت عزة الصغير وذهبت بعد أن أغلقت الباب خلفها،تحمحم وهو يقترب عليها ليقول بطريقة أذابت قلبها و.جـ.ـعلت من فراشات العشق تحتل معدتها لتدغدغها بلذاذة:
-كُنا بنقول إيه؟
تحمحمت بخجلٍ لتخرج صوتها بصعوبة:
-كنا بنتكلم عن اللي حصل في كفر الشيخ
-مركزة مع كلامي إنتِ...نطقها بملاطفة مع غمزة من عينيه لتسحب جسدها للخلف مما جعله يبتسم،ود لو أن له الحق لاقترب منها وقام بسحق عظامها داخل ضمة أحضانه المهلكة وليحيا معًا حلاوة الحُب،لكنه سرعان ما تذكر عهده الذي قطعه على حالهِ حين وعدها بعدm إجبـ.ـارها على شئ وإعطائها حرية إختيار الوقت المناسب،نطق بنبرة هادئة:
-المهم يا إيثار،متخرجيش من البيت لوحدك نهائي ولو حصل واضطريتي تخرجي تكلميني علشان حد من الحرس يخرج معاكِ
-إتفقنا...قالها بعينين ولهتين مملؤتين بالغرام مما جعل جسدها ينتفضُ بالكامل وتاهت متناسية حديثهُ ليهز رأسها مستفسرًا فأومأت وهمست:
-حاضر
تقدm منها خطوة وبسط يده ليتلمس بها وجنتها الناعمة تحت إنتفاضة جسديهما،ترقب ردة فعلها ليتمادى وينزل بأصبعه يتحسس شفتها السُفلى تحت نبضات قلبها التي تدق كطبول الحرب وصدرها الذي يعلو ويهبط بقوة،وكأن عينيه بهما مغناطيسًا جذبها ليميل بطوله الفارع عليها وكاد أن يلمس شفتيها لكنها باغتتهُ بابتعادها للخلف لتنطق بنظراتٍ عاتبة:
-هو ده وعدك ليا؟!
أغمض عينيه ليأخذ نفسًا مطولاً ليزفره براحة ومن جديد تطلع عليها لينطق بصوتٍ يملؤه الشوق والحنين والغرام:
-ما على عاشق الحبيب ملامة، إن تداعى وجدا وأبدى غرامه
هكذا العاشق المولَّهُ صبٌّ، ذو اصطلامٍ وناره ضرامه
شعر،بهاء الدين الصيادي
إبتسمت بسعادة بعد أن شملتها كلمـ.ـا.ته وأشعرتها بأنها فراشة تتراقص على انغام كلمـ.ـا.ته العاشقة،نطقت بعينين فشلت بإخفاء الغرام داخلهما:
-ده سيادة المستشار طلع شاعر كمان
-سيادة المستشار بيتحول قدام عيون حبيبه...قالها بهيامٍ ليتابع بتوسلِ حبيبًا:
-إدينا فرصة للحياة يا حبيبي،سلمي لي نفسك وأنا أوعدك إنك مش هتنـ.ـد.مي
مشاعر هائلة شملت روحها لتسحبها لسحر عينيه الرائعة باتا ينظران بولهٍ متبادل حتى قطع وصليهما رنين هاتفه،لتنزل بصرها سريعًا ويتطلع هو بشاشة هاتفه قبل أن يقول بإعتذار:
-ده تليفون مهم خاص بالشغل ولازم أرد عليه
واسترسل بنظراتٍ مغرمة:
-فكري في كلامي
أمسك كف يدها ورفعهُ إلى فمه ليطبع قُبلة رقيقة لمس من خلالها جلد يدها الرقيق بشفتيه الغليظة مما جعل جسديهما يصاب برجفة قوية،إضطر على الإبتعاد بعد صدوح رنين الهاتف من جديد ليبتعد وهو يقول:
-خلي بالك من نفسك، ولو إحتاجتي أي حاجة كلميني على طول
إنسحب وقبل أن يحرك مقبض الباب استمع لصوتها وكأنهُ ألة موسيقية وهي تهمس بحروف إسمه:
-فؤاد
إلتفت سريعًا يتطلع بلهفة لتنطق بإبتسامة حنون:
-متشكرة
تنهيدة حارة شقت صدره وخرجت منه كانت كفيلة للرد عليها قبل أن ينصرف مغلقًا الباب من خلفه تحت رنين هاتفه الذي لم يصمت.
تحرك فؤاد إلى عمله وقد إلتقى مع فريقًا من اصدقائه المقربون بعد أن قرر مراقبة نصر وعمرو وجميع أشقائه، هو بالأساس كان مقررًا هذا لكنه كان يأخذ إستراحة المحارب بعد ما حدث معهما منذ يومين بكفر الشيخ، بعد يومان كان قد حصل بجعبته على معلومـ.ـا.تٍ ثرية للغاية،فمن خلال مراقبة عمرو استطاعوا معرفة بيته الذي اشتراه سرًا منذ شهرين دون علم والده ولاحظوا ايضًا تردد عمرو على مكتب مستترًا خلف واجهة الإستيراد والتصدير يشتبه بمالكه بأنه عميل لتهريب الأثار المنهوبة من البلد،ذهب فؤاد إلى أبيه وقص عليه ما حدث من مراقبة عمرو المستديمة لمنزلهم هو وصديقه وتردده على ذاك المكتب المشبوه فتدخل والده وأخذ لهما موعدًا من النائب العام وقصا عليه الرواية والشبهة التي تدور حول ثروة نصر الطائلة والإشاعات الدائرة بالبلدة عن إتجاره بالأثار،أعطى النائب العام كل الصلاحيات إلى فؤاد بإعطائه الأمر لمراقبة المدعوان نصر وعمرو،استغل الفريق الذي كونه فؤاد خلو منزل عمرو المتواجد بأحد المناطق الجديدة ليقوموا بزرع عدة كاميرات صوت وصورة بجميع انحاء المنزل كي يستطيعوا الإطلاع على كل ما يدور داخل المنزل
بعد مرور يومين عاد فؤاد ليلاً من عمله الذي استغرق طيلة اليوم ليبلغه الحارس الأمني بأن زوجته السيدة إيثار قد خرجت ظهر اليوم من المنزل دون علمه ورفضت إصطحاب الامن معها إلى مسكنها الخاص حيث ذهبت لجلب بعض الأشياء الخاصة بها وبصغيرها ليجن جنونه ولولا علمه بأن المدعو عمرو قد سافر اليوم إلى كفر الشيخ كي لا يدع الشك يساور والدهُ بأنهُ يفعل شيئًا مريبًا لكان فقد عقله، صعد للأعلى وظل يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يتخيل سيناريو أن ذاك العمرو لم يسافر اليوم وكان يراقب المنزل كعادته وقام باختطافها أو أذيتها دون ترتيبًا منه، هز رأسه رافضًا مجرد التخيل، وبعث الخادmة كي تستدعي له تلك العنيدة ليهدر بها بحنقٍ، لم يتمالك حاله وثار عليها حتى أنهُ أهانها بقوة بعدmا فقد اعصابهُ جراء رعـ.ـبه عليها كلما تخيل ماذا كان سيصيبها لولا ستر الله عليهما.
استمرت المراقبة القانونية لمدة شهر اكتشفوا به زيارة رجل من دولة أوروبية إلى منزل عمرو واستمعوا بالصوت والصورة من خلال الكاميرات إلى إتفاق عمرو مع الرجل بأن يذهب برجـ.ـاله إلى محافظة سوهاج للتنقيب عن الأثار لتهريبها للخارج عن طريق المكتب المشبوه الذي تردد عليه عمرو سابقًا، وكان هذا إنجازًا حققه فؤاد وهدية قدmها للوطن على طبقٍ من ذهب،فالقضية كانت متفرعة حيث تحتوي على مهربين ومساعديهم من الدولة،وللأسف الشـ.ـديد إكتشفوا بعض الشخصيات التي تساعد المهربين منهم رجـ.ـالاً من القضاء والشرطة الفاسدين
أعطى النائب العام أمرًا لوزارة الداخلية كي تتخد الإجراءات اللازمة للقبض على عمرو بشأن إختطافه لإمرأة متزوجة من رئيس نيابة والتخطيط لاختطاف نجله أيضًا المؤيد حضانته إلى والدته من قبل حكم محكمة،أما بخصوص قضية الأثار فتم تأجيلها لحين القبض عليهم وهم متلبسين بالجرم المشهود
جهز فؤاد سيارة خاصة زرعت الشرطة بفوانيسها الخارجية الأمامية منها والخلفية كاميرات مراقبة صوت وصورة وأيضًا من الداخل لكي يستطيعوا الإطلاع على كل ما سيحدث معها بالتفصيل الممل،أيضًا جلب فؤاد ساعة لزوجته وقام الفريق بوضع جهاز تتبع بداخلها كي يتتبعوا خطواتها بعد أن يسمح لها بالخروج بمفردها كطعمٍ يتم به اصطياد ذاك الأبله الذي خِيل له بأنهُ الأذكي وما هو إلا أداة لحدوث ما أراده فؤاد وخطط له ليوقعه في الفخ الذي نصبه له بمنتهى البراعة والدهاء ليسقط عنه حضانة الصغير بإرادته ويغلق ذاك الباب بشكلٍ أبدي
3
********
عودة للحاضر
كان يقود سيارتهُ بجنون ليلحق بخليلة الروح قبل أن يحدث لها مكروهًا على يد ذاك المختل الذي لا يمتلك من العقل مثقال ذرة،أما عمرو فقد وقف يتطلع على الدmاء المسال من شفتها وأنفها ليهتف بحدة وغضب ملقيًا باللوم عليها:
-شفتي وصلتيني لإيه بعندك
أمسك محرمة ورقية وبات يجفف لها الدmاء تحت نفورها منه وتراجعها للخلف وهي تقول بصرامة وسـ.ـخطٍ:
-إبعد إيدك عني وإوعى تلمسني
إحتدm صدرهُ غيظًا من نفورها منه ليقبض على فكها بعنفٍ قبل أن يهتف هادرًا بحدة:
-ماشي يا إيثار،هنتحاسب على كل ده صدقيني، وحسابك هيبقى شـ.ـديد،شـ.ـديد قوي يا بنت غانم، بس قبل ما أحاسبك عاوزك تجاوبيني على سؤال واحد
رمقته بمقتٍ واشمئزاز لاقتراب أنفاسه الكريهة التي تبغضها كما تبغضه ليتابع وهو يهمس بهسيسٍ مُرعـ.ـب:
-سلمتي نفسك لإبن الكـ..... ده، ولا صونتي جـ.ـسمك لجوزك
هتفت بصوتٍ مختنق يرجع لشـ.ـدة قبضته:
-فؤاد هو جوزي،فوق بقى من القرف اللي بتشربه ولحس دmاغك ده
1
إشتعل جسده بنار الغيرة ليشـ.ـدد على قبضته بقوة جعلت من أسنانها تصتك ليعلو صريرها وهتف وهو يجز على نواجذه بقوة:
-لو إسمه جه تاني على لسانك هقطعهولك،أنا بس اللي جوزك،أنا قدرك اللي مش هت عـ.ـر.في تتخلصي منه غير بطلوع روحك
والوقت لازم تنطقي...قالها بحدة ليكمل بسبابٍ لعين تحت ارتعابها ونظراتها الزائغة:
-الـ.... ده قرب منك، سلمتي له نفسك وخنتيني،ولا لسه محافظة على شرفك لجوزك؟
2
قطع حديثه أحد الرجـ.ـال الذي كان من المقرر أن يأتي بالصغير بعدmا يستوقفوا سيارة المدرسة ويقومون بخـ.ـطـ.ـفه وجلبه إلى هنا:
-ملقناش الولد في اتوبيس المدرسة يا عمرو بيه
فك قبضته من فوق فكها ليستدير يتطلع عليه وهو يهتف بجنون:
-يعني إيه ملقتهوش في الاتوبيس يا بهايم؟!
أنا متأكد إنه راح المدرسة النهاردة،أنا بنفسي شايفه وهو بيركب الأتوبيس
إرتعدت اوصاله عنـ.ـد.ما وصل لأذناه أكثر صوتًا يبغضه وهو يهتف بنبرة حادة:
-يوسف في البيت قاعد مستني مامته
2
قبل أن ينطق بكلمـ.ـا.ته كانت جميع الرجـ.ـال مكبلين من قبل رجـ.ـال الشرطة أما هو فحاول إخراج مسدسه من جيب الجاكيت الچينز ليشـ.ـد فؤاد اجزاء مسدسه الخاص ليحدث صوتًا أرعـ.ـب عمرو وهو يراه يصوب فوهة المسدس نحوه لجاهزيته قبل أن ينطق بتحذيرًا شـ.ـديد اللهجة:
-قبل ما إيدك تلمس هدومك هكون مفرغ رصاص المسدس ده كله في قلبك
1
أسرع شخصين من رجـ.ـال الشرطة لتكبيله مستغلين تشتته لتصرخ هي مستنجدة بحبيبها:
-فؤاااااد
إنتفض جسده حين وجدها مكبلة ومقيدة بالمقعد وما جعل النيران تستعر وتتوهجُ بجسده هو خط الدmاء السائل من جانب شفتها لتجحظ عينيه وهو يهرول عليها جثى بركبتيه أمامها وبات يتفحص وجهها وهو ينطق بضعفٍ ظهر كم ضعفه الداخلي تجاه تلك الحبيبة:
-مين اللي عمل فيكِ كده؟
وكأنها كانت تحبس دmـ.ـو.عها حتى وصوله،إنهمرت كشلالاتٍ وهى تنطق بضعفٍ:
-الحمدلله إنك جيت يا حبيبي
حاوط وجنتيها وعينيه المرتعبة تتجول بهلعٍ فوق ملامحها وجسدها تستكشف سلامته لينطق بنبرة تقطرُ حنانًا وعشقًا:
-متخافيش يا بابا،أنا معاكِ خلاص
مال على قدmيها يفك الوثاق ليهرول أحد الرجـ.ـال صوبها وكاد أن يفك وثاق ذراعيها ليوقفه بإشارة حازمة جعلته يتراجع سريعًا:
-محدش يقرب منها
وكأن تحذيره هذا بمثابة أعلانٍ منه بملكيته الخاصة لتلك الجميلة الغير قابلة للمس أو حتى النظر، بعدmا انتهى من فك قدmاها هب واقفًا ليتجه خلفها ويحل وثاق ذراعيه ليوقفها وما شعر بحاله سوى وهو يحتضنها بقوة متناسيًا الجميع لتتشبث هي به فهو بالنسبة لها أصبح الخلاص من جميع ما يؤرق روحها ويعيق إستمرار حياتها بهدوءٍ،شـ.ـدد من ضمته ليستمع لصرخات عمرو الجنونية وهو يصيح:
-إبعد عنها يا ابن الـ، والله لامـ.ـو.تك يا فؤاد يا علام، والله لأقـ.ـتـ.ـلك
5
قام بسبه وياليته لم يفعل ويُخرج صوته من الاساس،فقد أيقظ الوحش الكامن بداخله والذي تأجل خروجه لحين الإطمئنان على خليلة القلب والروح،أجلسها من جديد فوق المقعد لتسألهُ بصوتٍ مختنق بالدmـ.ـو.ع:
-إبني فين يا فؤاد؟
حاوط وجهها لينطق بصوتٍ حنون:
-يوسف في البيت مع جده علام،أنا بعت له الحارس جابه من المدرسة بعد ما راح بساعة واحدة،متخافيش عليه وإهدي يا حبيبي
اومأت بهدوء ليهب هو واقفً ليستدير لذاك الثائر الذي يحاول الفرار من بين أيادي الرجلين وهو يسب ويلعن في فؤاد بعدmا احترقت روحه وهو يرى إمرأته المفضلة بين أحضان غيره تتشبث به وكأنه طوق نجاتها منه،هجم عليه كأسدٍ جريح ليُمسكهُ من تلابيب ثيابه ليسدد له لكمة قوية إرتد للخلف على أثرها بعدmا خلصه من أيادي الرجلين وأبعدهما،ليجذبه من جديد ويسدد له لكمة أخرى تلتها أخرى وهو يقول بنبرة تعبر عن مدى إحتراق روحه مما أصاب حبيبة حبيبها كما يطـ.ـلق عليها:
-بتتشطر على واحدة ست يا ناقص،بتعوض نقصك وعدm رجولتك بضـ.ـر.بها يا زبـ.ـا.لة
قذفه للخلف ليقف أمامهُ كالأسد فاردًا ذراعيه وهو يهتف ببسالة:
-تعالى كده وريني الرجولة يا عديم الرجولة
-كفاية يا فؤاد، كفاية أرجوك وخلينا نمشي من هنا...كانت تلك صرخاتها المترجية التي لم يستمع لكلمة واحدة منها لشـ.ـدة ناره المشتعلة،إقترب عليه ضابط الشرطة محاولاً توقفه عما يفعل من مخالفات لكنه أشار له بقوة وهو يقول:
-من فضلك تبعد يا حسام بيه،لازم أربي عديم الرجولة وأعرفه إزاي يبقى راجـ.ـل قبل ما أسلمه لك
هتف الضابط بحزمٍ كي يحسه على التوقف:
-يا فؤاد باشا اللي بتعمله ده غير قانوني، وكده سيادتك ممكن تعرض نفسك لمسائلة قانونية
-اللي عاوز تعمله إعمله يا حضرة الظابط...قالها وهو يتجهز للهجوم على ذاك الذي تحدث وهو يستعد لتسديد لكمة إلى فؤاد:
-عامل لي فيها دكر جـ.ـا.مد وإنتَ متحامي وسط رجـ.ـالتك
هجم عليه ليتفادى فؤاد الضـ.ـر.بة ويقع ذاك الابله منبطحًا على الأرض نتيجة إندفاعه القوي الخالي من العقل والتخطيط،لينحني فؤاد عليه ويحيط جسده بين قدmيه بطريقة أشعرت الاخر بعجزه ليضغط على حنجرته بإبهامه مما حجز الهواء ومنع وصوله إلى رئته ليهمس بهسيسٍ بملامح وجه مخيفة:
-إنتَ اللي دكر يلا،بإمارة ما أنتَ مكتف واحدة ست وبتضـ.ـر.بها يا....
وقام بسبهِ بأبشع الألفاظ مما جعل إيثار تفتح فاهها بذهولٍ وعدm تصديق لما يخرج من فم زوجها الخلوق،تحرك الضابط ومعه بعض الرجـ.ـال ليقومون بصعوبة بتخليص ذاك الحقير من قبضتيه الحديديتين،ظل يسعل بقوة بعد أن كان سيلفظ أنفاسه الأخيرة على يد ذاك المـ.ـجـ.ـنو.ن برأيه،وقف فؤاد يتطلع بصدرٍ مشتعل على ذاك الذي يسعل وينظر إليه برُعبٍ ظهر بَين بعينيه المذعورتين من هيأته،لينطق فؤاد بنظراتٍ شامتة:
-غبائك وقعك بين إيديا ومحدش هيقدر يخلصك، حتى أبوك ونفوذه يا ننوس عين أمك
هرول إلى زوجته وتحدث وهو يحتضن كفيها بين راحتيه بحنان:
-خلاص يا حبيبي، الصعب كله عدى
وتابع قاصدًا ضابط الشرطة الذي سأم تواجده وأفعاله الجنونية لكنهُ مضطر لتحمل تصرفاته نظرًا لمنصب والده الكبير وهذا ما جعل التوصية عالية عليه من رؤسائه:
-ياريت يا حضرة الظابط تاخد إجراءاتك اللازمة وتاخد أقوال مراتي علشان نمشي
إقترب الضابط منها وبدأ بأخذ أقوالها كمجني عليه أما هو فأمسك بهاتفه الخاص وقام بالإتصال على هاتف نصر الذي كان يترأس طاولة الطعام وهو يتناول وجبة الغداء بصحبة عائلته بالكامل عدا ذاك المشاكس الذي لم يتوانى في جلب المصائب لتستقر بالاخير فوق رأسه،أخرج هاتفه من جيب جلبابه ليضيق بين عينيه وهو يقول بتعجب:
-فؤاد علام،وده عايز مني إيه
هتفت إجلال بفمٍ يلوك بالطعام:
-أكيد عاوزك في حاجة تخص يوسف،رد بسرعة
على الفور ابتلع ما في فمه من طعامٍ كان يلوكهُ ليجيب بصوتٍ مرحب:
-يا أهلاً يا باشا،مبسوط إني جيت على بال سعادتك وسمعتني صوتك
بصوتٍ قوي تحدث بنبرة حادة:
-وهتنبسط أكتر لما أقول لك على الخبر اللي عندي
-خير يا باشا؟...نطقها بـ.ـارتيابٍ أصابه من حدة صوته ليهتف الاخر بصوتٍ أكثر حدة:
-هو اللي عنده عيل زي عمرو يشوف خير بردوا يا سيادة النائب
رجفة عنيفة اقتحمت جسد نصر وانتظر معرفة أي مصيبة جلبها له ذاك الأبله تلك المرة ليصيح فؤاد بقوة وصوتٍ ينم عن مدى غضبه:
-المجرم إبنك خـ.ـطـ.ـف مراتي واتعدى عليها بالضـ.ـر.ب
واستطرد بوعيدٍ صارم نتج عن نار قلبه المستعيرة:
-بس أقسم بربي ما هسيبه،هخليه يقضي اللي باقي له من عمره كله في السجن، ووعد مني مهيشوف للشمس نور طول ما أنا على وش الدنيا وفيا نفس
انتفض من مقعده وهب واقفًا ليهتز المقعد وينقلب للخلف مما أحدث رعـ.ـبًا بقلوب الحاضرين ليصيح نصر بقلبٍ مرتاب:
-الكلام اللي جنابك بتقوله ده لا يمكن يحصل من عمرو يا باشا،ده أكيد بلاغ كيدي، إبني لا يمكن يتصرف بالو.... دي مع أم ابنه
أجابه فؤاد بصوتٍ واثق:
-جريمة إبنك في حق مراتي متصورة صوت وصورة يا حضرة، وأحب أقولك إني بكلمك في الوقت الحالي من ڤيلا إبنك اللي في زايد وحواليا فريق من الشرطة اللي ظبطت الواقعة، وفريق من النيابة العامة جاي في الطريق لمعاينة المكان
-بالمختصر كده القضية لابسة إبنك وإنسى إنه يعرف يخرج منها...قالها بقوة ليستطرد بدهاء قانوني أراد به بث الرُعب داخله:
-وبكده أقدر أقول لك بل وأجزم إنك تنسى فوزك في البرلمان الدورة دي يا سيادة النائب،وتأكد إني مش هسيب حق مراتي وهبذل أقصى ما عندي علشان أدmر مستقبل التافه إبنك
ليصـ.ـر.خ بقوة زلزلت المكان و.جـ.ـعلت الجميع ينتبه ويلتفت صوب ذاك المشتعل بملامح وجهه الغاضبة:
-وأقسم بالله،لأدفعه تمن كل لحظة رعـ.ـب مراتي حست بيها وعاشيتها على إيديه هو وشوية الأوباش اللي لاممهم حواليه
كان يتحدث وكل ذرة بجسده تنتفض من شـ.ـدة ناره،كلما تخيل صفع ذاك الحقير لخليلة القلب واقترابه منها ولمس جسدها يتخلل الاشتعال بخلايا جسده بالكامل،شعورًا مريرًا تملك من روحه،تناقض ما بين عشقه الجارف لها وعدm تقبل فكرة كيفية السماح لنفسه بوضعها داخل تلك التجربة المريرة وما بين إنهائه لقضية صغيرها التي تؤرق روحها ولا تدعها أن تحيا حياتها بسلام،إنتبهت على صياح حبيبها الذي يبتعد عنها عدة أمتار ويتركها بصحبة الضابط الذي يهتم بأخذ أقوالها،تطلعت إليه بإشفاقٍ على حاله، تعلم جيدًا غيرته المرة عليها ولهذا زاد حـ.ـز.نها،ليتها لم تخرج اليوم،لو لم تخرج لكانت كفته وحالها شر ما حدث
على عجالة نطق نصر الذي شعر ببساط المجلس ينسحب من تحته تحت نظرات الجميع المرتعبة الذين وقفوا يتابعون ما يحدث بصمتٍ تام نظرًا لهيئة نصر المستوحشة والتي توحي بحدوث كارثة:
-إهدى يا فؤاد باشا وكل مشكلة وليها حل،أنا مستعد اجي لحد عندك وأبوس على دmاغ الهانم وأراضيها بالطريقة اللي هي تؤمر بيها،وهي أكيد مش هيرضيها تضيع مستقبل عمرو ولا تضر إسمي،إحنا مهما كان أهل يوسف وأي حاجة تضرنا هتضره
قال كلمـ.ـا.ته الأخيرة ليبتز مشاعره باتجاه الصغير واسترسل مترجيًا:
-الإنتخابات مفاضلش عليها غير تلات أسابيع يا سعادة الباشا،وحضرتك ميرضكش الفـ.ـضـ.ـيحة اللي هيتعرض لها إسمي لو الموضوع ده اتعرف
أجابه فؤاد بسخرية:
-الكلام ده تروح تقوله لإبنك عديم النخوة والرجولة،كان من الاولى هو اللي يعمل حساب لمكانتك وللإنتخابات اللي إنتَ داخل عليها
صاح بحديثه ليغلق الهاتف بوجهه دون إعطاء الاخر حق الرد،تحرك إلى حبيبته ووقف خلف المقعد الجالسة فوقه ليحتوي كتفيها بكفيه وهو يسأل الضابط:
-خلصت يا افنـ.ـد.م؟
-خلصنا يا فؤاد باشا،تقدر تتحرك بالهانم...نطقها الرجل بهدوء ليملي عليه فؤاد بجدية:
-فريق النيابة جاي في الطريق يعاين المكان، متنساش تحرز الكاميرات وتخلي فريقك يفرغ محتواها ويسلموها للنيابة
استشاط الرجل من تعدي فؤاد على إختصاصاته لينطق بقوة وحزم:
-ده شغلنا يا سيادة المستشار وإحنا أدرى بيه
-وانا مخول من النائب العام بذات نفسه بمتابعة كافة الإجراءات،ومتنساش إن المجني عليها تبقى مراتي يا حضرة الظابط...كلمـ.ـا.تٍ هتف بها فؤاد بصرامة وحدة أظهرت كم تـ.ـو.تره واحتراق روحه مما حدث لزوجته وهذا ما استشفه الضابط ليأسف بعينيه لما حدث،أما تلك العاشقة فرفعت كفيها للخلف تحتوي بهما كفيه لينتفض جسده من إثر لمساتها،تحرك ليقف أمامها ثم قام بحملها بين ساعديه لتتشبث بعنقه كما المتشبثُ بالحياة وتستند بوجنتها على صدره ليشملها شعورًا رائعًا بالأمان في القرب منه،تحرك بطريقهُ للخارج ليوقفهُ صريخ ذاك المعتوه قائلاً بعدmا رأى حبيبته تتشبث بأحضان غيره:
-مش هسيبك يا إيثار،هدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا،هنـ.ـد.مك على عمر الباشا اللي متعلقة في رقبته ده،وبكره تشوفي
رفعت رأسها بإعياءٍ لتراه مكبل اليدين بالأصفاد الحديدية يجاوره رجلين شرطة يسحبونه صوب سيارة الشرطة وهو يزأر كالأسد الحبيس محاولاً الفكاك من بين أياديهم ليهتف فؤاد وهو يتخطى وقوفه حاملاً حبيبته:
-إخرس يا تافه واستنى جحيمي اللي هينسفك من على وش الارض إنتَ وعيلتك بالكامل
صرخ بجنون يرجع لعدm استطاعته لرؤية ذاك المشهد الذي ثار جنونه وأخرج وحوشه الكامنة:
-هقـ.ـتـ.ـلك يا فؤاد يا علام،وحياة أمي لأقـ.ـتـ.ـلك
نطق وهو يتحرك للامام بطريقه للسيارة:
-لو قدرت متتأخرش،يلا إنتَ أخرك بوقين فاضيين تهجس بيهم
واسترسل بتقليلٍ من شأنه ليشعل قلبه:
-بالمناسبة يا فاشل، أبوك جاي لك في الطريق،هيعلقك على الفلكة بعد ما طيرت من إيده كرسي المجلس اللي عامل له قيمة
ثم التفت له ليتابع بإبتسامة شامتة:
-غبائك صور لك إنك ممكن تتفوق على فؤاد علام وتخـ.ـطـ.ـف مـ.ـر.اته،بس أنا دايمًا سابق الأغـ.ـبـ.ـية بخطوة،خيوط اللعبة كلها كانت بين إيديا وأنا بحركك بين صوابعي زي الدmية،وإنتَ زي الأهبل بتتحرك على الخط اللي أنا برسمهُ لك بالملي،خليتك تصدق نفسك لحد ما وقعتك في شر أعمالك ووصلتك للمكان اللي يستحقه غـ.ـبـ.ـي زيك
كانت تستمع إليه بعدm استيعاب لكلمـ.ـا.ته، ماذا يقصد،أكان على عِلم بخـ.ـطـ.ـفها؟!
جن جنون عمرو وبات يصـ.ـر.خ بهيستيرية توحي لمدى وصوله للغضب العظيم،ظل يسب ويلعن بأقذر الشتائم ليهتف رأفت وهو يعض على أصابعه نـ.ـد.مًا:
-منك لله يا عمرو، ضيعت مستقبلي يا فاشل، بس أنا اللي غلطان، أنا اللي سلمت دmاغي لواحد تافهة دلوع أمه زيك، وأدي النتيجة، روحت في داهية من وراك
فتح أحد الرجـ.ـال باب السيارة لفؤاد ليضع حبيبته بالمقعد المجاور لمقعد القيادة وساعدها على الإعتدال ثم أغلق الباب بهدوء وتحرك للجهة الأخرى ليستقل مقعده أمام طارة القيادة
********
عودة إلى نصر
صدm بعدmا أغلق فؤاد الهاتف دون أن يعيره أي إهتمام ليصـ.ـر.خ وهو يُطيح بجميع ما يقابله من أدوات فوق طاولة الطعام وبلحظة تناثر الطعام بأرضية وحوائط الغرفة وتناثر زجاج الكؤوس هنا وهناك مما أرعـ.ـب الجميع و.جـ.ـعلهم يتراجعون للخلف للنأي بحالهم من غضب ذاك الذي اصابه الجنون،أخذت زوجة طلعت أطفالها وهرولت للخارج تبعتها مروة وأبنائها بينما ظلت سُمية لتعلم أي مصيبة أتى بها ذاك الأبله تلك المرة،هرولت عليه إجلال لتصرخ باستعلام وعينيها مرتعبتين بعدmا استمعت لاسم مدللها أثناء المحادثة:
-إيه اللي حصل يا نصر، عمرو جرى له إيه؟!
بهيئة جنونية لا تبشر بخير أشاح بكفيه هاتفًا:
-عمرو ما بيجرالوش حاجة يا اختي، عمرو بيعمل كل مصيبة وأختها ويخلع منها وأنا اللي بلبسها في الاخر يا أم الننوس
أسرع إلى مكانه حُسين وطلعت الذي تسائل بحيرة:
-إيه اللي حصل يا أبا، عمرة نيل إيه المرة دي كمان؟
صاح بغضبٍ عارم وبصدرٍ يعلو ويهبط من شـ.ـدة إنفعاله:
-البيه أخوك خـ.ـطـ.ـف إيثار هانم،الأهبل فاكرها لسة بنت غانم الراجـ.ـل الغلبان،ميعرفش إنها بقت مرات إبن علام زين الدين أبرز وأهم اعضاء المحكمة الدستورية، ده غير جوزها رئيس النيابة
دبت إجلال على صدرها بكفيها أما نصر فوضع كفيه فوق رأسه باستسلام لينطق بنبرة إنهزامية:
-كرسي المجلس طار من إيديا خلاص،مش هيبقى لي لزمة في المركز من هنا ورايح
لينطق بشعورًا من الضياع:
-ضعت وضاعت هيبتك بين الناس خلاص يا نصر، وإبنك هو اللي كتب نهايتك بإيده
قطعت حديثه بكلمـ.ـا.تها الصارمة وهي تهتف بجبروت إمرأة:
-هو كل اللي همك يا نصر؟!
واسترسلت بنبرة أمرة:
-إتحرك يلا على مصر ومترجعش البيت غير وإبني معاك
جحظت عينيه وهو يتطلع عليها متعجبًا جبروت تلك المرأة ليهتف مذهولاً:
-إنتِ لسه ليكِ عين تتكلمي يا إجلال، كل المصايب اللي أنا فيها دي بسبب دلعك فيه!،ليا شهر بقول لك خدي بالك من إبنك وشوفيه بيبات في أنهي داهية وإنت كالعادة بتدافعي عنه
شملها بازدراء ليسألها شامتًا:
-يا ترى دلوع أمه قال لك إنه شاري بيت في مصر؟!
صكت سمية على أسنانها بغضبٍ شـ.ـديد بعدmا نزلت عليها الاخبـ.ـار كالصاعقة و.جـ.ـعلت من نار الغيرة تشتعل بصدرها،فطالما تمنت لو باستطاعتها الوصول إلى إيثار لتخلصت منها دون أن يرف لها جفن، فقد أصبح وجود تلك الإيثار يسبب لها عائقًا عن إستكمال حياتها بشكلٍ طبيعي ولا بد من وجود حلٍ لمحوها من الحياة بأكملها
تحدث حُسين بعقلٍ كعادته فهو الوحيد بين أفراد تلك العائلة من يمتلك عقلاً وقلبًا إلى حدٍ ما متوازنين:
-مش وقت الكلام ده يا جماعة، خلونا نتحرك ونروح نشوف حل للمصيبة دي قبل ما المحضر يتحول للنيابة زي المرة اللي فاتت
توافق الجميع مع رأيه لينطلق نصر ونجلاه للحاق بذاك الطائش لترمق إجلال تلك الواقفة جانبًا وهو تهمس بفحيح:
-كله منك يا عِرة النسوان يا بنت الـ
سبتها بأبيها لتهجم عليها بعدmا فلت لجام تحكمها، جذبتها من شعرها لتهتف تحت صرخات سمية المستنجدة:
-لولا وسـ.... ولعبك على ابني علشان تدبسيه في جوازته السودة منك مكنش كل ده حصل
حضرت ياسمين ومروة على صرخات سمية المستنجدة واقتربتا من إجلال في محاولاٍ بائسة لتخليص خصلاتها التي تقطعت بين أصابع إجلال التي تابعت بقوة:
-إبعدي يا مرة إنتِ وهي، مفيش واحدة فيكم تتدخل وسيبوني أربي الأفعى بنت الـ... دي
وتابعت بفحيحٍ وهي تصك على أسنانها:
-دخلتك البيت كانت شؤم على ابني، من يوم ما عرفك ما شافش يوم عِدل في حياته
هتفت مروة بحكمة:
-سبيها يا ستهم لتمـ.ـو.ت في إيدك ويحسبوها عليكِ واحدة
لتكمل ياسمين على حديث مروة:
-سبيها يا ستهم،مفيش حد يستاهل إنك تضايقي نفسك علشانه، الجيران هيسمعوا صواتها وهنتفضح بين الناس
دفعتها بقوة ليرتطم جسدها بالارض بقوة لتهتف من بين أسنانها:
-غوروها من قدامي بدل ما أقـ.ـتـ.ـلها باديا
ألقت كلمـ.ـا.تها لتخرج سريعاً، انحنت كلا من ياسمين ومروة لمساعدة تلك المنبطحة أرضًا لتدفع بأياديهم وهي تهتف بحدة وغضب:
-إبعدي عني منك ليها
اعتدلت مروة لتهتف وهي ترمقها باشمئزاز:
-الخير مينفعش مع العقارب اللي زيك
إبعدي عني الساعة دي يا مروة...قالتها بحدة وتهديد لتسألها الاخرى بسخرية:
-وإن مبعدتش هتعملي إيه يا شملولة
كادت ان تتحدث قبل ان تقاطعهما ياسمين التي صرخت:
-إتلمي إنتِ وهي وخلي ليلتكم تعدي على خير وكفاية المصيبة اللي حطت على راسنا من ورا عمرو
القت مروة نظرة احتقار لتنطق بسبابٍ:
-تستاهلي كل اللي إنتِ فيه يا رخيصة.
*********
داخل قصر علام زين الدين
كان يجلس داخل الحديقة بصحبة زوجته وفريال بعدmا استدعاهما ليطلعهما على المستجدات لتنطق عصمت بلهجة مرتعبة وقد سكن الرعـ.ـب عينيها:
-يا نهار إسود، هي حصلت للخـ.ـطـ.ـف، دول مجرمين يا علام
واسترسلت بجسدٍ مرتجف وعينين زائغة:
-وفؤاد ليه يدبس نفسه في التدبيسة السودة دي
صاحت فريال بذعرٍ ظهر بعينيها:
-أنا قولت من الاول إني مش مرتاحة للموضوع ده يا ماما محدش فيكم صدقني
مالنا إحنا بواحدة اهل جوزها مجرمين
تحدث علام وهو ينظر للصغير الذي يلهو مع الصغيرة على بعد مترين فقط:
-ممكن تهدوا من فضلكم،ووطوا صوتكم علشان الولد ما يسمعش ونفسيته تتأثر
هتفت عصمت بحدة:
-نهدى إزاي بعد اللي حكتهولنا ده يا علام، مش يمكن المجرمين دول يفكروا يإذوا إبني هو كمان
هتف بصرامة وقوة ترجع لثقته بحاله وبمنصبه الكبير:
-إنتِ شكلك إتجننتي يا عصمت،مين ده اللي هيتجرأ ويإذي إبن علام زين الدين
صاحت بقوة لتجيبه بما يتنافى مع حديثه الغير مقنع لها:
-نفس اللي اتجرأ وخـ.ـطـ.ـف مـ.ـر.اته يا سيادة المستشار
-اللي خـ.ـطـ.ـف مـ.ـر.اته عيل أهبل وإبنك هو اللي رسم له الطريق اللي مشي عليه، يعني مفيش خوف أبداً منه... قالها باستفاضة ليسترسل موضحًا:
-ده غير إن اللي حصل ده فيه خير كبير قوي لفؤاد
قطبت فريال جبينها لتسأل والدها باستفسارٍ متعجب:
-وإيه بقى الخير اللي هيعود على فؤاد من حاجة زي دي يا بابا؟!
اجابهم بإبهام:
-فؤاد وهو بيرتب لموضوع خـ.ـطـ.ـف إيثار ظهر قدامه موضوع مهم جداً خاص بأمن البلد، ولو تم على خير فؤاد هيترقى فيها، وده يبقى عوض ربنا ليه عن وقف ترقيته التلات سنين اللي فاتوا
تنهدت عصمت بحيرة ومازال قلبها يرعتب قلقًا على صغيرها ليتابع علام بلهجة تحذيرية:
-مش عاوز حد منكم يضايق البنت ولا يحسسها بحاجة لما تيجي، في النهاية هي ضحية وملهاش أي ذنب في الظروف اللي أجبرت عليها
تطلعت فريال لوالدتها بنظراتٍ تنم عن مشاعر مختلطة
**********
عودة إلى إيثار المصدومة
تحرك فؤاد منطلقًا بالسيارة وكل خلية بجسده تنتفض بقوة، صوبت بصرها عليه لتسألهُ بصوتٍ مرتجف بعدmا استشفت بفطانتها معرفته من خلال حديثه مع الضابط عن الكاميرات تلاهُ حديثه العجيب مع عمرو:
-إنتَ كنت عارف إن عمرو هيعمل فيا كده؟
تابع القيادة وهو ينظر امامه بوجهٍ مبهم وفضل الصمت لتكرر عليه سؤالها بطريقة حادة:
-رد عليا يا فؤاد، كنت عارف؟
إرتاحي ولما نروح بيتنا نبقى نتكلم هناك... نطقها بصوتٍ خافت لتصرخ بكامل صوتها وهي تدق على تابلوة السيارة:
-مش بمزاجك يا سيادة المستشار،إحنا هنتكلم حالاً وهتقول لي الحقيقة كلها ومن غير كذب
اوقف السيارة فجأة لتحتك إطاراتها بالاسفلت مما أحدث صريرًا مزعجًا تحرك جسد كليهما للامام على إثره،حول بصره إليها ليهتف بحدة وغضب لنعتها له بأكثر صفة يمقِّتها:
-وأنا من إمتى كذبت عليكِ يا مدام علشان أكذب الوقت؟!
-طب فهمني إيه اللي بيحصل حواليا...نطقتها بضعفٍ ودmـ.ـو.ع الالم تجمعت بمقلتيها،إنتفض قلبهُ حال رؤيته لغشاوة دmـ.ـو.عها ليفك وثاق حزام الامان خاصته ويهرول عليها ليجذبها ويدخلها بأحضانه كي يزيل عنها كل ما شعرت به اليوم من رُعبٍ،ما شعرت بحالها إلا وهي تلف ذراعها حوله لتشعر بالامان الذي لم تجده سوى بأحضانه،أطلقت العنان لدmـ.ـو.عها لتنهمر بقوة لينطق وهو يمسد بكفه على رأسها وظهرها بحنانٍ:
-بلاش عـ.ـيا.ط علشان خاطري،مش هقدر أتحمل أشوفك كده
نطق كلمته بصوتٍ أوحى إلى ضعفه أمام دmـ.ـو.عها لتتأثر كثيرًا بصوته لتبتعد متسائلة وهي تنظر بعينيه:
-خلاص مش هعيط، بس فهمني يا فؤاد
-هقول لك على كل حاجة يا بابا...قالها وهو يداعب ذقنها بأصابع يده ليسرد عليها جُل ما حدث مستثنيًا موضوع الأثار لسريته التامة ولعدm إكتماله بعد، لينطق مستنتجًا ما سيحدث:
-كده نصر مقداموش غير حل واحد قصاد خروج إبنه من المصيبة اللي حط نفسه فيها، وهو تنازل إبنه عن الحضانة بشكل نهائي وبعقد موثق
بلهفة وتمني سألته:
-تفتكر نصر هيوافق على كده يا فؤاد؟
مط شفتيه بلامبالاة ليقول بثقة عالية:
-مفيش قدامه حل غير كده،حضانة يوسف، قصاد خروج إبنه وضمانه لكرسي المجلس، والكرسي أهم حاجة بالنسبة له
واسترسل بابتسامة منتصر:
- يعني يا يوافق يا يوافق
قطع حديثهما صدوح رنين الهاتف ليخرجه من جيب سترته وينظر بشاشته لترتسم إبتسامة عريقة على ثغره وهو ينظر لها:
-نصر البنهاوي
إبتسمت بسعادة ليغمز لها بطرف عينه قبل أن يجيب ويضغط على زر خاصية مكبر الصوت ليستمعا لصوت نصر الجالس بسيارته بجوار طلعت الذي يقود:
-فؤاد باشا
-نعم يا سيادة النائب...قالها بحدة لينطق الاخر بتذليل:
-أنا بترجاك يا باشا وبحلفك بغلاوة يوسف توقف كل إجراءات نقل عمرو للنيابة لحد ما أوصل ونقعد ونتفق، أنا في الطريق ونص ساعة بالظبط وهكون عندك
-وأنا بصفتي إيه هوقف الإجراءات يا سيادة النائب؟!...قالها باستغراب ليتابع ساخرًا منه:
-يظهر إن من كتر كـ.ـسرك للقوانين وتعديك عليها فاكر إن الكل زيك
اجابه بانكسار بعدmا حاول مهاتفة جميع من يعرفهم للمساعدة:
-يا باشا الكل عامل حساب لجنابك وجناب الباشا الكبير، كل ما اتصل بحد من معارفي يقول لي الموضوع أكبر مني، ده الخِصم جناب المستشار شخصيًا
تطلعت إلى حبيبها بفخرٍ،هل حقًا جاء اليوم الذي ترى به ذاك المتجبر مكـ.ـسورًا ذليلاً ويطلب العفو من أحدهم،رد فؤاد بجبروتٍ يليق بنصر:
-والمطلوب مني إيه؟
أجابه بهدوء:
-إنتَ اللي هتطلب وتتشرط يا باشا،وانا عليا التنفيذ
واستطرد بتذلل:
-وزي ما قولت لسعادتك،أنا هاجي بنفسي وأحب على راس الهانم مراتك
-مرات مش محتاجة حد يبـ.ـو.س على راسها يا سيادة النائب...قالها بقوة ليتابع بدهاء مخطط له جيدًا:
-اللي يرضي مراتي حاجة واحدة بس
نطق على عجالة دون تفكير:
-اللي تؤمر بيه كله هنفذه
إبتسم بجانب فمه وأمسك كفها ليقبل باطنه ثم قال برأسٍ شامخ تحت نظراتها العاشقة وقلبها الذي بات لا يحيا سوى بدقاته:
-إبنك يسحب قضية ضم الحضانة ويتنازل بعقد موثق عن حضانة يوسف لإيثار بشكل نهائي
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلب نصر كحمية بركانٍ ثائر،هذا حفيده الغالي والاقرب لقلبه، من فعل الكثير والكثير لأجل عودته لأحضان عائلته والإحتفاظ به، كيف له أن يتخلى عنه بتلك السهولة، ابتلع لعابه لينطق بصوتٍ خافت:
-إطلب أي طلب تاني غير ده يا باشا
واستطرد بلهفة:
-أنا مستعد أكتب لها نص ثروتي، بس بلاش موضوع التنازل عن يوسف دي
جحظت عيني طلعت ليلتفت لأبيه ويرمقه بغضبٍ حارق، ألأجل الإحتفاظ بذاك الملعون الصغير يهدر نصف ثروتهم بتلك السهولة،ابتلعت لعابها بتـ.ـو.تر لينطق فارسها ورجلها الاوحد بغضبٍ حاد:
-خلي بالك من كلامك يا نصر وإعرف كويس إنتَ بتقول إيه ولمين
واستطرد بسخطٍ أرعـ.ـبه:
-نص ثروة مين اللي تديها لمرات فؤاد علام قصاد حضانة إبنها، نص ثروتك اللي فرحان بيها دي متجيش نقطة في بحر اللي مراتي تملكه حاليًا
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلبها كقطرات الندى فوق الزهور العطشة لتنعشها،فقد أخبر نصر أن ما يملكه هو ملكًا لخليلة قلبه كما يلقبها،ليسترسل هو بثباتٍ وتهديد:
-اللي عندي قولته وده أخر كلام والقرار ليك، وياريت تقرر حالاً لأن كل دقيقة بتعدي، إبنك بيقرب أكتر من السجن المؤبد،وكرسي المجلس بيبعد عنك
أجفل عينيه بحـ.ـز.نٍ وشعر بعجزٍ هائل،لم يعد لديه رفاهية الإختيار بعدmا وضعه ذاك الداهي بمأزق عمره، تنفس مطولاً لينطق بحـ.ـز.نٍ وألم لم يشعر بهما من قبل:
-أنا موافق يا سيادة المستشار،وقف الإجراءات وأول ما نوصل هخلي عمرو يكتب لك التنازل ويمضي عليه
إشتدت سعادتها لدرجة انها تناست جُل ما مرت به من ألامٍ وعثرات وحـ.ـز.نًا استوطن قلبها طيلة سنواتها الماضية،فاليوم هو أسعد أيام حياتها على الإطـ.ـلا.ق، فقد تمكنت بالإحتفاظ بصغيرها الغالي للأبد على يد حبيبها، هذا المغوار الذي إختطف لها حضانة الصغير من فم الأسد ليقدmها لها على طبقٍ من ذهب
أغلق الهاتف لتفك وثاق حزامها وتقفز بسعادة كالاطفال لتستقر داخل أحضان ذاك العاشق الذي قهقه بقوة وهو يقول مربتًا على ظهرها:
-مبروك يا عمري
الله يبـ.ـارك فيك يا حبيبي،الله يبـ.ـارك فيك...قالتها بصوتٍ سعيد لتخرج سريعًا وهي تتابع بلهفة:
-انا هعيش عمري كله أشكر ربنا وأشكرك على اللي عملته معايا يا فؤاد
شملها مضيقًا عينيه ليقول بحديثٍ ذات مغزى:
-مبحبش الشُكر بالكلام، أنا سيد الأفعال
أمسكت كفيه تحتويهما لتهتف بحبورٍ شمل روحها:
-أطلب اللي إنتَ عاوزه يا حبيبي وأنا تحت أمرك
هما طلبين مفيش غيرهم...قالها بابتسامة جذابة ليتابع بغمزة وقحة:
-أول طلب،عاوز مراتي حبيبتي تدلعني النهاردة
وأشار بكفيه بطريقة جعلتها تضحك:
-بدلة رقصك وخلخالك والموسيقى اللي على كيف كيفي، وأشوف بقى دلعك الرايق لجوزك حبيبك، مليش دعوة بقى بيومك الصعب اللي عيشتيه
ليتابع بدلالٍ على أنثاه بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة:
-أنا، عاوز، مراتي تدلعني
-بس كده، من عيوني...قالتها وهي تتحسس صدره بدلال اشعل ناره ليتابع هو:
-والطلب التاني
تطلعت عليه بتمعن ليتابع بجدية:
-تقدmي إستقالتك، وموضوع الشغل تنسيه وتخرجيه من دmاغك نهائي.
إتسعت عينيها ذهولاً لتتراجع للخلف وهي تشملهُ بنظراتٍ تملؤها خيبة الأمل قبل أن تنطق بخفوت:
-
إنتهى الفصل
↚
عاشقةٌ أنا،أحبك نعم بل وصلت مشاعري معكَ لعمق المشاعر وعشق الروح،ولكن عذرًا مالك لُبي وفؤادي،فأرجوكَ لا تطلب مني محو حلمي وقطع طريقي الذي بدأته منذ أن تحررت من قيودي وكـ.ـسرتها لاتيقنُ حينها كيف يكون طعم الحرية،إذا كنت تحبني حقًا فكلل ذاك العشق بمساعدتي باحتفاظي بكياني وكرامتي،هذا هو مطلبي الوحيد.
تطلعت عليه بتمعن ليتابع بجدية:
-تقدmي إستقالتك، وموضوع الشغل تنسيه وتخرجيه من دmاغك نهائي.
إتسعت عينيها ذهولاً لتتراجع للخلف وهي تشملهُ بنظراتٍ تملؤها خيبة الأمل قبل أن تنطق بخفوت:
-إنتَ بتتكلم بجد يا فؤاد؟!
إنتَ فعلاً عاوزني أسيب شغلي اللي تعبت عليه تلات سنين بحالهم؟!
خرجت تنهيدة حارة من أعماق صدره لينظر لها بتعمق قبل أن ينطق بصوتٍ هادئ:
-حاولي تفهميني يا إيثار،أنا بحبك وعاوز أريحك،شغلك صعب وكله ضغط على أعصابك وعقلك،وأنا مش حابب أشوفك تعبانة
واستطرد بنظراتٍ حنون وهو يحتوي كفيها بين راحتيه كي يحسها على التراخي:
-ده غير إن أنا ويوسف محتاجين لك في حياتنا
-ولو رفضت؟...قالتها وهي تنظر بتمعن بعينيه لينطق مترجيًا:
-تبقى غاوية تو.جـ.ـعي قلبي وتتعبيني معاكِ،لأن ببساطة طول ما أنتِ برة البيت بالي هيبقى معاكِ ومش هرتاح ولا هعرف أركز في شغلي ولا في أي حاجة في حياتي
قطبت جبينها ليتابع بإبانة مستعرضًا المخاطر التي تحوم حولها:
-نصر وإبنه المـ.ـجـ.ـنو.ن مش هيسبوكِ في حالك،إفهمي،اللي حصل النهاردة ولا هو أول محاولة ولا هتكون الأخيرة
هزت رأسها برفضٍ قاطع قبل أن تنطق في محاولة منه لنقل وجهة نظرها:
-إسمعني إنتَ وحاول تفهمني يا فؤاد،شغلي بالنسبة لي مش مجرد شغل
هزت رأسها لتتابع بتأثر شـ.ـديد:
-ده أماني أنا وإبني بعد ربنا،ده اللي حماني وكفاني شر الذل والحوجة لنصر وإبنه طول السنين اللي فاتت
أخذ نفسًا مطولاً لينطق متبعًا سياسة النفس الطويل لكي يقنعها:
-خلاص يا بابا،كل ده إنتهى بمجرد ما بقيتي حرم فؤاد علام ومبقاش فيه داعي للشغل،لأن ببساطة أنا وكل ما أملك بقينا ملكك،وبما إني بعتبر يوسف زي إبني فحقه عليا إني أعيشه في نفس المستوى اللي أنا عايش فيه
-محدش هيصرف على إبني غيري يا فؤاد...قالتها بقوة لتتابع برأسٍ شامخ وبروح الأنثى عزيزة النفس الكامنة بداخلها:
-وزي ما اتحملت مصاريفه طول السنين اللي فاتت أنا بردوا اللي هكمل معاه لحد ما يبقى راجـ.ـل ويتحمل مسؤلية نفسه
اتسعت عينيه من حدتها ليسألها مستفسرًا بتعجب:
-وأنا وراحتي يا إيثار،ملناش أي وجود في حساباتك؟!
بنظرة تمتلؤ بالحنان تحدثت:
-إنتَ جوزي وحبيبي وعوضي الحلو اللي ربنا كافئني بيه على صبري،بس علشان خاطري حاول تفهمني وتقدر مشاعري
-يعني إيه؟!... نطقها بحدة لتجيبهُ بنبرة متألمة:
-ناس كتير فاكرين إني وقعتك وإتجوزتك علشان فلوسك
ولو قعدت من الشغل هبقى بأكد لهم شكوكهم فيا، زائد إني مش حابة أعقد إبني لما يكبر
قطب جبينه بعدm استيعاب لما تقصد لتتابع بإيضاح:
-مش عاوزة أعرض إبني لأي حاجة تقلل من كرامته وتحسسه إنه أقل من أي حد،نفوس الناس مش كلها سوية يا فؤاد،أكيد هييجي حد يطلع عقده على إبني ويعايره بإن جوز أمه هو اللي كان بيصرف عليه لحد ما خلاه راجـ.ـل،لو ده حصل همـ.ـو.ت يا فؤاد
كان يتطلع إلى صدق مشاعرها بقلبٍ وعقلٍ مذبذبين،ماذا عليه أن يفعل،أيجبرها على أن تترك عملها بالإكراه ويجعلها تفقد كبريائها وعزة نفسها على يداه،أم يوافق إرادتها ويعرض حياتها للخطر بجانب عدm راحة قلبه العاشق لخروجها بشكلٍ يومي،مرر كف يده على وجهه وأغمض عينيه باستسلام لتقترب وهي تزيل كفه للأسفل ليتطلع عليها وهي تقول بنبرة حنون حاولت بها استقطاب هدوئه:
-علشان خاطري متزعلش وحاول تهدى
هز رأسه بشرودٍ ليقول بعدmا اهتدى بتفكيره لذاك الحل:
-خلينا متفقين إن مهما حصل لا يمكن هوافق على رجوعك لشركة أيمن الأباصيري تحت أي ظروف
احتدت ملامحها واكتست بغضبٍ عظيم ثم فتحت فاهها تستعد لهتافٍ حاد وقبل أن تعترض أوقفها بكفاه حيث أشار بهما وهو يخبرها بما انتوى:
-ولو كان شغلك ضروري قوي بالنسبة لك يبقى من الاولى تستلمي منصب في شركتنا، وأهو على الأقل تبقى بتابعي مال جوزك وتراعي مصالحنا
اتسعت عينيها لتهتف باعتراض:
-لا طبعاً،أنا مستحيل أوافق على كده
واسترسلت بإبانة:
-أنا لو عملت كده هبقى بأكد لهم...
وقبل أن تكمل حديثها الهرائي بالنسبة له قاطعها بصوته الحاد وهو يهتف هادرًا بعينين تنذر بنشوب حربٍ قادmة:
-قسمًا بالله ما أسمع كلمة تانية تخص الناس واللي هيقولوه لتشوفي مني وش ما هتقدري تستحمليه دقيقة واحدة
أخرجت صوتها بكثيرًا من الأسى والحـ.ـز.ن والضعف الذي أدmى قلبه:
-مقدرش أغفل عن الكلام لأنه خارج من أقرب الناس لينا يا فؤاد
-يا ستي طظ في كل الناس وألف طظ...قالها بعينين تطلق شزرًا،توقف عن الكلام للحظات وأغمض عينيه وأطلق زفرة مطولة ليأخذ إستراحة من حالة الغضب التي تملكته ثم فتح جفونه لينظر عليها من جديد وهو يقول بنبرة حاول ضبط النفس من خلالها:
-إسمعيني كويس يا إيثار،أنا مش هقبل إن مراتي تشتغل في أي مكان وعند أي حد وعيلتي بتملك مجموعة من أكبر الشركات الموجودة في البلد،وأبويا شريك فيها بالنص
تنهدت تستدعي هدوئها لتنطق متسائلة:
-طب تقدر تقولي هشتغل إيه هناك؟!
ضيق بين عينيه ليجيبها مقترحًا:
-إنتِ خريجة تجارة،تقدري تمسكي قسم المحاسبة وتطوري نفسك فيه ويبقى كارير ليكِ
تنفست بهدوء تحت نظراته المترقبة لتنطق أخيرًا بموافقة مجبرة لإرضاء زوجها الحبيب:
-خلاص يا فؤاد،اللي تشوفه صح أنا موافقة عليه
تنفس براحة واقترب عليها مداعبًا أرنبة أنفها بأصابع يده:
-كنت واثق إن حبيبي عاقل ومش هيعمل مشكلة من موضوع بسيط زي ده
إبتسامة خافتة اعتلت جانب ثغرها لتقول بهدوء:
-أنا بحبك يا فؤاد ومستعدة أعمل أي حاجة علشان نعيش مبسوطين في حياتنا،الشعور ده زاد خصوصًا بعد ما اطمنت على حضانة يوسف
تحدث بنبرة جادة:
-وأنا عاوزك تكوني واثقة ومتأكدة إن أي حاجة بعملها،فهي علشان حياتنا تستقر ونعيش كأي زوجين عاديين ومعانا يوسف
تنفس بقوة وظهر على ملامحه الغضب وهو يتابع قائلاً بانكسار رجلاً عاشقًا حتى النخاع:
-مكنش سهل عليا أسلمك بإيدي للحـ.ـيو.ان طليقك،جـ.ـسمي كان قايد نار وأنا بتخيل أيدين الحـ.ـيو.انات اللي مأجرهم لخـ.ـطـ.ـفك وهي بتلمسك
وهز رأسه ليتحدث مستسلمًا بخفوت:
-بس مكنش قدامي حل غير ده علشان أقفل باب الحضانة نهائيًا وبدون راجعة، كان لازم الاب يمضي على التنازل وإلا كنا هنفضل عمرنا كله في مماطلة المحاكم وقضايا رايحة وقضايا جاية من الطرفين
تطلعت عليه بعينين عاشقة ممتنة، أمسكت كفاه ومالت تقبلهما قبل أن ترفع وجهها من جديد وهي تنطق بصدقٍ:
-أنا عارفة يا حبيبي ومقدرة جداً اللي عملته علشاني، بالعكس أنا لازم أشكرك ألف مرة إنك ضحيت بحاجات كتير قوي وضغطت على نفسك علشان تريح قلبي من ناحية يوسف
-مكنش سهل عليا والله يا حبيبي...نطقها بضعف ليسترسل موضحًا بإبانة:
-بس علشان عارف إن يوم ما هياخدوا يوسف منك هتعيشي معايا جسد بلا روح، عملت كل شئ ضد مبادئي ورجولتي علشان مخلكيش توصلي لليوم ده
نزلت دmعة من عينيها تأثرًا بتمزق روح حبيبها جففها لها سريعًا بإبهامه لتنطق وهي تحتفظ بأصبعه لتقبله بحنانٍ جعل القشعريرة تسري بجسده:
-أنا بحبك قوي يا فؤاد ولو عيشت عمري كله أشكرك على اللي عملته معايا من يوم ما عرفتك للوقت مش هيكفي
تنفس براحة لتتابع هي بحيرة ظهرت بعينيها:
-فؤاد
-إيه يا حبيبي...قالها بهدوء لتسأله بتشتت وحيرة:
-هو لو عمرو اتنازل عن الحضانة، مش ممكن مامته ترفع قضية ضم وتكسبها؟
-لا يا حبيبي،الأب والأم هما الطرفين اللي ليهم الحق في التنازل، وبمجرد تنازل أحد الطرفين للاخر يسقط أي حق لأي حد تاني
أغمضت عينيها لتتنهد براحة وهي تضع كفها على صدرها ثم فتحتهما لتقول بصوتٍ حماسي:
-يلا نروح علشان يوسف
أجابها بهدوء:
-حاضر يا حبيبي،هنعدي الأول على المستشفى،الدكتور مستنينا هيعمل لك تقرير صحي ويكتب لك حاجة للكدmـ.ـا.ت اللي في وشك ونروح على طول
بعد قليل كانت ترتمي داخل أحضانه أثناء قيادته للسيارة بعدmا جلب لها بعض المسكنات والكريمـ.ـا.ت المزيلة للكدmـ.ـا.ت،أغمضت عينيها حتى أنها غاصت بالنوم ليشعر بها من خلال انتظام أنفاسها، نظر عليها وجد وجهها قد بدأ يُصبغ باللونين الأحمر والأزرق فكز على أسنانه بغيظ واستعارت النار بداخل قلبه من جديد كلما تذكر صفع ذاك الحقير لها،ولج من باب الحديقة ليرى الجميع بانتظاره،أسرع عليه الحرس ليفتح له الباب في حين لمس هو وجهها الموضوع على صدره بلينٍ وقال بصوتٍ هامس:
-حبيبي
إمممم...قالتها وهي تقاوم فتح أجفانها بصعوبة ليتابع هو بنبرة تجمع بها حنان الدنيا بأكمله:
-قومي يا بابا خلاص وصلنا
ساعدها في الإعتدال والعودة لمقعدها لينزل وسريعًا تحرك باتجاه الباب المجاور لمقعدها لينحني عليها ويحملها برفقٍ، تعلقت بعنقه وبدأ الإعياء يشتد عليها نتيجة ما مرت به،أسرع إليهما عصمت وفريال وعلام الذي تحدث إليها بعدmا وضع كفه على كتف نجله كنوعًا من المؤازرة:
-حمدالله على السلامة يا بنتي
-الله يسلمك يا بابا...قالتها بضعفٍ يرجع للتخدر الذي أصاب جسدها بالكامل نتيجة ما حدث وبدأت أثاره في الظهور عليها من خلال ألامٍ حادة شعرت بها بجميع انحاء جسدها، إقتربت عصمت تتفحص نجلها بتمعنٍ شـ.ـديد لتسألهُ بقلب الأم المتلهف:
-إنتَ كويس يا حبيبي؟
-إحنا بخير يا حبيبتي متقلقيش...قالها بهدوء لتتابع وهي تمسك كف إيثار الموضوع على قلب حبيبها وتتلمسهُ متسائلة بقلبٍ صادق بعدmا اطمأنت على صغيرها الحبيب:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار،ربنا ينتقم منه ويبعد شره هو وأهله عنك
نطقت بإعياءٍ شـ.ـديد:
-متشكرة يا دكتورة
نطقت فريال بنبرة متأثرة بعدmا شاهدت تلك الكدmـ.ـا.ت المتفرقة بوجهها وأثار ربطة الحبل حول عنق كفها مما ترك أثرًا ظاهر:
-سلامتك يا إيثار، ألف سلامة عليكِ
للحظة وضعت نفسها محلها وتخيلت تهجم أحدهم عليها فتأثرت كثيرًا وظهرت ملامح الحـ.ـز.ن عليها لتجيبها تلك الواضعة رأسها باستسلام فوق صدر زوجها:
-الله يسلمك يا فريال
بصوتٍ عالي وجهت عصمت حديثها إلى فؤاد خشيةً ليتأذى:
-دخلها جوه علشان ظهرك يا حبيبي
بالفعل تحرك باتجاه الباب الداخلي والكل تبعه ليهرول الصغير الذي رأهم حيث كان يلهو مع مع بيسان،وضعها فوق الأريكة ليجاورها الجلوس ثم أخذ رأسها ليسندها على كتفه بلينٍ وعناية،أسرع الصغير وهو يسألها بذُعرٍ ظهر فوق ملامح وجهه البرئ:
-مالك يا مامي؟
نطقت سريعًا لطمأنة الصغير:
-متخافش يا حبيبي، أنا كويسة
حملته عصمت كي تهدئ من روعه لتقول وهي تربت على ظهره بحنان:
-مامي زي الفل يا حبيبي، متخافش
تطلع للصغير بحنانٍ وقد حـ.ـز.ن لأجله،فهذا الأبله فاقد العقل والحِس والإنسانية لا يستحق بأن يكون أبًا لملاكًا كهذا البرئ،نطق ليطمئن روعه:
-متخافش يا چو،مامي كويسة
-طب مين عمل في وشها كده؟...سؤالاً طرحه الصغير ببراءة ليجيبه بهدوء كي لا يُفزع:
-وقعت من على السلم وهي نازلة من شغلها يا حبيبي
-أكيد مش شربت اللبن الصبح...قالها بفطانة ليضحك الجميع أما بيسان فقد وقفت بجانب جدتها لتمسك بساقه وهي تقول:
-مش تزعل يا جو،أنطي هتبقى كويسة
أما عزة فكانت تجلس بالمطبخ تستند بكفها فوق الطاولة وتحتسي كوبًا من مشروب الشاي الساخن قبل أن تدخل وداد وهي تقول بـ.ـارتيابٍ:
-شوفتوا اللي حصل
التفت إليها الجميع ينتظرن بشغف ما ستبلغهن لتهتف هي من جديد:
-فؤاد باشا راجع من برة شايل مـ.ـر.اته ووشها متشلفط على الأخر،زي ما يكون واحد ساحلها ضـ.ـر.ب
وقع الكوب من بين يد عزة لتصرخ وهي تهرول صوب الباب:
-يلهوي،إيثار
هرولت للخارج تحت همهمة الجميع لتهتف سعاد بنبرة حازمة:
-كل واحدة تخليها في شغلها وبطلوا رغي
صمت رهيب عم بـ.ـارجاء المكان بعد صوتها المريب،أما عزة فهرولت لتتفحص صغيرتها وهي تسألها بدmـ.ـو.عها التي انهمرت لشـ.ـدة رعـ.ـبها:
-مين اللي عمل فيكِ كده يا قلبي
-أنا كويسة يا عزة متقلقيش...كلمـ.ـا.تٍ نطقتها لطمأنة تلك الحنون التي هتفت من بين أسنانها بحدة وغضب:
-نصر وإبنه ورا اللي حصل لك،مش كده؟
هتف فؤاد بنظرة محذرة وهو يوجه انتباهها إلى الصغير:
-عزة،المدام وقعت من على السلم
فهمت مغزى نظراته ففضلت البكاء بصمت قبل أن تقول عصمت:
-إدخلي المطبخ جهزي شوربة للهانم علشان تتغدى قبل ما تنام يا عزة
-مش عاوزة أكل...جملة نطقتها إيثار بنفيٍ من رأسها لتتابع وهي تنظر لزوجها بإعياء:
-أنا عاوزة أطلع أنام يا فؤاد
نطق علام بنبرة صادقة:
-لازم تاكلي يا بنتي علشان تاخدي أدويتك وتتحسني بسرعة
إقتربت عليها فريال بخطواتٍ هادئة قبل أن تعرض مساعدتها بعدmا رق قلبها لحال تلك المسكينة ومظهرها هي وصغيرها الذي يدmي القلوب:
-تعالي أسندك لجناحك علشان تغيري هدومك على ما يجهزوا لك الغدا
رد عليها فؤاد بعيني شاكرة:
-سيبيها يا حبيبتي،أنا هطلعها بنفسي
هزت رأسها قبل أن تقول برفضٍ تام:
-روح إنتَ لميعادك وأنا هسند وهطلع مع فريال
كانت تقصد ميعاده مع نصر للحصول على التنازل لكنه رفض معللاً:
-مش هتحرك غير لما تتغدي وتاخدي علاجك،خليهم يستنوا
وقف ليحملها من جديد وصعد بها الدرج بصحبة عزة التي حملت الصغير،وقفت فريال تتطلع عليها وهي تقول:
-مسكينة،المجرم مبهدل وشها، والولد يا حـ.ـر.ام مخضوض على مامته
ارتمت عصمت فوق الاريكة باستسلام لتزفر باستياء،لا تعلم ماذا عليها أن تفعل،هي تكن لتلك الـ إيثار الكثير من الحب والإحترام لكن يأتي حبها والخوف على صغارها في المقام الأول لذا هي الان بين نارين
*********
ولجت من الباب ليدخل بها إلى الحمام مباشرةً،ساعدها بخلع ملابسها وأنزلها داخل حوض الاستحمام المجهز من قبل العاملات والمملؤ بالماء الساخن،غمرت جسدها بالمياة كاملاً،خلع عنه حلة بدلته وشمر أكمام قميصه ثم اتجه ناحيتها وجلس على حافة الحوض وقام بوضع الماء والصابون السائل على كتفيها وبدأ بتدليكهما برفقٍ ولين راقا لها وأغمضت عينيها على إثر تدليكه باستمتاع،همست من بين شفتيها:
-تسلم إيدك يا حبيبي
-أول ما تتغدي وتاخدي أدويتك وتنامي شوية هتقومي زي الفل...قالها بطمئنة ليتابع بمداعبة كي يخرجها من تلك الحالة:
-عاوزين نستعد للسهرة وفقرة الخلخال
ابتسامة واهنة خرجت منها ليبتسم وهو يحرك كفاه بمهارة على كتفيها كي يزيل عنها التشنجات التي أصابتها من تلك الحادثة،سألته بتـ.ـو.تر مازال يتملكها رغم طمأنته الشـ.ـديدة لها:
-تفتكر عمرو ممكن يعند ويرفض يمضي على التنازل؟
أجابها بجبينٍ مقطب وهو يتابع تدليك عنقها من الخلف:
-هو وأبوه مش حمل الخساير اللي هتحصل لهم من ورا قضية الخـ.ـطـ.ـف لو وصلت للنيابة
سألته من جديد:
-طب هو ممكن يرجع في كلامه بعد ما يخرج ويرفع قضية ضم من جديد؟
أجابها بثقة وهدوء:
-لا يا حبيبي مينفعش،أنا عامل له صيغة تنازل متخرش المية
ثم تنهد ليتابع بصوتٍ لائم:
-وبعدين أنا مش قولت لك تريحي دmاغك من التفكير وإعتبري التنازل إتمضى خلاص
ليسترسل بهدوء:
-غمضي عيونك وخدي نفس عميق وحاولي تسترخي
إنساقت لحديثه وبدأت بأخذ نفسًا مطولاً مع إغماض عينيها باستسلام للحصول على بعض الراحة والإستجمام لينطق بعد حوالي خمسة عشر دقيقة:
-كفاية كده يا قلبي ويلا علشان ترتاحي في سريرك
ساعدها في الخروج من المياه لينطق بمشاكسة وهو يجفف جسدها بالمنشفة:
-صبرني يارب
ضحكت بخفة لتستدير له بعدmا ساعدها على ارتداء المئزر لتلقي حالها بين أحضانه متشبثة بعنقه وهي تقول:
-ربنا يخليك ليا يا فؤادي وتفضل سندي وحبيب عيوني
تنفس بقوة ليضع خصلاتها خلف أذنها وينطق بعينين هائمتين بجمال روحها:
-ويخليكِ ليا يا فرحة أيامي
أسندها حتى وصلت إلى سريريهما ليجد يوسف جالسًا عليه ينتظرها بصحبة عزة التي أحضرت الطعام وهي تقول:
-تليفونك مبطلش رن يا باشا
رفعت له الغطاء ودثر هو زوجته جيدًا ثم مال على جبينها طابعًا قُبلة حنون قبل أن يقول بجدية:
-هاتي التليفون يا عزة
التقطته من فوق الطاولة لتناوله إياه لتظهر إبتسامة ساخرة على جانب فمه لتسأله هي بفضولٍ كاد يمزق داخلها:
-هو؟
تطلع عليها ليهز رأسه بتأكيد بعدmا فهم مقصدها بشأن المتصل"نصر"،لينطق باهتمامٍ وحب:
-إتغدي كويس وخدي الأدوية،وأنا هدخل أغير هدومي بسرعة وأروح لهم
قال كلمـ.ـا.ته وتحرك إلى غرفة الثياب لينتقى ملابس له قبل أن يتحرك إلى الحمام للإغتسال
********
بعد خروج فؤاد وانطـ.ـلا.قه بسيارته مع سيارة الحراسة التي أصر عليه علام لتتبعه،صعدت عصمت وفريال ومعهما إحدى العاملات التي تحمل صينية مملؤة ببعض أنواع الفاكهة الطازجة وكوبًا من عصير البرتقال الطازج أيضاً ليجداها مازالت تتناول طعام الغداء تجاورها عزة حاملة الصغير الغافي فوق ساقيها،أشارت فريال للعاملة بأن تضع ما بيدها وتعود للأسفل من جديد فانساقت الفتاة إلى ما أُمرت به،جلست عصمت على حافة الفراش وتحدثت بنبرة حنون وهي تتحسس ساق الاخرى:
-عاملة إيه يا حبيبتي؟
أجابتها بنبرة هادئة:
-الحمدلله، حاسة نفسي أحسن بعد الشاور
-لما تنامي هترتاحي أكتر...قالتها بحنو لتسألها فريال بنبرة متعجبة وملامح وجه يكسوها الاستياء:
-هو أنتِ إزاي كنتي عايشة مع واحد حـ.ـيو.ان بالطريقة دي؟!
حذرتها عصمت بنظراتها لتتابع بتأثر وتضامن ظهر بعينيها:
-هو أنا غلطت في حاجة يا مامي،هو حضرتك مش شايفة الحـ.ـيو.ان عامل إيه في وشها؟
لتسترسل بحدة:
-طب والله الحـ.ـيو.ان مظلوم مع حقير زيه
ابتسمت عصمت رُغمًا عنها لتنطق عزة التي وجدت فرصتها:
-طب والله عندك حق يا هانم،ده مـ.ـجـ.ـنو.ن،قال إيه بيحبها ومش قادر يتخيل إنها بقت لراجـ.ـل غيره
-مستحيل حد يكون بيحب بجد ويعمل كده في اللي بيحبه...جملة معترضة نطقتها فريال باستهجان لتتابع بحدة اكثر وهي تتطلع على تلك الكدmـ.ـا.ت المنتشرة بوجهها:
-ده واحد مريـ.ـض بحب التملك
-هو كده بالظبط...قالتها إيثار قبل أن تتابع بإبانة:
-للأسف،هو اتربى على إنه يمتلك كل حاجة تعجبه،من يوم ما طلبت الطـ.ـلا.ق وأخدت إبني وبعدت وهو هيتجنن،كل فترة كان بيحاول يقتحم حياتي ويعرض عليا الرجوع، وطبعاً كان بيعرض عليا ملايينه الكتير، أخر مرة قالي إنه شرى ڤيلا في زايد وهيكتبها بإسمي وهيحط لي المبلغ اللي أقول عليه في حسابي في البنك
لتتابع بذهولٍ ارتسم فوق ملامحها:
-لكن عمري ما تخيلت الجنون يوصل بيه بإنه يخـ.ـطـ.ـفني وأنا على ذمة راجـ.ـل تاني،لا وكان مخطط لخـ.ـطـ.ـف يوسف هو كمان لولا ربنا ستر وفؤاد كان عارف وبعت بودي جارد جاب الولد
تطلعت إلى عصمت لتتابع وهي تهز رأسها:
-فيه حد عاقل يعرض طفل صغير لتجربة خـ.ـطـ.ـف هتأثر عليه بالسلب باقي عمره
هزت رأسها بأسى، أما فريال فكانت تستمع إليها متعجبة من تلك المعلومـ.ـا.ت الجديدة عليها، فقد كانت تعتقد أنها كانت متزوجة من رجلاً بسيط لا يمتلك أموالاً طائلة كالتي تحكي عنها لتسألها بفضولٍ بعدmا فشلت بالتحكم بحالها:
-هو طليقك غني للدرجة دي؟!
كالعادة تطوعت عزة بالإجابة وهي تتحدث بكثيرًا من الثرثرة:
-ده أبوه عضو مجلس شعب كبير وعنده أملاك وأطيان ملهاش أول من أخر،والواد عمرو ده طول عمره دلوعة أمه اللي مش شايفة غيره قدامها،مغرقاه بالفلوس اللي ملهاش حصر
لتسترسل وهي تُشير بكفيها:
-هو فسد ووصل لحالته دي من قليل
نطقت عصمت بهدوء:
-ربنا يبعد شره عنك ويحميكِ إنتِ ويوسف يا حبيبتي
شكرتها واستندت بظهرها للخلف وهي تقول إلى عزة:
-شيلي الأكل من فضلك وهاتي لي الدوا يا عزة
نظرت عصمت إلى الطعام لتنطق باستهجان:
-الاكل زي ما هو يا إيثار، لازم تاكلي علشان الأدوية
-مش قادرة يا دكتورة...قالتها وهي تنظر للطعام باشمئزاز لتكمل بايضاح:
-معدتي و.جـ.ـعاني ومش قادرة أكل أي حاجة
تعجبت وهي تنظر إلى فريال التي وضعت حبة من ثمار التفاح داخل صحنٍ ومعها سكينًا صغير وتحركت إليها لتجلس على الحافة وبدأت بتقطيع الثمرة قائلة:
-كلي تفاحة خفيفة مش هتتعب لك معدتك
تطلعت عصمت باستحسان لتصرفات ابنتها التي تنم عن أصلها الطيب وطمأنتها بأن تربيتها لم تذهب هباءًا،وقفت لتنطق قاصدة عزة:
-نيمي يوسف جنب مامته يا عزة ونزلي الصينية للمطبخ،ونبهي عليهم يعملوا أي حاجة خفيفة لعشا إيثار
ثم تطلعت على فريال لتتابع:
-أكلي مرات أخوكِ التفاحة وخليها تشرب كباية العصير كلها،
لتسترسل قاصدة إيثار:
-مينفعش تاخدي الادوية من غير ما تكوني واكلة كويس
نطقت كلمـ.ـا.تها بتلقائية ولم يأتي بخيالها كم التأثر والسعادة التي سكنت روح تلك العطشة للحنان من مجرد إستماعها لكلمـ.ـا.ت والدة زوجها الراقية،لقد عاشت حياتها محرومة من الحنان الأسري،أدنى حقوقها الادmية لم تحصل عليها وسط عائلتها المفككة التي أشرفت على تربيتهم أم تفتقر لقواعد الأمومة الأساسية،فقلبها لم يحمل ذرة واحدة من الحنان تجاه معدومة الحظ هذه،في الطبيعي تتنعم الفتاه داخل أحضان والدتها الحنون وتتدلل،اما هي فقد تجرعت على يديها كؤوس العـ.ـذ.اب بألوانه المتنوعة،شعرت بروحها تهيمُ من شـ.ـدة حبورها لتنطق بعينين ممتنتين جعلت من قلب عصمت يرق لها أكثر وأكثر:
-حاضر
اقتربت عليها عصمت لتربت على كفها بحنان مع شمولها بابتسامة حنون لتقول قبل أن تنسحب:
-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي
انسحبا كلاً من عصمت وعزة لتتركاها بصحبة فريال حيث تحدثت وهي تناولها الصحن بعدmا قطعت الثمرة وقامت بتنظيفها:
-يلا كُلي التفاحة
بعينين شاكرتين تحدثت بامتنان:
-متشكرة يا فريال،متشكرة بجد
تبسمت لتصمت لعدة ثواني قبل أن تقول باستحياء:
-هو أنا لو قولت لك آسفة على سوء ظني فيكِ،هتقبلي؟
تنهدت بقوة وهي تشملها بابتسامة جذابة قبل أن تتحدث بصدقٍ وصل لقلب الأخرى مباشرةً:
-إنتِ أخت الراجـ.ـل اللي شملني انا وإبني بحبه ورعايته،الراجـ.ـل اللي وقف جنبي في الوقت اللي اتخلى عن حتى اللي من دmي
لتتابع بتأثر ظهر بعينيها:
-علشان خاطر عيونه أتحمل أي حاجة،وإنتِ مش بس أخته،إنتِ أقرب حد لقلبه
زفرت فريال ثم طالعتها لتهتف بصوتٍ حماسي:
-بصراحة كنت فكراكِ طمعانة في فلوس فؤاد
قطبت إيثار جبينها لتنطق باستياء:
-فؤاد أنضف راجـ.ـل أنا شفته في حياتي كلها
لتتابع عاتبة:
-وميستاهلش منك أبدًا إنك تحصريه في دايرة الطمع في فلوسه،لأن الطمع الأكبر في رجولته وأخلاقه وإحترامه لذاته وللغير
تنهدت فريال براحة لتقف لجلب الادوية لها
*******
وصل فؤاد لمقر الشرطة، وجد نصر ونجلاه بانتظاره،جلس بمكتب الضابط وبعث الضابط لجلب عمرو الذي ولج مقيدًا بالأصفاد الحديدية بصحبة العسكري وما أن رأه نصر حتى اشتعل داخله، ود لو بيده الأمر لانقض عليه وقام بصفعة وركله كي يشفي غليله منه،فهو بغبائه جعل منه وجبة دسمة قُدmت بكل سهولة لذاك الداهي أكلها ساخنة باستمتاع وتلذذ وكانت النتيجة تقديم الصغير على طبقٍ من ذهب إلى إبنة غانم،رمقهُ فؤاد الجالس بكل فخرٍ مستندًا بظهره للخلف واضعًا ساقًا فوق الأخرى،ليستشيط داخل ذاك الأرعن الذي هتف وهو ينظر إلى أبيه يشتكي كالاطفال:
-شوفت اللي عملوه فيا يا بابا؟
أشار نصر بحدة لينطق بصرامة وعينين تحملان بداخلهما نارًا مشتعلة:
-إنتَ تخرس خالص وتقعد زيك زي الكرسي ده، وتنفذ اللي هيتقال لك بالحرف الواحد
اشتعل داخله بنارٍ مستعيرة سرت بجميع جسده لينظر إلى عدوه اللدود وجده يبتسم ساخرًا من تقليل والده لشأنه بتلك الطريقة المهينة،هتف طلعت بحدة وهو يشير لشقيقه:
-إقعد يا عمرو
كاد أن يجلس ليهتف فؤاد بقوة موجهًا حديثه اللازع للظابط:
-من إمتى المجرمين بيقعدوا ويتضايفوا يا حضرة الظابط؟!
ابتلع الضابط لعابه لينطق سريعًا:
-خليك واقف يا متهم
إنهُ لشعورًا مرير أصاب ذاك النصر المغرور، فهو دائمًا من يظلم ويفرض سيطرته على الاخرين ويسحق كرامتهم تحت حذائه والأن تبدلت الادوار لتُهرس كرامته وكرامة نجله تحت حذاء ذاك الداهي،مال ببصره لعدm قدرته النظر بأعين أنجاله الثلاث لينطق بصوتٍ ذليل:
-خلينا ندخل في الموضوع على طول يا باشا علشان منضيعش وقت سعادتك
أشار فؤاد إلى رجلاً أتى بصحبته ليضع العقد فوق الطاولة الجالس أمامها نصر،رفعها وتحدث إلى عمرو بنبرة حادة:
-خد العقد ده إمضيه
قطب جبينه قبل أن يسأل والده مستفسرًا:
-عقد إيه ده؟
تطوع فؤاد وهو يقول بتشفي ظهر بعينيه ومن خلال صوته الشامت:
-عقد تنازل منك عن حضانة يوسف لـ أمه
صرخ بصوتٍ معترض:
-نعم،ده بعينك إنتَ وهي، عاوزني أتنازل لكم عن إبني علشان تعيش متهني وبالك رايق إنت وبنت غانم
دق الضابط فوق مكتبه بقوة ليصيح بصرامة موبخًا إياه:
-إخرس يلا وبطل دوشة وإلا هرجعك الحجز وأخلي الصيع يتسلوا عليك في السهرة
جحظت عينيه ليسأل والده:
-إنتَ ساكت ليه يا بابا، إنتَ موافق إنهم ياخدوا إبني مني؟!
-إمضي يا عمرو...قالها نصر بصوتٍ مختنق مجبرًا على التخلي عن حفيده الغالي ليتابع حديثه بايضاح:
-ورقة التنازل قصاد خروجك من هنا
خرج صوت فؤاد القوي ليكمل على حديث نصر:
-وقصاد كرسي البرلمان بتاع والدك اللي لو اتحكم عليك بمؤبد هيودعه للأبد
هز عمرو رأسه لينطق بقهرٍ:
-أنا لا يمكن أعمل كده، لا يمكن أتنازل عن إبني واخلي بنت غانم تعيش مرتاحة ومتهنية معاك
هتف نصر من بين أسنانه بغيظ بعدmا فقد السيطرة على حاله من أفعال هذا الأرعن المصر على إسقاطه من رأس الهرم إلى أسفله بأفعاله الهوجاء :
-هتمضي ورجلك فوق رقبتك، الموضوع مبقاش بمزاجك، ده غـ.ـصـ.ـب عنك علشان تتنيل تطلع من المصيبة اللي ورطت نفسك فيها وورطنا معاك
أمسك طلعت الورقة وبدأ بقرائتها مستمتعًا بما قرأ ليناولها لشقيقه وهو يحسهُ على التوقيع:
-إمضي يا عمرو خلينا نخلص قبل ما سيادة المستشار يرجع في كلامه،الخيبة اللي إنتَ عملتها متصورة صوت وصورة،يعني إنتَ لابس لابس
تطلع لشقيقه بحيرة قبل أن يأخذ نفسًا ويهز رأسه بموافقة بعدmا حسم أمره بالخروج من هذا المأزق،تحدث الضابط للعسكري:
-فك له يا ابني الكـ.ـلـ.ـبشات علشان يعرف يمضي
أمسك العقد وبدأ بقرائته ليحترق داخله مع كل كلمه،بدأ يحرك عينيه على فحوى العقد
«أقر وأنا بكامل الأهلية العقلية وبملء إرادتي ودون إكراه أو تدليس أو تغرير من أحد، بالتنازل عن حقي الكامل في حضانة طفلي«يوسف عمرو نصر طلعت» إلى والدته السيدة «إيثار غانم محمد الجوهري » بشكل نهائي لا رجعة فيه،إلى أخره...... ليشتعل داخله وهو يتطلع لذاك الجالس بكبرياء، أمسك القلم وقام بالتوقيع مجبرًا لينظر متوعدًا إلى فؤاد
تنازل فؤاد أيضاً عن المحضر المقدm منه ليتحدث نصر بتملُق:
-مَرضي يا باشا
رمقه فؤاد بنظرة تقليل قبل أن ينطق بتحذيرٍ صارم:
-ياريت تخلي بالك من تصرفات التافه إبنك وتخلي عينك عليه،المرة دي كان عنده الغالي اللي أساومه عليه
ليتابع بنبرة شرسة وهو يرمق ذاك الحقير بنظراتٍ لو خرجت لحولته إلى قطعة نار متوهجة:
-المرة الجاية أقسم بربي لو فكر مجرد تفكير يبص من بعيد على مراتي، ما فيه مخلوق هيعرف يخلصه من إيدي
واستطرد بنارٍ مستعرة لو خرجت لحولت المكان بأكمله لكتلة من التوهج:
-وأحمد ربنا إن يوسف كان طرف في الموضوع،وإلا كان زمانك واقف بتاخد عزا إبنك
كان يستمع له وداخله مشتعل كاد أن يرد أوقفه نصر بنظراته المحذرة لينطق بصوتٍ جاهد بقوة ليخرجه ثابتًا:
-أوعدك إنه هيبعد خالص عن طريق الهانم يا باشا
أخذ فؤاد العقد وقام بطيه واحتفظ به داخل جيب حلته ليقول بحدة:
-ده لمصلحته ومصلحتك
تحدث الضابط إلى العسكري:
-خد المتهم على الحجز يا عسكري
جحظت أعين نصر وأولاده ليصـ.ـر.خ عمرو معترضًا:
-حجز إيه اللي هترجعني فيه؟!
تطلع نصر إلى فؤاد ليسأله بذهولٍ واستغراب:
-يا باشا هو مش مضي على العقد خلاص
رفع كتفيه لينتطق بلامبالاة مصطنعة:
-أنا لحد هنا وخلصت مهمتي، الباقي بقى بتاع الشرطة
حول نصر بصره إلى الضابط الذي تحدث بنبرة جادة متفق عليها مسبقًا مع فؤاد بناءًا على إتفاق بين النائب العام مع قيادات من الشرطة:
-الاوامر اللي عندي إن المتهم مش هيخرج قبل إسبوع
-ليه يا باشا؟... صاح بها نصر ليجيبه فؤاد ببرودٍ كالثلج:
-تأديب يا سيادة النائب، مش بيقولوا السجن تأديب وتهذيب وإصلاح
ليسترسل متهكمًا:
-وبصراحة كده،إبنك ناقصة تأديب وتربية
نطق كلمـ.ـا.ته وانطلق بقوة للخارج دون أن يعير أحدًا أدنى إهتمام تاركًا خلفهُ قلوبًا تحترق نارًا من شـ.ـدة غلها وحقدها عليه.
داخل قسم الشرطة،بعد خروج فؤاد ومغادرته للقسم وقف عمرو يتطلع إلى أبيه بيعينين متوسلة بألا يتركه بهذا المكان المستوحش، فأكثر ما يفقده إتزانه ويشعره بالجنون هو وجوده بين جدران تلك الحجرة الملعونة المسماة بحجرة الحجز وهؤلاء المجرمون المتواجدون بداخلها،نطق بصوتٍ عالي متذمرٍ كعادته:
-إتصرف يا بابا بأي طريقة وخرجني من هنا
واستطرد بصراخٍ يوحي لمدى فقدانه للسيطرة على حاله:
-أنا مش هقعد هنا يوم واحد، مش إبن الـ... خد اللي هو عاوزة،خرجوني بقى
صاح ضابط الشرطة بصوتٍ مرعـ.ـب هادرًا بصرامة:
-إحترم نفسك يا بني أدm ومتنساش إن اللي بتتكلم عنه ده يبقى رئيس نيابة
واسترسل مهددًا:
-ولا تحب أعمل لك محضر سب وقذف يضاف لبلاويك؟!
ارتعب نصر من تحول ملامح ضابط الشرطة فبادر سريعًا بالحديث ليهم قائلاً:
-حقك عليا يا باشا،هو مايقصدش، ده بيتكلم بس من غلبه وصدmته من اللي حصل
قاطعة الرجل لائمًا بحدة:
-الاستاذ ناسي إنه في قسم شرطة يا سيادة النائب وبيشتم على رئيس نيابة؟
-أنا بتأسف لك بالنيابة عنه...نطقها مجبرًا مرغمًا ليتابع مترجيًا:
-وبعد إذنك يا باشا ياريت تسيبنا مع عمرو خمس دقايق بس، هنتكلم معاه كلمتين وهنمشي طوالي
تنفس مطولاً ليتطلع عليهم قبل أن ينسحب هو والعسكري وقبل أن ينطق عمرو باعتراض هتف نصر بحدة وهو يشير بسبابته في وجه ذاك الحانق:
-قولتها لك قبل كده وهفضل أقولها،نهاية كل اللي عملته في حياتي هتبقى على إيديك
-إهدى يا حاج وبراحة عليه، كفاية اللي هو فيه...قالها حُسين متأثرًا وهو ينظر بأسى لعينين شقيقه المنتفخة والدmاء الجافة السائلة من جانب فمه،ناهيك عن تلك الكدmـ.ـا.ت المنتشرة بجميع وجهه نتيجة تعرضه للضـ.ـر.ب المبرح على يد فؤاد،ليسترسل بنبرة حزينة:
-مش شايف شكله عامل إزاي
هتف من بين أسنانه بطريقة عنيفة أظهرت كم غيظه:
-محدش يقولي إهدى ،أنا عمر ما حد قلل من إحترامه معايا قبل كده،كنت بدوس على أجدعها شنب بجزمتي ولا حد يقدر يتنفس معايا
تهدَّلت أكتافه للأسفل لينطق بحسرة تكونت بصدره:
-مشفتش التهزيق وقلة القيمة غير على إيديه
كل شوية يجي لي بمصيبة أنقح من اللي قبلها،وأنا أجري واتوسل لده ولده علشان أطلعه منها، وأخرتها رايح يخـ.ـطـ.ـف لي مرات رئيس نيابة، وأدي النتيجة
قال الأخيرة بإشارة من كفيه ليتابع بغصة مُرة وقفت بحلقه وكادت أن تودي بروحه وهو يدق بقبضته فوق صدره بقوة:
-بسببه إتنازلت النهاردة عن حتة من قلبي، يوسف اللي كنت بستنى رجوعه لحـ.ـضـ.ـني بفارغ الصبر علشان أعلمه وأكبره على إيديا ويبقى إمتداد لنصر البنهاوي،قدmته بكل ذل لبنت غانم
رمقه طلعت بحدة وقلبٍ شامت،فطالما رفع ذاك الصغير على الجميع وبالغ بتدليله هو ووالدتهم ومن شـ.ـدة عشقهما له لم يرا غيره من صغار المنزل حتى خلقا الضغينة بين الاشقاء بعضهم البعض،فبات هو يبغض عمرو وصغيره ولو بيده الامر لتخلص من كلاهما نهائيًا،لكن جبروت والديه هو من منعه فقط لا غير،أما عمرو فنطق بسخطٍ يرجع لعدm تقبله المكوث بذاك المكان البغيض:
-اللي حصل حصل خلاص،المهم الوقت تخرجني من هنا،ويوسف أنا هعرف إزاي أرجعهولك تاني، وبالتهديد والحيلة زي ما الـ.... عمل بالظبط
5
أشار نصر بكفيه لينطق بحدة وهو يتبادل النظر بين نجليه وقد أوشك للإصابة بذبحة صدرية على يد نجله الأرعن:
-إسمعوا وشوفوا الخيبة القوية اللي أنا فيها،الباشا مش مكفيه المصيبة اللي حطها فوق دmاغنا ولسه مخرجناش منها وبيدبر للي بعدها
هتف طلعت بكلمـ.ـا.تٍ أراد بها صب المزيد من الوقود فوق نار نصر المشتعله ليزيد من توهجها:
-ما تبطل غباء يلاَ وتفوق لنفسك كده واتظبط،يظهر إن عيارك فلت من كتر ما بنسكت لك ونعدي البلاوي اللي كل يوم والتاني تعملها،وكل ده بسبب دلع ستهم فيك، الله يسامحها خلقت منك عيل تافه عديم الكرامة والمسؤلية، واحدة ورفضاك يا جدع،داير وراها وذالل نفسك وذاللنا معاك ليه
واستطرد ليشعل النار اكثر بعدmا رأي تجهم ملامح نصر باتجاه شقيقه:
-طب أبوك ذنبه إيه في قلة كرامتك دي، تمرمطه معاك وتخلي واحد زي المستشار يقل بيه قدامنا وقدام الظابط ليه؟!
احتدm نصر غيظًا ليهتف بنبرة حادة قبل أن يفقد توازنه وينقض عليه ليوسعه ضـ.ـر.بًا:
-تترمي مكانك وتبطل نواح النسوان بتاعك لحد ما أشوف لك حد يطلعك من المصيبة دي
ليستطرد موبخًا إياه بتوعد:
-وحسابي معاك بعدين،وحياة أمك ماهفوتها لك المرة دي يا عمرو
بعد قليل، ولج إلى حجرة الحجز ليدفعه العسكري بقوة كادت أن توقعه ليستند على الحائط بتخبط،في الزاوية يقف رجلاً قصير القامة أشار بعينيه للجميع ليفهموا أن تعيس الحظ هذا هو من تم التوصية عليه من قِبل الضابط،فهز رجلاً رأسه بإيجاب قبل أن يهتف ساخرًا منه:
-إسم الله عليك يا صغنن،مش تحاسب لتتكعبل
قهقه السجناء بقوة ليتابع أحدهم متهكمًا:
-هاتوا لسيد أمه طاسة الخضة يا رجـ.ـا.لة
تطلع عليهم ففهم المغزى من تهكمـ.ـا.تهم،فضل الصمت وانسحب ليختلي بحاله جانبًا، بالكاد لمس جسده الارض ليقبل عليه شخصًا بجسدٍ عملاق ويبدوا على وجهه الإجرام ليركله بإحدى ساقيه وهو يزمجر بصوتٍ غليظ مخيف:
-ده مكاني يا حيلتها،شوف لك غيره
انتقل للجوار ليتحرك نفس الرجل معه ليكرر جملته:
-وده كمان تبعي
-والمطلوب؟!... قالها عمرو باستسلام ليشير الرجل بعينيه لمكانٍ بأخر الحجز يوجد به وعاءًا يقضون المحتجزون به حاجتهم الإنسانية ليشمئز وهو ينطق باستهجان:
-نعم،عاوزني أنا، عمرو إبن سيادة النائب نصر البنهاوي أنام جنب جردل الـ
صمت لبرهة ليكمل بازدراء:
-القرف ده؟!
نطق الرجل ببرود وملامح وجه مبهمة:
-هو كده بالظبط، ولو ماقومتش بالذوق هخلي صبياني يودوك غـ.ـصـ.ـب عنك، بس ساعتها مش هتجاور الجردل بس،ده هيبقى عشاك النهاردة
كاد أن يتقئ ما بمعدته بمجرد تلفظ الرجل بتلك الكلمـ.ـا.ت البذيئة ليهب واقفًا وبصمتٍ مخزي تحرك ليجلس بالمكان الذي خصصه له لينظر الرجـ.ـال بعضهم إلى بعض ويبتسمون لينتقلون للفقرة التالية من الحفلة
********
داخل السيارة الخاصة بـ نصر ونجلاه،استقل مقعده المجاور لطلعت ليمسك هاتفه ويضغط زر الإتصال بالشخص السادس على التوالي متأملاً أن يقدm له المساعدة ولا يتخلى عنه كا الخمس الذين سبقوه،هتف بنبرة متحمسة:
-شوقي باشا،إزي جناب معاليك
الطرف الأخر:
-أهلاً يا نصر، عاش من سمع صوتك
قص عليه نصر ما حدث وطلب منه المساعدة لإخراج نجله من الحجز بما للرجل من سلطة لينطق الرجل بعقلٍ متزن:
-للأسف يا نصر، لا أنا ولا غيري هنعرف نخدmك في الموضوع ده
واسترسل بإبانة:
-إنتَ واقع مع حوت كبير من حيتان القضاء، علام زين الدين راجـ.ـل ليه وزنه وثقله في البلد وبكلمة منه يشيل ناس من مناصبها،وإبنه خليفته،برغم صغر سنه إلا إن ملفه مليان بالإنجازات اللي تُحسب له
ليتابع لائمًا باستهجان:
-إنتوا إيه بس اللي وقعكم مع الناس دي؟!
تنهد بثقل لينطق باستسلامٍ مخزي:
-نصيبنا يا باشا
تحدث الرجل بنصحٍ صادق:
-أنا من رأيي متحاولش تتحداهم وتخرج إبنك قبل الإسبوع ما يعدي،طاطي للريح علشان تعدي يا نصر، بلاش تستفزهم علشان هيحطوك في دmاغهم أكتر،وبدل ما إبنك يخرج بعد إسبوع زي ما هما قرروا مدة عقـ.ـا.به،تلاقيه لابس في قضية تقعدوا جوة السجن سنين
ليسترسل بجدية:
-الناس دي مبتهزرش يا نصر، علام زين الدين مش مجرد عضو بـ.ـارز في المحكمة الدستورية وبس، ده يمتلك أصول وشركات هو وعيلته مقومة جزء كبير من إقتصاد البلد، وده اللي معزز مكانته
أغلق الهاتف ليستند للخلف مغمضًا عينيه باستسلام بعدmا اقتنع بحديث ذلك المسؤل،سأله حسين متأثرًا لأجل شقيقه:
-هتسيبه خلاص يا حاج؟
زفر بألم يعتصر قلبه،لم يكن الأمر بالهين عليه بأن يترك فلذة كبده حبيسًا بين أربع حوائط وسط مجموعة من الخارجين عن القانون،نعم غاضب منه وبقوة بسبب تصرفاته الرعناء لكنه يظل الأقرب لقلبه،نطق بصوتٍ أظهر ضعفه وقلة حيلته:
-وأنا في إيدي إيه أعمله ومعملتوش يا ابني، ما على إيدك إنتَ وأخوك، كلمت واتذللت لـ طوب الأرض،الكل خايف يقرب لـ تصيبه لعنة علام زين الدين
صمت حسين والحـ.ـز.ن خيم على قلبه وهو يتطلع إلى والده ويراه للمرة الاولى مهزومًا حزينًا، الحـ.ـز.ن تملك منهما عدا ذاك الشامت حيث ابتسم بجانب فمه ليتطلع على هذا الجبل الشامخ وهو ينهار.
*********
كان يقود سيارته بقلبٍ مستكين إلى حدٍ ما،فقد وفىَ اليوم بوعده الذي قطعه لحبيبته، وها هو الأن يعود إليها بورقة الحصان الرابح، فابتداءًا من اليوم لن يستطيع مخلوقًا على وجه الأرض إزعاجها بشأن الإحتفاظ بصغيرها الغالي،لذا ستسير حياتهما بهدوءٍ من اليوم وطالع،تلفت حولهُ بتمعن قبل أن يصف سيارته جانبًا أمام أحد المتاجر المتخصصة ببيع ألعاب الاطفال بعد أن قرر أن يبتاع بعض الالعاب لإدخال السرور على قلب الصغير، فقد أخذ عهدًا على حاله أن يعامله معاملة حسنه ويتخذ منه ولدًا عوضًا عن أبيه ذاك الأمعة الذي لا يفكر سوى بحاله وفقط، إلى الان لم يستوعب كيف لقلب أب أن يعرض صغيره لحالة من الرعـ.ـب نتيجة خطته الفاشلة للخـ.ـطـ.ـف، إبتاع مجموعة من الالعاب للصغير ونجلي شقيقته وتحرك بطريقه للمنزل بعدmا جلب بطريقه أحد أروع باقات الزهور وعُلبة من أفخر أنواع الشيكولاتة ليهديهما لحبيبته بتلك المناسبة السعيدة،وأيضاً جلب كعكة شيكولاته كبيرة للإحتفال مع العائلة بضم الصغير لوالدته بشكلٍ نهائي ،صعد للأعلى وبيده صناديق الالعاب الخاصة بالصغير وعلبة الشيكولاتة وباقة الورد بعدmا أهدى أنجال شقيقته هداياهما
حمل جميع الاغراض ورفض على الإطـ.ـلا.ق مساعدة العاملات اللواتي عرضن عليه حملهن،لكنه أبى، ولج بهدوء ليجد الظلام الدامس يجتاحُ الجناح،تحرك ببصيرته ليضع الأشياء برفقٍ فوق المنضدة ثم ذهب إلى زر الإضاءة الخافتة وأشعله ليرى خليلة الروح تغط في سباتٍ عميق حاضنة ملاكها الصغير حيث غفى بجوارها ولم يفق للأن لذا تركهما الجميع لعدm إزعاجهما،ابتسم وانشرح قلبه وهو يراهما، لقد كان مظهرهما رائعًا، للحظة تخيل حاله الوالد الحقيقي لذاك الملاك فانتابته قشعريرة لذيذة سرت بجميع جسده، أخرج من جيبه عقد التنازل ليضعه بدرج الكومود ثم تحرك سريعًا إلى الحمام ليبدل ثيابه ببجامة خفيفة وبعد قليل كان يتمدد خلفها ليضم خصرها بذراعه ويدفن رأسها من الخلف بين ثنايا عنقه، قرب أنفه من شعرها ليستنشق عبيره باستمتاع، شعرت به لتهمس وهي تستدير بخفة لتتطلع على رجلها وفارسها المغوار:
-جيت إمتى يا حبيبي؟
-لسه داخل حالاً...همس بها لكي لا يزعج الصغير فهمست من جديد وهي تحاول النهوض خشيةٍ إزعاجه من وجود ملاكها:
-هتصل بعزة تيجي تنقل يوسف لأوضته
جذبها برفقٍ يعيدها لأحضانه من جديد قبل أن يهمس بجانب أذنها:
-سيبي الولد علشان متزعجهوش
واسترسل بإبانة:
-الساعة سبعة المغرب وكلها ساعة وهنصحى كلنا علشان نتعشى
لم يكن هذا روتين يومهم الطبيعي لكن اليوم مختلف،فقد هزل جسدها واستسلم للنوم لما تعرضت له من خلال تلك التجربة البشعة، وهو أيضًا فقد خارت قوته وهزل جسده لما حدث،بجانب عدm استطاعته النوم ليلة أمس لترقبه وانشغاله بما سيحدث،أما الصغير فقد استسلم للنوم بهناءٍ بعد أن شعر بحنان والدته ودفئ حـ.ـضـ.ـنها ،همست تسألهُ بعدm وعي كامل يرجع للمـ.ـخـ.ـد.ر الموجود بالدواء لتسكين الألم:
-عملت إيه مع نصر؟
-كل حاجة تمت بفضل ربنا وتـ.ـو.فيقه،زي ما رتبت لها بالظبط...قالها بهدوء ليتابع بابتسامة حنون:
-عقد التنازل في درج الكومود اللي جنبك،لما تقومي شيليه في خزنة مجوهراتك
برغم عدm وعيها بشكلٍ كامل إلا أن سعادتها تخطت عنان السماء وهمست وهي تحتضن كفه برعاية:
-ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك يا فؤاد
رفعت كفه إلى فمها لتطبع عليه قبله بثت له من خلالها كم العشق الذي تحملهُ داخل قلبها المغروم لينطق هو بمشاكسة:
-حبيبة حبيبها تؤمر،والتنفيذ عليه
ابتسمت بخفوت لتسحبها الغفوة بداخلها من جديد، تبسم وشـ.ـدد من إحتضانه لها ليلحق بها سريعًا وينجرف داخل سباتٍ عميق
********
داخل منزل نصر البنهاوي، وصل بصحبة نجليه ليجد زوجته بانتظاره وعلى وجهها غضبٌ عارم فتيقن أن ليلته لن تمر بسلام،هتفت سريعًا عند رؤياهم دون مدللها:
-فين عمرو، مجاش معاكم ليه؟!
لم يعير لسؤالها إهتمام وتابع المضي بطريقه ليرتمي بإهمال فوق أول مقعد قابله بطريقه لتعيد عليه سؤالها ولكن بطريقة أعنف تلك المرة:
-إنتوا مبتردوش عليا ليه؟!
وتبادلت النظرات بين نجليها المطأطأين لرأسيهما لتصيح هادرة بحدة:
-ما تنطق منك ليه؟
هتف طلعت وكأنه يريد التشفي برد فعلها الاول على خبر احتجاز صغيرها المدلل:
-عمرو خد حبس إسبوع يا ستهم
جحظت عينيها بقوة ليتابع بما أكمل على ما تبقى من صبرها:
-واتنازل لإيثار عن حضانة يوسف بعقد موثق قصاد خروجه من قضية خـ.ـطـ.ـفها
لم تدري بحالها،فقد اشتعلت النار بجسدها لتصرخ موبخة إياه وهي تنظر إليه بكراهية بالغة:
-إنتَ بتخرف وبتقول إيه يا بغل إنتَ؟!
يوسف مين اللي نتنازل عنه
صمتٍ تام عم على المكان بأكمله لتحول بصرها إلى ذاك الجالس باستسلام وتسأله بهدوء ما قبل العاصفة:
-الكلام اللي طلعت بيقوله ده حصل يا نصر؟
أخذ نفسًا عميقًا وظل صامتًا لتصرخ بصوتٍ هز أركان المكان ودب الرعـ.ـب بقلوب جميع ساكني المنزل:
-ما ترد عليا،ولا مش لاقي كلام تقولهولي يا خايب الرجا
-إجلال...قالها بصياحٍ وعينين مشتعلتين ليتابع بحدة أرعـ.ـبت الجميع:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي معايا
صرخت بعزم صوتها توبخه وهي ترمقه باشمئزاز وتقليل من شأنه:
-مش لما تكون محترم ومالي مكانك أبقى احترمك
ضيعت الواد اللي حيلتنا وسلمته لبنت غانم بضعفك وخيبتك؟
دارت حول نفسها بجنون لتسترسل باستعلاءٍ وعدm استيعاب لما حدث:
-خليت بنت غانم الجعان تنتصر على ستهم اللي رجـ.ـا.لة بشنبات بتقف لي تعظيم سلام لما بمشي بعربيتي في البلد
هب واقفًا ليهتف باعتراض على تحميلها لجميع أخطاء نجلها الأرعن:
-الحـ.ـيو.ان إبنك هو السبب في كل ده،لولا تصرفاته الغـ.ـبـ.ـية مكناش وصلنا لكده
صرخت وهي تلقي باللوم عليه:
-مهو لو لقاك فالح وبتتحرك صح في الموضوع مكنش اتصرف من ورا ضهرك وحاول يرجع إبنه بطريقته
-إنتَ لسه بتدافعي عنه بعد كل المصايب اللي وقعنا فيها... نطقها باستغراب لتصيح بعلو صوتها:
-كل المصايب اللي إحنا فيها بسببك يا سيادة النايب
جحظت عينيه ليلقي عليها اللوم كاملاً:
-قصدك بسبب دلعك الماسخ لـ دلوع عين أمه لحد ما حولتيه لواحد تافه
-لا يا سيادة النايب، اللي إحنا فيه كله بسبب فشلك وضعفك...قالتها بحدة لتتابع وهي ترمقه بنظراتٍ تقليلية:
-أنا لما اختارتك علشان تبقى نايب عن الدايرة وكلمت إخواتي وولاد عمي علشان يقفوا معاك ويخلوا كل قرايبنا ومعارفنا يدوك أصواتهم، عملت كده علشان تحمي مالنا وتكبره وتحمي لي عيالي
بس إنتَ فاشل يا نصر،لا عرفت تعمل علاقات مع ناس كبيرة تنفعك لما نقع في مصيبة، ولا أنتَ اللي حمـ.ـيـ.ـت عيالي،وفي الاخر خليت بغبائك حتة عيلة زي بنت نصر تنتصر على ستهم
لتسترسل بهسيسٍ خرج من بين أسنانها ليعبر عن نارها المستعرة:
-لو كنت سمعت كلامي من الأول وجبتها من بيت أبوها بعد ما حاولت تنتحر،كان زمانها مرمية تحت رجليا بتخدmني زي أقل خدامة
اشتعلت عيونه بشرارات الغضب ليهتف بحدة هادرًا باعتراض بعدmا فاض به الكيل:
-كفاية بقى،إنتِ كل ما تتزنقي تعايريني باخواتك وعيلتك اللي دعموني
ليتابع رافعًا رأسه للأعلى بكبرياء أراد به حفظ ماء الوجه أمام نجلاه الواقفان يتابعان ما يجرى بصمتٍ مخزي، فمن سيتجرأ ويتدخل ليطاله غضب تلك المرأة الجبروت،فالجميع يهابها ويخشى غضبها المدmر:
-لعلمك، أنا بعد ما بقيت نايب الدايرة بقيت أعلى من الكل،وبقيت أكبر من أهلك وعيلتك كلهم
-طول عمرك وإنتَ ناكر للجميل وقلة الأصل مش جديدة عليك،...قالتها لتتابع وهي تذكره بماضيه وفقره:
-لولا أبويا الحاج ناصف كان زمانك حتة موظف كحيان في الحكومة وبتقبض ملاليم بالعافـ.ـية تأكلك عيش حاف، أبويا اللي عمل منك بني أدm ودخلك لعبة الأثار، وقف جنبك لحد ما بقيت من أكبر تجار الأثار في كفر الشيخ كلها
لتسترسل وهي ترمقه مشمئزة:
-وأدي أخرتها، بتنكر فضل أبويا وعيلتي عليك
ظل يتبادلان الإتهامـ.ـا.ت وذكر صفات كل منهما القبيحة وينعتان بعضيهما البعض بأقذر وأبشع الإتهامـ.ـا.ت على مرأى ومسمع من نجليهما وأهل المنزل الذين يتنصتون لتلك الحرب الكلامية الشرسة.
*******
بعد ساعتين، فاق الصغير تبعه الزوجين السعيدين ليستند فؤاد بظهره للخلف فوق التخت بعدmا أشعل الضوء بجهاز التحكم عن بعد،تطلع بألمٍ استوطن قلبه حين رأى الكدmـ.ـا.ت قد ظهرت أكثر على وجه خليلة الروح،جلب الصغير وثبتهُ فوق ساقيه وبدأ بدغدغته تحت قهقهاته وسعادة إيثار التي لا يضاهيها سعادة بعدmا استكانت روحها واطمئنت على مستقبل صغيرها الغالي،أشارت بسبابتها لتسألهُ باستفسارٍ مدلل بعدmا لمحت باقة الزهور وعُلبة الشيكولاتة:
-مين جايب الورد والشيكولا دول
-حبيبك...قالها بغمزة من عينيه جعلت روحها تحوم كفراشة ليتابع قاصدًا الصغير:
-وفيه كمان ألعاب حلوة قوي موجودة على الارض علشان چو باشا
اتسعت عيني الصغير بسعادة ليسألهُ مستفسرًا وهو يشير بسبابته قاصدًا حاله:
-علشاني أنا؟
أومأ له بالإيجاب ليقول بصوتٍ حماسي:
-يلا قوم علشان نفتحهم مع بعض
رفعه في الهواء تحت انطـ.ـلا.ق ضحكاته لينزلا من التخت على الأرض ليفترشاها وهما يفتحان صناديق الألعاب بحماس، صرخ الصغير بسعادة وهو يرى لُعبة البلاي ستيشن 5،أحدث نسخة نزلت إلى الأسواق وكان الصغير قد استمع عنها من أصدقائه بالمدرسة وتمنى رؤياها واللعب بها:
-دي النسخة الجديدة من البلاي ستيشن
التفت إليه ليسأله بعينين متمنيتين:
-دي بتاعتي؟!
-أه يا حبيبي بتاعتك...هكذا أجابهُ بهدوء لينطق الصغير بعينين مترجية:
-عمو،أقدر ألعب بيه وقت ما احب؟!
تعجب فؤاد سؤال الصبي ونظراته المترجية ليجيبهُ على الفور:
-طبعاً يا حبيبي، كل الالعاب بتاعتك وقت ما تحب تلعب بيهم إلعب
صفق الصغير بسعادة هائلة تحت صرخات قلب إيثار المتألمة من ثأذي نفسية صغيرها وتأثره بنظام التشويق وقانون الإخضاع النفسي الذين اتبعوه وقاموا بممارسته عدmاء الشرف على ذاك الملاك كي يجعلوه يضغط على والدته لعودتها مرغمة لأبيه ليحصل على كل ما يريد من ألعابه المحببة والعيش داخل حياة الترف الذي يتمناها صغيرًا مثله،مع كل لعبة يقوم فؤاد بفتحها يصيح الصغير مصفقًا بسعادة تدخل على قلب فؤاد تنعشه
تركه يلهو بألعابه وتحرك ليجاور حبيبته فوق التخت،وضعت كفها تتلمس به ذقنه لتنطق بحنانٍ فائض:
-أنا بحبك قوي
-وأنا بعشقك...قالها ليلتفت جانبًا ويجذب أنبوب المرهم الخاص بتخفيف أثار الكدmـ.ـا.ت ليقوم بفتحه والضغط عليه لسكب البعض منه على أصابعه ليعتدل قبالتها وهو يقول:
-تعالي يا بابا أحط لك الكريم
لم تعد الدنيا تسع سعادتها، ماذا ستحتاج أكثر من زوجٍ حنون يخاف الله ويرعاها هي وصغيرها،بدأ بتدليك المرهم برفقٍ لينطق ساخرًا على حاله:
-الكدmـ.ـا.ت شكلها صعب، كده الليلة إنضـ.ـر.بت
ابتسمت ليتابع متهكمًا:
-قال وأنا اللي جايب ورد وشيكولاتة وطول الطريق بفكر في الغنوة اللي هترقصي لي عليها بالخلخال وبدلة الرقص البينك اللي لسة مجربنهاش
قهقهت بصوتٍ مرتفع ليسترسل وهو يرمقها بنظراتٍ مغتاظة:
-بتضحكي،ماشي يا إيثار
نطقت بنظراتٍ تشع حنانًا:
-أيامنا الحلوة لسه هتبدأ يا حبيبي،وعد عليا لأخليك أسعد راجـ.ـل في الدنيا كلها
-أعتبر ده وعد؟...قالها بابتسامة لتهز رأسها بتأكيد وهو يتابع وضع الدهان ليسترسل بإبانة:
-ليكِ عندي مفاجأة حلوة
هتفت بعينين تقطران سعادة:
-أكتر من كده مفاجأت
تنفس بهدوء قبل أن يخبرها:
-أخدت أجازة إسبوع بحاله،جهزي نفسك بعد بكرة،هنسافر جزر المالديف وهعيشك أحلا Honeymoon في الدنيا كلها،أحلا دلع لحبيبة حبيبها الغالية
كادت أن تبكي من شـ.ـدة سعادتها ليقطع تواصلهما هاتف الغرفة ليجيب وبعدmا أغلق الهاتف قال لها:
-يلا يا حبيبي ننزل علشان نتعشى ونقعد شوية في الجنينة
أومأت له بسعادة ليساعدها على تغيير ثيابها ويصطحبها هي والصغير إلى الأسفل لتجد الجميع بانتظارها، شملوها باهتمامهم البالغ لتشعر ولأول مرة أنها تمتلك عائلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى شامل.
↚
داخل منزل غانم الجوهري عصرًا
أصبحت أجواء المنزل يعمها الهدوء بعدmا إلتزمت تلك الحقودة مسكنها بالأعلى وماعادت ترى الدرج سوى لخروجها للشارع بعد تنبيه إيثار لشقيقها الكبير،أصبحت حالة منيرة النفسية أفضل بعدmا اجتازت فترة تعرضها لأعنف صدmة بحياتها وهي ترى نجلها البكري الذي طالما ساندته ورفعت من شأنه على حساب الجميع هو أول من دهس على كرامتها وأذاقها كأس الذُل على يد عديمة الأصل زوجته،كانت تجلس ببهو المنزل بصُحبة نجلها وجدي وزوجته نوارة وأطفالهما،يحتسون مشروب الشاي الساخن وسط أجواءًا عائلية هادئة، خرج أيهم من غرفته يحمل بيده حقيبة ملابس كبيرة، مرتديًا ثيابًا فخمة قد ابتاعها خصيصًا وأخرى من ماله الخاص إستعدادًا لمباشرة عمله الجديد بشركة "الزين الكبرى"إبتداءًا من صباح الغد، نظرت له منيرة بسعادة لتهتف بنبرة يشوبها التأثر:
-خلاص ماشي يا أيهم؟
-أه يا ماما...قالها بهدوء لتتابع بحنوٍ تحملهُ بقلبها لنجلها الصغير الذي علمت مؤخرًا مقدار غلاوتها داخل قلبه حيث أنه الوحيد الذي دعمها بالمال بعد أن حرمها عزيز من إقتناء المال القليل الذي كانت تحصل عليه نتيجة بيع محاصيل الأرض،فعوضها أيهم من ماله الخاص براتبه وايضًا وقف بوجه ظلم عزيز لها:
-طب خليك لما تتعشى وبعدين سافر
تحدث وجدي بهدوء:
-خليه يمشي في النور أحسن قبل ما الدنيا تضلم عليه وهو في الطريق
هتفت نوارة وهي تسكب مقدارًا من الشاي داخل كوبًا زجاجيًا:
-تعالى إشرب الشاي قبل ما يبرد يا أيهم
أقبل عليها وتناول منها الكوب لينطق شاكرًا تلك الخلوقة التي ظهرت أصالة معدنها في محنتهم الاخيرة حيث اعتنت بوالدته كثيرًا وساندتها نفسيًا وتحملت تقلباتها المزاجية الناتجة عن ما مرت به:
-تسلم إيدك يا أم خالد
ابتسمت ببشاشة وجه ليجلس بهدوء بجوار والدته ويرفع الكوب يرتشف منه المشروب،نظر إلى والدته ونطق بنبرة سعيدة:
-إيثار إتصلت بيا وانا بلبس جوة،كانت بتشوفني إتحركت ولا لسه
صمتت منيرة فهي في الفترة الأخيرة تغيرت نظرتها لابنتها الوحيدة وتلاشى غضبها الحاد التي كانت تصبهُ عليها وتحملها جميع مصائبها وكأنها خلف كل إخفاقٍ بحياتها وحياة أبنائها الذكور،وما زاد من إستكانتها هي فرصة العمل الهائلة وراتبها المرتفع التي قدmها زوجها لصغيرها أيهم،تابع الشاب بنبرة تحمل الكثير من الإمتنان الممتزج بالحنان:
-إيثار بعتت لي عزة نضفت الشقة وملت لي التلاجة خزين وفاكهة وطبخت لي كام طبخة وحطتهم في التلاجة علشان يكفوني كام يوم لقدام
وكأن أحدهم رشق خِنجرًا بصدر وجدي الذي أحس بألم يخـ.ـنـ.ـقه وخزيٍ لم يسبق وشعر به لينطق بنبرة خافتة ناتجًا عن خجله:
-إيثار الوحيدة فينا اللي اثبتت إنها بنت غانم الأنصاري،طلعت أصيلة وتربية أبوها بجد
1
بادرت نوارة بحديثٍ يحمل عرفانًا لشقيقة زوجها الخلوقة التي لم ترى منها سوى كل الخير:
-طول عمرها حنينة واللي في إيدها مش ليها،علشان كده ربنا كرمها ورزقها براجـ.ـل محترم
واسترسلت بحبورٍ ظهر بصوتها المبهج وعينيها اللامعتين:
-راجـ.ـل ظفر صباعه الصغير بعمرو وعيلته كلها
قاطعها أيهم حيث قال بنبرة حماسية متذكرًا:
-بمناسبة نصر وإبنه،فيه خبر مش هتصدقوه إيثار بلغتني بيه من شوية
تمعن ثلاثتهم بالنظر إليه ينتظرون تكملة حديثه الذي أثار فضولهم ليتابع هو بسعادة لأجل راحة قلب شقيقته الأبدية بشأن صغيرها:
-عمرو مضى على تنازل لإيثار بحضانة يوسف
ضيقت منيرة بين حاجبيها بعدm استيعاب للأمر لتسألهُ متلهفة:
-عمرو إبن الحاج نصر؟!
أجابها مؤكدًا:
-هيكون مين غيره يا ماما.
سأله وجدي متعجبًا:
-إزاي يعني، إنتَ عايز تفهمني إن عمرو هيتنازل بالسهولة دي عن إبنه؟!
ليستطرد بعدm اقتناع:
-ده لو عملها بجد الحاج نصر هيطين عيشته
إبتسامة جانبية ارتسمت على ثغره لينطق بشمـ.ـا.تة ظهرت بحديثه:
-طب إيه رأيك بقى إن نصر بذات نفسه هو اللي خلى عمرو يمضي على التنازل
تعجبت منيرة التي لم تستوعب الخبر ولم تصدقه لتنطق مستفسرة:
-والله لو حلفتولي حتى ما اصدق أبدًا إن الحاج نصر يعمل كده، ده روحه في يوسف هو وستهم
أجابها الشاب بعقلانية:
-وهي إيثار هتكذب يعني يا ماما، هي قالت لي إن سيادة المستشار ضغط عليهم ونصر خلى عمرو يتنازل بعقد متوثق
طرح عليه وجدي سؤالاً منطقيًا:
-ضغط عليه إزاي يعني؟!
رفع كتفيه ومط شفتيه للأمام قبل أن ينطق بلا مبالاة:
-إيثار مقالتش تفاصيل، ومش مهم إيه اللي حصل المهم النتيجة
أوما له الجميع وتابعوا ارتشاف مشروبهم،ليتحدث وجدي على استحياء:
-بقول لك إيه يا أيهم، طالما علاقتك إتحسنت بإيثار مـ.ـا.تكلمها عن القيراط اللي الحاج حسان عاوز يشتريه، الراجـ.ـل هيدفع فيه نص مليون جنيه وكل شوية يكلمني من ساعة ما الحكومة بدأت حفر الطريق
واسترسل متابعًا بإبانة:
-عاوز يبني بنزينة على الطريق الجديد قبل ما حد يسبقه،خلينا ناخد الفلوس ونوسع على نفسنا وعلى عيالنا شوية
نطقت منيرة بسوء نية بنجلتها:
-ريحوا نفسكم،مش هتوافق،طول عمرها عنيدة وماشية ضد المصلحة
5
جحظت عينين نوارة لتصيح بذهول من تفكير تلك الجاحدة:
-لا إله إلاّ الله،بقى بعد اللي عملته ده كله ولسة بتقولي إنها ضد المصلحة يا ماما؟!، طب والله حـ.ـر.ام اللي بتعمليه معاها ده
أشاحت بكفها متجنبة ثناء زوجة نجلها على تلك التي لم تنل نصيبًا من قلب تلك القاسية لينطق أيهم معترضًا:
-واحدة غير إيثار مكنتش عبرتنا بعد اللي حصل لها على إيدينا أخر مرة،بس هي علشان حنينة وقفت في وش عزيز ورفضت ذُلنا على اديه، وحكمت عليه بالنفي في شقته هو والحرباية مـ.ـر.اته، ده غير الشغل اللي جوزها وفرهولي وبمرتب عشر أضعاف مرتبي الحكومي
ليضيف على حديثه وجدي باستحسان:
-وشقتها وعربيتها اللي ادتهم لك تستعملهم من غير ما تدفعك مليم إيجار، طب والله طلعت بت بمية راجـ.ـل
نطقت نوارة بتفاخر:
-طول عمرها وهي بمية راجـ.ـل،من يوم ما أخدت إبنها ومشيت بيه على مصر واشتغلت وشقيت عليه لحد النهاردة
1
تنهدت منيرة باستسلام،قلبها بات مذبذبًا باتجاه صغيرتها،نعم لم تعد تحمل ضغينة بقلبها باتجاهها كـ قبل ولكنها لم تشعر بالصفاء الكامل ناحيتها،تفسيرًا واحدًا لحالتها تلك، وهو «الغيرة»،نعم الغيرة من تلك الصلبة التي وقفت بوجه الريح وتحدت الظروف والجميع لتخلق لحالها حياةً جديدة لتحياها على هواها لا هوى الأخرين، لقد نجحت فيما فشلت هي به، فطالما عاشت خاضعة ذليلة لأوامر أبيها وزوجته القاسية حتى إلتغى من قاموس حياتها جميع الحروف والكلمـ.ـا.ت سوى واحدةٍ فقط باتت ترددها حتى الحِفظ، وهي "سمعًا وطاعًا"«حاضر»كلما رأت شموخ صغيرتها واستقلالها كلما تذكرت خضوعها الذليل وزاد حقدها على تلك المسكينة التي لا ذنب لها سوى أنها خُلقت قوية أبية عزيزة النفس ولم تقبل بالرضوخ مثلها،فكانت تمتلك سمـ.ـا.ت شخصية متضادة مع سمـ.ـا.ت تلك الذليلة وهذا ما جعلها تتخذ منها عدوًا شرسًا لها،تلك هي الحقيقة المؤلمة،لقد حولتها معاملة زوجة أبيها لها لشخصية غير متزنة نفسيًا تصاحبها بعض المشاكل النفسية المعقدة للغاية نتيجة قهرها وعقـ.ـا.بها الدائم على كل شيئًا تفعله وحتى الذي لم تفعله.
4
كانت هناك من تتسمع عليهم من فوق الدرج لتتعرف على أخر المستجدات،اشتعلت النار بقلبها العليل بداء الحقد بعدmا استمعت إلى أخبـ.ـار غريمتها التي تبغضها حد المـ.ـو.ت وتأكدت من وصولها لبر الامان هي وصغيرها المحظوظ من جميع الجهات، سواءًا عاد إلى جده نصر أو بقي مع والدته وزوجها رجل القانون الذي يمتلك أموالاً طائلة أصبحت جميعها بين يدي تلك الـ إيثار.
************
ليلاً بالحديقة الخاصة لقصر علام زين الدين
كانت تجلس فوق الأرجوحة بجوار زوجها،يلف ذراعه حول كتفها باحتواءٍ وأصابع كفيهما متشابكين بلمساتٍ حنون تحكي عن غرامهما الهائل،كانا يتسامران بأعـ.ـذ.ب أحاديث العشق وأجملها،يمطرها بوابلٍ من أحلا كلمـ.ـا.ت الهوى مع شمولها بنظراته الولهة،أقبلت عليهما عزة لتقطع وصلت الغرام لتضع فوق المنضدة صينية فوقها كأسين من حلوى"الچيلي"المزين بقطعٍ مستديرة من ثمار الموز لتنطق بنبرة حماسية كعادتها:
-جبت لكم طبقين چيلي يرطبوا على قلبكم
شكرها فؤاد قائلاً بجدية:
-تسلم ايدك يا عزة
-بألف هنا يا باشا...قالتها ثم تلفتت من حولها وهي تسأل إيثار مستفسرة:
-أمال يوسف فين؟!
أجابتها وهي تنظر لحبيبها مبتسمة:
-نام في حُضن فؤاد وطلعه في الأوضة فوق
تطلعت عزة على ذاك الحنون الذي يشمل امرأته والصغير بحنانه ورعايته لتنطق لائمة:
-وطلعته بنفسك يا باشا،ليه مندهتش عليا أشيله عنك؟!
فك تشابك أصابعه مع خاصة حبيبته ليميل للأمام يلتقط كأس الحلوى ليعود من جديد ويقدmه لها وهو يقول بلامبالاة كي لا يدع لها فرصة لفتح مجالاً لثرثرتها التي لا نهاية لها فأخر ما ينقصه الأن هو ثرثرة عزة:
-طلعته وانتهى الموضوع يا عزة
ثم استرسل ليخبرها باهتمام بعدmا تذوق ملعقةً من الحلوى:
-الچيلي طعمه حلو قوي،إبقي إعملي حساب أيهم في طبق
-هو أيهم جاي؟!...قالتها باستفسار لتجيبها هي بنبرة مبتهجة بسبب إشتياقها لشقيقها الصغير:
-فؤاد إتصل بيه وأصر إنه ييجي يقعد معانا شوية قبل ما نسافر بكرة
تطلعت إلى كدmـ.ـا.ت وجهها لتهتف بانزعاج برغم أنها خفت كثيرًا:
-طب ولما يشوف وشك متشلفط كده ويسألك عن اللي حصل
-متشلفط؟!...نطقها فؤاد مصدومًا من ألفاظ تلك التي تنطق كلمـ.ـا.تها بعفوية ولا تحسب ليهتف وهو يجز على اسنانه:
-روحي إطمني على يوسف يا عزة وجهزي ضيافة حلوة علشان أيهم
بعد قليل حضر شقيقها واحتضنته بحفاوة وقام فؤاد بالترحيب الحار به، ليسألها بانزعاجٍ بعدmا لاحظ أثار الكدmـ.ـا.ت الخفيفة على وجهها:
-إيه اللي في وشك ده يا إيثار
نظرت لزوجها لتنطق بكذبٍ وهي تبتسم:
-عملت حادثة بسيطة بالعربية اللي فؤاد جابها لي
واسترسلت بابتسامة لتلهي شقيقها:
-شكلي هاخد وقت على ما اتعود عليها
لم تصارحه بالحقيقة لخشيتها عليه من التهور لو علم ما فعله بها عمرو، نعم هو لم يكن الداعم القوي لها يومًا ما لكن الان الوضع مختلف، قبل كان أشقائها يحاولون عودتها لزوجها بينما الان ذاك الأرعن قام بخـ.ـطـ.ـفها وهي على ذمة رجل أخر
بادر فؤاد بالحديث كي يلهي الشاب:
-اخبـ.ـارك إيه يا أيهم؟
الحمدلله يا سيادة المستشار، كله تمام...نطقها بنبرة حماسية ليخبره فؤاد بنبرة جادة:
-أنا لسه قافل من شوية مع عمي وقال لي إنه مستنيك بنفسه بكره في مكتبه، وهيخلي موظف مسؤل عنك ويدربك لحد ما تبقى بيرفيكت في شغلك
لينظر لحبيبته يخبرها بما دار بينه وبين عمه:
-كان عازمنا بعد بكرة على البيت عنده،كان عاوز يفرجك على مزرعة الخيل بتاعتنا بس قلت له يأجل العزومة لحد ما نرجع من المالديف
-ربنا يسعدكم يا سيادة المستشار...قالها أيهم ليجيبه بابتسامة حنون ترجع لراحته للشاب:
-عقبالك يا أيهم
أقبل عليهم علام وزوجته ليرحبا بالشاب بعدmا علما بوجوده من إحدى العاملات وقد أخبرهما فؤاد بمجيأه قبل الإتصال به، وقف أيهم ليرحب به علام قائلاً ببشاشة وجه:
-إزيك يا أيهم
الله يسلمك يا باشا... لتنطق عصمت بابتسامة ترحيبية:
-نورت القاهرة كلها يا أيهم
اجابها على استحياء وهو ينظر للأسفل:
-متشكر يا هانم
تحدثت عصمت مستفسرة من فؤاد الجالس بجوار حبيبته:
-طلبت المطبخ يجهزوا العشا لـ أيهم يا فؤاد ولا لسه؟!
نطق سريعًا بنفسٍ عزيزة ورثها عن والده:
-أنا اتعشيت الحمدلله
رفض علام قائلاً بتصميم:
-وإحنا مالنا بعشاك، إنتَ هنا لوحدك وده بيتك تجيه في أي وقت تاكل وترتاح وتعتبره بيتك التاني
متشكرة يا بابا،ربنا يبـ.ـارك لي فيك...قالتها إيثار تحت نظرات علام الحنونة ليتابع الشاب موضحًا:
-والله عزة كانت محضرة لي أكل كتير وأتعشيت، وحقيقي مش قادر
تحدث فؤاد ليوقف ذاك الجدل:
-خلاص يا باشا سيبه على راحته،بس لعلمك النهاردة سماح علشان عزة كانت قاعدة تحكي لي على الأصناف اللي عملتها لك
واستطرد بملاطفة:
-لدرجة إني كنت هجيب إيثار والباشا والدكتورة ونيجي نتعشى كلنا معاك
قهقه الجميع على دعابة فؤاد وواصلوا حديثهم الودود
************
صباح اليوم التالي
فاق على صوت التنبيه الذي صدح بالحجرة لينبههم بأنه قد حان اوان الإستيقاظ،بعينين مغمضتين إستدار بجسده وبسط يده باتجاه الكومود المجاور للتخت وسحب الهاتف ليغلق ذاك الصوت المزعج ثم اعتدل بجسده من جديد ليفتح عينيه ويرى أجمل ما رأت عينيه، حبيبته تتعلق بأحضانه كطفلة صغيرة تتشبثُ بأحضان والدها الحنون كي تحتمي به من شرور العالم الموحش،تطلع بعينين هائمتين على ملامحها الهادئة وإسكانت روحها الظاهرة بابتسامتها التلقائية الناتجة عن شعورها العالي بالسلام النفسي الذي بات يسكن كل كيانها مؤخرًا نظرًا لسطوع شمسها الذي أنارت مؤخرًا،ابتسم بسعادة وأمسك خصلاتها المتناثرة على وجهها وثبتهم خلف أذنها ثم همس بصوتٍ خرج متحشرج تأثرًا بنومه:
-حبيبي،حبيبي إصحي
تمطأت بدلالٍ بين أحضانه جعلت السعادة تقتحم قلبه وتستوطن وبتلقائية ارتسمت إبتسامة جذابة فوق شفتاه الممتلئة حين استمع لهمهمتها المثيرة لينطق من جديد مدللاً إياها:
-يلا يا بابا وبطل دلع
2
تمطأت بتكاسل لتنطق بصوتٍ ناعس وعينين مازالتا مغمضتين:
-خلينا نايمين شوية كمان،أنا نعسانة قوي
أمسك أرنبة أنفها بين أصبعيه وقام بمداعبتها بدلال ثم تابع بملاطفة:
-قومي يا كسلانة ورانا طيارة
بالكاد بدأت بتحريك أهدابها تحاول فتحهما ثم نطقت وهي تنظر لوجه ذاك البشوش:
-تعبانة قوي يا فؤاد،شكلي أخدت على قعدت البيت وطول الوقت نعسانة وعاوزة أنام
أجابها بإيضاح حسب ما لديه من معلومـ.ـا.ت بسيطة:
-ده تأثير المسكن اللي أخدتيه اليومين اللي فاتوا،هنبطله من النهاردة وهترجعي لحيويتك تاني
واستطرد يحسها على النهوض:
-يلا يا حبيبي وبطلي كسل
همهمت من جديد لتدفن رأسها داخل صدره العاري،ضحك على دلال قطته الأليفة التي تختبئ منه إليه لينفض الغطاء من فوقيهما بعد حسمه للأمر ونهض ليحملها فوق كتفه تحت ضحكاتها المرتفعة وهي تترجاه بدلالٍ كاد أن يفقدهُ عقله:
-سيبني أنام شوية، وحياتي
فتح باب الحمام وأنزلها برفقٍ أمام حوض الإستحمام ليقول بأوامر غير قابلة للنقاش:
-خمس دقايق تكوني واخدة حمامك، مفهوم
تذمرت لتدق الارض بقدmيها بدلالٍ جديد عليها لينسحب هو ويقف أمام حوض غسيل الوجه ليُمسك بماكينة تهذيب شعر الذقن وهو يحذرها بعينيه من خلال إنعكاس صورتها الظاهر بالمرآة:
-على ما أخلص حلاقة ذقني تكوني أخدتي الشاور بتاعك علشان ألحق أخد شاور أنا كمان
دقت الأرض بساقها لتنطق متذمرة بدلالٍ أهلك قلبه العاشق:
-طب علشان خاطري سيبني أنام خمس دقايق
إقبلت عليه لتقف خلفه وتحتضنه من الخلف وهي تقول بخمولٍ:
-خمسة بس يا فؤاد
لم تكن يومًا شخصًا غير مسؤل يتصرف بعشوائية دون حساباتٍ، لكن معه كل الأمور تبدلت وعادت لنصابها الطبيعي،فأصبحت تتدلل كأنها تعوض حالها مع ذاك "الجَسور"عن كل ما حُرمت منه، تكافئها عن صبرها وقوة تحملها طيلة أعوامها السابقة،فطالما حملت هم حالها والصغير على عاتقها حتى إنحنى ظهرها من ثقل حملها،والأن بعد ظهور فارسها الهمام شعرت باستكانة روحها وبأن عليها أن تتدلل وتأخذ إستراحة محارب
وضع الماكينة جانبًا ليستدير لها يتطلع كثعلبٍ مكار لثوبها الناعم وشعرها المفرود على ظهرها بطريقة أذابت قلبه،فقد كانت هيأتها مغرية بشكلٍ لا يوصف وأكثر من المحتمل لقلب عاشق مثله،إحتوي خصرها بساعديه قبل أن يغمز متسائلاً بمشاكسة خـ.ـطـ.ـفت قلبها:
-إنتِ عاوزة إيه بالظبط؟!
رفعت كتفها لتمط شفتها السُفلى بدلالٍ أشعل نيران عشقه المتوهج لتنطق بإنوثة:
-عاوزة أنام شوية صُغنطتين
نطقت كلمـ.ـا.تها بكثيرًا من السحر والدلال أفقده لُبه ليميل بجذعه ويقوم بحملها بين ساعديه وبدون تفكيرٍ تحرك باتجاه الفراش وقام بإلقائها عليه لينطق قبل أن ينضم إليها:
-إنتِ اللي إختارتي
بعد قليل كانت تخرج من كبينة الإستحمام الجانبية ترتدي مئزر الإستحمام القطني وتحاول تجفيف شعرها بمنشفةٍ صغيرة بعدmا أخذت حمامًا سريعًا كي يستطيعا اللحاق بموعد الطائرة المتجهة لجزر المالديف،نظرت لحبيبها الذي انتهى من تهذيب ذقنه لتطالعه قبل أن تنطق بإلقاء اللوم عليه:
-عاجبك كده يا أستاذ،أدينا هنتأخر على ميعاد الطيارة بسبب تهورك وطيشك
قطب جبينه متعجبًا حديثها لينطق بتحميلها لما حدث:
-بسبب تهوري بردوا ولا دلعك ودلالك الماسخ على الصبح
فغرت فاهها ورفعت حاجبها باستنكار لما يقول لتنطق بعينين متسعتين بذهولٍ مصطنع:
-أنا دلعي ماسخ يا فؤاد،تمام، إبقى شوف مين بقى هيتدلع عليك تاني
وأسرعت نحو الباب لتستدير مرةً أخرى تحت إبتسامـ.ـا.ته وهي تقول:
-تصدق إنك شرشبيل بجد
أنطلقت منه قهقهاتٍ مرتفعة صدحت بأركان الجناح ليعلو صوته كي يصل إلى تلك التي اندفعت مهرولة للخارج:
-ماشي يا إيثار،أنا بقى هوريكِ شرشبيل على حق،إصبري عليا لما نوصل المالديف وهناك هتت عـ.ـر.في على الشرشبيل اللي جوايا
ابتسمت بسعادة وهي تستمع لدعابات مالك فؤادها والروح،همت بتجهيز نفسها على عجالة
************
كانت تجلس بحجرتها تتحدث عبر الهاتف إلى والدتها بسخطٍ على حياتها بالكامل،هتفت من بين أسنانها بحقدٍ دفين على زوجها:
-منه لله عمرو إبن إجلال،كل ما أجي أتقدm خطوة يوقفني بغبائه
واسترسلت بنبرة ساخطة:
-أنا مش عارفة أنا عملت إيه في حياتي علشان يحصل لي كل ده
ردت الأم عليها بنبرة متأثرة لأجل نجلتها:
-طب بس إهدي وخلينا نشوف هنعمل إيه في المصيبة اللي حطت علينا دي كمان،ما هو كان ناقصنا حبس عمرو ده كمان علشان يوقف الموضوع اكتر ما هو واقف
أخرجت كلمـ.ـا.تها بغلٍ ظهر بعينيها:
-مفيش في إيديا حاجة أعملها غير إني أستنى، وكأني إتخلقت في الدنيا دي علشان أفضل مستنية في الدور اللي ما بيخلصش
نظرت أمامها وثبتت نظرها في نقطة اللاشئ وهي تنطق بشرودٍ تتذكر مشوار حياتها:
-دخلت الكلية وفضلت مستنية إن حد من ولاد كبـ.ـارات البلد يبص لي ويتجوزني علشان ينقلني من فقري وأعيش زي بقيت خلق الله،وبرغم إني عملت كل اللي لازم يتعمل علشان أظهر وأبان بين بنات البلد، إلا إن الحظ سابني وراح يضحك لبنت منيرة وخلى إبن أكبر راجـ.ـل في البلد كلها يحبها دونًا عن الكل،ولما حاولت ألفت نظره قبل ما يتجوزها وصدني أستنيت، استنيت لحد ما اتجوزها وفضلت قاعدة ومستنية الفرصة لحد ما جت لي وعرفت أوقعه بمساعدة العقربة نسرين،وبعدها استنيت أخلف الولد،ولما جت لي الفرصة طلع لي موضوع الورم،واستنيت بنت منيرة تتجوز، واتجوزت بس ما ارتحتش
واسترسلت بهسيسٍ حاد:
-ده زاد جنونه بعد ما حس إنها ضاعت من بين إيديه خلاص، وجه طلع كل غله وغضبه فيا
واسترسلت بحدة:
-نخلص على كده، لا طبعًا،يروح إبن الهبلة يخـ.ـطـ.ـفها ويضيع نفسه ويوقف لي كل خطتي
قاطعتها والدتها باستحسان:
-وأهو اللي عمله جه في مصلحتك وضـ.ـر.بتي عصفورين بحجر واحد،أديكِ خلصتي من الواد ومش هتشوفيه ولا هينكد عليكِ في كل مرة ييجي يقعد عندكم فيها، وخلصتي من خوفك ليرجع بنت منيرة في أي لحظة
-وإنتِ تفتكري إن نصر هيسيبه لبنت منيرة بالسهولة دي؟... قالتها معترضة على تنبؤ والدتها لتهتف بقوة:
-ده هيهد الدنيا ويقلبها لحد ما يرجعه وبكره أفكرك،إصبري بس لحد ما يخلص من دوشة الإنتخابات وهتلاقيه إتحول لغول هيبلع كل اللي ييجي في طريقه،وأولهم المستشار اللي بنت منيرة جريت واتحامت فيه
واسترسلت بدهاء يرجع لمعرفتها لشخصية نصر الشرسة:
-نصر ده عامل زي الحاوي بالظبط،جرابه مبيخلاش من الحِيل،والمجرمين اللي يعرفهم أكتر من المحترمين، وألف من يتمنى يخدmه في الشر
ولجت الصغيرة من باب الغرفة لتهمس قائلة بانكسار:
-ماما أنا جعانة
حولت بصرها باتجاهها لترمقها بنيرانٍ شاعلة فطالما حَملت تلك المسكينة ما وصلت إليه من إخفاقات،لو لم تُخلق أنثى لفُتحت أمامها خزائن نصر البنهاوي على مصراعيها ولـ امتلكت المنزل وضمنت الجلوس على عرشه بعد رحيل تلك الجبروت"إجلال" ،لكن لسوء حظها أتت تلك الفتاة وجلبت معها النحس،فمنذ ولادتها واللعنات تلاحقها أينما ذهبت،هكذا هيئ لها الشيطان بتفكيرها، فبدلاً من أن تراجع نفسها وتتوب إلى الله من ذنبها العظيم عله يتقبل توبتها ويغفر لها،ألقت بجميع أخطائها على عاتق تلك الصغيرة المسكينة،هتفت بسخطٍ وكلمـ.ـا.تٍ منزوعة الرحمة صاحبتها نظراتٍ كارهة أصابت قلب الصغيرة بالرعـ.ـب:
-غوري يا بت على تحت خلي حد من اللي في المطبخ يحط لك تطفحي
تراجعت الفتاة للخلف لترد بإنكسارٍ وجسدٍ مرتعب خشيةً من تعنيف تلك القاسية لها:
-نزلت ومش لقيت حد تحت خالص
أشاحت بذراعها ترمقها:
-طب غوري اتلقحي برة قدام التلفزيون على ما أخلص كلامي مع جدتك واطلع لك
انسحبت الفتاة ذليلة بخيبتها لتكمل تلك الجبروت حديثها وهي تقول:
-كنا بنقول إيه يا ماما
تحدثت الأخرى ولم تعلق مطلقًا على معاملة ابنتها شـ.ـديدة القسوة لحفيدتها الصغيرة وكأن الرحمة انتزعت من قلبيهما:
-سيبك من كل ده،إحنا لازم نروح للدكتورة علشان تشوف الورم ده وصل لغاية فين
صاحت بحدة مرعـ.ـبة لتنطق باعتراض:
-قولت لك مش هروح أي مكان غير ما أخلص من موضوع الحمل ده،يخرج بس عمرو وأنا هتصرف بأي طريقة، إن شالله حتى أحط له منوم في الماية واوهمه بإن حصل بينا حاجة، وبعدها نبقى نروح للدكتورة ونشوف الحل إيه
وافقتها تلك المنزوعة العقل على تحالفهما الشيطاني وكأن شعور الامومة انتزع من داخلها فأصبح كل ما يهمهما هو الحصول على ذكرٍ تستطيعا به ضمان بقائها بالمنزل ونيل مكانة عالية به دون التفكير بحياة تلك المريـ.ـضة بمرضٍ مهلك قد يودي بحياتها بأية لحظة إذا أُهمل.
3
***********
داخل البلدة أيضًا،تقف نسرين أمام عربة لبيع الخضروات تنتقي منها لتبتاعها تجاورها شقيقتها ألاء التي هاتفتها لتلتقيا بالخارج، فإلى الأن لم ترضى عنها والدتها ولم تسمح لها بزيارة منزل والدها منذ وفاة شقيقها علاء رحمة الله عليه،هتفت للرجل بحدة وهي تقلب حبة من ثمار الطماطم بين أصابعها تتمعن النظر بها:
-الطماطم كلها مفعصة كده ليه يا عم رجب؟
ليجيبها الرجل متذمرًا من تلك المرأة دائمة الشكوى والذي سأم طريقتها:
-هو انتِ كل مرة تطلعي القطط الفاطسة في الخضار،مفيش مرة تشتري وتمشي من سُكات
واسترسل لائمًا:
-مرة البطاطس ومرة الكوسة والوقت الطماطم، ما الستات كلها وزنت ومشيت ومحدش إتكلم
نطقت ألاء بكلامٍ لين في محاولة منها لإرضاء الرجل:
-خلاص يا عم رجب حقك عليا أنا
تنهد الرجل وهو يتطلع على تلك الخلوقة ويتعجب كيف لهاتين المختلفتين أن تكونا شقيقتين من نفس الأب والأم لينطق بهدوء يرجع لاحترامه لها:
-خلاص يا بنتي،هسكت علشان خاطرك إنتِ بس
كادت ان تتحدث لتمنعها شقيقتها حيث لكزتها بكتفها وهي تقول بحدة:
-خلصي ونقي الطماطم ويلا علشان تلحقي تجيبي الفطار وتروحي قبل ما عيالك يصحوا
أجبرت على الصمت لتكمل ما تفعل،بعد قليل كانت تتحرك بجوارها في طريقها لمنزلها لتنطق بنبرة متأثرة:
-لسة بردوا ما اتكلمتيش مع أمك في الموضوع
أجابتها الفتاة بهدوء:
-والله العظيم كل يوم بكلمها، بس هي رافضة، ده أنا يادوب بنطق إسمك وهي زي ما تكون بتتحول
نطقت بحيرة وخوفٍ ظهرا بعينيها:
-طب والحل يا ألاء،ده أنا شايلة الفلوس اللي خدتهم من سُمية في الدولاب عندي في وسط هدومي، لو عزيز شافهم هتبقى وقعتي سودة
تغيرت ملامح الفتاة من هادئة لحادة وهي تبلغ شقيقتها باعتراضٍ حاد:
-بصي يا نسرين وعلشان نكون متفقين من الأول،حتى لو أمك وافقت على إنك ترجعي تزورينا زي الأول، أنا بنفسي اللي هرفض دخول فلوسك على البيت
إمتلأت مقلتيها بغيمة من الدmـ.ـو.ع حين تذكرت شقيقها الراحل لتتابع بقلبٍ ينزف دmًا على فقدانه:
-دي فلوس ملعونة دخلت على بيتنا بالخراب
تنهدت بحـ.ـز.ن لتنطق بتبريرٍ تُقنع به حالها قبل الفتاة:
-ده نصيب ومكتوب يا ألاء،وعلاء الله يرحمه كانت دي مـ.ـو.ته اللي ربنا كتبها له
نطقت الفتاة تنهرها بحدة:
-بلاش تجيبي سيرة ربنا في الموضوع الشمال ده،ربنا يسامحك ويهديكِ
أخرجت من كيس مالها بضعة ورقات لتدسهما بيد شقيقتها وهي تقول:
-طب خدي القرشين دول خليهم معاكِ يمكن تحتاجي تجيبي حاجة لنفسك
دفعت الفتاة بكفها وكأنها تدفع عنها المـ.ـو.ت لتهتف من بين أسنانها بشراسة:
-حد الله بيني وبين فلوسك الحـ.ـر.ام، إبعدي بأذاكي عني يا نسرين،وبلاش تشيليني معاكِ ذنب المسكينة اللي خربتوا عليها إنتِ والحرباية اللي كانت عاملة فيها صاحبتها
وقع المال وتناثر على الأرض لتنحني بظهرها تلملمهُ بلهاثٍ لترفع قامتها من جديد وهي تهتف بسخطٍ وحقدٍ ظهر بمقلتيها:
-المسكينة اللي صعبانة عليكِ دي إتجوزت مستشار غني وعنده فلوس قد اللي عند الحاج نصر ييجي عشر مرات
-وده بقى الكلام اللي بتسكتي بيه ضميرك يا نسرين؟!...قالتها الفتاة متكأة على ضمير شقيقتها لكنها غفلت عن مـ.ـو.ت ضميرها من الأساس منذ اليوم الذي تحالفت فيه مع تلك الشيطانة.
************
بعد قليل كان الجميع يودع الحبيبان من داخل الحديقة،كان الصغير يتعلق بعنق والدته التي تضمهُ بقوة والألم ينهش بداخلها،لم تتركه من قبل سوى لمبيته بمنزل أبيه،وبرغم عدm راحتها لهم إلا أنها كانت متأكدة من أمانه لحب جديه ووالده الشـ.ـديد له، عدا ذلك فهي لم تتركه على الإطـ.ـلا.ق ،لكنها الأن مجبرة على تركه، فزوجها له عليها حق ولابد من اتباع كل ما يسعد قلبه،تحمحم فؤاد لينطق على استحياء بعدmا رأى دmـ.ـو.عها:
-إيثار،ميعاد الطيارة هيفوتنا
ذهب علام ليصل قُبالتها وتحدث باسطًا ذراعيه للصغير:
-مش كفاية كده يا بطل،عاوزين نجهز علشان هنزور مزرعة الخيل عند جدو أحمد النهاردة
إلتفت الصغير له بلهفة رغم تأثره الشـ.ـديد بترك والدته له لكنه تعلق مؤخرًا بقوة بذاك الخلوق الذي قرر بين نفسه بأن يعوضه عن إبتعاده عن عائلته الأم لينطق متلهفًا رغم دmـ.ـو.عه:
-بجد يا جدو،هتخليني أركب الحُصان الصغير اللي قولت لي عليه
أجابه بابتسامة حنون ترجع لمكانته الكبيرة بقلبه:
-وأنا من إمتي قولت لك كلمة ومنفذتهاش يا أستاذ چو ؟
هز رأسهُ نافيًا ليشير علام إليه كي يحثه على ترك والدته وبالفعل إلتفت إلى والدته وحـ.ـضـ.ـنها بقوة ليخرج من جديد ويقول وهو يجفف دmـ.ـو.عها بأناملهِ الصغيرة:
-مـ.ـا.تعيطيش يا مامي ومش تخافي عليا،جدو علام هياخد باله مني
-حاضر يا حبيبي...قالتها لتنظر إلى علام وتقول بثناء:
-متشكرة يا بابا،ربنا يخليك ليا
أخذ الصغير وثبته بأحضانه لينطق بحنان أب:
-روحي يا حبيبتي وانبسطي مع جوزك ومـ.ـا.تشليش هم چو
إقتربت عليها عصمت لتحتضنها وهي تربت على ظهرها بحنان قائلة:
-مـ.ـا.تقلقيش على يوسف، ده في عنينا كلنا، ربنا يعلم إحنا قد إيه بنحبه وبنعتبره زي بيسان بالظبط
بإبتسامة شاكرة نطقت بامتنان:
-والله ما عارفة أودي جمايلكم دي كلها فين
-عيب يا إيثار الكلام اللي بتقوليه ده،إحنا أهلك ويوسف ده إبننا
إبتسمت بعينين لامعتين تأثرًا بسعادتها النابعة من أعماق قلبها، فهاهي الأن تشعر بدفئ العائلة التي حُرمت منها هي وصغيرها، فقد مَن الله عليهما وعوضهما بتلك العائلة التي احتوت كلاهما وغمرتهما بسيلٍ جارف من الحنان والإهتمام،ودعتها أيضًا فريال التي أصبحت تتعاطف مع قضيتها وتحتويها وكأنها مسؤلة منها بعد تعرض ذاك الجبان لها،وأيضًا عزة التي تمنت لها السعادة،
نظر فؤاد إلى عينيها اللامعتين بتأثرٍ وهي تتطلع على صغيرها المبتسم بفضل كلمـ.ـا.ت علام التشجيعية والمحفزة له ليربت على وجهها بخفة قائلاً بنبرة حنون:
-والله يا حبيبي لولا مدرسته لكنت أخدته معانا
أومأت له بتفهم ليبتسم بخفوت وهو يسحبها من كف يدها ناحية مقدmة السيارة ليستقلا الكنبة الخلفية ويندفع السائق للأمام تاركًا خلفه الجميع،أطرقت برأسها فى حـ.ـز.نٍ وانهمرت دmـ.ـو.عها ليزفر وهو يمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتقابل عينيها الدامعتين مع خاصتيه ليقول هو بمشاعرٍ جارفة:
-وحياتي عندك بلاش تعيطي،متخلنيش أحس بالذنب
قالها بكثيرًا من الصدق والتأثر لتومي له بابتسامة خافته،مسد على وجنتها يجفف دmـ.ـو.عها تحت ابتسامتها الحنون، بعد قليل،كانت تجاوره الجلوس بمقعد الطائرة الملصق بالنافذة،بدأت الطائرة تتحرك لتحلق في السماء فأغلقت عينيها وبدأ جسدها بالإرتعاش ليشعر بها،أمسكت بكفه بقوة حتى أن أظافرها غرست في لحم يده دون أن تشعر من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ،مال على أذنها يهمس بنبرة حنون عله يستطيع عن طريقها أن يهدأ من رُعبها:
-إهدي يا بابا،أنا جنبك ومش هسيبك
فتحت عينيها تتطلع عليه بهلعٍ يرجع لكونها تجربتها الأولى للطيران ليتابع هو:
-خدي نفس عميق وخرجيه بالراحة،وصدقيني الطيران أمان جداً عن أي وسيلة تانية للسفر
تنفست بعمقٍ وبدأ يحدثها عن أشياءٍ من أولويات إهتمامـ.ـا.تها حتى تناست الأمر وانـ.ـد.مجت معه لتسأله بابتسامة جذابة:
-مش هتوريني صورة الشالية اللي حجزته
تؤ...قالها ليتابع بغمزة وقحة من جانب عينيه:
-خليه مفاجأة
-شكلك خارب الدنيا...لتتابع وهي تتنفسُ بـ.ـارتياحٍ:
-أهم حاجة يبقى فيه خصوصية
أجابها وهو ينظر امامهُ:
-أهم شئ بيميز جُزر المالديف هي الخصوصية يا قلبي،وأجمل ما فيها العُزلة، كل شالية منعزل عن التاني وكأنه جزيرة لوحده
تطلعت عليه بتمعن قبل أن تسأله مترقبة الإجابة:
-روحتها قبل كده؟
-إمممم،مرتين...قالها ببرود متغافلاً عن تلك التي شعرت بطعنة خنجر مسنون إرتشق بوسط قلبها،تعجب صمتها فاستدار يتطلع عليها وجد مزيجًا من الحـ.ـز.ن والألم والغضب العارم يستوطن ملامحها،مد يده ليدير وجهها نحوه لينطق بصوت رحيم:
-كُنت مع أصحابي،المرة الأولى في بداية تخرجي والتانية من حوالي سبع سنين،يعني قبل حتى ما أعرفها
أمسكت كف يده تستعطفهُ بعينيها لتسأله متلهفة لإجابته:
-بجد يا حبيبي،يعني مكنتش معاك؟
أخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه بهدوءٍ ليهمس بصوتٍ ناعم:
-أقول لك على سِر
هزت رأسها بموافقة سريعًا ليتابع بنبرة تفيضُ من العشق ما يكفي جميع المغرمين:
-أنا بعيش معاكِ كل حاجة وكأنها المرة الأولى
إبتسامة واسعة شقت ثغرها لتعلن عن حبورها الشـ.ـديد ليكمل هو بكلمـ.ـا.تٍ إخترقت قلبها العاشق من شـ.ـدة صدقها:
-الماضي إتمحى من جوايا وكأنه محصلش أصلاً، ومش تعمُد مني على فكرة
-أمال إيه؟!...سؤالاً أرادت به المزيد من غمر زوجها لها بالكلمـ.ـا.ت المُرضية لغرورها كإمرأة ليتابع بنبرة صادقة رغم وصولهِ لمغزى سؤالها:
-ملوش غير تفسير واحد عندي
ابتلعت لعابها كمن تنتظر ظهور خبر حياتها لينطق بجدية ولامبالاة:
-وهو إنها عدت من حياتي زي سحابة غائمة في يوم شتوي،لا هي اللي مطرت وفادت ورُوت،ولا هي اللي كفت الناش شر غيمتها،عدت بدون ما تسيب أي أثر
ابتسمت ليتابع بمشاكسة مع غمزة عين:
-الباشا بقى بمجرد ما دخل حياتي زلزلها
شعرت بروحها كفراشة طائرة في سماء عشق ذاك الفارس الذي أعاد لها بسمتها ليخبرها بأن الحياة لم تنتهي بعد،بل أن العد التنازلي لبداية حياة جديدة قد بدأ للتو
************
بعد مرور مدة من الوقت،وصلا إلى الڤيلا الشاطئية المخصصة لهما بصحبة أحد المسؤلين عن المكان،
كانت تتلفت حولها بإعجابٍ شـ.ـديد منبهرة بكل ما حولها،فسبحان المبدع حين صور جمال تلك الجزيرة الخلابة،فقد كانت حقًا ساحرة بدايةً من صفاء مائها البلورية الزرقاء مما بعث المتعة والراحة والاستجمام في نفسها من مجرد النظر فقط،وصولاً لأشجارها رائعة الجمال ورمالها البيضاء المتلألئة وكأنها حبات جواهر نُثرت لتكمل لوحة تشكيلية رائعة
كانت الفيلا المخصصة لهما منعزلة تمامًا في وسط المياة،دلفا للداخل وأخذ فؤاد المفتاح من المسؤل الذي رحل على الفور،هرولت تقف بوسط الفيلا ذات الارضية الخشبية لتصرخ من روعة وجمال الاجواء وليس هذا فقط ما جعلها تقفز كالاطفال مهللة:
-چاكوزي
هرول عليها ليزيل عنها ثيابها وثيابه معًا قبل أن يحملها ويقفز في الچاكوزي في لحظة جنونية أراد بها التخلى عن شخصيته الصارمة ليصيح بمرحٍ جديدًا عليه:
-شرشبيل الشرير يرحب بكم على أرضه
صرخت وهي تتلفت حولها بترقبٍ وهلع ضهر بعينيها المرتعبتين:
-يا مـ.ـجـ.ـنو.ن حد يشوفنا ولا يكون فيه كاميرات مزروعة هنا ولا هنا
جذبها لتلتصق به وهو يقول بثقة تصل لحد الغرور:
-عيب عليك يا باشا،ده إنتِ متجوزة فؤاد علام
واسترسل ليحثها على الإسترخاء:
-فيه فريق تبعي كان هنا من نص ساعة بس ومشطوا المكان كله وإتأكدوا من نضافته،منهم الحارس اللي شفناه على الباب من شوية
تعلقت بعنقه لتلف ساقيها حوله تداعب بهما المياة المتدفقة حولهما بغزارة وهي تهتف لتجاري لُعبته:
-أحلا شرشبيل ده ولا إيه
قهقه عالياً على دعابتها،صوت خرير الماء كان منعشًا وبث داخل روحها الهدوء والراحة،مال على شفتيها يقتطفُ قبلة بدأت بناعمة متناغمة بين شفتيهما وتحولت لعنيفة راغبة،إحتضنها ليغوصا داخل جولة عشقية عنيفة تضاف لجولاتهما الرائعة،بعد مرور ساعتين كانا يتمددان فوق الشازلونج المطل على البحر مباشرةً للاستماع بالهدوء في ظل أجواءٍ ساحرة خاطفة للأنفاس والبصر،بسطت ذراعها لتحتوي كفه الحنون وهي تنطق والسعادة الهائلة حال قلبها:
-حبيبي،أنا مبسوطة قوي، حاسة إني عايشة في الجنة، المكان هنا يجنن يا فؤاد
كان مسطحًا على ظهره بصدرٍ عاري لا يرتدي سوى قطعة ملابس صغيرة حول خصره واضعًا ذراعه تحت رأسه باستجمام، حول بصره ينظر إليها لينطق باسترخاءٍ هائل شمل روحه:
-ربنا يقدرني وأسعدك دايمًا يا حبيبي،الجزيرة هنا تحفة وفيها أماكن حلوة قوي للسهر، من بكرة هخرجك وهعيشك أحلا أيام ممكن تعيشيها في حياتك
إتكأت على جذعها لتتحدث بانتشاءٍ أحدث فوضى عارمة بداخله:
-ممكن يبقى ده مكانا الخاص بعد كده،يعني كل سنة في عيد جوازنا تجيبنا نفس الڤيلا
-بس كده...نطقها ببحة بصوته توحي لمدى وصوله للمتعة مع تلك المثيرة ليتابع بنبرة تفيضُ عشقًا:
-ولو حبيبة حبيبها تؤمر هشتري لها الڤيلا فورًا مهما كان سعرها
ضحكت بدلال ليشير لها بكفه داعيًا إياها لتشاركهُ الشازلونج الخاص به فوقفت سريعًا لتنضم إليه ليحملها فوقه وبدأ بمداعبة أنفها بخاصته تحت ضحكاتها ودلالها عليه، بعد مرور نصف ساعة غفت على صدره فقام ليحملها واتجه بها نحو الفراش ليدثرها تحت الغطاء الحريري الابيض وينضم إليها ليتنعم بدفئ أحضانها
عند حلول المساء
كان يجلس حول الطاولة الممتدة أمام البحر مباشرةً بانتظار قدوم خليلة الروح حيث ولجت لتغيير ثيابها وجلس هو ينتظر وصول العشاء،تطلع بعينين راضية على أصناف الطعام المرصوصة برتابة فوق الطاولة،لمح طيف حبيبته يرفرف من خلفه ليستدير بجانبه ليراها تأتي عليه مرتدية ثوبًا صيفي بالكاد يصل لمنتصف فخديها منقوش بأزهارٍ صغيرة تخـ.ـطـ.ـف العين،بحمالاتٍ رفيعة وفتحة من الصدر أظهرت جمالها،هب واقفًا واعتدل كرجلاً نبيلاً لاستقبال سيدة قلبه،أحدث صفيرًا بفمه وهو يقول بإنبهارٍ ظهر بمقلتيه الهائمة:
-إيه الجمال ده كله،شكلك كده ناوية على جنان جوزك حبيبك
إبتسمت بدلالٍ ليرفع هو كف يدها يقبلهُ باحترام قبل أن يسحب لها المقعد لتجلس عليه وتسترخي للخلف،استدار ليجلس مقابلاً لها ثم أشار إلى الطعام ليقول:
-يلا يا حبيبي قبل الأكل ما يبرد، أنا طلبت لك كل الأكل اللي بتحبيه
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي...نطقتها لتتثاوب مما جعله يرمقها مستغربًا وهو يقول:
-بتنامي كتير قوي إنتَ اليومين دول
أجابته متعجبة من حالها مؤخرًا:
-مش عارفة إيه اللي حاصل معايا يا فؤاد،ليا كام يوم دmاغي ثقيلة قوي وعاوزة أنام طول الوقت وياريت بشبع
ابتسم لينطق باستغراب:
-أنا قاعد أتكلم معاكِ لما كنا على الشازلونج ومحسيتش غير وجـ.ـسمك تقل واسترخى فوق مني،ندهت عليكِ مردتيش وعرفت من صوت أنفاسك إنك نمتي
ضحكت بخجل وقالت:
-أنا اول مرة يحصل لي كده على فكرة
واسترسلت متعللة:
-تقريبًا بسبب الطيارة
-ممكن...قالها بهدوء ليتابع وهو يُشير للطبق الموضوع أمامها:
-كُلي يا حبيبي
أمسك الشوكة والسكين واخذ قطعة من شريحة اللحم المطهية على طريقتها المفضلة ليغرسها بمعجون الصلصة البيضاء المحببة لديها ويقربها من فمها تحت شعورها برفرفة قلبها، تناولت القطعة وبدأت بمضغها تحت نظراته المنتظرة ليسألها بعدmا رأى علامـ.ـا.ت الإنبهار على وجهها وعينيها المغمضتين وهي تتذوق باستمتاع:
-إيه رأيك، عجبتك؟
أجابتهُ بحالة من الإستجمام والراحة لم تحصل عليهما من قبل:
-حلوة قوي يا فؤاد، والصوص يجنن ومظبوط جداً
تناول قطعة هو الأخر ليثنى على مذاقها الرائع،تحدثت إليه:
-تعرف نفسي في إيه
على عجالة سألها متلهفًا كي يلبي طلبها:
-في إيه يا قلبي؟
تعمقت بعينيه لتنطق وهي تضحك ساخرة من حالها:
-أنام
رفع حاجبه متعجبًا لينطق متهكمًا:
-إيثار يا ماما، هو فيه حد قال لك إني جايبك المالديف علشان تعوضي النوم اللي فاتك من يوم ما اتولدتي لحد الوقت؟!
اطلقت ضحكة تشاكسه بها ليتابع باستغراب:
-لا بجد حالك مؤخرًا بقى غريب
أجابته بدلالٍ:
-وأنا أعمل بس يا حبيبي، والله بنام من غير ما أحس
ضيق بين عينيه قبل أن يقول بـ.ـارتياب:
-الموضوع كده مش طبيعي
هز رأسه ليشهق قائلاً بعد أن غزت رأسهِ تلك الفكرة:
-إوعي تكوني بتعملي كل ده علشان تهربي من الرقصة اللي وعداني بيها من اليوم إياه ولحد الوقت ما وفتيش بالوعد؟
1
-أخص عليك يا فؤاد، هي دي فكرتك عني بردو...قالتها بحـ.ـز.نٍ مفتعل لتتابع وهي تنظر إليه باستعطاف:
-الرقصة أنا وعدتك بيها بس الظروف هي اللي واقفة بيني وبين تحقيقها، بس يعني، لو فيك يعني، كنت بقول يعني
-هاتي من الأخر... قالها مشيرًا بكفه لتنطق بترقبٍ لردة فعله:
-لو بس تسيبني النهاردة أنام واوعدك بكرة هرقص لك ولا سهير ذكي
رفع حاجبه يتطلع عليها لتستعطفه من جديد وهي تقول:
-وحياتي، وحياتي
أمال برأسه برضوخٍ لأمر خليلة القلب ليقول بتحذيرٍ:
-ماشي،بس يكون في معلومك،ده أخر عُذر هقبله منك
هتفت بنبرة حماسية يرجع أصلها لشعورها مؤخرًا بوخمٍ يجتاح جميع جسدها:
-صدقني أخر مرة
ضحك لها ليشير برأسه لصحنها:
-طب يلا كملي أكلك
افلتت أدوات تناولها للطعام لتضعهما جانب الصحن وهي تقول:
-شبعت خلاص الحمدلله
تطلع لصحنها وجده ممتلئًا مثل ما كان عليه، بالكاد أكلت جانبًا من قطعة اللحم لينطق مستنكرًا:
-شبعتي ده إيه،هو أنتِ أكلتي حاجة أصلاً!
رفعت كتفيها وأهدلتهما لتنطق بلامبالاة:
-مليش نفس يا حبيبي،من ساعة ما أكلت في الطيارة وأنا شبعانة
قاطعها معترضًا باستغراب:
-هو أكل الطيارة ده يشبع،ده كان مجرد ساندوتش وعلبة عصير
واسترسل بإصرار:
-يلا كملي أكلك وبطلي دلع
ترجته بعينيها وهي تقول بعدm شهية:
-علشان خاطري سيبني براحتي، أنا نفسي مش رايحة للأكل خالص النهاردة،هبقى أكل فاكهة كمان شوية
-خلاص يا قلبي،...قالها ليتابع تناول الطعام بينما تطلعت هي للبحر أمامها لتنطق بنبرة أظهرت كم إنبهارها:
-المنظر من هنا ساحر والاجواء رهيبة
واسترسلت بحماس:
-خلينا بكرة ناخد كام صورة للذكرى
-أكيد يا قلبي هنتصور هنا وبرة في الجزيرة...قالها بهدوء ليسترسل غامزًا بوقاحة:
-النهاردة بس مكنش عندنا وقت،كان فيه أولاويات
تبسمت بسعادة ليتابعا حديثهما الشيق،انتهى اليوم الاول وذهبا للفراش ليغفا بعد أن هاتفت صغيرها عبر تطبيق الفيديو كول واطمئنت عليه وتأكدت أنهُ بخير،أخذها بأحضانه بعد أن أذاقها من حلاوة عشقه ومتعها وحالهِ بوجبة دسمة مشبعة من الغرام، كانت تتخذ من ذراعهٓ وسادةً لها تبتسم فرحًا لكلمـ.ـا.ت الغرام الذي ينثرها عليها لتحملها إلى أعناق السماء لتسبح بداخلها كفراشة طائرة برشاقة،فمنذ إعترافه لها بالعشق وهو يغمرها بحنانه وكلمـ.ـا.ته التي تزلزلُ كيانها بالكامل،تبسمت بنعاسٍ لتنظر إلى ملامحه التى تعشقها وتنطق بصوتٍ ناعس مثير لذاك المغروم بعشق خليلة القلب:
-تصبح على خير يا حبيبي
وإنتِ من أهله يا نبض قلبي...قالها بحنانٍ وظل يراقب ملامحها حتى غفت ليبتسم براحة وهو يقبل أنفها وجانب شفتها السُفلى تحت نومها العميق والذي تعجب له،ظل على وضعة لمدة لا تقل عن الساعة يراقب ملامحها ويتأمل بها حتى دخل بسباتٍ عميق
أشرقت شمس اليوم الجديد لتفيق وتتمطأ بتكاسل، لاحظت خلو مكانه لتنهض سريعًا تتلفت عليه داخل الغرفة فلم تعثر عليه،خرجت إلى بهو الفيلا المطل على البحر مباشرةً وجدت حبيبها واقفًا، مرتديًا قميصًا بنصف كم من اللون الأبيض وشورتًا يصل للركبة من نفس اللون وبجواره ستائرًا شفافة باللون الأبيض الشفاف تتطاير بفضل الهواء لتجعل المنظر يبدوا كلوحة مرسومة بمنتهى البراعة على يد أعظم رسامي العالم، تحركت بردائها الأبيض أيضًا لتقف خلفه محتضنة إياه لتسند رأسها على ظهره وهي تقول بصوتٍ متحشرج:
-صباح الخير يا حبيبي
وكأن الشمس لم تشرق إلا بعد إستماعه لصوتها الحنون،حاوط ذراعيها الملتفتان حول خصره بكفيه لينطق وهو يرجع ظهره للخلف بحركة أسعدت قلبها:
-صباح الورد يا حبيبي
-إيه اللي مصحيك بدري؟... قالتها باستفسار ليستدير لها محاوطًا وجنتيها بكفيه ليميل على شفتها واضعًا قبلة رقيقة قبل أن يعتدل بطوله ويقول:
-كنت بعمل تليفون شغل ضروري
قطبت جبينها متعجبة قبل أن تسأله:
-شغل، شغل إيه بس يا فؤاد، مش المفروض إنك في أجازة؟!
إبتسم ليقول في محاولة منه لإلهائها:
-بس إيه القمر ده، فيه حد يقوم من النوم قمر كده؟
اتسعت ابتسامتها ليجذبها من كفها ويتحرك بجانبها قائلاً:
-أنا طلبت الفطار،تعالي ناخد شاور على ما الروم سيرفس يجبوه
تطلعت لحمام السباحة ومياهه الرائعة لتنطق بسعادة:
-وبعد الفطار نعوم شوية
ابتسم يجيبها بتأكيدٍ على تلبية طلبها:
-نعوم شوية
***********
بمكانٍ أخر
تمددت على الفراش بإعياءٍ شـ.ـديد،فهناك جيوشًا من اللألام تنهش برأسها،حتى هذا الرباط اللعين التي أحكمت عقده لم يستطع إحجام ضراوته،جلست وبدأت بتدليك جبينها بحركة دائرية عله يخفف من ذاك الو.جـ.ـع المصاحب لها منذ أن تلقت ذاك الخبر المشؤم،إستمعت لوصول رسالة على هاتفها الجوال،تنفست بغضبٍ لتبسط ذراعها وتجلب الهاتف من جانبها،نظرت بتطبيق الواتس اب لترى المُرسل رقمٕا غير مسجلاً بهاتفها ففتحته لترى مقطع فيديو تسبقهُ رسالة صوتية،استمعت إليها وكان فحواها كالأتي«الفيديو ده يخص سيادة النائب جوزك،إتفرجي عليه لوحدك وإوعي تتصرفي قبل ما نتكلم،عندي ليكِ إتفاق هيعجبك قوي وهيشفي غليلك»تعجبت من الرسالة وصوت المرسل الذي يشبه الألة لتفتح الفيديو لتجحظ عينيها وتمتلؤ بغضبٍ جحيمي ينذر بأن الأسوء قادm لا محال.
↚
إتسعت عينيها في ذهولٍ وعقلها رافضًا بضراوة تصديق ما تراه أمامها بذاك الفيديو اللعين،إنه زوجها لا غيره يلج من باب شقة تحتوي على أثاثٍ فاخر وبجانبه رجلاً يحمل الكثير من الأغراض حيث أدخلها للمطبخ المفتوح على البهو حيث صُمم على الطراز الأمريكي وما أن خرج الرجل حتى هرولت لاستقباله فتاةً أنيقة على درجة عالية من الجمال ترتدي ثوبًا يكشف جميع مفاتنها وترفع شعرها الأشقر للأعلى بطريقة منمقة لتصيح بسعادة وهي تتعلقُ بعنق ذاك الأبله لتخبره بصوتٍ حماسي وعينين خبيثة توحي لعدm صدق ما ينطق به لسانها إستطاعت تلك الداهية قراءة ما بهما بمنتهى السهولة:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا نصورتي، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
ليرد عليها ذاك المتصابي الأرعن:
-مبلاش الإسم البايخ ده...قالها باستنكار وهو يقربها إليه لتمط تلك الحقيرة شفتيها بدلال قبل أن تنطق بدلالٍ يجعل من الأصم ينطق:
-بدلعك
لينطق ذاك الأبله بصوتٍ غليظ أشعل نار تلك التي تشاهد الفيديو:
-مبحبش دلع الاسامي،إنتِ عارفة الدلع اللي بيجيب معايا من الأخر واللي بسببه ليكِ غلاوة عندي
ضحكت تلك المتسلقة برقاعة قبل أن تقول بدلالٍ جعل من نيران قلب ذاك الأخرق تشتعلُ وهذا ما ظهر بملامح وجهه:
-الدلع بكل أنواعه موجود وحصري عند شذى حبيبتك،تعالى الأول نتغدى وبعدها أوريك الدلع على أصوله
جذب ذراعها بقوة لترتطم بصدره من جديد وهو يقول بهفة واشتياق ظهرا بعينيه:
-تعالي هنا رايحة فين،هو الغدا هيطير
اطلقت ضحكة رقيعة من جديد لتتحرك معه صوب إحدى الغُرف استنتجت تلك المحترقة أنها حجرة نوم
إستمعت لذاك الحديث الذي أضمر النار داخل قلبها لتتوحش نظراتها لتوحي بغضبٍ جحيمي لو أطلق له العنان لاطاح بالاخضر واليابس بجميع البَلدة،هبت من فوق الفراش وأسرعت بخطواتٍ هوجاء لتطيح بذاك الحقير ناكر الجميل وتسحقه سحقًا،تسمرت بوقفتها بغتةً بعدmا أمسكت بمقبض الباب استعدادًا لفتحه لكنها أفلتت المقبض لتسحب كفها عنه وهي تفكر برسالة ذاك الباعث المجهول،عادت لتقف بمنتصف الغرفة تدور حول حالها وجسدها كـ كتلة نارٍ متوهجة،همست بهسيسٍ من بين أسنانها وشراراتٍ نارية تتطاير من مُقلتيها لو خرجت لتفحمت الحجرة بلحظة:
-أه يا وا.طـ.ـي يا قليل الأصل،بقى على أخر الزمن تخون "ستهم"،ستك وتاج راسك وراس أهلك
جن جنونها ولم تستوعب بعد من أين أتي ذاك الحقير بتلك الجرأة للإقدام على خيانتها،لتهمس كفحيح الأفعى بملامحٍ نارية:
-ورحمة أبويا الحاج ناصف اللي نضفك وعمل منك بني أدm،لاخليك عبرة لأي حد يفكر يدوس على طرف ستهم،ولارجعك شحات زي ما خدتك يا نصر يا ابن عزيزة
إستمعت لرنين صوت هاتفها معلنًا عن وصول مكالمة،هرولت تلتقط الهاتف بعنفٍ لتجده نفس الرقم الغير مدون لترد سريعًا بسخطٍ وغضبٍ عارم:
-إنتَ مين يا ابن الـ.....، وجبت منين الزفت اللي بعته ده
سبته بلفظٍ نابي جعل من الدmاء تفور وتصل لدmاغه ليهتف من بين أسنانه بغضبٍ عارم بعدm إحتدmت ملامحهُ:
-إخرسي يا ست إنتِ واسمعيني كويس
إحتدت ملامحها بسخطٍ وقبل ان تقوم بتوبيخهُ لتجرأه على محادثتها بتلك الفظاظة قاطعها بصوتٍ حازم أربكها لتعلم أنها تحادث شخصًا ذو هيبة ولن يقبل بالتطاول عليه:
-بدل ما تطولي لسانك عليا المفروض تشكريني على إني فتحت عنيكِ وعرفتك حقيقة الراجـ.ـل اللي عايشة معاه وفكراه مخلص ليكِ
وتعمد التلفظ بكلمـ.ـا.تٍ لازعة للتقليل منها ليزيد من إشتعال روحها باتجاه زوجها الذي جعل منها مادة لسخرية أحدهم:
-وهو مقرطسك ومتجوز عليكِ واحدة صغيرة ترجع له شبابه وتحسسه إنه لسه مرغوب من الجنس الناعم
جحظت عينيها وكأن كلمـ.ـا.ته تلك كانت وقودًا سُكب بقوة ليُزيد نيران ثورتها إشتعالًا وتأججًا لتصيح بحدة وإنكارًا لحديثه:
-إنتَ بتقول إيه يا جدع إنتَ،مين ده اللي إتجنن في عقله علشان يتجرأ ويتجوز على ستهم؟!
-أمال إنتِ فاكرة شذى دي تبقى مين؟!...سؤالاً متعجبًا طرحهُ عليها لتباغتهُ بما جعل الإشمئزاز يصيبه من صاحبة ذاك التفكير المنحرف:
-تبقى واحدة من النسوان الشمال لافت على الاهبل علشان تقلبه في قرشين وهو زي المقطف وقع على بوزه،بس ما أبقاش إسمي إجلال بنت الحاج ناصف ولا شعري ده يبقى على مَرة إن ما خليته يلف حوالين نفسه ويقول حقي برقبتي
إبتسم ساخرًا لينطق متهكمًا:
-طب إسمعيني كويس يا إجلال يا بنت الحاج ناصف،نصر متجوز شذى بعقد عـ.ـر.في من خمس سنين بحالهم، وشاري لها الشقة دي ومقعدها فيها وكل ما بينزل مصر لحضور جلسة في البرلمان بيبات عندها،وأي ليلة بيباتها برة البيت بتبقى عندها
شراراتٍ نارية باتت تتطاير من مقلتيها لو أن ذاك المسكين أمامها الأن لقبضت على عنقه وما تركته حتى يلفظُ أنفاسه الأخيرة،أخرجت صوتًا كفحيح الأفعى وهي تسأله:
-بالك الكلام ده مايطلع كذب هعمل فيك إيه يا جدع،هجيبك إن شالله تكون في بطن الغول وهخليك تكره اليوم اللي أمك ولدتك فيه
رفع رأسه للأعلى يأخذ شهيقًا ويزفره بقوة ليمد روحه بقوة خارقة يتحمل بها تلك الحمقاء وحديثها الفظ معه لينطق بنبرة حادة:
-من غير طولة لسان وكلام كتير لا انا ولا أنتِ عندنا وقت ليه، أنا هبعت لك حالاً صورة العقد العُرفي على الواتس وتقدري تتأكدي من إمضت جوزك،أكيد إنتِ عرفاها كويس
قطبت جبينها مستغربة حديث ذاك الغامض لتسأله مستفسرة:
-إنتَ مين؟!
-ميخصكيش...نطقها بصوتٍ بـ.ـارد كالثلج ليتابع بهدوء مُمـ.ـيـ.ـت:
-كل اللي يهمك إني فتحت عيونك على خيانة جوزك ليكِ وده اللي يهمك، غير كده ملكيش فيه
هزت رأسها بتوافق مع رأيه لتهمس من بين أسنانها بسخطٍ ووعيد:
-ماشي يا نصر، أنا هعرفك النهاردة مين هي إجلال
بنبرة حادة نطق بتوبيخًا:
-تبقي غـ.ـبـ.ـية لو بتفكري تواجهية النهاردة
هتفت تسأله بحدة واستنكار:
-نعم يا أخويا؟ إنتَ عاوزني أسكت بعد المصيبة اللي عرفتها دي؟!
أجابها بدهاءٍ وهو يوجهها لما عليها فعله:
-لازم تسكتي،"الانتقام وجبة يُفضّل أن تُقدّم بـ.ـاردة"
ضيقت بين عينيها لتسألهُ بعدm فهم لحديثه الذي يصعب على عقلها استيعابه:
-يعني إيه كلامك ده يا افندي؟
أجابها بدهاءٍ خطط له جيدًا:
-يعني اللي زي نصر البنهاوي محتاج تخطيط بعيد المدىَ علشان تقدري تاخدي حقك منه كويس،هو افتري عليكِ ونسي أفضالك وأفضال أهلك عليه بسبب منصبه اللي مقوية
قطبت جبينها تحاول استيعاب كلمـ.ـا.ته ليباغتها مفسرًا:
-كرسي المجلس
صاحت بحدة متوعدة:
-وحياة ندالته وخسته معايا ما هو شايفه تاني، وزي ما دخله على إيدي، هيخرج منه بردوا على إيدي
أغلقت الهاتف بعدmا أثني هو على حديثها الذي نال استحسانه وسرد عليها ما يجب فعله ليرفع قامته للأعلى يحتفظ بأكبر قدرٍ من هواء البحر النقي ويزفرهُ براحة وهو يتذكر إتفاقه مع تلك الـ"فُتنة"،حيث علم بوجود زوجة سرية في حياة نصر بعدmا أبلغ رجـ.ـاله بوضعه هو وأنجاله تحت المراقبة الشـ.ـديدة،توصل إلى العاملة وطلب منها مراقبة المنزل وزرع بعض الكاميرات ببهو المسكن بشكل قانوني سيخدm قضية تهريب الأثار وقد تم هذا بعدmا أبلغ النائب العام بجميع المعلومـ.ـا.ت التي حصل عليها بالأدلة وأخذ الإذن منه بالمراقبة،طلب أيضًا من الفتاة بأن تبحث عن عقد تلك الزيجة ال عـ.ـر.فية وتقوم بتصويره عبر كاميرا هاتفها وقد حدث بالفعل فقد كان موضوعًا بإهمال داخل درج الكومود،فهذا العقد لا يشكل أهمية لتلك الشذى وتفكيرها المتحرر بأفكارًا شاذة،إبتسم بجانب فمه ورفع ذراعيه يمطئ ظهره باسترخاء قبل أن يستمع لنقرات كعب حذائها العالي وهي تقترب منه ليلتفت للخلف وسرعان ما أطلق صفيرًا وهو يتطلع عليها مشـ.ـدوهًا بجمالها الزائد عن الحد،تبسمت لتدور حول حالها بمرحٍ لتسألهُ وهي تستعرض ثوبها الانيق الذي ابتاعه لها خصيصًا منذ إسبوع من دار أزياء عالمية مقرها"بـ.ـاريس"ليصل للتو كي تحضر به سهرتهما الأولى خارج الڤيلا:
-إيه رأيك؟
فرد ذراعيه بطريقة إستعراضية ومال برأسه جانبًا لتقييم ثوبها الذي ارتدته للتأكد من ضبط المقاس لينطق بانبهارٍ ظهر بمقلتيه:
-يجنن يا روحي،كأن الفستان إتفصل مخصوص علشان حبيبة حبيبها
غمرها شعورًا هائلاً بالسعادة واقتربت عليه تلف ذراعيها حول عنقه بدلال ليحيط هو الأخر خصرها بساعديه لينطق وهو يرفع حاجبه الأيسر بتمعن:
-بس كده هضطر أسفًا أغير رأيي وبدل ما نخرج بالليل هنقضي السهرة هنا
قطبت جبينها مستغربة ليجيبها بمشاكسة وهو يهز رأسه بأسفًا مزيفًا:
-مش هستحمل أشوف نظرات الناس وهي بتبص على البرنسيس ويتملوا في جمال عيونها وسحر قوامها اللي جاب سيادة المستشار على بوزه
أطلقت ضحكاتها المتدللة على زوجها الذي لا يترك مناسبة إلا وغمرها بكلمـ.ـا.ته الغرامية التي تحمل روحها وتصعد لعنان السماء،وقفت على مقدmة حذائها لترفع جسدها للأعلى كي تقترب من مستوى طوله وتضع قُبلة فوق شفتيه لينـ.ـد.مج معها وتطول قبلتيهما ليبتعدا مضطرين لحاجة رئتيهما للهواء،إبتعدت بجسدها لتقول بنبرة حماسية:
-هروح أغير الفستان وأعلقه علشان يبقى جاهز للسهرة
غمز بعينيه وهو ينطق بتوصية:
-إلبسي المايوة ويلا علشان ننزل البحر،الجو تحفة النهاردة
أومأت له لتنسحب للداخل تحت نظراته العاشقة التي شملتها برعاية حتى اختفت خلف الباب،بعد قليل كانت تتعلق بأحضانه داخل البحر المقابل للفيلا التابعة لهما حيث الخصوصية التامة،كانت تشعر باسترخاء تام لروحها وجسدها معًا تعلقت بعنقه لتقول بوجهٍ يحمل الكثير من الرضا والسعادة وهي تتطلع على روعة المكان:
-عارف يا فؤاد،حاسة إن المكان ده فيه من الجنة
تسطح على ظهره ثم قام بجذبها لتصعد فوق جسده وبدأ العوم لينطق مصححًا لها تفكيرها الخاطئ:
-لا يمكن يبقى فيه أي تشابه أو ربط بين مكان موجود على الأرض ومكان ربنا سبحانه وتعالى أبدع فيه علشان يقدmه مكافأة لعباده المخلصين الطائعين
ونعم بالله يا حبيبي...قالتها بخجل لتتابع بأسفٍ:
-يمكن خاني التعبير لأن المكان سحرني
ابتسم وتحدث براحة:
-حتى المكان هنا إبداع من صُنع الخالق،لأن كل ده منظر طبيعية، البحر والشجر والجو
أراحت رأسها على صدره لينطق بصياحٍ معترض:
-إوعي تقولي إنك نعسانة
أطلقت ضحكة عالية لتقول وهي تتثاوب بنعاسٍ وجسدٍ خمول:
-وهو يعني بإيدي يا حبيبي،والله غـ.ـصـ.ـب عني بلاقيني نعست
تنهد باستسلام لينطق بمداعبة:
-أنا شايف إننا نقطع الهاني مون ونروح ننام في بيتنا أحسن
لكزته بكتفه كاعتراضٍ على سخريته منها ليطـ.ـلق هو ضحكاته التي صدحت من حولهما وبدأ يعوم بها أسرع مما أسعدها.
*************
من داخل صالة الزيارات الخاصة بسجن النساء المتواجد بالقاهرة الكبرى
تجلس تلك السيدة الأنيقة التي ظهر الشيب والتجاعيد على وجهها بعد ما حدث لابنتها وزوجها،تنتظر خروج ابنتها لحضور موعد الزيارة الشهري،تنهدت بحـ.ـز.نٍ ظهر على ملامحها وهي ترى خروج ابنتها بذاك الجلباب الأبيض والحجاب الموضوع على رأسها بإهمالٍ،تذكرت أناقتها وسحرها وجمالها الصارخ الذي كان يوقع كل من ينظر إليها من الرجـ.ـال صريعًا بعشقها،أما الأن فقد تحولت على النقيض وانطفأت لمعة عينيها بفضل ما حدث لها،رغم مرور عدة أعوامٍ على مكوثها بالسجن إلا أنها لازالت للأن تعيش حالة من الإنكار للواقع وتحيا على أمل أن يسامحها زوجها ويعفو عن أخطائها ويأتي ليخرجها وتعود معه من جديد لتحيا حياة الترف والبذخ وتعوض ما فاتها في هذا المكان اللعين،أقبلت على والدتها التي وقفت تستقبلها بالأحضان والدmـ.ـو.ع كـ كل مرة تقوم فيها بزيارتها،بعد السلام والإطمئنان على صحتها سألتها الأخرى السؤال الروتيني لكل زيارة:
-لسه ما اتكلمتيش مع فؤاد تاني يا ماما؟
زفرت الأم بيأسٍ من تعلق نجلتها بأوهامٍ ليس لها أساسًا سوى بمخيلتها المتعلقة بالماضي،نطقت الأخرى تتسائل عنـ.ـد.ما طال صمت والدتها:
-مبترديش عليا ليه؟!
هتفت بحدة:
-هرد اقول لك إيه يا نجلا،أنا تقريبًا كل زيارة بنقضيها في الكلام في نفس الموضوع وكل مرة بجاوبك نفس الإجابة وياريتك بتقتنعي
-يعني ما قابلتهوش؟!...قالتها بملامح وجه ساخطة لتتابع بحدة وهي تُلقي اللوم عليها:
-طبعاً مش هتروحي له،ما أنتِ عايشة حياتك ولا همك رمـ.ـيـ.ـتي في الزفت ده،أنا متأكدة إن فؤاد لسة بيحبني،بس محتاج يحس إني نـ.ـد.مانة على اللي عملته،لو روحتي وبلغتيه نـ.ـد.مي وإني ناوية اخلف له الولد اللي بيحلم بيه أنا متأكدة إنه....
-فؤاد إتجوز يا نجلا...نطقتها بقوة لتبتلع الاخرى باقي كلمـ.ـا.تها وتظهر عليها صدmة وقوع الخبر لتهمس بهسيسٍ غير مفهوم لدى والدتها:
-مسـ مستحيل فؤاد يلمس ست غيري،هو بيحبني أنا متأكدة،ده ميقدرش يستغنى عني، أصلاً مش هيلاقي واحدة في سحري وجمالي
نزلت دmـ.ـو.ع والدتها لتنطق بقلبٍ ينزف لأجل وحيدتها التي تعيش خارج نطاق الواقع:
-فوقي بقى يا بنتي من الوهم اللي بقالك سنين حابسة نفسك فيه،فؤاد لو بيحبك مكنش رماكِ هنا من أصله،إنتِ دmرتيه بالمعنى الحرفي وجـ.ـر.حتي رجولته في أكتر من موضوع، واسترسلت بتأكيد:
-واللي زي فؤاد عمره ما يسامح في الخيانة أبدًا
-إتجوز سميحة مش كده...قالتها بعينين حادتين لتتابع باستشاطة:
-طول عمرها بتجري وراه وهو ولا معبرها،كانت هتتجنن يوم ما خطبني وفضلني عليها،عمرها ما حبتني، أكيد إستغلت بعدي عنه وحاولت توقعه في شباكها، وواضح إنها نجحت
نظرت لوالدتها لتجيبها الاخرى بصوتٍ استسلامي:
-مش سميحة،أماني عبدالمجيد كانت معزومة على حفلة عندهم وهي اللي قالت لي، الحفلة كانت بمناسبة جوازه وترقيته في نفس الوقت
واستطردت وهي تترقب نظرات ابنتها:
-أماني قالت لي إن شكله بيحبها قوي لأنه طول الوقت كان حاضن إيدها ومسبهاش دقيقة واحدة طول الحفلة،قالت لي كمان إن طول الوقت كان بيضحك ووشه سعيد
تطلعت على والدتها بملامح وجه مبهمة لتتابع الأخيرة بنصحٍ:
-إنسيه وحاولي تتأقلمي علشان تقدري تعدي الكام سنة اللي فاضلين لك هنا وتخرجي
أخذت نفسًا عميقًا ومازال الصمت يخيم عليها.
*************
ليلاً بجزر المالديف
بداخل أحد الأماكن الليلية المخصصة للسهر،كانت ترقص اسلو بين يديه تستند برأسها على كتفه يلتصق أنفها بجلد عنقه،ذائبة برائحة عطره الممزوجة برائحة جسده التي باتت تعشقها،رفعت رأسها قليلاً تتطلع عليه فغمز لها بعينيه ثم مال يطبع قبلة خفيفة على وجنتها قائلاً بجاذبية:
-حبيبي أحلا وأجمل وأرق ست شافتها عيوني
يسلبها عقلها بكلمـ.ـا.ته الرائعة يشعرها أنها سيدة قلبه الوحيدة ومالكة فؤاده،لفت إحدى ذراعيها حول عنقه لتعلو بكفها تتلاعب بأناملها الرقيقة بين خصلات شعره الناعمة مما أوشكه على فقدان عقله ليهمس بجوار أذنها بكلمـ.ـا.تٍ دعابية:
-بطلي شقاوة ومتنسيش إن إحنا بين الناس
قطبت جبينها لتنطق بمشاكسة:
-فصلتني يا شرشبيل
أجابها بغمزة وقحة:
-مبلاش تجبيه لنفسك لينتهي الامر في الچاكوزي
ضحكت بدلال وأسندت رأسها من جديد على صدره وهي تقول:
-أنا بحب أجيبه لنفسي
مال على أذنها وبدأ يهمس بكلمـ.ـا.تٍ جعلت روحها رخوة بين يديه،تابعا رقصتيهما الناعمة حتى انتهت لينطق وهو يسحبها من كفها للإتجاه صوب الطاولة المحجوزة لهما:
-العشا نزل يا حبيبي،يلا علشان جُعت
تناولا عشائهما تحت عدm رغبة إيثار في تناول الطعام وكالعادة اسندت السبب لتغيير البلد والعادات،وبعد الإنتهاء عادا إلى المنزل بعد أن تنزها داخل الجزيرة،وبعد مرور حوالي الساعة كانت تستند بظهرها على صدر ذاك المستند بظهره على جدار الچاكوزي ملقيًا رأسه للخلف،أما ذراعيه فكانتا تلتفان حول خصر حبيبته المسترخية بين أحضانه بعينين مغمضتين باستمتاع بعدmا قضيا وقتًا حميميًا قبل قليل،سألها بصوتٍ يوحي باسترخائه:
-مبسوطة يا حبيبي
إستدارت بجسدها لتقابل وجهه لتنطق بنبرة لإمرأة هائمة بعشق رجلها الأوحد:
-قوي يا حبيبي، مبسوطة قوي وبتمنى الأوقات الحلوة دي تدوم
-هتدوم يا عمري،إن شاءالله هتدوم...قالها ليجذب رأسها عليه ويلتهم شفتيها في قُبلة حميمية أثارت كلاهما و.جـ.ـعلتهما يدخلان في جولة عشقية أخرى.
*************
صباح اليوم التالي مباشرةً
وقفت بوسط غرفتها لتضع وشاحاً أسودًا على كتفيها بعدmا ارتدت عباءة سوداء وحجابًا من نفس اللون لتتوشح بالسواد كاملاً،صوبت نظراتها الحادة نحو الباب وتوجهت إليه بعدmا عقدت النية على وضع أول حجر في خطة تدmير نصر وتجريده من منصبه الذي استقوى به وبات يتصرف كالطاووس المغرور،خرجت من غرفتها لتجد جميع الرجـ.ـال يجلسون ببهو المنزل منتظرين تجهيز وجبة الأفطار ليتناولوها ومن ثم ينصرفون كلٍ إلى عمله،اغلقت باب الغرفة بقوة لتصوب عليها أعين جميعهم وكانت تلك هي المرة الأولى التي ترى فيها ذاك الحقير زوجها بعدmا علمت بخسته معها،فمنذ مشاجرتهما الاخيرة أمام أعين نجليهما وهي تسكن في غرفتها لحالها بينما انتقل هو لغرفة أخرى بعيدًا عنها كاعتراضًا منه على تعرضه لإهانة كبرى على يدها على مرأي ومسمع جميع ساكني المنزل، رمقته بنظراتٍ توحي بغضبٍ جحيمي لو خرج لحولهُ لجمرة شـ.ـديدة الإلتهاب لتصيح بكامل صوتها وهي تنادي على العاملة:
-صباح،إنتِ يا بِت
أتت الفتاة على عجالة لتنطق بصوتٍ مرتجف:
-أؤمري يا ستهم
إطلعي قولي للغفير يقول للسواق يجهز العربية حالاً
وقف طلعت يسألها مستغربًا هيأتها وحديثها:
-على فين يا ستهم؟!
أجابته بقامة مرتفعة:
-رايحة عند خالك محمد
قطب نصر جبينه وهو يشملها مستغربًا تصرفها،عادةً هي لا تخرج من المنزل مبكرًا هكذا أما بالنسبة لأشقائها فهم دائمًا من يبادرون بزيارتها لما لها من هيبة بالعائلة قد فرضها والدها على الجميع،سألها حسين بـ.ـارتياب من هيأتها الحادة التي وبرغم تحكمها الرهيب بنوبة غضبها التي لو سمحت لها بالخروج لأحرقت وما تركت أخضرًا أو يابس لكنها لم تستطع التحكم بظهور الغضب العارم على ملامحها:
-خير يا ستهم، رايحة بدري ليه كده عند خالي؟!
أجابته وهي تعدل من وشاحها:
-عوزاه في موضوع
شعر بالريبة من هيأتها ليتنازل عن كبريائه ويبادر بالحديث معها ليسألها بنبرة جادة بعدmا أثارت فضوله لمعرفته:
- موضوع إيه اللي موديكِ من النجمة كدة عند الناس،ده تلاقيه لسه مصحيش من النوم لحد الوقت
إبتسمت ساخرة لترمقه بنظراتٍ مُبهمة إحتار بتفسيرهم لتنطق بزيف كي تزيل الشكوك من عقل ذاك الأحمق:
-رايحة له بسبب حتة الأرض البحرية اللي مـ.ـر.اته ورثتها عن أبوها،عاوزة أشتريها منها
-وهي هتوافق؟!...سألها بفضول لتنطق بجبروتٍ ليس بالجديد عليها:
-غـ.ـصـ.ـب عنها مش بمزاجها،طالما ستهم أمرت يبقى مقدmهاش حل غير التنفيذ
وتابعت بضغطٍ كي تشعرهُ بالعجز:
-واهو بالمرة يشوف لي حد من معارفه الكُبـ.ـار يخرج لي عمرو من الحجز
استشاط داخله من تلك المرأة التي لا تفوت فرصة إلا وعرضته للإهانة وتشعره بصغر حجمه أمام أفراد عائلتها ليقطع نظراتهم الحادة ولوج الغفير مهرولاً وهو يخبرها:
-العربية جاهزة يا ستهم
تحركت للخارج تحت نظرات نصر ونجلاه
خرجت لتجد السائق مهرولاً ليفتح لها الباب،استقلت المقعد الخلفي وانطلق السائق لتقول بنبرة جادة:
-وديني على بيت الحاج هارون إبن عمي، ولو الحاج نصر ولا أي مخلوق سألك كنا فين هتقول له كنا عند الحاج محمد أخويا
واسترسلت بنبرة شـ.ـديدة اللهجة:
-مفهوم يا عيسي،ولا تحب أعيد كلامي
ابتلع الرجل ريقه لينطق متلعثمًا:
-مفهوم يا ست الناس
بعد قليل توقفت السيارة وترجلت لتدق باب المنزل وتفتح لها العاملة التي هتفت بعدm تصديق:
-يا أهلاً بست الناس
سألتها وهي تقتحم المنزل بخطواتها التي تشبه الطاووس بزهوه وعجرفته وكبريائه:
-سيدك هارون فين؟!
-هنا اهو يا ستهم...قالتها المرأة وهي تشير للداخل حيث يجلس هارون حول منضدة الطعام بصحبة زوجته أزهار وأنجاله ليقف هارون مذهولاً لما يراه بأم أعينه، فتلك هي المرة الاولى التي تأتي بها لزيارته إبنة عمه وقصة عشقه القديم بل والأزلي التي فضلت عليه ذاك الحقير وتزوجته رغم فقره وتدني مستوى عائلته المادي،ترك الطعام من بين يده ليهرول لاستقبالها مهللاً كـ مراهق أحمق:
-أنا في حلم ولا في عِلم يا ولاد،بقى معقول ستهم بنت الحاج ناصف على سِن ورُمح جايه تزورني في قلب بيتي
-إزيك يا هارون... نطقتها باستعلاء ليجيبها بتذلل ونبرة توحي بعشق تلك الجبروت المستوطنة بأعماق قلبه ولن تُمحى سوى بطلوع الروح:
-بخير طول ما انتِ بخير يا ست الناس
رمقت أزهار زوجها بنظراتٍ إحتقارية وهي تراه يتذلل لتلك التي طالما بغضتها لعشق زوجها لها حتى قبل الزواج كان الجميع يفضلها على بنات العائلة لذا صرن جميع الفتيات يُكنن بقلبهن حقدًا لها،فاقت من شرودها على صوت تلك المغرورة وهي تتهكم عليها:
-جرا لك إيه يا بنت عمي، مش هترحبي بيا في بيتك ولا بلعتي لسانك من المفاجأة
ازدردت ريقها لتنطق بصوتٍ خرج حاد رغمًا عنها:
-لساني لسه مطرحه وبيرن يا ستهم، بس المفاجأة خلتني استغرب شوية
لتسترسل بنبرة أظهرت عدm ترحيبها بتلك الزيارة:
-خير يا إجلال؟!
إرتجف جسدها رُعبًا عنـ.ـد.ما هدر صوت تلك الغاضبة لتنبيهها:
-إسمي ستهم يا أزهار،إجلال ده محدش كان بيجرأ ينطقه إلا الحاج ناصف الله يرحمه
ابتلعت لعابها ليهدر بها زوجها موبخًا إياها:
-جري لك إيه يا أزهار،هتفضلي واقفة كده كتير،إدخلي إنتِ ونسوان عيالك وبناتك جهزوا فطار يليق بستهم حالاً
هتفت بنبرة صلبة جلجلت بالمكان:
-أنا مش جاية علشان أفطر يا هارون، عندي كلمتين ليك هنقولهم وهمشي على طول...لتتابع بتعالي:
-شوف لنا حتة نعرف نتكلم فيها لوحدنا
-نعم، لوحدكم إزاي يعني؟!...كلمـ.ـا.ت حادة نطقتها أزهار ليصدح صوت إجلال متجاهلة حديث إبنة عمها:
-خلص يا هارون،أنا مش فاضية للوقفة دي
أشار لها سريعًا إلى حجرة إستقبال الضيوف وتحركا حتى اختفيا كلاهما تحت استشاطة أزهار التي هتفت من بين أسنانها والغيرة تنهش قلبها:
-ولية عقربة قليلة حيا،ربنا يديني طولة العمر وأشوفك وإنتِ مذلولة يا إجلال يا بنت زهيرة قادر يا كريم
هتف نجلها الاكبر بتنبيه:
-إسكتي يا أما وخلي اليوم يعدي على خير
صمتت مجبرة خشية بطش تلك المتجبرة، أما بالداخل جلس ذاك الابله مقابلاً لها يتفحصها بنظراتٍ عاشقة متشوقة لحبيبة الصبا لينطق بصوتٍ خاضع:
-أؤمريني يا ست الناس
رمقته بنظراتٍ مبهمة لتهتف هي بجبروت إمرأة قررت الإنتقام من رجلها المفضل:
-من غير لف ودوران وكلام كتير، أنا عوزاك تقدm في إنتخابات مجلس الشعب
ذُهل الرجل من طلبها ليسألها مستفسرًا:
-قصدك الإنتخابات اللي هتبدأ بعد إسبوعين؟!
-عليك نور...قالتها بتأكيد ليعود متسائلاً باستغراب:
-طب ونصر؟!
-كفاية عليه لحد كده،هرشحك قصاده... قالتها بقامة مرفوعة ليبتلع لعابه ويسألها مستفسرًا:
-طب ما أنا لو دخلت قصاده هو اللي هيكتسح زي كل سنة
-أنا معاك وفي ظهرك يا هارون،يعني متقلقش...قالتها لتطمأنه ليجيبها بـ.ـارتيابٍ:
-نصر مبقاش قليل يا ستهم، وعنده ناس ياما بره البلد هتختاره
إشتعلت عينيها وامتلأت بشرارات الغضب لتهتف بحدة من بين أسنانها:
-شكلك ناسي إنتَ قاعد قدام مين يا هارون، أنا ستهم بنت الحاج ناصف،وإخواتي وأنتَ وولاد عمك اللي عملتوا لنصر قيمة عن طريقي، وأنا اللي بإيدي ههد القيمة دي وأزيلها من على الوجود
قطب جبينه وعلم أن نصر قد اخطأ وأغضب تلك الجبروت وسيزول ملكه بيدها ليسألها بتخابث:
-هو نصر هبب إيه خلاكِ قلبتي عليه بالشكل ده؟!
بعينين حادتين كنظرات الصقر أجابته:
-مش شغلك وياريت تنفذ اللي بقولك عليه من سُكات
واسترسلت بنبرة تهديدية:
-بدل ما أقلب عليك إنتَ كمان
ازدرد لعابه لتتابع بإملاء:
-جهز ورقك كله وقبل ما باب الترشيح يقفل بساعة واحدة هخلي المحامي ياخدك ويقدm لك الورق،وبعدها هعمل إجتماع للعيلة وهبلغ الكل، وكلنا هندعمك ونعمل لك دعاية في المركز كله
واسترسلت بابتسامة ساخرة:
-وأظن أهل المركز مش هيسيبوا إبن عيلة الهلالية ويدوا صوتهم لنصر
ابتسم لدهائها لتكمل هي:
-بس خلي بالك،الكلام ده سر بينا يا هارون،لو خرج لأي مخلوق قبل الساعة اللي اتفقنا عليها هزعلك قوي
قالتها بتحذير شـ.ـديد اللهجة ليسألها مستفسرًا:
-إشمعنا أنا يا ستهم؟، ليه مش واحد من إخواتك؟!
اجابته لعلمها بشـ.ـدة غيرة نصر من هارون لانه بالماضي كان أغنى واعرق منه مما جعل والدها وأشقائها يفضلونه على ذاك الصعلوك الذي تشبثت برأيها وتمسكت به لعشقها له وبالاخير إنساق الجميع لرغبة تلك الجامحة:
-علشان إنتَ الوحيد اللي هتو.جـ.ـع نصر قوي
أرجع ظهره للخلف وابتسم بزهو بعدmا فهم المغزى من وراء حديثها.
*************
بعد مرور عشرة أيام منذ سفر العاشقان،عادا من جولة عشقهما منذ يومين ليلقيا ترحابًا واحتواءًا من جميع العائلة،فاقت من نومها في حدود الحادية عشر ظهرًا، تمللت بفراشها وزفرت بضيق لكثرة وخمها في الفترة الاخيرة،سحبت جسدها للأعلى لتستند بظهرها على خلفية التخت،تغيرت ملامحها بعدmا مرت بمخيلتها ما يشغل بالها منذ اليومين، فقد خلفت عادتها الشهرية ميعادها وحينها فقط ربطت بين التأخير وبين حالة الوخم التي أصابتها منذ عشرة أيام،بسطت ذراعها صوب الكومود لتجلب هاتفها وتطلب رقم الصيدلية القريبة من القصر،طلبت منهم إحضار جهاز لإختبـ.ـار الحمل المنزلي،ثم تحركت إلى الحمام تحممت وقامت بتمشيط شعرها وارتدت ثيابها وأثناء وقوفها أمام مرآة الزينة لتضع القليل من كريمـ.ـا.ت الترطيب استمعت لبعض الطرقات لتدخل عزة وهي تحمل كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا قد أحضره عامل التوصيل لتنطق بوجهٍ بشوش:
-صباحك فل يا ست البنات
استدارت لتجيبها بوجهٍ شاحب قليلاً:
-صباح الخير يا عزة
نطقت الأخرى وهي تشير لما بيدها:
-دليفري الصيدلية جاب لك الطلبية بتاعتك والست سعاد أدت له الحساب
أقبلت عليها وأخذت الكيس من يدها بطريقة متلهفة تعجبت لها عزة لتسألها مستغربة:
-هو أنتِ طالبة إيه يا إيثار؟!
واستطردت بصدقٍ وصل للوقاحة:
-أصل فتحت الشنطة بس لقيت علبة مغلفة جوة ومعرفتش أخمن فيها إيه
اتسعت عينيها لتنطق باستهجان:
-يعني لو موصيتش الصيدلية يغلفوا الطلب للخصوصية كنتي هتشوفيه عادي؟!
ابتسمت لتنطق بطلقائية:
-إنتِ هتكبري الموضوع ليه،ده أوردر من صيدلية، يعني هيكون إيه غير دوا ولا مرهم
ابتسمت إيثار على تفكير تلك البسيطة التي تعشقها، فلن تنسى فضلها عليها مهما مر العمر بهما،فهي من شملتها وصغيرها بحنانها وحبها الصادق واهتمت بالصغير وكأنهُ حفيدها،وطالما حرصت على تعليمه الجانب الديني والاخلاقي مع إيثار،كشرح الصلاة والقرب من الله وحبه والخشوع منه،كل هذا شفيعًا لصاحبة أجمل وأنقى قلب،كانت تريد أن تخبرها بما يدور بخلدها لكنها خشيت ثرثرتها وهي إلى الأن لم تتأكد من إذا كانت حاملة طفلاً من زوجها الحبيب أم أنها أعراضًا طبيعية لما مرت به مؤخرًا بداية من تعرضها للخـ.ـطـ.ـف مرورًا بسفرها مع الحبيب وتغيير الجو والطعام،تحدثت بنبرة هادئة:
-ده كريم إلتهابات ومحبتش حد يشوفه
أومأت عزة بتفهم وتحدثت دون الإكتراث واعطاء الأمر أكثر مما يستحق:
-طب يلا يا حبيبتي علشان تفطري
-إسبقيني على تحت وأنا هحصلك...قالتها بهدوء لتربت عليها الأخرى قائلة بحنو:
-متتأخريش عليا،عاوزة أشرب معاكِ فنجان قهوة زي زمان
إبتسمت إيثار لتنطق وهي تمسك بكفها الحنون:
-بس كده،من عيوني يا ست عزة
واسترسلت بنبرة حماسية:
-وأنا بنفسي اللي هعمل لنا القهوة وهنشربها في الجنينة قدام حوض الورد بتاع علام باشا
ابتسمت المرأة بحنو وتحركت للخارج أما تلك المرتابة فأسرعت بفتح الإختبـ.ـار وتوجهت للحمام مباشرةً وقامت بالإلتزام بالتعليمـ.ـا.ت المدونة داخل النشرة الداخلية الملحقة بالجهاز وانتظرت تترقب بتمعن وساقيها لم تعد تحملاها من شـ.ـدة القلق،شعرت بضـ.ـر.بات قلبها تدق بوتيرة مرتفعة لدرجة أنها تستمع لها وتشعر بقوتها،لم يكن الحمل الأول لها لكن ظروفه تختلف كليًا، فحبيبها يستحق أن تزف له البشارة بذاك الخبر المنتظر له ولعائلته بالكامل،تلون الإختبـ.ـار فقد ظهرا الخطان بوضوح لكنها أرادت التأكد أكثر قبل الإفصاح عن الخبر، فلن تغامر بمشاعر حبيبها أبدًا
توجهت للحديقة تناولت طعامها دون شهية ودخلت المطبخ لتجد الجميع يعملون على قدmٍ وساق لتجهيز وجبة الغداء فقد تخطت الساعة الثانية عشر ظهرًا،وقفت سعاد لاستقبالها تنحني للأمام وهي تتحدث بجدية نظرًا لطبيعة عملها:
-أوامر سعادتك يا هانم
أجابتها ببشاشة وجه وهي تقبل عليهم:
-أنا جاية أعمل فنجانين قهوة ليا ولعزة
نظرن جميعهن لبعضهن باستغراب أما عزة الجالسة بجوارهن حول الطاولة فابتسمت بحبورٍ وحنين لتنطق سعاد بنبرة جادة:
-حضرتك تقدري ترتاحي في الرسيبشن والقهوة هتيجي لحد حضرتك
بابتسامة بشوش وتواضع أجابتها:
-معلش يا مدام سعاد هكـ.ـسر لك قوانينك المرة دي
ونظرت لعزة بحنينٍ وحب لتسترسل:
-أصلي وعدت عزة إننا نشرب قهوة مع بعض في الجنينة وأنا اللي هعملها لها بنفسي
نظرن جميعهن إليها وابتسمن لتواضع تلك الجميلة،فبرغم أنها أصبحت سيدة القصر المستقبلية بكونها زوجة الوريث الوحيد لعلام زين الدين لكنها تتعامل مع الجميع برُقيٍ وبساطة ولا تتعالى على إحداهُن،عكس تلك النجلا التي كانت تعاملهُن بمنتهى الغرور والتعالي،إبتسمت المرأة وتحدثت بلباقة واحترام زاد أضعاف ما قبل هذا الموقف النبيل:
-المطبخ كله تحت أمر جنابك يا هانم
-متشكرة يا مدام سعاد...قالتها لتتحرك نحو موقد الغاز لتهب عزة وتقترب منها لتساعدها، جلبت لها وعاء القهوة وأخرى أشارت لها على السكر ومسحوق القهوة وبدأت هي بصنعها بكل الحب وبعد قليل تحركت بجوار عزة التي حملت الصينية واتجهتا إلى الحديقة، جلستا بهدوءٍ وبدأتا بـ.ـارتشاف القهوة باستمتاع، وجدت سيارة والدة زوجها تدلف من باب القصر لتصطف جانبًا ويهرول السائق ليفتح بابها لتخرج عصمت بهيأتها الوقورة، وقفت إيثار إحترامًا لها بعدmا وجدتها تُقبل عليها بابتسامة حنون وهي تقول:
-يا سلام على الناس الرايقة اللي قاعدة تشرب قهوة
تحدثت باحترام وهي تُشير لها بأن تجاورهما الجلوس:
-إتفضلي حضرتك وهخلي عزة تعمل لك فنجان حالاً
أشارت بكفها لتنطق برقي:
-متشكرة يا حبيبتي،أنا راجعة مصدعة شوية هاخد شاور ومسكن للصداع قبل ما علام باشا يرجع من شغله
-بعد إذنكم...قالتها باحترام وانسحبت للداخل بطريقها،لتنطق عزة باستحسان:
-والنبي الست دي زي العسل
بعد حوالي نصف ساعة،كانت تجلس أمام مرآة زينتها تضع بعض المرطبات فوق بشرة وجهها وساعديها بعد خروجها من الحمام، استمعت لبعض الطرقات الخفيفة لتنطق بصوتٍ رزين:
-إدخل
فُتح الباب لتظهر منه إيثار بابتسامتها البشوش لتقف عصمت سريعًا تستقبلها فتلك هي المرة الأولى التي تخطو بها لغرفتها:
-أهلاً يا إيثار
تحدثت بنبرة خجلة:
-ممكن أتكلم مع حضرتك شوية
-طبعاً يا بنتي إتفضلي... قالتها بترحيبٍ هائل لتنطق الاخرى على استحياء وهي تفرك كفيها ببعضيهما بطريقة أظهرت كم تـ.ـو.ترها:
-أنا عارفة إن حضرتك راجعة من الجامعة تعبانة، ومش من الذوق إني أجي وازعجك، بس فيه موضوع مهم طالبة مساعدتك فيه
تحركت إليها حين وجدت حيرتها وخجلها الزائد لتمسك كف يدها وتسحبها للداخل حتى وصلا للمقعدين المقابلين للفراش وتحدثت وهي تحسها على الجلوس لتقول:
-تعالي يا حبيبتي إقعدي وأطلبي اللي إنتِ عوزاه من غير كسوف،واعتبريني زي ماما بالظبط
تحمحمت وبدأت تتلعثم بالحديث:
-أنا المفروض كانت البريود ميعادها من يومين،لما اتأخرت طلبت إختبـ.ـار من الصيدلية وعملته من شوية،هو ظهرلي خطين أحمر بس أنا مش حابة أبلغ فؤاد غير لما اتأكد باختبـ.ـار دm
واسترسلت بخجلٍ:
-فلو عند حضرتك وقت تكلمي فؤاد وتستأذني منه إني أخرج معاكِ بأي حجة ونروح أي معمل نعمل الإختبـ.ـار ونتأكد قبل ما أبلغه،مش حباه يتأمل ويفرح وبعدين لاقدر الله التيست يكون غلط وأبقى إتسببت له في إحباط
كانت تتحدث بتلقائية غير مستوعبة ما تُخطر به تلك العطشة لهذا الخبر الذي طالما حلمت به وانتظرته حتى أنها يأست وظنته سرابًا ولن يحدث من كثرة انتظاره،بصعوبة أخرجت كلمـ.ـا.تها المتلعثمة وهي تنطق:
-قولي الكلام اللي إنتِ قولتيه تاني كده
قطبت جبينها غير مستوعبة ما حدث لتلك السيدة لتتابع بعينين متسعتين:
-إيثار، إنتِ بتقولي إنك عملتي إختبـ.ـار وطلعتي حامل؟!
بتلقائية أجابتها:
-هو الإختبـ.ـار ظهر خطين أحمر، بس أنا حابة اتأكد
هبت واقفة لتقف أمامها وتحثها على الوقوف وبفرحة أظهرتها كفتاةٍ بالثامنة عشر من عمرها هللت:
-يعني إنتِ حامل في طفل لفؤاد، يعني أخيرًا هشوف حفيد من إبني والمسه بإيديا وأحـ.ـضـ.ـنه وأشم ريحة فؤاد فيه
وعلى حين غرة نزلت دmـ.ـو.عها لتهتف وهي تحتضنها بحفاوة وتأثر شـ.ـديد:
-الحمدلله، الحمدلله،اللهم لك الحمد والشكر
ابتعدت إيثار لتنظر لها بتأثرٍ شـ.ـديد،فمهما تخيلت فرحة تلك الراقية بذاك الخبر لم تتوقع شـ.ـدة حبورها التي رأتها بعينيها لتنطق بنبرة هادئة:
-أنا مقدرة فرحة حضرتك بالخبر،بس ياريت نتأكد الأول لأني مش حابة أحبطك ولا أحبط فؤاد
-إنتِ أصلك مش فاهمة أهمية وقيمة الموضوع ده بالنسبة ليا أنا وسيادة المستشار...قالت جملتها بلهفة لتهرول على الهاتف وتضغط على رقم نجلها وتنتظر،أتاها الرد سريعًا لتنطق بصوتٍ جاهدت ليخرج متزن:
-إزيك إنتَ يا حبيبي،بقولك يا فؤاد، كنت حابة استأذنك أخد إيثار معايا عند الكوافير، أنا رجعت بدري النهاردة وقولت أروح للكوافيرة بتاعتي وبالمرة أخد معايا إيثار تعمل شعرها
نطق بحزمٍ شـ.ـديد يرجع لارتعابه عليها خاصتًا بعد خروج ذاك الأرعن من محبسه منذ اربعة أيام:
-مش هينفع يا حبيبتي،إيثار مينفعش تخرج من البيت من غيري
تطلعت لتلك الواقفة تنتظر لتنطق بإصرار:
-يا حبيبي البنت محبوسة في البيت مبتخرجش أبدًا،ولا حتى سمحت لها تستلم وظيفتها الجديدة في الشركة
بنبرة جادة أجابها:
-أنا مرتب لكل حاجة يا ماما،أول ما أشوف الوقت مناسب لخروجها هتروح تستلم شغلها في الشركة إن شاءالله،قبل كده مقدرش أغامر بأمانها
تحدثت وكأنها لم تستمع لمخاوفه لتنطق بنبرة حماسية:
-طب علشان خاطري خليها تيجي معايا النهاردة وصدقني مش هطلب منك إنها تخرج معايا تاني
-عجيب إصرارك على خروجها معاكِ ده يا ماما!...قالها مضيقًا عينيه ليتابع باستغراب:
-ده أنتِ عمرك ما اخدتي فريال معاكِ في أي مكان؟!
استشاطت من ذاك الفطن لتنطق بصوتٍ متخاذل بعدmا قررت اتباع سياسة الإبتزاز العاطفي عليه وتطلعت إلى إيثار لتغمز لها بعينيها بذات مغزى:
-خلاص يا فؤاد،ومتشكرة لأنك عرفتني مقدار غلاوتي عندك
أغمض عينيه ومسح على وجهه بتعب لينطق بموافقة رُغمًا عنه متفاديًا إحزان قلب غاليته:
-وأنا مقدرش على زعل دكتورة عصمت الدويري،خديها معاكِ وأنا هكلم نبيل أخليه يجهز عربية باتنين بودي جارد
شكرته ونظرت إلى إيثار وتحدثت بلهفة وهي تهرول باتجاه خزانة ثيابها:
-روحي إلبسي بسرعة وأنا هغير هدومي وفي ثواني هكون جاهزة
أجابتها بسعادة نابعة لسعادة تلك الراقية:
-هكلم فؤاد استأذنه واجهز حالاً
تطلعت عليها باحترام لتنطق بنبرة حنون:
-كنت عارفة إن ربنا هيعوض إبني عن اللي حصل له في حياته،بس مهما تخيلت مكنتش هوصل لكرم ربنا اللي فاض عليه بيه
إقتربت عليها لتحتضن وجنتيها بكفي يداها لتقول بنبرة تقطر شكرًا وامتنان:
-أنا أول مرة أشوف إبني سعيد وعيونه بتلمع،خليك معاه حنينه كده على طول،فؤاد بيحبك ويستاهل إنك تحبيه وتحافظي عليه
اجابتها بعينين تفيضُ عشقًا:
-فؤاد ده عوضي ومكافأتي من ربنا،هو مش بس جوزي، ده حبيبي وأخويا وأبويا،ده كل دنيتي هو ويوسف
ابتسمت لها عصمت وبعد قليل كانت تحادث زوجها للإستئذان لينطق بمشاكسة وهو يتحرك باتجاه النافذة الزجاجية بداخل مكتبه يتطلع منه على الشارع:
-ده إحنا إطورنا خالص وبقينا شطار وبنستأذن قبل ما نخرج أهو
-هو أنتَ مبتنساش حاجة خالص...قالتها بمداعبة لينطق بنبرة حنون:
-عمري ما انسى أي حاجة حصلت ما بينا، أنا عمري إبتدي من يوم ما ظهرتي في حياتي يا إيثار
تأثرت من صدق مشاعرة المتدفقة من بين كلمـ.ـا.ته المؤثرة لتنطق بنبرة تقطر حنانًا وولهًا:
-وأنا عمري كله بقى ملك إيديك يا حبيبي
من شـ.ـدة صدق نبراتها تأثر كثيرًا فبدل الموضوع لينطق مشاكسًا إياها:
-روحي إجهزي علشان ما تتأخريش وإرجعي بسرعة علشان تلحقي تنامي لك شوية،النهاردة مفيش نوم بدري ومش هقبل أي أعذار
واسترسل بوقاحة لم يعرفها سوى مع من ملكت فؤاده واستوطنت:
-البدلة السودة هتتلبس النهاردة يعني هتتلبس،وخلي إختيار الغنوة عليا
ضحكت كثيرًا على حبيبها المشاكس الذي أصبح عاشقًا لرقصها،أغلقت لتجهيز حالها وبعد قليل كانت تجلس بمقابل والدة زوجها أمام مكتب طبيبة النساء والتوليد الخاصة بالعائلة لتنطق الطبيبة ببشاشة وجه:
-كل الاعراض اللي حكتيها لي دي بتأكد إن فيه حمل إن شاءالله
ثم رفعت ساعة يده تنظر بها قبل أن تنطق:
-إحنا عاملين الإختبـ.ـار من... صمتت لتتابع بدقة:
-عشر دقايق كمان ونتيجة عينة الدm هتظهر وتأكد لنا
ابتسمت إيثار بـ.ـارتيابٍ لتسألها عصمت بجدية:
-هو ممكن الإختبـ.ـار المنزلي يكون غير دقيق ويدي نتيجة غلط يا دكتورة؟
-للأسف ساعات بتحصل...لتتابع بدقة:
-أه مرات نادرة بس بتحصل، علشان كده أنا كـ دكتورة بفضل تحليل الدm.
مر الوقت سريعًا واستمعن لطرقات فوق الباب لتنطق الطبيبة بعملية:
-إدخل
ولجت العاملة لتتحدث وهي تتجه صوب الطبيبة باسطة يدها بالتقرير:
-نتيجة الفحص ظهرت يا دكتورة
إرتبكت إيثار بجلستها اما عصمت فتأهبت وتخشب جسدها بالكامل وتمعنت بملامح الطبيبة التي فتحت المظروف لتنطق بملامح وجه بشوشة:
-النتيجة إيجابية،ألف مبروك.
↚
دعوني أعترفُ لكم فالإعترافُ بالحُبِ فضيلةٌ، منذُ أن تغَلْغَلَ غرامُها بِدmي واستوطنَ القلبَ قلتُ لِحالي والزهو يتملكني "أنا لها شمسٌ"،لكنني وجدتُ نفسى مخطئًا،فبمرورِ الوقتِ إكتشفتُ بأنني كنتُ أنا العليلَ وكانت هيَ لىَ الترياقُ،كُنتُ زاهدًا في الحياةِ فرزقنيَ اللهُ حُبَها وبين ليلةٍ وضُحاها أصبحت هى لى حياةً تحييني،هبةٌ من الله نزلت على حياتي كبلسمٍ لتُضيئَها وتجعلَها أكثرَ إشراقًا،هيَ جميلتي صغيرتي سرُ سعادتي،أملي وسكني وسكينتي وملاذيَ الآمن،هي من وضعتُ بينَ يديها روحي عن طيبِ خاطرٍ،أنثاي التي أغفو كلَ ليلةٍ بجانبها بقلبٍ مطمئنٍ ورَوحٍ سالمةٍ متنعمًا بدفئِ أحضانِها،فإن كنتُ أنا لها شمسٌ فهيَ ليَ الحياةُ بِأكملِها.
ما أعظم الشعور بتحقيق حلمًا ظنتته سرابًا خادع كلما إقتربت عليه إختفى وظهر بنقطة أبعد حتى خارت قواك من شـ.ـدة اللهاث خلفه،ويالها من سعادة عنـ.ـد.ما يهبط عليك غيث الله على هيئة خبرًا تشتاقه اشتياق العليل للترياق، هذا ما حدث مع تلك الأم المكلومة التي عاشت أعوامًا من الضياع وهي تري سنوات نجلها تمر هباءًا أمام عينيها دون أن ترى له ولدًا يحمل اسمه ويكون إمتدادًا لجذور عائلته العريقة،كانت تجلس بالمقعد الخلفي للسيارة تجاور تلك التي وضعها الله بطريق نجلها كي تشرق لهم شمس الحياة وتنثر نورها بكل مكانٍ داخل قصرهم العريق،تشـ.ـدد بمسكتها لقبضتيها ودmـ.ـو.ع السعادة تنهمر من مقلتيها ولم تنقطع منذ أن أكدت لهما الطبيبة خبر قدوم حفيدها الأول من ولدها الغالي،تنهدت إيثار وتحدثت وهي تشملها بنظراتٍ حنون:
-كفاية عـ.ـيا.ط أرجوكِ،حضرتك مبطلتيش عـ.ـيا.ط من ساعة ما الدكتورة أكدت لنا خبر الحمل
إكتفت بهزة من رأسها دون حديث،فأي حديثٍ يمكنه التعبير عن ما تشعر به من فرحة عارمة إجتاحت كل كيانها وتغلغلت،لم تجد أفضل من جذبها لتسكنها داخل أحضانها الحنون لتنطق بصوتٍ متقطع بفضل دmـ.ـو.ع الحنين:
-تعالي في حـ.ـضـ.ـني يا حبيبتي،تعالي في حـ.ـضـ.ـني يا وش الخير
نطقتها بشهقاتٍ متعالية قطعت بها نياط قلب الاخرى التي وضعت رأسها فوق كتفها لتمسح تلك الحنون على ظهرها بلمساتٍ كانت كبلسم لجـ.ـر.ح عمرها العميق،فمنذ نشأتها لم تشعر بعاطفة الأم ولا بحنانها،كثيرًا كانت ترى الفتيات يُغمرن من أمهاتهن دونها،طالما تمنت أن تتذوق طعم الحُضن وتشعر لذته،وكان الله بها رحيما حيث بعث لها بملاكها الحنون"عزة"تلك التي احتوت خوفها ووحشة أيامها وشملتها بحنانها،وها هي والدة زوجها الأن تقوم باحتوائها وتغمرها بحنانٍ فريدًا من نوعه،حنانًا بطعم الشُكر والعرفان،وكأن عصمت هي من تحتاجُ لإحتواء أحدهم وليس الأخرى،شـ.ـددت عصمت من ضمتها ومازالت دmـ.ـو.عها الحنون تنهمر على مقلتيها دون توقف،همست إيثار بنبرة حنون:
-هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب يا دكتورة
ابتعدت عصمت قليلاً لتحتوي وجنتيها بحنانٍ لتنطق بعينين تحمل الكثير من الحب والاحترام:
-إنتِ تؤمري، أي حاجة تعوزيها إن شالله يكون لبن العصفور هجيبهولك، بس قبل ما تقولي طلبك عاوزة أطلب منك أنا كمان طلب
هتفت دون تفكير:
-أنا تحت أمر حضرتك
ابتسمت من بين دmـ.ـو.عها لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ يسيل من بين حروفها حنانًا هائلاً:
-عوزاكِ تندهي لي بـ "ماما" زي ما لقبتي علام باشا بـ "بابا"
وتابعت سريعًا بتبرير:
-أنا عارفة إن ماما موجودة ربنا يبـ.ـارك في عمرها،ومكنتش حابة أطلب منك ده علشان مجبركيش على حاجة إنتِ مش حساها
رفعت كتفيها وبابتسامة حنون تابعت:
-بس حقيقي محتاجة اسمعها منك بعد كل الحب والسعادة اللي قدmتيه لإبني ولينا كلنا
إنتفض داخلها حبورًا وهزت رأسها بموافقة وهي تنطق بنبرة مرتبكة تأثرًا بحديث تلك الصادقة:
-حاضر، حاضر يا ماما
شقت إبتسامة حنون لتخرج من بين دmـ.ـو.عها ونطقت مستفهمة:
-الوقت جه دورك،يلا قولي اللي إنتِ عوزاه
نطقت وهي تتطلع عليها بنظراتٍ خجلة:
-أنا حابة أنا اللي أبلغ فؤاد بنفسي
واستطردت وعينيها هائمة بعشق رجلها الأول حيث بات حالها يتبدل كليًا حين يُذكر اسمه:
-نفسي أشوف فرحة عيونه وأنا ببلغه بالخبر
إبتسمت السيدة وتحدثت بموافقة:
-حقك طبعاً،أول ما نروح ونتغدا،خدي فؤاد واقعدوا شوية في الجنينة،وأنا هخلي عزة والبنات يطلعوا يجهزوا لكم الجناح لاحتفال صغير على قدكم
-متشكرة يا ماما،ربنا يخليكِ لينا...قالتها إيثار بمقلتين تكادا أن تدmعا من شـ.ـدة تأثرهما لتنطق من جديد:
-من حُسن حظنا إن فيه بيوتي سنتر هنا في نفس العمارة وإلا الحرس كانوا هيبلغوا فؤاد بخطواتنا وكنا إنكشفنا
أجابتها عصمت بهدوء:
-ما أنا علشان كده أصريت عليهم يفضلوا تحت العمارة وميطلعوش معانا
بعد مدة وصلتا لحديقة المنزل فترجلت كلا منهما تحت أعين الحرس المرافقين لهما وتحركت إيثار بجانب والدة زوجها التي سألت الحارس المسؤل عن أخذ السيارة ليصفها بالجراچ الخاص:
-البشوات جم يا عامر؟!
مال برأسه للأسفل ليجيبها باحترام:
-أيوا يا دكتورة،سعادة الباشا الكبير وصل من نص ساعة والباشا الصغير لسة داخل قبل منكم حالاً.
ما أن استمعت من الحارس عن عودة معشوقها حتى ارتجف جسدها وانتفض القلب ارتيابًا،لا تدري كيف سيستقبل هذا الخبر،تعلم أنه سيسعد لكنها مرتابة ومتشوقة لفرحة عينيه، تحركتا إلى الداخل وكل ذرة بجسد عصمت تنتفض فرحًا وتريد الصراخ لتعلن مهللة للعالم أجمع أن نجلها سيصبح أبًا،ولجتا من الباب الداخلي لتجدا فؤاد مازال بملابس عمله يقف بوسط البهو مُمسكًا بهاتفه ويتحدث إلى والده وشقيقته التي تجاور والدها الجلوس لينطق حين رأى كلتيهما مقبلتين عليه:
-حمدالله على السلامة،لسة رئيس الحرس مكلمني وبلغني إنكم وصلتم
واسترسل وهو ينظر لحبيبته بعينين متشوقة لرؤياها التي تسر قلبه وتبعث البهجة داخل نفسه:
-قولت أستناكِ نطلع مع بعض على ما الغدا يجهز
تسارعت دقات قلبها وهي تتطلع عليه،بعينيه حنان الدنيا بأكملها،تأسرها كلمـ.ـا.ته الحنون واهتمامه الشامل لها يزيد من غلاوته أضعافًا داخل قلبها العاشق،انتفض جسدها وهي ترى عصمت تقترب منه وتحاوط وجنتيه بكفيها الحنونتين تمسد بهما وبدون مقدmـ.ـا.ت تدفقت دmـ.ـو.ع الفرح من جديد لتشهق مما جعل الجميع يرتجف هلعًا عليها،حملق بها ليسألها وهو يحتوى كتفيها بـ.ـارتيابٍ وصل لحد الهلع:
-مالك يا ماما، فيكِ إيه يا حبيبتي؟!
وكأنها كانت تنتظر كلمـ.ـا.ته لتزيد شهقاتها مما جعل علام يهب من مجلسه ويهرول عليها هو وفريال،سألها علام باستغراب وهو يراها تحاوط صغيرها وتشملهُ بنظراتها ودmـ.ـو.عها تنهمر وكأنها شلالاتٍ:
-مالك يا عصمت،بتعيطي ليه يا حبيبتي،إيه اللي حصل؟!
إلتفتت إلى إيثار وجدتها تبكي تأثرًا باللحظة فتحدثت بأسفٍ وهي تميلُ برأسها كاعتذارٍ منها:
-أنا أسفة يا إيثار،مش هقدر أوفي بوعدي ليكِ
وضعت كفها على فمها تشهق لتهز رأسها بتفهم لموقفها وكأنها أعتطها التصريح للبوح بخبر الموسم،جن جنونه عنـ.ـد.ما طالع حبيبته ورأى دmـ.ـو.عها هي الأخرى ليصـ.ـر.خ وكأن صبره نفذ إلى هذا الحد وألف سيناريو وسيناريو بات يلوح بمخيلته رغم متابعته للحرس خطوة بخطوة منذ أن خرجتا من المنزل حتى عادتا سالمتين:
-هو فيه إيه،واحدة منكم تفهمني؟!
بدmـ.ـو.عٍ وتأثر نطقت وهي تتحسس ذقنه النابتة بلمساتٍ تحمل حنان الدنيا بأكملها:
-مبروك يا حبيبي،إيثار حامل
نطقتها بشهقاتٍ عالية ودmـ.ـو.عٍ غزيرة مع إبتسامـ.ـا.تٍ وفرحة غمرت عينيها،توليفة غريبة من المشاعر تجمعت لتخرج صادقة وتصل للجميع،تصنم جسدهُ ليضيق بين عينيه يحاول استيعاب الخبر الذي استقبلهُ بخليطٍ من المشاعر المتضاربة،حبورًا ليس له مثيل مغلفًا بالقلق العميق مع رجفة سرت بجميع جسده إحتار بتفسيرها ليستفيق على صرخة فريال التي قفزت كالأطفال مهللة:
-أااااه،إنتِ بتتكلمي جد يا ماما،يعني فؤاد أخويا هيبقى بابي؟
جذبت عصمت صغيرها المتيبس لتغمره بقوة وقد زادت شهقاتها وهي تنطق بصوتٍ متقطع:
-الحمدلله،مبروك يا حبيبي،مبروك
كان ينظر على حبيبته المتطلعة عليه بأعين دامعة وحنانًا بالغًا وصله ليشمل روحهُ ويجعلها هائمة،لحظة إِدْراك يحاول من خلالها استيعاب ما نطقت به والدته منذ القليل ليتفاجأ بوالدهُ الذي تهللت أساريرهُ وهو يهرول على غير عادته صوب من اتخذها كإبنة له ليحتضن كفها ضاغطًا عليه وبشعورًا لا يقل عن ما أصاب زوجته همس بنبرة والد حنون:
-مبروك يا أم حفيدي الغالي
أبتسمت لاجل سعادة ذاك الحنون لتجيبه بنبرة مملؤة بالحِنو والتقدير والإحترام لذاك الراقي:
-الله يبـ.ـارك فيك يا بابا،وربنا يبـ.ـارك لنا في حضرتك وتحضر ولادة البيبي وتجوزه بنفسك
أجابها بحبورٍ متأثرًا من كلمـ.ـا.تها التي طالما حلم بها وتمناها من رب العالمين:
-شـ.ـدي بس إنتِ حيلك وهاتيه وسيبي كل حاجة على بابا
واستطرد بعينين ممتنتين:
-شكرًا يا بنتي على إنك منحتيني أعيش اللحظة دي بعد ما كنت فقدت الأمل
هرولت فريال لتحتضنها وهي تقول بصوت لم تسعه الفرحة:
-مبروك يا إيثار، وأخيرًا فؤاد هيبقى أب
بادلتها العناق بقلبٍ يتراقص لسعادة الجميع التي تفاجأت بها، فمهما تخيلت ردة فعل الجميع لا يمكن أن يصل خيالها لما تراه الأن من حالة رائعة من المشاعر المختلفة،احتوى فؤاد وجنتي والدته وبات يجفف لها دmـ.ـو.عها وهو ينطق بصوتٍ متحشرج تأثرًا بالحالة:
-مبروك عليكِ يا حبيبتي وعقبال ما يتولد وتاخديه في حُضنك،وتربيه زي ما ربيتي أبوه وعمته
وتابع بدmعة فلتت من عينيه رغمًا عنه وهو يعتذر بعينيه قبل لسانه:
-أنا أسف يا ماما،عارف إني تعبتك كتير معايا،بس والله كان غـ.ـصـ.ـب عني
وبعينين متألمتين لحال والدته نطق بصوتٍ مرتجف:
-سامحيني
لم تتحمل كلمـ.ـا.ت نجلها الحبيب لتدخل بنوبة بكاءٍ يقطع نياط القلب وهي تتحدث متأثرة:
-إنسى كل اللي فات يا حبيبي وخلينا في فرحتنا
جفف دmـ.ـو.عه وترك والدته بعدmا وجد والده يقترب عليه ليجذبه ويسكنه أحضانه وإلى هُنا وسكت الكلام،ظلا كليهما يعانق الأخر ويربت فوق ظهره بقوة دون أن يتفوه أحدهما بحرفٍ،فكانت المشاعر أبلغ من أي كلام وأي حديثٍ يستطيع شرح ما يشعر به كلاهما من مشاعر،وأخيرًا إبتعد عنه ليهمس أمام عينيه بتفاخر:
-وعدت ووفيت يا سيادة المستشار،قولت الحفيد هيشرف قبل التسع شهور ما يعدوا وقد كان
واسترسل بأيحاء فهم مغزاه الأخر:
-أحب فيك إخلاصك وتفانيك في العمل
ابتسم ليهمس لأبيه منـ.ـد.مجًا مع تلميحاته:
-معاليك لسه مشوفتش حاجة من إنجازات إبنك،ده أنا هبهر سعادتك
-أرجوك...قالها علام برجاء ليطـ.ـلق كلاهما ضحكاتٍ مشاكسة،عانق شقيقته أيضًا ليتجه إلى تلك الواقفة تراقب عينيه بترقبٍ وتمعنٍ شـ.ـديد،وقف أمامها يتمعن بمقلتيها دون نطق حرفٍ وبدون سابق إنذار جذبها ليشملها بأحضانه وضمها بقوة كأنهُ يريد شق صدره ليخبأها داخلهُ ولا يراها سواه،مدت يداها تحاوط ظهره وتمسح عليه بلمساتٍ رقيقة ناعمة ولينة،أراح رأسهُ فوق كتفها ودفن وجههُ بجانب عنقها لتشعر بجسدهِ يهتز بقوة تعجبت لها،انتفض داخلها وهي تستمع لصوت أنينٍ خافت يصدر منه لتتيقن أنه يبكي،يا الله فحبيبها لأول مرة يبكي واختار أحضانها هي بالذات ليبكي داخلها ويُخرج مكنون صدره،مسحت بكفها فوق ظهره بلينٍ وباتت تحركه صعودًا وهبوطًا وهي تهمس له بصوتٍ يقطر منه حنانًا جعل جسده بالكامل يتخدر:
-مبروك يا فؤاد،متأكدة إنك هتبقى أعظم وأحن بابا في الدنيا كلها يا حبيبي
زادت شهقاته مع إهتزاز جسده مما جعل والديه وشقيقته يهرولون عليه للوقوف معه وهو يستقبل أهم خبر وأكثر اللحظات تأثرًا بحياته،حاوطته عصمت هو وزوجته بذراعيها وتعالت شهقاتها هي الأخرى تأثرًا وشاركتهم فريال لتتعالى أصوات دmـ.ـو.ع الجميع في صورة يبكي لها الحجر
وضع علام كف يده يتلمس بها رأس نجله لينطق بصوتٍ متأثرًا:
-إهدى يا فؤاد وحاول تتماسك علشان الشغالين
توقف عن البكاء وحاول جاهدًا التحكم بحالة التشتت التي اصابته فور تلقيه الخبر،أخذ نفسًا مطولاً قبل أن يبتعد قليلاً وبسرعة قام بتجفيف دmـ.ـو.عه وهو يشيح بوجههِ بعيدًا عنها ثم تطلع على عينيها وحاوط وجهها بكفيه لينطق بصوتٍ متحشرج بفضل البكاء:
-لو عيشت عمري كله أشكرك على هديتك ليا مش هيكفي
واسترسل بشفاهٍ مرتجفة:
-شعور واحد بس من اللي حسيته النهاردة أنا وأهلي محتاج عمر بحاله لتسديد الدين
ابتسمت وشعرت بروحها تتراقصُ فرحًا لا لشعورها بأنها صاحبة جميلٌ عليه حاشى لله،بل لشعور السعادة التي منحته للجميع وبالاخص فارسها الهمام،نطقت بصوتٍ متأثر:
-الدين أنا اللي هعيش عمري كله أسدده لـ ربنا سبحانه وتعالى وانا بسجد له في كل ركعة بصليها وأشكره على هديته ليا
تناست جميع مَن حولها وحاوطت وجنتيه بأناملها الرقيقة لتهمس بروائع الكلمـ.ـا.ت التي نزلت على قلبه كقطراتٍ من ندى الصباحِ فأنعشته ليزدهر:
- إنتَ أقيم وأعظم هدايا حياتي يا فؤاد
تهلّلت أساريره وشعر بانتعاشة روحه ليفيق على كلمـ.ـا.ت شقيقته المشاكسة التي وجهتها لوالديها:
-طب يا جماعة أنا شايفة إننا ننسحب لأن شكلنا بقى وحش قوي
تعالت ضحكاتهم لينتفض جسده وكأنه استفاق من وقوع الخبر عليه ليهتف وهو يتفحصها بعناية وتلهف:
-تعالي يا حبيبي إرتاحي
سحبها إلى الأريكة وأجلسها عليها ليهرول بجذب الوسادة الصغيرة ويضعها بمقدmة الأريكة لتريح ظهرها عليها ليرفع هو ساقيها ويمددها بطول الأريكة تحت خجلها من علام الذي شعر بهذا وحول بصره ليجلس بعيدًا يشكر ربه في سريرته،سألتها عصمت بنبرة حنون واهتمام:
-مرتاحة كده؟
هزت رأسها بذهولٍ وسعادة هائلة شملت روحها جراء الإهتمام المبالغ التي تتلقاه على أيادي أفراد عائلة زوجها الحنون،فشتان بين هذه العائلة الراقية وبين عائلة نصر البنهاوي،تحدثت عصمت وهي تتأهب للتحرك للداخل:
-هخليهم يجهزوا لنا الغدا حالاً
واسترسلت تسألها بحُبٍ ظهر بَين بعينيها:
-نفسك رايحة لحاجة يا حبيبتي اخليهم يجهزوها لك؟!
أجابتها باقتضاب:
-لا يا ماما،أي حاجة موجودة هاكلها
لتسألها الاخرى باهتمامٍ بالغ:
-طب لو حسيتي نفسك في أكله معينة أو فاكهة بلغيني على طول وأنا بنفسي هعملها لك بإيديا
رفع فؤاد أحد حاجبيه لينطق مشاكسًا والدته:
-يا سيدي على الدلع اللي عمرنا ما شفنا حتى ربعه
لكزته في ذراعه بخفة لتقول قبل أن تنصرف:
-كان حد فيكم جاب لي حفيد قبل كده علشان ادلعه زيها؟!
هتفت فريال معترضة بملاطفة:
-قصدك إيه يا ست ماما،يعني أنا مجبتلكيش أحفاد قبل كده؟
لتتابع وهي تنظر إلى فؤاد باعتراضٍ مصطنع:
-ولا علشان ده حفيدك من إبنك المدلل والقريب لقلبك
-بالظبط كده...قالتها نكاية في صغيرتها ثم انصرفت إلى المطبخ لتهتف الأخرى تشتكي لوالدها تحت ضحكات الجميع:
-سامع كلام الدكتورة يا سيادة المستشار
رفع كفاه لينطق بمداعبة:
-خرجيني من مشاكلك إنتِ والدكتورة،مفيش راجـ.ـل عاقل يدخل نفسه بين إتنين ستات
مطت شفتيها باعتراض وتذمرٍ مصطنع،ثم تحركت وجلبت غطاءًا لتناوله لشقيقها الذي غمر جسد حبيبته ثم جلس على ركبتيه أرضًا ليسألها بلهفة ظهرت برجفة صوته الحنون:
-إنتِ كويسة،فيه حاجة بتو.جـ.ـعك؟
هزت رأسها يمينًا ويسارًا قبل أن تنطق بمشاكسة في محاولة منها لإخراجه من دوامة تلك المشاعر المختلطة التي سيطرت عليه:
-أنا كويسة يا حبيبي،بس عاوزة أنام
لبرهة ضيق عينيه قبل أن يفتحهما مشـ.ـدوهًا بعدmا فهم المغزي لينطق بأسفٍ لائمًا حاله:
-أنا أسف يا حبيبي،إزاي مخدتش بالي من حاجة زي كده؟!
تبسمت لتلمس وجنته بنعومة وهي تقول للتخفيف عنه:
-أنا نفسي مكنتش فاهمة إن النوم الكتير ده وراه تشريف ولي العهد،قولت أكيد من اللي حصلي في الفترة الاخيرة والسفر وتغيير الجو والاكل
إبتسامة سعيدة لاحت فوق ثغره لينظر لبطنها "مكوث صغيره" بكمٍ من الحنان لا يوصف،أمسكت كفه تحثه على النهوض من جلوسه على الأرض وهي تقول بنبرة تشبه حنان الام:
-قوم يا حبيبي علشان رجليك متو.جـ.ـعكش
همس بنبرة رجلاً عاشقًا حتى النخاع:
-فداكِ تعبي وكل عمري يا عمرى،ثم أنا مرتاح طول ما أنا جنبك،تعبي الحقيقي في بُعدك عن حُضني يا إيثار
واسترسل بعشقٍ جارف:
-إوعي تبعديني عن حـ.ـضـ.ـنك مهما حصل
تبسمت له وكادت أن تجيبه لكنها توقفت حين استمعت لصياح صغيرها الذي نطق باسمها وهو يهبط مهرولاً من فوق الدرج تجاوره عزة التي تحاول اللحاق به بعدmا أفلت كفه منها،حيث حضر من المدرسة منذ قليل لتأخذه للأعلى وقامت بتحميمه وتغيير ثيابه بأخرى بيتية نظيفة:
-مامي
شعرت بروحها ترفرفُ فرحًا لرؤية من تبتهجُ النفس ويرق القلب له لينطق فؤاد وهو يُشير له بحرصٍ وقلبٍ يرتجف رعـ.ـبًا لأجله:
-إنزل براحتك لتقع يا حبيبي
واسترسل منبهًا:
-إمسكيه كويس يا عزة
هتفت تلك التي تهرول باتجاه الصغير حتى تمسكت بكفه الرقيق:
-تعالى هنا يا مغلبني،كده تفلت من إيدي
كان يجذبها للأسفل وهو يقول:
-سبيني يا عزة، إنتِ تخينة وبتنزلي في وقت كتير وأنا عاوز أروح لمامي
ضحك الجميع على ذاك المشاكس الصغير لينطق علام لائمًا له:
-ينفع نقول لواحدة ست إنتِ تخينة يا چو؟!
اجابه وهو يهبط عبر الدرج:
-لا يا جدو مش ينفع
سأله بشكلٍ تربوي:
-لما بنغلط في حد بنقول له إيه يا چو؟
نظر الصغير إلى عزة ليقول بابتسامة عـ.ـذ.بة وعينين بريئة تدخل على النفس تُبهجها:
-سوري يا عزة
-ولا يهمك يا نين عين عزة...قالتها لتنظر بهلعٍ على تلك المتمددة على الاريكة ويوضع خلف ظهرها وسادة لتهتف مستفسرة بصوتٍ قلق وهي تهرول باتجاهها:
-مالك يا إيثار؟
هرول الصغير ليرتمي بأحضان غاليته بعدmا وقف فؤاد ليفسح له الطريق لتهتف عزة بحدة وشراسة ظهرت بعينيها:
-إوعي يكون اللي مايتسمى عمل لك حاجة تاني؟!
-عزة...قالها فؤاد بنظراتٍ تحذيرية وهو يعلمها بوجود الصغير،ليتابع بابتسامة أظهرت طيران روحه وهيامها:
-مبروك، هتبقي تيتا
اتسعت عينيها بذهولٍ ممتزجًا بالسعادة قبل أن تهلل فرحًا:
-حامل
واقتربت تحتضنها بحفاوة:
-إنتِ حامل بجد يا إيثار؟
ابتسمت لتهز رأسها تطمأنها،حولت بصرها تتطلع على ذاك الواقف يضع كفيه بجيبي بنطاله لتنطق وهي تغمز له:
-عيني عليك بـ.ـاردة يا سيادة المستشار، الله أكبر
ابتسم بزهوٍ ليداعبها بكلمـ.ـا.ته المشاكسة:
-إحنا فينا من القر ولا إيه يا عزة؟
ضيقت عينيها لتقول بنبرة صادقة:
-العين متحسدش حبايبها يا باشا، وإنتَ جوز الحبيبة الغالية
-حبيبتي يا عزة،ربنا يخليكِ ليا...قالتها تلك المتسطحة بنبرة حنون
اما فؤاد فأجابها وهو يرفع رأسهُ بزهوٍ مصطنع أراد به مشاكستها التي بات يتقبلها مؤخرًا بل ويعتادُ عليها من تلك الطيبة:
-حتى لو هتحسدي،أنا الحسد مبيقصرش فيا
همست بصوتٍ لا يسمعه سواها:
-شوفي يختي الراجـ.ـل وهو واقف منفوخ هيفرقع من الغرور زي الديك الرومي
انتشلها صوت علام الذي تحدث بنبرة توحي لشـ.ـدة سعادته:
-بمناسبة الخبر السعيد ده أنا محضر لك مفاجأة يا عزة
هتفت تسألهُ بسعادة:
-خير يا سعادة الباشا؟
أجابها بهدوءٍ:
-إن شاء الله هطلعك تحجي السنة دي، بس متنسيش تدعي لنا وإنتَ واقفة على جبل عرفات
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها لتنطق بعدm تصديق:
-بتتكلم بجد يا باشا
-عزة...قالها فؤاد لتنتبه لحديثها مع والده الذي نطق بكل تواضع مقدرًا فرحة تلك المرأة البسيطة:
-طبعاً بتكلم جد يا عزة،هو موضوع زي ده ينفع فيه هزار؟!
هتفت بسعادة وصوت حماسي اظهر تحمسها واشتياقها لقضاء تلك الفريضة العظيمة التي طالما تمنتها وطلبتها من الله عز وجل:
-متأخذنيش يا باشا،من فرحتي معرفتش نفسي بقول إيه
إعتدلت إيثار لتمسك بكف تلك الحنون لينطق علام بطريقة راقية:
-ولا يهمك يا عزة،وألف مبروك
هتفت بفرحة:
-يبـ.ـارك لنا في عمر جنابك
ابتسم لها فؤاد لينطق بابتسامة سعيدة لأجلها:
-مبروك يا عزة،يا بخت اللي يرضى عنه علام باشا
ردت عليه بمشاكسة:
-عقبال ما ترضى عني إنتَ كمان يا سيادة المستشار وتغير معاملة مرات الأب اللي بتعاملها لي دي
-كل ده ومش راضي عنك يا مفترية...قالها مستغربًا لتضحك وهي تجيبه:
-بحب أناغشك يا باشا،ده أنتَ جوز الغالية
ابتسم برضا لتنطق إيثار بسعادة لأجلها:
-مبروك ياعزة
نطقت بسعادة وصوت حماسي:
-الله يبـ.ـارك فيكِ يا نور عيني،ربنا يطمني عليكِ وتكملي شهور حملك على خير وتقومي لنا بالسلامة إنتِ والنونو
سألها يوسف باستغراب:
-مامي،إنتِ هتجيبي بيبي؟
رفعه فؤاد ليجلس بجوار حبيبته ويضعه فوق ساقيه قائلاً:
-مامي هتجيب لنا بيبي جميل زي چو،يبقى أخوك أو أختك حبيبتك
هتف مهللاً بحماس:
-أنا عاوز يبقى عندي أخت،تبقى شبه بيسان ويبقى اسمها بيسان
لوى فاهه لينطق بصوتٍ خافت:
-ده الباشا طلع عاشق ولهان وإحنا مش واخدين بالنا
لكزته إيثار بكتفه لتضحك،أقبلت عليهم عصمت لتقول بنبرة حماسية:
-الغدا جاهز
لتسأل إيثار:
-تحبي أجيب لك الغدا هنا يا حبيبتي؟
اشارت بكف يدها لتنطق بامتنان:
-لا يا ماما تسلمي،انا هقوم أكل معاكم علشان يوسف وفؤاد يعرفوا ياكلوا
تحدث بنبرة قلقة بشأنها ترجع لعدm خبرته بتلك الأمور:
-حبيبي خليكِ مرتاحة وأنا وچو هناكل معاكِ هنا علشان متتعبيش والبيبي يتأذى
-أنا كويسة يا فؤاد متقلقش...قالتها بابتسامة هادئة لتنطق عزة بمرح:
-هيتأذى إيه بس يا باشا كفانا الشر،ده الله أكبر عليه طالع وحش لأبوه
واسترسلت وهي تعد على أصابع يدها:
-لا الخـ.ـطـ.ـف ولا السفر بالطيارة والعوم زحزحوه من مكانه
شهقت عصمت لتنطق سريعًا بانزعاج ظهر فوق ملامحها يرجع لاشتياقها الجارف واحتياجها القوي لقدوم ذاك الحفيد:
-الله اكبر يا عزة،سمي وكبري يا حبيبتي
ابتسمت لتجيبها بتلقائية:
-كبرت والله وسمـ.ـيـ.ـت يا هانم،متخافيش على إيثار مني،لسة كنت بقول لفؤاد باشا، عين الحبيب مبتحسدش
واسترسلت صادقة:
-أنا بس حبيت أطمن الباشا على الباشا الصغير
نطق فؤاد بهدوء كي يهدئ من إنزعاج والدته:
-حصل يا عزة
تركتهم وولجت إلى المطبخ لتساعد العاملات،أقبلت فريال تصطحب صغيرتها التي هللت حين رأت يوسف وجرت عليه:
-چو،إنتَ جيت من المدرسة إمتى؟!
وقف يستقبلها وتحدث كشخصٍ كبيرًا عاقل:
-وصلت من شوية،طلعت أخدت شاور ولسه نازل
أشار علام للصغيرين ليلحقاه إلى غرفة الطعام
وقفت إيثار وسندها ذاك الحبيب لتسرع فريال وتساندها من الجهة الاخرى لتنطق إيثار باستغراب:
-إيه يا جماعة اللي بتعملوه معايا ده،أنا حامل على فكرة مش عاملة عملية جراحية!
نطقت فريال بملاطفة وهي تحسها على الحركة للأمام:
-إسمعي الكلام ونفذيه بدل ما تاخدي مخالفة جماعية
************
كان يجلس داخل الحديقة ينفث دخان سيجارته بشراهة علها تنفس عن غضبه الكامن بصدره المشتعل،لمح والدته تخرج من باب المنزل الداخلي تتحرك بزهوٍ وكأن الكون ملكًا لها، اقبلت على ذاك الغاضب لتنطق وهي تجلس بالمقعد المقابل له:
-مالك يا عمرو،ودانك على شوية وهتطلع دخان ليه يا حبيبي
استشاط داخله فقد ترك الحبس منذ عدة أيام وحضر لمنزله ليفرض عليه والده الإقامة الجبرية ويخبر الغَفر بمنعه من الخروج تحت أي ظروف ليسيطر على جنون ذاك الأرعن وتصرفاته الهوجاء حيث أنه ما ترك كارثة إلا وفعلها،صاح بحدة وغضب أظهرا كم استيائه:
-والمفروض إني أبقى مبسوط بحبستي دي؟!
واسترسل بسخطٍ ناقمًا على أفعال والده:
-بابا حابسني زي العيال الصغيرة،مش قادر يفهم إني راجـ.ـل معدي التلاتين وعندي عيل طولي
هتفت من بين أسنانها بمجرد ذكره للصغير فمنذ ذاك اليوم التي تلقت فيه ذلك الخبر المشؤم وعقلها رافض تقبل الفكرة واستيعابها:
-ياريتك كنت عملت حساب العيل اللي بتقول عليه طولك مكناش وصلنا للي إحنا فيه يا عمرو بيه
واسترسلت لائمة بحدة:
-هو أنتَ يا ابني مش حاسس بالمصيبة اللي إنتَ عملتها،إنتَ وصلت نفسك بغبائك ووصلتنا بإنك تتنازل عن ابنك للجربوعة بنت منيرة
-طب خليني اخرج وانا ارجعه...قالها بنظراتٍ مستعطفة لتهتف بحدة:
-قصدك علشان تروح تجيب لنا مصيبة جديدة
تحدث بحدة وألم ظهر بعينيه:
-أبويا كل اللي يهمه الإنتخابات وبس، إنما ابني ولا في دmاغه أصلاً
واسترسل ملقيًا باللوم على والده بالكامل:
-قهرني وقلل مني قدام إبن الـ
قام بسب فؤاد ليتابع بشزرٍ ظهر بعينيه:
-وخلاني اتنازلت عن ابني أول ما هدده بالكرسي بتاعه
نظرت أمامها وتحدثت بشراسة ظهرت بصوتها:
-وحياتك قهرتك وذُلك لدفعهولك التمن في أغلى حاجة عنده
واسترسلت بذات مغزى من بين أسنانها:
-وأقهره على اللي باع الغالي والرخيص علشان يفضل محافظ عليه
قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-قصدك وكيل النيابة؟!
نظرت أمامها بشرود لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ مبهمة:
-ما تحطش في بالك، أنا بس عوزاك تهدى وتكن لحد ما اليومين دول يعدوا على خير،وبعدها وحياتك عندي لارجع لك يوسف جوه حـ.ـضـ.ـنك
بلهفة سألها كطفلٍ متعلقًا بدmيتهِ المفضلة:
-وإيثار؟!
-قطيعة تقطع إيثار واللي جايبينها...قالتها بغضبٍ عارم ليستشيط غضبه لتتابع هي بسخطٍ:
-كفاية اللي حصل لك من وراها، دي بت شؤم بنت....
قامت بسبها بلفظٍ نابي تحت غضب ذاك المدلل لتنتبه لولوج أكثر الأشخاص صارت تبغضهم بعدmا كانت تعشق حتى أنفاسه وهي فتاة،أقبل عليهما وهو يهمس لحاله بعدmا لمحها ترمقهُ بحدة ويسبها بسريرته وما أن اقترب منهما حتى انتفضت واقفة كالتي لدغها عقرب وتركت المكان بأكمله ليهتف بصوتٍ عالي كي يسمعها:
-هما إذا حضرت الشياطين ذهبت ستهم ولا إيه؟
لم تعير لحديثه اهتمام وتحركت بطريقها للداخل خشيةً من ان تفقد أعصابها وتوازنها التي تجاهد في ثباته وتطبق على عنقه ولا تتركه إلا بعد لفظه لأنفاسه الأخيرة،تطلع إلى نجله ليسأله مشفقًا على حاله فقد ترك ذقنه النابتة وما عاد يهتم بأناقته كالسابق حـ.ـز.نًا واعتراضًا منه على إجبـ.ـاره للإقامة بالمنزل رُغمًا عنه،نطق وهو يجلس مجاورًا له:
-وبعدين معاك يا عمرو،هتفضل قاعد تندب حظك كده كتير زي الولايا
فضل الصمت ليتابع هو بنبرة حادة:
-قوم يا ابني احلق دقنك دي واقعد مع مراتك وفرفش نفسك معاها،خلي الايام تفوت لحد ما الانتخابات تعدي وبعدها إبقى اطلع واعمل ما بدالك
هب واقفًا ليسأله باستغراب:
-على فين يالاَ؟!
تطلع عليه قبل ان ينطق بسخرية:
-رايح انفذ كلامك بالحرف يا سيادة النايب
تحرك صوب الداخل ليهتف هو بغلٍ:
-إبقى قابلني لو نفعت في حاجة يا دلوع ستهم
ليسترسل هامسًا:
-داهية تاخدكم بيت هم كلكم
ليلاً
ولج لداخل شقته ليجد صوت اغاني شعبية يصدح من داخل غرفة نومه، زفر بقوة وتحرك صوبها ليفتح الباب ويتفاجأ بتلك الوقحة التي ترتدي ملابس مثيرة وتتراقص بتمايل حين تأكدت من صعوده ،تطلع عليها بتمعن لتتحرك إليه حين وجدت عينيه تمشط جسدها برغبة،نطقت وهي تجذبه ليشاركها رقصتها:
-تعالى ارقص معايا زي زمان
واسترسلت تذكره بماضيها القذر معه:
-نسيت أيام ما كنت بجي لك المزرعة ونرقص سوا
تنهد بضيق لذكرها أبشع ماضي يبغضه ويذكره بما خسره مقابل تلك النزوة الرخيصة التي أنهت على زواجه حيث كان يحيا من اجله، ومع ذلك لم يستطع الإبتعاد عنها ويرجع هذا لاحتياجه لها كأنثى ولحجز أبيه له في المنزل حيث لا ساقطات من اللولتي يغضب الله معهن،حركته غريزته الحـ.ـيو.انية ليجذبها ويلقيها فوق الفراش وينضم إليها ليسعد داخل تلك الحية الرقطاء لاكتمال أركان ختطها الشيطانية دون اللجوء لوضع حبوبًا منومة وخداعه.
************
داخل الجناح الخاص بفؤاد علام،صعدا لجناحيهما بعدmا اجتمع علام بالجميع وقاموا بأداء صلاة العشاء جماعة،لينتهوا ويقومون بالدعاء والذكر شكر وعرفانًا إلى الله سبحانه وتعالى حيث شملهم بكرمه الواسع وبعث لهم تلك الهدية الرائعة ليبث بقلوبهم جميعًا السعادة
كان يستند على خلفية التخت مشـ.ـددًا على حبيبته داخل أحضانه، يمسد على شعرها بحنان والسعادة تجعل من روحه هائمة بالسماء،همست تسأله بصوتٍ ناعس:
-مبسوط يا حبيبي؟
أجابها بنبرة هائمة توحي لشـ.ـدة حبوره:
-حاسس إني هطير من السعادة
حرك كفه ليصل إلى بطنها وبات يتحسسها بشعورٍ رهيب يحضرهُ للمرة الأولى لينطق بصوتٍ غاية في التأثر:
-معقولة فيه جواكِ حتة مني،كل يوم هتكبر لحد ما يبقى بيبي ويخرج للدنيا علشان ينور لي حياتي
إعتدل بوجهه ليتمعن بعينيها متابعًا:
-نورتي دنيتي بحبك يا إيثار،والنهاردة غيرتي حياة أهلي كلهم
ابتسمت لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ حنون:
-ربنا يقدرني وأقدر أسعدك يا حبيبي
مسد على وجهها لينطق بابتسامة حنون:
-وجودك في حياتي ده أكبر سعادة بالنسبة لي
أردات مداعبة حبيبها لتسأله بمشاكسة:
-زعلان مني؟
-منك إنتِ؟!...نطقها باستغراب ليتابع بنبرة تفيضُ عشقًا:
-عمري ما اقدر ازعل منك يا حبيبي،وبعدين تفتكري ممكن أزعل منك في يوم زي ده
ابتسمت بدلالٍ ليسألها بعدmا لمح شقاوة أنثى تحوم بعينيها:
-تقصدي إيه بسؤالك يا محتالة؟
مطت شفتيها لتنطق بمراوغة:
-البدلة السودة اللي هتتركن تسع شهور
نطقتها لتخبئ وجهها بيديها ليضحك مقهقهًا قبل أن ينطق بوقاحة:
-وتفتكري إني هسمح لك بده
كشفت عن وجهها تتمعن بملامحه باستغراب ليتابع بمداعبة:
-إبني راجـ.ـل قوي وهيتحمل رخامة أبوه ومزاجه العالي
واستطرد ضاحكًا:
-وعلى رأي عزة، لا خـ.ـطـ.ـف ولا سفر قدروا يحركوه من مكانه،مش هتيجي على رقصة أبوه الغلبان ويعترض يعني
قهقهت بانتشاء ليتابع هو بغمزة وابتسامة جذابة:
-الإسبوع ده بس هسمح للباشا يرتاح وبعدها نستكمل فقرات مهرجان الرقص الشرقي اللي بدأناه سوا
سألته مستفهمة:
-ليه بتتكلم عنه وكأنك متأكد إنه ولد
مط شفتيه لينطق بلامبالاة:
-مش شرط، بالعكس أنا نفسي قوي في بنوتة
ليسترسل بعينين متشوقتين بقوة:
-تبقى حبيبة بابا وبنت عمره كله،ادلعها وأحطها جوة قلبي وأقفل عليها
احتدت ملامحها وتحولت لشرسة لتنطق بحدة وغيرة ظهرت بعينيها:
-أنا بس اللي حبيبتك وبنت عمرك
انتبه لتلك الشرسة لينطق وهو يحتضن وجهها بنعومة ليحدثها بصيغة المذكر بدلالٍ كطفلته:
-إنتَ حبيبي الأول يا بابا،ومهما سكن القلب بعدك من أحبه محدش يقدر يقرب من مكانك أبدًا
تنهدت بسعادة لتلقي برأسها على صدره بـ.ـارتياح وكعادتها مؤخرًا غفت وهو يتحدث معها ليبتسم ويعدل من وضعيتها ليمدد جسدها ويقوم بوضع رأسها فوق الوسادة بعناية ثم جاورها الفراش محتضنًا إياها بسعادة هائلة حتى غفى بين أحضانها وغاص في سباتٍ عميق
************
بعد مرور يومين،في تمام الساعة السادسة صباحًا،ظهر ضوء الصباح ليعلن عن ميلاد يومٍ جديد ملئ بالأمل والتفاؤل عند البعض ومرعـ.ـب للبعض الأخر
داخل منزل نصر البنهاوي
مازال الجميع غارقون بنومهم،انتفض نصر وجلس يتلفت من حوله عنـ.ـد.ما استمع لطرقات متتالية فوق الباب بشكلٍ عنيف يوحي بحدوث كارثة،خرج نصر من غرفة نومٍ مجاورة لغرفته الأساسية التي احتلتها تلك المتجبرة منذ ذاك اليوم،خرجت هي الاخرى لتسأله في ريبة:
-مين الحمار اللي بيخبط علينا من النجمة بالشكل ده؟!
-مش عارف،ده صوت حسنين الغفير ... نطقها نصر لتتعالي الطرقات والاصوات المنادية بصياحٍ«إلحقنا يا سيادة النايب»
نزل طلعت الدرج مهرولاً تلاه حسين الذي تسائل بفزعٍ:
-فيه إيه يا أبا؟!
أسرع نصر إلى الباب وقام بفتحه ليجد الغفير المسؤل عن حراسة منزله يجاوره حارس المزرعة التابعة لنصر البنهاوي "حسنين"يصـ.ـر.خ والهلع يملؤ ملامحه:
-إلحقنا يا سيادة النايب
سأله والسخط يقفز من بين عينيه وقد أوشك على الفتك به:
- في إيه يا طور منك ليه؟!
صرخ الرجل قائلاً برُعبٍ:
-لقينا قتيلة جنب سور المزرعة بتاعت جنابك والدنيا هناك مقلوبة.
↚
اتسعت أعين نصر بذهولٍ لما استمع إليه من حارس المزرعة ليصيح بهلعٍ وهو يوبخ الرجل:
-يومك مش باين له ملامح، إيه اللي بتقوله ده يا غراب البين على الصُبح؟
هتفت إجلال بصوتٍ حاد أرعـ.ـب الرجل وهي تسأله بحدة:
-مين القتيلة دي يا واد؟!حد من البلد؟
اجابها الرجل بصوتٍ لاهث وصدmة بعينية:
-مش هتصدقي يا ست الناس،القتيلة تبقى نسرين مرات الواد عزيز إبن غانم الجوهري
شهقت جميع نسوة المنزل اللواتي نزلن خلف أزواجهن عنـ.ـد.ما استمعن للطرقات العالية لتضع سُمية كف يدها على فمها وهي تهمس إلى ياسمين بذهول:
-يا نهار إسود،نسرين إتقـ.ـتـ.ـلت!
تطلعت عليها ياسمين والرُعب ملئ عينيها لينتشلها صوت نصر الغاضب:
-ودي أنهي مصيبة حدفتها ناحية مزرعتي،يعني من بين أطيان البلد ومزارعها مختارتش تتنيل إلا جنب مزرعتي
هتف الرجل ليعلم سيده:
-غير هدومك وتعالى بسرعة يا حاج، الدنيا مقلوبة هناك وزمان الحكومة وصلت
قطب نصر جبينه وقبل أن يطرح سؤاله أجاب عليه الأخر ليسترسل بإبانة:
-أصل الحاج سعد أبو حمدان كان معدي بعربيته رايح يشق على أرضه،قوم لما لقى الناس ملمومة نزل يشوف فيه إيه،ولما شاف القتيلة إتصل بظابط المركز وبلغه،وزمانه على وصول
استدار نصر وهتف وهو يهرول للداخل كي يرتدي ثيابه:
-أنا قلبي كان حاسس إن الإنتخابات دي مهتعديش على خير
واستطرد وهو يوجه أنجاله الثلاث:
-غيروا هدومكم وتعالوا معايا نشوف المصيبة دي كمان
رفعت إجلال حاجبها لتنطق بما لاح بمخيلتها:
-يكونش الواد عزيز شاف عليها حاجة كدة ولا كدة وقـ.ـتـ.ـلها وتاوا جتتها عند المزرعة علشان يبعد عنه الشبهة
لتسترسل بافتراء وتشكيك بسمعة إمرأة سارت في ذمة الله دون الخشوع لحرمة المـ.ـو.ت:
-البت دي أصلها غريبة كده ومش سالكة
هتفت سُمية باندفاع:
-تسلم دmاغك يا ستهم
واسترسلت وهي تدق بقبضة يدها على باطن كفها الأخر:
-هو أكيد ده اللي حصل
نظر لها طلعت لينطق مشككًا:
- وهو عزيز هيسيب البلد كلها وييجي يقـ.ـتـ.ـلها جنب المزرعة بتاعتنا ليه؟!
-إنتوا لسه هتحكوا وتحققوا في اللي قـ.ـتـ.ـل واللي اتقـ.ـتـ.ـل،ملعو.... أبوهم الإتنين؟!...نطقها نصر وهو يرمق ذكوره الثلاث ليسترسل ساخطًا وهو يرمقهم بحدة:
-إنجر منك ليه على فوق وخمس دقايق تبقوا قدامي هنا
رمقت زوجها بنظراتٍ كارهة وانتظرت حتى خرج الرجـ.ـال من المنزل لتلج إلى غرفتها وتقوم بغلق بابها وتسرع على الهاتف الجوال وتلتقطة،ضغطت على زر الاتصال وانتظرت إجابة ذاك الأبله الذي مازال غافيًا بتخته،زفر بضيقٍ وسب المتصل بلفظ نابي قبل أن يسحب الهاتف الذي ما أن نظر بشاشته حتى انتفض جالسًا ليهتف سريعًا بعدm تصديق ولهفة ظهرت بحرف كلمـ.ـا.ته:
-ست الستات بتتصل بيا بنفسها،أنا مش مصدق نفسي يا ولاد
هتفت بعينين تطلقان سهامًا نارية تنم عن مدى اشتعال قلبها من غدر من فضلته على الجميع ورفعته لمكانة لم يكن بيومًا يحلم بها وما كان منه سوى مقابلة المعروف بالنكران :
-بطل رغي يا هارون وقول لي عملت إيه في الموضوع اللي كلفتك بيه؟
تذكر عنـ.ـد.ما هاتفته منذ يومين ليأتي لها بعنوان شقة بالقاهرة مسجلة باسم زوجها،فقد عمتها الغيرة وأرادت أن تستعلم عن المكان الذي اشتراه بمالها وأفضال والدها وعائلتها عليه ليأتي بإحداهُن كي يتنعم بداخل أحضانها وتتنعمُ هي بمالها،أرادت أن ترى من هي تلك الحقيرة التي استطاعت إغوائه و.جـ.ـعلت منه خائن لعهد من منحته كل شئ وصل إليه مقابل الولاء،أرادت أيضًا أن تنتقم منها أشـ.ـد انتقام لتجعلها عبرة لمن تقترب على رجلها،نطق هارون بـ.ـارتباك:
-مهو، أصل
بلهجة غاضبة صاحت هادرة:
-إنتَ لسه هتمأمأ لي،قول لي لقيت الشقة اللي باسم نصر ولا لسه؟
نطق سريعًا يعلمها بخطوات سيره كي يُهدأ من حدة غضبها الثائر:
-هلاقيها،أنا مش ساكت يا ستهم، بعت محامي يدعبس لي عند موظف في الشهر العقاري بس لسه الراجـ.ـل ملقاش حاجة، الصبر
واسترسل مستفسرًا بجبينٍ مقطب:
-بس لو أعرف إيه اللي في دmاغك وترسيني على الحوار
واستطرد بدهاء:
-هو أنتِ شاكة إن نصر يعرف عليكِ واحدة يا ستهم؟!
-إنتَ هتخيب وهتنسى روحك ولا إيه يا هارون...قالتها بحدة لتسترسل بنبرة تحذيرية:
-متخلنيش أغضب عليك واسحب وعدي اللي ادتهولك وأشوف حد تاني غيرك ياخد كرسي المجلس
ارتبك لينطق متلبكًا:
-إهدي يا ستهم واديني يومين بس، وكل اللي عوزاه هيكون عندك
فُتح الباب لتظهر من فتحته أزهار التي كانت تعد طعام الفطار هي وزوجات أنجالها لتتحدث إليه بهدوء:
-يلا يا هارون علشان تفطر
هز رأسه ليتفاجأ بتلك الـ إجلال تغلق الهاتف دون أن تعيره أي إهتمام ليرمق هو زوجته قائلاً بعدmا ألقى بالهاتف بعنف فوق الفراش:
-روحي وأنا جاي وراكِ
********
أما داخل منزل غانم الجوهري،كانت تجلس أمام أحد أفران الغاز تصنع الخبز لعائلتها تجاورها نوارة التي تساعدها ومازال جميع أفراد المنزل نائمون،استمعتا لطرقات شـ.ـديدة فوق الباب لتهتف منيرة بصوتٍ مرتجف:
-يا ستار يارب،مين اللي بيخبط علينا كده من النجمة،دي الشمس لسه مطلعتش
هتفت نوارة وهي تهرول باتجاه الباب:
-هروح أشوف مين،إستر يا ستار
وصلت إلى الباب وتعجبت حين رأت ذاك الترباس مفتوح،لتهز كتفيها بلامبالاة ثم فتحت الباب لتجد إمرأة جارة لهم تهتف والفزع يظهر على وجهها المذهول وجميع المارة ينظرون عليها ويهرولون في إتجاهٍ واحد:
-إلحقي يا نوارة،البلد مقلوبة وبيقولوا لاقوا نسرين مقـ.ـتـ.ـو.لة عند المزرعة بتاعت الحاج نصر البنهاوي
قطبت جبينها لتسألها بعدm استيعاب:
-نسرين مين يا أم خالد؟!
-نسرين سلفتك يا بت...قالتها المرأة لتنطق الأخرى بنفيٍ قاطع:
-نسرين مين يا ولية يا مخرفة إنتِ، نسرين نايمة فوق في شقتها
أكدت المرأة بحديثها الذي أخبرها به زوجها وطلب منها إخبـ.ـار جيرانهم:
-وأنا يختي هكذب عليكِ ليه،ده جوزي بنفسه اللي شافها واتعرف عليها، كان رايح هو والأنفار يرووا أرض الحاج سعد ابو حمدان ولقوها متكومة جنب سور المزرعة ولما عدلوها لقيوها مضروبة بسكينة في بطنها كذا مرة وسايحة في دmها، وجوزي عرفها على طول
هرولت نوارة لتخبر والدة زوجها و صعدت لتخبر زوجها فهرول يطرق الباب على شقيقه الذي تحدث بذهول بعدmا سأله عن زوجته:
-نسرين مش موجودة، مع إنها نايمة قبل مني بالليل؟!
ابتلع وجدي لعابه وتحدث وهو يضع كفه على كتف شقيقه كنوعٍ من المؤازرة:
-غير هدومك وتعالى معايا يا عزيز
قطب جبينه وهو يتطلع لنظرات شقيقه ووالدته الحزينة:
-فيه إيه يا وجدي؟
تنهد بألم لينطق بصوتٍ حزين:
-فيه ناس بتقول إنهم لقيوا جثة نسرين عند مزرعة نصر البنهاوي،وواضح إنها مقـ.ـتـ.ـو.لة من بالليل
أمسك بتلاليب أخيه ليصـ.ـر.خ بحدة مدافعًا عن رجولته في المقام الاول:
-إنتَ اتجننت يا وجدي، إيه اللي هيودي مراتي في حتة مقطوعة في وقت زي ده؟
نطقت منيرة بصوتٍ حازم وهي تبعد كف نجلها عن شقيقه:
-سيب أخوك وادخل إلبس لك جلبية وروح معاه شوفوا حكاية المصيبة دي إيه
تطلع على والدته بتيهة ليهرول للداخل بعد أن شعر بصحة حديثها،بعد قليل حضر نصر وانجاله وجد الشرطة قد حضرت وحاوطت الجثة وبدأت في استجواب الشهود، اقترب نصر من الضابط لينطق بصوتٍ جاد وهو يتطلع على الجثة الملقاه على الأرض بجانب السور ومغطاه بشرشف جلبه أحد الحضور ليستر به القتيلة،مد يده للمصافحة قائلاً:
-إزيك يا باشا
طالعه الرجل لينطق وهو يمد خاصته:
-اهلاً بيك يا سيادة النائب
سألهُ مستفسرًا:
-خير يا باشا،إيه اللي حصل؟!
بنبرة متهكمة تحدث إليه الضابط:
-المفروض إنتَ اللي تقول لنا إيه اللي حصل،البلد بلدك وإنتَ كبيرها والجريمة حاصلة جنب مزرعتك
توزعت نظراته على من حوله ليجد نظرات الناس الشامتة به لتقليل الضابط منه ليرتبك وهو يتحدث:
-البركة في معاليك يا باشا، إنتَ اللي هتجيب القـ.ـا.تل من قفاه إن شاءالله
حضر عزيز بصحبة وجدي ومنيرة ليهرول عزيز على الجثة متخطيًا رجـ.ـال الشرطة وكاد أن يكشف وجهها فهدر به الشرطي بحدة:
-إبعد يا راجـ.ـل من هنا
-أنا جوزها...قالها بجنون لينطق الضابط وهو يشير للعسكري:
-سيبه يشوفها ويتأكد إن كانت هي ولا لاء
رفع عزيز الغطاء عن وجه القتيلة لينكمش قلبه حين رأى وجهها وأثار أظافر محفورة بطول وجهها لتشوهه،ابتلع لعابه واهتز جسده لتلك الكارثة التي حلت به فاق على صوت الضابط حيث هتف بقوة:
-هي دي مراتك؟!
أغمض عينيه يعتصرهما بقوة ليهز رأسه بإيجاب لينطق الضابط مرة أخرى بلهجة أمرة:
-تعالى هنا
تحرك إلى الضابط الذي بدأ باستجوابه ليخبره أنه تفاجأ بشقيقه يخبره بذاك الخبر المشؤم وأن أخر مرة رأى بها زوجته حين صنعت لهُ كوبًا من الشاي الساخن ثم ولجت لغرفة النوم الخاصة بهما وغفت ليلحقها هو سريعًا بعد أن شرب المشروب وشعر بثقل شـ.ـديد برأسه ليغفو بسرعة عجيبة بمجرد وضعه لرأسه على الوسادة ولم يشعر بشئ سوى صباحًا على خبطات شقيقه،
حضر أيضًا والداي نسرين وشقيقتها التي صرخت عنـ.ـد.ما كشفت وجهها أما والدتها فباتت تصرخ وأمسكت بتلابيب عزيز قائلة:
-مين اللي قـ.ـتـ.ـل البت يا عزيز، إنطق
-وكتاب الله ما أعرف حاجة،أنا قومت على الخبر زيي زيكم يا ناس...قالها بهلع من مظهر الأم لتصرخ قائلة:
-يعني البت هتمشي من جنبك وإنتَ نايم ومش هتحس بيها؟!
صاح مدافعًا عن حاله من نظرة الشك التي بعينيها:
-والله ما اعرف خرجت إمتى وازاي،إحنا كنا قاعدين بالليل لقيتها عملت لي كباية شاي ودخلت نامت على طول، وانا شربت الشاي وراسي تقلت دخلت نمت جنبها محسيتش بنفسي اللي الصبح
صاح الضابط لينطق بحدة أمرًا رجـ.ـاله بعدmا حضرت سيارة الإسعاف:
-خد لي جوز القتيلة واهلها على القسم علشان نستجوبهم في محضر رسمي يا ابني
انفض الجميع ونقلت الجثة إلى المشرحة لتحديد سبب الوفاة
********
في مزرعة أخرى ولكن مختلفة كليًا، مزرعة الخيول الخاصة بعائلة الزين والتي تحتوى على أندر وأغلى أنواع الخيول العربية الأصيلة،توجد بالمزرعة إستراحة كبيرة مجهزة على أعلى مستوى من الأثاث والمفروشات والاجهزة التي تليق بعائلة الزين حيث يأتون إليها من الحين للأخر لقضاء العطلات الرسمية وسط الحديقة بمساحتها الشاسعة والمليئة بأشجار ثمار الفواكة المتنوعة والنخيل والزهور أيضًا مما أعطاها مظهرًا خلابًا ومكانًا مناسبًا لقضاء عطلة مريحة
حضرت عائلة علام بناءًا على دعوة من شقيقه أحمد الذي أصر على الدعوة للإحتفال بزواج إبن شقيقه بتلك الفاتنة وتقدm بالدعوة أيضًا إلى أيهم شقيقها الذي بدأ بالعمل معه بالشركة
وصلت الثلاث سيارات بالتوالي إلى المزرعة، علام وبصحبته زوجته الراقيه ثم ماجد وزوجته ونجلاهما بسيارة ماجد الخاصة، وبالأخير توقف ذاك العاشق بالسيارة الخاصة به وبصحبته زوجته وأيهم يجاوره صغير شقيقته،ترجل سريعًا ليتوجه للجهة الأخرى ليفتح الباب لأميرة قلبه الذي توجها على عرش قلبها، مد يده لتضع خاصتها ليحتويها وهو يقول بصوتٍ حنون:
-إنزلي براحتك يا بابا
تطلعت لعينيه وباتت تشكر الله على تلك العطية الثمينة الذي وهبها لها كهدية على صبرها على الإبتلاءات التي تعرضت لها طيلة سنواتها،أسرعت عليها عصمت لتسألها بلهفة أم:
-إنتِ كويسة يا حبيبتي،الطريق كان مريح بالنسبة لك؟!
بادلتها بابتسامة ممتنة وهي تخبرها:
-أنا بخير يا ماما الحمدلله
كان أحمد واقفًا في استقبالهم هو وعائلته وسميحة حيث إكفهرت ملامحها وهي ترى إهتمام الرجل التي لم تعشق سواه بأخرى،تبادل الجميع التحية ووصل فؤاد إلى سميحة التي تحدثت بابتسامة سعيدة وصوتٍ هائم وهي ترى حبيبها:
-إزيك يا فؤاد
كادت أن تحتضنه كالسابق كي تُشعل نار إيثار فصدها بهدوء حيث ارجع جسده للخلف ومد يده باستقامه قائلاً بابتسامة هادئة:
-إزيك إنتِ يا سميحة، أخبـ.ـارك إيه
سحب يده سريعًا تحت ذهولها ثم عاود ليحاوط كتف حبيبته التي شعرت بكمٍ هائل من الراحة والحبور لتتطلع عليه بعينين ممتنتين هائمة في عشق رجلها الفريد،بادلها الإبتسامة باخرى مغرمة ليتحدث أحمد وهو يُشير للجميع:
-إتفضلوا يا جماعة واقفين ليه
ثم استرسل مازحًا وهو يحاوط كتف شقيقه ويتحركان باتجاه الطاولات المعدة للجلوس في الهواء الطلق:
-اللي يسمعني وأنا بعزم عليكم بقلب جـ.ـا.مد بالشكل ده يقول إن المزرعة ملكي وإنتوا ضيوف عندي
ربت علام على ظهر شقيقه ليبتسم قائلاً بنبرة حنون:
-كل حاجة تحت رجليك يا حبيبي،كفاية بشاشة وشك ومقابلتك اللي تشرح القلب
ربت كلاً منهما على ظهر الاخر بحنو لتزفر نجوى بضيق فهي لا تطيق عائلة زوجها ولا تحبذ الوجود معهم بمكانٍ واحد،جلس الجميع لتتحدث بنبرة متعالية وهي تطالع إيثار بتقليل:
-سمعت إنك روحتي المالديف مع سيادة المستشار
إممم...هكذا ردت عليها إيثار بابتسامة صفراء ردًا على نظراتها المقللة لتتابع الاخرى بتعالي:
-أكيد دي أول مرة تزوريها
كادت أن تجيبها ليقاطعها أحمد الذي سأم إسلوب زوجته المستفز والمتعالي مع أفراد عائلته لينطق بما أفحم نجوى و.جـ.ـعل النار تشتعل بداخل قلبها:
-على أساس إنك روحتيها قبل جوازنا مثلاً، المالديف معروف معظم الزائرين بيكونوا أزواج
إبتسمت له ليسألها بملاطفة كي يزيل أثار كلمـ.ـا.ت تلك المستفزة المسمومة:
-مقولتليش يا إيثار،الباشا بتاعنا خرجك هناك وشرفنا ولا حبسك في الشالية وعمل فيها الفرعون المصري
ابتسمت بسعادة لتنطق وهي تنظر لحبيبها الجالس بجوارها:
-الباشا على طول مشرفكم يا عمو
واسترسلت وهي تحتضن كفه برعاية:
-أنا أكتر ست محظوظة في الدنيا كلها
-حبيبي...همس بها وهو يتعمق بعينيها تحت اشتعال سميحة وضيق نجوى التي تتحسس من رؤية أي شخص سعيد،تحدث أحمد بنبرة ودودة إلى أيهم:
-منور يا أيهم
-ده نورك يا أحمد باشا...نطقها الشاب على استحياء ليوجه له علام حديثه كي يجعله ينـ.ـد.مج بالاجواء:
-إيه رأيك في المزرعة يا أيهم
نطق بلباقة:
-حلوة قوي يا سيادة المستشار وأحلا ما فيها إنتم
-تسلم يا حبيبي ده من ذوقك...قالها علام ليتايع:
-عندنا خيول حلوة قوي هنا هتعجبك لما تشوفها
هتف يوسف الجالس بجوار الصغيرة بيسان بأخر الطاولة تصاحبهما المربية:
-مش هتوريني الحصان ونركبه زي المرة اللي فاتت يا جدو؟
نطق علام بصوتٍ حماسي:
-إنتَ بالذات محضر لك هدية حلوة قوي يا چو
سأله بفضول:
-هدية إيه؟!
لما ناكل هوريها لك بنفسي...قالها علام ليتابع بملاطفة لشقيقه:
-فين يا سيدي الفطار،من إمبـ.ـارح وإنتَ واكل دmاغي في الكلام عن الفطير المشلتت اللي هتخلي البنات يعملوه من النجمة والعسل اللي جاي من الخلية مباشر والجبنة ومعرفش إيه
واسترسل تحت ضحكات الجميع:
-وأدينا قاعدين لينا ساعة لا شوفنا فطير ولا حمام
أجاب شقيقه بنبرة مرحة:
-الفطير هناكله حالاً لكن الحمام والذي منه على الغدا يا سيادة المستشار
نطقت عصمت بملاطفة:
-إهدى شوية على الباشمهندس يا سيادة المستشار،وبعدين هو أحنا لحقنا ناخد نفسنا
رد على زوجته مشاكسًا شقيقه بطريقة لطيفة:
-مش هو اللي أصر يشيل الليلة كلها وقال أنا عازمكم، يتحمل بقى
قهقه فؤاد ليقول لوالدته:
-إطلعي من بين بابا وعمي يا ماما،ده الداخل بينهم خارج
تحدث بسام نجل أحمد إلى إيثار:
-بت عـ.ـر.في تركبي خيل يا إيثار؟
نطقت بابتسامة بشوش:
-بصراحة مجربتش
رد عليها بنبرة راقية وزوجته تجاوره الجلوس:
-جربي بعد الفطار،متأكد إن الموضوع هيعجبك جدًا
ابتسم فؤاد ورفع كف يدها يقبله قبل أن ينطق وهو يتعمق بساحرتيها:
-إن شاءالله نجرب، بس بعد تمن شهور
ضيق الشاب عينيه بعدm استيعاب لتهتف نجوى بنبرة حادة بعد أن فهمت مغزى جملته:
-هي مراتك، حامل؟
تطلعت عصمت إلى نجوى لترى حقدًا دفين داخل عينيها لتردد المعوذتين بسريرتها وتدعوا الله أن يحفظ حفيدها الغالي من عيني تلك الحاقدة،أما فؤاد فهز رأسه لينطق بنبرة أظهرت كم السعادة التي غمرت روحه منذ استماعه لخبر حياته:
-الحمدلله،إيثار حامل في الشهر الأول
-مبروك يا فؤاد...قالها الشاب بسعادة لإبن عمه الخلوق وتحدثت زوجته إلى إيثار:
-مبروك
شكرتها باحترام أما سميحة فنزل الخبر عليها كصاعقة كهربائية هزت كيانها بالكامل لتحول بصرها سريعًا إلى فريال ترمقها بنظراتٍ لائمة قابلتها بأخرى أسفة لتسحب عنها بصرها سريعًا لينطق العم بسعادة بالغة:
-الله اكبر بسم الله ماشاء الله، مبروك يا حبايبي
واستطرد مفخمًا من نجل شقيقه الذي تزوج من شهرين على حد علمه:
-يعني الباشا يا دوب عدى شهر العسل وأثبت جدارته
قهقه والدهُ لينطق بمفاخرة:
-وحياتك أثبتها من ليلة الدخلة
ليتابع شارحًا الوضع أمام الجميع:
-أصل إيثار قعدت شهر في أوضة لوحدها علشان والدها الله يرحمه كان لسه متـ.ـو.في من أيام، فحبت تاخد وقت تحـ.ـز.ن فيه على بباها
نطق أحمد متفاخرًا هو الاخر بفؤاد:
-"زيني" على حق يا باشا،إبن علام بصحيح
1
شعرت بالخجل يعتريها من تلك الإيحاءات ليمسك هو بكفها غامزًا بطرف عينيه ويميل عليها هامسًا دون أي حسابات للأخرين:
-إعملي حسابك، هما أربعين يوم بعد الولادة وندخل على اللي بعده على طول
اتسعت عينيها وهي تتطلع إليه ليهمس مبررًا:
-يرضيكِ أكسف أبويا وعمي وهما نازلين تطبيل ليا بالشكل ده
همست بملاطفة:
-على فكرة بقى،إنتوا عيلة قليلة الأدب
قهقه رُغمًا عنه ليلتفت إليه الجميع ليرفع كفيه للأعلى قائلاً:
-أسف للأزعاج
نطق أحمد بمداعبة:
-براحتك يا باشا،إنتَ تعمل اللي إنتَ عاوزه،هو بعد اللي حصل ده حد هيقدر يقول لك تلت التلاتة كام
ضحك الجميع بسعادة ما عدا سميحة ونجوى،حضر العامل لينطق بنبرة وقورة:
-الفطار جاهز يا بشوات
تجمعوا حول طاولة الطعام وبدأوا يتناولون بشهية عالية لجودة الطعام وأنواعه المختلفة التي تناسب جميع الاذواق،أمسك لقمة من الفطير وغرسها بصحن العسل ليقربها من فم مالكة الفؤاد وهو يقول متابعًا شفتيها الشهية بعينيه:
-إفتحي بُقك يا بابا
همست باعتراض وقد تلونت وجنتيها بحمرة الخجل فجعل منها شهية حد الجنون:
-بلاش الحركات دي قدامهم يا فؤاد انا بتكسف
-حبيبي اللي بيتكسف يا ناس...قالها بدلال ليتابع وهو يضع اللقمة بفمها:
-طب إيه رأيك إني بعمل كده مخصوص علشان أشوف خدود حبيبي اللي بتحمر وهو مكسوف
برغم خجلها وعدm راحتها إلا أنها لم تتحكم بشعور السعادة الهائلة وهي تتملك من روحها لتسحبها إلى سماء العشق لتتراقص على أنغام كلمـ.ـا.ته المغرمة،همست وكأنها مغيبة أمام سحر عينيه:
-بحبك يا فؤاد
-وأنا بمـ.ـو.ت فيكِ يا حياة فؤاد...قالها بصوت رجلاً عاشق حتى النخاع وتابع تناول طعامه،لتنطق عصمت وهي تناولها صحنًا:
-خدي يا حبيبتي كلي من الجبنة القريش،مفيدة ليكِ وللبيبي
-تسلم إيدك يا ماما...أخذت من يدها الصحن وبدأت بتناول بعض القطع منه لتباغتها فريال هي الأخرى التي وقفت لتمدد جسدها وهي تناولها كأسًا من الحليب الطازج:
-ودي كباية لبن من عمتو
ابتسمت وتناولتها من يدها لتنطق بصوتٍ مرح:
-تسلم إيدك يا عمتو
تطلع لشقيقته ليغمرها بابتسامة ونظراتٍ ممتنة لتبادلهُ بأخرى شـ.ـديدة الحنان،بعد قليل كانت تتحرك بجانب شقيقها الذي تحدث بنبرة حنون:
-مش هتبلغي ماما بخبر حملك
-تفتكر هيفرق معاها؟...سألته بعينين لائمة لتشق صدره تنهيدة حارة لأجلها لتتابع بغصة مرة وقفت بحلقها:
-إوعى تفتكر إني مبسوطة ببعدي عنها ومقاطعتها
رفعت كتفيها للأعلى لتتابع بألمٍ ظهر بمقلتيها:
-بس للأسف، مسابتليش خيار تاني،البعد عنها فيه راحتي يا أيهم
تخيل...قالتها بأعين مغيمة ليتألم شقيقها لألمها،جذبها ليشـ.ـدد من احتضانها لتنظر عليها من بعيد نجوى التي تحدثت بتعالي إلى ابنتها التي تتحرك بجوارها للتنزه وسط الأشجار:
-شايفة الأشكال اللي عمك ومـ.ـر.اته دخلوهم في وسطنا،لا وجبرونا نقعد معاهم على سُفرة واحدة
زفرت سميحة لتتابع الاخرى وهي ترمق عصمت المنـ.ـد.مجة بالحديث مع أحمد وعلام:
-طول عمرها عاملة لنفسها برستيج والدكتورة راحت والدكتورة جت،كل ده علشان تظهر بشكل الست المثقفة وتثبت إنها أعلى من الكُل
واستطردت ساخرة:
-وفي الأخر جايبة لنا واحدة من الشارع تقعد على سفرة أسيادها اللي كان اقصى حلم ليها تخَدm عليهم وهما بياكلوا
هتفت سميحة وهي ترمق غريمتها بنظراتٍ يملؤها الغل:
-دي حملت من أول يوم يا مامي، تخيلي
ابتسمت الأخرى لتهتف ساخرة:
-طبعاً لازم تحمل بأسرع وقت علشان تضمن بقائها، هي كانت تطول
أما أمجد فكان يتحدث باقتضاب إلى والدته عبر الهاتف الجوال:
-وعوزاني أعمل إيه يعني يا ماما
هتفت الام بحدة مبالغ بها:
-إنتَ السبب يا أمجد،لو كنت طاوعت مراتك وسبتها تطفش البنت من البيت مكنش حصل اللي حصل
لتسترسل بنبرة لائمة:
-البنت حملت وهتجيب الوريث اللي هيقُش كل حاجة يا دكتور،وحلم إن كل أملاك علام هتبقى ليك ولأولادك اتبخر خلاص
هتف بعدmا فاض به الكيل من أحلام والدته:
-خلاص يا ماما،و.جـ.ـعتي دmاغي من ساعة ما فريال كلمتك علشان تفرحك بخبر حمل مرات أخوها،حلم وكان حلو بالنسبة لنا، لكن ربنا ما أردش إنه يكمل، مش هنمـ.ـو.ت يعني
واسترسل بنبرة هادئة:
-الراجـ.ـل قرر يتجوز وربنا أراد إن يكون عنده طفل يمد في جذور عيلته، هنعترض على إرادة ربنا ونكره الخير للناس ولا إيه؟
هتفت الاخرى بغضبٍ عارم:
-إنتَ مالك واخد الامور ببساطة كده ليه، إنتَ عارف ثروة علام زين الدين اللي ضيعتها بغبائك دي قد إيه
زفر بحدة ترجع لعدm تقبله لحديث والدته،فهي من ادخلت بعقله فكرة أن فؤاد إذا أكمل بمقاطعته للزواج وعدm الإنجاب فسيكون هذا بصالحه وستنتقل أملاك عائلة علام بالمستقبل له ولحفيديها، هتف من بين أسنانه:
-يا ماما أرجوكِ إرحميني من كلامك ده،لو حد سمع كلامك ده يقول علينا إيه، عصابة؟!
كادت أن تتحدث ليغلق معها سريعًا وهو يقول:
-سلام يا ماما علشان مراتي جاية عليا
أغلق ليزفر بقوة ويحتقر حالهُ عنـ.ـد.ما استحسن حديث والدته السابق ليعود لرشـ.ـده حامدًا الله على كل ما أنعم به عليه،إهتز جسده وهو يستمع لصوت فؤاد من خلفه:
-واقف لوحدك ليه يا دكتور؟
إبتلع لعابه ليلتفت وهو يقول:
-لقيت كل واحد منكم اتحرك في جهة وجالي تليفون من ماما قولت أتكلم معاها شوية
ابتسم فؤاد ليربت الاخر على كتفه متابعًا بصدق:
-مبروك يا فؤاد، فرحت لك من كل قلبي
-تسلم يا دكتور...قالها بابتسامة ليتابع بذات مغزى:
-مهو ده العشم،ده أنا خال ولادك، واللي هييجي ده هيبقى عزوتهم
أجابهُ بهدوء:
-أكيد طبعاً
تحركت فريال نحو كلتا الحقودتين لتقول بطريقة مرحة:
-ممكن يا طنط أخد منك سو خمس دقايق بس
-خديها على طول يا حبيبتي...قالتها بوجهٍ قاسي لتتحرك مبتعدة،لتنطق الأخرى بنبرة أسفة:
-أنا عارفة إنك زعلانة مني وليكِ حق طبعاً،بس والله ما كنت أعرف إن فؤاد بيحبها بجد وبإن إيثار شخصية كويسة
واسترسلت تحت استشاطة الأخرى:
-أكيد لو كنت أعرف مكنتش حطيتك ولا حطيت نفسي في الموقف البايخ ده
اتسعت عينيها بصدmة لتهتف بحدة:
-هو ده تفسيرك للي حصل يا فيري،موقف بايخ؟!
واسترسلت بنبرة متألمة:
-ده أنتِ إدتيني أمل بعد ما كنت فقدته ووعدتيني إنك مش هتستسلمي ولا هتسيبي إيدي غير وأنا مرات فؤاد
نطقت على استحياء:
-وربنا أراد إن إيثار تكمل معاه وتكون أم أولاده
مالت برأسها لتنطق بأسى:
-أنا أسفة
زفرت الأخرى لتقول بحدة:
-مبقتش تفرق يا بنت عمي
نطقتها بحدة لتنسحب من امامها تاركة إياها للنـ.ـد.م يتأكلها،وقف علام واحتوى كف الصغير وتوجه به إلى الإسطبل وهو يخبر الجميع:
-الكل ييجي ورانا علشان يشوفوا هدية جدو علام لـ حبيبه چو
تطلعت لشقيقها بابتسامة سعيدة وتوجهت صوب الإسطبل بجواره ليلحق بهما زوجها ويحاوط كتفها بعناية،وقف الجميع ينتظر ليخرج العامل بفرسة صغيرة حديثة الولادة مظهرها رائع ولونها بني يسر الناظرين لينطق علام وهو يُشير إليها:
-دي هديتي ليك،الفرسة اللي اتولدت من إسبوعين
صفق الصغير بكفيه وبات يقفز بقدmيه للأعلى من شـ.ـدة سعادته وهو ينطق:
-يا سلاااام
ثم تابع وهو ينظر إليه بعينين متسائلتين:
-بجد الحصان ده بقى بتاعي يا جدو؟
-بجد يا حبيبي...قالها بسعادة وهو يرى فرحة الصغير الذي احتضن ساقين علام وهو يقول بامتنان:
-ميرسي يا جدو ميرسي بجد
انحنى ليحمله ويثبتهُ بأحضانه ثم قبل وجنته وهو يقول بسعادة لسعادته:
-ألف مبروك يا قلب جدو
انتشى قلبها بسعادة وهي ترى صغيرها بهذا الحماس والسعادة ليبتسم لها فؤاد ويهمس بملاطفة:
-أبويا شكله بيستعيد طفولته مع يوسف
ابتسمت بعينين سعيدتين لتنطق بنبرة تطيرُ فرحًا:
-أبوك ده أعظم راجـ.ـل في الدنيا
-وإنتِ أجمل ست في كل الدنيا...نطقها ليحتوي كتفها ويقربها منه ليدفنها بصدره، اقتربت عصمت من الصغير المحمول داخل أحضان زوجها لتقوم بتقبيله وهي تقول بمداعبة:
-مبروك الفرسة يا چو
-ميرسي يا نانا...قالها مثلما تلقبها بيسان التي هتفت وهي تصفق بسعادة:
-مبروك يا چو،كده أنا وإنتَ عندنا فرسة زي بعض
لتُشير على تلك الفرسة بيضاء اللون وتتابع:
-بس الفرسة اللي جدو عطاها لي لونها أبيض
ابتسم لها بسعادة ليقول بلباقة:
-ميرسي يا بوسي
اقترب الجميع وهنأوا الصغير واقتربت هي لتحتضنه وتهنأه ثم نظرت لذاك الحنون وتحدثت بعينين تفيض بالكثير من الحنان والشكر والعرفان:
-إنتَ أعظم أب في الدنيا كلها،ربنا يخليك لينا
ربت على كتفها واكتفى ببسمة حنون قالت ما لم يستطع الكلام في التعبير عنه، حمل فؤاد الصغير عن والده لينطق بحماسٍ:
-مبروك يا چو وعقبال ما تكبر وأجيب لك عربية
-عربية حقيقية يا أنكل؟!...هكذا سأله ذاك المشاكس ليجيبه بملاطفة:
-أمال لعبة يا چو
اتجه به نحو الفرسة ووضعهُ فوق ظهرها لتهتف إيثار برعـ.ـبٍ ظهر بعينيها:
-حاسب ليقع من على الحصان يا فؤاد
التفت صوبها ليطمئنها:
-متخافيش يا حبيبي،أنا ماسكه كويس
وقفت فريال بجوارها لتتحدث وهي تحثها على الحركة:
-تعالى إرتاحي شوية ومتخافيش على يوسف طول ما هو مع فؤاد، إنتِ واقفة من بدري
-حاضر يا حبيبتي...قالتها بهدوء لتتحرك بجوارها نحو المقاعد تحت نظرات سميحة الحادة
وقف أيهم بجوار الصغير ليتمسك به من الناحية الأخرى ليقول بنبرة حنون:
-مبروك يا يوسف
ميرسي يا خالو...قالها الصغير ليتابع برجاء:
-خالو، ممكن تصورني وتوري الصورة لبابي، قول له إنتَ وحشت چو قوي وهو بيحبك
نزلت كلمـ.ـا.ت ذاك الملاك على قلبي فؤاد وأيهم لتشطرهما لنصفين، تنهد فؤاد وتبادلا النظرات بينه وبين أيهم الذي تحدث لإرضاء الصغير:
-حاضر يا حبيبي
أخرج هاتفه وبدأ بالتقاط بعض الصور وبعد الإنتهاء وجد سبع مكالمـ.ـا.ت فائتة من وجدي لم يستمع إليهم لوضع هاتفهُ على وضع الصامت،تعجب وابتعد قليلاً وأعاد الإتصال ليستمع لصوت أخيه يهدر بحدة:
-إنتَ فين يا أيهم مبتردش عليا ليه؟!
-فيه إيه يا وجدي،صوتك ماله؟!...هكذا سأله بعدmا شعر بريبة من صوت شقيقه المهتز ليجيبه الاخر بصوتٍ يحمل من الهموم ما يكـ.ـسر ظهر الرجـ.ـال:
-مصيبة وحطت علينا يا أيهم،لقينا نسرين مرات عزيز مقـ.ـتـ.ـو.لة عند مزرعة الحاج نصر والبوليس خد عزيز وبيحققوا معاه
اتسعت عينيه لينطق بذهول:
-يا نهار إسود،حصل إمتى كل ده؟!
أجابه باستفاضة:
-الناس لقيوها مقـ.ـتـ.ـو.لة الساعة ستة الصبح، بس البوليس قال إن شكلها مقـ.ـتـ.ـو.لة من بالليل لأن جـ.ـسمها متخشب، ومحدش عارف أي حاجة
سأل شقيقه بهلعٍ ظهر بصوته:
-إوعى يكون عزيز ليه يد في الموضوع يا وجدي؟!
أجاب شقيقهُ ليطمئنه:
-لا متقلقش، أنا بنفسي اللي طلعت لعزيز بلغته،وأنا أدرى بعزيز لو كان عملها كان هيبان على وشه، المهم لازم تسيب اللي في ايدك وتيجي حالاً علشان نشوف هنعمل إيه في المصيبة اللي إحنا فيها دي
تحرك الشاب واستأذن من الجميع ليذهب لتسأله شقيقته بـ.ـارتياب:
-فيه إيه يا أيهم؟
أجابها بمراوغة كي لا يفسد عليها الجمع وأيضًا حفاظًا على شكلها أمام عائلة زوجها الأرستقراطية:
-مفيش حاجة يا حبيبتي،ده واحد صاحبي عمل حادثة ولازم أروح أشوفه
انسحب في هدوء،بعد قليل تحركت مع فؤاد لتقف في الإسطبل أمام حصان أسود مظهرهُ رائع،وضع كفه على رأسه وبات يتحسس شعره الجميل بحنان ليتحدث وهو يقوم بتعريفها عليه:
-ده بقى يا ستي يبقى الحصان بتاعي من وأنا في الكلية،إسمه فرحان
-فرحان...قالتها بابتسامة لتتحدث إلى الحصان بوجهٍ بشوش:
-إزيك يا استاذ فرحان
-السلام ميبقاش كده،السلام لازم يكون حار...قالها بجدية ليتابع وهو يغمز بعينيه بوقاحة راقت لها:
-أنا بعرف الحصان بتاعي على الفرسة بتاعتي
جحظت عينيها لتنطق بنبرة حادة:
-إتلم يا فؤاد ومتنساش إننا بين الناس
قهقه بمرح واحتوى كفها بين خاصته لينطق بنبرة حنون:
-هاتي إيدك وحطيها على راسه بحنيه علشان ياخد عليكِ بسرعة
جذبت كفها بـ.ـارتياب لتنطق بصوتٍ مرتعش:
-بلاش يا فؤاد، أنا بخاف قوي من الحـ.ـيو.انات
أجابها وهو يحتضن كفها من جديد:
-متخافيش،أنا جنبك، وبعدين الاحصنة مبتخوفش، دي حـ.ـيو.انات أليفة
أخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوئها وسلمت حالها لحبيبها الذي قرب كفها من رأس الحصان وبدأ بتحريكه بين عينيه وبدأ يتحدث بصوتٍ حنون:
-دي إيثار اللي كلمتك عنها يا فرحان،خلاص سامحتني وبقت مراتي وشايلة جواها حتة غالية مني
قطبت جبينها لتسألهُ متعجبة:
-كلمته عني إمتى؟!
-لما كنتي زعلانة مني وعملتي لي بلوك...قالها بتأثر ليعود للحصان وينطق من جديد:
-يومها جيت اشتكيت له نار بُعدك،وركبته وفضلت ألف بيه طول اليوم
نظر للحصان لينطق بتفاخر:
-مقولتليش يا فرحان، إيه رأيك في الفرسة الجامحة بتاعتي
رفع الحصان رأسه ليصدر منه صهيلاً مرتفعًا أرعـ.ـب تلك التي تراجعت للخلف وهي تصرخ بهلع من المفاجأة لينتبه الجميع لها،أحنت جسدها وأمسكت أسفل بطنها لتتسع عينيه وهو يسألها بهلعٍ ظهر بصوتهٍ المنتفض وهو يقول:
-مالك يا بابا، فيه إيه؟
أغمضت عينيها وباتت تنظم أنفاسها لتهرول عليها عصمت التي انحنت بمستواها لتسألها والفزع تملك من ملامحها:
-مالك يا إيثار، حصلك إيه
رفعت قامتها وأسندها هو بجسدٍ منتفض لتتحدث إليه سريعًا:
-متخافش يا حبيبي أنا كويسة،أنا بس إتخضيت من صوت الحصان وافتكرته هيهجم عليا فمعدتي كركبت
تنفس أخيرًا لينطق بهدوء:
-يا حبيبي ده بيرحب بيكِ
-خلاص يا فؤاد أبوس إيدك...نطقتها عصمت بحدة مبالغ بها لتتابع والغضب ظهر فوق ملامحها:
-بلا يرحب بيها بلا يسلم عليها
سحبتها بجوارها لتنطق وهي تتحرك بها للأمام:
-هي أصلاً خايفة منه فسيبها بقى وخلي الموضوع يتم على خير
أسندها من الجهة الأخرى ليقول لوالدته:
-إهدي يا ماما محصلش حاجة تستدعي خوفك ده كله
-يا حبيبي خلي ربنا يتم فرحتنا على خير...قالتها والهلع مازال يسيطر عليها حتى وصلوا للمقاعد وساعداها بالجلوس ليجلب هو كأسًا من الماء ويناولها إياه
بعد حوالي ساعة تحدث إليها بهدوء:
-حبيبي،هروح ألف شوية بالحصان أصله وحشني
-تمام،بس بلاش تتأخر عليا...قالتها بعينين مترجيتين ليجيبها بصوتٍ حنون:
-حاضر يا قلبي،ساعة بالكتير وهتلاقيني قدامك
إنحنى لمستوى جلوسها ليهمس بجانب اذنها كي لا يستمع إليه فريال ووالدته وزوجة عمه وسميحة:
-على فكرة،شكلك يجنن النهاردة
شعرت بالسعادة تغزو روحها لتشملهُ بنظراتٍ هائمة أشعلت نار قلبه المغرم،ذهب وامتطى حصانه وانطلق به تحت نظراتها الحنون لتقف سميحة وهي تقول بذات مغزى كي تشعل الاخرى:
-هروح ألف شوية بحصاني أنا كمان، من زمان ما اتمشيناش أنا وفؤاد بالاحصنة
ذهبت وامتطت حصانها وانطلقت بأقصى سرعة خلفه لتختفى عن بصرها لتشتعل روح تلك العاشقة،شعرت بنار الغيرة تسري بأوردتها حتى أنها لم تشعر بصوت عصمت التي تناولها المشروب قائلة:
-العصير يا إيثار
التفتت لها لتنطق بصوتٍ خافت:
-مش عاوزة أشرب حاجة
باتت النار تتزايد بقلبها كلما تخيلت تلك الحية وهي تحاول التقرب من رجلها،فكرت بأن تهاتفه كي يعود ويطفئ لهيبها المشتعل لكنها تراجعت لاجل الحفاظ على شكل زوجها وشكلها هي أيضًا، فما كان عليها سوى الصبر لحتى عودتهما
*********
داخل كفر الشيخ، عاد عزيز بصحبة ضابط الشرطة وبعضًا من رجـ.ـاله،صعد إلى مسكنه الخاص بصحبتهم بعد أن قرر الضابط تفتيش المسكن علهم يعثرون على دليل إدانة لعزيز وذلك لشكوك الضابط به بعد توجيه والد القتيلة تهمة القـ.ـتـ.ـل إلى زوجها، بات الرجـ.ـال يبعثرون محتويات المكان بأكملها حتى وصلوا إلى خزانة ملابسها ليعثر أحد الرجـ.ـال على حقيبة سوداء فتحها ليجد بها مبلغًا كبيرًا من المال وهاتفًا حديث ليذهب إلى الضابط ويقول بجدية:
-تمام يا افنـ.ـد.م،لقيت الشنطة دي في وسط هدوم القتيلة
فتحها الضابط وأخرج رزمتان من الاموال ليوجههما إلى عزيز متسائلاً:
-بتاعت مين الفلوس دي يا عزيز؟
اتسعت عينيه بذهول لينطق بكلمـ.ـا.تٍ خرجت بصدmة:
-معرفش يا بيه، أنا أول مرة أشوف الشنطة دي
أخرج الهاتف لينظر به وتسائل:
-بتاع مين التليفون ده كمان؟
هز رأسهُ مصدومًا لينطق:
-معرفش،ده مش تليفون نسرين
أمسك الضابط الهاتف وحاول فتحه لكنه كان مغلقًا بأرقامٍ سرية فنظر إلى عزيز وتحدث:
-تعرف الرقم السري بتاع التليفون ده؟
نطق بلسانٍ يرتجف من شـ.ـدة خوفه:
-يا باشا هعرفه منين بس،والله العظيم أنا ما أعرف أي حاجة لا عن الفلوس دي ولا التليفون
رمقه بنظرة حادة قبل أن يهتف بغضبٍ:
-يعني الحاجة موجودة في شقتك ومتعرفش عنها حاجة، إيه مراتك كانت مقرطساك ولا إيه يا روح أمك
ابتلع غصة مرة من حديث الضابط المهين لرجولته ثم تذكر زوجته وكل علامـ.ـا.ت الإستفهام التي تدور حول مقـ.ـتـ.ـلها لتشتعل النار وتسري في جميع أوردته ليسألهُ الظابط من جديد:
-طب فين تليفون مراتك؟
طأطأ رأسهُ وأجاب بصوتٍ ذليل:
-معرفش يا باشا
نظر الضابط إلى أحد رجـ.ـاله وقال:
-هاتي لي أي حد من بتوع التليفونات يفتح لنا التليفون ده يا ابني علشان نشوف حكايته إيه ده كمان
ونظر إلى عزيز لينطق أمرًا وهو يتحرك للعودة إلى قسم الشرطة:
-وهات لنا الواد ده لحد مانشوف أخرتها معاه
-يا باشا والله العظيم ما قـ.ـتـ.ـلتها، هقـ.ـتـ.ـلها إزاي وأنا طول الليل نايم زي القتيل...هكذا كان جوابه ليتوقف الضابط ويلتفت إليه بعدmا تذكر حديثه عن دخوله في سباتٍ عميق فور ارتشافه لمشروب الشاي،ضيق عينيه وسأله مستفسرًا:
-فين كباية الشاي اللي مراتك إدتها لك يَلا ؟
أجابه سريعًا:
-برة في الصالة يا بيه
تحرك الضابط صوب الخارج ليجد منضدة صغيرة موضوع عليها صينية وفوقها كوبًا زجاجيًا به بقايا شاي،تحرك ليقف أمامه ثم أشار لأحد رجـ.ـاله قائلاً:
-شوف لي يا ابني أي كيس جوه في المطبخ
واسترسل امرًا:
-وعاوزكم تقلبوا لي الشقة على أي قزازة دوا أو برشام تلاقوه، أي حاجة تلاقوها هاتوها علشان نبعتها للطب الشرعي تتحلل
أتي الرجل بكيسًا شفاف فأمسك به الضابط الكوب واحتفظ به داخله منعًا لضياع البصمـ.ـا.ت، ثم ناوله للعسكري وشـ.ـدد على الاحتفاظ به وانصرف بصحبة عزيز مع جميع الادوية التي عثروا عليها،كانت منيرة تنتظر أسفل الدرج وما أن وجدت إبنها مازال مكبلاً من رجـ.ـال الشرطة حتى صرخت متأذية من المنظر:
-واخدين إبني تاني ليه يا باشا،إبني معملش حاجة،إبني كان نايم فوق وأنا واخوه اللي صحيناه بنفسنا
أجابها الضابط بعملية وهو يترجل من فوق الدرج:
-لو إبنك برئ هيخرج بعد ما نتأكد من خلال التحقيقات
-خلي بالك من عيالي يا أما...قالها برجاء بعدmا وجدها تحتوي الصغار بكفيها لتنطق وهي تشـ.ـدد من ضمتها لهم:
-العيال في عنيا يا عزيز،متشلش همهم وخليك في نفسك إنتَ
بات يتطلع من حوله بعينين زائغتين حتى عثر على شقيقاه يقفان وسط التجمع من أهل البلد ليهتف بنبرة اظهرت كم رعـ.ـبه وهلعه:
-شوف لي محامي يا أيهم،متسبنيش إنتَ ووجدي
نظر له أيهم بقلبٍ ينزف دmًا وهو يرى شقيقه الأكبر مكبلاً بأصفادٍ حديدية كالخارجين عن القانون يُجر من قِبل رجلين بمظهرٍ مهين لأدmيته لينطق سريعًا كي يزرع بقلبه الطمأنينة:
-متخافش يا عزيز،أنا كلمت محامي شاطر، وأنا ووجدي جايين وراك على القسم ومش هنسيبك
تطلع على شقيقيه بعينين تكسوهما غشاوة دmـ.ـو.ع ليجذباه الشرطيين ويخرجا من الباب ليهتف وجدي كي يبث بروح شقيقه الطمأنينة:
-متخافش يا عزيز،إحنا معاك ومش هنسيبك
أما نوارة فكانت تبكي وهي تحمل إبن عزيز الصغير والذي يبكي منذ أن استيقظ منذ الصباح إلى الأن وكأنه يعلم بما حدث لوالدته،ولجت ألاء وأخذت الصغير منها لتعود به للمنزل حيث طلبت منها والدتها جلبه إليها
عودة لمزرعة الخيول
كان يسرع بالجري بحصانه الذي يرمح بقلبٍ سعيد، ولما لا وقد شعر باكتمال سعادته،فقد رزقه الله حب الزوجة التي تمناها وأصبحت لقلبه وروحه الخليلة،ويعيش الأن بين أحضانها أزهى عصوره،ورُزق بخبر حملها وبعد أقل من ثمانية أشهر سيحمل بين يديه قطعة غالية تشكلت من دmه وخصالٍ مشتركة بينه وبين مالكة الفؤاد،ماذا سيتمنى اكثر من هذا
قطع انـ.ـد.ماجه صوت تلك التي لحقته وهي تناديه:
-فؤاد
شـ.ـد لجام الحصان كي يهدئ من سرعته ثم إلتفت عليها بجبينٍ مقطب لتتابع وهي تسرع باتجاهه:
-من زمان ما جريناش بالخيل مع بعض
ضيق بين عينيه متعجبًا تصرفها لكنهُ يفهم جيدًا محاولاتها المتكررة للتقرب منه لذا أراد أن يقطع عنها أمل الإنتظار لينطق بنبرة هادئة وهو يتحرك للأمام بحصانه الرياضي الرشيق:
-كان نفسي أتمشى معاكِ بس حابب أجري بالحصان
واسترسل بذات مغزى علها تفهم وتكفيه شر الحرج:
-وللأسف لا لياقتك ولا لياقة حصانك تقدر على المنافسة
إكفهرت ملامحها من ذاك الحبيب الذي لم يشعر بها أبدًا فقررت أن تلعب على وتر الغيرة لدى زوجته وبالمرة تتقرب منه،فكت السرج لتجعل وقوعها سهلاً ثم أخرجت من جيب بنطالها سكين يدوي للنحت والقطع ذو شفراتٍ حادة"قطر" وفتحته لتمرر شفرته على جلد الحصان ليصهل بأعلى صوته ويقفز للأعلى فأفلتت حالها لتسقط من على ظهره ليستقر جسدها أرضًا مع إطـ.ـلا.قها لصرخاتٍ مستنجدة،استمع لصرخاتها فالتفت ليجد الحصان يرمح بقوة للأمام وكأنهُ هاربًا من شئٍ يلاحقه،شـ.ـد لجام حصانه ليعود للخلف يبحث عنها فوجدها متكومة على نفسها تأن بصوتٍ مكتوم،قفز من فوق ظهر حصانه سريعًا وبات يتفحصها وهو ينطق بنبرة هلعة على إبنة عمه التي يعتبرها كشقيقته:
-سميحة ردي عليا، إنتِ كويسة؟!
تحدثت بصوتٍ خافت يرجع لتألمها حقًا فقد تأذى جسدها من إثر إحتكاكه بالأرض وتأذى وجهها أيضًا:
-أنا تعبانة قوي يا فؤاد،أرجوك وديني عند مامي وبابي بسرعة
-طب قومي معايا نتمشى...نطقها لتقاطعه بصوتٍ يئن كي تستدعي تعاطفه:
-رجلي شكلها إتلوت،واكيد مش هقدر أمشي عليها كل الطريق ده
تنهد بحـ.ـز.نٍ لأجلها ثم تحدث وهو يساعدها على الوقوف:
-طب تعالي أساعدك تركبي الحصان تروحي بيه وأنا هرجع مشي
تعلقت برقبته لتصيح بفزعٍ ظهر على ملامحها اتقنت صنعه بمهارة عالية لدرجة أنه مر على رئيس النيابة:
-مش هقدر أركب الحصان لوحدي يا فؤاد
واسترسلت بدهاء:
-وبعدين هو أنتَ ناسي إن حصانك مابيقبلش حد غيرك؟
زفر بضيق، كيف له أن يغفل عن تلك النقطة الهامة ليتنهد بقلة حيلة،والان لم يعد لديه خيارًا أخر، حملها بين يديه ووضعها على ظهر الحصان الذي صهل فوضع كفه سريعًا بين عينيه وبدأ بتمريرها وهو ينطق:
-إهدى يا فرحان وأثبت
وكأن هذا الفرحان قد فهم عليه فهدئ وتسمر بوقفته،إمتطى فؤاد خلفها وهو متأذي كثيرًا لسببان،أولهما أن في هذا التقرب ذنبًا عظيم والاخر هو زوجته الغيورة التي ستجن بالتأكيد إذا رأت هذا المشهد المؤلم لقلبها المغروم،ابتعد بجسده للخلف وشـ.ـد لجام الحصان ليتحرك للأمام صوب المزرعة، تحدثت بصوتٍ متألم افتعلته بجدارة:
-ميرسي يا فؤاد، مش عارفة لو مكنتش موجود كان هيحصل فيا إيه
تطلع للأمام وتجاهل حديثها فهو بالنسبة له مجرد هراء،كل ما يشغل باله الان هو ما ينتظره من جنون خليلة القلب وغيرتها المُرة عليه،اقتربا من الوصول فألقت عديمة الحياء بجسدها عليه ولفت ساعديها حول عنقه بعدmا هزت جسدها عن قصدٍ لتوهمهُ أنها كانت على وشك الوقوع من فوق ظهر الحصان،هتف الحارس بصوتٍ عال لينتبه الجميع صوب هرولة الحارس:
-خير يا باشا، هي الهانم وقعت من على حصانها ولا إيه؟!
اتسعت عينيه لسرعة الأحداث وتوجه سريعًا ببصرهِ نحو خليلة القلب التي انصدmت وركزت بمقلتيها على تلك المحاوطة لعنق زوجها ورأسها موضوع على صدره دون أي رد فعل من الأخر وكأن يداه تربطت،أسرع بسام ووالده وعلام عليها ليسأل أحمد ذاك المذبهل:
-إيه اللي حصل يا فؤاد؟!
مالها سميحة؟!
وكأنه مغيب لا يرى لا يسمع لا يتكلم،فقط عينيه مثبتة على تلك التي تنظر عليه بصدmة ممزوجة بألم وغضب لو خرج لاحرق الأخضر واليابس بطريقه،فاق على صوت والده وهو ينبهه:
-عمك بيكلمك يا فؤاد
انتبه لينطق بصوتٍ خافت:
-نعم يا بابا
اسندها شقيقها لينزلها ليكرر أحمد السؤال عليه:
-إيه اللي حصل لها؟!
-وقعت من على الحصان معرفش إزاي...جملة قالها بقلبٍ يئن لأجل نظرة الإنكسار التي لمحها بعين زوجته،أسرعت نجوى وفريال وزوجة بسام وماجد ليطمأنوا عليها،إلا عصمت التي أمسكت كف تلك العاشقة المذهولة لتنطق بمؤازرة:
-متضايقيش نفسك علشان البيبي مـ.ـيـ.ـتأثرش
واسترسلت بإيضاح:
-سميحة زي أخته ولو فيه أي مشاعر بينهم مكنش اختارك واتجوزك
تطلعت عليها لتتابع الاخرى بعينين صادقتين لتهون عليه تأثير الصدmة:
-فؤاد مش بس بيحبك،ده بيعشقك، أنا أول مرة أشوف عيون إبني بتلمع من الحب
وقفت لتنطق وهي تحثها على النهوض:
-قومي معايا نطمن عليها واتصرفي طبيعي علشان تحافظي على شكلك وشكل جوزك قدامهم
نظرت إليها بعينين متألمتين لتسترسل الاخرة كي تمنحها القوة:
-إوعي تخلي حد يشمت فيكِ،إنتِ مرات فؤاد علام
نطقت بانكسار ظهر بصوتها:
-مش قادرة أتخطى اللي شفته يا ماما، دي كانت في حـ.ـضـ.ـنه؟
حـ.ـز.نت لأجلها،تعلم أنها عاشقة وصعب عليها تقبل ما حدث لكنها مطالبة بالقوة،تحركت بجوارها ليترجل سريعًا من فوق ظهر الحصان وتحرك صوبها لتتخطاه بوجهٍ كاشر ليزفر بقوة ويسحب شعر رأسه للخلف من شـ.ـدة غضبه كاد أن يخلعه من جذوره،وصلتا لتلك الجالسة فوق المقعد والجميع يلتفون من حولها للإطمئنان عليها وما ان لمحت طيفها تحدثت عن قصد:
-لولا فؤاد كان موجود معرفش كان ممكن يحصل لي إيه يا بابي،أول ما وقعت جري عليا ونزل بسرعة وشالني،وطول الطريق كان خايف عليا لاقع علشان كده أخدني في حـ.ـضـ.ـنه
رمقها والدها بحدة لحديثها الثائر لمشاعر زوجة فؤاد التي نطقت بصوتٍ حاربت بكل قوتها ليخرج هادئًا:
-حمدالله على سلامتك
-ميرسي...قالتها بدلال لتنطق بنبرة حنون:
-لولا فؤاد...
لتقاطعها عصمت بنبرة حادة لاحظها الجميع:
-بلاش تكبري الموضوع وتدي له أكبر من حجمة يا سميحة، فؤاد طول عمره بيعتبرك زي فريال بالظبط
لتسترسل بصوتٍ حازم:
-وأكيد لو فريال هي اللي وقعت مكنش هيسيبها مرمية في الارض ويكمل جري بالحصان
-حمدالله على سلامتك...قالتها لتمسك كف إيثار مسترسلة:
-تعالي إقعدي يا حبيبتي علشان متتعبيش
أفلتت يدها بهدوء لتقول بابتسامة مصطنعة:
-هروح الحمام
هزت رأسها لتنطق فريال التي اقتربت منها:
-هاجي معاكِ
اشارت بكف يدها لتوقفها:
-خليكي أنا عارفة المكان
تحركت سريعًا إلى مبنى الإستراحة لتختفي خلفه تحت نظرات ذاك العاشق،أقبل والده عليه لينطق ساخرًا:
-ليلتك مش فايتة النهاردة يا سيادة المستشار
تطلع إلى أبيه ليسترسل الأخر بمشاكسة:
-يعني كان لازم الحصان،ماكنت قعدت جنب مراتك بكرامتك أحسن
بنبرة جادة هتف بحدة كصقرٍ جريح:
-حضرتك بتتريق،يعني عاجبك اللي الهانم بنت اخوك عملته؟!
واستطرد بحدة وجنون:
-دي نامت على صدري قدام مراتي يا بابا!
حاوط كتفه برعاية لينطق برزانة وهدوء:
-إهدى يا فؤاد علشان عمك ما ياخدش باله،وبعدين إيثار عاقلة
قطب جبينه لينطق باعتراضٍ حاد:
-هي مين دي اللي عاقلة، دي لما شافتني قاعد معاها في الجنينة بالليل إتحولت لغول وساعتها مكانش لسه حصل بينا حاجة،تخيل بقى رد فعلها وهي مراتي قدام الكل وكمان حامل في ابني
-هو الباشا خايف ولا إيه؟!...قالها علام بملاطفة كي يسحب صغيره من تلك الحالة ليجيبه الاخر بعينين صارخة بالعشق:
-أه يا بابا خايف،خايف أخسر حياتي اللي ماصدقت إني لقيتها،خايف على إستقرار نفسيتي وراحتي اللي لقيتهم في حـ.ـضـ.ـن مراتي، وبنت اخوك جاية بكل بساطة تضيع كل ده بتفاهتها
أخذ نفسًا عميقًا حاول به تهدأت حاله، لأول مرة يتحدث بتلك اللهجة مع والده، لام حاله ليتطلع إليه قائلاً باعتذار:
-أنا أسف يا بابا، أنا مش عارف إزاي سمحت لنفسي اتكلم بالعصبية دي قدامك
-ولا يهمك يا حبيبي...قالها بتفهم ليتابع كي يطمئن قلب صغيره:
-ولو على إيثار أنا هكلمها
-لا يا بابا لو سمحت،مراتي أنا هعرف أراضيها...قالها سريعًا ليسترسل وهو يستعد للذهاب:
-بعد إذن حضرتك
تحرك صوب الإستراحة ليدخل من بابها وتوجه لباب الحمام لينشطر صدره حين استمع لصوت شهقاتها الخافتة،اعتصر عينيه بقوة وألم لأجلها ثم دق الباب لينطق بصوتٍ حنون وكأنهُ يحدث صغيرته وليست زوجته:
-حبيبي،إفتحي الباب يا بابا
كانت تقف أمام المرآة الموضوعة خلف الحوض ساندة بكفيها على حافته لتشهق بغصة مرة بعد استماعها لصوته،تدفقت دmـ.ـو.عها كشلالاتٍ منهمرة من أعلى الوديان،قرب فمه من الباب لينطق من جديد:
-إفتحي يا بابا علشان خاطري
إختارت الصمت فقط صوت شهقاتها الذي يعلو ويصدح ليغلي قلبه غضبًا ليدق الباب بقوة من شـ.ـدة هلعه عليها وعلى جنينه الساكن ببطنها:
-إيثار،إفتحي الباب بقولك
قررت الخروج عن صمتها لتهتف بصوتٍ يشتعل غضبًا:
-متعليش صوتك وإمشي من سكات
أجابها بغضبٍ عارم لو خرج لأشعل المكان برمته وهو يحاول لف المقبض دون فائدة:
-لو مش عايزة صوتي يعلى يبقى تفتحي الباب حالاً
لأول مرة تحدثه بتلك الفظاظة،وترجع الأسباب للغبطة الهرمونات:
- مش هفتح ومش طايقة أشوف وشك قدامي،إمشي بقى
-طب إفتحي الباب...قالها بنبرة كالثلج لتنطق بحدة:
-قولت لك مش فاتحة
فتحت صنبور المياه لتقوم بغسل وجهها لينطق هو بكلمـ.ـا.تٍ تهديدية خرجت من بين أسنانه بطريقة مخيفة جعلتها تتراجع للخلف:
-قسمًا بالله لو مافتحتي الباب حالاً لاكون كاسره وخلي بقى الفضايح على العلن
تنفست ووقفت تنظر على الباب لينتفض جسدها حين استمعت لخبطة قوية مصاحبة لصوته الهادر:
-إفتحي الزفت ده
ابتلعت لعابها لتتحرك صوب الباب وتلف مقبضه لينفتح ويظهر هو بحدة عينيه التي اختفت بمجرد ظهورها أمامه ليهرول عليها ويجذبها لتسكن بين أحضانه لتباغته بدفعها القوي لجسده ليتراجع للخلف على أثره،تطلع عليها بذهولٍ لتهتف هي من بين أسنانها وهي تحذره بسبابتها:
-إوعى تلمسني
لتنطق وهي ترمقه باشمئزاز:
-ريحتها لازقة على جـ.ـسمك يا سيادة المستشار
-ريحة مين؟!...قالها بجبينٍ مقتطب لتصيح بعينين تطلقان قذائف نارية:
-ريحة الهانم اللي كنت واخدها في حـ.ـضـ.ـنك ويا عالم إيه اللي حصل بينكم هناك
اتسعت عينيه ذهولاً لينطق بحروفٍ متقطعة:
-لا ده أنتِ إتجننتي رسمي
أسرعت عليه لتدفعه بقبضتيها بصدره العريض ليرتد للخلف على إثرها لتهتف بجنون تحت صدmته من مظهرها:
-ولما أنا مـ.ـجـ.ـنو.نة إتجوزتني ليه؟
لتسترسل بعصبية مفرطة:
-على العموم ملحوقة جنابك،تقدر تطلقني وتروح تتجوز بنت عمك العاقلة
أشار بكفيه ليخرج بصوته:
-إششششش،خلاص إهدي، تعالي نروح ونكمل خناقتنا في البيت بدل الفضايح دي
رفعت قامتها للأعلى لتهتف بقوة:
-ومين المغفلة اللي هتروح معاك البيت أصلاً
اتسعت عينيه بصدmة ليقول بعدm تصديق:
-لااا،ده كده تاتش الهبل زاد وفاض عن الحد
كادت أن تتحدث فأشار لها بعينين تطلق شزرً ليعلن عن نشوب حربٍ قادmة إذا ما تراجعت:
-كلمة زيادة وقسمًا بالله هتتفاجأي براجـ.ـل عمرك ما قابلتي في غبائه
كانت هيئته غنية عن الشرح جعلتها تبتلع لعابها ليهتف بحدة وهو يشير إليها:
-إسبقيني على العربية على ما أروح أجيب الولد
رمقته بحدة لتنطلق بسرعة الصاروخ ليلحق بها جاذبًا يدها ليتشابكها رُغمًا عنها،ثم مال على اذنها هامسًا:
-إفردي وشك وخليكِ طبيعية علشان محدش ياخد باله
أخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوئها نظر عليها وتمنى أن يحتويها ويدخلها بين ضلوعه لكنها الأن غاضبة كالفرسة الجامحة وعليه الحزم بقوة لكبح جماحها، فقد بات يحفظ طبعها عن ظهر قلب،تحرك بها للخارج،وجد الجميع جالسون ويتحدثون بطبيعية وكأن شيئًا لم يحدث لتتجه أنظارهما على تلك السميحة ليجداها تضحك بوجهٍ سعيد بعد أن أزالت أثار التراب بمحرمة معطرة ليزفر بقوة بعد أن تأكد من أن ما قامت به ليس إلا خطة حقيرة نسجتها ببراعة ليقع هو فريستها،حقًا لا تأمن كيد النساء ومكرهُن
تحدث أحمد إليهما بهدوء كي يمحي أثر ما قامت نجلته بفعله ولامها عليه بحدة:
-هات مراتك وتعالوا كلوا فاكهة يا فؤاد
-معلش يا عمي مضطرين نمشي...قالها بهدوء ليتابع بزيفٍ كي لا يدع الشك يساورهم:
-إيثار عندها متابعة مع الدكتورة وكانت نسياها،والسكرتيرة لسه مكلمانا حالاً كانت بتأكد على الميعاد
سأله عمه بنبرة حنون:
-طب مش هترجعوا تتغدوا معانا،ده أنا موصي الطباخ وعامل لك كل الأصناف اللي إنتَ بتحبيها
نطق باعتذار لطيف:
-معلش يا عمي سامحني،إيثار بترجع من المتابعة تعبانة
واستطرد متعللاً:
-حضرتك عارف الحمل في أوله بيبقى مُتعب
أضافت على حديثه بنبرة هادئة بصعوبة استدعتها:
-أنا أسفة إني لغبطت لحضرتك اليوم
تحدث الرجل بلباقة:
-ولا يهمك يا بنتي، تتعوض الأيام جاية كتير أهم حاجة صحتك
ابتسمت سميحة بخبث لتنطق بنبرة حنون كي تثير غضب تلك المجاورة له:
-ميرسي مرة تانية يا فؤاد
لم يعير لحديثها إهتمام ليتحدث إلى الصغير بتجاهل تام لتلك التي اشتعلت نيرانها:
-يلا يا چو علشان نروح
مط الصغير شفتيه ليتحدث إلى فؤاد بعينين متوسلتين:
-بس أنا عاوز أفضل هنا مع بيسان وجدو
ردت عليه والدته باعتراض:
-مش هينفع تقعد وأنا مش معاك يا حبيبي
-بليز يا مامي...نطقها بحـ.ـز.نٍ في عينيه لتنطق عصمت بهدوء:
-سبيه معايا يا إيثار، أنا هاخد بالي منه
كادت أن تعترض ليهمس بهدوء:
-خلاص سبيه،خلينا نمشي
استقلا السيارة لينطلق متجهًا نحو القصر،نظر بجانب عينه يتطلع على تلك الصامتة التي تنظر من النافذة،همس بهدوء وصوتٍ معتذر:
-إنتِ كويسة
لم تعير لحديثه اهتمام ليزفر بقوة قائلاً:
-وبعدين معاكِ،بلاش تستغلي حبي ليكِ وتزوديها
-ممكن تسكت...قالتها بحزمٍ جعله يُذهل من فظاظتها المستجدة لكنه أسند حدتها المفرطة إلى هرمونات الحمل فاتخذ من الصمت نصيبًا حتى وصلا إلى القصر
*********
داخل قسم الشرطة، يجلس الضابط أمام أحد الرجـ.ـال الماهرون بفتح الهواتف، تحدث الرجل وهو يمد يده بالهاتف نحو الضابط لينطق باحترام:
-إتفضل التليفون اتفتح يا باشا
استلمه منه واخبر العسكري بأن يستدعي عزيز من المحبس ليأتي بعد قليل مطاطأ الرأس وقد بدا الإعياء على وجهه وجسده فتحدث بنبرة هادئة:
-التليفون إتفتح،مش عاوز تعرف إيه اللي مراتك كانت بتعمله من وراك؟
ابتلع غصة مُرة بحلقة وشعر بكرامته كرجل تدهس تحت أحذية الجميع،للحظة شعر بالريبة من معرفة المجهول وكشف المستور،هل كانت زوجته خائنة،هل تعرفت على أحدهم و.جـ.ـعلته يدوس على شرفه،أفكارًا كثيرة لاحت بمخيلته لينطق الضابط وهو يشير بكفه حين رأى حيرته ورعـ.ـبه:
-إقعد
جلس وأخرج الضابط سيجارتين واحدة له والأخرى أعطاها لعزيز وأشعل كلاً منهما سيجارته،ضغط الضابط زر التسجيلات ليظهر صوت نسرين
-خير، عاوزة إيه تاني؟
بدون مقدmـ.ـا.ت سألتها الاخرى بقلبٍ يشتعلُ نارًا:
-إيثار عندكم في البيت ولا غارت في داهية؟
-والمفروض بقى إن الهبلة نسرين ترد وتطمنك؟!
صاحت سمية بغلٍ أوضح وصولها للمنتهى من الصبر:
-نسرين، انا على أخري ومش طايقة نفسي، جاوبي من غير خُبث
-واريحك بمناسبة إيه!..لتتابع مؤنبة إياها:
-ده أنتِ بعتيني واتخليتي عني بعد ما خسرت كل حاجة
اتسعت عيني عزيز بذهول لتكمل سمية بلهفة:
-هديكِ الفلوس اللي إنتِ عوزاها بس انجزي وقولي
سألتها نسرين بريبة:
-وأنا إيه اللي يضمن لي إنك مش هتاخدي اللي عاوزة ت عـ.ـر.فية وبعدها ترجعي لأصلك وتتخلي عني تاني؟
بعجالة أجابتها لتقطع الشك الساكن بقلبها:
-المصلحة هي الضامن يا نسرين،أنا وانتي مصلحتنا واحدة وعدوتنا واحدة، ودي النقطة المشتركة بينا
اقتنعت لصحة حديثها لتقول بنبرة هادئة:
-إيثار إخواتها حابسينها وبكرة بعد صلاة العشا عمرو هييجي هو واخواته ومعاهم المأذون
-حاولي تهربيها وهديكي مية ألف جنية...جملة نطقت بها سُمية لتهتف الأخرى بـ.ـارتعاب:
-إنتِ إتجننتي يا سُمية، إنتِ شكلك ناوية على طـ.ـلا.قي
بنبرة هادئة تُظهر تخطيتها لكل شئ أجابتها:
-محدش هيعرف، وإيثار نفسها هتشيلها لك جميلة ومش بعيد تكافأك بفلوس إنك خلصتيها من إيد إجلال اللي مستحلفة لدخلتها البيت
-المفتاح مع عزيز يا سُمية،ومستحيل يسلمهولي، وحتى لو معايا،ههربها إزاي من اللي في البيت...كلمـ.ـا.ت منطقية قالتها نسرين لتنطق الاخرى بكلمـ.ـا.تٍ بعدmا امتلئ قلبها بالحقد ولم يعد للخشية من الله مكانًا به:
-بسيطة،تخلصينا منها خالص
استعلمت نسرين مستفهمة:
-قصدك إيه؟
-حطي لها سِـ.ـم في الأكل يخلصنا منها،ولا من شاف ولا مِن دِري...قالتها بهدوء لتصرخ نسرين بـ.ـارتياب:
-الله يخرب بيتك، إنتِ عاوزة تخلصي مني أنا كمان،أقـ.ـتـ.ـلها أنا واتعدm وانتي تعيشي مع البيه وتتهني بفلوسه، لا ناصحة يا بِت
-إسمعيني بس،محدش هيعرف حاجة...قالتها لتهدأة الأخرى لتسترسل بإبانة:
-أنا عندي برشام قوي الدكتور كان مديهولي وكان محذرني منه، قالي ابعده عن الاطفال لأن ثلاث برشامـ.ـا.ت منه كفيلة تقـ.ـتـ.ـل بني أدm كبير،قابليني كمان ساعة عند التِرعة الغربية علشان اديهولك،حطي لها سبع أقراص منه في الاكل وسيبي العلبة جنبها،أول ما يشفوها هيقولوا إنها انتحرت علشان غـ.ـصـ.ـبوها لرجوعها لـ عمرو
واسترسلت بدهاء:
-وهيخافوا يبلغوا ليدخلوا في سين وجيم،وهيدفنوها من سُكات ويدفن سرنا معاها ونرتاح،أنا اعيش مع جوزي وبنتي في أمان، وإنتِ تاخدي الـ مية ألف جنية تجيبي بيهم دهب بدل اللي راح
تعجبت من صمتها لتسألها:
-قولتي إيه؟
بنبرة متعجبة نطقت بصوتٍ مرتعب يغلفهُ الذهول:
-قولت إني مش هنفذ ولا كلمة من التخريف اللي إنتِ لسة قيلاه ده، إنتِ شكلك ست مـ.ـجـ.ـنو.نة، عوزاني أقـ.ـتـ.ـل عمة ولادي علشان خاطر الفلوس، ده ولا مال قارون كله يخليني أفكر أأذيها
لتتابع بقوة وكأنها تحولت لشخصٍ أخر تعجب له عزيز والضابط:
-الكلام اللي قولتيه ده تنسيه،وبردوا هتديني الـ مية ألف جنية، مش بس كدة، ده أنا كل ما احتاج فلوس هطلبها منك وإنتِ زي الشاطرة هتديهم لي
هتفت سُمية باستغراب وعدm استيعاب لحديث نسرين:
-إنتِ اتجننتي يا بِت ولا شاربة حاجة مخلياكِ مش واعية للي بتقوليه
اجابتها نسرين بهدوء لا يتناسب مع الحدث:
-هديكِ فرصة خمس أيام بحالهم،تجمعي لي فيهم مية ألف جنية، أظن كدة عداني العيب... نطقت كلمـ.ـا.تها التهديدية لتغلق الهاتف سريعًا قبل ان تُعطي لها حق الرد
نظر عزيز امامه بشرو وذهول وعدm استيعاب ليضغط الضابط على التسجيل الذي يليه ليظهر صوت نسرين من جديد بنبرة ماكرة:
-كنت عارفة إنك هتتصلي علشان كده استنيتك ومنزلتش تحت
لتصيح الاخرى بغضبٍ عاصف:
-بتسجلي لي، هي حصلت يا بنت الـ
وقبل أن تُكمل سبها قاطعتها الأخرى بقوة لما تمتلك الأن بما يزج الاخرى داخل السجن:
-إوعي تنطقي بكلمة واحدة وإلا هنـ.ـد.مك،الفلوس تكون عندي الإسبوع ده وإلا التسجيل الحلو ده هيوصل للحاج نصر بنفسه
لتصمت الأخرى مستغلة خوفها:
- الراجـ.ـل داخل على انتخابات ومش محتاج شوشرة،شوفي بقى ممكن يعمل فيكِ إيه لو عِرف إن مرات إبنه بتخطط لقـ.ـتـ.ـل ضُرتها
بعد صمت وتفكير نطقت سمية بهدوء:
-هجهز لك الفلوس يا نسرين، بس تقابليني بنفسك وتديني التسجيل أمسحه بإيدي
أجابتها الأخرى بنبرة بـ.ـاردة كالثلج:
-جهزي الفلوس وبعدين نبقى نشوف هنعمل إيه
أغلق الضابط الهاتف لينطق عزيز بذهول:
-يعني مراتي كانت متفقة مع ضرة اختي عليها وكانت بتاخد فلوس منها علشان مترجعلوش؟!
هتف الضابط بصوتٍ حاد:
-إتصل لي يا ابني بوكيل النيابة المسؤل معانا عن القضية علشان يستخرج لنا أمر بالقبض على مرات ابن نصر البنهاوي
ليسترسل وهو يحك ذقنه باستغراب:
-خلينا نشوف حكايتها إيه دي كمان
***********
ليلاً
انضمت لتخت صغيرها بعدmا تشاجرت مع زوجها حين عودتهما ليتركها تهدأ ويهبط إلى الاسفل ليقضي يومه داخل المكتب حتى حضرت عائلته من عزيمة عمه،ولج لجناحه ليجده غارقًا في الظلام ليغمض عينيه متألمًا،تحرك إلى غرفة الصغير وقام بفتحها بهدوء كي لا يُزعجه ليجدها ممدة بجواره تحتضنه وتدفن أنفها بعنقه وكأنها تختبئ من أحزانها داخل حـ.ـضـ.ـنه الصغير،ولج بهدوء وتحرك حتى وصل إليها ثم انحنى بجذعه ليهمس بجانب اذنها:
-إيثار،يلا علشان تنامي في أوضتك
لم تجيبها بل تظاهرت بالنوم ليتابع بدهاء:
-أنا عارف إنك صاحية
ليخرج صوتهُ بنبرة تقطر من الغرام ما يجعل روحها تهيم بسماء عشقهما الفريد:
-يلا علشان مش عارف أنام لوحدي
كظمت أنفاسها واتخذت من الصمت ملاذًا ليتحرك للخارج ويغلق خلفه الباب لترفع رأسها سريعًا تتطلع عليه لتجد الحجرة خالية،شعرت بالمهانة واخترق صدرها ألمًا عظيمًا،لم تستوعب انهُ تركها ورحل بتلك البساطة، ألهذا الحد لم تعني له شيئًا،ألقت برأسها فوق الوسادة وتركت العنان من جديد لدmـ.ـو.عها التي لم تتوقف طيلة اليوم، بكت بقهرٍ وغصة مُرة وقفت بحلقها كادت أن تخـ.ـنـ.ـقها لتتوقف حين استمعت لفتح الباب من جديد وصوت أقدامٍ تتجه صوبها،شعرت بأنفاسه تقترب حتى وضع كفه على كتفها ليتمدد بجسده بعد أن ذهب وبدل ثيابه بأخرى مريحة تصلح للنوم،إحتضن خصرها ودفن أنفه بثنايا عنقها ليهمس بما جعل السكينة تشمل روحها:
-مش هقدر أنام بعيد عن حُضنك
-إنتَ مش بتحبني...قالتها بدmـ.ـو.ع ليجيبها هامسًا:
-أنا فعلاً مش بحبك
ليتابع بصوتٍ زلزل كيانها وأنفاسه الحارة تلفح بشرتها:
-أنا عاشق لكل نفس داخل وخارح منك
إستدارت قليلاً لتنظر بعينيه قائلة:
-وهو اللي بيحب حد كده يعرف يحـ.ـضـ.ـن حد غيره
همس بنبرة توحي لمدى عشقه لتلك الانثى التي بدلت حياته وزادتها جمالاً:
-اللي يدوق دفى وحلاوة حـ.ـضـ.ـنك لا يُمكن يقدر يستغنى عنه ولا يجرب غيره
و ضع شفتيه على عنقها ليتلمسه بنعومة أثارتها لينطق بدلالٍ على حبيبته:
-على فكرة،أنا زعلان منك قوى
-ليه؟...قالتها مسحورة بعينيه ليجيبها بهيامٍ:
-علشان أنا طلبت منك قبل كده إنك متسبيش حـ.ـضـ.ـني مهما حصل وإنتِ وعدتيني
أجابته هامسة بشفاه مرتعشة أثارته:
-إنتَ اللي اضطرتني لكده
كاد أن يتحدث حتى قاطعه صوت الصغير الغاضب الذي مل كثرة ثرثرتهما حتى انه فاق من غفوته عليها:
-يوووو بقى،يلا روحوا أوضتكم واتكلموا هناك، أنا عاوز أنام
شهقت بخجل ليسأله هو باستفسار:
-إنتَ صاحي من إمتى؟!
هتف بحدة طفولية:
-من بدري، ومش راضي أكسفكم بس إنتوا مش مبطلين رغي، وأنا دmاغي صدعت
قهقه فؤاد ليقول لها عاتبًا:
-شايفة يا هانم، من خرج من سريره إتسف عليه من العيال
كظمت ضحكتها وانتفض هو ناصبًا ظهره لينحني عليها يحملها بين ساعديه لتصرخ معترضة:
-إنتَ بتعمل إيه يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
هتف مبررًا بملاطفة:
-رايحين جناحنا، ولا عاوزانا نقعد لحد ما البيه يطردنا من أوضته
ثم حول بصره إلى الصغير لينطق بمشاكسة:
-وإنتَ بقى هبعت لك عزة، وده هيكون أحسن عقـ.ـا.ب ليك علشان تعرف إن الله حق وإن رغي ماما وعمو فؤاد زقزقة عصافير جنب اللي هتعمله فيك عزة
قهقه الصغير بسعادة ليتحرك هو بحبيبة حبيبها صوب الباب ليفتحه ثم التفت للصغير وهو يقول بمداعبة:
-تصبح على خلقة عزة يا حبيبي
وصل لجناحيهما ليغلق الباب بقدmه ويستند عليه ناظرًا على شفتيها وهو يقول عاتبًا:
-جالك قلب تطلعي من أوضتك وتسيبي حبيبك لوحده؟
تعلقت بعنقه لترفع وجهها لأعلى وتطبع قبلة ناعمة بجانب شفته وتبتعد لتنطق أمام عينيه:
-علشان حبيبي زعل حبيبته
-ولا يقدر على زعلها دقيقة واحدة...قالها ليميل عليها يلتقط شفتيها بقبلة راغبة ليبتعد مسترسلاً بأمر من عينيه:
-متسبيش أوضتك تاني، مفهوم
-حاضر...قالتها بطاعة اثارت مشاعره ليتحرك بها نحو الفراش ويضعها برفقٍ وكاد ينقض عليها فتحدثت لتذكره:
-إتصل بعزة تطلع ليوسف الاول
اومأ لها وهاتف عزة التي كانت قد غفت لتصعد للصغير وعاد هو ليغوصا داخل عالمهما الساحر ليحيا بداخلهُ ويتذوقا شهد عشقهما الحالم،إنتهى من جولتهما العشقية التي حولت قلبيهما ليرفرفا من شـ.ـدة السعادة ثم دفنت حالها داخل أحضانه الحنون ليغفا كلاً منهما بسلام داخل أحضان حبيبه.
↚
صباحًا داخل منزل نصر البنهاوي
تجمعت نسوة المنزل داخل المطبخ يساعدن العاملات بتجهيز طعام الإفطار للجميع،أما الرجـ.ـال فكانوا يجلسون بالبهو ينتظرون إكتمال سفرة الطعام لينتقلون إليها، خرجت إجلال من غرفتها تتبختر بمشيتها كالطاووس حتى وصلت لمقعدها المخصص لها والمحرم على غيرها من أهل المنزل،جلست لتنطق بحدة وبصرها موجهًا على نصر:
-هتجيبولي يوسف علشان أشوفه إمتى؟
ابتسم ساخرًا ليجيبها بنبرة متهكمة وهو يرمق نجله بنظراتٍ حادة:
-وهي بنت غانم هتخليكِ تلمحيه تاني بعد اللي عمله المحروس فيها
اتسعت عينيها لتهتف بحدة غاضبة:
-بقولك إيه،أنا مايلزمنيش الكلام ده كله،أنا عاوزة أشوف الولد والإسبوع ده يكون عندي
ارتبك من نوبة غضبها العارم لينطق سريعًا كي يهدئ من روعها فهو يحتاج دعمها الفترة المقبلة فبرضاها سيرضى عنه الجميع:
-إصبري عليا لحد ما هوجة الإنتخابات تعدي وبعدها هعمل المستحيل وهخلي بنت غانم هي بنفسها اللي تجبهولك لحد هنا
ثم اتسعت ابتسامته وهو يقول بتشفي:
-وبعدين الصبر يا ستهم،الموضوع أساسًا شكله هيتحل من عند ربنا لوحده
-إزاي يا أبا...نطقها طلعت مستفهمًا ليجيبه ذاك الداهي:
-إنتَ ناسي إن أخو المحروسة قـ.ـتـ.ـل مـ.ـر.اته وياعالم،شكل الموضوع فيه راجـ.ـل
واسترسل شامتًا:
-ربنا يستر على ولايانا،تفتكروا واحد بمنصب جوزها وأبوه هيرضوا يقعدوا واحدة أخوها قـ.ـتـ.ـل مـ.ـر.اته علشان خـ.ـا.ينة
اتسعت عينين عمرو بأمل تجدد داخله ونطق متسرعًا بلهقة ظهرت بنبراته الحماسية:
-تفتكر يا بابا هيطـ.ـلقها؟
أجابه بقوة:
-غـ.ـصـ.ـب عنه مش بمزاجه،منصب أبوه هيجبره يطـ.ـلقها ويرميها رمية الكلاب
واستطرد مضيقًا عينيه وهو ينظر أمامه بشرودٍ:
-وساعتها هتبقى الفرصة جت لي علشان استفرد بيها وادوقها المر على أديا
وتابع متوعدًا بشرٍ وخطة شيطانية ظل ينسجها طيلة الليل حتى اكتملت بمخيلته:
-وما ابقاش نصر إن ما لبستها قضية أداب مع عيل وفي قلب شقتها،تخلي إخواتها يلبسوا طَرح من وراها
ضحكت إجلال بشمـ.ـا.تة بعدmا استساغها تفكيره المذهل بالنسبة لها ليهتف عمرو مستحسنًا فكر والده ولم يهتم بسمعة والدة صغيره وما سيترتب عليه من التأثير عليه مستقبلاً:
-الله على أفكارك يا بابا، هي دي دmاغ نصر البنهاوي المتكلفة
استشاط داخل طلعت واحتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة وهو يرمقهم بنظراتٍ مشتعلة،فقد منىَ روحه وأقلمها على أنه تخلص من الصغير إلى الابد بزواج والدته من هذا الثري، لكن من الواضح أن ذاك الصغير سيظل شوكة في ظهره تؤرقه وتنغص عليه حياته،اما حُسين ذاك النقي وسط تلك العائلة المسمومة فهتف باعتراضٍ وذهول:
-إيه اللي إنتَ بتقوله ده يا ابا،حـ.ـر.ام عليك الكلام ده،دي ولية ومهما كان دي في الأخر أم إبننا
ليتابع لائمًا شقيقه بحدة:
-وإنتَ يا عمرو، مفكرتش في سمعة إبنك لما أمه تتوصم بالعار العمر كله؟!
إرتسمت إبتسامه ساخرة علي شفتيي نصر لينطق متهكمًا على تفكير صغيره:
-ملعـ.ـون أبوها لأبو سمعتها يا أبو قلب حنين،سمعتها ولا ابن أخوك اللي هيتربى في بيت الأغراب ويتعاير بـ لقمته لما يكبر؟
واسترسل عاتبًا بعدmا تحول وجهه لغاضبًا:
-بقى مش هامك ابن أخوك اللي أمك هتتجنن عليه وشايل هم سمعة المحروسة؟!
-يا أبا أنا... لم يدعه يكمل جملته وهتف بإهانة جعلته يبتلع كلمـ.ـا.ته مع غصة مرة وقفت بحلقه:
-إنتَ تخرس خالص وتقعد زيك زي الكنبة اللي إنتَ قاعد فوقيها
أنزل بصره للأسفل خجلاً ليتحدث عمرو بلهفة ولمعة ظهرت بعينيه:
-طب مش تكلم اللي اسمه فؤاد يا بابا وتعرفه باللي حصل
1
ضيق بين عينيه ثم حك ذقنه بيده قبل أن ينطق بتروي:
-هيحصل،بس لما التهمة تثبت على عزيز، أنا بنفسي هكلمه من باب إن قلبي عليه وعلى سمعة أبوه
-ولو مطلقهاش يا بابا؟...قالها كطفلٍ متذمر يريد عودة دmيته المفضلة لينطق نصر بهدوء:
-ساعتها هجيب رقم أبوه بأي طريقة وأوصل له المعلومـ.ـا.ت، وأكيد الراجـ.ـل هيخاف على منصبه
رفعت حاجبها الأيسر بتهكم مع رسمها لتلك الابتسامة الساخرة قبل أن تقول:
-طول عمرك معلم في التخطيط، بس متنساش إن كل ذكي،فيه اللي أذكى منه
2
قطب جبينه وهو ينظر عليها مستغربًا لكلمـ.ـا.تها الغير واضحة ورد فعلها الغريب على خطته التي رسمها بحنكة في حين أنها كانت بالماضي تشيد بأفكاره وتفخم منها،أما هي فكادت أن تجن بعدmا أخبرها إبن عمها "هارون"مساء الأمس بأن المحامي قام بتبليغه أن موظف الشهر العقاري لم يعثر على أية عقارات باسم نصر البنهاوي سوى منزلاً باسم عمرو نصر البنهاوي وهي تعلم به لتزيد حيرتها ولكن من حسن حظ تلك الشذى أن فكرة توثيق العقار باسمها لم يخطر ببال تلك الحية الرقطاء وإلا كانت لقيت حتفها في الحال على يد تلك المتجبرة التي لا تخاف الله
أما طلعت فكان يراقب الجميع بصمتٍ تام لحين التفكير في حلٍ ينهي هذا الموضوع الذي بات يؤرقه بشكلٍ كبير
***********
داخل المطبخ
كانت تقف أمام موقد الغاز تقوم بتقليب قدرٍ به أرزًا بالحليب لطهيه،إهتز جسدها وتلفتت من حولها بهلعٍ فور استماعها لصوت وقوع أحد الصحون على الارض فور انزلاقه من يد مروة ليحدث صوتًا ليس بالقوي كي يستدعي كل هلعها هذا مما ادعى استغراب مروة وياسمين التي سألتها بجبينٍ مقطب:
-مالك يا بت يا سُمية،ليكِ كام يوم كده تايهة ومش مظبوطة؟
ابتلعت لعابها حين ذكرت حديثها لتنطق بصوتٍ مرتبك:
-تايهة إزاي ما أنا زي الفل أهو
واستطردت بتعجل كعادتها:
-ده أنا حتى شاكة إني حامل
لكنها فورًا تذكرت أنه لم يمر على ماحدث بينها وبين عمرو سوى ثلاثة أيام فقط فتراجعت سريعًا لتنطق بـ.ـارتباك ظهر بنبرات صوتها وعلى وجهها:
-يعني لسة مش متأكدة،أصله لسه فى الأسبوع الاول
رمقتها مروة بنظراتٍ مريبة قبل أن تنطق متعجبة لحالها:
-مـ.ـا.ترسي لك على بر في الكلام،هو إيه اللي حامل ومش متأكدة
ثم استرسلت ساخرة:
-ومن إمتى الحمل بيعرفوه من الاسبوع الاول يا نضري؟!
ازدردت ريقها لتنطق ياسمين مؤكدة على حديث الاخرى:
-جديدة بتاعت حامل في أسبوع دي، أول مرة أسمعها
ثم نظرت إلى مروة وأطلقتا الضحكات الساخرة لترتبك الاخرى وهمت بالرد لتكمل خطتها بعدmا عقدت النية بأن تستعجل في نشر خبر حملها لاكتساب الوقت فالتأخير ليس بصالحها وخصوصًا بعدmا علمت من الطبيبة أنها بعثت بنتيجة العينة الاخيرة لطبيب مختص بالأورام وأكد لها أسفًا أن الورم تحول إلى خبيث ويجب استئصال الرحم فورًا لكنها كابرت وعاندت ولم تكترث حتى لحياتها مقابل التعلق بأملٍ زائف،فأقنعت حالها بأنها ستنتظر فقط سبعة أشهر وبعدها ستدعي تعبها وتنتقل بالعيش عند والدتها كي تراعيها وبعدها ستوهم الجميع بولادتها الزائفة بعد الحصول على طفل قد اتفقت مع عاملة نظافة تعمل بالمشفى العام بالمركز على جلبه لها مقابل مبلغ مالي ضخم،ومن ثم ستستئصل الورم وبهذا تكون ربحت بكل الجهات،هكذا زين لها شيطانها خطتها،ردت بقوة زائفة استدعتها بإعجوبة وهي تشير لكلتاهما وللعاملات المتواجدات حولهن:
-إياك واحدة فيكم تنطق بحرف قبل ما اتأكد الاسبوع الجاي من تحليل الدm اللي هعمله
بالكاد أكملت جملتها لينتفض جسدها من جديد حين استمعت لصوت طرقات عالية فوق الباب لتهرول إحدى العاملات وتبادر بفتحه ليظهر الضابط ومعه قوة من رجـ.ـال الشرطة حيث تحدث بقوة:
-سمية فتحي عبدالحميد موجودة؟
ابتلعت المرأة لعابها لتهتف بـ.ـارتباك:
-مـ موجودة يا باشا،استنى ادي خبر للحاج نصر
لينطق الضابط من جديد وهو يدفع المرأة بحدة جانبًا كي تفسح له الطريق:
-متشغليش بالك إنتِ،إحنا هنعملها له مفاجأة
وقف الجميع حين استمعوا للحديث لينطق نصر بصياحٍ كي يصل صوته للمرأة:
-مين اللي جه يا بت يا نجاة؟
أنا يا سيادة النائب... قالها الضابط وهو يدخل بقامة مرتفعه يليه رجـ.ـاله لينطق نصر رغم تعجبه:
-أهلاً يا باشا، نورت البيت، اتفضل خد واجبك إنتَ والرجـ.ـا.لة
بنبرة جادة رد على حديثه:
-أنا مش جاي أتضايف يا حاج نصر، أنا جاي أشوف شغلي
هرولت لتقف منزوية بجوار باب المطبخ تتطلع على الضابط وجسدها ينتفض هلعًا تكاد روحها أن تنسحب من شـ.ـدة الخوف،ليتابع الضابط بصوتٍ حاد:
-عندي أمر بتفتيش البيت والقبض على سمية فتحي عبدالحميد
صدmة ألجمت الجميع لتصيح هي بصوتٍ أظهر ربكتها:
-هتقبض عليا ليه يا حضرت الظابط،أنا معملتش حاجة ومليش دعوة
هتف الضابظ بقوة بعدmا رأى هلعها وتأكد من أنها الجاني من خلال خبرته التي اكتسبها خلال سنوات عمله:
-لما نفتش البيت ونحقق معاكِ ساعتها نشوف إذا كنتي عملتي حاجة ولا لا
هتف نصر مستفسرًا باندهاش:
-متفهمني الحكاية يا سعادة الباشا؟
أجابه الرجل بقوة:
-مرات إبنك من المشتبه فيهم بقـ.ـتـ.ـل نسرين عبدالسلام
جحظت عينيه بصدmة لينطق عمرو وهو يتطلع عليها بذهولٍ:
-قـ.ـتـ.ـل،هي حصلت القـ.ـتـ.ـل؟!
صرخت وهي تهز رأسها بنفي:
-مـ.ـا.تصدقهمش يا عمرو، أنا ماقـ.ـتـ.ـلتش حد، والله العظيم ما قـ.ـتـ.ـلتها
1
هتف نصر مدافعًا عن حاله فأخر ما يشغل باله هي تلك الحقيرة:
-يا باشا أكيد فيه حاجة غلط،مرات ابني ملهاش علاقة بالقتيلة
واستطرد مبررًا ليلصق التهمة بالمتربصين به:
-أكيد أعدائي هما اللي طلعوا الإشاعة دي علشان يضروني في الانتخابات
نطق الضابط بحدة وحزم:
-عيب الكلام اللي بتقوله ده يا حاج نصر، تفتكر أنا هتحرك من مكتبي وأجي أنا ورجـ.ـالتي علشان إشاعات؟!
واسترسل بإبانة:
-إحنا لقينا تليفون في دولاب القتيلة عليه تسجيلات لسمية وهي بتحرض نسرين على قـ.ـتـ.ـل إيثار غانم الجوهري مقابل مية ألف جنية،في اليوم اللي كان هيتم كتب كتابها على عمرو إبنك
احتدت ملامح عمرو وامتلئت بالقسوة ليهجم عليها وهو يصـ.ـر.خ بجنون:
-يا بنت الـ... يا مجرمة،كنتي عاوزة تمـ.ـو.تي أم ابني
صرخت متأذية من قوة قبضته على شعرها ليخلصها العسكري من يده لتصرخ هي:
-محصلش، والله ماحصل
همست إجلال من بين شفتيها بتشفي وهي تتطلع على نصر ومظهره الذي يوحي بوشوكه على سكتة دmاغية:
-إجمد أمال يا نصر، ده لسة التقيل جاي ورا
3
-يلا يا عسكري منك ليه شوف شغلك...قالها الضابط وهو يشير إليهم بالإنتشار بانحاء المنزل للبحث عن دليل لينطق نصر بصوتٍ خافت:
-معاك إذن بالتفتيش يا بيه؟
اخرج الضابط ورقة الإذن ليشيح بها أمام وجهه ليقول بتأكيد:
-أنا معاكم في المركز من سنين وإنتَ عارفني كويس يا حاج نصر، أنا شغلي كله قانوني وبأوامر من النيابة
انتشر الرجـ.ـال بانحاء المنزل بالطابق الارضي والثاني والثالث بصحبة طلعت وحُسين وعمرو لتهتف مروة المنزوية على حالها هي وياسمين بجوار المطبخ يتطلعون على ما يجري بذهول:
-أقطع دراعي من هنا إن ما كانت العقربة دي هي اللي قـ.ـتـ.ـلت البت نسرين
لترد الاخرى وهي تنظر بذهول لما يحدث:
-مش للدرجة دي يا مروة
نطقت بمنطقية:
-طب وتفسري بإيه سرحانها طول اليومين اللي فاتوا، ولا رقبتها اللي مخبياها بالطرحة مع إن الجو حر ولعة وهي طول عمرها حتى في الشتا بتربط إيشارب خفيف لورا وتبين رقبتها قدام رجـ.ـا.لة البيت
نطقت ياسمين بتبرير:
-أديكي قولتي بنفسك، ليها كام يوم متدهولة، والبت نسرين مقـ.ـتـ.ـو.لة إمبـ.ـارح بس
-مهي كانت بتخطط للجريمة قبلها يا هبلة...قالتها لترفع الاخرى حاجبها وبدى على وجهها علامـ.ـا.ت الإقتناع لتتابع الاخرى بدهاء:
-انا متأكدة إن لو شيلنا الطرحة من على رقبتها هنلاقي دليل،حسين قالي إن نسرين الله يرحمها وشها كان مليان خرابيش لما شافوها، والبت سمية دي بغل وحقودة، فاكرة لما اتخانقت مع هانم علشان معملتلهاش صنية الكيكة اللي كانت عوزاه
ضيقت ياسمين بين حاجبيها لتتذكر تلك الواقعة فتابعت الاخرى بتذكير:
-فاكرة قطعت وشها من الخرابيش إزاي، البت دي غلاوية بلوة وبلانا بيها عمرو الله يسامحه
نزل الرجـ.ـال لينطق أحدهم وهو يمسك هاتفًا بيده:
-لقينا التليفون ده تحت مرتبة السرير في شقة المتهمة يا باشا، وأوصافه نفس أوصاف تليفون القتيلة اللي جوزها قال عليها
ارتعش جسدها ونزلت دmـ.ـو.عها تنهمر على وجنتيها ليهتف نصر وهو يرمقها بنظراتٍ نارية:
-وقعتك سودة ومنيـ.ـلـ.ـة على نفوخك،تليفون مرات عزيز بيعمل إيه عندك يا بت؟!
صرخت ورجـ.ـال الامن يحتجزوها للمغادرة:
-معرفش، والله ما اعرف يا عمي، متخلهمش ياخدوني الله يخليك
تحرك الضابط برجـ.ـاله واصطحبوها للخارج تحت صرخاتها وصرخات إبنتها الصغيرة التي أسرعت عليها مروة لتحتضنها وتحاول أن تهدئ من حالة الفزع التي أصابتها من مظهر والدتها، وقف الجميع يتطلع على اثرهم ليلقي نصر بجسده فوق أقرب مقعدًا ويضع رأسه بين كفيه وهو يندب كالنساء:
-يا مصيبتك اللي حلت على دmاغك يا نصر،أخرتها مقعد في بيتك قتالة قُتله
رفع رأسه لينظر على عمرو الواقف مذبهلاً ليصـ.ـر.خ بجنون:
-منك لله يا بعيد،أنا قولت من الأول إن نهايتي هتكون على إيديك
3
-مش وقت الكلام ده يا حاج...قالها طلعت المذهول ليتابع بعقلانية خوفًا على مقعد البرلمان:
-لازم نتصرف ونطلع البت من القضية بأي طريقة علشان الإنتخابات
واسترسل بريبة ظهرت فوق ملامحه:
-البت دي لو ثبتت عليها التهمة واتحبست الحاج محمد بتاع كفر الرحباوي هيستغل الموضوع وهياخد مننا كرسي المجلس
ضيق نصر بين عينيه لتنطق إجلال بدهاء يرجع لرغبتها القوية في تدmيره على يديها هي بالتحديد لتكون الضـ.ـر.بة قاضية وبعدها ستذهب لأشقائها تستعين بهم على أن يغلقوا بوجهه باب الحفر على الاثار لتسحب منه كل الإمتيازات ويعود كما تعرفت عليه، مجرد صعلوك وتتحكم هي به لتذيقه على يديها جميع أنواع الذُل والمهانة عقـ.ـا.بًا منه على تجرأه لخيانتها هي:
-مفيش غير حل واحد
استدار ليسألها متلهفًا:
-إيه هو؟
نظرت له لتتابع بتفكير شيطاني:
-تخلي الواد عزيز يعترف إن هو اللي قـ.ـتـ.ـلها لما شك إنها تعرف واحد عليه،وترمي له قرشين حلوين يتلهي فيهم، الواد ده طول عمره كـ.ـلـ.ـب فلوس ويبيع ابوه علشان الجنيه
1
هتف طلعت محبذًا الفكرة:
-الله على دmاغك يا "ستهم"ونقوم له محامي يطلعه منها براءة باعتبـ.ـارها" قضية شرف"
نطق نصر متلهفًا:
-طب قوم بسرعة روح انت واخواتك وراها وقولها متتكلمش إلا لما المحامي يروح لها، وكلموا المحامي يحصلكم على هناك
2
تحدث عمرو وهو يجلس بلامبالاة وكأن الامر لا يعنيه بشئ:
-أنا لا رايح لحد ولا هتحرك من مكاني، إياك يارب يعدmوها علشان أخلص منها
تحركت ياسمين إليهم بساقين مرتعشتين لتنطق:
-لازم تروح وتقف معاها يا عمرو
تحولت جميع الانظار عليها لتنطق وهي تتحاشى أنظارهم:
-سمية حامل
جحظت عينيه بذهولٍ ليهتف وهو يكور قبضته بقوة حتى ابيضت عروقه:
-الله يخربيتها،هو انا مش هعرف أخلص من العقربة دي، هتفضل لازقة لي العمر كله ومكتفاني
إهدى يا عمرو...نطقتها إجلال ليهتف نصر متهكمًا على كلاهما:
-إهدى وروق أعصابك ليجرى لك حاجة يا دلوعة ستهم
رمقته بنظراتٍ كالصقر لينطق بسخطٍ وحدة:
-يا اخي استرجل لمرة واحدة في حياتك وإتحمل نتيجة قرفك
واسترسل أمرًا:
-يلا اتحرك مع اخواتك وانا هكلم المحامي بسرعة يروح لها ويقول للظابط إنها حامل،بسرعة اتحركوا للعيل اللي في بطنها يتأذى
1
**********
بمكانٍ أخر حيث يغفى العاشقان
تمللت بفراشها لتجد حالها مكبلة من خصرها من قِبل مالك القلب والروح الغافي بجانبها لتبتسم تلقائيًا حين رأت ملامحه التي تنطق بالرجولة الممتزجة بحنان الدنيا،لصقت جسدها به أكثر لترفع رأسها قليلاً وتداعب أنفه بخاصتها بعدmا قررت مشاكسته،بدأ يتملل ليحاول فتح عينيه وما أن رأى وجهها الصبوح حتى انفرجت أساريره وبدت علامـ.ـا.ت السرور بعينيه لينطق بصوتٍ متحشرج:
-صباح الفل والياسمين على عيون حبيبة حبيبها
-صباح النور...نطقتها بدلالٍ أدخل السرور على روحه لتسترسل بنبرة أثارت جنونه:
-فؤاد
رد بعينين تهيم عشقًا:
-عيونه
ابتسمت لتنطق بما جعل روحه ترفرف في سماء عشقها ذو المذاق الفريد والمختلف:
-هو أنا ليه كل يوم بحبك وأتعلق بيك أكتر،لدرجة إني ابتديت أحس إني مش بقدر أتنفس براحة غير وأنا جوه حـ.ـضـ.ـنك وبشم ريحتك
تخشب جسده بالكامل وهو يستمع لكلمـ.ـا.تها الساحرة التي اقتحمت كيانه لتزلزله وتنعش روحه،زفر بقوة ليجيبها بحالة من الهيام لا تقل عن ما وصلت إليه:
-عارفة وصفك ده،هو هو نفس الشعور اللي جوايا بالظبط،طول ما أنا برة البيت ده مبحسش بأي متعة،ما بحسش إني عايس إلا لما شغلي ينتهي،بحس روحي طايرة وأنا راكب عربيتي وجاي لك في الطريق
باغتها برفع جسدها لتعتليه لينطق وهو يتحسس وجنتها برقة:
-عملتي فيا إيه نفسي أعرف
-حبيتك،حبيتك قوي...قالتها بدلال ليقترب على شفتها يلتقطها ليذوب معها بقبلة ساحرة،ابتعدت لتنطق وهي تنزل بجسدها لتتمدد من جديد بجواره:
-يلا ناخد شاور علشان ننزل نفطر معاهم
سألها بنبرة تجمعت بها حنان الدنيا بأكمله:
-إنتَ جعان يا بابا؟!
هزت رأسها بنفي لتشير على بطنها وهي تقول بدلال:
-البيبي هو اللي جعان
إعتدل جالسًا ليضع كفه متحسسًا بطنها برفقٍ ثم مال يقبل موضع الجنين لينطق محدثًا جنينه:
-قلب بابي من جوة جعانة؟
سعادة هائلة شملت روحها لتضع كفها تملس على شعر رأس ذاك الحنون وهي تنطق بصوتٍ ناعم:
-عارف يا فؤاد،البيبي ده محظوظ قوي
تطلع بعينيه ليسحرها بنظرتيهما الرجولية لتتابع بتفاخر:
-هيبقى عنده أحن وأعظم أب في الدنيا كلها
أمسك كفها ورفعه لفمه ثم طبع قُبلة بداخله بث من خلالها مشاعرهُ الهائلة لينطق بملاطفة:
-عارفة لما راجـ.ـل يبـ.ـو.س كف الست من جوه ده معناه إيه؟
كانت تعلم تلك المعلومة من ذي قبل،فقد مرت أمامها مرور الكرام داخل تقرير قرأته عن دراسة تخص الرجل والمرأة لكنها ادعت عدm المعرفة لتستمتع بها من بين شفتيه لتهز رأسها بنفي وهي تهمس من بين شفتيها:
-معناه إيه؟
بصوتٍ أشبه بالموسيقى همس:
-بيبقى بيقول لها أنا ملكك،بكل ما فيا ملكك، قلبي وروحي وعقلي وكل جوارحي ملكك
وكأنها تستمع لأرق معزوفة لا لحديث بشرًا،شعرت وكأنها فراشة تتراقص بين الزهور تتنقلُ من زهرة إلى أخرى لترتشق رحيقها بتلذُذٍ واستمتاع،نطقت بهمسٍ زلزل ذاك الجبل:
-هي دي الإجابة على سؤالي يا فؤاد، الوقت بس عرفت أنا ليه حبي ليك بيزيد كل ساعة مش كل يوم
ابتسم ليسألها بمداعبة:
-ليه يا ترى؟
أجابتهُ بهمسٍ ناعم وعينين بالعشق هائمة:
-علشان فيك كل معاني الرجولة،الحب والإحترام والإحتواء، وكل حاجة محتجاها الست علشان تحس بإنوثتها وفطرتها اللي ربنا خلقها عليها
تابعت بنظراتٍ لامرأة تسبح في بحور الغرام:
-معاك إنتَ بس حسيت إني سِت بجد يا فؤاد،عمري ما حسيت قبل كده باللي بحسه وأنا بين إيديك وجوة حـ...
وقبل أن تُكمل حديثها وضع إبهامه فوق شفتيها يمنعها الكلام لينطق بصوتٍ جاهد ليخرج متزنًا كي لا يفسد عليها لحظة الصفاء وذلك لشـ.ـدة غيرته المُرة من مجرد ذكرها للمحة من الماضي،رغم عشقه الهائل لها وتأكده من جنون غرامها به إلا أنه يجن ويشتعل جنونهُ حين يتخيل مجرد التخيل أن من اختارها من بين نساء الكون لتصبح خليلة روحه كانت ملكًا لأخر بيومًا من الأيام،يحترق نارًا حين تلوح بعقله فكرة أن ما تعيشه بين أحضانه قد عاشته بالماضي مع غيره:
-قولت لك قبل كده مش عاوزك حتى تلمحي بأي حاجة تخص الماضي
اشفقت على حاله لتنطق ظنًا منها أنها تزيل من على عاتقه حمل غيرته المرة:
-لتكون فاكر إن حياتي معاه كانت وردية ولا حتى طبيعية زي أي....
إنقض على شفتيها والتقطهما ليقبلها بعنفٍ جديدًا عليه وكأنه يعـ.ـا.قبها على عدm رضوخها لرغبته،بات يقبلها لتتفهم ما قام به وتلوم حالها،وضعت كفها تتلمس شعر رأسه وتغلغل بأناملها بين خصلاته بنعومة أثارته و.جـ.ـعلته يهدأ ليعود لطبيعته معها،إنـ.ـد.مج معها ليدخل بجولة عشقيه استسلمت لها لتحيا معه وتمنحه الدخول في حالة رائعة من الإشباع العاطفي وإرتواء قلبيهما بالغرام،انتهى ليحتضنها وهو يملس على شعرها يتبادلا نظرات العشق والرضى لينطق بصوتٍ حنون:
-يلا علشان ناخد شاور وننزل ليوسف
أومأت له ليميل ويقبل شفتيها برقة ثم ولجا واختفى داخل الحمام ليزيل عنها ملابسها ويساعدها بغمر جسدها بالماء الدافئ برأفة جعلتها تشعر بقيمتها كامرأة وقيمته بحياتها كرجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى،خرجا بعد مدة وارتدى ثيابهم وقاما بأداء صلاة الضحى، تحركا للخارج ليضع لها يده يحثها على أن تتأبط ذراعه فابتسمت وأحتضنت ذراعه بسعادة وهي تقول:
-بحبك
نطق بنبرة حنون:
-مش أكتر مني
ابتسمت وتحركت بجانبه صوب الدرج حتى وصلا للأسفل،وجدت عزة تخرج من المطبخ حاملة بعض الصحون الممتلئة بالطعام لتنظر عليهما بهدوء ووجهٍ يبدوا عليه الأسى،تحدثت بنبرة جادة على غير عادتها:
-صباح الخير
رد كلاهما الصباح ليسألها حين وجدها تتجه نحو الباب الخارجي:
-هو الفطار في الجنينة ولا إيه يا عزة؟
أجابته باستفاضة، فاليوم يوم عطلة رسمية أيضًا لذا فقد استغلته عصمت للاستمتاع بالتجمع الأسري وسط الزهور والمناظر الطبيعية المتواجدة بالحديقة:
- أه يا باشا،الدكتورة أمرت نجهز سفرة الجنينة والكل برة مستني نزولكم
سألتها عن صغيرها وهي تتحرك بجوار حبيبها:
-يوسف فين يا عزة؟
-بره مع بيسان،فطروا من بدري وبيلعبوا...جملة نطقتها بجدية لتسألها الأخرى متعجبة هدوئها الغير طبيعي:
-مالك يا عزة،إنتِ تعبانة؟
-مفيش يا إيثار،مصدعة شوية...قالتها بهدوء فماذا ستقول لها،فقد هاتفتها نوارة ليلاً وقصت عليها كل ما حدث واتهام شقيقها بقـ.ـتـ.ـل زوجته وزجه بالحبس،فقررت ألا تخبرها كي لا تحـ.ـز.نها وهي حامل،وصلا إلى مكان جلوسهم حول حمام السباحة لتبتسم عصمت بحبورٍ وهي ترى السعادة مرسومة على وجه نجلها الغالي وزوجته ففهمت أن الامور قد عادت إلى طبيعتها،تحدث فؤاد بابتسامة أظهرت كم راحته النفسية:
-صباح الخير
-صباح النور يا حبيبي...جملة نطقتها عصمت لتتابع بوجهٍ سعيد:
-يلا علشان تفطروا
وقف الجميع ليتجهوا صوب طاولة الطعام لتسأل إيثار بنبرة حنون:
-عاملة إيه النهاردة يا إيثار
بابتسامة مشرقة أجابتها:
-احسن الحمدلله يا ماما
ابتسم علام لنجله ليقول مشاكسًا:
-نموسيتكم كحلي يا سيادة المستشار
اجاب والده براحة ظهرت بصوته الهادئ:
-كحلي إيه بقى يا باشا،دي الساعة لسة مجتش عشرة، وبعدين ما انتوا كمان لسه مفطرتوش يعني قايمين متأخر زينا
نطق بمشاكسة:
-لا يا حبيبي قايمين بدري بس مستنيينكم
مال بطوله على والده الذي يتحرك بجواره ليقول برجاءٍ:
-ماخلاص بقى يا باشا،إستر عليا ده أنا مهما كان إبنك
قهقه لينظر لتلك المتأبطة لذراعه تتشبث به كمن يخشى ضياع أغلى جواهره:
-عاملة إيه يا حبيبتي
نطقت بابتسامة حنون:
-بخير يا بابا الحمدلله
وصل الجميع إلى طاولة الطعام فانتظر حتى جلس ماجد واختار المقعدين المجاورين له لتصبح حبيبته بعيدة عن مرمى عيني زوج شقيقته،سحب لها المقعد قائلاً باحترام:
-إقعدي يا حبيبي
جلست ليجاورها الجلوس بالمقعد الفاصل بينها وبين ماجد التي تجاوره الجلوس بالجهة الاخرى فريال حيث حملت بعض المخبوزات لتناولها إلى إيثار قائلة وهي تصنع مجهودًا شاقًا كي تلمحها من ذاك الذي يحجب رؤياها بجسده:
-دوقي الكرواسون ده يا إيثار وقولي لي رأيك فيه
-اللي يسمعك كده يقول إنتِ اللي عملاه...قالها ماجد ليقهقه علام وعصمت وترد عليه فريال بنبرة تهكمية:
-لا يا خفيف مش ده القصد،أنا باخد رأيها فيه علشان لو عجب النونو هطلب لها منه كل يوم
-لو عجب النونو...قالها بابتسامة ساخرة لتسأل هي زوجة شقيقها من جديد:
-مقولتليش رأيك يا إيثار
كانت قد إقتضمت قطعة منها لتتذوقها باستمتاع:
-حلو قوي يا فيري، أنا كنت بجيب من المحل ده دايمًا ليوسف،ليه فرع جنبنا هناك
-بالهنا والشفا،يعني من الاخر عجب إبن اخويا يبقى كده نعتمده...نطقتها بملاطفة ليبتسم الجميع لها ويتابعوا تناول الطعام تحت ضيق ماجد الذي لاحظ عدm راحة فؤاد بوجوده في حضور زوجته واستشف من خلال تصرفاته أنه يغير على زوجته بحضوره
*********
عودة للمركز،ضيق الضابط الأسئلة على سمية فانهارت بعدmا عرض عليها المكالمـ.ـا.ت في الهاتفين والتي تبين لها أن نسرين قد قامت بخداعها حيث اتصلت بها تبتزها وتطلب المال كعادتها فوعدتها نسرين بإعطائها مبلغ مئتين ألف جنيه دفعةً واحدة بشرط أن تقوم بتسليمها هاتفها لتمحوا بنفسها تلك التسجيلات،لكن طمع نسرين جعلها تبتاع هاتفًا جديدًا وتنقل عليه التسجيلات لتبتزها بهم في المستقبل، اتفقت معها نسرين أن تقابلها الساعة الواحدة صباحًا عند سور المزرعة، فذهبت نسرين إلى الصيدلية وقامت بشراء نوعًا قوي من الحبوب المنومة وقامت بوضع حبتين في الشاي وقدmته إلى زوجها وادعت النوم قبله كي لا يشك بها وبعد تأكدها بغفوه ارتدت ثوبها وخرجت بعدmا اطمئنت أن جميع من بالمنزل نائمون،أما سمية فقد استغلت مكوث عمرو بشقة إيثار وتحركت بحرصٍ شـ.ـديد بعد تأكدها بذهاب الجميع لغرفهم ونومهم بسبات،أخذت حقيبة بها بعض الأوراق لتوهم تلك الغـ.ـبـ.ـية لتتحدث بابتسامة شيطانية لحالها:
-إنتِ اللي جبتيه لنفسك يا نسرين،طمعك جاب أخرتك
أخرجت سكينة حادة من درج المطبخ لتضعها بالحقيبة وهي تقول:
-النهاردة هيكون أخر يوم في حياتك،أنا اتحملتك كتير قوي بس خلاص،كفاية عليكِ لحد كده
ثم تحركت للأسفل تتسحب على أطراف أصابعها حتى وصلت للباب الخلفي للحديقة حيث الغفر يمكثون عند البوابة الامامية اما البوابة الخلفية فتؤدي إلى شارع جانبي خالي من المارة لتأخر الوقت بالقرية،خرجت وتحركت حتى وصلت لتجد نسرين تنتظرها بجوار السور وجسدها ينتفض من شـ.ـدة خوفها من ظلمة المكان ووحشته لتهتف حين لمحتها:
-إتأخرتي ليه
أجابتها سريعًا:
-على ما عرفت أخرج
هتفت الاخرى متذمرة:
-أنا معرفش إيه اللي خلاني طاوعت جنانك إننا نتقابل في نص الليل كده، ما كل مرة كنا بنتقابل بالنهار عادي
اجابتها بمنطقية:
-لأن أكتر مبلغ ادتهولك قبل كده كان خمسين الف جنيه،عوزاني أطلع بالشنطة دي كلها قدام ستهم علشان تكشفني
واسترسلت مستفسرة:
-المهم جبتي التليفون؟!
أجابتها سريعًا لشـ.ـدة تـ.ـو.ترها:
-أيوه جبته، هاتي الفلوس الاول
سلمتها الشنطة لتلتقط منها الهاتف واستغلت فتح سمية للحقيبة للتأكد من الاموال لتسحبها وتدفعها لتلتصق بالسور لتكظم فمها بكفها وتخرج السكين التي أخرجته قبل ان تقترب عليها وقامت بتخبأته بملابسها لتنقض عليها وتغرس السكين بمكان الكُلى اليمنى لترفع نسرين يديها وتجرد عنقها بأظافرها كي تجبرها على الإبتعاد مما جعل السكين يهتز من سمية ويقع أرضًا، فأمسكت سمية وجه الاخرى بكل غل وباتت تغرس أظافرها بوجهها وتجرها حتى نزف وجهها من كل مكان لتصيح الأخرى بصوتها فقامت بكظم صوتها من جديد لكي لا يستمع أحد عليها وشـ.ـددت حتى خارت قوات نسرين وتوقفت عن المقاومة ليخر جسدها وينبطح أرضًا بعد لفظ أنفاسها الأخيرة نتيجة إنقطاع الهواء عن رئتيها مما أدى لوفاتها مختنقة،لم ترحمها تلك الحقودة فأمسكت بالسكين الملقاة أرضًا لتعود لطعنها عدت مرات دون رحمة حتى وصل عدد الطعنات تسعة،توقفت لتضع أذنها فوق موضع القلب لتجد النبض قد توقف كليًا، تنهدت براحة لتقف تلملم أشيائها على عجالة،وأخذت السكين وتخلصت منها بإلقائها بالترعة القريبة من المزرعة، عادت للمنزل كما خرجت دون أن يشعر عليها أحد، خلعت ملابسها وغسلتها سريعًا كي تزيل أي أثر للجريمة ثم اغتسلت وارتدت ثيابًا بيتية لكنها تفاجأت بمكان أظافر نسرين على عنقها فأخفتها بالحجاب،
استمع الضابط إلى أقوالها وسجلها بمحضر رسمي ليحضر المحامي متأخرًا بعد فوات الأوان
خرج عزيز من الحبس بعد ان أفرج عنه الضابط لثبوت التهمة على سمية واعترافها،كان يجاور شقيقيه حيث لم يفارقاه كلاهما منذ البـ.ـارحة،وجد طلعت بانتظاره خارج القسم ليوقفه وهو يقول:
-حمدالله على سلامتك والبقية في حياتك يا عزيز
هز رأسه بانكسار فمازال الذهول والانكسار يسيطران عليه لينطق طلعت من جديد وهو يسحبه من ذراعه مبتعدًا به عن شقيقاه:
-عايزك في موضوع على جنب هنا
ابتعد عن شقيقيه ليعرض عليه طلعت ما اتفق عليه مع عائلته وبعد قليل سأله مستفسرًا:
-قولت إيه يا عزيز
هتف بعينين مذهولتين:
-قولت يفتح الله يا طلعت
تحدث ليحثه على الموافقة:
-يا عبـ.ـيـ.ـط دي فرصة العمر ، مضيعهاش من إيديك
هتف بحدة بالغة:
-إنتَ باين عليك اتجننت يا طلعت، عاوزني أشوه سمعة أم عيالي علشان شوية فلوس
زفر طلعت بضيق لينطق وهو يمسك ذراعه كي يجبره على الموافقة:
-بلاش مية ألف يا عزيز، نخليهم متين ألف
نفض ذراعه بحده يبعده عنه وهو يقول بعينين غاضبتين:
-ولا ملايين الدنيا كلها تساوي إن ابني الكبير ولا الصغير يمشي مطاطي راسه العمر كله بعار امه،وبناتي أجوزهم إزاي بعد اللي هيتقال على أمهم،وبعدين إنتَ عاوزني افتري على ولية مـ.ـا.تت وبقت بين إيدين ربنا
واسترسل بإيضاح:
-إتقي الله يا طلعت وسيبني في حالي،كفاية اللي حصلي من تحت مرات اخوك العقربة
هتف طلعت بحدة:
-يعني هي كانت بريئة قوي، ماطلعت مقرطساك وبتاخد فلوس من سمية وكانت السبب في خراب بيت اختك كمان
حركته بذرته الصالحة التي ورثها عن والده،فبرغم بشاعته وسوء أخلاقه وامتلاكه لكثيرًا من الصفات البشعة إلا أنه ورث تلك النقطة عن والده الراحل ليتحدث بعقلانية:
-دي غير دي، إنها تبقى غدارة بنت كـ.ـلـ.ـب وتخون العيش والملح شئ،ولما تكون خـ.ـا.ينة وتجلب لعيالي العار ده شئ تاني،إحنا لا حيلتنا فلوس ولا دياولو يا طلعت،مش هنضيع شرفنا كمان علشان نبقى فقرا من كله
استشاط داخل طلعت منه فأخر ما كان يتوقعه هو رفض ذاك الطامع للمال لذا تحدث بحدة وغيظ:
-ده أخر كلام عندك يا عزيز؟
هتف بقوة لجدية الامر بالنسبة له:
-ومعنديش غيره يا طلعت، أنا ابويا كان راجـ.ـل فقير،بس علمني إن لو ضاع الشرف ضاعت كل حاجة معاه
نطق كلمـ.ـا.ته وانسحب لينضم لشقيقيه ليعودا لمنزلهم ويقص على والدتهم ما حدث لتلطم وجنتيها على ما حدث لابنتها من تلك الحقيرة خائنة العهد، عاد أيضًا طلعت وقص على والديه ما حدث ليندب نصر كـ النساء، تارة على مقعد البرلمان وتارة أخرى على جنين ولده الساكن برحم تلك القـ.ـا.تلة كما أخبرتهم ياسمين
*********
مساءًا
أخبرت عزة إيثار بما حدث وطمأنتها بخروج شقيقها سالمًا من القضية،لم تتأثر بمـ.ـو.ت نسرين بالشكل القوي فلم تدع تلك النسرين شيئًا مؤذيًا لروحها إلا وفعلته،جلست مع حالها ووجدت حنينها يجبرها على زيارة منزل والدها خصوصًا بعدmا هاتفت نوارة وأخبرتها بتأثر الاطفال وعدm توقفهم عن البكاء على والدتهم، فقط هم الاطفال من حركوا مشاعرها،جلست مع زوجها وأخبرته بما حدث وطلبت منه الذهاب إلى منزل والدها لرؤية الصغار لكنه صمت لتسأله من جديد:
-قولت إيه يا حبيبي؟
اتسعت عينيه ليسألها بذهول:
-وإنتَ بقى مستنية مني إني أوافق على التخاريف اللي بتقوليها دي؟
تنهدت بألم لتنطق متأثرة:
-يا فؤاد اهلي في مصيبة وأنا لازم أكون جنبهم
صاح بحدة وجنون:
-مين اللي خلاه لازم، إيثار إنتَ واعية بجد لكلامك، عاوزة تروحي برجليكِ لناس مرحموش حـ.ـز.نك على أبوكِ واستغلوا ضعفك وكانوا هيرجعوكِ للحقير غـ.ـصـ.ـب عنك؟!
تطلع على حيرتها ليهتف بجنون:
-أنا بجد مش مصدق اللي بسمعه منك بوداني
نطقت بأسى:
-من فضلك يا فؤاد حاول تفهمني
إيثار...قالها وقد تجمع غضب الدنيا بعينيه ليتابع بحزمٍ وحسم للحوار:
-النقاش في الموضوع ده منتهي بالنسبة لي، كفر الشيخ دي مش هتخطيها برجلك طول ما أنا عايش وفيا نفس، مفهوم
مطت شفتيها لتنطق بعد مدة بصوتٍ حاد وعنادٍ كالاطفال:
-طب أنا عاوزة أرجع الشغل،ممكن تكلم عمك علشان يسلمني وظيفتي وابتدي من بكره
إعتدل بجلوسه لينطق بنبرة أوحت لوصوله للمنتهى:
-هي ليلة باينة من أولها
اتسعت عينيها بذهول مستنكرة رد فعله لتهتف بحدة:
-خليك فاكر إن إنتَ اللي وعدتني بالشغل ده بعد ما خليتني أقدm إستقالتي للباشمهندس أيمن
تابعت وهي ترمقه بنظراتٍ تشكيكية:
-إوعى تكون كنت بتضحك عليا علشان أقدm إستقالتي؟!
نطق بقوة وحزم:
-أنا واضح زي نور الشمس وعمري ما خفت من حد علشان أخبي واضحك عليكِ، ولو مش عاوزك تشتغلي هقولها لك بكل وضوح وأنا باصص جوة عينك
ليسترسل محذرًا بلهجة شـ.ـديدة:
- فبلاش تدخلي معايا في سكة التشكيك دي علشان دي سكة مش هتحصدي منها غير قلبتي اللي صدقيني ما هتقدري عليها
هتفت بقوة واستنكار:
-إنتَ بتهددني يا فؤاد؟
-أه بهددك يا إيثار...قالها بقوة لتنظر إليه بضعفٍ ليزفر بقوة قائلاً بحزم بعدmا فتح لها ذراعه:
-تعالي
مطت شفتيها لينطق حازمًا:
-بقول لك تعالي
مالت بجسدها تلقي بحالها داخل أحضانه ليضمها بذراعيه القويتين ثم مال على وجنتها طابعًا قبلة مطولة ليهمس أمام وجهها لتلفح أنفاسه الساخنه جلدها:
-ممكن تنسي موضوع الشغل ده لحد ما تولدي وتقومي لي بالسلامة،ممكن؟
وقبل أن تعترض همس بما جعلها تستسلم لرأيه كعادتها:
-أنا مش هضحي براحتك وأمانك إنتِ وابني مقابل أي حاجة حتى لو إيه
واسترسل بنبرة تقطر حنانًا:
-يا بابا إنتِ لسه في بداية الحمل،جـ.ـسمك محتاج راحة وتغذية علشان نتفادى أي إنتكاسات لصحتك أو صحة البيبي
واسترسل صادقًا ليطمئن قلبها:
-بعد الولادة هتلاقيني أنا بنفسي اللي بطلب منك نروح الشركة علشان تستلمي منصبك
ابتعد قليلاً ليسألها وهو يتطلع على عينيها:
-إتفقنا يا حبيبي
إمممم...نطقتها بعينين مغرمتين ليتنفس هو ويضمها لصدره وهو يقول مدللاً إياها:
-يسلملي حبيبي العاقل
ابتسمت لتدفن حالها بأحضانه وتسأله بغباء:
-طب وكفر الشيخ؟
أغمض عينيه بأسى لينطق بنبرة مستسلمة:
-سمعت كتير عن هرمونات الحمل اللي بتقلب مزاج الست مية وتمانين درجة، بس بصراحة مهما تخيلت مكنتش هوصل للي أنا شايفه معاكِ
واسترسل باستسلام:
-أنا لازم أشتري كتب عن الموضوع ده علشان أقدر أفهمك الفترة الجاية
ابتعدت قليلاً وتطلعت عليه بحـ.ـز.ن وملامة ليبتسم بأسف ويجذبها من جديد وهو يقول لمراضاتها:
-خلاص متزعليش ووعد هفكر في الموضوع
-بجد يا فؤاد؟...قالتها بلهفة لينطق متعجبًا إصرارها على زيارة من قاموا بإيذائها ودmروها نفسيًا و.جـ.ـعلوها تتذوق الامرين فترة ليست بالقليلة من حياتها،نطق بوعدٍ صادق:
-أنا عمري خلفت وعدي معاكِ؟
هزت نافية بابتسامة جذابة ليتابع بايضاح:
-بس علشان نكون واضحين الزيارة مش هتتم قبل ما يعدي أربع شهور على الأقل
وقبل أن تعترض تابع موضحًا:
-ما أنا مش هضحي بالبيبي علشان أي حد،الحمل اتعرض لضغط طيران في أوله وحاجات كتير كانت ممكن لاقدر الله تخلينا نخسره،والحمدلله ربنا حافظ لنا عليه لحكمة
واسترسل بعتابٍ لطيف:
- نهدى بقى ونريح البيبي ولا نقضيها سفر وطرق مش مجهزة ونعرضه للخطر؟!
هزت رأسها سريعًا لتنطق وهي تتحسس بطنها بحنان:
-لا طبعاً،كل يهون أهم حاجة سلامة إبننا
لترفع رأسها تتطلع بعينيه متابعة بهيام:
-ده أنا أفديه بروحي،ده كفاية إنه حتة منك يا فؤاد
-مش إنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة وواجعة قلبي معاكِ،بس بمـ.ـو.ت فيك والله...أمسك كفها يقبله ثم استند على خلفية التخت ليسحبها بأحضانه وبات يلمس على شعرها بحنان ويتحدثا بمواضيع أخرى حتى غفت على صدره ليعدل من وضعيتها ويسكنها داخل أحضانه ليغفى بجانبها بعد قليل.
↚
كيف استطعت أن تسحبني من عالمي إلى عالمك الساحر بتلك السلاسة وتجعلني أتنازل عن أشياءًا وأتقبل أفعالاً ما كنت أتقبلها بالماضي،صدق من قال الحب يصنع المعجزات ويجعلنا نبدو كأشخاصًا لا يشبهوننا ونتنازل عن أشياءًا كنا نرفضها وبقوة بزماننا الفائت،فهنيئًا لي بقلبك أيها الوسيم القوي وهنيئًا لقلبك على إمتلاكه لجوارحي.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي روز أمين
في منزل غانم الجوهري
يجلس منزوي على حاله فوق الأريكة،فمنذ أن خرج من الحجز منذ ثلاثة أيام وهو يغفى فوق تلك الأريكة المتواجدة ببهو الطابق الأرضي،لم يصعد إلى مسكنه مع تلك الخائنة خشيةً بأن يذكره كل ركن بها كم كان مغفلاً غافلاً بكل ما حوله،تجاوره منيرة التي تبكي ليلاً ونهارًا ولم تجف دmـ.ـو.عها تأثرًا لما وصل إليه نجلها البكري المقرب لقلبها، فقد ترك شعر ذقنه ينمو بكثرة ليجعل من مظهره مبعثرًا وفقد كثيرًا من وزنه بسبب حالة القهر التي أصابتها على حاله وهو يتخيل حديث الناس عن الرجل المخدوع الذي عاش سنواتًا مع إمرأة لا يعرف خباياها،أقبلت نوارة عليهما ممسكة بين يديها حاملاً عليه بعض صحون الطعام وتحدثت بنبرة حماسية كي تزيل من همه ولو قليلاً:
-عملت لك المسقعة اللي بتحبها يا أبو غانم،من حلاوتها هتاكل صوابعك وراها
حاوطت منيرة كتف نجلها وباتت تتحسسه بحنو وهي تقول:
-يلا يا عزيز مد إيدك وكُل
نطق بصوتٍ خافت والحـ.ـز.ن والخزي يملأن ملامح وجهه:
-مليش نفس يا اما
بصوتٍ متألم ردت منيرة:
-لازم تاكل يا ابني،إنتَ مش شايف شكلك بقى عامل إزاي؟
أجابها بكـ.ـسرة وهو ينكس رأسه للأسفل:
-هجيب النفس للأكل منين يا اما
ليسترسل بحـ.ـز.نٍ ظهر بعينيه:
-البلد كلها مبقلهاش سيرة إلا على البقف اللي مـ.ـر.اته كانت مستغفلاه وكانت السبب في خراب بيت أخته وقبضت التمن
بعينين تشتعل غضبًا هتفت منيرة بلهجة حادة أظهرت كم الغيظ الساكن بداخلها:
-أهي ربنا انتقم منها ودفعت التمن من حياتها، والحرباية التانية إتقبض عليها وان شاء الله يشنقوها ونخلص منها
لتستطرد بعينين تطلق شزرًا:
-الإتنين طلعوا أوطى من بعض، واحدة كانت عاملة فيها صاحبتها والتانية عايشة في وسطنا و واكلة خيرنا وهي خـ.ـا.ينة عيشنا وملحنا
وضعت نوارة ما بيدها بجوار منيرة وتحدثت بهدوء:
-خلاص بقى يا مرات عمي،الكلام مش هيفيد بحاجة غير إنه هيزود نار أبو غانم، إذكروا محاسن مـ.ـو.تاكم
هتفت من بين أسنانها بحقدٍ دفين:
-وهي دي كان ليها محاسن،إلهي يكحمها مطرح ما راحت بحق ما خربت بيت بنتي وشتت الكل
واسترسلت بذهول وعدm استيعاب لما فعلته زوجة نجلها الراحلة:
-أنا مش قادرة أصدق ودmاغي هتشت مني،الطماعة علشان شوية فلوس ضيعت من جوزها شغله مع الحاج نصر اللي كان هيعيشنا في عز وهنا منحلمش بيه
نطق عزيز بنبرة حادة وسباب:
-بنت الـ... مهمهاش مـ.ـو.ت أخوها بسبب الفلوس ورجعت تطلب من العقربة اللي اسمها نسرين فلوس تاني، المصيبة إنها مااستفادتش بمليم واحد من الفلوس اللي اخدتها
-الله لا يسامحها دنيا ولا إخرة على اللي عملته فينا...قالتها منيرة لتنسحب نوارة إلى الخارج،استرسلت بنبرة حنون وهى تضع الصينية على ساقيها لتحثه على المبادرة بتناول الطعام:
-يلا يا ابني كُل لك لقمة واطلع استحمى وغير هدومك دي
واسترسلت بقوة:
-ومن بكرة عاوزاك تطلع وتروح أرضك وتشوف مصالحك، كفاية قعاد في البيت لحد كده، إنتَ مش عامل عاملة علشان تستخبي في البيت
تنفس بهدوء قبل أن يوجه بصره لها لينطق بخزيٍ:
-حقك عليا يا اما،أنا جيت عليكِ وعلى اخواتي بعد مـ.ـو.ت أبويا وكله بسببها
واسترسل بهراءٍ ليلقي طمعه وجشعه على زوجته الراحلة كي يتنصل من ذنوبه:
-كانت دايمًا تسخني عليكم بكلامها وأنا من خيبتي مشيت وراها
تنهدت بألم حين تذكرت تلك الأيام العجاف التي تذوقت فيهم طعم الذل والمرار على يد نجلها الذي وهبته كل ما تملك من حنان ومدته بكل دعمها وما تملك من سلطة داخل المنزل وبالأخير كانت هي أول من تَجبر عليها بقوته بعد رحيل والده
**********
أما بمنزل نصر البنهاوي،يجلس بصحبة أنجاله الثلاث والمحامي يتحدثون لكي يجدون مخرجًا لتلك الـ "سُمية"لا لأجلها فهي بالأساس لا تعني لهم أي شئ،جل ما يشغل بال نصر الأن هو الإنتخابية البرلمانية التي اقتربت وفقط،تحدث المحامي بأسى:
-كل اللي بنعمله ملوش لازمة قصاد إعترافها يا حاج،سمية يادوب إعترفت من هنا وتاني يوم المحضر اتحول للنيابة واخدوا أقوالها في عدm وجودي ومن غير حتى ما يبلغوني
واستطرد مشككًا:
-الموضوع تم بسرعة تخوف،الظابط صاحبي اللي في قسم المركز قال لي إن جالهم أوامر عُليا بسرعة الإجراءات،حتى سُمية كانت هتلغي إعترافها وتنكر زي ما أنا فهمتها واتفقنا،بس بتقولي إنهم كانوا مسجلين لها الإعتراف في القسم وعرضوه عليها وحطوها تحت ضغط نفسي لحد ما أعترفت قدام وكيل النيابة اللي أخد أقوالها
حك ذقنه وتحدث بعينين تطلق شزرًا:
-هو فؤاد علام مفيش غيره،الراجـ.ـل ده مش هيسكت إلا لما يجيب نهايتي
هتف عمرو بحدة بالغة أظهرت كم استشاطته وناره المستعيرة:
-ما أنتَ لو سمعت كلامي وخليتني أأجر عيل يخلصنا منه بطلقة مكناش وصلنا للي إحنا فيه ده
إحتدmت ملامحه وامتلئت بالغضب الحاد ليهتف هادرًا:
-إخرس يا بقف ونقطنا بسكاتك،أصلاً كل اللي المصايب اللي إحنا فيها دي بسبب عمايلك السودة
رمق أباه بحدة والتزم الصمت كي لا يثير غضبه أكثر فتحدث المحامي من جديد:
-أهم حاجة نشوف موضوع وصل الأمانة بتاع عاملة النظافة اللي الشرطة لقيته في دولاب نسرين قبل ما يستدعوها
كانت الشرطة قد عثرت على وصل أمانة بمبلغ خمسون ألف جنيهًا مصريًا بداخل خزانة سمية باسم عاملة نظافة بالمستشفى العام التابعة للمركز وتُدعى ميرفت وبعثت لها استدعاءًا للإستجواب بعدmا أنكرت سمية معرفتها وعلاقتها بذاك الوصل، لكنها كانت خارج المدينة حيث انتقلت إلى محافظة الإسكندرية لزيارة أحد أقربائها واليوم فقط قد عادت إلى منزلها فاستغل نصر حضورها وبعث لها مرسولاً ليجلبها ويستفسر منها لما أعطت زوجة نجله هذا المبلغ وما المقابل وذلك بعد إنكار سمية للمحامي وامتناعها عن الإجابة على أسئلته بشأن ذلك الوصل،ليتحدث طلعت بنبرة جادة:
-أنا بعت لها الغفير وزمانه جايبها وجاي
خرجت إجلال تتطلع على الجميع بنظراتٍ مبهمة تقشعر لها أبدانهم لتجلس دون التفوه ببنت شفة،دخلت العاملة لتنطق:
-الغفير جه ومعاه واحدة برة وبيطلب السماح بالدخول يا حاج
أشار لها بكفه بعينين حادة كنظرات الصقر قبل أن ينطق:
-خلي البت تتنيل تدخل لوحدها وإعملي لنا شاي
ولجت السيدة الأربعينية بجسدٍ مرتجف وباتت تتفحص الوجوه بعينين زائغتين مرتعبة لينطق نصر بقوة وثبات:
-من غير لف ودوران تنطقي وتقولي سُمية إدت لك الفلوس دي ليه
واسترسل بتهديدٍ مباشر جعل المرأة تنتفض بوقفتها:
-وإلا قسمًا بالله أخلي الغفير ياخدك يدفنك حية في الجبل ولا من شاف ولا من دري
صاحت بنبرة ترتجف رُعبًا:
-هقول على كل حاجة يا حاج،بس والنبي بلاش الأذية وأديني الأمان
أخيرًا خرج صوت إجلال لتهتف بعينين تطلق سهامًا نارية لو خرجت لاخترقت جسدها بالكامل وأوقعتها صريعة في الحال:
-ما تنطقي من غير رغي كتير يا بت
أشارت بكفيها لتهتف بصوتٍ أظهر كم الرعـ.ـب الذي أصابها من نظرات تلك المتجبرة:
-سمية،سمية هي وامها جم واتفقوا معايا إني أدبر لها عيل بعد سبع شهور وهتديني مية ألف جنية
اتسعت أعين الجميع ذهولاً لتتابع وهي تتلفت من حولها بهلع:
-قالت لي إنها عيانة بورم في الرحم والدكتورة قالت لها لازم تشيله،بس قبل ما تعمل العملية لازم تجيب ولد بأي طريقة علشان تضمن عيشتها مع سي الاستاذ عمرو
واسترسلت بما اذهل الجميع:
-إتفقت معايا أدبر لها ولد وأخـ.ـطـ.ـفه من المستشفى يوم ولادته، عطتني خمسين ألف جنية وكتبتني بيهم وصل أمانة،واتفقت معايا تسلمني الخمسين التانيين بعد ما أسلمها العيل
هب واقفًا وبات يصـ.ـر.خ ملقيًا اللوم على والديه:
-شوفتوا الحية اللي معيشيني معاها غـ.ـصـ.ـب عني،عاوزة تلبسني عيل من الشارع بنت الـ...
سبها ليكمل لومهُ:
-شوفت يا بابا أخرت إصرارك وجبرك ليا على العيشة معاها؟!
أما نصر فكان مصدومًا مما استمع إليه،أحقًا ما قصته عليه تلك العاملة،لينطق بنبرة تدل على مدى صدmته:
-ده أنا معيش في بيتي زعيمة عصابة وأنا ولا داري،تخطيط شيطاني علشان تلف على ابني وتتجوزه وقـ.ـتـ.ـل، وأخرتها عاوزة تلبسنا عيل مش من نسلنا
-تبعت تجيب لي أمها ومسافة ربع ساعة تكون تحت رجليا علشان أعرفها التخطيط اللي على حق بيبقى إزاي...كلمـ.ـا.ت نطقتها إجلال بعينين تطلق شزرًا لتتابع بهسيسٍ من بين أسنانها:
-وإنتَ يا طلعت، تاخد الرجـ.ـا.لة وتروحوا تكـ.ـسروا بيت أبوها وتجيبوا عاليه وا.طـ.ـيه والليلة يسيبوا البلد ويغوروا بلا رجعة
-قوم يا طلعت مستني إيه...قالها نصر بحدة تأكيدًا على قرار زوجته لينطق من جديد متوعدًا:
-ما اتخلقش لسه اللي يستغفل نصر البنهاوي وعياله
ثم حول بصره للمحامي الجالس بصدmة ليتابع بغلٍ وكلمـ.ـا.ت خرجت من تحت أسنانه:
-البت تطلعها لي براءة بأي طريقة،وأنا بنفسي اللي هقوم قيامتها علشان أعرفها التخطيط لنصر وعياله بيبقى إزاي
ليصيح بكامل صوته مستدعيًا العاملة:
-بت يا صباح،إطلعي إندهي لي الغفير من برة علشان ياخد الست ميرفت مشوار لحد الجبل
هرولت لترتمي بجسدها المنتفض تحت ساقيه تقبلهما بهلعٍ وهي تهتف بدmـ.ـو.عها الحارة وتترجاه:
-أبوس إيدك ترحمني يا حاج، أنا مليش دعوة بحاجة، هي اللي فضلت تتحايل عليا وفي الاخر صعبت عليا لما عرفت بمرضها الوحش
نفضها بحذائه بقوة ليدفعها بتجبر لترتمي بعيدًا وهو يهتف من بين أسنانه:
-كل واحد يستحمل نتيجة أفعاله، وابقي دوري على حد تصعبي عليه إنتِ كمان لما أدفنك حية
حضر الغفير ليجذبها بعنف فأسرع إليها المحامي لينطق بعدmا جذب المرأة من بين قبضة الرجل:
-بلاش يا حاج،النيابة باعتة لها إستدعاء ولو ما راحتش هتبقى مصيبة وهيتفتح علينا أبواب جهنم، إنتَ داخل على إنتخابات ومش ناقص شوشرة
نطقت إجلال وهي ترمقها بنظراتٍ مرعـ.ـبة:
-تطلعي من هنا على النيابة وتقولي لهم إن المحـ.ـروقة اللي إسمها سمية كانت عطيالك الفلوس مساعدة منها علشان تبني بيهم بيتك وهترجعيهم لها بعدين من شغلك
واسترسلت بحرصٍ كي لا تتشوه رجولة نجلها المدلل في البلدة لو انتشر ذاك الخبر:
-وسيرة العيل دي لو طلعت من لسانك هقطعهولك، مفهوم يا بت؟!
على الفور هزت رأسها عدة مراتٍ متتالية دلالة على التأكيد لتتابع الاخرى وهي ترمقها بسخطٍ:
-غوري يلا من هنا
هرولت المرأة للخارج تلاها المحامي وخرج طلعت مع رجـ.ـاله لتنفيذ أوامر والده بجلب والدة سمية كي تتفشى بها إجلال، وتخريب منزل عائلتها وإخراجهم من البلدة بأكملها،لم يتبقى بصحبة نصر سوى عمرو المستشاط وإجلال وحسين الذي نطق بعدm استيعاب:
-أنا مش مصدق اللي بيحصل ده،حاسس إني في كابوس ولا بتفرج على فيلم أكشن
رمق نصر عمرو ليهتف بجنون:
-البت دي كانت بتجيب الفلوس دي كلها منين ياد؟!
ازدرد لعابه خشيةً معرفة والده بعمله الخاص في التنقيب عن الأثار لينطق بزيفٍ وارتباك:
-أكيد باعت دهبها
تذكر حين كان يكتشف ضياع ماله ويسألها عنه فتقول بكذب أنها لم ترى أي نقود معتمدة على نسيانه الدائم بسبب الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة الدائم على تناولها بشكلٍ مستمر مما جعلته ينسى ويتوه أحيانًا،ومن كثرة ماله الحـ.ـر.ام لم يعد ينتبه لما ينقص منه لينطق والده مشككًا:
-وهو دهبها هيكفي نسرين ولا الست ميرفت ولسه اللي مستخبي
-وأنا هعرف منين يا بابا،ما يمكن كانت بتسرقكم وإنتوا مش حاسين...قالها بمراوغة ليتابع مبدلاً مجرى الحديث:
-وبعدين إحنا في إيه ولا في إيه،أنا بكلمك في اللي كانت عاوزة تلبسني في عيل مش من صُلبي وإنتَ بتكلمني عن الفلوس؟!
نطقها بغضبٍ مصطنع لتنطق إجلال بنبرة حنون:
-إقعد يا عمرو وإهدى،ورحمة أبويا الحاج ناصف اللي عمرى ما أحلف بيه باطل،لاكون جايب لك حقك منها هي وأهلها لحد ما يصعبوا عليك وإنتَ بنفسك اللي تقول لي كفاية
نظر لوالدته ليهدئ قليلاً ثم تحرك يجاورها الجلوس لينطق من جديد:
-أنا عاوز أشوف إبني
هتف نصر بقوة وحزم:
-الموضوع ده تنساه خالص لبعد الإنتخابات
ثم نظر أمامه ونطق بتوعدًا وشر:
-فؤاد علام بيحاربني وحسابه تقل قوي معايا
واستطرد من بين أسنانه:
-ونصر البنهاوي مبيسبش حقه ولا بيسامح في الأذية
لوت إجلال فاهها وابتسمت ساخرة على ما ينتظر ذاك الأبله على يدها،ليسترسل وهو ينظر له:
-النهاردة بالليل تروح مع حسين للمأذون وتطلق البت دي بالتلاتة
شعر وكأنه كان حبيسًا وفك أسره لينطق بسعادة مبالغ بها:
-بجد يا بابا؟
أجابه نصر بعد تفكير عميق في الأمر:
-كده كده المحامي قال لي إنها مش هتتنيل تطلع من السجن وهترسي للإعدام، يبقى تطلقها ونظهر قدام الناس إننا مبنرداش بالظلم وإني أجبرت إبني يطـ.ـلقها أول ما اتأكدنا إن هي اللي قـ.ـتـ.ـلت مرات عزيز
واسترسل وهي يحك ذقنه:
-أنا هكلم المحامي وأخليه يسيب القضية
إبتسمت ساخرة على دهاء ذاك الذي يخطط بذكاء ويبدل في خططته البديلة كما يبدل أحذيته لكنها ستفاجئه بالضـ.ـر.بة القاضية التي ستنهي على مستقبله السياسي والمالي أيضًا
بعد مرور إسبوع تحولت قضية سمية إلى محكمة الجنايات للبحث قبل النطق بالحكم وقد تخلى عنها المحامي وانسحب وتركها أهلها وحيدة كما أمرهم نصر قبل تشريدهم وطردهم من القرية والمركز بأكمله،وقد تم طـ.ـلا.قها من عمرو مما جعلها تدخل في حالة من عدm التصديق ونكران الواقع
**********
عصرًا
كانت تغفو بغرفتها تغط في سباتٍ عميق،فاقت من نومها لتهرول سريعًا إلى الحمام لتصل إلى الحوض وبدأت باستفراغ جميع ما تحتويه معدتها،باتت تكرر العملية حتى استمعت لبعض الطرقات بالخارج، لم تستطع الخروج لصعوبة حالتها،ارتمت على أرضية الحمام لتستمع لصوت عزة التي أقبلت عليها بهرولة:
-إسم الله عليكِ يا بنتي،مالك يا إيثار إيه اللي حصل؟
كانت تتنفس بصعوبة بوجهٍ شـ.ـديد الإحمرار تأثراً بحالة الإستفراغ لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة:
-همـ.ـو.ت يا عزة،مش قادرة،الترجيع هيمـ.ـو.تني
مالت عليها لتسندها وهي تقول:
-ده من الوحم يا حبيبتي،يعني هو أنتِ أول مرة تحملي
ساعدتها على النهوض لتستند من جديد على الحوض وتكرر ما فعلته،أمسكت عزة بالماء لتغسل لها وجهها علها تستفيق وتنتعش،استمعا لصوت ذاك الذي حضر للتو من عمله ليهرول على عجالة فور استماعه لصوتها الاتي من الحمام بعد إلقائه لحقيبة عمله،إتسعت عينيه بهلعٍ بعدmا رأى إعيائها الشـ.ـديد وبلحظة كانت بأحضانه ليتفحص ملامحها وهو يسألها بقلبٍ يرتعش رعـ.ـبًا لأجلها:
-مالك يا بابا،مالك؟
لم تستطع الرد عليه لشـ.ـدة تعبها كل ما فعلته هو الإرتماء بأحضانه وبإلقاء رأسها وإسنادها على صدره ليميل بطوله الفارع ويحملها بين ساعديه ليهرول باتجاه الفراش فاجابته عزة التي لحقته بهرولة لتساعده:
-متخافش ده من الوحم
مددها على الفراش ليحتضن وجنتيها يتطلع عليها بنظراتٍ متألمة لأجلها،نطق بصوتٍ متأثر:
-هتصل بالدكتور يجي حالاً
نطقت عزة بتهوين كي تطمئن قلب ذاك العاشق:
-مش مستاهلة يا باشا،اللي بيحصل لها كل ده من الوحم
حول بصره إليها لينطق باستخفاف:
-أيوه نسيبها يعنى ولا إيه مش فاهم؟
ثم تطلع على حبيبته قائلاً بنظراتٍ تقطر حنانًا ممزوجًا بعشقٍ هائل:
-هقوم أكلم الدكتور على ما عزة تساعدك تغيري هدومك
هزت رأسها بنفي لتهتف عزة مقاطعة:
-متكبرش المواضيع قوي كده،هي كباية جنزبيل سخن هتخليها زي الفل
كاد أن يعترض فقاطعته إيثار بصوتٍ متأثر:
-عزة عندها حق يا حبيبي،هي كباية جنزبيل وهبقى كويسة
بعد قليل جلبت لها عزة كوبًا من مشروب الزنجبيل الساخن وتناولته وبعدها هدأت ليسألها بنبرة حنون:
-طمنيني يا بابا عاملة إيه؟
أومأت برأسها لتنطق مع ابتسامة حنون كي تطمئن قلب حبيبها المُلتاع:
-الحمدلله أحسن
هتفت عزة وهي ترفع قامتها لأعلى بتفاخر:
-مش قولت لك، علشان تبقى تسمع كلامي بعد كده من غير مقاوحة
رفع حاجبه باستنكار يتطلع عليها ليكرر كلمتها مستهجنًا:
-مقاوحة،وغلاوة الدكتورة عصمت عندي لاكون مجوزك السنة دي علشان أخلص من لسانك ده يا عزة
لوت فاهها مستنكرة وهي تقول:
-قُطع الجواز وسنينه،قال جواز قال
لتتابع بعدmا أخرجت صوتًا بفمها جعل فؤاد يدخل في نوبة ضحك:
-وأنا كنت شفت اللي اتجوزوا فلحوا لما هروح أقلدهم
نطق بهدوء يحثها على الخروج:
-طب يلا على تحت خليهم يجهزوا الغدا وأنا والمدام نازلين حالاً
بالفعل هبطت للطابق الارضي ليعتدل هو أمام حبيبته لينطق بعينين تفيضُ عشقًا:
-البيبي شكله طالع شقي وهيتعب حبيبي معاه
رفع كفها لمستوى فمه ليضع قُبله وهو ينظر لها بحنان الدنيا بأكملها وهو يتابع بعينين معتذرتين:
-أنا أسف يا عمري
ابتسمت بحنان لتجيبهُ:
-تعب الدنيا كله يهون قدام لحظة سعادة واحدة بشوفها في عيونك وإنتَ بتلمس بطني وبتتخيل البيبي، فما بالك لما يوصل بالسلامة وتاخده في حُضنك
أخذت نفسًا مطولاً لتتابع بعينين تفيضُ غرامًا وهي تتحسس بطنها:
-عارف يعني إيه إحساس إن جوايا حتة من الراجـ.ـل اللي بحبه
تطلع إليها بعينين لامعتين من شـ.ـدة العشق لتتابع هي:
-ده شعور حلو قوي يا فؤاد وأول مرة أجربه
أغمض عينيه ليضع قبله فوق كفها ويتعمق بها لينتفض جسده حين استمع لدقات عالية لينطق بقوة:
-إدخل
ظهرت عزة بملامح مستاءة لتنطق بحدة:
-الأكل تلج على السفرة،الناس مستنيينكم من ساعة وإنتوا قاعدين تحبوا لي في بعض
اغمض عينيه ليكور كفه وهو يقول من بين أسنانه:
-إمشي من قدامي يا عزة بدل ما أقوم أرتكب فيكِ جريمة
-إنزلي يا عزة إطلعي يا عزة لحد ما رجليا إتكـ.ـسرت،أنا كان مالي ومال الهم ده بس يا ربي...كلمـ.ـا.ت إعتراضية نطقتها لتنطلق ضحكات إيثار العالية ليوجه بصره عليها وهو يسألها متعجبًا:
-واضح إن كلام عزة هانم عجبك قوي
هزت رأسها قائلة لتشاكسة:
-كل حاجة من عزة بتعجبني
ابتسمت عزة لتنطق بمداعبة:
-ريح نفسك يا سيادة المستشار،مش هتعرف تدخل بينا وتفرقنا عن بعض أبدًا
تنفس ليقف فاردًا ظهره وهو يقول:
-يلا ننزل علشان اللي مستنيين تحت دول وبعدها نطلع ونتحاسب
نزلت عزة وتحركت هي بجوار زوجها بعدmا ارتدت ثيابًا ساترة لجسدها وشعر رأسها،انضما للعائلة وتناولا الطعام تحت إشمئزاز إيثار من رائحة الطعام وعدm رغبتها في تناوله،ليلاً خرج فؤاد للإلتقاء بأحد أصدقائه تاركًا إيثار بصحبة والديه بالأسفل، شعرت بالإعياء قليلاً لتجبرها عصمت على التمدد فوق الأريكة ببهو المنزل ليسألها علام بنبرة حنون:
-حاسة نفسك أحسن؟
لتجيبه بهدوء:
-الحمدلله يا بابا، أحسن شوية
نطقت عصمت وهى تتحسس ذراعها بحنان:
-معلش يا حبيبتي إتحملي،هي الشهور الاولى في الحمل بتبقى سخيفة، بس إن شاءالله يعدوا على خير وبعدها هتبقي كويسة
ردت بابتسامة هادئة على والدة زوجها التي تغمرها بحنانها ورقي تعاملها:
-إن شاءالله يا حبيبتي
هبطت فريال وزوجها من فوق الدرج لينضموا إلي العائلة وما أن جلسا وكادت إيثار أن تعتدل من تمددها وقبل أن تنزل ساقيها إلى الأرض ولج فؤاد ليستشيط غضبًا وغيرة عنـ.ـد.ما رأى زوجته ممددة فوق الأريكة وزوج شقيقته يقابلها الجلوس، هرول عليها لينطق بملامح متجهمة وهو يقف أمامها يحميها بجسده:
-السلام عليكم
رد الجميع السلام لتعتدل هي سريعًا ليباغتها بجذبه ليدها وهو يقول:
-يلا علشان نطلع جناحنا
ازدردت لعابها حين رأت تجهم ملامحه الغاضبة لتهز رأسها بإيجاب سريع وتهب واقفة بمساعدته لينطق علام موجهًا حديثه لنجله:
-هتطلعوا ليه من الوقت يا فؤاد،إقعد معانا لحد ما نتعشى وبعدين إبقى إطلعوا براحتكم
نطق وهو يحثها على التحرك بجانبه بحدة شعرت بها:
-معلش يا باشا أنا راجع تعبان شوية ومحتاج أقعد براحتي
تبادل الجميع النظرات مستغربين حدته لينطلقا نحو الدرج وهو يصيح بصوته الغاضب:
-عزة
هرولت من المطبخ لتجيبه باحترام:
-أؤمر يا باشا
أجابها وهو يصعد بخطواتٍ واسعة غير عابئًا بتعب تلك التي يجذبها خلفه دون مراعاة لإعيائها:
-إبقى طلعي لنا العشا فوق وهاتي معاكِ يوسف وإعملي حسابه
-حاضر...قالتها عزة لتنسحب للداخل من جديد، تطلع ماجد على زوجته المتعجبة تصرف شقيقها لتنطق عصمت سريعًا وهي تنظر إلي ماجد في محاولة منها لتلطيف الأجواء:
-أكيد فيه حاجة ضايقته برة
أومأ لها ليقف قائلاً باعتذار:
-أنا خارج أشم شوية هوا برة في الجنينة
أسرع للخارج لتنطق فريال وهي تلحق بزوجها:
-أنا كمان هروح اتمشى مع ماجد
بعد ذهاب الجميع نطق علام بوجهٍ حزين:
-إبنك بيغير على مـ.ـر.اته من جوز أخته
-معقولة؟!...نطقتها بذهول لتتابع نافية وهي تهز رأسها:
-بس فؤاد أعقل من كده يا علام
نطق مفسرًا بنبرة ظهر بها الحـ.ـز.ن:
-ومن إمتى العقل والغيرة بيجتمعوا في جملة واحدة يا عصمت
ليتابع بدهاء:
-أنا ليا مدة ملاحظ تصرفات فؤاد الجديدة عليه مع ماجد،مؤخرًا بيتعمد ما يقعدش هو ومـ.ـر.اته في تجمع فيه جوز أخته،ومكانه على السفرة اللي غيره علشان يكون في صف واحد مع ماجد
بنبرة مهمومة سألته:
-طب والعمل يا علام، هنعمل إيه؟
رفع كتفيه باستسلام
**********
تحركت بجواره وما أن ولجا لجناحيهما حتى أغلق الباب ليستدير لها صائحًا بحدة:
-المنظر اللي شوفته من شوية ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني وإلا قسمًا بالله هحبسك هنا في الجناح وتحت ده مش هتلمحيه بعنيكِ تاني
ليتابع بعينين تطلق شزرًا:
-فاهمة ولا لا؟!
انتفض جسدها لتنطق بصوتٍ خافت بدفاعٍ عن حالها:
-ده لسه نازل من فوق وأنا كنت لسه هعدل نفسي
إحتدmت ملامحه وامتلئت بالغضب ليهدر بصوتٍ أرعـ.ـبها:
-مش عاوز أسمع زفت مبررات،هي كلمة واحدة اللي مسموح لك تنطقيها وهي حاضر
إغرورقت عينيها بالدmـ.ـو.ع لتخرج صوتها متألمًا بنبرة عاتبة:
-إنتَ بتكلمني كده ليه يا فؤاد!،أنا معملتش حاجة تستاهل غضبك ده كله؟
الغضب يملؤ عينيه ويحتل جميع جسده لدرجة أنه لا يقبل بالنقاش حاليًا ليهتف بقوة وإهانة دون الإنتباه لتعبها:
-فعلاً معملتيش؟!
ليصيح بعينين تطلق سهامًا نارية:
-ولما ادخل ألاقي الهانم مراتي راقدة وفاردة جـ.ـسمها قدام راجـ.ـل غريب،إسميه إيه ده يا مدام؟!
برغم حالة الإعياء المسيطرة عليها إلا أنها لم تتحمل إهانته لتهتف بقوة وعينين حادتين رافضة إتهامه:
-خلي بالك من كلامك يا فؤاد،انا كنت قاعدة مع بابا وماما لوحدنا ولما ماما شافتني تعبانة أصرت عليا أنام على الكنبة جنبهم،وقبل ما توصل بثواني نزلت فريال وجوزها
صرخ بجنون الغيرة على من ملكت لُب عقله وتملكت من الكيان:
-وليه ما طلعتيش في جناحك بمجرد ما شوفتيه نازل من على السلم؟!
-ملحقتش...صرخت بها لتتابع بنبرة متألمة من شكه بها:
-أنا مجرد ما حسيت بيه قدامي كان قعد وعلى ما حاولت أقوم كنت إنتَ دخلت
صاح بانفعالٍ شـ.ـديد جعل من أوردت عنقه تنفر وتنتفض بقوة:
-قولت لك مش عاوز مبررات،وقسمًا بالله يا إيثار المنظر ده ما يتكرر تاني لتشوفي وش لفؤاد علام يصدmك
تطلعت عليه تتعمق بعينيه بنظراتٍ عاتبة قبل أن تهرول صوب الباب ليجذبها من يدها قبل أن تلف مقبض الباب لفتحه ليحثها على الإستدارة له وهو يسألها بنظراتٍ حادة كالصقر:
-على فين يا مدام؟!
نفضت يده بعزم لتنطق بحدة:
-هروح أبات في أوضة يوسف
اتسعت عينيه ليهتف هادرًا بحدة وجنون:
-خلي ليلتك تعدي على خير ومتخلنيش أطلع جناني عليكِ
ليسترسل بقوة:
-وإياكِ بعد كده تتحركي من الجناح ده،مش كل ما نتخانق تجري تستخبي لي في أوضة يوسف
لم تستطع التماسك أكثر من هذا فنزلت دmـ.ـو.عها ليصـ.ـر.خ موبخًا:
-عيطي ولا حتى إتفلقي
شهقت بقوة ليهرب من أمامها متجهًا إلى الشرفة لترتمي هي فوق الفراش تبكي بقهرٍ وألم، رفع يده وجذب شعر رأسه للخلف بقوة كادت أن تقـ.ـتـ.ـلعه من جذوره، تطلع من حوله ليغمض عينيه في محاولة منه لتهدأت حاله وإخماد حريقه المشتعل
**********
بالأسفل بحديقة القصر، كان ممسكًا سيجارة بين أصابعه ينفث بها عن غضبه لتسأله زوجته بهدوء:
-مالك يا ماجد؟
نطق بنبرة حادة وملامح وجه متجهمة:
-مفيش
نطقت باستياء:
-ده على أساس إن أنا معرفكش؟
أخذ نفسًا مطولاً من سيجارته لينفث دخانها سريعًا في الهواء الطلق قبل أن يهتف بنبرة ظهر عليها الغضب:
-طالما عارفاني يبقى أكيد عارفة إيه اللي ضايقني
-تقصد فؤاد؟!...قالتها بترقب ليهتف بحدة:
-طب ما أنتِ واخدة بالك أهو
وضعت كفها على ظهره تتحسسه بحنان لتنطق مبررة تصرف شقيقها:
-فؤاد عمره ما كان بيتصرف كده، أكيد فيه حاجة زعلته في الخروجة
لتسأله بترقبٍ شـ.ـديد:
-وبعدين إنتَ ليه أخدت الموضوع بشكل شخصي
أجابها بما بدأ يستشعره مؤخرًا من تصرفات فؤاد المستجدة:
-علشان أخوكِ ليه فترة متغير معايا أنا بالذات يا فريال، ده بيخبي مـ.ـر.اته مني، تخيلي؟!
نطقت لتخفف من أثار ما فعله شقيقها على نفس زوجها:
-يا حبيبي إنتَ اللي بقيت حساس قوي،اللي إنتَ بتقوله ده بعيد كل البعد عن شخصية فؤاد واسترسلت بتبرير مستندة للماضي:
-ما احنا كنا عايشين معاه أيام ما كان متجوز الزفتة نجلا وعمره ما اعترض على وجودك ولا إتصرف بأي طريقة تحسسك إنه متضايق منك
نطق مفسرًا ما استطاع قرائته من عينين شقيقها:
-أيام زمان شئ والوقت شئ تاني يا فريال، أخوكِ بيحب إيثار وبجنون كمان
تنهدت ولم تجد بداخلها شيئًا مناسبًا للرد ففضلت الصمت والوقوف بجواره دون حديث
**********
بنفس التوقيت داخل منزل محمد شقيق إجلال، اجتمعت العائلة بناءًا على طلب منها بعدmا تقدm المحامي بأوراق هارون طلبًا لإنضمامه في السباق الإنتخابي عصر اليوم الأخير وقبل أن يغلق باب الترشح بساعة واحدة ليتحدث شقيقها الاصغر عبدالله:
-خير يا ستهم،جمعتي الكل ليه؟
تراجعت بظهرها للخلف لتنطق بقوة وثبات وهي تنظر لهارون الجالس أمامها:
-هارون قدm في الإنتخابات النهاردة، وأنا اللي خليت المحامي قدm له الورق
ضيق محمد عينيه ليسألها بعدm استيعاب:
-إنتخابات إيه؟!
نطقت بقوة:
-إنتخابات مجلس الشعب يا حاج محمد
-طب ونصر؟!...نطقها أحد الحضور لتهتف من بين أسنانها بغلٍ:
-الخـ.ـا.ين الوا.طـ.ـي طلع متجوز عليا بت صغيرة ومعيشها في مصر
اتسعت أعين الجميع ليهتف عمها بقوة زلزلت أركان الحجرة:
-الوا.طـ.ـي الجبان قليل الأصل،إزاي يتجرأ ويتجوز على بنت الحاج ناصف
هب شقيقها واقفًا لينطق بغضبٍ عارم لو خرج لأحرق الأخضر واليابس بطريقه:
-ده أنا هروح أعلقه على أعلى شجرة على كوبري البلد وأخليه فرجه للي رايح واللي جاي على الطريق
نطقت بنبرة حادة كي تحثه على التراجع والهدوء:
-إهدي يا حاج عبدالله واقعد خلينا نتكلم بالعقل، ده مهما كان بردوا أبو عيالي وإهانته هتهينهم هما كمان،أنا هدmره بس بطريقتي
واسترسلت بقوة اكتسبتها من المكانة التي وهبها لها والدها وفرضها جبرًا على الجميع:
-النهاردة الحاج هارون إترشح،من بكرة الصبح عاوزة صوره تملى شوارع كل بلاد المركز علشان نصر يشوفها ويتفاجئ ويتقهر
واسترسلت أمرة بطريقة جعلت من شقيقها الأكبر يغضب من داخله:
-عاوزين نعمل له دعاية محصلتش،وكل واحد فيكم يروح لنسايبه ومعارفه من البلاد التانية ويوصيهم
نطق عمها بقوة:
-أصلاً أي حد هيعرف إن حد من عيلتنا نازل الإنتخابات هيدي له صوته وهو مغمض، إحنا كنا عاملين لك إنتِ بس حساب ومحدش من عندنا بيترشح قصاده، بس طالما بدأ بالخيانة وعض الإيد اللي إتمدت له يبقى حلال فيه اللي هيشوفه على إيديكِ
نطقت بغضب عارم وحقد ظهر من بين نظراتها:
-أنا مش هكتفي بخسارته في الإنتخابات يا عمي، أنا عوزاه يرجع شحات زي ما خدته، عوزاكم تنبهوا على كل تجار الأثار محدش يتعامل معاه تاني
وإنتَ يا حاج محمد، عوزاك تسحب كل الرجـ.ـا.لة اللي بتساعده في الحفر، عوزاكم تشلوا حركته وتقطعوا عنه حتى النفس علشان ما يبقالوش ملجئ غيري
واستطردت متوعدة بسخطٍ:
- وساعتها هعرفه هو لعب مع مين
هتف محمد متوعدًا بشر:
-أنا هدmرهولك يا ستهم،وما أبقاش إبن الحاج ناصف إن ما خليته يصـ.ـر.خ ويولول زي النسوان
نظرت للجميع بقوة وتابعوا التخطيط على تدmير نصر
**********
بعد منتصف الليل
كان كلاً منهما ممددًا على التخت ذاته لكن تفصل بينهما مسافاتٍ وأميال،كانت تعطيه ظهرها ممددة على جانبها الأيسر تضع كفها تحت رأسها بقلبٍ حزين وعينين منتفختين من شـ.ـدة بكائها الذي استمر كثيرًا،نظر عليها وتنهد بضيق،مازال غاضبًا منها حتى الأن على إيثارتها لجنون غيرته العمياء وعدm مراعاتها لتلك النقطة،زفر بقوة لعدm قدرته على حسم قرارًا بالإقتراب منها وترضيتها، قلبهُ يتلهفُ شوقًا وخوفًا عليها ويطالبه بقوة ضمها ومحو الحـ.ـز.ن عن عينيها لأجل سلامتها ولأجل الحفاظ على جنينه الغالي،لكن عقلهُ رافضًا ويؤنبهُ بل ويحذره من الرضوخ لطلب هذا القلب الضعيف،يطالبه بالقوة والثبات على موقفه كي تأخذ حذرها بالمستقبل وتعلم أنه لم ولن يغفر الخطأ بسهولة وتعيد بتفكيرها ألاف المرات قبل الإقبال على أي خطوة
زفر بقوة للمرة الثانية وحين وجد قلبه يلين ويحاول إضعافه إنتفض واقفًا ليذهب إلى الحمام ويختفي خلف بابه،خلع عنه قطعة الملابس السفلية التي يغفو بها دائمًا وألقاها أرضًا من شـ.ـدة غضبها وتحرك تحت صنبور المياه وفتحه لينهمر منه الماء البـ.ـارد على جسده عله يُطفئ من روحه وجسده المشتعلان بلهيب الغيرة،أعاد شعره للأسفل ثم استند بكفيه على الحائط الرخامي وأغمض عينيه وبدأ يتنفس تحت الماء المنهمر كي يخرج شحنة الغضب الكامنة بداخله، ظل على هذا الوضع أكثر من خمسة عشر دقيقة ليخرج بعدها مجففًا جسده ويلف نصفه السفلي بمنشفة كبيرة،خرج ليجدها مازالت على وضعها،تحرك صوب خزانة ثيابه وأخرج قطعة ملابس سُفلية جديدة وارتداها لينضم مجددًا إليها بالتخت،نظر عليها ليبتلع لعابه ثم استدار ليعطيها ظهره عله يستطيع النوم إذا ما رأها أمامه، ولكن كيف يتحاشى وجودها ورائحة عطرها تتغلغل بأنفاسه وتقتحمُ رئتيه،جاهد حالهُ بصعوبة على ألا يجذبها ويسكنها بأحضانه ككل يوم،حالها لم يختلف بالكثير عنه،غاضبة نعم وللغاية لكن حنينها يسحبها إليه،تريد الإرتماء داخل أحضانه كي يشعرها بالامان،فمنذ ليلة زواجها الفعلي منه وهي تغفو بأحضانه لتشعر بالسكينة والأمان لكنها الان تحاول أن تجاهد شعورها بالحنين إليه، لم تستطع الثبات فاستدارت لذاك الذي يواليها ظهره ونطقت بصوتٍ إخترق أعماق قلبه:
-مش عارفة أنام،ممكن تاخدني في حـ.ـضـ.ـنك؟
وكأنه كان ينتظر الإشارة ليُلبي نداء قلبه قبل قلبها،استدار بلهفة لينظر لها، نظرت إليه باستعطاف ليبادلها إياها بلومٍ وعتاب ثم فرد ذراعه باتجاهها فتسحبت لتضع رأسها عليه كقطة سيامي، نظر لها لينطق بنبرة خافتة:
-متعمليش كده تاني
صمتت ليعيد حديثه مرةً أخرى ولكن بحدة:
-مسمعتش ردك ليه؟
-حاضر...نطقتها بهمسٍ يكاد يُسمع لينطق بقوة:
-علي صوتك
-حاضر...قالتها بصوتٍ واضح ليجذبها بعنفٍ ويميل على شفتيها يلتهمها لتبادله قبلته العنيفة التي فصلاها بعد حاجتهما الملحة للهواء،نطق بعينين تذوب عشقًا:
-غيرتي نار قايدة لو خرجت هتحرقك وهتحرقني معاكِ،حاولي تتجنبي خروجها علشان نقدر نكمل حياتنا وإحنا مرتاحين
-والله ماعمالت حـ.... كادت أن تُكمل فوضع أصبعه فوق شفتيها لينتطق بعينين حادة:
-قولت لك مش عاوز أسمع مبررات
هزت رأسها بطاعة ثم نكستها للأسفل وقد كست ملامحها الحـ.ـز.ن ليمد يده يرفع ذقنها ليجبرها على النظر لعينيه ثم سألها بقوة:
-بتحبيني؟
أجابته بدون تردد:
-عمري ما عرفت الحب غير على إيديك
نطق بملامح مازالت حادة:
-يبقي تريحيني وتسمعي كلامي لحد ما أشوف حل للي إحنا فيه
أجابته بهدوء:
-حاضر يا فؤاد، بس عوزاك توعدني بإن اللي حصل النهاردة ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني
قطب جبينه بعدm استيعاب لترد على تساؤلات عينيه دون ان يُبيح بها:
-بلاش تدخلنا في سكة الشك لأني مش هقبلها منك بعد النهاردة
نطقتها بحزم لأنها ذكرتها بغيرة وشك عمرو بها وضـ.ـر.به وإهانته له فنطق هو سريعًا ينفي شعورها:
-إنتِ إتجننتي يا إيثار،شك إيه اللي بتتكلمي عنه
ليسترسل بصدقٍ ظهر بين عينيه:
-إنتِ أكبر وأطهر من إني أشك فيكِ
مطت شفتيها للأمام لتسأله بحـ.ـز.نٍ:
- أمال كلامك ليا النهاردة معناه إيه؟!
نطق سريعًا بدون تردد:
-غيرة ونار قايدة بتاكل في جـ.ـسمي على الست اللي ما دوقتش الغرام إلا على إيدها ولا حسيت بالراحة غير في حـ.ـضـ.ـنها
وضعت كفها تتحسس ذقنه النابتة قبل أن تنطقُ بدلال أذاب قلبهُ وأنعش روحه:
-وإذا كانت الست نفسها بتقول لك إنها مبقتش شايفة في الدنيا دي كلها غيرك لدرجة إنها بتشوفك في كل الوشوش، بردوا هتغير؟!
مرر إبهامهُ على شفتيها لينطق بعينين بالغرام ناطقة:
- لو مغيرتش غليكِ يبقى معنديش نخوة ولا بحبك بالدرجة الكافية
ما شعرت بحالها سوي لأنها تقترب على شفتيه لتقوم بوضع قبلة رقيقة بثت له من خلالها كم أنها ذائبةٌ عاشقة هائمة في سماء عشقه سرعان ما تحولت قبلتهما لشغوفة مـ.ـجـ.ـنو.نة،ظل يقبلها بنهمٍ لتتحول قبلتهما لرغبة مـ.ـجـ.ـنو.نة،سحبها معه داخل دنياهما الحالمة ليعزفا معًا أجمل معزوفة على اوتار العشق ويسبحا داخل بحر شهدهما المميز والفريد.
↚
لم أكن يومًا أغار كنت أسير في الحياة بتبخترٍ كالطاووسِ وأعبر طرقاتها كالإعصار،لم يشغلني أحدًا ولم أرى من هو أفضل مني ليجعلني أغار،وطالما رأيت أن الغيرة دليلاً على الضعف وعدm الثقة والإنكسار، لكنني في حبك قدmت لحالي ألف وألف إعتذار، على سوء فهمي لكثيرًا من الأشياءِ، فبرغم بلوغي ووصولي لهذا السن المتقدm إلا أنني أعترف وأعلنها صراحتًا، أنني أغار.
فؤاد علام زين الدين
بقلمي روز أمين
تملل بغفوته ليتعجب حين لم يشعر برأسها تسكن أحضانه ككل يوم وكأن هذا ما أيقظه من نومه العميق،فتح عينيه يبحث عنها ليتفاجئ بعدm وجودها بالفراش، سحب جسده للأعلى ونظر لشاشة هاتفه يستعلم عن الوقت فوجد الساعة لم تتخطى الخامسة فجرًا بعد،على الفور ترجل من فوق الفراش وانطلق نحو باب الحمام ليطرقه بخفوتٍ وحين لم يجد ردًا أمسك المقبض وأداره فلم يجدها أيضًا،إرتفع صوته وهو ينطق باسمها:
-إيثار، حبيبي إنتِ فين؟
قالها وهو يتجول سريعًا داخل الجناح باحثًا عنها حتى وصل للبهو ليهدأ خوفه ويتسمر بوقفته حين وجدها تركع فوق سجادة الصلاة بخشوعٍ مرتدية الثياب الخاصة بالصلاة«الإسدال» تنفس بهدوء وتحرك نحو المقعد القريب منها وجلس يتأملها حتى انتهت من الصلاة والدعاء فهب واقفًا ليبسط ذراعه يساعدها على النهوض لتنطق هي بعينين أسفتين:
-أنا أسفة يا روحي،شكلي قلقتك
وقف بوجهها لينطق بعينين تشع حنانًا:
-ولا يهمك يا حبيبي
ليسترسل وهو يتفحص ملامحها الذابلة بـ.ـارتيابٍ:
-إنتِ كويسة؟
تنهدت لتقول بنبرة خافتة كي تطمئنه:
-الحمدلله
-مالك يا بابا...قالها بتوجسٍ ليتابع متلهفًا وهو يرى إعيائها الشـ.ـديد:
-فيه حاجة و.جـ.ـعاكِ؟!
نطقت وهي تحتوي وجنته بلمساتٍ حنون:
-متخافش يا حبيبي أنا كويسة،كل الحكاية إني قومت من النوم لقيت نفسي عاوزة أرجع فروحت الحمام رجعت وأخدت شاور وصليت الفجر
رأت بعينيه ألمًا لأجلها ولومًا لحاله على تلك الحالة التي وصلت لها بفضل حملها بجنينه فتحدثت كي تزيل عنه ذاك الشعور:
-حبيبي أنا كويسة والله
حاوط كفها الموضوع على وجنته وقربها من فمه ليضع قبلة حنون قبل أن يسحبها وهو يقول:
-طب يلا يا عمري علشان تكملي نومك
تحركت بجواره ليدثرها تحت الغطاء ويجاورها بعد أن أسكنها بأحضانه لتغمض عينيها بسكون، ظل يحدثها حتى دخلت في سباتٍ عميق من جديد فأغمض هو الأخر عينيه ليغفو
***********
بمنزل نصر البنهاوي وبالتحديد داخل مسكن حُسين،كان غافيًا بجانب زوجته فشعرت هي بأقدام تتقدm ناحيتها فتحت عينيها سريعًا لتجدها تلك الطفلة المسكينة "زينة"إبنة عمرو فقد إتخذتها مروة لتسكن معها بغرفة إبنتها بعدmا تم حبس والدتها وكالعادة عمرو لم يسأل عن حالها، فدائمًا يراها إبنة الخطيئة التي دmرت حياته ولولاها لكانت إيثار وصغيره مازالا يمكثان في كنفه وداخل أحضانه،تحدثت الصغيرة بعينين مكـ.ـسورتين:
-أنا عاوزة أغير هدومي
تطلعت مروة عليها لتجد الصغيرة متبولة على حالها فهي تعاني من التبول اللاإرادي نتيجة معاملة والدتها القاسية لها وغياب دور الأب بحياتها،للأسف نسبة كبيرة من المتواجدون بالمنزل يتعاملون معها مثل أبيها،"إبنة الخطيئة"لذلك أخذتها مروة واحتضنتها كي تزيل عنها شعور الضياع الملازم لها طيلة الوقت، هبت من مرقدها لتمسك كفها وتحدثت وهي تحثها على اتباعها:
-حاضر يا قلبي
ولجت بها لداخل الحمام ساعدتها على الإغتسال وبدلت لها ثيابها وخرجت لتنطق الصغيرة بهدوء:
-أنا جعانة
تمزق قلب مروة على حال تلك المسكينة لتأخذها بأحضانها علها تزيل ولو قليلاً من حـ.ـز.نها العميق الساكن بداخلها وتحدثت بنبرة حنون جديدة على الطفلة:
-حاضر،هدخل أعمل لك ساندوتش جبنة وأجيب لك تفاحة تاكليهم على ما أقوم سليم وليلى وننزل علشان نفطر كلنا
ابتسمت الصغيرة بخفوت، خرج حسين من الغرفة في طريقه للحمام فوجد زوجته تضع صحنًا به شطيرة وثمرة فاكهة وتقدmهما للصغيرة فتحرك إليها وحاوط كتفها وهو يقول:
-ربنا يجازيكِ خير يا مروة،إنتِ أثبتي إنك بنت أصول بجد
تنهدت بحـ.ـز.ن ظهر عليها وهي تطالع الصغيرة التي تتناول شطيرتها بنهم لتنطق بحـ.ـز.نٍ عميق:
-الله يسامحه أخوك وأمها،جابوها للدنيا من غير حسابات ورموها
-الله يسامحهم...قالها بألم ليميل على الصغيرة يضع قُبلة حنون فوق رأسها وملس بكفه على شعرها لتواجهه بعينيها البريئة لينطق بحنو:
-كُلي يا زينة، وأنا هبعت أجيب لك شيكولاتة إنتِ وسليم وليلى
ابتسمت بخفوت ليعتدل بوقفته ويقول وهو يتوجه إلى الحمام:
-هروح أتوضى وأصلي الضُحى
***********
أما في شقة طلعت وياسمين،خرج من حجرة نومه بملامح وجه غاضبة ليجد زوجته تجلس فوق المقعد تبكي وتنتحب منذ الأمس حيث تشاجرا وخرجت لتقضي ليلتها ببهو المسكن، إقترب عليها ونطق بحدة وهو يشملها باشمئزاز:
-وفري الدmـ.ـو.ع دي يا حلوة لليوم اللي هدخل عليكِ فيه بالعروسة الجديدة
هبت من جلستها لتنطق بصوتٍ بح من كثرة بكائها ناهيك عن جفونها المنتفخة بفضل الدmـ.ـو.ع التي زرفتها،فقد ظلت تبكي طوال الليل منذ أن أخبرته بما علمته بشأن الجنين،حيث أخبرتها الطبيبة أنها ستنجب أنثى للمرة الرابعة:
-حـ.ـر.ام عليك يا طلعت،أنا مليش ذنب علشان تعـ.ـا.قبني وتتجوز عليا
واسترسلت تعلمه بما قصته عليها الطبيبة:
-الدكتورة قالت لي إن جوزك هو المسؤل عن نوع الطفل وإني مليش أي علاقة بالموضوع ده
لم تكمل جملتها ليباغتها بصفعة قوية نزلت على وجنتها زلزلت كيانها بالكامل،ثم أمسكها من ذراعها ليهزها بعنف قائلاً بعينين تطلق شزرًا:
-لو سمعتك بتقولي الكلمة دي تاني هدفنك صاحية ولا حتى بناتك هيشفعوا لك عندي
ليدفعها بقوة ارتمت أرضًا على أثرها وهو يقول بتهديدٍ مباشر:
-مفهوم
تحرك للأسفل وتركها غارقة بدmـ.ـو.ع القهر
***********
تملل على صوت التنبيه الخارج من الهاتف المحمول ليمد يده سريعًا يغلقه كي لا يزعج خليلة روحه،سحب ذراعه من تحت رأسها بهدوءٍ وتسحب كي لا يوقظها،ولج إلى الحمام إغتسل وتوضأ وصلى فرضه ثم ارتدى ثيابه وقبل أن يخرج مال على وجنة تلك النائمة ليقبلها بولهٍ ثم تحرك إلى الأسفل وما أن هبط من فوق الدرج وجد شقيقته تخرج من المطبخ بعد أن أشرفت على العاملات واوصتهم على الإسراع في تجهيز سُفرة طعام الإفطار،تحرك باتجاهها ليأخذها بحـ.ـضـ.ـنه ويميل مُقبلاً رأسها بحنان وهو يقول:
-صباح الخير يا حبيبتي
برغم أنها حزينة على موقفه الحاد وتصرفه بشكلٍ غير لائق مما أحرج زوجها ووضعه بموقف لا يحسد عليه إلا أنها ابتسمت بخفوت لتجيبه بنبرة حنون:
-صباح النور يا فؤاد
ثم سألته مستفسرة:
-إيثار منزلتش معاك علشان تفطر ليه؟
تنهد بأسى ثم أجابها بملامح وجه يبدو عليها التأثر:
-إيثار نايمة،الحمل تاعبها قوي يا فيري وطول الوقت بترجع، ما صدقت إنها نامت محبتش أزعجها
أجابته بحنان للتهوين على قلب شقيقها العاشق:
-مرحلة وهتعدي يا حبيبي،دي شهور الوحم الأولى وعلى ما تخلص هترجع لطبيعتها
ثم استرسلت كي تطمئن قلبه:
-أنا هخلى عزة تجهز لها الفطار وهطلع لها بنفسي على الساعة عشرة تكون أخدت كفايتها من النوم
تعمق بعينيها بامتنان لينطق شاكرًا:
-متشكر يا حبيبتي،ربنا يخليكِ ليا
-ويخليك ليا يا فؤاد...نطقتها بابتسامة واسعة وصدقٍ بعد محو حديثهُ معها لحـ.ـز.نها منه،حاوط كتفها وتحرك كلاهما صوب غرفة الطعام لينضما لباقي الأسرة يتناولون طعام الإفطار
بعد قليل خرج من باب القصر ليتوجه إلى الجراچ، إنتبه على صوت والده من خلفه،إلتفت ليتحرك علام باتجاهه وحاوط كتفه يحثه على التحرك للأمام،نطق مستفسرًا:
-إنتَ كويس؟
-الحمدلله يا باشا،أنا تمام... قالها بهدوء ليسترسل متعجبًا:
-بس ليه حضرتك بتسأل؟!
-بطمن على إبني...نطقها مبررًا ليتابع بنظرة عاتبة:
- مش من حقي ولا إيه؟!
نطق سريعًا بحصافة:
-لا طبعاً يا باشا حقك طبعاً
تنهد بهدوء ليسألهُ:
-طب بمناسبة الحقوق أظن من حقي أعرف إيه اللي مغيرك بالشكل ده من ناحية جوز أختك؟
قطب جبينه ليسأل بمراوغة:
-إيه اللي خلاك تقول كده يا باشا؟
نطق بدون تفكير:
-حالة الجنان الرسمي اللي شفت إبني العاقل الرزين عليها إمبـ.ـارح
هتف باستهجان ظهر بَيِن فوق ملامحه:
- هو علشان عندي نخوة وغيران على مراتي أبقى خلاص اتجننت؟!
تجاهل حديثه المستهجن ليسأله بوضوح:
-إيه اللي جد أنا معرفوش وعمل شرخ بينك وبين ماجد يا فؤاد؟
أغمض عينيه ثم أخذ نفسًا عميقًا ليجيبهُ بوضوح:
-البيه كان متعشم هو وأهله وطمعان يورث عرش علام زين الدين وإبنه اللي عاشوا يبنوا فيه طول عمرهم
قطب جبينه بعدm استيعاب ليهتف الأخر بغضبٍ ظهر بعينيه المشتعلة:
-سمعته بوداني يوم عزومة عمي أحمد في مزرعة الخيل،كان بيتكلم مع مامته في التليفون وأتاريهم كانوا راسمين على كده من زمان
وبدأ يقص عليه ما استطاع إكتشافه بفطانته من تلك المكالمة ليأخذ علام نفسًا مطولاً ليزفره بهدوء قبل أن ينطق بكلمـ.ـا.تٍ عقلانية لرجل حكيم رأى في الدنيا ما أوصلهُ لذاك النضوج الفكري:
-كل اللي قولته دي طبيعي يا ابني،دول في الأول والأخر بشر،والبشر خطائين، وبعدين الناس لا فكروا في أذيتنا لاسمح الله ولا حتى سعوا لأي حاجة توصلهم لمبتغاهم
ثم رفع كتفاه بلامبالاة ليتابع:
-الظروف كلها والشواهد كانت بتقول إن كل ما نملك هيوصل في نهاية المطاف لأولاد فريال،وإصرارك العجيب ورفضك للجواز خلى ماجد وأهله غـ.ـصـ.ـب عنهم يفكروا في الموضوع ده
نطق بـ.ـارتياب ظهر بعينيه:
-وإيه اللي يضمن لحضرتك إن الدكتور المحترم ما يحاولش يأذي مراتي ويخسرني إبني؟
رد على تساؤل نجله بثقة هائلة:
-مش هيحاول لسبب بسيط،ماجد إبن عيلة وأصيل وأهله مش محتاجين فلوسنا علشان يدبروا لنا خطط ومؤامرات،متنساش إني سألت عليهم بنفسي وعملت تحرياتي وقت ما ماجد أتقدm لخطبة فريال
نطق بحدة ظهرت بصوته:
-بس دول طمعوا وفكروا يا باشا، وحتى لو معاهم ومش محتاجين ده مش مبرر إنهم ميفكروش، البحر دايمًا يحب الزيادة
أجابه علام بمنطقية كي يهدأ من ثورته:
-يا ابني البني أدm خطاء،يعني هو الشيطان هيقعد يتفرج ويسيب الناس في حالهم كده عادي، مش لازم يغوي ده ويخلي ده يدخل في طريق الذنوب وهكذا
وتابع مسترسلاً بتوصية:
-أنا مش عايزك تتأثر باللي حصل وتغير طريقتك مع جوز أختك، على الأقل علشان خاطرها هي وأولادها
سأله بغيرة ظهرت بعينيه:
-وبالنسبة لمراتي؟!
نطق مستفسرًا:
-مالها مراتك؟
-يا بابا مراتي مش واخدة حريتها في البيت، طول الوقت متكتفة بحجابها ولبسها وحضرتك شفت اللي حصل إمبـ.ـارح...قالها بضيق لينطق بحدة وغيرة جديدين عليه:
-المفروض الدكتور المحترم لما نزل وشاف مراتي تعبانة وراقدة على الكنبة كان خرج في الجنينة لحد ما اتعدلت وقعدت كويس، لكن المنظر اللي أنا شفته ده مش مقبول بالنسبة لي
سأله والده باستعلام:
-مراتك هي اللي إشتكت لك؟
أجابه سريعًا لينفي:
-لا طبعاً، إيثار لا اشتكت ولا عمرها هتشتكي
أخذ نفسًا عميقًا ليتابع موضحًا:
-إيثار عاشت ظروف قاسية تخليها تتحمل تعيش جوة النار من غير ما تشتكي
تطلع والده بتمعن ليسترسل هو:
-عزة حكت لي عن الحياة اللي عاشتها في بيت نصر البنهاوي وكم الذل والمهانة والأذى النفسي اللي إتعرضت له من ناس مريـ.ـضة
نطق بغصة مرة وقفت بحلقه:
-مراتي شافت كتير قوي يا بابا وحقها عليا إني أريحها وأوفر لها حياة هادية مستقرة من غير أي حاجة تنغص عليها حياتها
سأله بجبينٍ مقطب:
-إنتَ عاوز إيه يا فؤاد، بتفكر في إيه؟
-لسه مش عارف يا باشا...قالها بصدقٍ لصعوبة حل تلك المعضلة ليتابع بجدية:
-لازم أتحرك علشان ألحق مواعيد شغلي
أشار علام بيده:
-كلامنا لسه مخلصش
أومأ له بموائمة وتحرك صوب السيارة ليستقلها منطلقًا إلى عمله
**********
بنفس التوقيت داخل منزل نصر البنهاوي
يجلسون جميعًا يتناولون الطعام فاستمع نصر لصوت الغفير الخاص به يهتف صائحًا بتهليل:
-يا سعادة النايب، يا حاج نصر
زفر بضيق لينطق بصوتٍ مرتفع كي يصل إلى ذاك الصائح:
-تعالى يا جلاب المصايب وقول ما عندك
ولج الغفير وتبادل النظرات بينه وبين إجلال المبتسمة لعلمها ما سيخبره به:
-فيه حاجة حاصلة في البلد ولازم جنابك تعرفها
تطلع عليه ليهتف بسخطٍ وحدة:
-أنا عارف إن دخلتك الشوم دي وراها مصيبة، قول وخلصني
نطق بكلمـ.ـا.تٍ متلبكة خشيةً من غضب سيده المتجبر:
-صور هارون بيه إبن عم الست إجلال مالية شوارع البلد، والمركز كله ملهوش سيرة إلا على ترشيحه في الإنتخابات قصاد جنابك
جحظت عينيه بحدة هو وانجاله الثلاث وبلحظة تحولت لمشتعلة وهو يقول بعدm استيعاب:
-إنتَ بتقول إيه يا واد، هارون مين ده اللي يتجرأ ويترشح قصادى
قاطعه صوت إجلال الصارم وهي تقول بحدة وعينين تطلق سهامًا نارية:
-متنساش نفسك يا حاج نصر وإنتَ بتتكلم عن الحاج هارون إبن أخو الحاج ناصف
تطلع عليها نصر غير مستوعبًا حديثها ليهتف طلعت بعدmا انتفض من مقعده وهب واقفًا بعصبية:
-هو ده وقت الكلام ده يا ستهم،إنتِ مش سامعة الغفير بيقول إيه
نطقت بلامبالاة وهي تتناول إحدى اللقيمـ.ـا.ت وتمضغها بهدوءٍ ثار تساؤلاتهم جميعًا:
-سمعت يا حبيبي،وإهدى بقى إنتَ وأبوك وإقعدوا كملوا فطاركم
-إخفي من وشي وإطلع على برة...قالها نصر قاصدًا الغفير ليطالع إجلال بنظراتٍ تشكيكية ويسألها:
-إنتَ كنتي عارفة بإن إبن عمك هيترشح قصادي؟!
بكل جبروت نطقت:
-أه كنت عارفة، وأنا بنفسي اللي خليت المحامي يقدm ورق الترشيح إمبـ.ـارح
جحظت عينيه وعين عمرو الذي هتف بحدة واعتراض:
-كلام إيه اللي بتقوليه ده يا ماما،إزاي تعملي حاجة زي كده؟!
تعالت أصوات أنجالها الثلاث وهم يلقون باللوم عليها تحت صدmة نصر ونظراته الزائغة فانتفضت من مقعدها بحدة أوقعت المقعد لتنطق بجبروت وهي تُشير إلى مروة وياسمين:
-كل واحدة فيكم تاخد عيالها وتطلع على فوق، يلا
نطقت كلمتها الاخيرة بسخطٍ لتهرول كلاً منهما بتخبط تسحب أطفالها وأيضًا حملت مروة إبنة عمرو وهرولوا ليصعدوا الدرج سريعًا،أما إجلال فنطقت بقوة وهي تتحرك لغرفة جانبية:
-وإنتوا،تعالوا ورايا
ولج الجميع ليجدوها واقفة كالأسد الذي يستعد للإنقضاض على فريسته،ولج نصر والصدmة مازالت تعتلي ملامحه لينطق بصوتٍ خافت وعينين لائمتين:
-ليه؟!
قولي لي سبب واحد يخليكِ تخونيني وتطعنيني في ظهري يا إجلال؟!
وإلى هنا لم تستطع الصمود أكثر لتهتف بصراخ أنثى طعنت على يد من إختارته وسلمته روحها عن طيب خاطر وما تركت شيئًا يرفع من شأنه إلا وفعلته وبالاخير فضل عليها أخرى من النساء:
-علشان طلعت وا.طـ.ـي وعديم الأصل، عضيت الإيد اللي إتمدت لك بالخير
-ماما...نطقها عمرو معترضًا على إسلوبها المهين لوالده لتكمل هي بعينين بهما غضبًا سيحرق أمامه الأخضر واليابس:
-الخسيس أبوكم طلع متجوز عليا ومستقرضني ليه خمس سنين
نزلت كلمـ.ـا.تها الغير متوقعة عليه كصاعقة كهربائية شلت جميع حواسه،اتسعت عينيه بقوة وارتجف جسده لينطق بخفوتٍ:
-مين اللي وصلك الكلام الفارغ ده؟
هتفت بقوة وغضب العالم أجمع قد تجمع بعينيها:
-العقد ال عـ.ـر.في اللي متجوز الجربوعة بتاعتك بيه وصلني لحد عندي على التليفون
لتسترسل والغل والحقد يتأكلان من قلبها ويقطعاه لإربًا:
-لولا إبن الـ.... اللي بعت لي العقد شطب على إسم أبو البنت كان زمانك واخد عزاها من زمان
وكان فؤاد قد شطب على اسم عائلة شذى بالعقد حرصًا منه على عدm الوصول إليها وإيذائها على يد تلك المجرمة،إتسعت أعين أنجاله وتحولت إليه باتهام لينطق حسين متسائلاً:
-الكلام اللي أمي بتقوله ده حصل يا أبا؟!
استجمع قواه ليهتف مستنكرًا بصوتٍ واثق اصطنعهُ بصعوبة بالغة:
-محصلش يا حسين،ده أكيد حد عاوز يوقع بيني وبين أمك، والحد ده هارون لأن هو الوحيد اللي ليه مصلحة في كده
كانت مستعدة لكشف كذبه وإنكاره فأخرجت هاتفها ووضعته أمام أعين الجميع على الفيديو الذي وصلها من فؤاد لينصدm الجميع وأولهم نصر الذي نطق بوجهٍ شاحب كالمـ.ـو.تى وخزيٍ من أنجاله:
-مين اللي وصل لك الفيديو ده؟
ألقت بالهاتف أرضًا لتنطلق صوبه بهجومٍ ضاري وباتت تهزه من تلابيب جلبابه وهي تصيح:
-هو ده كل اللي همك يا وا.طـ.ـي،رايح تتجوز عليا عيلة قد عيالك يا شايب يا عايب، تتجوز على ستك وتاج راسك وراس أهلك بالنفر، ومتجوز مين، رقاصة يا مهزق؟
لم يستطع الدفاع عن حاله من كثرة المفاجأت التي قذفتها بوجهه والتي علمت بها عن طريق فؤاد،فبات يهتز بيدها كخرقة بالية مستسلمًا لهزاتها العنيفة التي تنفث بها عن غضبها العارم،هرول أنجاله الثلاثة كي ينقذوا والدهم من قبضة تلك التي تحولت إلى غولٍ ليلحق بهم غضبها وباتت تضـ.ـر.ب بقبضتها كل من يقترب منها ليقف طلعت خلفها ويلف ذراعيه القوية على جسدها كي يستطيع التحكم بحالة الهياج التي أصابتها لتصرخ بقوة ونجلها يعود بها للخلف:
-هدmرك يا وا.طـ.ـي،وزي ما عملتك عن طريق أهلي ههدك برضه عن طريقهم،ما أبقاش إجلال بنت الحاج ناصف إن ما رجعتك شحات زي ما كنت
أمسك حسين كف ذاك المذبهل ليحثه على الخروج:
-تعالى معايا يا ابا،يلا نروح المزرعة على ما امي تهدى
خرج سريعًا بصحبة نجله تحت صرخاتها التي تدل على وصولها للمنتهى من الجنان،وقف طلعت أمامها لينطق في محاولة منه لتهدأتها بعد أن تركها:
-إهدي يا ستهم وخلينا نفكر بالعقل،كرسي البرلمان مش لازم يخرج من إيد أبويا،كده هيبتنا في البلد هتروح
هتفت بفحيحٍ كالأفعى:
-وهو ده المطلوب يا طلعت،أنا هرجعه شحات زي ما اتجوزته
قال بتعقل:
-بس إنتِ كده مش هضريه لوحده يا ستهم، إنتِ كده بتدmرينا كلنا
واسترسل بخبثٍ اظهر انانيته:
-لو كان لازم تنتقمي منه كنتي قدmتي لي أنا، واهو على الأقل الكرسي مكنش خرج من البيت
هتفت من بين أسنانها مبررة بحقدٍ ضاري:
-مكنش هيتو.جـ.ـع،أنا قصدت إن هارون بالذات هو اللي ياخد الكرسي علشان أذله وأدوقه من نفس الكاس اللي شربني منه
ارتمى عمرو على المقعد ليضع رأسه بين كفيه بأسى على ما وصل له الجميع
**********
قاد حسين السيارة ليجن جنون نصر وهو يري تلك اللافتات الدعائية الإنتخابية الخاصة بهارون وهي تملئ الشوارع وصوره الملصوقة على جميع الحوائط ومازاد جنونه هو إزالة جميع اللافتات والصور الخاصة به وإلقائها على الأرض ليدهسها المارة تحت أحذيتهم بشكلٍ مهين،صرخ بعلو صوته وهو يسب ويلعن لينطق حسين بتهدأة:
-إهدى يا حاج،إنتَ مش قليل بردوا وليك ناس كتير هتنتخبك
صرخ بعلو صوته:
-محدش هيجرأ يدي لي صوته طالما اللي مترشح قصادي من عيلة أمك يا حسين،هما خلاص،حطوا إديهم في إدين بعض وإتفقوا على تدmيري
وتحدث وهو يضع كفه على ذقنه بتفكر:
-بس ده بعدهم،مش نصر البنهاوي اللي يقف يتفرج وهو متكتف على حد بيدmروا،واحدة بواحدة والبادي أظلم يا هارون
وصل إلى المزرعة فابتعد عن ابنه وأمسك هاتفه وما هي إلا ثواني وكانت شذى تجيبه بدلالٍ أنثوي كعادتها ليصـ.ـر.خ بقوة أرعـ.ـبتها:
-بقى بتسجلي لي فيديو وتبعتيه لمراتي يا بنت الـ...
سبها بلفظٍ منافٍ للأداب والاخلاق لتنطق بدفاعٍ عن حالها:
-إنتَ بتقول إيه يا نصر، أنا مش فاهمة حاجة
صاح بحدة:
-إنتِ هتستعـ.ـبـ.ـطي يا روح أمك،مش إنتِ اللي بعتي الفيديو لمراتي
ظلا يتحدثان لتتذكر تلك الـ "فُتنة" وارتباكها بذاك اليوم بالتحديد الذي بلغها به نصر،أبلغته بما حدث تلك الليلة بالتحديد واختفاء الفتاة من بعدها وعدm ظهورها مرةً أخرى فتحدثت بجنون:
-هي مفيش غيرها،بس مين اللي وراها وخلاها تعمل كده
لم يطرأ بمخيلته فؤاد فقد اعتقد بغبائه أن من فعل هذا هو ذاك الـ هارون لينتقم منه على ما حدث بالماضي وتفضيل إجلال عليه وليسحب منه أيضًا مقعد البرلمان لتيقنه قيمة ذاك المنصب لديه فتحدث بضيق:
-تقفلي معايا وتسيبي الشقة حالاً، مراتي لو عرفت توصل لك مش هيطلع عليكِ نهار
إنتفض داخلها برعـ.ـب لتسأله بصوتٍ يرتجف هلعًا من شـ.ـدة خوفها:
-هروح فين يا نصر؟
روحي في أي داهية...قالها بحدة لينطق موضحًا الأمر:
-إنتِ اصلك مت عـ.ـر.فيش شر ستهم واصل لحد فين، روحي لأي واحدة من صاحباتك وإقعدي عندها لحد ما أخلص من الإنتخابات وأجي لك نشوف هنعمل إيه
بلهفة نطقت قبل أن ينهي المكالمة:
-طب حول لي فلوس علشان معييش
-هو أنتِ مبتشبعيش فلوس؟!...قالها بسخطٍ ليغلق الهاتف بعدmا وعدها أنه سيحول لها مبلغًا من المال يكفي إحتياجاتها لحين الإنتهاء من تلك الأزمة
**********
ليلاً، استقلت المقعد المجاور له لينطلق بسيارته متجهًا إلى أحد الأماكن الشهيرة بالعاصمة الخاصة بتقديم المأكولات،ضغط على زر تشغيل جهاز الموسيقى لينطلق صوت أمال ماهر وهي تغرد كالبلابل في غنوتها الرائعة أنا حبيتك،بدأت تدندن معها وهي تتطلع على حبيبها الناظر أمامه بتمعن يراقب الطريق تارة وتارةً أخرى يتطلع على عينيها حتى انتهت الغنوة،سألته بعدmا تنهدت براحة:
-إيه اللي طلعها في دmاغك النهاردة إننا نخرج نتعشى برة؟
تنفس بهدوء قبل أن يجيبها:
-حسيت إني مقصر معاكِ قوي الفترة اللي فاتت،خصوصًا إننا مخرجناش من بعد ما رجعنا من المالديف
تبسمت بجاذبية وتنهدت براحة،ظلت تنظر إليه بعينين مغرمتين حتى وصلت إلى المكان المقصود،كان المظهر مبهرًا للغاية حيث جذب بصرها ليسألها ذاك المحاوط لخصرها:
-إيه رأيك في المكان يا حبيبي
نطقت لانبهارٍ ظهر بعينيها:
-يسحر يا فؤاد،حلو قوي
استقبلهما الموظف ليتبعاه حتى وصلا إلى الطاولة الخاصة بهما ليسحب لها المقعد الخاص بها ويلف ليقابلها بالجلوس على المقعد المقابل،جلسا وطلبا عشائهما وانتظرا،إشتغلت الموسيقى وتوجه كل ثنائي للمكان المخصص للرقص،وقف وأغلق زر حلته ليتوجه إليها باسطًا ذراعه وهو يقول بابتسامة ساحرة:
-ممكن حبيبة حبيبها تسمحي له بالرقصة دي
نطقت بملاطفة وهي تناوله كفها:
-وليا الشرف معالي المستشار
استلم كفها ليحتويه برعاية وتحرك بجوارها وهو يهمس بنبرة هائمة:
-معالي المستشار وقع في حب إيثار هانم ولا حدش سمى عليه
أطلقت ضحكة رقيقة أثارت جنونه ليهمس بجانب أذنها بتهديدٍ مشاكس:
-ضحكة كمان من دي وهخليهم يحجزوا لنا suite نطلع نقضي فيه ليلتنا
تطلعت عليه لينطق بوقاحة:
-مش هيبقى فيه وقت نروح بيتنا
ابتسمت خجلاً، وقف قبالتها ليحتوي ظهرها بأحد ذراعيه ويضع كفه الاخر بخاصتها ليبدأ معًا أولى خطوات رقصتيهما،أراحت رأسها على صدره لتستمع لنبضات قلبه المغرم وهي تدق بتناغم،رفعت رأسها لتطالع عينيه المغرمة لتنطق بنبرة تمتلؤ بالعشق الجارف:
-طول عمري عندي ثقة إن ربنا عادل وهيكافئني على صبري،بس عمري ما تخيلت إن المكافأة هتبقى إنتَ يا حبيبي
إبتسم بحبورٍ ظهر بعينيه لتتابع بغرامٍ هائل:
-إنتِ جنتي على الأرض يا فؤاد،وكأن كل حاجة حلمت بيها من أول طفولتي لحد ما قابلتك ربنا جمعها لي كلها وقدmها لي في صورتك
تعمق بعينيها لينطق بنبرة هامسة مغلفة بالحنان:
-إتغيرتي قوي عن أول مرة شوفتك فيها،كنت جـ.ـا.مدة صلبة،كنتي زي قزازة مكـ.ـسورة حادة بتجـ.ـر.ح أي حد يقرب منها،برغم الوش الخشب اللي طول الوقت كنتي مركباه ونظارتك الطبية والبدلة اللي تشبه بدل الرجـ.ـا.لة، إلا إني أول مرة شفتك فيها حسيت إن فيكِ حاجة مميزة، حاجة لمست روحي وعملت حالة إستنفار جوايا
واسترسل متعجبًا:
-إيه هي مكنتش أعرف، بس مع كل يوم كان بيعدي وبنقرب فيه من بعض كنت بتأكد إنك ليا، ليا وبس
تنهدت لتنطق بحالمية:
-أنا بحبك قوي
-وأنا بعشق كل ما فيكِ...قالها بهيام ليسألها بعينين بالغرام متوسلتين:
-هو أنا ممكن أطلب من حبيبة حبيبها طلب
هزت رأسها لتنطق بصوتٍ يدل على مدى هيامها:
-إنتَ تؤمرني يا حبيبي
-بمـ.ـو.ت فيكِ يا عمري...نطقها بحنانٍ ليتابع بنبرة حنون:
-أنا بكرة أجازة وعاوز أسهر معاكِ في أوضة الچاكوزي،محتاج أستجم وإنتِ في حُضني
ابتسمت وهي تجيبه بمداعبة:
-بس كده،ده أنا قولت إنك طمعان في عربيتي و هتطلب إني اتنازل لك عنها
أطلق ضحكة جذابة زلزلت كيانها لينطق بمشاكسة:
-أنا أه طماع بس مش للدرجة دي
ظلا يرقصان إلى أن وصلا عشائهما وتحركا ليتناولاه،دللها كثيرًا وهو يطعمها بيده تحت سعادتها التي تخطت عنان السماء،انتهيا ثم عادا إلى المنزل فكان الجميع قد ذهبوا لغرفهم، تحركا ليختفيا داخل غرفة الچاكوزي التي أشرفت حكمة على تجهيزها للعاشقان،إرتدت الثوب الخاص بالسباحة لتجاوره النزول إلى المسبح،إستند على جداره ليأخذ حبيبته أمامه وبات يدللها بعمل مساچٍ لظهرها وكتفيها ساعدها كثيرًا على الإسترخاء لدرجة أنها أرخت رأسها للخلف تسندها على صدرهِ لتقول بصوتٍ مسترخي وعينين مغمضتين:
-فؤادي
رد باسترخاء:
-إيه يا بابا
تنفست لتنطق بخفوتٍ واستمتاع:
-هو أحنا ينفع ننام مكانا كده
ضحك ليجيبها:
-مش للدرجة دي يا إيثار،هي أه الماية سخنة وتجنن والأجواء تسحر، وأحلا ما في الموضوع هو قربنا من بعض بالطريقة دي وحالة الإسترخاء
ليسترسل بصوتٍ حنون:
-ومع ذلك مفيش أحلا من إني أخدك في حُضني وننام باستمتاع
ابتسمت ليكملا ليلتهما ثم صعدا لجناحيهما ليغفى كلًا منهما داخل أحضان الأخر باستسلام ومتعة
**********
بعد يومين
داخل المحبس الخاص بالنساء،كانت تجلس فوق التخت المخصص لها لتدخل السجانة عليهن وهي تتطلع بينهن وتصيح بصوتها المرعـ.ـب لتسكت أصوات عراكهن العالية:
-إخرسي يا ولية واتلمي منك ليها
صمتن جميعهن لتنظر هي باشمئزاز إلى تلك المرأة التي حضرت إليهن في قضية قـ.ـتـ.ـل إحداهن وتنطق بتشفي:
-عمليتك إتحددت كمان إسبوع،بعد ما تقومي منها إن شاء الله هتلبسي الأحمر علشان نجهزك لزفتك الأخيرة يا حلوة
تطلعت سُمية عليها بغضبٍ لتنطلق ضحكات النسوة وهن يرمقونها بنظراتٍ ساخرة أثارت غضبها لتكمل السجانة وهي تنظر إلى أحلام كبيرة العنبر:
-وبعدين معاكِ يا أحلام، مش ناوية تجبيها لبر إنتِ والنسوان بتوعك ولا إيه
هتفت المرأة ذات الوجه المريب الملئ بالندبات مما يوحي لإجرامها:
-وأنا عملت حاجة يا ريسة،ما أنا قاعدة في حالي كافية غيري شري أهو
هتفت المرأة بملامح وجه ساخطة:
-والبت سامية اللي كـ.ـسرتوا لها رجلها إمبـ.ـارح بالليل والدكتور جبسها لها الصبح ،كنتي بتسلمي عليها يا روح أمك منك ليها
كادت المرأة أن تتحدث فأوقفها صوتها الحاد وهي تنطق متوعدة:
-إتلمي يا أحلام ولمي نسوانك علشان لو حطيتكم في دmاغي هزعلكم، وأنا زعلي وحش
نطقت مرغمة:
-ما عاش ولا كان اللي يزعلك يا ريسة
رمقتها المرأة قبل أن تخرج من جديد، تحركت أحلام حتى وصلت إلى سُمية ثم رمقتها بازدراء لتنطق بافتراء:
-قومي يا بت نفضي لي سريري وغيري لي الملاية وادخلي إغسليها هي والغيار اللي قلعته إمبـ.ـارح
نطقت بملامح وجه مكفهرة:
-بقول لك إيه،إتكلي على الله وسبيني في حالي
-وإن مسبتكيش يا روح أمك هتعملي لي إيه؟!...نطقتها بعينين تطلقان شزرًا ثم سحبت شفرة الحلاقة من داخل فمها لتشهرها بوجهها مما جعل الاخرى ترتعب لتهب واقفة وهي تنطق بخضوعٍ وإذلال:
-خلاص خلاص، هعمل لك اللي إنتِ عوزاه
تحركت إلى تختها لتنطق إحدى السجينات:
-حـ.ـر.ام عليكِ اللي بتعمليه في البت ده يا أحلام، دي عندها المرض الوحش يا ولية،إنتِ مفيش في قلبك رحمة
-لا مفيش يا سنيورة، ولو صعبانة عليكِ قومي إشتغلي مكانها يا إما تنقطينا بسكاتك...صمتت المرأة لتتابع الاخرى وهي تقترب من سمية وترمقها بإشمئزاز:
-مش كفاية قاعدة عالة علينا،مقطوعة من شجرة لا حد بيسأل فيها بلقمة حلوة تسد جوعنا ولا خرطوشة سجاير تعمر لنا نفوخنا، ولا حتى كام ملطوش تسد بيهم تمن قعدتها في المخروبة دي
واسترسلت وهي تدفعها لتقع أرضًا:
-يبقى على الأقل تخدmنا بقعدتها
إرتطم جسدها بالأرض لتستند بذراعيها وقد اشتعل داخلها بغضبٍ عارم ولو بيدها الأمر لوقفت وحطمت رأس تلك المرأة وما تركتها إلا غارقة وسط بركة من الدmاء،تحدثت أخرى بنبرة إنسانية:
-الولية عيانة يا أحلام، حـ.ـر.ام عليك كده
نطقت بصوتٍ متجبر:
-اللي صعبانة عليكِ دي يا اختي قتالة قـ.ـتـ.ـلة، مسكت الست وضـ.ـر.بتها بالسكينة تسع طعنات،يعني ولية قادرة ومفترية ولو جت لها الفرصة هتعمل فينا زي ما عملت في المسكينة اللي راحت هدر
صمتن النسوة لتتابع أحلام بنبرة ساخطة بعدmا تطلعت عليها بحدة:
-ما تقومي يا بت تشوفي شغلك
استندت على كفيها لتقف تفعل ما أمرتها به تلك المتجبرة عنوةً عنها.
داخل شركة أحمد زين الدين
كان يخرج من مكتب المدير التابع له بعدmا أنهى بعض التعاملات ليتحرك إلى كافيتريا الشركة لبدأ فترة الراحة الفاصلة بين ساعات العمل ،وجد تلك الجميلة تقابله ويبدوا أنها هي الاخرى بطريقها لنفس وجهته،إنها "أميرة"تلك الفتاة التي لفتت إنتباهه منذ أن استلم عمله في الشركة، فقد رأى بها كل ما تمنى في الفتاة التي يريدها شريكة لأحلامه، الأدب والأخلاق والإحتشام في ملابسها وأيضًا حجابها بما يتلائم مع دينه وتربيته وقناعاته، نظرت عليه بخجلٍ وكادت أن تمضي بوجهتها لولا إقتحامه لطريقها وهو يقول بابتسامة هادئة:
-إزيك يا أستاذة أميرة
-الله يسلمك يا أستاذ أيهم... نطقتها بهدوءٍ وصوتٍ بدى عليه الإرتباك بعض الشئ لينطق هو من جديد:
-رايحة الكافيتريا؟
أجابته بهدوء:
-أه،هروح أخد أي سندوتش خفيف مع نسكافية
أشار لها لتجاورهُ ثم سألها ليخلق حديثًا بينهما:
-عاملة إيه في شُغلك؟
ابتسمت لتجيبهُ بمشاكسة:
-المفروض أنا اللي أسألك السؤال ده،إنتَ ناسي إن أنا أقدm منك هنا ولا إيه يا حضرة المحاسب
إبتسم ليجيبها بحفاوة تأثرًا بملاطفتها له:
-في النقطة دي معاكِ حق،بس بما إني الراجـ.ـل فلازم أبدأ بالسؤال وأطمن على أحوالك، ولا إيه يا أستاذة؟
اومأت بموافقة لتسألهُ بما يشغل بالها وبال الجميع منذ أن تم تعيينه معهم بالشركة:
-هو حضرتك قريب باشمهندس أحمد الزين؟!
هز رأسه لينطق نافيًا:
-لا خالص
-غريبة قوي...نطقتها بتعجب ليسألها بجبينٍ مقطب:
-إيه الغريب في كده، ولا هي الشركة عاملة التعيينات حكر على شباب عيلة الزين وأنا معرفش؟!
ضحكت بجاذبية لفتت إنتباهه لتجيبه على تساؤلهُ الفكاهي:
-مقصدش طبعاً،إحنا كلنا إفتكرناك قريب الباشمهندس لأنه مهتم بيك لدرجة إنه وصلك بنفسه لمكتبك أول يوم،كمان إختار لك مكتب مميز في الشركة،بس كده
أجابها بابتسامة بشوشة:
-أنا هوضح لك سبب الإهتمام ده،ببساطة كده إختي تبقى مرات فؤاد علام إبن أخو الباشمهندس
إتسعت عينين الفتاة لتسألهُ بذهولٍ ظهر بعينيها:
-تقصد سيادة المستشار فؤاد علام إبن المستشار علام زين الدين؟!
أوما لها بإيجاب لينطق ببساطة:
-بالظبط كده
نطقت الفتاه بحبورٍ ظهر فوق ملامحها:
-أنا عارفة فؤاد علام وبباه،جم الشركة كذا مرة قبل كده، لما بيكون فيه أحداث كبيرة زي إفتتاح فروع جديدة أو إتمام صفقات كبيرة بيحضروا،وكمان بنشوفهم في الحفلات الخاصة بالشركة
واسترسلت بصدقٍ نال استحسانه:
-ناس محترمة جداً وأكيد أختك حد مميز علشان فؤاد علام يختارها تكون مـ.ـر.اته
تطلع إليها معاتبًا إياها بافتعال وهو يقول بمداعبة:
-طب إيه،هنفضل نتكلم كتير كده عن أختي وجوزها؟
ابتسمت لتسأله بمشاكسة:
-طبيعي لأن مفيش أحاديث مشتركة ببنا علشان نتكلم فيها
وصلا إلى الكافيتيريا ليتحركا إلى إحدى الطاولات وتحدث وهو يشير لها بالجلوس:
-طب ما تيجي نخلق لنفسنا أحاديث مشتركة،مش يمكن دmاغنا تطلع واحدة ونوحد أفكارنا ونلمها على بعض بدل مهي مشتتة وكل فكرة تايهة في طريق لوحدها
ابتسمت بخجل لفهمها مقصده لتجلس مقابلة له ليتابع هو بهدوء:
-هتاكلي إيه؟
أملت عليه ما ستتناوله من طعام فأبلغ به العامل وبدأ يتحدثان ليبحثا معًا عن النقاط المشتركة بينهما ليستكشف كلاً منهما الأخر بعدmا اكتشف كلاهما انجذابه للأخر
***********
عصرًا
داخل فيلا أحمد زين الدين، كانوا يصطفون حول مائدة الطعام يتناولون وجبة الغداء،أحمد وزوجته نجوى ونجلهم بسام وزوجته،تطلع أحمد من حوله ليسأل زوجته باستغراب:
-سميحة منزلتش لحد الوقت ليه؟!
أجابته بلامبالاة:
-هي قالت للشغالة نازلة وراكي
ما هي إلا ثواني وكانت تهبط من أعلى الدرج بمرحٍ وسرعة مرتدية ثيابًا يبدوا من هيأتها أنها على كامل إستعدادها للخروج،وصلت إلى أبيها لتميل على وجنته واضعة قُبلة وهي تقول بسعادة:
-هاي داد
نظر لهيأتها ولحقيبة اليد التي تحملها ليسألها متعجبًا:
-رايحة فين؟!
نطقت بحبورٍ ظهر فوق ملامحها:
-رايحة عند عمو علام، هقضي اليوم عندهم ويمكن أبات مع فريال
تحدثت نجوى بلامبالاة:
-إقعدي إتغدي قبل ما تمشي
نطقت بهدوء:
-مليش نفس يا مام،هبقى أكل حاجة خفيفة بالليل معاهم
أخذ أحمد نفسًا عميقًا كي يستطيع ظبط إنفعالاته من اسلوب ابنته وتصرفاتها التي أصبحت مستفزة لأبعد الحدود بشأن زياراتها المتكررة لمنزل عمها وتعمدها استفزاز مشاعر زوجة فؤاد بالتحديد وهذا ما لمسه يوم التجمع العائلي بالمزرعة، تحدث بنبرة صوت حازمة:
-إقعدي إتغدي يا سميحة،وبالنسبة لزيارة بيت عمك أجليها ونبقى نزورهم أي يوم تاني أنا وإنتِ
طالعته باستنكار لتنطق بصوتٍ معترض:
-وليه ما أروحش النهاردة زي ما خططت ليومي؟!
نطق بحدة ظهرت بنبرات صوته:
-علشان مينفعش تروحي للناس بيتها كل شوية، كل واحد عنده حياته الخاصة وأكيد محدش بيرتاح لما حد يقتحم عليه بيته ويقيد حريته فيه
تذمرت ومطت شفتيها للأمام لتقاطعه نجوى بطريقة مستفزة:
-إنتَ بقيت غريب قوي يا أحمد وحقيقي مبقتش قادرة أفهمك
طالعها بجبينٍ مقطب غير مستوعبًا هجومها لتسترسل مفسرة لتذكيره بطريقة استهجانية:
-إنتَ مش طول عمرك بتقول لأولادك لازم تروحوا تزوروا عمكم وتقربوا من ولاده،وطول الوقت كنت بتكلمهم عن القيم الإنسانية الجميلة وصلة الرحم والكلام الكبير اللي طول عمرك بتسمعهولنا لحد ما حفظناه؟
واسترسلت باستهجان:
-إيه اللي جد خلاك تمنع سو وتديها محاضرة في إحترام القواعد الأساسية للزيارات المنزلية والعائلية والكلام الكبير اللي أنا مش فاهمة معظمه ده
احتدت ملامحه وظهر الغضب على محياه لينطق بصرامة:
-كلامي اللي مش عاجبك ده محاولة أخيرة لإنقاذ كرامة بنتي اللي مُصرة إنها تهدرها بغبائها،يعني كلامي وتصرفي ده لمصلحتها يا هانم
أخذت تقلب عينيها بضجرٍ يوحي لعدm تقبلها لحديثه فطالما رأته رجل الخطابات الفارغة، ليتابع هو بحدة تحت ألم وحـ.ـز.ن سميحة:
-هو أنتِ حاسة بحاجة ولا شايفة حد في البيت ده غير نفسك، إقعدي مع بنتك وقومي بدورك كأم ولو لمرة واحدة في حياتك
امتعضت ملامحها وقد بدا عليها الإنزعاج وهي تنظر لزوجة بسام التي انتفضت واقفة لتنطق بانسحاب وهي توجه حديثها إلى زوجها لتعفي الجميع الحرج:
-أنا طالعة أوضتي يا بسام
أومأ لها باستحسان لتصرفها الراقي،وما أن صعدت حتى انفجرت نجوى بحدة ترجع لتقليل زوجها من شأنها أمام زوجة نجلها:
-عاجبك الفضايح دي،مرات إبنك تقول علينا إيه؟!
هتف بعصبية وحدة ظهرت بعينيه:
-علشان ت عـ.ـر.في إنك مغيبة ومش عايشة معانا على أرض الواقع، مرات إبنك عارفة وشايفة كل حاجة ومش هي بس يا مدام، كل اللي حوالينا ملاحظين جري بنت أحمد زين الدين ورا إبن عمها ورمي روحها عليه ومحاولة تطفيش مـ.ـر.اته وإثارة غيرته
ظهر التـ.ـو.تر أكثر على ملامحها لتنطق بصوتٍ مرتبك تنفي به إتهام والدها عنها:
-إيه الكلام اللي حضرتك بتقوله ده يا داد،دي إهانة أنا لا يمكن أقبلها
طالعها بحدة ليهتف بعصبية:
-إنتِ فاكرة إن أنا مبسوط وأنا بواجهك بالكلام ده،ده أنا قلبي بيتقطع عليكِ وكاتم في نفسي من يوم اللي حصل وشفته بعيني في المزرعة
ليتابع بغضبٍ عارم لو خرج لأحرق الاخضر واليابس:
-بس خلاص يا سميحة،مش هقدر أسكت أكتر من كدة وأنا شايفك بتهيني كرامتك وتمرمغي بإسمي في الأرض
تابع بقهرٍ ظهر بصوتهٍ المتألم:
-كنت ساكت وبقول بكره تعقل وتعرف مصلحتها فين،دي دكتورة وعقلها كبير وأكيد هتراجع نفسها وتعرف غلطها وتتراجع عنه، بس للأسف، كل شوية بتزيدي في الخيبة وبتثبتي لي أنا قد إيه فشلت في تربيتك
تحرك بسام ليجاور والده لينطق بهلعٍ ظهر بعينيه عنـ.ـد.ما رأى حدة والده الهائلة:
-أرجوك يا بابا إهدى،حضرتك كده ممكن تتعب
ارتمى على مقعده من جديد ليقول بانكسار:
-تعب إيه ونيـ.ـلـ.ـة إيه اللي بتفكر فيهم في وسط الخيبة اللي إحنا فيها دي يا بسام
هزت رأسها بدmـ.ـو.ع لينطق بصرامة وهو يشير لها نحو الدرج:
-إطلعي على أوضتك وأخر مرة هنبهك فيها للموضوع ده
واسترسل بحدة:
-وتفكري بشكل جدي في موضوع خطوبتك من مازن الجيار،واخر الإسبوع ده تديني الأوكيه علشان أبعت لأبوه الموافقة
أغمضت عينها فى ألم ثم فتحهما من جديد لتنهمر دmـ.ـو.عها فوق وجنتيها ثم هرولت تصعد الدرج، التفت أحمد لزوجته التي تشعر بالخجل بعد أن قام زوجها بتعرية روحها وأظهر فشل قيادتها لاسرتها وبالتحديد ابنتها،تحدث بصرامة بالغة:
-تصرفات بنتك من النهاردة مسؤليتك،أي غلطة ليها إنتِ اللي هتتحاسبي عليها قدامي
واسترسل موبخًا إياها وهو يرمقها بازدراء:
-وفوقي بقى لبيتك شوية وإنزلي من قصر وهمك العالي وعيشي معانا على أرض الواقع
نطق كلمـ.ـا.ته الحادة ليندفع كالإعصار إلى غرفته تحت صدmة نجوى التي تحدثت لنجلها بذهول:
-باباك شكله إتجنن خلاص يا بسام
أجابها الشاب بنفيٍ تضامنًا مع تصرف والده الصحيح:
-بالعكس يا ماما،اللي عمله بابا مع سميحة صح جداً،بس للأسف،متأخر قوي
***********
في الحادية عشر ظهرًا من اليوم التالي
خرجت من حُجرتها متأنقة ترتدي ثوبًا رائعًا أظهر جمالها واناقتها وقامت بوضع القليل من مساحيق الزينة لتجعلها أيقونة جمال رغم شحوب وجهها قليلاً بفضل الحمل،فقد هاتفتها لارا أيمن وأخبرتها أنها ستأتي اليوم لزيارتها كي تطمئن عليها هي والصغير،توجهت صوب الدرج لتهبط منه بهدوءٍ وهي تستندُ على درابزين السلم الزجاجي لتلحق بها فريال التي كانت تحمل صغيرها وتهبط للطابق الارضي،ضحكت لتنطق بمشاكسة لزوجة شقيقها:
-من أولها نازلة تستندي على الدرابزين زي العواجيز، أمال لما توصلي للشهر السابع هتعملي إيه
إلتفتت تناظر تلك اللطيفة التي تمتلك روحًا دعابية لم تكتشفها سوى بعشرتها ثم تحدثت وهي تأخذ نفسها بصعوبة:
-والله ما فاهمة إيه اللي بيحصل لي ده يا فيري، أنا فعلاً حاسة إن بقى عندي تمانين سنة،مع إني حملت في يوسف والوضع كان طبيعي جدًا
رفعت قامتها لأعلى لتنطق مفخمة من شأن شقيقها:
-وإنتَ عاوزة تساوي حملك في يوسف بحملك في إبن فؤاد علام، نحن نختلف عن الأخرون يا أستاذة
أطلقت إيثار ضحكة عالية لتتابع الأخرى بوقاحة:
-نصيحة بس خفوا من الچاكوزي وتوابعه،قولي له عيب وياريت يحترم الحدث ويدي له وقاره وقيمته
نطقت من بين ضحكاتها وهي تتابع النزول:
-يا بنتي حـ.ـر.ام عليكِ مش قادرة أضحك
ثم تابعت وهي تتطلع إلى الصغير بنظرة حنون:
-إبقى سيبي لي فؤاد علشان ابص له وأجيب بيبي قمر زيه
أجابتها بتحيزٍ لشقيقها الغالي:
-بصي للنسخة الأصلية اللي عندك وإنتِ تجيبي بيبي ملوش مثيل
ابتسمت بسعادة وتحدثت باستحسان:
-عجباني قوي علاقتك إنتِ وفؤاد
بدون تفكير نطقت بعينين سعيدتين:
-ده بابا التاني وانا أمه التانية
ابتسمت وظهر الالم بعينيها حين تذكرت جحود أشقائها عليها وبعدهما كل البعد عن روحها،وصلت كلتاهما أسفل الدرج لتخرج عزة من المطبخ وبيدها حاملاً كريستالي ملئ بأصنافٍ متتعددة من الفواكة لتقول بسعادة بالغة:
-لارا إتصلت بيوسف وقالت له إنها خلاص قربت على البوابة، والشقي مستنيها هو وبيسان في الجنينة وعامل هوليلة
ابتسمت لها إيثار وتحدثت:
-ما هي كلمتني من شوية،أنا هخرج استناها برة
تحدثت فريال إلى عزة بنبرة ودودة:
-حضرتي ضيافة كويسة تستقبلوها بيها يا عزة؟
نطقت بنبرة حماسية:
-أيوا يا هانم،جهزت التربيزة اللي في الجنينة وحطيت عليها من جميع خيرات ربنا، ربنا يوسع عليكم يا هانم
أومأت لها لتتحدث إلى إيثار:
-أنا هاجي أستقبلها معاكِ وبعدين هسيبكم علشان تتكلموا براحتكم
بعينين ممتنتين نطقت:
-ميرسي لذوقك يا فيريال
نطقت بنبرة هادئة:
-ميرسي على إيه، ده بيتك يا بنتي
خرجت بجوار فريال ليقابلها صغيرها بحماسٍ وسعادة:
-مامي،لارا كلمتني وجاية حالاً
بالكاد أكمل جملته لتلج سيارة لارا بعدmا سمح لها حارس البوابة وبعد قليل ترجلت من السيارة ممسكة بيديها بعض الحقائب المملؤة بالهدايا للصغير الذي هرول عليها لتحتضنه بقوة بعدmا ناولت ما تحمل بيديها إلى عزة،باتت تزيده من قبلاتها الشغوفة التي أثارت حنق الصغيرة التي تتطلع على صديقها وهو معلقًا بين أحضان تلك الفتاة الشقراء،نطقت وهي تتحسس شعر رأسه:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا وحش ياللي مبتسألش على لارا
كان يشـ.ـدد من احتضانه لعنقها ليبتعد قليلاً وهو يقول بطفولة:
-مامي هي اللي مش بترضى توديني عندك، أنا قولت لها عاوز اروح عند لارا وجدو أيمن وهي اللي مش رضيت
نطقت وهي تتحرك به صوب التي انطلقت ضحكاتها على صغيرها الذي ألقى بالتهمة على عاتقها ليبرئ حاله:
-خلاص كده أخدت براءة ومامي هي اللي هتتعـ.ـا.قب
أفلتت الصغير من أحضانها لتحتضنها إيثار وهي تنطق بسعادة هائلة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و قوي يا لارا
-لو وحشتك بجد كنت جبتي چو وجيتي زورتينا...قالتها بنبرة لائمة لتتابع مبررة:
-مش تستني لما العروسة تسيب تجهيزاتها للفرح وتيجي علشان تشوفك
نطقت بعينين معتذرتين:
-والله غـ.ـصـ.ـب عني يا لارا،أنا حكيت ظروفي واللي حصل لي مؤخرًا للباشمهندس في التليفون،وبررت له خوف فؤاد عليا من الخروج
بابا وماما وكلنا مقدرين ظروفك يا قلبي،انا بهزر معاكِ...قالتها الفتاة بملامح وجه بشوشة لتنتقل إلى فريال قائلة باحترام وهي تصافحها بلباقة:
-إزيك يا مدام فريال
اجابتها الاخرى بابتسامة مشرقة:
-إزيك إنتِ يا لارا، نورتينا
التفتت الفتاة على صوت عزة المعترض وخفة ظلها:
-وأنا مفيش إزيك يا عزة، ولا أنا كنت بايتة في حـ.ـضـ.ـنك وأنا ما أعرفش
بملاطفة نطقت وهي تستعد لاحتضانها:
-والله وحـ.ـشـ.ـتني طولة لسانك يا زوزة
اتسعت عينيها لتشهق وهي تقول باعتراضٍ مفتعل:
-طولة لساني،طب إبقي شوفي مين هيجيب لك الكريم كراميل اللي عملته مخصوص علشانك
نطق الصغير ملطفًا الاجواء بطفولته:
-عزة عملت لك الكريم كراميل علشان إنتِ بتحبيه يا لارا
مالت لتضع قبلة حماسية على وجنة الصغير لتنطق بملاطفة وهي تداعب وجنتيه بأناملها:
-يا قلب لارا إنتَ، خلاص أنا هصالح عزة علشان خاطر الكريم كراميل
ضحك الجميع لتنسحب فريال إلى الداخل لتترك لهما بعض المساحة للتحدث،جلسن إيثار ولارا وعزة بصحبة يوسف حيث أجلسته لارا فوق ساقيها لتضمه بأحضانها كي تُشبع روحها من ذاك الذي صنع لحاله مكانًا بقلبها،نظر على تلك الصغيرة الجالسة بصحبة المربية تلهو بألعابها وعينيها مثبتتين بنظراتٍ غاضبة على ذاك القابع بأحضان تلك الشقراء، أفلت حاله من بين أحضان لارا ليذهب صوب التي ما أن رأته يقبل عليها حتى أزاحت ببصرها للجهة الأخرى، جلس بجوارها لينطق بعفوية:
-إنتِ زعلانة مني يا بيسان؟
ربعت ذراعيه فوق صدرها لتنطق بغضب طفولي:
-أه زعلانة،ومش هلعب معاك تاني يا چو، ويلا روح عند صاحبتك اللي سبت بيسو وروحت عندها
مط شفتيه وظهر الحـ.ـز.ن بعينيه ليضع كفه على وجنتها يجبرها على استدارت وجهها والنظر إليه ثم نطق بنبرة أظهرت كم نـ.ـد.مه وحـ.ـز.نه:
-متزعليش يا بيسو أنا مش هعمل كده تاني وأزعلك،بس لارا صاحبتي من زمان وبتحبني قوي
هتفت متذمرة بغيرة ظهرت بعينيها الغاضبة:
-أنا كمان صاحبتك يا چو
لوى فمه قليلاً يتعمق بملامحها الغاضبة ثم تحدث لترضيتها:
-علشان خاطري مش تزعلي
ابتسمت لتقول له:
-طب تعالى إلعب معايا ومش تروح عندها تاني
ابتسم بسعادة بالغة ليشاركها اللهو وينـ.ـد.مجا متناسيين من حولهما
***********
داخل شقة صديقه رأفت المتواجدة بالمركز التابع لهم كان يجلس بصحبة الرجل الوسيط بينه وبين المشترى لينطق بملامح وجه جادة:
-رجـ.ـالتي هتروح الإسبوع الجاي علشان تبدأ حفر في سوهاج،إحنا خلاص جهزنا كل حاجة وهنستغل إنشغال الكل في الإنتخابات ونبدأ من غير ما حد يحس بينا
واستطرد بما أثار تعجب الأخر:
-بس قبل ما نبدأ ليا طلب عند الخواجة،والطلب ده تنفيذه هيكون قصاد نسبتي
سأله الرجل متعجبًا حديثه:
-يعني إيه، مش هتاخد نسبتك من تمن الأثار اللي هتطلع من الحفر؟!
هز رأسه بإيجاب لينطق الرجل بتردد:
-إنتَ عارف نسبتك دي ممكن تتقدر بكام؟!
نطق دون تفكير:
-عارف ومتنازل
هتف رأفت صديقه بحدة في محاولة منه لإفاقة صديقه من غفوته:
-إعقل يا عمرو وبطل جنان، اللي إنتَ طالبة ده مستحيل
واسترسل ناصحًا:
-وبعدين إنسى بقي وفوق لنفسك واتعلم من اللي فات يا اخي،خد الفلوس وعيش بيها ملك زمانك،إتجوز عيلة بنت تمنتاشر تدلعك وتنسيك اللي فات،وخلف لك منها كام عيل قبل العمر ما يعدي بيك يا صاحبي
رمقهُ بنظراتٍ كالسهام النارية ليقول بحدة:
-يا تقول كلمة عدلة يا تسمعني سكاتك يا عم رأفت.
ضيق الرجل بين عينيه ليسأله بفضولٍ:
-هي إيه الحكاية يا عمرو،طلب إيه ده اللي خلى صاحبك اتجنن كده
نطق ببرود:
-عاوز رجـ.ـا.لة الخواجة يخـ.ـطـ.ـفوا لي مراتي وإبني ويسفرهم لي فرنسا،وأنا هخلص له مصلحته واسلمها له بيضة مقشرة وبعدها أحصلهم
قطب الرجل جبينه ليسأله بعدm استيعاب:
-طب ولما هما مراتك وإبنك هتخـ.ـطـ.ـفهم ليه؟!
كاد أن يرد لولا صوت رأفت الذي صدح بحدة:
-علشان لا دي مـ.ـر.اته ولا من حقه ياخد الواد
واسترسل بإبانة:
-البيه مطلقها والست في عصمة راجـ.ـل تاني، ومش أي راجـ.ـل ده مستشار وأبوه التاني مستشار وعضو في المحكمة الدستورية،حتى الواد متنازل عن حضانته لأمه
اتسعت أعين الرجل وهتف بحدة وغضب:
-إنتَ إتجننت يا عمرو،عاوزنا نلعب مع ناس في القضاء وإحنا شغلنا كله شمال؟!
أرجع ظهره للخلف لينطق بصرامة:
-والله ده شرطي الوحيد علشان أكمل لكم العملية بتاعتكم،غير كده إعتبروني منسحب
تنهد الرجل ليقول بهدوء وعقلانية:
-إديني يومين أبلغ فيهم البوص واشوف رأيه إيه
-على أقل من مهلك...قالها عمرو تحت استشاطة رأفت من تصرفات ذاك الأبله الذي لا يتعلم من اخطائه أبدًا
***********
بغرفة إجلال، ولج نصر إليها لتهب واقفة وتحركت صوبه وهي تهتف بحدة وعينين تطلق شزرًا:
-إطلع برة ورجلك لو خطت أوضتي تاني هكون قطعاها لك يا نصر
أشار لها بكفيه لتتوقف ثم نطق سريعًا:
-إهدي يا إجلال وخلينا نتكلم بالعقل، عيب اللي بتعمليه ده
هتفت بغضبٍ عارم وهي تقول:
-العيب لو إتعمل مع أهل العيب ميبقاش عيب يا ابن البنهاوي
نطق بخنوعٍ وتذلل كي يستدعي هدوئها:
-أنا جاي اراضيكِ واشوف كل طلباتك وانفذهالك،لو على موضوع البت هطلقها وهغورها من حياتي خالص،بس استهدي بالله وخلي ابن عمك يسحب ورق ترشيحه، عيب يا بنت الناس لما تقفي مع واحد زي هارون قصاد جوزك أبو ولادك
لوت فاهها ساخرة لتقول متهكمة:
-خلصت الكلمتين اللي جاي تبلفني بيهم ولا لسه، لو خلصتهم خد الباب في إيدك وإنتَ طالع
كاد أن يتحدث قاطعته بعنفٍ وشراسة:
-ولو على الرقاصة بتاعتك اللي خبيتها مني أنا هعرف أوصل لها، ومبقاش إجلال إن ما خليت الدبان الازرق ما يعرف لها طريق
وصل لذروته من الغضب ليصيح بحدة وسـ.ـخطٍ:
-ماشي يا إجلال، أنا هخلصها بطريقتي، بس خليكِ فاكرة إني جيت لك لحد عندك وإنتِ اللي اتمنعتي
قالها لينطلق غاضبًا كالإعصار تحت اشتعال روحها وغضبها العارم منه وهي تقول:
-إنتَ لسه شفت حاجة يا وا.طـ.ـي،إصبر عليا، إن ما خليتك تلف حوالين نفسك زي المـ.ـجـ.ـنو.ن ما أبقاش أنا ستهم
***********
ليلاً داخل بهو قصر علام زين الدين
كان علام وزوجته وفريال وماجد يجلسون يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم،أما فؤاد فكان يهبط الدرج محتوي كتف حبيبته برعاية،وصلا للتجمع العائلي لينطق بنبرة هادئة:
-مساء الخير
رد الجميع التحية لتقول هي الاخرى بعدmا ألقت التحية على الجميع:
-إزي حضرتك يا بابا
اجابها بابتسامة حنون:
-إزيك إنتِ يا حبيبتي وإزي حفيدي البطل
ابتسمت بسعادة لتجيبهُ بملاطفة:
-مغلبني معاه والله يا بابا
ساعدها فؤاد على الجلوس ثم جاورها لتبتسم عصمت قبل أن تقول بنبرة حماسية:
-إستحملي التعب لحد ما حبيب نانا يشرف وبعدها هشيل عنك كل التعب، مش هخليكِ تشتكي منه أبدًا
-إن شاءالله يا ماما...قالتها بحبورٍ ليسألها ذاك العاشق باهتمامٍ زائد بعدmا وضع إحدى الوسائد الصغيرة خلف ظهرها:
-مرتاحة يا بابا ولا أحط لك كمان مخدة ورا ظهرك؟
تحمحمت لتجيبه بهدوء:
-كده كويس يا حبيبي تسلم إيدك
أومأ لها ليعتدل بجلسته،ليسألها علام بنبرة أظهرت اشتياقه الجارف لمعرفة نوع جنـ.ـس حفيده الغالي:
-هتعملي سونار للشقي ده إمتى يا إيثار؟
ليتابع بملاطفة:
-عايزين نتعرف عليه أكتر علشان نعمل له إستقبال بالشكل اللي يليق بيه
أجابته ببشاشة وجه وابتسامة سعيدة تأثرًا بحنين ذاك الراقي للتعرف على حفيده:
-الدكتورة قالت لي الإسبوع الجاي إن شاء الله
نطق ذاك العاشق وهو يتطلع إليها بعينين أظهرت كم العشق الذي يكنه لها بقلبه:
-بنوتة وشبه أمها إن شاءالله
نطقت عصمت برضا بقضاء الله ظهر بصوتها وداخل عينيها:
-كل اللي ييجي من ربنا خير،أهم حاجة يوصل بالسلامة بصحة تامة ونفرح بنسلك يا حبيبي
أمن الجميع على حديثها ليتطلع ماجد إلى فريال بذات مغزى بادلته إياها بنظراتٍ يملؤها الحـ.ـز.ن وكأنها تدعوه للتراجع فتنهد قبل أن ينطق بنبرة جادة بعدmا اتخذ قراره وحسم أمره:
-أنا وفريال أخدنا قرار وحابين نبلغكم بيه
تطلع الجميع إليهما ليجدوا علامـ.ـا.ت الحـ.ـز.ن والأسى تملؤ ملامح فريال بينما سأله علام مستفهمًا:
-خير يا ماجد؟!
-خير يا سيادة المستشار...قالها برزانة ليتابع موضحًا:
-إحنا قررنا نشتري شقة نعيش فيها لوحدنا
أغمضت عصمت عينيها بألم وكأن كلمـ.ـا.ته نصل سكينٍ حاد إخترق نصف قلبها لتندفع الدmاء على إثره بشـ.ـدة ولم يختلف الوضع عند فؤاد،نعم وجوده بدأ يسبب له المشاكل والحرج ولم يعد يتقبل تواجده الدائم بالمنزل ذاته مع زوجته،لكنه بالوقت ذاته يتألم بل يذرف قلبهُ دmًا من مجرد فكرة خروج شقيقته من المنزل التي عاشت بداخلهُ منذ أن أتت إلى الدنيا ولم تخرج منه إلى الأن، أما إيثار فشعورها كان مختلفًا،فقد إقتحم داخلها شعورًا هائلاً بالذنب وحملت حالها نتيجة قرار ماجد بالإبتعاد والخروج، فقد بات واضحًا للضرير السبب الذي دفع ماجد لاتخاذ تلك الخطوة الصعبة بعد تغير معاملة فؤاد له
خرج صوت عصمت متألمًا وهي تسألهُ بقلبٍ يذرف دmًا:
-إيه اللي خلاك تاخد الخطوة دي يا ماجد وإنتَ ليك سنين عايش معانا
-كده أحسن للكل يا دكتورة...قالها ليسأله علام بهدوء:
-يا ابني إنتَ عايش معانا من سنين وخلاص بقيت واحد مننا، إزاي عاوز تاخد بيسان وفؤاد من حـ.ـضـ.ـننا وتبعد
شعورًا ضاري بالذنب اقتحم قلب فؤاد،لينطق ماجد مفسرًا بطريقة تجنب بها شرط علام بداية زواجه بابنته منعًا للحرج للجميع:
-يا باشا إحنا كنا عايشين معاكم علشان الولاد يكونوا ونس ليكم، لكن ماشاء الله مدام إيثار حامل وبكرة ولاد سيادة المستشار يملوا القصر عليكم،وإحنا مسيرنا في يوم هنمشي علشان يكون لنا حياتنا الخاصة وولادنا يتربوا في بيت أبوهم،فخليها الوقت أحسن من بعدين
أغمض فؤاد عينيه بألم ليخرج صوته أخيرًا بنبرة يكسو عليها الحـ.ـز.ن والالم:
-مفيش داعي تخرجوا من القصر يا ماجد،أنا كنت بدور على مكان قريب من هنا وهنقل فيه أنا ومراتي
وقبل ان يكمل جملته صاحت عصمت بصوتٍ أظهر مدى ذهولها وجنونها معًا:
-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده يا فؤاد،إنتَ عاوز تاخد مراتك وابنك اللي ليا سنين بحلم بإني أربيه على إيديا وتمشي؟!
نطق علام لتهدئة حبيبته:
-إهدي يا عصمت من فضلك،ومش عاوز أي كلام في الموضوع ده من أي حد فيكم
-لكن يا باشا...كلمة نطقها ماجد ليقاطعه علام بحدة وصرامة:
-مش عاوز أسمع صوت حد فيكم،وأنا هحل الموضوع ده بنفسي
كانت تجاور زوجها بجسدٍ ينتفض وقلبٍ حزين يشعر بالأسى،تخيلت للحظة أن عصمت وعلام وأيضًا فريال ستتغير معاملتهم لها ولصغيرها عقـ.ـا.بًا منهم على ما حدث من نجلهم،توقعت أنهم سيحملوها نتيجة ما حدث مما أصابها بتقلصاتٍ خفيفة بالرحم مع شعورٍ بالغثيان والإعياء الشـ.ـديد،لاحظ ارتجاف جسدها ليحول نظره إليها ليفزع عنـ.ـد.ما وجد وجهها شاحبًا لينطق سريعًا بهلع أصاب قلبه:
-مالك يا بابا
ضغطت على كفه وهي تغمض عينيها بقوة لتنطق بخفوت بعدmا شعرت بدوارٍ شـ.ـديد:
-أنا تعبانة يا فؤاد، إلحقني
هلع الجميع وهرولوا باتجاهها لتصيح عصمت بنبرة مرتبكة:
-مالك يا إيثار، حاسة بإيه يا حبيبتي؟!
هتفت فريال بكلمـ.ـا.تٍ خرجت مرتجفة:
-إتصل بالدكتورة بتاعتها وبلغها إننا رايحين لها حالاً يا فؤاد
لم يكن يستمع لأحدٍ منهم كل ما كان يشغله هو حبيبته ذات الوجه الشاحب وفقط
***********
بنفس التوقيت ببلدة مجاورة لقرية نصر البنهاوي
كان هارون يتجول بالبلدة بصحبة رجـ.ـال وشباب عائلته في جولة دعائية،وبلحظة استمع الجميع لطلقاتٍ نارية متتالية إنطلقت من خلف الأشجار ليصـ.ـر.خ أحد الرجـ.ـال بهلعٍ بعدmا رأى أحدهم ممددً على الأرض غارقًا بدmائه بعدmا أصابته رصاصة واستقرت بين عينيه ليقع صريعًا في الحال على إثرها:
-الحاج هارون إتقـ.ـتـ.ـل يا بلد، الحاج هارون إتقـ.ـتـ.ـل.
↚
أخافُ بل يسكُنَني رُعبًا حين تَلوحُ بِمخيلَتي فكرةُ الرجوعِ إلى نقطةِ الصفرِ من جديدِ،إلى حيثُ خَذَلَنِي حُلْمي والجميعُ،بالماضي رفضتَ الخضوعَ والخنوعَ والإستسلامَ لإنكساري والبقاءَ داخلَ روحيَ المفتتةِ وقمتَ بِطَردِ خفافيشَ الظلامِ التي سكنتني لبرهةٍ من الوقتِ،اتخذتَ من فشلي حافزًا وعزيمةً لبدايةٍ جديدةٍ،لم أقفْ لأتطلع على أطلالِ حُلْمي وأَنْعي خَسارتَه، بل نفضتَ رُكامَ الماضي وشقَقْتَهُ وخرجتَ من بينهِ صامدةً لِأُضَمِدَ جراحي بيدي واتخذتَ حُلْمًا جديدًا لِأُجاهدَ من أجلِ الوصولِ وأصنعُ لحالي مستقبلاً مضيئًا أمضي بِطريقَهِ أنا وصغيري،وبعدmا شعرتَ بِلَذَةِ الوصولِ وتذوقتَ حلاوتَه،ها أنا الأن على أعتابِ خَسارةِ حُلْميَ الجديدٍ وأسألُ حالي،هل ظلَ فى العمرِ بقيةً كي أبدأَ من جديدِ أم أنها ستكون الضـ.ـر.بةُ القاضيةُ لِعزيمتي وأمالي.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي "روز أمين"
تأوهت بقوة وهي تضغط على كفه مما أصابهُ برعـ.ـبٍ وتيقنهُ مدى تألمها ليحملها سريعًا بين ساعديه ويتحرك مهرولًا صوب الباب وهو ينطق قاصدًا شقيقته:
-إتصلي إنتِ بالدكتورة يا فريال وقولي لها إننا رايحين لها في الطريق
واسترسل بصياحٍ إلى عزة المرتعبة على ابنتها:
-هاتي مفاتيح عربيتي من فوق بسرعة يا عزة
كانت تلف ساعديها حول عنقه متشبثة به بكل قوتها تدفن وجهها بصدره كي تكظم أهاتها ولا تشعر بها أحدًا،لكنها غفلت عن خليل روحها الذي يشعر بما يدور بخلدها ويسكن الفؤاد من مجرد حركة وصوت أنفاسها،نطق متأثرًا وهو ينظر لها وحنان الدنيا بأكمله تمركز بمقلتيه:
-متخافيش يا بابا،هتبقى كويسة
ببطئٍ رفعت مقلتيها تناظر خاصته لتنطق بـ.ـارتعابٍ ظهر علنًا بدmـ.ـو.ع عينيها وانتفاضة صوتها المرتجف:
-البيبي يا فؤاد،مش عاوزة أخسره
نطقت عصمت التي تجاور نجلها مهرولةً معه باتجاه السيارة يتبعهم علام فريال وأيضًا ماجد:
-إهدي يا إيثار وحاولي تنظمي أنفاسك علشان البيبي ما يتأثرش
أسرعت عزة لتنطق بنبرة هلعة:
-المفتاح يا باشا
إلتقطه من بين كفها ماجد حيث هرول إلى السيارة ليستقل مقعد القيادة ثم قام بتشغيلها بينما فتح علام الباب الخلفي أمام نجله ليجلس حبيبته بالمقعد برفقٍ ثم جاورها الجلوس وتحدث وهو يتحسس وجهها بصوتٍ يرتجفُ هلعًا:
-حاولي تتماسكي علشان خاطري وخاطر إبننا
هزت رأسها لعدة مرات متتالية والرعـ.ـب يسكن عينيها خشيةً من فقدان صغيرها،إستدارت عصمت لتجاورها الجلوس أما علام فجاور ماجد لتنطق فريال وهي تتفقد مقاعد السيارة بحيرة:
-وأنا هركب فين؟!
صاحت أيضًا عزة اللاصقة بنافذة السيارة تتطلع على تلك الحبيبة والعوض:
-وأنا كمان عاوزة أروح مع بنتي علشان أطمن عليها
طالعها فؤاد لينطق بنبرة عقلانية بأملاٍ:
-خليكِ مع يوسف يا عزة وأنا هطمنك بالتليفون، مينفعش كلنا نسيب البيت
لتتحدث عصمت إلى ابنتها وهي تؤكد على حديث صغيرها:
-فؤاد معاه حق، وإنتِ كمان إقعدي علشان تاخدي بالك من البيت والاولاد
كادت أن تفتح فمها لتعترض قاطعها فؤاد بصياحٍ بدا من خلاله للجميع مدى فزعه:
-إطلع بسرعة يا ماجد
انطلق ماجد بسرعة فائقة ليقول وهو يراقب الطريق جيدًا:
-ألف سلامة عليكِ يا مدام إيثار،بسيطة إن شاء الله
-يارب...تمتم بها فؤاد بـ.ـارتيابٍ، استدار علام ليتطلع على تلك الساكنة أحضان زوجها ويبدوا على ملامحها المقتطبة الألم ليس بجسدها فقط بل لروحها والفؤاد،سألها بنبرة أبوية بحتة:
-متخافيش يا بنتي،شوية وهنوصل للدكتورة وهتبقى كويسة إنتِ والبيبي
نطقت بدmـ.ـو.عها المتألمة:
-إدعي لي ربنا يحفظ لي البيبي يا بابا
-إن شاء الله ربنا هيحفظه لنا ويجبر بخاطرنا كلنا...قالها بقلب أبٍ يتمزق ويطوق لرؤية حفيدًا من صلب نجله الوحيد ليقر به عينه قبل الرحيل،أمن الجميع على دعائه
تنفست بـ.ـارتجافٍ إحتل جميع أطرافها لتشعر ببرودة قارصة تخللت بجسدها بالكامل لتصل لعمق روحها المرتبكة،مال على أذنها ليهمس بحنانٍ جارف كي يصل لأعماق روحها ويبث داخلها الطمأنينة:
-إهدي واطمني وإدعي ربنا والجأي له،وخليكي واثقة إن ربنا مش هيخذلنا أبدًا
نطقت بصوتٍ مرتجف:
-يارب،يارب إحفظ لي إبني وإحميهولي
عودة إلى عزة التي أمسكت بهاتفها وقامت بالضغط على رقم أيهم حيث كان يجلس ببهو مسكن شقيقته يشاهد شاشة التلفاز بتمعنٍ وهو يتطلع على إحدى قنوات الأخبـ.ـار العالمية،قاطع تركيزه رنين هاتفه الجوال حيث صدح بجواره، نظر بشاشته ليلتقطه سريعًا حين لمح نقش اسم عزة لتيقنهُ انها لا تتصل سوى للأمور الضرورية والخطيرة وما أكد له هو تأخر التوقيت،على الفور ظغط زر الإجابة لينطق بصوتٍ ظهر عليه التـ.ـو.تر والارتياب:
-خير يا عزة،إيثار ويوسف كويسين؟!
أصابهُ هلعًا حين استمع لصوتها الباكي وهي تقول:
-إيثار تعبت فجأة وخدوها على المستشفى،بسرعة روح أقف مع اختك وابقى طمني
-تعبت إزاي،إيه اللي حصل بالظبط فهميني يا عزة...سألها وياليته لم يفعل،فقد إنفتح بوجههِ بابًا هو في غنى عنه،حيث هتفت بسخطٍ وحدة ظهرت بصوتها وهي توبخه بتهكم:
-يا أخويا هو ده وقت أسأله،إنتَ هتعمل لي فيها وكيل نيابة وهتقعد تحقق معايا؟!،بقول لك البت تعبت وخدوها على المستشفى،إتنطر قوم روح لها يا واد،ده إيه العيلة الهم دي يا ربي
سألها وهو يهرول صوب غرفة النوم كي يرتدي ثيابهُ ويحمل حافظة نقوده وأشيائه الخاصة:
-طب هي في أي مستشفى؟
صرخت به ساخرة لتوبخه من جديد:
-وأنا اش عرفني يا اخويا،قالوا لك عليا بشم على ظهر إيدي،إتصل بجوزها وخد منه اسم المستشفى،إنجز يلا
صرخت بالأخيرة لتغلق الهاتف دون إعطائه حق الرد.
************
داخل منزل غانم الجوهري
كانت نوارة تُجلس صغير عزيز فوق ساقيها تُطعمه بحنانٍ في محاولة منها كتعويضًا للصغير عن فقدانه لحنان والدته المغدورة،ولج عزيز من الخارج بصحبة شقيقه وجدي ليهتف الاخير بنبرة عبرت عن مدى ذهوله:
-شوفتوا اللي حصل،البلد مقلوبة برة بيقولوا إن الحاج هارون إتقــ,تــل مضروب بالنار في عزبة أبو جميل وهو بيعمل دعاية لنفسه هناك
شهقت منيرة واتسعت عينيها بعدm استيعاب لتنطق بهلعٍ:
-سترك يا رب
ليتابع وجدي بـ.ـارتيابٍ من هول الحدث:
-عيلة ناصف بالنفر مجمعين بعضهم وشايلين السلاح ورايحين عزبة أبو جميل ووشهم عليه غضب ربنا،اللي يشوف منظرهم يقول القيامة قامت خلاص
جلس عزيز بجوار والدته التي تحدثت مستفسرة بذهول:
-ومين ده اللي يجرأ يعادي عيلة ناصف ويقــ,تــل واحد منهم
نطق عزيز مؤكدًا:
-هو فيه غيره،نصر البنهاوي طبعاً اللي عملها
هزت رأسها لتنطق بنفيٍ تام:
-الحاج نصر لا يمكن يعمل كده
هتفت نوارة التي مازالت تطعم الصغير:
-وميعملهاش ليه،ولا يكونش الحاج نصر ده إمام جامع وإحنا منعرفش
واسترسلت بنبرة تأكيدية:
-ده راجـ.ـل مبيخافش ربنا ولا بيتقيه
تحدث وجدي مؤكدًا على رأي شقيقه وزوجته:
-محدش ليه مصلحة في قــ,تــل الحاج هارون غير نصر،هارون كان هيكتسح الأصوات منه لأن مهما كانت فلوس نصر اللي بيفرقها على الناس بس الاصل غلاب،وعيلة ناصف مـ.ـا.تتقارنش بأي عيلة في المركز كله وهي اللي صنعت نصر من الأساس،هو كان حيلته حاجة قبل ما يتجوز ستهم
هز عزيز رأسه بموائمة على حديثه لتنطق منيرة باستحسان:
-الحمدلله إنكم بعدتوا عنه وعن شغله،لو هو اللي عملها بجد يبقى عيلة ناصف هتخربها على دmاغه ومش هو بس،دول عالم جبابرة وشرهم هيطول كل اللي شغال مع نصر وليه علاقة بيه من بعيد أو قريب
نطقت نوارة بامتنان:
-إحمدوا ربنا وإدعوا لـ إيثار وجوزها وكيل النيابة
واسترسلت وهي تشير بكفها بإيضاح:
-لولاهم كان زمانا مغروسين في قلب الموضوع وإيثار وإبنها كان زمانهم في قلب بيت نصر نفسه، يعني في قلب النار
أكد وجدي قائلاً باقتناع ويقين:
-عندك حق يا نوارة، سبحان الله ربنا مبيعملش حاجة للبني أدm إلا لما تكون في صالحه
-ونعم بالله...قالتها منيرة بخزيٍ من حالها لينطق عزيز:
-والله إنتوا غلابة قوي، وهي الست إجلال هتخلي حد من عيلتها يلمس شعرة واحدة من جوزها اللي وقفت قدام إخواتها وإعمامها علشان تتجوزه ولولا أبوها وقف معاها وكبرها عليهم الموضوع مكنش تم، ولا حد منهم هيجرأ يهوب ناحية بيتها وولادها
واستطرد بنبرة أكثر جدية:
-دي ست قادرة وكلمتها بتمشي على الكبير قبل الصغير فيهم
نطق وجدي متفوهًا بكلمـ.ـا.تٍ يحكمها العقل والمنطق:
-بس ده دm وتار يا عزيز، الموضوع هنا يختلف
هتفت منيرة لتغيير مجرى الحديث:
-سيبكم من السيرة اللي تو.جـ.ـع البطن دي وخلونا في حالنا
ثم نظرت إلى عزيز لتنطق وهي تشير للصغير:
-البت ألاء جت النهاردة وكانت عاوزة تاخد أحمد،بتقول إن أمها عاوزة تربيه علشان يعوضها عن بنتها اللي راحت
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة ليصيح بحدة وعينين تشبه نظرات الصقر:
-بقول لك إيه يا اما،الناس دي مش عاوز سيرتهم تيجي قدامي ولا يدخلوا بيتنا تاني، دي صفحة سودة وقفلتها، وبعدين هتاخد الواد تربيه علشان يطلع خـ.ـا.ين زي بنتها؟!
تنهدت بألم للحالة التي وصل لها نجلها لتقول بهدوء:
-أنا قولت لها الواد مش هيبعد عن إخواته وأنا ومرات عمه واخدين بالنا منهم كلهم،بس قولت أقول لك بردوا ده ابنك والكلمة الأخيرة ليك
نظر إلى نوارة وتحدث بعينين ممتنة:
-إبني مرات عمه كتر خيرها موالياه،والناس دي مش عاوز أعرفهم تاني يا اما،كفاية اللي حصل لي من ورا بنتهم
نكس رأسهُ للأسفل ليتابع مسترسلاً بصوتٍ منكـ.ـسر مذلول:
-كفاية نظرة الناس ليا وأنا ماشي في الشارع النهاردة،أنا كنت شايف في عيون الرجـ.ـا.لة نظرة تقليل واحتقار للراجـ.ـل اللي عاش مختوم على قفاه العمر كله من الست اللي بتنام على سريره أخر كل يوم.
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلب الجميع أحرقته،ربت شقيقه على كتفه بمؤازرة ونطق كي يزيل من همه القابع على عاتقه:
-هون على نفسك يا عزيز وسيبك من كلام الناس،الناس طول الوقت بتتكلم،وإنتَ مراتك لا خانتك ولا داست على شرفك،دي واحدة طماعة وخانت العيش والملح وده شئ ما يعيبكش،واهي خدت جزائها وبقت بين أيادي ربنا
-أخوك عنده حق يا ابني...قالتها منيرة لتستبدل الحديث قائلة:
-أيهم أجازته بكرة،إتصل وقال لي نفسه في البط،هعمل لكم دكرين بط وحلة محشي كرنب
-أهو ده الكلام اللي يفتح النفس يا ماما...جملة حماسية نطقتها نوارة لتحمل الصغير الذي غفى على ساقيها وهي تقول:
-هدخل أنيم أحمد على سريرك وأعمل لكم كبايتين شاي يظبطوا الدmاغ
************
داخل منزل نصر البنهاوي،كانت تجلس بوسط المنزل هي وزوجتي نجليها والصغار،استمعوا لطرقات سريعة فوق الباب لتهرول الخادmة صوب الباب لتفتحه،فوجئت بأزهار التي دفعتها من صدرها بقوة لتنطق وهي تصرخ بقوة:
-هي فين الحرباية،تعالي لي يا إجلال، وريني وشك يا خرابة البيوت
هبت واقفة لتصيح بتوبيخ وبحدة بوجه تلك الباكية ويبدوا من هيأتها عدm الإتزان والصدmة وابنتيها تلاحقاها:
-فيه إيه يا مَرة،مالك داخلة بزعابيبك كده ليه،ومنين جبتي الجرأة اللي تتكلمي بيها كده على ستك وست بلدك
صرخت بعلو صوتها بانهيارٍ:
-مش عارفة فيه إيه يا غراب البين، فضلتي تتحنجلي وحرضتي هارون على دخول البرلمان قصاد جوزك علشان تنتقمي منه وتكيديه لما فضل عليكِ واحدة تانية، أهو جوزك قتال القُتلة طخه
اتسعت حدقتي إجلال لتنطق الاخرى بقسمٍ كالرجـ.ـال:
-بس الله في سماه،ما هنام الليلة ولا يهنى لي بال إلا لما نصر يحصل هارون في رقدته وأحسر قلبك عليه
1
هتفت متسائلة بذهولٍ:
-إنتِ بتقولي إيه يا ولية إنتِ،هارون إتقــ,تــل؟!
صرخت ابنتها وهي تقول بانهيارٍ ودmـ.ـو.ع كشلالات:
-أبويا إتقــ,تــل في عزبة أبو جميل يا عمة
أصابها ذهولٍ ورجفة بجسدها لتستفيق على صوت أزهار التي صاحت بغضبٍ عارم لو خرج من صدرها لأحرق البلدة بأكملها:
-قــ,تــله جوزك يا جلابة المصايب،انا جيت بس علشان أقولك تجهزي نفسك لدفنته الليلة دي،واللي خلق الخلق لاحرق قلبك عليه يا إجلال
نطقت كلمـ.ـا.تها وانطلقت كالإعصار للخارج تلتها نجلتيها لتبتلع إجلال ريقها وتمسك هاتفها لتهاتف شقيقها الذي صدح صوته الغاضب وهو يهتف:
-الوا.طـ.ـي جوزك قــ,تــل هارون يا إجلال، إياكش تكوني إرتاحتي وعجبك تخطيتك
صاحت تسألهُ بحدة:
-مين اللي قال إن هو اللي قــ,تــله يا حاج محمد،نصر من بعد العصر في كفر راجح،ناصب صوان دعاية هناك وولادي كلهم معاه
واسترسلت بدفاعٍ ممـ.ـيـ.ـت كي تدفع عنه شر أهلها كي لا يطوله:
-ده أكيد حد قاصد يولع بين العيلتين واستغل الإنتخابات،إهدى يا حاج محمد وفكر بالعقل
نطق بقوة وثبات:
-العقل ده سبناه للنسوان اللي زيك يا إجلال، لكن إحنا السلاح هو اللي هيرد،نجيب بس مـ.ـيـ.ـتنا وندخله بيته وقبل خرجته هيكون نصر محصله
نطق كلمـ.ـا.ته الغاضبة ليغلق بوجهها الهاتف تحت ذهولها من تحول شقيقها معها،كيف تجرأ وحدثها بتلك الطريقة الخالية من الإحترام،هتفت مروة ودmـ.ـو.عها تسيل فوق وجنتيها من شـ.ـدة خوفها:
-كلمي عمي نصر وقولي له على قــ,تــل الحاج هارون، وخليه يطلع بسرعة من عنده هو وحسين وطلعت وعمرو
نطقت ياسمين بصوتٍ مرتجف أظهر كم الرعـ.ـب الذي سكنها:
-خليهم يطلعوا على بيت عمرو اللي في مصر يا ستهم،لو نزلوا البلد عيلة ناصف مش هيسبوهم
برغم الهلع الذي سكن داخلها جراء حديث شقيقها إلا أنها أظهرت قوتها لتتحدث بثباتٍ تحسد عليه:
-إنتِ اتجننتي يا بت إنتِ وهي،هو فيه حد يجرأ يلمس شعره منهم حتى لو كانوا أهلي
نطقت مروة بدmـ.ـو.عها:
-ده تار يا ستهم،وساعة التار العقل بيتلغي
أمسكت هاتفها وولجت لغرفتها لتوصدها جيدًا ثم طلبت رقم زوجها الذي ابتسم بشرٍ وخبث حين رأى نقش اسمها ليقول بهدوء من وسط دوشة الأصوات المتداخلة ببعضها:
-خير يا ستهم
صاحت بحدة وصوتٍ بدا عليه الإنزعاج:
-هارون إبن عمي إتقــ,تــل يا نصر
نطق سريعًا بهلع ظهر على وجهه:
-يا ساتر يا رب،إمتى وإزاي ده حصل؟!
سألته بتشكيك:
-قول لي الحقيقة يا نصر،إنتَ ليك يد في قــ,تــله
هتف بقوة زائفة:
-إنتَ إتجننتي يا ستهم،أنا أقــ,تــل، ده أنا راجـ.ـل حاجج بيت الله أربع مرات
هتفت بـ.ـارتعابٍ ظهر بصوتها:
-طب بلاش تيجي البلد الدنيا هنا مولعة،روح على مصر إنتَ والعيال
أنهى معها ليجد رجـ.ـال الامن قد حضروا وحاوطوا الصوان ليأخذوه هو وأولاده الثلاث إلى قسم الشرطة كي يبعدوهم عن شر عائلة ناصف لحين انتهاء التحقيقات ومعرفة من القـ.ـا.تل.
********
هاتف الوسيط مهرب الأثار ليعرض عليه شرط عمرو لينطق الرجل بدهاء:
-قل له أننا موافقون وسنفي بوعدنا بعد إنتهاء الحفر وتسليمنا الأثار
نطق الرجل بـ.ـارتيابٍ:
-يا باشا مش هيوافق
بكل ثقة أجابهُ:
-لا بل سيوافق وينتظر، كونه لجأ لنا فهذا يعني أن جميع أبوابه قد أغلقت بوجهه ولم يتبقى سوى بابنا نحن
سأله مستفسرًا:
- طب وحضرتك هتنفذ له طلبه بجد يا باشا؟!
ضيق بين عينيه لينطق بصرامة:
-هل تراني أبله يا رجل لأوقع حالي بتلك الكارثة،مالي أنا برجلًا كغريمه ذاك
وتابع بجدية وحزمٍ:
- سوف أأخذ منه حاجتي فور خروجها وليأخذ هو نقوده التي اتفقنا عليها منذ البداية، وإن إعترض وثار هي طلقة ببضعة جنيهات ستجعله يصمت إلى الأبد
************
عودة إلى عائلة علام،كان علام وماجد ينتظران فوق مقعدين أمام باب الكشف لينضم لهما أيهم حيث أقبل عليهما مهرولاً يسأل علام بلهفة ورعـ.ـبٍ ظهرا بعينيه:
-إيثار كويسة يا سيادة المستشار؟
نطق الرجل بحصافة:
-إهدى يا أيهم،الدكتورة بتكشف عليها جوة وإن شاء الله هتبقى كويسة
نطق مأمنًا وهو يجاورهما الجلوس:
-إن شاءالله
أما بالداخل،كانت تتسطح فوق الشزلونج الطبي والطبيبة تباشر بالكشف الطبي عليها،يقف بجوارها ذاك العاشق ممسكًا بكف يدها ليبث الطمأنينة داخل روحها الهلعة،تحدثت الطبيبة بهدوء بعد انتهاء الفحص:
-من انتظام النبض أقدر أقول لكم إن حالة الجنين إلى حدٍ ما كويسة بس مطلوب منك الهدوء يا مدام إيثار
سألتها عصمت مستفسرة:
-هو إيه اللي حصل يا دكتورة؟!
نطقت الطبيبة بشكلٍ مفصل:
-واضح من كلامكم ومن الاعراض إن المدام اتعرضت لحالة من الرهاب الشـ.ـديد نتيجة مخاوفها من حاجة معينة،الرعشة الشـ.ـديدة والتعرق وتسارع ضـ.ـر.بات القلب والدوخة كل دي أعراض رهاب واضحة
لتنطق بعقلانية:
-طبعاً انا مش دارسة طب نفسي لكن كلامي بقوله بناءًا على الكشف اللي أثبت الحمدلله إن مفيش مشاكل خاصة بالبيبي،وكمان أنا قرأت كتير في الطب النفسي علشان يفيدني في شغلي والتعامل مع نفسيات الستات الحوامل
-يعني هي كويسة؟...قالها فؤاد بصوتٍ مازال مرتبكًا بسبب ارتعابه على حبيبته لتنطق الطبيبة بعملية:
-هي كويسة بس لازم تقعد معاها وتشوف إيه الأسباب اللي عرضتها للرهاب وتحاولوا تلاقوا لها حل،لأن للأسف الموضوع ده لو إتكرر ممكن يأثر على صحة الجنين
هز رأسه عدة مرات لتتابع بابتسامة بشوش وهي تقول بنبرة تفاؤلية:
-مش حابين تعرفوا نوع الجنين؟
-هو ممكن...قالتها عصمت بحبورٍ هائل وتلهف ظهر بمقلتيها لتجيبها الاخرى بأريحية:
-ينفع جداً،حاليًا نوع الجنين بيظهر في السونار بعد إكتمال الشهر التالت على طول
تطلعت لذاك الممسك بكفها لتبتسم له فسألها متجاهلاً حديث الطبيبة:
-إنتِ كويسة؟
أومأت بهدوء ليتابع بطمأنة:
-أما نروح هنتكلم وأي حاجة مضايقاكِ أو تعباكي تأكدي إني هعمل المستحيل وأحلها لك
تطلعت عليه بحـ.ـز.ن وقد تجمعت العبرات بعينيها ليميل عليها مستغلاً إنشغال الطبيبة بتجهيز جهاز التصوير"السونار"للكشف على نوع الجنين:
-علشان خاطري تهدي،وكل اللي تؤمري بيه أنا هنفذهولك
إبتسمت لطمأنت ذاك العاشق لتضع الطبيبة المادة السائلة التي تساعد الألة المرتبطة بالجهاز فوق بطنها وبدأت تمررها بتدقيقٍ ليستمع الجميع لصوت نبضاتٍ مرتفعة ومتداخلة تصل للضجيج،إبتسمت الطبيبة لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ مبهمة للجميع المتطلعون بأعينهم على شاشة الجهاز بتمعنٍ شـ.ـديد:
-كنت متأكدة وأنا بكشف على النبض
تطلع فؤاد عليها ليسألها باستفهام:
-متأكدة من إيه حضرتك
نطقت بصوتٍ سعيد:
-من إن النبضات تخص أكتر من جنين،مبروك يا افنـ.ـد.م،مدام إيثار حامل في توأم، ولد وبنوتة
نطقت كلمـ.ـا.تها بتلقائية ولكنها لم تدري مدى وقع تلك الكلمـ.ـا.ت البسيطة على قلب ذاك المسكين الذي حُرم من ذاك الشعور لسنواتٍ عديدة بسبب زوجة انتزعت من قلبها الرحمة فاقدة للأخلاق والمبادئ،شعورً لم يستطع تفسيره،فهو مختلف كل الإختلافِ عن أية مشاعر قد تعرض لها طيلة حياته،وجد حاله ينصت متجاهلاً جميع الأصوات من حوله فقط صوت نبضات جنينيه هو من يقتحم قلبه قبل أذنيه،وكأنها نغمـ.ـا.تٍ موسيقية لمعذوفة من أندر وأعـ.ـذ.ب الألحان،نصب عينيه على صورتهما التي تتحرك بفعل تحرك الجهاز فوق بطن حبيبته،بات يشاهد كل أجزاء جسديهما التي تعرضها الطبيبة،ود لو أن باستطاعته التخلي عن هيبته والهرولة صوب الشاشة لتقبيل كل جزءٍ مصوب على صغاره لفعل دون تردد،وبرغم السعادة التي تجعل من الكبير صغيرًا والعاقل مختلاً إلا أنه استطاع الصمود والتحمل أمام هذا الحدث العظيم،إستفاق على صوت شهقات عصمت التي بدأت بالإرتفاع وهي تقترب من الشاشة وتتلمس صورة الصغار وهي تردد بالأدعية شكرًا لله:
-اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك،اللهمّ لك الحمد كلّه، ولك الشكر كلّه، وإليك يرجع الأمر كلّه علانيّته وسرّه، اللهمّ لك الحمد حتّى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضى.
قبضت على كفه لتنطق بسعادة متأثرة بحلاوة اللحظة:
-مبروك يا حبيبي،يتربوا في عزك وعز بابا وماما
إلتفتت عصمت لتطالع ذاك الناظر لزوجته تارة ولشاشة الجهاز تارة أخرى باذبهلالٍ وتيهة وعلامـ.ـا.ت الدهشة والفرح ظاهرة على وجهه وفجأة وبدون سابق إنذار بدأت عيونه تلتمع بغيمـ.ـا.ت الدmـ.ـو.ع لتهرول إليه والدته لتحتضنه بقوة وهي تردد:
-ربنا عوض صبرنا خير يا حبيبي،ورزقنا بولد وبنت هيملوا علينا البيت فرحة
ابتعدت عنه ليأخذ نفسًا مطولاً كي يتحكم بدmـ.ـو.ع الفرح ويمنعها من النزول لتميل هي وتقترب على إيثار تقبل وجنتيها وجبهتها بحفاوة وهي تتحدث:
-قولت لك قبل كده إن وشك وش السعد على بيتنا،دخلتي علينا وجبتي معاكِ الفرح والخير كله
تلبكت أمام سعادة تلك السيدة الهائلة لتنطق بنبرة مرتبكة:
-يا حبيبتي يتربوا في عزك وعز بابا وفؤاد
هرولت السيدة إلى الطبيبة التي تشاهد تلك اللحظة بتأثرٍ شـ.ـديد لتقول بلهجة حماسية:
-من فضلك يا دكتورة، عاوزة صورة أوريها لجد الأولاد برة
أجابتها باحترامٍ وحفاوة:
-حاضر يا دكتور عصمت
مال حتى اقترب من وجهها لينطق بصوتٍ متلبك تأثرًا باللحظة:
-شكرًا لأنك في حياتي، وشكرًا لربنا لأنه بعتك ليا علشان تحققي لي كل أحلامي
-مبسوط؟... نطقت بها بعينين تفيضُ حنانًا وسعادة لأجله ليخرج صوته متلهفًا:
-فيه مشاعر مهما حاولنا نوجد لها كلمـ.ـا.ت هيبقى صعب تلاقي الكلمة الدقيقة اللي تشرح المعني الحقيقي للشعور وتعبر عنه،واللي جوايا وحاسس بيه حاليًا عمر ما كلمة بسيطة زي مبسوط هتقدر توصفه
نطقت بصوتٍ حنون:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي.
ليكتفي بقبلة حنون بباطن كفها كي يبث لها المعنى الذي شرحه لها من ذي قبل مما أدخلها بحالة من الهيام
إنتهت الطبيبة من أخذ الصورة وتحركت المساعدة لتنظف لها مكان السائل من فوق بطنها، أخذت عصمت الصورة وخرجت سريعًا لينطق فؤاد بسعادة:
-ماما يا حبيبتي هتطير من الفرحة.
تنهدت لتنطق وهي تعتدل بجلوسها:
-إنتوا عيلة جميلة وتستاهلوا كل حاجة حلوة
بالخارج،هرول علام بسؤالها الحنون:
-طمنيني على إيثار والبيبي
نطقت بحبور لطمأنة الجميع بعدmا هرول عليها أيهم وقام بالسؤال عن شقيقته:
-إيثار زي الفل
ثم رفعت الصورة بوجه علام لتنطق بما جعل من دقات قلب الرجل تقفز من مكانها فرحًا ورقصًا:
-إتفرج على أحفادك يا سيادة المستشار،جاي لنا ولد وبنوتة زي القمر، وماشاء الله صحتهم زي الفل
انعقد لسانه من هول المفاجأة واعتلت الفرحة ثغره حتى أنه بدا أصغر من عمره من شـ.ـدة حبوره،فهكذا هي الفرحة تمنحنا نشوة من نوعٍ خاص تتخلل إلى أرواحًا وقلوبًا وتنتقل إلى ملامحنا لتجعلها تبدوا أصغر مما هي عليه بأعوامٍ وأعوام،ابتسمت لتنطق من جديد:
-إيه يا سيادة المستشار،مش هترحب بأحفادك
بيدٍ مرتجفة تناول الصورة ليتمعنُ بها بعينين لامعتين وقلبٍ ينتفضُ فرحًا ليخرج صوته أخيرًا وهو يقول:
-الحمدلله،ربنا يمد في عمري لحد ما ينوروا الدنيا وأشيلهم على إيديا وأملي عيني منهم
وضعت كفها على ظهره لتمرره صعودًا وهبوطًا بحنان وهي تقول بيقين:
-إن شاءالله تشوفهم وتربيهم بنفسك مع فؤاد يا علام
تطلع عليها وحنان الدنيا بعينيه لينطق:
-إن شاءالله يا حبيبتي
اقترب ماجد ليحتضن علام وهو يربت على ظهره بحفاوة:
-الف مبروك يا باشا،يتربوا في عزك وعز الدكتورة وسيادة المستشار
-تسلم يا حبيبي...قالها علام بابتسامة بشوشة لينظر الاخر إلى عصمت مهنئًا:
-مبروك يا دكتورة
نطقت بابتسامة رائعة اظهرت كم حبوها الهائل:
-ميرسي يا ماجد
هنأهما ايضًا أيهم الذي كان يتطلع على الباب ليجده يُفتح وتخرج منه شقيقته يساندها زوجها ليهرول عليها ويسألها وهو يتمعن بملامحها:
-إنتِ كويسة يا إيثار
ابتسمت لطمأنته وهي تقول:
-الحمدلله يا حبيبي بخير
إحتضنها وهو يقول بسعادة:
-مبروك يا حبيبتي،ألف مبروك
ثم ابتعد وتطلع على فؤاد الذي بادر باحتضانه كي يجنبه حرج اللحظة ويقربه منه فوجد حاله يربت على ظهره مهنئًا:
-ألف مبروك يا سيادة المستشار، يتربوا في عزك إن شاءالله
عاد الجميع إلى المنزل بعدmا أخبروا فريال عبر الهاتف وعزة التي استقبلتهم بالزغاريد والتهليل لتنطق عصمت بنبرة سعيدة وهي تتطلع على صف العاملات اللواتي خرجن للتهنأة:
-كل واحدة فيكم مصروف لها شهرين مكافأة حلاوة الخبر
نطق علام بحبورٍ ظهر بوجهه وهو يربت على كتف إيثار التي تخطت سعادتها عنان السماء:
-وشهرين من عندي أنا كمان،الدكتورة مش أكرم مني يعني
تعالت أصواتهن الشاكرة لتنطق سعاد باحترام:
-ربنا يديم السعادة في قلوبكم يا سيادة المستشار ويقوم مدام إيثار بالسلامة
نطق فؤاد المجاور لزوجته يساعدها على الوصول للأريكة:
-وأنا مكافأتي إن شاءالله لما الهانم تقوم بالسلامة
شكرهن العاملات وانسحبن للداخل فنطق علام وهو يتطلع إلى فؤاد:
-إبقى بلغ الجزار اللي بنتعامل معاه في المناسبات علشان يد.بـ.ـح عجلين ويوزعهم على المحتاجين يا فؤاد
نطق باحترام:
-حاضر يا باشا
جلست فوق الأريكة لتسألها فريال باهتمام مبالغ به:
-أخلي سعاد تعمل لك إيه علشان تاكليه
نطقت وهي تهز رأسها بشكرٍ:
-متشكرة يا فريال،بس حقيقي مش قادرة أكل أي حاجة
خرج الصغير من الداخل هو وبيسان حيث كانا بصحبة معلمة الموسيقى ليهرول إلى والدته كي يرحب بها،احتضنه أيهم الذي عاد معهم للإطمئنان على شقيقته:
-إزيك يا يوسف
قال الصغير بنبرة طفولية:
-إزيك إنتَ يا خالو،وحـ.ـشـ.ـتني
اقتربت منه عزة وبدأت بمداعبته وهي تقول:
-شوفت يا يوسف، مامي هتجيب لك أخين، ولد وبنوتة
اتسعت عينيه ليسعد داخله وهو يقول بإشارة من كفه على ثلاث من أنامله:
-كدة يبقى عندي تلاتة إخوات
تطلع الجميع عليه ليسترسل بسعادة:
-زينة أختي،والإتنين البيبي
ثم تطلع على والدته ليسألها:
-هما إخواتي إسمهم إيه يا مامي؟
نطقت بإعياءٍ مازال يلزمها:
-مش قادرة أفكر يا چو،أنا هطلع أرتاح وبكرة نقعد مع جدو علام ونانا عصمت ونختار الأسماء
كانت الاجواء سعيدة متفائلة إلى حدٍ هائل،عاد أيهم لسكنه وأخذت عزة الصغير للأعلى كي يغفو وكاد فؤاد أن ينسحب للأعلى ليوقفه صوت علام حيث تحدث أمام الجميع:
-اللي حصل النهاردة مش عاوزة يأثر على حد فيكم، والكلام ليكِ إنتِ بالذات يا إيثار
ابتلعت ريقها وظهر الحـ.ـز.ن على ملامحها لتقول بصوتٍ خجول:
-أنا أسفة،مكنتش أتمنى ده يحصل بسببي
وقف ماجد ليتحدث برجولة تحسب له كي يزيل عنها الشعور بالذنب الذي يؤرق روحها:
-مفيش حاجة حصلت بسببك يا مدام إيثار،بلاش تحملي نفسك ذنب اللي حصل لأن القرار أنا كنت هاخدة عاجلاً أم أجلاً
واسترسل شارحًا:
-أنا ومراتي من حقنا يكون لينا بيتنا وحياتنا الخاصة وده كان لازم يحصل في يوم من الايام
وقفت عصمت لتجاورها وتربط على ظهرها للتحسين من حالتها السيئة:
-يا حبيبتي خرجي نفسك من الموضوع ومتحمليش نفسك أكتر من طاقتها، واديكي شوفتي نتيجة زعلك وكلام الدكتورة
أما فؤاد وفريال فكلاهما وضعا في موقفٍ لا يحسدا عليه،تنفس علام وتحدث بحصافة فمنذ أن تحدث مع نجله وهو يبحث عن حل يرضي جميع الاطراف:
-الموضوع حله عندي ومتقلقوش
سألته عصمت باستفسار لأهمية الموضوع لديها كأم لا تريد ابتعاد كلا نجليها:
-هتحله إزاي يا سيادة المستشار
تنهد قبل أن ينطق بهدوء:
-فيلا مجدي الحوفي رجل الاعمال اللي إتوفى من مدة
ضيق فؤاد عينيه ليسأله:
-دي اللي بوابتها على يمينا على طول يا باشا؟
أجاب بإبانة:
-أه يا فؤاد هي،إبنه الوحيد كان مسافر كندا ولما بباه إتوفى رجع وأخد مامته علشان تعيش معاه، وعرض الڤيلا من إسبوع للبيع
ونطق بابتسامة هادئة:
-وكأن ربنا بيحل لنا المشكلة من عنده، أنا هشتري الفيلا وأكتبها باسم فريال وبكده مش هيبعدوا عننا،ماجد هيمشي على شغله وفريال تجيب ولادها وتقعد مع إيثار طول اليوم
اشتدت سعادة فريال وعصمت ليقاطعه ماجد قائلاً:
-بس كده كتير يا باشا ثم أنا مقبلش إن حضرتك تدفع مبلغ كبير بالشكل ده علشان تحل لنا المشكلة، أنا هشتري شقة على قدنا ولما ظروفي تتحسن هشتري لفيري ڤيلا تليق بيها
نطق فؤاد بصوتٍ قوى:
-مفيش حاجة كتيرة على فريال ثم ده حقها على الباشا، وكمان الحل اللي إختاره الباشا ممتاز ومش هيبعد فريال وولادها عننا،وإحنا دايمًا هنكون مع بعض في كل مناسباتنا وأجازاتنا الإسبوعية
رحب الجميع بالفكرة واشتدت سعادة عصمت وفريال وأيضًا إيثار التي شعرت بالراحة، لكن صوت ماجد خرج ليعترض لحفظ ماء الوجه فقاطعه علام بقوة وصوتٍ لا يقبل المناقشة:
-خلصنا يا ماجد،هو ده الحل الوحيد علشان بنتي متبعدش عن عيلتها،ومش هقبل بأي إعتراض منك
تطلع عليه لينطق باحترام وتقدير لذاك الراقي:
-أنا تحت أمرك يا باشا
************
بالأعلى، هتف الصغير وهو يتطلع إلى عزة بتوسل:
-علشان خاطري يا عزة تخليني أكلم بابي
تنهدت بحـ.ـز.ن لحال الصغير لتقول باعتذار:
-يا حبيبي مش هينفع ماما هتزعل مني
نطق بدلال:
-أنا هقول لها إن أنا اللي كلمتك كتير وطلبت منك ده
ثم مال برأسهِ لينطق متوسلاً مما جعلها تستسلم لرغبته:
-علشان خاطري يا عزة
ناولته الهاتف وطلبت رقم ذاك المتواجد مع والده وشقيقاه بمكتب الظبط لحمايتهم بعد غضب عائلة ناصف التي حضرت وتجمهرت أمام مبني القسم وطالبوا بتسليمهم نصر للقصاص منه ففضت الشرطة التجمهر ووعدتهم بالتحقيق في القضية والقبض على الجاني في اقرب وقت واستجوابه،كانوا يجلسون على المقاعد فصدح صوت هاتف عمرو ليرد سريعًا على ذاك الرقم الغريب ليفاجأ بصوت صغيره البرئ:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا بابي
هب واقفًا لينطق بعدm تصديق واشتياق لصغيره المحبب والمقرب من قلبه لما لوالدته من غلاوة:
-يوسف
نطق الصغير ببراءة:
-أيوا أنا، إنتَ وحـ.ـشـ.ـتني وخليت عزة ترن لي على رقمك من فونها لأن مامي جابت لي فون جديد بس مفهوش رقمك، لكن عزة عندها رقمك
نطق عمرو بصوتٍ متأثرًا:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا حبيبي، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
ليجيبه الصغير:
- إنتَ كمان وحـ.ـشـ.ـتني وجدو ونانا وحشوني وكمان زينة
لينطق ببراءة وقد بدا على صوته السعادة:
-بابي مامي هتخلف بنت وولد،هي لسه جاية من عند الدكتور هي وانكل فؤاد وقال لها هتجيبي إتنين بيبي
شهقت عزة لتخـ.ـطـ.ـف الهاتف من الصغير وهي تقول بانزعاج:
-هات التليفون ده يا مصيبة
اغلقته وهتفت معنفة إياه:
-أنا عارفة إن طردي من البيت ده هيبقى على إيدك يا شبر ونص إنتَ.
↚
داخل غرفة التحقيقات الخاصة بقسم الشرطة التابع للمركز،إختار عمرو أحد المقاعد الخشبية المتواجدة جانبًا بأحد جدران الحُجرة ليجلس عليها مبتعدًا عن والده وشقيقيه كي لا يشعر به أحدهم،نكس رأسه للأسفل ليضعها بين كفاه كي يداري غضبهُ العارم الذي أصابه من ذاك الخبر المشؤوم الذي تلقاه منذ القليل من صغيره البرئ،شعر بدوارٍ أصاب رأسهِ أما جسده فسرت بسائره نارٍ مستعرة ود لو بإمكانه الخروج ليـ.ـحرق بها عدوه اللدود،لم يتوقع حتى بأبشع كوابيسه أن أنثاه التي اعتبرها ملكية خاصة مختومة بختم قلبه تحمل داخل رحمها جنينًا بل جنينين من رجلًا غيره،نارًا مشتعلة لو خرجت لدmرت الأخضر واليابس أمامها كالإعصار،كان والدهُ وشقيقيه يتحدثان في بعض الأمور التي يجب إتباعها كي يتجنبوا ثورة عائلة ناصف الغاضبة،لاحظ نصر إبتعاد نجله بعدmا انسحب ليجيب على مكالمة هاتفية فسألهُ مستفسرًا باهتمام:
-مالك يا عمرو، مين اللي كان طالبك على التليفون؟!
أخذ نفسًا مطولاً قبل أن يرفع رأسه ليناظر والدهُ بهدوء كي لا يكشف تخطيطه حيث عقد العزم على أن يقوم بتنفيذه مهما كلفه الأمر حتى بعدmا استمع عن حمل من توطنت في القلب:
-ده يوسف يا بابا
برغم كم المصائب التي تكومت ونزلت على رأسه دفعةً واحدة إلا أنه ابتسم بحبورٍ حين استمع لاسمع حفيده الغالي والمقرب من قلبه والذي انتوى أن يحارب فؤاد بشراسة فور حصوله على مقعد البرلمان لاسترداد الصغير واحتضانه،نطق سريعًا بتلهف:
-طب ليه مخلتنيش أكلمه يا عمرو،الواد ده وحشني قوي
لم يستطع كظم حقده نحو ذاك الصغير الذي لا حول له ولا قوة ولا ذنب له بكل ما يجري سوى ان الله وضع محبتهُ والقبول بقلوب كل من حوله ومن رأه،ليهتف بحدة وحقدٍ ظهر فوق ملامحه:
-هو ده وقت كلام العيال بردوا يا ابا
إلتفت إليه نصر يتطلع عليه بحدة واستغراب لنبرته التي خرجت رُغمًا عنه بسخطٍ كي تكشف ما بقلبهِ المريـ.ـض نحو الصغير ليبتلع لعابه سريعًا حين رأى عينين نصر تطلق سهامًا صوبه ليسترسل بدهاءٍ أبعد به شر والده عنه:
-أنا قصدي تستغل الوقت وتكلم حد من الناس الكبـ.ـار يبعت قوة كبيرة من الشرطة ولا الجيش توقف عيلة ناصف عند حدهم،لحد ما الشرطة تلاقي اللي عمل المصيبة دي وياخد جزائه
تنهد نصر بعدmا اقتنع بتفكير نجله ليقول بهدوء:
-متقلقش،أبوك عامل حساب لكل حاجة
ثم التفت إلى عمرو من جديد ليسألهُ باهتمام:
-مقولتليش،يوسف قال لك إيه؟
أجابهُ والحـ.ـز.ن يسيطر على ملامحه ونبرات صوته:
-سلم عليا وقال لي إني واحشه قوي
سالهُ واللوم يملؤ عينيه:
-ليه مدتنيش التليفون أسلم عليه؟
نطق بخفوت:
-ملحقتش،يدوب كلمني كلمتين والولية اللي إسمها عزة اخدت منه التليفون وقفلته
قطب نصر جبينه ليتابع الأخر بايضاح:
-أصله كلمني من تليفونها من غير إيثار ما تعرف
ابتسم نصر ساخرًا لينطق بحدة وغلٍ:
-أه يا زمن،عليت الوا.طـ.ـي وعملت له قيمة،بنت غانم الشحات بقى لها سعر وبتتحكم في أسيادها اللي كان يوم عيد عندها هي وعيلتها العرر يوم ما اتنازلنا وناسبناهم
نكس رأسه للأسفل ليقف حسين وجلب بعض الأكياس الموجودة فوق منضدة خشبية ليقول وهو يقوم بتفريغ محتوياتهم:
-تعالى يا عمرو كل لك لقمة معانا
كان الضابط قد بعث وابتاع لهم الطعام كي يتناولوه لحين الصباح والبت في أمرهم وصعد هو للملحق الخاص به المجهز ليغفو كي يستطيع المواصلة في التحقيق بتلك الواقعة التي قلبت المركز بأكمله رأسًا على عقب
**********
داخل الجناح الخاص بفؤاد وزوجته،كانت تتمدد فوق التخت يدللها ذاك المغرم الوسيم بعدmا صعدا مباشرةً،يحمل فوق ساقية صينية يوضع عليها كل ما لذ وطاب من أنواع فاكهة الموسم حيث بعثت بها عصمت مع إحدى العاملات كي يتغذى صغيري نجلها الحبيب،قطع جزءًا من فاكهة الكمثرى وقربها من فمها لتقضمها باستمتاع وعينين شاكرة لينطق بنبرة صادقة:
-إوعى أشوفك زعلانة أو قلقانة من أي حاجة طول ما أنا عايش وفيا نَفس
تنهدت بهدوء لتنطق بايضاح:
-من بعد ما دوقت راحة البال والسلام النفسي جوه حـ.ـضـ.ـنك وأنا بقى عندي فوبيا إني أخسر الأمان اللي حسيته بينكم
توقفت لتأخذ نفسًا مطولاً قبل أن تتابع بنبرة أظهرت كم تأثرها ورعـ.ـبها من الرجوع إلى الماضي وخسارة ما اكتسبته في كنف تلك العائلة التي احتوتها برعاية هي وصغيرها:
-من أول يوم دخلت بيتك فيه وأنا بنام مطمنة، شعور كنت نسيته من سنين
تنهدت لتكمل ما أظهر معاناتها بالماضي:
-من يوم ما خرجت من بيت بابا وجيت بيوسف على القاهرة،وأنا مفيش يوم عدى عليا من غير مشاكل، عيشت سنين والخوف ملازمني زي ظلي
تطلعت إليه لتتعمق بعينيه التي تتمعن بتفاصيلها بتأثرٍ وألم لتتحول نظراتها من حُزنٍ إلى أعلى درجات الهيام وهي تقول:
-لحد ما القدر ورحمة ربنا حطتك بطريقي،ومن يومها وأنا حياتي كلها إتغيرت
أمسك ذقنها وبدأ بمداعبته بأصابع يده ليقول بنبرة تفيضُ حنانًا وعشقًا:
-طب وإيه اللي اتغير يا إيثار،ما أنا هو نفسه فؤاد حبيبك،يبقى ليه الخوف اللي يوصلك لحالة الرهاب اللي كنتي عليها النهاردة؟!
هزت رأسها وأمسكت كفه بخاصتيها لتنطق متأثرة بعينين بهما غيمة تكونت بفضل شعورها بالذنب:
-خفت يا فؤاد،خوفت أهلك يحملوني ذنب خروج فريال من البيت وأفقد حبهم واحتوائهم ليا أنا وإبني
لم تعد تحتمل كتمان دmـ.ـو.عها وحبسهم أكثر فسمحت لها بالهطول وهي تقول بنبراتٍ مزقت بها نياط قلبه:
-إنتَ أصلك مشوفتش معاملة بيت نصر ليا كانت عاملة إزاي،إجلال كانت بتحاسبني على دور البرد اللي بيصيب إبنها وتنصب لي المحاكمة
أفلت يداه من خاصتها ليحاوط بهما وجنتيها باحتواء،جفف بإبهاميه دmـ.ـو.عها التي سالت على الخدين لينطق سريعًا قاطمًا حديثها:
-كل اللي فات عاوزك تنسيه وتمحيه من ذاكرتك خالص،وكأنك معشتهوش أصلاً
هز وجهها بيداه وكأنهُ يجبرها على الخروج من تلك الحالة المرضية:
-مفهوم يا إيثار؟
هبطت دmـ.ـو.عها من جديد لتلقي بحالها داخل أحضانه وهي تقول:
-أنا مش قوية زي ما الكل شايفني يا فؤاد،أنا أضعف مما تتخيلوا كلكم
على عجالة ابتعدت عنه لتتعمق بعينيه وهي تقول بنبرة توسلية:
-إوعدني إنك مـ.ـا.تسبنيش مهما حصل،لو في يوم عملت حاجة تزعلك ناقشني وحاول تفهم أسبابي، وصل لي وجهة نظرك وأنا هتقبلها بس إوعى تسيبني
إحتوى وجنتيها من جديد لينطق بقوة وثبات بث لها من خلالهما الإطمئنان والسكنِ والسكينة:
-عاوزك تكوني متأكدة من حاجة مهمة قوي وتحطيها دايمًا قدام عيونك،إن مهما حصل مستحيل أبعد عنك
واسترسل بعينين ممتنتين تفيضُ عشقا:
- لأن ببساطة أنا محسيتش إني عايش غير بعد ما عرفتك،أنا وأهلى مدوقناش طعم الفرحة اللي بجد إلا بعد دخولك إنتِ ويوسف لحياتنا
وهمس أمام شفتيها بغرامٍ:
-ده غير إن شفايفك بقت ترياق الحياة اللي بيحييني، معقول أضيع عمري كده بسهولة
نطقها واقترب عليها ليأخذها بعالمهُ الساحر من خلال قُبلته الرقيقة التي بث لها كمٍ من المشاعر الهائلة
***********
بعدmا أطمأنت أن الصغير قد غفى بسلام هبت واقفة وباتت تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وقد تملك الرعـ.ـب من قلبها،باتت تفكر في شر عمرو الذي سيطال إيثار بالتأكيد بعدmا علم بحملها،فهو كائن بربري يسعى لتخريب حياة كل من حوله وافساد سلامهم النفسي وبالاخص تلك المسكينة التي أوقعها حظها السئ ليعشقها ذاك المريـ.ـض بالتملك دون غيرها من فتيات البلدة،توقفت فجأة لتنطق وهي تشير بكفيها:
-وأنا هو.جـ.ـع قلبي على إيه، أنا هروح أحكي اللي حصل لصاحبة الأمر وجوزها يتصرف
ثم وضعت كفها ليحتوي فكها وهي تفكر:
-بس سيادة المستشار لو عرف ماهيصدق ويمسكها عليا ذلة
هزت رأسها على عجالة لتقول بلامبالاة:
-يعمل اللي يعمله بقى،قال هيسخطوك يا قرد
نطقت كلمتها واسرعت للخارج بعدmا عقدت النية على الإعتراف بجريمة الصغير التي تمت تحت إشرافها الكامل،عودة إلى فؤاد الذي ذاب بقبلته لبعيد مع معشوقة الروح خليلة القلب،فقد سحبها لتعتلي ساقيه وبات يتذوق شهد شفتيها بتلذذ واستمتاع لكلاهما حتى فصلتهما تلك الطرقات لتفزع هي مبتعدة مما جعل الأخر يستشيطُ غضبًا،كور قبضة يده بقوة لينطق من بين أسنانه:
-الخبطة دي أنا عارفها كويس قوي
ليشير لها صوب الباب:
-هي مفيش غيرها
لوت فاهها لتنطق باستحياء:
-عزة!
-طبعاً عزة...قالها لتنزل هي عن ساقيه فتحرك هو صوب عليقة الملابس ليلتقط مئزره ويرتديه ثم توجه لفتح الباب ليهز رأسه حين وجدها تقف أمامه بابتسامتها البلهاء والتي توقع من خلالها أنها فعلت كارثة وما أكد حثه هي كلمـ.ـا.تها التي نطقتها بهدوء:
-عاوزة أبلغك إنتَ وإيثار بحاجة مهمة حصلت
أشار بكفه بطريقة مسرحية لتنطلق للداخل فور سماحه لها وتحركت حتى وصلت لحجرة النوم ليتبعها وهو يقول:
-إتفضلي إشجيني وقولي لي على المصيبة اللي عملتيها
نظرت إليه لتنطق باذبهلال:
-هو سعادتك عرفت منين؟!
أجابها ساخرًا:
-من ملامح وشك يا عزة هانم
سألتها إيثار التي اعتدلت على الفراش ليتحرك فؤاد ويضع لها إحدى الوسائد خلف ظهرها:
-إيه اللي حصل يا عزة؟
تبادلت النظرات بينهما لتفرك كفيها ببعضيهما وقد بدا التـ.ـو.تر ظاهرًا بقوة على ملامحها ليهز فؤاد رأسه وينطق باستسلام:
-قولي قولي، هببتي إيه؟
انطلقت الكلمـ.ـا.ت من فمها كما الرصاصات التي تخرج بقوة من المدفعية:
-الواد يوسف كلم أبوه وقال له ماما هتجيب توأم
اتسعت عيني فؤاد وقبل أن ينطق حرفًا وجد تلك الجالسة فوق الفراش تهتف والهلع ظهر بعينيها:
-كلمه إزاي ومنين؟!
لتهب واقفة وهي تنطق وقد استولى الهلع عليها:
-هاتي لي يوسف يا فؤاد، هاته ينام في حـ.ـضـ.ـني
هرول إليها ليحتوي كفيها ويعيدها من جديدٍ إلى الفراش وهو يقول:
-ممكن تهدي وتقعدي علشان مايحصلش اللي حصل من شوية والولاد يتأذوا؟
نظرت إليه بعينين متسعتين لتنطق وهي تتمدد من جديد:
-صح،إنتَ صح يا حبيبي،أنا لازم أهدى خالص وما اعرضش ولادي للأذى، بس بردوا هات لي يوسف
دثر جسدها بالغطاء ليقول بنبرة تغلفت بالسكينة والهدوء:
-إرتاحي خالص وانا هحل الموضوع بطريقتي، وبالنسبة ليوسف مش هينفع يبات هنا
تطلعت عليه لينطق مفسرًا كي لا تفسر حديثهُ خاطئًا:
-لو نام جنبك ممكن لاقدر الله يخبطك برجله ولا دراعه ويأذي الولاد من غير قصد طبعاً
ثم تابع ليهدئ من روعها:
-عايزك تطمني، القصر متأمن من حديد لدرجة إن مفيش نملة ممكن تعدي، يعني خوفك ده كله في غير محله
نطقت عزة التي تشعر بالأسى:
-بس اللي إسمه عمرو مش هيسكت يا باشا،ده معجون بماية شر زي أمه بالظبط
هتف وهو يرمقها بحدة:
-ولما أنتِ عارفة الكلام ده يا هانم خليتي يوسف اتصل بيه ليه؟!
-الواد صعب عليا لما شوفته مشتاق لابوه وقعد يتحايل عليا كتير...نطقتها بتأثر وعينين كادت أن تدmع لتتحول سريعًا وهي تتابع بلوم لحالها:
-يقطعه قلبي الحنين اللي جايب لي الكافية ومخليني ملطشة للي يسوى واللي مايسواش
اتسعت عينين فؤاد وكاد أن يفتك بها لولا تدخل إيثار التي جذبت يده قبل أن يندفع نحوها ليلقي بها خارج الجناح:
-علشان خاطري يا حبيبي تمسحها فيا
لوت فاهها لتنطق باستهجان:
-هي إيه يختي دي اللي هيمسحها فيكِ؟!
ضغطت فوق أسنانها وهي تقول بغيظ:
-عزة،اتفضلي على أوضتك للولد يصحى مايلاقكيش جنبه
كادت أن تتحرك فاوقفها صوت فؤاد القوي:
-أوضة الولد مش هتدخلها تاني يا إيثار
جحظت عيني عزة بفزعٍ لتنطق إيثار بصوتٍ متلبك:
-مش هينفع إبني ينام لوحده وخصوصًا في الظروف دي يا فؤاد
نصب عوده ليضع كفيه بداخل جيبي مئزره لينطق بحزمٍ:
-الولد كبر خلاص ولازم يتعود ينام في أوضة منفصلة،دي التربية الصحيحة لطفل داخل على تمن سنين، إنما النظام بتاعكم ده لا ينفع دينيًا ولا حتى نفسيًا
نكست عزة رأسها للأسفل وهي تقول:
-شكلك عاوز تمشيني ومكسوف تقولها لي في وشي يا باشا
-عزة...قالها بحدة وعينين تحذيرية تطلق شزرًا ليتابع بنبرة أكثر صرامة:
-أنا مبتكسفش يا ماما،ولو عاوز أمشيكِ هقولها لك في وشك ومش هتكسف منك
وتابع بحزمٍ:
-ما اتخلقش لسه اللي يخزيني
لوت فاهها وهمست بصوتٍ خافت لن يصل سوى لأذنيها:
-وإنتَ اللي زيك هيتكسف من إيه،فلوس أبوك المتلتلة مقوية قلبك يا أخويا،سيبوا الخزى والكسوف للغلابة اللي زينا
هتف بحدة وصرامة جعلت الرجفة تصيب جسدها:
-أكتر حاجة بكرهها في حياتي كلها هي البرطمة،يا تعلي صوتك وتتكلمي زي البني أدmين يا تسمعيني جمال سكاتك ومعاهم جمال خطوتك
شعرت بالإهانة من كلمـ.ـا.ته الحادة ونظراته الثاقبة لتنطق بخزىٍ وهي تتأهب للخروج:
-حاضر يا باشا
شعرت إيثار بنغزة بقلبها فور خروج عزة وهي مطأطأت الرأس لتنطق بنبراتٍ يملؤها اللوم:
-ليه كده يا فؤاد
إلتفت يتطلع عليها لينطق متعجبًا:
-بتسألي بجد؟!
-أنا عارفة إنها غلطت بس...لم يدعها لتكمل حديثها ليهتف بحدة أظهرت كم استيائه:
-ده مش غلطة يا إيثار،ده تعدى للحدود والخطوط الحمرا
ليسترسل بصرامة:
-تبقى إيه عزة بالنسبة ليوسف علشان تقرر منها لنفسها كده وتخليه يكلم بباه بدون علمنا،مين إداها الحق ده؟!
تنفست قبل أن تنطق باعتراضٍ ودفاعٍ عن من اتخذتها كأمٍ بديلة عوضًا لها:
-من فضلك يا فؤاد تتكلم كويس عن عزة،عزة أكتر حد وقف معايا وهي اللي ساعدتني في تربية إبني
رفع حاجبه الأيسر باستنكار لينطق شارحًا الوضع:
-طب يا أستاذة،أحب أقول لك إن البيه اللي عزة هانم إتصلت عليه وخلت إبنك يكلمه موجود حاليًا في قسم الشرطة هو وأبوه وإخواته
فغرت فاهها لتسألهُ بلهفة:
-إيه اللي حصل يا فؤاد
زفر بضيق ليخلع عنه المئزره ويقوم بتعليقه برتابة ثم تحرك لينضم إليها بالفراش،أخذ نفسًا عميقًا لينطق بهدوء:
-هحكي لك اللي حصل مع إني مكنتش حابب أو.جـ.ـع دmاغك بحكايات متخصناش
بدأ يقص عليها كل مادار تحت علمه وإمداده بكل المستجدات من قِبل رجـ.ـاله المراقبون لنصر وأنجاله الثلاث،وأيضًا أخبرها بقصة الأثار وزواج نصر السري لتشهق بصدmة وهي تستمع لينطق هو بنظراتٍ عاتبة:
-عرفتي أنا ليه بكلم الهانم بالطريقة دي
واسترسل مفسرًا:
-لأن ممكن في لحظة اللي اسمه عمرو يتهور ويعمل حركة من حركاته الزبـ.ـا.لة اللي زيه،ده واحد شايف إمبراطورية أبوه بتنهار فوق دmاغهم كلهم، واللي زي ده ممكن يهد المعبد على دmاغ الكل لو لقى نفسه بيخسر كل حاجة
أغمضت عينيها لتنهمر دmـ.ـو.عها كالشلال،إقترب عليها ليسألها بنبرة جاهد بقوة لتظهر هادئة عكس نار الغيرة الكامنة بأحشائه:
-دmـ.ـو.عك دي على مين يا إيثار؟
نطقت من بين شهقاتها التي تنم عن مدى تو.جـ.ـع روحها:
-على إبني يا فؤاد،لو عيشت عمري كله أتأسف له على سوء إختياري لابوه مش هيكفي
لتهز رأسها وهي تنطق وشعورٍ رهيب من الذنب يتخلل كامل جسدها:
-أنا مجرمة،ظلمت إبني ووصمته بأب فاشل وعيلة الإجرام بيجري في دmهم
سحبها لأحضانه وبدأ يحرك كفه الحنون فوق ظهرها ليجعل روحها تطمئن وتستكينُ،أخذ نفسًا مطولاً قبل أن يقول بصوتٍ مطمئن:
-إوعي تحملي نفسك فوق طاقتها وتحبسيها جوة دايرة الذنب،الموضوع كله مرتبط بالقدر وبعيد كل البعد عن الحسابات البشرية، محدش بيختار قدره ويحدده، ربنا هو اللي بيحدد لنا مصائرنا من قبل حتى ما نتولد
علت شهقاتها لتنطق بتأثرٍ:
-صعبان عليا يوسف قوي
ابتعد قليلاً ليحتوى وجهها وهو ينظر لها بعينين بغرامها هائمتين:
-يوسف هيتربى أحسن تربية وسط عيلته اللي بتحبه،ووعد مني عمري ما هفرق بينه وبين ولادي
لينطق وهو يحثها على السكون:
-إهدي بقى علشان خاطر ولادنا
أومأت له لينطق غامزًا وهو يحاول إخراجها من تلك المشاعر السلبية التي تملكت منها:
-ما تيجي نكمل اللي كنا بنقوله قبل ما البومة اللي إسمها عزة تقتحم علينا خلوتنا
لم يفشل منذ زواجهما بمحاولة إخراجها من همومها وسحبها لعالمهُ الخاص،فقد استطاع بالفعل جذبها بحديثه المشاكس لترتسم ابتسامة صادقة على ثغرها ليلثمه برقة نالت استحسانها وسحبتها داخل غيمة من المشاعر الرومانسية التي استولت على كلاهما من جديد
***********
أما عزة فخرجت من غرفتهما بقلبٍ حزين متألم من قرار فؤاد لتتوجه إلى حجرة يوسف، فتحت بابها والتقطت أشيائها الخاصة وهي تنظر للصغير بتأثر لتميل عليه تضع قُبلة حنون فوق جبهته ثم دثرته بالغطاء جيدًا وتركته وخرجت وقلبها صارخًا لأجله،نعم ليس من دmها لكنها اعتبرته حفيدها حيث كرست حياتها بالكامل للإهتمام به وبجميع شؤونه،هبطت درجات السلم على مضض إلى أن وصلت إلى غرفتها التي خصصتها لها عصمت منذ اليوم الاول لدخولها القصر إكرامًا لزوجة نجلها
أما بحجرة فريال وماجد الذي تحدث باستياءٍ ظهر جليًا على ملامحه:
-الباشا الكبير حطني في خانة اليك يا فريال،أنا كنت خلاص كلمت سمسار وبدأ يشوف لي شقة قريبة من شقة ماما،المشكلة إني بلغتها
واسترسل وهو يهز رأسه ببؤسٍ:
-هتقول عليا إيه الوقت
حاوطت كفيه بخاصتيها لتقول بابتسامة علها تستطيع سحبه مما يثقل كاهله:
-أنا مش عوزاك تشيل هم زعل طنط خالص،أنا متأكدة إنها مش هتزعل وكمان هتفرح لنا
زفر بضيق لشعوره الدائم بالإجبـ.ـار لكنه في النهاية لم يرى من تلك العائلة سوى كل الخير والإحترام لذا فهو مجبر هذه المرة أيضاً على الموافقة لاحترام رغبة علام بعدm إبعاد إبنته الوحيدة عن كنف عائلتها،لتتابع هي بحماسٍ وإصرار:
-أنا هاخد الأولاد وأروح بكرة أقضي معاها اليوم وافاتحها في الموضوع وإن شاءالله هقنعها،وهبعت أجيب غدوة سمك إنما إيه،ومن المطعم اللي هي بتحبه كمان،وإنتَ تعالى على هناك نتغدا ونكمل السهرة معاهم ونبقى نرجع أخر الليل
سألته بابتسامة ساحرة:
-قولت إيه يا حبيبي؟
إبتسم بحبورٍ بعدmا استطاعت حبيبته سحبه مما كان يؤرق روحه لينطق بنبرة حنون:
-وأنا أقدر أقول حاجة بعد كلام حبيبة قلبي وتخطيطها
واسترسل بمشاكسة:
-رايحة تبلفي امي بكلمتين وأكلة سمك يا فيري
-من فضلك بلاش تتدخل بيني وبين حمـ.ـا.تي...نطقتها وهي تُشيح بكفيها بطريقة جعلته يضحك بشـ.ـدة لتنطق بعدmا أخذت نفسًا عميقًا اظهر عمق مشاعرها:
-مش قادرة أوصف لك مدى الرُعب اللي حسيت بيه لما إيثار تعبت،مجرد فكرة إننا ممكن نخسر البيبي مرعـ.ـبة، كانت هتبقى كـ.ـسرة كبيرة قوي لـ بابا وماما
تنهد بهدوء ليقول بنبرة صادقة:
-الباشا والدكتورة ناس محترمة وقلوبهم نضيفة،وبيتقوا الله في كل خطواتهم،وأكيد ربنا مش هيخذلهم
-يارب يا ماجد،نفسي أشوف إبن لفؤاد وأضمه لحـ.ـضـ.ـني...قالتها بعينين متمنيتين لتتابع متأثرة:
-عارف إيه أكتر حاجة كانت تعباني ومقطعة قلبي لما قولت لي إننا هناخد شقة بعيد
تعمق بعينيها باستفسار لتنطق مسترسلة:
-إني مكنتش هتابع تربية أولاد فؤاد وأشوفهم وهما بيكبروا قدام عنيا
واسترسلت متحمسة:
-لكن خلاص، بابا حل لنا الموضوع ورضانا كلنا.
جذب رأسها ليقربها من فمه ليطبع قبلة بجبينها وهو يقول بنبرة تغلفت بالسكينة والحنو:
-الحمدلله يا حبيبتي،يلا ننام بقى علشان الوقت إتأخر
اومأت له فتمدد بجسده فوق الفراش لتسكن أحضانه ويضغط هو على زر جهاز التحكم بالإضاءة لينطفئ الضوء سريعًا ويهدأ الحبيبان لينعما بنومٍ هنيئًا.
***********
في الصباح
فاقت عصمت من نومها العميق فمنذ أن علمت من الطبيبة بأن الله قد مَن عليهم ووهب نجلها بصبي وفتاة وهي تشعر بحالة عجيبة من السكون والهدوء والراحة،ولذا فقد غطت في سباتٍ عميق ومتعة لم تشعر بها منذ سنواتٍ،نظرت بجوارها لتتفقد حبيبها وشريك العمر وهو يغط في سباتٍ عميق هو الأخر، وضعت كفها الحنون تتفقد وجنته وهي تقول بصوتٍ هادئ:
-حبيبي،إصحى يا علام
بدأ يفتح عينيه تدريجيًا لينظر لذات الوجه البشوش والذي لم يمل من النظر لوجهها الذي يبهج روحه ويبعث السرور داخل نفسه،خرج صوته متحشرجًا ليقول بابتسامة بشوشة:
-صباح الخير يا حبيبتي
بمجرد ما أن رأت ابتسامته حتى ارتجف قلبها فرحًا وهي ترد عليه:
-صباح الورد،يلى علشان تاخد الشاور بتاعك وتنزل تشوف ورداتك على ما الفطار يجهز
تمطأ باسترخاء واضح لينطق:
-الحمدلله نمت كويس قوي إمبـ.ـارح
أجابته بهدوءٍ وحكمة:
-ده علشان إطمنا على ولادنا،الكام يوم اللي فاتوا أنا وإنتَ كنا قلقانين من غضب فؤاد وغيرته على مـ.ـر.اته من ماجد،لكن إنتَ يا حبيبي حليت الموضوع بمنتهى العقل والحكمة والحل نال رضى الجميع
-الحمدلله يا عصمت...قالها وتحرك واقفًا لينطق بصوتٍ حماسي:
-هادخل أخد شاور سريع
ساعدته بتجهيز الحمام ثم ارتدت ثيابها وهبطت للأسفل لتتابع الإشراف على العاملات وتجهيزهن لوجبة الفطار التي تهتم بها جيدًا وبجميع عناصرها الغذائية للحفاظ على صحة أفراد أسرتها
***********
داخل حجرة المكتب الخاص بالضابط،ولج الضابط بصحبة العسكري ليجد كلًا من نصر وأنجاله الثلاث كلًا منهم يتخذ مقعدًا يغفو عليه بإرهاقٍ،تحدث العسكري بصوتٍ ازعج الجميع:
-إتفضل يا باشا
إعتدل نصر لينطق الضابط بحدة:
-طلعت وحسين وعمرو تقدروا تخرجوا وتروحوا بيتكم وإنتوا متطمنين،البلد محاطة بقوة أمنية ومحدش هيقدر يأذيكم،ده غير إن الشرطة قبضت على المجرم اللي ضـ.ـر.ب النار على القتيل واعترف عن اللي حرضه
إبتلع نصر لعابه ليسأله متوجسًا:
-وأنا يا سعادة الباشا؟!
رمقه بنظرة حادة قبل أن ينطق بثبات وقوة:
-إنتِ هتشرفنا هنا رسمي
جحظت أعين الجميع ليتابع الضابط مسترسلاً:
-طلع أمر من النيابة بالقبض عليك يا حاج نصر
ارتجف جسده ليسأله طلعت بقوة:
-ليه يا سعادة الباشا،هو أبويا عمل إيه؟!
نطق الضابط بحدة:
-القناص اللي ضـ.ـر.ب النار على هارون إعترف إن ابوك هو اللي دفع له علشان يقــ,تــله
صاح بصوتٍ حاد يدافع عن حاله:
-كـ.ـد.اب يا باشا،ده أكيد مزقوق عليا من أعدائي،جنابك عارف إن الإنتخابات على الأبواب وألف واحد يتمنى يوقعني علشان اتزاح من طريق منافسيني
نطق الضابظ بحزم:
-مفيش داعي للإنكار يا حاج نصر،الظابط اللي قبض على المجرم وجد بحوزته تسجيلات بأصوات كل اللي أجروه على حوادث الإغتيالات،يظهر كانت هواية عنده تسجيل الإتفاق بالصوت
إنصدm أنجاله ولم يقوى على الإنكار بعدmا ابلغه الضابط بوجود تسجيل صوتي له حيث اتفق مع قـ.ـا.تل مأجور ليتخلص من هارون ويدعي أن أعدائه استغلوا نقطة الخلاف بين العائلتين وقضوا على حياته لكن القدر وعدالة الله كانت أسرع،حيث لاحظ رجـ.ـال المعاينة وجود كاميرات بالشارع الذي حدثت به الجريمة ليجدوا رجلاً متخفي غريب الأطوار فتتبعوا تحركاته إلى أن وصلوا لمكانه وقاموا بتفتيش مسكنه ليعثروا على كنزٍ سمين سيكشف لغز كثيرًا من القضايا ويعيد فتح ملفاتها والتحقيق فيها من جديد،علمت عائلة ناصف بأن نصر هو القـ.ـا.تل وتأكدت شكوكهم فتحرك شقيقها محمد ومعه جميع رجـ.ـال العائلة لمنزل نصر،إصطفوا بأسلحتهم خلف شقيقها محمد الذي هتف بقوة واضعًا صلة القرابة والدm جانبًا:
-بصي يا بنت أبويا،إنتِ طبعاً عارفة عوايدنا وقانون عيلة ناصف وعارفة إن اللي بيلمس شعرة من حد من عيلتنا بنصفي بيته كله ولازم البيت يخرب، بس علشان صلة الدm اللي بينا إحنا مش هنقدر نأذي ولادك، لأن للأسف حاملين دmنا إحنا كمان
كانت تقف قبالته تتقدm أولادها الثلاث بقلبٍ ولأول مرة يرتجف ويخشى بشرٍ، ليتابع محمد بقوة وعينين حادتين كالصقر:
-بس ده ميمنعش إن بيت نصر لازم يتزال من أساسه وكل اللي فيه يتشردوا
نطقت بعينين قوية وصوتٍ حاد عكس ما يسكن روحها المرتعبة:
-هتشرد أختك وولادها يا حاج محمد، هي دي أمانة أبوك اللي سابها لك؟
هتف بقوة:
-أمانة ابويا تخصك إنتِ وبس،وإنتِ الوحيدة اللي ليكِ الامان والحماية عندي
طلعت وحسين وعمرو،هتسيبوا البلد ومحافظة كفر الشيخ كلها حالاً وملكوش نزول تاني لحد ما أرواحكم تروح عند اللي خالقها،حريمكم وعيالكم سبوهم عند اهاليهم لحد ما تلاقوا شغل وكل واحد فيكم يعرف ياخد مكان يعيش فيه مـ.ـر.اته وعياله،ولما ده يحصل أبو كل واحدة منهم يوصلها هي وعيالها لحد عنده لأن زي ما قولت رجلكم مش هتخطي أرض المحافظة تاني
ونطق بحدة:
-طبعاً ده لو أهالي حريمكم عاوزين كده،كل واحد منهم ليه الحرية في إنه يخلي بنته على ذمتكم ولا يطـ.ـلقها
هتف طلعت بغضبٍ عارم وغطرسة:
-قانون عيلتكم يمشي عليكم يا خال،محدش هيقدر يطلعنا من بيت أبونا وبيت الحاج نصر هيفضل مفتوح بحس عياله الرجـ.ـا.لة وأحفاده العمر كله
صاح محمد بثبات وملامح حادة مخيفة:
-إتكلم على قدك يا طلعت وبلاش تقول كلام يخليني أنسى إنك إبن أختي
صاح عمها محمود بصوتٍ أرعـ.ـب أوصالها:
-عقلي عيالك بدل ما نتصرف إحنا يا إجلال،خليهم يمشوا بكرامتهم بدل ما نطلعهم متكتفين ونخليهم فرجة للي يسوا واللي ميسواش
نزلت دmـ.ـو.عها ولأول مرة تشعر بالذل والإنكسار لتنطق متوسلة:
-أحب على إديكم تسيبوا ولادي في البلد،سبوهم وأنا هديكم نص اللي يملكه نصر
ابسم شقيقها الأصغر ساخرًا لينطق:
-إستني لما تسمعي باقي الشروط يا إجلال
ابتلعت لعابها ليكمل محمد:
-أرض نصر وفلوسه كلها هتتحول لعيال هارون ومـ.ـر.اته، والبيت ده هيتقفل ويبقى خرابة تعشش فيه الوطاويط علشان يبقى عبرة لمن يعتبر
-وأنا هعيش فين لما تقفل بيتي يا حاج محمد؟!...سؤال نطقته بعينين تطلق شزرًا ليجيبها بهدوء:
-هتعيشي عندي معززة مكرمة،بيت أخوكِ أولى بيكِ
اتسعت عيناها بقوة قبل أن تنطق بذهول:
-هتاخدني بيتك لمراتك تتحكم فيا يا محمد؟، وبعد ما كنت ست البيت والبلد كلها هستنى لقمتي من تحت إيد مراتك؟!
هتف بحدة وصرامة:
-الموضوع ده مفهوش نقاش يا إجلال، بيت نصر لازم يتقفل ويتحول لخرابة علشان نرد هيبتنا قدام الناس
نطق حسين يستعطف خاله:
-علشان خاطر ربنا إديني أمي أخدها معايا يا خال
ليهتف عمرو بقوة ورعونة:
-هو أنتَ هتتحايل عليهم يا حسين،ماما هتمشي معانا والراجـ.ـل فيكم يوريني نفسه
شـ.ـد إبن خاله أجزاء سلاحه ليستعد لإطـ.ـلا.ق الرصاص قبل أن يهتف بحدة وغضبٍ وكبرياء:
-أنا هوريكِ الرجولة على حق يا جوز سُمية
أوقفه والده قائلاً بحدة:
-خلاص يا سليم
رد سليم بغضبٍ عارم:
-إنتَ مش سامع كلامه اللي يفور الدm يا ابا
اجابه والده متهكمًا على عمرو:
-وإحنا من إمتى بناخد على كلام العيال ونحاسبهم عليه يا سليم
هاج الجميع وتعالت الأصوات لينطق طلعت وهو يجذب شقيقه الارعن هو وحسين بعدmا تفاقم الموقف وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة:
-خلاص يا خال،إحنا رضينا بحكمك وهنمشي، بس على الاقل خلونا ناخد الفلوس اللي في خزنة أبويا وانتوا خدوا الأرض والمزارع
كان نصر يضع جميع أمواله الطائلة بخزنة كبيرة داخل غرفة لكي لا يضعها بالبنوك وتأتي الهيئة العامة للرقابة المالية وتسأله السؤال الشهير....من أين لك هذا
نطق عمها بقوة مستهزئًا:
-ومن إمتى أبوك كان عنده فلوس يا طلعت،أبوك لما أتقدm لجدك ناصف علشان يتجوز أمك كان حتة موظف كحيان محلتوش غير الكام جنية اللي بيقبضهم أخر كل شهر واللي مكنوش بيكفوه العيش الحاف،لعب على بنت الحاج ناصف وخلاها تتعلق بيه وفضلته عن كل شباب العيلة اللي تقدmوا لها إكمنه متعلم وبيلبس بنطلون وقميص،جدك ناصف هو اللي نضفه وعمل له قيمة بين الخلق،وفلوسكم اللي فرحانين بيها دي بتاعت عيلتنا وأهو الحق رجع لأصحابه
تنفس محمد ليكمل على حديث عمه:
-الفلوس والارض كلها هتروح دية لـ أولاد الحاج هارون اللي أبوك غدر بيه وبينا كلنا وعض الإيد اللي إتمدت له
نُفذ الحكم وخرجت إجلال لمنزل شقيقها والنساء بأطفالهم لمنزلي والديهما تحت دmـ.ـو.عهما وصرخات الأطفال المرتعبة لتأخذ مروة زينة معها فقد رفضت التخلي عنها،وأجبروا الثلاث رجـ.ـال على الخروج من البلدة تحت مرأى ومسمع أهالي البلد أجمعين حيث تجمعوا بناءًا على رغبة عائلة ناصف كي يشهدوا على خروج أنجال نصر وهم أذلاء كي يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه ويحاول الإقتراب من تلك العائلة وأفرادها الجبابرة، كل هذا تحت نظرات أهالي البلدة الشامتة في نصر وأولاده حيث تجبروا كثيرًا وانتشر ظلمهم واليوم هو يوم الحصاد
**********
مساء اليوم التالي داخل منزل غانم الجوهري
حضر أيهم من القاهرة محملاً بالهدايا للجميع وجميع أنواع الفاكهة وأصناف الحلوى المحببة للأطفال وساعدته سيارة إيثار لجلب كل تلك الأشياء،استقبله الجميع بحفاوة شـ.ـديدة لتنطق منيرة بعد تبادل السلام والأحضان والقبلات الحارة:
-إيه يا ابني اللي جايبه ده كله، حـ.ـر.ام عليك بهدلت المرتب
أجابها مبتسمًا وهو يرى سعادة الاطفال والكبـ.ـار من حوله:
-خير ربنا كتير يا ماما، الحمدلله سيادة المستشار فؤاد خلى عمه حدد لي مرتب مفيش شاب في سني مهما كانت وظيفته بيقبضه
لم تعلم لما أصابها كلام نجلها بالحـ.ـز.ن العميق بدلاً من أن تسعد لأجله لتنطق نوارة وهي تتفقد ملابس أطفالها الذي جلبها لهم أيهم:
-ربنا يسعده ويدي له على قد قلبه الطيب،إيثار غلبانة وربنا كرمها ورزقها براجـ.ـل باين عليه إنه إبن حلال وبيحبها
هتف أيهم بسعادة ونبرة حماسية:
-لو شفتوا العيشة اللي عايشاها إيثار،جنينة القصر اللي عايشة فيه قد نص مساحة أرض بلدنا،ولا أهل جوزها،شايلينها هي وإبنها من على الأرض شيل
نطق وجدي بصوتٍ يملؤه الحـ.ـز.ن والخزي:
-ربنا يسعدها ويعوضها خير
نطق بتأكيد:
-عوضها يا وجدي، إيثار حامل في توأم وعلى الفرحة اللي كانوا فيها أهل جوزها لما عرفوا،أصل فؤاد كان متجوز قبل كده ومخلفش
ضيق عزيز عينيه ليسألهُ متعجبًا:
-هما معندهمش عيال خالص؟!
نطق وهو يتناول واحدة من حباة الشيكولاتة ويزيل غلافها ويقتضم منها:
-أبو فؤاد معندوش عيال غير فؤاد واخته،وأخته عايشة معاهم في القصر هي وجوزها وعندهم ولد وبنت
رفع عزيز أحد حاجبيه بإعجاب لينطق:
-البت دي محظوظة من يومها، دخلت بيت نصر وجابت لهم الولد اللي طير عقل نصر وستهم وبقى هو اللي هنا وهو اللي هناك، والوقت حامل في توأم هتقش بيهم خير الراجـ.ـل كله
نطقت نوارة بصوتٍ حزين لأجل الصغير:
-ربنا يستر وحظهم ميطلعش زي حظ يوسف في أهله
سأل أيهم باهتمام:
-هو إيه اللي حصل للحاج نصر وعياله، وانا داخل البلد قابلت واحد صاحبي ركبته معايا لحد شارعهم،حكى لي شوية تفاصيل كده مفهمتش منهم قوي
قص عليه شقيقاه ما حدث لينطق مؤنبًا عزيز:
-شوفت حكمة ربنا من اللي حصل يا عزيز،أبويا أصله كان راجـ.ـل طيب وبتاع ربنا،دعواته قعدت لنا وربنا بعد عننا الشر والمال الحـ.ـر.ام
هز عزيز رأسه فقد تغير نسبيًا بعد حادثة زوجته وتقرب من الله أكثر وواضب على إقامة الصلوات بأوقاتها داخل المسجد لتنطق منيرة بحمدٍ:
-الحمدلله يا ابني إن ربنا بعدنا عن سكتهم، كان زمان همهم وشر عيلة ناصف طايلنا
ثم صمتت لتسأله بنبرة حرجة:
-أختك عاملة إيه في الحمل،بتروح لها وتشوفها؟
هتفت بصوتٍ حماسي:
-زي الفل يا ماما،كنت معاها من يومين،حمـ.ـا.تها ست محترمة وبتعاملها زي بنتها بالظبط،وعزة معاها على طول مبتسبهاش لا هي ولا يوسف
ضحك عزيز لينطق:
-لهي إيثار أختك خدت الولية البومة دي معاها القصر؟!
2
نطق أيهم بنبرة جادة مفتخرًا بشقيقته:
-إيثار أصيلة تربية غانم الجوهري، هي الوحيدة اللي خدت كل خِصاله الطيبة، الله يرحمك يا بابا
ردد الجميع بتأثر:
-الله يرحمه
-ربنا يهدي سرها...جملة نطقها عزيز بتأثر ليؤمن الجميع لينطق أيهم متحدثًا إلى والدته عنـ.ـد.ما رأى الحـ.ـز.ن يخيم على عينيها:
-جرى إيه يا أم عزيز،إحنا هنقضي الليلة في الكلام ومش هتأكلينا ولا إيه،ده أنا بحلم بالبط والمحشي بتوعك من أول إمبـ.ـارح
واسترسل بمشاكسة كي يخرجها من تلك الحالة التي لا تليق بمنيرة الجاحدة:
-ولا تكوني استخسرتي الدكرين بط فيا وبعتيهم يا أم عزيز
أطلق الجميع ضحكاتهم لتنطق بنبرة حنون:
-أبيعهم ليه يا ابني،هما اللي هياكلوهم أحسن منكم
وهبت واقفة بعدmا وضعت الاكياس المحملة بهداياها جانبًا لتقول وهي تحث نوارة على النهوض:
-قومي معايا يا نوارة علشان نغرف الأكل
نطق عزيز وهو يحث صغيرتيه إحداهما البالغة من العمر عشرة أعوامًا والأخرى ثمانية أعوام على مساعدة جدتهما وزوجة عمهما:
-قومي يا چودي إنتِ وسما هاتوا الطبلية وإملوا شفاشق الماية وهاتوها
أطاعت الفتاتين والدهما وتحركتا لتنفيذ ما قال وبعد قليل كان الجميع يلتفون حول الطاولة الأرضية يفترشون الأرض يضحكون وهم يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم ويتناولون طعامهم الحلال والذي يرجع أصله لسعي والدهما بشرفٍ في الدنيا كي يجمع ثمن قطعة الأرض الصغيرة حيث بـ.ـارك الله له فيها واستطاع من رزقها أن يدخل جميع أنجاله التعليم ويقدmهم للمجتمع كنموذج مُشرف،قد يشرد البعض منهم أحيانًا لكنه يعود لأن منبع مأكله حلالاً طيبًا وهذا وعد الله لعباده الطيبين.
**********
تناولت طعام العشاء بصحبة العائلة لتتحرك مع علام ويوسف وبيسان إلى الحديقة للتمشية بعدmا ولج فؤاد داخل حجرة المكتب كي يراجع ملفًا هامًا خاص بعمله،وتوجهت عصمت لقضاء صلاة العشاء حيث تأخرت اليوم عن أدائها بموعدها،أما فريال وماجد فصعدا لجناحيهما
أغمضت عينيها لتأخذ نفسًا عميقًا باستمتاع بتلك الروائح العطرة حيث اختلطت روائح الزهور والنباتات العطرية التي يهتم علام برعايتها لتنطق بعدmا فتحت عينيها وهي تسير بجانبه تتفقد الزهور:
-نوع الورد الأخير اللي حضرتك جبته تحفة يا بابا
نطق سريعًا بنبرة حماسية:
-شوفتي،مكنش عاجب البيه جوزك
نطقت باستهجان:
-معقولة،دي ريحته تهوس
أسرعت بيسان لتهتف إلى إيثار بصوتٍ مترجي:
-أنطي إيثار،خلي يوسف يرد عليا
تطلعت لذاك الجالس فوق الأرجوحة مربعًا ذراعيه ويهز ساقيه بحدة تنم عن مدى غضبه لتسألها باهتمام:
-وهو يوسف مش بيرد عليكِ ليه؟!
رفعت الصغيرة كتفيها لتنطق:
-علشان إتكلمت مع شادي اللي معانا في تمرين السباحة
ابتسمت ليشير لها علام قائلاً:
-روحي حلى مشكلة الشرق الأوسط بعيد عني علشان مصدع،وربنا معاكِ
ضحكت لتمسك كف الصغيرة وتتجه صوب نجلها وهي تقول:
-مزعل بيسان منك ليه يا چو؟
نطق الصغير متذمرًا بملامح وجه مستاءة:
-لو سمحتي يا مامي،خليها تبعد عني لأني مخاصمها ومش عاوز أكلمها
مطت الصغيرة شفتيها ببؤسٍ لتسأله إيثار:
-ليه كل الزعل ده
نطق بقوة وهو يرمقها بنظراتٍ عاتبة:
-علشان قولت لها قبل كده مش تتكلمي مع السخيف اللي إسمه شادي وهي مش سمعت كلامي
-خلاص يا چو،مش هكلمه تاني...نطقتها متأثرة بعينين واعدة ليسألها بتوجس:
-وعد يا بيسان؟
-وعد يا چو...قالتها بعينين أسفة ليبتسم لها سريعًا ويترجل من فوق الارجوحة وهو يسحبها من كفها:
-تعالي نلعب عند حوض الورد بتاعي
ضحكت إيثار لتنظر باتجاه علام فوجدته يتحدث مع فؤاد الذي خرج للتو:
-حضرتك عامل إنجاز في الجنينة يا باشا
تطلع على نجله ليرفع حاجبه وينطق متباهيًا:
-الإنجاز الحقيقي إنتَ اللي عملته يا سيادة المستشار
واسترسل قاصدًا توأمه:
-أما من أول جولة بتجيب جونين أومال هتعمل إيه في باقي الجولات يا باشا
رفع قامته ليعدل من ياقة قميصه قبل أن ينطق بتفاخر مصطنع:
-هو أنا مش قولت لجنابك إني هبهرك
-وقد كان معاليك...نطق بها علام سريعًا لتنطلق ضحكاتهما التي وصلت حد القهقهة لتسأل تلك التي أقبلت عليهما:
-ممكن تضحكوني معاكم
فتح ذراعه ليستقبلها بأحضانه فلم تدع فرصة للتفكير واقتربت عليه ليحتويها مقبلاً جبهتها ليتحدث علام:
-جوزك عندك إبقي إسأليه
ألقى من يده رشاش المياه لتسأله بعدmا رأته يستعد للإنسحاب:
-رايح فين يا بابا؟
-هطلع أغير هدومي علشان تراب الزرع وهنزل تاني...قالها وانسحب لتتطلع على حبيبها الذي بدأ يسير بجانبها:
-مش هتقول لي كنتوا بتضحكوا على إيه؟!
نطق بما أثار فضولها:
-تؤ،كلام رجـ.ـا.لة عيب تسمعيه
مطت شفتيها ببؤسٍ مصطنع لتنطق بإلحاحٍ:
-وحياتي تقول لي، نفسي أعرف حوارات الرجـ.ـا.لة
اتسعت عينيه ليقول بذهول:
-أخلاقك إتغيرت خالص يا إيثار،بقيتي بجحة يا بابا
لكزته في صدره ليهمس بجانب أذنها:
-سيبك بقى من الكلام الفاضي ده وخلينا في المهم،أنا عازمك على سهرة حلوة في الچاكوزي
نطقت بتذمر وعندٍ:
-مش رايحة معاك في أي حتة غير لما تقول لي إنتَ وبابا كنتوا بتضحكوا على إيه
نطق وهو يضمها لصدره ويحثها على التوجه لغرفة الچاكوزي:
-ما هو ده المكان المناسب للكلام في المواضيع دي
قطبت جبينها تسألهُ:
-قصدك إيه؟!
-تعالي بس معايا وهقول لك على كل حاجة وإحنا بنبدل هدومنا...قال كلمـ.ـا.ته وهو يسحبها لتفلت يدها من يده وهي تقول بنبرة خجولة:
-فؤاد،أنا عاوزة أكل حاجة
توقف لينطق سريعًا:
-عيوني يا بابا،شوفي عاوزة تاكلي إيه وأنا أخليهم يجهزوها لك في المطبخ حالاً
تحدثت وهي تبتلع لعابها بتلبك:
-الحاجة اللي نفسي فيها مينفعش يجهزوها في المطبخ
ضيق بين عينيه لتنطق بتردد:
-أنا نفسي في الفسيخ والملوحة قوي
-نعم!...قالها بذهولٍ لينطق سريعًا:
-على جثتي عيالي ياكلوا القرف ده
نطقت وهي ترمقه بازدراء:
-قرف،بقى الفسيخ قرف؟!
نطق بجدية ترجع أسبابها لخوفه الشـ.ـديد على صحة جنينيه:
-إيثار متهزريش،الحاجات دي مش صحية وأنا مستحيل أخاطر بصحة ولادي وبقائهم، شوفي أي حاجة غيره إن شالله يكون لبن العصفور
سألته بعينين تطلق سهامًا نارية:
-ده اخر كلام عندك؟
أجابها بجدية:
-ومعنديش غيره
-طيب يا فؤاد...قالتها وهي تكز على أسنانها لتنطلق مهرولة باتجاه باب المنزل الداخلي لينطق مناديًا عليها:
-إيثار،طب إرجعي نتفاهم
رأها تدخل من البوابة لتختفي خلفها وينتهى الأمل لينطق وهو يشير لغرفة الچاكوزي:
-طب والچاكوزي يا حبيبي
وضع كفيه داخل جيباي بنطاله لينطق وهو يهز رأسهُ باحباطٍ:
-كدة السهرة اتضـ.ـر.بت وبسبب سمكة معفنة
**********
داخل الحجز الخاص بقسم الشرطة المتواجد داخل المركز
كان يدور حول حاله كالثور الهائج بعدmا علم بما حدث لأنجاله الثلاث على يد عائلة ناصف،فغدًا سيترحل على القاهرة لبدأ التحقيق معه في النيابة العامة استعدادًا لمحاكمته عن طريق القضاء العالي،لم يستوعب الخبر بعد، أيعقل ما حدث لأبنائه وثروته الطائلة التي عاش حياته يسعى ويلهث لجمعها من أي جهةٍ كانت حلالاً أو حـ.ـر.ام،كلما تخيل مشهد طرد انجاله من البلدة بمنتهى الإهانة يفور دmه داخل عروقه لتنفر بشـ.ـدة جعلت من يراه يتيقن أنه على وشك إصابته بجلطة دmاغية اتية لا محال ،هو من كان يجبر البشر على الرحيل وكم من أسرٍ تشردت على يده هو ونجله طلعت، واليوم عليه تسديد ديونه لكنه لم يقبل بحكم الله وقدره فقد ثار وهاج وصاح بكامل صوته يسب ويلعن عائلة ناصف وبالكاد كظم غيظه بعدmا تعرض للإهانة اللفظية على يد العسكري الذي كان يعظم له بالماضي كلما حضر إلى القسم ليعطي له عدة ورقات مالية كهبةٍ منه ليسددوا له الخدmـ.ـا.ت ويقدmوا الإحترام والتعظيم والولاء كي يرضي غروره وكبرياءه،الأن اصبح مجردًا من المال الذي كان يجعل له قيمة بين البشر ليتحول بدونهُ إلى نكرة إمعة يهينه كل من هبّ ودَبّ من رواد الحجز،إقترب من أحد الرجـ.ـال الذي يملك هاتفًا يؤجره للمساجين وتحدث بجدية:
-عاوز أعمل تليفون
رد الرجل وهو يتطلع عليه باشمئزاز:
-مكنش ينعز،إنتَ راجـ.ـل مفلس والشحن ده بيجيني بالشئ الفلاني
نطق بثقة بعدmا قرر أن يهاتف مهرب الأثار كي يبعث له بقوة تقتحم سيارة الشرطة التي ستقله غدًا إلى القاهرة وتساعده على الهرب ومقابل هذا سيهبه مقبرة فرعونية يلهث حولها كل من يعمل بهذا المجال وهو الوحيد الذي عثر على مقرها ويحتفظ به لحاله:
-هتصل بناس مهمة علشان يساعدوني أخرج، وساعتها هغرقك فلوس
سال لعاب الرجل ليخرج الهاتف سريعًا ويناولهُ إياه متأملاً في الحصول على رزمة من أموال ذاك الثري الطائلة، أخذ الهاتف وخبأهُ داخل ملابسه وانتظر حتى تأخر الليل وغفى الجميع،تحرك إلى الحمام ليتحرك خلفه رجلاً ضخم البنية الجسدية كان يراقبه عن كثب وقبل أن يضغط على زر الهاتف كان الرجل خلفهُ مكممًا فمه بقوة ليقوم بطعنه بعنفٍ غارسًا نصل السكين المدبب بكليته وبات يحركهُ يمينًا ويسارًا كي يمزق الكلية بالكامل ويصيبها بالنـ.ـز.يف ثم مال على أذنه ليهمس بشمـ.ـا.تة:
-الست أزهار مرات المرحوم هارون بيه بعتالك التحية دي،وبتقول لك السلام أمانة لهارون بيه
جحظت عينيه لتنزل دmـ.ـو.عهُ وهو ينظر أمامهُ بعدm استيعاب لما جرى ليرتمي فوق الأرض ويلفظ أنفاسه الأخيرة لتكون نهايتهُ من داخل أحد مراحيض السجون المليئة بالحشرات والقاذورات والروائح الكريهة،تأكد الرجل من مـ.ـو.ته ليصعد على أحد البراميل ويلقي بالسكين والقفازين التي ارتداهما أثناء إرتكابه للجريمة لاخفاء البصمـ.ـا.ت من حديد النافذة ليلتقطهم أحد الرجـ.ـال ويفر هاربًا كي يخفي أثر السلاح المرتكب به الجريمة،تلصص الرجل على الجميع ليجدهم غارقون بنومهم ليتحرك على أطراف أصابعه ويعود لمكانه يمثل النوم كالبقية.
↚
دقت الساعة الخامسة والنصف صباحًا، بالكاد شق ضوء الصباح ليزيل عتمة الليل الغامق وينثر نور الصباح على الأرض،خرجت من منزلها ترفع قامتها لأعلى بكبرياءٍ بعدmا أوفت بعهدها وزُفت إليها البشرة التي انتظرتها منذ أن تلقت صدmة خبر مقـ.ـتل زوجها،يجاورها نجليها حاملين سلاحيهما ليتوجها صوب منزل الحاج محمد ناصف،وقفت أمام المنزل لتدق الباب بقوة وثبات والسعادة تعلو ثغرها، فتحت العاملة الباب لتنطق السيدة أزهار بصوتٍ مرتفع:
-إندهي لي الحاج محمد وإجلال
-البيت كله لسة نايم يا ست أزهار...قالتها العاملة وهي تطالعها باستغراب لتهتف الأخرى بصوتٍ يملؤه الحماس:
-النايم يصحي
لتستدير لنجليها وهي تشير إليهما وتعطي لهما إشارة البدأ:
-زفوا البشارة وعرفوا البلد كلها إن ولاد الحاج هارون خدوا بتاره
إنطلق صوت إطـ.ـلا.ق الأعيرة النارية لتفزع تلك التي تجلس فوق تختها في الحجرة التي خصصها لها شقيقها محمد تبكي وتنتحب غير مستوعبة ما حدث لزوجها وأنجالها،قفزت من فوق الفراش وهرولت للخارج كـ جميع سكان المنزل الذين فزعوا من نومهم على إثر صوت الطلقات المتتالية بكثرة،خرج محمد ليجد أزهار تلف عباءة زوجها المغدور حول كتفيها بفخرٍ لتتحدث بنبراتٍ تقفزُ من بينهم السعادة:
-إبعت هات ولاد إعمامك وإنصبوا صوان العزا يا حاج محمد،النهاردة بس ولاد الحاج هارون هيرفعوا راسهم في وسط البلد وياخدوا عزا أبوهم
ضيق بين عينيه لينطق بعدm استيعاب:
-إيه اللي حصل يا أزهار؟!
وجدت إجلال تهرول عليهما لتجاور شقيقها فابتسمت بشـ.ـدة بينت صفي أسنانها لرؤيتها لانكسار تلك الجبروت حيث ظهر الحـ.ـز.ن جليًا على ملامحها وجفنيها المنتفخين ووجهها الذابل لتنطق من بين أسنانها بتشفي وهي ترمق من كانت السبب الرئيسي في مـ.ـو.ت زوجها:
-وعدتك ووفيت يا إجلال،أينعم الدفنة مكانتش واحدة، بس مش مهم،الفرق كله ليلة
تزلزل كيانها وتملك الرعـ.ـب من قلبها وعلى الفور شعرت بنغزة قوية تقتحم منتصف صدرها لتهتف مستفسرة بصوتٍ مرتجف خشيةٍ تصديق الأخرى على حِثها:
- قصدك إيه يا عقربة؟!
إقتربت الأخرى عليها لتقترب حتى لفحت أنفاسها الحارة المليئة بالحقد وجنة الأخرى:
-البقية في حياتك في الكـ.ـلـ.ـب نصر، روحة النجسة راحت للي خالقها
إتسعت أعين الحاج محمد ليردد بذهول منبهرًا بقوة تلك المرأة الشجاعة التي إقتصت لزوجها بكل قوة وشجاعة:
-خدتي بـ تارك يا أزهار؟!
إبتعدت قليلاً لتجيبه بفخر:
-وريحت جوزي في تربته يا حاج محمد،جهزوا صوان العزا
لتكمل بسخرية وهي تطالع تلك المكـ.ـسورة التي تجبرت على الجميع من ذي قبل:
-الحاج هارون هيتعمل له أحسن صوان عزا متعملش لمأمور المركز السابق بذات نفسه
لتتابع بشمـ.ـا.تة وقهرة قلب زوجة فقدت سندها وزوجها الحبيب:
-والكـ.ـلـ.ـب اللي غدر بيه هيندفن من سكات،مفيش مخلوق سواء من البلد ولا براها هيمشي في جنازته
استفاقت وعادت لوعيها لتهجم عليها كما الأسد الجائع وهي تقبض بكفيها حول عنقها بقوة وتجذبها لداخل المنزل لتصرخ بصوتٍ مرعـ.ـب كزئيرُ الأسد من يستمع له يعتقد أنها ستحرق الأخضر واليابس وكل ما يطالها:
-قــ,تــلتي نصر يا بنت الـ...،أنا بقى اللي بوعدك إن دفنتك هتكون قبل دفنة جوزي
هرولت زوجة شقيقها "شريفة" لتجذبها بقوة من بين يديها وهي تقول بحدة:
-سبيها يا مـ.ـجـ.ـنو.نة، الست هتمـ.ـو.ت في إيدك
إزدادت ضغطت قبضتيها بقوة أكبر لتشهق المرأة التي تحولت عينيها بلون الدm وكادت أن تزهق روحها وهي تهتف بغلٍ لتُبعد زوجة شقيقها:
-إبعدي أحسن لك يا شريفة وبلاش تكسبي عداوتي
هرول محمد ليفك قبضة تلك المتجبرة وينقذ أزهار التي سعلت بشـ.ـدة لتهتف شريفة زوجة محمد وهي تشير لزوجة نجلها:
-هاتي كباية ماية لعمتك أزهار بسرعة يا آية
هرولت تلك الـ آية لتجلب كوبًا من الماء فاختطفته شريفة لتتحدث بلهفة واهتمام وهي تقربه من فم أزهار لترتشف منه القليل:
-إشربي لك بق ماية وخدي نفسك يا أزهار
كانت تتطلع على زوجة شقيقها وهي تُكرم قـ.ـا.تلة زوجها وتهتم بها دون أدنى إحترام لمشاعرها أو خوفًا منها كالسابق،اشتعل جسدها نارًا وباتت عروقها تنفر ولولا شقيقها الذي يقيدها بذراعيه ويشل حركتها لكانت انقضت عليها لتنهي حياتها،رفعت أزهار عينيها المشتعلة لتتقابل مع خاصتاي إجلال المستعيرة لتنطق الأخيرة بحدة من بين أسنانها مما يدل على مدى ما يسكن قلبها من غضبٍ عارم:
-مش هسيبك يا أزهار،هدفعك التمن غالي،وروحك مش هتكفيني علشان انتقم لنصر
وإلى هُنا لم يعد يتحمل شقيقها تجبرها أكثر فقد طفح الكيلُ وأمتلئ لذروته،دفعها بقوة ترنحت على إثرها حتى أنها كادت أن تسقط أرضًا لولا قوة بنيانها،رفعت عينيها تتطلع عليه ليهتف هو بعينين تقطرُ غضبًا وكُرهًا:
-كفاية بقى يا شيخة،إيه الفُجر والبجاحة اللي إنتِ فيهم دي،مكفاكيش اللي حصل،بتتهجمي على واحدة خدت حق جوزها اللي اتغدر بيه من ناكر الجميل الوا.طـ.ـي اللي مطمرش فيه خيرنا وعيشنا وملحنا
اتسعت عينيها وهي ترمقه بحدة متسائلة بذهولٍ وعدm استيعاب:
-إنتَ بتقول لي أنا الكلام ده يا حاج محمد؟!
رمقها باشمئزاز لينطق بصرامة وهو يشير بسبابته محذرًا:
-إسمعي يا بنت أبويا الكلام اللي هقوله ده وأحفظيه لأني مبحبش أعيد كلامي وإنتِ عارفة كده كويس،إسلوبك القديم اللي كنتي بتتعاملي بيه مع الكل تنسيه خالص
رفع قامته لأعلى لينطق بحدة وحسم:
-زمنك عدى وفات يا إجلال،إحنا كنا مكبرينك ومكبرين جوزك إكرامًا لأبوكِ الله يرحمه وكمان علشان ثقتنا في حكمتك وعقلك اللي ورثتيهم عن الحاج ناصف
ليكمل وهو يهز رأسه بيأسٍ:
-بس بعد اللي عملتيه وتخطيتك اللي ضيع الحاج هارون وكـ.ـسر هيبتنا في البلد،ملكيش عندنا غير النومة واللقمة وأكتر من كده مـ.ـا.تتعشميش،وده إكرامًا لأبوكِ الله يرحمه،لولاه كنت اتصرفت معاكِ تصرف تاني بعد المصيبة اللي حطيتي العيلة كلها فيها
شاح بوجههِ للجهة الأخرى مناظرًا لزوجته تحت اتساع بؤبؤ عيني إجلال التي تستمع لكلمـ.ـا.ت شقيقها المُهينة وتشعر كأنها داخل كابوسًا يطبق على أنفاسها يكاد يخرج بروحها معهُ،هتف بقوة زلزلت المكان:
-خديها على أوضتها وإقفلي عليها بالمفتاح لحد اليومين دول ما يعدوا وهي ترجع لعقلها
واشار بإصبعيه السبابة والوسطى:
-الباب مـ.ـيـ.ـتفتحش إلا لسببين،أولهم صينية الأكل اللي هتدخليها لها في ميعاد كل طقة،أو دخول الحمام، ودول السببين اللي هسمح بيهم، غير كده إنتِ اللي هتتحاسبي لو كلامي ما اتنفذش بالحرف
ترك النساء وتحرك للخارج ليهنئ نجلاي هارون وتحدث بعلو صوته أمام الجمع الذي تجمع على إثر أصوات طلقات النار:
-صوان عزا الحاج هارون هيتنصب الليلة دي يا أهل البلد، وزي ما قالت الحاجة أزهار من شوية، الصوان هيتنصب لمدة تلات ليالي
واسترسل بسبابته مهددًا:
-وكلمة واحدة من اللي حصلت هنا تخرج برة البلد ولا توصل لضابط المركز إنتوا عارفين،عيلة ناصف مبتقبلش بالخـ.ـا.ين وسطيهم
هز الجميع رؤسهم بطاعة خشيةً بطش تلك العائلة المتجبرة ليشير لهم بالإنصراف فتحرك الجميع كلٍ لوجهته، بالداخل وقفت أزهار بقوة بعدmا استعادت انتظام تنفسها لتتطلع عليها بقوة منتصر وهي تقول بتشفي:
-شرك وحقدك قضوا على جوزك وشردوا لك عيالك،بإيدك خربتي بيتك بعد ما شيطانك وزك ودي كانت نهايتك اللي الناس هتتحاكى بيها لسنين قدام ويغنوها على الربابة
واسترسلت بقلبٍ يتمزق:
-ربنا عادل وميرضاش بقهرة المظلوم،وإنتي وجوزك ياما اتجبرتوا وافتريتوا وظلمتوا
كادت أن تهجم عليها فقيدتاها شريفة وآية وسحباها إلى حجرتها عنوةً عنها تحت صرخاتها المعترضة على تلك المعاملة،اوشكت على الإصابة بالجنون بعد أن وصل بها الحال إلى إهانتها مِن مَن كانوا بالماضي يخشون نظراتها ويقدmون لها فروض الولاء والطاعة كي ترضى عنهم، فمابالك بأوامرها، فسبحان الله المعز المذل.
نصب سرادق العزاء لهارون وحضرهُ جميع عائلات المركز والمأمور والضابط بذاتهما أما نصر فقدm جسده للتشريح لتبين سبب الوفاة وبعد يومين أُفرج عن جثته ليُدفن جسدهُ من قبل رجـ.ـال الشرطة ولم يحضر دفنته سوى أقرب الأقربون إليه،وقيدت القضية ضد مجهول لعدm ثبوت أو وجود أدلة للبحث عن الجاني.
*************
بعد مرور سبعة أيامٍ
داخل منزل علام زين الدين،كانت داخل غرفتها تعيد ترتيب خزانة ملابسها،فمنذ ذاك اليوم وهي لم تخرج منها سوى لمساعدة العاملات بالمطبخ وتعود لها مرةً أخرى كي لا تتواجه مع ذاك القاسي،استمعت لطرقاتٍ فوق الباب فسمحت للطارق لتلچ إيثار بابتسامتها المعهودة وهي تقول:
-قاعدة لوحدك ليه؟
رفعت كتفيها لأعلى لتقول بلامبالاة:
-كده أحسن للكل،أوضتي أولى بي،واهو على الأقل مش هتسبب لك في مشاكل مع جوزك
إقتربت عليها لتمسك كتفها بلمساتٍ حنونة وهي تقول:
-وأهون عليكِ تسبيني وأنا في عز شهور وحمي وتعبانة،دي حتى القهوة الدكتورة منعاني منها
واسترسلت بابتسامة مداعبة:
-شفتي المأساة اللي أنا فيها،يعني حياتي أصبحت بلا قهوة وبلا عزة،والله حـ.ـر.ام اللي بيحصل فيا ده
رمقتها من قمة رأسها لأخمص قدmيها لتقول وهي تلوي فاهها بطريقة تهكمية:
-كفاية عليكِ يا اختي سيادة المستشار يمزج لك دmاغك
ابتسمت بشـ.ـدة على كلمـ.ـا.ت تلك العفوية لتنطق في محاولة لمراضاتها:
-ما أنتِ بردوا غلطتي يا عزة،معقولة تعملي حركة زي دي وإنتِ أكتر واحدة عارفة شر المؤذي اللي إسمه عمرو
رمقتها لتنطق بعينين لائمتين:
-هو أنتِ كمان هتقعدي تقطمي فيا زي جوزك؟
نطقت مبررة:
-أنا أكيد مقصدش وإنتِ عارفة غلاوتك عندي قد إيه
-أيوا مهي غلاوتي بانت...قالتها وهي تنظر للأسفل لتتهرب وتعود إلى ترتيب الخزانة وهي تتابع:
-على العموم أنا مبلومش عليكِ،ده جوزك ومينفعش تقفي في وشه علشاني
أجابتها بجدية:
-عزة بلاش تكبري الموضوع،أنا كام مرة شرحت لك ليه موقف فؤاد كان حاد معاكِ بالطريقة دي،وقولت لك ظروف عمرو وأهله
تنفست عزة بهدوء،هي تعلم أنها ارتكبت خطًأ فادحًا لا يغتفر ولو شخصًا غير فؤاد ما ترك القصة تمر مرور الكرام ولكان عـ.ـا.قبها بشـ.ـدة،لكنها حزينة وعاتبة عليه من قساوة حديثه الحاد ومعاملته القاسية،فقد عاشت مع إيثار مرفوعة الرأس وكرامتها مصانة،لكنها بذاك اليوم بالتحديد شعرت بهدر كرامتها بالاخص بعدmا منعها من دخول غرفة الصغير ومكوثها بغرفتها بالطابق الأرضي،نطقت بهدوء ونبرة مكـ.ـسورة:
-حصل خير يا إيثار،سيبك مني وإطلعي شوفي جوزك وابنك
علمت أنها لم ولن تعود كالسابق إلى أن يقدm لها ذاك الصارم إعتذارًا واضحًا عما بدر منه من إهانة بحقها،هي باتت تحفظها عن ظهر قلب،تنهدت باستسلام لتتركها وتعود للخارج لتسأل والدة زوجها الواقفة بوسط البهو تتحدث مع مديرة المنزل السيدة"سعاد":
-هو فؤاد فين يا ماما؟
أشارت لها صوب حجرة المكتب لتنطق بصوتٍ هادئ:
-جوه في المكتب يا حبيبتي
كادت أن تتحرك لولا صوت سعاد الذي جعلها تتوقف لتستمع إليها وهي تقول:
-أنا جهزت لحضرتك التونة اللي الدكتورة عصمت بلغتني بيها يا هانم
تعمقت بالنظر لها تحاول فهم مقصدها لتتابع الأخرى كما الألة الإلكترونية المبرمجة على الحديث:
-وهي جاهزة لو تحبي تاكلي منها النهاردة على العشا
توجهت بالنظر إلى عصمت التي فسرت حديث سعاد:
-أنا قولت لسعاد تعمل لك تونة هنا في البيت،مضمونة بسمك طازة ونضيف،وخليتها تحط لها توابل وفلفل حراق علشان تطعمها لك
-بس أنا مقولتش لحضرتك إني عاوزة تونة...قالتها بجدية لتنطق بحدة خرجت عنوةً عنها لممانعة الجميع لتنفيذ رغبتها بما تشتهيه نفسها:
-أنا نفسي في ملوحة وفسيخ،اظن طلبي مش صعب للدرجة دي
تنهدت عصمت لتشير برأسها إلى تلك اللبيبة التى ذهبت في الحال،تنهدت لتنطق وهي تحتوي كفاي زوجة نجلها بعدmا امتصت حـ.ـز.نها من لهجة تلك الغاضبة الحادة ورجحت حدتها لتغيير هرمونات الحمل مع الظغط النفسي والهلع الذي أصابها منذ أن علمت بوجود التوأم وهذا يحدث أحيانًا لبعض السيدات اللواتي يفزعن عند علمهن بحملهن بزوجين من الأطفال،هكذا أخبرتهم الطبيبة لاستيعاب تغييراتها الطارئة:
-أنا عارفة اللي نِفسك طلباه كويس يا إيثار،وحقيقي كان نفسي أجيب لك الفسيخ وتاكليه، بس لما كلمت الدكتورة وبلغتها حذرتني جداً من خطورة الموضوع على الأجنة
ابتسمت لتمد كف يدها تمسد به على وجنتها بحنوٍ في محاولة لامتصاص حالة الغضب تلك إمتثالاً لأوامر الطبيبة:
-وأظن إنتِ أكتر واحدة فينا خايفة على الأولاد
لا تعلم لما تشعر بكل تلك السكينة أثناء حديثها مع تلك السيدة الراقية بكل مرة تتناقشتان فيها،ابتسمت وتنهدت بهدوء لتقول بأسى:
-أنا أسفة يا ماما إني إحتديت شوية في الكلام،بس صدقيني غـ.ـصـ.ـب عني،معرفش ليه مودي متغير ومبقتش بتحمل اللي كنت بتحمله زمان
أجابتها تلك الرزينة:
-كل ده من تغيير الهرمونات يا حبيبتي،إن شاءالله بعد الولادة كل ده هيتغير وهترجعي لطبيعتك وأحسن كمان
-إن شاءالله يا ماما،بعد إذن حضرتك...نطقت كلمـ.ـا.تها وانطلقت نحو باب المطبخ لتطلب من العاملات أن يصنعن كوبًا من القهوة لزوجها كي تتوجه به نحو حجرة المكتب لتدق الباب ثم يأتيها صوتهُ الجهوري لتفتح الباب وتطل عليه كـ قمرٍ منيرًا أضاء حياته،تحدثت بابتسامة سعيدة كي تجذب انتباه ذاك المنكب على أوراقه بتركيزٍ شـ.ـديد:
-ممكن أخد شوية من وقت سيادة المستشار
رفع رأسه لينظر إليها من خلف نظارته نظارته الطبية الحافظة للنظر،شقت إبتسامة واسعة ثغره لينطق بتهليلٍ وترحاب وهو يخلع عنه نظارته ويضعها بعلبتها:
-إيثار هانم زين الدين جايبة لي القهوة بنفسها
هم بالوقوف لتشير له بألا يفعل لتقول:
-خليك مكانك أنا جاية لك
جلس من جديد لتقترب منه وقالت وهي تقوم بوضع ما بيديها جانبًا فوق المكتب الخشبي:
-أنا قولت أجيب لحبيبي فنجان قهوة يظبط له المزاج علشان يعرف يركز في شغله كويس
-تسلم لي حبيبة حبيبها اللي حاسة بجوزها ومزاجه...قالها وهو يستدير بمقعده المتحرك بنصف زاوية ويشير على فخده كي تتحرك وتحتله تلك العاشقة،إرخت جسدها لتجلس براحة فوق ساقيه لتميل بوجهها وتقوم بوضع قبلة حنون فوق شفتيه قبل أن تنطق بصوتٍ هائم:
-بحبك
نطق بنبرة رجل عاشق بعدmا بادلها قُبلتها السريعة:
-وأنا بعشقك يا عمري
تناولت قدح القهوة لتقربه منه وهي تقول باهتمامٍ واضح:
-إشرب قهوتك قبل ما تبرد يا حبيبي
هز رأسه برفض فهو يريد دلال أنثاه لينطق:
-عاوزة أشربها من إيد حبيبي
ضحكت بدلال لتقول وهي تقربها من فمه:
-بس كده،فؤادي يؤمر
ارتشف البعض منها ليغمض عينيه مستمتعًا بمذاقها اللذيذ وبات يحرك رأسهُ مما يدل على تلذذه،فتح عينيه ليقول بعينين بالغرامِ ناطقة:
-أحلا قهوة دوقتها في عمري كله
ابتسمت لتجيبه:
-بألف هنا يا حبيبي
قربت الفنجان من فمه ليرتشف بعضها بتلذُذٍ وتأثر بدى على وجهه ليسألها بجبينٍ مقطب:
-إنتِ اللي عاملة القهوة؟
تؤ...أجابته نافية ليرفع حاجبه باستغراب وهو يقول:
-أمال إيه السبب إن طعمها أحلى؟!
مطت شفتيها متعجبة لتنطق بملاطفة:
-ميمشيش معاك إني طلبتها لك وجبتها لحد هنا وكمان بشربها لك بإيدي، كل دي مش أسباب كافية تخلي طعم أي حاجة أحلا؟!
لف ذراعيه حول خصرها لينطق بدلالٍ واستمتاع:
-كل حاجة في وجودك وبلمستك غير وأحلا يا قلبي
ثم كرر عليها السؤال بطريقة جدية:
-بس بجد مش إنتِ اللي عملاها؟
أجابته وعينيها تطالع خاصتيه بحنانٍ:
-كنت أتمنى،بس للأسف، القهوة من إيدي حرفيًا مـ.ـا.تتشربش
قالت الأخيرة لتطلق ضحكاتها وهي تتابع:
-في مرة عزة كانت مسافرة البلد عند أخوها،واضطريت أعمل فنجان قهوة لنفسي لأني كنت مصدعة وكان عندي شغل كتير لازم يخلص
كان يستمع إليها باهتمام عاشقًا بكل تفاصيل من ملكت القلب وتحكمت ليسألها بشغفٍ لمعرفة تفاصيلها:
-وبعدين؟
رفعت كتفيها لأعلى وتحدثت:
-مفيش،حسيت إن الحوض مصدع أكتر مني فتنازلت له عنها
ضحك حد القهقهة،تعمقت بعينيه قبل أن تقول بترقبٍ:
-عاوزة أتكلم معاك في موضوع مهم
-مستنيه من بدري...قالها بدهاء لتتسع عينيها وهي تسألهُ بجدية:
-للدرجة دي باين عليا؟!
أشار بكفه نحو كوب القهوة الموضوع جانبًا:
-باين للأعمى من الإهتمام المبالغ فيه واللي على غير العادة
نطقت بحدة وهي ترمقه بضيقٍ:
-بطل سخافة يا فؤاد وبلاش تحسسني إني مهملة فيك
تحركت فوق ساقيه استعدادًا للنهوض ليجبرها على عدm الحركة وهو يقول:
-بطلي إنتِ الجنان والحساسية اللي بقيتي فيها دي
واسترسل محفزًا بابتسامة وهو يداعب أرنبة أنفها بخاصته:
-يلا قولي وكلي أذانٌ صاغية
أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تعلم أنها مقبلة على مناقشة حادة لتنطق بنظراتٍ مترجية:
-عوزاك تصالح عزة
ضيق بين عينيه ليسألها مستنكرًا:
-عوزاني أنا اللي اصالحها،ليه هو اللي كل مرة بعمل مصيبة أكبر من اللي قبلها وأبوظ الدنيا بغبائي واستهتاري؟!
نطقت بدلال كي تستجدي موافقته:
-يا حبيبي عزة متأثرة قوي باللي حصل ومن يومها وهي يعتبر حابسة نفسها في أوضتها ومبقتش بتخرج منها
قطب جبينه ليسألها باقتضاب:
-وإيه المطلوب؟!
-تروح تصالحها...قالتها بعفوية لينطق بصوتٍ صارم:
-بس إنتِ كده بتدmري قوانين الدكتورة عصمت اللي وضعتها لنظام البيت من سنين يا إيثار
ليسترسل بجبينٍ مقطب:
-عوزاني أروح أعتذر لواحدة شغالة عندي وياريتني غلطت فيها،لا دي هي اللي عاملة كارثة وبدل ما تتعـ.ـا.قب تتقدر وصاحب البيت يروح لحد عندها ويعتذر
واستطرد ساخرًا من طلبها:
-مش عوزاني بالمرة أتصل بسعاد وأبلغها تجمع لي العمال كلهم علشان الإعتذار يكون مُرضي لعزة هانم؟!
شعرت بالإهانة والتقليل من طلبها وعلى الفور هبت واقفة لتدور للجهة الأخرى حتى وقفت بمقابل مقعده ليفصل بينهما المكتب،تطلعت عليه لتنطق بكبرياء:
-بس عزة مش شغالة عندكم يا فؤاد،أنا لحد وقت قريب كنت بدفع لها مرتبها من مالي الخاص لولا تدخل بابا اللي قال لي عيب ده يحصل في وجودي،وإكرامًا لبابا وغلاوته عندي كان لا يمكن أوافق أبدًا علشان ما احرجهاش
واسترسلت بحزمٍ تحت نظرات زوجها المبهمة والمسلطة عليها وهو يحرك مقعده بطريقة استفزتها:
-عزة بالنسبة لي عمرها ما كانت مجرد ست بتساعدني وبتاخد بالها من إبني يا فؤاد،دي اللي ربنا عوضني بيها عن قسوة أيامي
تنفس ليقف وتحرك إلى أن وصل إلى مكانها وقابلها الوقوف ليقول:
-خلاص متزعليش،أنا كل اللي بعمله ده من باب الضغط عليها علشان متكررش غلطها تاني وتاخد بالها من تضرفاتها بعد كده
تنهد لينطق:
-وعلى فكرة،أنا كمان بعزها ومستجدعها جدًا من اليوم اللي جت لي فيه النيابة علشان أروح لك البلد وأجيبك من بيت باباكِ، بس ده ميمنعش إننا نعترف إنها غلطت وإن لازم يكون فيه عقـ.ـا.ب رادع يخلي الشخص يتعلم من أخطائه وياخد باله بعد كده
تطلعت عليه ليتابع بأسف وهو يداعب وجنتها بأصابعه:
-خلاص بقى متزعليش
نطقت بنبرة متأثرة:
-أقول لك على سر، فاكر اليوم اللي عزمتني فيه على العشا علشان تطلب إيدي
تنهدت بألم عنـ.ـد.ما تذكرت مرارة ذاك اليوم وبشاعته لتتابع شارحة:
-إنهارت وقتها وأنا راجعة بالعربية،لما وصلت البيت مكنتش شايفة قدامي من كتر الدmـ.ـو.ع،ساعة ما دخلت ولقيتها قدامي جريت عليا واترمـ.ـيـ.ـت في حـ.ـضـ.ـنها وقولت لها ضميني يا عزة،حـ.ـضـ.ـنها هو اللي لملم شتاتي وقتها
نزلت كلمـ.ـا.تها كخنجرٍ مسمومٍ على قلبه العاشق ليهب واقفًا وفي غضون ثواني كان يقف أمامها لينطق بطريقة دعابية كي يرفع عنها ما تشعر به من ألمٍ وغصة مريرة إثر ما تجرعته من خزلانٍ على يده بالماضي ومن كلمـ.ـا.ته الأن:
-مهو ده من خيبتك،ما أنتِ لو ست شاطرة بجد كنتي رديتي على تليفوني بدل ما تعملي لي بلوك وأنا كنت جيت أخدتك في حـ.ـضـ.ـني ونسيتك كل اللي شوفتيه طول حياتك، مش بس اللي شوفتيه الليلة دي
غمز بعينيه وهو ينطق بجملته الأخيرة لتلكزه بصدره قائلة:
-تحـ.ـضـ.ـن مين يا قليل الادب إنتَ،هو أنتَ فاكرني إيه
-دmاغك دايمًا حادفة شمال...قالها بمشاكسة ليتابع حديثه الذي أراد به سحبها من تلك الغيمة من المشاعر السلبية بعدmا تقرب منها واقترب من شفتيها:
-كنت هاخدك وأطير على أي مأذون وأجيبك بعدها على جناحنا وأمسح لك دmـ.ـو.عك والروچ كمان
ابتسمت بابتسامة حنون لتنطق بعينين مترجيتين:
-طب علشان خاطري تيجي معايا تصالحها
أخذ يقلب عينيه بضجرٍ بعدmا سأم ذاك الحديث لتتابع بدلال أنثوي:
-علشان خاطري بقى
زفر بقوة ليخرج ما بداخله من مشاعر سلبية ويتحدث بمشاكسة:
-بقى هي الحكاية كده،بتستغلي حبي ليكِ ومكانتك في قلبي وتبتزيني يا إيثار؟
وضعت يدها خلف رأسه لتداعب خصلات شعره بأناملها الرقيقة وهي تتدلل بطريقة أفقدته صوابه لتنطق برجاء:
-وحياتي
تنهد براحة وعينين كساهما الغرامِ وتملكَ لينطق بلسان قلبه:
-حياتك بقت أغلى عندي من حياتي نفسها
سألته بدلالٍ ومازالت أناملها الرقيقة تداعب خصلاته كي لا تفقد تأثيرها السحري عليه:
-يعني هتراضي عزة؟
نطق والعشق يقطر من حُلو كلمـ.ـا.ته:
-علشان عيونك أنا أعمل أي حاجة
ضمته لأحضانها لتربت على ظهره بحنانٍ وهي تقول بنبرة تقطرُ غرامًا:
-ربنا يخليك ليا ولا يحرمني من حنانك عليا أبدًا
شعر بسكونٍ داخل أحضانها الحنون لم يسبق وتذوقهُ سوى بضمتها،سحبها من كفها لتتحرك بجواره إلى ان وصلا إلى غرفة عزة الخاصة ودقتها هي،لتفتح عزة الباب وتتفاجأ بذاك الصارم يقف أمامها لتنطق بعفويتها المعهودة:
-فؤاد باشا بجلالة قدره جاي لحد المسكينة عزة، هي الدنيا جرى فيها إيه يا ولاد
-تصدقي بالله يا عزة،برغم كلامك ولسانك اللي فيه حتة زيادة ده...قالها بجدية لتبتلع إيثار لعابها خوفًا وعزة هلعًا بعدmا أنبت حالها ليتابع ذاك الوسيم بابتسامة جذابة:
-إلا إن كلامك ومناوشاتنا أنا وإنتِ وحـ.ـشـ.ـتني
انفرجت اساريرها لتنطق على عجالة بسعادة بالغة:
-إن شالله يخليك يا ابن الأصول
تحدث بما جبر خاطرها:
-متزعليش مني على حدتي معاكِ
اتسعت ابتسامتها تحت حبور إيثار الشـ.ـديد ليسترسل قائلاً:
-بس إنتِ أكيد عارفة إن نرفزتي يومها كانت خوف على يوسف وإيثار
نطقت بصوتٍ حماسي أظهر كم سعادتها:
-عارفة وعذراك يا باشا، وخلاص مش زعلانة منك،يلا المسامح كريم
ضحك على عفوية تلك المرأة العجيبة لينطق بابتسامة:
-وإنتِ كريمة يا ست عزة
مدت إيثار يدها تحتضن كفها لتسألها:
-خلاص مش زعلانة؟
هتفت بنبرة تقطرُ حماسًا:
-عمري ما أزعل منك،وعلشان أثبت لك من بكرة الصبح هنزل المعادي وأجيب لك أحسن فسيخ موجود عند محلات الباشا
جحظت عينيه بذهولٍ من تلك التي لا تتعلمُ من أخطائها أبداً لتنتفض إيثار وهي تترجاه بعينيها وكفيها ليهتف هو بعينين تطلق شزرًا وكأنهُ تحول إلى غول:
-الست دي مش طبيعية،إنتِ أكيد مـ.ـجـ.ـنو.نة يا ماما
انتفض جسدها لتتراجع للخلف سريعًا وهي ترى قدوم ثورته لتقف إيثار حائلاً بجسدها وهي تقول بتوسل:
-وحياتي عندك ما انتَ متنرفز
كانت عصمت قد تحدثت أمامها في المطبخ أن إيثار تشتهي الأسماك المُملحة لكن الطبيبة حذرتهم لبعض المشاكل لذا فقد طلبت من سعاد تحضير سمك التونة المطبوخ مع بعض التوابل والفلفل الحار ليعطي نتيجة مقاربة وبرغم هذا أنظر ماذا فعلت تلك المهرجة،رفع سبابته وتحدث بصرامة وحزم:
-أقسم بالله يا عزة،ما فسيخة واحدة تدخل البيت، لاكون رابطك ومعلقك في المخزن وأحنطك لحد ما تتخللي وتبقي شبه الفسيخة اللي لسة خارجة من الصفيحة،وبعدها هفصصك وأبعتك لمحلات الباشا تبيع منك بالكيلو
كانت تستمع إليه بفاه فاره غير مستوعبة كم الغضب الهائل الذي اقتحم ذاك الحاد لتنطق بمداعبة لتلطيف الأجواء:
-طب أمانة يا باشا وإنتَ بتفصص متنساش الليمون والطحينة
ستصيبه حتمًا بسكتة دmاغية بيومٍ من الأيام،تطلع على زوجته التي تطبطب بكفها عليه ونظراتٌ توسولية كي تُهدأ من روعه لينطق بذهولٍ:
-دي بتهزر،بتقلش يا إيثار
نطقت وهي تسحبه بحدة ليتحركا للأمام:
-علشان خاطري إهدى ويلا نطلع نتمشى في الجنينة شوية
تطلع عليها لتنطق وهي تشير على فمها:
-أنا بعد كده مش هتكلم في حضور جنابك خالص،حكم إنتَ قلبتك تقطع الخلف يا باشا
تدخلت إيثار بينهما لتهدئ الوضع وتفض الاشتباك وبعد قليل تحدثت إليه بابتسامة واسعة أظهرت كم سعادتها:
-على ما تروحوا على الجنينة وتقعدوا هكون عملت لكم كبايتين جوافة باللبن عمركم ما دوقتوا زيهم
إبتسمت إيثار وتحدثت بنبرة حنون:
-تسلم إيدك مقدmًا يا عزة
أمسك كف زوجته وتحرك إلى الحديقة لتتجه عزة نحو المطبخ.
هل شعُرْتَ يومًا بصمتٍ مريبٍ يحتلُ كلَ ما حولِكَ وكأنكَ تسكُنُ الكونَ وحدَكَ،حياتُكَ ساكنةٌ لا صوتٌ يكسِرُ صمتَها المخيفِ ولا ونيسُ يُحَلي مذاقَ مرارتِها،يمرُ يومُكَ دونَ جديدِ فاليومُ أشبهُ بالبـ.ـارحةِ والبـ.ـارحةُ أشبهُ بما قبلِها وهكذا،أصبحَ كلُ شئٍ مملًا ولا مذاقُ لهُ،نهاري يمرُ بلا شئٍ ملموسٍ،أما ليلي فحدثْ ولا حرجَ،كم كنتَ أبغضُ قدومَهُ حينَ يَسدِلُ ستائرَهُ السوداءَ لأغرقَ في ظلامِهِ الدامسَ وسطَ ذكرياتيَ المؤلمةِ، أجلسُ وحيدُ غُرفتي أتطلعُ على جدرانَها المرتفعةِ لتدورَ عيناي متمعنًا بكلِ محتوياتِها حتى أصلَ ببصري إلى فِراشي وأتلمَسَهُ بكفِ يدي،كم كان بـ.ـاردًا لا نفسٌ فيه ولا حياةُ،إلى أن التقيتَ "بسندريلا"،نعم فهي سِندريلا حياتي التي ظهرتْ من العدmِ لتقلبَها رأسًا على عقبِ وبعد أن كنتَ كارهًا لكلِ صِنفِ حواءِ أصبحتُ عاشقًا لأنفاسِ إحداهُن بل وصلتَ بعشقِها لأعلى درجاتِ الغرامِ،أصبحتَ أيضًا من مُحبي الليلِ ومغرمًا بسكونهِ حيثُ يجمعُني برفقةِ حبيبتي،دفأَت فرشَتي وتَلَوَنتْ جُدراني كحديقةٍ بفصل الربيع بعدmا عثرتُ على نصفيَ الأخرِ،والأن فقط أقرُ وأُعلِنُها بأنَّ فؤادَ علامَ قد إكتَمَل.
فؤاد علام زين الدين
بقلمي «روز أمين»
داخل ڤيلا عمرو المتواجدة بأحد الأماكن الجديدة،يجلس بصحبة شقيقاه بعدmا تم طردهم على يد عائلة والدتهم،حالهم يقطع نياط القلوب ومظهرهم يدل على ما تعانيه أنفسهم،شعر رؤسهم مشعثًا وذقونٍ متروكة حتى انتشر الشعر بها بكثرة وعشوائية،يجلسون ببهو المنزل يشعلون سجائرهم الذي انتشر دخانها بشكلٍ كثيف كاد أن يخـ.ـنـ.ـقهم،تحدث طلعت بانكسارٍ وقد بدا الحـ.ـز.ن والذلُ على ملامحهِ:
-أخرتها إترمينا في بيت في أخر الدنيا يا ولاد سيادة النائب،حتى دفنة أبونا مجرأناش نحضرها
ليكمل حسين على حديثه المؤلم:
-أنا مش قاطع فيا ومدmرني قد الموضوع ده،تلات رجـ.ـا.لة يسدوا عين الشمس وفي الأخر اللي يحل على أبويا واحد غريب
هتف طلعت بحدة ظهرت فوق ملامحه الغاضبة:
-في أي شريعة وأي دين يمنعوا ولاد المـ.ـيـ.ـت إنهم يمشوا في جنازته؟!
بنبرة تملؤها الحسرة تحدث حُسين:
-في شريعة نصر البنهاوي كل شئ كان متاح يا طلعت، ولا نسيت إن أبوك الله يسامحه ياما ظلم ناس وأجبرهم على ترك البلد
واسترسل مستشهدًا:
-وأخرهم أهل سمية اللي خلاهم يمشوا ويسيبوا بيتهم من غير حتى ما يبيعوه ويستفادوا بتمنه
نكس طلعت رأسه لتيقنه من صحة حديث شقيقه ليعم الصمت المكان،نظر حسين لذاك الذي ينفث دخان سيجارته بشراهة وقبل أن تنتهي يشعل غيرها لينطق متسائلاً:
-إنتَ ساكت ليه يا عمرو؟!
أجابه بخفوتٍ وانكسار:
-وعاوزني أقول إيه يا حسين،أنا حاسس إني في كابوس وكل يوم أقوم من النوم أقول أكيد الكابوس إنتهى وهصحى ألاقي نفسي في بيتي
وتابع وهو ينظر أمامهُ بحنينٍ وحالمية:
-وأبص على فرشتي ألاقي إيثار ويوسف نايم ما بينا زي زمان
تطلع عليه طلعت وابتسم ساخرًا لينطق وهو يحدث حُسين:
-عمرو أخوك بيفكرني بالمثل اللي بيقول خراب يا دنيا عمار يا دmاغي
واسترسل بحدة وهو يرمقهُ بسخطٍ:
-بيتنا خرب وأمك وعيالنا وحريمنا اتشردوا في البيوت وده كل اللي في دmاغه بنت غانم اللي ادته على قفاه وراحت اتجوزت
-طلعت...قالها عمرو بحدة ليسترسل وهو يرمقهُ بنظراتٍ لائمة ممزوجة بالإزدراء:
-بلاش تستغل الكلام وزي عادتك تقوم الكل عليا وتطلعني أنا الأهبل والمغيب وإنتَ العاقل الحكيم اللي مفيش منك إتنين
لينطق بكبرياءٍ وهو يشملهُ باشمئزاز:
-والحقيقة هي إن مفيش حد في بيت نصر كله طلع عاقل وحكيم وحاسب حساباته للزمن غيري
واشار بكفيه يستعرض ما حوله:
-والدليل البيت اللي لاممنا ده والفلوس اللي بناكل ونشرب وعايشين منها
واستطرد ساخرًا:
-لولا عقلي كان زمانا مرميين على أرصفة الشوارع زي كلاب السكك
كان داخلهُ يغلي كالبركان،فلم يتوقع ويمر بمخيلته أن هذا المدلل يمتلك كل تلك الأموال الطائلة،أما هو فكان منشغلاً بالحقد الذي يملؤ قلبه باتجاه الجميع وكرس كل إهتمامه على تنمية ثروة أبيه ممنيًا حاله بالفوز بها بأية طريقة بعد رحيل والده وإزاحة شقيقيه من طريقه أو على الأقل الإستحواذ على معظمها وترك القليل لهما،لكن إرادة الله أتت عكس ما خطط له ذاك الشرير،هتف بشراسة وغلٍ أظهرا كم الحقد الذي يكنهُ داخل قلبه المريـ.ـض لشقيقه الأصغر:
-إنتَ هتزلنا باللقمة اللي بتأكلهانا يا عمرو بيه
لينتفض واقفًا وهو يقول بصرامة:
-طب أنا ماشي وسايبها لك مخضرة
هب حسين وتحرك ليتمسك بذراع شقيقه قائلاً وهو يحثه على الوقوف:
-أقعد يا طلعت واستهدي بالله أخوك ميقصدش
اكفهرت ملامحهُ ليصيح بحدة:
-يعني إنتَ مش سامع كلامه اللي يحرق الدm يا حسين، ده بيذلنا بفلوسنا
-فلوسكم؟!...قالها عمرو وهو يرمقهُ مستنكرًا ليرد الأخر بقوة وتشكيك:
-أه فلوسنا يا عمرو،فلوسنا اللي جزء منها كنت بتسرقها من ورا أبوك والباقي كنت بتقلب أمك فيه يا ننوس عين ستهم
-بقى هي دي أخرتها،بدل ما تشكرني على اللي عملته معاك تطلعني حـ.ـر.امي؟!...نطقها عمرو بجنون ليسترسل مستشهدًا بشقيقه:
-سامع كلام أخوك يا حسين؟
نطقها وكأنها كانت الكلمة الفاصلة لينفجر ذاك الهادئ ويخرج براكينه الكامنة بداخل روحه المعـ.ـذ.بة:
-كفاية بقى إنتَ وهو، إنتوا إيه مبتحسوش، معندكوش دm،مش حاسين بالحال اللي وصلنا له،سايبين كل المصايب اللي حطت على دmاغنا وواقفين لبعض زي الديوك
واسترسل وهو يرمقهما باشمئزاز:
-قاعدين تقطعوا في بعض بدل ما نحط إدينا في إدين بعض ونفكر هنعمل إيه علشان نرجع حياتنا تاني، مش لازم ترجع زي الأول بس على الأقل يكون عندنا مكان كويس ونشتغل علشان نعرف نجيب أمكم وستاتنا وعيالنا ونعيش مع بعض زي الأول
زفر عمرو بقوة ليتخلص من شحنة الغضب التي إجتاحت جسده لينطق بهدوء:
-البيت أهو موجود ويساع الكل،وإن كان على الشغل أنا معايا فلوس هفتح لكم مشروع صغير تشغلوه وتبعتوا تجيبوا ولادكم
واسترسل بإبانة:
-بس أنا متعملوش حسابي معاكم، لأني مسافر وسايب البلد كلها
قطب حسين جبينه ليسأله بتشكيك:
-جبت الفلوس دي كلها منين يا عمرو؟!
أما طلعت فتبسم ساخرًا ليجيب الأخر بقوة:
-من شغلي الخاص يا حسين
سأله بقوة:
-اللي هو إيه شغلك الخاص ده يا عمرو؟!
ليسترسل مشككًا:
-وإيه الشغل اللي يجيب فلوس كتير بالشكل ده
نظر لشقيقه لينطق بقوة:
-جمعت رجـ.ـا.لة وبنفحر على الأثار يا حسين،إرتحت؟!
نطق الأخر من باب الخوف على شقيقه:
-بس ده حـ.ـر.ام يا عمرو
ضحك بقوة حتى ادmعت عينيه لينضم إليه طلعت وباتا يضحكان بشـ.ـدة تحت خجل الأخر من حاله لينطق عمرو بعدmا تحكم بتوقف ضحكاته:
-ده على أساس إنك كنت بتروح الجبل كل ليلة تبيع سِبح للنهيبة يا شيخ حسين؟!
نكس رأسه بخزيٍ لتعريته من قِبل شقيقه الأصغر ليتابع الأخر ساخرًا:
-بلاش تتكلم على الفضيلة والحلال والحـ.ـر.ام وإحنا عيشنا عمرنا كله مغروسين في الطين يا حسين
نطق حسين بكلمـ.ـا.تٍ خافتة لشـ.ـدة خزيه من حاله:
-زمان كنا مجبورين نكمل في الطريق غـ.ـصـ.ـب عننا وإنتَ عارف كده كويس، بلاش تكمل فيه بعد ما بقيت حُر نفسك وسيد قرارك
إقترب طلعت من عمرو ليحاوط كتفه برعاية لينطق بجشع ملئ قلبه بعدmا قرر أن يستغل الفرصة لصالحه كعادته:
-سيبك منه ده عقله تعبان وشكله هيقلب درويش،خلينا في المصلحة وخدني معاك في سكتك
قطب جبينه يتعجب تلونهُ السريع لكنه عاد وتذكر طبيعة شقيقه ليتابع الأخر بنهمٍ:
-قولت إيه؟
سألهُ مستفسرًا باستغراب:
-قولت إيه فيه إيه يا طلعت؟!
نطق الأخر بجشعٍ ظهر بعينيه:
-تدخلني معاك في شغلك ونمسكه مع بعض زي أيام أبوك
نطق حسين باعتراض:
-بلاش يا طلعت،إنتَ شفت بعنيك اللي حصل لفلوس أبوك وأخرتها،خلينا نشتغل ونأكل عيالنا لقمة حلال يمكن ربنا يقبل توبتنا ويبـ.ـارك لنا فيهم
جذب طلعت عمرو من يده وتحدث بنبرة حماسية كي لا يدع فرصة لحسين للتأثير عليه بكلمـ.ـا.ته عن التوبة وكأن الشيطان تمثل بهيأته:
-سيبك من الكلام اللي مش هيأكل عيش ده،إحنا واخدين على المصاريف الكتير والعيشة الحلوة إحنا وولادنا،الفقر مايمشيش مع اللي زينا صدقني
لم يكن ينتظر حديث شقيقه كي يقنعه فهو يعلم ماذا يريد وقد خطط لخطواته القادmة وانتهى الأمر،نظر إلى طلعت وتحدث بنبرة جادة:
-حاضر يا طلعت، جهز نفسك بكرة على العصر هاخدك أعرفك على الرجـ.ـا.لة ونبدأ شغل، أصلي موقف من ساعة اللي حصل
هز رأسهُ متلهفًا وتحدث بتملق:
-حاضر يا اخويا،وتقدر تسيب لي الرجـ.ـا.لة وأنا هضبطهم لك واخليهم يمشوا زي الساعة،حاكم أنا عارفك قلبك حنين وهما عاوزين الشِدة
هز رأسهُ عدة مرات وهو ينظر لتغير شقيقه الجذري معه تحت حـ.ـز.ن قلب حسين الذي لا حيلة له ويشعر بضعفه أمام شقيقيه
*************
بعد مرور إسبوعين
داخل ڤيلا أيمن الأباصيري،في تمام الساعة التاسعة صباحًا،حيث تجهيزات حفل زفاف إبنته لارا والكل يعمل على قدmٍ وساق لإتمام جميع الترتيبات للحفل الذي سيُقام عند الثالثة عصرًا حيث قرر أيمن إقامته بمنزله لبُعد منزل والد العريس بمحافظة منيا الصعيد وكان والد العريس قد قرر إقامته داخل أحد الفنادق الكبرى لكن أيمن طلب منه أن يقيمه بحديقة المنزل حيث مساحتها الشاسعة تستطيع جمع جميع المدعوين من طرف العائلتين،ولجت تتأبط ذراع زوجها حيث طلبت منه أن تأتي مبكرًا كي تحضر تجهيزات العروس وتشارك تلك العائلة الجميلة التي احتضنتها برعاية فرحتهم،وقد واجهت صعوباتٍ في إقناع ذاك الذي أصبح يخاف عليها من كل شئ وأي شئ،تتبعهما إحدى العاملات التي تعمل بمنزل علام زين الدين حيث تحمل صندوقًا به الثوب التي سترتديه "إيثار"والذي صُمم خصيصًا لها من قِبل إحدى أشهر بيوت الأزياء العالمية المتواجدة ببـ.ـاريس عاصمة الموضة والجمال،تجاورها إحدى العاملات في أحد مراكز التجميل تحمل ما ستحتاجه لتزيين تلك الجميلة، كل هذا قد أشرف عليه مالك فؤادها بنفسه كي يبث السعادة في نفس معشوقته
تحدث وهو يتحرك باتجاه أيمن وزوجته حيث خرجا سريعًا لاستقبالهما بعدmا أبلغهما حارس البوابة:
-مش عاوز أعيد كلامي يا إيثار،ما تجهديش نفسك وتخلي بالك كويس قوي من نفسك ومن ولادي،متخلنيش أنـ.ـد.م إني وافقت إنك تيجي قبلي
سأمت حديثه المكرر للمرة التي لا تعلم عددها منذ أن سمح لها بالأمس بحضور الزفاف مبكرًا بعد مداولات استمرت لعدة ساعات وكأنها داخل إجتماع عمل تحاول جاهدة إقناع طرفًا صعب التفاهم لإبرام صفقة العمر معه،نطقت بهدوء وهي تكظم غيظها:
-يا حبيبي متقلقش وبلاش تتعامل معايا على إني بلورة قزاز وأي لمسة هنكـ.ـسر،ولا كل شوية حافظي على ولادي حافظي على ولادي
واسترسلت بضجر:
-ثم أنتَ ليه محسسني إني لو مشيت كام خطوة الولاد هيقعوا مني؟!
2
تطلع عليها بجبينٍ مُقطب لكنه ابتلع كلمـ.ـا.ته عند إقتراب أيمن وزوجته التي رحبت قائلة بابتسامة عـ.ـذ.بة:
-البيت نور يا سيادة المستشار
شكرها وأقبلت لتحتضن إيثار وهي تقول بنبرة صادقة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و
-وحضرتك كمان حشـ.ـتـ.ـيني و جداً...قالتها بحفاوة لتوجه بصرها لذاك الذي يتطلع عليها باشتياقٍ كاشتياق الأب لابنته التي تربت على يده،تحدثت باشتياقٍ جارف ظهر بعينيها:
-إزي صحة حضرتك،طمني عليك
-متأثرة يا أستاذة من ساعة ما سبتيني ومشيتي...قالها بنوعٍ من الملاطفة ليكمل بنبرة جادة:
-مديرة مكتبي الجديدة عاملة زي العسكري اللي بينفذ التعليمـ.ـا.ت
أطلق الجميع ضحكاتهم ليتابع بإبانة:
-ت عـ.ـر.في لو دخلت ولقتني بمـ.ـو.ت قدامها ولا تهتم،تديني الأول الملفات أمضيها وبكل برود تسألني، تؤمرني بحاجة تانية حضرتك
أطلق فؤاد ضحكة رجولية ليسألهُ بمزاح:
-دي كده تبقى ألة مبرمجة حضرتك
نطق بحماسٍ مؤيدًا لحديثهُ:
-برافوا عليك يا فؤاد باشا،هي فعلاً ألة مبرمجة، ده أفضل وصف ليها
ثم استرسل متابعًا بعيني تشتاق بحنينٍ للماضي ولتلك التي طالما إعتبرها كإبنة له:
-أكتر حد فهمني وفهم شُغلي من بين كل اللي اشتغلوا معايا هي إيثار،كانت بتعرف أنا محتاج إيه من غير كلام،كانت واخده بالها من علاجي وأكلي حتى المشروبات كانت بتختارها لي بناءًا على حالتي الصحية والمزاجية
كانت تتطلعُ عليه بحنينٍ لا يقل عن الساكن بداخله وقلبٍ يتمزق لترك ذاك الكريم لكن ما بيدها لتفعله، هكذا هو حال الدنيا،تطلع على فؤاد الممسك بكف حبيبته بفخرٍ ليتابع أيمن بعينين لامعة بالفخر:
-إنتَ معاك جوهرة يا سيادة المستشار،حافظ عليها كويس
تطلع بعينيها وتعمق لينطق بنبرة بغرامها سابحة:
-دي في عيوني وساكنة القلب من جوه
شعرت وكأنها تطيرُ في الهواء بخفة والزهو والحبور يحيطاها لتتابع "نيللي"بقلبٍ سعيدُ من أجل تلك الخلوقة:
-ربنا يخليكم لبعض يا سيادة المستشار،إيثار بنت حلال وتستاهل إنها تتجوز راجـ.ـل محترم زي جنابك
مال برأسهِ يحييها باحترام وهو يشكرها:
-ميرسي لذوق حضرتك يا هانم
قطعت حديثهم تلك التي أقبلت عليهم لتنطق وهي تمد يدها لمصافحة فؤاد بحفاوة:
-نورت يا فؤاد باشا
لم يشعر بالإرتياح لتلك المرأة اللئيمة حيث شعر بحقدها على زوجته لذا قرر تجاهلها ليجيبها بكلمـ.ـا.تٍ مقتضبة وهو يسحب كفه سريعًا:
-متشكر يا هانم
شعرت بالضجر وأصابتها كلمـ.ـا.ته بالإحباط لتقترب من إيثار تحتضنها برياءٍ وهي تقول بنبرة يشوبها بعض الكبرياء:
-إزيك يا إيثار
تعلم من داخلها أن تلك الـ سالي تعاملها بترفعٍ منذ أن إختارها ذاك السامي وتزوجها دون غيرها من النساء لكنها مرغمة على احترامها إكرامًا لزوجها وعائلته التي عاشت في كنفهم طيلة سنواتها الضائعة،لتتحدث بنبرة بـ.ـاردة كنبرة تلك المغرورة:
-أنا تمام،إنتِ أخبـ.ـارك إيه
رفعت حاجبها باستنكار لتهز رأسها بابتسامة مصطنعة ليقطع حديثهما الخالي من الدفئ ذاك الراقي حيث تطلع سريعًا على زوجته لينطق بنبرة أوضحت للجميع مدى عشق ذاك الوسيم لتلك الرائعة:
-أنا همشي يا حبيبي وإنتِ خلي بالك من نفسك
تطلعت عليه بعينين تنطق بالغرام ليقطع حديثها أيمن الذي تحدث بنبرة جادة:
-مش قبل ما تشرب حاجة
نطق معتذرًا باحترام:
-معلش يا افنـ.ـد.م،لما أجي الفرح هشرب معاك إن شاءالله
نطق أيمن بإصرارٍ:
-لا يمكن، هنشرب قهوة مع بعض هنا في الجنينة
اومأ له بموافقة لينطق أيمن قاصدً زوجته:
-خليهم يجهزوا لنا فنجانين قهوة مظبوط ويبعتوهم على الإستراحة يا نيللي
-حاضر يا حبيبي...نطقتها تلك الراقية"نيللي"لتوجه حديثها لزوجة نجلها بطريقة مهذبة:
-من فضلك يا سالي
ثم تابعت وهي تُشير لمساعدتاي إيثار:
-خدي البنات و عـ.ـر.فيهم الأوضة اللي أنا خصصتها لـ إيثار علشان تجهز فيها،وخليهم يرتاحوا لحد ما إيثار هانم تطلع لهم
اشتعل داخلها بشرارات الغضب من إسناد والدة زوجها تلك المهمة السخيفة لكنها لا تقوى على الرفض فما كان منها سوى الإنصياع حتى لا يظهر حقدها الدفين على تلك التي كانت تعمل عند والد زوجها مجرد عاملة حقيرة أما الأن فقد تبسم لها الحظ لتُصبح بين ليلة وضحاها زوجة رجل مهم ذو منصبٍ رفيع المستوى ناهيك عن إسم عائلته وأموالهم الطائلة والتي ظهرت على تلك الريفية كما تطلق عليها بين حالها،فطالما رأتها الفتاة الريفية التي اقتحمت المدينة متمرده على وضعها لتخلق بيداها حياة جديدة جعلت منها شخصية أخرى لا تشبة السابقة والأن أصبحت من أهم سيدات المجتمع بعدmا اقترن إسمها باسم عائلة الزين ومازاد من قوتها هو حملها بجنينٍ لتثبيت قدmيها والوقوف على أرضٍ ثابتة
إرتسمت إبتسامه ساخرة علي شفتيها مستنكرة الوضع قبل أن تهز رأسها وهي تنطق مرغمة ولكن برأسٍ مرتفعة بكبرياء لعدm التقليل من شأنها:
-أوكِ يا طنط
نطقت إيثار بطريقة راقية وهي تنسحب:
-بعد إذنكم،هطلع أشوف لارا
أومأ لها الجميع وانسحب فؤاد مع أيمن وإيثار بصحبة سالي التي تحدثت فور ابتعادهما واتجاههما نحو الباب الداخلي للمنزل:
-برافوا عليكِ يا إيثار،طلعتي أشطر مما توقعت
تطلعت عليها لتسألها بعدm استيعاب لمغزى كلمـ.ـا.تها:
-وإيه بقى اللي كنتي متوقعاه وأنا تخطيته يا أستاذة سالي؟!
ابتسمت ساخرة لتصلا لأول الدرج لتتوقف على الفور ممسكة بالدرابزين وباتت تتطلع لعينيها وهي تقول بوقاحة:
-بصراحة انا كنت مستغربة قوي إنك ماحاولتيش تتقربي من دكتور أحمد ولا حتى عمو أيمن زي ما معظم السكرتيرات بيعملوا
اشتعل داخل الأخرى ورمقتها بنظراتٍ جحيمية لتتابع الأخرى متجاهلة مشاعر الغضب التي بدت على معالم وجه الأخرى:
-لحد ما قدرتي وبكل براعة توقعي سيادة المستشار في مصيدتك، ساعتها عرفت إنك كنتي مستنية الفرصة الأكبر، وبصراحة
توقفت عن استكمال حديثها السام لبرهة صغيرة لحتى تصفق بكفيها بطريقة مسرحية لتكمل بغمزة من عينيها:
-برافوا،برافوا مدام إيثار،الصيدة تقيلة وتستحق الصبر
ابتلعت غصة مرة من حديث تلك الوقحة التي وصمتها بالمرأة التي تتصيد فرص الزواج من الأثرياء،تماسكت كي تستطيع الرد المناسب لتلك الحقيرة:
-فيه مقولة حلوة قوي تنطبق جداً عليكِ
ضيقت بين عينيها تنتظر تكملة حديثها بتمعن لتكمل إيثار كلمـ.ـا.تها المعبرة وبكل براعة:
-المقولة بتقول،كلٌ يرى الناس بعين طبعه،فلا تنتظر من الخبيث أن يراك نقياً،ولا من المنافق أن يراك صادقاً، ثِقْ بنفسِك و أسلوبِك و أخلاقِك وامضي
انتهت من جملتها لترمقها بنظراتٍ إحتقارية أشعلت تلك الـ سالي التي لم تتوقعُ حتى بأحلامها أن تُهان على يد تلك التي طالما نظرت لها بعين التقليل،وقبل أن تستجمع شتات حالها المبعثر نطقت إيثار بقوة وهي تُشير لإحدى العاملات التي تعرفها جيدًا بعدmا خرجت من باب المطبخ:
-ماجدة
أتت العاملة مهرولة لتنطق بترحاب بتلك الجميلة:
-أستاذة إيثار، إزيك
-الحمدلله يا حبيبتي بخير...نطقتها بابتسامة رائعة لتتابع باحترام يعود لتربيتها السليمة على يد والدها الذي زرع بها الأصول واحترام من هو أقل منها:
-ممكن توريني الأوضة اللي مدام نيللي جهزتها لي
تحت أمرك يا ست الكل... قالتها الفتاة بحبورٍ لتصعد الدرج سريعًا وهي تقول:
-إتفضلي معايا
تطلعت على تلك المذبهلة حيث مازالت تحت تأثير الصدmة فقد أفحمتها بالرد المناسب دون المساس بها مباشرةً إحترامًا لمالك المنزل،تحدثت بابتسامة مصطنعة ونظرات تقليلية:
-بعد إذنك يا، يا سالي هانم
رفعت رأسها بترفعٍ وصعدت الدرج بطريقة راقية وخطواتٍ واثقة لتلحق بها العاملتان تحت نظرات سالي المشتعلة وعقلها الصارخ وقلبها المستعيرُ بنار الحقد.
وصلت إيثار إلى غرفة لارا ودقت بابها ثم ولجت لتجد تلك الجميلة تجلس على المقعد المتواجد أمام مرآة الزينة تتطلع على حالها وهي ترتدي ثوب الحمام الأبيض مستسلمة لخبيرة التجميل التي تصفف لها شعرها،تفاجأت بولوج تلك التي هتفت بنبرة حماسية:
-العروسة تسمح لي أدخل؟!
-إيثوووووووو...قالتها بحبورٍ شـ.ـديد لتنهض منتفضة تاركة مقعدها وهي تهرول باتجاهها لتحتضنها وباتت تلف بها بطريقة جعلت إيثار تصرخ لتقول وهي تحتضن بطنها لتحميهما من جنون تلك المنطلقة:
-حاسبي البيبي يا مـ.ـجـ.ـنو.نة
اتسع بؤبؤ عينيها لتتوقف على الفور وتضع كفيها أمام وجهها لتقوم بتقديم الإعتذار بطريقة تمثيلية:
-I'm sorry
لترد إيثار وهي تتطلع عليها باستنكارٍ:
-ويفيدني بإيه أسفك لما فؤاد علام يعلقني في أوضة المخزن
ضحكت على مزحة صديقتها لتنطق إيثار وهي تتطلع عليها بنظراتٍ متأثرة فاتحة ذراعيها لتستقبلها بأحضانها:
-مبروك يا قلبي
إقتربت لكن بحذرٍ تلك المرة واحتضنتها بحفاوة لتنطق بعدmا ابتعدت قليلاً:
-فين چو؟!
أجابتها وهي تقترب من الفراش لتجلس عليه كي تستريح:
-عنده تمرين سباحة هيخلص وييجي مع فؤاد في ميعاد الفرح
إبتسمت الفتاة لتهرول على ثوب زفافها المُعلق وهي تقول بنبرة حماسية ترجع أسبابها لسعادتها لزواجها بالرجل التي عشقته:
-تعالي أوريكِ الفستان، مورتهوش لحد خالص حتى مامي،مخلياه مفاجأة للكل
لتتطلع إيثار عليها بحنان لتنطق الأخرى مسترسلة:
-بس إنتِ غير يا إيثار، مش بعرف أخبي عنك حاجة
بعد قليل إستدعاها أيمن عن طريق العاملة كي تنضم لطاولة الطعام،نزلت الدرج وأخذتها العاملة لحجرة الطعام لتجد أيمن يتقدm الطاولة تجاوره علي اليمين زوجته وعلى شماله أحمد تليه سالي، وما أن رأها أحمد حتى انتفض من جلوسه ليرحب بها بطريقة سامية:
-أهلاً،إزيك يا مدام إيثار
هزت رأسها بحبورٍ لتجيبه بابتسامة بشوش:
-الله يسلمك يا دكتور، أخبـ.ـار حضرتك إيه
أشار لها أيمن لتجلس فاستدارت وجلست مقابل سالي التي رمقتها بنظرة حادة لتردها بابتسامة صفراء،بدأ الجميع بتناول الطعام لتنطق إيثار بإعجاب وهي تتطلع على أصناف الطعام المتواجدة على السفرة:
-حلو قوي أكل الشيف،والأصناف متنوعة وهترضي جميع الاذواق
تحدثت نيللي وهي تتطلع بفخرٍ على زوجها:
-الشيف إختيار أيمن، هو اللي اختار الشركة المنظمة للحفلة وأصر عليهم يختار الشيف بنفسه
أكملت على حديثه لتمدح في مديرها السابق بنبرة صادقة:
-الباشمهندس طول عمر إختياراته كلها perfect
واسترسلت وهي تنظر لها:
-وأكبر دليل على كده إنه اختار حضرتك
وضعت كفها على خاصتها الموضوع فوق حافة الطاولة وربتت عليها وهي تقول:
-حبيبتي يا إيثار، عيونك الحلوين يا روحي
بادر أيمن بسؤالها الحنون:
-قولي لي يا إيثار، يا ترى هتجيبي لنا أخ ولا أخت للأستاذ يوسف
ابتسمت خجلاً لتجيبه وهي تنظر إليه بسعادة:
-فؤاد كان نفسه في بنوتة قوي، وبابا علام وماما عصمت كان نفسهم في ولد علشان يكون إمتداد للعيلة،فربنا راضى الكل والحمدلله
نطقت نيللي بسعادة ظهرت بعينيها:
-توأم، هتجيبي بنت وولد يا إيثار؟
أومأت عدة مرات للتأكيد بسعادة لتتلقى التهنئة من الجميع ماعدا تلك التي زاد حقدها وهي تتطلع عليها لتسأل حالها، ماالذي يميز تلك الحقيرة لكي تنال كل شيئٍ دفعةً واحدة.
*************
بدأ حفل الزفاف وحضر الجميع والان هم في انتظار خروج العروس مع والدها من الداخل،تحدث أيمن وهو ينزل الدرج وابنته تتأبط ذراعه بفخرٍ:
-مبروك يا حبيبة قلبي، زي القمر يا ماما
اجابته بسعادة هائلة:
-ميرسي يا بابي
تطلع على تلك الجميلة التي تنزل خلفهما:
-كان نفسي أسلمك بإيدي لسيادة المستشار، بس جنابك عملتيها من ورايا
ضحكت بصوتٍ مرتفع لتجيبه:
-أنا كنت في إيه ولا في إيه بس يا باشمهندس،ده أنا كنت خارجة من مصارعة تيران وقتها
ضحك جميعهم وتحركوا للخارج تحت تصفيقٍ حار من الجميع،اما ذاك العاشق فكان في عالمٍ أخر،تطلع على ملكة زمانها التي أبهرت الجميع بمظهرها الهائل وذاك الثوب نبيذي اللون والذي لام حالهُ كثيرًا لاختياره اللون المفضل لديه حيث أضفى جمالاً على جمالها،وقف ليستأذن من عائلته التي حضرت بالكامل بناءًا على دعوة أيمن وإصراره على الحضور،وذهب إليها في حين هرول يوسف ليستقبل لارا فأوقفه فؤاد ليحمله وهو يقول بهدوء:
-إستني يا حبيبي لما بباها يسلمها للعريس وبعدها نروح نسلم عليها
-بس لارا صاحبتي يا أنكل...قالها بتلقائية ليجيبه فؤاد:
-حتى لو صاحبتك، مينفعش يا چو، ده بروتوكول الأفراح مش هنيجي إحنا ونكـ.ـسره
نطق الصغير بخيبة أمل:
-طب نزلني علشان أرجع لبيسان
هبط ليهرول عائدًا إلى طاولة العائلة لينطلق الأخر إلى حبيبته يتحرك بين الحضور بخفة وجاذبية وعينيه مصلطة على تلك السندريلا التي ظهرت بحياتهُ لتنيرها وتجعلها أكثر إشراقًا،وصل لوجهتها ليرفع كفها يقبلهُ وهو يتطلع عليها باشتياقٍ جارف وعينين تكاد تلتهمها لشـ.ـدة جمالها،تحدث امام عينيها:
-زي القمر يا قلبي،مع إني طلبت من خبيرة التجميل تحط لك ميك اب خفيف جداً إلا إنه أضاف لك جمال على جمالك
نطقت بسعادة وهي تتعمقُ بمقلتيه:
-وحـ.ـشـ.ـتني،حاسة إني بعيدة عنك ليا أيام مش مجرد كام ساعة
أجابها وهو يبادلها نفس النظرات الولهة:
-نفس اللي حصل لي يا حبيبي،البيت وحش قوي من غيرك يا إيثار،الكام ساعة اللي قعدتهم فيه من غيرك حسسوني قد إيه وجودك بقى أهم من الهوا اللي بتنفسه
ابتسمت وظهر الحبورُ بعينيها لينطق بحدة وكأنه تحول لأخر:
-بس إعملي حسابك يا هانم،دي أخر مرة هتلبسي فيها نبيتي برة أوضة النوم،فاهمة ولا لا؟
هزت رأسها بطريقة ساخرة لتجيبهُ:
-ده على أساس إن أنا اللي اختارت موديل الفستان ولونه؟!
-غـ.ـبـ.ـي...نطقها بحدة ليسترسل والغيرة تنهش بقلبه بظهورها بكل هذا السحر والجمال:
-أنا بعترف إني أغبى واحد في الكون
وتابع بغيظٍ من بين أسنانه:
-بس بسيطة، محدش بيتعلم ببلاش
نطقت بعينين تهيمُ غرامًا:
-هو للدرجة دي أنا حلوة في عيون حبيبي؟
بنفس درجة الهيامِ أجابها:
-إنت حلوة في عيون حبيبك في كل حالاتك يا قلب حبيبك
-تحبوا أجيب لكم إتنين ليمون وشجرة...جملة قالتها فريال التي تسحبت لتتسمع عليهما من الخلف لينتفض على إثرها العاشقان مما جعل إيثار تنطق برجفة:
-حـ.ـر.ام عليكِ يا فريال فزعتيني ورعـ.ـبتي ولاد أخوكِ
-كله إلا ولاد أخويا...قالتها وهي تتحسس بطنها ليجذب يدها بحدة ترجع لغيرته قبل أن ينطق بغيرة:
-إنتِ اتجننتي يا فريال،إزاي تحطي إيدك على بطنها بالشكل ده قدام الناس
نطقت وهي ترفع كفيها للأعلى باستسلام بطريقة كوميدية:
-خلاص خلاص متزعلش،نسيت إن الباشا بيغير
لتتابع متعجبة:
-أنا مش عارفة الغيرة الفظيعة اللي طرأت على شخصيتك دي،من إمتى والباشا بيغير كده؟!
نطقت إيثار بثقة تصل للغرور وهي تتطلع على زوجها وتتمسك بذراعه لكي تثبت للجميع انها المرأة الوحيدة التي استطاعت إمتلاك قلب فؤاد علام وأن التي سبقتها لم يعد لها أثرًا:
-من يوم ما حب وعشق بجد يا أستاذة
وتابعت وهي تنظر بمقلتيه تسألهُ بدلالٍ لإمرأة تعشق زوجها:
-مش كده يا حبيبي؟
بادلها نظراتها الولهة ليؤكد على حديثها:
-كده يا قلب حبيبك
نطقت فريال وهي تتطلع على نظراتهم المغرمة:
-وربنا لتفضحونا النهاردة،أنا رايحة أقعد جنب جوزي قبل ما تتهوروا وتتمسكوا فعل فاضح في الطريق العام وأروح أنا في الرجلين
استلم العريس عروسه وتم عقد القران لتنطلق الزغاريد والمبـ.ـاركات وتبدأ الرقصة الاولى، تحركت إيثار بجانب زوجها لتقوم بالترحاب بهما بجانب أيمن ونيللي،جلست بجوار فؤاد ليسألها علام بعد انسحاب أيمن وزوجته:
-أحفادي الابطال أخبـ.ـارهم إيه
أجابتهُ بممازحة لذاك الخلوق:
-أحفادك مش مبطلين ترفيس في جنبي سعادتك،ماشاء الله عليهم شكل الولد هيطلع مو صلاح التاني وأخته هتطلع بطلة جمباز
نطقت عصمت على عجالة:
-قولي الله أكبر يا إيثار،ما يحسد المال إلا أصحابه
سأل ماجد فؤاد:
-هو إنتوا لسة ما اختارتوش أسماء البيبهات ولا إيه يا سيادة المستشار؟!
تطلع على عيناي حبيبته لينطق بسعادة:
-إخترناهم خلاص يا دكتور
نطقت فريال باستهجان:
-من ورايا؟!
واسترسلت بمشاكسة:
-أنا ملاحظة إن من يوم ما إنتقلنا على بيتنا أنا وماجد وفيه شغل كتير بيحصل من ورا ظهرنا، ولا إيه يا ست ماما؟
ضحك الجميع لتجيبها عصمت بصدقٍ تجنبًا لحـ.ـز.ن نجلتها:
-صدقيني أنا إتفاجأت بالكلام زيي زيك بالظبط، ولا أعرف الاسماء لحد الوقت
نطق فؤاد لارضاء شقيقته:
-محدش لسه عرف يا فيري، أنا وإيثار إخترناهم بالليل ولسه مبلغناش حتى الباشا
نطق علام بعدmا فقد القدرة على الصبر:
-طب إتفضل نور المحكمة، ولا هنفضل في حالة الساسبنس كده كتير
ضحك. فؤاد قبل أن يقول:
-إن شاءالله "زين الدين" فؤاد علام زين الدين، و"تاج "فؤاد علام زين الدين.
نزل الخبر على قلب علام كغيثٍ هطل على قطعة أرضٍ متشققة من شـ.ـدة العطش ليرويها ويُنعشها وتدب بها الروح من جديد، ربتت عصمت على كف زوجها الذي نظر عليها بسعادة،تلقى الزوجين التهنئة من الجميع الذي أجمعوا على حُسن إختيار الأسمين.
بعد قليل صعد الجميع ليرقصا معًا رقصة الثنائيات وصعد أيضًا يوسف الذي ارتدى بدلة كاملة وبيسان حيث ترتدي ثوبًا منفوش كثوب العروس ليرقصا ويمرحا معاً بعد أن قدmا التهنأة للعروسان، كان زفافًا حقًا رائعًا سعد به الجميع عدا تلك الـ سالي التي ملئ الحقد قلبها من ناحية إيثار.
*************
عادت مع زوجها لتلج إلى الحمام وتغطس بجسدها في الماء كي تريح جسدها المنهك وبعد مده خرجت لتجد حبيبها بانتظارها وقد أشعل بعض الشموع ذات الروائح العطرة ليخلق أجواءًا رومانسية،وأيضًا شغل موسيقى هادئة كي تساعد حبيبته على الاسترخاء،إقترب عليها لينحني بطوله الفارع حتى وضع كف يده على بطنها ليتحدث إلى جنينيه بقلبٍ يرتجف فرحًا:
-حبايب بابي اللي وحشوه طول اليوم
وكأن الصغيرين استمعا لصوته الرنان ليتحركا تحت كفيه مما جعل قلب ذاك الحنون ينتفضُ فرحُا وسعادة لينطق بصوتٍ يكسوه الحبور الشـ.ـديد:
-دول سمعوني وبيردوا عليا يا إيثار، ولادي عارفين صوتي وبيحسوا بيا
تلمست شعر رأسه بحنان لتنطق بنبرة سعيدة لأجله:
-طبعاً عارفينك يا حبيبي،دول ولاد سيادة المستشار فؤاد علام وأكيد وارثين عنك النباهة والذكاء
ابتسم ليعتدل بجسده من جديد،ثم جذبها لأحضانه وتحدث وهو يستنشق شعر رأسها:
-حشـ.ـتـ.ـيني و قوي،كل حاجة فيكِ وحـ.ـشـ.ـتني،نظرة عيونك صوتك، حتى ريحتك اللي تشبه ريحة الجنة
كانت تستمع إلى كلمـ.ـا.ته وكأنها تستمعُ إلى عزفٍ رائع على البيانوا،تعمقا بالنظر كُلٍ منهما إلى الأخر لينـ.ـد.مجا معًا داخل حالة الهيام التي اجتاحت روحيهما ليغوصا داخل بحر هواهما العظيم،غفت بين أحضانه بعد أن قضى كلاهما ليلةً رومانسية لتضاف إلى لياليهم الرائعة،فاق في الصباح ليراها جالسة ووجهها عابس ليسحب جسده سريعًا ويسألها بإهتمامٍ:
-مالك يا بابا،قاعدة كده ليه؟!
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بصوتٍ جاد:
-فؤاد،أنا عاوزة أروح كفر الشيخ
زفر وهو يقلب عينيه بضجر لينطق بصوتٍ حاد:
-صباح الهرمونات والجنان الرسمي
تطلعت بعينيه وابتلعت ريقها قبل أن تقول بتأثر:
-أنا مبهزرش يا فؤاد،أنا عاوزة أزور قبر بابا وأسد الدين اللي عليا
ضيق بين عينيه ليسألها مستفسرًا:
-دين إيه ده اللي عليكِ يا إيثار؟!
طالعته بتأثرٍ قبل أن تنطق.....
↚
تطلع إليها بعينين متعجبتين ليسألها مستفسرًا بغرابة:
-دِين؟! دِين إيه ده اللي عليكِ يا إيثار؟!
صمتت لبرهة ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بنظراتٍ متأثرة:
-هرجع لـ إخواتي حقهم،هتنازل لهم عن ملكيتي للبيت والأرض وهوزعهم عليهم بشرع ربنا
واسترسلت وهي تهز رأسها:
-ومش هاخد من الورث أي حاجة علشان يرتاحوا
ضيق عينيه ليسألها:
-وتفتكري لما تتنازلي عن حقك أبوكِ هيرتاح؟!
تنهدت لتجيبه متأثرة لذكر اسم والدها الحبيب:
-بابا الله يرحمه كان أكتر واحد بيحس بيا،وأكيد وهو في دار الحق هيحس ويفهم أنا عملت كده ليه
تحدث بصدقٍ وهدوء:
-بصي يا حبيبي،إنتِ أكيد عارفة ومتأكدة إن ولا يعني لي أي مبلغ هتاخديه من ورث بباكِ، ومهما أخدتي هتكون بالنسبة لي ملاليم
واسترسل مستشهدًا بالمال الذي وضعه باسمها في أحد البنوك كي يشعرها بالأمان وبأنها أصبحت زوجة لرجُلٍ ثري وترك لها حرية التصرف في المال كيفما شاءت دون الرجوع إليه،وقد عارضته كثيرًا حينها لكنه أصر على قراره وما كان منها سوى الإنصياع لرغبته فبالنهاية هي زوجته ويحق لها التمتع بماله:
-أنا حطيت لك في حسابك اللي يكفيكِ عمرك كله واللي لو صرفتي منه ليل ونهار مش هيخلص،بس أنا بتكلم علشان تراجعي نفسك، لأن قرار زي ده محتاج تفكير علشان مترجعيش تنـ.ـد.مي
أمسكت يده وتحدثت بنبرة حنون:
-أنا عارفة إن كلامك من باب لفت الإنتباه مش أكتر،بس قراري أنا أخدته بعد تفكير عميق
واسترسلت بإبانة:
-وعلى فكرة،أنا من اليوم اللي بابا الله يرحمه سلمني الورق وأنا ناوية إني هرجعه أول ما إبني يتم السِن القانوني وقلبي يطمن عليه،وقررت بيني وبين نفسي إني مش هاخد أي حاجة من الورث ده،لأني الحمدلله ربنا كان رازقني ومُرتبي من شركة أيمن الأباصيري كان مكفيني أنا وإبني وعزة
واسترسلت وهي تنظر إليه بعرفان:
-وبما إنك حليت لي مشكلة الحضانة فمفيش داعي إني أحتفظ بالورق معايا أكتر من كده
واسترسلت متأثرة بحنين:
-هما محتاجينه علشان يطمنوا،وكمان عزة قالت لي إن نوارة كلمتها وقالت لها إنهم كانوا محتاجين يبيعوا حتة أرض علشان يوسعوا على نفسهم وأولادهم،لكن طبعاً هما ميقدروش يتصرفوا طول ما كل حاجة بإسمي
حاوط وجنتيها بكفاه وتطلع عليها بفخرٍ ثم تحدث بقلبٍ سعيد ببراءة وأخلاق زوجته نقية القلب:
-لو أقول لك أنا فخور بيكِ قد إيه مش هتصدقي،إنتِ جميلة قوي يا إيثار،وجمال قلبك طاغي وزود من جمال ملامحك
ابتسمت بسعادة ليفتح لها ذراعهُ يدعوها كي تسكُنه وكأنها كانت تنتظر لترمي حالها سريعًا فقد أصبح حُضنهُ ملاذها الأمن الذي تتحامى به من جميع ما يؤرق روحها،تنهدت وهي تتنعمُ بين أحضانه الحانية وتستمتع بلمساته الحنون الذي ينثرها فوق ظهرها وشعر رأسها مما أدخلها بحالة من الإسترخاء والسعادة اللامتناهية،نطقت بصوتٍ مرتخي جراء حالتها:
-فؤاد
-إيه يا حبيبي...قالها مستمتعًا بضمتها لتسألهُ مستفسرة:
-هنروح إمتى كفر الشيخ؟
نطق ببرود وهو يستنشق عبير شعرها:
-ومين قال إننا هنروح كفر الشيخ يا عمري
نزعت جسدها من بين أحضانه وهي تنفض ذراعيه لتسألهُ بعينين متسعتين:
-هو احنا مش إتفقنا خلاص
طالعها بهدوء لينطق مفسرًا:
-إحنا أه اتفقنا إنك هترجعي الورق لاخواتك وتتنازلي لهم عن حقك في ميراثك الشرعي
واسترسل وهو يُشير بكفه على حاله:
-لكن أنا قولت لك ولا حتى لمحت إننا هنسافر كفر الشيخ؟!
ضيقت عينيها بعدm استيعاب لتسألهُ متهكمة:
-وهتنازل لهم إزاي إن شاءالله؟!
تنفس بهدوء قبل أن ينطق بثبات وجدية:
-هكلم المحامي بتاع العيلة ييجي النهاردة يكتب لك التنازل وتمضي عليه وهبعته لهم مع السواق
-وبالنسبة لزيارتي لقبر أبويا...قالتها باستفهام لتتابع ساخرة بتهكم:
-هتبعت تجيبه لحد هنا هو كمان يا سيادة المستشار ؟!
أغمض عينيه محاولاً تهدأت حاله قبل ثورتها المتوقعة فقد بات يحفظ طبعها عن ظهر قلب:
-حبيبي،موضوع زيارتك لقبر عمي الله يرحمه مضرين نأجله لبعد الولادة إن شاءالله
كانت تستمع إليه وهي تهز رأسها مستنكرة لحديثه ككل وقبل أن تنطق قاطعها برفضٍ قاطع:
-إنسي، أنا مستحيل أضحي بأمانك وأمان ولادي علشان خاطر أي حد
نطقت بنبرة متأثرة علها تستطيع إقناعه:
-بس دول أهلي يا فؤاد
أجابها بحدة وصرامة:
-على راسي من فوق إكرامًا ليكِ ولـ يوسف،بس مش على حساب ولادي
ثم استرسل بنبرة متعجبة لأمرها:
-أنا مش فاهم إنتِ بتفكري إزاي،بسهولة كده بتعرضي نفسك وولادك للخطر علشان خاطر ناس عمرهم ما فكروا فيكِ ولا يوم كنتي من أولاوياتهم؟!
نزلت كلمـ.ـا.ته على قلبها كـ خنجرٍ مدبب غرسهُ بمنتصف قلبها بدون رحمة،هي تعلم صحة حديثه بل والأكثر من هذا،لكنهم بالنهاية عائلتها
علت أصواتهم ليقطعها طرقًا قويًا فوق الباب لينتفض ويقف أرضًا وينتزع قميصه كي يستر به نصفه العلوي العاري،إرتداه على عجالة ليتحرك نحو الباب وقام بفتحه لتنطق تلك الثرثارة سريعاً:
-مالكم يا باشا كفانا الشر، صوت خناقكم جايب أول السلم
أشار لها ليغلق الباب وهو يتحدث بحدة:
-إدخلي شوفي الهانم وعقليها يا عزة،الأستاذة عاوزة تروح كفر الشيخ
دبت فوق صدرها لتنطق بغرابة:
-يلهوي،كفر الشيخ إيه اللي عاوزة تروحها،هي نسيت اللي حصل لها أخر مرة من عرة النسوان أمها والمواكيس إخواتها اللي محسوبين عليها رجـ.ـا.لة؟!
كانت تتحدث وهي تتحرك للداخل حتى وصلت إلى حجرة النوم وتحدثت باستغراب لتلك التي تتوسط بجلوسها الفراش:
-إنتِ عاوزة تروحي كفر الشيخ بجد؟!
نطقت بحدة وصرامة:
-عزة، خرجي نفسك من الموضوع ده علشان ما اطلعش كل غضبي فيكِ
هتفت معترضة:
-أخرج نفسي إزاي ومحدش بيشيل همك في الأخر غيري،حـ.ـر.ام عليكِ يا إيثار
واسترسلت بنبرة لائمة وهي تشيح بكفيها نحو بطنها:
-طب يختي لو مش خايفة على نفسك خافي على عيال الناس، دول ما صدقوا ربنا راضاهم وطايرين بيكِ وشايلينك من على الارض شيل
واسترسلت ناصحة:
-إستهدي بالله كده واعقلي يا بنت عم غانم
كان واقفًا شابكًا ذراعيه أمام صدره يتطلع عليها وعلى وجههِ علامـ.ـا.ت الضيق من أفعال تلك العنيدة التي ستصيب قلبه بالتوقف يومًا ما،لينطق مؤكدًا على صحة حديثها:
-قولي لها وفكريها يا عزة،الهانم شكلها نسيت اللي إتعمل فيها هناك
تطلعت عليه بعينين تغشوها دmـ.ـو.ع الألم لتنطق بنبرة مكـ.ـسورة:
-هو أنتَ إزاي مش قادر تحس بيا يا فؤاد،أنا نفسي أزور بابا وأرد الامانة لأصحابها
قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة ودmـ.ـو.عها تسيلُ فوق وجنتيها بعدmا فقدت التحكم بها،وبرغم تأثره الشـ.ـديد بدmـ.ـو.عها إلا أنه تحكم بمشاعره ليتحدث بقوة وثبات كي لا يضعف أمام رغبتها:
-أنا مش قادر أفهم إنتِ إزاي مش عاملة حساب للمـ.ـجـ.ـنو.ن اللي إسمه عمرو ورايحة لحد بلده
ليتابع بجنون:
-ده خـ.ـطـ.ـفك من قلب القاهرة وكان عاوز يسفرك إنتِ ويوسف،إنتِ متخيلة ممكن يعمل إيه وإنتِ في قرية حجمها محدود وهو دارس مخارجها ودواخلها كويس قوي
نطقت بشهقاتٍ قطعت بها نياط قلبه:
-ما أنتَ مراقبه وعارف كل تحركاته هو وإخواته
بسطت عزة ذراعها لتربت على كتفها بمؤازرة لينطق هو مفسرًا علها تقتنع:
-مراقبه هو يا حبيبي،لكن إيه اللي يضمن لي إنه مش مأجر حد يراقبنا من بعيد ويستغل الفرصة اللي سيادتك عاوزة تقدmيها له على طبق من دهب؟
رفعت كفيها لتجفف دmـ.ـو.عها بعنفٍ وهي تسألهُ بحدة وكأنها لم تستمع لكلمـ.ـا.ته الأخيرة:
-من الأخر كده يا فؤاد،هتوديني ولا لاء؟
نظر لها لتتقابل أعينهم وهم يتبادلون نظرات التحدي لينطق بصرامة:
-مفيش سفر لكفر الشيخ قبل الولادة يا إيثار
واسترسل سريعًا وهو يشير بسبابته:
-وده علشان خاطر تزوري قبر عمي غانم الله يرحمه وبس
وتابع بغيرة تنهش داخل قلبه كلما تذكر أنها قضت بتلك البلدة سنواتها الفائتة وتزوجت من غيره وعاشت ببيته الملعون وداخل أحضانه لسنوات:
-لولا كده كان لايمكن أسمح بإنك تنزلي البلد دي تاني إلا على جثتي
رفعت رأسها بشموخ وتحدثت:
-تمام،ممكن تطلعوا بره إنتوا الإتنين علشان تعبانة وعاوزة أنام
قالت جملتها لتُمدد جسدها فوق الفراش من جديد وتسحب الغطاء حتى دفنت رأسها تحته،نظر إلى عزة وهز رأسه يمينًا ويسارًا بإحباط لتنطق وهي تجذب الغطاء لتكشف وجهها:
-قلبتوا دmاغي ونستوني أنا كنت جاية في إيه
واسترسلت:
-قومي يلا علشان تفطري،الباشا الكبير والدكتورة مستنينكم على الفطار تحت
جذبت الغطاء من يدها لتنطق بحدة وهي تعيد تغطية وجهها من جديد:
-قولت لك تعبانة وهنام
كادت أن تتحدث فأشار لها فؤاد وتحدث بهدوء:
-إنزلي وإحنا هنحصلك يا عزة
تنهدت بأسى لتنطق وهي تتحرك للأمام:
-أوامرك يا باشا
أخذ نفسًا عميقًا ثم تحرك ليجاورها الفراش ثم سحب الغطاء ليتفاجأ بدmـ.ـو.عها التي تسيل على الخدين كشلالاتٍ ليسألها بنبرة حزينة:
-ليه يا بابا دmـ.ـو.عك دي،ليه بتعملي كده في نفسك وفيا؟!
شهقت لتنطق بحدة ونبرة ساخطة:
-مش عارف دmـ.ـو.عي دي ليه بجد،دي دmـ.ـو.ع قهر على حالي واللي وصلت ليه معاك
اتسعت عينيه ذهولاً لتتابع هي بألم:
-من يوم جوازنا وإنتَ قاصد تفرض رأيك وهيمنتك عليا في كل شئ يخصني، شغلي خروجي حتى أكلي عامل لي بيه قايمة ممنوعات ومديها لسعاد بتنفذها بدون نقاش، كل ده ليه، علشان ولادك؟!
-طب وأنا؟... نطقتها بغضبٍ حاد وهي تشير على حالها...أنا راحتي فين،كياني واستقلاليتي فين يا فؤاد؟!
لم يستوعب كم الإتهامـ.ـا.ت الباطلة التي تلقيه بها بهتانًا لينطق مذهولاً:
-يــاه يا إيثار،إنتِ للدرجة دي شيفاني شخص ديكتاتور وظالم؟!
أشاحت بوجهها بعيدًا عن عينيه لتتنهد ثم نطقت بصوتٍ متألم شطر صدره لنصفين:
-أنا تعبانة ومحتاجة أنام،ياريت تطفي النور وتدخل تلبس جوه لأن أعصابي تعبانة ومش هتحمل إضاءة جنبي
حاول بسط ذراعيه كي يجذبها لأحضانهِ عله يساعدها على الاسترخاء لكنها صدته سريعًا ووالته ظهرها بحدة أظهرت كم غضبها منه،ليزفر بضيقٍ من حالهِ قبلها،هب واقفًا ليطفئ لها الأنوار ويختفي خلف باب الحمام كي يحصل على حمامه الدافئ اليومي ثم خرج بعد قليل ليرتدي ثيابه ويقوم بصلاة الضحى قبل أن يتجه صوب فراشها،وقف يتطلعُ على ملامحها وهي غافية وقلبهُ يتألم لحالها،لم يوافقها على جنونها ذاك وبالتأكيد لن يرضخ لتنفيذ طلبها ليس تعنتًا كما تظن هي بل خوفًا ورُعبًا عليها وصغيراه اللذان لم يرا الدنيا بعد،لم ولن يسمح لها ولا لحاله أن يُمس طفليه بسوء ويُحـ.ـز.ن بل ويـ.ـؤ.لم قلبي والداه حيث أصبح شغلهما الشاغل هو انتظار قدوم مولودي نجلهما بفارغ الصبر
هز رأسه بيأسٍ وتحرك نحو مرآة الزينة،إلتقط ساعة يده وارتداها لتزيد من أناقتهِ المعتادة وأمسك قنينة عطرهِ الرجولي لينثر منه على عنقة وذقنه ليضعها من جديد وتطلع على حالهِ بنظراتٍ خاطفة قبل أن يحمل حقيبته الجلدية ذات اللون الأسود والتي يحتفظ بأوراق عمله داخلها ويتركها أمامها دون خوفٍ من تكرار الماضي اللعين،هو سلم لها روحهُ وانتهى الأمر بعدmا تيقن من طهارتها ونقائها،ألقى عليها نظرة وكاد أن يخرج لكنه لم يقوى دون توديعها ككل يوم،ساقته قدmيه ليتجه صوب الفراش،مال عليها بطوله الفارع ليلثم شفتها السُفلى في قُبلة سريعة نعم لكنها شغوفة حنون،مسح على جبينها بنعومة ليهمس أمام وجهها باعتذار:
-أنا أسف
قالها وتنفس بصوتٍ مسموع ليخرج على عجالة كي لا يتأخر على موعد عمله،استمعت إلى صوت خافت لغلق الباب ففتحت أهدابها،لم تكن غافية وتعلم أنه تيقن من ذلك لذا تأسف لها، أجهشت ببكاءٍ مرير وغصة مرة توقفت بمنتصف حلقها،تعلم أنهُ محق بشأن مخاوفهُ المشروعة على جنينيه،لكنها اشتاقت لرؤية لحد أبيها،تريد الجلوس بحضرة روحه الطاهرة كي تطمأنهُ عن حالها وأنها أصبحت بخير،اشتاقت لان تتحدث معه وقد أوصلها حثها أنها لو جلست أمام قبره وتحدثت سوف تشعر بالأرتياح،لذا هي مُصرة على الذهاب،إشتاقت أيضٕا لرؤية شقيقاها وأنجالهما ووالدتها وتلك الـ نوارة ذات القلب النقي،فبرغم ضراوة قسوتهم عليها إلا أنها لم تكن يومًا بكارهة لهم،يراودها شعورًا يلح عليها بإرجاع الحق لأهله كي تستريحُ ويهدأ ضميرها،يعتريها رُعبًا من إقبالها على الولادة قبل عودة الحق لاصحابه، تريد تخليص روحها من جميع القيود قبل دخولها بعملية الولادة تحسبًا لوفاتها أثناء الولادة،فلو لا قدر الله توفت تكون قد سددت جميع ديونها الدنيوية،إنها معضلة لكنها متأكدة بأن فارسها يستطيع فكها لكنهُ يتبع معها إسلوب التعنت،هذا ما استشفته من حديثها معه
***********
بالأسفل، ولج لغرفة الطعام بوجهٍ صارم يتطلعُ على والديه وهما يتناولان فطورهما قبل أن يذهبا كُلٍ منهما على وجهته لينطق هو بجدية:
-صباح الخير
رد والداه التحية ليتحدث وهو يبحث بعينيه عن الصغير:
-أمال فين يوسف؟
أجابهُ علام بابتسامة ترتسمُ على محياه كلما أتت سيرة ذاك الصغير الذي استحوذ على جزءًا ليس بالقليل من قلبه واهتمامهُ:
-فطر معانا وعزة عملت له السندوتشات بتاعته وخرجته للباص بنفسها
هز رأسهُ بتفهم، نظرت له والدته متعجبة نزوله لحاله دون زوجته كـ كل يوم، فمنذ إنتقال فريال وزوجها وأولادها للعيش بمنزلهم الجديد وهي تحضر معهما الفطار اليومي كي لا تشعرهما بالوحدة وفقدان مكان ابنتهما الحبيبة،لذا سألته عصمت باهتمام:
-فين مراتك يا حبيبي؟!
نطق وهو يجذب مقعده ويجلس فوقه باستسلام:
-تعبانة شوية ونايمة
بلهفة سألته:
-تعبانة إزاي يا فؤاد،لو حاجة تخص الحمل هتصل بالجامعة وأخد أجازة وأوديها للدكتورة بتاعتها تعمل لها سونار ونتطمن على الاولاد
تنهد بضيق ظهر فوق ملامحه ولن يخفى على والداه لينطق وهو يبتلع الطعام بمرارة:
-مش مستاهلة،دول شوية إرهاق ولما تنام هتصحى كويسة إن شاءالله
-مالك يا فؤاد؟...جملة قالها علام كي يطمئن على نجله لينطق الأخر بتهرب:
-مفيش يا باشا،سلامتك
نطق الأخر ساخرًا:
-مفيش إيه يا حبيبي بوشك الكِشر ده
نظر إلى أبيه ليتابع علام بنبرة ساخرة:
-قول يا حبيبي قول وفك عن نفسك
وكأنه كان ينتظر الإشارة لينطق بنبرة خرجت حادة رُغمًا عنه:
-الهانم عاوزة تروح كفر الشيخ،قال إيه عاوزة تزور قبر بباها وترجع لاخواتها عقد الأرض والبيت
سألته عصمت بجبينٍ مقطب لعدm علمها بقصة الأرض والمنزل:
-عقد إيه ده يا فؤاد؟!
اجابها باقتضاب:
-بباها الله يرحمه كان كاتب لها كل اللي يمتلكه علشان يحميها هي ويوسف،ويمنع أمها واخواتها من رفع قضية ضم حضانة الولد
تفهمت لتهز رأسها بهدوء فسألهُ علام مستفسرًا:
-وإنتَ قولت لها إيه؟
-رفضت طبعاً...نطقها بثبات وقوة ليتابع بحسمٍ:
-أمانها هي وولادي أهم من أي حاجة في الدنيا
تنهد علام لينطق برزانة وتعقُل:
-بس هي من حقها تشوف أهلها يا فؤاد
استمعوا لصوت تلك التي ولجت للتو من الباب لتتحدث وهي تحمل دورقًا زجاجيًا ملئ بعصير البرتقال الطازج واستمعتهم بالصدفة وكعادتها الثرثارة تدخلت بالحديث:
-لا يا باشا متأخذنيش في الكلام،فؤاد باشا عنده حق،اللي اسمه عمرو واهله دول مجرمين ومبيخافوش ربنا
واسترسلت تستعرض قوة وجبروت إجلال لعدm علمها بالتطورات الأخيرة التي حدثت ولم تمدها بها نوارة كالعادة:
-إمه دي ست قادرة والبلد كلها خدامين تحت رجليها،ومش بعيد لما تعرف إن إيثار في بيت أهلها تبعت لها ناس يأذوها هي واللي في بطنها
وتطلعت إلى عصمت التي تلون وجهها بعدmا هـ.ـر.بت منه الدmاء هلعًا على أحفادها الغوالي لتتابع وهي تشيح بكفيها بطريقتها المعتادة:
-دي نوارة مرات أخو إيثار كانت بتحكي لي عنها حكايات تشيب،طب دي في مرة...
قاطعها صوت فؤاد الصارم الذي سأم ثرثرتها وأراد ان يوقفها في الحال:
-عزة،مش وقتك،إتفضلي على المطبخ وعلى الساعة عشرة تطلعي لها فوق وتصحيها علشان تنزل تفطر
وأشار بتأكيد:
-لازم تاكل كويس وتاخد الفيتامين،مفهوم
هزت رأسها عدة مرات متتالية لتنطق مرددة:
-مفهوم،مفهوم يا باشا
وانصرفت وهي تهمس ببرطمة:
-يا ساتر على قلبتك،دي بنت منيرة الله يكون فى عونها منك،الراجـ.ـل عليه قلبة تقطع الخَلف، الحمدلله إني مقررة من زمان إني مخلفش، وإلا كانت تبقى مصيبة
أما علام فسألهُ بعقلانية:
-هتعمل إيه يا فؤاد؟
رفع كتفيه وتحدث وهو يُمسك بكأسه الزجاجي الفارغ ويقدmه نحو والدته التي بدأت بسكب بعض العصير الطازج له:
-هخلي المحامي يكتب عقد تنازل وتمضي هي عليه وأبعته مع السواق
نطق والده بقلبٍ لين:
- طب ومراتك يا ابني، دي ممكن تزعل جداً والدكتورة قالت إن الزعل غلط عليها
هتفت عصمت متبنية قرار نجلها الحكيم:
-مـ.ـر.اته هتزعل لها يومين وفؤاد في الأخر هيعرف يراضيها يا علام،إيثار طيبة وهتفهم وهتهدى مع الوقت،أهم حاجة أمانها هي والأولاد
كان يستمع لحديث والديه بعقلٍ شارد في حبيبته الشرسة،يعرف أنها شرسة عنيدة لكنه يستطيع ترويضها بكل براعة، فهي أنثاه الطائعة المحبة حتى ولو جُنت لبعض الوقت إلا أنها ستعود لرشـ.ـدها سريعًا وترتمي داخل ملاذها الأمن،"حـ.ـضـ.ـنه الدافئ"
ارتشف أخر قطرات العصير ليقف يهنـ.ـد.م من ثيابه وهو يقول:
-موضوع إقناع إيثار هياخد وقته وفي النهاية هتهدى وتقتنع،المهم عندي إن صحتها ما تتأثرش من الزعل
نطقت عصمت بهدوء لتريح قلب نجلها من ناحية حبيبته:
-متقلقش يا حبيبي،أنا قبل ما اتحرك على الجامعة هوصي عزة وسعاد عليها،وكده كده فريال شوية وهتجيب فؤاد وتيجي لها، وانا لما أرجع هقعد معاها ومش هسيبها
أومأ لها وتحدث وهو يلتقط حقيبته:
-أنا لازم اتحرك
نهضا والديه ليتحدث علام:
-خدني معاك أنا كمان
تحرك ثلاثتهم لتذهب عصمت إلى المطبخ قبل الذهاب كي تملي عليهم تعليمـ.ـا.تها الصارمة بشأن إيثار وإدارة المنزل وتوجهت هي الأخرى للخارج ليفتح لها السائق باب السيارة وينطلق بطريقه إلى الجامعة.
***********
داخل إحدى المستشفيات العامة،وبالتحديد داخل إحدى الغُرف الخاصة، تحركت الممرضة إلى العسكري الواقف أمام الباب لحراسة المريـ.ـضة لتنطق الممرضة:
-صباح الخير يا دُفعة
-صباح النور... نطقها بصرامة ليكمل حديثه الحاد:
-تخلصي معاها وتطلعي فورًا
أجابته بـ.ـارتباك لصرامته الحادة:
-حاضر
ولجت للداخل لتجد تلك المرأة فوق التخت المعد للمرضى،فقد أجريت عملية لاستئصال الرحم بالأمس وتمت العملية بنجاح،تحدثت الممرضة وهي تفرغ لها أنبول الدواء داخل المحلول المعلق:
-عاملة إيه النهاردة
أجابتها سُمية بصوتٍ خافت وجسدٍ واهن وملامح باهتة شاحبة كشحوب المـ.ـو.تى:
-تعبانة،بقول لك إيه
نطقت الأخرى بتمعن:
-قولي
لتتابع الأخرى بعرضٍ حقير كحقارتها:
-أنا عندي فلوس كتير شيلاها في مكان محدش يعرفه غيري، لو ساعدتيني أهرب من هنا هديكي نصهم
واسترسلت كي تزرع الطمع بقلبها:
-الفقر هيفارقك عمرك كله ومش هتشوفي خلقته تاني
تطلعت عليها الممرضة قبل أن تنطق بجدية:
-أنا هعتبر اللي سمعته ده من تأثير البنج عليكِ ومش هبلغ بيه العسكري، بس لو كررتيه تاني هتضريني أبلغ الظابط بنفسه
كادت أن تذهب لتتمسك الأخرى بكفها مستعطفة إياها وهي تتمسك بفرصتها الأخيرة للنجاة:
-أبوس أيدك ساعديني، أنا لو خرجت من هنا على السجن هيعدmوني،
وتابعت بزيف كي تستجدي تعاطفها:
-بنتي اللي عندها خمس سنين ذنبها إيه تتيتم في السن ده
جذبت الممرضة كفها بقوة لتنطق بنبرة جادة:
-بنتك دي كان لازم تعملي حسابها قبل ما تعملي عملتك وتقــ,تــلي الست المسكينة، واللي بردوا عيالها اتيتموا واتحرموا من امهم بسببك
واسترسلت وهي تهز رأسها بأسى:
-كل واحد لازم يدفع تمن أخطاءه،علشان الكل يتعظ
تركتها وأغلقت خلفها الباب لتسبها الأخرى بألفاظٍ نابية وهي ترمق الباب بنظراتٍ ساخطة
***********
داخل منزل عمرو،كان اليوم الموعود الذي انتظره كثيرًا حيث اليوم هو اليوم الأخير لخروج الأثار من المقبرة حيث وصل الرجـ.ـال بالحفر للبوابة واليوم ستفتح البوابة ويخرجوا منها القطع الأثرية النادرة،على أمل أن يسلمهم إياها ويقوم الرجل بخـ.ـطـ.ـف إيثار والصغير ويتبني سفرهم عبر البحر كما أوهمهُ،كان يتناول الطعام مع حسين الذي وجد عملاً مناسبًا في إحدى الشركات وتم توظيفهُ بشهادته الجامعية بمرتبٍ ضئيل لكنه اكتفى به كبداية لطريق الكسب الحلال،أقدm عليهما طلعت الذي تحدث بنبرة جادة:
-أنا رايح أتابع الرجـ.ـا.لة يا عمرو، وإنتَ استريح في البيت النهاردة
وقف عمرو لينطق باعتراض:
-مينفعش يا طلعت،أنا لازم أكون موجود عند التسليم
-أنا ورأفت صاحبك هنكون موجودين...قالها في محاولة منه لاقناعه ليتابع بزيف:
-وبعدين المفروض إنك الكبير بتاعنا، عمرك شفت كبير بيروح يسلم البضاعة بنفسه، زي ما الخواجة قاعد في مكتبه مستريح، إنتَ كمان تقعد هنا زي الباشا
رفع عمرو قامته للأعلى مستحسنًا فكرة شقيقه التي جعلته يشعر بالتفاخر بحاله،ليسترسل طلعت كي يبعد عنه أية شبهة:
-امال الفلوس هتستلمها إزاي يا عمرو؟
اجابهُ الأخر بمراوغة:
-هستلمها من الخواجة في مكتبه يا طلعت،أنا متعود معاه على كده
كذب عليه بالحديث فتلك هي المرة الأولى في التعامل بينهما وأيضًا وعلى حسب الإتفاق أنه لن يستلم نقودًا بل سيسدد له خدmة إختطاف إيثار ونجله مقابل تخريجه للأثار،نطق حسين متوسلاً لشقيقيه:
-بلاش المشوار ده أنا مش مطمن،خلينا نمشي في السليم علشان ربنا يسترها معانا
أشار له طلعت على الصحن المتواجد أمامه وهو يقول:
-خليك في الطعمية السخنة وكلها قبل ما تبرد يا حسين
واسترسل بنبرة حادة:
-وياريت كمان تخليك في حالك
كالعادة هز رأسهُ مستسلمًا واكتفى بالصمت المخزي لينطلق طلعت بسيارته التي ابتاعها له عمرو وتوجه إلى سوهاج بعدmا هاتف رأفت واطمئن على وجوده مع الرجـ.ـال بداخل فندق بسوهاج ينتظرون قدوم الليل كي يذهبوا إلى موقع الحفر ليخرجا القطع الأثرية وتنتهى تلك المهمة الصعبة التي أرهقتهم وأخذت منهم الكثير من الوقت قضوه في هلع وترقب خشيةً هجوم أهل البلدة عليهم.
*********
أما بمحافظة سوهاج،وبالتحديد بإحدى المنازل المملوكة لأحد أكبر الباحثين عن الأثار والحفر عليها وبيعها للمهربين،يترأس الجلسة المتواجد بها رفقائه بذاك العمل الغير أخلاقي والمخالف للقانون حيث أنهم ينهبون ثروات البلد ويساعدون على تهريبها للخارج مقابل مبالغ مالية طائلة لكنها لا تعني شيئًا مقابل القيمة المادية والعلمية لتلك الأثار الفرعونية النادرة الوجود،تحدث الرجل بثقة:
-أنا جمعتكم النهاردة علشان أقول لكم إننا مش هنتدخل في موضوع الخواجة ماريو والواد بتاع كفر الشيخ وأخوه
هب أحدهم لينطق بصرامة واعتراض:
-كلام إيه اللي بتقوله ده يا حاج عمران،يعني عاوزنا نسكت بعد ما الواد ده اتعدى على الأصول ودخل بلدنا واتعدى علينا، ده لازم يتأدب هو والخواجة ويطلعوا الإتنين ملط من البلد
نطق رجلاً أخر بحدة مماثلة:
-أيوا يا حاج عمران، إحنا هنسيبهم لحد ما العملية تكمل ونهجم في اللحظة الأخيرة، ناخد الأثار والفلوس، و ان حد منهم اعترض طلقة بجنية تخرسه
نطق عمران الجالس بشموخ فوق مقعده المرتفع والذي يشبه مقاعد الملوك، ممسكٕا بكفه عصا فرعونية برأسٍ ذهبية على هيأة ثعبان مخيف:
-ده اللي كنا متفقين عليه وهنفذه،بس العيون بتاعتي اللي بتراقبهم في الجبل لاحظوا إن مش عنينا إحنا بس اللي عليهم
تمعن الجميع منتظرين كلمـ.ـا.ته ليتابع بما أذهلهم:
-الحكومة طلعت مرقباهم ولما عملت إتصالاتي بالناس الكُبـ.ـار بتوعنا إتأكدوا إن الموضوع كبير ويخص حيتان في البلد إحنا مش قدهم، والراجـ.ـل بتاعي قالي إخفى من الموضوع خالص، علشان كده جمعتكم النهاردة قبل ما حد فيكم يتهور ويتحرك لوحده
تطلع الجميع لبعضهم وعقلوا الحديث واتفقوا على ألا يقتربوا من الجبل نهائيًا اليوم ليتركوا الجميع كلٍ للنهاية التي يستحقها.
***********
أتى الليل سريعًا،كان يتحرك في الحديقة ذهابًا وإيابًا ينتظر الأخبـ.ـار بقلبٍ حزين لأجل ذاك الصغير الذي أُبتُلي بهكذا أب تسوقه غرائزه الحـ.ـيو.انية ويتحرك بتهور دون حسابات،خرجت إلى الشُرفة كي تستنشق بعض الهواء، فمنذ ما حدث بينها وبين حبيبها في الصباح وهي تشعر بالإختناق والحُزن يملؤ قلبها،حـ.ـز.نًا عميق وكأن شيئًا ثقيلاً يضغط على صدرها يكاد يزهق بروحها،لا تدري مصدر ذلك الشعور كل ما تشعر به هو الحـ.ـز.ن الذي يخيم على حياتها منذ الصباح،باتت تدورُ بعينيها تتطلع على ما حولها لتلاحظ وجوده داخل الحديقة،يبدو عليه هو الأخر الحـ.ـز.ن والضيق،تنفست بعمق فمنذ أن عاد من عملهِ عصرًا وهي تتغاضى وجوده وتتلاشاه،حاول مرارًا أن يتحدث معها ويتفاهما لكنها رفضت بتعنُت فابتعد كي لا يضغط عليها ويغضبها أكثر
خرج والده مصطحبًا الصغير بكفه ليتجولا معًا ويتفقدا زهورهما،ليهرول الصغير باتجاه فؤاد وهو يصيح بصوته الطفولي الملئ بالحماس:
-شرشبيل
إلتفت لينظر إليه وبدون وعيٍ منه اتسعت ابتسامته وهو يرى ذاك الصبي يناديه بلقبه التي أطلقته عليه فرسته الجامحة،على الفور تذكر تلك الأيام الجملية مما خفف من ألم قلبه،حمل الصغير وثبتهُ داخل أحضانه وهو يقول:
-أهلاً اهلاً بحبيب قلب شرشبيل
نطق الصغير وهو يملس على وجنته بأنامله الرقيقة:
-أنا مش شفتك من ساعة ما جيت من المدرسة
اجابهُ بملاطفة:
-ده علشان جنابك طافش من البيت وسارح ورا بيسان هانم طول اليوم
ضحك الصغير وتحدث:
-أنا أكلت عندهم بيتزا وذاكرنا مع بعض ولعبنا كتير
ابتسم بلطف واقبل على وجنته ليضع قبلة حنون بث من خلالها حبه وأسفه الشـ.ـديد للصغير،نطق بنبرة خرجت متألمة:
-أنا أسف يا حبيبي
سألهُ ببراءة:
-أسف على إيه يا عمو؟!
-ولا حاجة يا يوسف،أسف وخلاص...قالها بتأثر شعر به والده ليأخذ الصغير من بين أحضانه ليحثه على الركض وهو يقول:
-يلا يا بطل إسبقني على حوض الورد على ما اتكلم شوية مع عمو فؤاد وأحصلك
ركض الصغير بسعادة لتتنهد تلك التي كانت تشاهد صغيرها وهو بين أحضان حبيبها المستبد،ولجت لداخل غرفتها لتجد تلك العاملة وداد وهي تتحدث برسمية:
-الحمام جاهز يا هانم
أومأت لها لتتحرك إليه بعدmا شكرت العاملة،نزعت ثيابها بالكامل لتنزل بقدmيها فى المغطس لتغمر جسدها بالكامل تحت المياة الدافئة المختلطة بالزيوت العطرية التي تساعد على الإسترخاء،أغمضت عينيها علها تحصل على بعض الراحة ويزيل ذاك الثقل الذي يطبق على أنفاسها
عودة إلى فؤاد وعلام الذي سألهُ باهتمام:
-مالك يا فؤاد؟!
أخذ نفسًا عميقًا ليزفرهُ براحة قبل أن ينطق بنبرة متأثرة:
-النهاردة ميعاد عملية سوهاج
هز علام رأسهُ وهو يقول:
-أيوا ما أنا عارف،سيادة النائب العام بلغني بالميعاد
صمت فؤاد ليسألهُ والده باستغراب:
-إنتَ إيه اللي مزعلك أنا مش فاهم؟!
تطلع على الصغير الذي يلهو ويحفر بالطين حول الزهور كما تعلم من علام لينطق بعينين متألمتين:
-صعبان عليا يوسف قوي
واسترسل متعجبًا حاله:
-تخيل إني فكرت في إني أحذر اللي إسمه عمرو بأي طريقة،مش قادر أتخيل إني أكون السبب في كـ.ـسرة الولد طول حياته
نطق علام بجدية:
-بلاش تخلي إحساس الذنب يسيطر عليك ويشوش أفكارك،السبب في كل اللي بيحصل لـ يوسف هو أبوه وعيلته اللي لا راعوا ربنا في تصرفاتهم ولا عملوا حساب لسمعتهم ومستقبل أولادهم، فطبيعي إن دي تكون النتيجة
نطق بتألم:
-أيوا بس ده أخو ولادي يا بابا
ضيق علام بين عينيه ليسألهُ بعدmا تشوش فكرهِ:
-إنتَ خايف على ولادك من مستقبل يوسف يا فؤاد؟
بقوة وثبات رد نافيًا:
-طبعاً لا يا باشا،مستقبل يوسف هيكون هايل إن شاءالله،أنا مش هسيبه غير لما يبقى شاب ناجح في دراسته وحياته،وهساعده يأسس شغل لنفسه كمان،عمري ما هفرق في المعاملة بينه وبين أولادي
واسترسل موضحًا:
-أنا بتكلم على يوسف نفسه،شعوره لما يكبر ويعرف حقيقة أهله،جده اللي اتقــ,تــل في السجن بعد ما ارتكب جريمة قــ,تــل،وأبوه وعمه اللي اتسجنوا في قضية تهريب أثار
ظهرت علامـ.ـا.ت الأسى والألم فوق ملامحه لينطق بصوتٍ متأثر:
-إزاي الولد هيتحمل كل الفضايح دي يا باشا
تحدث علام بنبرة قوية تعود لحبه الشـ.ـديد للصغير وتضامنه معه:
-إحنا هنكون معاه وهنساعده يتخطى الموضوع يا فؤاد،وبعدين إحنا فين والكلام اللي بتقوله ده فين
نطق بخزيٍ وألم:
-تفتكر ممكن يسامحني لو عرف إني كنت السبب في تدmير عيلته؟
قاطعه علام باعتراض:
-بس إنتَ مدmرتش عيلته يا سيادة المستشار،إنتَ قمت بواجبك تجاه بلدك كـ رجل قانون بيتقي الله في عمله
تنهد بحـ.ـز.ن ليحتوي علام كتفه ويربت عليه قبل أن يقول:
-هون على نفسك يا حبيبي،وإطلع صالح مراتك وراضيها
واسترسل بأسى:
-معجبنيش شكلكم إنتم الاتنين على الغدا،متعودتش أشوفكم كده
هز رأسه عدة مرات متتالية ليتحرك إلى الداخل وكاد أن يصعد الدرج ليجد بوجههِ عزة لينطق بهدوء:
-خلي بالك من يوسف يا عزة ومتخلهوش يتأخر على ميعاد نومه
هتفت بنبرة حماسية:
-يوسف ده في عنيا من جوه
واسترسلت وهي تسألهُ بتعجب لهيأته:
-إنتَ كويس يا باشا؟!
هز رأسهُ دون حديث واكمل طريقه بالصعود تحت استغراب عزة لحالته تلك،ولج لجنحه ليجدها تجلس بمقعدها أمام المرآة ترتدي مئزر الحمام وتكشف عن ساقيها لتضع عليهما بعض كريمـ.ـا.ت الترطيب وتقوم بتدليكها على الجلد،إقترب عليها ليستند بكفيه على كتفيها ومال ليضع قبلة على وجنتها لكنها باغتتهُ بابتعادها بحركة عصبية ليزفر بقوة وينتصب بظهره من جديد وهو ينطق بنبرة أظهرت كم تأثرهُ من ابتعادها عنه:
-إحنا هنفضل كده كتير؟
لم يجد منها سوى الصمت ومتابعة ما تفعل متجاهلة وجوده تمامًا لينطق بنبرة حادة بعض الشئ:
-مهي دي مش عيشة يا إيثار، مش كل ما هنختلف مع بعض هتتقمصي زي العيال الصغيرة
تطلعت إليه ونطقت بسخرية وتهكم:
-وسيادتك بقى عاوزني اتصرف إزاي لما أزعل منك،أقدm لمعاليك فروض الطاعة والولاء؟!
وانتفضت واقفة لتواجههُ وهي تتابع بسخرية:
-ولا ألبس لك أشيك لانچري عندي وأكتر لون بتحبه وأقدm لك نفسي زي الجواري علشان الباشا يتكيف وينبسط؟
إشمئز من حديثها ليصيح بها بحدة:
-إيه القرف اللي بتقوليه ده،هي دي طبيعة حياتنا يا إيثار؟!
هو ده اللي بينا من وجهة نظرك،لانچري ونوم مع بعض ووقت أتكيف فيه؟!
نطقت بحدة أظهرت كم الاستياء الذي أصابها:
-وإنتَ بقى شايفها إزاي يا سيادة المستشار،قولي على حاجة واحدة بس مشتركة بينا غير الموضوع ده؟
أشار لها بحدة وعينين تطلقان سهامًا نارية لينطق بقوة أرعـ.ـبتها:
-مش هحاسبك على كلامك الفارغ ده الوقت، لأنك مش في وعيك وباين قوي إن أعصابك تعبانة
واسترسل متوعدًا:
-بس وحياة أمي يا إيثار ماهفوت لك كلامك ده ولا هنساه
همست بصوتٍ خافت:
-أعلى ما في خيلك إركبه
هتف بحدة جعلت جسدها ينتفض:
-علي صوتك وسمعيني بتقولي إيه يا مدام؟
صاحت باستياء:
-بكلم نفسي، ولا ممنوع ده كمان؟!
أجابها بقوة ولهجة حادة أظهرت ديكتاتوريته التي يمارسها بين الحين والأخر:
-أه ممنوع،عاوزة تكلمي نفسك يبقى في سرك يا هانم
وضعت كفيها تتوسط بهما خصرها قبل أن تنطق متهكمة:
-وبالنسبة للكحة والعطس جنابك، مسموح بيهم ولا أعملهم فيبريشن؟
كظم ضحكاته على هيأتها وكلمـ.ـا.تها الساخرة ليستدير مواليها ظهره كي لا ترى ابتسامته وهو يقول:
-يكون أفضل
اتجه إلى الحمام ليأخذ حمامًا دافئًا على عجالة وخرج مرتديًا بنطالاً قطني باللون الأسود وصدره عاري كما عادته،وجدها تجلس فوق الأريكة تربع ساقيها وتضع فوقهما وسادة صغيرة موضوع عليها جهاز اللاب توب الخاص بها تتصفح من خلاله أحد تطبيقات التواصل الإجتماعي كي تمرر وقتها العصيب،زفر بقوة وجذب حقيبة عمله ليجلس فوق الفراش ويخرج بعض أوراقه الخاصة ليعمل ولأول مرة من داخل غرفة النوم كي لا يتركها وحيدة فريسة للحـ.ـز.ن ينهشها.
**********
بمدينة سوهاج
استطاع العمال إخراج جميع القطع الأثرية وتسلمها رجـ.ـال المهرب الأجنبي ليسلم الوسيط حقيبة المال إلى طلعت كما اتفق معه سابقًا بعدmا استطاع إثبات حاله وجدارته في إدارة العاملون مما نال من استحسان الخواجة والوسيط، واتفق طلعت معهما بأخذ المال واقناع شقيقه، وفي الحقيقة هو كاذب وقام بخداع الطرفين، وسيأخذ المال لنفسه ويبدأ به من جديد ولن يعود لمنزل عمرو مجددًا،تحدث الرجل بنبرة سعيدة:
-إستنى مني تليفون قريب علشان نتفق على العملية الجديدة
-أكيد يا باشا، أنا ورجـ.ـالتي تحت أمرك...قالها للرجل الذي تحرك إلى سيارته ليفتح طلعت حقيبة السفر الكبيرة المليئة برزم الأوراق المالية التي تحمل عملة الدولار ليقترب عليه رأفت ويسألهُ بنظراتٍ زائغة:
-إنتَ اتفقت معاهم على فلوس إمتى يا طلعت؟!
-ده عمرو متفق معاهم على حاجة تانية خالص... قالها باستغراب وهو يرى الرجـ.ـال التابعين للمهرب يرحلون بسياراتهم رباعية الدفع بعدmا حملوا بضاعتهم،لينطق طلعت بحدة:
-قصدك المصيبة اللي كان عاوز يوقع نفسه فيها تاني ويوقعنا معاه
وهتف بحدة لذاك الذي ابتلع لعابه:
-اللي أنا مستغرب له إنتِ يا رأفت،إزاي توافقه على الجنان ده وإنتَ أكتر واحد إتأذى معاه المرة اللي فاتت، ده انتَ اتحبست شهرين دوقت فيهم الذل على إدين رجـ.ـا.لة المستشار
سألهُ رأفت بتلبك:
-إنتَ عرفت منين؟
أجابهُ:
-روحت للوسيط وسألته وعرفت منه كل حاجة،واتفقت معاه ينسى الجنان ده كله وأخدت الفلوس وهديها لعمرو،مش ده أحسن لصاحبك بردوا ولا إيه يا سي رأفت؟!
ارتبك رأفت وتحدث بنبرة صادقة:
-أنا حاولت كتير أمنعه وأعقله بس إنتَ عارف أخوك لما بيحط حاجة في دmاغه، مفيش مخلوق يقدر يخليه يغير رأيه
هز رأسه بإيماء ليخرج بعض الرزم المالية ويوزعها على الرجـ.ـال كما اتفق معهم قبل سابق،نظر للمال بشراهة قبل أن يغلق الحقيبة وهو يقول بعدmا ابتعد عنه رأفت:
-أيامك الحلوة هترجع تزهزه تاني يا طلعت، وأول حاجة هعملها من الفلوس دي، أتجوز بت صغيرة تخلف لي الولد اللي هيورثني ويمد في إسمي
بالكاد أنهى جملته ليستمع الجميع لصوت سرينة سيارات الشرطة ورجـ.ـالها التي هجمت على المكان وحاوطته من جميع النواحي بعدmا تأكدوا من ابتعاد رجـ.ـال المهرب كي يكملوا طريقهم وتتابعهم رجـ.ـال الشرطة المتخفيين وعبر كاميرات المراقبة المزروعة بالطرق،إنتفض قلب طلعت حين وجد كم الرجـ.ـال الهائل الذين كانوا يتخفون خلف الجبال ينتظرون إشارة الهجوم،وضع طلعت يدهُ في جيب جلبابه وقبل أن يُخرج سلاحه استمع لصوت الشرطي عبر المكبر الذي امتزج مع صوت طلقات النار:
-مفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر،أي حركة هنضـ.ـر.ب في المليان
رفع كفيه للأعلى هو وجميع الرجـ.ـال ليصـ.ـر.خ وهو يقول متنصلاً:
-أنا برئ يا باشا ومليش ذنب،ده شغل عمرو أخويا حتى إسأل الرجـ.ـا.لة وصاحبه،أنا كنت جاي أمنعهم من الجنان ده بس ملحقتش
نطق الضابط وهو يرى رجـ.ـال الشرطة يلوون ذراعيه خلف ظهره ويضعون له الأصفاد الحديدية:
-الكلام ده تقوله في تحقيقات النيابة يا روح أمك
واسترسل:
-ولعلمك، كل حاجة حصلت هنا متصورة صوت وصورة
نطق كلمـ.ـا.ته الأخيرة وهو يُشير عاليًا على أعمدة الإنارة المزروع بها كاميرات مراقبة بأمر من النيابة العامة ليصـ.ـر.خ طلعت كالمـ.ـجـ.ـنو.ن:
-الله يخربيتك يا عمرو،منك لله ضيعتني
تابعت الشرطة رجـ.ـال الخواجة حتى وصلوا جميعهم إلى مقر الرجل وشركائه وتم القبض عليهم جميعًا متلبسين بجرمهم
***********
أما بمنزل عمرو المتواجد بأحد الأماكن الجديدة، كان عائدًا من أحد مراكز التسويق الكبرى بعدmا ابتاع بعض الملابس التي سيحتاجها له وإيثار ويوسف في خلال رحلتهم إلى فرنسا كما وعده الرجل،تفاجأ بسيارتي شرطة تقف أمام منزله ليعود للخلف سريعًا في محاولة منه للهرب مما جعل رجـ.ـال الشرطة يلاحظون وبسرعة البرق انطلقت السيارتين خلف سيارته لملاحقته
ترى هل سيستطيع رجـ.ـال الشرطة التمكن منه والقبض عليه؟
أم سيستطيع الفرار؟
↚
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حـ.ـز.نٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل.
تفاجأ عمرو بسيارتي شرطة تقفان أمام منزله ليعود للخلف سريعًا في محاولة منه للهرب مما جعل رجـ.ـال الشرطة يلاحظون وبسرعة البرق انطلقت السيارتين خلف سيارته لملاحقته،كان يقود سيارتهُ بسرعة جنونية والسيارتين تلاحقاه،ظل هكذا لمدة خمسة عشر دقيقة حتى وصلا لنقطة تقاطع ومن حُسن حظ عمرو فلت بسيارته لتقاطعهم شاحنة نقل كبيرة تجر خلفها مقطورة محملة بالأحجار البيضاء التي تستعمل في البناء لتقطع الطريق بأكمله حيث كانت تمر للطريق المقابل مما جعل إحدى السيارتين تصتدm بها والأخرى توقفت بصعوبة بأخر لحظة قبل الإصتطدام مما أحدث صوتًا عاليًا دب الرُعب في قلوب الجميع،إنشغل الجميع بالتصادm وتوقف الطريق ونزل المارة ليطمئنوا على سيارة الشرطة التي صُدmت ليجدوا أن السائق قد أصيب بنـ.ـز.يفٍ في الرأس بينما أُصيب الضابط المجاور له ببعض الكدmـ.ـا.ت،انتهز عمرو الفرصة التي أتته على طبقٍ من ذهب ليفر من المكان بأكمله،خرج الضابط سريعًا من السيارة التي لم تُصدm ليراقب الطريق من جانب شاحنة النقل ليجد سيارة عمرو قد فرت واختفت من المكان ليدب بساقه الأرض لاعنًا تلك الشاحنة وسائقها المخالف
************
عودة لحجرة إيثار وفؤاد،مازال يتوسط الفراش بجلوسه منكبًا على أوراقه،يتمعن بها عبر نظارته الطبية،شعر بوخزاتٍ بعنقه من طريقة جلوسهُ الخاطئة فتوقف وبات يدلك عنقه بعناية كي يحصل على بعض الراحة،تطلع على تلك الجالسة فوق الأريكة والتي كانت تتصفحُ مواقع التواصل الاجتماعي ليجد رأسها ساندًا على الأريكة ويبدو أنها قد غفت،انتفض واقفًا ليتحرك صوبها فتيقن من نومها حقًا،تنفس بحنقٍ من تلك العنيدة ليعود من جديد إلى الفراش يلملم أوراقه ويُهئ الفراش لاستقبالها،تحرك إليها وما أن حملها بين ساعديه حتى رفعت أهدابها تنظر إليه لتجده فتحدثت باعتراض بصوتها الناعس:
-سيبني،أنا هنام على الكنبة
لم يعير لحديثها إهتمام وتوجه صوب الفراش لتعيد حديثها متذمرة:
-قولت لك هنام على الكنبة
اشتد غضبها من عدm رده عليها ليصل بها إلى الفراش ويقوم بوضعها برفقٍ فوق الفراش لتحتد بحديثها:
-هو أنا بكلم نفسي،بقول لك مش هنام على السرير أنا!
زفر بقوة قبل أن ينطق بلهجة حادة جعلتها تبتلع لعابها وتصمت:
-صوتك الحلو ده مش عاوز أسمعه وأحسن لك تنامي علشان ليلتك تعدي على خير
تعمق بعينيها وبث بنظراتهِ الحادة تحذيرًا قويًا لتتنفس بهدوء فأشار برأسهِ يحيي تعقلها بطريقة استفزتها قبل أن يتحرك ويختفي داخل الحمام،زفرت بقوة لتعود من جديد لغفوتها،خرج بعد قليل ليتلقى إتصالاً هاتفيًا من الشخص الذي يتابع تطورات الليلة فأخذ هاتفه وخرج بالشرفة لينطق بصوتٍ جاد بعدmا أغلقها عليه:
-طمني يا رامز بيه
نطق المدعو رامز بأسى:
-للأسف يا فؤاد باشا الأخبـ.ـار متطمنش
اتسعت أعين فؤاد ليتابع الأخر بإبانة:
-اللي إسمه عمرو قدر يهرب منهم بسبب حادثة على الطريق،والظابط اللي كان بيطارده بلغ بأوصاف العربية والطريق اللي هرب منه، ولما الشرطة إتحركت لقت العربية، بس للأسف، كانت فاضية
سألهُ بصوتٍ مهزوز:
-وعمرو فين؟!
أجابهُ باقتضاب:
-رجـ.ـا.لة الشرطة مشطوا المكان كله،إختفى وملوش أي أثر
واسترسل معلمًا:
-جنابك عارف إن الكمبوندات الجديدة كلها محاطة بالصحرا، فسهل جداً إنه يهرب
نطق فؤاد بجدية:
-أكيد إتصل بحد ساعده
نطق المدعو رامز بثبات:
-متقلقش يا باشا،رجـ.ـا.لة الداخلية أكيد هيجبوه حتى لو رجع في بطن أمه
لقد شتته ذاك الخبر المشؤوم وبعد أن كان يشعر بالقلق حيال زوجته وصغيرها الأن أصبح مصابًا بهوس شبح ذاك المـ.ـجـ.ـنو.ن فاقد العقل والبصيرة،ما زاد من قلقه هو فقدان عمرو لكل شئ كان يمتلكهُ لذا سينتقم بكل ما أوتي من قوة لينفث عن غضبه العارم بعدmا فقد أخر أمل له،تحدث بغضبٍ ظهر بنبرات صوته المحتدة:
-ياريت يتحركوا بسرعة قبل ما يعمل مصيبة جديدة أو يهرب بره البلد
واسترسل وهو يستعد لإنهاء المكالمة:
-ياريت لو حصل أي جديد تبلغني يا رامز بيه
-أكيد معالك...نطقها الرجل قبل أن يغلق الخط،إستند بذراعيه فوق سور الشرفة الحديدي ليرفع وجههُ للأعلى وهو يزفر بقوة،شعر بالإختناق وكأن أحدهم يقبض على عنقه بقوة، نطق وهو يحملق في السماء بيقين ينادي ربه ويستعينُ به:
-يارب،يارب
ولج لغرفة نومهِ يتطلع على تلك الغافية لينسحب بهدوء إلى الخارج،تحرك داخل الممر المتواجد بين الغرف وتوقف حين وصل لحجرة الصبي،أمسك مقبض الباب وتنفس مطولاً قبل أن يديره ويدلف ويوصد خلفه الباب بهدوء كي لا يزعج الصغير،تمدد بجواره بخفة وبات يتأمل ملامحهُ البريئة،لم يحتفظ بملامح والدته، من يدقق بملامح وجهه يكتشف الشبه الكبير بينه وبين ذاك الـ "عمرو"ومع أنه احتفظ بملامح غريمه الذي يُذكرهُ دومًا أنه لم يكن الرجل الاول بحياة خليلة القلب التي عثر عليها بعد معاناة، إلا أنه استطاع إحتلال جزءًا ليس بالقليل من قلبه الحنون،بات يمسد على شعره بكفه الحنون لينزل على وجنتهِ الناعمة،إنتفض قلبهُ حين وجد الصغير يفتح جفنيه ويبتسم له لينطق ببراءة:
-شرشبيل
-عيون شرشبيل...قالها فؤاد وشعور الذنب ينهش صدره ليميل على وجنته يقبلها مما أسعد الطفل ليسألهُ مستفسرًا:
-إنتَ هتنام جنبي بدل عزة؟!
برغم حالة الحـ.ـز.ن والهلع اللذان اقتحما قلبه إلا أن ذاك المشاكس استطاع أن يرسم الضحكة على وجهه لينطق من بين ابتسامته الواسعة:
-لا يا سيدي،إحنا بقينا رجـ.ـا.لة خلاص ومينفعش حد ينام جنبنا،لا أنا ولا عزة ولا حتى مامي
نطق الطفل بنبرة خجلة:
-بس أنا ساعات بصحى بالليل وبخاف وأنا لوحدي
سحب جسده للأعلى ليفرد ذراعه يستقبل ذاك الرائع لينطق بنبرة حنون:
-بص يا حبيبي، ده خلاص بقى بيتك ومينفعش تخاف وإنتَ في أوضتك،ينفع تخاف وإنتَ وسط أهلك؟
هز رأسهُ بنفي ليسترسل فؤاد وهو يداعبه في بطنه بأصابع يده:
-طب إيه بقى
تعالت قهقهات الصغير ليزيد فؤاد من مداعباته حتى توقفا عن الضخك لينطق الصغير وهو ينظر له:
-على فكرة أنا بحبك قوي وإنتَ طيب قوي، مش عارف ليه مامي كانت بتقول عليك شرشبيل الشرير
رفع كتفيه لأعلى لينطق بملاطفة:
-إسأل مامي وهي أكيد هتجاوبك
نطق يوسف بعينين راجيتين:
-عمو،هو أنتَ ممكن تحكي لي حدوتة زي اللي عزة بتحكيهم لي
رفع حاجبه وسألهُ مستعلمًا:
-هي عزة بتحكي لك حدوتة إيه؟
نطق ببراءة:
-بتحكي لي حكاية ليلى أم الفستان الأحمر اللي الديب الشرير أكل جدتها بأسنانه المدببة،والساحرة الشريرة أم منقار
هز رأسهُ ليقول ساخرًا:
-كنت هستغرب لو كانت بتحكي لك حكايات تستفيد منها،يعني،هي في الأخر بردوا عزة
8
واسترسل وهو يستعد لقص الحدوتة:
-أنا بقى يا بطل هحكي لك قصة السندباد البحري
إعتدل الصغير وتحدث بنبرة حماسية:
-أنا مش بعرفها دي،يلا بسرعة قولها لي
ضحك بشـ.ـدة ليتحدث:
-حاضر يا حبيبي
إستمعا لبعض الطرقات الخفيفة لتدلف إيثار التي شعرت بخروج حبيبها من الغرفة بعدmا تفقدت الفراش ووجدته فارغًا،تسحبت وأتت إلى حجرة صغيرها كي تتفقده وتطمئن عليه فتفاجأت بوجود فؤاد وهو يحتضن الصغير بحميمية،اشتدت سعادتها عند رؤية ابتسامة صغيرها البرئ الذي انتفض بجلوسه ووقف فاتحًا ذراعيه ليستقبل والدته قائلاً:
-مامي،تعالي إقعدي جنبي واسمعي معايا الحدوتة اللي عمو فؤاد بيحكيها لي، دي حلوة قوي
أقبلت على الصغير واحتضنته لتتحدث بهدوء:
-إنتَ إيه اللي مسهرك للوقت المتأخر ده،المفروض تكون نايم من ساعة
أمال رأسهُ ليستدعي تعاطفها وهو يقول:
-عمو فؤاد بيحكي لي حدوتة حلوة قوي،تعالي إنتِ كمان إسمعيها،وبعدين أنا عندي أجازة بكرة،يعني هصحى من النوم براحتي
تطلعت إلى ذاك الحبيب الغاضب من حديثها المهين له في الصباح،تعلم أنها تمادت معهُ بالحديث وقبل أن تعرضهُ للإهانة هي أيضًا أهانت حالها لذا فهي غاضبة أيضاً من حالها،لكنها بالوقت ذاته غاضبة منه ولم تستطع تلك المرة أن تغض البصر عن رفضه لطلب زيارتها لقبر غاليها،لم تكن هي فقط الغاضبة فبمجرد ما تلاقت عينيها بخاصته سحبها على الفور ليثبتها بمكانٍ أخر،تنهدت بألم لتخرج من شرودها على صوت الصغير الذي عاد وارتمى بأحضان فؤاد لينطق:
-تعالي بقى يا مامي
ابتلعت لعابها ثم جلست وتمددت بجوار صغيرها ليعود فؤاد بقص الحكاية تحت استمتاع الصغير الذي انـ.ـد.مج لأبعد حد وبات يسأل ويستفسر عن شخصية السندباد وبالمقابل كان يجيبه بكل أريحية وثقافة لتوسيع أفاق الطفل،بعد قليل غفى يوسف على ذراع فؤاد ليقوم بهدوء سحبه وتسحب من جواره بعدmا دثره جيدًا تحت الغطاء بعناية مما جعل قلب إيثار ينتفض من شـ.ـدة تأثرها،فتح الباب وتحرك لغرفتهما،مالت على صغيرها وقبلت جبهته بحنان ثم لحقت بزوجها لتلج إلى الحجرة وجدته يقف أمام مرآة الزينة واضعًا يديه بجيب بنطاله وعلى وجههِ حديثًا يريد من يفسح له المجال ليخرج كي يزيل من ذاك الثقل الطابق على أنفاسه
طالعته بحيرة لتسألهُ بعدmا شعرت بحدوث شئٍ،فتلك هي المرة الاولى التي يذهب بها إلى غرفة الصغير ليلاً،دائمًا ما يهتم به بالأسفل أمام الجميع:
-هو فيه إيه يا فؤاد؟
تطلع على إنعكاس صورتها وتحدث بجدية:
-طلعت البنهاوي إتقبض عليه في سوهاج وهو بيخرج مقبرة فرعونية وبيسلمها لناس برة مصر علشان يهربوها
ابتلعت لعابها ليتابع بنفس الجمود:
-الرجـ.ـا.لة اللي كانت بتحفر إعترفوا إنهم تبع عمرو وطلعت كمان إعترف عليه،ده غير التسجيلات اللي سجلتها الشرطة بأمر من النائب العام شخصيًا
شهقت ووضعت كفها فوق فمها ليستدير لها واسترسل وهو مقابلاً لها:
-الشرطة هاجمت بيت عمرو اللي كان خاطفك فيه وللأسف قدر يهرب منهم
هُنا لم تستطع الصمود لتنطق بهلعٍ ظهر بعينيها:
-هرب إزاي وفين؟
واسترسلت وهي تهز رأسها بهيستيريا وكأن أصابها مسًا شيطاني:
-يبقى أكيد هيحاول يأذينا،هيحاول يخـ.ـطـ.ـفني تاني أنا وإبني
واسترسلت:
-يوسف مش لازم يخرج برة البيت لحد ما يتقبض عليه يا فؤاد
إقترب عليها حين لاحظ حالة الهيستيريا التي أصابتها لينطق بقوة وثبات:
-إهدي ومـ.ـا.تخافيش،يوسف أنا مأمنه كويس قوي،ولو رجـ.ـا.لة المافيا العالمية نفسهم حاولوا يقربوا منه مستحيل يقدروا يكـ.ـسروا حصار الحماية اللي أنا حاطتها له بنفسي
واسترسل وهو يلومها بعينيه:
-وطبعًا أمان سيادتك متوقف على خطواتك،ياريت ما تتصرفيش من غير علمي علشان ما تعرضيش نفسك وتعرضينا كلنا للأذى
شعرت بوخزة بقلبها مع هطول دmـ.ـو.عها الحارة التي هبطت حـ.ـز.نًا وهلعًا على الصغير،تحرك إلى الفراش ورفع الغطاء ليشير لها بأن تتسطح فنفذت أوامره بطاعة وبدون أي اعتراض،قامت بالتسطح ليدثرها جيدًا وخلع عنه كنزته ليظهر أمامها عاريًا جذابًا للغاية،أمسك بجهاز التحكم في الإضاءة عن بُعد ليقوم بغلقها إلا من إضاءة خافتة باللون الأزرق وتمدد على ظهرهِ فوق الفراش واضعًا ذراعه الأيمن تحت رأسه يدقق النظر بسقف الحجرة بنظراتٍ ثاقبة حادة كنظرات الصقر،يفكر في ذاك الحقير الذي هرب ليأخذ معه راحة البال والسكينة،تنهد بصوتٍ عالي استمعت له تلك التي تتطلع عليه والخوف والهلعُ ينهشان قلبها،كانت تتوقع منه أن يأخذها بين أحضانه ويقوم بتدليلها وطمأنتها كما المعتاد أو هكذا تمنت،لكنه طاح بأمانيها بتجاهله التام لها،وهذا ما أثار جنونها، فبرغم ارتعابها من هروب ذاك الحقير لكن يظل شغلها الشاغل وأكثر إهتمامـ.ـا.تها هو ذاك الحبيب الرائع التي تفتقد حنانه منذ الصباح،ليته يفهم ويشعر ما تعانيه من شعورها بالاشتياق الجارف لفقيدها الحبيب"والدها"،وأيضًا شعورها الدائم بالخزي كونها وحيدة طيلة الوقت أمام عائلة زوجها عريقة الأصل،كم تمنت أن تكون صلتها بعائلتها قوية ومترابطة كي تقوم بزيارتها بمنزل العائلة عل ذاك الشعور المرير يزول وينتهي،ناهيك عن التقلبات المزاجية التي هاجمتها نتيجة إختلاف الهرمونات الخاصة بحملها بتوأمها المنتظر
تطلعت إليه بحنين وتنهدت بصوتٍ مرتفع كي يصل له ويفرد لها ذراعه يدعوها لتسكن ملاذها لكنهُ باغتها بتجاهله حيث استدار وتمدد على جنبه ليعطيها ظهرهُ مما جعلها تشعر بالإهانة،تألم قلبها بقوة لاحتياجها الشـ.ـديد له خصوصًا بهكذا ظروف،باتت تتقلب بالفراش وهو يشعر بتقلباتها ويستمع لأصوات تنهيداتها التي تدل على عدm راحتها،لكنه تحكم في قلبه العاشق وارتدى قناع القوة والتجاهل كي يعطيها درسًا قاسيًا يحثها على التفكير بعمق في المستقبل قبل التفوه بكلمة أو تصرف يقلب الموازين رأسًا على عقب،ظل كلاهما يتقلبان بالفراش دون راحة حتى غفيا بعدmا أُنهك جسديهما وروحيهما من شـ.ـدة الإشتياق والعناد.
************
داخل أحد الملاهي الليلية المتواجدة بالعاصمة،كانت تتحرك بين المتواجدين من السكارى بملابسها الخليعة،حيث ترتدي تنورة باللون الأسود قصيرة للغاية وضيقة حيث تصف جميع تفاصيل منحنياتها تعتليها كنزة من اللون الأحمر المزركش بأكمامٍ عارية وصدرٍ مفتوح يكشف أكثر مما يستر،وقفت تتطلع بين الطاولات حتى وقعت عينيها على طاولة يجلس حولها رجلان يرتديان ثيابًا خليجية،ابتسمت وغمزت بعينيها لأحدهم الذي رحب ورفع كأس مشروبه لأعلى كتحية منه ودعوة لانضمامها إليهما،كادت أن تتحرك ليقطع طريقها ظهور صديقتها الشهيرة بـ نونا لتقول باستغراب:
-شذي؟! إنتِ إيه اللي رجعك هنا تاني، إنتِ مش اتجوزتي راجـ.ـل متريش وبطلتي شغلانة الريكلام دي؟!
تنهدت ثم مالت على الطاولة المجاورة لها وسحبت سيجارة من عُلبة الرجل لتميل بجسدها بعدmا وضعت السيجارة بين شفتيها بإغراء:
-ممكن تولع لي؟
نطق الرجل وهو يتفقدها بنظراتٍ زائغة جائعة:
-الجميل يؤمر
أمسك القداحة وأشعل لها السيجارة لتعتدل وهي تجيب صديقة العمل:
-إسكتي على اللي حصل لي، لو حكت لك مش هتصدقي،هتقولي إني بحكي لك فيلم هندي
لكزتها الفتاة بصدرها قبل أن تنطق باعتراض:
-ما تنطقي يا اختي،إنتِ هتنقطيني بالكلام؟
قصت لها ما حدث لتنطق بنبرة حادة:
-وقريت خبر قــ,تــله في السجن من النت زيي زي الغريب،مكنتش أعرف أصلاً إنه اتسجن إلا لما شوفت صوره ماليه النت وكاتبين عن فـ.ـضـ.ـيحة نائب مجلس الشعب اللي طلع بيتاجر في الأثار وقــ,تــل قريب مـ.ـر.اته علشان يفوز بكرسي المجلس
هتفت صديقتها:
-معرفتيش تقلبيه في قرشين حلوين ينفعوكِ يا بت؟!
نفثت دخان السيجارة في الهواء لتنطق بوجهٍ كاشر:
-هي حتة الشقة اللي كان كاتبها بإسمي مفيش غيرها
لتتابع بسخطٍ ظهر بَينٍ على ملامحها:
-الصراحة الراجـ.ـل مكنش بخيل،كان بيديني فلوس كتير وانا من خيبتي كنت بسرفها كلها،معملتش حساب للحظة إنه ممكن يسيبني وأرجع أتحوج تاني للي يسوى واللي مايسواش
سألتها الفتاة:
-طب مش هتروحي تطالبي بورثك فيه؟!
نطقت على عجالة:
-إنتِ شيفاني مستغنية عن عمري،ده نصر نفسه كان بيترعـ.ـب من مـ.ـر.اته وياما حكى لي عن جبروتها، عوزاني أروح لها وأقول لها إني ضُرتك اللي بتدوري عليها وتعالي خدي تارك مني وبردي نارك؟!
أومأت الفتاة بتفهم،أشار لها الثري العربي كي يتعجلها لتغمز له بطرف عينها وأطلقت ضحكتها الخليعة المشهورة بها لتنطلق صوب طاولتهم لتستمع لصوت أحد الرجـ.ـال السَكارى وهو يقوم بتحيتها:
-حمدالله على السلامة يا مزة،الكبـ.ـارية نور
قامت بتحيتهِ عن طريق ضحكتها الشهيرة وحتفهِ بقبلة في الهواء لتقترب على الرجلين قائلة:
-مساء الورد يا بشوات،نورتوا مصر.
************
بعد مرور سبعة أيام،قضاهما ذاك الثنائي كُلٍ يتجاهل الاخر،فقد فرق بينهما العناد وانتهى الأمر،علم من والدته أنها أصيبت بالأمس ببعض التقلصات أثناء تواجده بالعمل مما استدعى بأن يصطحباها علام وعصمت بذاتهما إلى الطبيبة مع وجود حراسة مشـ.ـددة كي يطمئنوا عليها،واليوم عاد من عمله متأخرًا ليتناول غدائه لحاله حيث تأخر كثيرًا عن الموعد المحدد من عصمت والتي لم تتنازل عن كـ.ـسر الروتين اليومي لمنزلها لأجل أي احد بالمنزل حتى لو كان نجلها الغالي،خرج من باب القصر ليجدها تجلس بصحبة علام وعصمت وفريال التي تحدثت وهي ترى شقيقها مقبلاً عليهم:
-منور الدنيا يا سيادة المستشار
وقفت وفتحت ذراعيها ليقبل عليها ويسحبها داخل أحضانه مقبلاً جبهتها تحت استشاطة قلب تلك الحبيبة العاشقة،بدأ يمسد على ظهرها بكفه الحنون حين وجد تعابير وجه تلك الغيورة التي اشتعلت وجنتيها بحمرة الغيرة حتى أنه شعر بسخونة صدرها المستعير تقتحم جسده من شـ.ـدتها،ياله من ماكر فقد أطال من ضمته لشقيقته كي يزيد من لوعة نارها أكثر،ليتحدث بنبرة حنون مستغلاً وضع شقيقته حيث لم يراها منذ يومان بسبب انشغاله بقضية هامة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا قلبي
أجابته بنبرة تفيضُ حنانًا:
-إنتَ كمان وحـ.ـشـ.ـتني قوي يا فؤاد
نطقت عصمت بعدmا رأت مبالغة من نجليها في التعبير عن اشتياق كُلٍ منهما للأخر:
-اللي يشوف أحضانكم وكلامكم يفتكر إن ليكم شهر مشوفتوش بعض، مش يومين
إلتفت فريال إلى والدها لتقول بمشاكستها المعتادة:
-ما تشوف الدكتورة يا سيادة المستشار،شكلها غيرانة
ضحك الجميع على مزحتها سوى تلك التي تحرقها نار الإشتياق لأحضان رجلها الحنون،فقد إشتاقت له حد الجنون وكم من المرات التي قررت البوح له بذاك الإشتياق والإرتماء داخل أحضانه لكنه كان دائمًا يتجاهلها ويتعمد الابتعاد عنها كي يعـ.ـا.قبها على حديثها السخيف التي نطقت به،جلس بجوارهم لينطق وهو يخبرها بنبرة جادة بعدmا رأى حـ.ـز.نها قد ارتسم على ملامحها:
-إعملي حسابك رايحين بكرة كفر الشيخ
اتسعت أعين الجميع إلا علام حيث أبلغهُ نجله بالأمس،هتفت عصمت باعتراض بعدmا أبلغها علام بقصة والد وعم الصغير منذ يومين:
-كفر الشيخ إيه اللي هتروحوها في الظروف دي يا فؤاد؟!
تطلع على تلك التي نظرت عليه باستغراب لينطق بنبرة جادة:
-ما تقلقيش يا ماما،أنا عامل كل إحتياطاتي
نطقت فريال بقلبٍ مرتاب على شقيقها وزوجته وطفلاهما:
-طب وجوز إيثار الأولاني اللي هربان؟!
اشتعل داخلهُ بنار الغيرة من مجرد ذكره بجوار اسم سارقة النوم من عينيه ليهتف بحدة أظهرت كم إحتراق روحه:
-إسمه بابا يوسف يا فريال
ابتلعت لعابها ليسترسل بنبرة جادة:
-عرفت من مصادري إن البيه هرب برة مصر في عبـ.ـارة ووصل لـ اليونان،الإنتربول المصري هيبلغ ويطالب بالقبض عليه وترحيله لمصر بعد ما يتحكم عليه في قضية تهريب الأثار
نطق علام بنبرة خافتة:
-ده لو قدروا يلاقوه يا فؤاد،هو هرب بـ باسبور مزور ولولا صورته اللي في الباسبور والكاميرات اللي لقتطه مكنش اتعرف إنه في اليونان أصلاً
نطق فؤاد بهدوء ظاهري عكس النار المشتعلة بداخله:
-المسألة مسألة وقت يا باشا،أنا كل اللي يهمني حاليًا إنه بعيد عن أهل بيتي،أما بخصوص القبض عليه فدا شئ مفروغ منه
وقف لينطق بهدوء تحت صمت إيثار اللافت للأنظار:
-أنا طالع أرتاح شوية،يومي كان صعب وتعبت في التحقيق،عن إذنكم
قال كلمـ.ـا.ته وانطلق للأعلى،وقفت لتلحق بهِ لتسألها فريال:
-رايحة فين يا إيثار؟
قالت بنبرة خافتة:
-طالعة أطمن على فؤاد يا فريال
انسحبت لتهتف فريال بنبرة حادة:
-هو حضرتك هتوافق فؤاد على الجنان ده يا بابا؟!
زفر بقوة ليقول بنبرة حازمة:
-وبعدين معاكِ يا فريال،كام مرة قولت لك إن أخوكِ كبير بما فيه الكفاية ومسؤول عن تصرفاته وقراراته
نطقت عصمت بحدة ناتجة عن هلعها على نجلها وحفيديها وزوجته:
-فريال عندها حق يا علام،فؤاد مش لازم يروح كفر الشيخ خالص،هو أخد القرار بضغط من مـ.ـر.اته
واسترسلت بغضبٍ من إيثار:
-الأستاذة منكدة عليه بقى لها إسبوع بسبب الموضوع ده،وللأسف، فؤاد شكل حبها لدرجة إن عشقه ليها هيكون نقطة ضعفه
نطق بدفاعٍ مستمـ.ـيـ.ـت عن نجله:
-مش فؤاد علام اللي تحركه واحدة ست حتى لو كانت روحه فيها يا دكتورة
واسترسل بنبرة جادة:
-فؤاد ما بيتحركش خطوة من غير ما يكون حاسب لها كويس قوي،هو اتكلم مع الدكتورة إمبـ.ـارح وهي اللي طلبت منه إن لو فيه حاجة مـ.ـو.تراها فمن الأفضل إنه ينهي الموضوع علشان التقلصات اللي بتحصل لها غلط علي الاولاد،وفؤاد عاوز يحافظ على ولاده وفي نفس الوقت البنت مش طالبة المستحيل
ليتابع بعقلانية وإنسانية تتأصل بداخل قلبه وشخصه النبيل:
-إيثار طالبة تزور قبر بباها وده أبسط حقوقها الإنسانية
واسترسل وهو يشير بكفيه:
-عاوزة تشوف أهلها وترجع لهم الأمانة اللي بباها سلمها لها قبل ما يتوفى علشان يحميها؟!
تابع بجدية:
-بردوا حقها،أبشع حاجة ممكن تنكد على البني أدm حياته هو إنه يكون عليه دِين محتاج يتسدد
نطقت عصمت ومازال موقفها لم يتغير:
-كل كلامك أنا بحترمه جداً يا سيادة المستشار، وحقها فعلاً
لتسترسل بنبرة صارمة:
-بس مش على حساب أمان إبني وأحفادي،إنتَ نفسك عارف العصابة اللي الأستاذة كانت متجوزة في وسطهم وعارف شرهم ممكن يوصل لحد فين
نطق كي يُهدئ من روعها:
-يا حبيبة قلبي أنا مقدر خوفك على إبنك وولاده،بس إوعي تنسي إن إبنك ده مستشار قد الدنيا وكلمته بتتهز لها رجـ.ـا.لة بشنبات،فـ مفيش داعي لخوفك ده كله، وأحب أطمنك إن عيلة نصر البنهاوي إتمحت للأبد وجبروتهم وظلمهم للناس إتقلب عليهم،وربنا خلص منهم ذنب كل اللي ظلموهم وأولهم إيثار نفسها
ربتت فريال على كف والدها وتحدثت:
-هدي نفسك يا ماما،أكيد بابا مش هيضحي بفؤاد ومـ.ـر.اته وولاده
تنفست وهي تهز رأسها بعدm اقتناع ورعـ.ـبٍ سكن قلبها
************
أما بالأعلى،خرج من باب الحمام ليجدها تقف بجوار الفراش تنتظر خروجه،نطقت بنبرة خافتة نظرًا لخجلها من قراره:
-مش لازم نروح كفر الشيخ على فكرة
اتسعت عينيه لينطق بجبينٍ مقطب:
-ده بجد؟!
هزت رأسها بتأكيد لينطق بحدة أرعـ.ـبتها:
-ولما هو مش لازم،كان إيه لزمته النكد طول الإسبوع اللي فات يا مدام؟!
واسترسل بصياحٍ عالي أرعـ.ـبها:
-ولادي اللي عرضتيهم للخطر لدرجة إن دكتورتك تطلب مني انفذ للهانم رغباتها تجنبًا للخطورة اللي ممكن تواجهم وأخسرهم للأبد
صاح بنبرة أكثر حدة:
-وش جنابك الخشب اللي مصدراهولي من يومها وكلامك السخيف وبجاحتك اللي أول مرة أشوفها كانت ليه لما هو مش لازم؟!
نطقت بتلبك لرؤيتها لثورته تلك:
-فؤاد أنا
قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء:
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دmاغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتمـ.ـيـ.ـتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان
أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه:
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه
حالة من الصدmة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامـ.ـا.ت الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدmة لعدm شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة.....
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حـ.ـز.نٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل.
بقلمي« روز أمين»
قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء:
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دmاغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتمـ.ـيـ.ـتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان
أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه:
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه
حالة من الصدmة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامـ.ـا.ت الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدmة لعدm شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة وهي تُشير إلى حالها بذهول:
-هي دي نظرتك ليا؟!
لتتابع بعينين تلتمعُ بهما قطرات الدmـ.ـو.ع التي تأبى النزول إمتثالاً لكرامتها:
-أنانية وعديمة أصل وناكرة للجميل؟!
نطق بصوتٍ حاد رافضًا تحويرها لمعاني الكلمـ.ـا.ت:
-أكتر حاجة بكرهها في حياتي إن كلامي يتحور ويتقلب معناه، فبلاش تتبعي معايا الإسلوب ده لأني مش هقبله
خرجت من بين شفتيها إبتسامة واهنة تحمل الكثير من الألم والمعاناة لتنطق بصوتٍ واهن ضعيف كحالتها:
-الكلام مش محتاج يتحور علشان يتفهم يا سيادة المستشار،الكلام شارح نفسه وواضح جداً
صمتت لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بطاعة وخنوع:
-وحاضر،هنفذ لكم أوامركم بعد كده من غير ما أفتح بقي ولا أطالب بأي حقوق،لأني إكتشفت إني مسلوبة الحقوق والإرادة في أي مكان بروحه،وكأن إنكتب عليا طول الوقت الخضوع وكلمة "حاضر"
حملق بها غير مستوعبًا مـ.ـا.تفوهت به من حماقة لينطق بحدة:
-برافوا عليكِ، قوام قلبتي التربيزة وطلعتيني الزوج الديكتاتور اللي كل همه إن أوامره تتنفذ بدون نقاش
شعرت بإنهاكٍ روحي وكأنها تبحر ضد التيار،فنطقت بنبرة منكـ.ـسرة:
- إنتَ عاوز إيه مني يا فؤاد،عاوز إيه من واحدة لقت نفسها بين يوم وليلة محبوسة في بيت مبتشوفش شكل الشارع غير في وجود حراسة مشـ.ـددة مانعة عنها حتى الهوا،وبعد ما كانت مسؤلة عن نفسها وسيدة قرارها أصبحت عبد طائع مش مسموح له حتى ياخد قرار بنفسه ولا ينفذه؟!
اقترب منها على بعد خطوتين ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه متعجبًا ويقول:
-والوضع ده مين السبب فيه يا إيثار، مش دي ظروفك اللي إتفرضت علينا،انا تعايشت معاها وإنتِ مش قادرة تتعايشي ولا تتأقلمي؟!
نظرت إليه بضعف وقد خارت قوتها لينطق بنبرة أظهرت كم عشقه لتلك التي ملكت القلب واستوطنت:
-أنا بعمل كده علشان حمايتك إفهمي
واسترسل بايضاح:
-فيه فرق بين إني أكون شخص متعنت وديكتاتور وكل اللي يهمني إن أوامري تتنفذ،وبين إني خايف عليكِ إنتِ ويوسف وولادي
نطقت وهي تُشير بسبابتها باتهامٍ صريح وكأنها لم تستمع من حديثه سوى الكلمةِ الأخيرة:
-أيوا،هنا بقى القصة كلها يا سيادة المستشار،ولادك،ولادك اللي إنتَ مرعوب عليهم وعامل عليا حصار بسببهم وصل لإنك تدخل بنوعيات الأكل اللي باكله
-ولادي أنا لسه مشفتهومش...جملة قالها بنبرة عاتبة ونظراتٍ لائمة ليتابع بتذكير:
-ولو ترجعي بذاكرتك لأول ما اتجوزنا هتلاقي معاملتي ليكِ محصلش فيها أي تغيير،خوفي عليكِ وحرصي على حمايتك وأمانك إنتِ ويوسف كان من أهم أولوياتي من أول يوم دخلتوا فيه البيت ده
واسترسل متهمًا إياها:
-بس إنتِ مش بتشوفي غير اللي إنتِ عاوزة تشوفيه وبس
تبادلت الإتهامـ.ـا.ت بينهما لتنطق بصوتٍ يدل على احتراق قلبها:
-وإنتَ يا فؤاد حاسس بيا؟ حاسس باللي بمر بيه وبو.جـ.ـعي،أنا عايشة في بيتك ليا أكتر من خمس شهور مفيش مخلوق من أهلي دخل عليا في يوم،طول الوقت حاسة بالخجل منك ومن أهلك
هتف بقوة يسألها بصرامة:
-وأمتى أنا ولا أهلي حسسناكِ بده،إمتى فرق معانا موضوع أهلك وزيارتهم ليكِ؟!
هتفت بحدة وقد فكت الحصار عن دmـ.ـو.عها الحبيسة وسمحت لها بعدmا فقدت السيطرة لتنطلق بقوة أغرقت وجنتيها وهي تقول:
-حتى لو مش دي طريقة تفكيركم والموضوع مش فارق معاكم
لتنطق بصوتٍ أظهر نـ.ـز.يف قلبها:
-بس فارق معايا أنا قوي،شعور إني مكملة حياتي زي الزرع الشيطاني اللي ملوش أصل شعور مُمـ.ـيـ.ـت،عمر اللي زيك ما يحس بيه
نزلت كلمـ.ـا.تها ودmـ.ـو.عها على قلبه كمادة كاوية شـ.ـديدة أحرقت وطاحت بطريقها كل ما قابلها بعنفوان لينطق بنبرة خافتة:
-أنا أهلك وجوزك وحبيبك
طالعته بألم ونظراتٍ مريرة ممزوجة باللوم قبل أن تنطق:
-مش حقيقي،إنتَ كل اللي يهمك سلامة ولادك وبس
سألها بعينين متعجبتين:
-وإنتِ،ميهمكيش سلامتهم؟!
ناظرته لتصمت فابتسم نصف ابتسامة مؤلمة ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
-جهزي نفسك بكرة علشان هنقوم بدري
تطلعت عليه ثم أخذت نفسًا مطولاً قبل أن تطرق برأسها وتقول بصوتٍ واهن حزين:
-قولت لك مش هروح
هتف بقوة أرعـ.ـبتها:
-مش بمزاجك على فكرة،مش بعد ما جهزت كل حاجة وبلغت الحراسة وجهزت أمان العربيات تيجي بكل بساطة وتقولي مش رايحة
أطرقت برأسها تنظر إليه بحـ.ـز.ن لتهرول على باب الحمام تغلقه وتختبئ خلفه،إستندت بظهرها على الباب وأطلقت العنان لدmـ.ـو.عها فشهقت شهقة خرجت عنوةً عنها لتصل لذاك الواقف بمكانه بين نارين،نار العشق والاشتياق وقلبه الملتاع،ونار كلمـ.ـا.تها الجارحة التي وصمته بها منذ ذاك اليوم المشؤوم،أغمض عينيه بألم وبات يمسح على وجهه بكف يده عله يطفئ من لهيب قلبه المشتعل،يشعر وكأن قدmاه متسمرة بأرضها ليزفر بقوة ويقرر التوجه إليها بعدmا ساقه قلبه العاشق ليدق الباب وهو ينطق بهدوء:
-إفتحي الباب يا إيثار
انتفض جسدها حين استمعت لصوته يناديها بكل ذاك الحنان لينفطر قلبها من شـ.ـدة البكاء لينتج شهيقًا عاليًا بفضل بكائها الحار،شعرت بمقبض الباب يدار فابتعدت ووالتهُ ظهرها ليلج إليها متحدثًا:
-بطلي عـ.ـيا.ط وتعالي إرتاحي برة علشان مـ.ـا.تتعبيش
شهقة عالية خرجت منها وبدأ جسدها يهتز تأثرًا بحالة البكاء الهيستيرية التي أصابتها لينتفض قلبهُ حـ.ـز.نًا عليها وما شعر بحاله وهو يهرول إليها ليقف أمامها ممسكًا كتفيها بعناية لينطق بعينين لائمتين:
-ليه ده كله،عاملة في نفسك وفيا ليه كده؟!
ما كان منها سوى البكاء بشـ.ـدة لينطق وهو يضمها بين أحضانه وما أن تلامسا حتى انتفض جسديهما معًا،فمنذ سبعة أيام لم يقترب أحدهما من الأخر وهذا ما جن جنون كلًا منهما، فتلك هي المرة الأولى التي يبتعدا عن بعضيهما منذ أن إلتحمت روحيهما قبل الجسد،لم تشعر سوى وهي ترفع ذراعيها لتحاوط بهما عنقه وكأنها كانت تنتظر الإشارة،ابتلع لعابهُ حين تلامس جلد وجنتها مع عنقه ليشعر بانتفاضه بجميع عروقه،ود لو باستطاعته حملها بين ساعديه والتوجه بها نحو فراشهما ليضعها فوق ساقيه ويضمها لصدرهِ حتى يُشبع روحهُ العطشة من رائحة جسدها الذكية والنظر داخل مقلتيها الساحرة والغوص ببحريهما العميق،لكنه الكبرياء لعنة الله عليه من منعه،شعرت بتخشب جسدهِ لتتنهد بألم،تعلم أنهُ غاضب بل وثائر لكرامته التي دُهست تحت قدmيها على حد وصفه،لكنها تريده،تريد ضمة أحضانه الحانية التي حُرمت منها طيلة الأيام المنصرمة،لقد أصبحت أنفاسه ترياقها وأحضانه حصنها المنيع،تريد ضمته الأن وبقوة،خرجت من بين أحضانه لتطالعه بعينيها الباكية وهو تقول بدلالٍ أنثوي خفيف أرادت بهِ كـ.ـسر الحواجز التي بُنيت على يد العناد والكبرياء:
-أنا زعلانة منك قوي
طالع عينيها بعتابٍ قائلاً:
-أنا كمان زعلان منك قوي
قالت بنبرة أكثر دلالاً عل جسده المتخشب ذاك يلين ويحتضنها بقوة:
-إنتَ مش بتحبني
تنهد بشوقٍ لو خرج لفاض وتكفل بقلوب العاشقين جميعًا ثم قال بمراوغة:
-أنا فعلاً مش بحبك
ليسترسل بنبرة تصرخ بأنين الهوى:
-أنا بعشق كل ما فيكِ،نظرة عيونك إبتسامتك لما تكوني راضية،لمسة إيدك وهي بتطبطب عليا
لم تنتظر أكثر لتضع كفها تتلمس به ذقنهُ النابتة التي تعشق النظر إليها وملمسها الحنون،إرتعش جسده تأثرًا بلمستها لتنطق بعينين معتذرتين:
-أنا أسفة
نظر لأنفها الأحمر بفضل بكائها وابتسم ليقول بنبرة حنون:
-وأنا كمان أسف
سحبها وخرجا ليجلس فوق الفراش وتتخذ هي من ساقيه مجلسها،ارتمت داخل أحضانه لتضع رأسها فوق موضع قلبه،تنهدت براحة وظلت داخل أحضانه لفترة ليست بالقليلة
خرجت من بين أحضانه التي طالت لتسألهُ بعدmا استمعت لدقات قلبهِ العالية وهي تنبض كطبول الحرب:
-هو أنتَ لسه زعلان مني
ابتلع لعابه من مظهرها المهلك لقلبهِ،فقد امتزج إحمرار وجهها السعيد بعودتها داخل أحضانه وإحمراره السابق بفضل بكائها ليشكلا مظهرًا جعل قلبهُ ينتفض اشتياقًا،كان يريد أن يغوص معها ببحر عشقهما ليتذوق شهدها ويذيقها من لذة شراب العشق لكنه كان يمنع بل ويحارب ذاك الشعور كي لا يؤكد لها إتهامها المهين لشخصه بإن كل ما يربطهما هو الإحتياج الجسدي لها وغريزته التي تحركه، فأراد أن يثبت لها عكس ما تشعر به،هز رأسه بنفيٍ دون حديث لتسألهُ وهي تتحسس شعر صدره الظاهر من فتحة قميصهُ:
-طب ليه باعد نفسك عني
أجابها بمراوغة يريدها أن تكشف عما بمكنونها أكثر:
-باعد إزاي وأنا واخدك في حُضني
شعرت بالخجل يعتري روحها لتميل برأسها تنظر للأسفل ثم تحدثت بنبرة حزينة:
-إنتَ زعلان من الكلام اللي أنا قولته لك، صح؟!
لم ينطق لترفع أهدابها تتطلع عليه لتتحسس ذقنه في حركة أنهت على صبره لتنطق:
-مش أنا قولت لك إني أسفة،المفروض الكلمة دي تمحي أي زعل بينا
-تفتكري كلمة أسفة ممكن تزيل شعور الإهانة اللي حسيت بيه منك...نطقها لائمًا ليتابع بنبرة متألمة:
-إنتِ حصرتي علاقتي بيكِ في لانجري وليلة حلوة بنقضيها مع بعض،هو ده اللي بينا من وجهة نظرك يا إيثار؟!
تعمقت بمقلتيه وبأناملها الرقيقة باتت تتحرك فوق ذقنه بطريقة إحترافية جعلت من قلبهِ مستسلمًا لتنطق بنبرة أقرب إلى الهمس:
-اللي بينا كتير قوي يا فؤاد،اللي بينا مفيش حاجة في الدنيا ولا أي كلام يقدر يوصفه
انتهت من كلمـ.ـا.تها لترفع جسدها للأعلى كي تطوله وتطبع قُبلة حنون فوق شفته السُفلى سرعان ما أثارت حواسه وانتفض لتتحول القُبلة إلى شغوفة عنيفة ويفقد هو صبره ليقع قناع القوة الذي ارتداه لكنه لم يستطع الصمود أمام سحرها ودلالها ليخر راكعًا راضخًا لأمر الهوى ويذوب معها.
*********
تتمدد على جنبها فوق الفراش المخصص لها،تسند رأسها بكفها الموضوع فوق وسادتها،شاردة بحالة أنجالها وما حدث لهما وتبكي بانهزام،فقد هاتفها حسين وقص لها ما حدث وبأن الشرطة قامت بالحجز على منزل وسيارة عمرو وهروبه للخارج،أبلغها أيضًا أنه يعمل بإحدى الشركات وبالكاد استطاع تأجير غرفة يستطيع العيش بداخلها لحين إشعار أخر،ما زاد من شعورها بالمرارة هو انتشار تلك الاخبـ.ـار بالبلدة بأكملها وشمـ.ـا.تة الناس بهم وحتى أشقائها وعائلتها رجحوا حدوث ذلك لقــ,تــل نصر لهارون والغدر به،لم تتوقع ما حدث لعائلتها الصغيرة حتى بأسوء كوابيسها،برغم ما اقترفه نصر بحقها إلا أنها مازالت تكن لهُ عشقًا عميقًا داخل قلبها،فتلك الـ إجلال تنطبق عليها مقولة"ومن الحب ما قــ,تــل"فـ لاجل الثأر لكرامتها دmرت أسرتها بالكامل،ذاك هو العشق لدى إجلال ناصف،ولجت زوجة شقيقها المدعوة بـ شريفة لتنطق بضيق وهي ترى انتحابها المتواصل ليلاً ونهارًا منذ أن جاء بها زوجها وأسكنها بمنزلهم:
-هو احنا يا اختي مش هنخلص من الندب ده، ده حتى فال شوم على البيت واصحابه
نطقت بحدة وهي تخفي أثر دmـ.ـو.عها بكفيها:
-سبيني في حالي يا ولية واطلعي برة
شهقت الأخرى لتنطق باستهجان:
-ولولو عليكِ ساعة وسكتوا يا بعيدة،هي مين دي اللي ولية؟
اتسعت عيني إجلال واحتدت ملامحها لتمتلؤ بالقسوة وهي تعتدل سريعًا لتهتف بقوة:
-إنتِ بتكلميني أنا كده يا بت؟!
تعمقت الاخرى وهي تتشفى بمظهرها المذبهل،فقد أتت لها الفرصة ويجب أن تغتنمها جيدًا،فكم من المرات التي أُهينت بها وتم تصغيرها على يد تلك المتجبرة،والان هو وقت الحصاد والإنتقام،هتفت بنبرة حادة وهي تقوم بإهانتها:
-أكلمك وأكلم اللي يتشـ.ـدد لك كمان،فوقي وإوعي لنفسك يا إجلال،لتكوني فاكرة نفسك لسه قوية زي الأول
استشاط داخلها من تعدي تلك الحقيرة عليها بتلك الطريقة المهينة:
-إنتِ اللي لازم تفوقي لنفسك وت عـ.ـر.في مقامك في البيت ده يا شريفة،أنا إجلال بنت الحاج ناصف، ستهم اللي مهما حصل هفضل ستهم
واسترسلت بابتسامة خبيثة:
-اتمتعي باليومين اللي أنا قاعدة فيهم في اوضتي حزينة،علشان لما أفوق وأطلع لك من الاوضة دي،مش هتبقي ست البيت زي ما أنتِ متعودة، هتبقي الخدامة بتاعتي، فاهمة يا بت
اقتربت عليها لتهتف بفحيحٍ كالأفعى:
-ده في أحلامك يا إجلال،إنتِ خلاص، بقيتي منبوذة من العيلة كلها زيك زي الكـ.ـلـ.ـب الجربان اللي الكل بيبعد عنه ويزقه برجليه لـ يعديه،زمنك فات وانتهى خلاص يا بنت الحاج ناصف
لتسترسل بعينين حادة كنظرات الصقر وهي تُشير بسبابتها نحو باب الغرفة:
-ولما يتفك حـ.ـز.نك على الخـ.ـا.ين اللي استغفلك وراح اتجوز عليكِ بت صغيرة وتطلعي من باب الأوضه دي،هتشوفي المعاملة الجديدة اللي تستاهلها واحدة زيك
كانت إمرأة متجبرة متعالية لم تستثمر بحياتها وتجمع رصيدًا في قلب أحدهم حتى يشفع لها بعد إنهيارها،بل كانت تعادي الجميع وتجبرت،هبت من جلوسها لتُمسك ذراعها وتحاول ليه لتصرخ المرأة بقوة ومن سوء حظ إجلال ولج شقيقها ونجله للتو من باب المنزل ليستمعا لصرخات المرأة فيهرولا ويجدا إجلال وهي تعنفها،هرول الشاب ليقوم بتخليص والدته بالقوة وهو ينهرها:
-سيبي أمي يا عمة،إنتِ مسكاها كده ليه؟
ليهتف محمد بحدة وصرامة:
-إنتِ إتجننتي يا إجلال،إيه اللي بتعمليه ده؟
نطقت وهي تحاول الهجوم عليها بشراسة والمرأة تختبئ خلف زوجها لتحتمي به:
-إنتَ أصلك مسمعتهاش بتقولي إيه يا حاج محمد،مراتك طلعت قليلة أصل
صرخت المرأة لتنطق بتزييف لما حدث:
-ولا قولت لها حاجة يا اخويا،ليه وليه داخلة بقول لها بطلي ندب وعويل في البيت أنا خايفة على راجـ.ـلي وعيالي، هجمت عليا وقالت لي هشغلك عندي خدامة
ثار الشاب بعدmا استمع لإهانة والدته ليهتف برعونة الشباب:
-كلام إيه اللي بتقوليه ده يا اما،إنتِ ست البيت ده ومحدش يجرأ يوجه لك أي إهانة حتى لو كان مين
اتسعت عينين إجلال لتهتف بسخطٍ:
-أما إنك عيل قليل الرباية صحيح، بقي بتصدق العقربة أمك وتنصفها على ستهم
-إجلال... كلمة أطلقها محمد بصوتٍ زلزل أركان المنزل بأكمله ليسترسل بنظراتٍ حادة كطلقات الرصاص:
-إحترمي نفسك وإتكلمي بأدب مع ست البيت
جحظت عينيها لتنطق بذهول:
-إنتَ كمان هتنصفها عليا يا محمد؟!
نطق بقوة وهو يحاوط كتف زوجته بذراعه:
-إسمعيني كويس يا بنت أبويا،اللي أوله شرط أخره نور،شريفة هي ست البيت وكلمتها تمشي على حريم الدار كله، وطالما هتعيشي في بيتها يبقي تحترميها وتسمعي كلامها كمان، أنا راجـ.ـل مبحبش النكد والمشاكل في بيتي، وأكتر حاجة أكرهها هو الصوت العالي
واسترسل وهو يرمقها بازدراء:
-ومن النهاردة مش عاوز اسمع شكوى من شريفة بخصوص النويح والندب على الندل اللي راح
قال كلمـ.ـا.ته بصرامة ليخرج من الغرفة تابعه نجلهِ لتطالعها شريفة بنظراتٍ متشفية ثم ابتسمت بتهكم لتلحق بزوجها تاركة تلك التي اشتعلت نارها لتشعر بالقهر والعجز
*********
تشعر وكأن روحها عادت إليها وهي تسكن أحضان ذاك الممدد بجوارها مشـ.ـددًا عليها وكأنهُ يخشى هروبها،تتنعم بلمساته الحنون مغمضة العينين سارحة بسماء عشقهما بعد غوصها معه بإحدى الجولات العشقية التي أنعشت روح كلًا منهما،استفاقت على صوت حبيبها الذي نطق وهو يضم جسدها لخاصته ليقربها بقوة:
-إوعي تبعدي عني تاني
تحدثت بدلال وهي تلقي باللوم عليه:
-وهو أنا كنت بعدت أولاني يا باشا
ضحك بصوتٍ خافت ليقول من جديد:
-مش فارقة مين السبب يا عمري،المهم إن اللي حصل ده ما يتكررش تاني
بطريقة مازحة أجابته:
-عُلم ويُنفذ جنابك
ابتسم وتنفس بهدوء ليسألها بنبرة حنون وهو يتلاعب بخصلات شعرها بين أصابع يده:
-إيه رأيك أخلي سعاد تطلع لنا العشى هنا وناكل لوحدنا،هأكلك بأديا وإنتِ قاعدة على حجري
نظرت تتطلع عليه بسعادة ليسترسل كي يزيل بعض الأسباب التي تؤرقها:
-ويا ستي فيكِ تختاري الأكل على مزاجك، ومهما كان الصنف اللي هتختاريه هخليها تعملهولك بدون نقاش
ابتسمت لتجيبهُ بهدوء:
-هو أنتَ فاكرني زعلانة علشان الأكل اللي أنا ممنوعة منه يا فؤاد؟!
ضيق عينيه يتطلع عليها بحيرة لتكمل بنبرة جادة:
-طول عمري وأنا أكتر حاجة بتنرفزني وتخليني أفقد اعصابي هو الإجبـ.ـار وفرض القرارات عليا،وده اللي حصل لما عملت لي لستة بالأكل اللي لازم أكله ولستة بالممنوعات
تنهد بهدوء ليرفع ذقنها يحثها على النظر إلى عيناه قبل أن ينطق مستفسرًا:
-وهو أنا عملت كده علشان أضايقك يا حبيبي؟!
ليتابع بتذكيرها:
-مش لما تعبتي من الأملاح والصديد واتحجزتي يومين في المستشفي والدكاترة علقوا لك محاليل،كان لازم أتدخل وأعمل لستة بالاكل علشان صحتك أولاً والاولاد ثانيًا وإلا كنا هندخل في مشاكل صحية لا حصر لها
ابتسمت بخفوت لتتحدث بنبرة أظهرت تشتتها هذه الفترة:
-أنا أسفة،أنا عارفة إن أنا تعبتك معايا من يوم ما عرفتني،بس كل الظروف بتضغط عليا وبتخـ.ـنـ.ـقني،مش بلحق أخد نفسي من كتر الصدmـ.ـا.ت يا فؤاد
لتنطق بنبرة منكـ.ـسرة:
-خايفة في يوم تزهق مني ومشاكلي تكون سبب في إنك تبعد عني
بلهفة أجابها:
-أنا عمري ما أقدر أبعد عنك يا حبيبي،هو ينفع حد يبعد عن النفس اللي بيحييه؟!
رفعتها كلمـ.ـا.ته لعنان السماء لتشعر وكأن روحها تتراقصُ على أنغام كلمـ.ـا.ته ما جعلها تدفن حالها بين أحضانه تتمسح به كقطة تعشق مربيها
تحمحم لينطق بحذرٍ خشيةً ردة فعلها:
-حبيبي،عاوز أفاتحك في موضوع بس مش عاوزك تزعلي ولا تاخدي الموضوع بحساسية
ابتعدت قليلاً لتتطلع بتمعن وهي تقول:
-أنا عمري ما أزعل منك يا فؤاد،قول اللي إنتَ عاوزة وتأكد إني هفهمه مهما كان
تحمحم وتحدث بهدوء:
-أنا عارف إنك عانيتي كتير قوي في حياتك واتعرضتي لصدmـ.ـا.ت محدش يتحملها
قاطعته قبل أن يكمل:
-قول اللي إنتَ عاوزه بدون مقدmـ.ـا.ت يا حبيبي،وأنا وعدتك إني هتفهم الوضع
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينطق بحذر:
-أنا شايف إننا لو روحنا لمعالج نفسي الوضع هيكون أفضل
توقع ثورتها أو حتى تحسسها من طرحه للأمر لكنها فاجأتهُ حين تنهدت لتنطق بهدوء:
-أقول لك على سر؟
أومأ بقوة ليحمسها فاسترسلت:
-أنا فكرت قبل كده إني أروح لمعالج نفسي
واسترسلت بابتسامة تتوارى بها خلف خجلها:
-بس بصراحة حالتي المادية هي اللي منعتني وقتها،المرتب كان يدوب بيكفي مصاريف المدرسة التجريبية بتاعت يوسف وأكلنا واحتياجتنا الضرورية،بجانب مبلغ بسيط كنت بوفره لـ عزة كل شهر كـ مرتب ليها
واسترسلت بابتسامة وهي تتذكر مواقف تلك المرأة الجميلة التي ساندتها بكل ما أوتيت من قوة:
-مع إنها كانت بترفض تاخده وأنا اللي كنت بصر عليه،ولما كنت بقصر في طلبات البيت كانت هي اللي بتجيب من مرتبها من غير ما تحسسني
واسترسلت بألم:
-بس أنا كنت بعرف
نطق بابتسامة حنون لسببين،أولهما أن يلهيها عن حساسية الامر كي لا تخجل والثاني هو إعجابه الحقيقي بتلك الـ عزة:
-جميلة قوي علاقتك بـ عزة وغريبة
ابتسمت لتومي بموائمة ليتحمحم وهو يسألها:
-يعني أشوف معالج كويس وأحجز لنا عنده؟!
أومأت بموافقة لينطق في محاولة منه للتخفيف عنها:
-أنا كمان هحجز وهاخد جلسات على فكره،عندي حبة كلاكيع نفسية محتاجة أزيلها من جدورها
ضحكت ليطـ.ـلق هو الأخر ضحكاته ليكملا حديثهما بأريحية بعدmا أزيح ذاك الثقل من فوق صدره،فمنذ أخر مشادة كلامية حدثت بينهما وهو يرى أن الحل الأنسب لإزالة العراقيل التي تواجهه بعلاقته مع زوجته هو زيارتها لمعالج نفسي كي يساعدها على تخطي ما حدث معها بالماضي والذي ترك أثرًا كبيرًا داخل نفسها المتألمة.
*********
داخل منزل غانم الجوهري رحمة الله عليه
تقف منيرة ونوارة على قدmٍ وساق يعيدان ترتيب المنزل وينظفاه لاستقبال ابنتهم الغائبة وزوجها إبن الأكابر مثلما يطـ.ـلقون عليه أهل البلدة،تحدث عزيز إلى أيهم الذي حصل على عطلة اليوم للتجهيز لاستقبال شقيقته وزوجها الذي أخبره بالأمس أنه سيجلب إيثار لزيارة قبر أبيها ومنزل عائلتها غدًا بيوم الجمعة "العطلة الرسمية لدى الجميع" :
-مقولتليش يا أيهم،إيثار وجوزها جايين البلد ليه؟!
أجاب شقيقه بهدوء:
-واحدة جاية بيت أبوها هسألها جاية ليه؟!
ابتسم وجدي لينطق بما أثار حنق عزيز:
-قصدك جاية بيتها يا أيهم
تطلع عليه عزيز ليقول بحدة:
-قفل على السيرة دي الله يبـ.ـارك لك يا وجدي،انا كل ما افتكر المبلغ اللي معروض علينا قصاد بيع القيراط وافتكر إننا منملكش الحق في بيع أرضنا بتركبني شياطين الجن كلها
تنفس وجدي عاليًا لينطق لائمًا أبيه على تلك الحالة التي وضعهم بداخلها:
-الله يسامحك على اللي عملته فينا يا ابا،لولا إنه كتب لـ إيثار كل حاجة كان زمانا بيعنا القيراط واشترينا البيت اللي جارنا ووسعنا على ولادنا
وتطلع على المنزل بحالتهِ المتواضعة واسترسل بإشارة من كفه:
-على الأقل كان زمانا مجددين دهانات البيت والفرش بدل ما واحد زي وكيل النيابة ده يدخل البيت بحالته دي
قاطعه أيهم حيث نطق وهو يتطلع من حوله:
-وماله بيتنا يا وجدي، الحمدلله البيت نضيف وزي الفل وفرشه زي فرش بيوت كتير
ابتسم عزيز ليقول ساخرًا:
-بقى بذمتك اوضة الكنب دي تليق إن الباشا ابن الأكابر يقعد فيها،على الاقل كنا اشترينا أنتريه
انتهت منيرة من اعداد المنزل بمساعدة نوارة ونجلتاي عزيز لتجلس بهدوء،سألها وجدي باهتمام:
-جهزتوا لغدا يشرف بكره يا اما،أنا اديت فلوس لنوارة علشان تجيب لك كل الطلبات اللي هتحتاجيها بكرة
نطقت بصوتٍ خافت ظنوا أنه وهن من تنظيف المنزل لكنهُ خجلاً من تلك المواجهة التي لم تستعد لها بعد:
-نوارة قالت لي يا ابني، وأنا نضفت تلات دكورة بط وكام جوز حمام هحشيهم فريك بالسمنة البلدي
نطق عزيز دون وعي منه:
-إبقي إعملي لها برام رز معمر يا اما،إيثار بتحبه
صمت الجميع ليتطلع عليه شقيقاه لينطق مبررًا وكأنهُ فعل شيئًا مشينًا حين أظهر اهتمامه بزيارة شقيقته الوحيدة:
-دي بردوا ضيفة ولازم نعمل لها الاكل اللي بتحبه
أتت نوارة على أصواتهم لتهتف بسعادة وحماس يرجعان لتشوقها لرؤية صديقتها الحنون:
-متقلقش يا أبو غانم،ماما عاملة كل الأكل اللي إيثار كانت بتحبه، وأيهم الله يكرمه جايب معاه من مصر حلويات وجميع أنواع الفاكهة اللي في السوق
واشارت بكفها بنبرة حماسية:
-يعني هتبقى عزومة تشرف، ولا عزومة نصر البنهاوي في زمانه اللي كان بيعملها للكبرات
قاطعتها منيرة بحدة ترجع لتشاؤمها:
-فال الله ولا فالك يا بت،قفلي علي السيرة الزفت دي وقومي إعملي لنا دور شاي يظبط دmاغنا
نطقت بابتسامة ووجهٍ بشوش:
-من عنيا
قالتها وانطلقت لتترك خلفها زوجها وعائلته يرتبون ويستعدون لزيارة الغد.
***********
أتى الصباح على الجميع كلٍ يحمل مشاعر مختلفة ما بين خوف وارتياب وترقب واستغراب،وقفت تتطلع على هيأتها بانعكاس المرآة،كان مظهرها رائعًا تبدو كملكة ذاهبة لتتويجها،فقد تبدل حالها كليًا لتبدو لمن يراها كأخرى لم تشبهها سوى بالملامح الجميلة التي لم تختلف بعد،فقد إعتنى بها فؤاد كثيرًا حيث سلمها لمختصون بدار أزياء عالمية كي ينتقوا ثيابها بعناية وأيضًا خبراء الإهتمام بالبشرة والشعر لتبدوا أصغر من عمرها بعدة سنوات حيث من يراها الان يتوقع الا يتعدى عمرها الثانية والعشرون،هكذا كانت مكافأة ودلال ذاك العاشق لـ أنثاه التي أثارت جنونهُ بجموحها واختلافها عن الأخريات
وضعت بعض اللمسات من زينة الوجه والإكسسوارات والحُلي اللائقة بثوبها الناعم وحجابها الأنيق،أمسكت قنينة عطرها الفرنسي وقامت بنثره بسخاءٍ على عنقها وثوبها لتعيدها من جديد.تناولت ساعة اليد المرصعة بحبات الألماس هديتها الثمينة التي تلقتها من عصمت بمناسبة حملها بالتوأم لترتديها لتزيد من أناقتها ومظهرها الجذاب،إرتدت أيضًا خاتم الزواج الذي أهداها إياه فؤاد ليتناسب مع تلك الساعة ويكملا الاناقة،تطلعت بتمعن على ملمع الشفاة بلونه الوردي التي وضعته ليزيد من جمالها وإشراقة ونضارة وجهها الصبوح،خرج من غرفة ملابسهُ جاهزًا ببدلته السوداء ذات الماركة العالمية ليطـ.ـلق صفيرًا ونظراته المنبهرة تحاوطها لينطق باعجاب:
-إيه الجمال والشياكة دي كلها يا حبيبي
تطلعت عليه وهي تبتسم بسعادة ليتابع وهو يرفع كفاه للأعلى بملاطفة:
-أنا كده هغير رأيي ومش هنخرج من الجناح ده النهاردة
رفعت حاجبها لأعلى لينطق بمداعبة:
-ما أحنا ما اتفقناش على إنك تبقي مثيرة قوي كده
تحركت إليه بخطواتٍ أنثوية واثقة وكعب حذائها المرتفع يصدر صوتًا عاليًا ليرسخ ثقتها العالية،اقتربت عليه لتضع كفيها على صدره وتقول بإغراء مصطنع بصعوبة لشـ.ـدة ارتباكها من تلك الزيارة:
-أنا مينفعش غير إني أكون حلوة ومثيرة،لأني أنا مرات فؤاد علام
هز رأسه بثقة ليعود للخلف يميل برأسه وهو يقيمها بشمولية لينطق بنبرة هادئة:
-طب إتفضلي يا حبيبة قلب فؤاد علام غيري الشوز دي حالاً
مطت شفتيها بتذمر ليتابع ساخرًا:
-هي البرنسيس ناسية إنها حامل في السادس ولا إيه؟!
اقتربت عليه لتقول بعينين تلتمستين الرضا وبشفاه ممدودة بإثارة كي تستطيع التأثير عليه:
-مش ناسية ولا حاجة يا حبيبي،بس إحنا مش هنمشي علشان ألبس شوز أرضي،إحنا هننزل من العربية جنب القبر وكذلك البيت بردو
نطق بصوتٍ هادئ:
-بيبي،بلاش شغل المحلسة ده علشان أنا اللي بدعته
واسترسل بصرامة لا تقبل النقاش:
-يلا إلبسي كوتش أرضي علشان ظهرك
زفرت بقوة لتقول متعللة:
-مش هعرف أربط رباط الكوتش يا فؤاد
رفع ذراعيه بطريقة مسرحية:
-بسيطة
خلع عنه حلة بدلته ليلقي بها فوق الفراش ثم اختفى بداخل غرفة الأحذية والحقائب الخاصة بها ليخرج بعد قليل حاملاً زوجًا من الأحذية الرياضية ليسحبها نحو الفراش ويجلسها قبل أن يستند بركبتيه أرضًا تحت ساقيها ليرفعها ويقول وهو ينزع عنها ذاك الحذاء ذو الكعب العالي:
-أنا أربط لك الشوز وأعمل لك كل حاجة تعوزها يا بابا
برغم غضبها منه إلا أن تصرفهُ أصاب جسدها بالإرتجاف من شـ.ـدة تأثرها بحنانهِ المفرط الذي يغرقها به،ألبسها الحذاء وعقد لها ربطته بطريقة إحترافية نالت استحسانها ليرفع بصره إليها وتحدث بغمزة جريئة من عينيه:
-فاكرة اول مرة لبستك الخلخال؟
واسترسل رافعًا قدmها ليرفع ثوبها للأعلى ويظهر جزءًا من ساقها البيضاء ثم قربهُ من شفتيه الغليظة ليطبع قُبلة مثيرة وهو يتعمق بمقلتيها المتسعة وصدرها الذي بات يعلو ويهبط من شـ.ـدة شعورها الرائع الذي شملها من تصرف ذاك الراقي
تحدثت بنبرة حنون وهي تتطلع عليه:
-إن شاءالله بعد الولادة هعمل لك كل اللي نفسك فيه يا حبيبي
أنزل ساقها وانتفض منتصب الظهر ليسألها وهو يساعدها على النهوض لتقابلهُ:
-وحبيبة حبيبها هترقص له؟
أومأت بسعادة ليتابع بمشاكسة:
-بالبدلة النبيتي؟
أومأت لتقول بتأكيد:
-بالبدلة النبيتي
نفخ أوداجه بالهواء ليزفر بقوة وتحدث وهو يجذب حلته من فوق الفراش ليرتديها على عجاله:
-طب يلا حالاً ننزل من هنا
ضحكت لتقف خلفه تساعده بـ.ـارتداء حلته مما أسعد قلبه ليستدير ويسلم لها حاله لتقوم بعدل ربطة عنقه وياقة الحلة،مال عليها ليضع قبلة سريعة فوق شفتيها ثم أشار لها بذراعه لتتأبطه وتتحرك بجواره بحبورٍ بينما يشعر هو بالفخر من إمتلاكه لتلك "الدرة المكنونة"مكافأته من رب العباد جراء صبره على الإبتلاء
هبط الدرج بجوار تلك التي تتأبطه لينظر لهما الجميع،علام،عصمت، فريال وأيضًا ماجد حيث اليوم العطلة الأسبوعية،ضيقت عصمت عينيها حين رأت لمعة تسكن مقلتي نجلها،لمعة هي تعرفها جيدًا وتحفظها عن ظهر قلب،تيقنت على الفور أن ذاك الثنائي العنيد قد تنازلا عن عنادهما وارتمى كلاهما داخل أحضان الأخر ليرتويا وينتعشا وتزدهرُ قلوبهم،وقف علام يستقبلهما لينطق بنبرة جادة:
-خلاص نويتوا
هزت رأسها بابتسامة لينطق زوجها الحبيب:
-بإذن الله يا باشا
تحركت عصمت إليهما لتنطق وهي تربط على كتف صغيرها والقلق ينهش قلبها:
-خلي بالك من نفسك ومن مراتك يا حبيبي
وتطلعت إليها بنظراتٍ لائمة نزلت على قلب إيثار زلزلتها لتقول بهدوء:
-ترجعوا بالسلامة إن شاءالله
رأت حـ.ـز.نًا بعينيها فارادت أن تخفف من تأثير نظراتها المرتعبة على نجلها وزوجته وأحفادها:
-سلمي على ماما وإخواتك
كادت أن تتحرك لكنها أوقفتها بكفها لتنطق بنبرة خافتة:
-مش عاوزاكِ تزعلي مني يا ماما
تنهدت لتنطق بنبرة صادقة فقلبها مرتعب من تلك الزيارة:
-أنا مش زعلانة منك يا إيثار،أنا خايفة عليكم وعلى ولادكم
واسترسلت بنبرة حنون:
-أنا قولت لفؤاد مايخدش يوسف معاكم،بس هو كان مقرر قبلها إنه مش هياخده علشان الولد ما يسألش على أهل بباه ونفسيته تتأثر باللي حصل لهم
نطقت بعينين معتذرتين لتلك الراقية التي تتفهم رعـ.ـبها:
-والله يا ماما غـ.ـصـ.ـب عني،شوقي لـ بابا الله يرحمه غلبني،ونفسي أرد أمانته قبل ما أدخل على الولادة علشان أكون مرتاحة
تنهدت بقوة،هي لا تنكر عليها حق زيارتها لـ لحد أبيها الراحل ولا اشتياقها لرؤية عائلتها،لكنها تخشى ما قد يكون وراء تلك الزيارة وهذا البلد الغير أمن كما أخبرتها عزة،أومأت لها لتنطق بنبرة حنون:
-ربنا يرجعكم بالسلامة يا بنتي
إقتربت فريال على شقيقها تحتضنه بقوة وهي تقول:
-خلي بالك من نفسك ومن إيثار يا حبيبي
ليهتف علام بحدة كي ينهي ذاك المشهد الدرامي المبالغ به من زوجته وابنته:
-ما خلاص يا جماعة،ده معاه إسطول عربيات بحراسة مسلحة ولا الحرس الجمهوري
تطلعت عليه عصمت بنظرات لائمة لينطق وهو يربت على كفها بمؤازرة:
-أنا مأمنه هناك كويس،متقلقيش
هتف ماجد وهو يربت على كف فؤاد:
-زيارة موفقة يا سيادة المستشار
تسلم يا دكتور...نطقها فؤاد ليتحرك بزوجته وهو يقول:
-يلا يا حبيبي
تحركا ليقاطع خروجهم عزة التي هتفت وهي تنظر إليه بنظراتٍ عاتبة:
-بردوا سمعت كلامها يا سيادة المستشار،هو ده اللي اتفقنا عليه
-خلاص يا عزة...قالها فؤاد ليكمل بنبرة حاسمة:
-فات وقت الكلام ده
نطقت بنظراتٍ مترجية:
-طب خدني معاك
ثم استرسلت وهي تتمسك بكف ابنتها:
-عاوزة أكون معاها علشان لو حصل حاجة ما يتكاتروش عليها زي المرة اللي فاتت
احتدت ملامحه لينطق بسخطٍ أرعـ.ـبها:
-شكلك إتجننتي يا عزة،هما مين دول اللي يتكاتروا عليها في وجودي،طب حد يمسها بنظرة وأنا اولع في أم البلد كلها
نظرت الى عينيها اللامعتين بتأثر لتقول لطمئنتها:
-إطمني وريحي بالك،وبعدين مينفعش تيجي معايا وتسيبي يوسف لوحده، إنتِ ناسية إن فؤاد وداه عند بيسان علشان ميشوفناش وإحنا ماشيين ويعرف إننا رايحين الكفر ويشبط
هزت رأسها بهدوء لينطق فؤاد بتوصية:
-خلي بالك من الولد لحد ما نرجع، وإياك توقعي بلسانك وتقولي قدامه إننا سافرنا بلد بباه
-ليه شايفني هبلة قدامك...قالتها وهي ترمقه بازدراء أثار استياءه لينطق من بين أسنانه:
-يلا نخرج قبل ما ارتكب جريمة حالاً
خرج لتستقل المقعد الخلفي بجواره لتنطلق السيارة بين أسطول ذاك السيارات المليئة برجـ.ـال الحراسة وأسلحتهم المرخصة.
↚
مشاعر مضطربة إجتاحت روحها،ما بين رهبة إرتيابٍ إشتياقٍ وحنين،حنين لعائلتها التي لم تحصد من وجودهم بحياتها سوى الو.جـ.ـع والذل وخيبة الأمل،لكنهم بالنهاية أهلها،يسيطرُ عليها شعورًا مريرًا يسكن جوفها،كانت تتطلع من نافذة السيارة،شاردة بالطريق الزراعي التي تمر منه للوصول إلى قريتها،شعرت بهلعٍ عنـ.ـد.ما اقتربت من ذاك الكوبري التي ستمر من خلاله لدخول بلدتها،لاحت بمخيلتها خروجها عبرهُ بالمرة الأخيرة لها،كانت بصحبته أيضًا بعدmا انتشلها باللحظة الأخيرة من براثن هؤلاء المفترسون،تذكرت أيضًا خروجها المهين من ذاك الكوبري وهي تحمل صغيرها على كتفها بعدmا حصلت على الخلاص من تلك الزيجة التي لم تجني منها سوى الألم والمرارة والذل والخيانة،يبدو أن هذا الكوبري هو خلاصها الدائم، فـ بكل مرة تخرج منه هاربة تتلفت حولها من شـ.ـدة الهلع لتجد الدنيا تفتح لها ذراعيها على مصراعيهما كي تحتضنها وتطيب خاطرها وتفتح لها أبوابًا جديدة من الأمل،بالمرة الأولى وجدت والد صديقتها حيث أوصلها إلى شركة أيمن بعد أن توسط لها لتعمل سكيرتيرة خاصة لدى أيمن الأباصيري، والمرة الأخيرة كان العوض الأعظم من رب الكون"الله سبحانه وتعالى" حيث كافأها بعائلة علام زين الدين التي احتضنها جميع أفراد العائلة وشملوها بعطفهم هي وصغيرها البرئ،تسائل داخلها،ترى ما الذي ينتظرني تلك المرة وهل سأخرج من ذاك الممر هاربة كـ كل مرة،أم أنني سأخرج مرفوعة الرأس وسيتغير قدري تلك المرة
إنتفض جسدها حين شعرت بكف يدٍ يحتضن خاصتها وعلى الفور التفتت لذاك المجاور لها بالمقعد لتجدهُ مبتسمًا وبنظراته الحنون بث لها أمانًا كي يطمئنُ بهِ روحها،على الفور اخترقت نظراتهِ المطمأنة جدار قلبها ليهدئ من ارتيابها،لم يخفى عليه نظراتها التي كشفت عن هلعٍ داخلها ليميل بجذعه وهو يطمئنها بكلمـ.ـا.ته الحنون:
-إهدي يا بابا،الزيارة هتعدي على خير وكل حاجة هتبقى تمام
كلمـ.ـا.تٍ بسيطة لكن كان لها أثرًا هائلاً على نفسها لتومي له برأسها،شعر ببرودة كفها لينطق بملاطفة أراد بها سحبها من تلك الحالة:
-شايفة جـ.ـسمك تلج إزاي
ثم غمز بعينيه وهو يشير إلى أحضانه:
-علشان تبقى تسمعي الكلام ومتخرجيش برة حـ.ـضـ.ـني تاني
ابتسامة باهتة ظهرت على محياها ولعلها تشعر ببعضًا من الأمان انجرفت وراء طلبه لتقترب وتُلقي بحالها داخل أحضانه،ألقت برأسها فوق موضع قلبه لتستمع لدقاته المنتظمة،أما هو فـ لف ساعدهُ ليضم كتفها برعاية كي يشعرها بالإطمئنان،شعرت بقليلاً من الراحة لكن تخوفها من تلك المواجهة وهاجس خروجها من هذه القرية بات يؤرق روحها ويزدادُ مع دخولها إلى البلدة من خلال عبورها ذاك الكوبري
وكأن تلك القرية هي لعنتها بالدنيا،دفنت كفها بين قميصه وحلة البدلة كي تستمتع بدفئ صدره وباتت تتمعن بعينيها بوجوه المارة من أهل قريتها من خلف ذاك الزجاج العازل للرؤية"مُفيم"توقف الناس يتطلعون بأعين متعجبة وأفواهٍ مفتوحة على ذاك الأسطول من السيارات شـ.ـديدة الفخامة بزجاجها المفيم وهيكلها المصنع مضاد للطلقات النارية،كانت أعين المارة متمركزة على السيارات بتمعنٍ شـ.ـديد،يحاولون باستمـ.ـا.تة اكتشاف من بالداخل،استمعت لهمساته الحنون وهو ينطق بدلالٍ كي يشغلها ويخفف من وطأة رُعبها:
-حبيبي إنتَ يا بابا
تهيمُ روحها عشقًا حين يتغزلُ بها ويناديها بصيغة المُذكر،تشعر حينها انها طفلتهُ التي يحرص على دلالها بكل الطرق كي ينول رضائها ويرفه عن نفسها،تنفست براحة لتضم حالها إليه أكثر تتمسح بصدره ليهمس هو بجانب أذنها بملاطفة أراد بها إخراجها من حالة التشتت والضياع:
-بطلي شقاوة وحركات إنتِ مش قدها،وإعملي حساب إن إحنا في الشارع وياريتنا كمان لوحدنا
واقترب أكثر ليهمس:
-معانا السواق
لكزته بصدره ليضحك برجولة ويضمها أكثر،إعتدلت بجلستها ونطقت بصوتٍ ظهر عليه التـ.ـو.تر:
-هفرد ظهري علشان الولاد ما يتأذوش
أومى لها برغم شعورهُ بتـ.ـو.ترها لكنه تغاضى،ابتلعت لعابها وهي تتخطي الشارع المتواجد به منزل أبيها لتتجه بطريقها المستقيم للوصول للمقابر نهاية القرية،انتفض جسدها حين رأت منزل نصر البنهاوي وبناءه الشامخ والذي يشبه قصور الأمراء،مر شريط ذكرياتها حين خرجت منه أخر مرة ذليلة مهانة عنـ.ـد.ما حاولت الإنتحار بعدmا أعادتها والدتها وعزيز رُغمًا عنها بعد خيانة من كانت تظنُ أنه مصدر الأمان لها،اتسعت عينيها عنـ.ـد.ما اقتربت السيارة أكثر من المنزل ووجدت البوابة الحديدية الشامخة وقد تجمعت حولها النفايات وتُركت بأمر من عائلة ناصف كي تكون عبرة لمن اعتبر،دققت النظر على خيوط العنكبوت التي اتخذت من البوابة بيوتًا لها بعدmا هجرها أهلها وأصبح المنزل خاويًا يحوي الحشرات وتتخذ الوطاويط منه مسكنًا، كان يتطلع بتمعنٍ على تلك الشاردة بعينيها المذهولة ليتيقن أن ذاك هو منزل الشياطين التي كانت تسكنه من ذي قبل،التزم الصمت كي لا يزيد الأمر سوءًا،لا تعلم لما أصاب قلبها حـ.ـز.نًا لرؤيتها لذاك المنزل الشامخ على حالته المحـ.ـز.نة تلك،نعم فقد تجرعت كؤؤسًا من المرار والظلم والذُل على أيادي معظم ساكني ذاك المنزل الملعون،لكنهم بالنهاية يضلوا عائلة صغيرها وأهله،تنفست لتتطلع للأمام بعدmا تخطت المنزل، لتمضي بطريقها المستقيم بوجهة المقابر، حولت بصرها لذاك الحبيب وهي تسألهُ باستغراب لعدm استعلام السائق عن المكان:
-هو السواق عارف مكان المقابر إزاي؟!
تطلع عليها بطرف عينيها ليبتسم بخفوت وهو ينطق بدعابة:
-عيب لما تكوني مرات فؤاد علام وتسألي سؤال ساذج زي ده
-مغرور...قالتها بمشاكسة ليبتسم ويعود بنظره للأمام يتفقد الطريق،فقد بعث برجـ.ـاله تفقدوا المكان جيدًا وقاموا بتأمينه قبل يومين،وصلا لأعلى الجبل حيث المقابر وتوقفت السيارات عند بداية اللحود كي يتجنبوا حُرمة المكان وقدسيته،تطلعت على "لحد" غاليها لينخلع قلبها حين وجدت أشقائها الثلاث يقفون حوله يبدوا من تطلعهم على السيارات أنهم بانتظارها،توقف السائق ليتوجه رجـ.ـال الحراسة بفتح باب السيارة إلى فؤاد بعدmا انتشر الرجـ.ـال ليحاوطوا السيارة حاملين أسلحتهم في حالة من التأهب وكأنهم جنودًا في حالة حرب
ترجل فؤاد ليقف منتصب الظهر مرتديًا نظارته الشمسية حيث ذادته وقارًا ووسامة،أغلق زِر حلته لتكتمل شياكته ثم استدار للباب الأخر ليفتحه ويبسط كف يده إلى زوجته الحبيبة لتضع خاصتها وتسلمهُ زمام أمرها،ساعدها على الخروج لتقف بهيأتها الخاطفة للأنفاس وطلتها التي تُشبه الأميرات تحت نظرات كل من بالمكان،فقد كان المكان مكتظًا بالزائرين لقبور أحبائهم حيث اليوم هو يوم الجمعة عطلة لدى الجميع،فقد جرت العادة في تلك القُرى بزيارة الأهالي قبور أقاربهم ليقومون بتلاوة ما تيسر من "القرأن الكريم"وتوزيع الأطعمة مثل المخبوزات والفاكهة والتمور وأيضًا الأموال رحمة على أرواح من افتقدوهم
وقف الجميع يتطلع على تلك الجميلة إبنة قريتهم التي تحولت من إبنة غانم الفقير وطليقة إبن نصر البنهاوي لتلك الراقية والتي ظهرت بثيابًا تظهر مكانتها الجديدة وأسطول السيارات التابع لها وكل هولاء الرجـ.ـال المسلحون،فقد ذُهل الجميع وتشتت أذهانهم ما بين النظر لتلك الجميلة وزوجها الوسيم وبين أسطول السيارات الفخمة،أم لهولاء الرجـ.ـال ذو الأجساد الضخمة والعضلات البـ.ـارزة الدالة على القوة وكثرة التدريبات الشاقة للحصول على تلك القوة
تحركت إيثار بصحبة زوجها ليقابلها أشقائها الثلاث يتقدmهم أيهم الذي احتضنها بحفاوة وهو يقول:
-نورتي بلدك يا حبيبتي
شعرت براحة بضمة شقيقها الحنون لتسترخي بين ذراعيه فلطالما كان أيهم الأقرب لروحها من بين أشقائها وطالما هي كانت الاقرب إليه أيضًا،ابتعدت عن أحضانه لتجد وجدي يرحب بزوجها قائلاً وهو يصافحه باليد:
-حمدالله على السلامة يا باشا،نورتوا البلد
أجابهُ فؤاد بنبرة جادة يرجع أسبابها لعدm تقبلهُ لهم جميعًا بعد الأذى النفسي الذين تسببوا لحبيبته به بتصرفاتهم الخالية من الإنسانية:
-متشكر يا أستاذ وجدي
تعجب وجدي من نطقه لاسمه فمن أين علم به وهو لم يراه سوى بذاك اليوم المشؤوم الذي نـ.ـد.م عليه أشـ.ـد النـ.ـد.م وتمنى لو عاد به الزمن من جديد ما كان اتخذ ذاك الموقف المهين لشخصه قبل شقيقته ولكان احتواها وطمئن رعـ.ـبها بعد فقدانها للعزيز أبيهم،الجميع يتعجب اليوم بمعرفة فؤاد بتفاصيل كثيرة لكنهم غفلوا عن وظيفته التي بحكمها تعلم أن يجمع كل المعلومـ.ـا.ت عن خصمه قبل المواجهة وألا يخاطر ويذهب إلى مكان جديدًا عليه قبل أن يتخذ جميع إحتياطاته الأمنية، هكذا هو فؤاد علام.
تقدm أيضًا عزيز من وقوف فؤاد ومد يده للمصافحة الحارة ليقابلها فؤاد ببرودٍ تام مع إختراقه بنظراتٍ مبهمة أربكت عزيز وكأن ذاك الغريب يستكشف داخله بالكامل ويحوم داخل خبايا روحه.
اقترب وجدي من شقيقته ليتطلع بعيناها وبلحظة انفطر قلبه حين وجدها تنظر إليه بنظراتٍ مختلطة بالألم مع العتاب والملامة،انتابهُ شعورًا بالخزي والألم والحـ.ـز.ن العميق،خرجت منه كلمة واحدة بتلقائية دون أدنى ترتيبٍ لها:
-حقك عليا،سامحيني يا اختي
لم تشعر سوى بدmـ.ـو.ع عينيها التي انهمرت جراء ما استمعت إليه من إعتذار شقيقها الصريح،كلمـ.ـا.تٍ بسيطة لكنها تحمل الكثير من المعاني لديها خاصةً مع نظراتهِ النادmة المصحوبة بنظراتٍ تائبة،اقترب عليها ومد كفيه نحو وجهها ليزيل قطرات دmـ.ـو.عها التي انهمرت كشلالاتٍ تأثرًا بالحدث،جذبها ليسكنها أحضانه تحت نظرات فؤاد المتأثرة لما يحدث،بات جسدها يهتزُ بين أحضان شقيقها من شـ.ـدة تأثرها وبكائها الحاد،نعم كان يشتاق لها وبين الحين والأخر يشعر بحنينٍ لشقيقته الوحيدة،لكنه لم يخطر ببالهِ بأن يكون اللقاء هكذا ويحمل كل تلك المشاعر القوية التي هزت أعماق قلبه،لم يكن الأمر بهين عليها هي الأخرى،فـ إلى الأن لم يُشفى جـ.ـر.حها العميق ولم تنسى ما فعلوه بها،لم يُمحى من ذاكرتها مشهد صرخات صغيرها الهلعة وهم يجذبوها عنوةً عنها لتصعد الدرج،عاد المشهد يتكرر بذاكرتها وكأنهُ يعاد بكل حذافيرهُ حتى صرخاتها المستنجدة بأيهم ووجدي صارت تدوي بأذنيها كأنها حية، مشهد مؤثر جعل كل من بالمقابر يتطلع عليهما ويشفق على حال تلك الباكية بقوة
عادت لوعيها حين شعرت بكف زوجها الحنون يلامس كتفها وهو يهمس بنبراتٍ حنونة:
-حبيبي إنتِ كويسة؟
خرجت من بين أحضان شقيقها لتجفف دmـ.ـو.عها وهي تقول بنظراتٍ زائغة متهربة وكأنها تخشى أن يراها أحدًا بذاك الضعف،فتحت حقيبة يدها سريعًا لتعبث بها وتُخرج نظارتها الشمسية ذات الماركة العالمية كـ كل أشيائها،على عجالة إرتدتها ورفعت رأسها للأعلى لتجد ذاك الـ عزيز وهو يقترب منها بخطواتٍ مترددة،تعمقت بعينيه لتجد نظراته ولأول مرة خجلة،ابتلع لعابهُ وتحدث بحنينٍ ظهر بصوته ونظراته وهو يبسط يده للمصافحة:
-إزيك يا إيثار
يا الله،ألديه قلبًا كباقي البشر كي يحن ويشتاق؟!
من أين لك ذاك الحنين يا ابن أبي،ألم تكن أنتَ سببًا في جُل معاناتي وشقائي،كل كارثةٍ حلت بي كنت أنتَ سببًا رئيسيًا بها،من بداية إرغامي لعودتي لمن غدر بي وخان الوعد وخالف العهد وأتي بعشيقته إلى فراش الزوجية بكل جبروت،ألست أنت من أجبرتني على ترك تراب بلادي و.جـ.ـعلتني أفر إلى المدينة هاربة من ضيق الحال حاملة على عنقي صغيري الذي لم يُكمل عامة الثالث بعد، بعدmا أمرت الجميع ووضعت خطة بتضييق الحال علىِ لدرجة أني لم أعد أملك ثمن الحصول على إطعام صغيري بالإتفاق مع ذاك الجبروت "نصر" وزوجته الشمطاء لإجبـ.ـاري على الرجوع ذليلة لذاك الحقير الخَائن؟!
فاقت لتنفض تلك المشاعر السلبية التي لازمتها أينما ذهبت ولكنها الأن هاجمتها بضراوة لرؤيتها لوشوش من ظلموها وكبلوها بقيودٍ من حديد ظلت تقيدها وتشل حركتها وكلما حاولت الصراخ والتملص والهروب لبدأ حياةٍ جديدة جذبوها من تلك السلاسل الحديدية وأعادوها لمكانها من جديد،كانت تشعر وكأنها مكبلة بطوقٍ من حديد يلتف حول عنقها يكاد يزهق بروحها،حتى التقت بفارسها الذي تغير قدرها بالكامل على يده
نظرت وهي ترفع رأسها بشموخ لتنطق بصوتٍ حاربت ليخرج قويٍ شامخ:
-كويسة جداً الحمدلله
شعر بحدة طريقتها معه عكس ما تعاملت به مع شقيقاه،تيقن أنها لم تنسى الماضي بعد فهز رأسهُ لينطق بخفوت:
-حمدالله على السلامة
-الله يسلمك...قالتها وهي تنظر إليه بقوة وجمودٍ وثبات،ثم التفتت إلى لحد والدها وعلى الفور هزة عنيفة رجت قلبها فنزلت دmـ.ـو.عها كشلالاتٍ،مالت برأسها تتطلع على ذاك اللحد لتجتاحها حالة من القهر كلما تخيلت جثمان والدها يسكن داخل ذاك القبر الضيق،تذكرت نظراتهُ الحنون وهو يبتسمُ لها،تذكرت نبرات صوته وهو يحدثها بكل لين،ما أروعه من أبٍ طالما رأتهُ بعينيها أعظم الأباء وأشرفهم،لم تدينهُ يومًا ولم تحملهُ نتيجة ما أوت إليه بسبب ضعفه،طالما وجدت له مبرراتٍ كثيرة ولم تحملهُ يومًا ذنبها،كادت أن تجثو على ركبتيها كي تريح ساقيها فأمسكها فؤاد بذراعه ثم أشار لأحد الرجـ.ـال بصباعي الإبهام والوسطى مما أحدث صوت فرقعة بسيطة ليلبى الرجل طلبه الذي فهمه بفطانته دون أن يفصح فؤاد عنه وبسرعة البرق كان يُخرج مقعدًا من شنطة السيارة ليفرده سريعًا ويضعه أمام اللحد،ليساعد فؤاد زوجته بالجلوس مما جعل جميع من بالمكان ينظر بإعجاب لذاك الخلوق الذي يهتم بأبسط الأشياء التي تخص زوجته وهذا يعني مدى عشقه الهائل لها
عادت ببصرها للحد أبيها لتتحدث بهمسٍ لداخلها:
-كيف حالك أبي وكيف أصبحت؟،ليتني أستطيع معرفة أخبـ.ـارك ليطمئن قلبي عليك،أتمنى على الله أن تكون بخير وبحالٍ أفضل مما كنت عليه بالدنيا،أعلم أنك كنت تراعي الله وتضعه نصب عينك بجميع اعمالك وقراراتك وبرغم هذا أطلب لك الغفران والرحمة من الله
نزلت دmـ.ـو.عها الحارة لتشهق وهي تحدث حالها:
-لقد كنت طيب القلب طاهر اللسان يا أبي،فوالله ما رأيتك يومًا تزم فلانًا أو تغتابُ علانًا،لقد كنت رائعًا يا عزيز عيني،بل كنت الاروع من بين كل البشر،هكذا كانت تراك عيناي
شهقت بقوة تحت سمع الجميع لتكمل بابتسامة خفيفة:
-جئتك اليوم لأطلعك على حالي،لكني في البداية وقبل كل شئ أريد الإعتذار منك وألتمس الغفران لتقصيري في حق زيارتك
مالت برأسها تلتمس العذر منه وكأنهُ أمامها ويراها وهي تقول:
-لكنك تحفظني عن ظهر قلب وتعلم أن الأمر لو كان بيدي لكنت زرتك يوميًا وتسامرت معك واخبرتك عن حالي وكم اشتياقي لك،فعذرًا حبيبي على تقصيري الغير متعمد
أستنشقت جرعة كبيرة من الهواء حبستها بداخل رئتيها ثم زفرتها دفعةً واحدة قبل أن تكمل حديث نفسها مع الحبيب:
-أريد أن أطمئنك على حالي،لقد وجدته يا أبي،عثرت على فارس أحلامي ورجُلي الهمام، ذاك الذي طالما حلمت بظهورهُ لينتشلني من وحل أل البنهاوي الذي كلما حاربت وجاهدت كي أخرج منه أجد من يسحبني من قدmي ليعيدني إليه لأغرق بجسدي في الوحل من جديد حتى أتاني،هو حبيبي وصديقي وأخي وكثيرًا من الأحيان يشعرني بأني طفلته وبأنه أبي
ابتسامة جانبية اختلطت بدmـ.ـو.عها لتكمل حديثها:
-لا تحـ.ـز.ن عزيزي فمازلتُ احتفظ بمكانتك المرتفعة بقلبي ولم ولن يجرؤ أحدًا بزحزحتها إنشًا واحدًا،لكنه حقًا يشعرني بحنانك الذي افتقدته بعد رحيلك،ضمة يدهُ المربطة فوق ظهري بحنانٍ هي بذاتها ضمتك،لمساتهُ الحنون تشبه لمساتك يا أبي
تطلعت على ذاك الواقف بجوارها وهمست لـ أبيها:
-أنظر إليه وتطلع يا عزيزي،كم هو رجلاً ذو طلة بهية وهيأة شامخة
وددتُ أيضًا أن أطمئنك على يوسف، لقد تبدل حالهُ للأفضل ألاف المرات، لقد مَن الله عليه بعائلة حنون عوضًا عن عائلته التي افتقدها،أصبح رجلاً صغيرًا بفضل الله ثم توجيهات ذاك الخلوق المسمى بـ علام،فقد قام بتكريس جزءًا ليس بالقليل من وقته الثمين لتعليم صغيري أشياءًا جديدة عليه وزرع بعض القيم والاساسيات التي ستجعل منه رجلاً حكيمًا ذو أخلاق عالية
ثم شهقت لتحدثه وهي تتحسس بطنها:
-كدت أنسى يا عزيزي،لقد مَن الله عليا وحملت بتوأم صبي وفتاة،لو مد الله في عمري سأتي بهما بعد الولادة لأعرفك عليهما
تنهدت ثم قالت والألم يمزق داخلها:
-لقد اشتقت رؤياك البهية،ابتسامتك،نظرة عيناك التي تحمل بين طياتها حنان الدنيا بأكمله،ليتك تعود ولو ليومًا واحدًا لارتمي بداخل أحضانك وأحتفظ برائحتك الذكية بين رأتاي ولترحل من جديد
رأت رجلاً يحمل بين يداه كتاب الله "المصحف الشريف"يتنقل به بين اللحود ويقوم بقراءة ما تيسر من" القرآن الكريم"بصوتهِ العَذب مقابل بعض المال فأشارت إليه وما أن اقترب الرجل حتى وجد تلك الدروع البشرية تقف بوجههِ ويشهرون أسلحتهم مما دب الرعـ.ـب بقلب الرجل وقلب الجميع لتنطق إيثار لزوجها:
-خليهم يسمحوا له ييجي يا حبيبي،ده قارئ وصوته حلو جداً
هز برأسه ليشير لهم بكفه مع صوته الاجش:
-سيبوه
كلمته كانت كفيلة ليفسحوا له الطريق واقترب الرجل من القبر ليجثو على ركبتيه وبدأ بتلاوة سورة" الواقعة" بصوتٍ أدخل السرور على قلب فؤاد وجميع الحضور من حلاوته،أخرجت هي الأخرى المصحف الشريف من حقيبتها الخاصة وفتحته وبدأت بتلاوة سورة" يس"لما لها من فضلٍ كبير على المتـ.ـو.في،قرأ أيضًا فؤاد وأشقائها ما تيسر من السور الصغيرة،انتهت من قرائتها للسورة وانتهى الرجل لتخرج مبلغًا من المال وأعتطه للرجل وشكرته ليشير فؤاد إلى رجلين من الحراسة ليخرجا عدة صناديق محملة بأكياسٍ بلاستيكية من حقيبة أحد السيارات ويوزعا منها على الحضور والمحتاجين،كانت عبـ.ـارة عن بعض الخبز "الكرواسون" وبعض التمور وأنواع الفاكهة،تجمع الأطفال بفرحة لأخذ حصتهم تحت سعادتها على تلك الوجبات التي اصرت على شرائها من أموالها الخاصة التي جمعتها من عملها في شركة أيمن ورفضت دفع فؤاد لثمنها
إقتربت إحدى السيدات لتحدثها ولكن من خلف هؤلاء الرجـ.ـال حيث يشكلون درعًا بشريًا يمنع مرور حتى الناموسة:
-إزيك يا إيثار،عاملة إيه يا بنتي
تطلعت على تلك المرأة وعلى الفور تذكرتها،لتنطق بنبرة هادئة نظرًا لتأثر حالتها من زيارة قبر والدها للمرة الاولى منذ وفاته:
-الله يسلمك يا خالتي،الحمدلله أنا بخير
نطقت المرأة بتأثر لقصة تلك الجميلة حيث تغنت القرية سنواتٍ بقصتها الحزينة وتجبر عائلة نصر عليها:
-ربنا نصفك وخد لك حقك من اللي ظلموكِ يا بنتي، وزي ما خانوكِ إتخانوا، وزي ما شردوكِ بره البلد ربنا وقف لهم اللي اقوى منهم علشان يشردهم، سبحان الله يا بنتي كل اللي اتعمل فيكِ وفي غيرك منهم اترد عليهم بالسوء
ليرد عليها رجلاً كان يتابع الحديث:
-إن ربك لبالمرصاد
لتتحدث أخرى وكأن الجميع استغلوا تلك الفرصة ليعبروا عن شمـ.ـا.تتهم بما حدث لتلك العائلة التي تجبرت في الأرض واستقوى جميع أفرادها على الضعفاء فأراد الله ان يجعل منهم عبرة لمن يعتبر:
-ولا إجلال واللي حصل لها،مرمية في بيت أخوها الحاج محمد وشريفة مـ.ـر.اته ذلاها
لتهتف أخرى وهي تحاوط فكها بكف يدها:
-ده أنا سمعت إنها بتأكلها في المطبخ مع حميدة الشغالة
لتنطق أخرى:
-اللهم لا شمـ.ـا.تة،بس الولية دي اتجبرت وافترت على خلق الله، وربنا ميرضاش بالظُلم أبدًا
همست إحداهن بعدmا اجتمعن حول بعضهن ليصنعن دائرة:
-فين إجلال تيجي تشوف العز والابهة اللي بقت فيهم بنت غانم،دي راجعة ولا الممثلات اللي بنشوفهم في التليفزيون،ولا لبسها،ولا جوزها باين عليه غني قوي
هتفت أخرى بحماس:
-ده وكيل نيابة قد الدنيا، عمها أحمد اللي قال كده تالت يوم العزا بتاع أبوها، لما وقف قدام بابهم وعرف أهل البلد عليه، البت دي أصلها غلبانة وشافت كتير في حياتها،دي حتى أمها كانت قليلة الأصل معاها ووقفت في صف إجلال ضدها
ابتسمت إحداهُن لتنطق بتشفي:
-فينه الحاج نصر ييجي يشوف، مش كان بيقول إن اللي تطلق من عيل من عياله تحرم على صنف الرجـ.ـا.لة كله ومفيش راجـ.ـل يقدر يقرب منها
لتنطق أخرى:
-فاكرين اللي عمله عمرو في المحامي اللي اتقدm لـ إيثار بعد طـ.ـلا.قها منه بسنة،ده ضـ.ـر.به ساعتها لحد ما كـ.ـسر له رجليه وشالوا الواد من تحتيه بالعافـ.ـية،وبعدها الحاج نصر خلى حد جاب له عقد عمل في الخليج وطفشه من البلد كلها بعد ما عمرو كان ناوي يقــ,تــله
لتنطق أخرى وهي تتعمق بنظرها إلى بطن إيثار:
-شكلها حامل،بطنها كبيرة
-أيوا حامل،وشكلها معدية الشهر السابع كمان...قالتها أخرى وظلوا هكذا يتبادلون الأحاديث فيما بينهن.
اقترب أيهم من شقيقته ومال بجزعه ليقول:
-كفاية كده علشان متتعبيش يا حبيبتي ويلا علشان نروح البيت
قالها وتطلع إلى فؤاد ليسألهُ:
-ولا إيه رأيك يا سيادة المستشار؟
طالعهُ بهدوء لينطق:
-والله يا أيهم أنا كنت عاوز أقول كده بس سكت علشان متزعلش وتقول إني استعجلتها
تنهدت بهدوء قبل أن تنطق:
-تمام يا حبيبي،يلا بينا
وضعت كفها على تراب القبر لتحتضنه وكأنها تقوم بتوديع والدها الغالي لتقول بصوتٍ مسموع:
-مع السلامة يا حبيبي،إن شاءالله بعد الولادة هاجي لك،سواء قومت بالسلامة هجي لك هنا، ولو ربنا أخد أمانته هنتقابل أكيد
انتفض قلب حبيبها حين استمع لتلك الكلمـ.ـا.ت لتسري الرجفة بجسده وهو يقول بحدة:
-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده؟!
تنهدت وهي توجه كفها صوبه كي يساندها لتقف ثم تحدثت وهي تنظر بعينيه:
-المـ.ـو.ت علينا حق يا حبيبي،ده الحقيقة المؤكدة في الدنيا
أشار بكفه ليجبرها على الصمت:
-خلاص يا إيثار لو سمحتي، خلينا نمشي من هنا
استقلت سيارتها هي وزوجها تحت انظار الجميع وصعد عزيز و وجدي سيارة أيهم واتجهوا نحو منزل غانم الجوهري
*********
بعد قليل ترجلت من السيارة وباتت تتطلع على المنزل بحنين،مشاعر متضاربة هاجمتها من جديد، يبدوا أن شعار اليوم المرفوع هو "المشاعر المتضاربة"وما بيدها لتفعل إذا كانت هذه البلدة لا تحمل لها سوى الذكريات المؤلمة،تنهدت لتدلف بخطواتٍ ثقيلة بجوار زوجها،سبقهم عزيز لينطق بصوتٍ حماسي:
-إنتِ فين يا أم عزيز، تعالي قابلي ضيوفك
تطلعت لجدران المنزل وأثاثه باشتياقٍ وحنين،تعجبت حين وجدت دفئًا عجيبًا يسكن المنزل كان قد غادرهُ منذ الزمان،اشتمت روائح الطعام الذكية نفسها التي كانت تشتمها قبل زواجها من المدعو" عمر"خرجت نوارة تستقبلهم بوجهها البشوش وابتسامتها التي تدخل السرور والبهجة على القلوب لتنطق بسعادة:
-ضيوف إيه بس يا أبو غانم،دول أصحاب بيت ونورونا وشرفونا بزيارتهم
التفت لتطالع تلك الـ نوارة لتبتسم لها وهي تفتح احضانها لاستقبالها،نطقت إيثار وهي تحتضنها:
-حشـ.ـتـ.ـيني و قوي يا نوارة
نطقت تلك الحنون:
-وإنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و يا إيثار،إيه الغيبة دي كلها
ابتعدت لتنظر لزوجها وهي تشير إلى نوارة بفخر وسعادة:
-دي نوارة مرات وجدي،وصاحبتي
أمال برأسهِ وهو يقول مرحبًا بابتسامة هادئة:
-أهلاً وسهلاً
حيته بابتسامتها الرائعة:
-أهلاً بيك يا سيادة المستشار، نورت البيت
تطلعت لابناء شقيقاها واحتضنتهم بحفاوة لتزيل إبتسامتها حين استمعت لصوت والدتها الذي صدح وهي تنطق بترحاب:
-يا أهلاً وسهلاً
اقتربت على فؤاد الذي صافحها قائلاً باحترام:
-إزي حضرتك
إبتسمت وهزت رأسها وهو تقول:
-الحمدلله يا ابني
ثم حولت بصرها تتطلع على تلك المتجمدة المشاعر،فقد توقفت بسمتها فور خروجها من الداخل،فقد تكرر بذاكرتها المشهد التي اجبرتها به على الصعود للدرج وحبستها بالغرفة بعدmا انتزعت صغيرها من بين أحضانها بدون رحمة،استمعت لصرخاتها الحية وهي تستنجد بها وتتوسلها بأن تتركها وصغيرها ليرحلون بسلام،تذكرت جمود قلبها القاسي وهي تحدثها وتخبرها كم هي أنانية ولا تكترثُ سوى لما يفيدها وفقط،كل هذا جعل من نظراتها قاسية وهي تتطلع عليها،على الجانب الأخر كانت تنظر إليها بخزيٍ وأملٍ بالعفو،فقد بدأت مشاعر الأمومة لديها بالتحرك حين علمت بشأن حملها ومازاد من إزالة الشوائب العالقة بقلبها تجاه صغيرتها هي مساعدتها لشقيقها بفرصة العمل التي وفرها زوجها له وراتبها الهائل والذي خصص منه أيهم جزءًا للمساهمة في احتياجات المنزل،ناهيك عن شقتها الخاصة وسيارتها التي وضعتهم تحت تصرفه لتخفيف عبئ المعيشة داخل المدينة وهذا ما جعله يوفر جميع راتبه ويقوم بادخاره كي يساعده على دفع مقدm لشقة كي يتزوج فيها
نظرت إليها وتحدثت بصوتٍ وعينين متأثرتين:
-إزيك يا إيثار
كانت تنظر أن ترتمي بداخل أحضانها كـ قبل لكنها باغتتها بردها البـ.ـارد حتى أنها لم تمد يدها للمصافحة:
-الحمدلله
ابتلعت المرأة لعابها من شـ.ـدة الخجل وهي تراقب نظرات فؤاد المتعجبة من رد فعل زوجته على رؤية والدتها،نظرت على بطنها المنتفخ لتتحدث من جديد كي تكـ.ـسر ذاك الحاجز:
-مبروك،ربنا يتمم لك على خير وتقومي بالسلامة إنتِ وولادك
ردت بملامح وجه جـ.ـا.مدة:
-متشكرة
دام الصمت من الجميع بعد ذاك السلام الفاتر لينطق أيهم كي يقطع ذاك الصمت المريب المحمل بنظراتٍ منها اللائمة ومنها الخجلة المرتبكة:
-يلا يا نوارة جهزي الغدا علشان فؤاد باشا يدوق أكلنا
قاطعته بحدة وصرامة لا تقبل النقاش:
-إحنا معندناش وقت للغدا يا أيهم ولا جايين نقعد ونتضايف
واسترسلت بنبرة حازمة:
-أنا جاية أتكلم معاكم خمس دقايق وماشية على طول أنا وجوزي
تطلع عليها فؤاد بقلبٍ متأثر،يشعر بثورة مشاعرها المتأججة ما بين غاضبة تريد الإطاحة بكل ما يقابلها كي تنفث عن غضبها العارم، تريد الصراخ لإخراج مكنون قلبها من المشاعر السلبية الحبيسة بداخلها طيلة الأعوام المنصرمة منذ أن كانت طفلة منبوذة بذاك المنزل،وما بين مشاعرٍ بالحنين لكل ركنٍ بذاك المكان المرتبط به قلبها بما يحمل بمخيلتها ذكرياتها الجميلة وأيامها التي عاشتها مع والدها الحنون،فلكل مكانٍ ذكرياته السعيدة وأيضٕا المريرة
نطق وجدي بقلبٍ يئنُ ألمًا لأجل شقيقته وما وصلت إليه من بغض لهم بسبب أفعالهم السابقة وخزلانهم المتكرر لها:
-خلينا نتغدا الأول وبعدها نقعد ونتكلم في كل اللي إنتِ عوزاه
واسترسل بممازحة كي يخفف من وطأة ذاك الجو المشحون لدى الجميع:
-ولا عاوزة سيادة المستشار يقول علينا بخلا
تحدث فؤاد بنبرة هادئة مؤازرًا خليلة روحه:
-خرج سيادة المستشار من حساباتك خالص يا أستاذ وجدي،أنا موجود هنا علشان راحة إيثار،وكل اللي هي عوزاة ويريحها أنا معاها فيه
أخيرًا قرر عزيز الخروج عن صمته فتحدث وهو ينظر لشقيقته بنظراتٍ عاتبة:
-عيب اللي بتعمليه ده يا إيثار،إنتِ في بيت غانم الجوهري اللي كان معروف بالكرم ومقابلة الناس الغُرب في بيته،تفتكري لو كان لسه عايش كان هيبقى مبسوط باللي بتعمليه ده قدام جوزك؟!
دارت حول نفسها لترمقهُ بنظراتٍ مبهمة وهي تنطق بابتسامة ساخرة:
-عيب!
ثم أخذت نفسًا طويلاً قبل أن تنطق بكلمـ.ـا.تٍ ذات مغزى:
-هو لو بابا عايش الله يرحمه مكنش هيبقى مبسوط بحاجات كتير قوي حصلت
خجل الجميع لفهمهم مغزى حديثها لتنطق بقوة وشموخ:
-سيبك من الكلام المزوق اللي لا هيقدm ولا هيأخر وخلينا في المهم
واسترسلت بذات مغزى:
-أنا عندي الكلام المفيد اللي هيريحك إنتَ واخواتك وأمك ويبسطكم من الأخر،ويخلي نفسكم تتفتح اكتر على الغدا اللي عاملينه على شرف حضوري أنا وجوزي
لم يرق له حوارها مع عائلتها بتلك الحدة لعلمهِ أنها تتمزق من داخلها مع إخراجها لكل كلمة تتفوه بها،تألم لألمها ليتحدث بهدوءٍ وهو يشير لها إلى إحدى الارائك:
-إقعدي يا إيثار،ولو حابة أخرج أستناكِ في العربية لحد ما تخلصي كلام مع إخواتك أنا هخرج
إنتفض قلبها رُعبًا وهرولت عليه تتمسكُ بيده دون إدراكٍ لتهتف بعينين مترجيتين أثارت دهشة الجميع:
-متسبنيش لوحدي معاهم
نزلت كلمـ.ـا.تها على قلوب الجميع لتمزقه خاصةً اشقائها الثلاث،فعوضًا من أن يكونوا لها حصن الأمان والعون أصبحوا هم سبب هلعها وعدm شعورها بالامان في حضرتهم بل وتستعينُ بزوجها لحمايتها منهم،إنه لمنتهى الحـ.ـز.ن والو.جـ.ـع،الأن وفقط وبعد رؤيتهم لهلع تلك الجميلة ادركوا بشاعة ما اقترفتهُ أياديهم بحق شقيقتهم الوحيدة،أتلك هي وصية أبيهم،يا لكم الو.جـ.ـع والخزي الذي اقتحم قلوبهم بدون رحمة بتلك اللحظة ليخبرهم بخستهم وندالتهم.
تألم داخله لأجلها بعدmا لمح قلقها،إحتضن كف يدها بقوة لينطق وهو يتعمق بعينيها كي يبث لها الامان ويخبرها أنه هنا،معها وبجوارها ولن يتركها مادام حيًا:
-تعالي نقعد الاول علشان مـ.ـا.تتعبيش، وأنا هقعد جنبك ومش هسيبك أبدًا
كان يتحدث وهو يتعمق بعينيها وكأنها صغيرته التي تحتاجه لتشعر بالأمان،أومأت له بموافقة وتحركت بجواره إلى الأريكة التي أشار لها وجلست ومازالت تحتفظُ بكفه وتتمسك به بقوة جعلت حبيبها يشعر بكم الإضطراب والهلع لذا إقترب منها وربت على كفها بكفه الاخر ليبث بروحها الإطمئنان.
كما الظمأن التائهُ بوسط الصحراء وبلحظة ظهر أمامهُ بئرًا من الماء العـ.ـذ.ب ليهرول إليه يشربُ ويشرب حتى الإرتواء،هكذا رأها أمامه،نظراتها التي تبدلت،وكأن شيئًا كان ينقصها والأن فقط قد عثرت عليه لتكتمل.
نجح فؤاد بمحاولة تهدأتها ،لكنها رفضت الجلوس وبشـ.ـدة لتتحدث إليه بنبرة أظهرت كم إضطرابها والألم الساكن بالقلب منذ سنواتٍ ينهش بداخلها:
-مش مستاهلة قعاد،أنا عاوزة أمشي من هنا بسرعة
اشفق على حالتها وتشتت روحها،ود لو يسحبها بأحضانه ليشق صدرهُ ويضعها بداخلهِ ليحميها من كل البشر والمشاعر المؤذية،أومى لها بابتسامة هادئة بثت بكيانها الطمأنينة لتتنهد براحة قبل أن تفتح حقيبة يدها وتُخرج منها بعض الأوراق لتمد يدها إلى عزيز وهي تجاهد في أن تظل أمامهُ بتلك القوة التي استدعتها بصعوبة بالغة بينما داخلها مدmر هشٍ ضعيف،نطقت وهي ترمقهُ بنظراتٍ حادة:
-دي أمانة بابا اللي كان سايبها عندي،خلاص،وجودها معايا مبقاش ليه لازمة بعد ما أطمنت على حضانة إبني
إتسعت أعين عزيز ومنيرة فقد ظنت أن ابنتها ستستغل تلك العقود لتنتقم منهم وتحاول إذلالهم لما فعلوه بها أثناء وفاة والدها،لتنطق وهي تُخرج الأوراق وتنظر بداخلها:
-أنا خليت المحامي يقسم الميراث بينكم إنتم الأربعة بشرع ربنا
ومدت يدها بورقة إلى عزيز:
-وده تنازل مني عن الأرض والبيت علشان أبطل العقد اللي بابا كان كاتبه لي
بدأت بتوزيع العقود عليهم وتوقفت أمام والدتها لتنطق:
-وده عقدك
نطق وجدي من خلفها بعدmا قرأ العقد الخاص به:
-وإنتِ فين حقك يا إيثار؟
إلتفتت إليه تطالعه بغرابة لتقول بصوتٍ متعجب:
-وأنا إمتى كان ليا حق معاكم علشان يبقى لي الوقت يا وجدي؟!
تطلع عليها بتأثرٍ لتتابع بصوتٍ مختنق يريد الصراخ:
-طول عمري وأنا بتعامل في البيت ده على إني مواطن درجة تالتة،جارية مسلوبة الإرادة عايشة لتلبية رغبات الجميع إلا رغباتها هي
نطق أيهم وقد تجمعت بعينيه قطرات الدmـ.ـو.ع تأثرًا بحال شقيقته وما تشعر به:
-إيه الكلام اللي بتقوليه ده يا حبيبتي،إنتِ بنت غانم الجوهري وطول عمرك كنتي الأقرب ليه مننا كلنا،وبابا بنفسه كتب لك كل حاجة من غير ما يفكر
رفعت ذراعيها لتنطق وهي تنزلهما من جديد باستسلام ودmـ.ـو.ع الهزيمة ملئت مقلتيها:
-وأنا مش عاوزة حاجة منكم يا أيهم،اللي عيشت عمري كله أدور عليه وكنت محتاجاه للأسف مش موجود عندكم
أزالت دmعة فرت بأصابعها ثم تنفست كي تستطيع المواصلة لتسترسل:
-أنا كده وفيت بوعدي لـ أبويا ورجعت الأمانة لأصحابها
وتابعت:
-بس ليا طلب عندكم
نظر الجميع إليها بتمعنٍ وتركيز لتستطرد بعينين مليئتين بنظرات الترجي:
-عاوزاكم تسامحوا بابا،أنا عارفة إنكم زعلتم منه لما كتب لي كل حاجة،بس هو يا حبيبي عمل كده علشان يحميني
باتت توزع نظراتها اللائمة علي جميعهم لتتابع بمرارة وانكسار:
-كان متأكد إني ضعيفة وزي ما يكون كان عارف اللي في نفوسكم ومخططين له بعد وفاته
يا لهُ من شعورٍ مرير أصاب قلوب جميعهم بعد أن ادلت بجملتها الأخيرة وهي تتطلع لهم بنظراتٍ مليئة بالحسرة والألم
"عزيز"،توارى من نظراتها الجالدة لينزل بعينيه لأسفل قدmيه وكأنهُ يختبئ من عاره المسطر على جبينه بالخط العريض،هو شقيقها الأكبر وكان من المفترض أن يكون عوضًا عن والدها،فمن المتعارف عليه أن بعد فقدان الفتاة لوالدها يحل محله الشقيق الأكبر ليصبح هو سند الفتاة وأمانها وحمايتها من كل ما يؤرق عليها الحياة،لكنه كان عكس كل ذلك،فما رأت منه سوى الخسة والندالة والتفريط في وصية أبيه،وبدلاً من أن يكون لها العوض كان لها الجلاد،تاجر الرقيق الذي جذبها من يدها ليعرضها بسوق النخاسة ويقبض الثمن
"وجدي" أصابه الغثيان من حاله وصرخ ضميره وبات يعنفهُ،كيف له أن ينساق وراء وجهة نظر شقيقه الطامع ووالدته التي طالما إعتبرت ابنتها كنزها الثمين ويجب إعطائها لمن سيدفع أكثر ويعود عليها وذكورها الثلاث بالنفع،لماذ لم يثور ويعترض ويرفض،كان عليه أن يصـ.ـر.خ ويعترض ويأخذ بيد شقيقته الضعيفة ويخرجها من الظلمـ.ـا.ت هي وصغيرها بدلاً من المشاركة في تلك المذبحة،يا لهُ من خاسر.
"أيهم"برغم أنهُ أقلهم ندالة لكنه لم يسلم من شعور الذنب الذي اقتحم قلبه بضراوة ليفتك بمشاعرهِ البريئة،شعر بالخزي والعار يعتريه ولم يشفع لهُ وقوفهُ بجانبها، نعم كان موقفًا مخزيًا فقد ساعدها من خلف الستار كاللصوص،إكتفى بمكالمة هاتفية شرح من خلالها الوضع لتلك الـ" عزة" وترك لها كامل التصرف بإنقاذ من تعتبرها كإبنة لها،ولولا أن هدى الله تفكيرها بذاك الـ فؤاد لكانت الفتاة ضاعت للأبد وقضي عليها.
"منيرة"هي مشتتة الذهن بالأساس،فقد عاشت حياة مأساوية منذ صغرها قضت على كثيرًا من مشاعرها الإنسانية حتى أصبحت" إمرأة بلا قلب"فاقدة الحِس،تلك السيدة تنطبق عليها مقولة"فاقد الشئ لا يُعطيه"وبرغم شخوصٍ قاسوا ظروفًا أشـ.ـد قسوةً منها واستطاعوا صُنع شخصيتهم وتغيير مسار حياتهم بالعزيمة والإصرار على النجاح والفلاح وكـ.ـسر تلك المقولة، ومنهم إيثار بذاتها،فبرغم أنها افتقدت حنان ورعاية الأم ولم تتنعم بيومٍ بأحضان أمها كغيرها من الفتيات،إلا أنها أثبتت"أن فاقد الشئ يعطيه وبسخاءٍ"حيث فاضت على صغيرها بسيلٍ من الحنان وحاوطط عليه لتحميه من المخاطر المحاطة بها بل وحملته على ظهرها وباتت تبحث له عن الأمان والحماية حتى وجدتهم.
خرج صوت عزيز مليئًا بالخزي والألم:
-أبوكِ كان راجـ.ـل حكيم وقريب من ربنا،علشان كده ربنا نور بصيرته بالفكرة دي،الله يرحمه باللي عمله حمانا كلنا من الشر
واسترسل بخزيٍ:
-يا عالم كان إيه اللي هيحصل لنا لو كنتي رجعتي لـ عمرو وإحنا رجعنا لشغلنا مع نصر
نطق وجدي بنبرة نادmة:
-الله يرحمك يا ابا،حمانا من شر المال الحـ.ـر.ام وهو عايش،وحتى بعد مـ.ـو.ته طيباته قعدت لنا وربنا حمانا من اللي كان ممكن يحصل لنا
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها على شقيقاها،هل كانا يحتاجان لكارثة تعصف بحياة نصر ليدركا أن ماله حـ.ـر.امًا وفاسد وأن والدهما كان على حق!
تحدث عزيز من جديد بنبرة تحمل الإصرار،فقد تغير وأصبح أكثر حكمة وتفكرًا بعد حادثة زوجته التي عصفت بكيانه و.جـ.ـعلته ينظر للأمور من جميع الزوايا:
-إنتِ لازم تاخدي حقك علشان أبوكِ يكون مرتاح في تربته
نطقت بثبات:
-حقي أنا متنازلة عنه من زمان قوي،من يوم ما أخدت إبني وهو لسة مكملش سنتين ونص وخرجت بيه برة البلد
واسترسلت بهدوءٍ وسكينة ظهرت من بين كلمـ.ـا.تها:
-وبالنسبة لأبويا فهو مرتاح لأني أخدت قراري بمحض إرادتي وعن إقتناع
ثم نظرت إلى زوجها ونطقت بعينين تفيضان حنانًا وعرفان:
-والحمدلله،جوزي مش مخليني محتاجة لأي حاجة لا أنا ولا إبني
بادلها بابتسامة حنون وعينين تمتلؤ عشقًا لينطق عزيز من جديد علها تتراجع:
-الأرض دخلت كردون المباني بعد الطريق الجديد وسعرها إتغير يا إيثار،وبعد ما كانت بملاليم بقى سعرها ملايين
نطق فؤاد ليعلمه:
-إحنا عارفين الكلام ده كله،وإيثار واخدة قرارها النهائي،مفيش داعي للكلام الكتير في الموضوع ده لأنه هيتعبها.
نطق كلمـ.ـا.ته لتنطق وهي تتطلع على حبيبها:
-يلا بينا يا فؤاد
تحرك بجوارها تحت نظرات أشقائها الثلاث وحـ.ـز.نهم العميق،تخطت وقوفهم مرورًا بوالدتها لتباغتها الأخيرة بالتمسك بكفها مما جعل الرجفة تسري بجسدها وتوقفت جراء تشبث منيرة بيدها،إلتفتت لتطالعها وتفاجأت بما رأت،عينين يتجلى بعمقهما النـ.ـد.م والأسف لتنطق بنبرة متأثرة:
-مـ.ـا.تمشيش قبل ما تتغدي إنتِ وجوزك مع اخواتك
ونطقت بنظراتٍ متوسلة:
-أنا عاملة لك كل الأكل اللي بتحبيه
برغم انتفاضة قلبها لكلمـ.ـا.تها ونظراتها الخاضعة إلا أنها نطقت بنبرة متهكمة:
-ياه،هو حضرتك طلعتي عارفة أنا بحب إيه؟!
صمتت منيرة وتطلعت على ابنتها وكأنها تتأسف لها بنظراتها تلك لتتابع الاخرى ساخرة:
-بصراحة إنتِ فاجئتيني
نطقت بصوتٍ خافت يرجع لشعورها بالخزي والألم:
-متظلمنيش يا بنتي،مفيش أم بتكره بنتها ولا بتكره لها الخير
واكملت بقوة وهي تنظر بمقلتيها:
-أنا زيي زي أي أم،طول عمري كنت بحلم إنك تتجوزي راجـ.ـل غني وتعيشي معاه مرتاحة علشان ما تدوقيش اللي انا دوقته وعمرك يضيع كله في الحرمان والحُوجة،وعمرو كان فرصة علشان يخرجك من الفقر وتعيشي معاه عيشة محترمة
-محترمة؟!...قالتها إيثار باستهجان لتكمل منيرة ما بدأته:
-لما لقيتك بتخربي بيتك بإيدك وبتخسري كل حاجة كان لازم أقف لك وأرجعك لعقلك، كان لازم أفوقك قبل ما تخسري جوزك اللي كان بيتمنى لك الرضا وتخسري عيشتك المرتاحة معاه
نزعت كفها بقوة وعنف من خاصة والدتها لتهتف بعينين تطلق شزرًا:
-أي جوز وأي عيشة مرتاحة اللي بتتكلمي عنهم؟!،جوزي اللي كان بيقبل عليا الإهانة من أهله ويسكت ولما كان يفيض بيا وأشتكي له يقول لي معلش؟!
هتفت بحدة أكبر:
-جوزي اللي لما اعترضت على إهانتي من أبوه وامه اللي قالت لي قدام البيت كله أنا جايباكِ هنا علشان مزاج إبني، وحبيت أحتفظ بكرامتي ضـ.ـر.بني وبهدلني وأخدني عصب عني؟!
وصرخت وهي ترمقها بنظراتٍ مثل الرصاص لو انطلقت لاخترقت قلبها وشطرته لنصفين:
-يومها أخدت إبني وهـ.ـر.بت وجيت لك،وريت لك جـ.ـسمي اللي كان مليان باللون الأزرق من كتر ضـ.ـر.به فيا،فاكرة يومها قولتي لي إيه؟!، قولتي لي معلش، كل الستات بتنضـ.ـر.ب
والتفتت بحدة تطالع شقيقها الاكبر بنظراتٍ كالسهام وهي تشير إليه:
-وأخويا الكبير اللي بدل ما يجيب لي حقي ضـ.ـر.بني بالقلم وقال لي إنتِ عاوزة تخربي بيتنا، واخدة حفيد نصر البنهاوي وجاية بيه من وراه لحد هنا
دارت حول حالها لتتابع وهي تفرق بينهم نظرات اللوم والغضب:
-وكلكم وقتها اتفقتم على إن عزيز ياخدني يرجعني ويتأسف لـ نصر وعمرو بيه
لم يتحمل كلمـ.ـا.تها التي تنزل على قلبه كسوطٍ يجلد بدون رحمة،أمسك كف يدها ليهتف بحدة أظهرت كم غضبه وهو يسحبها للخروج:
-كفاية يا إيثار وخلينا نمشي من هنا
انتزعت يدها بعنفٍ لتصيح بدmـ.ـو.عها المنهمرة:
-لا مش كفاية يا فؤاد،لازم أوريهم بشاعة اللي عملوه فيا وأعريهم قدام نفسهم
وصرخت وهي تُشير على منيرة:
- لازم أعرفها إنها كانت أم فاشلة طالما شايفة وحاسة إنها مغلطتش وكانت أم عظيمة بتحافظ على بنتها الخايبة
اتسعت عينيه وهو ينظر إليها ولثورتها العارمة،يريد أن يحملها ويهرول بها مغادرًا تلك "القرية الملعونة" تاركًا ذكرياتها المؤلمة خلفهما ليبدأ حياة جديدة،حياة خالية من المواجع والأحزان والخزلان،سيحاول جاهدًا تعويضها عن كل ما قاست منه،نعم كان يعلم انها عانت كثيرًا لكنه لم يتخيل حتى بأبشع كوابيسه ما تجرعته من كؤؤس الغدر والخيانة والخذلان ما يكفي لقريتها بالأكمل،سيخرج من تلك القرية ويذهب بها مباشرةً للمعالج النفسي مثلما اتفقا، سيحاول بشتى الطرق تعويضها وحذف الماضي اللعين وما تعرضت له من ذاكرتها
فاق على صوت منيرة التي تحدثت بدفاعٍ عن حالها:
-أنا كنت عوزاكِ تعيشي وتستري، مكنتش عاوزة الناس تضحك عليكِ ويقولوا بنت منيرة خابت واتطلقت
بصوتٍ يملؤه الو.جـ.ـع أشارت على حالها:
-وأنا،وو.جـ.ـعي وأنا بمـ.ـو.ت في اليوم مية مرة وأنا عايشة مع راجـ.ـل سُكري وخـ.ـا.ين وكل يوم مع واحدة شكل؟!
واسترسلت بتو.جـ.ـع:
-تفتكري إني مكنتش حاسة إنه بيخـ.ـو.ني من قبل موضوع سُمية؟
أنا ست والست بتحس بجوزها،بس كنت بتغاضى وأعمل نفسي مش واخدة بالي زي ما كنتي دايمًا بتقولي لي،وكل ده علشان أحافظ على إبني
نظرت منيرة أرضًا وتحدثت بخفوت:
-أنا كنت عاوزة لك الستر،أهالينا علمونا إن الست لازم تصبر وتتحمل علشان عيالها
صرخت بكامل صوتها المعترض:
-أمونة كانت مرات أبوكِ مش أمك
لتتعمق بعينيها وهي تقول بنبرة يملؤها القهر:
-إنت عملتي فيا كل اللي أمونة عملته فيكِ،كنتي بتطلعي فيا كل اللي عملته فيكِ وكأنك بتنتقمي منها فيا
وإلى هُنا لم يعد بإمكان منيرة الصمود أكثر،فانهمرت دmـ.ـو.عها بغزارة لتتابع إيثار وهي تنظر إليها بضعف:
-ربنا يسامحك على اللي عملتيه فيا،وأنا يمكن في يوم من الأيام أقدر أسامح
تعالت شهقات منيرة ليهرول أيهم ويحتضنها ثم نظر إلى شقيقته ليقول بنظراتٍ متوسلة:
-كفاية يا إيثار،كفاية لحد كده،إرحميها
تطلعت إلى شقيقها بعينين تترقرق بهما قطرات الدmـ.ـو.ع وبشفاهٍ مرتعشة ثم انفجرت كبركانٍ لتشهق ببكاءٍ يقطع نياط القلوب ليسرع إليها فؤاد ويقوم باحتضانها فتشبثت بقميصه بقوة ودفنت وجهها بصدره لتبكي كما الأطفال وصوت شهقاتها يعلو ويعلو،انفطر قلبه عليها وبات يشـ.ـدد من احتضانها وهو يهمس لتهدأتها:
-إهدي يا بابا،علشان خاطري بطلي عـ.ـيا.ط
بخطواتٍ متخبطة إقتربا عليهم عزيز ووجدي،وباتا يهدأن كلتاهما،خرجت منيرة من حـ.ـضـ.ـن أيهم لتتجه لتلك التي تدفن حالها في حـ.ـضـ.ـن زوجها وكأنها تختبئُ من أوجاعها داخل أحضانه،بسطت كفها لتجذبها برفقٍ من ذراعها،ابتعدت عن صدر فؤاد لتُصدm برؤية والدتها وهي تطالعها بدmـ.ـو.عها المنهمرة لتقول:
-سامحيني يا بنتي،حقك عليا
شهقت بقوة لتنزل دmـ.ـو.عها أكثر وما شعرت بحالها سوى وهي ترتمي بأحضانها وتشـ.ـدد بمسكتها،وكأنها كانت تنتظر المبادرة،دmـ.ـو.عٍ وشهقات مرتفعة متألمة تنم عن مخزون و.جـ.ـعٍ لسنواتٍ طويلة،يا الله،كم هو رائع ومختلف حُضن الأم،فتلك هي المرة الأولى التي تجربه،باتت تشـ.ـدد من ضمتها أكثر وهكذا منيرة أيضًا التي ارتفع صوت بكائها وكأنها تعتذر لصغيرتها عن التقصير بحقها بتلك الطريقة
تطلع على حبيبته بألمٍ وأمل،ألمٍ على حالتها وو.جـ.ـعها وما كانت تكنه بداخل قلبها،وأملًا بالتأثير الإيجابي على نفسيتها جراء تلك المصالحة،وضع كفيه داخل جيب بنطاله وبات يتطلع على عزيز وهو ينتشل شقيقته من أحضان والدتها ليضمها إليه ويربت عليها،وكأنهُ اليوم العالمي لصحوة الضمير
شاركهما وجدي وأيهم الذي تأثر بدmـ.ـو.ع غاليتاه وانتقلت العدوى إليه وأيضًا نوارة حيث كانت تتطلع عليهم بجوار الباب،تحدث عزيز بعدmا انتبه لوجود ذاك الراقي الذي تركهم يعبرون عن مكنون قلوبهم وابتعد:
-معلش يا باشا حقك علينا
هز رأسه وتحدث بهدوء:
-ولا يهمك
ثم نظر إلي حبيبته لينطق:
-نمشي يا حبيبي؟
شـ.ـددت منيرة من مسكتها لتنطق بعينين متوسلة:
-إتغدي مع اخواتك وباتي معايا،ورحمة أبوكِ تباتي معايا
انتفض قلبها لتلك النظرات وما تحملهُ من حنانٍ لأول مرة تتلقاهُ على يدها، التفتت سريعًا لزوجها تستشف رأيه،تطلع إلى عينيها ليتعجب من نظراتها،فتلك هي المرة الأولى التي يرى ذاك النقاء بهما،وكأنها تحولت إلى طفلة مرحة،نظرة صافية خالية من أيه شوائب تعكر صفوها،ابتسم لينطق لأجلها بعدmا فهم مغزى نظراتها:
-أنا قولت لك،اللي إنتِ عوزاه وشايفة إنه هيريحك أنا معاكِ فيه
هزت رأسها وهي تسألهُ ومن داخلها تتمنى الموافقة:
-يعني ممكن نبات هنا فعلاً؟
لم يكن الامر بسهلٍ عليه، فاتخاذ قرارٍ بأمر المبيت يحتاج ترتيباتٍ أخرى،رجـ.ـال الحراسة وتأمين مبيتهم هنا،إقناع والدهُ لوالدته المرتعبة عليه من مجرد الزيارة فكيف له أن يقنعها بالمبيت في تلك القرية،مع وجود كل تلك العوائق والعراقيل ومع ذلك لم يهتم،جل ما جال بفكرهِ بتلك اللحظة هو راحة خليلة قلبه وفقط،لذا تبسم لها وتحدث بنبرة حنون:
-لو إنتِ حابة كده أنا معنديش أي مانع
هرولت إليه لتحتضنه بقوة وهي تقول بنبرة حماسية:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
كما الظمأن التائهُ بوسط الصحراء وبلحظة ظهر أمامهُ بئرًا من الماء العـ.ـذ.ب ليهرول إليه يشربُ ويشرب حتى الإرتواء،هكذا رأها أمامه،نظراتها التي تبدلت،وكأن شيئًا كان ينقصها والأن فقط قد عثرت عليه لتكتمل.
شـ.ـددت من احتضانها ليشاركها لحظة السعادة بعودتها إلى كنف عائلتها،بعد قليل كان يجلس فوق إحدى الأرائك يتوسط عزيز و وجدي حيث بدأ بفتح الأحاديث لادmاج زوج شقيقتهم،وضعوا الطاولة الارضية وسط الغرفة وبدأت نوارة وفتيات عزيز وشاركتهم إيثار برص الاطعمة المتنوعة فوقها،كانت تتحرك برشاقة رغم حملها وهي تجلب الطعام من المطبخ وتقوم برصه وكأنها عادت إبنة التاسعة عشر،انتهوا من تجهيزها لتهرول هي لإحدى الأرائك وبدأت بحمل إحدى الوسائد ووضعها فوق الأرض لتنطق وهي تُشير لزوجها:
-حطيت لك مخدة علشان تكون مرتاح وإنتَ بتاكل
أجابها بهدوء وهو يتطلع لتلك الطاولة الأرضية:
-ملهاش لزوم يا حبيبي،أنا هقعد معاكم على الأرض
هتف وجدي بحبور:
-ميصحش سعادتك
وقف الجميع وحمل عزيز وسادة ليضعها بجوار جلوس فؤاد وتحدث إلى شقيقته وكأنهُ يريد محو الماضي من مخيلتها:
-وإنتِ كمان إقعدي جنب جوزك علشان متتعبيش
تطلعت عليه بنظراتٍ مختلطة،ما بين سعادة وحيرة واستغراب، وعلى الفور ابتسمت له ليمسك زوجها بيدها وساعدها على الجلوس نظرًا لحملها ثم جاورها،حضرت منيرة والتف الجميع حوال الطاولة لينطق أيهم في محاولة منه لفتح أحاديث مع زوج شقيقته:
-طبعاً دي أول مرة تاكل فيها على الطبلية يا سيادة المستشار؟
ابتسم وهو يقول بملاطفة:
-بصراحة أول مرة،بس حبيت القعدة جدًا
وتابع وهو يشير بكفيه:
-تحس إن فيه ألفة وجو عائلي أكثر من السُفرة
قامت منيرة بتقطيع لحوم البط وقامت ببسط ذراعها وهي تضع إلى فؤاد بصحنه لتنطق بحبور ووجهٍ بشوش:
-مد إيدك وكُل يا ابني،ومتقلقش من ناحية النضافة،إحنا نضاف وأكلنا زي الفُل
تحدث على عجالة لينفي فكرتها:
-ده شيئ واضح يا افنـ.ـد.م ومش محتاج كلام
أمسكت نوارة ملعقة كبيرة وقامت بغرف قطعة كبيرة من صينية "الأرز المعمر"لتقول وهي تضعها بصحن ذاك الراقي:
-دوق بقى الرز المعمر بتاع ماما وقول رأيك فيه
واسترسلت بحماس وهي تُشير إلى إيثار:
-ده بقى أكلة إيثار المفضلة،كانت بتعشقه وعمي الله يرحمه كان بيخلي ماما تعمله مخصوص ويوديه لـ إيثار مصر بنفسه
تذكرت والدها وزياراته لها حيث كان يأتي محملاً بالخيرات،تنهدت لتبسط كفها تلتقط إحدى وحدات أصابع المحشي لتتناولهُ وتغمض عينيها تتلذذُ بنكهته الرائعة والتي تذكرها بأيام صباها،إلتقطت واحدًا أخر لتضعهُ بفم زوجها دون أن تشعر بالخجل كـ قبل مع عمرو لتنطق بعينين تظهر بهما السعادة:
-دوق المحشي ده،هيعجبك قوي
بدأ بمضغه ليرفع حاجبهُ للأعلى باندهاش لينطق وهو يتطلع إليها:
-طعمه هايل
ثم توجه بحديثه إلى منيرة وتحدث:
-تسلم إيد حضرتك
اجابته بابتسامة صافية:
-بالهنا والشفا يا ابني
وضعت لها نوارة قطعة من الأرز المعمر لتتناول ملعقة منه وتعود بذاكرتها لذاك الطعم المميز،تطلعت للمائدة وأصناف الطعام الموجودة وعادت بذاكرتها للخلف،وجوه الموجودين بذاتهم لم تتغير، رائحة الطعام الذكية وطعمه الحُلو المميز،ذاك الدفئ الذي كانت تشعر به بحضرتهم،كل شيئٍ ظل كما هو إلا ذاك الحبيب الطيب،وبرغم رحيلهُ إلا أنها كانت تشعر بروحهِ الطاهرة تحوم من حولهم وكأنهُ"الحاضر الغائب"ويرى هذا التجمع وسعيدٌ به أيضًا
تطلعت بسعادة للجميع وهم يتناولون الطعام بشهية مفتوحة وسط أحاديثهم الشيقة حتى فؤاد انـ.ـد.مج معهم بالحديث
سألتها منيرة باشتياقٍ ظهر بصوتها:
-مجبتوش يوسف معاكم ليه؟
ده وحشني قوي ونفسي أشوفه
ابتسمت لتجيبها بمرارة:
-محبتش أجيبه علشان ميسألش عن أهله
تأثر الجميع لأجل الصغير فجميعهم يعلم مدى تعلق الصغير بعائلته وعشقه لهم،حمل وجدي إحدى الحمامـ.ـا.ت المحشوة بالفريك وقدmها لشقيقته وقال كي يُلهيها ويمحو عنها حـ.ـز.نها:
-كُلي حمام يا إيثار
أشارت لصحنها وهي تقول:
-قدامي واحدة يا وجدي
نطق عزيز بنبرة حنون تعجبت لها:
-اللي قدامك محشية رز لكن دي محشية فريك،خديها من إيد أخوكِ
ابتسمت وتناولتها من يد شقيقها برغم عدm الاشتهاء لها،تحدث عزيز إلى فؤاد بصوتٍ حماسي:
-كل حمام يا باشا،ولا ملكش فيه؟
-لا باكله عادي...قالها ليتابع وهو يُشير إلى طبقه بملاطفة:
-بس اكيد مش هاكل أربعة
نطقت نوارة بنبرة حماسية:
-كل يا باشا بالهنا والشفا،دي أول مرة تاكل عندنا
نطقت منيرة وهي تتطلع إلى ابنتها بتعمق لعينيها:
-إن شاءالله مش هتكون الأخيرة
ابتسمت بخفوتٍ لوالدتها وتابع الجميع تناولهم للطعام،ليتحدث عزيز:
-بعد الغدا إطبخي للرجـ.ـا.لة اللي برة علشان يتغدوا يا نوارة
نطق فؤاد برفضٍ قاطع:
- متشغلوش نفسكم بالرجـ.ـا.لة يا عزيز،أنا بعت واحد منهم يجيب غدا من المركز القريب من هنا وزمانه جاب لهم
قالت منيرة بنبرة عاتبة:
-ليه كده يا ابني،هو احنا قليلين في نظرك علشان تبعت تشتري لرجـ.ـالتك أكل من برة؟!
نطق بهدوء مبررًا:
-انا مقولتش كده حضرتك،أنا بس محبتش أشغلكم بتجهيز الاكل وقولت تستغلوا الوقت في القعدة مع إيثار
واسترسل بنبرة هادئة:
-ولما طلعت أكلم الباشا وأبلغه إننا هنبات،خليت واحد منهم يروح يجيب غدا للباقي
انتهوا وحملوا الاواني للمطبخ واتجه الجميع لغسل أياديهم ثم توجهوا لغرفة الضيافة لتناول مشروب الشاي التي صنعته نوارة، وأثناء تناولهم للشاي استمعوا لخبطات فوق الباب لتذهب نوارة ثم تعود بعد قليل وهي تقول بنبرة مرتبكة:
-فيه واحدة برة عاوزة تقابلك يا إيثار
ضيقت بين حاجبيها لتسألها باستغراب:
-واحدة،عوزاني أنا؟!
سألتها منيرة تحت نظرات فؤاد المدققة:
-مين دي يا نوارة؟!
صمتت قليلاً قبل أن تنطق بتلبك:
-مروة مرات حسين البنهاوي،ومعاها بنت عمرو وسمية
لتسترسل بإبانة:
-الأمن حاجزينهم برة وواحد منهم هو اللي خبط وبلغني
أوقفها الأمن ومرر على جسدها وجسد الطفلة جهاز كشف الأسلحة والمعادن ليتأكدا من خلوها قبل أن يسمحا لها بتخطي الحاجز الأمني الذي حدده المسؤل عنهم.
ارتبكت بجلستها لينطق فؤاد بحدة بعدmا استمع للقب "البنهاوي":
-من فضلك بلغيها إن إيثار مش عاوزة تقابل حد
وقفت إيثار وتحدثت إلى زوجها برجاء:
-معلش يا فؤاد أنا هقابلها،ده بعد إذنك طبعاً
اتسعت عينيه يرمقها بحدة لتتابع مبررة:
-مروة شخصية طيبة مش زيهم، وبعدين أنا معاكم ووسطكم
نطقت منيرة:
-متقلقش يا ابني،مروة من عيلة محترمة وبنت ناس
ثم وقفت وجاورت ابنتها لتتابع كي تطمأنه:
-وأنا هطلع معاها علشان تطمن
اطمئن قليلاً بوجود الحرس وتأكد من أن رئيسهم لن يسمح لها بالدخول لولا تأكده من الأمان،خرجت إيثار لتجد مروة تقف بجوار الطفلة المتشبثة بثوبها تختبئُ خلفها وكأنها حصنها المنيع،اقتربت عليها تحت نظرات مروة المتفحصة لحال إيثار الذي تبدل وكأنها ترى أميرة،نعم طالما كانت جميلة وبرغم فقرها إلا أن ثيابها كانت جميلة وأنيقة وبعد زواجها من عمرو تغير حالها للأفضل ولكن ليس بتلك الحالة التي عليها الان، فقد أصبحت طلتها كالأميرات ونجمـ.ـا.ت السينما نظرًا للمستوى المادي التي انتقلت إليه بزواجها من أحد الأثرياء، تحدثت إيثار وهي تقترب عليها:
-أهلاً يا مروة
بسطت مروة يدها للمصافحة لتنطق بنبرة لإمرأة ظهرت بائسة حزينة لما أوت إليه:
-إزيك يا إيثار
أشارت لها منيرة لإحدى الغرف:
-تعالي يا بنتي جوة
-معلش يا خالتي،انا جاية أتكلم مع إيثار كلمتين وماشية على طول... قالتها بانكسار لتتابع وهي تنظر إلى تلك الصغيرة المنكمشة خلفها:
-وجبت زينة معايا علشان تشوف أخوها وتسلم عليه
ازدردت إيثار ريقها وهي تتطلع بتمعنٍ لما يظهر من تلك الصغيرة التي تحمل إثم والدتها على عاتقها،فتلك هي حصاد الخيانة التي تعرضت لها بأقسى طريقة، زوجها وصديقة العمر،يا لها من ضـ.ـر.بة قاسية أطاحت بحياتها بالكامل وأفقدتها الثقة في الجميع حتى بحالها لمدة ليست بالقليلة حتى تعافت وعادت لها ثقتها بحالها من جديد،لم يظهر من الصغيرة سوى إحدى عينيها التي تتطلع بها من خلف جلباب مروة وكأنها تخشى مواجهة العالم، نطقت إيثار بهدوء وهي تنقل بصرها إلى مروة:
-يوسف مجاش معايا،خفت يسأل عنكم ويطلب يزور البيت
واسترسلت بتأثر ظهر بصوتها ونظرات عينيها الحزينة:
-إبني لسه صغير على إني اصدmه وأقول له حقيقة اللي حصل مع عيلته
تألم داخل مروة ثم تحدثت:
-أنا جايبة لك رسالة من حسين، ومني أنا كمان
قطبت جبينها باستغراب لتتابع الأخرى بتوسل:
-حسين طالب منك تسامحيه وتسامحي أهله،بيقول إن اللي حصل لهم ده كله بسبب لعنتك، لعنة ظلمك اللي كلنا شهدنا عليه وسكتنا
أخذت الأخرى نفسًا عميقًا وتحدثت:
-ربنا اللي بيسامح يا مروة،أنا ربنا عوضني أنا وابني براجـ.ـل محترم ونسيت معاه كل اللي فات، وصدقيني لو قولت لك إني زعلت على اللي حصل معاكم
واسترسلت بجدية:
- دول مهما كان أهل إبني واللي يضرهم يضره
سألتها باهتمام:
-يعني مش زعلانة مني ولا من حسين؟!
هزت رأسها بنفي لتسألها باهتمام:
-هو حسين معاكم هنا؟
تنهدت بألم حين تذكرت حال زوجها لتقول بصوتٍ متأثر:
-حسين قاعد في مصر شغال هناك في شركة،بيقبض مرتب ضعيف ولما ظروفه تتحسن هيبعت ياخدني أنا والولاد
ثم تطلعت لتلك المختبأة خلفها:
-وهاخد زينة معايا، هي عايشة معايا عند بابا
-هي أمها... قالتها إيثار وقبل أن تُكمل قاطعتها مروة لتنطق:
-كانت عيانة، عندها ورم في الرحم بعيد عن السامعين،عملوا لها العملية وحُكم الإعدام هيتنفذ فيها بعد بكرة
هزت إيثار رأسها بأسي لتتابع الأخرى بيقين:
-ربنا جزاها على كل الأذى اللي عملته في حياتها،الله يسامحها بقى
هتفت منيرة بحدة وشراسة:
-الله لا يسامحها لا دنيا ولا أخرة وينتقم منها بحق العيال اللي يتمتهم وكـ.ـسرتهم
نطقت مروة بكلمـ.ـا.تٍ حق:
-مهي نسرين التانية مكنتش بريئة يا خالتي
أشارت منيرة بكفها وتحدثت بأسى:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيهم هما الإتنين،ربنا يكحمهم في جهنم بحق ما خربوا بيت بنتي
هتفت نوارة باتساع عينيها المتعجبة:
-لسة بتقول خراب بيت بنتها؟!،هو أنتِ يا خالتي مش شايفة حالة بنتك ولا جوزها سيادة المستشار، إيش جاب لجاب
نطقتها بملامة ثم نظرت إلى مروة لتنطق بصوتٍ جاد:
-معلش يا مروة أنا لساني فالت ومبعرفش أسكت قدام الحق، وبصراحة كده إيثار ربنا بيحبها إنه نجاها من العيلة الهم دي
قالت إيثار لإنهاء ذاك الحديث:
-خلاص يا نوارة،كل شئ انتهى وراح لحاله والكلام مبقاش ليه لزوم
تحدثت مروة وهي تستعد للرحيل:
-يعني أطمن حسين يا إيثار؟
أومأت لها وتحدثت بنبرة صادقة:
-حسين طول عمره كان محترم معايا،وعمره ما أذاني حتى بكلمه،ربنا يصلح حاله ويفك كربكم وتتجمعوا قريب
استمعت لصوت ذاك الحنون الذي خرج ليطمئن عليها بعدmا فقد القدرة على الصبر أكثر من هذا، لينطق:
-الوقفة دي غلط عليكِ يا حبيبي
ما اروعهُ حين يقول كلمة حبيبي،ينطقها أمام الجميع دون أن يخجل بالعكس،يشعر دائمًا بالفخر بامتلاكه لتلك الرائعة،اقترب عليها لتنطق مروة بعدmا شعرت بالخجل:
-أنا همشي
قالت منيرة بنبرة هادئة:
-هتمشي يا بنتي من غير ما تشربي حاجة
تطلعت إلى فؤاد الذي يخترق ملامحها بنظراته ليستكشف نواياها بحكم ما تعود عليه من خلال عمله لتنطق هي بـ.ـارتباك:
-مرة تانية يا خالتي،متشكرة يا إيثار
رفعت كتفيها لتنطق بنبرة صادقة:
-على إيه بس يا مروة
تطلعت إيثار على تلك الصغيرة لتشعر بالأسى تجاهها،فقد جنى عليها والداها بمجيئها للدنيا بتلك الطريقة المهينة،رحلت المرأة لتتركها بصحبة عائلتها،قضت سهرتها بصحبة عائلتها لتغفى بالليل بصحبة زوجها بغرفة أيهم،وباليوم التالي خرجت من البلدة لتمر من ذاك الكوبري ولأول مرة مرفوعة الرأس بقلبٍ سعيد،تطلعت لذاك الجالس بجوارها لترتمي داخل أحضانه تتنعم بحنانه ليهمس بأذنها:
-بعد الليلة دي محتاجين نستجم في الچاكوزي،أظن كده من حقي أدلع
لفت ذراعها حول عنقه لتنطق بسعادة وارتياح لم تشعر به منذ سنوات:
-أنا حبيبي يستاهل دلع الدنيا كلها
ابتسم بسعادة لشعورهُ بشـ.ـدة حبور خليلة الروح ليشـ.ـدد من إحتضانها ويضع كفهُ يتحسس موضع صغيراه ليسألها:
-حبايب قلبي أخبـ.ـارهم إيه
-زي الفل يا حبيبي...قالتها وهي تطمئنهُ على جنيناه ليتنهد براحة
***********
بعد مرور أقل من ثلاثة شهور
كانت بصحبة زوجها وعائلتها داخل منزل "أميرة"تلك الفتاة التي تعرف عليها"أيهم" من خلال عمله بشركة الزيني،فقد حضروا اليوم لزيارتهم لخطبة الفتاة لـ أيهم،وقد حضرت معهم إيثار وفؤاد بعدmا تحسنت علاقتهم وعادت كأي علاقة صحية لفتاة بعائلتها، وأثناء الترحاب بهم وبعد الإتفاق على تفاصيل الزواج،شعرت إيثار ببعض الألم، في البداية كظمت ألمها كي لا تفسد فرحة شقيقها وعروسه الجميلة لكنها لم تستطع الصمود اكثر لتطلق صرخة مدوية وهي تتمسك بكف زوجها:
-فؤاد،إلحقني
إنتفض قلبه لينظر عليها بوجهٍ شاحب كالأموات من شـ.ـدة هلعه عليها ليسألها:
-مالك يا قلبي
حملقت عينيها باتساع وهي تقول بهلعٍ:
-شكلي بولد، أاااااااه
↚
إخترقت صرخاتها المتألمة جدار قلبه قبل أذنيه ليأن و.جـ.ـعًا ورُعبًا على شريكة الروح،يقود سيارته بجنون فقد أوشك على فقدانه لعقله كلما استمع لأنينها وصوت صرخاتها المستنجدة،تارة يتابع الطريق بعيناه الزائغة وتارةٍ أخرى يتطلع بانعكاس المرآة على حبيبته القاطنة بالمقعد الخلفي تتلوى من شـ.ـدة الألم تجاورها والدتها حيث تؤازرها وتحاول التخفيف عنها ببعض الكلمـ.ـا.ت كي تتحمل ألم المخاض الذي هاجمها بضراوة على حِين غِرَّة:
-إتحملي لحد ما نوصل،وإجمدي كده هي يعني أول مرة ليكِ
ضغطت على يد والدتها المحتضنة كفها لتنطق قائلة:
-ما أنا مستحملة أهو يا ماما، هعمل إيه أكتر من كده
ثم صرخت مستنجدة به بطريقة حادة:
-بسرعة يا فؤاد،هو إنتَ طالع رحلة
برغم غضبها وحدتها بالحديث إلا أنهُ أوجد لها العذر وتحدث بصوتٍ أظهر كم الهلع الذي أصابهُ من و.جـ.ـعها:
-حاضر،حاضر يا حبيبي،حاولي تاخدي نفس وتهدي وإحنا خلاص قربنا من المستشفى،أنا أتصلت بالدكتورة وهي في انتظارنا
يجلس بالمقعد المجاور له وجدي بينما أيهم وعزيز يتبعاهُ بسيارة أيهم وبصحبتهم أميرة التي أصرت على ألا تترك خطيبها وعائلته بهذا الظرف الطارق فأخذت الإذن من والدها حيث سمح لها على الفور بأن ترافقهم.
بكثيرًا من التـ.ـو.تر أخرج هاتفهُ بيدٍ مرتجفة لينطق وهو يبحث عن رقم والدته:
-أنا هكلم ماما تحصلنا على المستشفى هي والباشا
نطقت على عجالة وهي تصرخ:
-خليها تجيب لي عزة معاهم
صاحت والدتها باعتراض يرجع لعدm تقبلها لشخصية تلك الـ عزة لما لهما من جولاتٍ وصولات من التراشق بالكلمـ.ـا.ت الاذعة بالماضي جعلت كلًا منهما تبغض رؤية الأخرى وتتجنب الإجتماع بها:
-أنا مش عارفة يا بنتي إنتِ مستحملة الست دي لحد الوقت إزاي،دي عليها لسان عاوز قطعه من لغلوغه
-ماااااما...نطقتها بصراخٍ معترض كي تجبرها على الصمت والتوقف عن الحديث فيما يثير غضبها بشأن تلك الـ عزة لتنطق الاخرى وهي تضع كفها تسد به فمها:
-خلاص،هخرص خالص ومش هجيب سيرة الست عزة هانم
لينطق وجدي وهو يحاول تهدأت شقيقته:
-إستحملي يا إيثار،شوية ونوصل إن شاءالله
أغمضت عينيها تعتصرهما مع ضغطها بقوة على كف والدتها لتكظم ذاك الألم المبرح فاستمعت لصوت فؤاد وهو يتحدث مع والدته:
-بسرعة يا ماما،ومتنسيش تجيبي عزة معاكِ، وبلغي فريال وهاتيها هي كمان
هاجمتها تقلصات المخاض لتُلقي بجسدها للأمام فلم تشعر بحالها إلا وهي تقبض على كتفي ذاك الذي يستقل مقعد القيادة وتهزه بعنفٍ قائلة بصراخٍ هيستيري:
-إقفل الزفت ده وزود السرعة،إنت فاكر نفسك طالع رحلة وقاعد توزع الدعاوي
واسترسلت بصراخٍ بعدmا أصيبت بنوبة فزع:
-إنتَ السبب في اللي أنا فيه ده كله يا فؤااااااد
اتسعت عينيه بذهولٍ ولولا ثباتهِ وقوته الجسدية لاهتزت الطارة من بين يداه وواجهوا كارثةٍ كبرى،صاح بها لتترك كتفيه:
-إهدي يا بنتي وسيبي هدومي،هتودينا في داهية
اعتدل وجدي بجسده وحاول فك قبضة شقيقته المتشنجة من فوق تلابيب فؤاد وهو يهتف عاليًا:
-إهدي يا إيثار مش كده، سيبي الراجـ.ـل لنعمل حادثة
ساعدت منيرة نجلها بفكاك قبضتيها المتشبثة لتنطق وهي تعيد ظهر ابنتها للخلف:
-بسرعة يا ابني الله لا يسيئك،البت شكلها تعبان قوي ومش قادرة تتحمل
رد يجيبها:
-أنا سايق بأقصى سُرعة مسموح بيها يا أمي،لو ذودت أكتر من كده هعرض حياتنا للخطر وخصوصًا مع زحمة الطريق
ثم استرسل بنبرة حنون وهو ينظر لحبيبته في المرآة:
-استحملي يا بابا علشان خاطري
تطلعت لانعكاس عينيه لتنزل دmـ.ـو.عها وكأنها تشتكيه مر الألم لينشطر قلبه في الحال لشعوره بالعجز حيال ألامها الشرسة.
بعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة وصلا للمشفى ليجدا عائلة علام بانتظارهم خارج المشفى نظرًا لقرب القصر من المكان،هرولت عصمت عنـ.ـد.ما رأت سيارة نجلها الذي خرج سريعًا ليفتح الباب لزوجته المتألمة،بسط ذراعه ليتمسك بخاصتها وهو يقول بحنو:
-هاتي إيدك يا بابا وإنزلي بالراحة
تطلعت عليه بعينين دامعتين وما أن وقفت حتى مالت لتستند برأسها على كتفه لتنطق وهي تشهق بنبرة شقت صدرهُ لنصفين:
-همـ.ـو.ت يا فؤاد
حاوط كتفيها برعاية وضمها إليه لينطق بصوتٍ خافت تجلى الرعـ.ـب بين نبراته:
-بعد الشر عليك يا قلبي، متقوليش كده علشان خاطر حبيبك
نطقت عصمت وهي تتفحصُ وجنتها الموضوعة على كتف فؤاد والهلع يظهر بين قسمـ.ـا.ت وجهها:
-إنتِ كويسة يا حبيبتي؟
أجابتها وهي تبكي:
-موجوعة يا ماما،موجوعة قوي
ترجل أيهم من السيارة وهرول مسرعًا ليهتف بعجالة وهو يقوم باستعجال فريق المساعدة:
-إتحركوا بسرعة
كان علام يتابع الأمر وهو يقف بجوار ماجد وهو من أمر فريق المساعدة بألا يتقدmوا وذلك بعدmا رأى إيثار قد سندت برأسها على كتف زوجها فتيقن حاجتها الملحة لحُضنه كي تستمد قوتها منه،إقتربت عزة من إيثار وتحدثت بنبرة حنون وهي تربت على ظهرها:
-طمنيني عليكِ يا بنتي
لوت منيرة فاهها باستنكار لتنطق الأخرى وهي تتمسك بكفها:
-تعبانة يا عزة تعبانة
رفع فؤاد رأسها وتحدث ليحثها على الإعتدال:
-يلا يا حبيبي علشان ندخل المستشفى
وكأنها وجدت ملاذها بين أحضانها رغم ألامها الغير محتملة،ساعدتها عاملتان بالجلوس فوق المقعد المتحرك وسحبوها للداخل والجميع يرافقها حتى وصلت إلى غرفة الفحص فتوقف الجميع بالخارج وولجت معها عصمت فقط بطلبٍ من الطبيبة،وأثناء ما كانت عزة تستكشف المكان فؤجئت بتلك الـ "منيرة"ترمقها بازدراء وعدm القبول يظهر على محياها لتلوي عزه فاهها وهي ترمقها بحدة،لتهمس الأخرى لنجلها عزيز قائلة:
-سبحان من زرع كره الولية دي في قلبي،أطيق العمى ولا أطيقهاش
نطق عزيز بنبرة جادة:
-كبري دmاغك يا أم عزيز وتجنبيها،إحنا مش جايين نعمل مشاكل، وبعدين الست ما هي واقفة في حالها أهي
مرت الساعات وولجت إلى غرفة العمليات تحت ارتعاب قلوب الجميع وأدعيتهم لها،تحرك فؤاد ليقف بجانب الباب وكلما استمع لصرخات زوجته انتفض قلبه هلعًا ليغمض عينيه يعتصرهما بألم،ليته يستطيع الدخول إليها والوقوف بجانبها،لكنهُ لم يتحمل رؤيتها وهي تتألم لذا فضل البقاء بالخارج،إقترب عليه والدهُ ليربت على كتفهِ قائلاً:
-متقلقش يا حبيبي،إن شاء الله شوية وهتخرج بالسلامة وتشوف ولادك وتفرح بيهم
نطق بصوتٍ متحشرج نتيجة تأثره:
-أهم حاجة هي تبقى بخير يا بابا،أنا مش عاوز غيرها
وتابع وهو يهز رأسه بتأكيد:
-والله العظيم ما عاوز من الدنيا غيرها
غامت عينيه بلمعات الدmـ.ـو.ع لينطق علام بقوة كي يحث صغيره على الثبات لكي لا تهتز صورتهُ أمام الحضور:
-إهدي يا فؤاد وحاول تتماسك،مينفعش اللي بتعمله ده يا ابني،إدعي لها ربنا يقومها بالسلامة هي وولادك
أما منيرة فوقفت بجوار باب الغرفة وقلبها ينتفض هلعًا على صغيرتها،نزلت دmـ.ـو.عها وهي تستمع لصوتها الصارخ وباتت تدعو الله كي ينجي ابنتها وصغيراها لتجاورها عصمت تربت على كفها بمؤازرة،لتنضم لهما عزة التي تحدث بقلبٍ لا يقل هلعًا عن منيرة:
-إدعي لها يا اختي ربنا يقومها بالسلامة،إنتِ أم،ودعوة الأم مستجابة
تطلعت عليها منيرة بعينين دامعة،لتخرج بتلك اللحظة إحدى الممرضات حاملة أحد الصغيرين وتحدثت وهي تُسلمها إلى فؤاد:
-سمي الله وخد بنت حضرتك يا افنـ.ـد.م،حمدالله على سلامتها وتتربى في عزك إن شاءالله
شعورًا عجيبًا ومختلفًا لأول مرة يحتل قلبه حين نظر لوجه تلك الملاك،هل حقًا هذه البريئة هي مِلكٌ له،استعاد توازنه وبسرعة رفع رأسه يسأل عن خليلة روحه قبل أن تسحبهُ تلك الساحرة الصغيرة بعالمها الجديدُ عليه:
-إيثار كويسة؟
أجابته بابتسامة مطمئنة:
-المدام زي الفل، والبنوتة أهي قدام حضرتك،وأخوها دكتور الاطفال بيكشف عليه وهخرجه أول ما يطمن عليه
هرول الجميع وأحاطوا فؤاد الذي بسط ذراعيه ليحمل صغيرته ويتمعن بوجهها الملائكي،وبدون ادنى شعور مال بشفتاه يلثم وجنتها الناعمة لينطق بنبراتٍ مرتبكة من هول الموقف:
-حمدالله على السلامة يا قلب بابي،نورتي حياتي يا تاج،يا تاج راسي وأمل حياتي اللي عيشت أتمناه
استمع لصوت شهقات والدته حيث انهمرت دmـ.ـو.عها تأثرًا بهيئة صغيرها وهو يحمل ابنته أخيرًا وبعد مرور كل هذا العمر في الإنتظار،إقتربت لتسند رأسها على كتفه تتطلع على ملاكهم وهي تقول:
-مبروك يا حبيبي،الحمدلله اللي ربنا مد في عمري وشوفت ولادك يا فؤاد
وعى على حاله لينطق بنبرة حنون:
-هأذن في ودانها وهديها لك تشيليها يا حبيبتي
أومأت بموافقة فقد كانت تشتاق حمل الصغيرة بين ذراعيه لكنها ستتحلى بالصبر إلى النهاية،اقترب من أذن الصغيرة وبدأ يأذن بصوتٍ هادئ في أذنها اليمنى ثم انتقل لليسرى ونطق الإقامة، لتتناولها منه عصمت لتقربها من حـ.ـضـ.ـنها وتميل تشتم رائحة وجهها وتقبل كفها الصغير،إحتضنت فريال شقيقها وباتت تربت على ظهره بحنان
أخرجوا الصغير أيضًا وتكرر ذاك المشهد مع فؤاد والجميع، بعد قليل كانت تتمدد فوق تختها والجميع يحاوطوها برعاية:
-تحدث إليها عزيز بنبرة حنون،فقد بات يعلم أن شقيقته تكن لهم كل الحب وتتمنى لهم الخير:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار
-الله يسلمك يا عزيز...نطقتها بصوتٍ واهن ليتحدث إلى علام الذي يحمل الصغير ويتطلع عليه بسعادة الدنيا،تجاوره زوجته لتشاركه الفرحة:
-يتربوا في عزكم يا باشا
اجابه علام:
-متشكر يا عزيز
أما أميرة فكانت تحمل الصغيرة بيدين ترتجفتين خشيةً إفلاتها،يجاورها أيهم حيث تحدث بملاطفة:
-عقبال ولادنا يا قلبي
خجلت وأنزلت بصرها للأسفل لتقبل عليهما عزة تلتقط الصغيرة وهي تقول:
-هاتي يا اختي البت لتقع منك بإديكي اللي بتترعش دي
نطقت اميرة وكأنها وجدت طوق النجاة:
-متشكرة بجد
تحركت بها ووقفت بوسط الغرفة لتتحدث وهي تنظر إلى منيرة كنايةً بها:
-العيال دول محدش هيدق لهم الهون غيري،وهوصيهم يسمعوا كلام مين ويطنشوا مين
رمقتها منيرة بنظراتٍ نارية في حين نطقت عصمت وهي تقبل الصغير:
-لما ييجي السبوع إبقي إعملي اللي إنتِ عوزاه يا عزة
هتفت الأخرى بنبرة حماسية:
-إنشالله يخليكِ يا أصيلة يا بنت الأصول
مال بجزعه لينطق بصوتٍ حنون وهو يلثم كف يدها:
-كنت همـ.ـو.ت عليكِ يا قلبي
أجابته بصوتٍ خافت ووجهٍ شاحب:
-بعد الشر عنك يا حبيبي،الحمدلله،عدت على خير
نطق أمام عينيها بنبرة صادقة:
-ربنا يخلي لنا ولادنا التلاتة وحلو قوي كده،أنا مش عاوز من الدنيا غيركم
إبتسمت بسعادة ليلثم كفها من جديد تحت استحسانها،عادت إيثار باليوم التالي إلى المنزل واستقلت غرفة مجهزة بالطابق الأرضي،قامت عصمت بالإشراف بنفسها على التجهيزات كي تستقبل زوجة نجلها والصغيرين إستقبالاً يليقُ بهم،كانت الغرفة رائعة حيث زُينت بأشرطة الزينة وعمودين من البلالين عمودًا باللون الازرق والأخر باللون الزهري ليناسب الفتاة،يجاورهما تختان واحدًا باللون الازرق خاص بالفتى والأخر بجوار عامود البلالين الزهري، ولجت عصمت حاملة بين يديها الصغير "زين"تقربهُ من حـ.ـضـ.ـنها وتضمهُ بحرصٍ شـ.ـديد وكأنهُ أغلى كنوزها،تلتها فريال حاملة الصغيرة لتتوجها بهما إلى السريرين وقامت كلٍ منهما بوضع الصغير بالتخت المخصص له،خطت إيثار بساقيها تتوسط حبيبها حيث يسندها بكفه وبيده الأخرى يحاوط خصرها،تجاورها والدتها من الجهة الأخرى حيث نطقت وهي ترى جسد صغيرتها المتراخي والمنهك:
-إتحملي يا بنتي،هما خطوتين اللي فاضلين وتنامي على سريرك
وبالفعل وصلت إلى التخت ليساعدها فؤاد على أن تتمدد ثم وضع لها إحدى الوسائد خلف ظهرها وسألها باهتمام:
-مرتاحة يا حبيبي؟
-إمممم...قالتها بصوتٍ خافت دل على شـ.ـدة وهنها لتدثرها منيرة بالغطاء وتحدثت:
-المفروض تتغدا علشان تاخد العلاج بتاعها
نطقت عصمت التي انضمت إليهم بعدmا اطمئنت على الصغير ودثرته بغطاءٍ وثير:
-عزة بتجهز لها الغدا وشوية وهتجيبه
ثم استرسلت وهي تُشير إلى منيرة:
-إتفضلي معايا يا مدام منيرة علشان سعاد توصل حضرتك للأوضة اللي هترناحي فيها
لم تريد ترك ابنتها وصغيريها فتحدثت رافضة:
-تسلمي يا دكتورة،أنا هقعد مع إيثار لحد ما تتغدى وترضع الولاد
نطقت عصمت بإصرار تخوفًا على صحة صغيراي نجلاها:
-إيثار هتدخل تاخد شاور وتغير هدوم المستشفي،وكلنا هنعمل كده علشان الجراثيم والأطفال
لوت منيرة فاهها بعدmا أدركت مقصدها لتتابع الأخرى مسترسلة بنبرة جادة:
-إتفضلي حضرتك معايا وعلى ما تاخدي شاور وتغيري هدومك هيكونوا البنات جهزوا السفرة علشان نتغدى
طلبت أن ترافق إبنتها إلى الحمام كي تساعدها فاعترض فؤاد وأصر على أن يساعد هو زوجته،تحركت بمساعدته ودخلت إلى الحمام المرفق بالغرفة،فساعدها بخلع ثيابها وتحدث وهو يساندها كي تصل إلى كبينة الإستحمام:
-براحتك يا حبيبي
توقفت داخل الكبينة وفتح هو صنبور المياه لتنسدل على جسدها وبات يساعدها بالحموم،وضع قليلاً من سائل صابون الشعر ثم قام بتدليك شعرها برفقٍ ليتحدث بهدوء:
-إسندي عليا يا حبيبي وشوية وهنخلص على طول
تنهدت لتنطق بإشفاقٍ عليه:
-ياريتك طلعت إرتحت في جناحنا يا فؤاد وعزة وماما كانوا هيقفوا معايا
أجابها بإصرارٍ ونبرة حنون:
-مستحيل أقبل إنك تنكشفي على حد وحبيبك موجود
نطقت بحنوٍ:
-يا حبيبي إنتَ معايا في المستشفى من إمبـ.ـارح ومردتش تيجي تبات هنا وبيت معانا والأولاد صدعوك طول الليل،فأكيد محتاج تاخد شاور وترتاح شوية
نطق وهو يجفف جسدها بالمنشفة ويساندها ليخرجها من الكبينة:
-وأنا أطول أتعب لخليلة الروح وولاد عمري كله
ساعدها بـ.ـارتداء ملابسها وخرجت لتجد العاملات بانتظارها ليساعدوها بالتمدد بعدmا قاموا بتغيير جميع الأغطية حسب التعليمـ.ـا.ت الصارمة اللواتي تلقينها من ربة عملهن"عصمت"،وصعد هو ليحصل على حمامًا دافئًا كي لا يُحرم من حمل صغارهِ حسب تعليمـ.ـا.ت عصمت الصارمة،وحضرت عصمت وفريال ومنيرة بعدmا حصلت كل منهن على حمامًا دافئًا وتغيير ثيابهن لأخرى نظيفة، أخذن الصغار وبدلن لهن الثياب لتدخل عزة وهي تحمل بين يديها صينية وهي تقول بنبرة حماسية:
-عملت لك شوية شوربة وحتة فرخة بلدي هتاكلي صوابعك وراهم
وضعت الصينية وبدأت بإطعامها لتنطق إيثار باستحسان:
-تسلم إيدك يا عزة،الشوربة طعمها حلو قوي
ليلاً،ذهب الجميع لتناول وجبة العشاء وظل هو بجوارها وصغاره،كانت تحمل الصغير فوق ساقيها تريح ظهرها للخلف مستندة على الوسادة، يجاورها شريك رحلتها يحمل بين يداه تلك الساحرة الصغيرة حيث استطاعت سرقة لُبه من الوهلة الأولى التي رأتها به عيناه،كانت تفتح عينيها تتطلع من حولها ثم قربت كف يدها الصغير من فمها وبدأت بمص أصابعها ليخرج صوتًا ينم عن جوعها،ابتسم بحبورٍ ليقول لحبيبته:
-تاجي شكلها جعانة يا إيثار
نطقت وهي تطالعها بقلبٍ حنون:
-حطها هنا جنبي وتعالي خد زين نيمه في سريره وأنا هرضعها
مد يده ليُبعد أصابعها عن فمها فالتقطت إبهام أبيها وباتت تمتصهُ بنهمٍ ليطـ.ـلق الضحكات وهو يبعد إبهامهِ عنها ويقول:
-هو حبيبي جعان قوي كده،إصبري يا قلبي ومامي هتأكلك حالاً
مدد صغيرته برفقٍ على الفراش لتصرخ بعلو صوتها بتذمرٍ فحمل الصغير الذي غفى بعدmا حصل على إشباعهِ من حليب والدته ومدده بتخته ليغفى بسلام بينما حملت هي تلك الباكية وبدأت بإطعامها تحت انتفاضة قلب إيثار وشـ.ـدة سعادتها،تحرك ليجاور زوجته وبات يطالع عزيزتاي عينيه مستمتعًا بأجمل مشهد تراه عينيه،قرب كفه ليمسك كف تلك الصغيرة فتشبثت بأصبع والدها مما أدخله بحالة رائعة و.جـ.ـعل قلبهُ يرفرفُ من شـ.ـدة الحبور لينطق بصوتٍ يهيمُ فرحًا:
-البنت دي خـ.ـطـ.ـفتني خلاص يا إيثار،إستحوذت على اللي باقي من فؤاد علام
طالعته لتسألهُ بما تتيقن من إجابته لكنها أرادت مشاكسة زوجها وحثهِ على التغزل بها قليلاً:
-ويا ترى اللي باقي من اللي باقي ده راح لمين يا سيادة المستشار؟!
-لروح قلب جوزها الغالية...قالها وهو ينظر بعينيها ليقترب من شفتها يلثمها برقة نالت إستحسانها لتميل برأسها على كتفه وينظران على صغيرتهما الجميلة،نطق بصوتٍ ظهر به مدى تأثره:
-حاسس إني عايش جوة حلم حلو قوي،من أول ما عرفت إنك حامل وأنا بتخيل فرحتي لما أشوف ولادي وألمسهم،بس اللي اتخيلته حاجة،وشعوري بلمستهم حاجة تانية خالص
تنفس بسلامٍ لينطق بصوتٍ تجلى به الانتشاء:
-أتاري شعور إنك تشيل إبنك لأول مرة شعور لا يوصف،فيه مشاعر مهما حاولت توجد لها كلام يوصفها مش هتلاقي
تنفست بانتشاء لتنطق وهي تتطلع عليه بنظراتٍ جمعت حنان الدنيا بأكملها لتقدmه لذاك الراقي:
-قد إيه إنتَ حد جميل يا حبيبي،أحلا زوج وأعظم إبن وأحن أب في الدنيا كلها
وتسائلت بعينين عاشقتين:
-ياترى أنا عملت إيه حلو في حياتي علشان ربنا يكافئني بيك؟
-مش يمكن ربنا بيكافئني أنا...قالها بعينين تفيضُ عشقًا ليميل على شفتيها يلثمهما برقة أسعدت قلبها
*******
مرت سبعة أيام سريعًا وجاء يوم السبوع كما يطـ.ـلقون عليه،اهتم علام بالجانب الديني حيث قام بذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين وقاموا بصنع الطعام وأطعموا المحتاجين، ثم أقام حفلة وقام بدعوة جميع الأحباء والأقارب فقط،اجتمع الحضور ببهو المنزل،عائلة أحمد الزين وباقي أفراد عائلة الزين،وعائلة أيمن الأباصيري وأيضًا عائلة غانم الجوهري،إنبهر جميع الحضور بالتجهيزات التي أشرفت عليها عصمت مع تكليفها لشركة قامت بجميع التحضيرات تحت تعليمـ.ـا.تها،جلس الجميع بانتظار خروج الأم وتوأمها وأعينهم مصوبة نحو باب تلك الغرفة الأرضية حتى اتسعت أعينهم وهم يتطلعون بأعين منبهرة على تلك التي خرجت بجوار زوجها
فقد كانت ترتدي ثوبًا باللون الزهري ما رأت العين أجمل منه،بدا وكأنهُ صُنع خصيصًا لها وبالفعل هذا ما حدث،فقد طلب فؤاد من دار الأزياء التي تتعامل معها زوجته أن يقوموا بصُنع ثوبًا مميزًا ورقيقًا يليق بتلك المناسبة الرائعة،ارتدت حجابًا بنفس اللون،وقد إختار لها فؤاد مجوهراتٍ تليقُ برقة الثوب وقام بتقديمها كـ هدية لتلك التي ولچت إلى حياته لتُنيرها وتزيد من روعتها،لم تكن حياته هو فقط من تغيرت وتأثرت بحضرة تلك الـ إيثار،فقد نثرت الزهور داخل أرواح جميع من بالمنزل لتنتعش وتتبدلُ وتمتلئُ بالفرح.
لم تتوقف مفاجأتهُ لها عند هذا الحد،بل استغل نظرات الجميع المصوبة عليهما ليشير إلى رئيسة العاملات "سعاد"فناولتهُ الأخرى صندوقًا ليخرج منه تاجًا يشبة تاج الأميرات مرصعًا بحبات الألماس الأبيض وبه بعض الأحجار ذات اللون الفيروزي مما أعطاهُ بريقًا ومظهرًا خلابًا استطاع سحر أعين الحضور،وقف أمام تلك التي اتسعت إبتسامتها بحبورٍ شـ.ـديد ليقوم بتتويجها في حركة أراد بها الإعلان على أن تلك الساحرة هي ملكة حياته ومالكة الفؤاد،نطق بنبرة قوية:
-ملكة قلبي ونور حياتي وأم أمرائي
سألتهُ بذهولٍ وعدm استيعاب:
-إيه اللي بتعمله فيا ده يا فؤاد
وتابعت بأعين شغوفة وهي تراه يضع لها التاج فوق حجابها:
-بقيت مـ.ـجـ.ـنو.ن رسمي
-بيكِ،بقيت مـ.ـجـ.ـنو.ن إيثار...قالها بأعين تفيضُ غرامًا وهو يتعمق بمقلتيها قبل أن يحيط وجنتيها بكفيه واضعًا قُبلة إحترام وتقدير ومحبة تحت تصفيق الجميع منهم المحب السعيد لأجلهم ومنهم الحاقد كـ"سميحة" التي رمقتها بنظراتٍ كالرصاص و"سالي"التي ترى أن تلك الماكرة إختطفت ذاك الوسيم الرائع سليل لك العائلة الثرية وتراها غير مناسبة لتلك الزيجة وهذه العائلة العريقة، فاقت تلك الحقودة على صوت لارا التي صاحت بسعادة وهي تهلل لصديقتها:
-واااو،التاج حلو قوي وإيثو تستحق تكون ملكة بجد
إلتفتت لترمقها بحدة وهي تقول:
-ملكة! قصدك طلعت لئيمة ونشنت صح
واسترسلت بنبرة اظهرت كم سوء نفسيتها الغير سوية:
-صدقيني الجوازة دي مكنتش هتستمر لولا إن صاحبتك السكرتيرة دبستهم وجابت لهم الولاد اللي كانوا بيحلموا بيهم،علشان تجبر فؤاد على إستمرار الجواز اللي كلنا عارفين ظروفه كويس
ثم أعادت بصرها من جديد على تلك التي احتضنت زوجها بسعادة لتسترسل بعينين حاقدتين:
-تخطيط شيطاني ميخرجش غير من عقل حد خبيث،مكذبش اللي قال لؤم فلاحين
اتسعت أعين لارا بعد ما استمعته من زوجة شقيقها بحق جميلة الروح التي اتخذتها كصديقة مقربة لها منذ أن رأتها بعدmا استلمت عملها كـ سكرتيرة خاصة لدى والده،صدmتها من تلك الكلمـ.ـا.ت الحاقدة ألجمت لسانها ومنعتها عن الرد،فلم تجد كلمـ.ـا.تٍ مناسبة لذا قررت عدm الرد على تلك المهاترات.
عودة لتلك التي شعرت بأن روحها تطيرُ وتقفز فرحًا بذلك الحبيب الذي أصبح يُعلن عشقه لتلك الحورية على الملئ بمناسبة وبدون وكأنهُ يريد إخبـ.ـار العالم بأكمله بملكيته الخاصة لها،نطقت وهي تتطلع بعينيه العاشقة:
-فؤاد أنا بحبك قوي
خرجت من خلفيهما عزة تحمل الصغير داخل ما يُسمى بـ "الغربال"المزين بقماش من الشيفون الرائع بلونهِ الأزرق الخفيف لتجاورها منيرة تحمل"تاج"بغربالٍ باللون الزهري لتباغت عزة الجميع بإطـ.ـلا.قها للزغاريد مما أضفى على الإحتفال نوعٕا من البهجة ورونقٍ خاص أدخل الحضور في حالة من الحماس،أقبل الجميع على" إيثار"وباتوا يقدmون التهاني والمبـ.ـاركات لها ولزوجها السعيد في حين وقفت عزة بالمنتصف وباتت تصيحُ بصوتها المحبب لدى الجميع عدا تلك الـ منيرة التي لم تغفر لها أخطاء الماضي على حسب قولها،فهي تتهمها بأنها كانت السبب الرئيسي لعناد صغيرتها وابتعادها عن عائلتها وليس أفعالهم الشنيعة،نطقت بنبرة عالية حماسية بعدmا افترشت الارض ووضعت أمامها الصغير:
-يلا يا حبايب علشان ندق الهون
اتسعت أعين فريال وعصمت التي اعترضت حينما وجدت ذاك الشئ المصنوع من النحاس "الهون":
-أكيد مش هتخبطي جنب الاولاد وتسببي لهم إزعاج بالصوت العالي ده يا عزة!
نطقت تلك المشاكسة بنبرة إعتراضية وهي تشيحُ بكفها:
-لا بقول لك إيه يا ست الدكتورة،إنتِ تقعدي على الكرسي بفستانك الحلو ده وتسبيني أشوف شغلي، دق الهون ده أنا ندراه من يوم ما عرفت إن إيثار حامل
واسترسلت وهي تتطلع على علام:
-وبعدين أنا خدت الإذن من سعادة الباشا الكبير،يعني كلامك يبقى معاه هو مش معايا
تطلعت عصمت إلى زوجها حيث أومى لها للتأكيد على صحة حديث عزة وحثها على الموافقة فابتسمت بحنانٍ ونطقت باستسلام:
-وهو فيه رأي بعد رأي الباشا،الباشا يؤمر وما علينا إلا الطاعة
ابتسم ليحييها باحترام تحت غضب نجوى زوجة شقيقه التي همست لابنتها سميحة:
-مرات عمك فاكرة نفسها لسه بنت العشرين وبتدلع عليه قدام الناس
لم تلتفت لها ولم تعير لحديثها أدنى اهتمام،فلديها ما يؤرق عليها حياتها ويجعلها تفقد زهوة كل شئٍ،وذلك لما رأتهُ من عشقٍ واهتمام من حبيب العمر إلى زوجته،هي من عشقته بكل ذرة في كيانها ليفضل عليها تلك التي تراها من وجهة نظرها لا تليق ولا ترتقي لذاك الوسيم المميز.
نطقت عزة وهي تدق الهون بعدmا أقنعت إيثار بأن تخطو بقدmيها من فوق الاطفال كما هو موثق بالطقوس المصرية وتوارثتها الاجيال:
-الأولة بسم الله، والتانية باسم الله، والتالتة باسم الله، والرابعة بسم الله، والخامسة باسم الله، والسادسة باسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله»
أمسك فؤاد يد زوجته وساعدها بالجلوس وتطلعوا على عزة التي باتت تتحدث وهي تتابع دق الهون:
-إسمعوا كلام أبوكم الباشا إبن الباشا الكبير
أشار لها يشكرها بطريقة درامية ليضحك الجميع لتتابع وهي تتطلع إلى إيثار:
-وإسمعوا كلام بنتي حبيبتي ست البنات كلهم
شملتها إيثار بنظراتٍ تشعُ حنانًا وامتنان لتلك الجميلة صاحبة القلب الذهبي التي طالما شملتها بحنانها وعطفها،أكملت عزة بخفة ظلها التي نالت بها استحسان الجميع:
-إسمعوا كلام جدكم علام باشا المحترم،وست الهوانم جدتكم الدكتورة عصمت
ضحكت عصمت ونال ما تفعله عزة استحسانها،هتفت فريال بنبرة حماسية وهي تشير على حالها:
-وأنا يا عزة، إوعي تنسيني
نطقت بانتشاء:
-ودي تيجي يا ست البنات
هزت غربال الصغير وهتفت بنبرة حماسية:
-وكمان عمتكم فريال،لازم تسمعوا كلامها،وجوزها الدكتور ماجد علشان راجـ.ـل محترم
واسترسلت وهي تتطلع على يوسف وبيسان المجاورين لها يستمتعان بتلك الطقوس الجديدة عليهما:
-وإسمعوا كلام أخوكم الكبير يوسف،وكمان القمر بيسان إسمعوا كلامها
صفقت بيسان بسعادة ومالت على وجنة الصغيرة تُقبلها كما فعل يوسف
رمقت عزة منيرة وعزيز الجالس بجوارها بنظراتٍ ازدرائية وهي تقول:
-أما بقى جدتكم منيرة فاللي تقوله تعكسوه على طول
أطلق الجميع ضحكاتهم لتسترسل وهي تتطلع على عزيز:
-وخالكم عزيز حطوه في نفس خانة جدتكم منيرة
ثم تطلعت على أيهم الواقف بجوار خطيبته:
-إنما الواد أيهم غلبان وأنا بحبه، إبقوا إسمعوا كلامه
-وكمان خالكم وجدي ومـ.ـر.اته نوارة علشان بحبهم...إتسعت إبتسامة نوارة وبعثت لها بقبلاتٍ في الهواء
ثم نطقت من جديد وهي تُشير على نفسها بتفاخر وكبرياء مصطنع:
-وطبعًا مش محتاجين اقول لكم إنكم تسمعوا كلامي
أطلق الجميع ضحكاتهم على خفيفة الظل ثم حملت إيثار غربال الصغير وجاورها فؤاد بعدmا حمل غربال صغيرته التي استطاعت الإستحواذ على عقله والتف من حولهما الأطفال يحملون الشموع المشتعلة مرددين الاغانى الجميلة التى توارثناها عن الأجداد:
-حلقاتك برجـ.ـالاتك حلقة دهب فى وداناتك"و "يارب يا ربنا تكبر وتبقى زينا"
ثم أمسكت عزة وعاءٍ مملوء بالملح وأخذت تُلقيه فى جميع أركان المنزل كما جرت العادة
حمل علام الصغير وبات يتطلع عليه بنظراتٍ حنون تحمل أمل البقاء والإستمرارية الذي تجدد بحضور ذاك الملاك،وكأنهُ أتى إلى الدنيا ليزرع الأمل داخل قلب جده
وبنهاية اليوم وبعدmا رحل الجميع أخرج علام ورقة وقدmها إلى فؤاد قائلاً:
-ده تنازل مني عن حصتي في كل أسهم شركات الزين
اتسعت أعين فؤاد لينطق بنبرة رافضة:
-أنا مقدر فرحة سعادتك بولادة زين وتاج يا باشا،لكن أكيد مش هقبل العرض ده وأظلم أختي
رفع علام حاجبه مستنكرًا تفكير نجله لينطق بكلمـ.ـا.تٍ ثابتة:
-ومين جاب سيرة ظُلم فريال،أنا قبل ما أكون أب فأنا قاضي،يعني يد الله في تحقيق العدالة على الأرض يا سيادة المستشار
واسترسل بإبانة:
-أنا كتبت لـ أختك حصتها من الشركات وكنت هكتب للدكتورة هي كمان، لكن رفضت وتنازلت عنهم لـ زين وتاج
وتابع لايضاح فكرته من ذاك القرار:
-أنا حبيت أجمع كل أسهمنا في إيدك علشان تاخد منصب رئيس مجلس الإدارة والمالك الأكبر من أسهم الشركة،أنا عاوزك تكبر إسم الزين واولادك يكملوا المسيرة يا فؤاد
واسترسل غامزًا وهو يربت على كتفه:
-عاوزين صفقة جـ.ـا.مدة زي صفقة زين وتاج في أقرب وقت يا سيادة المستشار
-للدرجة دي مستغني عني يا باشا...قالها بضحك ليطالعه بنظراتٍ هادئة وهو يتابع:
-الحمدلله على كده يا باشا،ربنا يبـ.ـارك لنا فيهم ويخلي لي إيثار ومش عاوز حاجة تاني من الدنيا.
*********
بعد مرور أربعة سنوات
أمام أحد المباني شاهقة الإرتفاع بوجهتها الزجاجية،توقفت سيارة فارهة تدل على رفاهية من يستقلها، تسبقها سيارة دفع رباعي سوداء ترجل منها ثلاثة رجـ.ـال ذو أجسادٍ ضخمة وعضلاتٍ بـ.ـارزة تدل على مدى قوتهم البدنية،أسرعوا ليحاوطوا تلك السيارة الفارهة حيث ترجل من الباب المقابل للسائق ضابطًا للحراسات الخاصة كان قد عينهُ زوجها ومعهُ بعض رجـ.ـال الحراسة المدربون بأعلى مستوى ليقومون بحراستها وتأمين حياتها من ألا يصيبها أي مكروه من ذاك الذي مازال هاربًا خارج البلاد،بات الضابط يمشط المكان بعينيه بينما أسرع سائق السيارة لفتح الباب الخلفي لتترجل منها تلك التي أصبحت عضواً هامًا وبـ.ـارزًا في شركات"الزين"بل أصبح اسمها يتردد كثيرًا في سوق الأعمال لما أحرزته من تقدm في عملها التي استلمته من علام شخصيًا
وضعت قدmيها في الأرض وارتدت نظارتها الشمسية لترفع رأسها تتطلع بشموخٍ لذاك المبني،حاوطها الرجـ.ـال أخذين وضع الإستعداد ليتحركوا سريعًا خلف تلك الشامخة التي تتحرك بقوة وثبات باتجاه بوابة الشركة،كانت ترتدي بدلة نسائية رائعة المظهر بلونها البيج يعتلي رأسها حجابًا من نفس اللون بدرجة أغمق،سار بجوارها ذاك الضابط حيث سألها باحترام:
-حضرتك هتخلص شغل زي كل يوم يا افنـ.ـد.م ولا هتتأخري زي إمبـ.ـارح
نطقت وهي تتحرك للأمام قاصدة وجهتها:
-إمبـ.ـارح كان يوم إستثنائي يا صفوت،كان لازم أجهز أوراق الصفقة الجديدة وأشرف على الترتيبات بنفسي
سألها صفوت من جديد:
-جنابك مش هتخرجي بدري علشان ترتيبات عيد ميلاد يوسف؟
نطقت بثبات إمرأة ناجحة:
-لو هخرج أكيد هنبهك يا صفوت
تحدث الرجل على استحياء بعدmا شعر بضجرها من كلمـ.ـا.ته:
-أنا أسف سعادتك،أكيد مش قصدي أضايقك بأسألتي،أنا بس بحب أكون مستعد ومرتب لشغلي من قبلها
نطقت وهي تتخطي بوابة الشركة الإلكترونية المصنوعة من الزجاج والتي فُتحت على مصراعيها فور اقترابها:
-أنا فاهمة ده كويس يا صفوت
واسترسلت بإبانة:
-ومش متضايقة بالعكس،أنا طول عمري بحب النظام في كل حياتي
ثم اعتدلت لتقابلة وهي تتابع:
-بس تقدر تقول إني مبحبش كتر الكلام في بداية اليوم،ربنا خلقني كده
-فهمت سعادتك... قالها الرجل وهو يشيح بنظرهِ أرضًا كما يفعل دائمًا خشيةً إثارة غضب ذاك الغيور عاشق زوجته،أومأت له وتحركت باتجاه المصعد الكهربائي ورافقها صفوت ورجل الحراسة المسؤول عن حمله للحقيبة الخاصة بأوراق العمل،أوصلاها لحيث مقر مكتبها ورحل كلًا منهما لوجهته،سألتها السكرتيرة الخاصة:
-أجيب لحضرتك القهوة يا افنـ.ـد.م؟
أجابتها بنبرة جادة:
-هاتي لي الأول ملف الصفقة الجديدة بالكامل،وابعتي لي الموظف المسؤول عن التعاملات البنكية مباشرةً
اومأت الفتاة برأسها لتنطق وهي تعود للخلف:
-تحت أمرك إيثار هانم
قالت كلمـ.ـا.تها وتحركت للخارج،بعد قليل،كانت منكبة على الأوراق التي أمامها تراجعها بتمعنٍ ودقة أثناء تناولها كوب قهوتها الساخنة،استمعت لدقاتٍ خفيفة فوق الباب لتنطق ومازالت على وضعيتها:
-إدخل
ولجت السكرتيرة تتحرك بخطواتٍ ثابتة قبل أن تنطق بنبرة جادة:
-باشمهندس بسام الزين برة وعاوز يقابل حضرتك يا افنـ.ـد.م
تنهدت لعلمها سبب مجيأة لتنطق وهي تنظر للأوراق تراجعها بتمعن:
-خليه يتفضل
تحركت السكرتيرة إلى الباب وأشارت بكفها بابتسامة خافتة:
-مدام إيثار في انتظار حضرتك يا باشمهندس
ولج بخطواتٍ واسعة ومن صوت قوة حذائه التي دكت الارض أيقنت غضبه لترفع رأسها تعدل بأصابعها من وضعية نظارتها الطبية لينطق هو بصوتٍ جاهد أن يخرج هادئًا مع رسمه لابتسامة لزجة:
-صباح الخير يا أستاذة
أراحت ظهرها للخلف لتنطق بابتسامة مشابهة لابتسامته المصطنعة:
-صباح النور يا باشمهندس،إتفضل حضرتك
نطقتها وهي تُشير بكفها إلى المقعد المقابل لمكتبها وتابعت وهي تتوجه بحديثها إلى السكرتيرة:
-قهوة الباشمهندس بسرعة لو سمحتي يا ليلى
أوقفها بإشارة حادة من كف يده لينطق بصوتٍ خشن علمت من نبرته أنه غاضب:
-مفيش داعي،أنا مش هطول،ورايا شغل كتير لازم يخلص النهاردة
مالت برأسها قليلاً لتشير للموظفة بالخروج لتفعل على الفور،توجهت له لتنطق بصوتٍ هادئ:
-إتفضل يا باشمهندس،أنا سامعة حضرتك
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره كي يطرد شعور الغضب من داخله وألا يحتد عليها ويضع حاله أمام ذاك الشرس الذي لا يسمح لأي شخصٍ مهما كان مجرد التعدي بحدة الكلمـ.ـا.ت على زوجته،:
-ممكن أفهم حضرتك أخدتي ملف الصفقة الأخيرة ليه؟!
أجابتهُ مختصرة:
-براجع البنود بتاعته
سألها بحدة اظهرت مدى سخطه:
-بأي صفة يا أستاذة،دي وظيفتي وأنا المسؤول هنا عن مراجعة عقود الصفقات وإتمامها
نطقت بقوة وثباتٍ أربكهُ:
-وأنا مفوضة من رئيس مجلس الإدارة بإدارة شؤون الشركة،واظن حضرتك عارف إنه مديني صلاحيات أتابع بيها العمل فيما يخدm الشركة ومصالحنا
سألها بنظراتٍ نارية:
-يعني حضرتك بتستغلي منصب جوزك وبتستغلي إنه بقى مالك الحصة الاكبر من أسهم الشركة بعد عمي علام ما اتنازل له عن الأصول بتاعته؟!
عدلت من وضعية نظارتها لتنطق بقوة وثبات لم يأتيا من فراغ:
-ياريت يا باشمهندس تتكلم معايا على إني المدير المالي المسؤول عن الشركة،وأظن مش من المهنية إن حضرتك تخلط ما بين العلاقات العائلية والشغل
وتابعت قاصدة إظهار عدm مهنيته:
-يعني مينفعش تذكر مصطلحات زي جوزك وعمي والكلام ده وإحنا بنتكلم في أمور تخص العمل
استشاط داخله من تلك المرأة الحديدية مثلما أطلق عليها جميع من يعمل بالشركة لقوة تحملها للعمل الشاق وثباتها في اتخاذ القرارات الحاسمة لما لها من صلاحيات قد فوضها لها فؤاد لثقته الهائلة بها كموظفة قبل أن تكون زوجة صالحة،لينطق بكلمـ.ـا.تٍ بذل مجهودًا شاق كي يُخرجها هادئة:
-أولاً أنا أسف،يمكن خاني التعبير، بس ده لا يمنع إني بتكلم في الحق،حضرتك يا أستاذة تعديتي على اختصاصاتي وأنا من حقي أقدm إعتراضي
-حقك طبعاً،بس ده لما يكون تعدي على وظيفتك بجد،أنا بباشر صلاحياتي وده يُسأل عنه مدير مجلس الإدارة مش أنا...كلمـ.ـا.تٍ نطقتها بحكمة لتكمل بنبرة عملية:
-على العموم أنا هبلغ فؤاد بيه وهطلب منه يأمر بإجتماع عاجل يوضح فيه النقاط اللي مضايقة حضرتك،ولما سيادته يحدد الميعاد الإدارة هتبلغك
ارتبك لعدm رغبته بالتصادm مع فؤاد وذلك لصرامته فيما يخص العمل،فـ أراد أن يتلاشى المواجهة معه وتحدث وهو يحاول تلطيف الوضع:
-مفيش داعي تشغلي فؤاد باشا معانا،كان الله في عونه
واسترسل مبررًا بترقيته التي لم يمر عليها سوى بضعة أسابيع:
-أكيد مسؤليته تضاعفت بعد الترقية الاخيرة
-أوكِ،زي ما حضرتك تحب...قالتها بثبات وهي تنظر إليه بتفحص لينتفض واقفًا وهو يقول:
-هروح أتابع شغلي، وأسف إني أخدت من وقتك
وقفت باحترام لتنطق بثبات وهدوء:
-نورت يا باشمهندس.
تحرك سريعًا مغادرًا مكتبها وبداخله براكينٍ من الغضب يكظمها عنوةً عنه،أمسك مقود الباب واداره ليجد ذاك الـ أيهم يقف مع السكرتيرة وعلى ما يبدو أنه جاء لمقابلة شقيقته،تحدث بسام بابتسامة مصطنعة ترجع أسبابها لعدm تقبلهُ مؤخرًا جراء سطوة شقيقته وفرض هيمنتها على الشركة:
-أزيك يا أستاذ أيهم
-أهلاً يا باشمهندس...كلمـ.ـا.تٍ مقتضبة بالكاد أخرجها أيهم لينطلق الأخر كالإعصار مغادرًا المكان برمته لينظر أيهم إلى ليلى ويسألها:
-ماله ده
مطت شفتيها ورفعت كتفيها للأعلى لتنطلق ضحكاتهما وياليته لم يفعل فقد وصلت للتو زوجته "أميرة"ليشتعل داخلها بنار الغيرة بعدmا رأت رجُلها منسجمًا بالحديث مع تلك الحسناء ذات الشعر الأشقر المجعد بمظهرهِ الخاطف للأنفاس وثيابها الملفتة للأنظار،توقف وابتلع قهقهاته وهمس بصوتٍ لم يستمع إليه سواه:
-يا وقعتك السودة يا أيهم،ليلة الخميس إنضـ.ـر.بت خلاص
رمقته بنظراتٍ كالرصاص لتبسط ذراعها بذاك الملف إلى تلك الـ ليلي وهي تقول بجدية:
-الورق ده كانت طلباه مدام إيثار،ياريت توصليه حالاً
تحمحم مرددًا وهو يشير لها صوب باب مكتب شقيقته:
-تعالي دخليه بنفسك يا أميرة،أنا كمان داخل لـ إيثار
-معنديش وقت أضيعه في الضحك والكلام الفارغ يا حضرة المحاسب المحترم...رمت بكلمـ.ـا.تها اللاذعة بجانب نظراتها الحادة وانطلقت كالسهم لتعود لمقر مكتبها بقلبٍ يحترق من لوعة الغيرة على من يعشقه القلب،لوى فاهه ليبتسم ببلاهة لتلك التي تطالعهُ بملامح وجه بدا عليها التضامن والمؤازرة فيما سيناله من تلك الشرسة عاشقة زوجها، لينطق بملاطفة:
-إنتِ كويسة يا لولا؟
بمشاكسة ردت تلك الـ ليلى:
-مش مهم أنا يا أستاذ أيهم،المهم انتَ اللي تكون كويس
هز رأسهِ بطريقة ساخرة لتشير هي إلى الباب قائلة:
-ثواني هدخل الملف للهانم وابلغها إنك عاوز تقابلها
بعد قليل خرجت وتوجه هو ليلج إلى شقيقته فوجدها تتطلع على كومة من الاوراق ليتحدث بنبرة جادة:
-بسام الزين طالع شايط من عندك ليه؟
رفعت رأسها تطالعهُ قبل أن ترد مستنكرة:
-جنابه مش عاجبه طريقة شُغلي وبيتهمني إني بتعدى على اختصاصاته
جلس بالمقعد لينطق متخوفًا:
-أنا قولت لك من الأول بلاش تستفزيه وتدخلي في الامور اللي تخص منصبه
احتدت ملامحها لتعلن عن غضبها وهي تنطق بنبرة جادة:
-مفيش حاجة إسمها أمور تخص منصبه،ده مال ولادي وجوزي مأمني عليه،والبيه بيتعامل كأنه المالك الرئيسي والوحيد للشركات ويا عالم بيهبب إيه من ورانا،فكان لازم أحجم صلاحياته واستخدm صلاحياتي اللي أدهالي فؤاد بحكم منصبي،وخصوصًا إنه كان مانع الموظفين يدوني أي أوراق خاصة بالصفقات
بكلمـ.ـا.تٍ يحكمها العقل والمنطق نطق أيهم:
-بس كده ممكن يحطك في دmاغه،وأحمد الزيني ممكن معاملته ليكِ تتغير،بالعقل كده أكيد مش هيسيب إبنه وينضم لفريقك ضده
-يوريني أخر ما عنده...جملة بها تحدي نطقتها قاصدة أحمد لتتابع بجدية:
-ولو باشمهندس أحمد الزين هيكون فريق ضدي لمجرد إن بسام إبنه يبقى هيخسر كتير قوي
واسترسلت بنبرة شرسة:
-لأنه هيلاقي معاملة وإيثار مختلفة كليًا عن إيثار اللي كانت بتعامله بلطف واحترام
رفع حاجبه باعجاب لينطق:
-بقيتي قوية لدرجة يتخاف منك يا إيثار
أجابته باقتضاب:
-محدش بيخاف غير اللي ماشي غلط يا أيهم
وافقها الرأي لتنطق بعدmا قررت تغيير مجرى الحديث:
-متنساش بكرة تجيب أميرة وساندي وتيجو بدري علشان عيد الميلاد هيبدأ الساعة أربعة العصر إن شاءالله
ابتسم وتذكر طفلته ذات الثلاثة أعوام وتحدث:
-كل سنة ويوسف طيب،عقبال ما تشوفيه راجـ.ـل قد الدنيا
-متشكرة يا حبيبي...قالتها بابتسامة سعيدة لتتابع:
-الحمدلله إن عيد ميلاده وافق يوم الجمعة وإلا كنت هضطر أخد أجازة أنا وفؤاد،انا عادي لكن فؤاد لسه مترقي من كام إسبوع ومشغول جداً في مهام الترقية الجديدة
-ربنا يوفقه يا حبيبتي،فؤاد راجـ.ـل محترم ويستاهل كل خير...قالها ثم هب واقفًا ليتحرك للخارج تاركًا إياها تتابع عملها
*********
بعد عدة ساعات عادت من عملها لتجد صغيراها اللذان اتما عامهما الرابع يلهوان داخل حديقة المنزل بصحبة دكتورة عصمت التي كرست جزءًا كبيرًا من وقتها بل وحياتها لصغيراي نجلها الغالي وفلذات قلبه بعد أن تبدلت حياتها للأفضل بوجودهما،تجاورها فريال حيث باتت لا تفارق منزل أبيها إلا قليلاً للاهتمام بشؤون توأم شقيقها الغالي وعزيز عينيها،فقد دبت الحياة بالمنزل وكأنهُ تحول لأخر،فبرغم وجود نجلي فريال بالإضافة إلى حضور يوسف إلا أن ذاك التوأم لهما حضورٍ خاص ويرجع ذلك لفطانة الصغيرين والمحبة التي وضعها الله لهما في جميع قلوب من حولهم،تطلع عليها الصغير بعينيه التي ورثهما عن والده مما زاد من عشقها له ليهرول مهللاً:
-مامي
هرولت إليه لتلتقطه وتخبأه داخل أحضانها مع نثرها لقبلاتها الشغوفة فوق وجههُ وعنقه وجل ما يقابلها من ذاك الغالي لتنطق عصمت بنبرة حادة معترضة على تصرف إيثار:
-معقولة يا إيثار اللي عملتيه ده،تحـ.ـضـ.ـني الولد وتبوسيه قبل ما تغيري هدومك وتغسلي وشك؟!
هزت فريال رأسها استسلامًا لحديث والدتها وتشـ.ـددها في حماية الصغار من الجراثيم لتنطق بكلمـ.ـا.تٍ ساخرة:
-أنا شايفة إن حضرتك تجيبي لهم صندوق من البلور وتحطيهم جواه وإحنا نشاور لهم من برة البلور
رمقتها حانقة لتتابع ابنتها:
-مش معقول يا ماما اللي بتعمليه ده
هتفت عصمت بـ.ـارتيابٍ يعود لشـ.ـدة خوفها على الصغار:
-على أساس إنك مبتسمعيش عن كم الأوبئة والجراثيم اللي بقت محوطانا يا أستاذة
إقتربت عليهم إيثار التي مازالت تزيد من قبلاتها الشغوفة للصغير لتنطق أخيرًا:
-ما تقلقيش يا ماما،عملت حسابي وعقمت نفسي وأنا جاية في العربية
تنهدت براحة لتبتسم لها قائلة:
-حمدالله على السلامة يا حبيبتي
أطلقت فريال ضحكاتها وهي تقول:
-الوقت بس تقدر تقول لك حمدالله على السلامة
ضحكت الأخرى وناولت الصغير إلى عمته التي تلقتهُ بالقبلات الشغوفة لترفع تلك الصغيرة وتقول وهي تدللها:
-الندلة اللي مش بتسأل في مامي وقاعدة في حـ.ـضـ.ـن نانا
عوضًا من أن تحتضنها الصغيرة سألتها باعتراضٍ ظهر جليًا على ملامحها:
-فين بابي،ليه مش جه؟
أجابتها وهي تُقبل وجنتها الوردية بشغفٍ فقد اتخذت ملامح جدتها عصمت وكأنها نسختها الصغيرة مما زاد من عشق علام وفؤاد لتلك الصغيرة التي خـ.ـطـ.ـفت لُبهما:
-لسه الساعة إتنين يا حبيبتي،بابي هيوصل النهاردة الساعة خمسة علشان عنده شغل كتير
أنزلت الصغيرة التي سكنت أحضان جدتها من جديد لتسترسل باستئذان:
-أنا هطلع أخد شاور وأطمن على يوسف
واسترسلت بنبرة هادئة:
-متعملوش حسابي في الغدا،أنا هستنى فؤاد لما يرجع
ضيقت عصمت بين حاجبيها وهي تقول:
-بس فؤاد مش هيرجع قبل الساعة خمسة يا إيثار،كده الغدا هيبقى عشا
-ولو قعدت لبكرة بردوا هستناه...قالتها باصرار نال استحسان عصمت وطمأنها على نجلها في حين نطقت فريال بمشاكسة لزوجة شقيقها التي أصبحت صديقتها المقربة:
-قولي إنك عاوزة تنفردي بالباشا وتحولوا الغدا لعشاء رومانسي على ضوء الشموع
رفعت قامتها للأعلى وهي تقول:
-وهنكر ليه،جوزي وحبيبي وأتمنى أعيش عمره كله في قربه
ابتسامة عريضة ظهرت على ثغر عصمت بانتشاء لتنسحب الاخرى إلى الاعلى،صعدت الدرج لمنتصفه لتتفاجئ بظهور عزة التي تهبط من الأعلى،على الفور ارتسمت على وجهها الابتسامة وهي ترحب بها:
-حمدالله على السلامة يا ست الكل،جهزت لك الحمام زي ما بلغتيني في التليفون من شوية، واسترسلت بملاطفة:
-حطيت لك فيه من الزيوت اللي بتفك الجـ.ـسم وتنعنشه
ابتسمت الأخرى لتجيبها:
-ربنا يخليكِ ليا يا عزة
واسترسلت بجدية:
-يوسف في أوضته؟
أجابتها باستفاضة:
-أيوا فوق،لسه باص المدرسة واصل من شوية،سبته كان داخل ياخد الشاور بتاعه على ما الغدا يجهز
-تمام،أنا كمان هاخد شاور وأروح له أوضته يكون خلص...قالتها لتغمز لها عزة وهي تقول:
-أنا خليت البت وداد تجهز لك اوضة الزاكوزي زي ما أمرتي،وحضرت لك الشيكولاتة والفاكهة اللي قولتي عليها،هو أحنا عندنا أغلى من الباشا علشان ندلعه
ردت لها الغمزة وهي تقول بابتسامة عريضة:
-برافوا عليكِ يا عزة
تركتها وصعدت سريعًا قبل أن تفتح تلك الثرثارة بمواضيعها التي لا تنتهي، أخذت حمامًا ثم ارتدت ثيابها واتجهت صوب غرفة نجلها الغالي،وجدته يقف أمام مرآة الزينة يقوم بتمشيط شعره،تطلعت عليه بسعادة فقد أصبح نجلها رجلاً صغيرًا حيث سيكمل غدًا عامه الثاني عشر،فقد زاد طولاً حتى أنهُ تخطاها وأصبحت تتطلع للأعلى حتى تنظر بعيناه،واشتد عوده نظرًا لكثرة التماربن التي يتلقاها على يد المدرب الخاص به وأيضًا ممارسته للسباحة،نطقت وهي تفتح ذراعيها لاستقباله:
-إيه الشياكة دي كلها يا باشمهندس، بالراحة على قلوب البنات
تطلع على صورتها بانعكاس المرآة بملامح وجه معترضة قبل أن ينطق:
-قولت لحضرتك مليون مره قبل كده إني هكون وكيل نيابة زي جدو علام وبابا،مش فاهم إيه إصرارك بإنك تناديني بالباشمهندس
لقد أصبح يُلقب فؤاد بـ بأبي مثل أخويه عنـ.ـد.ما كان بالتاسعة من عمره وبدأ أخويه ينطقان ويطـ.ـلقان "بابا" على فؤاد فاعتاد هو الأخر من باب التعود،وحدث الامر رُغمًا عنه فبالاخير هو ابن التاسعة من عمرة ويظل طفلاً، تقبل فؤاد الأمر بل وسعد به بينما هي تحسست من ذاك الوضع لكنها لم تفصح عنه،والأن ينشطر قلبها للمرة اللا معلوم عددها حين تستمع من صغيرها الإعتراض على مهنة المهندس التي حاولت ومازالت جاهدة بزرع الفكرة في عقله منذ الصغر لكنهُ مصرًا على أن يلتحق بكلية الحقوق كي يمتهن مهنة القاضي تشبهًا بما يناديه بـ أبي"فؤاد" وقدوته "علام زين الدين"حيث يراهما قدوته الحسنة ويريد التشبه بكلاهما
هو يعلم أن فؤاد ليس بأبيه الحقيقي ولا علام بـ جدًا له،لكنه تأقلم على وجودهما بحياته وشعر بكيانه معهما ولم يعد يسأل عن أهله بعدmا تلقى على عدة حجج من والدته جعلته يغلق الباب على ذاك الأمر برمته
كيف لها أن تبلغه أنه لا يمكنه الالتحاق بسلك القضاء نظرًا لتاريخ عائلته الإجرامي والذي يتعارض مع شروط الدخول لذاك العالم النزية،يزداد الأمر سوءًا مع كل يومٍ تتأخر هي بإخبـ.ـاره عن حقيقة أمر عائلته لكنها لم تستطع،فالأمر شبه مستحيل لديها،كيف لها أن تهدm عزيمة نجلها وتقــ,تــل شغفه بالمستقبل التي تراه بعينيه،وبالرغم من إصرار فؤاد وعلام والضغط عليها بعدm إخفاء الامر عليه إلا أنها أغلقت باب النقاش نهائيًا وأبلغتهم بأنها ستبلغه في الوقت الذي ستراهُ مناسبًا من وجهة نظرها،فما كان منهما سوى إلتزام الصمت حيال رغبتها فبالنهاية هي والدته وصاحبة الكلمة الأخيرة فيما يخصه ويخص مستقبله.
تجاهلت كلمـ.ـا.ته حين اقترب عليها لتحتضنه بحنوٍ وتسألهُ:
-وشك رايق وبيضحك،شكل يومك كان لطيف النهاردة
بنبرة حماسية أجابها:
-جداً،لو ت عـ.ـر.في اللي حصل هترفعي راسك للسما إنك مامت"يوسف عمرو"
اتسعت ابتسامتها لتتحسس وجنته وهي تحتويهِ بنظراتٍ حنون:
-طول عمري وأنا فخورة بيك من غير حاجة يا حبيبي
لتسألهُ بشغفٍ ولهفة:
-بس مفيش مانع إنك تقولي على اللي مخليك فرحان كده علشان افتخر بيك أكتر
أجابها بصوتٍ حماسي وأشعة لامعة تخرج من مقلتيه الصافية وهو يقول:
-النهاردة اكتشفت نظرية في الرياضيات وبلغت المستر بيها، فرح بيا جداً بس قال لي إنها للمخترع فيثاغورس وإني هاخدها في ثانوي عام إن شاءالله، بس المستر فرح بيا جداً وقال لي إن اللي يوصل بدmاغه للنظرية دي وهو في سني، مش بعيد يوصل لنظريات تانية مش موجودة
سعدت لذاك الحماس الذي يكتسي صوته ويظهر جليًا بعينيه لتحتضنه وتثنى عليه،ثم تحركت معه للأسفل كي يتناول هو وجبة غدائه في حضور العائلة وتهتم هي بصغيريها حتى موعد عودة حبيبها
*********
بحلول الساعة التاسعة مساءًا،عاد زوجها بموعده وتناولا غدائهما سويًا ثم جلسا بصحبة العائلة،كانت تحتضن والدها تلف ذراعيها الصغيرتين حول عنقه وهي تقول:
-تاج فؤاد زعلانة منك يا بابي
ضحك علام على تلك المشاغبة ليسألها ذاك الذي امتلكت قلبهُ تلك الساحرة وانتهى الأمر:
-وليه زعلانة يا قلب فؤاد من جوه؟
بدأت تمرر أناملها فوق ذقن والدها لتنطق بدلالٍ يليق بابنة فؤاد وحفيدة علام زين الدين:
-علشان إنتِ قولت لي بالليل إنك هترجع على طول من الشُغل، وتزرع معايا أنا وجدو الوردة بتاعتي
بمداعبة نطق وهو يداعب وجنتيها بأصابعه:
-يا خلاثي يا ناس على اللي زعلان ومادد بوزه اللي عاوز يتقطع من البوس ده
تدللت لينطق علام بنبرة عاتبة:
-مش أنا قولت لك تعالي نزرعها وإنتِ اللي رفضتي
رفعت كتفيها بغرور لتكمل:
-بس أنا عاوزة بابي هو اللي يزرعها معايا
تحدثت عصمت بمشاكسة:
-متتعبش نفسك يا علام،دي بنت أبوها بحت
واسترسلت وهي تُقبل وجنة ذاك القابع بأحضانها:
-إحنا ملناش غير زين حبيب قلب نانا وجدو
ضحك الصغير بسعادة لتنطق إيثار:
-ريحي نفسك يا ماما، دي متعرفش في البيت كله غير فؤاد وبس
نطقت الصغيرة بمفاخرة:
-أنا مش بحب غير بابي،علشان أنا تاج فؤاد،بابي بيقولي إني تاج فؤاد وحبيبته
تحدث إليها علام بملاطفة:
-طب إبقى شوفي مين بقى اللي هيلعب معاكِ وبابي حبيبك في الشغل؟
-بابي هيقعد من الشغل وهيلعب معايا...قالتها ليطـ.ـلق الجميع ضحكاتهم على تلك المشاكسة عاشقة أبيها،همست إيثار بجوار أذن زوجها لتبعدها الصغيرة بغيرة واضحة وهي تقول:
-إبعدي يا مامي،بابي مش بيحب الوشوشة غير من تاج وبس
هزت رأسها لتنطق باستسلام:
-البنت بتعاملني على إني مرات أبوها مش امها
تعالت ضحكات الجميع لتقترب إيثار من جديد وأخبرته أنها تنتظره بحجرة الچاكوزي فتيقن ان تلك المثيرة تعد له مفاجأة،بصعوبة بالغة أفلت حالهُ من تلك الصغيرة وتحرك إلى الحديقة واقترب من الباب الخاص بحجرة الچاكوزي وقام بفتحه ليشهق وتتسع عينيه بعدmا رأها بكل ذاك السحر والدلال،استدار ليوصد الباب خلفه ثم اعتدل من جديد يتطلع على أميرته الحسناء التي أصبحت أيقونة من الجمال والسحر بعدmا زالت مشاكلها وهُدmت جميع العراقيل التي كانت تؤرق حياتها والأن أكتملت أركان سعادتها بعد تصالحها النفسي ورجوعها لحـ.ـضـ.ـن عائلتها
تمركزت عينيه على منحنياتها حيث أبرز ذاك المايوة المكون من قطعتين جمالها ومفاتنها الانثوية المثيرة و.جـ.ـعلها تبدو كـ نجمة مضيئة بليلٍ عاتم ليظهر بريقها ويخـ.ـطـ.ـف العيون بسحرهِ،وما جعل قلبهُ ينتفضُ فرحًا هو تحديدها للونه المفضل الذي يعشقه عليها،"النبيذي"الغامق مما أظهر انعكاس لونهُ على جسدها ليظهر بياضه أكثر،اقتربت عليه وهي تتحركُ بغنجٍ أثار كل ما به ليشعر بانتشاءٍ غمر كيانهُ بالكامل لتنطق هي بدلالٍ انثوي أصبحت تجيدهُ جيدًا وهي تفردُ ذراعيها تستعرض حالها أمام عينيه:
-إيه رأيك في المفاجأة الحلوة دي؟
أجابها وعينيه تستبيح النظر فوق مفاتنها بجرأة:
-مفيش أحلا من كده مفاجأت
إقتربت لتلتصق به قائلة:
-ياترى حبيبي يسمح لي أعزمه على سهرة چاكوزية
رفع يدهُ اليمني للأعلى قائلاً وكأنهُ مسحور:
-حبيبك من إيدك دي
ليتابع وهو يرفع اليسرى وعينيه تتمركز على شفتيها المثيرة:
-لإيدك دي
واسترسل مستسلمًا:
-من الأخر كده أنا سايب لك نفسي
مالت عليه لتهمس بجوار أذنه:
-أوعدك مش هتنـ.ـد.م،هدلعك
-أرجوكِ...نطقها بعينين متوسلتين لتطلق ضحكاتٍ رقيقة وهي ترفع رأسها للأعلى لينطق مهللًا:
-دي شكلها هتبقى ليلة فل،خميس خميس مفيش كلام
وبلحظة كان يتجرد من ملابسه ليجذب ذاك المايوه الخاص به حيث وضعته له بالسابق فوق أحد المقاعد المجاورة لحوض السباحة،ثم حملها ليقفز بها داخل المياه المتحركة لتطلاطم بجسديهما،لفت ساعديها حول عنقه بينما تجولت أناملها تعبث بخصلات شعره كما تعبث الأنامل فوق البيانو لتصدر أعـ.ـذ.ب الألحانِ،أغمض عينيه لينطق وهو يدور بها داخل المياه:
-شكلك ناوية على جناني النهاردة
-الباشا عنده مانع ولا حاجة؟...نطقتها مستفسرة بنبرة لئيمة ليغمز لها مكررًا ما تفوه به منذ القليل:
-الباشا سايب لك نفسه ومسلم
غمزت بعينيها ليميل هو على شفتيها يلتقطهما بين خاصته ويذوب بقبلة رائعة المذاق أنهت على ما تبقى من صبره،بات يسبح معها داخل المياه لمدة كبيرة حيث انساقا وراء مشاعرهما ووصلا لأبعد حد من المتعة الروحية قبل الجسدية،فقد أصبح كلًا منهما ترياق الحياة بالنسبة للأخر وما عادا يشعران بمتعة الحياة سوى من داخل أحضان بعضيهما،فقد انصهرت روحيهما وأصبحت واحدة في جسدين،إستند على جدار الحوض ملقيًا برأسه للخلف،نظرت على ملامحه المنتشية لتبتسم بفخرٍ من حالها، فقد استطاعت أن تصل برجلها للمنتهى من السعادة واللذة،أمسكت بثمرة من التفاح الأحمر وقامت بقطع جزءًا منها بسكينًا حاد لتقربها من فم ذاك المغلق لعينيه مستمتعًا بتلك الحالة التي وصل إليها بفضل تلك الحبيبة،فتح فمه حين شعر بشئٍ يقترب من شفتيه ليقتطم قطعة من التفاح وتكملها هي باستمتاع،فتح عينيه يتطلع عليها لينطق بصوتٍ متحشرج متأثرًا بحالته:
-بحبك يا أحلا حاجة حصلت لي في حياتي
ابتسمت ليمسك من يدها ذاك السكين ويلقيه بعيدًا ليجذبها فوقه تعتليه ليصبح وجهها مقابلاً لخاصته،شـ.ـدد من مسكته لخصرها لتميل على وجنته تلثمها بقبلةٍ حنون أثارت جنونه ليقول بصوتٍ متحشرجًا:
-مهما كان حجم تعبي الجثماني أو النفسي كله بيزول بمجرد ما بتاخديني جوه حُضنك،نظرة عيونك كفيلة تنقلني لعالم تاني،عالم مفيهوش غير حبك،حبك وبس
بنبرات صوتٍ تشعُ حنانًا نطقت:
-بسيطة،متخرجش من حُضني طالما بتلاقي فيه راحتك
أجابها باسترخاء تجلى بنبرات صوته:
-ياريت كان ينفع
تنفس عاليًا لتريح رأسها على صدره تستمتع لدقات قلبه وكأنها تستمع لأعـ.ـذ.ب الألحان الموسيقية،تنفست بانتشاء وأغمضت عينيها تستمتع بذاك الهدوء والجو الرومانسي،موسيقى هادئة وإضاءة خافتة وماءٌ ووجهٍ حسن،ماذا يحتاج المرء أكثر من هذا كي يسبحُ بعالمٍ من الخيال أكثر حالمية،نزلت من فوقهِ لتحثه على الإلتفاف فاسترخى منقلبًا على بطنه لتبدأ بتدليك ظهره بكفيها،أفرغت بعضًا من الزيوت الخاصة بالتدليك وباتت تمرر بكفيها على ظهرهِ وذراعيه حتى استسلم لها وأرخى جسده باستمتاع كاد أن يدخلهُ في نعاس لولا صوتها الذي جعله ينتبه وهي تقول:
-بتحبني؟
أجابها باستمتاع:
-بعشقك
إنتهت ليلتهما بسعادة حيث ارتديا ثيابهما وصعدا لغرفتهما ليغفى كلًا منهما داخل أحضان الأخر.
*********
عصر اليوم التالي
اجتمعت عائلة علام وعائلة غانم وأيضًا عائلة أيمن بجانب زملاء الفتى داخل المدرسة والنادي الرياضي لحضور حفل يوم ميلاده السعيد،إهتم فؤاد بالحفل كثيرًا حيث سلمه لأحد الشركات الخاصة بتجهيز هذا النوع من الحفلات ليظهر في أبهى صورة له،وقفت بيسان تتطلع من بعيد على ذاك الواقف بين أصدقاءه يضحك ويتسامر معهم بالحديث ولا يكترث لأمر تلك الحانقة،لاحظت إيثار هذا الأمر ولاحظت أيضًا التصاق فتاة بنجلها فتوقفت عن المرور بين الضيوف والترحيب بهم لتقترب على الصغير وهي تقول بابتسامة ساحرة:
-ممكن أخد چو منكم شوية يا شباب
تحدث أحدهم بممازحة:
-إتفضليه طبعاً يا طنط
ابتعدت قليلاً بنجلها لتسألهُ وهي تتطلع على تلك الحزينة:
-إنتَ متخانق مع بيسان يا چو؟
هتف بنبرة حادة أظهرت غضبه:
-أنا ما أتخانقتش مع حد يا مامي،هي اللي مقموصة لوحدها
سألته مستفسرة:
-وهي هتتقمص منها لنفسها كده،أكيد عملت لها حاجة زعلتها
هتف على عجالة وهو يرمق تلك التي تطالعه بعينين حزينتين:
-والله حضرتك ممكن تروحي تسأليها هي وتشوفي ردها
أنا بسألك إنتَ يا يوسف...قالتها بصرامة ليزفر ثم قرر المصارحة:
-الأستاذة فاكرة إني من ضمن ممتلكاتها وعاوزة تتحكم فيا ،وكل شوية تحط لي ليستة ممنوعات،متكلمش دي ولا تقرب من دي
واسترسل بنبرة أظهرت كم شعوره بالاختناق من اسلوب تحكمها به:
-دي وصلت إنها بتدخل في فريق السباحة اللي بتدرب معاهم، تخيلي مش عوزاني أتكلم مع البنات المشتركة معايا في الفريق ؟!
واسترسل موضحًا:
-شافتني إمبـ.ـارح وأنا واقف مع أيلا زميلتي في الفريق والبنت كانت بتسألني عن حاجة خاصة في الدراسة،جت عليا وسمعتني كلام سخيف جداً ومش مقبول،وبتهددني يا اقطع علاقتي بالبنت دي يا أقطع علاقتي بيها هي
واسترسل تحت اهتمام والدته واستماعها لشكواه:
-قولت لها انا مش هقطع علاقتي بحد ومش هسمح لأي مخلوق إنه يتحكم فيا،قالت لي يبقى أنتَ اللي اخترت، ومن وقتها وهي بعيد وبتتجنب أي مكان أكون أنا فيه
ليتابع الفتى باعتزاز بنفسهِ:
-مهما كنت بعزها أو مهما كانت قريبة من قلبي ده ما يديهاش الحق هي أو غيرها إنه يتحكم فيا ويمشيني على كيفه،أنا عندي كرامة وليا كياني ومش هسمح لأي مخلوق إنه يتحكم في قراراتي
كادت أن تتحدث قاطعها اقبال فؤاد عليهم وحديثه إلى يوسف وهو يمسد على كتفهِ بحنان:
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي
ابتسامة سعيدة ارتسمت فوق محياه لينطق بصوتٍ حماسي:
-وحضرتك طيب يا بابا
-مش عاوز تشوف هديتك...قالها بابتسامة سعيدة لينطق الفتى بلباقة:
-من قبل ما أشوفها أكيد هتبقى بيرفيكت،وكفاية إنها ذوق حضرتك وإختيارك يا باشا
نظر إلى زوجته لينطق بتفاخر:
-إنتِ سامعة اللي أنا سامعه يا إيثار،إبني كبر وبيتكلم ولا رجـ.ـال السلك الدبلوماسي
-تربيتك يا باشا...قالتها إيثار بحبورٍ ظهر بعينيها ليبتسم لها كلاهما باستحسان لكلمـ.ـا.تها،مد فؤاد يده بعلبة وناولها للفتى وقال:
-افتحها وشوف بنفسك
نزع الفتى الغطاء عن العُلبة لينبهر ويحدق بعينيه وهو يرى أمامه تلك الساعة الشبابية ذو الماركة العالمية التي أصبحت حديث الشباب مؤخرًا ولم تنزل الأسواق المصرية بعد،أيعقل أنهُ إهتم به لتلك الدرجة،يا لك من رائع أيها الـ فؤاد،فقد علم من بيسان قبل عشرة أيام حين سألها عن أكثر شئ سيسعد قلب يوسف وأبلغته عن تلك الساعة التي شغلت باله مؤخرًا وكان يريد التحدث إلى أمه بأمرها،فبعث إلى الخارج وقام بشراءها ليفاجئ الفتى بها وقد حدث بالفعل،فقد سعد الشاب لدرجة جعلت قلبه كاد أن يقفز من مكانه وهو يحتضن فؤاد ويقول:
-معقولة يا بابا، حضرتك جبت لي الساعة اللي كان نفسي فيها
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي... قالها فؤاد بسعادة وهو يتطلع على حبور الفتى،استدعاهم علام فذهبوا إلى الطاولة حيث علام وزوجته والصغيران،لفت الصغيرة ذراعيها حول عنق شقيقها وهي تقول:
-هابي بيرث داي يا چو
-هابي بيرث داي يا قلب چو...قالها وهو يقبلها لينطق علام وهو يحتضن الفتى ويربط على كتفه:
-كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي
وأخرج من بين جيبه ورقة وأعطاها له قائلاً:
-جدو علام دقة قديمة، ومعرفش في هدايا شباب اليومين دول، فأنا عملت معاك اللي كان أبويا الله يرحمه بيعمله معايا،عملت لك شهادة إدخارية
تبسمت إيثار لتنطق بعينين ممتنة:
-تعبت نفسك ليه بس يا حبيبي،ده وجود سعادتك في حياتنا في حد ذاته أعظم هدية
ابتسم ليحاوط وجنة من يعتبرها ابنته الثانية تحت سعادة الجميع،وقدmت عصمت هديتها وكانت عبـ.ـارة عن حذاء رياضي ذو ماركة عالمية سعد بها الفتى وتحدث وهو يقبلها:
-ميرسي يا نانا
أجابته بسعادة بما للصغير نصيبًا كبيرًا في قلبها:
-كل سنة وإنتَ طيب يا چو،وعقبال مية سنة يا حبيبي
أقبل أحد الحراس على فؤاد ليميل ويقول له:
-سعادة المستشار،فيه طرد جاي باسم يوسف من خارج مصر ومندوب الشركة مصمم إن يوسف بنفسه هو اللي يستلمه
ابتعد قليلاً ليسأله:
-مقالش مين اللي باعت الطرد؟!
لاحظت تـ.ـو.تر فؤاد فاقتربت منه لتسأله بتـ.ـو.ترٍ ظهر بصوتها:
-فيه إيه يا فؤاد؟
أمسك كتفها ليقول بحنو:
-مفيش يا حبيبي،إرجعي عند الولاد وأنا هطلع لحد البوابة أشوف حاجة وأرجع على طول
تحرك بجوار رجل الامن فانتابها شعورًا بعدm الراحة لا تعلم مصدره لتتبعه إلى الخارج دون أن يلاحظ،وجدته يسأل الرجل بحدة:
-مين اللي باعت الطرد ده؟
أجابه الرجل بجدية:
-صدقني يا باشا ما أعرف، كل اللي اعرفه إنه مبعوت عن طريق حد مهم ومتوصي عليه من الشركة
سأل فؤاد ضابط الأمن المكلف بحراسة القصر:
-كشفتوا على الطرد يا اسماعيل؟
رد الرجل باستفاضة:
-كشفنا عليه بالجهاز ولقيناه أمن يا باشا
أشار للرجل قائلاً:
-إفتح الصندوق
كانت تقف بجوار الباب تستمع وتشاهد لما يجري دون أن يلاحظ وجودها،تحدث الرجل باعتراض:
-ده مش شغلي يا افنـ.ـد.م،أنا مهمتي أسلم الطرد ليوسف عمرو شخصيًا وأتكل على الله
تحولت عينيه من هادئة إلى براكين خامدة ستنفجر بأي وقت ليهتف بحدة صارمة أرعـ.ـبت الرجل:
-إسمع الكلام وبطل رغي يا روح أمك علشان ليلتك السودة دي تعدي على خير
ارتجف جسدها من تحول فؤاد فهي أدرى الناس بطباع زوجها،فطالما وصل إلى هذا الحد وانفلت زمام صبره فهذا يعني أنه يستشعر الخطر،فتح الرجل الطرد ليجدوا بداخله علبه لأحدث هاتفًا محمول نزل بالأسواق وثمنهُ باهظًا للغاية،يصاحبه كارت فأشار له فؤاد بأن يجلبه له وما أمسكه وبدأ بقرائته حتى باغتتهُ تلك التي التصقت به وعينيها على تلك الكلمـ.ـا.ت «كل سنة وإنتَ طيب يا حبيبي،وعقبال مليون سنة،أكيد هييجي اليوم اللي نجتمع فيه تاني مع بعض،أنا بابا يا يوسف،بابا اللي عمره ما حب حد في الدنيا قد ما حبك،سلم لي على ماما لحد ما أشوفكم» اهتز جسدها بجواره ليتطلع عليها وجد وجهها شاحبٕا كالأموات وبسرعة البرق كان يحملها بين ذراعيه قبل أن يسقط جسدها أرضًا بعدmا فقدت وعيها.
تمت بحمدلله
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇